تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

. ذكر خبر قتل على وعثمان ابنى جديع
وفي هذه السنة قتل أبو مسلم عليا وعثمان ابني جديع الكرماني.
ذكر سبب قتل أبي مسلم إياهما:
وكان السبب في ذلك- فيما قيل- إن أبا مسلم كان وجه موسى بن كعب الى ابيورد فافتتحها، او كتب إلى أبي مسلم بذلك، ووجه أبا داود إلى بلخ وبها زياد بْن عبد الرحمن القشيري، فلما بلغه قصد أبي داود بلخ خرج في أهل بلخ والترمذ وغيرهما من كور طخارستان إلى الجوزجان، فلما دنا أبو داود منهم، انصرفوا منهزمين إلى الترمذ، ودخل أبو داود مدينة بلخ، فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء على بلخ، فخرج أبو داود، فلقيه كتاب من أبي مسلم يأمره بالانصراف، فانصرف، وقدم عليه أبو الميلاء، فكاتب زياد بْن عبد الرحمن يحيى بْن نعيم أبو الميلاء أن يصير أيديهم واحدة، فأجابه، فرجع زياد بْن عبد الرحمن القشيري ومسلم

(7/386)


ابن عبد الرحمن بْن مسلم الباهلي وعيسى بْن زرعة السلمي وأهل بلخ والترمذ وملوك طخارستان، وما خلف النهر وما دونه، فنزل زياد وأصحابه على فرسخ من مدينة بلخ، وخرج إليه يحيى بْن نعيم بمن معه حتى اجتمعوا، فصارت كلمتهم واحدة، مضريهم ويمانيهم وربعيهم ومن معهم من الأعاجم على قتال المسودة، وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل بْن حيان النبطي، كراهة أن يكون من الفرق الثلاثة، وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود، فأقبل أبو داود بمن معه حتى اجتمعوا على نهر السرجنان وكان زياد بْن عبد الرحمن وأصحابه قد وجهوا أبا سعيد القرشي مسلحة فيما بين العود وبين قريه يقال لها أمديان، لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم وكانت أعلام أبي سعيد وراياته سودا، فلما اجتمع أبو داود وزياد وأصحابهما، واصطفوا للقتال، أمر أبو سعيد القرشي أصحابه أن يأتوا زيادا وأصحابه من خلفهم، فرجع وخرج عليهم من سكة العود وراياته سود، فظن أصحاب زياد أنهم كمين لأبي داود، وقد نشب القتال بين الفريقين، فانهزم زياد ومن معه، وتبعهم أبو داود، فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان، وقتل عامة رجالهم المتخلفين، ونزل أبو داود عسكرهم، وحوى ما فيه، ولم يتبع زيادا ولا اصحابه واكثر من تبعهم سرعان من سرعان خيل أبي داود إلى مدينة بلخ لم يجاوزها ومضى زياد ويحيى ومن معهما إلى الترمذ، واقام ابو داود يومه ذلك ومن الغد، ولم يدخل مدينه بلخ واستصفى أموال من قتل بالسرجنان ومن هرب من العرب وغيرهم، واستقامت بلخ لأبي داود.
ثم كتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه، ووجه النضر بْن صبيح المري على بلخ وقدم أبو داود، واجتمع رأي أبي داود وأبي مسلم على أن يفرقا بين علي وعثمان ابني الكرماني، فبعث أبو مسلم عثمان عاملا على بلخ، فلما قدمها استخلف الفرافصة بْن ظهير العبسي على مدينة بلخ، وأقبلت المضرية من ترمذ، عليهم مسلم بْن عبد الرحمن الباهلي، فالتقوا وأصحاب عثمان بْن جديع بقرية بين البروقان وبين الدستجرد، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب عثمان بْن جديع، وغلب المضرية ومسلم بْن عبد الرحمن

(7/387)


على مدينة بلخ، وأخرجوا الفرافصة منها وبلغ عثمان بن جديع الخبر والنضر ابن صبيح، وهما بمرو الروذ، فأقبلا نحوهم، وبلغ أصحاب زياد بْن عبد الرحمن فهربوا من تحت ليلتهم، وعتب النضر في طلبهم، رجاء أن يفوتوا، ولقيهم أصحاب عثمان بْن جديع، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب عثمان بْن جديع، وأكثروا فيهم القتل، ومضت المضرية إلى أصحابها، ورجع أبو داود من مرو إلى بلخ، وسار أبو مسلم ومعه علي بْن جديع إلى نيسابور.
واتفق رأي أبي مسلم ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم عليا، ويقتل أبو داود عثمان في يوم واحد فلما قدم أبو داود بلخ بعث عثمان عاملا على الختل فيمن معه من يماني اهل مرو واهل بلخ وربيعهم فلما خرج من بلخ خرج أبو داود فاتبع الاثر فلحق عثمان على شاطئ نهر بوخش من أرض الختل، فوثب أبو داود على عثمان وأصحابه، فحبسهم جميعا ثم ضرب أعناقهم صبرا وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بْن الكرماني، وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمي له خاصته ليوليهم، ويأمر لهم بجوائز وكسا، فسماهم له فقتلهم جميعا
. قدوم قحطبه بن شبيب على ابى مسلم
وفي هذه السنة قدم قحطبة بْن شبيب على أبي مسلم خراسان منصرفا من عند إبراهيم بْن محمد بْن علي، ومعه لواؤه الذي عقد له إبراهيم، فوجهه أبو مسلم حين قدم عليه على مقدمته، وضم إليه الجيوش، وجعل له العزل والاستعمال، وكتب إلى الجنود بالسمع والطاعة.
وفيها وجه قحطبة إلى نيسابور للقاء نصر، فذكر علي بْن محمد أن أبا الذيال والحسن بْن رشيد وأبا الحسن الجشمي أخبروه أن شيبان بْن سلمة الحروري لما قتل لحق أصحابه بنصر وهو بنيسابور، وكتب إليه النابئ بْن سويد العجلي يستغيث، فوجه إليه نصر ابنه تميم بْن نصر في ألفين، وتهيأ نصر على أن يسير إلى طوس، ووجه أبو مسلم قحطبة بْن شبيب في قواد، منهم القاسم

(7/388)


ابن مجاشع وجهور بْن مرار، فأخذ القاسم من قبل سرخس، وأخذ جهور من قبل أبيورد، فوجه تميم عاصم بْن عمير السغدي إلى جهور، وكان أدناهم منه، فهزمه عاصم بْن عمير، فتحصن في كبادقان، واطل قحطبة والقاسم على النابي، فأرسل تميم إلى عاصم أن ارحل عن جهور وأقبل، فتركه، وأقبل فقاتلهم قحطبة.
قَالَ أبو جعفر: فأما غير الذين روى عنهم علي بْن محمد ما ذكرنا في أمر قحطبة وتوجيه أبي مسلم إياه إلى نصر وأصحابه، فإنه ذكر أن أبا مسلم لما قتل شيبان الخارجي وابني الكرماني، ونفى نصرا عن مرو، وغلب على خراسان، وجه عماله على بلادها، فاستعمل سباع بْن النعمان الأزدي على سمرقند وأبا داود خالد بْن إبراهيم على طخارستان، ووجه محمد بْن الأشعث إلى الطبسين وفارس، وجعل مالك بْن الهيثم على شرطته، ووجه قحطبة إلى طوس، ومعه عدة من القواد، منهم أبو عون عبد الملك بْن يزيد ومقاتل بْن حكيم العكي وخالد بْن برمك وخازم بْن خزيمة والمنذر بْن عبد الرحمن وعثمان ابن نهيك وجهور بْن مرار العجلي وأبو العباس الطوسي وعبد الله بْن عثمان الطائي وسلمة بْن محمد وأبو غانم عبد الحميد بْن ربعي وأبو حميد وأبو الجهم- وجعله أبو مسلم كاتبا لقحطبة على الجند- وعامر بْن إسماعيل ومحرز بْن إبراهيم، في عدة من القواد، فلقي من بطوس فانهزموا، وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل، فبلغ عدة القتلى يومئذ بضعة عشر ألفا ووجه أبو مسلم القاسم بْن مجاشع إلى نيسابور على طريق المحجة، وكتب إلى قحطبة يأمره بقتال تميم بْن نصر بْن سيار والنابى بن سويد، ومن لجأ إليهما من أهل خراسان، وأن يصرف إليه موسى بْن كعب إلى من أبيورد فلما قدم قحطبة أبيورد صرف موسى بْن كعب إلى أبي مسلم، وكتب إلى مقاتل بْن حكيم يأمره أن يوجه رجلا إلى نيسابور، ويصرف منها القاسم بْن مجاشع، فوجه أبو مسلم علي بْن معقل في عشرة آلاف إلى تميم بن نصر، وامره إذا دخل قحطبة طوس أن يستقبله بمن معه وينضم إليه، فسار علي بْن معقل حتى نزل قرية يقال لها حلوان، وبلغ قحطبة مسير على ونزوله حيث نزل، فعجل

(7/389)


السير إلى السوذقان، وهو معسكر تميم بْن نصر والنابي بْن سويد، ووجه على مقدمته اسيد بن عبد الله الخزاعي في ثلاثة آلاف رجل من شيعه أهل نسا وأبيورد، فسار حتى نزل قرية يقال لها حبوسان، فتعبا تميم والنابى لقتاله، فكتب أسيد إلى قحطبة يعلمه ما اجمعوا عليه من قتاله، وانه ان لم يعجل القدوم عليه حاكمهم إلى الله عز وجل وأخبره أنهما في ثلاثين ألفا من صناديد أهل خراسان وفرسانهم فوجه قحطبة مقاتل بْن حكيم العكي في ألف وخالد بْن برمك في ألف، فقدما على أسيد، وبلغ ذلك تميما والنابي فكسرهما ثم قدم عليهم قحطبة بمن معه وتعبأ لقتال تميم، وجعل على ميمنته مقاتل بْن حكيم وأبا عون عبد الملك بْن يزيد وخالد بْن برمك، وعلى ميسرته أسيد بْن عبد الله الخزاعي والحسن بْن قحطبة والمسيب بْن زهير وعبد الجبار بْن عبد الرحمن، وصار هو في القلب ثم زحف إليهم، فدعاهم إِلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الرضا من آل محمد ص فلم يجيبوه، فأمر الميمنة والميسرة أن يحملوا، فاقتتلوا قتالا شديدا أشد ما يكون من القتال، فقتل تميم بْن نصر في المعركة، وقتل معه منهم مقتلة عظيمة، واستبيح عسكرهم، وأفلت النابي في عدة، فتحصنوا في المدينة، وأحاطت بهم الجنود، فنقبوا الحائط ودخلوا إلى المدينة، فقتلوا النابي ومن كان معه، وهرب عاصم بْن عمير السمرقندي وسالم بْن راوية السعيدي إلى نصر بْن سيار بنيسابور، فأخبراه بمقتل تميم والنابي ومن كان معهما، فلما غلب قحطبة على عسكرهم بما فيه صير إلى خالد بْن برمك قبض ذلك، ووجه مقاتل بْن حكيم العكي على مقدمته إلى نيسابور فبلغ ذلك نصر بْن سيار، فارتحل هاربا في أثر أهل أبرشهر حتى نزل قومس وتفرق عنه أصحابه، فسار إلى نباتة بْن حنظلة بجرجان، وقدم قحطبة نيسابور بجنوده

(7/390)


ذكر خبر قتل نباته بن حنظله
وفي هذه السنة قتل نباتة بْن حنظلة عامل يزيد بْن عمر بْن هبيرة على جرجان.
ذكر الخبر عن مقتله:
ذكر علي بْن محمد أن زهير بْن هنيد وأبا الحسن الجشمي وجبلة بْن فروخ وأبا عبد الرحمن الأصبهاني أخبروه أن يزيد بْن عمر بْن هبيرة بعث نباتة بْن حنظلة الكلابي إلى نصر، فأتى فارس وأصبهان، ثم سار الى الري، ومضى الى جرجان، ولم ينضم إلى نصر بْن سيار، فقالت القيسية لنصر: لا تحملنا قومس، فتحولوا إلى جرجان وخندق نباتة، فكان إذا وقع الخندق في دار قوم رشوه فأخره، فكان خندقه نحوا من فرسخ.
وأقبل قحطبة إلى جرجان في ذي القعدة من سنة ثلاثين ومائة، ومعه أسيد ابن عبد الله الخزاعي وخالد بْن برمك وأبو عون عبد الملك بْن يزيد وموسى بْن كعب المرائى والمسيب بْن زهير وعبد الجبار بْن عبد الرحمن الأزدي، وعلى ميمنه موسى بْن كعب، وعلى ميسرته أسيد بْن عبد الله، وعلى مقدمته الحسن بْن قحطبة، فقال قحطبة: يا أهل خراسان، أتدرون إلى من تسيرون، ومن تقاتلون؟ إنما تقاتلون بقية قوم احرقوا بيت الله عز وجل وأقبل الحسن حتى نزل تخوم خراسان، ووجه الحسن عثمان بْن رفيع ونافعا المروزى وأبا خالد المروروذى ومسعدة الطائي إلى مسلحة نباتة، وعليها رجل يقال له ذؤيب، فبيتوه، فقتلوا ذؤيبا وسبعين رجلا من أصحابه، ثم رجعوا إلى عسكر الحسن، وقدم قحطبة فنزلوا بإزاء نباتة وأهل الشام في عدة لم ير الناس مثلها.
فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه وبلغ قحطبة، فقام فيهم خطيبا فقال:
يا أهل خراسان، هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين، وكانوا ينصرون على عدوهم بعدلهم وحسن سيرتهم، حتى بدلوا وظلموا، فسخط الله عز وجل عليهم، فانتزع سلطانهم، وسلط عليهم أذل أمة كانت في الأرض عندهم،

(7/391)


فغلبوهم على بلادهم، واستنكحوا نساءهم، واسترقوا أولادهم، فكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد، وينصرون المظلوم، ثم بدلوا وغيروا وجاروا في الحكم، وأخافوا أهل البر والتقوى من عترة رسول الله ص، فسلطكم عليهم لينتقم منهم بكم لتكونوا أشد عقوبة، لأنكم طلبتموهم بالثأر وقد عهد إلي الإمام أنكم تلقونهم في مثل هذه العدة فينصركم الله عز وجل عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم.
وقد قرئ على قحطبة كتاب أبي مسلم من أبي مسلم إلى قحطبة:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فناهض عدوك، فإن الله عز وجل ناصرك، فإذا ظهرت عليهم فأثخن في القتل فالتقوا في مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين ومائة في يوم الجمعة، فقال قحطبة: يا اهل خراسان ان هذا اليوم قد فضله الله تبارك وتعالى على سائر الأيام والعمل فيه مضاعف، وهذا شهر عظيم فيه عيد من أعظم أعيادكم عند الله عز وجل، وقد أخبرنا الإمام أنكم تنصرون في هذا اليوم من هذا الشهر على عدوكم، فالقوه بجد وصبر واحتساب، ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ثم ناهضهم وعلى ميمنته الحسن بْن قحطبة، وعلى ميسرته خالد بْن برمك ومقاتل بْن حكيم العكي، فاقتتلوا وصبر بعضهم لبعض، فقتل نباتة، وانهزم أهل الشام فقتل منهم عشرة آلاف، وبعث قحطبة إلى أبي مسلم برأس نباتة وابنه حية.
قَالَ: وأخبرنا شيخ من بني عدي، عن أبيه، قَالَ: كان سالم بْن راوية التميمي ممن هرب من أبي مسلم، وخرج مع نصر، ثم صار مع نباتة، فقاتل قحطبة بجرجان، فانهزم الناس، وبقي يقاتل وحده، فحمل عليه عبد الله الطائي- وكان من فرسان قحطبة- فضربه سالم بْن راوية على وجهه، فأندر عينه، وقاتلهم حتى اضطر إلى المسجد، فدخله ودخلوا عليه، فكان لا يشد من ناحية الا كشفهم، فجعل ينادى: شربه! فو الله لا نقعن لهم شرا يومي هذا وحرقوا عليه سقف المسجد، فرموه بالحجارة حتى قتلوه وجاءوا

(7/392)


برأسه إلى قحطبة، وليس في رأسه ولا وجهه مصح، فقال قحطبة: ما رأيت مثل هذا قط!

ذكر وقعه ابى حمزه الخارجي بقديد
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة كانت الوقعة التي كانت بقديد بين أبي حمزة الخارجي وأهل المدينة.
ذكر الخبر عن ذلك:
حدثني العباس بْن عيسى العقيلي، قَالَ: حدثنا هارون بْن موسى الفروي، قَالَ حدثني غير واحد من أصحابنا، أن عبد الواحد بْن سليمان استعمل عبد العزيز بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ على الناس، فخرجوا، فلما كان بالحرة لقيتهم جزر منحورة، فمضوا، فلما كان بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة، فانكسر الرمح، فتشاءم الناس بالخروج، ثم ساروا حتى نزلوا قديد، فنزلوها ليلا- وكانت قرية قديد من ناحية القصر المبني اليوم، وكانت الحياض هنالك، فنزل قوم مغترون ليسوا بأصحاب حرب، فلم يرعهم إلا القوم قد خرجوا عليهم من القصر.
وقد زعم بعض الناس أن خزاعة دلت أبا حمزة على عورتهم، وأدخلوهم عليهم فقتلوهم، وكانت المقتلة على قريش، هم كانوا أكثر الناس، وبهم كانت الشوكة، وأصيب منهم عدد كثير.
قَالَ العباس: قَالَ هارون: وأخبرني بعض أصحابنا أن رجلا من قريش نظر إلى رجل من أهل اليمن وهو يقول: الحمد لله الذي أقر عيني بمقتل قريش، فقال لابنه: يا بني ابدأ به- وقد كان من أهل المدينة- قَالَ: فدنا منه ابنه فضرب عنقه، ثم قَالَ لابنه: أي بني، تقدم، فقاتلا حتى قتلا ثم ورد فلال الناس المدينة، وبكى الناس قتلاهم، فكانت المرأة تقيم على حميمها النواح، فما تبرح النساء حتى تأتيهن الأخبار عن رجالهن فتخرج النساء امرأة

(7/393)


امراه، كل امراه.
تذهب الى حميمها فتنصرف حتى ما تبقى عندها امرأة قَالَ: وأنشدني أبو ضمرة هذه الأبيات في قتلى قديد الذين أصيبوا من قومه، رثاهم بعض أصحابهم فقال:
يا لهف نفسي ولهفي غير كاذبة ... على فوارس بالبطحاء أنجاد
عمرو وعمرو وعبد الله بينهما ... وابناهما خامس والحارث السادى

ذكر خبر دخول ابى حمزه المدينة
وفي هذه السنة دخل أبو حمزة الخارجي من مدينه رسول الله ص وهرب عبد الواحد بْن سليمان بْن عبد الملك إلى الشام.
ذكر الخبر عن دخول ابى حمزه المدينة وما كان منه فيها:
حدثني العباس بْن عيسى، قَالَ: حدثنا هارون بْن موسى الفروي، قَالَ: حدثني موسى بْن كثير، قَالَ: دخل ابو حمزه المدينة سنة ثلاثين ومائة، ومضى عبد الواحد بْن سليمان بْن عبد الملك إلى الشام، فرقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:
يا اهل المدينة، سالناكم عن ولاتكم هؤلاء، فأسأتم لعمر الله فيهم القول، وسألناكم: هل يقتلون بالظن؟ فقلتم لنا: نعم، وسألناكم: هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام؟ فقلتم لنا: نعم، فقلنا لكم: تعالوا نحن وأنتم نناشدهم الله ألا تنحوا عنا وعنكم، فقلتم: لا يفعلون، فقلنا لكم:
تعالوا نحن وأنتم نقاتلهم، فان نظهر نحن وأنتم نأت بمن يقيم فينا كتاب الله وسنة نبيه محمد ص، فقلتم: لا نقوى، فقلنا لكم:
فخلوا بيننا وبينهم، فإن نظفر نعدل في أحكامكم ونحملكم على سنه نبيكم ص ونقسم فيئكم بينكم، فابيتم، وقاتلتمونا دونهم، فقاتلناكم

(7/394)


فأبعدكم الله وأسحقكم.
قَالَ محمد بْن عمر: حدثني حزام بْن هشام، قَالَ: كانت الحرورية أربعمائة، وعلى طائفة من الحرورية الحارث، وعلى طائفة بكار بْن محمد العدوي، عدي قريش، وعلى طائفة أبو حمزة، فالتقوا وقد تهيأ الناس بعد الأعذار من الخوارج إليهم، وقالوا لهم: إنا والله ما لنا حاجة بقتالكم، دعونا نمض إلى عدونا فأبى أهل المدينة، فالتقوا لسبع ليال خلون من صفر يوم الخميس سنة ثلاثين ومائة، فقتل أهل المدينة، لم يفلت منهم إلا الشريد، وقتل أميرهم عبد العزيز بْن عبد الله، واتهمت قريش خزاعة أن يكونوا داهنوا الحرورية.
فقال لي حزام: والله لقد آويت رجالا من قريش منهم حتى آمن الناس، فكان بلج على مقدمتهم وقدمت الحرورية المدينة لتسع عشرة ليلة خلت من صفر حدثني العباس بْن عيسى، قَالَ: قَالَ هارون بْن موسى: أخبرني بعض أشياخنا، أن أبا حمزة لما دخل المدينة قام فخطب فقال في خطبته:
يا أهل المدينة مررت بكم في زمن الأحول هشام بْن عبد الملك، وقد أصابتكم عاهة في ثماركم وكتبتم إليه تسألونه أن يضع أخراصكم عنكم، فكتب إليكم يضعها عنكم، فزاد الغني غنى، وزاد الفقير فقرا، فقلتم:
جزاك الله خيرا، فلا جزاكم الله خيرا ولا جزاه.
قَالَ العباس: قَالَ هارون: وأخبرني يحيى بْن زكرياء ان أبا حمزه خطب بهذه الخطبة، قَالَ: رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ:
تعلمون يا أهل المدينة أنا لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشرا ولا بطرا ولا عبثا، ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه، ولا لثأر قديم نيل منا، ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عطلت، وعنف القائل بالحق، وقتل القائم بالقسط:
ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وسمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، فأجبنا داعي الله «وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي

(7/395)


الْأَرْضِ» ، أقبلنا من قبائل شتى، النفر منا على بعير واحد عليه زادهم وأنفسهم، يتعاورون لحافا واحدا، قليلون مستضعفون في الأرض، فآوانا وأيدنا بنصره، فأصبحنا والله جميعا بنعمته إخوانا، ثم لقينا رجالكم بقديد، فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن، ودعونا إلى طاعة الشيطان وحكم آل مروان، فشتان لعمر الله ما بين الرشد والغي ثم أقبلوا يهرعون يزفون، قد ضرب الشيطان فيهم بجرانه، وغلت بدمائهم مراجله، وصدق عليهم ظنه، وأقبل أنصار الله عز وجل عصائب وكتائب، بكل مهند ذي رونق، فدارت رحانا واستدارت رحاهم، بضرب يرتاب منه المبطلون وأنتم يا أهل المدينة، إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم الله عز وجل بعذاب من عنده أو بأيدينا، ويشف صدور قوم مؤمنين يا أهل المدينة، أولكم خير أول وآخركم شر آخر يا أهل المدينة، الناس منا ونحن منهم، إلا مشركا عابد وثن، أو مشرك أهل الكتاب، أو إماما جائرا يا أهل المدينة من زعم أن الله عز وجل كلف نفسا فوق طاقتها، أو سألها ما لم يؤتها، فهو لله عز وجل عدو، ولنا حرب يا أهل المدينة، أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله عز وجل في كتابه على القوي والضعيف، فجاء تاسع ليس له منها ولا سهم واحد، فأخذها جميعها لنفسه، مكابرا محاربا لربه يا أهل المدينة، بلغني أنكم تنتقصون أصحابي، قلتم: شباب أحداث، واعراب جفاه، ويلكم يا أهل المدينة! وهل كان أصحاب رسول الله ص الا شبابا احداثا! شباب والله مكتهلون في شبابهم، غضية عن الشر أعينهم، ثقيلة عن الباطل أقدامهم، قد باعوا الله عز وجل أنفسا تموت بأنفس لا تموت، قد خالطوا كلالهم بكلالهم، وقيام ليلهم بصيام نهارهم، منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مروا بايه خوف شهقوا خوفا من النار، وإذا مروا بايه

(7/396)


شوق شهقوا شوقا إلى الجنة، فلما نظروا الى السيوف قد انتضيت والرماح قد شرعت، وإلى السهام قد فوقت، وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت، استخفوا وعيد الكتيبة لوعيد الله عز وجل، ولم يستخفوا وعيد الله لوعيد الكتيبة، فطوبى لهم وحسن مآب! فكم من عين في منقار طائر طالما فاضت في جوف الليل من خوف الله عز وجل! وكم من يد زالت عن مفصلها طالما اعتمد بها صاحبها في سجوده لله، وكم من خد عتيق وجبين رقيق فلق بعمد الحديد.
رحمه الله على تلك الأبدان، وادخل أرواحها الجنان أقول قولي هذا وأستغفر الله من تقصيرنا، وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب.
حدثني العباس، قَالَ قَالَ هارون: حدثني جدي أبو علقمة، قَالَ:
سمعت أبا حمزة على منبر رسول الله ص، يقول: من زنى فهو كافر ومن شك فهو كافر، ومن سرق فهو كافر، ومن شك أنه كافر.
فهو كافر قَالَ العباس: قَالَ هارون: وسمعت جدي يقول: كان قد أحسن السيرة في أهل المدينة حتى استمال الناس حين سمعوا كلامه، في قوله: من زنى فهو كافر.
قَالَ العباس: قَالَ هارون: وحدثني بعض أصحابنا: لما رقي المنبر قَالَ: برح الخفاء، أين ما بك يذهب! من زنى فهو كافر، ومن سرق فهو كافر، قَالَ العباس: قَالَ هارون: وأنشدني بعضهم في قديد:
ما للزمان وماليه ... أفنت قديد رجاليه
فلأبكين سريرة ... ولأبكين علانية
ولأبكين إذا ... شجيت مع الكلاب العاويه

(7/397)


فكان دخول أبي حمزة وأصحابه المدينة لثلاث عشرة بقيت من صفر.
واختلفوا في قدر مدتهم في مقامهم بها، فقال الواقدي: كان مقامهم بها ثلاثة أشهر وقال غيره: أقاموا بها بقية صفر وشهري ربيع وطائفة من جمادى الأولى.
وكانت عدة من قتل من أهل المدينة بقديد- فيما ذكر الواقدى- سبعمائة.
قال ابو جعفر: وكان أبو حمزة- فيما ذكر- قد قدم طائفة من أصحابه، عليهم أبو بكر بْن محمد بْن عبد الله بْن عمر القرشي، ثم احد بنى عدي بْن كعب، وبلج بْن عيينة بْن الهيصم الأسدي من أهل البصرة، فبعث مروان بْن محمد من الشام عبد الملك بْن محمد بْن عطية أحد بني سعد في خيول الشام فحدثني العباس بْن عيسى، قَالَ: حدثني هارون بْن موسى، عن موسى بْن كثير، قَالَ: خرج أبو حمزة من المدينة، وخلف بعض أصحابه، فسار حتى نزل الوادي.
قَالَ العباس: قَالَ هارون: حدثني بعض أصحابنا ممن أخبرني عنه أبو يحيى الزهري، أن مروان انتخب من عسكره أربعة آلاف، واستعمل عليهم ابن عطية، وأمره بالجد في السير، وأعطى كل رجل منهم مائة دينار، وفرسا عربية وبغلا لثقله، وأمره أن يمضي فيقاتلهم، فإن هو ظفر مضى حتى بلغ اليمن ويقاتل عبد الله بْن يحيى ومن معه، فخرج حتى نزل بالعلا- وكان رجل من أهل المدينة يقال له العلاء بْن أفلح مولى أبي الغيث، يقول: لقيني وأنا غلام ذلك اليوم رجل من أصحاب ابن عطية، فسألني: ما اسمك يا غلام؟ قَالَ: فقلت: العلاء، قَالَ: ابن من؟
قلت: ابن أفلح، قَالَ: مولى من؟ قلت: مولى أبي الغيث، قَالَ: فأين نحن؟ قلت بالعلا، قَالَ: فأين نحن غدا؟ قلت: بغالب، قَالَ: فما كلمني حتى أردفني وراءه، ومضى بي حتى أدخلني على ابن عطية، فقال:
سل هذا الغلام: ما اسمه؟ فسألني، فرددت عليه القول الذي قلت، قال: فسر

(7/398)


بذلك، ووهب لي دارهم.
قَالَ العباس: قَالَ هارون: وأخبرني عبد الملك بْن الماجشون، قَالَ: لما لقي أبو حمزة وابن عطية، قَالَ أبو حمزة: لا تقاتلوهم حتى تخبروهم، قَالَ: فصاحوا بهم: ما تقولون في القرآن والعمل به؟ قَالَ: فصاح ابن عطية: نضعه في جوف الجوالق، قَالَ: فما تقولون في مال اليتيم؟ قَالَ:
نأكل ماله ونفجر بأمه في أشياء بلغني أنهم سألوهم عنها قَالَ: فلما سمعوا كلامهم، قاتلوهم حتى امسوا، فصاحوا: ويحك يا بن عطية! إن الله عز وجل قد جعل الليل سكنا، فاسكن نسكن قَالَ: فأبى فقاتلهم حتى قتلهم.
قَالَ العباس: قَالَ هارون: وكان أبو حمزة حين خرج ودع أهل المدينة للخروج الى مروان يقاتله، قال: يا اهل المدينة، إنا خارجون إلى مروان، فإن نظفر نعدل في أحكامكم، ونحملكم على سنة نبيكم محمد ص، ونقسم فيئكم بينكم، وإن يكن ما تمنون، ف سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ قَالَ العباس: قَالَ هارون: وأخبرني بعض أصحابنا أن الناس وثبوا على أصحابه حين جاءهم قتله فقتلوهم قَالَ محمد بْن عمر: سار أبو حمزة وأصحابه إلى مروان، فلقيهم خيل مروان بوادي القرى، عليها ابن عطية السعدي، من قيس، فأوقعوا بهم، فرجعوا منهزمين منهم إلى المدينة، فلقيهم أهل المدينة فقتلوهم قَالَ: وكان الذي قاد جيش مروان عبد الملك بْن محمد بْن عطية السعدي سعد هوازن، قدم المدينة في أربعة آلاف فارس عربي، مع كل واحد منهم بغل، ومنهم من عليه درعان او درع وسنور وتجافيف، وعدة لم ير مثلها في ذلك الزمان، فمضوا إلى مكة.
وقال بعضهم: أقام ابن عطية بالمدينة حين دخلها شهرا، ثم مضى إلى مكة، واستخلف على المدينة الوليد بْن عروة بْن محمد بْن عطية، ثم مضى الى مكة والى اليمن واستخلف على مكة ابن ماعز، رجلا من أهل الشام

(7/399)


ولما مضى ابن عطية بلغ عبد الله بْن يحيى- وهو بصنعاء- مسيره إليه، فأقبل إليه بمن معه فالتقى هو وابن عطية، فقتل ابن عطية عبد الله بْن يحيى، وبعث ابنه بشير إلى مروان، ومضى ابن عطية فدخل صنعاء وبعث برأس عبد الله بْن يحيى إلى مروان، ثم كتب مروان إلى ابن عطية يأمره أن يغذ السير، ويحج بالناس، فخرج في نفر من أصحابه- فيما حدثني العباس بْن عيسى، عن هارون- حتى نزل الجرف- هكذا قَالَ العباس- ففطن له بعض أهل القرية، فقالوا: منهزمين والله، فشدوا عليه، فقال: ويحكم! عامل الحج، والله كتب إلي أمير المؤمنين قَالَ أبو جعفر: واما بن عمر، فإنه ذكر أن أبا الزبير بْن عبد الرحمن حدثه، قَالَ: خرجت مع ابن عطية السعدي، ونحن اثنا عشر رجلا، بعهد مروان على الحج، ومعه أربعون ألف دينار في خرجه، حتى نزل الجرف يريد الحج، وقد خلف عسكره وخيله وراءه بصنعاء، فو الله إنا آمنون مطمئنون، إذ سمعت كلمة من امراه: قاتل الله ابنى جمانه ما اشامهما! فقمت كأني أهريق الماء، وأشرفت على نشز من الأرض، فإذا الدهم من الرجال والسلاح والخيل والقذافات، فإذا ابنا جمانة المراديان واقفان علينا، قد أحدقوا بنا من كل ناحيه، فقلنا: ما تريدون؟ قالوا: أنتم لصوص، فأخرج ابن عطية كتابه، وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين وعهده علي الحج وأنا ابن عطية، فقالوا: هذا باطل، ولكنكم لصوص، فرأينا الشر فركب الصفر بْن حبيب فرسه، فقاتل وأحسن حتى قتل، ثم ركب ابن عطية فقاتل حتى قتل، ثم قتل من معنا وبقيت، فقالوا: من أنت؟ فقلت: رجل؟ من همدان، قالوا: من أي همدان أنت؟ فاعتزيت إلى بطن منهم- وكنت عالما ببطون همدان- فتركوني، وقالوا: أنت آمن، وكل ما كان لك في هذا الرحل فخذه، فلو ادعيت المال كله لأعطوني، ثم بعثوا معي فرسانا حتى بلغوا بي صعدة، وامنت ومضيت حتى قدمت مكة

(7/400)


قال أبو جعفر: وفي هذه السنة غزا الصائفة- فيما ذكر- الوليد بْن هشام، فنزل العمق وبنى حصن مرعش وفيها وقع الطاعون بالبصرة وفي هذه السنة قتل قحطبة بْن شبيب من أهل جرجان من قتل من أهلها، قيل إنه قتل منهم زهاء ثلاثين ألفا، وذلك أنه بلغه- فيما ذكر- عن اهل جرجان انه أجمع رأيهم بعد مقتل نباتة بْن حنظلة على الخروج على قحطبة، فدخل قحطبة لما بلغه ذلك من أمرهم، واستعرضهم، فقتل منهم من ذكرت ولما بلغ نصر بْن سيار قتل قحطبة نباتة ومن قتل من أهل جرجان وهو بقومس، ارتحل حتى نزل خوار الري.
وكان سبب نزول نصر قومس- فيما ذكر علي بن محمد- أن أبا الذيال حدثه والحسن بْن رشيد وأبا الحسن الجشمي، ان أبا مسلم كتب مع المنهال ابن فتان إلى زياد بْن زرارة القشيري بعهده على نيسابور بعد ما قتل تميم بن نصر والنابئ بْن سويد العجلي، وكتب إلى قحطبة يأمره أن يتبع نصرا، فوجه قحطبة العكي على مقدمته وسار قحطبة حتى نزل نيسابور، فأقام بها شهرين، شهري رمضان وشوال من سنة ثلاثين ومائة، ونصر نازل في قرية من قرى قومس يقال لها بذش، ونزل من كان معه من قيس في قرية يقال لها الممد، وكتب نصر إلى ابن هبيرة يستمده وهو بواسط مع ناس من وجوه أهل خراسان، يعظم الأمر عليه، فحبس ابن هبيرة رسله، وكتب نصر إلى مروان: إني وجهت إلى ابن هبيرة قوما من وجوه أهل خراسان ليعلموه أمر الناس من قبلنا، وسألته المدد فاحتبس رسلي ولم يمدني بأحد، وإنما أنا بمنزلة من أخرج من بيته إلى حجرته، ثم أخرج من حجرته إلى داره، ثم أخرج من داره إلى فناء.
داره، فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره وتبقى له، وإن أخرج من داره إلى الطريق فلا دار له ولا فناء فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمد نصرا، وكتب إلى نصر يعلمه

(7/401)


ذلك، فكتب نصر إلى ابن هبيرة مع خالد مولى بني ليث يسأله أن يعجل إليه الجند، فإن أهل خراسان قد كذبتهم حتى ما رجل منهم يصدق لي قولا، فأمدني بعشرة آلاف قبل أن تمدني بمائة ألف، ثم لا تغني شيئا.
وحج في هذه السنة بالناس محمد بْن عبد الملك بْن مروان، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر.
وكانت إليه مكة والمدينة والطائف.
وكان فيها العراق إلى يزيد بْن عمر بْن هبيرة.
وكان على قضاء الكوفة الحجاج بْن عاصم المحاربي، وكان على قضاء البصرة عباد بن منصور، وعلى خراسان نصر بن سيار، والأمر بخراسان على ما ذكرت.

(7/402)


ثم دخلت

سنة إحدى وثلاثين ومائة
(ذكر ما كان فيها من الأحداث)

ذكر خبر موت نصر بن سيار
فمما كان فيها من ذلك توجيه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر وهو بقومس.
فذكر علي بْن محمد، أن زهير بْن هنيد والحسن بْن رشيد وجبلة بْن فروخ التاجي، قالوا: لما قتل نباتة ارتحل نصر بْن سيار من بذش، ودخل خوار وأميرها أبو بكر العقيلي، ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى قومس في المحرم سنة إحدى وثلاثين ومائة، ثم وجه قحطبة أبا كامل وأبا القاسم محرز بْن إبراهيم وأبا العباس المروزي إلى الحسن في سبعمائة، فلما كانوا قريبا منه، انحاز أبو كامل وترك عسكره، وأتى نصرا فصار معه، وأعلمه مكان القائد الذي خلف، فوجه إليهم نصر جندا فأتوهم وهم في حائط فحصروهم، فنقب جميل بْن مهران الحائط، وهرب هو وأصحابه، وخلفوا شيئا من متاعهم فأخذه أصحاب نصر، فبعث به نصر إلى ابن هبيرة، فعرض له عطيف بالري، فأخذ الكتاب من رسول نصر والمتاع، وبعث به إلى ابن هبيرة، فغضب نصر، وقال: ابي يتلعب ابن هبيرة! أيشغب علي بضغابيس قيس! أما والله لأدعنه فليعرفن أنه ليس بشيء ولا ابنه الذي تربص له الأشياء وسار حتى نزل الري- وعلى الري حبيب بْن بديل النهشلي- فخرج عطيف من الري حين قدمها نصر إلى همذان، وفيها مالك بْن أدهم بْن محرز الباهلي على الصحصحية، فلما رأى مالكا في همذان عدل منها إلى أصبهان إلى عامر بْن ضبارة- وكان عطيف في ثلاثة آلاف- وجهه ابن هبيرة إلى نصر، فنزل الري، ولم يأت نصرا وأقام نصر بالري يومين ثم مرض، فكان يحمل حملا، حتى إذا كان بساوة قريبا من همذان مات بها، فلما مات دخل أصحابه همذان

(7/403)


وكانت وفاة نصر- فيما قيل- لمضي اثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول، وهو ابن خمس وثمانين سنة.
وقيل إن نصرا لما شخص من خوار متوجها نحو الري لم يدخل الري ولكنه أخذ المفازة التي بين الري وهمذان فمات بها.
رجع الحديث الى حديث على عن شيوخه قالوا: ولما مات نصر بْن سيار بعث الحسن خازم بْن خزيمة إلى قرية يقال لها سمنان، وأقبل قحطبة من جرجان، وقدم أمامه زياد بْن زرارة القشيري، وكان زياد قد ندم على اتباع أبي مسلم، فانخزل عن قحطبة، وأخذ طريق أصبهان يريد أن يأتي عامر بْن ضبارة، فوجه قحطبة المسيب بْن زهير الضبي، فلحقه من غد بعد العصر فقاتله، فانهزم زياد، وقتل عامة من معه، ورجع المسيب بْن زهير إلى قحطبة، ثم سار قحطبة إلى قومس وبها ابنه الحسن، فقدم خازم من الوجه الذي كان وجهه فيه الحسن، فقدم قحطبة ابنه الحسن إلى الري وبلغ حبيب ابن بديل النهشلي ومن معه من أهل الشام مسير الحسن، فخرجوا من الري ودخلها الحسن، فأقام حتى قدم أبوه.
وكتب قحطبة حين قدم الري إلى أبي مسلم يعلمه بنزوله الري
. امر ابى مسلم مع قحطبه عند نزوله الري
قال ابو جعفر: وفي هذه السنة تحول أبو مسلم من مرو إلى نيسابور فنزلها.
ذكر الخبر عما كان من أمر أبي مسلم هنالك ومن قحطبة بعد نزوله الري.
ولما كتب قحطبة إلى أبي مسلم بنزوله الري ارتحل أبو مسلم- فيما ذكر- من مرو، فنزل نيسابور وخندق بها، ووجه قحطبة ابنه الحسن بعد نزوله الري بثلاث إلى همذان، فذكر علي عن شيوخه وغيرهم أن الحسن بْن قحطبة لما توجه إلى همذان، خرج منها مالك بْن أدهم ومن كان بها من أهل الشام وأهل خراسان إلى نهاوند، فدعاهم مالك إلى أرزاقهم، وقال: من

(7/404)


كان له ديوان فليأخذ رزقه، فترك قوم كثير دواوينهم ومضوا، فأقام مالك ومن بقي معه من أهل الشام وأهل خراسان ممن كان مع نصر، فسار الحسن من همذان إلى نهاوند، فنزل على أربعة فراسخ من المدينة، وأمده قحطبة بأبي الجهم بْن عطية مولى باهله في سبعمائة، حتى اطاف بالمدينة وحصرها