طبقات صلحاء اليمن تاريخ البريهي
القَوْل فِي من تحققنا حَاله من
الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء من أهل ذِي جبلة مِمَّن اشْتهر وَظهر فَضله
وَعلمه وصلاحه فِي المئة التَّاسِعَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة
فَمنهمْ الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن
صَالح بن أبي بكر بن عمر الْهَمدَانِي الْمَشْهُور بِابْن الْخياط
كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أهل وقته
مِنْهُم الإِمَام خطيب الخطباء مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الرخا
الَّذِي انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي التدريس وَالْفَتْوَى
بِمَدِينَة ذِي جبلة ونواحيها ثمَّ على أقضى الْقُضَاة سيد الوزراء
وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عَبَّاس وعَلى الإِمَام جمال الدّين
الريمي فَكَانَ أشهر تلامذته واثنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال الدّين
بجودة فهمه ودقة نظره حَتَّى جعله معيد درسة بِمَدِينَة تعز وَقد أجَاز
لَهُ هَؤُلَاءِ وَغَيرهم فِي سَائِر فنون الْعلم فدرس وافتى وأضيف
إِلَيْهِ أَسبَاب مَدِينَة ذِي جبلة وَبَعض الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز
وانتفع بِهِ الطّلبَة فِي البلدين وَكَانَ لَهُ اعتراضات وتصويبات على
كَلَام الْأَئِمَّة لمن قبله من أهل الْمَذْهَب وَجعل عَلامَة كَلَامه
على ذَلِك هَاء مشقوقة باصطلاح درسته وَجمع فصلا فِي معرفَة مَا يحل
أكله من الطُّيُور وَمَا لَا يحل قبل دُخُول كتاب حَيَاة
(1/118)
الْحَيَوَان إِلَى الْيمن وامتحن الإِمَام
رَضِي الدّين بِولَايَة الْقُضَاة فِي مَدِينَة تعز فباشر ذَلِك بعفاف
وَكَانَت إِقَامَته فِي الْمدرسَة المعتبية والمدرسة المجاهدية ثمَّ
اعتذر عَن ولَايَته الْقَضَاء إِلَى السُّلْطَان فَلم يعذرهُ فاجتهد
بِإِقَامَة ناموس الْحق وَالْحكم على الأكابر فضلا عَن الأصاغر
وَحكي عَنهُ فِي ولَايَته الْقَضَاء أُمُور تدل على فَضله وَأَنه لَا
تَأْخُذهُ فِي ذَلِك لومة لائم وَقد ذكرت بعض تَفْصِيل ذَلِك فِي
الأَصْل مِمَّا اتّفق فِي ولَايَته للْقَضَاء وَمَا كَانَ قبل ذَلِك
مِمَّا اشْتهر بِهِ فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي ذكرهَا الْعلمَاء فِي أَن
الرجل إِذا أعتق مملوكته وَمَات فَهَل يحْتَاج إِلَى إِذن جَمِيع
وَرَثَة الْمُعْتق فِي تَزْوِيجهَا أم يَكْفِي أذنها لبَعْضهِم ويزوجها
من غير إِذن سَائِر الْوَرَثَة من الْعصبَة فَأتى بِالنَّصِّ فِي
الْمَسْأَلَة من الْحَاوِي الصَّغِير حَيْثُ قَالَ وكل من عصبَة كل
كَهُوَ فِي النِّكَاح
ثمَّ إِن الْفَقِيه رَضِي الدّين اعتذر عَن ولَايَة الْقَضَاء فَقَالَ
لَهُ السُّلْطَان فعين من يصلح لذَلِك فعين الْفَقِيه عفيف الدّين عبد
الله بن مُحَمَّد النَّاشِرِيّ وَكَانَ قَاضِيا فِي المهجم فَأرْسل
لَهُ السُّلْطَان فولاه على مَدِينَة تعز وانفصل الإِمَام رَضِي الدّين
عَن
(1/119)
ذَلِك فتفرغ للتدريس وَالْفَتْوَى
وَمن فَوَائده جَوَابه على السُّؤَال عَن مَذْهَب ابْن عَرَبِيّ وَمن
انتحل مذْهبه وَقد ذكرت السُّؤَال والجوابات عَلَيْهِ من السَّادة
الْعلمَاء فِي الأَصْل مِمَّا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر وَهُوَ
قريب خمس وَرَقَات فَمن أحب ذَلِك فلينظره مِنْهُ مَعَ زِيَادَة
فَوَائِد وفضائل تدل على غزارة علم هَذَا الإِمَام وَتُوفِّي رَحمَه
الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وثمانمئة بِذِي جبلة رَحمَه الله
وَقد مدحه الشُّعَرَاء من ذَلِك قَول بَعضهم من قصيدة طَوِيلَة
(أظهرت دين الله بعد خموله ... بعد النَّبِي فَقَامَتْ الْأَدْيَان)
(مَا زلت للعلياء تكسبها وَمن ... يسْعَى لكسب الْعلم فَهُوَ معَان)
(ونشرت علما جلّ عَن إحصائه ... بل ضَاقَ عَن أتقانه الْبلدَانِ)
ورثاه هُوَ وَأَصْحَابه الَّذين توفوا بذلك الْوَقْت من الْفُقَهَاء
الْفَقِيه موفق الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الأصبحي فَقَالَ من قصيدة
طَوِيلَة مِنْهَا
(أوغرت يَا زمني صَدْرِي بأَرْبعَة ... كَانُوا شموس الْهدى فِي ساحة
الْيمن)
(أطفأت فِي جبلة مِصْبَاح ظلمتها ... وَبدر لَيْلَتهَا الْهَادِي إِلَى
السّنَن)
(قد كَانَ شمسا بهَا تهدى إِلَى سنَن ... وَكَانَ حصنا بِهِ نأوي من
الْفِتَن)
(وَكَانَ فِي إب كل الْخَيْر مجتمعا ... بالكاهلي عفيف الدّين ذِي
المنن)
(وَفِي شنين إِمَامًا كَانَ مُجْتَهدا ... من حل ساحته الفيحاء لم يهن)
(وَفِي تعز العوادي رَابِعا لَهُم ... سَاد الورى بالتقى مَعَ حكمه
الْحسن)
(1/120)
(يَا مزنة الجو سحي فَوق أَرْبَعَة ... إِن
الْأَخير يهم بالفقه كالمزن)
وَمن المتوفين فِي ذِي جبلة القَاضِي الْعَلامَة عماد الدّين إِدْرِيس
مُحَمَّد بن سعيد بن يُوسُف بن أَحْمد بن عمر بن أسعد بن الْهَيْثَم
الوائلي من قَبيلَة بني وائلة سكان وحاضة وجده الْمَنْسُوب إِلَيْهِ
الْهَيْثَم هُوَ الْمَذْكُور فِي طَبَقَات ابْن سَمُرَة أَنه شيخ زيد
الفايشي المقبور بالجعامي وَهَؤُلَاء بَنو وَائِل بطن من حمير
أَخْبرنِي بعض ذُرِّيَّة هَذَا الْفَقِيه أَن مولده فِي صنعاء الْيمن
وَأَن هَذَا القَاضِي ارتحل إِلَى
(1/121)
مَكَّة المشرفة وَقد كَانَ قَرَأَ فِي
الْعلم بِالْيمن فَلَمَّا وصل مَكَّة قَرَأَ على الإِمَام الطَّبَرِيّ
وعَلى غَيره من فُقَهَاء مَكَّة فأجازوا لَهُ ثمَّ عَاد إِلَى الْيمن
بِزَمن الْأَفْضَل بن الْمُجَاهِد فأضاف إِلَيْهِ خانقة حيس وَغَيرهَا
فَأَقَامَ هُنَالك ثمَّ تولى الْقَضَاء بعدن فَدخل إِلَيْهَا فَجَاءَهُ
بعض التُّجَّار بهدية فَلم يقبلهَا وعزل نَفسه من الْقَضَاء من عدن
ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فصلى الظّهْر فِي جَامعهَا فَسمع
صَوتا يقْرَأ {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض} الاية
ثمَّ بعد وُصُوله ذِي جبلة كتب لَهُ السُّلْطَان بِولَايَة ذِي جبلة
فَقَرَأَ مَا كتب لَهُ من الْولَايَة فِي ذِي جبلة فَحكم بهَا سبع
سِنِين ثمَّ توفّي بهَا سنة أَربع وَسبعين وسبعمئة رَحمَه الله ونفع
بِهِ آمين
وَمِنْهُم وَلَده مُحَمَّد بن إِدْرِيس الوائلي تولى الْقَضَاء فِي ذِي
جبلة فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة مرضية واشتهر بِالْعلمِ وَالْعَمَل
وَإِقَامَة الْحق وَالْعَمَل بِهِ إِلَى أَن توفّي بِأول المئة
الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح صفي الدّين أَحْمد بن الْفَقِيه الصَّالح
شمس الدّين على الدبية كَانَ مقرئا صَالحا فَاضلا مكرما قَرَأَ على
المقرىء ابْن شَدَّاد بِمَدِينَة زبيد ورتب إِمَامًا بِمَسْجِد السّنة
انْتفع بِهِ جمَاعَة بِعلم الْقُرْآن وَتُوفِّي على رَأس المئة
الثَّامِنَة
وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن
عمرَان الْمَعْرُوف بالكابة قَرَأَ بِمَدِينَة ذِي جبلة فِي النَّحْو
والْحَدِيث والقراءات السَّبع وَالتَّفْسِير على جمَاعَة من فقهائها
وعَلى الإِمَام الفرضي يُوسُف الماربي بالفرائض وعَلى الإِمَام
مُحَمَّد بن عبد الله بن سليم مُصَنف شرح الْهِنْدِيّ ثمَّ تولى
التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الفتحية بعد
(1/122)
موت شَيْخه المأربي وَأفْتى وَكَانَ
إِمَامًا جَلِيلًا عَالما وَله قريحة حَسَنَة وَشعر جيد وَكَانَ يؤلف
الْخَتْم وَالشعر المسجوع وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه
الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم القَاضِي عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد حمادة قَرَأَ على
الإِمَام رَضِي الدّين الْخياط وَأَجَازَ لَهُ فَكَانَ فَقِيها عَاملا
عَالما تولى الْقَضَاء بِذِي جبلة بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله
ونفع بِهِ
وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن حمادة
قَرَأَ على الإِمَام الْفَقِيه رَضِي الدّين بن الْخياط وَأَجَازَ لَهُ
وأضيف إِلَيْهِ التدريس فِي مَسْجِد السّنة فدرس وَأفْتى وَتُوفِّي
بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمِنْهُم الإِمَام الصَّالح الْوَلِيّ شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد
بن زُهَيْر الْهَمدَانِي نسبا العتمي بَلَدا كَانَ إِمَامًا فَاضلا
عَالما اشْتهر بِالْعبَادَة والزهادة ورتب إِمَامًا بِجَامِع ذِي جبلة
وَتُوفِّي بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم المقرىء الإِمَام الْعَلامَة فِي الطِّبّ عَليّ بن عمر بن
سلم الْخَولَانِيّ كَانَ رجلا فَاضلا ذَا مَال جزيل أنْفق مِنْهُ على
مَا أَخْبرنِي الْفَقِيه جمال الدّين الظراسي صَدَقَة من جِهَات
مُتعَدِّدَة وَذَلِكَ مِمَّا أخبرهُ بِهِ المقرىء الْمَذْكُور
ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَتُوفِّي سنة سِتِّينَ وسبعمئة رَحمَه الله
ونفع بِهِ
وَمِنْهُم ابْن أَخِيه الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن
عبد الله بن سلم قَرَأَ فِي الْفَرَائِض على الإِمَام شمس الدّين
يُوسُف المأربي وعَلى الإِمَام الفرضي عَليّ بن عمر بن سعيد العقيبي
وَكَانَ أجل من اشْتهر بِالْعلمِ فِي وقتهما فدرس وافتى بِمَسْجِد
الدَّار
(1/123)
والفتحية وصنف شرحا للهندي أسماه طوالع
السَّعْدِيّ فِي شرح الْهِنْدِيّ وَله مُصَنف أَيْضا فِي ضوابط الْحساب
وَتُوفِّي سنة خمس وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة موفق الدّين عَليّ بن حُسَيْن بن
شَمْعُون كَانَ إِمَامًا محققا فِي علم النَّحْو وَقَرَأَ الْفِقْه على
الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط ثمَّ على الْفَقِيه رَضِي الدّين بن
الكابة وزوجه ابْنَته ودرس فِي مَسْجِد السّنة وَبِه تخرج الإِمَام
جمال الدّين الْأَكْبَر ابْن الْخياط توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم العابد الصَّالح شرف الدّين إِسْمَاعِيل
بن مُحَمَّد غشيم أصل بَلَده قَرْيَة رديع من بلد صهْبَان ثمَّ انْتقل
إِلَى مَدِينَة ذِي جبلة فَقَرَأَ بالفقه على الإِمَام رَضِي الدّين بن
الْخياط وعَلى الْفَقِيه رَضِي الدّين من الكآبة وَكَانَ كثير الصّيام
وَالْقِيَام آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر لَا تَأْخُذهُ فِي
الله لومة لائم توفّي
وَمن بني كحيل جمَاعَة ذكرهم الجندي فِي تَارِيخه وَأثْنى عَلَيْهِم
وَمن ذُرِّيتهمْ الشَّيْخ عماد الدّين يحيى بن مُحَمَّد عُثْمَان بن
كحيل كَانَ ذَا فضل وَصدقَة جزيلة للأرامل وَغَيرهم سرا وجهرا وَلم
أتحقق تَارِيخ وَفَاته
وَمن المتوفين بِذِي جبلة الْحَاج الصَّالح شرف الدّين إِسْحَاق بن عبد
الله السندي وَفد من السَّنَد إِلَى الْيمن فَاسْتحْسن الْمقَام بِذِي
جبلة وَكَانَ يعْتَكف بالجامع وَغَيره من الْمَسَاجِد ويصوم النَّهَار
وَيقوم اللَّيْل وَكثير الصمت عَن الْكَلَام وَظَهَرت لَهُ
(1/124)
كرامات وازدحم النَّاس على حمل جنَازَته
وقبر بمحنطان فقبره يزار ويتبرك بِهِ وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاثِينَ
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين
وَمن أهل ذِي جبلة الْفَقِيه الْعَلامَة الصَّالح عفيف الدّين عَطِيَّة
بن عبد الرَّزَّاق بن عَليّ النجدي كَانَ عَالما عَاملا عَارِفًا
متواضعا زاهدا ذَا سكينَة ووقار قَرَأَ على جمَاعَة من الْعلمَاء
مِنْهُم الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى الْفَقِيه الصَّالح
يُوسُف بن الْمُنْتَشِر الوصابي الشهابي وَالْإِمَام الْعَلامَة شهَاب
الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن حمادة وَأخذ الحَدِيث عَن شيخ
الْمُحدثين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وسافر إِلَى الْحَج
فَقَرَأَ فِي مَكَّة المشرفة على الإِمَام مُحَمَّد بن مُوسَى المراكشي
وَابْن ظهيرة وَأخذ النَّحْو وَالْأُصُول عَن الإِمَام صَالح بن
الْحصار واللغة عَن الْأَمِير الْكَبِير إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن
حسن الغساني وَأَجَازَ لَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة واثنوا عَلَيْهِ
ثمَّ تحكم على يَد الشَّيْخ محيي الدّين عمر بن مُحَمَّد العرابي
بِمَكَّة المشرفة ونصبه وَأثْنى عَلَيْهِ وَألبسهُ الْخِرْقَة على
عَادَة الصُّوفِيَّة ثمَّ لما تصدر للتدريس وَالْفَتْوَى والخطابة
والإمامة بِجَامِع ذِي جبلة قَصده الطّلبَة للْعلم فدرسهم وانتفع بِهِ
كل من وصل إِلَيْهِ فدام على ذَلِك يدرس ويفتي مُدَّة طَوِيلَة إِلَى
أَن توفّي بِشَهْر ربيع الأول سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثمانمئة رَحمَه
الله ونفع بِهِ
وَظَهَرت لَهُ كرامات قبل وَفَاته وَبعدهَا ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل
ورثاه الْوَزير تَقِيّ الدّين عمر بن أبي الْقَاسِم بن معيبد فَقَالَ
من قصيدة أَولهَا
(مَا هَذِه الدُّنْيَا بدار قَرَار ... سحقا لَهَا بعدا لَهَا من دَار)
(أوما رَأَيْت يَد الْمنون وبطشها ... تفني الْقُرُون بسيفها البتار)
(مثل الإِمَام ابْن الْكِرَام عَطِيَّة ... السَّيِّد الْمَشْهُور
بالأقطار)
وَمِنْهُم ابْن عَمه الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر النجدي
كَانَ إِمَامًا فِي
(1/125)
علم الْفَرَائِض والجبر والمقابلة قَرَأَ
على جمَاعَة من مَدِينَة ذِي جبلة ثمَّ نزل تهَامَة فَقَرَأَ على
جمَاعَة من بني الْحداد فِي علم الْجَبْر والمقابلة فأجازوا لَهُ
وَأفْتى ودرس بِعلم الْفَرَائِض والحساب والجبر والمقابلة وَكَانَ من
أجل الْعلمَاء بِهَذَا الشَّأْن وَتخرج بِهِ جمَاعَة بِهَذَا الْفَنّ
فانتفعوا بِهِ وَأَجَازَ لَهُم وَكَانَت الدُّنْيَا منزوية عَنهُ
زِيَادَة فِي فَضله وَكَانَ يسْتَأْجر للْقِرَاءَة على الْقُبُور فتورع
عَن ذَلِك وَترك الِالْتِزَام بذلك عِنْد الْقُبُور لقصة جرت عَلَيْهِ
فِي ذَلِك قد ذكرتها فِي الأَصْل توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بعد سنة
ثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بمحنطان
وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر
الْجريرِي تفقه بِالْإِمَامِ رَضِي الدّين بن الْخياط وَالْإِمَام مجد
الدّين الشِّيرَازِيّ فَأجَاز لَهُ هَؤُلَاءِ وَغَيرهم وَحصل كتبا
كَثِيرَة ضَبطهَا أحسن ضبط ودرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِذِي
جبلة فَسَار بهم سيرة مرضية فَكَانَ شَدِيدا من غير عنف لينًا من غير
ضعف وآخذا للحق من الأكابر للأصاغر وجدد مَا تشعث ببيوت الْعِبَادَات
وَكَانَت لَهُ مكانة عَظِيمَة عمد إِلَى السُّلْطَان النَّاصِر وتصدى
لبَعض أُمُوره واستناب بِالْقضَاءِ فِي ذِي جبلة القَاضِي جمال الدّين
مُحَمَّد الْأَوْسَط ابْن الْخياط وَلم يزل القَاضِي جمال الدّين
مُحَمَّد بن عمر الحريري معززا مكرما مسموع القَوْل مُطَاع الْكَلِمَة
آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر حَتَّى توفّي السُّلْطَان
النَّاصِر واستقام السُّلْطَان الْمَنْصُور فَعَزله عَن ولَايَة
الْقَضَاء بقول بعض الوشاة عَلَيْهِ عِنْد السُّلْطَان الْمَنْصُور من
معانديه ثمَّ أَمر بِأخذ مَاله فهسفه وَقَيده وضربه وحبسه فَلَمَّا
أطلق انْتقل بأولاده
(1/126)
إِلَى مَدِينَة تعز فَوقف بهَا يدرس ويفتي
حَتَّى توفّي الْمَنْصُور واستقام بِالْملكِ السُّلْطَان الْأَشْرَف بن
النَّاصِر فَأمر السُّلْطَان القَاضِي جمال الدّين الْجريرِي بوظيفة
الْقَضَاء بثغر عدن فَحكم بِالْحَقِّ لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم
وَكَانَ ورعا يسْلك من الْوَرع طَرِيقا حَسَنَة حَمده عَلَيْهَا كل أحد
ثمَّ انْفَصل عَن ولَايَة الْقَضَاء بثغر عدن بَعْدَمَا عمر فِيهَا مَا
تشعت من بيُوت الله تَعَالَى وانتقل إِلَى مَدِينَة تعز حَتَّى استقام
السُّلْطَان المسعود وأقامه بِولَايَة الْقَضَاء أَيْضا بِمَدِينَة تعز
فَسَار فيهم سيرة حَسَنَة مرضية وَكَانَ مَعَه شَيْء من الْكتب أرسل
بهَا إِلَى الْهِنْد عِنْدَمَا صَار فَقِيرا فبيعت لَهُ بِثَلَاثَة
آلَاف فاستغنى بهَا عَن كل وَاحِد ودامت لَهُ ولَايَة الْقَضَاء فِي
ذِي عدينة إِلَى أَن قربت وَفَاته فطلع من تعز إِلَى ذِي جبلة لشَيْء
أوجب ذَلِك فعاجلته الْمنية هُنَالك فَتوفي سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه
الله ونفع بِهِ
وَحكي أَنه لم يتْرك الصَّلَاة قَائِما فِي مرض مَوته إِلَى أَن توفّي
عقب صَلَاة الْعشَاء وَهُوَ على وضوء وَلم يفتر لِسَانه عَن ذكر الله
تَعَالَى حَتَّى توفّي
واشتهر لَهُ ولدان أَحدهمَا يُسمى مُحَمَّد ظَهرت فِيهِ النجابة فَتوفي
طَالبا للْعلم وَالثَّانِي يُسمى أَحْمد امتحن فِي خلل فِي عقله فِي
حَيَاة أَبِيه وَبعد مَوته وَكَانَ لَهُ صلابة على قيام اللَّيْل ودأبه
ذكر الله تَعَالَى وَالصَّالِحِينَ وزيارتهم وَتُوفِّي سَاجِدا رَحمَه
الله ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بِذِي جبلة الْحَاج الصَّالح حَمْزَة الْحرَازِي انْتقل
من بَلَده حراز إِلَى مخلاف جَعْفَر فَكَانَ يحفظ كتاب الله حفظا محكما
ويقرأه بِصَوْت حسن ثمَّ حدث
(1/127)
عَلَيْهِ خلل فِي عقله فَكَانَ يتَكَلَّم
ويخبر عَن أَشْيَاء كَثِيرَة من المغيبات تدل على أَنه من الْمُحدثين
وَتشهد لَهُ كرامات كَثِيرَة من ذَلِك أَن شيخ بعدان وَهُوَ عبد
النَّبِي بن مُحَمَّد السيري نزل فِي حَال ولَايَته من حصن حب إِلَى
مَدِينَة إب بعساكر كَثِيرَة وأهبة عَظِيمَة من آلَة الْحَرْب وَفَرح
أهل الْبَلَد بِدُخُولِهِ فَقَالَ الْفَقِيه حَمْزَة الْيَوْم فَرح
وبكرة ترح وَجعل يُكَرر هَذِه اللَّفْظَة وَلم يعرف أَكثر النَّاس معنى
ذَلِك فَكَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة خَالف عَلَيْهِ صنوه الشَّيْخ
الْجلَال بن مُحَمَّد السيري فِي حصن حب فاستقام بِالْولَايَةِ وَخرج
الشَّيْخ عبد النَّبِي عَن الْولَايَة فَعرف النَّاس معنى كَلَام
الْفَقِيه حَمْزَة وعدوا ذَلِك من كراماته واعتقد فِيهِ النَّاس
الْخَيْر اعتقادا جَازِمًا وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَعشْرين وثمانمئة
وقبر بمحنطان وَحمل جنَازَته فُقَهَاء الْبَلَد وصلحاؤها تبركا بِهِ
رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن أهل ذِي جبلة الإِمَام الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي
الْقَاسِم الضراسي محققا مدققا لجَمِيع أَنْوَاع علم الْفَرَائِض
والحساب والجبر والمقابلة والأقدار المتناسبة والخطائن وعالما بفن
الطِّبّ والتشريح وَغير ذَلِك وَكَانَ مشاركا فِي الْفِقْه والنحو
والْحَدِيث فَمن مشايخه فِي علم الْفَرَائِض الإِمَام جمال الدّين
مُحَمَّد بن عبد الله بن سلم مُصَنف شرح الْهِنْدِيّ وَفِي الطِّبّ
الْأَمِير صارم الدّين دَاوُد بن قايماز والأمير بدر الدّين حسن بن
صَلَاح الدّين الغساني وَمن شُيُوخه فِي الْفِقْه الإِمَام رَضِي
الدّين بن الْخياط وَغَيره وَأَجَازَ لَهُ نَفِيس الدّين سُلَيْمَان
الْعلوِي وَالشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ فِي علم الحَدِيث ثمَّ
غلب عَلَيْهِ معرفَة علم الْفَرَائِض وَمَا إِلَيْهِ وَعلم الطِّبّ
واشتهر بذلك وقصده من كل مدرس بِعلم الْفَرَائِض والطب من قطره من
درسته أَو
(1/128)
درسة درسته وسلمت لَهُ الرياسة بِهَذَيْنِ
الفنين وَأَنه فيهمَا لَا يجارى وَلَا يمارى وَمد الله لَهُ فِي عمره
وَبَارك فِيهِ حَتَّى ألحق الأحفاد بالأجداد وانتفع بِهِ الشُّيُوخ
وَالْأَوْلَاد ودرس بِهَذَيْنِ الفنين زِيَادَة عَن سِتِّينَ سنة باذلا
نَفسه للطلبة وَحفظ الله عَلَيْهِ سَمعه وبصره مَعَ الطعْن بِالسِّنِّ
والضعف من أجل حلقته وَله قَوَاعِد وضوابط قررها للمستفيدين يعظم
قدرهَا ويجل نَفعهَا وَله الْيَد الطُّولى فِي حل المشكلات وإيضاح
الغامضات
وَله شعر وأحاجي تشهد لَهُ بالبلاغة وتوضح أَنه مطبوع على البراعة من
ذَلِك مَا ألغزه بِشعرِهِ يمْتَحن بِهِ بعض الطّلبَة فِي اسْم
سُلَيْمَان وَقد ذكرته فِي الأَصْل مَعَ زِيَادَة مسَائِل وفوائد
وأشعار لَا يحتملها هَذَا الْمُخْتَصر
وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط ومدحه بقصيدة
أَولهَا
(بِسَمَاع ذكرك كل قلب يطرب ... وبمثل مدحك كل مدح يعذب)
وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل مَعَ مَا قيل فِيهِ بعد مَوته من
المراثي للفقيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي وَغَيرهَا
توفّي هَذَا الإِمَام جمال الدّين بِشَهْر جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ
وثمانمئة وقبر بمحنطان رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد الْأَوْسَط بن الإِمَام رَضِي
الدّين ابْن الْخياط الْمُقدم الذّكر كَانَ إِمَامًا عَالما فَاضلا
قَرَأَ على أَخِيه جمال الدّين الْأَكْبَر وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام
الحريري وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على الإِمَام الْفَقِيه عفيف الدّين
عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق وبالفرائض على الإِمَام جمال الدّين
الضراسي وَأَجَازَ لَهُ هَؤُلَاءِ واستنابه القَاضِي جمال الدّين
الحريري بِالْقضَاءِ فِي مَدِينَة ذِي جبلة ثمَّ اسْتَقل بِهِ مُدَّة
ثمَّ انْفَصل عَنهُ ثمَّ أُعِيد إِلَيْهِ وانتقل إِلَى مَدِينَة إب
فأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بهَا مَا يَلِيق بِحَالهِ ثمَّ رَجَعَ
إِلَى ذِي جبلة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث
وَسِتِّينَ وثمانمئة ورثاه ابْن أَخِيه
(1/129)
الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن
مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط فَهُوَ بَقِيَّة من ذكر من السَّادة بني
الْخياط فَقَالَ قصيدة طَوِيلَة أَولهَا
(قفوا وانظروا موج الْبحار الزواخر ... أَتَى بعجاب من نَفِيس
الْجَوَاهِر)
وَقد أثنى الْفَقِيه رَضِي الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي على
هَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين ومدحه بفصاحته وجودة شعره فَقَالَ من
قصيدة طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل
(لله دَرك يَا أَبَا بكر الرِّضَا ... من ناظم أَحْيَا فصاحة من مضى)
وَهَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين بَاقٍ حَال جمع هَذَا الْمَجْمُوع
معززا مكرما مَعَ مادحه الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن
الصباحي وسنذكره مَعَ الْفُضَلَاء من أهل مَدِينَة تعز
ثمَّ توفّي الْفَقِيه رَضِي الدّين سنة إِحْدَى وَسبعين وثمانمئة وقبر
فِي جبلة عِنْد أهاليه رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَمن أهل عرشان القَاضِي الْعَلامَة صفي الدّين أَحْمد بن عبد الله
العرشاني كَانَ من أكَابِر الْعلمَاء العاملين وَالْفُقَهَاء المبرزين
درس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته
وَمِنْهُم وَلَده القَاضِي الْعَلامَة شمس الدّين قَرَأَ على وَالِده
فِي الْفِقْه وعَلى الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى غَيرهمَا
فأجازوا لَهُ فَكَانَ يدرس ويفتي بعرشان وهما من ذُرِّيَّة الْحَافِظ
العرشاني الَّذِي ذكره المؤرخون توفّي هَذَا القَاضِي بعد سنة ثمانمئة
رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
(1/130)
وَمن الضهابي المقرىء الصَّالح شمس الدّين
عَليّ بن دَاوُد الأخضري قَرَأَ بالقرآات على المقرىء الصَّالح بدر
الدّين سعيد السورقي فَأجَاز لَهُ وَكَانَ صَالحا عابدا زاهدا توفّي
سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالضهابي رَحمَه الله ونفع بِهِ
آمين
وَمن السرايم الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَرَأَ
على الْفَقِيه الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى الْفُقَهَاء من
بني الرخَاء فأجازوا لَهُ فَأفْتى ودرس توفّي بالصهباني بعد سنة
ثَمَانِينَ وثمانمئة
وَمن الظهرة الرِّبَاط الْمَشْهُور لبني البغش بمعشار أكمة العتر بعزلة
الثوابي
الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن سُلَيْمَان بن البغش كَانَ
عابدا زاهدا برا بِوَالِديهِ فَكَانَا يدعوان لَهُ فَاسْتَجَاب الله
دعاءهما وَفتح عَلَيْهِ بكرامات كَثِيرَة واعتقده كَافَّة أهل الْبَلَد
وانقادوا لَهُ وَعمر مَسْجِدا بالقرية الَّتِي يسكنهَا وَكَانَت
وَفَاته بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
ثمَّ خَلفه بمنصبه وَلَده الشَّيْخ جمال الدّين فَكَانَ كثير
الْإِحْسَان إِلَى الْوَافِد ومطاعا فِي بَلَده وَمن كَانَ فِي نواحي
بَلَده من الْقَبَائِل هُنَالك وَفتحت لَهُ الدُّنْيَا وَعمر زِيَادَة
فِي مَسْجِد وَالِده الَّذِي يسمونه الْجَامِع وَأَعْمر الحجرات
وَالْبركَة فِيهِ وَكَانَ معاصرا للشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن
يحيى الشعراني وتواخيا فِي الله كل وَاحِد مِنْهُمَا يثني على صَاحبه
بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح توفّي سنة سبع عشرَة وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى
وَمن أهل الْعقر الْمَكَان الْمَعْرُوف بمعشار حصن التعكر
(1/131)
السَّادة الْعلمَاء بني أبي الرخَاء أهل
بَيت علم وَقد ذكر الجندي مِنْهُم جمَاعَة وسَاق نسبهم إِلَى حمير
وَأَنا أذكر مِنْهُم من علمت عَلَيْهِ
فَمنهمْ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الرخَاء قَرَأَ
على وَالِده وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن عَليّ
الغيثي وعَلى غَيره فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ونجب لَهُ ولدان
أَحدهمَا الإِمَام الْعَلامَة بدر الدّين حسن كَانَ محققا ومفتيا
ومدرسا بالفقه قَرَأَ على وَالِده وعَلى جمَاعَة وَالثَّانِي هُوَ
الإِمَام الْعَلامَة الْمُحَقق الْحجَّة رَضِي الدّين أَبُو بكر كَانَ
من الْعلمَاء الصَّالِحين الزاهدين وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة
بِبَلَدِهِ فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَلم أتحقق تَارِيخ هَؤُلَاءِ
الثَّلَاثَة
وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر إِسْمَاعِيل بن
يحيى كَانَ عَالما عَاملا عُمْدَة للقاصدين وَظَهَرت لَهُ كرامات توفّي
سنة تسعين وسبعمئة نفع الله تَعَالَى بِهِ
وَمِنْهُم ولد أَخِيه الإِمَام الْعَلامَة الْمُفْتِي جمال الدّين
أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يحيى تفقه
بِعَمِّهِ الْمُقدم الذّكر وَبِغَيْرِهِ وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة
فِي التدريس بِذِي جبلة ونواحيها وفضائله جمة تخرج بِالْإِمَامِ رَضِي
الدّين ابْن الْخياط قبل قِرَاءَته على الإِمَام الريمي والوزير ابْن
عَيَّاش وَكَانَ خَطِيبًا مصقعا سَمَّاهُ الإِمَام جمال الدّين بن
الْخياط خطيب الخطباء توفّي بالظهابي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وقبره
هُنَالك
وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة أَبُو المكارم رَضِي الدّين أَبُو بكر
بن عمر بن عُثْمَان بن
(1/132)
صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الرخَاء
كَانَ إِمَامًا محققا قَرَأَ على شُيُوخ وقته وَأفْتى ودرس وَتَوَلَّى
الْقَضَاء بمعشار التعكر وَكَانَ دأبه الْإِصْلَاح بَين المتحاكمين
وَلم يكْتب ثبوتا لأحد توفّي بالعقر سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة
وَمِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر هُوَ من بني
أبي الرخَاء قَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء وقته وأجازوا لَهُ فدرس
وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء هُنَالك وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته
وَمِنْهُم الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر بن إِسْمَاعِيل بن
مُحَمَّد بن يحيى كَانَ عَالما عَاملا وشيوخه فِي فنون الْعلم كثير
فدرس وَأفْتى وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته
وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر قَرَأَ على
جمَاعَة من أَهله وَغَيرهم فأجازوا لَهُ وَكَانَ فَقِيها محققا درس
وَأفْتى وَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ مِنْهُ وَكَانَ لَهُ
ثَلَاثَة أَوْلَاد أكبرهم عمر وَبعده إِسْمَاعِيل وَبعده عبد
الْمُعْطِي فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ على عُلَمَاء وقتهم وَكَانَ أشهرهم
بِالْكَرمِ إِسْمَاعِيل وَذكر عَنْهُم حسن حَال توفّي الْجَمِيع سنة
تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شُهَدَاء من ألم الطَّاعُون رَحِمهم الله
تَعَالَى ونفع بهم
وَمِنْهُم القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي بكر
قَرَأَ على وَالِده وَهُوَ صَغِير فَأفْتى ودرس وعمره إِحْدَى عشرَة
سنة وخطب بالعقر وَتُوفِّي بِالسنةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَالِده
وَهِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة
وَمِنْهُم القَاضِي رَضِي الدّين أَبُو بكر بن عمر كَانَ فَقِيها
مُبَارَكًا قَرَأَ على بعض أَهله وَغَيرهم وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالعقر
وَمَا إِلَيْهَا توفّي سنة تسع وَخمسين وثمانمئة
وَمِنْهُم القَاضِي عفيف الدّين سُفْيَان قَرَأَ على جمَاعَة من
أَئِمَّة وقته وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالعقر وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ
وَعشْرين وثمانمئة
(1/133)
وَمِنْهُم وَلَده القَاضِي جمال الدّين
مُحَمَّد قَرَأَ على وَالِده ثمَّ قَرَأَ بِمَدِينَة إب على الْفَقِيه
جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى
بَلَده وَتَوَلَّى نِيَابَة الْقَضَاء بِذِي جبلة وَحكم بهَا أَيَّامًا
ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالعقر وَمَا إِلَيْهَا
وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة
شَهِيدا من ألم الطَّاعُون
وَمِنْهُم وَلَده شرف الدّين أسماعيل بن عمر بن صَالح كَانَ فَقِيها
مدرسا وَلم يل الْقَضَاء وَتُوفِّي بالظهابي سنة خمس وَخمسين وثمانمئة
وَمن أهل بلد صهْبَان القَاضِي هَارُون بن عبد الله كَانَ مَسْكَنه عدن
المناصب تولى الْقَضَاء بهَا وَمَا يَليهَا من بلد صهْبَان قَرَأَ على
جمَاعَة من الْعلمَاء وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ من أَسبَابه
الْمدرسَة الْمُسَمَّاة البرحة بقرية الْعقر وَكَانَ الْفُقَهَاء من
بني أبي الرخَاء من أسبابهم الْمدرسَة فِي الْمَكَان الْمُسَمّى حلل
فحصلت الْمُعَاوضَة بَينهم فَأخذ كل مِنْهُم مَا يَلِيهِ وَذَلِكَ على
مَا قيل فَإِنَّهُ لَا يعرف الْيَوْم أَن الْوَقْف إِلَّا للمدرسة
البرحة وَقد صَارَت الأَرْض الَّتِي فِي حلل تَحت أيادي أنَاس يدعونَ
ملكهَا
وَلِهَذَا القَاضِي هَارُون ولدان أَحدهمَا يُسمى عبد الرَّحْمَن
وَالثَّانِي عبد الله أخْبرت أَنَّهُمَا كَانَا فقيهين عَالمين وأنهما
درسا وأفتيا وأضيف إِلَيْهِمَا الْقَضَاء بِبَلَد صهْبَان وَتُوفِّي
سنة عشْرين وثمانمئة رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما
وَفِي شَرْقي بلد صهْبَان الْمَكَان الْمُسَمّى الصيرات الرِّبَاط
الْمَشْهُور بَين صهْبَان وبردان مقبور فِيهِ رجل مبارك يُسمى الْحَاج
جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الْفَروِي كَانَ يقوم اللَّيْل
للصَّلَاة وَالْعِبَادَة بالتلاوة وَالذكر لَا يفتر لِسَانه عَن ذَلِك
وَكَانَ متواضعا ذَا سكينَة ووقار يلبس الخشن من الصُّوف وَيعْمل أرضة
يعزبه بِيَدِهِ وَيَأْكُل مِنْهَا وَمن وَفد إِلَيْهِ من الضيوف وَله
كرامات ومكاشفات ذكرتها فِي الأَصْل
(1/134)
توفّي الْحَاج جمال الدّين بعد سنة
ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن أهل المشراح الَّذِي تَحت الْعَرْش بمعشار التعكر الْحَاج
الْفَاضِل مُحَمَّد بن عمر الْحرَازِي المهلل كَانَ هَذَا الرجل يصحب
الصَّالِحين ويتأدب بأدبهم وَيدخل الْأَسْوَاق ويعلن بالصوت العالي
بِالذكر الْمَشْهُور فَضله عَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك
وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ دَائِم لَا يَمُوت بِيَدِهِ
الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير ثمَّ إِنَّه يضيف إِلَى ذَلِك
شَيْئا من التَّسْبِيح وَيَأْمُر بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة وَينْهى عَن
الْغَفْلَة فِي كل مَكَان يجْتَمع فِيهِ النَّاس
ثمَّ إِن القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي من أهل
مَدِينَة إب آخاه وَأحسن بِهِ الظَّن فاتفق نزُول القَاضِي الْمَذْكُور
إِلَى مَسْجِد الْجند للزيارة فاعتكف القَاضِي الْمَذْكُور فِي
الْمَسْجِد ثمَّ خرج فِي اللَّيْل فَوجدَ هَذَا الْحَاج جمال الدّين
بِالسَّمَاعِ بالطار والشبابات عِنْد الَّذين يَجْتَمعُونَ لذَلِك
فَأنْكر عَلَيْهِ القَاضِي حُضُور ذَلِك فِي قلبه من غير أَن يعلم
الْحَاج جمال الدّين وُصُول القَاضِي وَلَا يرَاهُ فِي الْمَسْجِد
فسَاء ظَنّه
(1/135)
فِيهِ فناداه بعد ذَلِك بِأَعْلَى صَوته
يَا صَاحب إب يَا مَجْنُون كل بجرنه يَدُوم وَهَذِه الْكَلِمَة من
أَمْثَال الْعَوام فَزَالَ مَا بخاطر القَاضِي صفي الدّين من سوء
الظَّن بِهِ وأيقن أَن ذَلِك مثل كرامات الصَّالِحين ثمَّ انْصَرف
القَاضِي صفي الدّين فَوَجَدَهُ الْحَاج جمال الدّين بعد ذَلِك
فَاعْتَذر كل مِنْهُمَا لصَاحبه ودامت الصُّحْبَة والأخوة بَينهمَا
وَتُوفِّي هَذَا الْحَاج جمال الدّين بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه
الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن أهل ذِي أشرق الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء بَنو الصعبي وَقد ذكر
الجندي الْأَوَّلين مِنْهُم وَأَنه لم يبْق مِنْهُم سوى أَوْلَاد
القَاضِي شرف الدّين أبي الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن
أسعد الصعبي الْعَنسِي السهفني وهم أَرْبَعَة أَبُو بكر وَعمر وَعبد
الصَّمد وَإِسْمَاعِيل كَانَ هَؤُلَاءِ فُقَهَاء وقتهم ببلدهم
فَأَخْبرنِي الثِّقَة أَنه نجب لأبي بكر ثَلَاثَة أَوْلَاد هم عبد الله
وَعمر وَمُحَمّد قَرَأَ كل مِنْهُم على فُقَهَاء وقته ودرسوا وأفتوا
وَلم أتحقق تَارِيخ وفاتهم
وَأما عمر فَإِنَّهُ نجب لَهُ ولدان أَحدهمَا شمس الدّين يُوسُف
وَالثَّانِي عفيف الدّين عبد الله وَأما عبد الصَّمد فَلهُ ولد يُسمى
مُحَمَّد تفقه بوالده وَبِغَيْرِهِ وَسمع الحَدِيث على ألإمام نَفِيس
الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَقَرَأَ على الشَّيْخ وجيه
الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم صَاحب اللفج فَأفْتى ودرس
وَتَوَلَّى الْقَضَاء بالجوة ثمَّ بِذِي أشرق ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة
المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَاد
إِلَى الجؤة
(1/136)
وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة عشر
وثمانمئة
وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه أَبُو الْفضل مُوسَى قَرَأَ على وَالِده
وعَلى غَيره وَتَوَلَّى الْقَضَاء بعد وَالِده بِذِي أشرق وَتُوفِّي
سنة تسع عشرَة وثمانمئة
وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن أبي الْقَاسِم
كَانَ فَقِيها فَاضلا ولي الْقَضَاء بِذِي أشرق وَمَا والاها ودام على
الْحَال المرضي إِلَى أَن توفاه الله فِي المئة التَّاسِعَة
وَمِنْهُم القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عمر قَرَأَ
على ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الصَّمد وعَلى
القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن صَالح البريهي فِي الْفِقْه
وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث فدرس
وافتى وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ مجد الدّين فَلَزِمَهُ على هَذَا
الِاسْم وَتُوفِّي من ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ فَهُوَ أخر
من تحققنا حَاله من فُقَهَاء بني الصعبي رَحِمهم الله ونفع بهم
وَمن أهل ذِي أشرق خَاله القَاضِي جمال الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد
الأشرقي كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا عَالما عَاملا تولى الْقَضَاء بِذِي
أشرق وَكَانَ صهر القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر البريهي أنكحه
ابْنَته وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة
وَمن أهل أبنة فِي الْقرب من الرِّبَاط للمشايخ الصُّوفِيَّة من بَين
البريهي بِذِي السفال المقرىء الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن يُوسُف
بن عمر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن
الْحرَازِي قَرَأَ بالقراءات على المقرىء الصَّالح مُحَمَّد بن
مُحَمَّد بن مَيْمُون البلوي الغرناطي المغربي الأندلسي وَقَرَأَ على
غَيره من الْفُقَهَاء بالفقه وَكَانَ مقرئا فَقِيها صَالحا عابدا يحفظ
كتبا كَثِيرَة من كتب الْقرَاءَات والنحو وَكَانَ يشْتَغل بتعليم كتاب
الله تَعَالَى وَكَانَت لَهُ معرفَة بِعلم الْأَسْمَاء واشتهر بذلك
وتعافى على يَدَيْهِ كثير من المجانين وَكَانَ دأبه دأب السّلف
الصَّالح فِي خدمَة أَهله
(1/137)
وَنَفسه والاشتغال بالزرع بِيَدِهِ مَعَ
عِبَادَته وزهادته أجمع أهل قطره على صَلَاحه واشتهر من بركاته مَا
أوجب حسن الظَّن بِهِ وَهُوَ مِمَّن تخرج على يَده الشَّيْخ جمال
الدّين مُحَمَّد وصنوه رَضِي الدّين أَبُو بكر ابْني الشَّيْخ عفيف
الدّين عبد الله بن مُحَمَّد البريهي الْآتِي ذكرهمَا مَعَ أهاليهما من
أهل ذِي السفال رَحِمهم الله تَعَالَى ونفع بهم وعمت بركته كل من
قَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته بعد سنة عشْرين وثمانمئة ونجب لَهُ
ولدان أَحدهمَا الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد وَسَيَأْتِي ذكره مَعَ
أهل مَدِينَة تعز إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالثَّانِي أَحْمد قَرَأَ
على وَالِده شَيْئا من الْعُلُوم وَنَشَأ على طَريقَة مستحسنة وَكَانَ
لَهُ خطّ حسن وَتُوفِّي رَحمَه الله قَرِيبا من سنة ثَلَاثِينَ
وثمانمئة
وَمن أهل منزل أرود بالعارضة الْفَقِيه الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو
بكر بن عَليّ بن عمر الْمَشْهُور بالجرف قَرَأَ على الإِمَام جمال
الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البريهي وعَلى غَيره وَأفْتى ودرس
إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته قَدِيما وَلم يذكرهُ المؤرخون
وَإِنَّمَا ذكرته لما سَيَأْتِي من ذكر بعض ذُريَّته الَّذين توفوا فِي
مَدِينَة تعز وَغَيرهم وَلم يكن فِي مَكَانَهُ من ذُريَّته سوى
الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الجرف لَهُ مُشَاركَة بالفقه
وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِذِي السفال وَهُوَ فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع
هَذَا الْمَجْمُوع ثمَّ توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة
وَفِي منزل أرود الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ بن أَحْمد بن
عمر الأرودي الْمَشْهُور بالطماح الْخَولَانِيّ قَرَأَ على جمَاعَة من
الْفُقَهَاء وأجازوا لَهُ فَكَانَ فَقِيها مجودا عَارِفًا درس وَأفْتى
وَأثْنى عَلَيْهِ شَيْخه الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي توفّي هَذَا
الْفَقِيه إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة عشْرين وثمانمئة أَو قبلهَا
بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل
وَمن بني الشّعبِيّ الَّذين يسكنون قَرْيَة ذِي السفال الْفَقِيه عبد
الْمَاجِد بن أبي بكر الشّعبِيّ كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا حدث لَهُ
أَوْلَاد نجباء أفضلهم الْفَقِيه الْجُنَيْد قَرَأَ بالفقه على
(1/138)
القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد
البريهي وعَلى غَيره وَكَانَ ورعا زاهدا عابدا خَاشِعًا بكاء من خشيَة
الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ كل من عرفه وَكَانَت وَفَاته خوفًا من
الله تَعَالَى عِنْدَمَا قَرَأَ بَعضهم الْآيَة الشَّرِيفَة وَهِي
قَوْله تَعَالَى {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} الْآيَة وقبر عِنْد
قُبُور الْفُقَهَاء بني عَلْقَمَة بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه هَاشم قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد
بن عمر البريهي وعَلى الْفَقِيه عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق وعَلى
غَيرهمَا فأجازوا لَهُ ودرس وَأفْتى وَاسْتمرّ بوظيفة الْقَضَاء بِذِي
السفال بعد القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر البريهي ألى أَن
توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة من ألم الطَّاعُون شَهِيدا
وَمِنْهُم مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ الشّعبِيّ وَهُوَ الَّذِي سَافر
الشَّام فجَاء بمنظومة الْحَاوِي بعد أَن قَرَأَهَا على مصنفها وَلم
تشتهر الْبَهْجَة فِي الْيمن من غَيره فَأجَاز الْفُقَهَاء بِالْيمن
مَا فِيهَا وَمِمَّنْ استجاز مِنْهُ الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد بن
حسن البريهي من أهل مَدِينَة إب والفقيه عفيف الدّين عبد الله بن
مُحَمَّد الْكَاهِلِي
وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن مُحَمَّد الشّعبِيّ
قَرَأَ بالفقه على الْفُقَهَاء من أهل مَدِينَة تعز فأجازوا لَهُ ثمَّ
أَقَامَ بِذِي السفال مؤاخيا للفقيه هَاشم إِلَى أَن توفّي من ألم
الطَّاعُون شَهِيدا سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى
وَمن أهل ذِي السفال جمَاعَة مِنْهُم بَنو البريهي وَقد ذكر المؤرخون
جمَاعَة مِنْهُم ثمَّ شرع بعض الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم هُوَ القَاضِي
تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن صَالح البريهي بِجمع تَارِيخ لَهُم
ولغيرهم وَلم يتمه فسأذكر جمَاعَة مِمَّن حدث بعد من ذكره الجندي
والخزرجي
(1/139)
فَمنهمْ القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن
مُحَمَّد بن صَالح الْمُقدم ذكره كَانَ إِمَامًا عَالما قَرَأَ على
جمَاعَة من أَهله الْعلمَاء بِذِي السفال وعَلى الْفُقَهَاء بِمَدِينَة
تعز وَغَيرهم قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط إِن هَذَا
القَاضِي ولي الْقَضَاء بضعا وَسِتِّينَ سنة وحمدت سيرته وَكَانَ ورعا
وَله قريحة ينظم بهَا الشّعْر من ذَلِك قَوْله
(على قدر فضل الْمَرْء غم حسوده ... فَمَا ازْدَادَ فضلا زَاد حاسده
غما)
(وَلَا شكّ مَا فِي الْفضل كَالْعلمِ والتقى ... كَذَا الْعلم شيخ
الْفضل كَانَ لَهُ أما)
توفّي رَحمَه الله سنة إِحْدَى عشرَة وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه عماد الدّين إِدْرِيس بن إِسْمَاعِيل بن عبد
الرَّحْمَن بن عمر البريهي قَرَأَ مسموعات الْفِقْه والْحَدِيث
وَالتَّفْسِير على الْفُقَهَاء من أهاليه فأجازوا لَهُ وَلم أتحقق من
حَاله غير ذَلِك وَتُوفِّي بِشَهْر ربيع الأول سنة ثَلَاث وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه تَقِيّ الدّين صَالح بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن
عمر البريهي أخْبرت أَنه قَرَأَ الْقرَاءَات السَّبع على المقرىء
الصَّالح عَليّ بن عمر الْخَولَانِيّ وبالفقه على الإِمَام مُحَمَّد بن
عبد الرَّحْمَن البريهي فأجازوا لَهُ ودرس وَأفْتى وَكَانَ حسن الْخط
توفّي بِشَهْر رَجَب سنة خمس وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم وَلَده القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر تفقه
بوالده وَولي الْقَضَاء على كرهه بالقاعدة وَسكن بسهفنه وَكَانَ صواما
قواما حسن السِّيرَة فِي أَحْكَامه ورعا زاهدا توفّي بسهفنه بعد سنة
عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن
مُحَمَّد بن صَالح البريهي قَرَأَ على وَالِده بالفقه وعَلى غَيره
وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بعد وَالِده بِذِي
السفال وَمَا إِلَيْهَا وَقد سمع على الإِمَام مجد الدّين
الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي كتب التَّفْسِير
والْحَدِيث وَحصل كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ الْحسن وَكَانَ خَاشِعًا
جَارِيا
(1/140)
على سنَن السّلف الصَّالح عَلَيْهِ سكينَة
الْعلم ووقار التَّقْوَى وَنور الْعِبَادَة وَكَانَت سيرته فِي
الْقَضَاء سيرة مرضية وَجمع أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِي المعجزات
والكرامات الَّتِي صحت لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ أَرْبَعِينَ حَدِيثا أُخْرَى فِي مَنَاقِب الْخُلَفَاء
الْأَرْبَعَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم
وَكَانَ راتبه هُوَ وَأَوْلَاده ودرسته فِي كل يَوْم ختمة وَلم يزل على
الْحَال المرضي إِلَى ان توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله بن أبي بكر البريهي قَرَأَ
بالفقه على القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد البريهي وَحضر
سَماع الحَدِيث عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام
نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وناب لِابْنِ عَمه
القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
بِذِي السفال فِي بعض الْأَوْقَات وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن
إِبْرَاهِيم بن صَالح البريهي كَانَ فَقِيها مُبَارَكًا قَرَأَ على
جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ وَتُوفِّي من ألم الطَّاعُون
سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة
وَأما الساكنون فِي الرِّبَاط هُنَالك
فَمنهمْ أَوْلَاد الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله البريهي المرقد أحدهم
الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ بالفقه على عَم وَالِده الإِمَام
عفيف الدّين عبد الله بن صَالح وَقَرَأَ الحَدِيث والقراءات السَّبع
على المقرىء الصَّالح الْعَلامَة جمال الدّين بن مَيْمُون الأندلسي
الغرناطي وعَلى الْفَقِيه نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم
الْعلوِي وَحج حجَّة الْإِسْلَام ثمَّ عَاد فَأَقَامَ بالرباط بِذِي
السفال وَقصد للمهمات واجتهد بِالْعبَادَة ودرس وَأفْتى واشتهرت لَهُ
كرامات وقصده النَّاس للتبرك فَكَانَ مكرما للضيف فاتفق بَينه وَبَين
سُلْطَان وقته وَحْشَة فانتقل إِلَى أكمة عبار الْمَشْهُورَة تَحت جبل
سورق وَكَانَ ذَا
(1/141)
ثروة فَاشْترى أَرضًا هُنَالك وَأَعْمر
دَارا سكن فِيهَا وربط قرى كَثِيرَة فجلل واحترم وَلما مَاتَ
السُّلْطَان رَجَعَ إِلَى بَيته إِلَى الرِّبَاط بِذِي السفال
فَأَقَامَ فِيهِ إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وسبعمئة
وَالثَّانِي الشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الله المرقد
كَانَ فَقِيها عابدا صَالحا قَرَأَ على ابْن عَمه الْفَقِيه عفيف
الدّين عبد الله بن صَالح بِمَدِينَة تعز ثمَّ انْتقل إِلَى رِبَاط
عَبْدَانِ فسكن فِيهِ واحتجب عَن النَّاس مُدَّة واجتهد بِالْعبَادَة
وَنسب إِلَى علم الْأَسْمَاء واشتهرت لَهُ الكرامات وَقصد للمهمات
فَلَمَّا توفّي أَخُوهُ مُحَمَّد بن الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله
اقام هُنَالك إِلَى أَن توفّي سنة عشر وثمانمئة وَدفن بَين أَهله
رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد بن عمر
بن صَالح البريهي كَانَ مجودا فِي علم النَّحْو واللغة مشاركا فِي
الْفِقْه أَخذ ذَلِك على الشُّيُوخ الْكِبَار من عُلَمَاء وقته
وَكَانَت لَهُ قريحة ينظم بهَا الشّعْر من ذَلِك فِي مدح النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
(فِي وصفك الْمَدْح صدقا حِين ينظمه ... وَمن يقل بسواك الْمَدْح
يَظْلمه)
(خلقت أشرف مَخْلُوق وَأكْرمهمْ ... فَكَانَ مدحك بَين الْمَدْح
أكْرمه)
وَله وَقد أكل الْجَرَاد زرعه
(أَلا لله أَشْكُو كل بثي ... وَقد أكل الْجَرَاد جزيل حرثي)
(فَإِن لم يجْبر الرَّحْمَن حَالي ... فَلَيْسَ بنافعي كسبي وإرثي)
وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا هُوَ مُثبت فِي الأَصْل مِمَّا يدل
على بلاغته وفضله توفّي سنة ثَمَانِينَ وثمانمئة وَدفن بمقبرة ذِي
السفال رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ جمال
الدّين مُحَمَّد بن عبد الله المرقد نَشأ على طَريقَة مرضية وَقَرَأَ
أَشْيَاء من الْعلم على بعض أَئِمَّة عصره وأجازوا لَهُ واجتهد
بِالْعبَادَة ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المكرمة فحج وزار قبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَافر إِلَى
(1/142)
الْقُدس الشريف فزار الْأَنْبِيَاء هُنَالك
وَصَحب جمَاعَة من الصَّالِحين وتأدب بآدابهم وَمَشى على طريقتهم فِي
الزّهْد وَصَحب المقرىء جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَيْمُون
الغرناطي وَالشَّيْخ الصَّالح أَبَا الْعَبَّاس بن أبي البركات
الْمدنِي وَكَانَ هُوَ السَّبَب لدخولهما الْيمن وَسَيَأْتِي شرح
حَالهمَا فَلَمَّا وصل الشَّيْخ شهَاب الدّين إِلَى مَكَانَهُ بِذِي
السفال بَقِي مَقْصُودا للمهمات وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَتُوفِّي بعد
سنة عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم أَخُوهُ الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد
بن عبد الله البريهي المرقد كَانَ فَاضلا عابدا مشاركا بِشَيْء من
الْفِقْه كثير الصَّدَقَة وَفعل الْخَيْر مُطَاع القَوْل مَقْبُول
الشَّفَاعَة مكرما للضيف محسنا إِلَى الْوَافِد إِلَيْهِ سُئِلَ عَنهُ
بعض الْفُضَلَاء فَقَالَ ذَاك يدْخل الْجنَّة بكرمه توفّي سنة ثَمَان
وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل أَو بعْدهَا بِقَلِيل ورثاه الشُّعَرَاء
وَكَانَت لَهُ أُخْت عابدة فاضلة قَامَت بِالْمَكَانِ بعد موت أَخِيهَا
أتم قيام وربت وَلَدي أَخِيهَا وأكرمت الضَّيْف وعاندها بعض أَهلهَا
فعضدها مُتَوَلِّي الْقَضَاء الْأَكْبَر يَوْمئِذٍ وَهُوَ الشَّيْخ مجد
الدّين الشِّيرَازِيّ وَغَيره من الأكابر وتصدقت بصدقات كَثِيرَة
وأحسنت التَّدْبِير كأكمل الرِّجَال ثمَّ سَافَرت لِلْحَجِّ فحجت وزارت
قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَادَتْ إِلَى مَكَّة
فأقامت بهَا تعبد الله تَعَالَى إِلَى أَن توفيت بهَا بعد سنة عشْرين
وثمانمئة رَحمهَا الله تَعَالَى ونفع بهَا
وَمِنْهُم ولدا الشَّيْخ عفيف الدّين أَحدهمَا الشَّيْخ جمال الدّين
مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد البريهي المرقد اسْتَقل بِأَمْر
ربطهم وجيرانهم وَقَامَ بمنصبهم أتم قيام واشتهر بِالْكَرمِ وَكَانَ
مَقْبُول الشَّفَاعَة مُطَاع القَوْل فجلل واحترم إِلَى أَن توفّي سنة
تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون وَدفن جنب قبر
الشَّيْخ يحيى بن أبي الْخَيْر
(1/143)
العمراني نفع الله بهما وَلم يكن بَينه
وَبَينه حَائِل
وَمِنْهُم أَخُوهُ الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن
عبد الله الْمُقدم الذّكر كَانَ كثير الذّكر لله تَعَالَى والتلاوة
لكتاب الله تَعَالَى انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة هَذَا الْبَيْت بوقته
فاجتهد بِإِقَامَة منصبهم والتوسط بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وعانده
بعض أهل الْأَمر من مَشَايِخ العنسيين فَجمع عَلَيْهِ جمعا كثيرا
لقِرَاءَة يس والفاتحة وَالدُّعَاء عَلَيْهِ فَأهْلك الله المعتدي
عَلَيْهِ وَأخرج من بَيته وبلده وَذريته وأهلكه الله وَلم يزل
الْفَقِيه رَضِي الدّين مَقْصُودا للمهمات مُنْفَردا بِالْأَمر
وَالنَّهْي فِي ربطهم الْمَعْرُوفَة سالكا طَرِيق الْعِبَادَة إِلَى ان
توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وثمانمئة وقبر جنب قبر أَخِيه وَقيل لَهُ
أَن لَيْسَ هُنَاكَ فسح يحْفر لَك فِيهِ فَقَالَ سَتَجِدُونَ فَسْحًا
يسعني فَلَمَّا حفروا حَيْثُ أَمرهم ظهر لَهُم السعَة فِي الْمَكَان
فَحَفَرُوا وقبروه
وَأَخْبرنِي وَلَده شهَاب الدّين أَنه رَآهُ بعد مَوته فَقَالَ لَهُ
الْحِجَارَة الَّتِي بنيتم بهَا لحدي تهدمت فأصلحوها فنبشوا الْقَبْر
فوجدوا حجرا سقط عَلَيْهِ فأصلحوها ووجدوه فِي اللَّحْد على حَالَته
الَّتِي وضعوه يَوْم مَوته لم يتَغَيَّر رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن أهل هَذَا الْبَيْت الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن
أبي السرُور البريهي يلتقي نسبه وَنسب من تقدم ذكرهم بالشيخ مُحَمَّد
بن عمر فهم من ذُرِّيَّة الشَّيْخ عبد الله المرقد وَهُوَ من ذُرِّيَّة
أخي الشَّيْخ عبد الله المرقد قد كَانَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين
مَشْهُورا بِفعل الْخَيْر مكرما للضيف محبوبا إِلَى النَّاس كثير
السَّعْي بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَهُوَ السَّاعِي بعمارة الْمدرسَة
الياقوتية الَّتِي عِنْد بُيُوتهم فِي الرِّبَاط الْمَذْكُور هُوَ
والحاج شمس الدّين عَليّ بن دَاوُد الْحداد فَلَمَّا عمرت جعلت الموقفة
وَهِي امْرَأَة السُّلْطَان الظَّاهِر يحيى بن إِسْمَاعِيل الْأَشْرَف
النّظر على الْمدرسَة وَالْوَقْف عَلَيْهَا لهَذَا الْفَقِيه جمال
الدّين مُحَمَّد بن أبي السرُور وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن
توفّي
(1/144)
سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وثمانمئة وَدفن
بمقبرة ذِي السفال عِنْد أَهله رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بقرية ذِي السفال الرجل الصَّالح الْمُسَمّى صمى بن عبد
الله كَانَ من الْعباد الزهاد وخولط فِي عقله وَحكي عَنهُ كرامات
مِنْهَا أَنه لما قربت وَفَاته طلع إِلَى أَعلَى المنارة فِي جَامع ذِي
جبلة فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا أهل جبلة ثَلَاث مَرَّات من أَرَادَ
مِنْكُم أَن يحضر قَبْرِي فليتبعني إِلَى قَرْيَة ذِي السفال هَذَا
الْيَوْم فَتَبِعَهُ بَعضهم فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا زار قبر الشَّيْخ
يحيى بن أبي الْخَيْر نفع الله بِهِ ثمَّ دخل إِلَى الْجَامِع فِي
الْقرْيَة فرقد فنبهوه عِنْد دُخُول وَقت الصَّلَاة فوجدوه مَيتا
رَحمَه الله فقبر عِنْد قُبُور السَّادة بني عَلْقَمَة وَكَانَت
وَفَاته بعد الْعشْرين من المئة التَّاسِعَة
وَمن أهل الوحص الْحَاج الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد
الوحصي كَانَ عابدا صَالحا قيل إِنَّه رأى لَيْلَة الْقدر وَأَن
النُّجُوم فِي السَّمَاء كالمساجد الْكِبَار فتقاطرت إِلَى جِهَة
الْقبْلَة وَرَأى نورا عَظِيما فَدَعَا الله تَعَالَى أَن يحفظه
الْقُرْآن الْعَظِيم فحفظه وَأَن يرزقه الْحَج إِلَى بَيت الله
الْحَرَام فيسر الله لَهُ ذَلِك وَأَن يُسْتَجَاب دعاؤه فَكَانَ إِذا
دَعَا الله تَعَالَى أُجِيب بِمَا دَعَاهُ فَكَانَ هَذَا الْفَقِيه
جمال الدّين مَقْصُودا للمهمات ولطلب الدُّعَاء وَلم يزل على الْحَال
المرضي إِلَى أَن توفّي بعد سنة أَرْبَعِينَ وثمانمئة
وَمن أهل شوايط المقرىء الْعَلامَة صفي الدّين أَحْمد بن عَليّ
الشوايطي قَرَأَ بالقراءات الْعشْر فِي الْيمن على جمَاعَة من
الْأَئِمَّة واشتهر بتجويد الْقِرَاءَة وَالِاجْتِهَاد بِالْعبَادَة
ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة وَإِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة فحج
وزار ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده فَأَقَامَ بهَا يدرس بالقراءات ثمَّ
اخْتَار الِانْتِقَال إِلَى مَكَّة بأولاده وَسكن بهَا إِلَى أَن توفّي
سنة أَربع وَسِتِّينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
(1/145)
وَمن أهل بِلَاد الجعاشن بِالْمَكَانِ
الْمُسَمّى أدمار الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمرَان بن
مُحَمَّد بن عمرَان هُوَ مِمَّن تقدّمت وَفَاته وَلم يذكرهُ المؤرخون
وَكَانَ من الصَّالِحين العابدين وشهرت لَهُ الكرامات فجلل واحترم وَمن
أَوْلَاده الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن كَانَ مشاركا بِشَيْء
من الْعُلُوم وَأَجَازَ لَهُ الْفَقِيه نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن
إِبْرَاهِيم الْعلوِي وَقد حضر عِنْده قِرَاءَة صَحِيح البُخَارِيّ
وَكتب بطبقة السماع ثمَّ توفّي بعد ذَلِك بسنين قَليلَة رَحمَه الله
وَمن معشار السارة المقرىء الْوَلِيّ شمس الدّين عَليّ بن عمر
الْخَولَانِيّ كَانَ عَالما عابدا زاهدا قَرَأَ الْقرَاءَات بالسبع
وبغيرها من سَائِر الْعُلُوم على بعض فُقَهَاء وقته وَقصد للإفادة
وَأجْمع أهل عصره على صَلَاحه وَعلمه وَأثْنى عَلَيْهِ الإِمَام جمال
الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر بن أبي بكر الْخياط فَقَالَ هُوَ المقرىء
صَاحب الكرامات أشهر من أَن يذكر رأى بعض الأخيار النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل
بَين عَيْني المقرىء على الْخَولَانِيّ فَكَأَنَّمَا قبل بَين عَيْني
فَكَانَ النَّاس يقصدونه للتبرك بِهِ وَبلغ الْغَايَة فِي الاشتهار
انْتهى كَلَام ابْن الْخياط وَطَالَ عمر هَذَا المقرىء وانتفع بِهِ
النَّاس قيل إِنَّه توفّي آخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن تلامذته المقرىء الْفَقِيه الصَّالح الْوَلِيّ صَاحب الكرامات
عفيف الدّين عَطِيَّة بن أبي بكر بن مَنْصُور العيسوي قَرَأَ بالقراءات
على شَيْخه الْمُقدم ذكره وبالفرائض على الْفَقِيه الإِمَام أبي الْحسن
عَليّ بن عمر العقيبي وَقَرَأَ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير
على غَيرهم من الْعلمَاء فِي زبيد والمخادر
وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي
وَأثْنى عَلَيْهِ الْفَقِيه شهَاب الدّين الْمَذْكُور وَكَانَ هَذَا
المقرىء منقبضا على النَّاس مُمْتَنعا عَن الرِّئَاسَة الدُّنْيَوِيَّة
منحازا بِدِينِهِ مُبَارَكًا لَهُ فِي عمره عابدا زاهدا
(1/146)
وَمن مناقبه مَا رَأَيْته مُعَلّقا بِخَط
الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر بن أبي بكر الْخياط قَالَ
أَخْبرنِي الْفَقِيه الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد
الْعَبدَرِي أَنه سَمعه يَقُول سَافَرت فِي بعض السنين على قدم
التَّوَكُّل إِلَى مَكَّة المشرفة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة
فوصلنا أَنا ورفيق لي وَقد أرملنا وطرحنا أَنْفُسنَا فِي حافة على
الرمل إِلَى أَن طلع الْفجْر فَلَمَّا أَسْفر الْفجْر إِذْ بِرَجُل
مَعَه رَاحِلَة فَقَالَ لي اركب فَقلت وصاحبي فَقَالَ اركبا فركبت
فَمَا صلينَا صبح ذَلِك الْيَوْم إِلَّا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة
وَحكي لَهُ مَنَام عَجِيب برؤيا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تدل على خَيره وفضله وَقد ذكرت ذَلِك فِي الأَصْل توفّي رَحمَه الله
تَعَالَى سنة ثَلَاث وثمانمئة وتربته فِي عزلة القصيع من بلد الأمجود
من عزلة شلف وقبره يزار ويتبرك بِهِ وَلأَهل الْبَلَد فِيهِ اعْتِقَاد
عَظِيم
وَمِمَّا قَالَه تِلْمِيذه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي من
قصيدة كَبِيرَة
(فقد فاقت الغزلان شرقا ومغربا ... كَمَا فاق سَادَات الورى سَيِّدي
الْمقري)
(إِمَام الْهدى قطب الزَّمَان بِلَا مرا ... جميل السجايا كعبة الْمجد
وَالْعصر)
(فريد بأنواع الْفَضَائِل كلهَا ... من الزّهْد والإتقان وَالْعلم
وَالذكر)
(وقار وبر وانقياد وَرَحْمَة ... ونصح صَحِيح والسلامة فِي الصَّدْر)
وَفِي نجد شعب النشرية من مخلاف جبل الأيفوع المقرىء الْعَلامَة تَقِيّ
الدّين
(1/147)
عمر بن عمار كَانَ مقرئا عابدا عَالما
صَالحا انْتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَحكي عَنهُ فِي أَمر
الْعِبَادَة مَا قد يعجز عَنهُ غَيره بوقته وشارك فِي شَيْء من
الْفِقْه والنحو واللغة وَتُوفِّي على رَأس المئة الثَّامِنَة أَو
قبلهَا بِقَلِيل
وَمن عزلة القصيع الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن أبي بكر الدمتي كَانَ
رجلا مُبَارَكًا فَاضلا زاهدا مُعْتَزِلا عَن النَّاس اشْتهر بالصلاح
وقصده النَّاس للتبرك بِهِ وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَكَانَ مشاركا
بِعلم الْفِقْه توفّي بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن أهل ذِي الاعتام بمعشار السارة المقرىء الصَّالح الْعَالم ذُو
الكرامات بدر الدّين حسن بن عمر المقرىء قَرَأَ بالقراءات السَّبع على
جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ ثمَّ قَرَأَ بالفقة على جمَاعَة
من أهل مَدِينَة إب ثمَّ انْتقل إِلَى ذِي الاعتام وَسكن بهَا وانتفع
على يَده جمَاعَة من طلبة الْعلم الشريف واشتهر بِالْعبَادَة وجلل
واحترك وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن
قَرَأَ على وَالِده بالقراءات السَّبع وعَلى القَاضِي صفي الدّين
أَحْمد بن أبي بكر البريهي بِمَدِينَة إب وأجازوا لَهُ ثمَّ رَجَعَ
إِلَى بَلَده ودرس وَأفْتى بهَا وانتفعت بِهِ جمَاعَة واشتهر بالورع
وَالصَّلَاح وإكرام الضَّيْف وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين توفّي بعد سنة
عشْرين وثمانمئة فخلفه وَلَده الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عبد الله
بن مُحَمَّد بن حسن وَقَرَأَ على أَبِيه فِي الْفِقْه ثمَّ قَرَأَ
بِمَدِينَة إب على الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر
الرعياني بالفقه ثمَّ رَجَعَ بَلَده فدرس وَأفْتى بهَا ثمَّ سَافر
إِلَى مَكَّة المشرفة فعاجلته الْمنية فَمَاتَ فِي الْبَحْر وَكَانَت
مَعَه كتب نافعة جمعهَا هُوَ وَأَبوهُ وجده فَبَقيت بيد ولد لَهُ
وَكَانَت وَفَاته بعد سنة خمسين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع
بِهِ
(1/148)
وَمن أهل شلف الْفَقِيه الصَّالح جمال
الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الشلفي هُوَ وَالِد الإِمَام شهَاب الدّين
أَحْمد الشلفي الْآتِي ذكره مَعَ أهل مَدِينَة تعز كَانَ لهَذَا
الْفَقِيه جمال الدّين معرفَة جَيِّدَة فِي علم الْفَرَائِض وَكَانَ من
الأخيار الصَّالِحين وَتُوفِّي بِأول المئة التَّاسِعَة أَو قبلهَا
بِقَلِيل
وَمن أهل تِلْكَ الْجِهَات الإِمَام الْعَلامَة أَبُو إِسْحَاق
إِبْرَاهِيم بن أَحْمد السجان لقبا التريبي مولدا الريمي مسكنا أَعنِي
ريمة المخلاف لَا ريمة اصاب قَرَأَ على جمَاعَة من فُقَهَاء وقته
وأجازوا لَهُ فَكَانَ فَقِيها فَاضلا عَالما عَاملا محققا وَشهر بِعلم
الْفَرَائِض والجبر وَغَيرهمَا وَقصد للإفادة وَتخرج بِهِ جمَاعَة من
الْأَئِمَّة وصنف شرحا مُفِيدا بمخارج الْعدَد الَّذِي فِي آخر كتاب
الْهِنْدِيّ وَمِمَّنْ تخرج بِهِ الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن
مُحَمَّد الشلفي ومدحه بِأَبْيَات ذكرتها فِي الأَصْل وَتُوفِّي فِي
الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي بكر
الأكنيتي قَرَأَ على الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي
وعَلى غَيره من عُلَمَاء الحَدِيث وَالْفِقْه وَكَانَ ذَا عبَادَة
وَصِيَام وَقيام وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَقصد للمهمات فَكَانَ
بِبَلَدِهِ وحيد عصره وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ
وثمانمئة وقبر بالخنيشب فِي تربة ضَارب رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن أهل تِلْكَ الْجِهَات الْفَقِيه الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد
بن عبد الله الْخَولَانِيّ البحري المشرقي قَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه
شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الشلفي وعَلى الإِمَام جمال الدّين بن
الْخياط وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وانتفع عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ جمع
كثير وَكَانَ كثير السَّعْي بِقَضَاء حوائج الْمُسلمين وَله أَخْلَاق
رضية وَحج وزار قبر النَّبِي
(1/149)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى
بَلَده وَبَقِي على الْحَالة الأولى يُفْتِي ويدرس وَيكرم الضَّيْف
ثمَّ دَعَاهُ الشوق إِلَى معاودة الْحَج تَطَوّعا ولزيارة قبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتوفي فِي الطَّرِيق فَحمل وَدفن بِالبَقِيعِ
سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن أهل الحصابيين الإِمَام الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد
بن أسعد الحذيفي تفقه بِالْإِمَامِ الريمي وَغَيره وأجازوا لَهُ ثمَّ
انْتقل إِلَى بلد الحصابيين فدرس وَأفْتى واشتهر ورزق مَالا كثيرا
فأنفق معظمه فِي وُجُوه المكرمات من إكرام الضَّيْف وَالْإِحْسَان
إِلَى الْوَافِد وَغير ذَلِك وَجمع كتبا كَثِيرَة وانقاد لَهُ أهل قطره
ثمَّ توفّي بِأول المئة التَّاسِعَة
وَخَلفه بمنصبه أَوْلَاده النجباء أكبرهم الْفَقِيه الْأَجَل صفي
الدّين أَحْمد أَخذ الْفِقْه عَن الإِمَام العوادي ثمَّ عَن الإِمَام
صفي الدّين الشلفي وَسمع الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي
وعَلى غَيره وأجازوا لَهُ بِمَدِينَة تعز ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده
الحصابيين فدرس وَتَوَلَّى قَضَاء ذَلِك الْقطر وَكَانَ لَهُ قيام
وتهجد ورزق جاها عَظِيما زَائِدا على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَالِده
وَكَانَ مكرما للضيف ملْجأ للوافد يقْضِي حوائج الْمُسلمين على يَده
ويتوسط بالإصلاح بَين الْقَبَائِل وَهُوَ مُطَاع فِي قطره وَتُوفِّي
بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
فخلفه بِالْقيامِ بمنصبه أَخُوهُ الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الله
قَرَأَ على أَخِيه وعَلى غَيره
وَكَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة بالفقه فسلك سَبِيل أَبِيه وأخيه فِي
التدريس وَالْفَتْوَى وإكرام الضَّيْف ثمَّ توفّي من الْبَرْق سنة
أَرْبَعِينَ وثمانمئة
فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبهما أخواهما الْفَقِيه الْأَجَل وجيه الدّين
والفقيه الصَّالح شرف الدّين قَاسم قَرَأَ مَعًا بالفقه على الْفَقِيه
جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وعَلى أَخِيه شهَاب
الدّين أَحْمد بن عبد الله وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين
(1/150)
مُحَمَّد بن أبي بكر الرعياني وأجازوا
لَهما وَكنت مِمَّن صحبهما فِي الْقِرَاءَة فَرَأَيْت من اجتهادهما مَا
يعجز عَنهُ غَيرهمَا لوقتهما من سهر اللَّيْل وَالْقِرَاءَة والمطالعة
فارتحلا من مَدِينَة إب إِلَى بلدهما فأقاما بهَا يدرسان ويفتيان إِلَى
أَن توفّي الْفَقِيه شرف الدّين سنة خمسين وثمانمئة وَبَقِي بعده
أَخُوهُ الْفَقِيه وجيه الدّين قَاضِيا بِتِلْكَ النواحي مَشْهُورا
بِأَفْعَال الْخَيْر وإكرام الضَّيْف وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين إِلَى
أَن توفّي قريب سنة سِتِّينَ وثمانمئة وَهُوَ خَاتِمَة أهل هَذَا
الْبَيْت من الْفُضَلَاء وَالْفُقَهَاء
وَمن الْمَوْجُودين فِي قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْكتاب
الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن الإِمَام شهَاب الدّين الشلفي أجَاز لَهُ
وَالِده وَقَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر ابْن
الْخياط وعَلى الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي
وَغَيرهمَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بمعشار حصن السارة وانتهت إِلَيْهِ
الرِّئَاسَة بِتِلْكَ الأقاليم فَحكم وَأفْتى وَلم يزل على الْحَال
المرضي إِلَى أَن توفّي فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ
وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد بن عَليّ البرحي قَرَأَ بفن
الْأَدَب على الْفَقِيه بدر الدّين يحيى بن روبك ثمَّ بالفقه والفرائض
على الْفَقِيه صفي الدّين أَحْمد الشلفي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد
المقرىء والفقيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم التريبي فبرع فِي فن
الْفَرَائِض وأتقن أُصُوله وحقق دقائقه ثمَّ قَرَأَ بفن الْفَرَائِض
أَيْضا على ابْن الْبُرْهَان الْمَشْهُور بزبيد فَكَانَ وحيد عصره
بِبَلَدِهِ فِي فن الْفَرَائِض والحساب والجبر وَغير ذَلِك وأتقن
المناسخات والدوريات وَإِخْرَاج المجهولات ومساحة الدوريات وَغير ذَلِك
مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا الْفَنّ وَكَانَ يحفظ كثيرا من الشّعْر
وَكَانَ خامل الذّكر لاشتغاله بأعمال الزَّرْع وسكونه فِي الْبَادِيَة
ثمَّ توفّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِمَّنْ سكن بِتِلْكَ الْجِهَات وَهِي معشار السارة من الوافدين
إِلَيْهَا الْفَقِيه
(1/151)
الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عَليّ
الجبرتي وَفد من بَلَده سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمانمئة واشتغل
بِالْعبَادَة وانعزل عَن النَّاس فَوقف مُدَّة سِنِين ثمَّ انْتقل
إِلَى مَدِينَة تعز وَقَرَأَ بالفقه والنحو على الْفُقَهَاء بهَا ثمَّ
رَجَعَ إِلَى معشار السارة فتأهل بهَا وقطن واشتهر بِالْفَضْلِ
وَالصَّلَاح وَقصد للتبرك واشتهرت لَهُ كرامات وَنسب إِلَيْهِ علم
الْأَسْمَاء والكيمياء
(1/152)
|