تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
خروج ملبد بن حرمله
الشيبانى
44 وفي هذه السنة خرج ملبد بْن حرملة الشيباني، فحكم بناحية الجزيرة،
فسارت إليه روابط الجزيرة، وهم يومئذ فيما قيل ألف، فقاتلهم ملبد
فهزمهم، وقتل من قتل منهم ثم سارت إليه روابط الموصل فهزمهم، ثم سار
إليه يزيد بْن حاتم المهلبي، فهزمه ملبد بعد قتال شديد كان بينهما،
وأخذ ملبد جاريه ليزيد كان يطؤها، وقتل قائد من قواده، ثم وجه إليه أبو
جعفر مولاه المهلهل بْن صفوان في ألفين من نخبة الجند، فهزمهم ملبد،
واستباح عسكرهم
(7/495)
ثم وجه إليه نزارا قائدا من قواد أهل
خراسان، فقتله ملبد، وهزم أصحابه، ثم وجه إليه زياد بْن مشكان في جمع
كثير، فلقيهم ملبد فهزمهم.
ثم وجه إليه صالح بْن صبيح في جيش كثيف وخيل كثيرة وعدة، فهزمهم.
ثم سار إليه حميد بْن قحطبة وهو يومئذ على الجزيرة، فلقيه الملبد
فهزمه، وتحصن منه حميد، وأعطاه مائة ألف درهم على أن يكف عنه.
وأما الواقدي فإنه زعم أن ظهور ملبد وتحكيمه كان في سنة ثمان وثلاثين
ومائة، ولم يكن للناس في هذه السنة صائفة لشغل السلطان بحرب سنباذ.
وحج بالناس في هذه السنة إسماعيل بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عباس، كذلك قَالَ الواقدي وغيره، وهو على الموصل.
وكان على المدينة زياد بْن عبيد الله، والعباس بْن عبد الله بْن معبد
على مكة ومات العباس عند انقضاء الموسم، فضم إسماعيل عمله إلى زياد بْن
عبيد الله، فأقره عليها أبو جعفر.
وكان على الكوفة في هذه السنة عيسى بْن موسى وعلى البصرة وأعمالها
سليمان بْن علي، وعلى قضائها عمر بْن عامر السلمي وعلى خراسان أبو داود
خالد بْن إبراهيم وعلى الجزيرة حميد بْن قحطبة وعلى مصر صالح بْن
عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس.
(7/496)
ثم دخلت
سنة ثمان وثلاثين ومائة
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كان فيها من ذلك دخول قسطنطين
طاغية الروم ملطية عنوة وقهرا لأهلها وهدمه سورها، وعفوه عمن فيها من
المقاتلة والذرية.
ومنها غزو العباس بْن محمد بْن علي بْن عبد الله بْن العباس- في قول
الواقدي- الصائفة، مع صالح بْن علي بْن عبد الله، فوصله صالح بأربعين
ألف دينار، وخرج معهم عيسى بْن علي بْن عبد الله، فوصله أيضا بأربعين
ألف دينار، فبنى صالح بْن علي ما كان صاحب الروم هدمه من ملطية.
وقد قيل: إن خروج صالح والعباس إلى ملطية للغزو كان في سنة تسع وثلاثين
ومائة.
وفي هذه السنة بايع عبد الله بْن علي لأبي جعفر وهو مقيم بالبصرة مع
أخيه سليمان بن على.
ذكر خلع جهور بن مرار المنصور
4 وفيها خلع جهور بْن مرار العجلي المنصور.
ذكر الخبر عن سبب خلعه إياه: وكان سبب ذلك- فيما ذكر- ان جهور لما هزم
سنباذ حوى ما في عسكره، وكان فيه خزائن أبي مسلم التي كان خلفها بالري،
فلم يوجهها إلى أبي جعفر، وخاف فخلع، فوجه إليه أبو جعفر محمد بْن
الأشعث الخزاعي في جيش عظيم، فلقيه محمد، فاقتتلوا قتالا شديدا، ومع
جهور نخب فرسان العجم، زياد ودلاستاخنج، فهزم جهور وأصحابه، وقتل من
أصحابه خلق كثير، وأسر زياد ودلاستاخنج، وهرب جهور فلحق بأذربيجان فأخذ
بعد ذلك باسباذرو فقتل
(7/497)
ذكر خبر قتل ملبد
الخارجي
وفي هذه السنة قتل الملبد الخارجي.
ذكر الخبر عن مقتله: ذكر أن أبا جعفر لما هزم الملبد حميد بْن قحطبة،
وتحصن منه حميد، وجه إليه عبد العزيز بْن عبد الرحمن أخا عبد الجبار
بْن عبد الرحمن، وضم إليه زياد بْن مشكان، فأكمن له الملبد مائة فارس،
فلما لقيه عبد العزيز خرج عليه الكمين، فهزموه، وقتلوا عامة أصحابه
فوجه أبو جعفر إليه خازم بْن خزيمة في نحو من ثمانية آلاف من
المروروذية فسار خازم حتى نزل الموصل، وبعث إلى الملبد بعض أصحابه وبعث
معهم الفعلة، فسار إلى بلد فخندقوا، وأقاموا له الأسواق، وبلغ ذلك
الملبد، فخرج حتى نزل ببلد، في خندق خازم، فلما بلغ ذلك خازما خرج إلى
مكان من أطراف الموصل حريز فعسكر به، فلما بلغ ذلك الملبد عبر دجلة من
بلد، وتوجه إلى خازم من ذلك الجانب يريد الموصل، فلما بلغ خازما ذلك،
وبلغ اسماعيل ابن علي- وهو على الموصل- أمر إسماعيل خازما أن يرجع من
معسكره حتى يعبر من جسر الموصل، فلم يفعل، وعقد جسرا من موضع معسكره،
وعبر إلى الملبد، وعلى مقدمته وطلائعه نضلة بْن نعيم بْن خازم بْن عبد
الله النهشلي، وعلى ميمنته زهير بْن محمد العامري، وعلى ميسرته أبو
حماد الأبرص مولى بني سليم وسار خازم في القلب، فلم يزل يساير الملبد
وأصحابه حتى غشيهم الليل ثم تواقفوا ليلتهم، وأصبحوا يوم الأربعاء،
فمضى الملبد وأصحابه متوجهين إلى كورة حزة، وخازم وأصحابه يسايرونهم
حتى غشيهم الليل، وأصبحوا يوم الخميس، وسار الملبد وأصحابه، كأنه يريد
الهرب من خازم، فخرج خازم وأصحابه في أثرهم، وتركوا خندقهم، وكان خازم
تخندق عليه وعلى أصحابه بالحسك، فلما خرجوا من خندقهم كر عليهم الملبد
وأصحابه، فلما رأى ذلك خازم ألقى الحسك بين يديه وبين يدي أصحابه،
فحملوا
(7/498)
على ميمنة خازم وطووها، ثم حملوا على
الميسرة وطووها، ثم انتهوا إلى القلب، وفيه خازم، فلما رأى ذلك خازم
نادى في اصحابه: الأرض، فنزلوا ونزل الملبد وأصحابه، وعقروا عامة
دوابهم، ثم اضطربوا بالسيوف حتى تقطعت، وأمر خازم نضلة بْن نعيم أن إذا
سطع الغبار ولم يبصر بعضنا بعضا فارجع إلى خيلك وخيل أصحابك فاركبوها،
ثم ارموا بالنشاب ففعل ذلك، وتراجع أصحاب خازم من الميمنة إلى الميسرة،
ثم رشقوا الملبد وأصحابه بالنشاب، فقتل الملبد في ثمانمائه رجل ممن
ترجل، وقتل منهم قبل أن يترجلوا زهاء ثلاثمائة، وهرب الباقون، وتبعهم
نضلة فقتل منهم مائة وخمسين رجلا.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بْن صالح بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عباس، كذلك قَالَ الواقدي وغيره وذكر أنه كان خرج من عند أبيه من
الشام حاجا، فأدركته ولايته على الموسم والحج بالناس في الطريق، فمر
بالمدينة فأحرم منها.
وزياد بن عبيد الله على المدينة ومكة والطائف، وعلى الكوفة وسوادها
عيسى بْن موسى، وعلى البصرة وأعمالها سليمان بْن علي، وعلى قضائها سوار
بْن عبد الله، وأبو داود خالد بْن إبراهيم على خراسان، وعلى مصر صالح
بْن علي
(7/499)
ثم دخلت
سنة تسع وثلاثين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك ما كان من إقامة صالح
بْن علي والعباس بْن محمد بملطية، حتى استتما بناء ملطية، ثم غزوا
الصائفة من درب الحديث، فوغلا في أرض الروم- وغزا مع صالح أختاه: أم
عيسى ولبابة ابنتا علي، وكانتا نذرتا إن زال ملك بني أمية أن تجاهدا في
سبيل الله.
وغزا من درب ملطية جعفر بْن حنظلة البهراني وفي هذه السنة كان الفداء
الذي جرى بين المنصور وصاحب الروم، فاستنقذ المنصور منهم أسراء
المسلمين، ولم يكن بعد ذلك- فيما قيل- للمسلمين صائفة إلى سنة ست
وأربعين ومائة، لاشتغال أبي جعفر بأمر ابني عبد الله بْن الحسن، إلا أن
بعضهم ذكر أن الحسن بْن قحطبة غزا الصائفة مع عبد الوهاب بْن إبراهيم
الإمام في سنه اربعين وأقبل قسطنطين صاحب الروم في مائة ألف، فنزل
جيحان، فبلغه كثرة المسلمين فأحجم عنهم، ثم لم يكن بعدها صائفة إلى سنة
ست وأربعين ومائة وفي هذه السنة سار عبد الرحمن بْن معاوية بْن هشام
بْن عبد الملك بْن مروان إلى الأندلس، فملكه أهلها أمرهم، فولده ولاتها
إلى اليوم.
وفيها وسع أبو جعفر المسجد الحرام، وقيل إنها كانت سنة خصبة فسميت سنة
الخصب.
وفيها عزل سليمان بْن علي عن ولاية البصرة، وعما كان إليه من أعمالها.
وقد قيل إنه عزل عن ذلك في سنة أربعين ومائة.
وفيها ولي المنصور ما كان إلى سليمان بْن علي من عمل البصرة سفيان بْن
معاوية، وذلك- فيما قيل- يوم الأربعاء للنصف من شهر رمضان، فلما
(7/500)
عزل سليمان وولى سفيان توارى عبد الله بْن
علي وأصحابه خوفا على أنفسهم، فبلغ ذلك أبا جعفر، فبعث إلى سليمان
وعيسى ابني علي، وكتب إليهما في أشخاص عبد الله بْن علي، وعزم عليهما
أن يفعلا ذلك ولا يؤخراه، وأعطاهما من الأمان لعبد الله بْن علي ما
رضياه له ووثقا به، وكتب إلى سفيان بْن معاوية يعلمه ذلك، ويأمره
بإزعاجهما واستحثاثهما بالخروج بعبد الله ومن معه من خاصته، فخرج
سليمان وعيسى بعبد الله وبعامة قواده وخواص أصحابه ومواليه، حتى قدموا
على أبي جعفر، يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة.
ذكر خبر حبس عبد الله بن على
وفيها أمر أبو جعفر بحبس عبد الله بْن علي وبحبس من كان معه من أصحابه
وبقتل بعضهم.
ذكر الخبر عن ذلك:
ولما قدم سليمان وعيسى ابنا علي على أبي جعفر أذن لهما، فدخلا عليه،
فأعلماه حضور عبد الله بْن علي، وسألاه الإذن له فأنعم لهما بذلك،
وشغلهما بالحديث، وقد كان هيأ لعبد الله بْن علي محبسا في قصره، وامر
به ان ينصرف اليه بعد دخول عيسى وسليمان عليه، ففعل ذلك به، ونهض أبو
جعفر من مجلسه، فقال لسليمان وعيسى: سارعا بعبد الله، فلما خرجا افتقدا
عبد الله من المجلس الذي كان فيه، فعلما أنه قد حبس، فانصرفا راجعين
إلى أبي جعفر، فحيل بينهما وبين الوصول إليه، وأخذت عند ذلك سيوف من
حضر من أصحاب عبد الله بْن علي من عواتقهم وحبسوا.
وقد كان خفاف بْن منصور حذرهم ذلك وندم على مجيئه، وقال لهم: إن أنتم
أطعتموني شددنا شدة واحده على ابى جعفر، فو الله لا يحول بيننا وبينه
حائل حتى نأتي على نفسه، ونشد على هذه الأبواب مصلتين سيوفنا، ولا
(7/501)
يعرض لنا عارض إلا أفتنا نفسه حتى نخرج
وننجو بأنفسنا، فعصوه فلما أخذت السيوف وأمر بحبسهم جعل خفاف يضرط في
لحيته، ويتفل في وجوه أصحابه ثم أمر أبو جعفر بقتل بعضهم بحضرته، وبعث
بالبقية إلى أبي داود خالد بْن إبراهيم بخراسان فقتلهم بها.
وقد قيل إن حبس أبي جعفر عبد الله بن على كان في سنة أربعين ومائة.
وحج بالناس في هذه السنة العباس بْن محمد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عباس وكان على مكة والمدينة والطائف زياد بْن عبيد الله
الحارثي، وعلى الكوفة وأرضها عيسى بْن موسى، وعلى البصرة وأعمالها
سفيان بْن معاوية، وعلى قضائها سوار بْن عبد الله، وعلى خراسان ابو
داود خالد بن ابراهيم.
(7/502)
ثم دخلت
سنة أربعين ومائة
ذكر ما كان فيها من الأحداث
ذكر هلاك ابى داود عامل خراسان وولايه عبد
الجبار
فمن ذلك ما كان فيها من مهلك عامل خراسان.
ذكر الخبر عن ذلك وسبب هلاكه:
ذكر أن ناسا من الجند ثاروا بأبي داود خالد بْن إبراهيم بخراسان وهو
عامل أبي جعفر المنصور عليها في هذه السنة ليلا، وهو نازل بباب كشماهن
من مدينة مرو، حتى وصلوا إلى المنزل الذي هو فيه، فأشرف أبو داود من
الحائط على حرف آجرة خارجة، وجعل ينادي أصحابه ليعرفوا صوته، فانكسرت
الآجرة عند الصبح، فوقع على سترة صفة كانت قدام السطح فانكسر ظهره،
فمات عند صلاة العصر، فقام عصام صاحب شرطه أبي داود بخلافة أبي داود،
حتى قدم عليه عبد الجبار بْن عبد الرحمن الأزدي.
وفيها ولى ابى جعفر عبد الجبار بْن عبد الرحمن خراسان فقدمها، فأخذ بها
ناسا من القواد ذكر أنه اتهمهم بالدعاء إلى ولد علي بْن أبي طالب، منهم
مجاشع بْن حريث الأنصاري صاحب بخارى وأبو المغيرة، مولى بني تميم واسمه
خالد بْن كثير وهو صاحب قوهستان، والحريش بن محمد الذهلي، ابن عم داود،
فقتلهم، وحبس الجنيد بْن خالد بْن هريم التغلبي ومعبد بْن الخليل
المزني بعد ما ضربهما ضربا مبرحا، وحبس عدة من وجوده قواد أهل خراسان،
وألح على استخراج ما على عمال أبي داود من بقايا الأموال.
وفيها خرج أبو جعفر المنصور حاجا، فأحرم من الحيرة، ثم رجع بعد ما قضى
حجه إلى المدينة، فتوجه منها إلى بيت المقدس
(7/503)
وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في
السنة التي قبلها، إلا خراسان فإن عاملها كان عبد الجبار.
ولما قدم أبو جعفر بيت المقدس صلى في مسجدها، ثم سلك الشام فإن عاملها
كان عبد الجبار.
ولما قدم أبو جعفر بيت المقدس صلى في مسجدها، ثم سلك الشام منصرفا حتى
انتهى إلى الرقة، فنزلها، فأتى بمنصور بْن جعونة بْن الحارث العامري،
من بني عامر بْن صعصعة، فقتله، ثم شخص منها، فسلك الفرات حتى أتى
الهاشمية، هاشمية الكوفة
(7/504)
|