تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ثُمَّ دخلت

سنة ست وأربعين
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كَانَ فِيهَا من ذلك مشتى مالك بن عبد اللَّهِ بأرض الروم، وقيل:
بل كَانَ ذَلِكَ عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد، وقيل بل كان مالك بن هبيرة السكوني.

خبر انصراف عبد الرحمن بن خالد الى حمص وهلاكه
وفيها انصرف عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد من بلاد الروم إِلَى حمص، فدس ابن أثال النصراني إِلَيْهِ شربة مسمومة- فِيمَا قيل- فشربها فقتلته.
ذكر الخبر عن سبب هلاكه:
وَكَانَ السبب فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي عمر، قال: حدثنى على، عن مسلمه ابن محارب، أن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد كَانَ قَدْ عظم شأنه بِالشَّامِ، ومال إِلَيْهِ أهلها، لما كَانَ عندهم من آثار أَبِيهِ خَالِد بن الْوَلِيد، ولغنائه عن الْمُسْلِمِينَ فِي أرض الروم وبأسه، حَتَّى خافه مُعَاوِيَة، وخشي عَلَى نفسه مِنْهُ، لميل الناس إِلَيْهِ، فأمر ابن أثال أن يحتال فِي قتله، وضمن لَهُ إن هُوَ فعل ذَلِكَ أن يضع عنه خراجه مَا عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم عبد الرَّحْمَن بن خَالِد حمص منصرفا من بلاد الروم دس إِلَيْهِ ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها فمات بحمص، فوفى لَهُ مُعَاوِيَة بِمَا ضمن لَهُ، وولاه خراج حمص، ووضع عنه خراجه.
قَالَ: وقدم خَالِد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِد بن الْوَلِيد الْمَدِينَة، فجلس يَوْمًا إِلَى عروة بن الزُّبَيْرِ، فسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عروة: من أنت؟ قَالَ:
انا خَالِد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِد بن الْوَلِيد، فَقَالَ لَهُ عروة: مَا فعل ابن أثال؟ فقام خَالِد من عنده، وشخص متوجها إِلَى حمص، ثُمَّ رصد بِهَا

(5/227)


ابن أثال، فرآه يَوْمًا راكبا، فاعترض لَهُ خَالِد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فضربه بالسيف، فقتله، فرفع إِلَى مُعَاوِيَةَ، فحبسه أياما، وأغرمه ديته، ولم يقده مِنْهُ ورجع خَالِد إِلَى الْمَدِينَة، فلما رجع إِلَيْهَا أتى عروة فسلم عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عروة: مَا فعل ابن أثال؟ فَقَالَ: قَدْ كفيتك ابن أثال، ولكن مَا فعل ابن جرموز؟ فسكت عروة وَقَالَ خَالِد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ حين ضرب ابن أثال:
أنا ابن سيف اللَّه فاعرفوني ... لم يبق الا حسبي وديني
وصارم صل به يميني
. ذكر خروج سهم والخطيم
وفيها خرج الخطيم وسهم بن غالب الهجيمي، فحكما، وَكَانَ من أمرهما مَا حَدَّثَنِي بِهِ عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: لما ولي زياد خافه سهم ابن غالب الهجيمي والخطيم- وَهُوَ يَزِيد بن مالك الباهلي- فأما سهم فخرج إِلَى الأهواز فأحدث وحكم، ثُمَّ رجع فاختفى وطلب الأمان، فلم يؤمنه زياد، وطلبه حَتَّى أخذه وقتله وصلبه عَلَى بابه وأما الخطيم فإن زيادا سيره إِلَى البحرين، ثُمَّ أذن لَهُ فقدم، فَقَالَ له: الزم مصرك، وقال لمسلم ابن عَمْرو: اضمنه، فأبى وَقَالَ: إن بات عن بيته أعلمتك ثُمَّ أتاه مسلم فَقَالَ: لم يبت الخطيم الليلة فِي بيته، فأمر بِهِ فقتل، وألقي فِي باهلة.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ العمال والولاة فِيهَا العمال والولاة فِي السنة التي قبلها

(5/228)


ثُمَّ دخلت

سنة سبع وأربعين
(ذكر الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا) ففيها كَانَ مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، ومشتى أبي عبد الرحمن القينى بأنطاكية.

ذكر عزل عبد الله بن عمرو عن مصر وولايه ابن حديج
وفيها عزل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ مصر، ووليها معاويه ابن حديج، وسار- فِيمَا ذكر الْوَاقِدِيّ- فِي المغرب، وَكَانَ عثمانيا.
قَالَ: ومر بِهِ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَقَدْ جَاءَ من الإسكندرية، فَقَالَ لَهُ:
يَا مُعَاوِيَة، قَدْ لعمري أخذت من مُعَاوِيَة جزاءك، قتلت مُحَمَّد بن أبي بكر لأن تلي مصر، فقد وليتها قَالَ: مَا قتلت مُحَمَّد بن أبي بكر إلا بِمَا صنع بعثمان، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فلو كنت إنما تطلب بدم عُثْمَان لم تشرك مُعَاوِيَة فِيمَا صنع حَيْثُ صنع عَمْرو بن الْعَاصِ بالأشعري مَا صنع، فوثبت أول الناس فبايعته
. ذكر غزو الغور
وَقَالَ بعض أهل السير: وفي هَذِهِ السنة وجه زياد الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ إِلَى خُرَاسَان أميرا، فغزا جبال الغور وفراونده، فقهرهم بالسيف عنوة ففتحها، وأصاب فِيهَا مغانم كثيرة وسبايا، وسأذكر من خالف هَذَا القول بعد إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
وذكر قائل هَذَا القول أن الحكم بن عَمْرو قفل من غزوته هذه،

(5/229)


فمات بمرو.
واختلفوا فِيمَنْ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَالَ الْوَاقِدِيّ: أقام الحج فِي هَذِهِ السنة عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ غيره: بل الَّذِي حج فِي هَذِهِ السنة عنبسة بن أَبِي سُفْيَانَ.
وكانت الولاة والعمال عَلَى الأمصار الَّذِينَ ذكرت أَنَّهُمْ كَانُوا العمال والولاة فِي السنة الَّتِي قبلها

(5/230)


ثُمَّ دخلت

سنة ثمان وأربعين
(ذكر الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا) وَكَانَ فِيهَا مشتى أبي عبد الرَّحْمَن القيني أنطاكية، وصائفة عَبْد اللَّهِ ابن قيس الفزاري وغزوة مالك بن هبيرة السكوني البحر، وغزوة عقبة بن عَامِر الجهني بأهل مصر البحر، وبأهل الْمَدِينَة، وعلى أهل الْمَدِينَة المنذر بن الزهير، وعلى جميعهم خَالِد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِد بن الْوَلِيد.
وَقَالَ بعضهم: فِيهَا وجه زياد غالب بن فضالة الليثى عَلَى خُرَاسَان، وكانت لَهُ صحبة مِنْ رَسُولِ الله ص.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة مَرْوَان بن الحكم فِي قول عامة أهل السير، وَهُوَ يتوقع العزل لموجدة كَانَتْ من مُعَاوِيَة عَلَيْهِ، وارتجاعه مِنْهُ فدك، وَقَدْ كَانَ وهبها لَهُ.
وكانت ولاة الأمصار وعمالها فِي هَذِهِ السنة الَّذِينَ كَانُوا فِي السنة الَّتِي قبلها

(5/231)


ثُمَّ دخلت

سنة تسع وأربعين
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) فكان فِيهَا مشتى مالك بن هبيرة السكوني بأرض الروم.
وفيها كَانَتْ غزوة فضالة بن عبيد جربة، وشتا بجربة، وفتحت عَلَى يديه، وأصاب فِيهَا سبيا كثيرا.
وفيها كَانَتْ صائفة عَبْد اللَّهِ بن كرز البجلي.
وفيها كَانَتْ غزوة يَزِيد بن شجرة الرهاوي فِي البحر، فشتا بأهل الشام.
وفيها كَانَتْ غزوة عقبة بن نافع البحر، فشتا بأهل مصر.
وفيها كَانَتْ غزوة يَزِيد بن مُعَاوِيَة الروم حَتَّى بلغ قسطنطينية، وَمَعَهُ ابن عَبَّاس وابن عمر وابن الزُّبَيْر وأبو أيوب الأَنْصَارِيّ.
وفيها عزل مُعَاوِيَة مَرْوَان بن الحكم عن الْمَدِينَة فِي شهر ربيع الأول.
وأمر فِيهَا سَعِيد بن الْعَاصِ عَلَى الْمَدِينَة فِي شهر ربيع الآخر، وقيل فِي شهر ربيع الأول.
وكانت ولاية مَرْوَان كلها بِالْمَدِينَةِ لمعاوية ثمان سنين وشهرين.
وَكَانَ عَلَى قضاء الْمَدِينَة لمروان- فِيمَا زعم الْوَاقِدِيّ- حين عزل عَبْد اللَّهِ بن الْحَارِث بن نوفل، فلما ولي سَعِيد بن الْعَاصِ عزله عن القضاء، واستقضى أبا سلمة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف.
وقيل: فِي هَذِهِ السنة وقع الطاعون بالكوفة، فهرب الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ من الطاعون، فلما ارتفع الطاعون قيل لَهُ: لو رجعت إِلَى الْكُوفَةِ! فقدمها فطعن فمات، وَقَدْ قيل: مات الْمُغِيرَة سنة خمسين، وضم مُعَاوِيَة الْكُوفَة إِلَى زياد، فكان أول من جمع لَهُ الكوفه والبصره

(5/232)


وحج بالناس في هذه السنة سعيد بن الْعَاصِ وكانت الولاة والعمال فِي هَذِهِ السنة الَّذِينَ كَانُوا فِي السنة الَّتِي قبلها، إلا عامل الْكُوفَة فإن فِي تاريخ هلاك الْمُغِيرَة اختلافا، فَقَالَ: بعض أهل السير: كَانَ هلاكه فِي سنة تسع وأربعين، وَقَالَ بعضهم: فِي سنه خمسين

(5/233)


ثُمَّ دخلت

سنة خمسين
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) ففيها كَانَتْ غزوة بسر بن أبي أرطاة وسفيان بن عوف الأَزْدِيّ أرض الروم.
وقيل: كَانَتْ فِيهَا غزوة فضالة بن عبيد الأنصاري البحر.

ذكر وفاه المغيره بن شعبه وولايه زياد الكوفه
وفيها- فِي قول الْوَاقِدِيّ والمدائني- كَانَتْ وفاة الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أبي مُوسَى الثقفي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ رجلا طوالا، مصاب العين، أصيب باليرموك، توفي فِي شعبان سنة خمسين وَهُوَ ابن سبعين سنة.
وأما عوانة فإنه قَالَ- فِيمَا حدثت عن هشام بن محمد، عنه:
هلك الْمُغِيرَة سنة إحدى وخمسين.
وَقَالَ بعضهم: بل هلك سنة تسع وأربعين.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ زياد عَلَى الْبَصْرَة وأعمالها إِلَى سنة خمسين، فمات الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ بالكوفة وَهُوَ أميرها، فكتب مُعَاوِيَة إِلَى زياد بعهده عَلَى الْكُوفَة والبصرة، فكان أول من جمع لَهُ الْكُوفَة والبصرة، فاستخلف عَلَى الْبَصْرَة سمرة بن جندب، وشخص إِلَى الْكُوفَةِ، فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة، وستة أشهر بِالْبَصْرَةِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، عن مسلمة بن محارب، قَالَ: لما مات الْمُغِيرَة جمعت العراق لزياد، فأتى الْكُوفَة فصعد الْمِنْبَر، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إن هَذَا الأمر أتاني وأنا بِالْبَصْرَةِ، فأردت أن أشخص

(5/234)


إليكم فِي ألفين من شرطة الْبَصْرَة، ثُمَّ ذكرت أنكم أهل حق، وأن حقكم طالما دفع الباطل، فأتيتكم فِي أهل بيتي، فالحمد لِلَّهِ الَّذِي رفع مني مَا وضع الناس، وحفظ مني مَا ضيعوا حَتَّى فرغ من الخطبة، فحُصِبَ عَلَى الْمِنْبَر، فجلس حَتَّى أمسكوا، ثُمَّ دعا قوما من خاصته، وأمرهم، فأخذوا أبواب المسجد، ثُمَّ قَالَ: ليأخذ كل رجل مِنْكُمْ جليسه، وَلا يقولن:
لا أدري من جليسي؟ ثُمَّ أمر بكرسي فوضع لَهُ عَلَى باب المسجد، فدعاهم أربعة أربعة يحلفون بِاللَّهِ مَا منا من حصبك، فمن حلف خلاه، ومن لم يحلف حبسه وعزله، حَتَّى صار إِلَى ثَلاثِينَ، ويقال: بل كَانُوا ثمانين، فقطع ايديهم على المكان.
قال الشعبى: فو الله مَا تعلقنا عَلَيْهِ بكذبة، وما وعدنا خيرا وَلا شرا إلا أنفذه.
حَدَّثَنِي عُمَرُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ رَجُلٍ قَتَلَهُ زِيَادٌ بِالْكُوفَةِ أَوْفَى بْنُ حِصْنٍ، بَلَغَهُ عَنْهُ شَيْءٌ فَطَلَبَهُ فَهَرَبَ، فَعَرَضَ النَّاسَ زِيَادٌ، فَمَرَّ بِهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا:
أَوْفَى بْنُ حِصْنٍ الطَّائِيُّ، فَقَالَ زِيَادٌ: أَتَتْكَ بِحَائِنٍ رِجْلاهُ، فَقَالَ أَوْفَى:
إِنَّ زِيَادًا أَبَا الْمُغِيرَةِ لا ... يعجل وَالنَّاسُ فِيهِمُ عَجَلَهْ
خِفْتُكَ وَاللَّهِ فَاعْلَمَنْ حَلَفِي ... خَوْفَ الْحَفَافِيثِ صَوْلَةَ الأَصَلَهْ
فَجِئْتُ إِذْ ضَاقَتِ الْبِلادُ فَلَمْ ... يَكُنْ عَلَيْهَا لِخَائِفٍ وَأَلَهْ
قَالَ: مَا رَأْيُكَ فِي عُثْمَانَ؟ قَالَ خَتَنُ رَسُولِ الله ص عَلَى ابْنَتَيْهِ، وَلَمْ أُنْكِرْهُ، وَلِي مَحْصُولُ رَأْيٍ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي مُعَاوِيَةَ؟ قَالَ:

(5/235)


جَوَادٌ حَلِيمٌ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِيَّ؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ بِالْبَصْرَةِ: وَاللَّهِ لآخُذَنَّ الْبَرِيءَ بِالسَّقِيمِ، وَالْمُقْبِلَ بِالْمُدْبِرِ، قَالَ: قَدْ قُلْتُ ذَاكَ، قال:
خبطتها عَشْوَاءُ، قَالَ زِيَادٌ: لَيْسَ النَّفَّاخُ بِشَرِّ الزُّمْرَةِ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيُّ:
خَيَّبَ اللَّهُ سَعْيَ أَوْفَى بْنِ حِصْنٍ ... حِينَ أَضْحَى فَرُّوجَةَ الرَّقَّاءِ
قَادَهُ الْحَيْنُ وَالشَّقَاءُ إِلَى لَيْثِ ... عَرِينٍ وَحَيَّةٍ صَمَّاءِ
قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ زِيَادٌ الْكُوفَةَ أَتَاهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَقَالَ:
إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَمِقِ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مِنْ شِيعَةِ أَبِي تُرَابٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ: مَا يَدْعُوكَ إِلَى رَفْعِ مَا لا تَيَقَّنُهُ وَلا تَدْرِي مَا عاقبته! فقال زياد:
كلا كما لَمْ يُصِبْ، أَنْتَ حَيْثُ تُكَلِّمُنِي فِي هَذَا عَلانِيَةً وَعَمْرٌو حِينَ يَرُدُّكَ عَنْ كَلامِكَ، قُومَا إِلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ فَقُولا لَهُ: مَا هَذِهِ الزَّرَافَاتُ الَّتِي تَجْتَمِعُ عِنْدَكَ! مَنْ أَرَادَكَ أَوْ أَرَدْتَ كَلامَهُ فَفِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي رَفَعَ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَنْغَلُ الْمِصْرَيْنِ، يَزِيدُ بْنُ رُوَيْمٍ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحُرَيْثِ: مَا كَانَ قَطُّ أَقْبَلَ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، فَقَالَ زِيَادٌ لِيَزِيدَ بْنِ رُوَيْمٍ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَشَطْتَ بِدَمِهِ، وَأَمَّا عَمْرٌو فَقَدْ حَقَنَ دَمَهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ مُخَّ سَاقِهِ قَدْ سَالَ مِنْ بُغْضِي مَا هِجْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ عَلَيَّ.
وَاتَّخَذَ زِيَادٌ الْمَقْصُورَةَ حِينَ حَصَبَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ.
وَوَلَّى زِيَادٌ حِينَ شَخَصَ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ فَحَدَّثَنِي عمر، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاق بن إدريس، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد ابن سليم قَالَ: سألت أنس بن سيرين: هل كَانَ سمرة قتل أحدا؟ قَالَ:

(5/236)


وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب! استخلفه زياد عَلَى الْبَصْرَة، وأتى الْكُوفَة، فَجَاءَ وَقَدْ قتل ثمانية آلاف مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: هل تخاف أن تكون قَدْ قتلت أحدا بريئا؟ قَالَ: لو قتلت إِلَيْهِم مثلهم مَا خشيت- أو كما قَالَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قال: حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَشْعَثَ الْحَدَّانِيِّ، عَنْ أَبِي سَوَّارٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: قَتَلَ سَمُرَةُ مِنْ قَوْمِي فِي غَدَاةٍ سَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ رَجُلا قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: أَقْبَلَ سَمُرَةُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ دُورِ بَنِي أَسَدٍ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ أَزِقَّتِهِمْ، فَفَجَأَ أَوَائِلَ الْخَيْلِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَأَوْجَرَهُ الْحَرْبَةَ قَالَ: ثُمَّ مَضَتِ الْخَيْلُ، فَأَتَى عَلَيْهِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَهُوَ مُتَشَحِّطٌ فِي دَمِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: أَصَابَتْهُ أَوَائِلُ خَيْلِ الأَمِيرِ، قَالَ: إِذَا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا

خروج قريب وزحاف
حدثني عمر قَالَ: حَدَّثَنِي زهير بن حرب، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ قَرِيبٌ وَزحاف، وَزِيَادٌ بِالْكُوفَةِ، وَسَمُرَةُ بالبصرة، فخرجا ليلا، فنزلا بَنِي يَشْكُرَ، وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلا، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَأَتَوْا بَنِي ضُبَيْعَةَ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلا، فَمَرُّوا بِشَيْخٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ حكاك، فَقَالَ حِينَ رَآهُمْ: مَرْحَبًا بِأَبِي الشَّعْثَاءِ! فَرَآهُ ابْنُ حُصَيْنٍ فَقَتَلُوهُ، وَتَفَرَّقُوا فِي مَسَاجِدِ الأَزْدِ، وَأَتَتْ فرقه

(5/237)


مِنْهُمْ رَحْبَةَ بَنِي عَلِيٍّ، وَفِرْقَةُ مَسْجِدَ المعادل، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ فِي أَصْحَابٍ لَهُ، فَقَتَلَ مَنْ أَتَاهُ، وَخَرَجَ عَلَى قَرِيبٍ وَزِحَافٍ شَبَابٌ مِنْ بَنِي عَلِيٍّ وَشَبَابٌ مِنْ بَنِي رَاسِبٍ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ قَالَ قَرِيبٌ:
هَلْ فِي الْقَوْمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَوْسٍ الطَّاحِيُّ؟ وَكَانَ يُنَاضِلُهُ، قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَهَلُمَّ إِلَى الْبَرَّازِ، فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَجَاءَ بِرَأْسِهِ، وَأَقْبَلَ زِيَادٌ مِنَ الْكُوفَةِ فَجَعَلَ يُؤَنِّبُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ طَاحِيَةَ، لَوْلا أَنَّكُمْ أَصَبْتُمْ فِي الْقَوْمِ لَنَفَيْتُكُمْ إِلَى السِّجْنِ قَالَ: وَكَانَ قَرِيبٌ مِنْ إِيَادٍ، وَزحاف مِنْ طَيِّئٍ، وَكَانَا ابْنَيْ خَالَةٍ، وَكَانَا أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ أَهْلِ النَّهْرِ.
قَالَ غَسَّانُ: سَمِعْتُ سَعِيدًا يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بِلالٍ قَالَ: قَرِيبٌ لا قَرَّبَهُ اللَّهُ، وَايْمُ اللَّهِ لأَنْ أَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ- يَعْنِي الاسْتِعْرَاضَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زهير، قَالَ: حدثنى وهب، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي أن زيادا اشتد فِي أمر الحرورية بعد قريب وزحاف، فقتلهم وأمر سمرة بِذَلِكَ، وَكَانَ يستخلفه عَلَى الْبَصْرَة إذا خرج إِلَى الْكُوفَةِ، فقتل سمرة مِنْهُمْ بشرا كثيرا.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عبيدة، قَالَ: قَالَ زياد يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمِنْبَر:
يَا أهل الْبَصْرَة، وَاللَّهِ لتكفني هَؤُلاءِ أو لأبدأن بكم، وَاللَّهِ لَئِنْ أفلت مِنْهُمْ رجل لا تأخذون العام من عطائكم درهما، قَالَ: فثار الناس بهم فقتلوهم