طبقات صلحاء اليمن تاريخ البريهي
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي ميز عِصَابَة السّنة بأنوار الْيَقِين وأيد رَهْط
الْحق بالهداية إِلَى دعائم الدّين ووفقهم للاقتداء بِسَيِّد
الْمُرْسلين وسددهم للتأسي بصحبه الأكرمين وَيسر لَهُم اقتفاء آثَار
السّلف الصَّالِحين
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة أفوز
بهَا يَوْم الدّين وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خَاتم
النَّبِيين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ
أما بعد فَهَذَا كتاب تَارِيخ مُخْتَصر من التَّارِيخ الْكَبِير
الَّذِي جمعته فِي بَيَان الْعلمَاء والفضلاء بِالْيمن وَمن اشْتهر
مِنْهُم فِي المئة التَّاسِعَة وَقد أذكر أمورا من بعض من توفّي قبلهَا
فِي المئة الثَّامِنَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة والوافدين إِلَيْهِ
فِي الْعَصْر الْمَذْكُور من سَائِر الأقطار وَجَعَلته تذكرة لأولي
البصائر والعقول مِمَّا شاهدته وأخبرت عَنهُ وحذفت مُكَرر القصائد
المطولات مِمَّا قد كنت أرصدته ودونته فِي الأَصْل لهَذَا الْمُخْتَصر
فَمن رغب إِلَى تَحْقِيق ذَلِك فلينظره ويراجعه فِيمَا هُنَالك فَفِيهِ
زِيَادَة تصنيف عَن هَذَا الْمُخْتَصر
وبدأت بالسادة الشرفاء الشَّافِعِيَّة من أهل صنعاء وَمَا والاها من
حراز وملحان وبرع وريمة ووصاب ثمَّ بعدهمْ الْعلمَاء والفضلاء من أهل
مخلاف جَعْفَر وَذَلِكَ بعدان والسحول وإب وبلدة بني سيف وبلد بني
حُبَيْش والشوافي وجبلة ومعشار التعكر وَمَا والى ذَلِك وختمت بالعلماء
والفضلاء من أهل تعز وزبيد وموزع وعدن وَمَا والى ذَلِك
(1/17)
فَأَما أهل صنعاء فأولهم السَّيِّد الشريف
أوحد الْعلمَاء الْأَعْلَام الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ المرتضى
الهادوي الحسني وَمن المفاخر صَعب مرتقاها لَهُ النّظم المعجز والنثر
الموجز وَله مصنفات فِي سَائِر فنون الْأَدَب كَأَنَّهَا عُقُود من
جمان أَو شذور من ذهب
قلت وَالدَّلِيل على دُخُوله مَذْهَب أهل السّنة مَا شاهدته مَكْتُوبًا
بِخَطِّهِ إِلَى الإِمَام أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم
الْعلوِي نفع الله بِهِ قَالَ فِي أثْنَاء مَا كتبه إِلَيْهِ ثمَّ
إِنِّي كنت فِي إبان الحداثة مُولَعا فِي علم الْكَلَام وَفِي هَذِه
الْمدَّة رغبت عَنهُ إِلَى علم الحَدِيث وَرجعت عَمَّا كنت عَلَيْهِ
الْقَهْقَرَى وفضلت فِي الحَدِيث من قرى وَقلت الصَّيْد كل الصَّيْد من
جَوف الفرا وَكم بَين علم من لَا ينْطق صَاحبه عَن الْهوى مَعْصُوم فِي
جَمِيع أَحْوَاله عَن الْخَطَأ وَقد تلفع فِي حَضْرَة الْقُدس بِثِيَاب
النَّجْوَى وَكَانَ من الْقرب قاب قوسين أَو أدنى وَأرَاهُ الله ثَوَاب
نَفسه وَبعث النَّفس فِي جنَّة المأوى وَجَاوَزَ بِهِ وَلم يقف عِنْد
سِدْرَة الْمُنْتَهى {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى لقد رأى من آيَات
ربه الْكُبْرَى} وَبَين ثارت علم بَين أَهله عجابة المراء فأعشى أبصار
كثير مِنْهُم عَن طَرِيق الْهدى وَأَصْحَابه أهل الصِّرَاط السوي وَمن
اهْتَدَى أُولَئِكَ أهل علم الْمُصْطَفى الْمَعْقُود على رؤوسهم تيجان
الرضى من الْملك الْأَعْلَى
وَأنْشد
(1/18)
(عَلَيْك بحبهم فاجعله فرضا ... وَقدم حبهم
فِي الله قرضا)
(وَأمْسك بالقوادم من هدَاهُم ... وَخص فِي علمهمْ ترضي وترضى)
(أحب سَمَاء أَرضهم وأرضا ... تكون لَهُم سَواد الْعين أَرضًا)
(أطباء الْقُلُوب هم إِذا مَا ... غَدَتْ من كَثْرَة التدقيق مرضى)
ثمَّ قَالَ وَهَذِه هِيَ الطَّرِيقَة الجادة وَهِي اتِّبَاع الْكتاب
وَالسّنة وحسبنا مَا ورد فِي آدَاب الْقُرْآن الْكَرِيم {قل آمنا
بِاللَّه وَمَا أنزل علينا} الْآيَات
وانْتهى
أخْبرت أَنه حج سنة 809 وَكَانَ هَذَا الشريف وَزِير الإِمَام الشريف
صَلَاح بن عَليّ ثمَّ لوَلَده عَليّ فَسُمي ذُو الوزارتين وَله شعر حسن
ذكرته فِي الأَصْل فليطالع من هُنَالك فِي مُكَاتبَته إِلَى الْفَقِيه
الْعَلامَة شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي بكر الْمقري إِلَى مَدِينَة
زبيد وَغير ذَلِك مِنْهُ مَا قَالَه وَقد حضر عِنْده زبيب أَبيض
استحسنه فَقَالَ
(يَا أهل صنعاء قد رزقتم جنَّة ... أنهارها تجْرِي بِأَمْر الْخَالِق)
(ورزقتم فِيهَا زبيبا أبيضا ... من رَازِق فتنعموا بالرازقي)
توفّي هَذَا الشريف بِمَدِينَة ذمار بحمام السعيدي سنة اثْنَتَيْنِ
وَعشْرين وثمانمئة من دُخان الْحمام رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين
(1/19)
وَمِنْهُم السَّيِّد الشريف الْعَلامَة عز
الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عَليّ المرتضى الهادوي الحسني
كَانَ إِمَامًا يرجع إِلَيْهِ فِي المعضلات ويقصد لإيضاح المشكلات
أَجمعت الْعَامَّة من أهل بَلَده على جلالته واحترامه وتفضيله وإكرامه
ولزومه طَرِيق السّنة ورفضه لأهل الْبِدْعَة
ترْجم لَهُ بعض أَئِمَّة الزيدية فَقَالَ هُوَ الشريف الْمُحدث الأصولي
النَّحْوِيّ الْمُفَسّر الْمُتَكَلّم الْفَقِيه البليغ المفوه الرحالة
الْحجَّة السّني فريد الْعَصْر ونادرة الدَّهْر وخاتمة النقاد وحامل
لِوَاء الْإِسْنَاد وَبَقِيَّة أهل الِاجْتِهَاد بِلَا خلاف وَلَا عناد
كشاف أصداف الفرائد قطاف أزهار الْفَوَائِد فاتح أقفال الظرائف مانح
أثقال اللطائف مُصِيب شواكل المشكلات بثواقب أبصاره مطبق معاضل
المعضلات بصوارم أفكاره مضحك كمائم النكت من نوادره مفتح نَوَادِر
الظرائف من موارده ومصادره انْتهى مَا وجدته من التَّرْجَمَة
أخْبرت أَن مولده فِي رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وسبعمئة وَأَنه توفّي
شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة وَأَن هَذَا
الشريف سمع الحَدِيث من جمَاعَة أَجلهم شيخ الْحرم جمال الدّين
مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة الْقرشِي الشَّافِعِي الْمَكِّيّ وَشَيخ
عُلَمَاء الْيمن نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي
وَشَيخ الحَدِيث بِصَنْعَاء حُسَيْن بن مُحَمَّد العلفي وَغَيرهم
مِمَّن عني بِمَعْرِِفَة أَحَادِيث الْأَحْكَام وتمييز الرِّجَال
(1/20)
وَمَا يجب مَعْرفَته على الْمُجْتَهد
وَكَانَ دَاعِيَة إِلَى السّنة وَأكْثر تآليفه فِي ذَلِك ككتاب العواصم
فِي أَرْبَعَة مجلدات يشْتَمل على تَحْقِيق مَذْهَب السّلف وَأهل
السّنة وَالرَّدّ على المبتدعة والذب عَن أَئِمَّة الْفُقَهَاء
الْأَرْبَعَة جود فِيهِ القَوْل فِي مَسْأَلَة الْأَفْعَال وَمَا
يتَعَلَّق بهَا من مَسْأَلَة الْمَشِيئَة والأقدار
وصنف مُخْتَصرا فِي السّنة الْخَالِصَة عَن عِبَارَات الْمُتَأَخِّرين
عَن جَمِيع الْمذَاهب وَهُوَ جُزْء لطيف
وصنف كتاب تَرْجِيح أساليب الْقُرْآن على أساليب اليونان فِي معرفَة
الله تَعَالَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكتاب الْبُرْهَان الْقَاطِع
فِي معرفَة الصَّانِع وَله غير ذَلِك من المصفنات المفيدة
وَله شعر رائق من ذَلِك مَا سَنذكرُهُ من قصيدة طَوِيلَة قَالَ فِيهَا
(إِذا افتتحت أَبْوَاب رَحْمَة رَبنَا ... صغرن لَدَيْهَا موبقات
الجرائم)
(وَإِن هِيَ لم تفتح وَلم تسمح الخطا ... فعد من الْهَلَاك أهل
العزائم)
(وَمَا الرِّبْح والخسران إِلَّا لحكمة ... بهَا جَفتْ الأقلام قبل
الْخَوَاتِم)
وَله فِي جمع الْعشْرَة رَضِي الله عَنْهُم فِي بَيت وَاحِد هُوَ
قَوْله
(للمصطفى خير صحب نَص أَنهم ... فِي جنَّة الْخلد نصا زادهم شرفا)
(هم طَلْحَة وَابْن عَوْف وَالزُّبَيْر كَذَا ... أَبُو عُبَيْدَة
والسعدان والخلفا)
(1/21)
قلت شعر هَذَا الشريف الْمَذْكُور كثير
مِنْهُ مَا قد ذكرته فِي الأَصْل وَمِنْه غير ذَلِك مِمَّا لَا ينْحَصر
وَقد مدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم الأديب البليغ أَحْمد قَاسم
بن عَليّ بن سريع الشهير بالشامي وَهُوَ أحد الشُّعَرَاء المجودين
كَانَ بحرا زاخرا بعلوم الزيدية والتاريخ وَغَيرهَا فَقَالَ شعرًا
فِيهِ
(ألم بمحمود السجايا مُحَمَّدًا ... يعنك وَإِن صالت عَلَيْك المهالك)
(فتقتبس الْأَنْوَار من نور علمه ... وتلتمس الأزهار وَهِي ضواحك)
(هُوَ الْبَحْر علما بل هُوَ الْبَدْر طلعة ... هُوَ الْقطر جودا
وَهُوَ للمجد مَالك)
وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي التَّارِيخ الْكَبِير فَمن أحب ذَلِك
فلينظرها مِنْهُ رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وبعلومه آمين
وَمن المتوفين بِصَنْعَاء الْيمن الْفَقِيه الْكَاتِب الْوَزير أَبُو
الْحسن عَليّ بن يحيى العمراني رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ بَعضهم فِيهِ هُوَ طود كَمَال وبحر إنصاف إِجْمَال حلى كَتِفي
الْأَدَب والرياسة وَأخذ بطرفي أَحْكَام الشَّرِيعَة والسياسة وَضرب
فِي علم التصوف بِسَهْم وَنصِيب وَرمى أغراض الْحَقِيقَة بِسَهْم
مُصِيب
أخْبرت أَنه وَأَهله وَأَبوهُ وَإِخْوَته وقبيلهم على مَذْهَب الإِمَام
أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وهم
من بلد بمغرب صنعاء تسمى الحيام بِالْحَاء الْمُهْملَة وَكَانَ لَهُم
الْعِبَادَة وَلَهُم مُشَاركَة بِشَيْء من الْعُلُوم فسلك الْفَقِيه
صَاحب التَّرْجَمَة طَرِيق التصوف وتحكم عل يَد شيخ الشُّيُوخ ولي الله
تَعَالَى محيي الدّين العرابي وتأدب بآدابه وَألبسهُ الْخِرْقَة
الْمُتَّصِلَة سندها بسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
اصْطِلَاح الصُّوفِيَّة
وَكَانَ يجمع جمَاعَة إِلَى بَيته يذكرُونَ
(1/22)
الله تَعَالَى من صَلَاة الصُّبْح إِلَى
بعد ظُهُور 4 الشَّمْس وَمثل ذَلِك بآخر النَّهَار يَتلون الذّكر
الْمَشْهُور عَن الشَّيْخ العرابي فاشتهر هَذَا الْوَزير شمس الدّين
بِالْعَمَلِ الصَّالح وبرع فِي فن الكتابات للإنشاء واستنابه الإِمَام
الشريف عَليّ صَلَاح على أَحْكَام صنعاء ومعظم بَلَده وحوائج وَالِده
فَصَارَ بِبَاب الإِمَام هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ وَسَار فيهم سيرة
حَسَنَة حَمده عَلَيْهَا كل أحد مَعَ علم الإِمَام عَليّ بن صَلَاح
أَنه شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَكَانَ بِهِ نفع عَظِيم للشَّافِعِيَّة
وَغَيرهم
وَصَحب الشريف جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم مقدم الذّكر
والمقرىء جمال الدّين مُحَمَّد الساودي فاغتاظت الزيدية من ذَلِك وَلم
يظهروا عَدَاوَة العمراني
وَلم يزل الْوَزير العمراني الْمَذْكُور على الْحَال المرضي إِلَى أَن
توفّي سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون
وَله شعر رَقِيق من ذَلِك مَا قَالَه من قصيدة طَوِيلَة
(إِلَيْك إلهي جِئْت أسعى وأحفد ... وأنصب فِيمَا ترتضيه وأجهد)
(وأخلص فِي فعلي وَقَوْلِي تقربا ... إِلَيْك وأقضي مَا قضيت وأعبد)
(وأثني عَلَيْك الله فِي كل لَحْظَة ... وأقصد بالنجوى إِلَيْك واصمد)
وَله غير ذَلِك مِمَّا قد أثْبته فِي التَّارِيخ الْكَبِير وَغَيره
رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ آمين
وَمِنْهُم المقرىء الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
الْخَولَانِيّ الْمَشْهُور بالساودي قَرَأَ بالقراءات السَّبع
والْحَدِيث والنحو وَالْأُصُول على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا
لَهُ فدرس وَتخرج على يَده جمَاعَة بِهَذِهِ الْعُلُوم
(1/23)
وَكَانَ وحيد عصره ومقرىء مصره وفريد دهره
فِي بَلَده لجمعه لفنون شَتَّى من أَنْوَاع الْعُلُوم
اتَّفقُوا على أَنه لم يكن فِي زَمَنه بِصَنْعَاء وذمار وصعدة
وَغَيرهَا من تِلْكَ الْجِهَات الْعليا من يماثله ويدانيه فِي علم
الْقرَاءَات السَّبع وصنف فِي ذَلِك كتابا حافلا سَمَّاهُ فكاهة
الْبَصَر والسمع فِي معرفَة الْقرَاءَات السَّبع وَجعله فِي ثَلَاثَة
مجلدات كبار وَألف كتابا مُخْتَصرا فِي قِرَاءَة نَافِع وَأبي عَمْرو
ووفدت عَلَيْهِ طلبة الْعلم من جِهَات شَتَّى فأفادهم الْفَوَائِد
السّنيَّة
وَكَانَ قد يخْطب فَإِذا وعظ كَانَ كمن لانت لَهُ صم الصخور وأذهب
كَلَامه كل زيغ فِي الصُّدُور بِلَفْظ مُوَافق لعقيدة أهل السّنة
وَالْجَمَاعَة أَخْبرنِي وتلفظ لي وأشهدني أَنه شَافِعِيّ الْمَذْهَب
يعْتَقد مَا يَعْتَقِدهُ أهل السّنة وَيُخَالف مَا عَلَيْهِ أهل
الْبِدْعَة وَغَيرهم
وَكَانَ قد يضْطَر إِلَى موافقتهم فِي اعْتِقَادهم تقية مِنْهُم
وَله فِي علم التصوف مجَال ممتد وَمَكَان مُعْتَد
وَكَانَت طَائِفَة من أهل وصاب مِنْهُم بَنو البعيثي وَأهل قطرهم
وَجَمَاعَة من غَيرهم يَعْتَقِدُونَ أَنه قطب الْوُجُود وبركة كل
مَوْجُود وَكَانُوا يؤدون إِلَيْهِ زكاتهم وفطرتهم ويأتمرون بأَمْره
وينتهون لنَهْيه ويتبركون بمواقع أنامله وَلما كفى الله هَذَا المقرىء
جمال الدّين شَرّ الزيدية قَالَ بَيْتَيْنِ متمثلا بهما
(وَإِنِّي لمن قوم إِذا لبس الورى ... دروعا وجالوا فِي ظبا وأسنة)
(لباسهم الذّكر الْحَكِيم لبأسهم ... فهم فِي حمى حدي كتاب وَسنة)
وَقيل إِن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ لغيره وَإِنَّمَا أَتَى بهما متمثلا
وَحكي عَنهُ كرامات ذكرتها فِي الأَصْل
توفّي هَذَا المقرىء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وثمانمئة فِي دولة
الإِمَام النَّاصِر بن مُحَمَّد وَقد كَانَ مكرما لَهُ مفوضا إِلَيْهِ
كِتَابَة الْإِنْشَاء وَأمر الْوَقْف والوصايا ففاق أهل زَمَانه
برسائله المبهجة وَكَلَامه المسجوع رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وبعلومه
(1/24)
وَمن المتوفين بِصَنْعَاء من الوافدين
إِلَيْهَا سنة تسع وَأَرْبَعين وثمانمئة الشَّيْخ الْعَارِف الرّحال
تَاج الْإِسْلَام بن صدر الدّين بن فَخر الْملَّة الْقرشِي
الْخُرَاسَانِي
كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء العارفين وَأكْثر مَعْرفَته فِي علم
الْمنطق ويروي فِي الْأَخْبَار عَن سنَن الْأَوَّلين وَعَن الْأَئِمَّة
أهل عصره من أهل بَلَده وَعَن مَا مر عَلَيْهِ من سَائِر الْبلدَانِ
مَا يضيق عَن ذكره هَذَا الْمَجْمُوع
وَذكر فِيمَا حُكيَ عَنهُ فَوَائِد وعجائب ذكرتها فِي الأَصْل
وَمِمَّنْ تقدّمت وَفَاته بِمَدِينَة صنعاء من أهل السّنة الشَّيْخ
الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عَليّ بن
سُلَيْمَان السراج
أخْبرت أَنه كَانَ فَقِيها مُحدثا نحويا جَامعا لأشتات من الْعُلُوم
مصنفا
قَرَأَ على المشائخ الْكِبَار فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وانتفع بِهِ
أهل صنعاء وَغَيرهم وقصده طلبة الْعلم الشريف من نواحي الْيمن وَمن
تلامذته المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر اليريمي وَهُوَ مِمَّن
أثني عَلَيْهِ وَشهد لَهُ أَنه فِي الْعُلُوم لَا يجارى وَلَا يمارى
وَنقل عَنهُ أَئِمَّة الْعَصْر من الْفَوَائِد الصَّحِيحَة بالعبارات
الصَّرِيحَة مَا مَلأ السطور وشفى الصُّدُور وَحصل الْإِجْمَاع على
جلالته وعلو رتبته
وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا شرح الْحَاوِي الصَّغِير وَمِنْهَا
تعاليق مفيدة على مَوَاضِع كَثِيرَة من كتب الْفِقْه والْحَدِيث والنحو
وَغَيرهَا
وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ مِمَّن سلمت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بِبَلَدِهِ
وبوقته وَهُوَ أشهر من أَن نطيل بوصفه
توفّي بِمَدِينَة صنعاء بعد الْخمسين الأول من المئة الثَّامِنَة
رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْحَافِظ شرف الدّين حُسَيْن بن مُحَمَّد الْقرشِي العلفي
أخْبرت أَنه كَانَ شيخ الحَدِيث بِمَدِينَة صنعاء وَأَنه كَانَ يرحل
إِلَيْهِ من أنحاء الْيمن لطلب الْعلم وَعنهُ أَخذ السَّيِّد الشريف
جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمُقدم الذّكر وَهُوَ مَعْدُود
من شُيُوخه
(1/25)
كَانَ هَذَا الشَّيْخ شرف الدّين على جَانب
عَظِيم من الزّهْد وَالْعِبَادَة وَكَانَ أهل بَلَده يجلونه ويعظمونه
وانتفع بِهِ طلبة الْعلم الشريف وَكَانَ سَنَده فِي الحَدِيث عَالِيا
وَطَالَ عمره وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته إِلَّا أَنه كَانَ مَوْجُودا
فِي أَوَائِل المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمن الوافدين إِلَى صنعاء من الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة الْفَقِيه
شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد اليريمي قَرَأَ فِي الْفِقْه على عَمه
الْفَقِيه تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد اليريمي وعَلى جمَاعَة من
الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وَقَرَأَ فِي النَّحْو بِمَدِينَة صنعاء
على جمَاعَة من الْأَئِمَّة فبرع بذلك ودرس فِيهِ وأضيف إِلَيْهِ تدريس
الْمدرسَة الفرحانية بتعز والإعادة فِي الْمدرسَة المعتبية بتعز
وَكَانَ كثير التَّرَدُّد إِلَى بَلَده يريم وَإِلَى مَدِينَة صنعاء
فطلع من مَدِينَة تعز إِلَى مَدِينَة صنعاء على عَادَته فعاجلته
الْمنية فِيهَا وَكَانَت وَفَاته سنة سبعين وثمانمئة وَكَانَت لَهُ
قريحة ينظم بهَا الشّعْر وَله أحجيات يوردها على أهل الْأَدَب رَحمَه
الله تَعَالَى
وَمِنْهُم المقرىء الْفَاضِل مفضل بن عمرَان الْحرَازِي
رَحل من بلد حراز إِلَى مَدِينَة صنعاء فَقَرَأَ بالقراءات السَّبع
وبالنحو على المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الساودي
وَأقَام عِنْده سِنِين ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز وَقَرَأَ بالنحو
على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَهَّاب السرافي وعَلى المقرىء شمس
الدّين على الشرعبي وَتزَوج بِمَدِينَة تعز وَسكن بهَا
ثمَّ استدعاه الإِمَام النَّاصِر إِلَى مَدِينَة صنعاء بوساطة شَيْخه
المقرىء جمال الدّين الساودي فانتقل إِلَيْهَا وَأحسن إِلَيْهِ
الإِمَام النَّاصِر ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَجعله مؤدبا لوَلَده
إِلَى أَن توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى
(1/26)
|