تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

. ذكر خبر بناء المنصور الرصافه
وفي هذه السنة ابتدأ المنصور ببناء الرصافة في الجانب الشرقي من مدينة السلام لابنه محمد المهدي.
ذكر الخبر عن سبب بنائه ذلك له:
ذكر عن أحمد بْن محمد الشروي، عن أبيه، أن المهدي لما قدم من خراسان أمره المنصور بالمقام بالجانب الشرقي، وبنى له الرصافه، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا، وأجرى له الماء، فكان يجري الماء من نهر المهدي إلى الرصافة.
وأما خالد بْن يزيد بْن وهب بْن جرير بْن خازم، فإنه ذكر أن محمد ابن موسى بْن محمد بْن إبراهيم بْن محمد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس حدثه، أن أباه حدثه، أن الراوندية لما شغبوا على أبي جعفر وحاربوه على باب الذهب، دخل عليه قثم بْن العباس بْن عبيد الله بْن العباس- وهو يومئذ شيخ كبير مقدم عند القوم- فقال له أبو جعفر: أما ترى ما نحن فيه من التياث الجند علينا! قد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا الأمر من أيدينا، فما ترى؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين، عندي في هذا رأي إن أنا أظهرته لك فسد، وان تركتني امضيته، صلحت لك خلافتك، وهايك جندك.
فقال له: أفتمضي في خلافتي أمرا لا تعلمني ما هو! فقال له: إن كنت عندك متهما على دولتك فلا تشاورني، وإن كنت مأمونا عليها فدعني أمضي رأيي فقال له: فأمضه قَالَ: فانصرف قثم إلى منزله، فدعا غلاما له فقال له:

(8/37)


إذا كان غدا فتقدمني، فاجلس في دار أمير المؤمنين، فإذا رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب، فخذ بعنان بغلتي، فاستوقفني واستحلفني بحق رسول الله، وحق العباس وحق أمير المؤمنين لما وقفت لك، وسمعت مسألتك وأجبتك عنها، فإني سأنتهرك، وأغلظ لك القول، فلا يهولنك ذلك مني، وعاودني بالمسألة فإني سأشتمك، فلا يروعنك ذلك، وعاودني بالقول والمسألة، فإني سأضربك بسوطي، فلا يشق ذلك عليك، فقل لي:
أي الحيين أشرف؟ اليمن أم مضر؟ فإذا أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر.
قَالَ: فغدا الغلام، فجلس حيث أمره من دار الخليفة، فلما جاء الشيخ فعل الغلام ما أمره به مولاه، وفعل المولى ما كان قاله له، ثم قَالَ له:
قل، فقال: أي الحيين أشرف؟ اليمن أم مضر؟ قَالَ: فقال قثم:
مضر كان منها رسول الله ص، وفيها كتاب الله عز وجل، وفيها بيت الله، ومنها خليفة الله قَالَ: فامتعضت اليمن إذ لم يذكر لها شيء من شرفها، فقال له قائد من قواد اليمن: ليس الأمر كذلك مطلقا بغير شرفة ولا فضيلة لليمن، ثم قَالَ لغلامه: قم فخذ بعنان بغله الشيخ، فاكبحها كبحا عنيفا تطامن به منه، قَالَ: ففعل الغلام ما أمره به مولاه حتى كاد أن يقعيها على عراقيبها، فامتعضت من ذلك مضر، فقالت:
أيفعل هذا بشيخنا! فأمر رجل منهم غلامه، فقال: اقطع يد العبد، فقام إلى غلام اليماني فقطع يده، فنفر الحيان، وصرف قثم بغلته، فدخل على أبي جعفر، وافترق الجند، فصارت مضر فرقة، واليمن فرقة، والخراسانية فرقة، وربيعة فرقة، فقال قثم لأبي جعفر: قد فرقت بين جندك، وجعلتهم أحزابا كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثا، فتضربه بالحزب الآخر، وقد بقي عليك في التدبير بقية، قَالَ: ما هي؟ قَالَ: اعبر بابنك فأنزله في ذلك الجانب قصرا، وحوله وحول معك من جيشك معه قوما

(8/38)


فيصير ذلك بلدا، وهذا بلدا، فإن فسد عليك أهل هذا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب، وإن فسد عليك أهل ذلك الجانب ضربتهم بأهل هذا الجانب، وإن فسدت عليك مضر ضربتها باليمن وربيعة والخراسانية، وإن فسدت عليك اليمن ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها.
قَالَ: فقبل أمره ورأيه، فاستوى له ملكه، وكان ذلك سبب البناء في الجانب الشرقي وفي الرصافة وإقطاع القواد هناك.
قَالَ: وتولى صالح صاحب المصلى القطائع في الجانب الشرقي، ففعل كفعل أبي العباس الطوسي في فضول القطائع في الجانب الغربي، فله بباب الجسر وسوق يحيى ومسجد خضير وفي الرصافة وطريق الزواريق على دجلة مواضع بناء، بما استوهب من فضل الإقطاع عن أهله، وصالح رجل من أهل خراسان.
وفي هذه السنة جدد المنصور البيعة لنفسه ولابنه محمد المهدي من بعده، ولعيسى بْن موسى من بعد المهدي على أهل بيته في مجلسه في يوم جمعة، وقد عمهم بالإذن فيه، فكان كل من بايعه منهم يقبل يده ويد المهدي، ثم يمسح على يد عيسى بْن موسى ولا يقبل يده.
وغزا الصائفة في هذه السنة عبد الوهاب بْن إبراهيم بْن محمد
. امر عقبه بن سلم
وفيها شخص عقبة بْن سلم من البصرة واستخلف عليها ابنه نافع بْن عقبة إلى البحرين، فقتل سليمان بْن حكيم العبدي وسبى أهل البحرين، وبعث ببعض من سبى منهم وأسارى منهم إلى أبي جعفر، فقتل منهم عدة ووهب بقيتهم للمهدي، فمن عليهم وأعتقهم، وكسا كل إنسان منهم ثوبين من ثياب مرو

(8/39)


ثم عزل عقبة بْن سلم عن البصرة، فذكر عن إفريك- جارية أسد بْن المرزبان- أنها قالت: بعث المنصور أسد بْن المرزبان إلى عقبة بْن سلم إلى البحرين حين قتل منهم من قتل، ينظر في أمره، فمايله ولم يستقص عليه، وورى عنه، فبلغ ذلك أبا جعفر، وبلغه أنه أخذ منه مالا، فبعث إليه أبا سويد الخراساني- وكان صديق أسد- وأخاه، فلما رآه مقبلا على البريد فرح، وكان ناحية من عسكر عقبة، فتطاول له، وقال: صديقي فوقف عليه فوثب ليقوم إليه، فقال له أبو سويد بنشين بنشين، فجلس فقال له:
أنت سامع مطيع؟ قَالَ: نعم، قَالَ: مد يدك، فمد يده فضربها فأطنها، ثم مد رجله، ثم مد يده ثم رجله حتى قطع الأربع، ثم قَالَ: مد عنقك فمد فضرب عنقه قالت أفريك: فأخذت رأسه فوضعته في حجري، فأخذه مني فحمله إلى المنصور فما أكلت إفريك لحما حتى ماتت.
وزعم الواقدي أن أبا جعفر ولى معن بْن زائدة في هذه السنة سجستان.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن إبراهيم بْن محمد بْن علي بْن عبد الله ابن عباس.
وكان العامل على مكة والطائف محمد بن ابراهيم، وعلى المدينة الحسن ابن زيد، وعلى الكوفة محمد بْن سليمان بْن علي، وعلى البصرة جابر بْن توبة الكلابي، وعلى قضائها سوار بْن عبد الله، وعلى مصر يزيد بْن حاتم.

(8/40)


ثم دخلت

سنة اثنتين وخمسين ومائة
(ذكر الخبر عن الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا) فمن ذلك ما كان من قتل الخوارج فيها معن بْن زائدة الشيباني ببست سجستان.
وفيها غزا حميد بْن قحطبة كابل، وكان المنصور ولاه خراسان في سنه ثنتين وخمسين ومائة وغزا- فيما ذكر- الصائفة عبد الوهاب بْن إبراهيم ولم يدرب.
وقيل إن الذي غزا الصائفة في هذه السنة محمد بْن إبراهيم.
وفيها عزل المنصور جابر بْن توبة عن البصرة، وولاها يزيد بْن منصور.
وفيها قتل أبو جعفر هاشم بْن الأشتاخنج، وكان عصى وخالف في إفريقية، فحمل إليه هو وابن خالد المروروذي، فقتل ابن الاشتاخنج بالقادسية، وهو متوجه إلى مكة.
وحج بالناس في هذه السنة المنصور، فذكر أنه شخص من مدينة السلام في شهر رمضان، ولا يعلم بشخوصه محمد بْن سليمان، وهو عامله على الكوفة يومئذ، ولا عيسى بْن موسى ولا غيرهما من أهل الكوفة حتى قرب منها.
وفيها عزل يزيد بْن حاتم عن مصر ووليها محمد بْن سعيد.
وكان عمال الأمصار فِي هَذِهِ السنة هم العمال في السنة الخالية إلا البصرة فإن عاملها في هذه السنة كان يزيد بْن منصور، وإلا مصر فإن عاملها كان في هذه السنة محمد بْن سعيد

(8/41)


ثم دخلت

سنة ثلاث وخمسين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك تجهيز المنصور جيشا في البحر لحرب الكرك، بعد مقدمه البصرة، منصرفا من مكة إليها بعد فراغه من حجه، وكانت الكرك أغارت على جدة، فلما قدم المنصور البصرة في هذه السنة جهز منها جيشا لحربهم، فنزل الجسر الأكبر حين قدمها- فيما ذكر وقدمته هذه البصرة القدمة الآخرة.
وقيل إنه أنما قدمها القدمة الآخرة في سنة خمس وخمسين ومائة، وكانت قدمته الأولى في سنة خمس وأربعين ومائة، وأقام بها أربعين يوما، وبنى بها قصرا ثم انصرف منها إلى مدينة السلام.
وفيها غضب المنصور على أبي أيوب المورياني، فحبسه وأخاه وبني أخيه:
سعيدا ومسعودا ومخلدا ومحمدا، وطالبهم وكانت منازلهم المناذر، وكان سبب غضبه عليه- فيما قيل- سعي أبان بْن صدقة كاتب أبي أيوب إليه.
وفي هذه السنة قتل عمر بْن حفص بْن عثمان بْن أبي صفرة بإفريقية، قتله أبو حاتم الإباضي وأبو عاد ومن كان معهما من البربر، وكانوا- فيما ذكر- ثلاثمائة ألف وخمسين ألفا، الخيل منها خمسة وثلاثون ألفا، ومعهم أبو قرة الصفري في أربعين ألفا، وكان يسلم عليه قبل ذلك بالخلافة أربعين يوما.
وفيها حمل عباد مولى المنصور وهرثمة بْن أعين ويوسف بْن علوان من خراسان في سلاسل، لتعصبهم لعيسى بْن موسى.
وفيها أخذ المنصور الناس بلبس القلانس الطوال المفرطة الطول، وكانوا- فيما ذكر- يحتالون لها بالقصب من داخل، فقال أبو دلامة:

(8/42)


وكنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى في القلانس
تراها على هام الرجال كأنها ... دنان يهود جللت بالبرانس
وفيها توفي عبيد بن بنت أبي ليلى قاضي الكوفة، فاستقضى مكانه شريك ابن عبد الله النخعي.
وفيها غزا الصائفة معيوف بْن يحيى الحجوري، فصار إلى حصن من حصون الروم ليلا، وأهله نيام، فسبى وأسر من كان فيه من المقاتلة، ثم صار إلى اللاذقية المحترقة، ففتحها وأخرج منها ستة آلاف رأس من السبي سوى الرجال البالغين.
وفيها ولى المنصور بكار بْن مسلم العقيلي على أرمينية.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن أبي جعفر المهدي.
وكان على مكة والطائف يومئذ محمد بْن إبراهيم، وعلى المدينة الحسن بْن زيد بْن الحسن، وعلى الكوفة محمد بْن سليمان، وعلى البصرة يزيد بْن منصور، وعلى قضائها سوار، وعلى مصر محمد بْن سعيد.
وذكر الواقدي أن يزيد بْن منصور كان في هذه السنة والي اليمن من قبل أبي جعفر المنصور

(8/43)


ثم دخلت

سنة أربع وخمسين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك خروج المنصور الى الشام ومسيره إلى بيت المقدس وتوجيهه يزيد بْن حاتم إلى إفريقية في خمسين ألفا- فيما ذكر- لحرب الخوارج الذين كانوا بها، الذين قتلوا عامله عمر بْن حفص وذكر أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف ألف درهم.
وفي هذه السنة عزم المنصور- فيما ذكر- على بناء مدينة الرافقة، فذكر عن محمد بْن جابر، عن أبيه أن أبا جعفر لما أراد بناءها، امتنع أهل الرقة، وأرادوا محاربته، وقالوا: تعطل علينا أسواقنا وتذهب بمعايشنا، وتضيق منازلنا، فهم بمحاربتهم، وبعث إلى راهب في الصومعة هنالك، فقال له:
هل لك علم بأن إنسانا يبني هاهنا مدينة؟ فقال: بلغني أن رجلا يقال له مقلاص يبنيها، فقال: أنا والله مقلاص.
وذكر محمد بْن عمر أن صاعقة سقطت في هذه السنة في المسجد الحرام فقتلت خمسة نفر.
وفيها هلك أبو أيوب المورياني وأخوه خالد، وأمر المنصور موسى بْن دينار حاجب أبي العباس الطوسي بقطع أيدي بني أخي أبي أيوب وأرجلهم وضرب أعناقهم، وكتب بذلك إلى المهدي، ففعل ذلك موسى وأنفذ فيهم ما أمره به.
وفيها ولي عبد الملك بْن ظبيان النميري على البصرة.
وغزا الصائفة في هذه السنة زفر بْن عاصم الهلالي فبلغ الفرات.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن إبراهيم، وهو عامل أبي جعفر على مكة والطائف

(8/44)


وكان على المدينة الحسن بْن زيد، وعلى الكوفة محمد بْن سليمان، وعلى البصرة عبد الملك بْن أيوب بْن ظبيان وعلى قضائها سوار بْن عبد الله وعلى السند هشام بن عمرو، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم، وعلى مصر محمد ابن سعيد

(8/45)


ثم دخلت

سنة خمس وخمسين ومائة
(ذكر الخبر عن الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا) فمن ذلك افتتاح يزيد بْن حاتم إفريقية وقتله أبا عاد وأبا حاتم ومن كان معهما، واستقامت بلاد المغرب، ودخل يزيد بْن حاتم القيروان.
وفيها وجه المنصور ابنه المهدي لبناء مدينة الرافقة، فشخص إليها، فبناها على بناء مدينته ببغداد في أبوابها وفصولها ورحابها وشوارعها وسور سورها وخندقها، ثم انصرف إلى مدينته.
وفيها- فيما ذكر محمد بْن عمر- خندق أبو جعفر على الكوفة والبصرة، وضرب عليهما سورا، وجعل ما أنفق على سور ذلك وخندقه من أموال أهله.
وعزل فيها المنصور عبد الملك بْن أيوب بْن ظبيان عن البصرة، واستعمل عليها الهيثم بْن معاوية العتكي، وضم إليه سعيد بْن دعلج، وأمره ببناء سور لها يطيف بها، وخندق عليها من دون السور من أموال أهلها، ففعل ذلك.
وذكر أن المنصور لما أراد الأمر ببناء سور الكوفة وبحفر خندق لها، أمر بقسمة خمسة دراهم، على أهل الكوفة، وأراد بذلك علم عددهم، فلما عرف عددهم أمر بجبايتهم أربعين درهما من كل إنسان، فجبوا، ثم أمر بإنفاق ذلك على سور الكوفة وحفر الخنادق لها، فقال شاعرهم:
يا لقومى ما لقينا ... من أمير المؤمنينا
قسم الخمسة فينا ... وجبانا الأربعينا
وفيها طلب صاحب الروم الصلح إلى المنصور، على أن يؤدي إليه الجزية.
وغزا الصائفة في هذه السنة يزيد بْن أسيد السلمي.
وفيها عزل المنصور أخاه العباس بْن محمد عن الجزيرة، وغرمه مالا،

(8/46)


وغضب عليه وحبسه، فذكر عن بعض بني هاشم، أنه قَالَ: كان المنصور ولى العباس بْن محمد الجزيرة بعد يزيد بْن أسيد، ثم غضب عليه فلم يزل ساخطا عليه حتى غضب على بعض عمومته من ولد عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أما إسماعيل بْن علي أو غيره فاعتوره أهله وعمومته ونساؤهم يكلمونه فيه، وضيقوا عليه فرضي عنه، فقال عيسى بْن موسى: يا أمير المؤمنين، إن آل علي بْن عبد الله- وإن كانت نعمك عليهم سابغة- فإنهم يرجعون إلى الحسد لنا، فمن ذلك أنك غضبت على إسماعيل بْن علي منذ أيام، فضيقوا عليك وأنت غضبان على العباس بْن محمد، منذ كذا وكذا، فما رأيت أحدا منهم كلمك فيه قَالَ: فدعا العباس فرضي عنه.
قَالَ: وقد كان يزيد بْن أسيد عند عزل العباس إياه عن الجزيرة، شكا إلى أبي جعفر العباس، وقال: يا أمير المؤمنين، إن أخاك أساء عزلي، وشتم عرضي، فقال له المنصور: اجمع بين إحساني إليك وإساءة أخي يعتدلا، فقال يزيد بْن أسيد: يا أمير المؤمنين، إذا كان إحسانكم جزاء بإساءتكم، كانت طاعتنا تفضلا منا عليكم.
وفيها استعمل المنصور على حرب الجزيرة وخراجها موسى بْن كعب.
وفي هذه السنة عزل المنصور عن الكوفة محمد بْن سليمان بْن علي، في قول بعضهم، واستعمل مكانه عمرو بْن زهير أخا المسيب بْن زهير.
وأما عمر بْن شبة فإنه زعم أنه عزل محمد بْن سليمان عن الكوفة في سنة ثلاث وخمسين ومائة، وولاها عمرو بْن زهير الضبي أخا المسيب بْن زهير في هذه السنة قَالَ: وهو حفر الخندق بالكوفة.
ذكر الخبر عن سبب عزل المنصور محمد بْن سليمان بْن علي ذكر أن محمد بْن سليمان أتي في عمله على الكوفة بعبد الكريم بْن ابى العوجاء

(8/47)


- وكان خال معن بْن زائدة- فأمر بحبسه قَالَ أبو زيد: فحدثني قثم بْن جعفر والحسين بْن أيوب وغيرهما أن شفعاءه كثروا بمدينة السلام، ثم ألحوا على أبي جعفر، فلم يتكلم فيه إلا ظنين، فأمر بالكتاب إلى محمد بالكف عنه إلى أن يأتيه رأيه، فكلم ابن أبي العوجاء أبا الجبار- وكان منقطعا إلى أبي جعفر ومحمد ثم إلى أبنائهما بعدهما- فقال له: إن أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف، ولك أنت كذا وكذا، فأعلم أبو الجبار محمدا، فقال:
أذكرتنيه والله وقد كنت نسيته، فإذا انصرفت من الجمعة فأذكرنيه فلما انصرف أذكره، فدعا به وأمر بضرب عنقه، فلما أيقن أنه مقتول، قَالَ:
أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال، وأحل فيها الحرام، والله لقد فطرتكم في يوم صومكم، وصومتكم في يوم فطركم، فضربت عنقه.
وورد على محمد رسول أبي جعفر بكتابه: إياك أن تحدث في أمر ابن أبي العوجاء شيئا، فإنك إن فعلت فعلت بك وفعلت يتهدده فقال محمد للرسول:
هذا رأس ابن أبي العوجاء وهذا بدنه مصلوبا بالكناسة، فأخبر أمير المؤمنين بما أعلمتك، فلما بلغ الرسول أبا جعفر رسالته، تغيظ عليه وأمر بالكتاب بعزله وقال: والله لهممت أن أقيده به، ثم أرسل إلى عيسى بْن علي فأتاه، فقال: هذا عملك أنت! أشرت بتولية هذا الغلام، فوليته غلاما جاهلا لا علم له بما يأتي، يقدم على رجل يقتله من غير أن يطلع رأيي فيه، ولا ينتظر أمري:
وقد كتبت بعزله، وبالله لأفعلن به ولأفعلن يتهدده، فسكت عنه عيسى حتى سكن غضبه، ثم قَالَ: يا أمير المؤمنين، إن محمدا إنما قتل هذا الرجل على الزندقة، فإن كان قتله صوابا فهو لك، وإن كان خطأ فهو على محمد، والله يا أمير المؤمنين لئن عزلته على تفية ما صنع ليذهبن بالثناء والذكر، ولترجعن القالة من العامة عليك فأمر بالكتب فمزقت وأقر على عمله وقال بعضهم: إنما عزل المنصور محمد بْن سليمان عن الكوفة لأمور قبيحه

(8/48)


بلغته عنه، اتهمه فيها، وكان الذي أنهى ذلك إليه المساور بْن سوار الجرمي صاحب شرطه، وفي مساور يقول حماد.
لحسبك من عجيب الدهر أني ... أخاف وأتقي سلطان جرم
وفي هذه السنة أيضا عزل المنصور الحسن بْن زيد عن المدينة، واستعمل عليها عبد الصمد بْن علي، وجعل معه فليح بْن سليمان مشرفا عليه.
وكان على مكة والطائف محمد بْن إبراهيم بْن محمد، وعلى الكوفة عمرو بْن زهير، وعلى البصرة الهيثم بْن معاوية، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم، وعلى مصر محمد بن سعيد

(8/49)


ثم دخلت

سنة ست وخمسين ومائة
(ذكر الخبر عن الأحداث الَّتِي كَانَتْ فِيهَا)

ذكر الخبر عن مقتل عمرو بن شداد
فمن ذلك ما كان من ظفر الهيثم بْن معاوية عامل أبي جعفر على البصرة بعمرو بْن شداد عامل إبراهيم بْن عبد الله على فارس، فقتل بالبصرة وصلب.
ذكر الخبر عن سبب الظفر به:
ذكر عمر أن محمد بْن معروف حدثه، قَالَ: أخبرني أبي، قَالَ:
ضرب عمرو بْن شداد خادما له، فأتى عامل البصرة- إما ابن دعلج، واما الهيثم ابن معاوية- فدله عليه، فأخذه فقتله وصلبه في المربد في موضع دار إسحاق ابن سليمان وكان عمرو مولى لبني جمح، فقال بعضهم: ظفر به الهيثم ابن معاوية وخرج يريد مدينة السلام، فنزل بقصر له على شاطئ نهر يعرف بنهر معقل، فأقبل بريد من عند أبي جعفر، ومعه كتاب إلى الهيثم بْن معاوية بدفع عمرو بْن شداد إليه، فدفعه الهيثم إليه، فأقدمه البصرة، ثم أتى به ناحية الرحبة، فخلا به يسائله، فلم يظفر منه بشيء يحب علمه، فقطع يديه ورجليه، وضرب عنقه وصلبه في مربد البصرة.
وفي هذه السنة عزل المنصور الهيثم بْن معاوية عن البصرة وأعمالها، واستعمل سوار بْن عبد الله القاضي على الصلاة، وجمع له القضاء والصلاة وولى المنصور سعيد بْن دعلج شرط البصرة وأحداثها.
وفيها توفي الهيثم بْن معاوية بعد ما عزل عن البصره فجاه بمدينة السلام، وهو على بطن جارية له، فصلى عليه المنصور، ودفن في مقابر بني هاشم.
وفي هذه السنة غزا الصائفة زفر بْن عاصم الهلالي

(8/50)


وحج بالناس في هذه السنة العباس بْن محمد بْن علي.
وكان العامل على مكة محمد بْن إبراهيم، وكان مقيما بمدينة السلام، وابنه إبراهيم بْن محمد خليفته بمكة، وكان إليه مع مكة الطائف وعلى الكوفة عمرو بْن زهير، وعلى الأحداث والجوالي والشرط وصدقات أرض العرب بالبصرة سعيد بْن دعلج، وعلى الصلاة بها والقضاء سوار بْن عبد الله، وعلى كور دجلة والأهواز وفارس عمارة بْن حمزة، وعلى كرمان والسند هشام بْن عمرو، وعلى إفريقية يزيد بن حاتم، وعلى مصر محمد بْن سعيد

(8/51)