تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ثم دخلت

سنة سبع ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر خروج عبد الرحمن بن احمد العلوي باليمن
فمن ذلك خروج عبد الرحمن بْن أحمد بْن عبد الله بْن محمد بْن عمر بن على بن ابى طالب ببلادعك من اليمن يدعو إلى الرضى من آل محمد ص.
ذكر الخبر عن سبب خروجه:
وكان السبب في خروجه أن العمال باليمن أساءوا السيرة، فبايعوا عبد الرحمن هذا، فلما بلغ ذلك المأمون وجه إليه دينار بْن عبد الله في عسكر كثيف، وكتب معه بأمانه، فحضر دينار بْن عبد الله الموسم وحج، فلما فرغ من حجه سار إلى اليمن حتى أتى عبد الرحمن، فبعث إليه بأمانه من المأمون، فقبل ذلك، ودخل ووضع يده في يد دينار، فخرج به إلى المأمون، فمنع المأمون عند ذلك الطالبين من الدخول عليه، وأمر بأخذهم بلبس السواد، وذلك يوم الخميس لليلة بقيت من ذي القعده
. ذكر الخبر عن وفاه طاهر بن الحسين
وفي هذه السنة كانت وفاة طاهر بْن الحسين.
ذكر الخبر عن وفاته:
ذكر عن مطهر بْن طاهر، أن وفاة ذي اليمينين كانت من حمى وحرارة أصابته، وأنه وجد في فراشه ميتا

(8/593)


وذكر أن عميه علي بْن مصعب وأخاه أحمد بْن مصعب، صارا إليه يعودانه، فسألا الخادم عن خبره- وكان يغلس بصلاة الصبح- فقال الخادم هو نائم لم ينتبه، فانتظراه ساعة، فلما انبسط الفجر، وتأخر عن الحركة في الوقت الذي كان يقوم فيه للصلاة، أنكرا ذلك، وقالا للخادم:
أيقظه، فقال الخادم: لست أجسر على ذلك، فقالا له: اطرق لنا لندخل إليه، فدخلا فوجداه ملتفا في دواج، قد أدخله تحته، وشده عليه من عند رأسه ورجليه، فحركاه فلم يتحرك، فكشفا عن وجهه فوجداه قد مات.
ولم يعلما الوقت الذي توفي فيه، ولا وقف أحد من خدمه على وقت وفاته، وسألا الخادم عن خبره وعن آخر ما وقف عليه منه، فذكر أنه صلى المغرب والعشاء الآخرة، ثم التف في دواجه قَالَ الخادم: فسمعته يقول بالفارسية كلاما وهو در مرك ينز مردى ويذ، تفسيره أنه يحتاج في الموت أيضا إلى الرجلة.
وذكر عن كلثوم بْن ثابت بْن أبي سعد- وكان يكنى أبا سعدة- قَالَ: كنت على بريد خراسان، ومجلسي يوم الجمعة في أصل المنبر، فلما كان في سنة سبع ومائتين، بعد ولاية طاهر بْن الحسين بسنتين، حضرت الجمعة، فصعد طاهر المنبر، فخطب، فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له، فقال: اللهم أصلح أمة محمد بما اصلحت به أولياءك، واكفها مئونة من بغى فيها، وحشد عليها، بلم الشعث، وحقن الدماء، وإصلاح ذات البين قَالَ: فقلت في نفسي: أنا أول مقتول، لأني لا أكتم الخبر، فانصرفت واغتسلت بغسل الموتى، وائتزرت بإزار الموتى، ولبست قميصا، وارتديت رداء، وطرحت السواد، وكتبت إلى المأمون قَالَ: فلما صلى العصر دعاني، وحدث به حادث في جفن عينه وفي مأقه، فخر ميتا قَالَ: فخرج طلحه ابن طاهر، فقال: ردوه ردوه- وقد خرجت- فردوني، فقال: هل كتبت

(8/594)


بما كان؟ قلت: نعم، قَالَ: فاكتب بوفاته، وأعطاني خمسمائة ألف ومائتي ثوب، فكتبت بوفاته وبقيام طلحة بالجيش.
قَالَ: فوردت الخريطة على المأمون بخلعه غدوة، فدعا ابن أبي خالد فقال له: اشخص: فأت به- كما زعمت، وضمنت- قَالَ: أبيت ليلتي، قَالَ: لا لعمري لا تبيت إلا على ظهر فلم يزل يناشده حتى أذن له في المبيت قَالَ: ووافت الخريطة بموته ليلا، فدعاه فقال: قد مات، فمن ترى؟ قَالَ: ابنه طلحة، قَالَ: الصواب ما قلت، فاكتب بتوليته فكتب بذلك، وأقام طلحة واليا على خراسان في أيام المأمون سبع سنين بعد موت طاهر، ثم توفي، وولي عبد الله خراسان- وكان يتولى حرب بابك- فأقام بالدينور، ووجه الجيوش، ووردت وفاة طلحة على المأمون، فبعث إلى عبد الله يحيى بْن أكثم يعزيه عن أخيه ويهنئه بولاية خراسان، وولى علي بْن هشام حرب بابك.
وذكر عن العباس أنه قَالَ: شهدت مجلسا للمأمون، وقد أتاه نعي الطاهر، فقال: لليدين وللفم! الحمد لله الذي قدمه وأخرنا.
وقد ذكر في أمر ولاية طلحة خراسان بعد أبيه طاهر غير هذا القول، والذي قيل من ذلك، أن طاهرا لما مات- وكان موته في جمادى الأولى- وثب الجند، فانتهبوا بعض خزائنه، فقام بأمرهم سلام الأبرش الخصي، فأمر فأعطوا رزق ستة أشهر فصير المأمون عمله إلى طلحة خليفة لعبد الله بْن طاهر، وذلك أن المأمون ولى عبد الله في قول هؤلاء بعد موت طاهر عمل طاهر كله- وكان مقيما بالرقة على حرب نصر بْن شبث- وجمع له مع ذلك الشام، وبعث إليه بعهده على خراسان وعمل أبيه، فوجه عبد الله أخاه طلحة بخراسان، واستخلف بمدينة السلام إسحاق بْن إبراهيم، وكاتب المأمون طلحة باسمه، فوجه المأمون أحمد بْن أبي خالد إلى خراسان للقيام بأمر طلحة، فشخص أحمد إلى ما وراء النهر، فافتتح أشروسنة، وأسر كاوس بْن خاراخره وابنه الفضل، وبعث بهما إلى المأمون، ووهب طلحة لابن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضا بألفي ألف، ووهب لإبراهيم بْن العباس كاتب احمد بن ابى خالد خمسمائة الف درهم

(8/595)


وفي هذه السنه غلا السعر ببغداد والبصرة والكوفة حتى بلغ سعر القفيز من الحنطة بالهارونى اربعين درهما الى الخمسين بالقفيز الملجم.
وفي هذه السنة ولي موسى بْن حفص طبرستان والرويان ودنباوند.
وحج بالناس في هذه السنه ابو عيسى بن الرشيد.

(8/596)


ثم دخلت

سنة ثمان ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كان فيها من ذلك مصير الحسن بْن الحسين بْن مصعب من خراسان إلى كرمان ممتنعا بها، ومصير احمد بن خالد إليه حتى أخذه، فقدم به على المأمون، فعفا عنه.
وفيها ولى المأمون محمد بْن عبد الرحمن المخزومي قضاء عسكر المهدي في المحرم.
وفيها استعفى محمد بْن سماعة القاضي من القضاء فأعفي، وولي مكانه إسماعيل بْن حماد بْن أبي حنيفة.
وفيها عزل محمد بْن عبد الرحمن عن القضاء بعد أن وليه فيها في شهر ربيع الأول، ووليه بشر بْن الوليد الكندي، فقال بعضهم:
يأيها الملك الموحد ربه ... قاضيك بشر بْن الوليد حمار
ينفي شهادة من يدين بما به ... نطق الكتاب وجاءت الأخبار
ويعد عدلا من يقول بأنه ... شيخ يحيط بجسمه الأقطار
ومات موسى بْن محمد المخلوع في شعبان، ومات الفضل بْن الربيع في ذي القعدة.
وحج بالناس في هذه السنة صالح بْن الرشيد.

(8/597)


ثم دخلت

سنة تسع ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

خبر الظفر بنصر بن شبث
فمن ذلك ما كان من حصر عبد الله بْن طاهر نصر بْن شبث وتضييقه عليه، حتى طلب الأمان، فذكر عن جعفر بْن محمد العامري أنه قَالَ: قَالَ المأمون لثمامة: ألا تدلني على رجل من أهل الجزيرة له عقل وبيان ومعرفة، يؤدي عني ما أوجهه به إلى نصر بْن شبث؟ قَالَ: بلى يا أمير المؤمنين، رجل من بنى عامر يقال له جعفر بْن محمد، قَالَ له: أحضرنيه، قَالَ جعفر: فأحضرني ثمامة، فأدخلني عليه، فكلمني بكلام كثير، ثم أمرني أن أبلغه نصر بْن شبث.
قَالَ: فأتيت نصرا وهو بكفر عزون بسروج، فأبلغته رسالته، فأذعن وشرط شروطا، منها ألا يطأ له بساطا قَالَ: فأتيت المأمون فأخبرته، فقال:
لا أجيبه والله إلى هذا أبدا، ولو أفضيت إلى بيع قميصي حتى يطأ بساطي، وما باله ينفر مني! قَالَ: قلت: لجرمه وما تقدم منه، فقال: أتراه أعظم جرما عندي من الفضل بْن الربيع ومن عيسى بْن أبي خالد! أتدري ما صنع بي الفضل! أخذ قوادي وجنودي وسلاحي وجميع ما أوصى به لي أبي، فذهب به إلى محمد وتركني بمرو وحيدا فريدا وأسلمني، وأفسد علي أخي، حتى كان من أمره ما كان، وكان أشد علي من كل شيء أتدري ما صنع بي عيسى بْن أبي خالد! طرد خليفتي من مدينتي ومدينة آبائي، وذهب بخراجي وفيئي، وأخرب علي دياري، وأقعد إبراهيم خليفة دوني، ودعاه باسمي.
قَالَ: قلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في الكلام فأتكلم؟ قَالَ: تكلم، قلت: الفضل بْن الربيع رضيعكم ومولاكم، وحال سلفه حالكم، وحال سلفكم حاله، ترجع عليه بضروب كلها تردك اليه، واما عيسى بْن أبي خالد فرجل

(8/598)


من أهل دولتك، وسابقته وسابقة من مضى من سلفه سابقتهم ترجع عليه بذلك، وهذا رجل لم تكن له يد قط فيحمل عليها، ولا لمن مضى من سلفه، إنما كانوا من جند بني أمية قَالَ: إن كان ذلك كما تقول، فكيف بالحنق والغيظ، ولكني لست أقلع عنه حتى يطأ بساطي، قَالَ: فأتيت نصرا فأخبرته بذلك كله، قَالَ: فصاح بالخيل صيحة فجالت، ثم قَالَ: ويلي عليه! هو لم يقو على أربعمائة ضفدع تحت جناحه- يعني الزط- يقوى على حلبة العرب! فذكر أن عبد الله بْن طاهر لما جاده القتال وحصره وبلغ منه، طلب الأمان فأعطاه، وتحول من معسكره إلى الرقة سنة تسع ومائتين، وصار إلى عبد الله بْن طاهر، وكان المأمون قد كتب إليه قبل ذلك بعد أن هزم عبد الله ابن طاهر جيوشه كتابا يدعوه إلى طاعته ومفارقة معصيته، فلم يقبل، فكتب عبد الله إليه- وكان كتاب المأمون إليه من المأمون كتبه عمرو بْن مسعدة:
أما بعد، فإنك يا نصر بْن شبث قد عرفت الطاعة وعزها وبرد ظلها وطيب مرتعها وما في خلافها من الندم والخسار، وإن طالت مدة الله بك، فإنه إنما يملي لمن يلتمس مظاهرة الحجة عليه لتقع عبره بأهلها على قدر إصرارهم واستحقاقهم وقد رأيت إذكارك وتبصيرك لما رجوت أن يكون لما أكتب به إليك موقع منك، فإن الصدق صدق والباطل باطل، وإنما القول بمخارجه وبأهله الذين يعنون به، ولم يعاملك من عمال أمير المؤمنين أحد أنفع لك في مالك ودينك ونفسك، ولا احرص على استنقاذك والانتياش لك من خطائك مني، فبأي أول أو آخر أو سطة أو إمرة إقدامك يا نصر على أمير المؤمنين! تأخذ أمواله، وتتولى دونه ما ولاه الله، وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا، او وادعا او ساكنا او هادئا! فو عالم السر والجهر، لئن لم تكن للطاعة مراجعا وبها خانعا، لتستوبلن وخم العاقبه، ثم لا بد ان بك قبل كل عمل، فإن قرون الشيطان إذا لم تقطع كانت في الأرض فتنة وفسادا

(8/599)


كبيرا، ولأطأن بمن معي من أنصار الدولة كواهل رعاع أصحابك، ومن تأشب إليك من أداني البلدان وأقاصيها وطغامها وأوباشها، ومن انضوى إلى حوزتك من خراب الناس، ومن لفظه بلده، ونفته عشيرته، لسوء موضعه فيهم وقد أعذر من أنذر والسلام.
وكان مقام عبد الله بْن طاهر على نصر بْن شبث محاربا له- فيما ذكر- خمس سنين حتى طلب الأمان، فكتب عبد الله إلى المأمون يعلمه أنه حصره وضيق عليه، وقتل رؤساء من معه، وإنه قد عاذ بالأمان وطلبه، فأمره أن يكتب له كتاب أمان، فكتب اليه، أمانا نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الإعذار بالحق حجة الله المقرون بها النصر، والاحتجاج بالعدل دعوة الله الموصول بها العز، ولا يزال المعذر بالحق، المحتج بالعدل في استفتاح أبواب التأييد، واستدعاء أسباب التمكين، حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين، ويمكن وهو خير الممكنين، ولست تعدو أن تكون فيما لهجت به أحد ثلاثة:
طالب دين، أو ملتمس دنيا، أو متهورا يطلب الغلبة ظلما، فإن كنت للدين تسعى بما تصنع، فأوضح ذلك لأمير المؤمنين يغتنم قبوله إن كان حقا، فلعمري ما همته الكبرى، ولا غايته القصوى إلا الميل مع الحق حيث مال، والزوال مع العدل حيث زال، وإن كنت للدنيا تقصد، فأعلم أمير المؤمنين غايتك فيها، والأمر الذي تستحقها به، فإن استحققتها وأمكنه ذلك فعله بك.
فلعمري ما يستجيز منع خلق ما يستحقه وإن عظم، وإن كنت متهورا فسيكفي الله أمير المؤمنين مؤنتك، ويعجل ذلك كما عجل كفايته مؤن قوم سلكوا مثل طريقك كانوا أقوى يدا، وأكثف جندا وأكثر جمعا وعددا ونصرا منك فيما أصارهم إليه من مصارع الخاسرين، وأنزل بهم من جوائح الظالمين وأمير المؤمنين يختم كتابه بشهادة أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله ص، وضمانه لك في دينه وذمته الصفح عن سوالف جرائمك، ومتقدمات جرائرك، وإنزالك ما تستأهل من منازل العز والرفعة إن أتيت وراجعت، إن شاء الله والسلام

(8/600)


ولما خرج نصر بْن شبث إلى عبد الله بْن طاهر بالأمان هدم كيسوم وخربها.
وفي هذه السنة ولى المأمون صدقة بْن علي المعروف بزريق أرمينية وأذربيجان ومحاربة بابك، وانتدب للقيام بأمره أحمد بْن الجنيد بْن فرزندي الأسكافي، ثم رجع أحمد بْن الجنيد بْن فرزندي إلى بغداد، ثم رجع إلى الخرمية، فأسره بابك، فولى إبراهيم بْن الليث بْن الفضل التجيبي أذربيجان.
وحج بالناس في هذه السنة صالح بْن العباس بن محمد بْن علي، وهو والي مكة.
وفيها مات ميخائيل بْن جورجس صاحب الروم، وكان ملكه تسع سنين، وملكت الروم عليهم ابنه توفيل بن ميخائيل.

(8/601)