تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر خبر الوقعه بين الزنج واحمد بن ليثويه
وفيها كانت وقعة بين الزنج وأحمد بن ليثويه، فقتل منهم خلقا كثيرا، وأسر أبا داود الصعلوك وقد كان صار معهم.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسبب أسر الصعلوك:
ذكر ان مسروا البلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى ناحية كور الأهواز، فلما وصل إليها نزل السوس، وكان الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن ازاذ مرد الكردي كور الأهواز، فكتب محمد بن عبيد الله إلى قائد الزنج يطمعه في الميل إليه، وقد كانت العادة جرت بمكاتبة محمد إياه من أول مخرجه، وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز ويداري الصفار حتى يستوي له الأمر فيها، فأجابه الخبيث إلى ذلك على أن يكون علي بن أبان المتولي لها، ويكون محمد بن عبيد الله يخلفه عليها، فقبل محمد بن عبيد الله ذلك، فوجه علي بن أبان أخاه الخليل بن أبان، في جمع كثير من السودان وغيرهم، وأيدهم محمد بن عبيد الله بأبي داود الصعلوك، فمضوا نحو السوس، فلم يصلوا إليها، ودفعهم ابن ليثويه ومن كان معه من أصحاب السلطان عنها، فانصرفوا مفلولين، وقد قتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر منهم جماعة، وسار أحمد بن ليثويه حتى نزل جندي سابور.
وسار علي بن أبان من الأهواز منجدا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فتلقاه محمد بن عبيد الله في جمع من الأكراد والصعاليك، فلما قرب منه محمد بن عبيد الله سارا جميعا، وجعلا بينهما المسرقان، فكانا يسيران

(9/527)


عن جانبيه، ووجه محمد بن عبيد الله رجلا من اصحابه في ثلاثمائة فارس، فانضم إلى علي بن أبان، فسار علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله إلى أن وافيا عسكر مكرم، فصار محمد بن عبيد الله إلى علي بن أبان وحده، فالتقيا وتحادثا، وانصرف محمد إلى عسكره، ووجه إلى علي بن أبان القاسم بن علي ورجلا من رؤساء الأكراد، يقال له حازم، وشيخا من أصحاب الصفار يعرف بالطالقاني، وأتوا عليا، فسلموا عليه، ولم يزل محمد وعلي على ألفة، إلى أن وافى علي قنطرة فارس، ودخل محمد بن عبيد الله تستر، وانتهى إلى أحمد بن ليثويه تضافر علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله على قتاله، فخرج عن جندي سابور، وصار إلى السوس وكانت موافاة علي قنطرة فارس في يوم الجمعة، وقد وعده محمد بن عبيد الله أن يخطب الخاطب يومئذ، فيدعو لقائد الزنج، وله على منبر تستر، فأقام علي منتظرا ذلك، ووجه بهبوذ بن عبد الوهاب لحضور الجمعة وإتيانه بالخبر، فلما حضرت الصلاة قام الخطيب، فدعا للمعتمد والصفار ومحمد بن عبيد الله، فرجع بهبوذ إلى علي بالخبر، فنهض علي من ساعته، فركب دوابه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى الأهواز، وقدمهم أمامه، وقدم معهم ابن أخيه محمد بن صالح ومحمد بن يحيى الكرماني خليفته، وكاتبه وأقام حتى إذا جاوزوا كسر قنطرة كانت هناك لئلا يتبعه الخيل.
قال محمد بن الحسن: وكنت فيمن انصرف مع المتقدمين من أصحاب علي، ومر الجيش في ليلتهم تلك مسرعين، فانتهوا إلى عسكر مكرم في وقت طلوع الفجر، وكانت داخلة في سلم الخبيث، فنكث أصحابه، وأوقعوا بعسكر مكرم، ونالوا نهبا ووافى علي بن أبان في أثر أصحابه، فوقف على ما أحدثوا فلم يقدر على تغييره، فمضى حتى صار إلى الأهواز ولما انتهى إلى أحمد بن ليثويه انصراف علي، كر راجعا حتى وافى تستر، فأوقع بمحمد بن عبيد الله ومن معه، فأفلت محمد، ووقع في يده المعروف بأبي داود الصعلوك، فحمله إلى باب السلطان المعتمد، وأقام أحمد بن ليثويه بتستر

(9/528)


قال محمد بن الحسن: فحدثني الفضل بن عدي الدارمي- وهو أحد من كان من أصحاب قائد الزنج انضم إلى محمد بن أبان أخي علي بن أبان قال: لما استقر أحمد بن ليثويه بتستر، خرج إليه علي بن أبان بجيشه، فنزل قرية يقال لها برنجان، ووجه طلائع يأتونه بأخباره، فرجعوا إليه، فأخبروه أن ابن ليثويه قد أقبل نحوه، وأن أوائل خيله قد وافت قرية تعرف بالباهليين، فزحف علي بن أبان إليه، وهو يبشر أصحابه، ويعدهم الظفر، ويحكى لهم ذلك عن الخبيث فلما وافى الباهليين تلقاه ابن ليثويه في خيله، وهي زهاء أربعمائة فارس، فلم يلبثوا أن أتاهم مدد خيل، فكثرت خيل أصحاب السلطان واستأمن جماعة من الأعراب الذين كانوا مع علي بن أبان إلى ابن ليثويه، وانهزم باقي خيل علي بن أبان، وثبت جميّعة من الرجالة، وتفرق عنه أكثرهم، واشتد القتال بين الفريقين، وترجل علي بن أبان، وباشر القتال بنفسه راجلا، وبين يديه غلام من أصحابه يقال له فتح، يعرف بغلام أبي الحديد، فجعل يقاتل معه وبصر بعلي أبو نصر سلهب وبدر الرومي المعروف بالشعراني فعرفاه، فانذر الناس به، فانصرف هاربا حتى لجأ إلى المسرقان، فألقى بنفسه فيه، وتلاه فتح، فألقى نفسه معه، فغرق فتح، ولحق علي بن أبان نصر المعروف بالرومي، فتخلصه من الماء، فألقاه في سميرية ورمي علي بسهم، وأصيب به في ساقه، وانصرف مفلولا، وقتل من أنجاد السودان وأبطالهم جماعة كثيرة.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن العباس بن محمد.

(9/529)


ثم دخلت

سنة ثلاث وستين ومائتين

ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث
فمن ذلك ما كان من ظفر عزيز بن السرى صاحب يعقوب بن الليث بمحمد ابن واصل وأخذه أسيرا.
وفيها كانت بين موسى دالجويه والأعراب بناحية الأنبار وقعة، فهزموه وفلوه، فوجه أبو أحمد ابنه أحمد في جماعة من قواده في طلب الأعراب الذين فلوا موسى دالجويه وفيها وثب الديراني بابن أوس فبيته ليلا، وفرق جمعه، ونهب عسكره، وأفلت ابن أوس، ومضى نحو واسط.
وفيها خرج في طريق الموصل رجل من الفراغنة، فقطع الطريق، فظفر به فقتل
. ذكر الوقعه بين ابن ليثويه مع أخي على بن ابان
وفيها أقبل يعقوب بن الليث من فارس، فلما صار إلى النوبندجان انصرف أحمد بن ليثويه عن تستر، وصار فيها يعقوب إلى الأهواز، وقد كان لابن ليثويه قبل ارتحاله عن تستر وقعة مع أخي علي بن أبان، ظفر فيها بجماعة كثيرة من زنوجه.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة:
ذكر عن علي بن أبان، أن ابن ليثويه لما هزمه في الوقعة التي كانت بينهما في الباهليين، فأصابه ما أصابه فيها، ووافى الأهواز، لم يقم بها، ومضى

(9/530)


إلى عسكر صاحبه قائد الزنج، فعالج ما قد أصابه من الجراح حتى برأ، ثم كر راجعا إلى الأهواز، ووجه أخاه الخليل بن أبان وابن أخيه محمد بن صالح المعروف بأبي سهل، في جيش كثيف إلى ابن ليثويه، وهو يومئذ مقيم بعسكر مكرم، فسارا فيمن معهما، فلقيهما ابن ليثويه على فرسخ من عسكر مكرم، قاصدا إليهما، فالتقى الجمعان، وقد كمن ابن ليثويه كمينا فلما استحر القتال تطارد ابن ليثويه، فطمع الزنج فيه، فتبعوه حتى جاوزوا الكمين، فخرج من ورائهم، فانهزموا وتفرقوا، وكر عليهم ابن ليثويه، فنال حاجته منهم، ورجعوا مفلولين فانصرف ابن ليثويه بما أصاب من الرءوس إلى تستر، ووجه علي بن أبان أنكلويه مسلحة إلى المسرقان إلى أحمد بن ليثويه، فوجه إليه ثلاثين فارسا من جلد أصحابه، وانتهى إلى الخليل بن أبان مسير أصحاب ابن ليثويه إلى المسلحة، فكمن لهم فيمن معه، فلما وافوه خرج إليهم، فلم يفلت منهم أحد، وقتلوا عن آخرهم، وحملت رءوسهم إلى علي بن أبان، وهو بالأهواز، فوجهها إلى الخبيث، وحينئذ أتى الصفار الأهواز، وهرب عنها ابن ليثويه.

ذكر الخبر عما كان من أمر الصفار هنالك في هذه السنة:
ذكر أن يعقوب بن الليث لما صار إلى جندي سابور، نزلها وارتحل عن تلك الناحية كل من كان بها من قبل السلطان، ووجه إلى الأهواز رجلا من قبله يقال له الحصن بن العنبر، فلما قاربها خرج عنها علي بن أبان صاحب قائد الزنج، فنزل نهر السدرة، ودخل حصن الأهواز، فأقام بها، وجعل أصحابه وأصحاب علي بن أبان يغير بعضهم على بعض، فيصيب كل فريق منهم من صاحبه، إلى أن استعد علي بن أبان، وسار إلى الأهواز، فأوقع بالحصن ومن معه وقعة غليظة، قتل فيها من أصحاب يعقوب خلقا كثيرا، وأصاب خيلا، وغنم غنائم كثيرة، وهرب الحصن ومن معه إلى عسكر مكرم، وأقام علي بالأهواز حتى استباح ما كان فيها، ثم رجع عنها إلى

(9/531)


نهر السدرة، وكتب إلى بهبوذ يأمره بالإيقاع برجل من الأكراد من أصحاب الصفار كان مقيما بدورق، فأوقع به بهبوذ، فقتل رجاله وأسره، فمن عليه وأطلقه، فكان علي بعد ذلك يتوقع مسير يعقوب إليه فلم يسر، وأمد الحصن ابن العنبر بأخيه الفضل بن العنبر، وأمرهما بالكف عن قتال أصحاب الخبيث، والاقتصار على المقام بالأهواز وكتب إلى علي بن أبان يسأله المهادنة، وأن يقر أصحابه بالأهواز، فأبى ذلك على دون نقل طعام كان هناك، فتجافى له الصفار عن نقل ذلك الطعام، وتجافى علي للصفار عن علف كان بالأهواز، فنقل علي الطعام، وترك العلف، وتكاف الفريقان، أصحاب علي وأصحاب الصفار.
وفيها توفي مساور بن عبد الحميد الشاري وفيها مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان، سقط عن دابته في الميدان من صدمة خادم له، يقال له رشيق، يوم الجمعة لعشر خلون من ذي القعدة، فسال من منخره وأذنه دم، فمات بعد أن سقط بثلاث ساعات، وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل، ومشى في جنازته، واستوزر من الغد الحسن بن مخلد ثم قدم موسى بن بغا سامرا لثلاث بقين من ذي القعدة، فهرب الحسن بن مخلد إلى بغداد، واستوزر مكانه سليمان بن وهب، لست ليال خلون من ذي الحجة، ثم ولي عبيد الله بن سليمان كتبة المفوض والموفق إلى ما كان يلي من كتبة موسى بن بغا، ودفعت دار عبيد الله بن يحيى إلى كيغلغ.
وفيها أخرج أخو شركب الحسين بن طاهر عن نيسابور، وغلب عليها، وأخذ أهلها بإعطائه ثلث أموالهم، وصار الحسين إلى مرو، وبها أخو خوارزم شاه يدعو لمحمد بن طاهر
[أخبار متفرقة]
وفي هذه السنة سلمت الصقالبة لؤلؤة إلى الطاغية.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل.

(9/532)