تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ثم دخلت
سنة سبع ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك ما كان من خروج عباد
الرعيني باليمن محكما، فقتله يوسف ابن عمر، وقتل معه اصحابه كلهم
وكانوا ثلاثمائه.
وفيها غزا الصائفة معاوية بْن هشام، وعلى جيش الشام ميمون بْن مهران،
فقطع البحر حتى عبر إلى قبرس، وخرج معهم البعث الذى هشام كان أمر به في
حجته سنة ست، فقدموا في سنة سبع على الجعائل، غزا منهم نصفهم وقام
النصف وغزا البر مسلمة بْن عبد الملك وفيها وقع بالشام طاعون شديد.
وفيها وجه بكير بْن ماهان أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد بْن خنيس
وعمار العبادي في عدة من شيعتهم، معهم زياد خال الوليد الأزرق دعاة إلى
خراسان، فجاء رجل من كندة إلى أسد بْن عبد الله، فوشى بهم إليه، فأتى
بأبي عكرمة ومحمد بْن خنيس وعامة أصحابه، ونجا عمار، فقطع أسد أيدي من
ظفر به منهم وأرجلهم، وصلبهم فأقبل عمار إلى بكير بْن ماهان، فأخبره
الخبر، فكتب به إلى محمد بْن علي، فأجابه: الحمد لله الذي صدق مقالتكم
ودعوتكم، وقد بقيت منكم قتلى ستقتل.
وفي هذه السنة حمل مسلم بْن سعيد إلى خالد بن عبد الله، وكان اسد ابن
عبد الله له مكرما بخراسان لم يعرض له ولم يحبسه، فقدم مسلم وابن هبيرة
مجمع على الهرب، فنهاه عن ذلك مسلم، وقال له: إن القوم فينا أحسن رأيا
منكم فيهم وفي هذه السنة غزا أسد جبال نمرون ملك الغرشستان مما يلي
جبال الطالقان، فصالحه نمرون وأسلم على يديه، فهم اليوم يتولون اليمن.
غزو الغور
وفيها غزا أسد الغور وهي جبال هراة
(7/40)
ذكر الخبر عن غزوة أسد هذه الغزوة:
ذكر علي بن محمد عن أشياخه، أن أسدا غزا الغور، فعمد أهلها إلى أثقالهم
فصيروها في كهف ليس إليه طريق، فأمر أسد باتخاذ توابيت ووضع فيها
الرجال، ودلاها بالسلاسل، فاستخرجوا ما قدروا عليه، فقال ثابت قطنة:
أرى أسدا تضمن مفظعات ... تهيبها الملوك ذوو الحجاب
سما بالخيل في أكناف مرو ... وتوفزهن بين هلا وهاب
إلى غورين حيث حوى أزب ... وصك بالسيوف وبالحراب
هدانا الله بالقتلى تراها ... مصلبة بأفواه الشعاب
ملاحم لم تدع لسراة كلب ... مهاترة ولا لبني كلاب
فأوردها النهاب وآب منها ... بأفضل ما يصاب من النهاب
وكان إذا أناخ بدار قوم ... أراها المخزيات من العذاب
ألم يزر الجبال جبال ملع ... ترى من دونها قطع السحاب
بأرعن لم يدع لهم شريدا ... وعاقبها الممض من العقاب
وملع من جبال خوط فيها تعمل الحزم الملعية.
[أخبار متفرقة]
وفي هذه السنة نقل أسد من كان بالبروقان من الجند إلى بلخ، فأقطع كل من
كان له بالبروقان مسكن مسكنا بقدر مسكنه، ومن لم يكن له مسكن أقطعه
مسكنا، وأراد أن ينزلهم على الأخماس، فقيل له: إنهم يتعصبون، فخلط
بينهم، وكان قسم لعمارة مدينة بلخ الفعلة على كل كورة على قدر خراجها،
وولى بناء مدينة بلخ برمك أبا خالد بْن برمك، - وكان البروقان منزل
الأمراء وبين البروقان وبين بلخ فرسخان وبين المدينة والنوبهار قدر
غلوتين- فقال أبو البريد في بنيان أسد مدينة بلخ:
شعفت فؤادك فالهوى لك شاعف ... رئم على طفل بحومل عاطف
(7/41)
ترعى البرير بجانبي متهدل ... ريان لا يعشو
إليه آلف
بمحاضر من منحني عطفت له ... بقر ترجح زانهن روادف
إن المباركة التي أحصنتها ... عصم الذليل بها وقر الخائف
فأراك فيها ما رأى من صالح ... فتحا وأبواب السماء رواعف
فمضى لك الاسم الذي يرضى به ... عنك البصير بما نويت اللاطف
يا خير ملك ساس أمر رعية ... إني على صدق اليمين لحالف
الله آمنها بصنعك بعد ما ... كانت قلوب خوفهن رواجف
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ
أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر وكذلك
قال الواقدي وهشام وغيرهما.
وكانت عمال الأمصار فِي هَذِهِ السنة عمالها الذين ذكرناهم قبل في سنة
ست ومائة
(7/42)
ثم دخلت
سنة ثمان ومائة
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) ففيها كانت غزوة مسلمة بْن عبد
الملك حتى بلغ قيسارية، مدينة الروم مما يلي الجزيرة، ففتحها الله على
يديه.
وفيها أيضا غزا إبراهيم بْن هشام ففتح أيضا حصنا من حصون الروم.
وفيها وجه بكير بن ماهان الى خراسان عدة، فيهم عمار العبادي، فوشى بهم
رجل إلى أسد بْن عبد الله، فأخذ عمارا فقطع يديه ورجليه ونجا أصحابه،
فقدموا على بكير بْن ماهان فأخبروه الخبر، فكتب بذلك إلى محمد بْن علي،
فكتب إليه في جواب الكتاب: الحمد لله الذي صدق دعوتكم ونجى شيعتكم.
وفيها كان الحريق بدابق، فذكر مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ نافع حدثه عن أبيه، قَالَ: احترق المرعى حتى احترق الدواب
والرجال.
غزو الختل
وفيها غزا أسد بْن عبد الله الختل، فذكر عن علي بْن محمد أن خاقان أتى
أسدا وقد انصرف إلى القواديان، وقطع النهر، ولم يكن بينهم قتال في تلك
الغزاة وذكر عن أبي عبيدة، أنه قَالَ: بل هزموا أسدا وفضحوه، فتغنى
عليه الصبيان:
از ختلان آمذى ... برو تباه آمذي
قَالَ: وكان السبل محاربا له، فاستجلب خاقان، وكان أسد قد أظهر أنه
يشتو بسرخ دره، فأمر أسد الناس فارتحلوا، ووجه راياته، وسار في ليلة
مظلمة إلى سرخ دره، فكبر الناس، فقال أسد: ما للناس؟ قالوا:
(7/43)
هذه علامتهم إذا ففلوا، فقال لعروة
المنادي: ناد أن الأمير يريد غورين، ومضى وأقبل خاقان حين انصرفوا إلى
غورين النهر فقطع النهر، فلم يلتق هو ولا هم، ورجع إلى بلخ، فقال
الشاعر في ذلك يمدح اسد بن عبد الله:
ندبت لي من كل خمس ألفين ... من كل لحاف عريض الدفين
قال: ومضى المسلمون إلى الغوريان فقاتلوهم يوما، وصبروا لهم، وبرز رجل
من المشركين، فوقف أمام أصحابه وركز رمحه، وقد أعلم بعصابة خضراء- وسلم
بْن أحوز واقف مع نصر بن سيار- فقال سلم لنصر: قد عرفت رأي أسد، وأنا
حامل على هذا العلج، فلعلي أن أقتله فيرضى.
فقال: شأنك، فحمل عليه، فما اختلج رمحه حتى غشيه سلم فطعنه فإذا هو بين
يدي فرسه، ففحص برجله، فرجع سلم فوقف، فقال لنصر: أنا حامل حمله أخرى،
فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من العدو، فاختلفا ضربتين، فقتله
سلم، فرجع سلم جريحا، فقال نصر لسلم: قف لي حتى أحمل عليهم، فحمل حتى
خالط العدو، فصرع رجلين ورجع جريحا، فوقف فقال: أترى ما صنعنا يرضيه؟
لا أرضاه الله! فقال: لا والله فيما أظن وأتاهما رسول أسد فقال: يقول
لكما الأمير: قد رأيت موقفكما منذ اليوم وقلة غنائكما عن المسلمين،
لعنكما الله! فقالا: آمين إن عدنا لمثل هذا وتحاجزوا يومئذ، ثم عادوا
من الغد فلم يلبث المشركون أن انهزموا، وحوى المسلمون عسكرهم، وظهروا
على البلاد فأسروا وسبوا وغنموا، وقال بعضهم رجع أسد في سنة ثمان ومائة
مفلولا من الختل، فقال اهل خراسان:
از ختلان آمذى ... برو تباه آمذي
بيدل فراز آمذي
قال: وكان أصاب الجند في غزاة الختل جوع شديد، فبعث اسد
(7/44)
بكبشين مع غلام له، وقال: لا تبعهما باقل
من خمسمائة، فلما مضى الغلام، قَالَ أسد: لا يشتريهما إلا ابن الشخير،
وكان في المسلحة، فدخل ابن الشخير حين أمسى، فوجد الشاتين في السوق،
فاشتراهما بخمسمائة، فذبح إحداهما وبعث بالأخرى إلى بعض إخوانه، فلما
رجع الغلام إلى أسد أخبره بالقصة، فبعث إليه أسد بألف درهم.
قَالَ: وابن الشخير هو عثمان بْن عبد الله بْن الشخير، أخو مطرف بْن
عبد الله بْن الشخير الحرشي وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام
وهو على المدينة ومكة والطائف.
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى،
عن أبي معشر، وكذلك قال محمد بن عمر الواقدي وكان العمال في هذه السنة
على الأمصار في الصلاة والحروب والقضاء هم العمال الذين كانوا في السنة
التي قبلها، وقد ذكرناهم قبل.
(7/45)
ثم دخلت
سنة تسع ومائة
(ذكر الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا) فِمِمَّا كَانَ فِيهَا من ذلك
غزوة عبد الله بْن عقبة بْن نافع الفهري على جيش في البحر وغزوة معاوية
بْن هشام أرض الروم، ففتح حصنا بها يقال له طيبة، وأصيب معه قوم من اهل
أنطاكية
خبر مقتل عمر بن يزيد الأسيدي
وفيها قتل عمر بْن يزيد الأسيدي، قتله مالك بْن المنذر بْن الجارود ذكر
الخبر عن ذلك:
وكان سبب ذلك- فيما ذكر- أن خالد بْن عبد الله شهد عمر بْن يزيد أيام
حرب يزيد بْن المهلب، فأعجب به يزيد بْن عبد الملك، وقال: هذا رجل
العراق، فغاظ ذلك خالدا، فأمر مالك بْن المنذر وهو على شرطه البصرة أن
يعظم عمر بْن يزيد، ولا يعصى له أمرا حتى يعرفه الناس، ثم أقبل يعتل
عليه حتى يقتله، ففعل ذلك، فذكر يوما عبد الأعلى بْن عبد الله بْن
عامر، فافترى عليه مالك، فقال له عمر بْن يزيد: تفتري على مثل عبد
الأعلى! فأغلظ له مالك، فضربه بالسياط حتى قتله
. غزو غورين
وفيها غزا أسد بْن عبد الله غورين، وقال ثابت قطنة:
أرى أسدا في الحرب إذ نزلت به ... وقارع أهل الحرب فاز وأوجبا
تناول أرض السبل، خاقان ردؤه ... فحرق ما استعصى عليه وخربا
أتتك وفود الترك ما بين كابل ... وغورين إذ لم يهربوا منك مهربا
فما يغمر الأعداء من ليث غابة ... أبي ضاريات حرشوه فعقبا
(7/46)
أزب كأن الورس فوق ذراعه ... كريه المحيا
قد أسن وجربا
ألم يك في الحصن المبارك عصمة ... لجندك إذ هاب الجبان وأرهبا!
بنى لك عبد الله حصنا ورثته ... قديما إذا عد القديم وأنجبا.
وفي هذه السنة عزل هشام بْن عبد الملك خالد بْن عبد الله عن خراسان
وصرف أخاه أسدا عنها
. ذكر الخبر عن عزل هشام خالدا وأخاه عن
خراسان
وكان سبب ذلك أن أسدا أخا خالد تعصب حتى أفسد الناس، فقال أبو البريد-
فيما ذكر علي بْن محمد لبعض الأزد: ادخلنى على ابن عمك عبد الرحمن ابن
صبح، وأوصه بي، وأخبره عني، فأدخله عليه- وهو عامل لأسد على بلخ- فقال:
أصلح الله الأمير! هذا أبو البريد البكري أخونا وناصرنا، وهو شاعر أهل
المشرق، وهو الذي يقول:
إن تنقض الأزد حلفا كان أكده ... في سالف الدهر عباد ومسعود
ومالك وسويد أكداه معا ... لما تجرد فيها أي تجريد
حتى تنادوا أتاك الله ضاحية ... وفي الجلود من الإيقاع تقصيد
قَالَ: فجذب أبو البريد يده، وقال: لعنك الله من شفيع كذب! أصلحك الله!
ولكني الذي أقول:
الأزد إخوتنا وهم حلفاؤنا ... ما بيننا نكث ولا تبديل
قال: صدقت، وضحك وأبو البريد من بني علباء بن شيبان بن ذهل ابن ثعلبة.
قَالَ: وتعصب على نصر بْن سيار ونفر معه من مضر، فضربهم بالسياط، وخطب
في يوم جمعه فقال في خطبته: قبح الله هذه الوجوه! وجوه أهل الشقاق
والنفاق، والشغب والفساد اللهم فرق بيني وبينهم، وأخرجني إلى مهاجري
ووطني، وقل من يروم ما قبلي أو يترمرم، وأمير المؤمنين خالي، وخالد بْن
عبد الله أخي، ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان
(7/47)
ثم نزل عن منبره، فلما صلى ودخل عليه
الناس، وأخذوا مجالسهم، أخرج كتابا من تحت فراشه، فقرأه على الناس، فيه
ذكر نصر بْن سيار وعبد الرحمن بن نعيم الغامدي وسورة بْن الحر الأباني-
أبان بْن دارم- والبختري بْن أبي درهم من بني الحارث بْن عباد، فدعاهم
فأنبهم، فأزم القوم، فلم يتكلم منهم أحد، فتكلم سورة، فذكر حاله وطاعته
ومناصحته، وأنه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدو مبطل، وأن يجمع بينهم
وبين من قرفهم بالباطل فلم يقبل قوله، وأمر بهم فجردوا، فضرب عبد
الرحمن بْن نعيم، فإذا رجل عظم البطن، أرسح، فلما ضرب التوى، وجعل
سراويله يزل عن موضعه، فقام رجل من أهل بيته، فأخذ رداء له هرويا، وقام
مادا ثوبه بيده، وهو ينظر إلى أسد، يريد أن يأذن له فيؤزره فأومى إليه
أن أفعل، فدنا منه فأزره- ويقال بل أزره أبو نميلة- وقال له: اتزر أبا
زهير، فإن الأمير وال مؤدب ويقال: بل ضربهم في نواحي مجلسه.
فلما فرغ قَالَ: أين تيس بني حمان؟ - وهو يريد ضربه، وقد كان ضربه قبل-
فقال: هذا تيس بني حمان، وهو قريب العهد بعقوبة الأمير، وهو عامر بْن
مالك بْن مسلمة بْن يزيد بْن حجر بْن خيسق بْن حمان بْن كعب بْن سعد
وقيل إنه حلقهم بعد الضرب، ودفعهم إلى عبد ربه بْن أبي صالح مولى بني
سليم- وكان من الحرس- وعيسى بن ابى بريق، ووجههم الى خالد، وكتب اليه:
انهم أرادوا الوثوب عليه، فكان ابن ابى بريق كلما نبت شعر احدهم حلقه،
وكان البختري بن أبي درهم، يقول: لوددت أنه ضربني وهذا شهرا- يعني نصر
بْن سيار لما كان بينهما بالبروقان- فأرسل بنو تميم إلى نصر: إن شئتم
انتزعناكم من أيديهم، فكفهم نصر، فلما قدم بهم على خالد لام أسدا
وعنفه، وقال: ألا بعثت برءوسهم! فقال عرفجة التميمي:
فكيف وأنصار الخليفة كلهم ... عناة وأعداء الخليفة تطلق
(7/48)
بكيت ولم أملك دموعي وحق لي ... ونصر شهاب
الحرب في الغل موثق
وقال نصر:
بعثت بالعتاب في غير ذنب ... في كتاب تلوم أم تميم
إن أكن موثقا أسيرا لديهم ... في هموم وكربة وسهوم
رهن قسر فما وجدت بلاء ... كأسار الكرام عند اللئيم
أبلغ المدعين قسرا وقسر ... أهل عود القناة ذات الوصوم
هل فطمتم عن الخيانة والغدر ... أم أنتم كالحاكر المستديم،
وقال الفرزدق:
أخالد لولا الله لم تعط طاعة ... ولولا بنو مروان لم توثقوا نصرا
إذا للقيتم دون شد وثاقه ... بنى الحرب لا كشف اللقاء ولا ضجرا
وخطب أسد بْن عبد الله على منبر بلخ، فقال في خطبته: يا أهل بلخ،
لقبتموني الزاغ والله لأزيغن قلوبكم.
فلما تعصب أسد وأفسد الناس بالعصبية، كتب هشام إلى خالد بْن عبد الله:
اعزل أخاك، فعزله فاستأذن له في الحج، فقفل أسد إلى العراق ومعه دهاقين
خراسان، في شهر رمضان سنة تسع ومائة، واستخلف أسد على خراسان الحكم بْن
عوانة الكلبي، فأقام الحكم صيفيه، فلم يغز.
ذكر الخبر عن دعاه بنى العباس
وذكر علي بْن محمد أن أول من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو
محمد مولى همدان في ولاية أسد بْن عبد الله الأولى، بعثه محمد بْن على
ابن عبد الله بْن العباس، وقال له: ادع الناس إلينا وانزل في اليمن،
والطف بمضر ونهاه عن رجل من أبرشهر، يقال له غالب، لأنه كان مفرطا في
حب بني فاطمه
(7/49)
ويقال: أول من جاء أهل خراسان بكتاب محمد
بن على حرب بْن عثمان، مولى بني قيس بْن ثعلبة من أهل بلخ.
قَالَ: فلما قدم زياد أبو محمد، ودعا إلى بني العباس، وذكر سيرة بني
مروان وظلمهم، وجعل يطعم الناس الطعام، فقدم عليه غالب من أبرشهر،
فكانت بينهم منازعة، غالب يفضل آل أبي طالب وزياد يفضل بني العباس.
ففارقه غالب، وأقام زياد بمرو شتوة، وكان يختلف إليه من أهل مرو يحيى
بْن عقيل الخزاعي وإبراهيم بْن الخطاب العدوي.
قَالَ: وكان ينزل برزن سويد الكاتب في دور آل الرقاد، وكان على خراج
مرو الحسن بْن شيخ، فبلغه أمره، فأخبر به أسد بْن عبد الله، فدعا به-
وكان معه رجل يكنى أبا موسى- فلما نظر أليه أسد، قَالَ له:
أعرفك؟ قَالَ: نعم، قَالَ له أسد: رأيتك في حانوت بدمشق، قَالَ: نعم،
قَالَ لزياد: فما هذا الذي بلغني عنك؟ قَالَ: رفع إليك الباطل، إنما
قدمت خراسان في تجارة، وقد فرقت مالي على الناس، فإذا صار إلي خرجت.
قَالَ له أسد: اخرج عن بلادي، فانصرف، فعاد إلى أمره، فعاود الحسن
أسدا، وعظم عليه أمره، فأرسل إليه، فلما نظر إليه، قَالَ: ألم أنهك عن
المقام بخراسان! قَالَ: ليس عليك أيها الأمير مني بأس، فاحفظه وأمر
بقتلهم، فقال له أبو موسى: فاقض ما أنت قاض فازداد غضبا، وقال له:
أنزلتني منزلة فرعون! فقال له: ما أنزلتك ولكن الله أنزلك.
فقتلوا، وكانوا عشرة من أهل بيت الكوفة، فلم ينج منهم يومئذ إلا غلامان
استصغرهما، وأمر بالباقين فقتلوا بكشانشاه.
وقال قوم: أمر أسد بزياد أن يخط وسطه، فمد بين اثنين، فضرب فنبا السيف
عنه، فكبر أهل السوق، فقال أسد: ما هذا؟ فقيل له، لم يحك السيف فيه
فأعطى أبا يعقوب سيفا، فخرج في سراويل والناس قد اجتمعوا عليه، فضربه،
فنبا السيف، فضربه ضربة أخرى، فقطعه باثنتين
(7/50)
وقال آخرون: عرض عليهم البراءة، فمن تبرأ
منهم مما رفع عليه خلى سبيله، فأبى البراءة ثمانية منهم، وتبرأ اثنان.
فلما كان الغد أقبل أحدهما وأسد في مجلسه المشرف على السوق بالمدينة
العتيقة، فقال: اليس هذا أسيرنا بالأمس! فأتاه، فقال له: أسألك أن
تلحقني بأصحابي، فأشرفوا به على السوق، وهو يقول: رضينا بالله ربا،
وبالإسلام دينا وبمحمد ص نبيا، فدعا اسد بسيف بخاراخذاه، فضرب عنقه
بيده قبل الأضحى بأربعة أيام، ثم قدم بعدهم رجل من أهل الكوفة يسمى
كثيرا، فنزل على أبي النجم، فكان يأتيه الذين لقوا زيادا فيحدثهم
ويدعوهم، فكان على ذلك سنة أو سنتين، وكان كثير أميا، فقدم عليه خداش،
وهو في قرية تدعى مرعم، فغلب كثيرا على أمره، ويقال: كان اسمه عمارة
فسمي خداشا، لأنه خدش الدين.
وكان أسد استعمل عيسى بْن شداد البرجمي إمرته الأولى في وجه وجهه على
ثابت قطنة، فغضب، فهجا أسدا، فقال:
أرى كل قوم يعرفون أباهم ... وأبو بجيلة بينهم يتذبذب
إني وجدت أبي أباك فلا تكن ... إلبا علي مع العدو تجلب
أرمي بسهمي من رماك بسهمه ... وعدو من عاديت غير مكذب
اسد بن عبد الله جلل عفوه ... أهل الذنوب فكيف من لم يذنب!
أجعلتني للبرجمي حقيبة ... والبرجمي هو اللئيم المحقب
عبد إذا استبق الكرام رأيته ... يأتي سكينا حاملا في الموكب
إني أعوذ بقبر كرز أن أرى ... تبعا لعبد من تميم محقب.
ولايه اشرس بن عبد الله على خراسان
وفي هذه السنة استعمل هشام بْن عبد الملك على خراسان اشرس
(7/51)
ابن عبد الله السلمي، فذكر علي بْن محمد،
عن أبي الذيال العدوي ومحمد بْن حمزة، عن طرخان ومحمد بْن الصلت الثقفي
أن هشام بن عبد الملك عزل اسد ابن عبد الله عن خراسان، واستعمل أشرس
بْن عبد الله السلمي عليها، وأمره أن يكاتب خالد بْن عبد الله القسري-
وكان أشرس فاضلا خيرا، وكانوا يسمونه الكامل لفضله عندهم- فسار الى
خراسان، فلما قدمها فرحوا بقدومه، فاستعمل على شرطته عميرة أبا أمية
اليشكري ثم عزله وولى السمط، واستقضى على مرو أبا المبارك الكندي، فلم
يكن له علم بالقضاء، فاستشار مقاتل بْن حيان، فأشار عليه مقاتل بمحمد
بْن زيد فاستقضاه، فلم يزل قاضيا حتى عزل اشرس.
وكان أول من اتخذ الرابطة بخراسان واستعمل على الرابطة عبد الملك بْن
دثار الباهلي، وتولى أشرس صغير الأمور وكبيرها بنفسه.
قَالَ: وكان أشرس لما قدم خراسان كبر الناس فرحا به، فقال رجل:
لقد سمع الرحمن تكبير أمة ... غداة أتاها من سليم إمامها
إمام هدى قوى لهم أمرهم به ... وكانت عجافا ما تمخ عظامها
وركب حين قدم حمارا، فقال له حيان النبطي: أيها الأمير، إن كنت تريد أن
تكون والي خراسان فاركب الخيل، وشد حزام فرسك، والزم السوط خاصرته حتى
تقدم النار، وإلا فارجع قَالَ: ارجع إذن، ولا أقتحم النار يا حيان ثم
أقام وركب الخيل.
قَالَ علي: وقال يحيى بْن حضين: رأيت في المنام قبل قدوم أشرس قائلا
يقول: أتاكم الوعر الصدر، الضعيف الناهضة، المشئوم الطائر، فانتبهت
فزعا ورأيت في الليلة الثانية: أتاكم الوعر الصدر، الضعيف الناهضة،
المشئوم الطائر، الخائن قومه، جغر، ثم قَالَ:
لقد ضاع جيش كان جغر أميرهم ... فهل من تلاف قبل دوس القبائل
(7/52)
فإن صرفت عنهم به فلعله ... وإلا يكونوا من
أحاديث قائل
وكان أشرس يلقب جغرا بخراسان
. [أخبار متفرقة]
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن هشام، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ
بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر وكذلك قَالَ
الواقدي وغيره.
وقال الواقدي: خطب الناس إبراهيم بْن هشام بمنى في هذه السنة الغد من
يوم النحر بعد الظهر فقال سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألون أحدا أعلم
مني فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية، أواجبة هي أم لا؟
فما درى أي شيء يقول له! فنزل.
وَكَانَ العامل فِي هَذِهِ السنة عَلَى الْمَدِينَة ومكة والطائف
إبراهيم بْن هشام، وعلى البصرة والكوفة خالد بْن عبد الله، وعلى الصلاة
بالبصرة أبان بْن ضبارة اليزني، وعلى شرطتها بلال بْن أبي بردة، وعلى
قضائها ثمامة بْن عبد الله الأنصاري، من قبل خالد بْن عبد الله، وعلى
خراسان أشرس بْن عبد الله.
(7/53)
|