تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر عماره مسجد النبي ص
وفيها أمر الوليد بن عبد الملك بهدم مسجد رسول الله ص وهدم بيوت ازواج رسول الله ص وإدخالها في المسجد، فذكر مُحَمَّد بن عمر، أن مُحَمَّد بن جعفر بن وردان البناء قال: رأيت الرسول الذي بعثه الوليد بن عبد الملك قدم في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، قدم معتجرا، فقال الناس: ما قدم به الرسول! فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد يأمره بإدخال حجر ازواج رسول الله ص في مسجد رسول الله، وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ويقول له: قدم القبلة إن قدرت، وأنت تقدر لمكان أخوالك، فإنهم لا يخالفونك، فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل، ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان، فإن لك في ذلك سلف صدق، عمر وعثمان فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده، فأجاب القوم إلى الثمن، فأعطاهم إياه، وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي ص وبناء المسجد، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة، بعث بهم الوليد.
قال مُحَمَّد بن عمر: وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، قال:
رأيت عمر بن عبد العزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس: القاسم، وسالم، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، يرونه أعلاما في المسجد ويقدرونه، فأسسوا أساسه.
قال مُحَمَّد بن عمر: وحدثني يحيى بن النعمان الغفاري، عن صالح بن كيسان، قال: لما جاء كتاب الوليد من دمشق وسار خمس عشرة بهدم المسجد، تجرد عمر بن عبد العزيز قال صالح: فاستعملني على هدمه وبنائه، فهدمناه بعمال المدينة، فبدانا بهدم بيوت ازواج النبي ص حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد

(6/435)


قال مُحَمَّد: وحدثني موسى بن أبي بكر، عن صالح بن كيسان، قال: ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله ص في صفر من سنة ثمان وثمانين، وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله ص، وأن يعينه فيه، فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب، وبعث إليه بمائة عامل، وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا، وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت، فبعث بها إلى الوليد، فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العزيز.
وفي هذه السنة ابتدأ عمر بن عبد العزيز في بناء المسجد.
وفيها غزا أيضا مسلمة الروم، ففتح على يديه حصون ثلاثة:
حصن قسطنطينه، وغزالة، وحصن الأخرم وقتل من المستعربة نحو من ألف مع سبي الذرية وأخذ الأموال
. ذكر غزو قتيبة نومشكث وراميثنه
وفي هذه السنة غزا قتيبة نومشكث وراميثنة.
ذكر الخبر عما كان من خبر غزوته هذه:
ذكر علي بن مُحَمَّد، أن المفضل بن مُحَمَّد، أخبره عن أبيه ومصعب بن حيان، عن مولى لهم أدرك ذلك، أن قتيبة غزا نومشكث في سنة ثمان وثمانين، واستخلف على مرو بشار بن مسلم، فتلقاه أهلها، فصالحهم، ثم صار إلى راميثنة فصالحه أهلها، فانصرف عنهم وزحف إليه الترك، معهم السغد وأهل فرغانة، فاعترضوا المسلمين في طريقهم، فلحقوا عبد الرحمن ابن مسلم الباهلي وهو على الساقة، بينه وبين قتيبة وأوائل العسكر ميل، فلما قربوا منه أرسل رسولا إلى قتيبة بخبره، وغشيه الترك فقاتلوه، وأتى الرسول قتيبة فرجع بالناس، فانتهى إلى عبد الرحمن وهو يقاتلهم، وقد كاد

(6/436)


الترك يستعملونهم، فلما رأى الناس قتيبة طابت أنفسهم فصبروا، وقاتلوهم إلى الظهر، وأبلى يومئذ نيزك وهو مع قتيبة، فهزم الله الترك، وفض جمعهم، ورجع قتيبة يريد مرو، وقطع النهر من الترمذ يريد بلخ، ثم أتى مرو وقال الباهليون: لقى الترك المسلمين عليهم كور مغانون التركي ابن أخت ملك الصين في مائتي الف، فأظهر الله المسلمين عليهم
. ذكر ما عمل الوليد من المعروف
وفي هذه السنة كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار في البلدان.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي ابن أبي سبرة، قال: حدثني صالح بن كيسان، قال: كتب الوليد إلى عمر في تسهيل الثنايا وحفر الآبار بالمدينة، وخرجت كتبه إلى البلدان بذلك، وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله بذلك قال: وحبس المجذمين عن أن يخرجوا على الناس، وأجرى عليهم أرزاقا، وكانت تجري عليهم.
وقال ابن أبي سبرة، عن صالح بن كيسان، قال: كتب الوليد إلى عمر ابن عبد العزيز أن يعمل الفوارة التي عند دار يزيد بن عبد الملك اليوم، فعملها عمر وأجرى ماءها، فلما حج الوليد وقف عليها، فنظر إلى بيت الماء والفوارة، فأعجبته، وأمر لها بقوام يقومون عليها، وأن يسقى أهل المسجد منها، ففعل ذلك.
وحج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز في رواية مُحَمَّد بن عمر.
ذكر أن مُحَمَّد بن عبد الله بن جبير- مولى لبني العباس- حدثه عن صالح بن كيسان، قال: خرج عمر بن عبد العزيز تلك السنة- يعني سنة ثمان وثمانين- بعدة من قريش، أرسل إليهم بصلات وظهر للحمولة، وأحرموا معه من ذي الحليفة، وساق معه بدنا، فلما كان بالتنعيم لقيهم نفر

(6/437)


من قريش، منهم ابن أبي مليكة وغيره، فأخبروه أن مكة قليلة الماء، وأنهم يخافون على الحاج العطش، وذلك أن المطر قل، فقال عمر: فالمطلب هاهنا بين، تعالوا ندع الله قال: فرأيتهم دعوا ودعا معهم، فألحوا في الدعاء قال صالح: فلا والله إن وصلنا إلى البيت ذلك اليوم إلا مع المطر حتى كان مع الليل، وسكبت السماء، وجاء سيل الوادي، فجاء أمر خافه أهل مكة، ومطرت عرفة ومنى وجمع، فما كانت إلا عبرا، قال: ونبتت مكة تلك السنة للخصب.
وأما أبو معشر فإنه قال: حج بالناس سنة ثمان وثمانين عمر بن الوليد ابن عبد الملك، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت عمن ذكره، عن إسحاق ابن عيسى عنه.
وكانت العمال على الأمصار في هذه السنة العمال الذين ذكرنا أنهم كانوا عمالها في سنة سبع وثمانين.

(6/438)


ثم دخلت

سنة تسع وثمانين
(ذكر الخبر عن الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا)

خبر غزو مسلمه ارض الروم
فمن ذلك افتتاح المسلمين في هذه السنة حصن سورية، وعلى الجيش مسلمة بن عبد الملك، زعم الواقدي أن مسلمة غزا في هذه السنة أرض الروم، ومعه العباس بن الوليد ودخلاها جميعا ثم تفرقا، فافتتح مسلمة حصن سوريه، وافتتح العباس اذروليه، ووافق من الروم جمعا فهزمهم.
وأما غير الواقدي فإنه قال: قصد مسلمة عمورية فوافق بها للروم جمعا كثيرا، فهزمهم الله، وافتتح هرقلة وقمودية وغزا العباس الصائفة من ناحية البدندون.

خبر غزو قتيبة بخارى
وفي هذه السنة غزا قتيبة بخارى، ففتح راميثنة ذكر علي بن مُحَمَّد عن الباهليين أنهم قالوا ذلك، وأن قتيبة رجع بعد ما فتحها في طريق بلخ، فلما كان بالفارياب أتاه كتاب الحجاج: أن رد وردان خذاه.
فرجع قتيبة سنة تسع وثمانين، فأتى زم، فقطع النهر، فلقيه السغد وأهل كس ونسف في طريق المفازة، فقاتلوه، فظفر بهم ومضى إلى بخارى، فنزل خرقانة السفلى عن يمين وردان، فلقوه بجمع كثير، فقاتلهم يومين وليلتين، ثم أعطاه الله الظفر عليهم، فقال نهار بن توسعة:
وباتت لهم منا بخرقان ليلة ... وليلتنا كانت بخرقان أطولا
قال علي: أخبرنا أبو الذيال، عن المهلب بن إياس وأبو العلاء، عن

(6/439)


إدريس بن حنظلة، أن قتيبة غزا وردان حذاه ملك بخارى سنة تسع وثمانين فلم يطقه، ولم يظفر من البلد بشيء، فرجع إلى مرو، وكتب إلى الحجاج بذلك، فكتب إليه الحجاج: أن صورها لي، فبعث إليه بصورتها، فكتب إليه الحجاج: أن ارجع إلى مراغتك فتب إلى الله مما كان منك، وأتها من مكان كذا.
وكذا وقيل: كتب إليه الحجاج ان كس بكس وانسف نسف ورد وردان، وإياك والتحويط، ودعني من بنيات الطريق.

خبر ولايه خالد القسرى على مكة
وفي هذه السنة ولي خالد بن عبد الله القسري مكة فيما زعم الواقدي، وذكر أن عمر بن صالح حدثه عن نافع مولى بني مخزوم، قال: سمعت خالد بن عبد الله يقول على منبر مكة وهو يخطب:
أيها الناس، أيهما أعظم؟ أخليفة الرجل على أهله، أم رسوله إليهم؟
والله لو لم تعلموا فضل الخليفة، ألا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه ملحا أجاجا، واستسقاه الخليفة فسقاه عذبا فراتا، بئرا حفرها الوليد بن عبد الملك بالثنيتين- ثنية طوى وثنية الحجون- فكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم.
قال: ثم غارت البئر فذهبت فلا يدرى أين هي اليوم

(6/440)


وفيها غزا مسلمة بن عبد الملك الترك حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان، ففتح حصونا ومدائن هنالك.
وحج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز، حدثني بذلك احمد ابن ثَابِت، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن ابى معشر.
وكال العمال في هذه السنة على الأمصار العمال في السنة التي قبلها، وقد ذكرناهم قبل.

(6/441)