شذرات الذهب في أخبار من ذهب
الفصل الأول مشاهير المؤرخين السّابقين
لابن العماد
لعلّ أهم ما ينبغي عليّ التأكيد عليه في مستهل هذا الفصل، أن الكلام
محصور فيه على المشاهير من علماء التاريخ عند المسلمين ممّن تقدموا ابن
العماد واستفاد منهم.
وليس المطلوب أن نستقصي جميع المؤرخين من أصحاب المصنفات التي نقل عنها
المؤلف، وإلّا لطال الكلام، وتشعب الموضوع، وخرج بنا عن البرنامج
المعدّ لهذه المقدمة بعد دراسة مطولة.
وليس المطلوب من هذا الفصل أيضا أن يحدّث القارئ عن علم التاريخ كفنّ
من الوجهة التاريخية، ففي بعض ما كتب في هذين الجانبين من الدراسات
والمصنفات كفاية لمن يريد التوسّع في دراسة هذا الموضوع [1] .
وقبل المضي في الكلام عن مشاهير المؤرخين موضوع حديثنا، لا بدّ لنا من
الوقوف قليلا عند بعض ما قاله عدد من العلماء المتخصصين في فن التأريخ،
وذلك لتقديم إلمامة سريعة بهذا الفن للقارئ الكريم.
__________
[1] انظر على سبيل المثال: «مصطلح التاريخ» للدكتور أسد رستم، و
«التاريخ العربي والمؤرخون» للدكتور شاكر مصطفى، و «علم التاريخ عند
المسلمين» للدكتور فرانز روزنثال، و «إلمامة بالتاريخ عند العرب» الفصل
الذي ألحقه الأستاذ عبد الحميد عبادي بكتاب «علم التاريخ» للأستاذ. ج.
هرنشو، و «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم ضياء
العمري.
(1/13)
قال ابن منظور: التأريخ: تعريف الوقت،
والتوريخ مثله، أرّخ الكتاب ليوم كذا: وقّته، والواو فيه لغة، وزعم
يعقوب [1] أن الواو بدل من الهمزة، وقيل: إن التأريخ الذي يؤرخه الناس
ليس بعربي محض، وإن المسلمين أخذوه عن أهل الكتاب، وتأريخ المسلمين
أرّخ من زمن هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتب في خلافة
عمر رضي الله عنه، فصار تاريخا إلى اليوم [2] .
وقال ابن خلدون: اعلم أن فن التأريخ فن عزيز المذهب، جمّ الفوائد، شريف
الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم،
والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة
الاقتداء في ذلك لمن يرومه [3] في أحوال الدّين والدّنيا، فهو محتاج
إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثّبت يفضيان بصاحبهما إلى
الحق، وينكبان به [4] عن المزلّات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد
فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة
العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد،
والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من المغالط في الحكايات والوقائع،
لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثّا أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها،
ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع
الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق، وتاهوا
في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر
إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنّة الكذب، ومطيّة الهذر، ولا بدّ
__________
[1] هو يعقوب بن إسحاق بن السّكّيت، أبو يوسف، أحد أئمة اللغة والأدب،
أصله من خوزستان، تعلم في بغداد، واتصل بالمتوكل العباسي فجعله في عداد
ندمائه من أهم مصنفاته كتابه «إصلاح المنطق» قال المبرد: ما رأيت
للبغداديين كتابا أحسن منه. مات سنة (244) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي
(8/ 195) .
[2] «لسان العرب» «أرخ» (1/ 58) ، وانظر «تاج العروس» للزبيدي «أرخ» ،
و «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التأريخ» للسخاوي ص (6) ، و «فتح
الباري» لابن حجر (7/ 267- 268) .
[3] أي يطلبه.
[4] أي يعدلان به. انظر «لسان العرب» لابن منظور «نكب» (6/ 4534) .
(1/14)
من ردّها إلى الأصول، وعرضها على القواعد
[1] .
وقال السخاوي: [التاريخ] في الاصطلاح: التعريف بالوقت الذي تضبط به
الأحوال، من مولد للرواة والأئمة، ووفاة، وصحة، وعقل، وبدن، ورحلة،
وحج، وحفظ، وضبط، وتوثيق، وتجريح، وما أشبه هذا، مما مرجعه الفحص عن
أحوالهم في ابتدائهم ... ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع
الجليلة، من ظهور ملمّة، وتجديد فرض، وخليفة، ووزير، وغزوة، وملحمة،
وحرب، وفتح بلد وانتزاعه من متغلّب عليه، وانتقال دولة، وربما يتوسع
فيه لبدء الخلق، وقصص الأنبياء، وغير ذلك من أمور الأمم الماضية،
وأحوال القيامة ومقدّماتها مما سيأتي، أو دونها كبناء جامع، أو مدرسة،
أو قنطرة، أو رصيف، أو نحوها مما يعمّ الانتفاع به مما هو شائع مشاهد،
أو خفي سماوي، كجراد، وكسوف، وخسوف، أو أرضي، كزلزلة، وحريق، وسيل،
وطوفان، وقحط، وطاعون، وموتان، وغيرها من الآيات العظام، والعجائب
الجسام.
والحاصل: أنه فنّ يبحث عن وقائع الزمان، من حيثية التعيين والتوقيت، بل
عمّا كان في العالم.
وأما موضوعه، فالإنسان والزمان، ومسائلة أحوالهما المفصّلة للجزئيات
تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان، وفي الزمان.
وأما فائدته، فمعرفة الأمور على وجهها. ومن أجلّ فوائده أنه أحد الطرق
التي يعلم بها النسخ في أحد الخبرين المتعارضين، المتعذّر الجمع بينهما
[2] .
وقال الدكتور شاكر مصطفى: تلك العوامل والحاجات التي أوجدت علم التاريخ
في الإسلام لم تأت كلها مجتمعة في وقت واحد، ولكن سبق بعضها بعضا،
وتعاون بعضها مع بعض على مدى يزيد على قرنين، ما بين أواسط القرن الأول
الهجري، حتى أواسط القرن الثالث، كما أنها لم تكن متساوية في
__________
[1] «مقدمة ابن خلدون» ص (9- 10) .
[2] «الإعلان بالتوبيخ» ص (7) .
(1/15)
التأثير، فبعضها لعب دوره في ناحية من
نواحي التاريخ، وبعضها لعب الدور في نواح أخرى، وبعضها كان واضح الأثر
في عصر بذاته، أو تحت ضغط حادث معين، أو بنتيجة عمل أحد الرواة أو
الرجال، أو مجموعة منهم، وبعضها كان دائم التأثير متكرّر الحاجة خلال
القرون الأولى للهجرة كلها وفيما بعدها من القرون أيضا. ولم تكن تلك
المؤثرات والعوامل من نوع واحد، فإنها كانت تصدر عن جذور سياسية
ودينية، صدورها عن أسباب اقتصادية، وقومية، واجتماعية، وبعض هذه
العوامل كان ينشئ فروعا من التاريخ من منابع جديدة، وبعضها كان يزيد في
خصبه، أو يضيف إليه روافد أخرى مستحدثة، أو من ألوان شتى، وعلى هذا،
فإن ظهور التاريخ نشأ عن ميول موجودة في المجتمع الإسلامي، أضيفت إليها
مع تطور الزمن دوافع جديدة بعد دوافع، وقد أخذ شكله وتطوره نتيجة عدد
كبير متغيّر من العوامل والمؤثرات المتفاوتة في طول الأعمال والتأثير
المختلفة في الأنواع أيضا اختلافا واسعا، وقد نجم عن ذلك كله، أن
الحصاد التاريخي لفترة نشوء التاريخ قد تميز بعدد من الملامح، ولعلّنا
قبل أن نعرض لها مضطرون لأن نقف عند نقطة إشكالية أحاطت بداية التدوين
التاريخي والعلمي عامّة عند العرب بالكثير من الغموض، وأوجدت الوهم
العلمي الشائع بأن التاريخ والحديث والعلوم الأخرى إنما كانت تروى في
البدء الرواية الشفهية، وأنها لم تكتب وتدوّن حتى أواسط القرن الثاني
الهجري، والسبب في هذا الوهم المغلوط هو الخلط ما بين ثلاث عمليات
متتالية كانت تمرّ بها المعلومات والمعارف التي يتداولها الناس، وتشكّل
بالتدريج تراثهم الثقافي، والتحليل هو الذي يكشف عنها.
العملية الأولى: عملية استماع الشهادة من الشهود المباشرين للحدث
التاريخي، وهي عملية شفهية خالصة كانت تتم بشكل مباشر بين الشاهد الذي
هو المصدر الأوّلي والأساسي للمعلومات، وبين جامع تلك المعلومات من
الأفواه، ومعظم معلومات التاريخ الإسلامي الأوليّة إنما جاءت عن هذا
الطريق الشفوي.
(1/16)
العملية التالية: عملية حفظ المعلومات، ولم
تكن تتم عن طريق الذاكرة، ولا بها وحدها أبدا، ولكن [كانت] تتم في
الكثرة الساحقة من الأحوال بالتسجيل والتدوين الكتابي الشخصي، وهذه
العملية كانت تجري باستمرار منذ عهد الرسالة نفسه، إذ يدوّن المستمع ما
يهمّه من المعلومات لنفسه [1] ، ومهمة التدوين هنا هي معونة الذاكرة
على دقة النقل وصحته، وحفظ السمعة بذلك خوف التضعيف، أو خيانة الذاكرة.
العملية الأخيرة: عملية نقل المعلومات في التوثيق ومنع الدسّ والتحريف
والزيف كانت تدفعهم إلى أن لا يعتبروا المعلومات جديرة بالثقة ما لم
تأت بالنقل المباشر والسماع الشخصي عن أصحابها العارفين بها والحافظين
لها، وهذا ما كان يؤخر الصحف المكتوبة إلى مستوى الاهتمام الثانوي
ويدفع من
__________
[1] قلت: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله
عليهم عن كتابة حديثه صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، وأذن لهم
بكتابة القرآن، فقال فيما رواه مسلم في «صحيحه» رقم (3004) : «لا
تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج،
ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» . قال ابن الأثير في
«جامع الأصول» (8/ 33) بتحقيق والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر
الأرناؤوط: [قوله صلى الله عليه وسلم] : «لا تكتبوا عنّي غير القرآن» ،
الجمع بين قوله: «لا تكتبوا عنّي غير القرآن» وبين إذنه في الكتابة: أن
الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منه بإجماع الأمة على جوازه، ولا يجمعون
إلا على أمر صحيح، وقيل: إنما نهى عن الكتابة: أن يكتب الحديث مع
القرآن في صحيفة واحدة، فيختلط به، فيشتبه على القارئ.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيما رواه الترمذي في «جامعه» رقم
(2665) بإسناد حسن قال: استأذنّا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكتابة
فلم يأذن لنا.
قلت: وهذا كان في أول الأمر، ثم صحّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله وقت
فتح مكة: «اكتبوا لأبي شاه» ، وذلك فيما رواه أحمد في «المسند» ،
والبخاري ومسلم في «صحيحيهما» ، والترمذي في «جامعه» ، وانظر نصّ
الحديث وتخريجه في «عمدة الأحكام» للمقدسي رقم (348) بتحقيقي، ومراجعة
والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، طبع دار المأمون للتراث بدمشق. وروى
الترمذي في «جامعه» رقم (2666) بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيستمع
من النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى
النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسمع منك الحديث
فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعن بيمينك»
وأومأ بيده للخط.
(1/17)
جديد بالرواية الشفهية إلى مستوى الاهتمام
الأول [1] .
وقال الأساتذة مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ الشلبي:
لم يكن للعرب قبل مبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم من مادة التاريخ إلا
ما توارثوه بالرواية، مما كان شائعا بينهم من أخبار الجاهلية الأولى،
كحديثهم عن آبائهم وأجدادهم، وأنسابهم، وما في حياة الآباء من قصص،
فيها البطولة، وفيها الكرم، وفيها الوفاء، ثم حديثهم عن البيت، وزمزم،
وجرهم [2] وما كان من أمرها، ثم ما كان من خبر البيوتات التي تناوبت
الإمرة على قريش، وما جرى لسدّ مأرب، وما تبعه من تفرّق الناس في
البلاد، إلى أمثال هذا مما قامت فيه الذاكرة مقام الكتاب، واللسان مقام
القلم، يعي الناس عنه، ويحفظون، ثم يؤدّون [3] .
ونعود فيما يلي إلى الحديث عن مشاهير المؤرخين الذين نقل عنهم ابن
العماد، مع الحديث بإيجاز عن مصنفاتهم التي اشتهروا من خلالها، وذلك مع
مراعاة الترتيب الزمني لوفياتهم.
1- ابن إسحاق
هو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله، القرشي
المطلبي، مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، من أقدم مؤرخي
العرب، وكان بحرا من بحور العلم، ذكيّا، حافظا طلّابة للعلم، أخباريا،
نسّابة علّامة، صاحب «السيرة النبوية» ، وكلّ من تكلم في «السيرة» من
بعده فعليه اعتماده.
ولد في المدينة المنورة سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه
بالمدينة، وسعيد بن المسيّب رحمه الله، وحدّث عن: أبيه، وعمه موسى بن
__________
[1] «التاريخ العربي والمؤرخون» (1/ 74- 76) .
[2] قال ابن منظور: جرهم: حيّ من اليمن نزلوا مكة، وتزوج فيهم إسماعيل
بن إبراهيم عليهما السلام، وهم أصهاره، ثم ألحدوا في الحرم فأبادهم
الله تعالى. «لسان العرب» «جرهم» (1/ 609) .
[3] مقدمة «السيرة النبوية» لابن هشام ص (4) .
(1/18)
يسار، وعن أبان بن عثمان- فيما قيل- وعن
بشير بن يسار، وسعيد بن أبي هند، وسعيد المقبري، وطائفة من أهل العلم.
وحدّث عنه: يزيد بن أبي حبيب شيخه، ويحيى بن سعد الأنصاري وهما من
التابعين وفاقا، وشعبة، والثوري، والحمّادان، وأبو عوانة، وهشيم،
وطائفة من أهل العلم.
وقد ترك ابن إسحاق المدينة ورحل إلى غيرها متنقلا في أكثر من بلد، فقصد
الاسكندرية، وحدّث عن جماعة من أهل مصر، منهم: عبيد الله بن المغيرة،
ويزيد بن أبي حبيب، وثمامة بن شفي، وغيرهم، ثم رحل إلى الكوفة،
والجزيرة، والرّيّ، والحيرة، وبغداد، وفي بغداد ألقى عصا الترحال،
والتقى بالمنصور، وصنّف لابنه المهدي كتاب «السيرة» ، وعاش ببغداد حتى
وافته المنيّة بها ودفن في مقبرة الخيزران، وقد اختلف في سنة وفاته،
فقيل:
سنة مائة وخمسين، وقيل: سنة مائة وإحدى وخمسين، وقيل: سنة مائة واثنتين
وخمسين، وقيل: سنة مائة وثلاث وخمسين، والله أعلم بالصواب.
قال الذهبي: روى له مسلم في المتابعات، واستشهد به البخاري، وأخرج
أصحاب «السنن» له.
قلت: ومعلوم بأن شهرة ابن إسحاق قامت على تصنيفه ل «السيرة النبوية»
التي استوعبت التأريخ لأهم مراحل التاريخ الإسلامي، ألا وهي الفترة
النبوية التي شهدت أهم الأحداث العظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد
طبعت هذه «السيرة» في تركيا بتحقيق الأستاذ الدكتور محمد حميد الله
صاحب «مجموعة الوثائق السياسية» - أمدّ الله في عمره- ولكنها بحاجة إلى
المزيد من التحقيق والتخريج ولعله يفعل ذلك مستقبلا إن شاء الله.
2- الواقدي
هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، من
أقدم المؤرخين في الإسلام، ومن أشهرهم، ومن حفّاظ الحديث، وأحد أوعية
(1/19)
العلم على الرغم من ضعفه المتفق عليه، صاحب
«المغازي» . ولد بالمدينة المنورة سنة مائة وثلاثين، وطلب العلم عام
بضعة وأربعين، وسمع من صغار التابعين فمن بعدهم بالحجاز، والشام، وغير
ذلك.
حدّث عن: محمد بن عجلان، وابن جريج، وثور بن يزيد، ومعمر بن راشد،
وأسامة بن عثمان الزّيادي، وغيرهم.
استقضاه المأمون سنة أربع ومائتين على الجانب الشرقي من بغداد، وأكرمه،
وأمره أن يصلّي الجمعة بالناس في مسجد الرصافة.
قال وكيع: حدّثني أبو سهل الرازي، عن محمد بن سعد قال: رآني الواقديّ
مهموما فقال لي: لا تغتمّ فإن الرزق يأتي من حيث لا تحتسب.
وقال الخطيب البغدادي: كان الواقدي كلما ذكرت له وقعة ذهب إلى مكانها
فعاينها.
وقال الذهبي: جمع فأوعى، وخلط الغثّ بالسّمين، والخرز بالدّرّ الثمين،
فاطّرحوه [1] لذلك، ومع هذا فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة
وأخبارهم.
وقال ابن حجر: متروك مع سعة علمه.
مات في ذي الحجة سنة سبع ومائتين، ودفن في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان
وسبعين سنة، وصلّى عليه محمد بن سماعة.
قلت: وكتابه «المغازي» الذي قامت عليه شهرته، مطبوع في مصر بتحقيق
المستشرق الدكتور مارسدن جونس في ثلاث مجلدات تشتمل على فهارس تفصيلية،
وله كتب كثيرة أخرى في علوم متنوعة.
3- ابن هشام
هو عبد الملك بن هشام البصري النحوي الأخباري، أبو محمد، مهذّب «السيرة
النبوية» لابن إسحاق.
__________
[1] أي أبعدوه: انظر «لسان العرب» «طرح» (2651) .
(1/20)
كان عالما بالأنساب، واللغة، وأخبار العرب،
ولد ونشأ في البصرة.
هذّب «السيرة النبوية» ، وسمعها من زياد البكّائي صاحب ابن إسحاق،
وخفّف من أشعارها، وروى فيها مواضع عن عبد الوارث بن سعيد، وأبي عبيدة.
وله كتاب في «المغازي» ، وآخر اسمه «التيجان لمعرفة ملوك الزمان» .
وكان رحمه الله إماما في النحو، والأنساب، وأخبار العرب، ويذكر لنا
الذهبي، وابن كثير، أنه حين جاء إلى مصر اجتمع به الشافعي، وتناشدا من
أشعار العرب أشياء كثيرة. وكان علّامة أهل مصر بالعربية، والشعر.
مات سنة ثمان عشرة ومائتين.
قلت: وقد قامت شهرته على تهذيبه ل «السيرة النبوية» التي صنّفها ابن
إسحاق، حتى دعيت هذه «السيرة» ب «سيرة ابن هشام» الأمر الذي جعل العامة
من الناس في هذا العصر يظنون أنها من تصنيفه، ناسين ما كان لابن إسحاق
من الفضل فيها، وهو الرائد الأول في هذا الفن تماما كما أن تهذيب
الحافظ المزّي لكتاب «الكمال في أسماء الرجال» الذي صنّفه الحافظ عبد
الغني المقدسي قد قضى على فضل المقدسي في الكتاب في نظر البعض، علما
بأن المقدسي هو السابق في الفضل لكثير من العلماء في عصره وبعد عصره
أيضا في علم الرّجال.
وقد طبع تهذيب «السيرة النبوية» المشار إليه عدة مرات، أفضلها التي
نشرت بتحقيق الأساتذة الأفاضل مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد
الحفيظ شلبي، وصدرت في مصر.
4- ابن سعد
هو محمد بن سعد بن منيع البغدادي، أبو عبد الله، كاتب الواقدي، مؤرّخ
من حفّاظ الحديث، صاحب «الطبقات الكبرى» .
ولد سنة (168 هـ) بالبصرة، وطلب العلم في صباه، ولحق الكبار، وكان من
أوعية العلم.
(1/21)
سمع من: هشيم بن بشير، وابن عيينة، وأبي
معاوية، وابن أبي فديك، ووكيع، وأنس بن عياض، وغيرهم.
وحدّث عنه: أبو بكر بن أبي الدّنيا، والحارث بن أبي أسامة، والحسين بن
محمد بن عبد الرحمن بن فهم، وغيرهم.
رحل إلى بغداد وأقام فيها ملازما لأستاذه الواقدي يكتب له، حتى عرف ب
«كاتب الواقدي» ، وكانت له رحلة إلى المدينة، والكوفة، ولا ريب في أن
رحلته إلى المدينة تمّت قبل سنة (200) هـ، فهو يذكر أنه لقي فيها بعض
الشيوخ عام (189) هـ كما أن أكثر الذين روى عنهم من أهلها أدركتهم
المنيّة قبل مطلع القرن الثالث، وفي أثناء حلّه وترحاله كان شغله
الشاغل هو لقاء الشيوخ، وكتابة الحديث، وجمع الكتب، ولذلك اتصل بأعلام
عصره من المحدّثين، فروى عنهم، وقيد مرويّاته، وأفاد منها في تصنيف
كتبه.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ابن سعد فقال: صدوق، رأيته جاء إلى
القواريري وسأله عن أحاديث فحدّثه.
وقال الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» : محمد بن سعد عندنا من أهل
العدالة، وحديثه يدلّ على صدقه، فإنه يتحرّى في كثير من مرويّاته.
مات ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة (230) هـ، وهو
ابن اثنتين وستين سنة.
قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «الطبقات الكبرى» المعروف أيضا ب «طبقات
ابن سعد» ، وقد نشر هذا الكتاب على أيدي مجموعة من المستشرقين الألمان،
ولكن هذه النشرة تفتقر إلى التحقيق ودراسة الأسانيد الواردة فيها.
5- خليفة بن خيّاط
هو خليفة بن خياط العصفري البصري، أبو عمرو، المقلب ب «شباب»
(1/22)
الإمام المؤرخ العلّامة، صاحب «التاريخ» و
«الطبقات» .
نشأ في البصرة في بيت علم، فقد كان جده أبو هبيرة خليفة بن خياط من أهل
الحديث، سمع الحديث من عمرو بن شعيب، وحميد الطويل، وروى عنه محدّثون
كبار، مثل: عمرو بن منصور، ووكيع بن الجراح، وأبي الوليد الطيالسي،
وذكر البخاري أن مسلما حدّث عنه، ولعلّه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي
البصري، أحد شيوخ البخاري المتوفى سنة (222) هـ.
وذكر خليفة في «الطبقات» أن جدّه خليفة مات سنة (160) [1] .
وقد سمع خليفة المترجم من أبيه، ويزيد بن زريع، وزياد بن عبد الله
البكّائي، وسفيان بن عيينة، وغيرهم.
وحدّث عنه: البخاريّ بسبعة أحاديث أو أزيد في «صحيحه» ، وبقيّ بن مخلد،
وحرب الكرماني، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو بكر بن أبي
عاصم، وغيرهم.
وكان صدوقا، نسّابة، عالما بالسّير، والأيام، والرجال كما قال الذهبي.
وقال ابن عدي: هو صدوق من متيقظي الرواة.
وقال ابن حبّان: كان متقنا عالما بأيام الناس وأنسابهم.
وقال ابن خلّكان: كان حافظا عارفا بالتواريخ وأيام الناس، غزير الفضل.
ووصفه ابن كثير بأنه أحد أئمة التاريخ.
مات سنة (240) هـ.
قلت: وقد قامت شهرته على كتابيه «التاريخ» و «الطبقات» ، وكلاهما قام
بتحقيقه الأستاذ الدكتور سهيل زكّار، ثمّ الأستاذ الدكتور أكرم ضياء
العمري، وهما من الكتب الرائدة في التاريخ والرجال، ولقد عرفت لهذا
المؤرّخ الكبير فضله لدى رجوعي إلى كتابة «التاريخ» أثناء تحقيقي لهذا
المجلد من الكتاب،
__________
[1] انظر «مشاهير علماء الأمصار» لابن حبّان ص (157) .
(1/23)
فقد تأكد لي بأن اختصاره للتدوين يعود إلى
أمانته وحذره رحمه الله.
6- البخاريّ
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، أبو عبد
الله، الإمام الكبير، صاحب «الصحيح» و «التاريخ الكبير» وغيرهما.
ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة (194) هـ، ورحل في طلب
العلم إلى جميع محدّثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، والعراق،
والحجاز، والشام، ومصر، وأخذ الحديث عن مشاهير الحفّاظ، منهم: مكّي بن
إبراهيم البلخي، وعبدان بن عثمان المروزي، وعبيد الله بن موسى العبسي،
وأبو عاصم الشيباني، وورد على المشايخ وله إحدى عشرة سنة، وطلب العلم
وله عشر سنين. وأخذ عنه الحديث خلق كثير في كل بلدة حدّث بها.
ولما قدم بغداد، وسمع أصحاب الحديث بقدومه، اجتمعوا، وعمدوا إلى مائة
حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر،
وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة
أحاديث، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن
حديث من تلك الأحاديث، فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال لا أعرفه،
حتى فرغ من العشرة، والبخاري يقول: لا أعرفه، فأما العلماء فعرفوا
بإنكاره أنه عارف، وأمّا غيرهم فلم يدركوا ذلك منه. ثم انتدب رجل آخر
من العشرة، فكان حاله معه كذلك، ثم انتدب آخر بعد آخر إلى تمام العشرة،
والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه. فلما فرغوا، التفت إلى الأول
منهم فقال: أما حديثك، فهو كذا، والثاني كذا، على النسق إلى آخر
العشرة، فردّ كلّ متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، ثم فعل بالباقين
مثل ذلك، فأقرّ الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل. وقال: خرّجت كتاب
«الصحيح» من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت
(1/24)
فيه حديثا إلا صلّيت ركعتين، وهو أول من
وضع في الإسلام كتابا على هذا النحو.
مات ليلة الفطر سنة (256) هـ. وعمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر
يوما.
قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «الصحيح» كما هو معلوم، ويأتي بالمنزلة
الثانية بعد «الصحيح» من كتبه كتابه «التاريخ الكبير» وقد تكلم فيه عن
رواة الحديث والآثار فأجاد وأفاد، جزاه الله تعالى عن المسلمين خير
الجزاء، وقد طبع بعناية العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرحمن المعلمي
اليماني رحمه الله، وطبع في تركيا بدار مكتبة أزدمير بمدينة ديار بكر،
وقد صدرت هذه الطبعة في تسع مجلدات بعناية الدكتور محمد عبد المعيد
خان.
7- ابن قتيبة
هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوري، وقيل المروزي، أبو عبد الله،
الإمام العلّامة الكبير، ذو الفنون، صاحب «المعارف» ، و «عيون الأخبار»
، و «أدب الكاتب» ، وغير ذلك من المصنفات العديدة المفيدة.
ولد ببغداد سنة (213) هـ، وأخذ العلم بها عن: إسحاق بن راهويه، ومحمد
بن زياد بن عبيد الله الزيادي، وزياد بن يحيى الحساني، وأبي حاتم
السجستاني، وطائفة.
وأخذ العلم عنه: ابنه القاضي أحمد بن عبد الله، بديار مصر، وعبيد الله
السّكّري، وعبيد الله بن أحمد بن بكر، وعبد الله بن جعفر بن رستويه
النّحوي، وغيرهم.
قال الذهبي: ليس ابن قتيبة بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء
المشهورين، عنده فنون جمّة، وعلوم مهمة.
وقال قاسم بن أصبغ: كنا عند ابن قتيبة، فأتوه وبأيديهم المحابر، فقال:
(1/25)
اللهمّ سلّمنا منهم. فقعدوا، ثم قالوا:
حدّثنا- رحمك الله- قال: ليس أنا ممّن يحدّث، إنما هذه الأوضاع، فمن
أحبّ؟ قالوا له: ما يحلّ لك هذا، فحدّثنا بما عندك عن إسحاق بن راهويه،
فإنه لا نجد فيه إلا طبقتك، وأنت عندنا أوثق.
قال: لست أحدّث. ثم قال لهم: تسألوني أن أحدّث وببغداد ثمان مائة
محدّث، كلهم مثل مشايخي!، لست أفعل. فلم يحدّثهم بشيء.
وكان موته فجاءة، وذلك سنة ست وسبعين ومائتين، وقيل: إنه أكل هريسة،
فأصابته حرارة، فصاح صيحة شديدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فما زال يتشهد
حتى مات.
قلت: وقد قامت شهرة ابن قتيبة على مجموعة من كتبه، ومن أهمها الكتب
المنوّه عنها في صدر الترجمة. وقد طبع الأول منها مرتين، الأولى بعناية
الأستاذ محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، وهي طبعة تجارية تفتقر إلى
التحقيق والضبط والتصحيح. والثانية بتحقيق وتقديم الأستاذ الدكتور ثروة
عكاشة، وهي طبعة جيدة. وطبع الثاني في دار الكتب المصرية، وهي طبع
جيدة، ولكنها تفتقر إلى المزيد من الخدمة والتحقيق. وطبع الثالث منها
عدة مرات، أفضلها التي صدرت عن مؤسسة الرسالة في بيروت بتحقيق الأستاذ
محمد أحمد الدالي.
8- الفسوي
هو يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي، أبو يوسف، أحد الأئمة الكبار، محدّث
بلاد فارس في عصره. صاحب «المعرفة والتاريخ» ، و «المشيخة» .
ولد في حدود سنة تسعين ومائة في دولة الرشيد ببلدة فسا [1] ، وهي
__________
[1] قال ياقوت: فسا: بالفتح والقصر، كلمة أعجمية، وعندهم «بسا» بالباء،
وهكذا يتلفظون بها، وأصلها في كلامهم: الشمال من الرياح [وهي] مدينة
بفارس أنزه مدينة بها فيما قيل، بينها وبين شيراز أربع مراحل. «معجم
البلدان» (4/ 260- 261) . ومن هنا نعت صاحب الترجمة عند بعض العلماء ب
«البسوي» .
(1/26)
حاضرة مقاطعة دارابجرد في إقليم فارس، ولم
تكن مدينة فسا من المراكز العلمية في دراسة الحديث النبوي وعلومه في
عصره، الأمر الذي جعله يرحل إلى مراكز العلم في سنّ مبكرة رغبة في سماع
الحديث من أعلام المحدّثين في أمصار مختلفة، فسمع من أبي عاصم النبيل،
وعبيد الله بن موسى، ومكّي بن إبراهيم، وأبي عبد الرحمن المقرئ،
وغيرهم.
وحدّث عنه: أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وإبراهيم بن
أبي طالب، والحسن بن سفيان الفسوي، وغيرهم.
وحدّث عنه: أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وإبراهيم بن
أبي طالب، والحسن بن سفيان الفسوي، وغيرهم.
وقد حظي بتقدير العلماء، وكبار النقاد من أعصر مختلفة وبيئات عديدة،
فقال أبو زرعة الدمشقي: كان نبيلا جليل القدر. ووصفه ابن حبّان البستي
بالورع والنسك والصلابة في السّنّة. وقال عنه أبو عبد الله الحاكم
النيسابوري صاحب «المستدرك» : هو إمام أهل الحديث بفارس. ووثّقه ابن
حجر في «التقريب» . وقال ابن العماد: كان ثقة بارعا عارفا ماهرا.
مات سنة سبع وسبعين ومائتين.
قلت: وقد طبع كتابه «المعرفة والتاريخ» طبعة متقنة بتحقيق الأستاذ
الدكتور أكرم ضياء العمري في ثلاثة مجلدات في العراق أول الأمر، ثم
صدرت طبعته الثانية عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت منذ سنوات قليلة.
9- أبو زرعة الدّمشقي
هو عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النّصري الدمشقي،
أبو زرعة، الإمام الصادق، محدّث الشام في عصره، صاحب «التاريخ» ، وغير
ذلك من التصانيف.
ولد قبل سنة مائتين، وروى عن أبي نعيم الفضل بن دكين، وهوذة بن خليفة،
وعفان بن مسلم، وأبي مسهر الغسّاني، وغيرهم.
وحدّث عنه: أبو داود في «سننه» ، ويعقوب الفسوي، وأحمد بن المعلّى
(1/27)
القاضي، وأبو بكر بن أبي داود، وغيرهم.
وقد جمع، وصنّف، وذاكر الحفّاظ، وتميّز، وتقدّم على أقرانه لمعرفته
وعلوّ سنده.
قال الذهبي: لمّا قدم أهل الرّيّ إلى دمشق أعجبهم علم أبي زرعة، فكنّوا
صاحبهم الحافظ عبيد الله بن عبد الكريم بكنيته.
وقال ابن ناصر الدين: علم، حافظ، ثبت.
مات سنة إحدى وثمانين ومائتين [1] .
قلت: و «تاريخه» منشور في «مجمع اللغة العربية» بدمشق في مجلدين بتحقيق
الأستاذ شكر الله بن نعمة الله القوجاني، وهي نشرة جيدة متقنة.
10- أبو حنيفة الدّينوري
هو أحمد بن داود بن ونند الدينوري، أبو حنيفة، الإمام المؤرّخ،
المهندس، النباتي، أحد نوابغ الدهر، صاحب «الأخبار الطوال» ، وغير ذلك
من المصنفات.
ولد في مدينة الدينور من أعمال الجبال بأرض فارس [2] ، ونشأ في أسرة من
أصل فارسي، وقد عاش معظم حياته في تلك المدينة، وأمضى شبابه في
الرحلات، وقادته هذه الرحلات إلى بلاد ما بين النهرين، ثم امتدت به
أسفاره إلى المدينة المنورة، وإلى بيت المقدس، وإلى شواطئ الجزيرة
العربية من جهة الخليج، فعاش في هذه البلدان فترات مختلفة، ثم انتقل
إلى أصفهان سنة (235) هـ وعاش بها مدة، اشتغل فيها برصد الكواكب.
قال أبو حيّان: الذي أقوله وأعتقده، وآخذ به، وأستهام عليه، أني لم أجد
__________
[1] وهو ما ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ، وابن العماد في
«شذرات الذهب» ، وقيل غير ذلك.
[2] انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 545) .
(1/28)
في جميع من تقدم وتأخر إلا ثلاثة، لو اجتمع
الثّقلان على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم في أخلاقهم، وعلمهم،
ومصنفاتهم، ووسائلهم مدى الدّنيا إلى أن يأذن الله بزوالها، لما بلغوا
آخر ما يستحقه كل واحد منهم، أحدهم عمرو بن بحر، والثاني أبو حنيفة بن
داود الدينوري، فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان
العرب، له في كل فنّ ساق وقدم، ورواء وحكم.
وأما الثالث فهو أبو زيد البلخي.
نعم لقد كان أبو حنيفة عالما في شتى العلوم والمعارف، حباه الله بعقلية
علمية واسعة، واستوعبت معارف كثيرة انفرد بها عن علماء فترته وما تلاها
ممّن كان لهم شأن في تاريخ الأدب العربي، وعلوم اللغة، فلقد كان أبو
حنيفة عالما في كثير من فروع العلم، وكان دائما مجدّدا، وظل مع كل هذا
مبدعا دون تكرار عن أسلافه ومعاصريه.
مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
وكتابه «الأخبار الطوال» من أهم المصادر التاريخية الأولى، وغاية في
سرد حوادث الحياة المعاشية، والسياسية، والحربية عند الفرس، وفي
الإبانة عن الأحداث الدقيقة في الدولة الإسلامية حتى عهد الخليفة
العباسي المعتصم بالله، وقد طبع في مصر بتحقيق الأستاذ عبد المنعم
عامر، ومراجعة الدكتور جمال الدين الشيّال، وهي طبعة جيدة متقنة
منتشرة.
11- الطّبري
هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري، أبو جعفر، الإمام المؤرّخ
المفسّر الكبير صاحب «التفسير» ، و «التاريخ» .
ولد في آمل [1] طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين، وطلب العلم بعد
__________
[1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (1/ 57) .
(1/29)
الأربعين ومائتين، وأكثر الترحال، ولقي
نبلاء الرّجال، وكان من أفراد الدّهر علما، وذكاء، وكثرة تصانيف، قلّ
أن ترى العيون مثله.
وسمع من محمد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، وإسماعيل بن موسى السّدّي،
وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن أبي معشر، وغيرهم.
وحدّث عنه: أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحرّاني- وهو أكبر منه-، وأبو
القاسم الطّبراني، وأحمد بن كامل القاضي، وأبو بكر الشّافعي، وأبو أحمد
بن عدي، وغيرهم كثير.
واستقرّ في أواخر أمره ببغداد، وكان من كبار أئمة الاجتهاد.
قال الخطيب البغدادي: كان محمد بن جرير أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله،
ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه
أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله تعالى، عارفا بالقراءات، بصيرا
بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها، صحيحها
وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا
بأيام الناس وأخبارهم [1] .
وقال الذهبي: كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه
والإجماع والاختلاف، علّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات
وباللغة، وغير ذلك.
قال ابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير.
ووصفه ابن العماد بالحبر، البحر، الإمام.
مات سنة عشر وثلاثمائة، وقد رثاه ابن دريد بقصيدة مطوّلة، منها قوله:
لو تعلم الأرض من وارت لقد خشعت ... أقطارها لك إجلالا وترحيبا
__________
[1] وقد اقتبس السمعاني كلام الخطيب هذا في «الأنساب» (8/ 205) وزاد
عليه، فراجعه.
(1/30)
إن يندبوك فقد ثلّت عروشهم ... وأصبح العلم
مرثيّا ومندوبا
ومن أعاجيب ما جاء الزّمان به ... وقد يبين لنا الدّهر الأعاجيبا
أن قد طوتك غموض الأرض في لحف ... وكنت تملأ منها السّهل واللّوبا
قلت: وقد قامت شهرته على كتابيه «التاريخ» ، و «التفسير» ، وقد طبع
الأول منهما في مصر طبعة متقنة في دار المعارف بتحقيق المحقق المعروف
الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.
وطبع من الثاني ستة عشر مجلدا في دار المعارف أيضا، وقد تولى تحقيقها
العالم المحقّق الأستاذ محمود محمد شاكر، بإشراف شقيقه العلّامة
المحقّق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله في أجزائه الأولى، ثم انفرد
بتحقيقه في بقيتها. ونسأل الله عزّ وجلّ أن يلهم محقّقه متابعة تحقيق
ما بقي من أجزائه، إنه تعالى خير مسؤول.
12- ابن أبي حاتم
هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرّازي
الحنظلي الغطفاني، أبو محمد، المعروف بابن أبي حاتم، لأن كنية أبيه أبو
حاتم. صاحب كتاب «الجرح والتعديل» ، وغير ذلك من المصنفات المشهورة.
ولد سنة أربعين أو إحدى وأربعين ومائتين بالرّيّ، ولم يدعه أبوه الإمام
العالم الكبير أبو حاتم الرازي يطلب الحديث حتى قرأ القرآن على الفضل
بن شاذان، وهو من العلماء المقرئين، ثم شرع في الطلب على أبيه، وعلى
الإمام أبي زرعة الرازي، وغيرهما من محدّثي بلده الرّي.
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي في ترجمة عملها لابن أبي حاتم:
(1/31)
كان رحمه الله قد كساه الله نورا وبهاء،
يسرّ من ينظر إليه. سمعته يقول: رحل بي أبي سنة خمس وخمسين ومائتين،
وما احتلمت بعد، فلما بلغنا ذا الحليفة احتلمت، فسرّ أبي، حيث أدركت
حجة الإسلام، فسمعت في هذه السنة من محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ.
قال الذهبي: وسمع من أبي سعيد الأشج، والحسن بن عرفة، والزعفراني،
ويونس بن عبد الأعلى ... وخلائق من طبقتهم وممّن بعدهم بالحجاز،
والعراق، والعجم، ومصر، والشام، والجزيرة، والجبال.
وروى عنه: ابن عدي، وحسين بن علي التميمي، والقاضي يوسف الميانجي، وأبو
الشيخ بن حيّان، وأبو أحمد الحاكم، وعلي بن عبد العزيز بن مردك ...
وخلق سواهم.
وقال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمد علم أبيه، وأبي زرعة، وكان بحرا
في العلوم ومعرفة الرّجال. وقال أيضا: يقال: إن السّنّة بالرّي ختمت
بابن أبي حاتم.
قال الذهبي: ومن كلامه قال: وجدت ألفاظ التعديل والجرح مراتب، فإذا
قيل: ثقة، أو متقن، احتجّ به، وإن قيل: صدوق، أو محلّه الصدق، أو لا
بأس به، فهو ممّن يكتب حديثه، وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية، وإذا
قيل: شيخ، فيكتب حديثه، وهو دون ما قبله، وإذا قيل: صالح الحديث، فيكتب
حديثه وهو دون ذلك يكتب حديثه للاعتبار، وإذا قيل: ليّن، فدون ذلك،
وإذا قالوا:
ضعيف الحديث، فلا يطرح حديثه، بل يعتبر به، فإذا قالوا: متروك الحديث،
أو ذاهب الحديث، أو كذّاب، فلا يكتب حديثه.
مات سنة سبع وعشرين وثلاث مائة بالرّي، وله بضع وثمانون سنة.
قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «الجرح والتعديل» وهو مطبوع في حيدر
أباد بالهند في تسع مجلدات بعناية العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرحمن
المعلمي اليماني طيّب الله ثراه
.
(1/32)
13- المسعودي
هو علي بن الحسين بن علي المسعودي، أبو الحسن، من ذريّة عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه، صاحب «أخبار الزمان ومن أباده الحدثان» و «مروج
الذهب» وغير ذلك من المصنفات التاريخية المتنوعة.
ولد في بغداد [1] وأخذ العلم فيها وفي غيرها من الأمصار. ورحل في
الآفاق إلى أن حطّت رحاله في مصر، فأقام فيها إلى أن مات.
قال الذهبي: وكان أخباريّا، صاحب ملح وغرائب وعجائب وفنون، وكان
معتزليا، أخذ العلم عن أبي خليفة الجمحي، ونفطويه، وعدّة.
وقال ابن حجر: ذكره ابن دحية في «كتاب صفين» فقال: مجهول لا يعرف،
ونكرة لا يتعرف، كذا قال ولم يصب.
قال الذهبي: مات في جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وثلاث مائة.
وذكر غيره بأنه مات سنة ست وأربعين وثلاث مائة.
قلت: وقد قامت شهرة المسعودي على كتابيه المشار إليهما في صدر الترجمة،
وقد ذكر الزركلي رحمه الله بأن كتابه «أخبار الزمان» يقع في ثلاثين
مجلدا بقي منه الجزء الأول مخطوطا، ولم يذكر مكان وجوده. وأما كتابه
«مروج الذهب» فقد طبع أول مرة في باريس بفرنسا في تسع مجلدات من الحجم
الصغير، ولكن آفة هذه الطبعة أنها قدمت إلى القرّاء وكتبت هوامشها
باللغة الفرنسية الأمر الذي قلل من إمكانية الفائدة منها. وطبع للمرة
الثانية في بيروت بتحقيق المستشرق شارل بلا، وقد صدرت هذه الطبعة في
أربعة مجلدات. ثم طبع في المكتبة التجارية الكبرى في مصر بتحقيق
العلّامة المحقق الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد رحمه الله تعالى،
وقد صدرت هذه الطبعة في أربعة مجلدات أيضا، وهي أفضل طبعة صدرت من
الكتاب، وهذا الكتاب هو أحد مصادر ابن العماد في كتابه.
__________
[1] ونسبه النديم في «الفهرست» ص (171) من طبعة الأستاذ رضا تجدد إلى
المغرب.
(1/33)
14- ابن حبّان
هو محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان التميمي البستي، أبو حاتم، الإمام
العلّامة، شيخ خراسان في عصره، صاحب «الصحيح» ، و «مشاهير علماء
الأمصار» ، وغيرهما من المصنفات المشهورة. ولد سنة بضع وسبعين ومائتين
في بست من إقليم سجستان، وتنقل في الأقطار، فرحل إلى خراسان، والشام،
ومصر، والعراق، والجزيرة، ونيسابور، والبصرة، وغير ذلك من الأمصار.
وأكبر شيخ لقيه أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، سمع منه بالبصرة،
ومن زكريا السّاجي، وسمع بمصر من أبي عبد الرحمن النسائي، وإسحاق بن
يونس المنجنيقي، وعدّة، وبالموصل من أبي يعلى أحمد بن علي، وبنسإ من
الحسن بن سفيان، وبجرجان من عمران بن موسى بن مجاشع السّختياني،
وببغداد من أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصّوفي وطبقته، وبدمشق من
جعفر بن أحمد، ومحمد بن خريم، وخلق، وفي غير ذلك من الأمصار.
وحدّث عنه: أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، ومنصور بن عبد
الله الخالدي، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني،
وغيرهم.
قال أبو سعد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء
الدّين، وحفّاظ الآثار، عالما بالطب، والنجوم، وفنون العلم، صنّف
«المسند الصحيح» [1] ، وكتاب «التاريخ» ، وكتاب «الضعفاء» ، وفقّه
الناس بسمرقند.
وقال الحاكم: كان ابن حبّان من أوعية العلم في الفقه، واللغة، والحديث،
والوعظ، ومن عقلاء الرجال.
وقال الخطيب البغدادي: كان ابن حبّان ثقة نبيلا فهما.
وقال ابن العماد: كان حافظا، ثبتا، إماما، حجّة، أحد أوعية العلم.
__________
[1] وهو المعروف أيضا بكتاب «الأنواع والتقاسيم» .
(1/34)
قال السمعاني: مات في شوّال سنة أربع
وخمسين وثلاثمائة، ودفن ببست في الصّفّة التي ابتناها بقرب داره التي
هي اليوم مدرسة لأصحابه، ولهم جرايات يستنفقونها.
قلت: وقد قامت شهرته عند أهل العلم على كتابه «المسند الصحيح» الذي
رتبه الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي المتوفى سنة (739) هـ،
وهو الذي يطبع في مؤسسة الرسالة في بيروت، وقد صدر المجلد الأول منه
بتحقيق الأستاذ حسين سليم الأسد، والشيخ شعيب الأرناؤوط.
وعلى كتابه الآخر «مشاهير علماء الأمصار» المطبوع بعناية المستشرق
الألماني الدكتور مانفريد فلايشهمر، وهي طبعة سقيمة تفتقر إلى الضبط،
والتحقيق، وجمال الإخراج، وقد صدرت في مصر.
15- أبو نعيم الأصبهاني
هو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران المهراني
الأصبهاني، أبو نعيم، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «حلية
الأولياء وطبقات الأصفياء» ، و «دلائل النبوة» ، و «معرفة الصحابة» ،
وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة.
ولد في أصبهان سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وأخذ العلم عن جمهرة كبيرة من
العلماء الأعلام، وأخذ العلم عنه طائفة كبيرة من أهل العلم.
وقد تضاربت الآراء فيما يتصل بتوثيقه وضعفه عند أصحاب السّير والتراجم،
وإليك البعض مما قالوه:
قال ابن ناصر الدّين: لا يلتفت إلى قول من تكلم فيه لأنه صدوق عمدة.
وقال الخطيب البغدادي: لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير أبي نعيم،
وأبي حازم.
وقال مردويه: لم يكن في أفق من الآفاق أحفظ ولا أسند منه.
(1/35)
وقال ابن العماد: تفرّد في الدّنيا بعلو
الإسناد، مع الحفظ والاستبحار في الحديث وفنونه.
وقال ابن كثير: قال الخطيب البغدادي: كان أبو نعيم يخلط المسموع له
بالمجاز، ولا يوضّح أحدهما من الآخر.
وقال أيضا: قال عبد العزيز النّخشبي: لم يسمع أبو نعيم «مسند الحارث بن
أبي أسامة» من أبي بكر بن خلّاد بتمامه، فحدّث به كله.
وقال ابن الجوزي: سمع الكثير، وصنّف الكثير، وكان يميل إلى مذهب
الأشعري في الاعتقاد ميلا كثيرا.
توفي في الثامن والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة.
قلت: وقد قامت شهرة الرجل على كتابه الكبير الشهير «حلية الأولياء»
الذي قال فيه ابن ناصر الدّين: لما صنّف [أبو نعيم] كتاب «الحلية»
حملوه إلى نيسابور، فبيع بأربعمائة دينار.
وقال ابن كثير: دلّت «حلية الأولياء» على اتساع روايته، وكثرة مشايخه،
وقوة اطّلاعه على مخارج الحديث، وشعب طرقه.
وقد طبعت «الحلية» منذ عهد بعيد طبعة تجارية تفتقر إلى التحقيق
والتخريج والإخراج اللائق بها، وقد صوّرت تلك الطبعة مرات كثيرة فيما
بعد.
وأما كتابه «دلائل النبوّة» فقد طبع مرتين، الأولى طبعة تجارية في مجلد
واحد، والثانية علمية جيدة، تولى تحقيقها الدكتور محمد رواس قلعجي،
وخرّج أحاديثها الأستاذ عبد البرّ عباس، وقد صدرت مصوّرة جديدة عن هذه
الطبعة عن دار ابن كثير بدمشق، والمكتبة العربية بحلب.
وأما كتابه «معرفة الصحابة» فهو مخطوط، قال الزركلي: بقيت منه مخطوطة
في مجلدين، عليها قراءة سنة (551 هـ) في مكتبة أحمد الثالث بطوبقبو
سراي باستانبول رقم (497) كما في مذكرات الميمني.
(1/36)
16- ابن حزم
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، عالم الأندلس في
عصره، وأحد الأئمة الإسلام، صاحب «المحلّى» ، و «جمهرة أنساب العرب» ،
وغيرهما من المصنفات الكثيرة النافعة.
ولد بقرطبة من بلاد الأندلس في شهر رمضان سنة (384) هـ، ونشأ في نعمة
سابغة، وجاه عريض، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير
المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين،
فقيها، حافظا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسّنّة، بعيدا عن المصانعة.
وكان إليه المنتهى في الذكاء، والعربية، والآداب، والمنطق، والشعر، مع
الصدق، والديانة، والحشمة، والسؤدد، والرياسة، والثروة، وكثرة الكتب.
قرأ ابن حزم على أبي عمر أحمد بن الحسين، ويحيى بن مسعود، وأبي الخيار
مسعود بن سليمان الظاهري، ويونس بن عبد الله القاضي، ومحمد بن سعيد بن
ساني، عبد الله بن الربيع التميمي، وعبد الله بن يوسف بن نامي، وغيرهم.
وروى عنه أبو عبد الله الحميدي صاحب «جذوة المقتبس» فأكثر الرواية عنه،
كما روى عنه بالإجازة سريج بن محمد بن سريج المقبري، فكان خاتمة من روى
عنه.
ونشر علمه بالمشرق ولده أبو رافع، كما روى عنه ابناه: أبو أسامة يعقوب،
وأبو سليمان المصعب، وممّن تتلمذ له الوزير الإمام أبو محمد بن
المغربي، صحبه سبعة أعوام سمع فيها جلّ مصنفاته، واستمرت قراءته عليه
إلى سنة وفاته.
قال الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم يدلّ
على عظم حفظه، وسيلان ذهنه.
وقال ابن صاعد في «تاريخه» : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة
(1/37)
لعلوم الإسلام، وأوسعهم مع توسّعه في علم
اللسان، والبلاغة، والشعر، والسّير، والأخبار.
وقال ابن خلّكان: كان حافظا، عالما بعلوم الحديث، مستنبطا للأحكام من
الكتاب، والسّنّة ... وكان متفننا في علوم جمّة، عاملا بعلمه، زاهدا في
الدّنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير
الملك، متواضعا ذا فضائل وتآليف كثيرة.
ولكنه كان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد أحد يسلم من
لسانه، فنفرت عنه القلوب، واستملل من فقهاء وقته، فمالوا على بغضه،
وردّوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه، وحذّروا سلاطينهم من
فتنته، ونهوا عوامّهم عن الدنوّ إليه، والأخذ عنه، فأقصته الملوك،
وشرّدته عن بلاده.
وقال ابن العريف: كان لسان ابن حزم، وسيف الحجّاج شقيقين.
مات مشردا عن بلده من قبل الدولة ببادية لبلة [1] بقرية له، ليومين
بقيا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة.
قلت: وقد أشتهر ابن حزم بكتابيه «المحلى» وهو في الفقه، وقد نشر في
مصر، وقام بتحقيقه العلّامة الشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ عبد الرحمن
الجزيري، وأتمه الشيخ محمد منير الدمشقي، وقد صدر في أحد عشر مجلدا.
و «جمهرة أنساب العرب» وهو من خيرة كتب الأنساب، وقد نشر في دار
المعارف بمصر عام 1382 هـ بتحقيق الأستاذ المحقّق عبد السلام محمد
هارون، وهي طبعة جيدة متقنة مفهرسة.
17- الخطيب البغدادي
هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، أبو بكر،
__________
[1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 10) ، و «الروض المعطار» للحميري ص
(507- 508) .
(1/38)
المعروف، بالخطيب [1] ، أحد الأئمة
الأعلام، وصاحب التآليف المنتشرة في الإسلام، وأشهرها «تاريخ بغداد» و
«الكفاية في علم الرواية» ، و «شرف أصحاب الحديث» ، و «اقتضاء العلم
العمل» ، وغير ذلك من المصنفات.
ولد في شهر جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة في غزية بمنتصف
الطريق بين الكوفة ومكة، ونشأ في بغداد، ورحل إلى البصرة، وأصبهان،
وخراسان، والحجاز، والشام، والكوفة، والدينور، وغير ذلك من الأمصار،
وشيوخه أكثر من أن يذكروا، منهم القاضي أبو الطيب الطبري، وأبو الحسن
المحاملي، وأبو عمر بن مهدي، وابن الصلت الأهوازي.
قال السّمعاني: كان إمام عصره بلا مدافعة، وحافظ وقته بلا منازعة، صنّف
قريبا من مائة مصنّف صارت عمدة لأصحاب الحديث.
وقال الأمير ابن ماكولا: كان أحد الأعيان ممّن شاهدناه: معرفة، وحفظا،
وإثباتا، وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننا في علله
وأسانيده، وعلما بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، قال: ولم يكن للبغداديين
بعد الدارقطني مثله.
وقال ابن الأهدل: تصانيفه قريب من مائة مصنف في اللغة، وبرع فيها، ثم
غلب عليه الحديث والتأريخ.
وقال أبو علي البرداني: لعلّ الخطيب لم ير مثل نفسه.
قال ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحدّث عن أبي الفضل بن خيرون أو
غيره، أن الخطيب ذكر أنه لما حجّ شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل
الله ثلاث حاجات، أخذا بالحديث: «ماء زمزم لما شرب له» [2] .
الحاجة الأولى: أن يحدّث بتاريخ بغداد بها [3] .
__________
[1] وهذه النسبة إلى الخطابة على المنابر.
[2] وهو حديث صحيح (ع) .
[3] لفظة «بها» سقطت من «طبقات الحفّاظ» للسيوطي صفحة (325) بتحقيق
الأستاذ علي محمد عمر، وانظر «تذكرة الحفّاظ» للذهبي (3/ 1159) .
(1/39)
الثانية: أن يملي الحديث بجامع المنصور.
الثالثة: أن يدفن عند بشر الحافي.
فقضى الله له ذلك.
وقال أبو الحسن الهمذاني: مات هذا العلم [1] بوفاة الخطيب، وقد كان
رئيس الرؤساء [2] تقدم إلى الوعاظ والخطباء ألّا يرووا حديثا حتى
يعرضوه على أبي بكر، وأظهر بعض اليهود كتابا بإسقاط النبيّ صلى الله
عليه وسلم الجزية عن الخيابرة، وفيه شهادة الصحابة، فعرضه الوزير على
أبي بكر فقال: هذا مزوّر، قيل: من أين قلت هذا؟ قال: فيه شهادة معاوية،
وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ، ومات قبل خيبر
بسنين.
ومات الخطيب في السابع من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مائة.
قلت: وقد قامت شهرته على كتابه «تاريخ بغداد» وهو كتاب عظيم جليل القدر
يضمّ سبعة آلاف وثمانمائة وثلاثة وستين ترجمة كما ذكر الأستاذ الدكتور
أكرم ضياء العمري في مؤلفه النافع «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ
بغداد» ص (87) ، وقد طبع «تاريخ بغداد» في مطبعة السعادة في مصر سنة
(1349) هـ، وصدر في أربعة عشرة مجلدا [3] .
__________
[1] أي فن الحديث النبوي.
[2] في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي: «رئيس الخطباء» .
[3] قال الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه «موارد الخطيب
البغدادي في تاريخ بغداد» حاشية الصفحة (87) ما ملخصه: في طبعة «تاريخ
بغداد» المشار إليها سقط كثير، وأخطاء متعددة، منها ما يتعلق بتصحيف
الأسماء وقلبها، واختلاط إسناد رواية بإسناد رواية أخرى، مع سقط
الرواية الأولى، أو سقوط اسم وسط السند، وغير ذلك.
قلت: وأنا أسأل الله تعالى أن يلهم الأستاذ الدكتور أكرم العمري أن
يتصدى لمهمة تحقيق هذا الكتاب العظيم سيّما وقد درسه وسبر غوره ووقف
على ما فيه من الأغلاط لدى إعداده لكتابه المشار إليه، إنه تعالى خير
مسؤول.
(1/40)
18- السّمعاني
هو عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن الفضل بن
الربيع بن مسلم بن عبد الله السّمعاني، أبو سعد، تاج الإسلام، الإمام
المؤرّخ الكبير، صاحب كتاب «الأنساب» وصاحب التصانيف الكثيرة، والفوائد
الغزيرة، والرحلة الواسعة.
ولد بمرو يوم الإثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمئة.
رحل في طلب العلم إلى عدد كبير من الأمصار، منها بلاد خراسان، وأصبهان،
وما وراء النهر، والعراق، والحجاز، والشام، وطبرستان، وزار بيت المقدس
وهو بأيدي النصارى، وحجّ مرتين.
وعمل معجم شيوخه في عشر مجلدات كبار.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم
يبلغه أحد ... وسرد تصانيفه [1] .
وذكر المعلمي بعض شيوخه، منهم:
أبو بكر عبد الغفار بن محمد بن الحسين الشيروي النيسابوري المتوفى سنة
(510) هـ.
وأبو العلاء عبيد بن محمد بن عبيد القشيري التاجر النيسابوري المتوفى
سنة (512) هـ.
وأبو القاسم سهل بن إبراهيم السبعي المسجدي النيسابوري المتوفى سنة
(522) هـ.
وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي المتوفى سنة (530) هـ.
__________
[1] وانظر أسماء مصنفاته في مقدمة العلّامة المحقّق الشيخ عبد الرحمن
المعلمي اليماني لكتاب «الأنساب» (1/ 23- 27) .
(1/41)
وأبو القاسم تميم بن أبي سعيد الجرجاني
مسند هراة المتوفى سنة (531) هـ.
وأبو الفرج بن أبي الرجاء الأصبهاني المتوفى سن (532) هـ.
وأبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري النيسابوري المتوفى سنة
(532) هـ.
وأبو نصر أحمد بن محمد بن عمر الغازي الأصبهاني المتوفى سنة (532) هـ.
وأبو الحسن محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي الفقيه المتوفى
سنة (532) هـ.
ثم عاد إلى مرو وألقى عصا الترحال بعد ما شقّ الأرض شقّا، وأقبل على
التصنيف، والإملاء، والوعظ، والتدريس، ونشر العلم.
توفي في شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وستين وخمسمئة.
وقد أثنى عليه عدد كبير من أهل العلم والفضل.
قال صديقه وزميله الحافظ ابن عساكر الدمشقي: كان متصونا، عفيفا، حسن
الأخلاق ... وهو الآن شيخ خراسان غير مدافع عن صدق ومعرفة وكثرة سماع
لأجزاء وكتب مصنفة.
وقال ابن النجار: كان مليح التصانيف، كثير النشوار والأناشيد، لطيف
المزاح، ظريفا، حافظا، واسع الرحلة، ثقة، صدوقا، ديّنا، سمع منه مشايخه
وأقرانه.
وقال الذهبي: كان ذكيا، فهما، سريع الكتابة، مليحها، درّس وأفتى، ووعظ
وأملى، وكتب عمّن دبّ ودرج. وكان ثقة، حافظا، حجة، واسع الرحلة، عدلا،
ديّنا، جميل السيرة، حسن الصحبة، كثير المحفوظ.
قلت: وقد قامت شهرة السمعاني على كتابه «الأنساب» الذي هو بحق
(1/42)
الكتاب الوحيد الجامع في هذا الفن، وقد نشر
هذا الكتاب في العصر الحاضر على أيدي عدد من العلماء والأساتذة، فقد
قام الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني بتحقيق الأجزاء الستة الأولى
منه، ونشرت في الهند، ثم قام الأستاذ محمد عوامة بتحقيق الجزء السابع،
وقد أشرف على القسم الأول منه- وهو الذي يضم تراجم حرف السين بكاملها-
والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ثم صدر الجزء الثامن بتحقيق الأستاذ
محمد عوامة أيضا، والجزء التاسع بتحقيق الأستاذين محمد عوامة، ورياض
عبد الحميد مراد، والجزء العاشر بتحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو،
والجزء الحادي عشر بتحقيق الأستاذين رياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع
الحافظ، والجزء الثاني عشر- وهو الأخير- بتحقيق صديقنا الفاضل الأستاذ
أكرم البوشي، وقد صدرت الأجزاء الستة الأخيرة منه عن منشورات أمين دمج
في بيروت خلال السنوات العشر الأخيرة [1] .
19- ابن عساكر الدمشقي
هو علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، الملقب بثقة الدين، والمعروف
بابن عساكر، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «تاريخ مدينة دمشق»
وغير ذلك من المصنفات الكثيرة.
ولد في دمشق سنة (499) هـ، ومن هنا عرف بالدمشقي نسبة إلى هذه المدينة
العظيمة التي يجمع المؤرخون على أنها من أقدم مدن العالم، إن لم تكن
أقدمها على الإطلاق.
وبيت ابن عساكر من البيوت الدمشقية المشهورة بالعلم والفضل، وقد اشتهر
أبناؤه بالتقوى والتصدّي لنفع الناس في دينهم.
وقد أخذ ابن عساكر شيئا من العلم عن أهله، وانتفع بصحبة جده أبي
__________
[1] وقد توسعت في الكلام عن هذا الكتاب العظيم في كتابي «عناقيد
ثقافية» ص (85- 91) طبع دار المأمون للتراث بدمشق فليرجع إليه من شاء.
(1/43)
الفضل في النحو، كما تفقّه في حداثة سنّه
على الفقيه العالم أبي الحسن السّلمي.
ثم رحل، وطوّف، وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد
عبد الكريم السّمعاني في الرحلة.
سمع في بغداد سنة عشرين وخمسمئة من أصحاب البرمكي، والتنوخي، والجوهري.
ثم رجع إلى دمشق.
ثم رحل إلى خراسان، ودخل نيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال.
وأخذ عن شيوخ مكّة، والمدينة، ومنى، والكوفة، وسرخس، والجزيرة، وغير
ذلك من البلاد.
وذكر بعض المؤرخين بأن عدّة الشيوخ الذين سمع منهم ألف وثلاثمائة شيخ،
وثمانون امرأة.
ولم يخرج ابن عساكر عن إطار الحديث، والفقه، والتاريخ، والأخبار،
والأدب، وهي الموضوعات التي خاض عبابها، وما كان اعتماده على النقل
فقط، بل كان يستعمل العقل أيضا، يدلّ على ذلك مذهبه في المصنفات التي
خلّفها، فهو معنيّ بحل المشاكل، يناقش ويجادل بعيدا عن التعصب لمذهبه
الشافعي، وكان إلى الاجتهاد أقرب منه إلى التقليد والجمود والوقوف عند
أقوال من كان قبله، ولا غرو فالتاريخ يوسّع العقل، ويورث صاحبه نورا لا
يستضيء بمثله عقل من لم يرزق حظا من النظر فيه.
توفي في الحادي عشر من شهر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمئة، وله من العمر
ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين جنازته، وصلى عليه الشيخ
قطب الدين النيسابوري، ودفن في مقابر الباب الصغير.
قال السّمعاني: كان كثير العلم غزير الفضل، حافظا، متقنا، ديّنا،
خيّرا، حسن السمت، جمع بين المتون والأسانيد، متثبتا، محتاطا.
وقال ابن خلكان: كان محدّث الشام في وقته، ومن أعيان فقهاء
(1/44)
الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به،
وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره.
وقال ابن كثير: أحد أكابر حفّاظ الحديث، وممّن عني به سماعا، وجمعا،
وتصنيفا، واطّلاعا، وحفظا لأسانيده ومتونه، وإتقانا لأساليبه وفنونه،
صنّف «تاريخ الشام» في ثمانين مجلدة، فهي باقية بعده مخلّدة، وقد ندر
من تقدمه من المؤرخين، وأتعب من يأتي بعده من المتأخرين، فحاز فيه قصب
السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره
في التواريخ، وأنه الذروة العليا من الشماريخ.
وقال ابن النجار: هو إمام المحدّثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في
الحفظ والإتقان، والثقة، والمعرفة التامة، وبه ختم هذا الشأن.
قلت: وقد قامت شهرة ابن عساكر على كتابه العظيم «تاريخ مدينة دمشق»
الذي قال فيه العلّامة الأستاذ محمد كرد علي الرئيس الأول لمجمع اللغة
العربية بدمشق: يقع في ثمانين مجلدة، لم يترك شيئا عن دمشق إلا وذكره
فيه، ولا نعرف مدينة من مدن الدنيا حظيت بمثله، ففي المجلدتين الأولى
والثانية تكلّم عن تخطيط دمشق وسورها وأبوابها وخططها، وأنهارها،
وتخطيطها، وقد ترجم ابن عساكر في بقية المجلدات لكل من يصحّ أن يترجم
له من أهل دمشق، وخلفائها، وأمرائها، وحكامها، وقضاتها، وعلمائها،
وأدبائها، منذ الفتح الإسلامي وإلى زمانه.
قلت: يقوم مجمع اللغة العربية العامر بدمشق منذ أكثر من ثلاثين عاما
بطبع هذا الكتاب العظيم، وقد صدرت منه عشر مجلدات بتحقيق عدد كبير من
العلماء والباحثين منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وقد اختصر الإمام ابن منظور هذا الكتاب العظيم، و «مختصره» يطبع الآن
بتحقيق عدد من الأساتذة الأفاضل، وقد صدرت منه حتى الآن ثمانية أجزاء،
ويتوالى صدور الأجزاء الأخرى تباعا خلال هذا العام والذي يليه، وهو من
منشورات دار الفكر بدمشق.
(1/45)
وقام بتهذيبه العلّامة المحدّث المؤرخ
الشيخ عبد القادر بدران الدوماني الدمشقي المتوفى سنة (1346) هـ، وقد
نشرت المكتبة العربية بدمشق سبعة أجزاء منه، خمسة منها نشرت في حياته،
واثنان نشرا بعد وفاته بعناية الأستاذ أحمد عبيد.
20- السّهيلي
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي الأندلسي المالقي السّهيلي،
أبو القاسم، وأبو زيد، الإمام الحافظ النحوي المؤرّخ، صاحب «الروض
الأنف» ، و «التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام»
، وغير ذلك من المصنفات المفيدة.
ولد بوادي سهيل من إقليم مالقه بالأندلس سنة (508) هـ، وسمع من ابن
العربي، وطائفة، وأخذ النحو والأدب عن ابن الطّراوة، والقراءات عن أبي
داود الصغير سليمان بن يحيى.
وعمي وعمره سبعة عشرة سنة.
ولما نبغ، اتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه
إلى أن توفي بها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
وكان إماما في لسان العرب، واسع المعرفة، غزير العلم، نحويا متقدما
لغويا، عالما بالتفسير، وصناعة الحديث، عارفا بالرّجال وبالتاريخ، ذكيا
نبيها، صاحب استنباطات.
وهو صاحب الأبيات:
يا من يرى ما في الضّمير ويسمع ... أنت المعدّ لكلّ ما يتوقّع
يا من يرجّى للشّدائد كلّها ... يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن ... أمنن فإنّ الخير عندك أجمع
(1/46)
ما لي سوى فقري إليك وسيلة ... وبالافتقار
إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأيّ باب أقرع
من ذا الّذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع
حاشا لجودك أن تقنّط عاصيا ... الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثمّ الصّلاة على النّبيّ وآله ... خير الأنام ومن به يتشفّع
قلت: وقد قامت شهرة السّهيلي على كتابه الفذ «الروض الأنف» الذي شرح
فيه «السيرة النبوية» التي صنفها ابن إسحاق، وهذبها ابن هشام، وقد طبع
كتابه المذكور عدة مرات، أفضلها الطبعة التي حقّقها الأستاذ عبد الرحمن
الوكيل، المنشورة في مصر.
وأما كتابه الآخر «التنبيه والإعلام» فإني أقوم بتحقيقه بالاشتراك مع
والدي وأستاذي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وسيصدر عن دار ابن كثير
قريبا إن شاء الله تعالى.
21- ابن الجوزي
هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، أبو الفرج الإمام الحافظ المؤرخ
الواعظ الكبير، صاحب «المنتظم في تاريخ الأمم» ، و «زاد المسير في علم
التفسير» ، و «أخبار الأذكياء» ، وغير ذلك من المصنفات المختلفة ذات
النفع العظيم.
ولد في بغداد سنة (511) هـ، وشرع في طلب العلم وهو صغير، فأخذ العلم عن
جمهرة من أفاضل العلماء في عصره، منهم: أبو بكر الدّينوري، والقاضي أبو
يعلى، والقاضي أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم الحريري، وأبو السعادات
المتوكلي، وأبو عبد الله البارع، وأبو الحسن علي بن أحمد الموحد،
(1/47)
وأبو غالب الماوردي، وأبو القاسم
السّمرقندي، وأبو القاسم علي الهروي، وأبو منصور القزّاز، وعلي بن عبد
الله الزّاغوني، ومحمد بن ناصر السّلامي، وابن الباقلّاني، وسواهم.
وحلّق في مختلف فروع العلم، وبلغ في صناعة الوعظ شهرة عمّت الآفاق،
والقصص التي تروى عن براعته في هذا الفن تدخل تحت باب الإعجاز، فمجلسه
في الوعظ كان يحضره الخلفاء، والوزراء، والأعيان، والعلماء، وأقل ما
كان يحضر مجلسه عشرة آلاف، وربما حضره مائة ألف، وقد شهد مجلسه الرحالة
الشهير ابن جبير، وأطنب في الكلام عنه في «رحلته» .
وكان رحمه الله من أحسن الناس كلاما وأتمّهم نظاما، وأعذبهم لسانا،
وأجودهم بيانا، وكان مكثرا من التصنيف في شتى فروع العلم، فقد تجاوزت
مؤلفاته أربعمائة مؤلف، بعضها يقع في عدة مجلدات، والآخر في مجلد أو
رسالة.
توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة، فاجتمعت جموع غفيرة جدا من أهل بغداد في
تشييعه، وغلقت الأسواق، وحملت جنازته على رؤوس الناس إلى مقبرة باب
حرب، فدفن فيها إلى جوار قبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
قلت: وقد قامت شهرة ابن الجوزي على جملة من مؤلفاته، ومن أهمها كتبه
الثلاثة المنوّه عنها في صدر الترجمة، وقد طبع القسم الموجود منه في
الهند، وهو من الكتب التي تحتاج إلى الطبع طبعات محققة متقنة نظرا لما
فيه من الفوائد النفيسة.
والثاني منها وهو «زاد المسير في علم التفسير» قام بتحقيقه والدي
الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ
شعيب الأرناؤوط، وصدر عن المكتب الإسلامي بدمشق في تسع مجلدات، وهي
الطبعة الوحيدة منه، وقد صدرت بين عامي (1384- 1388) هـ[1] .
__________
[1] وقد تكلمت عن هذا الكتاب النفيس في كتابي «عناقيد ثقافية» ص (101-
105) طبع دار المأمون للتراث بدمشق، فليرجع إليه من شاء.
(1/48)
وأما الثالث منها فقد طبع طبعات كثيرة
متعددة في مصر والشام ولبنان، وخير طبعة صدرت منه هي التي قام بتحقيقها
الدكتور محمد مرسي الخولي رحمه الله، وقد صدرت في مصر عام 1390 هـ.
22- المقدسي
هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر
الجمّاعيلي [1] المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، الإمام المحدّث،
المحقّق، المؤرّخ، حافظ عصره، صاحب «الكمال في أسماء الرجال» ، و «عمدة
الأحكام» [2] ، و «النصيحة في الأدعية الصحيحة» [3] ، وغير ذلك من
المصنفات النافعة.
ولد بجمّاعيل سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقدم مع أسرته من بيت المقدس
إلى الشام، فسكنوا في مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي لمدينة دمشق أول
الأمر، ثم انتقلوا إلى سفح جبل قاسيون، فبنوا دارا كبيرة احتوت على عدد
كبير من الحجرات دعيت فيما بعد بدار الحنابلة، ثم شرعوا في بناء أول
مدرسة في جبل قاسيون، وهي المعروفة ب «المدرسة العمرية» [4] ، وقد عرفت
تلك الضاحية التي سكنوها بالصالحيّة فيما بعد نسبة إليهم، لأنهم كانوا
من أهل العلم والصلاح.
وقد تتلمذ الحافظ عبد الغني في صغره على عميد أسرته العلّامة الفاضل
__________
[1] نسبة إلى جمّاعيل، وهي قرية في جبل نابلس من أرض فلسطين. انظر
«معجم البلدان» لياقوت (1/ 159) .
[2] الذي أكرمني الله عزّ وجلّ بدراسته وتحقيقه، وقام والدي حفظه الله
بمراجعته وتقديمه، وقد صدر عن دار المأمون للتراث بدمشق.
[3] الذي أكرمني الله عزّ وجلّ بتحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه
بإشراف والدي حفظه الله، وقد صدر في طبعتين عن دار مؤسسة الرسالة في
بيروت.
[4] هذه المدرسة كانت من خيرة مدارس المسلمين، خرّجت عددا كبيرا من
مشاهير العلماء، وكانت فيها مكتبة عظيمة عزّ نظيرها. انظر «القلائد
الجوهرية في تاريخ الصالحية» لابن طولون (1/ 248) بتحقيق الشيخ محمد
أحمد دهمان، طبع مجمع اللغة العربية بدمشق.
(1/49)
الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم
تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم، ثم
قصد بغداد سنة (560) هـ ونزل عند الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني،
فقرأ عليه شيئا من الفقه والحديث، وأقام عنده نحو أربعين يوما، بعدها
مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه والخلاف،
ثم رحل إلى أصبهان فمكث فيها وقتا طويلا يدرس ويدرّس إلى أن عاد إلى
بغداد مرة ثانية سنة (578) هـ، فحدّث بها، وانتقل من ثمّ إلى دمشق،
فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس
عليه، وكان رقيق القلب سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم. ثم
ضيّق عليه البعض، فرحل إلى بعلبك، ومنها إلى مصر، فنزل عند الطحانين،
وصار يقرأ الحديث، فنفق بها سوقه، وصار له حشد وأصحاب، فثار عليه
الفقهاء بمصر أيضا، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر فأقرّ نفيه إلى
المغرب، غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل وصول كتاب النفي إليه، وذلك
سنة ست مائة من هجرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبئ عن تمكنه من علم
الحديث، وتحليقه في إطار علم الرّجال، وصفاء سريرته، وقوة اعتقاده،
وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وغضبه لانتهاك حدود الله عزّ وجلّ.
قال ضياء الدين المقدسي: كان لا يسأل عن حديث إلا ذكره وبيّنه، وذكر
صحته أو سقمه، وكان يقال: هو أمير المؤمنين في الحديث، جاء إليه رجل
فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر من
هذا العدد لصدق.
وقال تاج الدّين الكندي: لم ير الحافظ عبد الغني مثل نفسه، ولم يكن بعد
الدارقطني مثله.
وقال ابن النجار: حدّث بالكثير، وصنّف في الحديث تصانيف حسنة، وكان
غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيّما بجميع فنون الحديث.
(1/50)
وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي: كان
رفيقي، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله
فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدع وقيامهم عليه، وقد رزق العلم وتحصيل
الكتب الكثيرة، إلّا أنه لم يعمّر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها.
قلت: وقد قامت شهرة الحافظ عبد الغني المقدسي على عدد من كتبه وأهمها
«الكمال في أسماء الرجال» الذي ترجم فيه لرجال الكتب الستة المشهورة في
علم الحديث، التي عليها المعوّل عند المحدّثين المتقدمين والمحدثين،
وهو من الكتب الرائدة في هذا الباب، وقد استفاد العلماء المسلمون من
هذا الكتاب العظيم لسنوات طويلة امتدت لقرابة قرن ونصف، إلى أن قام
الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزّي المتوفى سنة (742) هـ
بتهذيب هذا الكتاب، وسمّى كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرّجال» الأمر
الذي جعل العلماء فيما بعد يميلون إلى اعتماد «تهذيب» المزي لما تضمنه
من الزيادة والترتيب والضبط عن «الكمال» نتيجة لتقدم العلم وأساليب
البحث والتصنيف عند علماء المسلمين في الفترة الفاصلة بين وفاة الحافظ
عبد الغني، وعصر الإمام المزي.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن عمل المزي في «تهذيب الكمال» لا يلغي
بالضرورة ما للحافظ عبد الغني من فضل في جمع مادة الكتاب أصلا، لأن من
المسلّم به أنّ الأفضلية من جهة الدراية في العلوم هي للسابق لا للاحق،
وهو الأمر الذي بدت مقدمة محقّق «تهذيب الكمال» الأستاذ الدكتور بشار
عواد معروف وكأنها تصرّ على تجاوزه!.
ولا أقول هذا لأقلّل من قيمة «تهذيب بالكمال» الذي صنّفه المزّي، فإني
من أسعد الناس بظهوره بهذا الإتقان الذي اتّسمت به المجلدات الخمس
الأولى الصادرة منه حتى الآن، ولكن الإنصاف هو الذي دعاني إلى التشديد
على فضل الحافظ عبد الغني المقدسي في وجود أصل الكتاب [1] .
__________
[1] وللتوسّع في دراسة حياة الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى
راجع كتابي «عناقيد
(1/51)
23- ابن الأثير
هو علي بن محمد بن محمد [1] بن عبد الكريم بن الواحد الشّيباني الجزري،
أبو الحسن، المعروف بابن الأثير، الإمام المؤرّخ الأديب، صاحب «الكامل»
، و «أسد الغابة» ، و «اللباب في تهذيب الأنساب» ، وغير ذلك من
المصنفات النافعة.
ولد بجزيرة ابن عمر سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ونشأ بها، ثم سار إلى
الموصل مع والده وأخويه مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن
الأثير صاحب «جامع الأصول» [2] المتوفى سنة (606) هـ، وضياء الدين أبي
الفتح نصر الله بن محمد بن الأثير صاحب «المثل السائر» ، المتوفى سنة
(637) هـ، وسمع بها من أبي الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي، ومن
طبقته، وقدم بغداد مرارا، وسمع بها من الشيخين أبي القاسم يعيش بن صدقة
الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصوفي، وغيرهما، ثم رحل
إلى الشام، والقدس، وسمع هناك من جماعة، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته
منقطعا إلى العلم والتصنيف، وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل
والواردين عليها.
وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفته، وحافظا للتاريخ، وخبيرا بأنساب
العرب، وأخبارهم، وأيامهم، ووقائعهم. وقد روى عنه ابن الدبيثي، وخلق.
توفي في الخامس والعشرين من شعبان من سنة ثلاثين وستمائة.
قال ابن خلّكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء. اجتمعت به في حلب
فوجدته مكمّل الفضائل، والتواضع، وكرم الأخلاق، فترددت إليه.
__________
ثقافية» ص (137- 145) ، ومقدمتي لكتاب «عمدة الأحكام» ص (17- 24)
وكلاهما من منشورات دار المأمون للتراث بدمشق.
[1] «ابن محمد» الثانية سقطت من «الأعلام» للزركلي.
[2] الذي قام بتحقيقه والدي حفظه الله وصدر بدمشق في أحد عشر مجلدا.
(1/52)
وقال الذهبي: كان صدرا معظّما كثير
الفضائل، وبيته مجمع الفضلاء.
وقال ابن العماد: كان إماما، نسّابة، مؤرّخا، أخباريا، أديبا، نبيلا،
محتشما.
قلت: وقد قامت شهرته على كتبه الثلاثة المشار إليها في صدر الترجمة،
وجميعها، تندرج في إطار علم التأريخ، فكتابه «الكامل» صنّفه مرتبا على
السنين، وهو من خيرة التواريخ، ابتدأ فيه من أول الزمان، وانتهى به إلى
سنة تسع وعشرين وستمائة، وهو مطبوع ومنتشر، ولكنه يفتقر إلى التحقيق
والضبط، والتخريج. وكتابه «أسد الغابة» قال عنه ابن العماد: جمع فيه
بين كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البر، وكتاب أبي
موسى، وزاد وأفاد، وهو مطبوع في مصر طبعة متقنة في سبعة مجلدات بدار
الشعب.
وكتابه «اللباب في تهذيب الأنساب» قال عنه ابن العماد: اختصر [فيه]
«الأنساب» لأبي سعد السّمعاني، وهذّبه، وأضاف فيه أشياء وهو في مقدار
نصف أصله. وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات، ولكنه يحتاج إلى تحقيق متقن.
24- المنذري
هو عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري، أبو
محمد، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «التكملة لوفيات النقلة» و
«الترغيب والترهيب» ، و «مختصر صحيح مسلم» وغير ذلك من المصنفات
النافعة.
ولد في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة في مصر.
سمع من الأرياحي، وأبي الجود، وابن طبرزد، وخلق، وتخرّج بأبي الحسن علي
بن الفضل ولزمه مدة. وتفقّه على الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد
القرشي الوراق، وسمع من عبد المجيب بن زهير، ومحمد بن سعيد المأموني،
والمطهر بن أبي بكر البيهقي، والحافظ الكبير علي بن الفضل المقدسي، وبه
تخرّج.
(1/53)
ورحل في طلب العلم إلى مكة، وسمع الحديث من
أبي عبد الله بن البنّا وطبقته، ثم قصد دمشق وسمع فيها من عمر بن
طبرزد، ومحمد بن وهب بن الشريف، والخضر بن كامل، وأبي اليمن الكندي،
وخلق، ثم سمع بحرّان، والرّها، والإسكندرية، وغيرها.
مات سنة ست وخمسين وستمائة في الرابع من شهر ذي القعدة.
قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا كبيرا، حجة، ثقة، عمدة.
وقال: ابن قاضي شهبة: برع في العربية، والفقه، وسمع الحديث بمكة،
ودمشق، وحرّان، والرّها، والإسكندرية، وروى عنه الدمياطي، وابن دقيق
العيد، والشريف عز الدين، وأبو الحسين اليونيني، وخلق، وتخرّج به
العلماء في فنون من العلم، وبه تخرّج الدمياطي، وابن دقيق العيد،
والشريف عزّ الدين وطائفة في علوم الحديث.
وقال الشريف عزّ الدين: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على
اختلاف فنونه، عالما بصحيحه، وسقيمه، ومعلوله، وطرقه، متبحرا في معرفة
أحكامه ومعانيه ومشكله، قيّما بمعرفة غريبة وإعرابه، واختلاف ألفاظه،
ماهرا في معرفة رواته وجرحهم، وتعديلهم، ووفياتهم، ومواليدهم،
وأخبارهم، إماما، حجّة، ثبتا، ورعا، متحريا فيما يقوله، متثبتا فيما
يرويه.
قلت: وقد قامت شهرة المنذري على كتبه الثلاثة المنوّه عنها في صدر
الترجمة. وقد طبع الأول منها في أربع مجلدات كبيرة بتحقيق الأستاذ
الدكتور بشّار عوّاد معروف، وصدر في طبعته الثانية المتقنة عن مؤسسة
الرسالة، ولهذا الكتاب «صلة» من تصنيف العلّامة أحمد بن محمد الحسيني
تلميذ المنذري المتوفى سنة (695) هـ. وطبع الثاني منها في أربع مجلدات
في مصر بتحقيق الأستاذ مصطفى محمد عمارة، وهي طبعة جيدة، وقد صدرت عن
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ويقوم الأستاذ
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بفصل الصحيح من أحاديث هذا الكتاب عن
الضعيف، وقد صدر جزء من الصحيح من طبعته، وجزء من الضعيف أيضا.
(1/54)
وكان العلّامة الشيخ يوسف النبهاني رحمه
الله قد أفرد من هذا الكتاب الأحاديث التي وردت في «الصحيحين» فقط في
جزء صغير، وقد طبع منذ سنوات طويلة في مصر [1] .
وطبع الثالث منها في مجلد كبير في الكويت بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد
ناصر الدين الألباني، وهي طبعة جيدة نافعة، وقد صدرت فيما بعد عن
المكتب الإسلامي ببيروت.
25- النّووي
هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي
الدمشقي، أبو زكريا، الإمام الحافظ المؤرّخ الفقيه، صاحب «روضة
الطالبين» ، و «تهذيب الأسماء واللغات» ، و «الأذكار» ، و «الأربعين» ،
وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة.
ولد في نوى من أرض حوران في الجنوب الغربي من سورية، وذلك في العشر
الأوسط من شهر الله المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ونشأ نشأة صالحة،
وشرع بحفظ القرآن الكريم وهو صغير، ولما بلغ التاسعة عشرة من عمره قدم
به والده إلى دمشق لطلب العلم، فسكن المدرسة الرواحية، وأخذ العلم عن
جمهرة غفيرة من العلماء الكبار في الشام آنذاك، منهم الرضي بن البرهان،
وشيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري، وزين الدين عبد الدائم،
وعماد الدين بن عبد الكريم الحرستاني، وزين الدين أبي البقاء خالد بن
يوسف المقدسي النابلسي، والشيخ المحقّق إبراهيم بن عيسى المرادي
الأندلسي، والقاضي التفليسي، وقرأ على ابن مالك كتابا من تصنيفه، ولازم
الاشتغال والتصنيف ونشر العلم والعبادة والذكر، والصبر على العيش الخشن
في المأكل، والملبس بما لا مزيد عليه. وتخرّج به جماعة من العلماء،
منهم
__________
[1] ويقوم بتحقيقه الآن صديقنا الفاضل الأستاذ مأمون الصاغرجي، وسوف
يصدر عن دار ابن كثير بدمشق وبيروت قريبا.
(1/55)
الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري، وشهاب
الدين الأربدي، وشهاب الدين بن جعوان، وغيرهم.
وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية بدمشق حسبة لوجه الله.
وقد أسعف النووي رحمه الله بالتأييد، وساعدته المقادير فقرّبت منه كل
بعيد، فكان يجد مع الأهلية ثلاثة أشياء:
أولها: فراغ البال، واتساع الزمان.
وثانيها: جمع الكتب التي يستعان بها على النظر والاطّلاع على كلام
العلماء.
وثالثها: حسن النيّة وكثرة الورع والزهد والأعمال الصالحة التي أشرقت
أنوارها.
وكان رحمه الله قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى، فكان ذلك الإنتاج
العظيم في عمره القصير الذي لم يتجاوز (45) عاما، ولكنه كان مليئا
بالخير والبركة.
وسافر آخر عمره إلى بلدته نوى، وزار بيت المقدس، والخليل، ثم رجع إلى
نوى، فمرض عند أبويه، وتوفي ليلة الأربعاء لست بقين من شهر رجب سنة ست
وسبعين وستمائة، ودفن ببلده وقبره مشهور بها.
قلت: وقد قامت شهرة النووي على جملة من كتبه القيّمة، منها كتبه
الأربعة التي أشرت إليها في صدر الترجمة، وقد طبع الأول منها في المكتب
الإسلامي بدمشق بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ عبد القادر الأرناؤوط،
بالاشتراك مع زميله الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وصدر في (12) جزءا.
وطبع الثاني في إدارة الطباعة المنيرية في مصر، وصوّرت طبعته من قبل
عدد من دور النشر في لبنان، وهو أحد الكتب التي نقل عنها ابن العماد،
وهو بأمسّ الحاجة إلى طبعة محققة متقنة وأما الثالث منها فقد طبع عدة
مرات من غير تحقيق، ثم طبع في دار
(1/56)
الملاح بدمشق بتحقيق والدي الأستاذ الشيخ
عبد القادر الأرناؤوط، وهي أفضل وأشهر طبعة ظهرت منه.
وأما الرابع منها وهو «الأربعين» فقد أكرمني الله عزّ وجلّ بشرحه
وتخريج أحاديثه، وقام والدي حفظه الله بمراجعته والحكم على أحاديثه،
وقد طبع حديثا في دار ابن كثير بدمشق وبيروت.
26- ابن خلّكان
هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان البرمكي الإربلي، أبو
العباس، الإمام المؤرّخ الأديب الحجّة، صاحب «وفيات الأعيان وأنباء
أبناء الزمان» وهو من أشهر كتب التراجم ومن أحسنها ضبطا وإحكاما كما
يقول الزركلي صاحب «الأعلام» .
ولد في إربل بالقرب من الموصل، وذلك في سنة ثمان وستمائة.
وسمع من ابن مكرم، وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة، وتفقّه بالموصل على
كمال الدين بن يونس، وبالشام على ابن شداد، ولقي كبار العلماء، وبرع في
الفضائل، والآداب.
ودخل الديار المصرية وسكنها، وناب في القضاء عن القاضي بدر الدين
السخاوي مدة طويلة، وأدّى عنده شهادة شيخ المالكية أبو عمر ابن الحاجب،
وسأله عن مسألة دخول الشرط على الشرط، ثم قدم الشام على القضاء في ذي
الحجة سنة تسع وخمسين منفردا بالأمر، فأضيف إليه مع القضاء نظر
الأوقاف، والجامع الأموي، والمارستان، وتدريس سبع مدارس: العادلية،
والناصرية، والعذراوية، والفلكية، والركنية، والإقبالية، والبهنسية،
وقرئ تقليده يوم عرفة، ويوم جمعة بعد الصلاة بالشباك الكمالي من جامع
دمشق، ثم عزل بعز الدين الصائغ في أول سنة تسع وستين، فسافر إلى مصر،
فأقام سنين معزولا بمصر، ثم أعيد، وصرف ابن الصائغ في أول سنة سبع
وسبعين، ثم عزل في آخر
(1/57)
المحرم سنة وثمانين، وأعيد عز الدين
الصائغ، وبقي ابن خلّكان معزولا وبيده الأمينية والنجيبية.
مات يوم السبت في السادس عشر من شهر رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة ودفن
بصالحية دمشق.
وقال تاج الدين الفزاري في «تاريخه» : كان [ابن خلّكان] قد جمع حسن
الصورة، وفصاحة النطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النفس.
وقال الذهبي: كان إماما فاضلا، بارعا، متقنا، عارفا بالمذهب، حسن
الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علّامة في الأدب والشعر وأيام
الناس، كريما جوادا، ممدوحا، من سروات الناس ... ومن محاسنه أنه كان لا
يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة.
قلت: وقد قامت شهرة ابن خلّكان على كتابه «وفيات الأعيان» المنوّه عنه
في صدر الترجمة، وقد طبع منذ سنوات قليلة في ثمانية مجلدات في بيروت
بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عباس، وهي طبعة جيدة مفهرسة غير أن الضبط
فيها قليل لا يتناسب مع قيمة الكتاب العلمية.
27- محبّ الدّين الطّبري
هو أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، أبو العباس، الإمام الحافظ
الفقيه، صاحب «الرياض النضرة في مناقب العشرة» ، و «الثمط الثمين في
مناقب أمهات المؤمنين» وغير ذلك من المصنفات النافعة.
ولد بمكة في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من جماعة، وأفتى،
ودرّس وتفقّه، وصنف كتابا كبيرا إلى الغاية في «الأحكام» في ست مجلدات،
وتعب عليه مدة، ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن.
وروى عنه الدمياطي، وابن العطار، وابن الخباز، والبرزالي، وجماعة.
وكان شيخ الحرم بمكة.
توفي في جمادى الآخرة من سنة أربع وتسعين وستمائة بمكة المكرمة.
(1/58)
قلت: وقد قامت شهرة المترجم على كتابيه
المشار إليهما في صدر الترجمة، وقد طبع الأول منهما طبعتين غير متقنتين
في مصر، وهو بأمسّ الحاجة إلى طبعه طبعة علمية متقنة، وهو من بين الكتب
التي نقل عنها ابن العماد مباشرة في كثير من المواطن في كتابه.
وطبع الثاني منهما أكثر من مرة، منها الطبعة الصادرة عن مكتبة الكليات
الأزهرية بمصر، وهو الآخر غير محقّق إلى الآن، وينتظر من يمدّ إليه يد
الرعاية العلمية.
28- أبو الفداء
هو إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك
المؤيد، صاحب حماة، أحد فضلاء زمانه، وعالم كبير من علمائه في التاريخ
والأدب، والجغرافية، وعلم الأصول، صنّف مصنفات مختلفة أشهرها «المختصر
في تاريخ البشر» ويعرف ب «تاريخ أبي الفداء» ، و «تقويم البلدان» ،
وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة.
ولد في شهر جمادى الأولى سنة سبعين وستمائة، وكان أميرا بدمشق، وخدم
الملك الناصر لمّا كان بالكرك، وبالغ في ذلك، فوعده بحماة ووفى له
بذلك، فأعطاه حماة وجعله سلطانا يفعل فيها ما يشاء من إقطاع وغيره، ليس
لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه حكم، وأركبه في القاهرة بشعار
الملك وأبّهة السلطنة.
قال ابن قاضي شهبة: اشتغل أبو الفداء في العلوم وتفنن فيها، وصنّف
التصانيف المشهورة ... وكان جوادا ممدحا امتدحه غير واحد.
وقال ابن كثير: كان يحبّ العلماء ويشاركهم في فنون كثيرة، وكان من
فضلاء بني أيوب.
وقال ابن شاكر: كان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه، وطبّ،
وحكمة، وغير ذلك، وأجود ما كان يعرفه علم الهيئة لأنه أتقنه، وإن
(1/59)
كان قد شارك في سائر العلوم مشاركة جيدة،
وكان محبّا لأهل العلم مقرّبا لهم.
وقال الإسنوي: كان جامعا لأشتات العلوم، أعجوبة من أعاجيب الدّنيا،
ماهرا في الفقه، والتفسير، والأصلين، والنحو، وعلم الميقات، والفلسفة،
والمنطق، والطب، والعروض، والتاريخ، وغير ذلك من العلوم، شاعرا، ماهرا،
كريما إلى الغاية، صنّف في كل علم تصنيفا أو تصانيف.
توفي في المحرم من سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة عن ستين سنة إلا ثلاثة
أشهر وأياما.
قلت: وقد قامت شهرة أبي الفداء على كتابيه المتقدم ذكرهما، وقد طبع
الأول منهما طبعة تجارية ويقع في مجلدين، وهو بأمسّ الحاجة إلى طبعة
علمية متقنة، وذكر الزركلي في «الأعلام» بأنه ترجم إلى الفرنسية،
واللاتينية، وقسم منه إلى الإنكليزية، وهو من جملة الكتب التي نقل عنها
ابن العماد مباشرة. والثاني منهما مطبوع طبعة تجارية أيضا، ويقع في
مجلدين، وترجمه إلى الفرنسية المستشرق رينو كما ذكر الزركلي في
«الأعلام» .
29- التّبريزي
هو محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي [1] أبو عبد الله، الإمام
الحافظ المؤرّخ، صاحب «مشكاة المصابيح» ، و «الإكمال في أسماء الرّجال»
، وغير ذلك من المصنفات النافعة.
لم أقف على ترجمة وافية له فيما بين يدي من المصادر والمراجع، وذكر
الزركلي في «الأعلام» أنه مات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
قلت: وقد قامت شهرة التبريزي على كتابيه المشار إليهما، والأول منهما
__________
[1] قال السمعاني في «الأنساب» (3/ 21) : التبريزي: بكسر التاء
المنقوطة باثنتين من فوقها، وسكون الباء الموحدة، وكسر الراء، وبعدها
ياء منقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الزاي، هذه النسبة إلى تبريز،
وهي من بلاد أذربيجان، أشهر بلدة بها، والمنتسب إليها جماعة كثيرة.
(1/60)
وهو «مشكاة المصابيح» كمل فيه «مصابيح
السّنة» للبغوي، وذيّل أبوابه، فذكر الصحابي الذي روى الحديث عنه، وذكر
الكتاب الذي أخرجه منه، وزاد على كل باب من صحاحه وحسانه- إلا نادرا-
فصلا ثالثا، فصار كتابا كاملا فرغ من جمعه آخر يوم الجمعة من رمضان سنة
سبع وثلاثين وسبعمائة، وقد طبع هذا الكتاب في الهند وفي روسيا، ثم طبع
في المكتب الإسلامي بدمشق في ثلاثة مجلدات، وقد تولى الكلام على
أحاديثه الأستاذ الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني، وله عدة شروح أحسنها
«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» لملا علي القاري رحمه الله.
وطبع الكتاب الثاني على هامش الطبعة الهندية من «المشكاة» ، ثم أفرد في
آخر الطبعة المطبوعة من «مشكاة المصابيح» في المكتب الإسلامي بدمشق.
30- الذّهبي
هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الذهبي، أبو عبد الله،
الإمام المؤرّخ، المحدّث، المحقّق، المتقن الكبير، صاحب «تاريخ
الإسلام» ، و «سير أعلام النبلاء» ، و «الأمصار ذوات الآثار» [1] ،
وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة.
ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وستمائة.
وحينما بلغ الثامنة عشرة من عمره توجهت عنايته إلى طلب العلم بصورة
جدية نحو حقلين رئيسين هما: القراءات، والحديث النبوي الشريف، فتميز في
دراسة القراءات وبرع فيها، وعني بالحديث عناية فائقة، وانطلق فيه حتى
طغى على كل تفكيره واستغرق كل حياته بعد ذلك، فسمع ما لا يحصى كثرة من
الكتب والأجزاء، ولقي العديد من الشيوخ والشيخات، وأصيب بالشّره في
سماعه وقراءته.
__________
[1] الذي أكرمني الله عزّ وجلّ بتحقيقه والتعليق عليه بإشراف والدي
حفظه الله، وقد صدر حديثا عن دار ابن كثير.
(1/61)
ورحل في طلب العلم داخل البلاد الشامية منذ
سنة ثلاث وتسعين وستمائة، فسمع ببعلبك، وحلب، وحمص، وحماة، وطرابلس،
والكرك، والمعرّة، وبصرى، ونابلس، والرملة، والقدس، وتبوك.
ورحل إلى البلاد المصرية سنة خمس وتسعين وستمائة فوصلها في رجب، وعاد
منها في ذي القعدة.
وتوجه إلى البيت الحرام لأداء فريضة الحج، وذلك سنة ثمان وتسعين
وستمائة، وسمع هنالك من مجموعة من الشيوخ.
توفي يوم الإثنين الثالث من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
بدمشق، وأضرّ قبل موته بيسير.
قال تاج الدين السبكي: اشتمل عصرنا على أربعة من الحفّاظ وبينهم عموم
وخصوص، المزّي، والبرزالي، والذهبي، والشيخ الوالد [1] لا خامس لهم في
عصرهم، فأما أستاذنا أبو عبد الله [2] ، فبصر لا نظير له، وكنز هو
الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا،
وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في
صعيد واحد، فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها، وكان محطّ رحال
المعنت، ومنتهى رغبات من تعنّت، تعمل المطي إلى جواره، وتضرب البزل
المهارى أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خرّجنا في هذه
الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنّا أفضل الجزاء، وجعل
حظّه من عرصات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم،
يذعن له الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء.
قلت: وقد قامت شهرة الذهبي على كتابيه «تاريخ الإسلام» و «العبر في خبر
__________
[1] يعني تقي الدين السّبكي، شيخ الإسلام في عصره، المتوفى سنة (756)
هـ انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 302) .
[2] يعني الإمام الذهبي.
(1/62)
من عبر» ، والأول منهما عقده لتدوين حوادث
الزمان وذكر الأعيان من الرجال، منذ العصر النبوي، وإلى أيامه، وقد
نشرت بعض الأجزاء من هذا الكتاب العظيم في مصر، وأفضلها هو الجزء الذي
قام بتحقيقه الأستاذ الدكتور بشّار عوّاد معروف [1] .
ويقوم الآن الدكتور عمر عبد السلام التدمري في لبنان بتحقيق عدد من
الأجزاء من هذا الكتاب القيّم، ولا أدري عن أيّ من دور النشر ستصدر [2]
.
وأما الثاني- وهو العبر- فقد خصصه للكلام عن حوادث الدّهر وتراجم
الأعيان ولكن باختصار.
ومن كتب الذهبي المهمة أيضا «سير أعلام النبلاء» ، و «تذكرة الحفاظ» .
31- ابن شاكر الكتبي
هو محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر
الكتبي الداراني ثم الدمشقي، العالم المؤرّخ الكبير، صاحب «عيون
التواريخ» ، و «فوات الوفيات» .
ولد في داريّا، وسمع من المزّي، وابن الشحنة، وغيرهما من علماء الشام،
وتوسعت مداركه وبعد نظره لما اشتغل في صنعة الوراقة والمتاجرة بالكتب،
وهي الصنعة التي كانت مزدهرة في عصره.
توفي في رمضان من سنة أربع وستين وسبعمائة.
قال ابن كثير: كان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه.
قلت: وقد قامت: شهرة ابن شاكر على كتابيه المشار إليهما، والأول منهما
مخطوط في عشرة أجزاء طبع منها ثلاثة، قال صاحب «كشف الظنون»
__________
[1] وقد أفدت من مقدمته لهذا الجزء في إعداد هذه الترجمة للإمام الذهبي
رحمه الله تعالى.
[2] انظر العدد الثامن عشر من «نشرة أخبار التراث العربي» ص (25) التي
يصدرها معهد المخطوطات العربية في الكويت.
(1/63)
ما معناه: إن ابن شاكر تتبع في كتابه «عيون
التواريخ» كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير، لا سيما في الحوادث،
وكثيرا ما ينقل عنه صفحة فأكثر بحروفها.
وطبع الثاني منهما وهو «فوات الوفيات» طبعة متقنة في دار صادر ببيروت
بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان عبّاس، ويقع في خمسة مجلدات.
32- الصّفدي
هو خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، أبو الصفا، الإمام المؤرّخ
الكبير، صاحب «الوافي بالوفيات» وغير ذلك من المصنفات النافعة.
ولد في صفد بفلسطين سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة.
أخذ العلم عن جمهرة من العلماء الأعلام في عصره، كالقاضي بدر الدين بن
جماعة، وأبي الفتح بن سيد الناس، وتقي الدين السبكي، والحافظين أبي
الحجاج المزّي، وأبي عبد الله الذهبي. وأخذ طرفا من الفقه، وأخذ النحو
عن أبي حيّان، والأدب عن ابن نباتة، والشهاب محمود، ولازمه، ومهر في فن
الأدب، وكتب الخط المليح، وقال النظم الرائق، وألّف المؤلفات الفائقة،
وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم ولي كتابة السر بحلب، ثم وكالة بيت
المال بالشام، وتصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدّث بدمشق وحلب
وغيرهما.
توفي في شهر شوّال من سنة أربع وستين وسبعمائة.
وقد ذكره شيخه الإمام الذهبي في «المعجم المختصّ» فقال: الإمام العالم
الأديب البليغ الأكمل، طلب العلم وشارك في الفضائل، وساد في علم
الرسائل، وقرأ الحديث، وكتب المنسوب، وجمع وصنّف، والله يمدّه بتوفيقه،
سمع منّي، وسمعت منه، وله تآليف، وكتب، وبلاغة.
قلت: وقد اشتهر الصفدي بكتابه العظيم «الوافي بالوفيات» المنوّه عنه في
صدر الترجمة، وقد جمع فيه تراجم الأعيان ونجباء الزمان ممّن وقع عليه
(1/64)
اختياره، فلا يغادر أحدا من أعيان الصحابة
والتابعين، والملوك والأمراء، والقضاة والعمال، والقرّاء والمحدّثين،
والفقهاء والمشايخ، والصلحاء والأولياء والنحاة، والأدباء والشعراء،
والأطباء والحكماء، وأصحاب النّحل والبدع والآراء، وأعيان كل فن ممّن
اشتهر أو أتقن إلا وذكره.
وقد قامت جمعية المستشرقين الألمان في بيروت بتكليف عدد من الباحثين
المختصّين من عرب ومستشرقين بتحقيقه، وقد صدرت منه مجموعة كبيرة من
الأجزاء، ولا تزال أجزاء أخرى منه قيد التحقيق، أو تحت الطبع.
33- اليافعي
هو عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح اليافعي اليمني ثم
المكّي، أبو محمد، العالم المؤرخ المتصوف، صاحب «مرآة الجنان وعبرة
اليقظان في معرفة حوادث الزمان» وغير ذلك من المصنفات المختلفة.
ولد في اليمن سنة (698) ، وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من
اللعب، فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة، بعث به إلى عدن فاشتغل
بالعلم، وأخذ عن العلّامة أبي عبد الله البصّال وغيره، وعاد إلى بلاده،
وصحب الشيخ علي الطواشي، وهو الذي سلّكه الطريق، ثم لازم العلم وحفظ
«الحاوي الصغير» ، و «الجمل» للزجاجي، ثم جاور بمكّة وتزوج بها.
وكان ينظم الشعر الحسن، ومن شعره:
وقائلة ما لي أراك مجانبا ... أمورا وفيها للتّجارة مربح
فقلت لها ما لي بربحك حاجة ... فنحن أناس بالسلّامة نفرح
مات في مكة في جمادى الآخرة من سنة ثمان وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة
باب المعلى بجوار الفضيل بن عياض.
(1/65)
قال الإسنوي: كان إماما يسترشد بعلومه
ويقتدى، وعلما يستضاء بأنواره ويهتدى، صنّف تصانيف كثيرة في أنواع
العلوم، إلّا أن معظمها صغير الحجم معقود لمسائل مفردة.
قلت: وقد قامت شهرة اليافعي على كتابه المشار إليه في صدر الترجمة، وهو
من الكتب التي نقل عنها ابن العماد مباشرة، وقد طبع في الهند طبعة
تجارية صدرت في أربعة مجلدات، ويطبع الآن في مؤسسة الرسالة في بيروت
بتحقيق الدكتور عبد الله الجبوري، وقد اطّلعت على المجلد الأول من هذه
الطبعة أثناء تصحيح تجارب الطبع الثانية من المجلد الأول من هذا الكتاب
فاستفدت منه في بعض المواطن، ولكن لفت نظري التسرّع الذي اتصف به عمل
المحقّق الأمر الذي أوقعه في أخطاء كثيرة، ناهيك عن افتقاره إلى الضبط،
وتفصيل النصوص وفق مناهج التحقيق الحديثة، وخلوه من تخريج الأحاديث
الواردة في الكتاب تخريجا علميا، ولا سيما في القسم الذي تحدّث فيه
المؤلف عن سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
34- تاج الدّين السّبكي
هو عبد الوهّاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمّام بن يوسف بن موسى
بن تمام السّبكي الشافعي، أبو نصر، الإمام الباحث المؤرّخ، صاحب «طبقات
الشافعية الكبرى» .
ولد في القاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وسمع بمصر من جماعة، ثم قدم
مع والده إلى دمشق في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وسمع بها
من جماعة، وقرأ على الحافظ المزّي، ولازم الذهبي وتخرّج به، وطلب
بنفسه، ودأب، وأجازه شمس الدين بن النقيب بالإفتاء والتدريس، ولما مات
ابن النقيب كان عمره ثماني عشرة سنة، وأفتى ودرس، وصنّف، واشتغل
بالقضاء، وولي الخطابة بعد وفاة ابن جملة، ثم عزل، وحصل له فتنة شديدة،
وسجن بالقلعة نحو ثمانين يوما، ثم عاد إلى القضاء.
(1/66)
وقد درّس بمصر والشام بمدارس العزيزة،
والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والشاميتين، والناصرية،
والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وغير ذلك من المدارس.
مات شهيدا بالطاعون في شهر ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ودفن
بتربتهم في سفح جبل قاسيون قرب دمشق في ذلك العصر.
وقد ذكره الحافظ الذهبي في «المعجم المختصّ» وأثنى عليه.
وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله،
وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله.
وقال شهاب الدين بن حجّي: حصّل فنونا من العلم، والأصول- وكان ماهرا
فيه- والحديث، والأدب، وبرع وشارك في العربية، وكان له يد في النظم
والنثر، جيد البديهة، ذا بلاغة وطلاقة لسان، وجراءة جنان، وذكاء مفرط،
وذهن وقّاد، صنّف تصانيف عدّة في فنون مختلفة على صغر سنّه وكثرة
اشتغاله، قرئت عليه، وانتشرت في حياته وبعد موته.
قلت: وقد اشتهر تاج الدين السبكي بكتابه «طبقات الشافعية الكبرى»
المنوّه عنه في صدر الترجمة، وقد استوعب فيه تراجم عدد كبير جدا من
علماء المذهب، وقد طبع في مصر بتحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي،
والدكتور عبد الفتاح الحلو، وهي طبعة متقنة.
35- ابن كثير
هو إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوّ بن كثير القرشي البصروي الدمشقي،
الإمام الحافظ المفسّر المؤرّخ الكبير، صاحب «البداية والنهاية» ، و
«التفسير» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة الماتعة.
ولد في قرية صغيرة من قرى مدينة بصرى من أرض حوران في بلاد الشام،
اسمها «مجدل» وذلك سنة سبعمائة من الهجرة، لما كان أبوه خطيبا بها.
(1/67)
ولما بلغ السابعة من عمره توفي والده،
فتحولت أسرته إلى دمشق، ونزلت في الدار المجاورة للمدرسة النورية.
وفي دمشق شرع ابن كثير بطلب العلم على عدد من العلماء الأعلام من أمثال
شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ المزّي، والبرهان الفزاري الشهير بابن
الفركاح، وابن قاضي شهبة.
وكان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم، حفظ «التنبيه» وعرضه سنة
ثمان عشرة، وحفظ «مختصر ابن الحاجب» .
ثم أقبل على الحديث، فاشتغل بمطالعة متونه ورجاله، فسمع «الموطأ»
للإمام مالك، و «الجامع الصحيح» للإمام البخاري، و «الجامع الصحيح»
للإمام مسلم، و «سنن الدارقطني» ، وشيئا من «السنن الكبرى» للبيهقي،
وسمع «مسند الشافعي» ، وغير ذلك من المصنفات الحديثية وهو لا يزال في
مقتبل العمر.
توفي في شهر شعبان من سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفن عند شيخه ابن
تيمية في مقبرة الصوفية خارج باب النصر من دمشق.
قلت: وقد قامت شهرة ابن كثير على كتابيه «البداية والنهاية» و
«التفسير» المشار إليهما في صدر الترجمة، وقد طبع الأول منهما في مصر
أول الأمر طبعة غير محققة وكثيرة التحريف والتصحيف والسّقط، ثم صوّرت
هذه الطبعة في بيروت عدة مرات، أو صفّت حروفها من جديد من غير تحقيق
يليق بهذا الكتاب العظيم، وقد تصدّت لنشره نشرة علمية متقنة دار ابن
كثير بدمشق وبيروت، وقامت بتكليف مجموعة كبيرة من المحققين المتمرّسين
بتحقيقه بالاعتماد على ثلاث من نسخه الخطية، وكلفت والدي الأستاذ الشيخ
عبد القادر الأرناؤوط بمراجعة الكتاب والحكم على الأحاديث التي أوردها
المؤلف من خارج «الصحيحين» من جهة الصحة والحسن والضعف، وسوف تصدر هذه
الطبعة في عشرين مجلدا من الحجم الكبير تضم فهارس تفصيلية إن شاء الله.
وطبع الثاني منهما- وهو «التفسير» - في مصر أيضا في أربع مجلدات من غير
تحقيق ولا تدقيق، وقد صوّرت هذه الطبعة عدة مرات في بيروت كما هي
.
(1/68)
36- لسان الدّين ابن الخطيب
هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي
الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب، الوزير
العلّامة المؤرّخ النبيل، صاحب «الإحاطة في تاريخ غرناطة» وغير ذلك من
المصنفات المفيدة النافعة.
ولد بمدينة لوشة في الخامس والعشرين من رجب سنة (713) هـ، وتربى في
أحضان أسرته التي عرفت بالأصالة علما وجاها، ونشأ في العاصمة «غرناطة»
حيث تلقى بها دراسته على أيدي جهابذة العلماء والأدباء في عصره، فقد
كانت غرناطة في ذلك العصر أعظم مركز للدراسات العلمية والأدبية في مغرب
العالم الإسلامي.
وكان من الطبيعي أن يتأثر لسان الدين بالجو المحيط بوالده الذي كان
يشغل وقتئذ منصب الوزارة في بلاط ملوك بني نصر، حيث وزر للسلطان يوسف
بن إسماعيل بن الأحمر، فلما توفي والده دعي لسان الدين ليشغل منصب أبيه
وهو في ريعان الشباب كأمين سر أولا لأستاذه رئيس ديوان الإنشاء أبي
الحسن علي بن الجباب، ثم تقلّد ديوان الإنشاء بعد وفاة شاغله، وأظهر من
البراعة والكفاءة في هذه المناصب ما جعله أهلا لثقة السلطان المذكور،
فقلّده السلطان منصب أمانة السر في ديوانه ولمّا يستكمل مرحلة الشباب،
وأرسله سفيرا إلى عدد من الملوك، ثم استنابه بدار الملك، وسلّمه خاتمه،
وائتمنه على بيت المال، وسجوف حرمه، ومعقل امتناعه، فكانت هذه الفترة
هي الفترة الذهبية في حياة هذا العالم الكبير.
ولما توفي السلطان يوسف خلفه ابنه السلطان الغني بالله، فأبقى هذا ابن
الخطيب وزيرا له، وهكذا احتل ابن الخطيب مكانة مرموقة في بلاط الغني
بالله، حيث جمع في عهده فيما بعد بين وزارة القلم، ووزارة السيف، فلقّب
ب «ذي الوزارتين» ، ثم ما لبث السلطان الغني بالله أن انقلب على ابن
(1/69)
الخطيب إثر بعض التقلبات السياسية التي
حصلت في فترة لا حقة، الأمر الذي جعل ابن الخطيب يفرّ من وجهه، ثم ما
لبث إلا قليلا حتى وقع في أيدي الغني بالله فاتهمه بالزندقة والإلحاد،
فأفتى الفقهاء للسلطان بإعدامه، فخنق ثم أحرق، وذلك في أواخر سنة ست
وسبعين وسبعمائة من الهجرة.
قال المقري في كتابه «تعريف ابن الخطيب» : كان رحمه الله مبتلى بداء
الأرق، لا ينام من الليل إلّا اليسير جدا، وقد قال في كتابه «الوصول
لحفظ الصحة في الفصول» : العجب منّي مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم
يؤلّف مثله في الطب، ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي، ولذا يقال
له: ذو العمرين، لأن الناس ينامون وهو ساهر، ومؤلفاته ما كان يؤلفها
غالبا إلا بالليل، وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول: لسان الدين، ذو
الوزارتين، وذو العمرين، وذو الميتتين، وذو القبرين. ثم قال المقري:
واعلم أن لسان الدّين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه
بما يدنّس معاليه، أو يطمس معالمه، فلما قلبت الأيام له ظهر مجنّها
وعاملته بمنعها بعد منحها، ومنها أكثر أعداؤه في شأنه الكلام، ونسبوه
إلى الزندقة والانحلال من ربقة الإسلام، بتنقص النبيّ عليه أفضل الصلاة
والسلام، والقول بالحلول والاتحاد، والانخراط في سلك أهل الإلحاد،
وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد، وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة
والانتقاد من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السنن السويّ، وكلمات كدروا
بها منهل علمه الرويّ، لا يدين بها ويفوه إلا الضالّ والغويّ، والظن أن
مقامه رحمه الله تعالى من لبسها بريّ، وجنابه سامحه الله عن لبسها
عريّ، وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه ابن زمرك.
قلت: وقد اشتهر ابن الخطيب عقب موته بكتابه العظيم «الإحاطة في أخبار
غرناطة» وقد بقي هذا الكتاب مخطوطا إلى أن امتدّت إليه يد العالم
المؤرّخ الأستاذ محمد عبد الله عنان، فأزاحت الغبار عنه، وأخرجته إلى
عالم المطبوعات محقّقا تحقيقا جيدا، وقد صدر في مصر عام 1376 هـ، فقدّم
بذلك خدمة عظيمة للمكتبة العربية في العصر الحديث
.
(1/70)
37- ابن خلدون
هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون الحضرمي الإشبيلي، أبو زيد،
فيلسوف التاريخ الإسلامي، والعالم المحقّق الكبير، وأحد نوادر الدهر
علما وثقافة وتحصيلا وذكاء، صاحب «التاريخ» الذي اشتهرت منه «المقدمة»
شهرة لم تكتب إلا للقلّة من المصنفات الإسلامية في جميع العصور، حتى
دعي بصاحب «المقدمة» أو دعيت هي ب «مقدمة ابن خلدون» وكأنه لم يصنّف
غيرها.
ولد في تونس وذلك يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين
وسبعمائة.
وفي تونس نشأ ابن خلدون، وأخذ العلم عن جمهرة من علمائها، فقد سمع من
العالم الفاضل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن جابر،
المعروف ب الوادي آشي صاحب «البرنامج» المتوفى سنة (746) هـ.
وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال إفرادا وجمعا، وأخذ العربية
عن أبيه، وأبي عبد الله السايري، وغيرهما، وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة
ابن عبد السلام، وغيره، وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي، ومحمد بن إبراهيم
الإربلي شيخ المعقول بالمغرب، وبرع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر
في الأدب والكتابة، وولي كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان، ولأخيه أبي
سالم، ثم تنقل في البلاد متقلدا مناصب مختلفة، ثم رجع إلى تونس فأكرمه
سلطانها، ثم حاول نفر من الناس الإساءة إليه عن طريق تأليب السلطان
عليه، فعلم بالأمر، فما كان منه إلا أن رحل إلى المشرق، فحطّت به رحاله
في القاهرة، فأكرمه سلطان مصر في ذلك العصر السلطان برقوق، وولي قضاء
المالكية فيها، ثم عزل، وولي مشيخة المدرسة البيبرسية، ثم عزل عنها
أيضا، ثم ولي القضاء مرارا، آخرها في رمضان من سنة ثمان وثمانمائة،
فباشره ثمانية أيام، فأدركه أجله، ولم يتزيّ بزيّ القضاة في مصر،
محتفظا بزيّ بلاده.
وكان فصيحا، جميل الصورة، عاقلا، صادق اللهجة، عزوفا عن الضيم،
(1/71)
طامحا للمراتب العليا، ولما رحل إلى
الأندلس اهتزّ له سلطانها، وأركب خاصّته لتلقّيه، وأجلسه في مجلسه.
قال لسان الدين ابن الخطيب عنه في «الإحاطة» : رجل فاضل، جمّ الفضائل،
رفيع القدر، أسيل المجد، وقور المجلس، عالي الهمّة، قويّ الجأش، متقدّم
في فنون عقلية ونقلية، كثير الحفظ، صحيح التصوّر، بارع الخط، حسن
العشرة، فخر من مفاخر العرب.
قلت: وقد قامت شهرة ابن خلدون على تاريخه المعروف ب «العبر وديوان
المبتدإ والخبر» ، وهو مطبوع في مصر في سبعة مجلدات بما في ذلك
«المقدمة» التي تعدّ- كما يقول الزركلي- من أصول علم الاجتماع، وقد
نقلت هي وأجزاء من الكتاب إلى اللغة الفرنسية، وغيرها، واشتهرت شهرة
كبيرة بين المتعلمين من المسلمين منذ عصر ابن خلدون وحتى أيامنا، حتى
إنه تكاد لا تخلو منها مكتبة أيّ باحث أو مثقف في ربوع أقطار أمتنا
العظيمة، وفي مواطن الاستشراق أيضا.
38- ابن ناصر الدّين
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد
بن علي القيسي الدمشقي، الشهير بابن ناصر الدين، الإمام الحافظ المؤرّخ
الأديب، صاحب «توضيح المشتبه» و «الردّ الوافر» ، و «بواعث الفكرة في
حوادث الهجرة» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة.
ولد بدمشق في أواسط المحرم من سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ وحفظ
القرآن العزيز، وعدة متون، وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن
المحب، وسمع من خلق منهم بدر الدّين بن قوّام، ومحمد بن عوض، والعزّ
الأبناسي، وابن غشم المرداوي، وغيرهم.
ومهر في الحديث، وكتب وخرّج، وعرف العالي والنازل، وخرّج لنفسه ولغيره،
وصار حافظ الشام في عصره بلا منازع.
(1/72)
واشتهر اسمه، وبعد صيته، وألّف التآليف
الجليلة.
وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سنة (837) هـ.
مات في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعين
وثمانمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس بدمشق.
قلت: وقد قامت شهرة ابن ناصر الدين على كتابه «توضيح المشتبه» يعني
«مشتبه النسبة» للإمام الذهبي، وجرد منه كتابه «الإعلام بما وقع في
مشتبه الذهبي من الأوهام» ، ويقوم الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي
الدمشقي بتحقيق «التوضيح» وقد أنجز منه الجزء الأول كما ذكر لي حفظه
الله، وسوف يصدر قريبا عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت.
وأما كتابه «الردّ الوافر» فقد طبع طبعة تجارية في «مطبعة كردستان
العلمية» في مصر، ثم طبع طبعة أخرى أفضل منها في «المكتب الإسلامي» في
بيروت، وهو بحاجة إلى التحقيق العلمي المتقن، ولعلّي أقوم بذلك مستقبلا
إن شاء الله تعالى.
وأما قصيدته «بواعث الفكرة في حوادث الهجرة» فهي مخطوطة لم تنشر بعد،
وتحتفظ مكتبة الحرم المكي بنسخة منها.
39- ابن قاضي شهبة
هو أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدي الشهبي الدمشقي، فقيه الشام،
ومؤرخها، وعالمها في عصره، صاحب المصنفات الكثيرة الشهيرة، التي أهمّها
كتابه «الإعلام بتاريخ الإسلام» ، وقد اشتهر ابن قاضي شهبة بهذا الاسم،
لأن أبا جدّه عمر أقام قاضيا بشهبة إحدى قرى حوران أربعين سنة.
ولد سنة (779) هـ، وتفقّه بوالده وغيره، وسمع من أكابر أهل عصره وأفتى
ودرس، وجمع وصنّف.
توفي في دمشق فجأة، وهو جالس يصنّف ويكلّم ولده، وذلك يوم الخميس حادي
عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.
(1/73)
قلت: وقد قامت شهرته في المقام الأول على
كتابه المنوّه عنه في صدر الترجمة، و «تاريخ» يشتمل على ذكر الحوادث
والوفيات من سنة (741) هـ وما بعدها، وقد نشر مجلد واحد منه في المعهد
الفرنسي للدراسات العربية بدمشق معنونا ب «تاريخ ابن قاضي شهبة» وقام
بتحقيقه الأستاذ الدكتور عدنان درويش، وقد علمت من محققه الكريم بأنه
أنهى تحقيق تتمة الكتاب، وسوف يطبع قريبا.
40- ابن حجر العسقلاني
هو أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الكناني العسقلاني، أبو
الفضل، الإمام الحافظ المؤرّخ الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «فتح الباري
بشرح صحيح البخاري» ، و «الإصابة في تمييز الصحابة» ، و «الدرر الكامنة
في أعيان المئة الثامنة» ، وغير ذلك من المصنفات النافعة المفيدة
القيّمة.
ولد في الثاني عشر من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة في مصر، ومات
والده وهو حدث السن، فكفله زكي الدين الخروبي، وهو من كبار التجار، وما
إن بلغ التاسعة حتى كان قد حفظ القرآن، وسرعان ما أجاد بسائط الفقه
والنحو، ودرس مدة طويلة من الزمن على أعظم علماء عصره، من أمثال
البلقيني، وابن الملقن، والعراقي، وعزّ الدين بن جماعة، والتنوخي،
ومحبّ الدين بن هشام، والفيروزآبادي، والبرهان الأبناسي، ونور الدين
الهيثمي والأبشيطي، والخليلي، والأيكي، وابن سالم، والقلقشندي، وبدر
الدين ابن مكي، وغيرهم.
وقد رحل إلى عدد من البلاد في سبيل تحصيل العلم والسماع من العلماء
المذكورين وسواهم من مشايخه.
وأقبل على الاشتغال والإشغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار
حافظ الإسلام في عصره، وانتهت إليه معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة
العالي والنازل، وعلل الحديث، وغير ذلك، وصار هو المعوّل عليه في
(1/74)
هذا الشأن في سائر الأقطار، وقدوة الأمة،
وعلّامة العلماء، وحجّة الأعلام، ومحيي السّنّة، وانتفع به الطلبة،
وحضر دروسه وقرأ عليه غالب علماء مصر، ورحل الناس إليه من الأقطار،
وولي القضاء، ودرّس في عدد من المدارس الشهيرة في مصر، وصنّف تصانيف
كثيرة نافعة في بابها.
مات في أواخر ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة [1] .
قلت: وقد قامت شهرة ابن حجر على عدد كبير من كتبه، وأهمها كتبه الثلاثة
«فتح الباري بشرح صحيح البخاري» ، و «الإصابة في تمييز الصحابة» ، و
«الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» ، وقد طبع الأول منها طبعة
مرقمة جيدة في المكتبة السلفية بمصر بإشراف العلّامة الشيخ عبد العزيز
بن باز حفظه الله، وصدر في أربعة عشر مجلدا بما فيها «المقدمة» ، وهي
أفضل طبعة من هذا الكتاب.
وطبع الثاني منها طبعة مضبوطة متقنة مرقمة في مكتبة الكليات الأزهرية
بمصر بتحقيق الأستاذ الدكتور طه محمد الزيني، وصدر في ثلاثة عشرة جزءا،
وهي أفضل طبعة من هذا الكتاب.
والثالث منها مطبوع في مصر أيضا، وطبعته منتشرة غير أنها تفتقر إلى
التحقيق والتصحيح والتدقيق.
41- ابن تغري بردي
هو يوسف بن الأمير سيف الدين تغري بردي [2] بن عبد الله الظاهري
الحنفي، أبو المحاسن، الإمام الفقيه المؤرّخ البحّاثة، صاحب «المنهل
الصافي
__________
[1] للتوسّع في دراسة حياة الحافظ ابن حجر يمكن الرجوع إلى كتاب «الضوء
اللامع» لتلميذه الحافظ السخاوي، و «دائرة المعارف الإسلامية» الطبعة
العربية المنشورة في مصر، و «الأعلام» للزركلي، وللحافظ السخاوي كتاب
في ترجمته سمّاه «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» في
مجلد.
[2] قال الزركلي في حاشية كتابه «الأعلام» (8/ 222) : تغري بردي: تترية
بمعنى «عطاء الله» أو «الله أعطى» كان يكتبها الأتراك «تكري ويردي»
ويلفظون الكاف نونا، والواو أقرب إلى أل V
بحركة بين الفتح والكسر.
(1/75)
والمستوفي بعد الوافي» ، و «النجوم الزاهرة
في ملوك مصر والقاهرة» ، وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة.
ولد في القاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، ونشأ يتيما في حجر قاضي
القضاة جلال الدين البلقيني المتوفى سنة (824) هـ، وتأدب وتفقّه وقرأ
الحديث على جمهرة من علماء عصره، وأولع بالتاريخ، فلازم مؤرخي عصره مثل
العيني، والمقريزي، واجتهد إلى الغاية، وساعدته جودة ذهنه وحسن تصوّره،
وصحة فهمه، ومهر وكتب، وحصّل، وصنّف، وانتهت إليه رئاسة فن التاريخ في
عصره.
سمع شيئا كثيرا من كتب الحديث، وأجازه جماعات لا تحصى مثل الحافظ ابن
حجر، والمقريزي، والعيني.
وتوفي في ذي الحجة من سنة أربع وسبعين وثمانمائة في القاهرة.
قلت: وقد قامت شهرة ابن تغري بردي على كتابيه المشار إليهما في صدر
الترجمة، وقد طبع من الأول المجلد الأول فقط كما ذكر الزركلي في
«الأعلام» ، وهو من الكتب الجديرة بالنشر والتحقيق العلمي نظرا لما فيه
من الفوائد الكثيرة العديدة.
والثاني منهما مطبوع طبعة جيدة بدار الكتب المصرية بالقاهرة.
42- السّخاوي
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السّخاوي،
أبو الخير، الإمام الحافظ المؤرّخ الكبير، صاحب «الضوء اللامع في أعيان
القرن التاسع» ، و «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التأريخ» ، و
«المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة» ،
وغير ذلك من المصنفات المفيدة النافعة.
ولد في القاهرة في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة،
(1/76)
وحفظ القرآن الكريم وهو صغير، وجوّده، ثم
حفظ «المنهاج» و «ألفية ابن مالك» ، و «ألفية العراقي» ، وغالب
«الشاطبية» و «النخبة» لابن حجر، ومقدمة «الشاوي» في العروض، وبرع في
العربية، والفقه، والقراءات، والحديث، والتاريخ، وشارك في الفرائض،
والحساب، والتفسير، وأصول الفقه، والميقات، وغيرها.
وأما مقروءاته ومسموعاته، فكثيرة جدا لا تكاد تنحصر، وأخذ عن جماعة لا
يحصون، يزيدون على أربعمائة شيخ، وأذن له غير واحد بالإفتاء، والتدريس،
والإملاء، وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر، وأقبل عليه بكليته
إقبالا يزيد على الوصف، حتى حمل عنه علما جمّا، واختصّ به كثيرا بحيث
كان أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قرب منزله من منزله، وكان لا
يفوته مما يقرأ عليه إلّا النادر، وقرأ عليه «الإصلاح» بتمامه، وسمع
عليه جلّ كتبه، كالألفية وشرحها مرارا، وعلوم الحديث إلا اليسير، وأكثر
تصانيفه في الرجال وغيرها، وغير ذلك من المصنفات الأخرى.
وقد رحل إلى عدد كبير من الأمصار في سبيل طلب العلم، منها دمشق، وحلب،
وبيت المقدس، والخليل، ونابلس، والرملة، وحماة، وبعلبك، وحمص.
مات في المدينة المنورة يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان سنة اثنتين
وتسعمائة، وصلي عليه بعد صلاة صبح يوم الإثنين، ودفن بالبقيع بقرب
الإمام مالك رحمه الله تعالى.
قلت: وقد قامت شهرة السّخاوي على عدد من الكتب التي صنّفها، وأهمها
كتبه الثلاثة المنوّه عنها في صدر الترجمة.
والأول منها مطبوع طبعة تجارية غير محققة.
والثاني مطبوع مرتين الأولى على يد الأستاذ حسام الدين القدسي رحمه
الله في مصر، وهي طبعة غير محققة وفيها الكثير من التحريف والتصحيف،
والثانية ضمن كتاب المستشرق الدكتور فرانز روزنثال «علم التأريخ عند
(1/77)
المسلمين» الذي ترجمه الأستاذ الدكتور صالح
العلي ونشر في العراق، وهي نشرة جيدة، غير أن المؤلف روزنثال كان قد
أخرج من الكتاب رسالة الذهبي «الأمصار ذوات الآثار» التي ساقها السخاوي
في الكتاب، فقام المترجم بإعادة هذه الرسالة من «الإعلان» المنشور على
يد القدسي بكل ما فيها من السقط، والتحريف، والتصحيف، والخطأ، وهذا ما
تأكد لنا لدى تحقيقنا لكتاب «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي الصادر عن
دار ابن كثير حديثا.
والكتاب الثالث وهو «المقاصد الحسنة» مطبوع في دار الكتب العلمية
ببيروت بعناية الشيخ عبد الله الصّدّيق، وتقديم الشيخ عبد الوهّاب عبد
اللطيف، ولكنها طبعة تفتقر إلى التحقيق والضبط والتخريج.
43- ابن طولون
هو محمد بن علي بن أحمد بن حمّارويه بن طولون الدمشقي الصالحي، الإمام
المؤرّخ، المحدّث، الفقيه، صاحب «مفاكهة الخلّان في حوادث الزمان» ، و
«القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» ، و «إعلام السائلين عن كتب سيد
المرسلين» ، وغير ذلك من الكتب النافعة المفيدة.
ولد في شهر ربيع الأول من سنة ثمانين وثمانمائة في صالحية دمشق، ونشأ
فاقد الأم، فقد ماتت والدته شهيدة بالطاعون وهو رضيع.
وقد تعلم ابن طولون الخط بمكتب المدرسة الحاجبية بالقرب من منزله، ثم
حفظ القرآن بمكتب مسجد الكوافي المشهور في عصره بمسجد العساكرة.
وسمع وقرأ على جماعة من العلماء منهم: القاضي ناصر الدين أبو البقاء بن
رزين، والخطيب سراج الدين الصيرفي، والجمال يوسف بن الهادي المعروف
بابن المبرّد، والشيخ أبو الفتح السكندري المزّي، وابن النعيمي في
آخرين، وتفقّه بعمّه الجمال بن طولون وغيره، وأخذ عن السيوطي إجازة
مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز، وقرأ عددا كبيرا من
كتب الفقه، والحديث، وغير ذلك من العلوم.
(1/78)
وكانت أوقاته معمورة بالتدريس والإفادة،
والتأليف والعبادة، وقد اشتغل في أثناء حياته بعدد كبير من العلوم
وصنّف فيها، وكانت له وظائف عديدة أيضا، وكان متفرغا للعلم والعبادة،
فلم تكن له زوجة ولا ولد.
مات يوم الأحد الحادي عشر من جمادى الأولى من سنة ثلاث وخمسين
وتسعمائة، ودفن بتربة أسرته في صالحية دمشق.
قلت: وقد قامت شهرة ابن طولون على عدد من كتبه أهمها كتبه الثلاثة
المشار إليها في صدر هذه الترجمة، وقد طبع الأول منها في مصر بتحقيق
الأستاذ محمد مصطفى، وهي طبعة غير متقنة.
والثاني منها طبع في دمشق مرتين بتحقيق الأستاذ المحقّق الشيخ محمد
أحمد دهمان، الأولى نشرها بنفسه، والثانية صدرت عن مجمع اللغة العربية
منذ ثلاث سنوات.
وأما الثالث وهو «إعلام السائلين» فقد أكرمني الله عزّ وجلّ بتحقيقه،
والتقديم له، والتعليق عليه، وقام والدي حفظه الله بقراءته والنظر في
تحقيقه قبل دفعه للطبع، وقد صدر عن دار مؤسسة الرسالة في بيروت قبل
سنوات [1] .
44- العيدروس
هو عبد القادر بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس،
العلّامة المؤرّخ، صاحب «النور السافر عن أخبار القرن العاشر» الذي
ينقل عنه ابن العماد كثيرا في تأريخه لحوادث القرن العاشر في كتابه.
والمترجم من أهل اليمن، سكن حضرموت، وانتقل إلى مدينة أحمد أباد بالهند
فسكن فيها إلى أن توفي سنة (1037) هـ كما جاء في حاشية الصفحة (334) من
«النور السافر» .
__________
[1] وسوف تصدر طبعته الثانية عن مؤسسة الرسالة قريبا متضمنة زيادات
كثيرة أضفتها للكتاب، ومزودة بفهارس علمية.
(1/79)
وقال الزركلي في «الأعلام» : وفي «المشرع
الروي» (2/ 147) وفاته سنة (1048) هـ، ومثله في «تاريخ شعراء
الحضرميين» (1/ 123) ، ومراجع «تاريخ اليمن» ص (172) .
قلت: وقد اشتهر المترجم بكتابه المنوّه عنه في صدر الترجمة، وهو مطبوع
طبعة تجارية سقيمة في مصر دون ذكر اسم الدار الناشرة له، وهو بأمسّ
الحاجة إلى التحقيق العلمي المتقن. وله مؤلفات أخرى كثيرة متنوعة ذكرها
الزركلي في «الأعلام» (4/ 39) .
45- الحلبي
هو علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي القاهري، أبو الفرج، العلّامة المؤرخ
الفقيه، صاحب «إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون» المعروف ب
«السيرة الحلبية» و «غاية الإحسان فيمن لقيته من أبناء الزمان» وغير
ذلك من المصنفات النافعة.
ولد في مصر سنة (975) هـ، وأخذ العلم عن عدد من العلماء فيها، ثم انصرف
إلى التدريس والتصنيف.
توفي في آخر يوم من شهر شعبان سنة (1044) هـ بالقاهرة ودفن فيها.
قلت: وقد قامت شهرة المترجم على كتابه «السيرة» وهو من بين الكتب التي
نقل ابن العماد عنها مباشرة، وقد طبع قديما في مصر طبعة تجارية تفتقر
إلى التحقيق والفهرسة، ثم صورت عدة مرات في بيروت دون أن تضاف إليها
أية خدمة تذكر.
قلت: وهؤلاء المؤرخون المتقدّم ذكرهم هم من أبرز العلماء الذين تقدموا
ابن العماد في فروع التأريخ الإسلامي الأربعة «السيرة النبوية» و «علم
الأنساب» و «تدوين حوادث الدهر» و «سير الرجال» .
(1/80)
فإن التأريخ الإسلامي ليس محصورا بما جرى
تدوينه من الأحداث في كتب بعض المؤرخين من متقدمين ومحدثين كما يتوهم
بعضهم، وإنما يتكون من هذه الفروع الأربعة التي لا يمكن لأحدها أن يغفل
إذا أريد للفظة التاريخ أن تكون صحيحة، فليس هناك حدث إلا ووراءه سبب
ما، وأحداث التاريخ سببها الرّجال، وأعظم الرّجال في تاريخنا كله بلا
شك هو نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي غيّر ببعثته مجرى التاريخ
كله، فكانت رسالته الحدّ الفاصل بين عهدين في حياة بني الإنسان على وجه
الأرض، عهد سادت فيه القوة الغاشمة، واستعبد فيه القويّ الضعيف،
واستغلّ فيه الغنيّ الفقير أبشع استغلال، وعهد عادت فيه الحقوق إلى
أهلها، وألغيت فيه عبودية الإنسان للإنسان إلى يوم القيامة، وأصبح فيه
الغنيّ والفقير، والقويّ والضعيف، والأبيض والأسود في ميزان الفضل سواء
بسواء.
وكذلك الحال، فإن علم الأنساب حفظ لنا الأسماء والألقاب والكنى من
الخلط والتحريف والتصحيف والضياع.
وتدوين الحوادث التي مرّت في تاريخنا الإسلامي في بعض الكتب التي
اختصّت بذلك- ومنها «شذرات الذهب» - حفظ لنا الصورة الصحيحة التي كان
عليها واقع الحال للمسلمين بما فيه من صور مشرقة وأخرى مؤلمة دون أن
يضيع منها شيء.
وأما كتب الرّجال فإنها لم تترك لنا صغيرة ولا كبيرة في سير الأعلام
المتقدمين إلا وذكرتها، والأهم من ذلك، فقد جعلت هذه الكتب في مقدورنا
معرفة الصفات التي كان عليها الرواة للأحداث، والأخبار، والأحاديث،
والأمثال، والأشعار، فأصبح بمقدورنا لدى الرجوع إليها معرفة الصادق من
الكاذب، والمتقن من المتهاون، والضابط من الواهم، والسليم النيّة من
المغرض، فيما يعرض لنا من أسماء أولئك الرواة في كتب التاريخ، والحديث،
والأدب.
ولله درّ أولئك الأئمة الأعلام الذين خلّفوا لنا كتب فروع هذا الفن
الذي هو من أهم الفنون التي ترتكز عليها حضارتنا العربية الإسلامية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن معظم هؤلاء الأعلام الذين تكلمت عليهم فيما
(1/81)
سبق هم أهم أصحاب المصادر التي نقل عنها
«ابن العماد» مباشرة، أو بالواسطة، ومعظمهم اشتغلوا بالحديث النبوي،
وصنّفوا فيه مصنفات مشهورة منتشرة، الأمر الذي يجعلني أجزم بأن خير
المؤرخين المسلمين من العرب والعجم هم المؤرخون الذين كانت لهم عناية
ودراية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله، فإن هؤلاء تأثروا
بمنهج المحدّثين من المسلمين، الذين اشترطوا لقبول رواية الراوي أن
يتمتع بصفات محددة، أهمها أن يكون مسلما، مؤمنا، صادقا، عادلا، ضابطا،
متقنا، محتاطا، وإلا فإن روايته تكون موضع الشك والريبة، الأمر الذي
يفقدها أهم مقوّمات القبول، فتصبح ضعيفة، بل ومردودة أيضا إذا كان
صاحبها ممّن اتّهم بالوضع أو الكذب.
وهذا ما يجعلني أجزم أيضا بأن فنيّ التأريخ والحديث عند علماء المسلمين
الثقات يتمتعان بمصطلح أقرب ما يكون إلى التطابق والانصهار في بوتقة
واحدة، فقد أثبتت التجربة لي أثناء عملي في خدمة هذا الكتاب، وكتاب
«الأمصار ذوات الآثار» للذهبي من قبل بإشراف والدي حفظه الله، بأن أهل
الدراية بالحديث هم الجديرون حقا بتحقيق كتب التاريخ والرّجال، أو
الإشراف على تحقيقها والكلام على ما يرد من النصوص الحديثية فيها على
أقل تقدير، لأنهم من أعلم الناس بالأسماء، والأنساب، والكنى، والألقاب،
وهي من أهم ما يقع فيه التصحيف، والتحريف، والخطأ، والسّقط في كتب
التراث.
لذا يجدر بكل من يودّ تحقيق أو طبع أيّ كتاب من كتب التأريخ أو الرجال
أن يرجع إلى أحد علماء الحديث المتقنين الثقات- وما أقلّهم في هذا
العصر- ليتزوّد منه بالتوجيهات القيّمة التي تجعل كتابه يصدر على أحسن
وجه، وأن يوكل إليه الحكم على الأحاديث التي قد ترد في كتابه من جهة
الصحة والضعف إن استطاع، لكي يستكمل الكتاب شروط النشرة العلمية
المتقنة، وإلا كان الكتاب عرضة لظهور الكثير من الأخطاء والتحريفات
فيه، كتلك التي تظهر في معظم الكتب التي تغلب على طبعاتها الصفة
التجارية، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى التحقيق والنشر من جديد
.
(1/82)
مصادر ومراجع مختارة
[1]
1- أخبار القضاة: لوكيع محمد بن خلف بن حيّان، عالم الكتب، بيروت بدون
تاريخ.
2- الأخبار الطوال () : لأبي حنيفة الدينوري، تحقيق الأستاذ عبد المنعم
عامر، ومراجعة الدكتور جمال الدين الشيال، مصوّرة مكتبة المثنى، بغداد
بدون تاريخ.
3- الأذكار () : للنووي، تحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار
الملاح، دمشق 1391 هـ.
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة () : لابن الأثير، تحقيق الأساتذة:
محمد إبراهيم البنّا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمود عبد الوهاب فايد، كتاب
الشعب، القاهرة 1390 هـ.
5- الأعلام: للعلّامة الأستاذ خير الدين الزركلي- الطبعة الرابعة- دار
العلم للملايين، بيروت 1399 هـ.
6- إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين () : لابن طولون الدمشقي، حقّقه
وقدّم له وعلّق عليه محمود الأرناؤوط، قرأه ونظر في تحقيقه الشيخ عبد
القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403 هـ.
7- الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التأريخ: للسخاوي، بعناية الأستاذ
حسام الدين القدسي، مصوّرة دار الكتاب العربي، بيروت 1399 هـ.
8- الأنساب: للسمعاني، الجزء الأول، تحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي
اليماني. طبع محمد أمين دمج. بيروت 1396 هـ.
__________
[1] الكتب التي عقب أسمائها نجمة بين هلالين هي التي استفدت من
مقدماتها فقط.
(1/83)
9- تاريخ أبو زرعة () : تحقيق الأستاذ شكر
الله بن نعمة الله القوجاني، مجمع اللغة العربية، دمشق 1400 هـ.
10- تاريخ الأمم والملوك () : للطبري، الجزء الأول، تحقيق الأستاذ محمد
أبو الفضل إبراهيم، مصوّرة دار سويدان، بيروت بدون تاريخ.
11- تاريخ خليفة بن خياط () : تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، مؤسسة
الرسالة ببيروت، ودار القلم بدمشق، 1397 هـ.
12- التاريخ العربي والمؤرخون: للدكتور شاكر مصطفى، دار العلم
للملايين، بيروت 1399 هـ.
13- الترغيب والترهيب () : للمنذري، تحقيق الأستاذ مصطفى محمد عمارة،
شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1388 هـ.
14- التكملة لوفيّات النقلة () : للمنذري، تحقيق الدكتور بشّار عوّاد
معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت 1401 هـ.
15- جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لابن الأثير،
تحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط. مكتبة الحلواني، مطبعة
الملّاح، مكتبة دار البيان، دمشق 1389 هـ.
16- الجرح والتعديل () : لابن أبي حاتم، بعناية وتقديم الشيخ عبد
الرحمن المعلمي اليماني، دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن في
الهند، 1371 هـ.
17- جمهرة أنساب العرب () : لابن حزم، تحقيق الأستاذ عبد السلام محمد
هارون، دار المعارف بمصر، 1382 هـ.
18- دائرة المعارف الإسلامية، لجماعة من المستشرقين، الطبعة العربية،
الجزء الأول، إعداد وتحرير الأساتذة: إبراهيم زكي خورشيد، وأحمد
الشنتناوي، وعبد الحميد يونس، كتاب الشعب، القاهرة 1353 هـ.
19- دول الإسلام: للذهبي، تحقيق الأستاذين فهيم محمد شلتوت، ومحمد
مصطفى إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1394 هـ.
20- سنن ابن ماجة: تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء
التراث العربي، بيروت 1373 هـ.
21- سير أعلام النبلاء: للذهبي، تحقيق جماعة من الأفاضل، بإشراف الشيخ
شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت 1401- 1403.
(1/84)
22- السيرة النبوية () : لابن إسحاق، تهذيب
ابن هشام، تحقيق الأساتذة: مصطفى السقّا، وإبراهيم الأبياري، وعبد
الحفيظ شلبي، مصوّرة مؤسسة علوم القرآن بدمشق وبيروت بدون تاريخ.
23- شذرات الذهب: لابن العماد، بعناية الأستاذ حسام الدين القدسي،
مصوّرة دار المسيرة، بيروت 1399 هـ.
24- طبقات الحفّاظ: للسيوطي، تحقيق الأستاذ علي محمد عمر، مكتبة وهبة،
القاهرة 1393 هـ.
25- الطبقات الكبرى () : لابن سعد، تقديم الدكتور إحسان عباس، دار صادر
ودار بيروت، بيروت 1380 هـ.
26- عناقيد ثقافية: تأليف محمود الأرناؤوط، دار المأمون للتراث بدمشق
وبيروت 1405 هـ.
27- لسان العرب: لابن منظور، تحقيق الأساتذة: عبد الله علي الكبير،
ومحمد أحمد حسب الله، وهاشم محمد الشاذلي، وسيد رمضان أحمد، دار
المعارف بمصر، بدون تاريخ.
28- المسند: للإمام أحمد بن حنبل، المكتب الإسلامي، ودار صادر، بيروت
1389 هـ.
29- المعرفة والتاريخ () : للفسوي، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري،
مؤسسة الرسالة، بيروت 1401 هـ.
30- المغازي () : للواقدي، تحقيق المستشرق الدكتور مارسدن جونس، مصوّرة
عالم الكتب ببيروت بدون تاريخ.
31- موارد الخطيب البغدادي: للدكتور أكرم ضياء العمري، دار القلم، دمشق
1395 هـ.
32- النور السافر: للعيدروس، بدون تاريخ ومكان الطبع
.
(1/85)
|