شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وعشرين
وأربعمائة
فيها توفي القاضي أبو بكر الحيري، أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن
أحمد بن حفص الحرشي [1] النيسابوري الشافعي، في رمضان، وله ست وتسعون
سنة، وكان رئيسا محتشما، إماما في الفقه. انتهى إليه علو الإسناد، فروى
عن أبي علي الميداني، والأصم، وطبقتهما، وأخذ ببغداد عن أبي سهل
القطّان، وبمكّة عن الفاكهي، وبالكوفة، وجرجان، وتفقه على أبي الوليد
الفقيه، وحذق في الأصول والكلام، وولي قضاء نيسابور. روى عنه الحاكم في
«تاريخه» [2] وآخر من حدّث عنه الشيروي [3] وقد صمّ بأخرة، حتّى بقي لا
يسمع شيئا، ووافق شيخه الأصم، وصنّف في الأصول والحديث.
وفيها أبو الحسين السّليطي- بفتح المهملة وكسر اللام، نسبة إلى سليط
جدّ- أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري [4] العدل والنحوي، في جمادى
الأولى. روى عن الأصمّ وغيره.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 143- 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 356- 358)
وقد تصحفت «الحرشي» في «آ» و «ط» إلى «الحرسي» .
[2] في «العبر» : روى عنه الحاكم في «تاريخه» مع تقدمه. (ع) .
[3] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «السيروي» وأثبت لفظ «ط» و «العبر» وهو
الصواب، وانظر «الأنساب» (4/ 109 و 289) .
[4] انظر «العبر» (3/ 144) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 389) .
(5/103)
وفيها أبو عمر بن درّاج، أحمد بن محمد بن
العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن درّاج الأندلسي القسطلّي [1]- بفتح
القاف وسكون المهملة وفتح الطاء وتشديد اللام، نسبة إلى مدينة
بالأندلس، يقال لها:
قسطلّة [2]- الشاعر الكاتب الأديب، شاعر الأندلس، الذي قال فيه ابن
حزم:
لو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلّا أحمد بن درّاج لما تأخر عن شأو
«حبيب» و «المتنبي» وكان من كتّاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي
عامر.
وقال الثعالبي: كان بصقع [3] الأندلس، كالمتنبي بصقع [3] الشام، ومن
نظمه قصيدته الرائية التي عارض بها أبا نواس، وأول قصيدة ابن درّاج:
ألم تعلمي أن الثّواء هو النّوى ... وأن بيوت العاجزين قبور
[ولم تزجري طير السرى بحروفها ... فتنبيك إن يمّنّ فهو سرور] [4]
يخوّفني [5] طول السّفار وإنه ... لتقبيل كفّ العامريّ سفير
دعيني [6] أرد ماء المفاوز آجنا ... إلى حيث ماء المكرمات نمير
[واختلس الأيام خلسة فاتك ... إلى حيث لي من عدوهن خفير] [7]
فإن خطيرات المهالك ضمّن ... لراكبها أن الجزاء خطير
ومنها في وصف وداعه لزوجته وولده الصغير:
ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أنّه وزفير
تناشدني عهد المودّة والهوى ... وفي المهد مبغوم النداء صغير
__________
[1] انظر «يتيمة الدهر» (2/ 119- 133) طبع دار الكتب العلمية و «العبر»
(3/ 144) و «وفيات الأعيان» (1/ 135- 139) .
[2] في «آ» و «ط» : «نسبة إلى قسطلة مدينة بالأندلس يقال لها: قسطلة» .
[3] في «آ» و «ط» : «كان مصقع» والتصحيح من «يتيمة الدهر» و «العبر» .
[4] هذا البيت لم يرد في «آ» و «ط» و «الوفيات» وأثبته من «يتيمة
الدهر» .
[5] في «آ» و «ط» : «تخوفني» والتصحيح من «يتيمة الدهر» .
[6] في «يتيمة الدهر» : «ذريني» .
[7] هذا البيت لم ير في «آ» و «ط» وأثبته من «يتيمة الدهر» .
(5/104)
عييّ بمرجوع الخطاب ولحظه [1] ... بموقع
[2] أهواء النفوس خبير
تبوّأ ممنوع القلوب ومهّدت ... له أذرع محفوفة ونحور
فكل مفدّاة الترائب مرضع ... وكل محيّاة المحاسن ظير [3]
عصيت شفيع النّفس فيه وقادني ... رواح لتدآب السّرى وبكور
وطار جناح البين بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير
لئن ودّعت مني غيورا فإنني ... على عزمتي [4] من شجوها لغيور
ولو [5] شاهدتني والهواجر [6] تلتظي ... عليّ ورقراق السراب يمور
أسلّط حرّ الهاجرات إذا سطا ... على حرّ وجهي والأصيل هجير
وأستنشق النكباء وهي لوافح [7] ... واستوطئ [8] الرمضاء وهي تفور
وللموت في عين الجبان تلوّن ... وللذّعر في سمع الجريء صفير
لبان لها أنّي من البين جازع ... وأنّي على مضّ الخطوب صبور
أمير على غول النتائف ماله ... إذا ريع إلّا المشرفيّ وزير [9]
ولو بصرت بي [10] والسّرى جلّ عزمتي ... وجرسي لجنّان الفلاة سمير
ودارت نجوم القطب حتّى كأنها ... كؤوس مها [11] والى بهنّ مدير
وقد خيّلت طرق المجرّة أنها ... على مفرق الليل البهيم قتير
وثاقب عزمي والظلام مروّع ... وقد غض أجفان النّجوم فتور [12]
__________
[1] في «يتيمة الدهر» : «ولفظة» .
[2] في «يتيمة الدهر» : «بموضع» .
[3] هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.
[4] في «آ» : «على غربتي» وأثبت لفظ «ط» و «يتيمة الدهر» .
[5] في «اليتيمة» : «وما» . «ع» .
[6] في «يتيمة الدهر» : «والضواحك» .
[7] في «اليتيمة» : «وهي نوازح» . (ع) .
[8] كذا في «آ» و «ط» : «واستوطئ» وفي «يتيمة الدهر» : «وأستمطئ» .
[9] هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.
[10] في «يتيمة الدهر» : «ولو شاهدتني» .
[11] في «يتيمة الدهر» : «كؤوس طلا» .
[12] هذا البيت لم يرد في «يتيمة الدهر» التي بين يدي.
(5/105)
لقد أيقنت أنّ المنى طوع همّتي ... وأنّي
بعطف العامريّ جدير
وهي طويلة، وغالب شعره مستحسن، و «ديوانه» في مجلدين، وكانت ولادته في
المحرم سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، ومات ليلة الأحد لست عشرة ليلة خلت
من جمادى الآخرة.
وفيها أبو إبراهيم إسماعيل بن ينال المروزي المحبوبي [1] ، نسبة إلى
جدّه محبوب. سمع «جامع الترمذي» من أستاذهم محمد بن أحمد بن محبوب، وهو
آخر من حدّث عنه، توفي في صفر عن سبع وثمانين سنة.
قال أبو بكر السمعاني: كان ثقة عالما، أدركت نفرا من أصحابه.
وفيها أبو عبد الله المعاذي، الحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابوري
الأصم [2] .
والمعاذي: بضم الميم وبالذال المعجمة نسبة إلى معاذ جدّ.
سمع من أبي العبّاس الأصم مجلسين فقط، ومات في جمادى الأولى.
قال الذهبي: وقع لنا حديثه من طريق شيخ الإسلام [الأنصاري] [3] .
وفيها أبو عبد الله الجمّال [4] الحسين بن إبراهيم الأصبهاني. روى عن
أبي محمد بن فارس وجماعة، ومات في ربيع الأول، وله جزء معروف.
وفيها أبو علي البجّاني- بجّانة الأندلس [5]- الحسين بن عبد الله بن
الحسين بن يعقوب المالكي [6] ، وله خمس وتسعون سنة. حمل
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 144- 145) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 376- 377)
.
[2] انظر «العبر» (3/ 145) .
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «العبر» .
[4] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الحمال» والتصحيح من «العبر» (3/
145) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 377) .
[5] انظر «معجم البلدان» (1/ 339) .
[6] انظر «العبر» (3/ 145- 146) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 377- 379)
.
(5/106)
عنه ابن عبد البرّ، وأبو إسماعيل العبّاس
العذري، والكبار، وكان أسند من بقي بالمغرب في رواية «الواضحة» لعبد
الملك بن حبيب. سمعها من سعيد بن فحلون في سنة ست وأربعين وثلاثمائة،
عن يوسف المغامي عن المؤلف.
وفيها حمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي [1] .
قال ابن حزم: كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية، ضابطا [لما
قيّده] [2] . أكثر عن أبي محمد الباجي، وأبي عبد الله بن مفرّج، وولي
قضاء يابرة، وتوفي في رجب، وله أربع وستون سنة.
وفيها أبو سعيد الصّيرفي، محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري [3] . كان
ينفق على الأصمّ ويخدمه بماله، فاعتنى به الأصمّ وسمّعه الكثير، وسمع
أيضا من جماعة، وكان ثقة، توفّي في ذي الحجّة.
وفيها السلطان محمود بن سبكتكين [4] ، سيف الدولة أبو القاسم بن الأمير
ناصر الدولة أبي منصور. كان أبوه أميرا للغزاة الذين يغيرون [5] من
بلاد ما وراء النهر، على أطراف الهند، فأخذ عدة حصون وقلاع، وافتتح
ناحية بست، وكان كرّاميا، وأما محمود فافتتح غزنة، ثم بلاد ما وراء
النهر، ثم استولى على سائر خراسان، وعظم ملكه، ودانت له الأمم، وفرض
على نفسه غزو الهند كل سنة، فافتتح منه بلادا واسعة، وكان ذا عزم وصدق
في الجهاد.
__________
[1] انظر «الصلة» لابن بشكوال (1/ 155) و «العبر» (3/ 146) .
[2] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الصلة» و «العبر» .
[3] انظر «العبر» (3/ 146) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 350- 351) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 175- 182) و «العبر» (3/ 147) و «سير
أعلام النبلاء» (17/ 483- 495) .
[5] في «آ» : «يغزون» .
(5/107)
قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النّية
في إعلاء كلمة الله تعالى، مظفّرا في غزواته، ما خلت سنة من سنّي ملكه
عن غزوة أو سفرة، وكان ذكيا، بعيد الغور، موفق الرأي، وكان مجلسه مورد
العلماء.
قال ابن خلّكان [1] : وملك بلاد خراسان، وانقطعت الدولة السامانية
منها، وذلك في سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، واستتب [2] له الملك، وسيّر
له الإمام القادر بالله خلعة السلطنة، ولقبه بيمين الدولة وأمين
الملّة، وتبوأ سرير المملكة، وقام بين يديه أمراء خراسان، سماطين
مقيمين برسم الخدمة، وملتزمين حكم الهيبة، وأجلسهم بعد الإذن العام على
مجلس الأنس، وأمر لكل واحد منهم [ولسائر غلمانه وخاصّته ووجوه أوليائه]
وحاشيته من الخلع والصّلات ونفائس الأمتعة ما لم يسمع بمثله، واتّسقت
الأمور عن آخرها في كنف إيالته، واستوثقت الأعمال في ضمن كفالته، ثم
إنه ملك سجستان في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، بدخول قوّادها وولاة
أمورها في طاعته من غير قتال.
ولم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام
راية. ولم تتل به سورة قطّ ولا آية، فدحض [3] عنها أدناس الشرك، وبنى
بها مساجد وجوامع، وتفصيل حاله يطول شرحه.
وذكر شيخنا ابن الأثير في «تاريخه» أن بعض الملوك بقلاع الهند أهدى له
هدايا كثيرة، من جملتها طائر على هيئة القمري من خاصيته أنه إذا حضر
الطعام وفيه سم، دمعت عيناه، وجرى منها ماء وتحجّر، فإذا حكّ [4] ووضع
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 177- 181) وما بين حاصرتين مستدرك منه.
[2] في «آ» و «ط» : «واستثبت» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «فرحض» .
[4] في «آ» و «ط» : «حلّ» باللام وهو خطأ، والتصحيح من «الكامل في
التاريخ» لابن الأثير (9/ 334) طبع دار صادر، و «وفيات الأعيان» .
(5/108)
على الجراحات الواسعة ألحمها. وذلك في سنة
أربع عشرة وأربعمائة.
وذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سمّاه
«مغيث الخلق في اختيار الأحق» أن السلطان محمود المذكور، كان على مذهب
أبي حنيفة رضي الله عنه، كان مولعا بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث
من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها
موافقا لمذهب الشافعي رضي الله عنه، فوقع في خلده حكمة ذلك فصار،
شافعيا، وذكر قصة القفّال في الصلاة بين يديه على كلّ من المذهبين.
وبالجملة فمناقبه كثيرة وسيرته أحسن السّير، ومولده ليلة عاشوراء، سنة
إحدى وستين وثلاثمائة، وتوفي بغزنة وقبره بها يزار ويدعى عنده، وقد
صنّف في حركاته وسكناته وأحواله، لحظة لحظة، رحمه الله تعالى، وتوفي في
جمادى الأولى.
(5/109)
سنة اثنتين وعشرين
وأربعمائة
فيها توفي القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن
المقتدر [بالله] جعفر بن المعتضد العباسي [1] توفي ليلة الحادي عشر من
ذي الحجة، وله سبع وثمانون سنة. وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة
أشهر، وكان أبيض، كثّ اللحية طويلها، يخضب شيبه.
قال الخطيب: كان من [الستر، و] الديانة، وإدامة التهجد [2] [بالليل
وكثرة [البرّ و] الصدقات على صفة اشتهرت عنه. صنّف كتابا في الأصول
[ذكر] فيه فضائل [3] الصحابة رضي الله عنهم، وتكفير المعتزلة القائلين
بخلق القرآن، فكان يقرأ كل جمعة ويحضره الناس مدة.
وقال أبو الحسن الأبهريّ: أرسلني بهاء الدولة إلى القادر بالله [في
رسالة] [4] فسمعته ينشد:
سبق القضاء بكلّ ما هو كائن ... والله يا هذا لرزقك ضامن
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 37- 38) و «الكامل في التاريخ» (9/ 414-
417) و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (411- 415) و «الأعلام» (1/ 95- 96)
.
[2] في «آ» و «ط» : «التهجيد» والتصحيح من «تاريخ بغداد» وما بين
حاصرتين زيادة منه.
[3] في «آ» و «ط» : «فضل» والتصحيح من «تاريخ بغداد» و «تاريخ الخلفاء»
.
[4] زيادة من «الكامل في التاريخ» مصدر المؤلف في نقله.
(5/110)
تعنى بما يفنى وتترك ما به ... تغنى كأنّك
للحوادث آمن
أو ما ترى الدّنيا ومصرع أهله ... فاعمل ليوم فراقها يا خائن
واعلم بأنّك لا أبا لك في الذي ... أصبحت تجمعه لغيرك خازن
يا عامر الدّنيا أتعمر منزلا ... لم يبق فيه مع المنيّة ساكن
الموت شيء أنت تعلم أنّه ... حقّ وأنت بذكره متهاون
إنّ المنيّة لا تؤامر من أتت ... في نفسه يوما ولا تستأذن
فقلت: الحمد لله الذي وفّق أمير المؤمنين لإنشاد مثل هذه الأبيات.
فقال: بل لله المنّة إذ ألهمنا [1] لذكره، ووفّقنا لشكره. ألم تسمع
قوله الحسن البصريّ في أهل المعاصي؟: هانوا عليه فعصوه، ولو عزّوا عليه
لعصمهم.
وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء» [2] : قال الذهبي: كان في هذا العصر
رأس الأشعرية أبو إسحاق الإسفراييني، ورأس المعتزلة القاضي عبد
الجبّار، ورأس الرافضة الشّيخ المفيد [3] ، ورأس الكرامية محمد بن
الهيصم [4] ورأس القرّاء أبو الحسن الحمامي، ورأس المحدّثين الحافظ عبد
الغني بن سعيد، ورأس الصوفية أبو عبد الرحمن السّلمي، ورأس الشعراء أبو
عمر بن درّاج، ورأس المجودين ابن البوّاب، ورأس الملوك السلطان محمود
بن سبكتكين.
قلت [5] : ويضم إلى هذا رأس الزنادقة الحاكم بأمر الله، ورأس اللّغويين
الجوهري، ورأس النّحاة ابن جنّي [ورأس البلغاء البديع، ورأس
__________
[1] في «الكامل في التاريخ» : «إذا لزمنا» .
[2] ص (416- 417) .
[3] كذا في «ا» و «ط» : «المفيد» وفي «تاريخ الخلفاء» : «المقتدر» ولم
أتمكن من مراجعة النقل في «تاريخ الإسلام» للذهبي (المخطوط) لأنه غير
متوفر بين يدي، ولا هو في مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق أيضا، وما هو
محفوظ منه فيها إنما هو نزر يسير من أول الكتاب فقط فيما أعلم.
[4] في «آ» و «ط» : «محمد بن الهيضم» وفي «تاريخ الخلفاء» : «محمد بن
الهيصم» بالصاد المهملة وهو الصواب وهو ما أثبته، وانظر «القاموس
المحيط» : (هصم) .
[5] القائل الحافظ السيوطي في «تاريخ الخلفاء» .
(5/111)
الخطباء ابن نباتة، ورأس المفسرين أبو
القاسم بن حبيب النيسابوري] [1] ورأس الخلفاء القادر [بالله] فإنه من
أعلامهم، تفقّه وصنّف، وناهيك بأن الشيخ تقي الدّين بن الصّلاح عدّة من
الفقهاء الشافعية، وأورده في طبقاتهم، ومدّته في الخلافة من أطول
المدد. انتهى ما أورده السيوطي.
وقال الذهبي: لما مات القادر بالله، استخلف ابنه القائم بأمر الله، وله
إحدى وثلاثون سنة فبايعه الشريف المرتضى، ثم إن الأمير حسن بن عيسى بن
المقتدر قام وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة، فقال:
إن القادر لم يخلّف مالا وصدق، لأنه كان من أفقر الخلفاء، وصالحهم على
ثلاثة آلاف دينار ليس إلّا، وعرض القائم خانا وبستانا للبيع، وصغر دست
الخلافة إلى هذا الحد. انتهى.
وفيها أبو القاسم الكتّاني، طلحة بن علي بن الصقر البغدادي [2] . كان
ثقة صالحا مشهورا، عاش ستا وثمانين سنة، ومات في ذي القعدة، وروى عن
النّجاد، وأحمد بن عثمان الأدمي، ودعلج، وجماعة.
وفيها أبو المطرّف بن الحصّار [3] ، قاضي الجماعة بالأندلس، عبد الرحمن
بن أحمد بن سعيد بن غرسيّة. مات في آخر الكهولة، وكان عالما بارعا ذكيا
متفنّنا، ففيه النفس، حاضر الحجّة، صاحب سنّة، توفي في شعبان.
وفيها القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد البغدادي [4] المالكي،
أحد الأعلام. سمع من عمر بن سنبك [5] وجماعة، وتفقّه على ابن القصّار،
وابن الجلّاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه رئاسة المذهب.
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «تاريخ الخلفاء» .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (9/ 352- 353) و «العبر» (3/ 150) .
[3] انظر «العبر» (3/ 150- 151) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 473) .
[4] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 31- 32) و «وفيات الأعيان» (3/ 119- 222)
و «العبر» (3/ 151) .
[5] سنبك: بفتح السين المهملة والباء الموحدة وسكون النون. انظر «تبصير
المنتبه» (2/ 674) .
(5/112)
قال الخطيب: لم ألق في المالكية أفقه منه.
ولي قضاء بادرايا، وتحول في آخر أيامه إلى مصر فمات بها في شعبان. وقد
ساق القاضي ابن خلّكان [1] نسب القاضي عبد الوهاب إلى مالك بن طوق
التغلبي [2] صاحب الرحبة. قاله في «العبر» .
وقال أبو إسحاق الشيرازي [3] : كلامه في النظر، وكان فقيها متأدبا
شاعرا، له كتب كثيرة في كل فنّ. وعاش ستين سنة.
وذكره ابن بسام في كتاب «الذخيرة» [4] فقال: كان بقية [5] الناس، ولسان
أصحاب القياس، وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصبح، وألفاظه أحلى من
الظّفر بالنّجح، ونبت به بغداد كعادة البلاد بذوي فضلها، وكحكم الأيام
في محسني أهلها، فودّع ماءها وظلّها، وحدّثت أنه شيّعه يوم فصل عنها من
أكابرها وأصحاب محابرها، جملة موفورة، وطوائف كثيرة، وأنّه قال لهم: لو
وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كلّ غداة وعشية ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية،
وفي ذلك يقول:
سلام على بغداد في كلّ موطن ... وحقّ لها مني سلام مضاعف
فو الله ما فارقتها عن قلى لها [6] ... وإني بشطّي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت عليّ بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه [7] ... وأخلاقه تنأى به وتخالف
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 219- 222) .
[2] في «آ» و «ط» : «الثعلبي» وهو تصحيف، والتصحيح من «وفيات الأعيان»
و «العبر» .
[3] انظر «طبقات الفقهاء» ص (168- 169) .
[4] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع/ المجلد الثاني/
ص (515- 536) .
[5] في «آ» و «ط» : «فقيه» وهو تحريف والتصحيح من «الذخيرة» .
[6] في «الذخيرة» : «لعمرك ما فارقتها تاليا لها» .
[7] في «الذخيرة» : «وصاله» .
(5/113)
واجتاز بطريقه بمعرّة النّعمان، وكان قاصدا
مصر، وبالمعرّة يومئذ أبو العلاء، فأضافه، وفي ذلك يقول من أبيات [1] :
والمالكيّ ابن نصر زار في سفر ... بلادنا فحمدنا النأي والسّفرا
إذا تفقّه أحيا مالكا جدلا ... وينشر الملك الضّليل إن شعرا
ثم توجه إلى مصر، فحمل لواءها وملأ أرضها وسماءها واستتبع [2] ساداتها
وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرغائب، فمات الأول
ما وصلها من أكلة اشتهاها فأكلها، وزعموا أنه قال وهو يتقلب [3] ونفسه
تتصعد وتتصوب [4] : لا إله إلا الله، إذا عشنا متنا.
وله أشعار رائقة ظريفة فمن ذلك قوله:
ونائمة قبّلتها فتنبهت ... فقالت: تعالوا فاطلبوا اللصّ بالحدّ
فقلت لها: إنّي فديتك غاصب ... وما حكموا في غاصب بسوى الردّ
خذيها وكفّي [5] عن أثيم ظلامة [6] ... وإن أنت لم ترضي فألفا على
العدّ
فقالت: قصاص يشهد العقل أنه ... على كبد الجاني [7] ألذّ من الشهد
فباتت يميني وهي هميان خصرها ... وباتت يساري وهي واسطة العقد
فقالت: ألم أخبر بأنّك زاهدا ... فقلت: بلى ما زلت أزهد في الزهد
وكانت ولادته ببغداد يوم الخميس سابع شوال سنة اثنتين وستين وثلاثمائة،
وتوفي ليلة الاثنين رابع عشر صفر بمصر، ودفن بالقرافة الصغرى،
__________
[1] انظر «شروح سقط الزند» لأبي العلاء ص (1740) .
[2] في «آ» و «ط» : «وأمتع» والتصحيح من «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» .
[3] في «الذخيرة» : «وهو يقلّب» .
[4] في «الذخيرة» ، «وتصوّب» وفي «وفيات الأعيان» : «ويتصوب» .
[5] في رواية «الذخيرة» : «وحطي» .
[6] في «آ» : «ملامة» وأثبت لفظ «ط» و «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» .
[7] في رواية «الذخيرة» : «على المذنب الجاني» .
(5/114)
فيما بين قبة الشافعي رضي الله عنه، وباب
القرافة، وكان أبوه من أعيان الشهود ببغداد.
وكان أخوه أبو الحسن محمد بن علي بن نصر أديبا فاضلا، صنّف كتاب
«المفاوضة» للملك العزيز جلال الدولة أبي منصور بن أبي طاهر بن بويه،
جمع فيه ما شاهده، وهو من الكتاب الممتعة في ثلاثين كراسة، وله رسائل،
ومولده ببغداد في إحدى الجمادين، سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وتوفي
يوم الأحمد سابع عشري شهر ربيع الأول، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة
بواسط، وكان قد أصعد [1] إليها من البصرة فمات بها.
وتوفي أبوهما، أبو الحسن عليّ يوم السبت، ثاني شهر رمضان سنة إحدى
وتسعين وثلاثمائة. قاله ابن خلّكان.
وفيها أبو الحسن الطّرازي علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان
البغدادي ثم النيسابوري [2] الأديب. روى عن الأصمّ، وأبي حامد بن
حسنويه وجماعة، وبه ختم حديث الأصمّ، توفي في الرابع والعشرين من ذي
الحجة.
وفيها أبو الحسن بن عبد كويه [3] ، علي بن يحيى بن جعفر، إمام جامع
أصبهان في المحرم. حجّ وسمع بأصبهان، والعراق، والحجاز، وحدّث عن أحمد
بن بندار الشعّار، وفاروق الخطابي وطبقتهما، وأملى عدة مجالس.
وفيها محمد بن مروان بن زهر [4] أبو بكر الإيادي الإشبيلي المالكي [5]
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «صعد» .
[2] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 409- 410) .
وقال السمعاني في «الأنساب» (8/ 225) : والطّرازي، نسبة لمن يعمل
الثياب المطرزة أو يستعملها.
[3] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 478- 479) .
[4] في «ط» «زاهر» وهو خطأ.
[5] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 422- 423) .
(5/115)
أحد أركان المذهب. كان واسع الرواية، عالي
الإسناد، عاش ستا وثمانين سنة، وحدّث عن محمد بن معاوية القرشي، وأبي
علي القالي، وطائفة، وهو والد الطبيب عبد الملك، وجدّ الطبيب العلّامة
الرئيس أبي العلاء زهر.
وفيها محمد بن يوسف القطّان الحافظ، أبو أحمد الأعرج النيسابوري [1]
مات كهلا ولم ينشر حديثه. روى عن أبي عبد الله الحاكم وطبقته، ورحل إلى
العراق، والشام، ومصر.
وفيها أبو نصر المفسّر منصور بن الحسين [2] بنيسابور، مات قبل الطرازي،
وحدّث عن الأصم وغيره.
وفيها يحيى بن عمّار، الإمام أبو زكريا الشيباني السّجستاني [3]
الواعظ، نزيل هراة. روى عن حامد الرّفاء وطبقته، وكان له القبول التام
بتلك الدّيار لفصاحته وحسن موعظته وبراعته في التفسير والسّنّة، وخلّف
أموالا كثيرة، ومات في ذي القعدة وله تسعون سنة.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 152) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 423) .
[2] انظر «العبر» (3/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 441- 442) .
[3] انظر «العبر» (3/ 153) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 481- 483) .
(5/116)
سنة ثلاث وعشرين
وأربعمائة
فيها سار الملك المسعود بن محمود بن سبكتكين، فدخل أصبهان بالسيف، وقتل
عالما لا يحصون، وفعل ما لا تفعله الكفرة.
وفيها توفي أبو القاسم الحرفي [1] عبد الرحمن بن عبيد [الله] الحربيّ
[2] المحدّث.
قال الخطيب: كان صدوقا غير أن سماعه في بعض ما رواه عن النّجاد كان
مضطربا. مات في شوال وله سبعون وثمانون سنة.
وفيها أبو الحسن النّعيمي، علي بن أحمد بن الحسن بن محمد البصري [3]
الحافظ. روى عن طائفة ومات كهلا.
قال الخطيب: كان حافظا، حاذقا [4] ، متكلما، شاعرا.
وقال ابن ناصر الدّين: كان شديد العصبية في السّنّة والديانة، واتّهم
بوضع حديث في صباه، ثم تاب ولازم الثقة والصيانة.
__________
[1] في «آ» : «الخرقي» وفي «ط» : «الحرقي» والتصحيح من «الأنساب» (4/
114) و «العبر» (3/ 154) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 411) .
[2] أي ويقال له الحربي أيضا، كما في «سير أعلام النبلاء» (17/ 411) .
(ع) .
[3] انظر «تاريخ بغداد» (11/ 331- 332) «العبر» (3/ 154) و «التبيان
شرح بديعة البيان» (144/ ب- 145/ آ) و «غربال الزمان» ص (350) .
[4] في «تاريخ بغداد» : «عارفا» .
(5/117)
وفيها أبو الفضل الكاغذي [1] منصور بن نصر
السمرقندي مسند ما وراء النهر. روى عن الهيثم [بن كليب] الشاشي، ومحمد
بن محمد بن عبد الله [2] بن حمزة. توفي بسمرقند في ذي القعدة وقد قارب
المائة.
__________
[1] ضبطه السمعاني في «الأنساب» (10/ 327) وابن الأثير في «الباب» (3/
76) بالذال «الكاغذي» وضبطه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (17/ 368)
وفي «العبر» (3/ 154) بالدال «الكاغذي» كما في كتابنا.
[2] في «آ» و «ط» : «محمد بن عبيد الله» وهو خطأ، والتصحيح من «سير
أعلام النبلاء» (17/ 368) و «العبر» (3/ 155) . (ع) .
(5/118)
سنة أربع وعشرين
وأربعمائة
فيها- ما قال في «العبر» - اشتد الخطب ببغداد بأمر الحراميّة، وأخذوا
أموال الناس عيانا، وقتلوا صاحب الشرطة، وأخذوا لتاجر ما قيمته عشرة
آلاف دينار، وبقي النّاس لا يجسرون أن يقولوا: فعل البرجميّ خوفا منه،
بل يقولون عنه: القائد أبو علي، واشتهر عنه أنه لا يتعرّض لامرأة، ولا
يدع أحدا يأخذ شيئا عليها [1] .
وفيها توفي أبو علي الفشيديزجي [2]- بفتح الفساء وكسر المعجمة وتحتيتين
ساكنتين وفتح المهملة بينهما، والزاي وجيم، نسبة إلى فشيديزة- بلد
الحسين بن الخضر البخاري، قاضي بخارى وشيخ الحنفية في عصره. روى عن
محمد بن محمد بن صابر [3] وجماعة. توفي في شعبان وقد خرّج له عدة
أصحاب.
وفيها أبو طاهر الدّقّاق [4] ، حمزة بن محمد بن طاهر الحافظ، أحد أصحاب
الدارقطني. كان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه.
__________
[1] انظر رواية الخبر بأطول من هذا عند الذهبي في «العبر» (3/ 155-
156) .
[2] كذا ضبط نسبته المؤلف. وهو كذلك عند السمعاني في «الأنساب» (9/
309) وابن الأثير في «اللباب» (2/ 433) وضبطها الذهبي في «سير أعلام
النبلاء» (17/ 424) بكسر الدال.
[3] في «العبر» : «ابن جابر» ، وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 425) .
[4] انظر «العبر» (3/ 157) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 443) .
(5/119)
وفيها الإمام أبو محمد بن ذنّين [1] عبد
الله بن عبد الرّحمن بن عثمان الصّدفي الطّليطلي. روى عن أبي جعفر بن
عون الله وطبقته، وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني، وعن أبي بكر
[بن] المهندس، وأبي الطيب بن غلبون [2] بمصر، وكان زاهدا، عابدا،
خاشعا، مجاب الدعوة، منقطع القرين، عديم النظير [3] ، مقبلا على الأثر
والسّنّة، أمّارا بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم، مع الهيبة
والعزّة، وكان يعمل [4] في كرمه بنفسه.
وفيها أبو بكر الأردستاني [5]- بفتح الهمزة، فسكون الراء، ففتح المهملة
[6] ، فسكون المهملة، ففتح الفوقية، نسبة إلى أردستان، بلد قرب أصبهان،
وقيل: بكسر الهمزة والدال [7]- محمد بن إبراهيم الحافظ العبد الصالح.
روى «صحيح البخاري» عن إسماعيل بن حاجب، وروى عن أبي حفص بن شاهين وهذه
الطبقة.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 156) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 426- 427) .
[2] تصحف في «العبر» إلى «غليون» فيصحح فيه.
[3] تحرّفت في «ط» إلى «عديم النظر» .
[4] في «سير أعلام النبلاء» : «يخدم» .
[5] انظر «العبر» (3/ 157- 158) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 428- 429)
.
[6] وكذا ضبط نسبته السمعاني في «الأنساب» (1/ 177) وابن الأثير في
«اللباب» (1/ 41) .
وقال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 146) : بكسر الدال.
[7] وكذا قال ابن الأثير في «اللباب» .
(5/120)
سنة خمس وعشرين
وأربعمائة
فيها كما قال في «الشذور» هبّت ريح سوداء بنصيبين، فقلعت من بساتينها
كثيرا، ورمت قصرا مبنيا بآجر، وحجارة، وكلس، ووقع هناك برد في أشكال
الأكف، والنامرد [1] ، والأصابع، وزلزلت الرّملة، فهدم نحو من نصفها،
وخسف بقرى، وسقط بعض حائط بيت المقدس، وسقطت منارة جامع عسقلان، وجزر
البحر نحو ثلاث [2] فراسخ، فخرج الناس يتتبعون [3] السمك والصدف، فعاد
الماء، فأخذ قوما منهم. انتهى.
وفيها الحافظ الكبير الثقة أبو بكر [4] البرقاني- بالفتح، نسبة إلى
برقان، قريبة بخوارزم- أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الفقيه
الشافعي. مولده بخوارزم، سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وسمع بها بعد
الخمسين من أبي العبّاس بن حمدان وجماعة، وببغداد من أبي علي بن
الصوّاف وطبقته، وبهراة، وبنيسابور، وجرجان، ومصر، ودمشق.
__________
[1] لفظة «والنامرد» لم ترد في «آ» وأثبتها من «ط» .
[2] في «ط» : «ثلاثة» .
[3] في «آ» : «يتبعون» وأثبت لفظ «ط» .
[4] قوله: «أبو بكر» سقط من «ط» وانظر «العبر» (3/ 158- 159) . «سير
أعلام النبلاء» 17/ 464- 468) .
(5/121)
قال الخطيب [1] : كان [ثقة] ثبتا ورعا، لم
ير [2] في شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، كثير التصنيف، ذا حظ من علم
العربية، صنّف «مسندا» ضمّنه ما اشتمل عليه «الصحيحان» وجمع حديث
الثوري، وحديث شعبة، وطائفة، وكان حريصا على العلم، منصرف الهمّة إليه.
وقال أبو محمد الخلّال: كان البرقاني نسيج وحده.
وقال الإسنوي [3] : كان المذكور إماما، حافظا، ورعا، مجتهدا في
العبادة، حافظا للقرآن.
قال الشيخ في «طبقاته» [4] : تفقه في صباه، وصنّف في الفقه، ثم اشتغل
بعلم الحديث، فصار فيه إماما.
وقال ابن الصلاح: كان حريصا على العلم، منصرف الهمّة إليه، لم يقطع
التصنيف إلى حين وفاته. قال: وعاده الصّوري في آخر جمادى الآخرة، فقال
له: سألت الله أن يؤخّر وفاتي، حتّى يهلّ رجب، فقد روي أن فيه لله
تعالى عتقاء من النّار فعسى أن أكون منهم [5] ، فاستجيب له. انتهى كلام
الإسنوي.
وفيها أبو علي بن شاذان البزّاز [6] الحسن [7] بن أبي بكر، أحمد بن
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (4/ 374) وقد نقل المؤلف عنه بتصرف.
[2] كذا في «ط» و «تاريخ بغداد» وفي «آ» و «سير أعلام النبلاء» : «لم
نر» .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 231- 232) .
[4] يعني «طبقات الفقهاء» للشيرازي.
[5] ذكره ابن عراق الكناني في «تنزيه الشريعة» (2/ 333) من رواية
الديلمي في «مسند الفردوس» وفي سنده الأصبغ بن نباتة، قال أبو بكر بن
عيّاش: كذّاب، وانظر «ميزان الاعتدال» (1/ 271) وما قالوا في أصبغ هذا،
فالحديث موضوع، ولفظه عند الدّيلمي: «أكثروا من الاستغفار في شهر رجب
فإن للَّه في كل ساعة عتقاء من النار» .
[6] تصحفت نسبته في «ط» و «العبر» إلى «البزار» وانظر «سير أعلام
النبلاء» (17/ 415- 418) .
[7] تحرّف في «آ» إلى «الحسين» وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب.
(5/122)
إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان
البغدادي. ولد سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وسمّعه أبوه من أبي عمرو بن
السمّاك، وأبي سهل بن زياد، والعبّاداني، وطبقتهم، فأكثر، وطال عمره،
وصار مسند العراق.
قال الخطيب [1] : كان صدوقا، صحيح السماع [2] ، يفهم الكلام على مذهب
الأشعري. سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: أبو علي أوثق من برأ الله في
الحديث، وتوفي في آخر يوم من السنة، ودفن من الغد في أول سنة ست
وعشرين.
وفيها ابن شبانة، العدل، أبو سعيد، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله
الهمذاني [3] . روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة، وكان
صدوقا.
وفيها أبو الحسن الجوبري- بفتح الجيم والموحدة، نسبة إلى جوبر، قرية
بدمشق- عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي [4] كان
أبوه محدّثا، فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب، وطائفة، وكان أمّيّا
لا يقرأ ولا يكتب.
وفيها عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر أبو نصر المرّي [5] الدمشقي [6]
ابن الحبّان الشّروطي [7] الحافظ. روى عن أبي عمر بن فضالة وطبقته،
وصنّف كتبا كثيرة، قاله الكتاني، ومات في شوال.
__________
[1] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 279) .
[2] كذا في «آ» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 417) : «صحيح السماع» وفي
«تاريخ بغداد» :
«صحيح الكتاب» .
[3] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» و «العبر» (3/ 159) إلى «الهمداني»
والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (17/ 432) .
[4] انظر «العبر» (3/ 159- 160) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 415) .
[5] في «العبر» : «المزي» وهو خطأ. (ع) .
[6] انظر «الأنساب» (11/ 268) و «العبر» (3/ 160) .
[7] قال السمعاني في «الأنساب» (7/ 321) : الشروطي: هذه النسبة لمن
يكتب الصّكاك
(5/123)
وفيها أبو الفضل الهروي [1] الزاهد، عمر بن
إبراهيم. روى عن أبي بكر الإسماعيلي، وبشر بن أحمد الإسفراييني
وطبقتهما. وكان فقيها عالما ذا زهد، وصدق، وورع، وتبتّل.
وفيها أبو بكر بن مصعب التاجر، محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني [2] .
روى عن ابن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار، وجماعة، وتوفي في ربيع الأول
[3] .
__________
والسّجلات، لأنها مشتملة على الشروط، فقيل لمن يكتبها: «الشروطي» .
[1] انظر «العبر» (3/ 160) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 448- 449) .
[2] انظر «العبر» (3/ 160) .
[3] قوله: «في ربيع الأول» سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
(5/124)
|