تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ثم دخلت

سنة أربعين ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر الخبر عن وثوب اهل حمص بعاملهم
4 فمما كان فيها من ذلك وثوب أهل حمص بعاملهم على المعونة.
ذكر الخبر عن سبب ذلك وما آل إليه أمرهم ووثوبهم:
ذكر أن عاملهم على المعونة قتل رجلا كان من رؤسائهم، وكان العامل يومئذ أبو المغيث الرافعي موسى بن إبراهيم، فوثب أهل حمص في جمادى الآخرة من هذه السنة، فقتلوا جماعة من أصحابه، ثم أخرجوه وأخرجوا صاحب الخراج من مدينتهم، فبلغ ذلك المتوكل، فوجه إليهم عتاب بن عتاب، ووجه معه محمد بن عبدويه كرداس الأنباري، وأمره أن يقول لهم: إن أمير المؤمنين قد أبدلكم رجلا مكان رجل، فإن سمعوا وأطاعوا ورضوا، فول عليهم محمد بن عبدويه، وإن أبوا وثبتوا على الخلاف فأقم بمكانك، واكتب إلى أمير المؤمنين حتى يوجه إليك رجاء، أو محمد بن رجاء الحضاري أو غيره من الخيل لمحاربتهم، فخرج عتاب بن عتاب من سامرا يوم الاثنين لخمس بقين من شهر جمادى الآخرة، فرضوا بمحمد بن عبدويه، فولاه عليهم ففعل فيهم الأعاجيب.
[أخبار متفرقة]
وفيها مات احمد بن ابى دواد ببغداد في المحرم بعد ابنه أبي الوليد محمد، وكان ابنه محمد توفي قبله بعشرين يوما في ذي الحجة ببغداد.
وفيها عزل يحيى بن أكثم عن القضاء في صفر، وقبض منه ما كان له

(9/197)


ببغداد ومبلغه خمسة وسبعون ألف دينار، ومن أسطوانة في داره ألفا دينار وأربعة آلاف جريب بالبصرة.
وفيها ولي جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي القضاء على القضاة في صفر.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عَبْد اللَّهِ بن محمد بن داود وحج جعفر بن دينار وهو والي الأحداث بالموسم

(9/198)


ثم دخلت

سنة إحدى وأربعين ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر الخبر عن وثوب اهل حمص بعاملهم مره اخرى
فمن ذلك ما كان من وثوب أهل حمص بعاملهم على المعونة، وهو محمد ابن عبدويه.
ذكر الخبر عما كان من أمرهم فيها وما آل إليه الأمر بينهم.
ذكر أن أهل حمص وثبوا في جمادى الآخرة من هذه السنة بمحمد بن عبدويه عاملهم على المعونة، وأعانهم على ذلك قوم من نصارى حمص، فكتب بذلك إلى المتوكل، فكتب إليه يأمره بمناهضتهم، وأمده بجند من راتبة دمشق، مع صالح العباسي التركي، وهو عامل دمشق وجند من جند الرملة، فأمره أن يأخذ من رؤسائهم ثلاثة نفر فيضربهم بالسياط ضرب التلف، فإذا ماتوا صلبهم على أبوابهم، وأن يأخذ بعد ذلك من وجوههم عشرين إنسانا فيضربهم ثلاثمائة سوط، كل واحد منهم، ويحملهم في الحديد إلى باب أمير المؤمنين، وأن يخرب ما بها من الكنائس والبيع، وأن يدخل البيعة التي الى جانب مسجدها في المسجد، والا يترك في المدينة نصرانيا إلا أخرجه منها، وينادى فيهم قبل ذلك، فمن وجده فيها بعد ثلاثة أحسن أدبه وأمر لمحمد بن عبدويه بخمسين ألف درهم، وأمر لقواده ووجوه أصحابه بصلات، وأمر لخليفته علي بن الحسين بخمسة عشر ألف درهم، ولقواده بخمسة آلاف خمسه آلاف درهم، وأمر بخلع، فأخذ محمد بن عبدويه عشرة منهم، فكتب بأخذهم، وأنه قد حملهم إلى دار أمير المؤمنين ولم

(9/199)


يضربهم، فوجه المتوكل رجلا من أصحاب الفتح بن خاقان يقال له محمد بن رزق الله، ليرد من الذين وجه بهم ابن عبدويه محمد بن عبد الحميد الحميدى والقاسم بن موسى بن فوعوس إلى حمص، وأن يضربهما ضرب التلف، ويصلبهما على باب حمص، فردهما وضربهما بالسياط حتى ماتا، وصلبهما على باب حمص، وقدم بالآخرين سامرا وهم ثمانية، فلما صاروا بنصيبين مات واحد منهم، فأخذ المتوكل بهم رأسه، وقدم بسبعة منهم سامرا وبرأس الميت ثم كتب محمد بن عبدويه أنه أخذ عشرة نفر منهم بعد ذلك، وضرب منهم خمسة نفر بالسياط فماتوا، ثم ضرب خمسة فلم يموتوا ثم كتب محمد ابن عبدويه بعد ذلك أنه ظفر برجل منهم من المخالفين يقال له عبد الملك بن إسحاق ابن عمارة- وكان فيما ذكر- رأسا من رءوس الفتنة، فضربه بباب حمص بالسياط حتى مات، وصلبه على حصن يعرف بتل العباس.
قال ابو جعفر: وفي هذه السنة مطر الناس- فيما ذكر- بسامرا مطرا جودا في آب وفيها ولي القضاء بالشرقية في المحرم أبو حسان الزيادي
. ذكر الخبر عن ضرب عيسى بن جعفر وما آل اليه امره
وفيها ضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم ببغداد- فيما قيل- ألف سوط.
ذكر الخبر عن سبب ضربه وما كان من أمره في ذلك: وكان السبب في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضي الشرقية عليه أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة، سبعة عشر رجلا، شهاداتهم- فيما ذكر- مختلفة من هذا النحو، فكتب بذلك صاحب بريد بغداد الى عبيد الله ابن يحيى بن خاقان، فأنهى عبيد الله ذلك إلى المتوكل، فأمر المتوكل أن

(9/200)


يكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط، فإذا مات رمى به في دجلة، ولم تدفع جيفته إلى أهله.
فكتب عبيد الله إلى الحسن بن عثمان جواب كتابه إليه في عيسى:
بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله وحفظك، وأتم نعمته عليك، وصل كتابك في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات، وما شهد به الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله ص ولعنهم وإكفارهم، ورميهم بالكبائر، ونسبتهم إلى النفاق، وغير ذلك مما خرج به إلى المعاندة لله ولرسوله ص، وتثبتك في أمر أولئك الشهود وما شهدوا به، وما صح عندك من عدالة من عدل منهم، ووضح لك من الأمر فيما شهدوا به، وشرحك ذلك في رقعة درج كتابك، فعرضت على أمير المؤمنين أعزه الله ذلك، فأمر بالكتاب إلي أبي العباس محمد بن طاهر مولى أمير المؤمنين أبقاه الله بما قد نفذ إليه، مما يشبه ما عنده ابقاه الله، في نصرة دين الله، وإحياء سنته، والانتقام ممن ألحد فيه، وأن يضرب الرجل حدا في مجمع الناس حد الشتم، وخمسمائة سوط بعد الحد للأمور العظام التي اجترأ عليها، فان مات القى في الماء من غير صلاة ليكون ذلك ناهيا لكل ملحد في الدين، خارج من جماعة المسلمين، وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله تعالى- والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وذكر أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم هذا- وقد قال بعضهم:
إن اسمه أحمد بن محمد بن عاصم- لما ضرب ترك في الشمس حتى مات، ثم رمي به في دجلة.
وفي هذه السنة انقضت الكواكب ببغداد وتناثرت، وذلك ليلة الخميس لليلة خلت من جمادى الآخرة وفيها وقع بها الصدام فنفقت الدواب والبقر.
وفيها أغارت الروم على عين زربة، فأسرت من كان بها من الزط، مع نسائهم وذراريهم وجواميسهم وبقرهم

(9/201)


خبر الفداء بين المسلمين والروم في هذه السنه وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم.
ذكر الخبر عن السبب الذي كان ذلك من أجله:
ذكر أن تذورة صاحبة الروم أم ميخائيل، وجهت رجلا يقال له جورجس بن قريافس يطلب الفداء لمن في أيدي الروم من المسلمين، وكان المسلمون قد قاربوا عشرين ألفا، فوجه المتوكل رجلا من الشيعة يقال له نصر بن الأزهر بن فرج، ليعرف صحة من في أيدي الروم من أسارى المسلمين، ليأمر بمفاداتهم، وذلك في شعبان من هذه السنة بعد أن أقام عندهم حينا فذكر أن تذورة امرت بعد خروج نصر بعرض من في اسارها من المسلمين على النصرانية، فمن تنصر منهم كان أسوة من تنصر قبل ذلك، ومن ابى قتلته، فذكر أنها قتلت من الأسرى اثني عشر ألفا، ويقال ان قنقله الخصي كان يقتلهم من غير أمرها ونفذ كتاب المتوكل إلى عمال الثغور الشامية والجزرية أن شنيفا الخادم قد جرى بينه وبين جورجس رسول عظيم الروم في أمر الفداء قول، وقد اتفق الأمر بينهما، وسأل جورجس هذا هدنة لخمس ليال تخلو من رجب سنة إحدى وأربعين ومائتين إلى سبع ليال بقين من شوال من هذه السنة، ليجمعوا الأسرى، ولتكون مدة لهم إلى إنصرافهم إلى مأمنهم فنفذ الكتاب بذلك يوم الأربعاء لخمس خلون من رجب، وكان الفداء يقع في يوم الفطر من هذه السنة وخرج جورجس رسول ملكة الروم إلى ناحية الثغور يوم السبت لثمان بقين من رجب على سبعين بغلا اكتريت له، وخرج معه أبو قحطبة المغربي الطرطوسي لينظروا وقت الفطر، وكان جورجس قدم معه جماعة من البطاركة وغلمانه بنحو من خمسين إنسانا، وخرج شنيف الخادم للفداء في النصف من شعبان، معه مائة فارس: ثلاثون من الأتراك، وثلاثون من المغاربة، وأربعون من فرسان الشاكرية، فسأل جعفر بن عبد الواحد- وهو قاضي القضاة- أن يؤذن

(9/202)


له في حضور الفداء، وأن يستخلف رجلا يقوم مقامه- فأذن له، وأمر له بمائة وخمسين ألفا معونة وأرزاق ستين ألفا، فاستخلف ابن أبي الشوارب- وهو يومئذ فتى حدث السن- وخرج فلحق شنيفا، وخرج أهل بغداد من أوساط الناس، فذكر أن الفداء وقع من بلاد الروم على نهر اللامس، يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة إحدى وأربعين ومائتين، فكان أسرى المسلمين سبعمائة وخمسه وثمانين إنسانا، ومن النساء مائه وخمسا وعشرين امرأة.
وفي هذه السنة جعل المتوكل كورة شمشاط عشرا، ونقلهم من الخراج إلى العشر، واخرج لهم بذلك كتابا.