تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ثم دخلت

سنة سبع وخمسين ومائتين
(ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة)

ذكر خبر مسير يعقوب بن الليث الى فارس وانصرافه عنها
فمن ذلك ما كان من مصير يعقوب بن الليث إلى فارس، وبعثة المعتمد إليه طغتا وإسماعيل بن إسحاق وأبا سعيد الأنصاري في شعبان منها، وكتاب أبي أحمد بن المتوكل إليه بولاية بلخ وطخارستان إلى ما يلي ذلك من كرمان وسجستان والسند وغيرها، وما جعل له من المال في كل سنة، وقبوله ذلك وانصرافه.
وفي ربيع الآخر منها قدم رسول يعقوب بن الليث بأصنام ذكر أنه أخذها من كابل.
ولاثنتي عشرة خلت من صفر عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن، ثم عقد له أيضا بعد ذلك لسبع خلون من شهر رمضان على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس، وأمر أن يولى صاحب بغداد أعماله، وأن يعقد ليارجوخ على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد بن صالح، فولى يارجوخ منصور بن جعفر بن دينار البصرة وكور دجلة الى ما يلى الاهواز.

ذكر خبر انهزام الزنج امام سعيد بن الحاجب
وفيها أمر بغراج باستحثاث سعيد الحاجب في المصير إلى دجلة والإناخة بإزاء عسكر صاحب الزنج، ففعل ذلك بغراج- فيما قيل- ومضى سعيد الحاجب لما أمر به من ذلك في رجب من هذه السنة

(9/476)


فذكر أن سعيدا لما صار إلى نهر معقل وجد هنالك جيشا لصاحب الزنج بالنهر المعروف بالمرغاب- وهو أحد الأنهار المعترضة في نهر معقل- فأوقع بهم فهزمهم، واستنقذ ما في أيديهم من النساء والنهب، وأصابت سعيدا في تلك الوقعة جراحات، منها جراحة في فيه ثم سار سعيد حتى صار إلى الموضع المعروف بعسكر أبي جعفر المنصور، فأقام به ليلة، ثم سار حتى أناخ بموضع يقال له هطمة من أرض الفرات، فأقام هنالك أياما يعبي أصحابه، ويستعد للقاء صاحب الزنج وبلغه في أيام مقامه هنالك، أن جيشا لصاحب الزنج بالفرات، فقصد لهم بجماعة من أصحابه، فهزمهم، وكان فيهم عمران زوج جدة ابن صاحب الزنج المعروف بأنكلاي، فاستأمن عمران هذا إلى بغراج، وتفرق ذلك الجمع قال محمد بن الحسن: فلقد رأيت المرأة من سكان الفرات تجد الزنجي مستترا بتلك الأدغال، فتقبض عليه حتى تأتي به عسكر سعيد ما به منها امتناع ثم قصد سعيد حرب الخبيث فعبر إلى غربي دجلة، فأوقع به وقعات في أيام متوالية، ثم انصرف سعيد إلى معسكره بهطمة، فأقام به يحاربه باقى رجب وعامه شعبان.

خلاص ابن المدبر من صاحب الزنج
وفيها تخلص إبراهيم بن محمد بن المدبر من حبس الخبيث، وكان سبب تخلصه منه- فيما ذكر- أنه كان محبوسا في غرفة في منزل يحيى بن محمد البحراني، فضاق مكانه على البحراني، فأنزله إلى بيت من أبيات داره، فحبسه فيه، وكان موكلا به رجلان، ملاصق مسكنهما المنزل الذي فيه إبراهيم، فبذل لهما، ورغبهما، فسربا له سربا إلى الموضع الذي فيه إبراهيم من ناحيتهما، فخرج هو وابن أخ له يعرف بأبي غالب ورجل من بني هاشم كان محبوسا معهما.

(9/477)


ذكر خبر إيقاع صاحب الزنج بسعيد واصحابه
وفيها أوقع أصحاب الخبيث بسعيد وأصحابه فقتلوه ومن معه.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة: ذكر أن الخبيث وجه إلى يحيى بن محمد البحراني وهو مقيم بنهر معقل في جيش كثيف يأمره بالتوجه بألف رجل من اصحابه، يرئس عليهم سليمان ابن جامع وأبا الليث، ويأمرهما بالقصد لعسكر سعيد ليلا حتى يوقعا به في وقت طلوع الفجر ففعل ذلك، فصارا إلى عسكر سعيد، فصادفا منهم غرة وغفلة، فأوقعا بهم وقعة، فقتلا منهم مقتلة عظيمة، وأحرق الزنج يومئذ عسكر سعيد، فضعف سعيد ومن معه، ودخل أمرهم خلل للبيات الذي تهيأ عليهم، ولاحتباس الأرزاق عنهم، وكانت سببت لهم من مال الأهواز، فأبطأ بها عليهم منصور بن جعفر الخياط، وكان إليه يومئذ حرب الأهواز، وله من ذلك يد في الخراج.
ولما كان من أمر سعيد بن صالح ما كان، أمر بالانصراف إلى باب السلطان وتسليم الجيش الذى معه وما اليه من العمل هنا لك الى منصور بن جعفر، وذلك ان سعيدا ترك بعد ما كان من بيات الزنج أصحابه وإحراقهم عسكره، فلم يكن له حركة إلى أن صرف عما كان اليه من العمل هنالك.