طبقات صلحاء اليمن تاريخ البريهي
القَوْل فِي ذكر من تحققنا حَاله من
الْعلمَاء والصلحاء من أهل مَدِينَة تعز وصبر وَذخر وَمَا والاها
والوافدين إِلَيْهَا من الْعلمَاء المتوفين بهَا
أما مَدِينَة تعز فَهِيَ الْبَلدة الْمَشْهُورَة الَّتِي جمعت فِي
المئة الثَّامِنَة وَصدر من المئة التَّاسِعَة أعيانا من الْقُرَّاء
وَالْفُقَهَاء والمحدثين من الْأَئِمَّة المبرزين
فَقبل أَوَاخِر المئة الثَّامِنَة كَانَ المتصدر للتدريس جمَاعَة
أَجلهم الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي
السُّعُود الحثيثي النزاري اشْتهر بالريمي فَهُوَ الَّذِي سلمت
إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي الْعلم فقصدته الطّلبَة من جَمِيع أقطار
الْيمن وَغَيره واعترفوا بفضله واغترفوا من فَوَائده وفهمه فَكَانَ
مَجْلِسه جَامعا للمبتدي والمنتهي يفيدهم من نخب علمه وَيفِيض
عَلَيْهِم من جوده قَالَ فِيهِ بَعضهم
(عَلامَة الْعلمَاء واللج الَّذِي ... لَا يَنْتَهِي وَلكُل لج سَاحل)
فمعظم من اشْتهر من الْعلمَاء بعده من تلامذته وتلامذة تلامذته
وَتُوفِّي بِمَدِينَة زبيد سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة
وَأَخْبرنِي جمَاعَة من تلامذته أَنه قَلما يَأْتِي فِي تدريسه
بِمَسْأَلَة إِلَّا ويستحضر فِيهَا نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
مَعَ مَا يذكر عَلَيْهَا الْعلمَاء من بعده وَأما مصنفاته فَهِيَ
(1/182)
كَثِيرَة مِنْهَا الشَّرْح الْكَبِير
للتّنْبِيه الْمُسَمّى بالتفقيه نَحْو سِتَّة عشر مجلدا والمعاني
البديعة فِي معرفَة اخْتِلَاف أهل الشَّرِيعَة وَكتاب الْإِجْمَاع
وَكتاب بغية الناسك فِي معرفَة الْمَنَاسِك وَكتاب الغوامض المشروح فِي
معرفَة الْإِنْسَان وَالنَّفس وَالروح وَكتاب الِانْتِصَار لعلماء
الْأَمْصَار وَكتاب مطالع الْإِشْرَاق فِي اخْتِلَاف الْغَزالِيّ وَأبي
إِسْحَاق وَكتاب الدّرّ النظيم الْمُنْتَقى من كتاب التِّرْمِذِيّ
الْحَكِيم وَله غير ذَلِك مِمَّا يطول تعداده مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي
الأَصْل وَقد ذكر الخزرجي المؤرخ رَحمَه الله تَعَالَى بتاريخ فَضَائِل
هَذَا الإِمَام مِمَّا يُغني عَن إِعَادَة ذَلِك هُنَا وَإِنَّمَا قصدت
التَّبَرُّك بِذكرِهِ فِي كتابي وَذكر بعض مصنفاته رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَمن الوافدين إِلَى الْيمن أَيَّام شهرة الإِمَام الريمي القَاضِي
الْعَلامَة الْمجمع على جَلَاله وعلو قدره وفضله من أَنْوَاع الْعُلُوم
النافعة شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن صقر الغساني الدِّمَشْقِي
كَانَ فَقِيها أصوليا مُحدثا أَخذ الْعلم عَن الْأَئِمَّة
الْمُجْتَهدين كالشيخ نجم الدّين الأصفوني وَالْإِمَام جمال الدّين
الأسنوي وَهُوَ أول من أَدخل كتاب الْمُهِمَّات إِلَى الْيمن ورزق
الجاه وَالْقَبُول عِنْد الْعَامَّة وقربه السُّلْطَان الْمُجَاهِد
إِلَيْهِ وولاه الْقَضَاء الْأَكْبَر وَقَرَأَ عَلَيْهِ شَيْئا من
الْعُلُوم وَجعله من خواصه وَأهل حَضرته وَمد الله فِي عمره فَبَقيَ
على الْقَضَاء الْأَكْبَر مُدَّة من أَيَّام الْمُجَاهِد وَمُدَّة
ولَايَة الْملك الْأَفْضَل
(1/183)
وصدرا من أَيَّام الْملك الْأَشْرَف وَلما
لزم أَمِير صَاحب مصر السُّلْطَان الْمُجَاهِد ثمَّ أطلق وَدخل الشَّام
وَاجْتمعَ بِجَمَاعَة من كبار الصُّوفِيَّة وشيوخ الْعلم وَكتب إِلَى
الإِمَام ابْن صقر كتابا بليغا يُعلمهُ بذلك وَبِمَا وجده فِي سَفَره
من فَوَائِد وعجائب وغرائب مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل بِكَمَالِهِ
وَقد كَانَ السُّلْطَان الْمُجَاهِد جعل للْإِمَام ابْن صقر النّظر على
الْمدَارِس فَبَقيَ على حَاله بذلك وبالتدريس وَالْفَتْوَى بِمدَّة
الإِمَام جمال الدّين الريمي ودولة الْملك الْأَفْضَل إِلَى أَن توفّي
بِمَدِينَة تعز سنة خمس وَثَمَانِينَ وسبعمئة وقبر بالأجيناد رَحمَه
الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَمن أهل مَدِينَة تعز المقرىء الصَّالح شمس الدّين عَليّ بن عَبَّاس
السكْسكِي قَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء الصَّالح عَليّ بن
مُسلم الْخَولَانِيّ وَقَرَأَ على غَيره من سَائِر فنون الْعلم حَتَّى
تأهل للتدريس فدرس وَأفْتى وَأفَاد ثمَّ ندب لتأديب أَوْلَاد
الْأَفْضَل بن الْمُجَاهِد مِنْهُم إِسْمَاعِيل الْأَشْرَف فَانْتَفع
على يَده وَكَانَ المقرىء شمس الدّين عابدا صَالحا مَقْصُودا للمهمات
واشتهرت لَهُ الكرامات فَكَانَ يزار وَيطْلب مِنْهُ الدُّعَاء وَكَانَ
السُّلْطَان إِذا مر فِي طَرِيقه على بَاب دَاره وقف حَتَّى يلقاه
المقرىء وَيَدْعُو لَهُ ثمَّ ينْصَرف السُّلْطَان ورزقه الله تَعَالَى
ولدا نجيبا هُوَ الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن كَانَ فَاضلا
برع فِي علم الْفِقْه والنحو والفرائض بعد قِرَاءَته على وَالِده وعَلى
جمَاعَة من شُيُوخ عصره فنجب وأعجب ولي كِتَابَة الْإِنْشَاء فِي
الدولة الْأَفْضَلِيَّة ثمَّ ولي الْقَضَاء الْأَكْبَر بعد موت
الإِمَام ابْن صقر ثمَّ تولى الوزارة ومدحه الشُّعَرَاء بغرر المدائح
فأجازهم الجوائز السّنيَّة وَمِمَّنْ مدحه الْوَزير التقي ابْن معيبد
بقصيدة كَبِيرَة
(1/184)
(سميري فِي الدياجر والدجنة ... بِنَفس فِي
الْمحبَّة مطمئنة)
(أعد ذكر الْأَحِبَّة لي فَإِنِّي ... عَليّ بذكرهم أَمن ومنة)
وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل توفّي المقرىء شمس الدّين عَليّ بن
عَبَّاس وَولده الْوَزير وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن فِي سنة وَاحِدَة
وَهِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسبعمئة رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما
آمين
وَمِنْهُم القَاضِي الْعَلامَة الإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن مُوسَى
بن عمرَان الشَّافِعِي قَرَأَ على ابْن المكرم وَابْن الدمتي
وَغَيرهمَا من أَئِمَّة وقته وبرع فِي زمن الإِمَام الريمي فكاد يبلغ
دَرَجَته وَتَوَلَّى الْقَضَاء فِي ثغر عدن ثمَّ انْفَصل عَنهُ
وَتَوَلَّى الْقَضَاء لمدينة تعز ثمَّ انْفَصل عَنهُ وتصدر للتدريس
والفتيا بهَا فَكَانَ يحل المشكلات وَجعل لَهُ النّظر على الْمدرسَة
الشمسية والمدرسة السابقية والتدريس فيهمَا وَكَانَ يُقَال لَهُ
شَافِعِيّ الزَّمَان فاشتهر بِهَذَا الِاسْم وَلَيْسَ هُوَ من
ذُرِّيَّة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يخْدم كتبه
وَيجْعَل عَلَيْهَا الْحَوَاشِي المفيدة والاستدراكات العجيبة فَمن نظر
فِيهَا شهد لَهُ بالتحقيق والتدقيق وصنف كتبا مِنْهَا كتاب مُخْتَصر
لشفاء السقام فِي زِيَارَة خير الْأَنَام للْإِمَام تَقِيّ الدّين
عَليّ بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ وَاخْتصرَ شَيْئا من تَفْسِير
الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ وَلم يتمه بل اخترمته الْمنية فَتوفي
قبل كَمَال المئة الثَّامِنَة أَو فِيهَا أَو بعْدهَا بِقَلِيل وَكَانَ
رَحمَه الله تَعَالَى قد اعْترض على الإِمَام الريمي فِي مسَائِل
كَلَامه باعتراض مُصِيب
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الإِمَام الْعَلامَة الصَّالح الْفَاضِل
عفيف الدّين عبد الله بن صَالح بن عمر البريهي قَرَأَ على ابْن عَمه
الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن البريهي وعَلى غَيره
من عُلَمَاء وقته فَكَانَ فَقِيها عَالما عابدا صَالحا خَاشِعًا استدعي
من بَلَده ذِي السفال للتدريس بِالْمَدْرَسَةِ الْأَفْضَلِيَّة
بِمَدِينَة تعز فانتقل إِلَيْهَا لذَلِك
(1/185)
وأضيفت إِلَيْهِ الْخطْبَة بِجَامِع
المغربة فَكَانَ يخْطب فِيهِ فترق الْقُلُوب لوعظه وتسكب عِنْد ذَلِك
الدُّمُوع لِخُرُوجِهِ من قلب محشو بالمعارف الربانية والعلوم القدسية
والأنوار الإلهية أجمع أهل عصره على صَلَاحه وتبركوا بمواقع أنامله
وَأخْبر كل من عرفه أَنه ولي من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَكَانَ
مِمَّن تصدر للْفَتْوَى بحياة الإِمَام الريمي وَكَانَ بِحَضْرَتِهِ
جمَاعَة من الْعلمَاء فَقدم سَائل بسؤال على الإِمَام الريمي فَأمره
أَن يتَقَدَّم بِهِ إِلَى الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح
فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أَمر برده إِلَى الإِمَام الريمي وَاعْتذر عَن
الْجَواب فتشفع صَاحب السُّؤَال وَأقسم على الْفَقِيه عفيف الدّين أَنه
يُجيب عَلَيْهِ فَأجَاب لَهُ جَوَابا شافيا فَرجع بِهِ إِلَى الإِمَام
الريمي فنظره وَاسْتَحْسنهُ وَقَالَ الْفَقِيه عفيف الدّين قَلِيل
الْقِرَاءَة ثَبت فِي الْجَواب موفق للصَّوَاب وَالظَّاهِر أَن مَعَه
ملكا يلقنه الْحق وَظَهَرت لَهُ كرامات فِي حَيَاته وَبعد مَوته فَأَما
فِي حَيَاته فَمن ذَلِك مَا أَخْبرنِي القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد
بن داؤد الوحصي قَالَ أَخْبرنِي الثِّقَة أَن الإِمَام عفيف الدّين عبد
الله بن صَالح جَاءَ رجل إِلَيْهِ يشكو عَلَيْهِ الْحمى فَدَعَا لَهُ
وَنفخ عَلَيْهِ فشفي تِلْكَ السَّاعَة وَأَخْبرنِي الثِّقَة عَن
القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد العرشاني قَالَ
كُنَّا نَقْرَأ كتابا عِنْد الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح
البريهي فَقَالَ لنا اجتهدوا نختم كتابكُمْ يَوْم الْخَمِيس الْأَقْرَب
فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى التدريس بعده يُشِير بذلك أَنه يَمُوت
قَالَ فاجتهدنا وختمنا الْكتاب يَوْم الْخَمِيس وَلَيْسَ بِهِ مرض ثمَّ
توفّي فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة من ذَلِك الْيَوْم رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَأما بعد مَوته فَمن ذَلِك مَا أخبر بِهِ الثِّقَة أَنهم لما فرغوا من
غسله وتكفينه أجلسوه فَبَقيَ جَالِسا وَحده بِغَيْر إمْسَاك لَهُ إِلَى
أَن قَرَأَ الْحَاضِرُونَ سُورَة يس وتبارك وَأَنه لما توفّي صَار فِي
لحده موجها إِلَى الْقبْلَة سَمعه بعض من حضر قَبره أَنه أَو جمَاعَة
(1/186)
يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله أُلُوف
الألوف أَو قَالَ لكوك اللكوك وَكَانَت وَفَاته سنة ثَمَان وَتِسْعين
وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين وَأعَاد على الكافة من
بركته آمين
وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ المجذوب عفيف الدّين عبد الله
اشْتهر بالشيخ الْعَفِيف كَانَ رجلا صَالحا خالطته محبَّة الله
تَعَالَى فاختل عقله وَنسب إِلَى الْجُنُون فِي بعض الْحَالَات وَقد
أخبر بعض الثِّقَات أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَت لَهُ معرفَة جَيِّدَة
بعلوم كَثِيرَة وَأَنه كَانَ يخبر بالمغيبات وَكَانَ مِمَّن يعرف علم
الْأَسْمَاء وَقد قيل إِن الْجِنّ كَانَت تأتمر بأَمْره وتنتهي بنهيه
وَكَانَ أَكثر وُقُوفه عِنْد جَامع المغربة بالريشة الَّتِي تَحت
السيفية بِمَدِينَة تعز وَقد يقف عِنْد مستوقد الحمامات وَعند
الْمَزَابِل حَال جُنُونه وَكَانَ يَقُول فلَان من أهل الْجنَّة
وَفُلَان من أهل النَّار وَإِن بعض النَّاس امْتنع عَن الْمَشْي عِنْده
خوفًا من أَن يَقُول من أهل النَّار فَلَمَّا علم الشَّيْخ الْعَفِيف
بذلك أرسل إِلَيْهِ وَقَالَ للرسول قل لَهُ إِنَّه من أهل الْجنَّة
وَقد كَانَ اصطحب الْمُمْتَنع من الْوُصُول عِنْد عزمه على الْوُصُول
إِلَيْهِ بِشَيْء من الفل المشموم ليجعله لَهُ هَدِيَّة وَجعله فِي
عمَامَته فنسي بعد وُصُوله إِلَيْهِ أَن يُعْطِيهِ الفل فَلَمَّا
أَرَادَ الِانْصِرَاف من عِنْد الشَّيْخ الْعَفِيف وَكَانَ عِنْد
مستوقد الْحمام أَخذ الشَّيْخ الْعَفِيف رَمَادا وَطَرحه إِلَيْهِ
وَقَالَ هَذَا مثل الفل الَّذِي مَعَك فَتَأمل ذَلِك فَوجدَ الرماد قد
اسْتَحَالَ فَلَا عجيبا وتذكر نسيانه للفل الَّذِي كَانَ أهداه
فَكَانَت هَذِه بعض كرامات الشَّيْخ وَله كرامات كَثِيرَة غير ذَلِك
بعد مَوته مِمَّا اجْمَعْ أهل الْبَلَد على اعْتِقَادهم بِهِ فهم
يزورونه ويلتمسون الْبركَة وَقَضَاء الْحَوَائِج لَهُم مَعَ الدُّعَاء
عِنْد قَبره وَكَانَت وَفَاته قريب آخر المئة الثَّامِنَة وقبره
بالأجيناد بالحياط الَّذِي بني على قَبره هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى
ونفع بِهِ آمين
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْوَلِيّ الصَّالح الْعَلامَة عفيف الدّين عبد
الْعَلِيم بن عبد الله المغربي لم أتحقق نسبه وَإِنَّمَا قلت المغربي
لِأَنَّهُ أخبر الثِّقَة أَنه سُئِلَ عَن بَلَده فَقَالَ شعرًا
(الغرب أحسن شَيْء ... وَالنَّفس تحنو عَلَيْهِ)
(الْبَدْر يطلع مِنْهُ ... وَالشَّمْس تأوي إِلَيْهِ)
(1/187)
وَحكى الثِّقَة أَن سَبَب انْتِقَاله إِلَى
الْيمن أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام
وَأمره أَن ينْتَقل إِلَيْهِ وَخص بذلك مَدِينَة تعز وَكَانَت لَهُ
معرفَة فِي علم الْأَسْمَاء وَيحكم على الْجِنّ فَمن ذَلِك مَا قيل أَن
مَسْجِد دَار الدملوة الْمَشْهُور بمغربه تعز حدثت فِيهِ وَحْشَة على
أَهله فَلم يستطيعوا دُخُوله لَيْلًا فشكوا ذَلِك إِلَى الشَّيْخ عبد
الْعَلِيم فَكتب لَهُم حروفا مقطعَة بِوَرَقَة وَأمرهمْ أَن يلصقوها
بِبَعْض جدران الْمَسْجِد فَفَعَلُوا ذَلِك وزالت الوحشة من ذَلِك
الْمَسْجِد وَقيل إِن ذَلِك فعل ابْن فاتك الْآتِي ذكره
وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ عبد الْعَلِيم من الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين
لعلوم كَثِيرَة وَمن الصَّالِحين المفتوح عَلَيْهِم بالمعارف والكرامات
مَخْصُوص من الله تَعَالَى بسر يحصل لَهُ مِنْهُ الْكَشْف فَكَانَت
تلْتَقط كَلِمَاته فتظهر على الصَّوَاب فِي كل الْحَالَات وَإِذا أخبر
عَن شَيْء فَكَأَنَّهُ يرى بِنور الله تَعَالَى لصِحَّة مَا يخبر بِهِ
وَمن كراماته مَا أَخْبرنِي سَيِّدي الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن
مُحَمَّد الجبرتي قَالَ أخبرهُ وَالِده عَن وَالِده عَليّ الجبرتي
قَالَ كنت أصحب الشَّيْخ عبد الْعَلِيم وَأتبعهُ بِالْمَشْيِ حَيْثُ
يمشي وأتخلق بأخلاقه وَكَانَ عِنْده بُسْتَان فِي المداجر حوله شَيْء
من شجر العرصم فَوجدت الشَّيْخ عفيف الدّين يَأْكُل العرصم فَقلت لَهُ
يَا شيخ لَا تَأْكُل هَذَا فَإِنَّهُ مر لَا يصلح للْأَكْل فَقَالَ
الشَّيْخ عبد الْعَلِيم هُوَ حُلْو فَكل معي وَأَعْطَاهُ ثَلَاث حبات
فَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ الجبرتي فتكلفت على أكلهَا طَاعَة
لَهُ فَأَكَلتهَا فَوَجَدتهَا أحلى من الْعَسَل وَأطيب من كل شَيْء من
الْفَوَاكِه فلازمته ليزيدني فَامْتنعَ فاقتطفت لنَفْسي مِنْهُ حَبَّة
وأكلتها فَوجدت طعمها مرا كالعلقم
وَمن كراماته مَا حكى الثِّقَة أَنه كَانَ بِمَدِينَة تعز رجل ينم على
النَّاس إِلَى السُّلْطَان فشكوه إِلَى الشَّيْخ عبد الْعَلِيم
فَطَلَبه وألزمه يطلع المنارة وينعي نَفسه لليوم الثَّانِي
(1/188)
فنعى نَفسه لليوم الثَّانِي فَأصْبح النمام
فِي الْيَوْم الثَّانِي مَيتا
وَحكى أَيْضا أَنه لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ أَمر بإحضار
كَفنه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمَيِّت فَفَعَلُوا واستقبل الْقبْلَة
ورقد فحركوه فوجدوه مَيتا رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ وَكَانَت
وَفَاته بآخر المئة الثَّامِنَة وَله كرامات كَثِيرَة فِي حَيَاته
وَبعد مَوته رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن المتوفين الوافدين إِلَى مَدِينَة تعز الشَّيْخ الإِمَام
الْعَلامَة الرّحال شرف الدّين مُوسَى بن مري الغزولي وصل إِلَى
الْمدرسَة المجاهدية فِي مَدِينَة تعز سنة خمس وَتِسْعين وسبعمئة
فَقَرَأَ على الإِمَام نَفِيس الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم
الْعلوِي صَحِيح البُخَارِيّ وختمه فِي ثَلَاثَة وَعشْرين مَجْلِسا
وَحضر الْقِرَاءَة جمع من الْعلمَاء الأكابر فَأجَاز لَهُم الشَّيْخ
الْمَذْكُور وأرخ الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي الْقِرَاءَة
وَالْإِجَازَة وَترْجم للشَّيْخ شرف الدّين فَقَالَ هُوَ الشَّيْخ
الإِمَام الصَّالح العابد الناسك شرف الدّين مُوسَى بن عمر بن مري بن
رماح الغزولي الْحَنَفِيّ الدِّمَشْقِي الزبيدِيّ مَنْسُوب إِلَى
الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة غزولة بِبَلَد الشَّام وَقيل غَيرهَا وَهُوَ
من الْعلمَاء الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين المبرزين توفّي
بِمَدِينَة تعز فِي الْمدرسَة المجاهدية وقبر بالأجيناد وشيعه خلق كثير
وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَتِسْعين وسبعمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع
بِهِ
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من أَهلهَا القَاضِي الْأَجَل الْعَلامَة
تَقِيّ الدّين عَليّ الْجُنَيْد كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا تولى
الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز فَسَار بِالنَّاسِ سيرة حَسَنَة وَقد قيل
أَنه إِذا حلف عِنْده الْخصم يَمِينا زورا لم يمض عَلَيْهِ أُسْبُوع
إِلَّا وَقد أُصِيب فِي أَهله أَو مَاله أَو وَلَده وَقد ذكر الإِمَام
الجندي أَهله وحقق وَفَاة أَخِيه القَاضِي جمال الدّين
(1/189)
مُحَمَّد بن عَليّ الْجُنَيْد وَكَانَت
وَفَاة هَذَا القَاضِي تَقِيّ الدّين فِي الْعشْر الأول من المئة
التَّاسِعَة وَدفن بالأجيناد رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا الشَّيْخ الصَّالح
عفيف الدّين مسبح بن عبد الله الجبرتي أصل بَلَده مَكَان يُقَال لَهُ
مسك بِعرْض الْحَبَشَة فَقدم إِلَى الْيمن وَاعْتَكف بِالْمَدْرَسَةِ
الَّتِي بالمداجر بِمَدِينَة تعز وَلزِمَ عبَادَة الله تَعَالَى واجتهد
بذلك وَكَانَت نَفَقَته من الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن
عَليّ الجبرتي وَاشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يعْمل لَهُ شَيْئا من
الْعَيْش حَتَّى يَسْتَأْذِنهُ فَبَقيَ على ذَلِك مُدَّة
وَحكى عَنهُ الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور أَنه أخبر عَن الْيَوْم
الَّذِي يَمُوت فِيهِ وَقيل لَهُ مَا يكون غداؤك فَقَالَ لَا غداء لي
عنْدك بل غداي فِي الْجنَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَوقف بعض ذَلِك
النَّهَار ثمَّ تَوَضَّأ وَصلى فقبضت روحه وَهُوَ ساجد لله تَعَالَى
وقبر بالأجيناد وَكَانَت وَفَاته لسنة أَربع وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح الْفَاضِل عفيف الدّين عبد الله بن عمر بن
مَنْصُور الصراري نسبا الشَّافِعِي مذهبا الشنيني بَلَدا وَقد يُقَال
السّني نِسْبَة إِلَى السّنة لملازمته لَهَا هُوَ المقرىء الزَّاهِد
العابد الْمُجَاهِد لنَفسِهِ حَامِل راية الْإِسْلَام غامر أندية أهل
الْفَضَائِل المضاهي بورعه الجلة من الْأَوَائِل الموضح منهاج
الْقِرَاءَة بِنور مشكاة فهمه وذكائه فَوق لَهَا سِهَام الطّلب حَتَّى
أصَاب الْغَرَض وَتَنَاول مِنْهَا الْجَوْهَر وَترك الْعرض فَأصْبح
منبسطا للتدريس مستنبطا مِنْهَا كل معنى نَفِيس كَانَت قِرَاءَته
بمواضع مُتَفَرِّقَة فِي الْيمن على أَئِمَّة الْعلمَاء أسانيدهم فِي
الصَّحِيح متفقة أَجلهم عِنْده المقرىء الإِمَام الْحَافِظ رَضِي
الدّين أَبُو بكر بن عَليّ بن نَافِع العمدي
(1/190)
الْحَضْرَمِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَرَأَ
عَلَيْهِ فَأجَاز لَهُ بِجَمِيعِ فنون الْعلم ثمَّ سكن المقرىء بقرية
شنين مُدَّة يسيرَة وانتقل مِنْهَا إِلَى مَدِينَة إب فأضيف إِلَيْهِ
إِمَامَة الْجَامِع والتدريس فِيهِ وَفِي بعض الْمدَارِس هُنَالك
وانتهت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي علم الْقرَاءَات السَّبع لبلده
وَأَخْبرنِي من يعرفهُ أَنه كَانَ لَا يمر عَلَيْهِ وَقت من النَّهَار
غَالِبا إِلَّا وَهُوَ يقْرَأ فِيهِ أَو يحصل شَيْئا من كتب الْعلم أَو
ينْسَخ كتاب الله تَعَالَى وَأَن جمَاعَة من الدرسة كَانَت قراءتهم
عَلَيْهِ لَيْلًا لما لم يَتَّسِع لَهُم النَّهَار وَلما أضيف إِلَيْهِ
الْإِمَامَة بالجامع كَانَ يصرف مَا حصل لَهُ من الْمَشْرُوط للدرسة
وَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا وَكَانَت تحمل إِلَيْهِ الزَّكَاة
وَالصَّدَََقَة فيأمر الَّذِي يَأْتِي بهَا يصرفهَا على الْفُقَرَاء
والأرامل والمحتاجين وعَلى الْيَتَامَى وَلَا يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا
مَعَ شدَّة فقره وَحَاجته وَكَانَ قوته من أُجْرَة نسخه وَمن مغل أَرض
قَليلَة كَانَ يملكهَا ويسكن بَيْتا صَغِيرا هُوَ وَأَوْلَاده وَقد عرض
عَلَيْهِ السُّكْنَى فِي الدّور الْكِبَار فأباها وَقَالَ الْقَبْر
أضيق من ذَلِك وَكَانَ قد يَشْتَهِي من لذيذ الْأَطْعِمَة فَإِذا حضر
شَيْء مِنْهَا تَركه وَقَالَ لَا أعطي النَّفس هَواهَا ثمَّ إِنَّه
سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار مرَارًا وَاجْتمعَ بالشيوخ
الْكِبَار هُنَاكَ فَأخذ عَنْهُم وَمِنْهُم من أَخذ عَنهُ كالمقرىء
شهَاب الدّين بن عَبَّاس الْآتِي ذكره
وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة مِنْهَا مَا أَخْبرنِي المقرىء تَقِيّ
الدّين عمر بن عِيسَى الْخَطِيب بِمَدِينَة إب وَغَيره قَالُوا كَانَ
للمقرىء عفيف الدّين صَاحب من أكَابِر الْبَلَد وَكَانَ تَحْتَهُ
زَوْجَة تقهره فاقترحت عَلَيْهِ شَيْئا من الْفَوَاكِه فِي الشتَاء عجز
عَن تَحْصِيله فَلم يقدر يدْخل عَلَيْهَا بِغَيْر ذَلِك الشَّيْء فجَاء
إِلَى المقرىء وشكا إِلَيْهِ وَهُوَ يعلم أَن المقرىء لَيْسَ مَعَه
شَيْء مِنْهُ وَأَنه لَا يُوجد تِلْكَ السَّاعَة بِتِلْكَ الْبَلَد
فَدخل
(1/191)
المقرىء بَيته وَأخرج لَهُ ذَلِك الشَّيْء
من الْفَوَاكِه وَأَعْطَاهُ ذَلِك فَخرج بِهِ إِلَى زَوجته فرضيت
وَمِمَّا قرأته بِخَط القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن بكر البريهي قَالَ
مَا مِثَاله
أَخْبرنِي شَيْخي الصَّالح المقرىء عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد
الشنيني نفع الله بِهِ قَالَ أَخْبرنِي رجل من بني الْأسد يُقَال لَهُ
أَحْمد بن حسن أَنه حضر فِي مجْلِس مطهر الشريف الْمَشْهُور وَكَانَ
صديقا لَهُ فَقَالَ لَهُ مَا حملك على سبّ الشَّيْخَيْنِ أبي بكر وَعمر
فَقَالَ لأجل فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا لَكِن أعلمك أَنِّي تائب من
ذَلِك فَقلت لَهُ مَا سَبَب التَّوْبَة فَقَالَ اعْلَم أَنِّي صنفت
كتابا فِي سبهما كنت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان إِذْ دخل عَليّ شيخ
صبيح الْوَجْه فَسلم عَليّ ووقف أَمَامِي فَفَزِعت مِنْهُ ثمَّ دخل
بعده شيخ فَسلم عَليّ بِكَلَام فظ غليظ كَاد فُؤَادِي أَن يطير من
هيبته ثمَّ وقف خَلْفي فَقَالَ مَا حملك على سبنا يَا مَلْعُون وَأخذ
بحلقي فخنقني خنقا ثمَّ أرسل يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ تب إِلَى الله من
سبنا ثمَّ خنقني ثَانِيَة أعظم من الأولى حَتَّى كَادَت روحي تخرج ثمَّ
أَرْسلنِي فعل ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة حَتَّى قلت أَنا من التائبين لَا
أَعُود إِلَى سبكما فأطلقني فانتبهت مَرْعُوبًا وتبت إِلَى الله
تَعَالَى من سبهما
وَمن كرامات المقرىء عفيف الدّين مَا تقدم ذكره فِي تَرْجَمَة القَاضِي
صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر البريهي فِي ذكره مَعَ أهل مَدِينَة إب
رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع بهما توفّي المقرىء عفيف الدّين يَوْم
الْأَحَد وَدفن يَوْم الِاثْنَيْنِ الْحَادِي عشر من شهر صفر سنة أَربع
وثمانمئة وقبر بالأجيناد وَلم يكن لَهُ من عقبه من يسْتَحق الذّكر
(1/192)
سوى ولد لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من
الْفِقْه وَتُوفِّي بعده بِمَدِينَة إب وَقد رأى جمَاعَة للمقرىء عفيف
الدّين بعد مَوته رُؤْيا تدل على خير كثير لَهُ رَحمَه الله ونفع بِهِ
آمين
وَمِنْهُم الْفَقِيه الإِمَام الصَّالح عفيف الدّين عمر بن عِيسَى
العماكري كَانَ عَالما عَاملا خَاشِعًا زاهدا قَرَأَ على الإِمَام جمال
الدّين الريمي وَأَجَازَ لَهُ وَكَانَ من أكبر أَصْحَابه وَسمع
الحَدِيث وَالتَّفْسِير على الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ
وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ وَكَانَ الإِمَام
عفيف الدّين من الْفُضَلَاء العارفين وَمن عباد الله الصَّالِحين
وَمِمَّنْ انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي التدريس وَالْفَتْوَى بعد
الإِمَام جمال الدّين الريمي وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْفُقَهَاء
الْمُتَأَخِّرين بعده وَكَانَ يتورع من قبض الْعَطاء من الْمُلُوك
وَلَا يَأْكُل من طعامهم وَكَانَ لَهُ أَسبَاب من الْوَقْف فَيعْمل
بِمَا شَرطه الْوَاقِف وَلَا يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا بل مَا حصل مِنْهُ
صرفه للدرسة ولغيرهم وَكَانَ يَأْكُل من أَرض لَهُ وَامْتنع من ولَايَة
الْقَضَاء بتعز بعد عرضه عَلَيْهِ
توفّي الإِمَام عفيف الدّين فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة
وَدفن بالأجيناد وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَكَانَ لَهُ
أَوْلَاد نجباء
مِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين قَاسم قَرَأَ على وَالِده وانتفع
وَأَجَازَ لَهُ ودرس وَأفْتى وَحصل كتبا كَثِيرَة فاجتهد بضبطها
وتصحيحها حَتَّى توفّي بعد وَفَاة وَالِده بِمدَّة يسيرَة وقبر عِنْد
وَالِده رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن أَوْلَاده الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد قَرَأَ على
وَالِده وعَلى غَيره من الْعلمَاء بالفقه وَقَرَأَ وَسمع الحَدِيث
وَالتَّفْسِير عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام
نَفِيس الدّين الْعلوِي وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ اسْتمرّ إِمَامًا ومعيدا
فِي الْمدرسَة المظفرية واجتهد بِالْعبَادَة وَكَانَ من الْعلمَاء
الزاهدين وَمن عباد الله الصَّالِحين
وَكَانَ يَصُوم الْأَيَّام الْبيض وكل اثْنَيْنِ وخميس وَكَانَ لَهُ
تهجد بِاللَّيْلِ وتلازم على التِّلَاوَة وَالذكر إِلَى أَن يُصَلِّي
الضُّحَى
وَظَهَرت لَهُ كرامات كَثِيرَة ومكاشفات كَثِيرَة
(1/193)
ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَتُوفِّي سنة
ثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر بالأجيناد فقبره يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه
الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْجَلِيل الإِمَام العابد الزَّاهِد وجيه الدّين
عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الزوقري الْهِلَالِي هُوَ من ذُرِّيَّة
الإِمَام أَحْمد بن حميد الزوقري وَقد ذكره الجندي وَقَالَ تربته بِذِي
المليد بِرَأْس قياض وَقَالَ عِنْدهَا تنجح الْمَقَاصِد أَخذ هَذَا
الْفَقِيه وجيه الدّين الْفِقْه عَن الإِمَام جمال الدّين الريمي
وَغَيره وَأخذ الحَدِيث عَن الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ
وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأجازوا لَهُ وَكَانَ أماما فِي
الْأُصُول وَالْفُرُوع وَمِمَّنْ عَلَيْهِ مدَار الْفَتْوَى والتدريس
فِي مَدِينَة تعز وَكَانَ باذلا نَفسه لإِفَادَة الْعلم الشريف
يتلَقَّى الطّلبَة مِنْهُ الْفَوَائِد الجليلة لَا يَخْلُو وَقت من
أوقاته عَن تدريس أَو قيام بِعبَادة أَو فَتْوَى وَهُوَ من الْوَرع على
جَانب عَظِيم وَحصل من الْكتب النافعة شَيْئا كثيرا وَكَانَ يصحب
الْفُقَهَاء وَالصَّالِحِينَ ويؤاخيهم وَلَا يَأْكُل شَيْئا فِيهِ
شُبْهَة وَلَا يقبل شَيْئا من الْمُلُوك وَلَا يَأْكُل من زادهم وَلم
يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة عشر وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ وَدفن بالأجيناد ورثاه بَعضهم بقصيدة طَوِيلَة
مِنْهَا
(إِلَى رَحْمَة الله انْتَقَلت مكرما ... وَفِي جنَّة الفردوس صرت
مخيما)
(قدمت على الرَّحْمَن يَا عَبده الَّذِي ... على كل عبد فِي الصّلاح
تقدما) وَهِي طَوِيلَة ذكرتها فِي الأَصْل وَكَانَ لَهُ ولد يُسمى عمر
برع بفن الْأَدَب وَالشعر ورتب فِي الدولة الظَّاهِرِيَّة كَاتبا
للإنشاء فَمن شعره مَا يفتخر بِهِ ويمدح أَبَاهُ مِنْهَا
(1/194)
(أَنِّي أَنا الْجَبَل الرفيع فَمَا
الَّذِي ... أخشاه مِمَّن فِي الحضيض الْأَسْفَل)
(أَنا من هِلَال فِي أعز ذؤابة ... من آل زوقر فِي الرعيل الأول)
(وَأبي فقيههم الَّذِي عرفُوا بِهِ ... فِي الدّين كل محرم ومحلل)
وَله غير ذَلِك من الشّعْر البليغ وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة ثَلَاث
وَأَرْبَعين وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة النَّحْوِيّ البارع برهَان الدّين
إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل الجحافي كَانَ إِمَامًا محققا بِعلم
النَّحْو واللغة ومشاركا بِعلم الْفِقْه والْحَدِيث والفرائض قَرَأَ
على الشُّيُوخ الْكِبَار من السَّادة الْعلمَاء كالشيخ مجد الدّين
الصديقي وَالشَّيْخ شهَاب الدّين بن حجر وَالْإِمَام نَفِيس الدّين
الْعلوِي وَغَيرهم وَغلب عَلَيْهِ فصاحة الشّعْر حَتَّى سمي حريري
الزَّمَان وَلما وَفد الشَّيْخ شهَاب الدّين بن حجر كتب إِلَيْهِ
الْفَقِيه برهَان الدّين الجحافي مَا مِثَاله يمدحه بقصيدة طَوِيلَة
أَولهَا
(شكرا لسير السابقات العراب ... الأعوجيات بَنَات العراب)
(وللمهارى الَّتِي لم تزل ... تخوض فِي السبسب لج السراب)
إِلَى آخرهَا وَكَانَ ذَلِك سنة ثمانمئة
فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ استحسنها وَأجَاب عَنْهَا فَقَالَ
(أَهلا بهَا حسناء رَود الشَّبَاب ... وافت لنا سافرة للنقاب)
(مفترة عَن جَوْهَر رائع ... لَكِن مَأْوَاه نحور الْعَذَاب)
وَهِي طَوِيلَة وَقد ذكرت القصيدة الَّتِي للْإِمَام الجحافي جَمِيعهَا
وَالْجَوَاب عَنْهَا
(1/195)
للْإِمَام شهَاب الدّين بن حجر جَمِيعه فِي
الأَصْل فَتركت ذكر ذَلِك هُنَا اختصارا وَقد ذكر الإِمَام شهَاب
الدّين بن حجر بقصيدته شَيْئا من اللغز فَعرفهُ الجحافي وَأجَاب
عَلَيْهِ على غير هَذِه القافية مِمَّا ترَاهُ مَبْسُوطا فِي الأَصْل
مَعَ غَيره فِي قصائد كَثِيرَة مِمَّا يفتخر بِهِ على الشُّعَرَاء
وَمِمَّا كتبه إِلَى الْفَقِيه للْإِمَام صفي الدّين أَحْمد بن حسن
البريهي على لِسَان الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشنيني
فِي قصيدة طَوِيلَة أَولهَا
(دع الدَّهْر فِيمَا يَشَاء يجْرِي مشاقه ... فسيان عِنْدِي بَينه
واتساقه)
(وَلَا تعجبن من دَهْرنَا واتفاقه ... فَمَا عجب فِي الدَّهْر إِلَّا
وفاقه)
توفّي الْفَقِيه برهَان الدّين الجحافي فِي مَدِينَة تعز قريب سنة عشر
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين صَالح بن أَحْمد بن
مُحَمَّد بن عمرَان الْحِمْيَرِي الدمتي قَرَأَ على الإِمَام جمال
الدّين الريمي وعَلى غَيره فِي الْفِقْه وَقَرَأَ وَسمع على الشَّيْخ
مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث
وَالتَّفْسِير وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَكَانَ عَالما عَاملا صَالحا
لَا يَأْكُل إِلَّا مَا تَيَقّن حلّه من أَرض يملكهَا فينفق على نَفسه
وعَلى عِيَاله من مغلها وَيتَصَدَّق بِالْبَاقِي وَاسْتمرّ بِأَسْبَاب
وَالِده وجده إِذْ كَانَا من الْفُقَهَاء المجودين وَالْأَئِمَّة
الْمُحَقِّقين وَكَانُوا ملازمين للتدريس فِي مدرسة المحاريب الَّتِي
أنشاها المظفر حسن بن دَاوُد بن يُوسُف بن عمر بن عَليّ بن رَسُول
والأسدية الَّتِي فِي الميهال وَغير ذَلِك وَكَانَ محققا لدقائق
الْفِقْه ثبتا فِي
(1/196)
الْفَتْوَى مبارك التدريس وَله فِي
الْأَدَب الْيَد الطُّولى وقريحة فِي الشّعْر فَمن ذَلِك مَا أجَاب
بِهِ للفقيه صفي الدّين أَحْمد بن حسن البريهي نِيَابَة عَن المقرىء
عفيف الدّين الشنيني لما وصلت إِلَيْهِ القصيدة الَّتِي من الْفَقِيه
صفي الدّين الْمَذْكُور الَّتِي أَولهَا
(أَمن بعد التباعد والتنائي ... يجود الدَّهْر يَوْمًا باللقاء)
(وَهل للوصل بعد الْبعد قرب ... وَهل للسخط يَوْمًا من رِضَاء)
وَهِي طَوِيلَة مِنْهَا فِي مدح الإِمَام المقرىء الشنيني رَحمَه الله
وفيهَا يشكو من خوفهم بِمَدِينَة إب وَطَلَبه الدُّعَاء من المقرىء
بِإِزَالَة ذَلِك فَأجَاب الْفَقِيه عفيف الدّين صَالح الدمتي نِيَابَة
عَن المقرىء الشنيني بِمَا مِثَاله
(شكا ألم التباعد والتنائي ... لنا شيخ صَدُوق فِي الإخاء) (فحرك كامنا
من حر شوق ... ووجدا سَاكِنا وسط الحشاء)
وَهِي طَوِيلَة مثبتة بكمالها فِي الأَصْل توفّي الْفَقِيه عفيف الدّين
صَالح بعد الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة وقبر بالأجيناد وقبره
يزار ويتبرك بِهِ رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن صَالح
الدمتي قَرَأَ على وَالِده وعَلى الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن
صَالح البريهي وعَلى غَيرهمَا فِي الْفِقْه وَقَرَأَ وَسمع الحَدِيث
على الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي
وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِالْمَدْرَسَةِ المظفرية بعد موت وَالِده
ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة لِلْحَجِّ فَتوفي بساحل عَازِب
غَرِيبا وَذَلِكَ سنة سِتّ عشرَة وثمانمئة وَقد كَانَ حصل بَينه وَبَين
ابْن روبك الشَّاعِر الْمَعْرُوف شَحْنَاء على بعض الْأَسْبَاب فهجاه
ابْن روبك
(1/197)
وَكَانَ شَاعِرًا فصيحا فَلَمَّا علم
بِمَوْتِهِ تَابَ وَنَدم على مَا حصل مِنْهُ فَأتى بقصيدة يعْتَذر
فِيهَا ويرثى بهَا الْفَقِيه جمال الدّين من ذَلِك مَا قَالَه فِيهَا
(ولي هفوات فِيهِ بالْأَمْس قلتهَا ... إِلَى الله قد اصبحت مِنْهُنَّ
تَائِبًا)
(فَإِنِّي فِي مدحي لَك الْيَوْم صَادِق ... كَمَا كنت فِي ذمِّي لَك
الأمس كَاذِبًا)
(فَقل لِذَوي الْحَاجَات موتوا مجاعَة ... فقد مَاتَ عَنْكُم من يُمِيت
المساغبا)
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ على يَدَيْهِ قَضَاء حوائج
لِأُنَاس كثيرين عِنْد سُلْطَان الْوَقْت وَمِنْهَا
(فاصبر فَإِن الصَّبْر لِلْأجرِ جالب ... فدونكم مَا كَانَ لِلْأجرِ
جالبا)
(سقى الله مثواه حَيا مُتَتَابِعًا ... وَأَعْطَاهُ فِي أَعلَى الْجنان
مراتبا)
وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد
الله الْحرَازِي كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَالْأَئِمَّة
الْمُحَقِّقين العارفين قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي فِي
فنون الْعلم فَأجَاز لَهُ وَخلف الإِمَام الريمي بعد مَوته بالتدريس
بِالْمَدْرَسَةِ المؤيدية وَبِه تخرج جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم
الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي وزوجه ابْنَته
وَأوصى لما خصّه من السَّبَب للتدريس بالمؤيدية للفقيه عبد الْوَلِيّ
وَخَلفه بالتدريس بهَا توفّي الْفَقِيه شهَاب الدّين فِي الْعشْر الأول
من المئة التَّاسِعَة وقبر بالأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا القَاضِي الْأَجَل
الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن القَاضِي الْأَجَل الْعَالم قَاضِي
الْقُضَاة شرف الدّين بن عَليّ بن القَاضِي الْعَالم شرف الدّين أَحْمد
عرف بالجنيد وَنسبه يلتقي إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
كَمَا وجدته مُعَلّقا بِخَط الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَأثْنى
عَلَيْهِ ثَنَاء حسنا وَقَالَ إِنَّه من
(1/198)
الْعلمَاء العاملين وَالْأَئِمَّة
الصَّالِحين وَفد إِلَى مَدِينَة تعز للإفادة والاستفادة فعاجلته
الْمنية فَتوفي بهَا لَيْلَة الْجُمُعَة سادس رَمَضَان الْمُعظم قدره
سنة خمس عشرَة وثمانمئة وَدفن بالأجيناد بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَحضر
دَفنه جمع كَثِيرُونَ بعد أَن صلي عَلَيْهِ فِي جَامع المغربة ثمَّ فِي
ظَاهر الْمَدِينَة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين
وَمن المتوفين من أهل مَدِينَة تعز الإِمَام الْعَلامَة القَاضِي
الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر العوادي نِسْبَة إِلَى الْقرْيَة
الَّتِي بَين شنين والمخادر من نواحي السحول أَخذ الْعلم عَن
الْمَشَايِخ من الْعلمَاء من أهل تِلْكَ النَّاحِيَة مِنْهُم الإِمَام
رَضِي الدّين الشنيني وَالْفُقَهَاء من بني سَالم ثمَّ انْتقل إِلَى
مَدِينَة تعز فَقَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين الريمي بالفقه وعَلى
الإِمَام مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي
بِالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِير وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز
وانتفع بِهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم كالفقيه شرف الدّين الدمتي والفقيه
عبد الْوَلِيّ الوحصي والفقيه صَالح الحضار وَغَيرهم
وَكَانَ إِمَامًا عَالما زاهدا ورعا وامتحن بِولَايَة الْقَضَاء
بِمَدِينَة تعز بعد أَن اعتذر فَلم يقبل السُّلْطَان عذره فَقبل
الْقَضَاء سالكا لطريق الْحق لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم يَأْمر
بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر من ذَلِك هَدمه لبَعض الْكَنَائِس
المحدثة بِمَدِينَة تعز للْيَهُود وإلزامهم لبس الزنار والتستر بالحمام
وَغير ذَلِك وَكَانَ لَهُ وَقت معِين يحضر فِيهِ للْحكم فَإِذا انْقَضى
ذَلِك الْوَقْت ينْصَرف لقَضَاء حَوَائِجه بِنَفسِهِ وَلَا يتْرك أحدا
يُعينهُ
(1/199)
بهَا ثمَّ إِنَّه طلب من السُّلْطَان أَن
يعذرهُ عَن ولَايَة الْقَضَاء فعذره وَترك الحكم وَلزِمَ الِاعْتِكَاف
فِي الْمَسَاجِد لِلْعِبَادَةِ والتدريس وَحصل كتبا نافعة اجْتهد
بخدمتها وسارع النَّاس بعد مَوته إِلَى الْمُبَالغَة فِي أثمانها من
ورثته مِمَّن لم يشْتَغل بِالْقِرَاءَةِ بهَا
وَحكي أَنه أَرَادَ فِي أَيَّام ولَايَته للْقَضَاء منع الَّذين
يحْضرُون السماع فِي بعض الرباطات الَّتِي تنْسب إِلَى الشَّيْخ أَحْمد
بن علوان بتعز وعزم على ذَلِك عِنْد شروعهم فِي ذَلِك فَنَامَ فَرَأى
فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول احضر فِي الرِّبَاط وَأمن على دُعَاء
الشَّيْخ أَحْمد بن علوان فانتبه القَاضِي من نَومه وَخرج من فوره من
الرِّبَاط فَوَجَدَهُمْ قد أفرغوا السماع وهم فِي الدُّعَاء فأمن على
دُعَائِهِمْ وَانْصَرف مُتَعَجِّبا على مَا رأى وَلم يمنعهُم من السماع
ودام القَاضِي جمال الدّين على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي فِي
يَوْم الْأَرْبَعَاء الرَّابِع من شهر جُمَادَى الأولى سنة عشر
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا الإِمَام
الْعَلامَة حسام الدّين الأبيوردي وَقيل الْمَاوَرْدِيّ كَانَ هَذَا
الإِمَام من الْأَئِمَّة الْكِبَار بحرا من بحور الْعلم خُصُوصا فِي
الْعُلُوم العقليات وَله مصنفات كَثِيرَة فِي ذَلِك وَأثْنى عَلَيْهِ
الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط ثَنَاء مرضيا وَأحسن إِلَيْهِ
السُّلْطَان وأضاف إِلَيْهِ أَمر الْمدرسَة المظفرية والأشرفية فَلم
يقبل ذَلِك بل ترك ذَلِك زهدا فَبَقيَ أَيَّامًا ثمَّ لحق بِاللَّه
تَعَالَى بعد موت الإِمَام جمال الدّين العوادي وقبر بالأجيناد عِنْد
قبر وَالِد الْعَفِيف المغسل فقبره يزار ويتبرك بِهِ وجرب استجابة
الدُّعَاء عِنْد قَبره رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا أَيْضا الْفَقِيه
الْعَلامَة نور الدّين سليم بن دَاوُد بن عبد الله الوشاح الطياري نسبا
القيداني مولدا النظاري بَلَدا وَقيل إِن
(1/200)
بَلَده فِي حراز قَرَأَ على الإِمَام
الريمي فِي الْفِقْه وَفِي الحَدِيث على جمَاعَة من الْأَئِمَّة بوقته
ثمَّ درس بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الجديدة بِمَدِينَة تعز وَتخرج بِهِ
جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة وجيه الدّين عبد
الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن حسن البريهي وَولده مُحَمَّد فَأجَاز لَهما
سنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى
ونفع بِهِ وَلم أتحقق تَارِيخ وَفَاته
وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن
عَليّ بن إِبْرَاهِيم البريهي الْمَشْهُور بالسني أصل بَلَده إب نَشأ
بهَا ثمَّ اشْتغل بِالتِّجَارَة فرزق مِنْهَا رزقا كثيرا فَكَانَ يصل
الرَّحِم وَيتَصَدَّق على الْأَقَارِب والأجانب ويعين ذَا الْحَاجة
ثمَّ انْتقل من مَدِينَة إب فسكن مَدِينَة تعز وتأهل من بني الرميمة
وَكَانَ كثير التَّرَدُّد لِلْحَجِّ وَهُوَ الَّذِي عمر الزِّيَادَة
الَّتِي فِي مَسْجِد الإِمَام سيف السّنة على يَد وَالِده الْفَقِيه
إِبْرَاهِيم فَزَاد فِي الْمُقدم نَحْو ثَلَاثَة أَذْرع وَرفع سقفه
وَجعل لَهُ مُؤَخرا وبركة صَغِيرَة للْمَاء وزين الْمَسْجِد بقناديل
حلبية عَجِيبَة لَا يُوجد مثلهَا فِي الْبَلَد وَاشْترى كتبا كَثِيرَة
وأوقفها على من يقْرَأ بهَا فِي الْمَسْجِد الْمَذْكُور ووسع تربة
الشَّيْخ الصَّالح أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَشْهُور
بِسيف السّنة وأوقف عَلَيْهَا وعَلى الْمَسْجِد أَرضًا وجدد بِنَاء قبر
الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد وَمِمَّا أَمر أَن يكْتب بِالْحِجَارَةِ
المبنية على الْقَبْر هَذَا الْبَيْت
(أيا قبر ضَاعَ الْعلم فِيك وَرُبمَا ... يكذب فِي هذي الْمقَالة
جَاهِل)
واشتهر لهَذَا الْفَقِيه كرامات مِمَّا يدل على خَيره وفضله وَتُوفِّي
بِمَدِينَة تعز سنة عشر وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن أَحْمد الأصبحي
كَانَ إِمَامًا محققا لعلم الْفَرَائِض والنحو مشاركا بِغَيْرِهِمَا من
سَائِر الْعُلُوم قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ
فدرس بالفرائض والنحو وانتفع بِهِ جمَاعَة من الطّلبَة وَكَانَ لَهُ
عبَادَة
(1/201)
وزهد وصبر وقريحة ينظم بهَا الشّعْر
مِنْهَا قصيدته الْمَشْهُورَة عِنْد ختم كتاب السّنَن لِابْنِ مَاجَه
عِنْد الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي الَّتِي أَولهَا
(أَمن دمع فتحت لَهُ رتاجه ... بسفح محجر يسْقِي فجاجه)
وَمِنْهَا بعد التغزل
(أَلا لله مَا يبْقى محب ... إِذا مَا الشوق بلبله وهاجه)
(وَلَا لله يَوْم كَانَ فِيهِ ... فِرَاق أحبة ضمن انزعاجه)
(فقد وكلوا بِهِ دَاء عياء ... جعلت دواءه سنَن ابْن مَاجَه)
توفّي هَذَا الْفَقِيه سنة ثَمَانِي عشرَة وثمانمئة
وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر
بن صَالح بن مُحَمَّد بن يحيى بن أبي الرخَاء من الْفُقَهَاء الْعلمَاء
من أهل الْعقر قَرَأَ على الْأَئِمَّة من أَهله بالعقر مِنْهُم وَالِده
وَغَيره ثمَّ على الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي وَالْإِمَام نَفِيس
الدّين الْعلوِي بالتفسير والْحَدِيث وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى ثمَّ
تولى الْقَضَاء فِي معشار التعكر بالعقر وَذي السفال وجبلة وَمَا والى
ذَلِك ثمَّ تولى الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز وَكَانَ من الأخيار
الصَّالِحين وَهُوَ مِمَّن تولى غسل السُّلْطَان الْأَشْرَف وَلم يزل
على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة تعز فِي سنة أحدى
وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالأجيناد رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بتعز من الوافدين إِلَيْهَا المقرىء الْوَلِيّ الصَّالح
الزَّاهِد صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ بن
عَيَّاش الدِّمَشْقِي كَانَ من عباد الله الصَّالِحين دأبه تِلَاوَة
كتاب الله وتعليمه تجرد عَن أَهله وبلده واجتهد بِعبَادة
(1/202)
الله تَعَالَى فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين
وَاجْتمعَ بالمقرىء الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن مُحَمَّد الشنيني
الْمُقدم الذّكر فتحابا فِي الله واستفاد كل من صَاحبه بِمَكَّة
المشرفة فَرجع المقرىء عفيف الدّين إِلَى بَلَده فَلحقه المقرىء شهَاب
الدّين إِلَى الْيمن فَأَقَامَ بتعز أَيَّامًا ثمَّ رَحل إِلَى
مَدِينَة إب فَاجْتمع بالفقهاء والصلحاء من أَهلهَا فَشَهِدُوا لَهُ
بِالْفَضْلِ وَالصَّلَاح وقرؤوا عَلَيْهِ كتاب الله تَعَالَى ثمَّ
انْتقل إِلَى بلد وصاب وَاجْتمعَ بالمقرىء عفيف الدّين عبد الله بن
مُحَمَّد البعيثي فَأكْرمه وأقامه عِنْده سِنِين فوصل إِلَيْهِ وَلَده
من الشَّام وحثه عل الرُّجُوع إِلَى دمشق فوعده بذلك وَأَعْطَاهُ
وَلَده ذَهَبا فَاشْترى بِهِ أَرضًا وأوقفها على الْفُقَرَاء
وَالْمَسَاكِين وعَلى بعض الْمَسَاجِد فِي وصاب ثمَّ رَحل من وصاب بعد
أَن ظهر لَهُ كرامات كَثِيرَة فِيهَا فوصل إِلَى شنين وَأقَام بهَا
أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى تعز ثمَّ إِلَى زبيد على قصد الْعَزْم
إِلَى بَلَده فاستغاث بِهِ أهل وصاب وطلبوا مِنْهُ الرُّجُوع إِلَى
عِنْدهم فأجابهم إِلَى ذَلِك فوصل إِلَى تعز وَقد كَانَ رأى فِي النّوم
المقرىء عفيف الدّين عبد الله الشنيني وَقَالَ لَهُ أَنه قد تهَيَّأ
لَهُ قصر عَظِيم عِنْده وَأَنه فِي انْتِظَاره فزار قبر المقرىء عفيف
الدّين الشنيني بتعز فَمَرض سِتَّة أَيَّام ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة
الله تَعَالَى بِشَهْر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة
فقبر بالأجيناد عِنْد قبر المقرىء عفيف الدّين الشنيني فهما يزاران
ويتبرك بهما جَمِيعًا رحمهمَا الله ونفع بهما
وَقد قَرَأت فِي إب فِي بعض التَّعَالِيق للْقَاضِي وجيه الدّين
النحواني مَا مِثَاله رَأَيْت فِي الْمَنَام لَيْلَة الْجُمُعَة
السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمانمئة
أَن المقرىء شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَيَّاش مستلق على
جنبه الْأَيْمن وَقد علمت بِمَوْتِهِ فَأَرَدْت الصَّلَاة عَلَيْهِ
فرأيته وَهُوَ حَيّ يَأْكُل شَيْئا من التَّمْر وَهُنَاكَ من يطعمهُ
تَمرا كثيرا فَقلت فِي نَفسِي أَلَيْسَ قد قَالُوا أَنه مَاتَ ثمَّ
فَكرت وَقلت فِي نَفسِي الْأَوْلِيَاء وَالشُّهَدَاء أَحيَاء عِنْد
رَبهم يرْزقُونَ وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي يَأْكُلهُ رزق من
(1/203)
الله تَعَالَى يَأْتِيهِ بعد مَوته ثمَّ
استيقظت وَصليت عَلَيْهِ بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي جمَاعَة صَلَاة
الْمَيِّت الْغَائِب انْتهى ذَلِك وَهَذِه من بعض كراماته رَحمَه الله
ونفع بِهِ
وَمن أهل مَدِينَة تعز الْفَقِيه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم العزيزي
أَخْبرنِي الثِّقَة أَنه كَانَ فَقِيها محققا وَأَنه حضر مجْلِس السماع
فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ وَالتَّفْسِير عِنْد الشَّيْخ مجد الدّين
الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وأنهما أجازا لَهُ
وَتُوفِّي فِي الْعشْر الأول من المئة التَّاسِعَة رَحمَه الله
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة عفيف الدّين عبد الله بن الإِمَام جمال
الدّين الريمي قَرَأَ على وَالِده فِي الْفِقْه وَأَجَازَ لَهُ وَحضر
السماع بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّفْسِير على الشَّيْخ مجد الدّين
الشِّيرَازِيّ وعَلى الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وعَلى الإِمَام
مجد الدّين فأجازوا لَهُ وَتُوفِّي فِي الْعشْر الأول من المئة
التَّاسِعَة رَحمَه الله تَعَالَى
وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ ركن الدّين حاجي الْحَنَفِيّ
الْهِنْدِيّ كَانَ عَالما عَاملا صَالحا اعْتكف فِي الْمدرسَة الأشرفية
الجديدة فعبد الله تَعَالَى فِيهَا بالتلاوة وَالذكر وَالْقِيَام
بِاللَّيْلِ وَالصِّيَام بِالنَّهَارِ وَكَانَ يزور الأكابر والأصاغر
وَظَهَرت لَهُ كرامات مِنْهَا أَنه أَتَى إِلَيْهِ بعض زواره وَهُوَ
يَأْكُل شَيْئا من عَيْش الذّرة ثرده بِمَاء الْحمر فَقَالَ لَهُم كلوا
معي من هَذَا فَقَالُوا لَا نَأْكُل إِلَّا الْحَلْوَى فَمد يَده إِلَى
مَكَان عِنْده لم يكن فِيهِ شَيْء فاختطف طبقًا قربه لَهُم فِيهِ حلوى
حارة فَأَكَلُوا مِنْهَا وَله غير ذَلِك من الكرامات وَتُوفِّي بآخر
سنة أَربع وَعشْرين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وقبر بالأجيناد
وقبره يزار ويتبرك بِهِ
وَمن المتوفين فِي مَدِينَة تعز المقرىء الْعَلامَة وجيه الدّين عبد
الرَّحْمَن بن هبة الله بن
(1/204)
عبد الرَّحْمَن الْعَبْسِي نسبا ثمَّ
الملحاني بَلَدا أَخذ الْقرَاءَات السَّبع عَن جمَاعَة من الأكابر
مِنْهُم الْمقري الشارفي من أهل حراز وَأخذ النَّحْو واللغة عَن
جمَاعَة من أَئِمَّة وقته وشارك فِي غير هَذِه الْعُلُوم فرتب إِمَامًا
فِي الْمدرسَة الأشرفية الجديدة فِي مَدِينَة تعز فدرس فِيهَا وَتخرج
بِهِ جمَاعَة وانتفعوا بِعُلُومِهِ وَكَانَ لَهُ شعر حسن مِنْهُ مَا
قَالَه متوسلا
(أَنا فِي أمانك حفيظ من الورى ... متلزم متمسك متوكل)
(ومفوض أَمْرِي إِلَيْك ولاجىء ... لَك خاضع لَك ضارع متذلل)
(بك واثق يَا عدتي فِي شدتي ... بك لائذ لَك مخبت متململ)
(صني وحطني واحمني وأعزني ... وتولني لَا عَن جلالك أهمل)
(وأمدني بالنصر مِنْك ونجني ... مِمَّا تحار بِهِ الْعُقُول وتذهل)
وَله غير ذَلِك من الشّعْر الرَّائِق توفّي بعد سنة خمس عشرَة وثمانمئة
رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين
وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد
بن حسن بن مُحَمَّد بن عمر البريهي كَانَ من الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين
وَالْفُقَهَاء الزاهدين وَالْعُلَمَاء الراسخين قَرَأَ على أَئِمَّة
وقته كالعماكري والزوقري والعوادي وَابْن الوشاح وَغَيرهم وَأَجَازَ
لَهُ الشَّيْخ مجد الدّين الشِّيرَازِيّ بعد قِرَاءَته عَلَيْهِ وسماعه
مِنْهُ كثيرا من كتب التَّفْسِير والْحَدِيث واللغة وَغَيرهَا وَقَرَأَ
على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي كتب الحَدِيث وَأَجَازَهُ وَكتب
لَهُ مَا رَأَيْته بِخَط الإِمَام نَفِيس الدّين بعد الاستدعاء للإجازة
من صَاحب التَّرْجَمَة
(1/205)
مَا مِثَاله أجزت لَهُ ذَلِك لعلمه وبراعته
فَإِنَّهُ الْفَقِيه الْعَالم النجيب وفْق الله أَحْوَاله ونفع بِهِ
وبسلفه فَهُوَ مبارك عَالم عضده الله وَكَانَ لَهُ وليا وَبِه حفيا
ورحم الله وَالِده وأرخ الْإِجَازَة بِسنة اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة
وَبَقِي هَذَا الإِمَام وجيه الدّين يدرس ويفتي ويفيد الطّلبَة وَحصل
كتبا كَثِيرَة ضَبطهَا أحسن ضبط وحوشاها فَصَارَت كتبه من الْأُمَّهَات
ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ توفّي رَاجعا فِي جدة فختم الله لَهُ بِأَن توفّي
مطهرا من الذُّنُوب سنة سبع عشرَة وثمانمئة وَلما توفّي رثاه الْفَقِيه
الصَّالح الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد الحجي بقصيدة طَوِيلَة قد
أثبتها فِي الأَصْل
وَمِنْهُم الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد الصبري كَانَ
فَقِيها نحويا ومشاركا بِسَائِر الْعُلُوم قَرَأَ وَسمع الحَدِيث على
جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فَجعله السُّلْطَان معلما لأولاده ومؤدبا
لَهُم وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز دَار المضيف
وَغَيره وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي بِمَدِينَة زبيد
بعد سنة عشر وثمانمئة بعد أَن حج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
ونجب لَهُ من الْأَوْلَاد القَاضِي شهَاب الدّين أَحْمد قَرَأَ على
جمَاعَة من أَئِمَّة وقته بفنون الْعلم فاشتهر بالأدب وَالشعر ورزق
الْحَظ عِنْد السُّلْطَان النَّاصِر وَعند وَالِده الْمَنْصُور والأشرف
ثمَّ صَدرا من ولَايَة الظَّاهِر ثمَّ سَار مَعَه إِلَى المهجم فَتوفي
بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَمن شعره قصيدة تغزل بهَا
مِنْهَا من قَوْله فِي أول القصيدة
(ألب هواكم بالصبابة من لبي ... فسرت وَلم أحفل بِمَا قَالَ لي صحبي)
(وَقد قيل قلب الْمَرْء فِيهِ تقلب ... وَلم يَنْقَلِب عَن حفظ ودكم
قلبِي)
وَهِي عشرَة أَبْيَات قد أثبتها فِي الأَصْل وَرُبمَا تزيد على ذَلِك
لكني لم أَقف على تَمامهَا
(1/206)
وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ
قطب الْعلمَاء الرَّاشِدين وَنِهَايَة المسترشدين ولي الله والمحدث عَن
سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم
بن عمر الْعلوِي كَانَ رَحمَه الله مَالك أزمة المعارف والطرائف
الْحَائِز فضيلتي التالد والطارف أَحْيَا بِهِ من الْعُلُوم دارسها
وَأَعْمر بِهِ معالمها ومدارسها وَفك مَا استعجم من الْأَحَادِيث
فشرحها وَأَبَان مَا استبهم من الْعُلُوم فأوضحها فَهُوَ فِي الْعلم
كوكبه الْمُنِير وَصَوَّبَهُ العذب النمير وَله فِي البلاغة الْيَد
الطُّولى والطريقة المثلى مولده بِمَدِينَة زبيد بِشَهْر رَجَب سنة خمس
وَأَرْبَعين وسبعمئة
وَرُوِيَ أَنه لما ولد اخْتلف الْحَاضِرُونَ فِي تَسْمِيَته من
الرِّجَال وَالنِّسَاء وَكَانَ وَالِده الإِمَام برهَان الدّين غَائِبا
فَلَمَّا بلغه الْوَضع وصل إِلَيْهِم فَقَالَ سموهُ سُلَيْمَان ثمَّ
قَالَ يكون هَذَا عَالما أَو وَارِثا لعلمي فَكَانَ كَمَا قَالَ
وَقد كَانَ وَالِده فِي زبيد إِمَام الحَدِيث فِي وقته وَله مكاشفات
يضيق عَنْهَا هَذَا الْمَجْمُوع وَقد أثنى الْعلمَاء كَافَّة من أهل
الْوَقْت على الإِمَام نَفِيس الدّين وَأجْمع من كَانَ من أهل غير وقته
من بعدهمْ على أَنه لم يكن فِي الْيمن أعلم مِنْهُ فِي الحَدِيث وطرقه
وَمَعْرِفَة رِجَاله وَكَانَ من مشايخه الشَّيْخ مجد الدّين
الشِّيرَازِيّ وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْعَزِيز
النويري ونسر بن عمرَان المقرىء وَأما تلامذته فكثير كَمَا قَالَ التقي
بن معيبد فِي مرثاة لَهُ رثاه بهَا زِيَادَة على ثَلَاثِينَ بَيْتا
إِلَى أَن قَالَ فِيهَا
(ويكفيه فخرا أَن كل مدرس ... من الْعلمَاء فِي قطره درسيه)
(1/207)
وَكَانَ رَحمَه الله حَنَفِيّ الْمَذْهَب
وَقد يُفْتِي بِمذهب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لتحقيقه
الْمذَاهب كلهَا فَهُوَ عَالم مُحَقّق وفوائده الَّتِي نقلتها عَنهُ
الْعلمَاء كَثِيرَة وَلَا تَنْحَصِر فِي مُجَلد وَكَانَت لَهُ
الرّفْعَة الْعُظْمَى عِنْد كَافَّة النَّاس يجلونه ويحترمونه ويتبعون
أمره وَلَا يخالفون نَهْيه وَكَانَ مَجْلِسه يجمع الْمُبْتَدِي
والمنتهي ويستفيد مِنْهُ كل مِنْهُم مَا يأمل ويشتهي وَكَانَت
الْفَتَاوَى ترد عَلَيْهِ من أقطار الْيمن وَغَيره فَيحل مشكلها ويوضح
مبهمها قلمه يجْرِي سَرِيعا بنخب علومه وَلسَانه تعبر بِأَحْسَن
الْعبارَات بِمَا يشفي من مَنْطُوق كَلَام الْعلمَاء وَمَفْهُومه
اعْترف بفضله الْمُوَافق والمخالف من ذَلِك مَا رَأَيْته مُكَاتبَة
إِلَيْهِ من بعض فُقَهَاء الزيدية بِمَا تقر بِهِ الْعُيُون بِمَا لَا
يحْتَمل بَسطه هَذَا الْمُخْتَصر وَكَانَت مجالسه مشحونة بِأَهْل الْبر
وَالتَّقوى والمراقبة لعالم السِّرّ والنجوى
وَأما كراماته فَأكْثر من أَن تحصر وَأشهر من أَن تذكر مِنْهَا مَا حكى
لي الْفَقِيه رَضِي الدّين أَبُو بكر الصّديق بن مُحَمَّد الوائلي
قَالَ اجْتمعت بِالْإِمَامِ نَفِيس الدّين الْعلوِي بِمَدِينَة تعز
فَسَأَلَنِي عَن اسْمِي ونسبي فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ مَا وظيفتك
فأعلمته بوظيفتي فَلم يستحسنها فَقلت أُرِيد أَن أنعزل عَنْهَا وأتخلى
للْقِرَاءَة فَقَالَ لي عزلتك من وظيفتك كَمَا عزلت خَاتمِي هَذِه من
يَدي وَأخرجه من يَده قَالَ فَرَجَعت إِلَى بَيْتِي وأعلموني بعزلي من
وَالِي بلدي فلحقتني مشقة من ذَلِك فَرَجَعت إِلَى الإِمَام نَفِيس
الدّين وشكوت عَلَيْهِ ضرورتي وَمَا نالني بِسَبَب الْعَزْل فَقَالَ
تحب رُجُوع وظيفتك فَقلت نعم فَقَالَ رددتك على وظيفتك كَمَا رددت
خَاتمِي هَذَا إِلَى يَدي قَالَ فَعَادَت إِلَيّ وظيفتي وانتظم أَمْرِي
وَمِنْهَا مَا أَخْبرنِي بعض تلامذته أَنه كَانَ لَهُ أَرض يملكهَا
بِذِي أشرق وَله أعوان يعينونه على عَملهَا فاتفق عَلَيْهِم ظلم من بعض
أعوان الْأَمِير بدر الدّين مُحَمَّد بن
(1/208)
زِيَاد وَتشفع بِالْإِمَامِ نَفِيس الدّين
إِلَى الظَّالِم بِإِزَالَة الظُّلم فَلم يمتثل وَلَا قبل الشَّفَاعَة
وَلَا سلمُوا من الظُّلم فجَاء بَعضهم وَقَالَ لَهُ الْأَمِير بدر
الدّين لم يقبل شفاعتك وَكَانَ الإِمَام نَفِيس الدّين حِينَئِذٍ
بِالْمَدْرَسَةِ الأشرفية الجديدة بِمَدِينَة تعز فَأمر الدرسة
بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة ودعا على الْأَمِير وقطرت دمعة من عينه فعزل
السُّلْطَان الْأَمِير من ولَايَة تِلْكَ الْبَلَد وَجرى عَلَيْهِ
أُمُور متعبة وَلم يزل حَاله غير مُنْتَظم إِلَى أَن مَاتَ
وَحكى لي القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن حسن الصباحي قَالَ
أَخْبرنِي الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين عبد الْقَادِر من فُقَهَاء
شريج المهجم قَالَ وفدت إِلَى مَدِينَة تعز أَنا والفقيه الصَّالح
عَليّ بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي حَرْبَة وَنحن لَا نَعْرِف تعز
وَلَا فقهاءها فَدَخَلْنَا الْمدرسَة الأشرفية الجديدة فَوَجَدنَا
شَيخا مدرسا وَحَوله نَحْو أَرْبَعِينَ طَالبا فَقَامَ ذَلِك الشَّيْخ
الْمدرس إِلَيْنَا فَسلم علينا وآنسنا وَأخْبرنَا بأسمائنا وَأَسْمَاء
آبَائِنَا وَبَلَدنَا ثمَّ أَمر بِنَا إِلَى بَيته فأضافنا وَنحن لَا
نعرفه فسألنا بعض تلامذته عَنهُ فَقَالَ لنا هَذَا الإِمَام نَفِيس
الدّين سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم فَسَأَلْنَاهُ عَن سَبَب مَعْرفَته
لنا فَقَالَ إِن الإِمَام نَفِيس الدّين يكاشف بعض الوافدين عَلَيْهِ
بِمثل ذَلِك فيعرفهم وهم لَا يعرفونه
وَله غير ذَلِك من الكرامات مِمَّا قد ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل
وَتُوفِّي رَحمَه الله سنة خمس وَعشْرين وثمانمئة وَدفن بالأجيناد
وقبره مَقْصُود للتبرك بِهِ وَقَضَاء
(1/209)
الْحَوَائِج رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الْحق بن عَليّ بن
عَبَّاس السكْسكِي كَانَ رجلا مُبَارَكًا لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من
الْعُلُوم يَتْلُو كتاب الله تَعَالَى بِصَوْت حسن ورتب إِمَامًا
بِجَامِع ذِي عدينة بِمَدِينَة تعز وأضيف إِلَيْهِ شَيْء من
الْأَسْبَاب ودام على الْحَال المرضي بِالْعبَادَة وَالصِّيَام
وَالْقِيَام فَلَمَّا قربت وَفَاته رأى بعض الدرسة بالجامع النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ قل لإسماعيل
{ولسوف يعطيك رَبك فترضى} فَقَالَ الدرسي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من إِسْمَاعِيل الصبري أم غَيره فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم هُوَ إِمَام جَامع عدينة فَذهب ذَلِك الدرسي إِلَى
الْفَقِيه شرف الدّين يبشره بذلك ففرح وَبكى وَمكث أَيَّامًا قَلَائِل
ثمَّ توفّي رَحمَه الله سنة سِتّ وَعشْرين وثمانمئة فرثاه القَاضِي شرف
الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عمر بني معيبد بمرثاة أَولهَا
(أياك لَا حرج عَلَيْك وَلَا عتب ... مَا كنت مرتقبا لهبات الْكتب)
حَتَّى قَالَ فِيهَا
(بِشِرَاك والبشرى لمثلك حَقّهَا ... شكرا لما أَعْطَاك رَبك أَو وهب)
وَهِي طَوِيلَة تزيد على ثَلَاثِينَ بَيْتا قد ذكرتها فِي الأَصْل
وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عمر بن أبي
الْقَاسِم بن معيبد
(1/210)
اليشكيري الْأَشْعَرِيّ القحطاني كَانَ
لَهُ اجْتِهَاد فِي صغره بِطَلَب الْعلم الشريف فحفظ منهاج النَّوَوِيّ
وشيئا من كتب النَّحْو وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة بوقته فِي الْفِقْه
والْحَدِيث واللغة ولي الِاسْتِيفَاء للسُّلْطَان فدبر قوانينه تدبيرا
حسنا وَبلغ مَا لم يبلغهُ غَيره بوظيفته وَهُوَ مَعَ ذَلِك جَار على
سنَن الشَّرِيعَة المطهرة ومجاهدا لصالح الْمُسلمين وناصح لَهُم وَصَحب
جمَاعَة من الشُّيُوخ الصُّوفِيَّة وتأدب بآدابهم كَانَ لَهُ شعر رايق
فِي مدحهم ومدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والكعبة المشرفة قد
ذكرت جملَة مِنْهُ فِي الأَصْل وَتُوفِّي بِشَهْر شعْبَان سنة
ثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد ورثاه وَلَده التقي بن معيبد
بمرثاة أَولهَا
(قفا فانظرا حَالي فَلَيْسَ لَهُ وصف ... )
وَهِي طَوِيلَة وَمن وَسطهَا
(فآه على تِلْكَ الشَّمَائِل زانها ... مَعَ الْخلق الْأَسْنَى
التَّوَاضُع واللطف)
(فحلم وَعلم راسخ وَكِتَابَة ... وَفضل وآداب يزينها ظرف)
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الْفَقِيه الْفَاضِل رَضِي الدّين أَبُو
بكر بن عُثْمَان بن عَليّ الورلي نسبا الشَّافِعِي مذهبا العدلي بَلَدا
قدم إِلَى مَدِينَة تعز رَسُولا من صَاحب الْحَبَشَة الْمُسلم بالهدايا
إِلَى الْملك الْمَنْصُور ابْن النَّاصِر الغساني فَكَانَ هَذَا الرجل
(1/211)
مشاركا بِشَيْء من الْعلم مخالطا للفقهاء
توفّي هَذَا الْفَقِيه رَضِي الدّين بِمَدِينَة تعز سنة تسع وَعشْرين
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا القَاضِي الْأَجَل
وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن الحبيشي الجبني قدم إِلَى مَدِينَة تعز
برسالة من الشَّيْخ جمال الدّين طَاهِر بن معوضة إِلَى السُّلْطَان
الْملك النَّاصِر فَأكْرمه وَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا كَرِيمًا حصل
كتبا كَثِيرَة نافعة وَتُوفِّي بعد سنة عشْرين وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الإِمَام شهَاب الدّين أَحْمد بن
مُحَمَّد الربيعي الْحِمْيَرِي الْمَشْهُور بالشلفي نسب إِلَى
الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بمعشار السارة بشلف قَرَأَ الْقرَاءَات
السَّبع برواياتها على المقرىء الصَّالح الْوَلِيّ عفيف الدّين
عَطِيَّة بن أبي بكر العيسوي وَقَرَأَ بالفقه على الإِمَام جمال الدّين
الريمي وعَلى تِلْمِيذه رَضِي الدّين بن الْخياط وَقَرَأَ فِي النَّحْو
على الْفَقِيه سراج الدّين عبد اللَّطِيف الشرجي الْحَنَفِيّ وَفِي
الْفَرَائِض على الإِمَام برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن أبي بكر
الْأَسَامِي الْأَشْعَرِيّ وَفِي الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين
الْعلوِي فَأجَاز لَهُ هَؤُلَاءِ وَغَيرهم من الْأَئِمَّة كالشريف
الفاسي وَالْإِمَام الْجَزرِي فدرس وَأفْتى وَكَانَ منقوله الْحَاوِي
الصَّغِير واستدعاه الْملك النَّاصِر إِلَى مَدِينَة تعز فانتقل
إِلَيْهَا وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ المجاهدية وعكفت عَلَيْهِ الطّلبَة
للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فِيهَا وَفِي غَيرهَا وصنف مصنفا فِي علم
الْفَرَائِض منظومة سَمَّاهَا كِفَايَة الرائض فِي علم الْفَرَائِض
وَشَرحهَا سَمَّاهُ نِهَايَة الخائض فِي شرح كِفَايَة الرائض فِي علم
(1/212)
الْفَرَائِض جمع فِيهِ من الْفَوَائِد
جملَة كَثِيرَة ثمَّ صنف فِي مَنَاسِك الْحَج كتابا سَمَّاهُ هِدَايَة
السالك إِلَى مَقَاصِد الناسك وَنقل فِيهِ مسَائِل نفيسة غَرِيبَة
وفروعا فِي الْفِقْه مفيدة وَكَانَ معاصروه من الْعلمَاء وَغَيرهم
يجلونه ويعظمونه وَكَانَ ينظم الْفَوَائِد لتحفظ من ذَلِك مَا ذكره
الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي الرونق فِي الْعُقُود اللَّازِمَة والجائزة
حَيْثُ قَالَ الْفَقِيه شهَاب الدّين فِي نظمه لذَلِك
(جَمِيع عُقُود الْفِقْه ضَرْبَان لَا سوى ... أَبُو حَامِد فِي الرونق
الْكل قد حوى)
وَذَلِكَ مُثبت فِي الأَصْل وَمن نظمه القصيدة الطَّوِيلَة الَّتِي
تغزل بهَا فِي الْكَعْبَة المشرفة فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهِي نَحْو سِتِّينَ بَيْتا مِنْهَا
(فيا كعبة الله الْمُعظم شَأْنهَا ... تملكت صبا والها أبدا قِنَا)
وَمن شعره جَوَابه على اللغز الَّذِي أَلْقَاهُ الإِمَام الْجَزرِي على
القَاضِي شرف الدّين بِمَدِينَة زبيد عَن لَفْظَة الْقُرْآن وَذَلِكَ
مَشْهُور
وَكَانَ هَذَا الإِمَام شهَاب الدّين يكرم الضَّيْف ويعين الْمِسْكِين
إِذا حصل لَهُ شَيْء من الْأَسْبَاب أَو من الْمُلُوك والأمراء أفرغه
بأقرب مُدَّة وَكَانَ كثير التَّزَوُّج والتسري وَحدث لَهُ أَوْلَاد
كَثِيرُونَ وَلَزِمتهُ دُيُون عجز عَن أَدَائِهَا سمعته يسْأَل من
الإِمَام الْجَزرِي رَحمَه الله الدُّعَاء بِأَن يقْضِي الله دُيُونه
فَقلت لَهُ كم دينك قَالَ
(1/213)
أُلُوف وَلم يزل على الْحَال المرضي يدرس
ويفتي إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر
بالأجيناد قَرِيبا من قبر الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وحواليه
قُبُور جمَاعَة من الْعلمَاء الْفُضَلَاء الصَّالِحين وَقد رثاه التقي
بن معيبد بمرثاة طَوِيلَة مِنْهَا
(ذهب الْفَلاح تَتَابَعَت أحزابه ... وَمضى الصّلاح مَضَت بِهِ
أَصْحَابه)
(لما فَقدنَا أَحْمد بن مُحَمَّد ... مفتي الْأَنَام تغلقت أبوابه)
وَهِي طَوِيلَة تركتهَا اختصارا
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شرف الدّين قَاسم بن عمر الدمتي كَانَ
إِمَامًا فَاضلا قَرَأَ على الإِمَام وجيه الدّين الزوقري وَالْإِمَام
عفيف الدّين عُثْمَان العماكري بالفقه وعَلى غَيرهمَا وَقَرَأَ وَسمع
الحَدِيث على الشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي وَالْإِمَام نَفِيس الدّين
فَكل هَؤُلَاءِ أَجَازُوا لَهُ واشتهر بِمَعْرِِفَة الْفِقْه وتحقيقه
وتدقيقه وَكَانَت ترد عَلَيْهِ الْفَتَاوَى من جَمِيع الْجِهَات فيشفي
بِالْجَوَابِ ويجود بالعبارة وَكَانَ لَا يقنع السَّائِل الْعَارِف
إِلَّا بِجَوَاب هَذَا الْفَقِيه مَعَ كَثْرَة الْفُقَهَاء بِالْبَلَدِ
وَكَانَ باذلا نَفسه للطلبة وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار مُجْتَهدا
بِالْعبَادَة معدودا من الصلحاء الْعلمَاء وَمن الْمُحدثين الَّذين
ينظرُونَ بِنور الله وَكَانَ لَا يسْتَحل أَن يَأْخُذ شَيْئا من
الْوَقْف إِلَّا إِذا قَامَ بِمَا شَرطه الْوَاقِف وَتُوفِّي رَحمَه
الله سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد
ورثاه الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن دَاوُد بن مَنْصُور بمرثاة
قَالَ فِي أَولهَا
(موت الْأَئِمَّة ثلمة الْإِسْلَام ... لَا ثلمة تطرا كموت إِمَام)
(فَإِذا سَمِعت بِمَوْت حبر فابكه ... وابك الْأَنَام ونح على
الْإِسْلَام)
حَتَّى قَالَ فِيهَا
(أَو مَا ترى الْآفَاق كَيفَ تكدرت ... لما قضى لإمامنا بحمام)
(قَاسم حزت الْعلم ثمَّ قسمته ... فجزاك رَبك أوفر الْأَقْسَام)
(1/214)
وَهِي طَوِيلَة قد أثبتها فِي الأَصْل
وَمِنْهُم القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ التباعي
تخرج على جمَاعَة من الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز وَغَيرهَا فَمن
شُيُوخه فِي الْفِقْه الإِمَام الريمي وَفِي الْقرَاءَات الإِمَام عفيف
الدّين الشنيني وَفِي الحَدِيث الإِمَام مجد الدّين الصديقي
وَالْإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فأجازوا لَهُ وتصدى للتدريس
وَالْفَتْوَى وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز سنة سبع وثمانمئة
ثمَّ انْفَصل عَنهُ وَتَوَلَّى تدريس الْمدرسَة السابقية ودرس بالجامع
المظفري وَكَانَ من أهل بَيت فقه ورئاسة وأصل بَلَده السحول تَحت جبل
بعدان
وَتَوَلَّى أَخُوهُ القَاضِي عفيف الدّين عبد الصَّمد التباعي
الْقَضَاء بِمَدِينَة إب مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ تولى هَذَا القَاضِي
الْقَضَاء بالمنصورة والجوة وَمَا والاها فسكن هُنَاكَ مُدَّة ثمَّ
رَجَعَ إِلَى مَدِينَة تعز فسكن بهَا خاملا إِلَى أَن توفّي بهَا سنة
اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم المقرىء الصَّالح بدر الدّين حسن بن أبي بكر الصبري كَانَ
مقرئا مُحدثا قَرَأَ بالقراءات السَّبع على بعض أَئِمَّة وقته وَقَرَأَ
بالتفسير والْحَدِيث على الْإِمَامَيْنِ مجد الدّين الصديقي ونفيس
الدّين الْعلوِي فأجازوا لَهُ وَلما توفّي الإِمَام نَفِيس الدّين
الْعلوِي اسْتمرّ ثَابتا بِقِرَاءَة الحَدِيث النَّبَوِيّ لأَوْلَاد
الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بِبَعْض الْأَسْبَاب وَكَانَ حسن
الصَّوْت وَله عبَادَة واجتهاد وَأثْنى عَلَيْهِ الإِمَام نَفِيس
الدّين ثَنَاء مرضيا وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر
بالأجيناد
وَمِنْهُم المقرىء بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد اليافعي أصل بَلَده
قَرْيَة حبيل بعزلة مطاية بجبل بعدان قَرَأَ على الإِمَام عفيف الدّين
الشنيني بالقراءات وَغَيرهَا وَجعله من خواصه وزوجه ابْنَته ودعا لَهُ
بِالْخَيرِ فَفتح عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَاشْترى أَرضًا جليلة
بِبَلَدِهِ وَعمر مَسْجِدا وأوقف عَلَيْهِ من هَذِه الأَرْض الَّتِي
اشْتَرَاهَا وَهُوَ مَسْجِد قديم قد قيل إِنَّه من الْمَسَاجِد الَّتِي
بنيت فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ امتحن هَذَا
بظُلْم من السُّلْطَان
(1/215)
النَّاصِر وَأخذ مِنْهُ مَالا كثيرا فِي
أَوْقَات مُتَفَرِّقَة ثمَّ توفّي سنة رَحمَه الله ونفع بِهِ آمين
وَمِنْهُم المقرىء الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو الْقَاسِم بن عَليّ بن
مُحَمَّد الأصبحي الْوَاعِظ الْمَشْهُور ب عِيَاض قَرَأَ على جمَاعَة
من أَئِمَّة وقته بالقراءات السَّبع وبالفقه وَقَرَأَ الحَدِيث على
الإِمَام نَفِيس الدّين وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ تصدى للتدريس بِمَدِينَة
تعز فاشتهر بتحقيق علم الحَدِيث ورتب إِمَامًا فِي الْمدرسَة الشمسية
الْمَعْرُوفَة قرب جَامع ذِي عدينة وَاسْتمرّ بالخطابة فِي جَامع ذِي
عدينة وَكَانَت لَهُ عبَادَة وزهادة أثنى عَلَيْهِ الإِمَام نَفِيس
الدّين الْعلوِي فَبَقيَ على الْحَال المرضي أَيَّام شَيْخه الإِمَام
نَفِيس الدّين الْعلوِي فَلَمَّا توفّي شَيْخه تصدر لنشر الحَدِيث بعده
فَلم تطل مدَّته بل توفّي قبل سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة
وَقد حقق الشَّيْخ الصَّالح الْوَزير تَقِيّ الدّين بن معيبد أَحْوَاله
فِي مرثاة رثاه بهَا بعد وَفَاته فَقَالَ من قصيدة طَوِيلَة أَولهَا
(تشوقنا الْبَقَاء من العجاب ... إِذْ الأتراب تنقل للتراب)
حَتَّى قَالَ فِي مدحه
(فَمن للمسندات وللعوالي ... من الْأَخْبَار والكلم الْعَذَاب)
(وَمن ذَا للسؤال وكشف خطب ... وَمَا لَك لَا تَقول وللجواب)
(وللطلاب بعد عياضهم فِي ... الإعاضة بالفوائد والطلاب)
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الشَّيْخ نَاصِر الدّين بن عبد الله
الشِّيرَازِيّ قَالَ فِيهِ الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد الْأَكْبَر
بن الْخياط هُوَ الشَّيْخ الْأَجَل الأورع الْجَلِيل النَّبِيل حَسَنَة
(1/216)
الزَّمَان وفائق الأقران قدم ديار تعز فِي
خدمَة شَيخنَا قَاضِي الْقُضَاة عَلامَة الْمشرق وَالْمغْرب مجد الدّين
الشِّيرَازِيّ وانثالت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَأَقْبَلت إِلَيْهِ
الإقبال الْكُلِّي وَكسب فِي الْبِلَاد المَال والعيال فَكَانَ المَال
كَمَا قيل مَا أسْرع ذهَاب الذَّهَب وانفضاض الْفضة ثمَّ ضعف الشَّيْخ
عَن الِاضْطِرَاب وضاق عَلَيْهِ الْوَقْت وتنكرت عَلَيْهِ وُجُوه
المطالب وَكَانَ هُوَ الْحول الْقلب فَمَا رَأينَا فِي الْعلم العملي
من يدانيه فضلا عَن شبهه انْتهى كَلَام الإِمَام جمال الدّين بن
الْخياط وأخبرت أَنه كَانَ لَهُ اجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَظَهَرت
لَهُ كرامات وَتُوفِّي بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع
بِهِ
وَمِنْهُم الْحَاج شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله الْخَولَانِيّ
كَانَ يسكن حافة المغربة بِمَدِينَة تعز وَهُوَ من الْعباد والزهاد
ويصحب الصَّالِحين ويهتدي بهديهم فَمن أَصْحَابه الْحَاج الصَّالح مفضل
الزُّهْرِيّ كَانَ يصل إِلَيْهِ فيخلي لَهُ بَيْتا فِي دَاره وَأخْبر
عَنهُ بكرامة عَظِيمَة ذكرتها فِي الأَصْل وَذَلِكَ مِمَّا يدل على
فضلهما رحمهمَا الله ونفع بهما وَتُوفِّي الْحَاج أَحْمد الْخَولَانِيّ
بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْأَمِير الْعَلامَة الطَّبِيب صارم الدّين دَاوُد بن عَليّ
بن أبي بكر بن قايماز الأصغري أصل بَلَده بعدان قَرَأَ فِي الطِّبّ
وَالْحكمَة على جمَاعَة أَجلهم الْعَلامَة رَضِي الدّين أَبُو بكر بن
رَبَاح الْمصْرِيّ وَكَانَ حكيما طَبِيبا عَارِفًا بِعلم الْفلك وشارك
بِعلم الْفِقْه والْحَدِيث فَمن شُيُوخه الشَّيْخ مجد الدّين الصديقي
وَالْإِمَام نَفِيس الدّين
(1/217)
الْعلوِي فِي الحَدِيث وَالتَّفْسِير
واشتغل بِعلم التصوف وأتقنه وَلزِمَ طريقهم وَكَانَ كثير التِّلَاوَة
وَالذكر والملازمة على الصَّلَوَات فِي أول وَقتهَا وقف بِمَدِينَة إب
أَيَّامًا ورتب لَهُ من الْأَسْبَاب فِيهَا من الْوَقْف شَيْئا ثمَّ
انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فسكن بهَا ورتب لَهُ السُّلْطَان النَّاصِر
من وقف دَار المضيف وَغَيره مَا كَفاهُ وَكَانَت جِهَة فرحان تنْفق
عَلَيْهِ أَيْضا إِلَى أَن غضب عَلَيْهَا النَّاصِر فآنسه القَاضِي
وجيه الدّين العرشاني وَقَامَ بِحَالهِ أتم قيام وَكَانَ لَهُ
اجْتِهَاد بِالْعبَادَة ويصحب الصَّالِحين وَعمر عمرا طَويلا وَكَانَ
كثيرا مَا يرى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَقد
ذكرت فِي الأَصْل رُؤْيا لَهُ وَمَا حكى مِمَّا قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلَهُ وَمَا أَجَابَهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الرُّؤْيَا فَتركت ذكرهَا هُنَا لطولها اختصارا وَلم يزل
الْأَمِير صارم الدّين على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة خمس
وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وقبر الأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين أَبُو السُّعُود بن مُحَمَّد المقرىء
السحولي كَانَ مُجْتَهدا بِطَلَب الْعلم دأبه الِاعْتِكَاف فِي
الْمَسَاجِد لتلاوة كتاب الله تَعَالَى ومطالعة كتب الْعلم وَقد قَرَأَ
وَسمع فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي
وَقَرَأَ بالفقه على الْفَقِيه شهَاب الدّين الشلفي بِمَدِينَة تعز
وعَلى الْفُقَهَاء من بني البريهي وَبني الْكَاهِلِي بِمَدِينَة إب
وَكَانَ لَهُ قيام بِاللَّيْلِ لِلْعِبَادَةِ وَله شعر جيد من ذَلِك
مَا كتبه إِلَى بعض أصدقائه لطلب عود من أَرَاك فَقَالَ
(مَا فِي الورى أحد يجود سواك ... فَامْنُنْ وَأعْطِ أَبَا السُّعُود
سواكا)
(إِنِّي بِكُل أراكة لمتيم ... فَمَتَى بعيني يَا أَرَاك أراكا)
وَله من قصيدة طَوِيلَة كتبهَا إِلَى القَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن
مُحَمَّد البريهي وَهِي طَوِيلَة أَولهَا
(1/218)
(قُلُوب فِي محبتكم أُسَارَى ... مدى
الْأَزْمَان لَا تبغي الفرارا)
حَتَّى قَالَ فِي مدح القَاضِي الْمَذْكُور فِيهَا
(أَبَا الْعَبَّاس يَا بن مُحَمَّد يَا ... إِمَامًا فِي الْمَعَالِي
لَا يجارى)
(ظمئت إِلَى الْعُلُوم وَأَنت بَحر ... وَحبر فِي المحافل لَا يمارى)
(فارو العاطش الملهوف علما ... فقد ناداك يشكو الافتقارا)
(وَلَوْلَا أَنْت فِي يمن لطارت ... بِي الهمم الْكِبَار إِلَى
بُخَارى)
وَله غير ذَلِك من الشّعْر الرَّائِق توفّي بعد سنة ثَلَاثِينَ
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه شرف الدّين إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن الإِمَام
الريمي رَحمَه الله قَرَأَ بِالْحَدِيثِ على الإِمَام جمال الدّين بن
الْخياط الْأَكْبَر وعَلى الإِمَام عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن
مُحَمَّد الوحصي وعَلى غَيرهمَا وَكَانَ يَنُوب بِالْأَحْكَامِ
الشَّرْعِيَّة للْقَاضِي وجيه الدّين العرشاني وَاسْتمرّ بعد القَاضِي
وجيه الدّين فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ
وَينْهى عَن الْمُنكر وألزم الْيَهُود الزنار وإخراب مَا أَحْدَثُوا من
الْكَنَائِس وسدد فِي الْأَحْكَام وسلك بِالنَّاسِ سيرة شاقة لَا
يحتملها الْوَقْت فَعَزله السُّلْطَان فَلَزِمَ بَيته واجتهد
بِالْعبَادَة ثمَّ توفّي إِلَى رَحْمَة الله بعد سنة ثَمَان
وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَظَهَرت لَهُ كرامات بعد مَوته رَحمَه الله
تَعَالَى
وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد
بن أَحْمد العرشاني كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما قَرَأَ على جمَاعَة
من الْعلمَاء مِنْهُم الإِمَام عفيف الدّين عبد الله بن صَالح البريهي
بالفقه وعَلى الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام نَفِيس
الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ ثمَّ تولى الْقَضَاء بِمَدِينَة جبلة
وانفصل عَنهُ ثمَّ ولاه الإِمَام مجد الدّين الْقَضَاء بثغر عدن إِذْ
كَانَ قَاضِي الْأَقْضِيَة ثمَّ عزل عَنهُ وَرجع على
(1/219)
ولَايَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز ودام
بهَا إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَكَانَت سيرته
حَسَنَة بِالْقضَاءِ وَكَانَ ذَا مروة وَحسن خلق وكرم يعول بُيُوتًا
كَثِيرَة من أَقَاربه وأهليه وَكَانَت لَهُ عبَادَة وَقيام وَصِيَام
يَصُوم فِي كل سنة رجبا وَشَعْبَان وَالْأَيَّام الْمَنْدُوب إِلَى
صيامها فِي السّنة وَقَرَأَ على الإِمَام الْجَزرِي عِنْد وُصُوله
إِلَى مَدِينَة تعز بِالْحَدِيثِ وَأَجَازَ لَهُ وَكَانَ يدرس ويفتي
وَخَلفه بِولَايَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز صنوه الْفَقِيه رَضِي
الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد العرشاني وَلم تطل مدَّته بل توفّي أول
سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَكَانَ لَهما أُخْت فاضلة عابدة
اسْمهَا سيدة الْقَضَاء بنت مُحَمَّد العرشاني تَصُوم النَّهَار وَتقوم
اللَّيْل واشتهر لَهَا كرامات وَلم تتَزَوَّج إِلَى أَن توفيت سنة سبع
وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحِمهم الله ونفع بهم
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الْفَقِيه الْفَاضِل رَضِي الدّين أَبُو
بكر بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عمر البريهي
كَانَ فَقِيها مُجْتَهدا محصلا يطْلب الْعلم موفقا لم أتحقق من حَاله
غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله
ونفع بِهِ
وَمِنْهُم المقرىء الشَّيْخ الصَّالح تَقِيّ الدّين عمر بن سعيد بن
فاتك قَرَأَ على جمَاعَة من أَئِمَّة وقته فِي مُعظم فنون الْعلم
وَكَانَ لَهُ الباع الأطول فِي علم الْأَسْمَاء ويستخدم الْجِنّ ويحرز
المجانين وَحكي عَنهُ أَنه صحب جمَاعَة من شُيُوخ الصُّوفِيَّة الأكابر
مِنْهُم الشَّيْخ الْعَفِيف بن عمر بن المسن وترافقا فِي السّفر إِلَى
مَكَّة المشرفة فحجا وزارا قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَتَأَخر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن الزِّيَارَة لعذر فَأعْطَاهُ
الشَّيْخ الْعَفِيف شَيْئا من الدَّرَاهِم لينفقها على نَفسه فأنفق
بَعْضهَا ثمَّ ضَاعَت الدَّرَاهِم فَوقف أَيَّامًا جائعا ثمَّ دخل
الْحرم الشريف للطَّواف وأضمر أَنه إِذا وجد شخصا فِيهِ أَمَارَات
الْخَيْر طلب مِنْهُ شَيْئا من النَّفَقَة فَطَافَ فَلَمَّا فرغ من
الطّواف لَقِي رجلا عَلَيْهِ أَمَارَات الْخَيْر قَالَ فَقَالَ لي
ذَلِك الرجل ارحب يَا من لَهُ جَائِع أَيَّامًا قف عِنْدِي فلي أَيَّام
جَائِع
(1/220)
مثلك وَكَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة قَالَ
فوقفنا كَذَلِك فِي الْحرم الشريف سَاعَة ثمَّ نمنا فَلم نشعر إِلَّا
وَرجل ينبهني فتنبهت فَقَالَ قُم واكشف عَن زَاد الْغَيْب قَالَ
فَقُمْت فَوجدت طبقًا وَعَلِيهِ مكبة فكشفتها فَوجدت أرزا حارا وَسمنًا
وَعَسَلًا وزنجبيلا أَخْضَر قَالَ فَأكلت أَنا وَذَلِكَ الرجل حَتَّى
شبعنا وَبَقِي مِنْهُ بَقِيَّة ثمَّ نمنا فَلَمَّا انتبهنا لم أر
الطَّبَق وَلَا شَيْئا مِمَّا بَقِي فِيهِ فصلينا الصُّبْح مَعَ
الْجَمَاعَة فصلى عِنْدِي رجل وَصلى عِنْده رجل فَأَعْطَانِي الَّذِي
صلى عِنْدِي صرة وَأَعْطَاهُ الَّذِي صلى عِنْده صرة قَالَ ففتحت الصرة
الَّتِي لي فَوجدت فِيهَا عشرَة دَرَاهِم وَذَلِكَ الرجل فتح الصرة
الَّتِي مَعَه فَوَجَدَهَا عشرَة دَرَاهِم وكل منا أفرغ مَا عِنْده
ثمَّ جعنا ثَلَاثَة أَيَّام فَبعد ذَلِك اتّفق مثل مَا اتّفق فِي
الْمرة الأولى وَكَذَلِكَ مرّة ثَالِثَة بت فِيهَا ساهرا لأرى من
يَأْتِي بالطبق فانتبه صَاحِبي فَرَأى الطَّبَق بِمَا فِيهِ وسألني هَل
نمت أم لَا فَقلت لم أنم بل أَنا بانتظار الَّذِي يَأْتِي بالطبق
فَقَالَ تأدب وارفع نظرك عَن الْإِنَاء واصرفه إِلَى مَكَان آخر
فَصَرَفته إِلَى مَكَان آخر ثمَّ عدت لأنظر الطَّبَق فَلم أجد شَيْئا
قَالَ فَلَمَّا صلينَا صَلَاة الصُّبْح جَاءَ الشَّيْخ الْعَفِيف بن
المسن فَلَقِيته فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَقَالَ
مرْحَبًا بِمن جَاع ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ
ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ فعجبت على ذَلِك ثمَّ رجعت إِلَى بلدي صُحْبَة
الشَّيْخ الْعَفِيف وَقد ظهر لهَذَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كرامات
ذكرت بَعْضهَا فِي الأَصْل وَكَانَ وَفَاته سنة خمس وَثَلَاثِينَ
وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ وَدفن بالأجيناد
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن مُحَمَّد بن سعيد
الشظبي الْحَارِثِيّ المحرزي كَانَ رَحمَه الله إِمَامًا أنارت بِهِ
بدور الْعلم وشموسها ودان لَهُ مِنْهَا
(1/221)
حرونها وشموسها فألف وصنف كتبا قر بهَا
آذان الْبَيَان وشنف وَله نظم هُوَ السحر والحلال والعذب السلسال
هَكَذَا قَالَ فِيهِ الْفَقِيه وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر
العطاب وأصل بَلَده سَوْدَة شظب ثمَّ انْتقل إِلَى صنعاء فَقَرَأَ فِي
النَّحْو واللغة والْحَدِيث على الْأَئِمَّة المجودين لهَذِهِ
الْفُنُون مِنْهُم الإِمَام جمال الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن سليم
الْمَعْرُوف بِابْن هطيل فَلَمَّا بلغ مَعَ اشْتِغَاله بِعلم الحَدِيث
على الشريف السَّيِّد جمال الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الحسني نزل
إِلَى مَدِينَة تعز فَقَرَأَ بهَا الحَدِيث على الإِمَام نَفِيس الدّين
الْعلوِي ثمَّ سَافر لِلْحَجِّ فحج وزار قبر سيدنَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَرَأَ على الْأَئِمَّة بالحرمين الشريفين
شَيْئا من كتب الحَدِيث مِنْهُم القَاضِي زين الدّين أبي بكر بن
الْحُسَيْن العثماني الْقرشِي المراغي وَغَيره فأجازوا لَهُ ثمَّ
رَجَعَ إِلَى بَلَده أَقَامَ بهَا اياما ثمَّ طلع إِلَى مَدِينَة صنعاء
فدرس فِي النَّحْو واشتهر بهَا وصنف بهَا مصنفا فِي النَّحْو مُخْتَصرا
جَامعا سَمَّاهُ تبصرة أولي الْأَلْبَاب فِي ضوابط الْإِعْرَاب استحسنه
عُلَمَاء النَّحْو بِمَدِينَة صنعاء وَغَيرهَا ومدحه السَّيِّد الشريف
مُحَمَّد بن نَاصِر فَقَالَ
(1/222)
(مَا كنت أَحسب أَن النَّحْو ينظمه ... فِي
سلك كراسة شخص من النَّاس)
(حَتَّى وقفت على عقد جواهره ... منظومة كلهَا فِي بطن كراس)
(فَإِن عجبت فأحرى فِي تعجبها ... من يبسها وَهِي بَحر موجه راسي)
(لله در موشيها فَإِن لَهُ ... فكرا يلين بِهِ المستصعب القاسي)
(مَا سِيبَوَيْهٍ وَلَا عَمْرو وَإِن عظما ... قدرا وجلا لمنشيها
بمقياس)
وَهُوَ مَعَ ذَلِك ملازم للسَّيِّد الشريف مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
يتضلع من علومه ويقتبس من فَوَائده فَلَمَّا علم بوصول الإِمَام
الْجَزرِي إِلَى مَدِينَة تعز نزل إِلَيْهِ من صنعاء وَقَرَأَ عَلَيْهِ
فِي الحَدِيث وَأَجَازَ لَهُ وَلما ختم قِرَاءَة صَحِيح مُسلم أَي
عِنْد الإِمَام الْجَزرِي بِمَدِينَة تعز أنشأ الشَّيْخ بدر الدّين
الشظبي قصيدة تَتَضَمَّن مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومدح
الحَدِيث النَّبَوِيّ ومدح الشَّيْخ الْجَزرِي ونظم سَنَده فِي الْكتاب
وَهِي طَوِيلَة مثبتة فِي الأَصْل بكمالها أَولهَا
(تنعم بِذكر الْمُصْطَفى فَهُوَ أنعم ... يلذ بِهِ عَيْش الْمُحب
وينعم)
(وصل عَلَيْهِ فَهُوَ أشرف مُرْسل ... وَكرر فَمَا هَذَا المكرر يسأم)
إِلَى آخرهَا
توفّي هَذَا الْفَقِيه بتعز سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله
ونفع بِهِ
وَمِنْهُم وَلَده الْفَقِيه الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن حسن
الشظبي كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما عابدا زاهدا تولى الْقَضَاء بجهات
صهْبَان فحسنت سيرته واشتهر صيته ودرس وَأفْتى هُنَالك ثمَّ حدث مَا
أوجب انْتِقَاله إِلَى مَدِينَة تعز فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا يدرس
ويفتي ثمَّ توفّي فِي شهر شَوَّال سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثمانمئة
وقبر بالأجيناد عِنْد قبر وَالِده أَو قَرِيبا مِنْهُ رَحمَه الله ونفع
بِهِ
وَمن أهل مَدِينَة تعز الشَّيْخ الصَّالح الْوَزير تَقِيّ الدّين أَبُو
حَفْص عمر بن أبي الْقَاسِم بن معيبد قد تقدم رفع نسبه عِنْد ذكر
وَالِده رَحِمهم الله تَعَالَى قَرَأَ
(1/223)
هَذَا الشَّيْخ على جمَاعَة من الشُّيُوخ
أهل الْفِقْه والْحَدِيث ثمَّ سلك طَريقَة التصوف وتأدب بآدابهم واجتهد
بِالْعبَادَة وَلبس الْخِرْقَة الْمَشْهُورَة عِنْد أهل التصوف من بعض
مشايخهم وسافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وجاور هُنَاكَ نَحْو سنتَيْن ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده
فاعتكف فِي الْمَسَاجِد وَعبد الله تَعَالَى خَاشِعًا باكيا من خشيَة
الله وَقد يحضر السماع فَيفتح عَلَيْهِ فِيهِ بِأَبْيَات عَجِيبَة
وَيلْزمهُ حَال فَيذْهب إِلَى عِنْد قُبُور بعض الصَّالِحين والأماكن
الْمَشْهُورَة الْبركَة فيقف هُنَاكَ أَيَّامًا ثمَّ يعود وَكَانَت
لَهُ قريحة مطاوعة ينظم بهَا الشّعْر مِنْهَا القصيدة الْكَبِيرَة
الَّتِي أَولهَا
(لم لَا يحن فُؤَادك الْمَجْرُوح ... وَيفِيض دمعا جفنك المقروح)
وَهِي مَذْكُورَة فِي الأَصْل بكمالها
وَله قصائد كَثِيرَة فِي مدح أبي الْعَبَّاس الْخضر وصنف فِيهِ مصنفة
سَمَّاهَا الخدم الخضرية فِي الشيم الخضرية تحتوي على نظم ونثر من
ذَلِك مَا قرأته من خطه مِمَّا قَالَه لما مِثَاله يسر الله وُرُود
بِشَارَة هنيَّة ومكرمة سنية من سَيِّدي الْخضر صلى الله على نَبينَا
وَعَلِيهِ وَسلم وَهُوَ أَنه جرى ذكرى ابْتِدَاء على لِسَانه الشريف
لبَعض
(1/224)
السادات ذَوي المقامات المنيفة فروى ذَلِك
عَنهُ لي وَهُوَ مِمَّن يدين بروايته ويؤمن بكرامته ويؤتمن بحكايته
ولقبني بالتقوى وَذَلِكَ عِنْدِي أحلى من الْمَنّ والسلوى فمما مدح
بِهِ سيدنَا أَبُو الْعَبَّاس الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهَا قصيدة
أَولهَا
(يَا سيدا مذهبي محبته ... فحبه عمدتي ومنهاجي)
(وَهُوَ ملاذي لكل معظلة ... فِي رفع همي وَمَا رمت من حاجي)
وَهِي طَوِيلَة وَله أَيْضا فِي مدحه عَلَيْهِ السَّلَام من قصيدة
أَولهَا
(جمالك لَا يُقَاس بِهِ جمال ... وفضلك لَا يماثله مِثَال)
(وَإِن ذكر الْكِرَام بِكُل أَرض ... كمالك لَيْسَ يبلغهُ كَمَال)
وَهِي طَوِيلَة أَيْضا مثبتة هِيَ وَمَا قبلهَا فِي الأَصْل
وَكَانَ هَذَا التقي فِي مُعظم عمره مشتغلا بمطالعة الْكتب فِي
الْوَعْظ وَيكثر ذكر الله تَعَالَى فِي التفكر كَمَا كَانَ السّلف
الصَّالح قَائِلا فيهم
(أحب الصَّالِحين وَلست مِنْهُم ... لَعَلَّ الله يَرْزُقنِي الصلاحا)
(ولي فيهم ظنون قاطعات ... بِأَن الْحبّ يُوجب لي الفلاحا)
وَمن شعره من قصيدة طَوِيلَة متوسلا فِيهَا إِلَى الله تَعَالَى مَا
مِثَاله
(يَا رب خُذ بيَدي إِلَيْك فإنني ... أَصبَحت فِي أسر الذُّنُوب لزيما)
(مَالِي سوى فقري إِلَيْك وفاقتي ... فاقبل شَفِيعًا مِنْهُمَا وحميما)
وَله تخميس بَيْتَيْنِ من أَبْيَات الْفرج قدم عَلَيْهَا مُقَدّمَة
وَزَاد زِيَادَة بعد ذَلِك فَقَالَ
(وجهت وَجْهي لمن ألطافه جاهي ... وَقلت إِنِّي لأرجو عطفة الله)
(مكررا إِنَّمَا أَشْكُو إِلَى الله ... وقائلا فِي الْأُمُور الْحَمد
لله)
(1/225)
وسَاق على مثل تِلْكَ قدر عشْرين بَيْتا
وشعره كثير يبلغ مجلدات وَرَأى لَهُ سَيِّدي شهَاب الدّين أَحْمد بن
مُحَمَّد الجبرتي فِي الْمَنَام رُؤْيا حَسَنَة تدل على خَيره مِمَّا
قد ذكرتها فِي الأَصْل وَذَلِكَ بعد مَوته وَكَانَت وَفَاته سنة تسع
وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد
الرَّحْمَن الجبرتي الْعقيلِيّ الْقرشِي من أهل بَيت مبارك أَخْبرنِي
الثِّقَة أَن جد الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ
الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن كَانَ لَهُ سَبْعَة أَوْلَاد نجباء خرج من
بَلَده من مَكَان يُسمى مسك خلف الْبَحْر من أَرض الْحَبَشَة فَدخل
الْيمن وَأقَام فِيهِ يعبد الله تَعَالَى وَأقَام بِمَدِينَة زبيد
أَيَّامًا فَتوفي فِيهَا وَأقَام وَلَده عَليّ بعده فِيهَا أَيَّامًا
ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فاستوطنها وَهُوَ أول من سكن المداجر
مِنْهُم وَكَانَ يصحب الشَّيْخ الصَّالح الْوَلِيّ عبد الْعَلِيم
الَّذِي سبق ذكره ونال ببركته خيرا كثيرا واشتهر للشَّيْخ شمس الدّين
كرامات كَثِيرَة وَحدث لَهُ أَوْلَاد نجباء مِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة
هُوَ الشَّيْخ جمال الدّين كَانَ مُبَارَكًا عابدا مُلْتَزما طَريقَة
الصُّوفِيَّة متأدبا بآدابهم يجود بِمَا فِي يَده من الْأَمْوَال على
الْفُقَرَاء وَغَيرهم وَله مُشَاركَة بِشَيْء من الْعُلُوم وَأَجَازَ
لَهُ بهَا جمَاعَة من الْعلمَاء الأكابر وَعمر فِي المداجر مدرسة
ورباطا وأضاف إِلَيْهَا السُّلْطَان من الْأَسْبَاب من الْوَقْف شَيْئا
كثيرا وَكَانَ لَهُ مِنْهُ وَمن أَصْحَابه صلات كَثِيرَة متتابعة
ينفقها فِي وُجُوه المكرمات وَأَخْبرنِي وَلَده الشَّيْخ شهَاب الدّين
الجبرتي عَن وَالِده الْمَذْكُور أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكَانَ مَرِيضا بعد أَن تداوى بأَشْيَاء كَثِيرَة لم تَنْفَعهُ
فرتب قِرَاءَة الْفَاتِحَة كل يَوْم ألف شرف وَألف شرف قل هُوَ الله
أحد فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عوفيت من ذَلِك
الْمَرَض وَقد أطلق الله الْأَمِير مُحَمَّد بن زِيَاد من الْحَبْس فِي
حصن تعز قَالَ فَقُمْت من سَاعَتِي وَزَالَ عني الْمَرَض وَلم تمض
ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا وَقد جَاءَ رَسُول من السُّلْطَان بِخَطِّهِ
إِلَى مُتَوَلِّي الْحصن بِإِطْلَاق الْأَمِير الْمَذْكُور فَكَانَ
ذَلِك تَصْدِيقًا للرؤيا
(1/226)
وَأخْبر أَيْضا أَن وَالِده الْمَذْكُور
سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة هُوَ وَجَمَاعَة نَحْو عشْرين رجلا
فَكَانُوا يصلونَ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة جمَاعَة فِي أَوْقَاتهَا
وركبوا الْبَحْر بجلبة مَعَ جمَاعَة فصاروا نَحْو سبعين نَفرا فَمروا
فِي بعض السواحل فوجدوا رجل مجذوبا وَاقِفًا فِي الشَّمْس قَالَ فتقدمت
إِلَيْهِ وسلمت عَلَيْهِ وَسَأَلته الدُّعَاء فَقَالَ لي سَلامَة بر
وبحر فكررت لَهُ طلب الدُّعَاء فَقَالَ لي لكل وَافد قَرَأَ وقرأكم على
الله تَعَالَى الْمَغْفِرَة ثمَّ سألناه ليزدنا من الدُّعَاء فَلم
يتَكَلَّم قَالَ فشريت لَهُ شَيْئا من الزَّاد وقربته إِلَيْهِ فَأكل
بعضه ثمَّ طرح بَاقِيه للطيور حواليه ثمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرت من
بَيْتِي لَهُ عَرِيشًا يكنه من الْمَطَر ويظله من الشَّمْس ثمَّ انصرفت
عَنهُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي جِئْت لأزوره وأودعه
فَوَجَدته فِي الشَّمْس كَمَا وجدته فِي الْيَوْم الأول وَقد تَفَرَّقت
الأخشاب وَمَا إِلَيْهَا الَّذِي جعلت لَهُ عَرِيشًا فطلبت مِنْهُ
الدُّعَاء فَتكلم بِمَا تكلم بِهِ الْيَوْم الأول لم يزدْ عَلَيْهِ
شَيْئا فسافرنا حَتَّى وصلنا جدة وَكَانَ ناظرها يَوْمئِذٍ الشريف بدر
الدّين حُسَيْن بن عجلَان وَهُوَ أَمِير مَكَّة فقابلنا مُقَابلَة
حَسَنَة وأعفانا وأعفى التُّجَّار الَّذين صحبونا عَمَّا يعْتَاد
عَلَيْهِ من العشور من تجاراتهم وجللنا واحترمنا وكتبت إِلَيْهِ
ثَلَاثَة أَبْيَات هِيَ
(بِمَا أجازيك مَا قولي وَمَا عَمَلي ... وَكَيف سعيي وَمَا قوسي وَمَا
الْوتر)
(فَإِن مدحت فَإِن النَّاس قد مدحوا ... وَإِن شكرت فَإِن النَّاس قد
شكروا)
(لَكِن أمد إِلَى رب السَّمَاء يَدي ... بِأَن يجازيك عني فَهُوَ
مقتدر)
ثمَّ إِن الشَّيْخ جمال الدّين الْمَذْكُور قدم مَكَّة المشرفة فحج
وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة
تعز وَبَقِي على الْحَال المرضي من الْعِبَادَة إِلَى أَن توفّي رَحمَه
الله سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة شَهِيدا من ألم الطَّاعُون رَحمَه
الله ونفع بِهِ
(1/227)
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة جمال
الدّين مُحَمَّد بن المقرىء عفيف الدّين عبد الله الْحرَازِي
الْمُتَقَدّم ذكره مَعَ الْفُقَهَاء أهل معشار التعكر كَانَ هَذَا
الْفَقِيه جمال الدّين رجلا فَاضلا عَالما قَرَأَ فِي الْفِقْه على
الْفَقِيه شرف الدّين قَاسم الدمتي وعَلى غَيره وَبِالْحَدِيثِ على
الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وَالشَّيْخ شمس الدّين الْجَزرِي
وبالفرائض والجبر والمقابلة على الإِمَام جمال الدّين الضراسي وَأثْنى
عَلَيْهِ وَحدثت لَهُ فِي الْجَبْر والمقابلة مَسْأَلَة أشكلت عَلَيْهِ
وعَلى شَيْخه الإِمَام جمال الدّين الضراسي فَنَامَ الْفَقِيه جمال
الدّين الْحرَازِي فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلمه
وَجه الْعَمَل بهَا وَأخْبر شَيْخه بِتِلْكَ فَضرب الْمَسْأَلَة فَصحت
كَمَا قَالَ الْفَقِيه جمال الدّين مِمَّا علمه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي يَقُول لمن
قَرَأَهَا عَلَيْهِ بعد ذَلِك هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة نبوية فتح
بهَا على الشَّيْخ جمال الدّين الْحرَازِي وَقد سَأَلت بعض تلامذة
الْفِقْه جمال الدّين عَنهُ فَقَالَ هُوَ الإِمَام الأوحد الصَّدْر
الأمجد الْمُحَقق للمنقول والمعقول إِمَام زَمَانه وَسيد أقرانه يضيق
وقته عَن تعداد مناقبه فسبحان الله مَا أَجود خاطره وأثقب ذهنه وَأحسن
تصرفه لَا يُوَجه خاطره إِلَى شَيْء من عويص الْعلم فِي الْفِقْه
والفرائض إِلَّا اقتنصه وَكنت أساله عَن الشَّيْء فَيحسن نظره فِيهِ
وَهُوَ يقرب الْبعيد للمستفيد بل الله ثراه بوابل الرَّحْمَة
وَأَسْكَنَهُ فسيح جنته انْتهى كَلَام تِلْمِيذه
وعَلى الْجُمْلَة فَكَانَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين جَامعا للْعلم
وَالْعَمَل مُفِيدا فِي التدريس ثَابتا فِي الْفَتْوَى قَائِما مقَام
شَيْخه شرف الدّين الدمتي كَامِلا فِي النّظر فِي الْمسَائِل المشكلة
شملته بركَة دُعَاء وَالِده لَهُ فَإِنَّهُ كَانَ مجاب الدعْوَة وَقد
قَالَ الإِمَام جمال الدّين بن الْخياط لما مَاتَ الْفَقِيه جمال
الدّين المقرىء تَيَقنا ذهَاب الْعلم الْآن وأظلمت الدُّنْيَا ثمَّ
توفّي بعده ابْن الْخياط بذلك الشَّهْر رحمهمَا الله تَعَالَى ونفع
بهما
وَمِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح الْعَلامَة ولي الدّين عبد الْوَلِيّ بن
مُحَمَّد بن عبد الله بن
(1/228)
حسن بن صَالح الوحصي بَلَدا الْخَولَانِيّ
نسبا قَرَأَ على الإِمَام الصَّالح صفي الدّين أَحْمد النَّاشِرِيّ
وعَلى الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط وعَلى غَيرهمَا بالفقه وعَلى
الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بِالْحَدِيثِ وَأَجَازَ لَهُ الشَّيْخ
شمس الدّين الْجَزرِي وَالْإِمَام زين الدّين المراغي وَبَنُو ظهيرة
بِمَكَّة المشرفة وَقَرَأَ بالنحو على الإِمَام جمال الدّين
الْمَقْدِسِي فدرس وَأفْتى وَكَانَ نَائِبا بِالْمَدْرَسَةِ المؤيدية
عَن الْفُقَهَاء من بني النَّاشِرِيّ فَكَانَ الْفَقِيه ولي الدّين
عَالما عَاملا متواضعا آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر لَا
يَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم كريم النَّفس حسن الْأَخْلَاق وأضيف
إِلَيْهِ الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز فَأَقَامَ على ذَلِك شهرا ثمَّ
توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى شَهِيدا من ألم الطَّاعُون سنة تسع
وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
ثمَّ خَلفه من بعده وَلَده الْفَقِيه الصَّالح الْفَاضِل شهَاب الدّين
أَحْمد كَانَ لَهُ مُشَاركَة بِعلم الْفِقْه قَرَأَ على وَالِده وعَلى
ابْن عَمه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي وأضيف
إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْمدرسَة السابقية وَغَيرهَا وَكَانَ آمرا
بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر ذَا خير وَدين صلب وَتُوفِّي سنة
خمس وَسِتِّينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد عِنْد قبر وَالِده رحمهمَا
الله تَعَالَى ونفع بهما
وَمِنْهُم الإِمَام حَافظ الزَّمن وحامل لِوَاء السّنة المصطفوية فِي
الْيمن جمال الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد الْأَكْبَر بن شيخ
الْإِسْلَام فَقِيه الْمَذْهَب أبي بكر بن مُحَمَّد بن صَالح
الْهَمدَانِي الشهير بِابْن الْخياط كَانَ شيخ الْعُلُوم وإمامها وَمن
فِي يَدَيْهِ زمامها لَهُ فِيهِ الباع المديد والشأو الْبعيد الَّذِي
لَيْسَ عَلَيْهِ مزِيد أخْبرت أَنه لما حفظ كتاب الله تَعَالَى على يَد
الْفَقِيه الصَّالح عفيف الدّين عَطِيَّة بن عبد الرَّزَّاق ذهب بِهِ
وَالِده إِلَى الشَّيْخ عفيف الدّين صَالح الْيمن ذِي الكرامات عبد
الله بن يحيى الشعراني فَدَعَا لَهُ فَمن دُعَائِهِ لَهُ أَن قَالَ
اللَّهُمَّ أثقب قلبه بمعرفتك فاستجيب لَهُ الدُّعَاء وسبقت لَهُ
الْعِنَايَة
(1/229)
وَقيل أَن هَذَا الدُّعَاء من الشَّيْخ
الْوَلِيّ جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الشبيبي فَقَرَأَ هَذَا
الإِمَام جمال الدّين على وَالِده رَضِي الدّين فِي الْفِقْه وَغَيره
وعَلى الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ ثمَّ
سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأخذ على الْأَئِمَّة هُنَالك كالمراغي والكازروني وَبني ظهيرة
وَغَيرهم ثمَّ على الإِمَام مجد الدّين الشِّيرَازِيّ وَالْإِمَام
الْجَزرِي وَالْإِمَام أبي الْخَيْر بن الزين وَالشَّيْخ أبي طَاهِر بن
مُحَمَّد بن أبي الْيمن الْمصْرِيّ وَالشَّيْخ أبي بكر الْأمَوِي
وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر وَغَيرهم فَأَجَازَهُ هَؤُلَاءِ
بِجَمِيعِ فنون الْعلم وَقد جمع شُيُوخه وأنسابه فِي كراسة كَانَت
عِنْده فكمل للفقيه جمال الدّين معرفَة جَمِيع الْعُلُوم من الحَدِيث
وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه والنحو وَكَانَ يُسمى الباقر لسعة علمه وفهمه
واستنباطه وَحفظه والتفرد بِزِيَادَة المتخصص لتحقيق علم الحَدِيث سلمت
لَهُ الرِّئَاسَة فِيهِ فَكَانَ لَا يُمَارِي بِشَيْء مِنْهُ وَخلف
الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي بعد مَوته بتدريس الحَدِيث
النَّبَوِيّ وَكَانَ يتَكَلَّم على معنى الحَدِيث وَرِجَال الْإِسْنَاد
بِكَلَام نَافِع بِمحضر شَيْخه الإِمَام نَفِيس الدّين فيصوب كَلَامه
وَنقل عَنهُ الْمُحَقِّقُونَ من الْفَوَائِد فِي حَيَاة الإِمَام
نَفِيس الدّين أَشْيَاء كَثِيرَة وَمِمَّا أسْندهُ إِلَى بعض أَئِمَّة
الحَدِيث أَنه قَالَ أَخْبرنِي بعض شيوخي مُسْندًا قَول بَعضهم مَا
أقبح الْجَهْل بالألباء وَالْمَرَض بالأطباء والجفاء بالأحباء
وَلما انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة بِعلم الحَدِيث وَانْفَرَدَ بذلك
تزاحمت عَلَيْهِ الطّلبَة فَكَانَ يحضر عِنْده جمع كثير فَكَانَ
مَجْلِسه حافلا للْعُلَمَاء والمتعلمين وَكَانَ لَهُ حسن أَخْلَاق
وَمَكَارِم لم تكن لغيره من أَبنَاء جنسه فِي وقته لَا يستكثر عَطاء
يُعْطِيهِ من جَاءَ إِلَيْهِ يطْلب رفده وكل من وَفد إِلَيْهِ من
الْفُقَهَاء والمحدثين والبلغاء المبرزين يشْهد لَهُ بِأَنَّهُ فَخر
الْيمن وبهجة الزَّمن وَأَنه الْقدح الْمُعَلَّى لشربه من الْعُلُوم
المشرب الْأَسْنَى
(1/230)
واختص بشرف النَّفس وعلو الهمة وَسُرْعَة
الْحِفْظ وَوصف بالذكاء وَقد أثنى عَلَيْهِ الإِمَام الْجَزرِي ومدحه
ببيتين بعد أَن سَأَلَهُ السُّلْطَان النَّاصِر من رَأَيْت كَامِلا من
عُلَمَاء الْيمن فَقَالَ
(إِن الإِمَام فَتى الْخياط أفضل من ... رَأَيْت فِي الْيمن الفيحاء من
رجل)
(قل عَنهُ واسمع بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد ... ملْء المسامع
والأفواه والمقل)
وَهَذَا أبلغ شَاهد على فضل الإِمَام جمال الدّين
وعَلى الْجُمْلَة فقد فاق أهل زَمَانه وأربى على أقرانه يحفظ
بِقِرَاءَة الْمرة الْوَاحِدَة أَكثر مَا يقْرَأ وَيسمع ويستحضر مُعظم
مَا يطالع فيجريه على لِسَانه كالسيل الْوَارِد وَله تدقيق عَجِيب
واعتراضات لَازِمَة على شَيْء من المصنفات من ذَلِك أَنه وَصله سُؤال
من مَدِينَة زبيد مضمونه أَن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا كم بنيت الْكَعْبَة
المشرفة مَرَّات فأجابهم بِجَوَاب شاف أظهر فِيهِ الدَّلَائِل على
صِحَة بنائها إِحْدَى عشرَة مرّة وَذكر من بناها وَجعل فِي ذَلِك مصنفا
سَمَّاهُ عين التَّحْقِيق فِي عدد بِنَاء الْبَيْت الْعَتِيق وَقَالَ
فِي آخِره جمعت ذَلِك فِي لحظات يَوْم من يَوْم وَاحِد وَاتفقَ بَينه
وَبَين فُقَهَاء الْبَلَد اخْتِلَاف فِي فَتْوَى وَهِي أَن امْرَأَة
اتّفقت هِيَ وَرجل على أَن يَتَزَوَّجهَا بعد أَن رغبته بنكاحها حَتَّى
قَالَت لَهُ تزوج عَليّ وَعلي نذر لله إِن نكحتني وَكتب الله بَيْننَا
فراقا أَبْرَأتك من مهري فَهَل يلْزمهَا الْوَفَاء بِالنذرِ إِذا
فَارقهَا فَأجَاب بَعضهم بِلُزُوم الْوَفَاء وَبَعْضهمْ بِعَدَمِ صِحَة
النّذر فصنف الإِمَام جمال الدّين تصنيفه يَقْتَضِي صِحَة النّذر
وَلُزُوم الْوَفَاء بذلك وَأقَام الدَّلِيل عَلَيْهِ وَقد ذكرت بعض
ذَلِك فِي الأَصْل مَعَ زِيَادَة فَوَائِد وقصائد من كَلَام الإِمَام
جمال الدّين رَحمَه الله وَغَيره وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى من
ألم الطَّاعُون سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثمانمئة وَلم يكن لَهُ من
الْأَوْلَاد من يسْتَحق الذّكر وَتَفَرَّقَتْ كتبه الَّتِي جمعهَا
واجتهد بتحصيلها وضبطها وَذَلِكَ زِيَادَة على سبعمئة مُجَلد فَلَا حول
وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
(1/231)
وَمِنْهُم شَيخنَا الصَّالح الإِمَام جمال
الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن عمر الْحرَازِي الْمَشْهُور
بالرعياني كَانَ رَحمَه الله رجلا عَالما عابدا صَالحا ورعا زاهدا أخبر
أَنه كَانَ قبل قِرَاءَته زراعا فَنَامَ فِي بعض اللَّيَالِي وَهُوَ
يحفظ الزَّرْع فَرَأى فِي النّوم رُؤْيا هاله أمرهَا فانزعج من ذَلِك
وَسَأَلَ المعبرين فَلم يشفوه فِي الْجَواب فأهمه ذَلِك وَكَانَ يسكن
الْقرْيَة الَّتِي نسب إِلَيْهَا وَهِي رعيان تَحت حصن الحمرا بمخلاف
جَعْفَر قَالَ وَكنت وليا لامْرَأَة أَذِنت لي بتزويجها فسرت إِلَى بعض
قُضَاة ذِي جبلة لأزوجها عِنْده فَقيل لَهُ أَنِّي أؤخر الصَّلَاة عَن
وَقتهَا بِغَيْر عذر شَرْعِي فَقَالَ لي لَا ولَايَة لَك عَلَيْهَا
فَقطعت العلائق والعوائق وَطلقت زَوْجَتي وَهِي حَامِل بولدي عبد
الرَّحْمَن ولزمت الِاعْتِكَاف والدراسة وَالصَّلَاة بأوقاتها فِي
الْجَامِع ونقلت الْقُرْآن أَربع عشرَة مرّة ثمَّ لَزِمت الإِمَام
رَضِي الدّين بن الْخياط فَقَرَأت وَسمعت عَلَيْهِ التَّنْبِيه
وَالْحَاوِي وَغَيره من المسموعات الْفِقْهِيَّة ثمَّ سَافَرت مَكَّة
المشرفة فحججت واعتمرت وزرت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وجاورت فِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة نَحْو سنة ثمَّ رجعت إِلَى ذِي
جبلة انْتهى كَلَامه
فَلَمَّا توفّي شَيْخه الإِمَام رَضِي الدّين بن الْخياط انْتقل إِلَى
مَدِينَة إب فَقَرَأَ على القَاضِي ابْن صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر
البريهي والفقيه جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله الْكَاهِلِي وَحصل
كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ ضَبطهَا أحسن ضبط وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر لَا
يفْطر إِلَّا الْأَيَّام الْمنْهِي عَن صَومهَا وَلَا يَأْكُل فِي
الْيَوْم وَاللَّيْلَة سوى أَكلَة وَاحِدَة عِنْد الْإِفْطَار وَكَانَ
قوته من عمل يَده من تَحْصِيل الْكتب والمصاحف وَكَانَ النَّاس يرغبون
إِلَى مَا كتبه ويبالغون فِي ثمنه تبركا بِهِ وَطلب مِنْهُ أهل
الْمَدِينَة أَن يقوم بإمامة الْجَامِع فصلى بِهِ إِمَامًا قدر سنة
يتَوَضَّأ لكل فَرِيضَة وَعرض عَلَيْهِ مَا شَرطه
(1/232)
الْوَاقِف من الْوَقْف لإِمَام الْجَامِع
فَامْتنعَ من قَبضه وَأمر أَن يعمر بِهِ الْجَامِع فعمر بِهِ وَاعْتذر
عَن الْإِمَامَة فعذر ودام على حَاله فِي الْعِبَادَة وَالِاعْتِكَاف
بالجامع وَطلب مِنْهُ أَن يقوم بإمامة مدرسة أَنْشَأَهَا وَالِي
الْبَلَد فَامْتنعَ وانتقل عَنْهَا إِلَى ذِي جبلة ثمَّ إِلَى وقير
بالشوافي فَأَتَتْهُ طلبة الْعلم الشريف فدرس هُنَالك وانتفع بِهِ
جمَاعَة كَثِيرَة ثمَّ عَاد إِلَى مَدِينَة إب بعد وَفَاة الْوَالِي
الَّذِي أمره بِالْإِمَامَةِ بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا وَأقَام
بالجامع لَا تمر عَلَيْهِ سَاعَة من نَهَاره إِلَّا وَهُوَ يدرس أَو
يحصل الْكتب النافعة مَعَ قِيَامه فِي اللَّيْل لِلْعِبَادَةِ فَلَمَّا
كبر وَلَده عبد الرَّحْمَن وَحفظ كتاب الله تَعَالَى وَقَرَأَ
بِالْعلمِ الشريف على وَالِده وَبلغ الْحلم اشتاق لسفر الْحَج فوافقه
وَالِده على ذَلِك وسافرا مَعًا فحجا وزارا وَوَافَقَ سفرهما وُصُول
بعض ثِقَات قَاضِي مصر كتاب التَّحْرِير وَشرح الْمَنْظُومَة لأبي
زرْعَة من رجل يُسمى الْفَقِيه أَبَا بكر السحولي قد أوقف هذَيْن
الْكِتَابَيْنِ على من يقْرَأ فيهمَا بمدرسة شنين وبمدينة إب فَأرْسل
بهما الثِّقَة مَعَ هَذَا الْفَقِيه جمال الدّين فحملهما وَوصل بهما
إِلَى مَدِينَة إب وَلم يكن بِالْيمن شَيْء من هذَيْن الْكِتَابَيْنِ
فَانْتَفع بهما الطّلبَة فِي المكانين
ثمَّ انْتقل الْفَقِيه جمال الرعياني إِلَى مَدِينَة تعز فَتَبِعَهُ
وَلَده الْفَقِيه وجيه الدّين وَأَقَامَا بهَا على التدريس
وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة وأضيف إِلَيْهِمَا من الْأَسْبَاب
الْمدرسَة الشمسية فِي مَدِينَة تعز فأقاما بهَا على الْحَال المرضي
مجتهدين بنشر الْعلم إِلَى أَن توفّي الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني
إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة إِحْدَى وَخمسين وثمانمئة وَدفن
بالأجيناد وَقد اشتهرت لَهُ كرامات كَثِيرَة فِي حَيَاته
(1/233)
مِنْهَا مَا أَخْبرنِي الثِّقَة أَن
السُّلْطَان المسعود لما دخل مَدِينَة تعز وَبنى أكمة السِّرَاجِيَّة
ورتب بهَا جمع المظفر أهل صَبر وَمن أطاعه وقصدوا السِّرَاجِيَّة
ليحرقوا مَا بهَا وَكَانَ بَيت الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني على
طريقهم فهم الْعَسْكَر بِنَهْب الْبَيْت ورموه بِالْحِجَارَةِ فلمع
الْبَرْق فِي وسط النَّهَار من غير سَحَاب وَرَأى ذَلِك من حضر
وَانْهَزَمَ أَصْحَاب المظفر فاحترم بَيت الْفَقِيه جمال الدّين من
ذَلِك الْيَوْم فَلَمَّا توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قَامَ
وَلَده النجيب الْعَالم وجيه الدّين مقَامه فِي التدريس وَالْفَتْوَى
بِمَدِينَة تعز وَكَانَ يحفظ كتاب التَّنْبِيه للشَّيْخ أبي إِسْحَاق
الشِّيرَازِيّ ومنهاج الإِمَام النَّوَوِيّ ومنظومة الْحَاوِي لِابْنِ
الوردي والشاطبية وألفية ابْن مَالك وَقرأَهَا على وَالِده وعَلى
الْفَقِيه جمال الدّين الْأَكْبَر ابْن الْخياط وأجازوا لَهُ واستقام
لولاية الْقَضَاء بجهات جبا وَمَا والاها ثَلَاث سِنِين وَأقَام فِيهَا
ودرس وَأفْتى وَقبض أوقافها ثمَّ اعتذر عَن الْقَضَاء بهَا إِلَى من
ولاه وَهُوَ السُّلْطَان المسعود فعذره وَرجع إِلَى مَدِينَة تعز
وَقد كَانَت ولَايَة الْقَضَاء بالجانب الْأَسْفَل من مَدِينَة تعز
للْقَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر الحريري فَلَمَّا توفّي إِلَى
رَحْمَة الله تَعَالَى استقام بِولَايَة الْقَضَاء فِي الْموضع
الْمَذْكُور هَذَا القَاضِي وجيه الدّين بِأَمْر السُّلْطَان
الْمَذْكُور فحسنت سيرته وَأقَام بِالْمَدْرَسَةِ الفرحانية يدرس ويفتي
وَيحكم على الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة إِلَى أَن ملكت السَّادة بَنو
طَاهِر الْمَدِينَة جَمِيعهَا فاستقام بِولَايَة الْقَضَاء بهَا
القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي فَتبقى الْفَقِيه وجيه
الدّين الرعياني فِي التدريس وَالْفَتْوَى وَالْعِبَادَة أَيَّامًا
إِلَى أَن توفّي بعد وَالِده بأيام قَليلَة وَذَلِكَ سنة أثنتين
وَخمسين وثمانمئة رَحمَه الله وَقد كَانَ رأى وَالِده فِي الْمَنَام
وَقَالَ لَهُ يَا عبد الرَّحْمَن انْتقل إِلَى عِنْدِي فَمَرض بذلك
الْأُسْبُوع أَيَّامًا ثمَّ توفّي وقبر عِنْد وَالِده رحمهمَا الله
ونفع بهما
(1/234)
وَمِنْهُم القَاضِي الْأَجَل تَقِيّ الدّين
عمر بن الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ المسلمي
الْمَشْهُور باليريمي قَرَأَ على وَالِده الْمُقدم ذكره بالفقه بقرية
يريم ثمَّ انْتقل إِلَى تعز فَقَرَأَ بالقراءات السَّبع على المقرىء
وجيه الدّين الملحاني وبالفقه على الإِمَام جمال الدّين العوادي
وَبِالْحَدِيثِ على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي ثمَّ طلع إِلَى
مَدِينَة إب فتأهل بهَا ورتبه الشَّيْخ الْجلَال السيري إِمَامًا فِي
الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا فَوقف مُدَّة طَوِيلَة يقرىء ويدرس
ويفتي ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَدِينَة تعز وَحج بَيت الله الْحَرَام ثمَّ
رَجَعَ إِلَيْهَا فَلَمَّا وصل الإِمَام شمس الدّين الْجَزرِي
وَالْقَاضِي تَقِيّ الدّين الشريف الفاسي إِلَى تعز نزل إِلَيْهِمَا
فَقَرَأَ عَلَيْهِمَا بِعلم الحَدِيث وَالتَّفْسِير وأجازا لَهُ ثمَّ
إِنَّه خالط بعض المتصرفين بِمَدِينَة تعز للسُّلْطَان الطَّاهِر
فَلَزِمَهُ وعبث فِي الْعرض وَالْمَال بِسَبَب ذَلِك فَبَقيَ فِي بعض
الْمَسَاجِد معتكفا يدرس ويفتي ثمَّ أضيف إِلَيْهِ قَضَاء الْجند
وانفصل عَنهُ وأضيف إِلَيْهِ نِيَابَة الْقَضَاء بِمَدِينَة تعز ثمَّ
انْفَصل عَن ذَلِك وَرجع إِلَى ولَايَة الْقَضَاء بالجند فَبَقيَ على
ذَلِك إِلَى أَن توفّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر شهر صفر سنة
ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة وَكَانَ ينظم الشّعْر من ذَلِك جَوَابه على
اللغز الَّذِي أبداه الإِمَام الْجَزرِي رَحمَه الله تَعَالَى على
طلبته حَيْثُ قَالَ
(أخي إِن رمت تَدْرِي من حَبِيبِي ... وتعرف مَا اسْمه وتحيط علما)
(خُذ اسْما من أسامي الْمَوْت واقلب ... وَصغر ذَلِك المقلوب حتما)
(وصحف ذَلِك التصغير وَاجعَل ... لمن أحببته من ضِدّه اسْما)
فَأجَاب القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن مُحَمَّد اليريمي الْمَذْكُور
أَولا فَقَالَ
(أَتَت أحجية من بَحر علم ... لتعريف الحبيب وَمَا يُسمى)
(باسم الْمَوْت واقلب ثمَّ صغر ... وَصغر ذَلِك التصغير حتما)
(فَفتح قلب حتف ثمَّ صغر ... وصحفه قَبِيح حزت علما)
(وَمَا ضد الْقَبِيح سوى مليح ... وَذَاكَ الْقَصْد وَالْحب
الْمُسَمّى)
وَله شعر غير ذَلِك مِنْهُ مَا نظمه فِي شُرُوط القَاضِي مِمَّا هُوَ
مُثبت فِي الأَصْل
(1/235)
حذفته هُنَا اختصارا
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْمُحدث شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشّعبِيّ
قَرَأَ على الإِمَام جمال الدينن بن الْخياط الحَدِيث وعَلى الإِمَام
جمال الدّين الضراسي فِي الْفَرَائِض وعَلى غَيرهمَا فأجازوا لَهُ
وتصدر لإسماع الحَدِيث النَّبَوِيّ بعد وَفَاة شَيْخه الإِمَام جمال
الدّين بن الْخياط وَنقل عَنهُ فَوَائِد جليلة ثمَّ تولى الْقَضَاء
بِبَلَد صهْبَان ثمَّ انْفَصل عَنْهَا وقطن بِمَدِينَة تعز وَاسْتمرّ
مدرسا بِجَامِع ثعبان واشتغل بِشَيْء من علم الْفلك وَكَانَت
الدُّنْيَا منزوية عَنهُ وَكَانَ خطه حسنا توفّي سنة خمس وَخمسين
وثمانمئة وقبر بالحياط ملاصقا لقبر شَيْخه الإِمَام جمال الدّين بن
الْخياط رحمهمَا الله تَعَالَى
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن عمرَان الْحميدِي
كَانَ مِمَّن فض لَهُ عَن أبكار الْمعَانِي الختام وارتقى بمعارفه
مرتبَة الجلة من ذَوي الأفهام قَرَأَ على الإِمَام جمال الدّين بن
الْخياط وعَلى الْفَقِيه ولي الدّين عبد الْوَلِيّ الوحصي وعَلى
الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن الْمقري وعَلى غَيرهم بالأصول
وَالْفِقْه والفرائض والنحو وَغير ذَلِك فأجازوا لَهُ اجْتهد فِي طلب
جَمِيع الْعُلُوم حَتَّى انْكَشَفَ لَهُ مَا كَانَ عَن غَيره من الوعيض
مَكْتُوم وحقق الْمَذْهَب والنصوص وَالْقَوَاعِد والمراتب حَتَّى صَار
إِمَامًا محققا فاق أهل زَمَانه وأربى على أقرانه وَفضل على بعض مشايخه
واشتهر بِحل المشكلات وإيضاح المبهمات وَقصد للمعضلات مَعَ حَدَاثَة
سنه واشتهر بذلك شهرة سَارَتْ مسير الشَّمْس لما أعطي من الْفَهم
الثاقب والإصابة فِي الحدس
(1/236)
واستنبط مسَائِل عَجِيبَة وحرر قَوَاعِد
صَحِيحَة غَرِيبَة فَمن بعض نتائج فكره الشاهدة بعلو قدره مَا جمعه
وصنفه وسطره فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه الْمُسَمّى الانتخاب فِي حِسَاب
الْفِقْه وَفقه الْحساب فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِ مَا شفى وَكفى قَالَ بعض
من وقف عَلَيْهِ من الْفُضَلَاء هُوَ جدير بِأَن يشد إِلَيْهِ الرّحال
ويجعله المحصلون معتمدهم فِي كل حَال وَأنْشد فِيهِ بَعضهم شعرًا
(إِلَيْك يسير أهل الْعلم طرا ... لِأَنَّك كَامِل فِي كل فن)
(وَلَا يغنون مهما غبت عَنْهُم ... وَإِن غَابَ الْجَمِيع فَأَنت تغني)
وَلما نظره الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي وَهُوَ شيخ شَيْخه لِأَن
شَيْخه الْفَقِيه جمال الدّين المقرىء وَشَيخ الْفَقِيه جمال الدّين
المقرىء الْفَقِيه جمال الدّين الضراسي فِي فن الْجَبْر والمقابلة
وعلوم الْحساب والفرائض وَاسْتَحْسنهُ وشكر مُؤَلفه واستقصر الْمدَّة
الْمَاضِيَة عَن اتساعها لمثل هَذَا الاختراع وَكتب فِي مُؤَلفه
كِتَابَة أثنى عَلَيْهِ وَبَالغ فِي شكره على مَا اخترعه وألفه وَجمعه
وصنفه وأجابه بِجَوَاب مطول مِمَّا قَالَ فِيهِ هُوَ فِي الْحَقِيقَة
مغترف من بحرك وَلم يُشَاهد إِلَّا بعض آيَات مجدك وآثار فخرك
وَلِهَذَا الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن عمرَان مُصَنف آخر فِيمَن ترك
شَيْئا من سُجُود الصَّلَاة الرّبَاعِيّة وَجَهل تَعْيِينه جعل هَذَا
المُصَنّف فِي مُقَدّمَة وبابين وخاتمة وَجعل احتمالات الْمَسْأَلَة
مئة ألف احْتِمَال وَخَمْسَة آلَاف احْتِمَال ومئة وَخَمْسَة واستدرك
فِي بعض الِاحْتِمَالَات على جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الدَّارمِيّ
والمحب الطَّبَرِيّ
(1/237)
والشاشي والإسنوي والسبكي وَغَيرهم بِشَيْء
يقبله الْعقل ويساعده النَّقْل مِمَّا يعجز بعض الإفكار عَن إِدْرَاكه
فضلا عَن الْإِتْيَان بِمثلِهِ وَله غير ذَلِك من التدقيق على مسَائِل
كَثِيرَة وَمَا ذَكرْنَاهُ من مؤلفاته فَهُوَ الشَّاهِد الْعدْل على
جلالته وأجادته وإفادته وَقد أحسن إِلَيْهِ السُّلْطَان الظَّاهِر
إحسانا كليا وَوَصله بصلات كَثِيرَة وأضاف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب
بتعز مَا يَلِيق بِحَالهِ وأقامه السُّلْطَان الْأَشْرَف ولد الظَّاهِر
بِولَايَة الْقَضَاء بتعز فَأَقَامَ على ذَلِك أَيَّامًا فَلَمَّا
توفّي الْأَشْرَف واستقام المظفر وَظهر فِي السَّادة المشائخ بني
طَاهِر فِي طلب الرِّئَاسَة وَالْولَايَة على الْيمن سعى لَهُم
الْفَقِيه شمس الدّين بذلك فَأوجب ذَلِك الِانْتِقَال إِلَيْهِم إِلَى
بلدهم لمعاندة حصلت عَلَيْهِ من المظفر وَأَصْحَاب المسعود بعد أَن
ناله وعث شَدِيد وَأسر معاهم أَيَّامًا ثمَّ أَطْلقُوهُ فانتقل ذِي
حراب من بلد السَّادة بني طَاهِر فَأحْسنُوا إِلَيْهِ إحسانا كليا وصنف
فيهم رِسَالَة سَمَّاهَا الْمسك الفتيق فِي فضل حر الأَصْل على
الرَّقِيق ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة بِقصد الْحَج فاخترمته
الْمنية فِي الطَّرِيق من الْوُصُول إِلَى بَيت الله الْعَتِيق قد رجح
إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى مكرما مُعظما وَكَانَت وَفَاته بمَكَان
يُسمى اللِّحْيَة وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع
بِهِ
(1/238)
وَمِنْهُم الْفَقِيه حسام الدّين عَبَّاس
بن طَلْحَة قَرَأَ على الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْوَلِيّ بن
مُحَمَّد الوحصي وعَلى غَيره من فُقَهَاء وقته حَتَّى انْتفع بأجازوا
لَهُ فدرس وَأفْتى واستقامه القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن داؤد
الوحصي فِي بعض الْأَوْقَات بِشَيْء من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
فَأثْنى عَلَيْهِ النَّاس بكفاءته وتسديد نظره وثاقب مَعْرفَته ومشيه
على مَا يحْتَمل الْوَقْت فَكَانَ حكمه صَوَابا لَا يسْتَدرك بحكومة
عَلَيْهِ وَلَا يطْمع طامع بحيلة بَين يَدَيْهِ يعرف الْحق فيقتفيه
ويعدل عَن الْبَاطِل فيتقيه وَتُوفِّي سنة تسع وَخمسين وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد بن مهْدي بن سبا
المرشى بَلَدا وَهِي قَرْيَة بجبل بعدان قَرَأَ بالقراءات على المقرىء
شمس الدّين الشرعبي وشارك بِسَائِر علم الْفِقْه والْحَدِيث وأضيف
إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب بِمَدِينَة تعز إِمَامَة الظَّاهِرِيَّة
والشمسية وَكَانَ مَعَه كتب نفيسة حصلها وضبطها أحسن ضبط وَكَانَ قوته
من شخص يُسمى عمر الأديب لَهُ فضل وصدقات كَثِيرَة توفّي بِمَدِينَة إب
ثمَّ إِن المقرىء شمس الدّين سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وزار قبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَافَقَ الْمقَام شمس الدّين عَليّ
بن طَاهِر بِالْمَدِينَةِ المشرفة فَقَامَ بكفايته وَجعله من أَصْحَابه
فَرَجَعَا إِلَى الْيمن بعد إقامتهما جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ
الشَّرِيفَة قدر ثَلَاث سِنِين فَكَانَ الْمقَام شمس الدّين يحسن
إِلَيْهِ ويواسيه بِمَا يَحْتَاجهُ فِي مَدِينَة تعز إِلَى أَن توفّي
بهَا بِشَهْر رَجَب سنة تسع وَسِتِّينَ وثمانمئة وَدفن بالأجيناد
قَرِيبا من قبر الإِمَام مُحَمَّد بن أبي بكر الْخياط رحمهمَا الله
ونفع بهما
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز الْفَقِيه البليغ وجيه الدّين عبد
الرَّحْمَن بن عمر الرَّاعِي الْمَشْهُور بالعطاب كَانَ لَهُ معرفَة
بِعلم الْعَرَبيَّة وَكَانَ محققا لعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان وأوزان
الشّعْر وبحوره أَخذ ذَلِك عَن أَخِيه الْفَقِيه الصَّالح شمس الدّين
يُوسُف بن عمر العطاب وَالْقَاضِي صفي الدّين أَحْمد بن أبي بكر
البريهي وَكَانَت لَهُ قريحة مطواعة
(1/239)
وَخط حسن وَكَانَ فِي شبابه فَقِيرا فحج
إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ رَجَعَ على طَرِيق درب الْمَاشِي فسبقه الرّفْقَة فضل عَن
الطَّرِيق وَعجز عَن الْمَشْي وَعظم عَلَيْهِ الْحر والعطش وأيس من
الْحَيَاة فاستسلم لله الْوَاحِد القهار وَجلسَ تَحت ظلّ شَجَرَة ليقضي
الله أمرا كَانَ مَفْعُولا فَألْقى الله على لِسَانه الاستنصار
بِاللَّه تَعَالَى فَأَنْشد بَيْتا شعرهما
(وَإِذا ضللت عَن الرشاد وَلم تكن ... أَبَد الزَّمَان على العدا
منصورا)
(فاستهد واستنصر بِرَبِّك ذِي العلى ... وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا)
قَالَ فوَاللَّه مَا استتممت قَوْلهمَا حَتَّى سَمِعت صَوت الْمُنَادِي
باسمي فَقُمْت فَرحا وَوجدت أَصْحَابِي
ثمَّ إِنَّه قصد الأكابر ومدحهم بغرر القصائد وكتبها بِخَطِّهِ الْحسن
فأجازوا لَهُ وأثرى وَكثر مَاله وَقد كَانَت عَلَيْهِ دُيُون فقضاها
واشتهر بالفصاحة وَعرف بذلك
وَأنكر بَعضهم قَوْله وفصاحته فِي قصيدة كتبهَا إِلَى الإِمَام الشريف
عَليّ بن صَلَاح الحسني وَقَالَ إِن ذَلِك لغيره فَكتب إِلَيْهِ أبياتا
مِنْهَا
(وَقَالُوا سنه سنّ صَغِير ... وَلَيْسَ يجيد فِي الشّعْر النظاما)
(وَمَا علمُوا بِأَنِّي نلْت فخرا ... أَوَان بلغت من عمري الفطاما)
(وَإِنِّي الْيَوْم أفحم كل فذ ... وَمَا وفيتها عشْرين عَاما)
وَهِي طَوِيلَة
وَله شعر حسن غير ذَلِك مِنْهُ ثَلَاثَة أَبْيَات أضافها إِلَى
الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين للوأواء الدِّمَشْقِي وَهِي
(وَلما حدا الركْبَان للبين عيسهم ... وأموا بهَا الْبَيْت الْعَتِيق
المسترا)
(1/240)
(أتيت إِلَى هِنْد اريد وداعها ... ونار
الجوى فِي الْقلب تذكو تسعرا)
(فراعت فُؤَادِي بالبكاء وأنشدت ... وأدمعها تحكي الْحيَاء المتحدرا)
(أيا زائر الْبَيْت الْعَتِيق وتاركي ... أقاسي الْهوى لَو زرتني كَانَ
أجدرا)
(تحج احتسابا ثمَّ تقتل عَاشِقًا ... فديتك لَا تحجج وَلَا تقتل الورى)
وَله يمدح الْكتب والدفاتر وَهُوَ أحسن مَا قَالَ
(وصامتات حضرت عندنَا ... تطوى على كل عَجِيب غَرِيب)
(لَو نطقت يَوْمًا بِمَا أودعت ... مَا سمع الدَّاعِي جَوَاب الْمُجيب)
وَله فِي أَسمَاء مَا قيل إِن السَّمَوَات السَّبع مِنْهَا على رَأْي
بعض الْعلمَاء وَالْخلاف فِي ذَلِك مَشْهُور عِنْدهم بَيت شعر هُوَ
(تموج صَخْر من حَدِيد نحاسه ... عدى فضَّة والتبر من تَحت ياقوت)
(سَمَاء الدُّنْيَا الثَّانِيَة الثَّالِثَة الرَّابِعَة ...
الْخَامِسَة السَّادِسَة السَّابِعَة)
(موج مكفوف من صَخْر من حَدِيد من نُحَاس ... من فضَّة من ذهب من
ياقوت)
انْتقل هَذَا الْفَقِيه وجيه الدّين من مَدِينَة إب إِلَى مَدِينَة تعز
قريب وَفَاته فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ
وثمانمئة ورثاه بَعضهم بِشعر تركت ذكره اختصارا وَهُوَ فِي الأَصْل
مُثبت مَعَ زِيَادَة شعر من كَلَام الْفَقِيه وجيه الدّين الْمَذْكُور
وَمن أهل مَدِينَة تعز المقرىء الْعَلامَة شمس الدّين عَليّ بن
مُحَمَّد الرفدي الْمَشْهُور بالشرعبي قَرَأَ بالقراءات السَّبع على
المقرىء الصَّالح عفيف الدّين جَعْفَر الْهمام المقبور بقحاف الدمنات
وَمِنْه جَاءَتْهُ الْبركَة ثمَّ على المقرىء الصَّالح مُحَمَّد بن
(1/241)
يحيى الشارفي فَكَانَ أَكثر انتفاعه
عَلَيْهِ وَقَرَأَ بالنحو على الإِمَام الْمَقْدِسِي وَغَيره وبالفقه
على الإِمَام ابْن فَخر بزبيد وَأَجَازَ لَهُ جمَاعَة من الشُّيُوخ
الْكِبَار بِمَكَّة وَالْمَدينَة ومصر ثمَّ اجْتمع بالمقرىء شمس الدّين
الْجَزرِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ بالقراءات الْعشْر وَأَجَازَ لَهُ ثمَّ
عَاد إِلَى الْيمن فتصدر للتدريس بالقراءات وَسمع الحَدِيث
وَالتَّفْسِير على الإِمَام نَفِيس الدّين الْعلوِي وعَلى الإِمَام
جمال الدّين بن الْخياط وَكَانَ وحيد عصره فِي علم الْقُرْآن وَفِي
إِيضَاح مَا أشكل مِنْهُ ورتب خَطِيبًا بِجَامِع ذِي عدينة وَمد الله
فِي عمره حَتَّى أَنه لم يبْق بِمَدِينَة تعز وَمَا قاربها مقرىء
إِلَّا وَهُوَ من درسته أَو درسة درسته وَكَانَ جَهورِي الصَّوْت لافظا
حَافِظًا ثبتا محققا وَإِذا وعظ وجلت الْقُلُوب لوعظه وشفيت الصُّدُور
ببليغ لَفظه وأسكبت الدُّمُوع وَحصل الْخُشُوع ودام على الخطابة
والإمامة فِي جَامع ذِي عدينة نَحْو أَرْبَعِينَ سنة يتَوَضَّأ لكل
صَلَاة مَفْرُوضَة وَلما اسن وَكبر وَضعف استناب وَلَده بذلك وَأخْبر
بعض أَوْلَاده أَنه لما قربت وَفَاته لم يزل يَتْلُو آيَات من
الْقُرْآن ويكرر قِرَاءَة قل هُوَ الله أحد ويعلن بِالشَّهَادَتَيْنِ
إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله تَعَالَى بِشَهْر ربيع الأول سنة إِحْدَى
وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْأَجَل الصَّالح الْعَلامَة شهَاب الدّين أَبُو
الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن الْعقيلِيّ
الْقرشِي الْمَشْهُور بالجبرتي ذُو المناقب الْمَشْهُورَة والكرامات
الْمَذْكُورَة والمآثر المحمودة والخيرات الْمَوْجُودَة الْجَامِع بَين
طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة المتمسك من تقوى الله بالعروة الْوَثِيقَة
مَحل محط الرّحال ومنتهى الآمال السائر ذكره فِي أقطار الْأَرْضين
الطَّائِر ذكره بالكرامات فِي الْآفَاق على مر السنين أوحد الْعباد
الْمُجْتَهدين وَأجل الْأَئِمَّة المبرزين وَالْعُلَمَاء الصَّالِحين
نَشأ فِي عبَادَة الله تَعَالَى فِي صباه إِلَى أَن أرْضى أَبَاهُ
ووفقه الله واجتباه فاق ببراعته وتحقيقه الْأَوَائِل والأواخر وَأقر
لَهُ بِالْفَضْلِ الْخَاص وَالْعَام من أهل الدفاتر والمحابر جبلت
الْقُلُوب على محبته الَّتِي يُرْجَى بهَا خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
ومنح النَّاس من فَضله ومروءته شجرات إحسانه أجمع أهل الْعَصْر على
صَلَاحه وَقَطعُوا من كرم الله بفلاحه وَأَنه
(1/242)
قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود مولده
لَيْلَة الثَّلَاث وَالْعِشْرين من رَمَضَان الْكَرِيم من سنة
اثْنَتَيْ عشرَة وثمانمئة فَنَشَأَ وَلسَانه معتقل من صَحِيح الْكَلَام
إِلَى أَن بلغ عمره سَبْعَة أَعْوَام فَكَانَ وَالِده يرحمه وَيَأْتِي
بِهِ إِلَى الْعلمَاء والصلحاء وَيطْلب مِنْهُم الدُّعَاء هَكَذَا
أَخْبرنِي من لَفظه وَأَنه قَالَ رَأَيْت فِي النّوم شخصا جَاءَنِي
فأطعمني شَيْئا فانتبهت وَأَنا أَتكَلّم كأفصح النَّاس وزالت العجمة
الَّتِي كَانَت بلساني فَجئْت إِلَى وَالِدي وقصصت لَهُ مَا رَأَيْت
ففرح بذلك وأدخلني إِلَى الْمُؤَدب ليعلمني الْقُرْآن الْعَظِيم فعلمني
شهرا فَلم يفتح عَليّ شَيْئا فعذرني الْمعلم عَن الْقِرَاءَة تِلْكَ
السَّاعَة إِلَى وَقت آخر فَنمت مهموما فَرَأَيْت فِي الْمَنَام
الشَّخْص الَّذِي أَطْعمنِي بِمَا أَزَال عجمتي فأطعمني شَيْئا آخر
فنبهت من نومي وَقد فتح الله بصيرتي فَكنت أَقرَأ فِي الْمُصحف
الْكَرِيم من سُورَة الْبَقَرَة ولوحي فِي سُورَة ياسين ثمَّ بعد
مُدَّة عوضني الله تَعَالَى عوض تِلْكَ العجمة الَّتِي لزمتني فِي صغر
السن معرفَة لُغَة أَربع ألسن من ألسن الْعَجم قَالَ وَلما حفظ كتاب
الله تَعَالَى قَرَأَ فِي الْفِقْه والنحو والْحَدِيث وَغير ذَلِك من
سَائِر الْعُلُوم على الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ جمال الدّين مُحَمَّد
الْأَكْبَر الْخياط وَالْإِمَام بدر الدّين الشظبي وَغَيرهمَا فَشهد
لَهُ فِي صباه بالنجابة كل من عرفه وَأَجَازَ لَهُ الإِمَام ابْن
الْخياط وَكتب لَهُ بِخَطِّهِ بذلك وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء مرضيا
ومدحه مدحا عَظِيما بِمَا هُوَ أَهله هَذَا وعمره حِينَئِذٍ نَحْو
عشْرين سنة ثمَّ قَرَأَ فِي علم الْأَسْمَاء والحقيقة على الإِمَام
ابْن فاتك وتهذب على يَده ثمَّ أوفى حسن الْخط فَلَيْسَ فِي الْيمن
جَمِيعه لَهُ نَظِير يحسن فِيهِ قَول البستي
(إِذا بَرى قَلما يَوْمًا ليعمله ... يَقُول هز غَدَاة الروع غائله)
(وَإِن أَمر على رق أنامله ... أقرّ بِالرّقِّ كتاب الْأَنَام لَهُ)
(1/243)
فَهُوَ يُحَقّق السَّبْعَة الأقلام وَيكْتب
بهَا ويفرعها فروعا كَثِيرَة ويذاكر عَلَيْهَا وَلَو شَاءَ يصنف كتابا
فِي علمهَا لصنف
وَقد وفدت عَلَيْهِ البلغاء وَأهل الصِّنَاعَة وَالْكِتَابَة من
الشَّام ومصر والعجم ويتواضع للْفُقَرَاء وَيُؤْنس الْغَرِيب ويواسي
الْفَقِير ويتفقد الْأَصْحَاب بِالْإِحْسَانِ ويعم بالهدايا الأباعد
وَالْجِيرَان يفد عَلَيْهِ المبتدئون والمنتهون كل يلْتَمس ببركاته
وَيطْلب مِنْهُ صَالح دعواته وجزيل صدقاته وَذَلِكَ لما ظهر لَهُ من
الكرامات واشتهر لَهُ من المكرمات فَهُوَ جَامع بَين الْعلم وَالْعَمَل
جَار على سنَن السّلف الصَّالح لَا يُؤثر عَنهُ زيغ وَلَا زلل وَقد قيل
بِأَن الْجِنّ تأتمر بأَمْره وتذعن لقَوْله وَهُوَ منزه عَن مُخَالطَة
الْمُلُوك وَأهل الْأَمر متعفف عَن أَمْوَالهم مُحْتَرز بِدِينِهِ عَن
شبهاتهم أرسل إِلَيْهِ بعض الْمُلُوك بِذَهَب وفضه فَرده من بَابه وقنع
باليسير من اكتسابه وتورع عَن الْأَسْبَاب وَترك مَا كَانَ لوالده
مِنْهَا وَكَانَ اشْتِغَاله أَولا بالنسخ مَعَ الْقِرَاءَة وَكَانَ
يكْتب الْمُقدمَات والمصاحف الْكَرِيمَة فيبالغ النَّاس فِي استهدائها
بالأثمان الجزيلة وَكَانَ لَا يرضى يهدي شَيْئا مِنْهَا إِلَى من فِي
مَاله شُبْهَة
وعَلى الْجُمْلَة فَهَذَا الشَّيْخ شهَاب الدّين كَانَ جَامعا للخصال
الثَّلَاث الَّتِي ذكرهَا
(1/244)
سُفْيَان الثَّوْريّ رَحمَه الله مَعَ
غَيرهَا وَهِي خمس نذْكر مِنْهَا عَالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع
وَقد ظَهرت لَهُ كرامات كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا مَا شاهدته فِي الأَصْل
مَعَ ذكر مَا أعْمرهُ من مَسَاجِد وَإِخْرَاج مياه سبلها وَصرف على
ذَلِك أَمْوَالًا جزيلة وَمَا كتبه بِخَطِّهِ وَأَوْقفهُ من الْكتب
والمقدمات والمصاحف وَمَا مدح فِيهِ الشُّعَرَاء وأثنوا عَلَيْهِ وَمَا
رثوه مِمَّا يضيق عَنهُ هَذَا الْمَجْمُوع فِي أوراق كَثِيرَة رَحمَه
الله تَعَالَى وَتُوفِّي الْيَوْم السَّادِس عشر من شَوَّال سنة ثَمَان
وَسِتِّينَ وثمانمئة
وَمِنْهُم القَاضِي الْعَالم الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد
الوحصي بَلَدا الْخَولَانِيّ نسبا قَرَأَ على عَمه الْفَقِيه ولي
الدّين عبد الْوَلِيّ بن مُحَمَّد الوحصي وزوجه ابْنَته وَكَانَ محفوظه
بهجة الْحَاوِي ثمَّ قَرَأَ القَاضِي جمال الدّين على غير عَمه من
الْعلمَاء بِمَدِينَة تعز وَسكن بهَا وَتَوَلَّى الْقَضَاء بهَا
فَكَانَت سيرته مرضية وأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب مَا قَامَ بأَمْره
وَأمر عائلته فِي مُدَّة السُّلْطَان الظَّاهِر ثمَّ عَزله وَلَده
الْأَشْرَف بعد موت وَالِده وصادره بِأخذ شَيْء من المَال عَلَيْهِ
ثمَّ عَاد القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد على ولَايَة الْقَضَاء بالمدة
الَّتِي استقام بهَا الْملك الْمفضل عِنْد اخْتِلَاف الْجند على الْملك
المظفر من العبيد بزبيد وطلوعهم إِلَى تعز أَيَّامًا ثمَّ لما استقام
السَّادة بَنو الطَّاهِر بِالْأَمر فِي الْبَلَد مَعَ المظفر وَخُرُوج
الْمفضل والمسعود بعده من عدينة دَامَت ولَايَة القَاضِي جمال الدّين
على ولَايَة الْقَضَاء بتعز وَمَا إِلَيْهَا وانتظم حَاله بالأسباب
النافعة كالسيفية والمؤيدية وَدَار المضيف الْأَعْلَى والتابكية وَغير
ذَلِك
(1/245)
مِمَّا لم يسْبقهُ أحد إِلَى هَذِه
الْأَسْبَاب باجتماعها فَصَارَت ولَايَته مضبوطة وَأَحْكَامه نَافِذَة
وَلَا يعْتَرض بِحكم وَلَا ينازعه فِيهِ مُنَازع مَعَ اشْتِغَاله
بالتدريس وَالْفَتْوَى وإفادة الطّلبَة وَكَانَ ذَا سكينَة ووقار وهيبة
وَلم يزل على الْحَال المرضي يدرس ويفتي مَعَ كبر سنه وَضَعفه مُطَاع
القَوْل مسموع الْكَلِمَة إِلَى أَن توفّي سنة تسع وَثَمَانِينَ
وثمانمئة
وَمن شعره ملغزا باسم الزراع
(أحاجيكم يَا أهل ودي بتحفة ... بهَا عجب للسامعين مدى الدَّهْر)
(بِكَافِر قد صلى إِمَامًا لجمعة ... فَصحت صَلَاة المقتدين مَعَ
الْكفْر)
وَمِنْهُم المقرىء الْفَقِيه الْعَلامَة شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس
الجبئي الجابري نِسْبَة إِلَى جَابر بن سَمُرَة الصَّحَابِيّ رَضِي
الله عَنهُ قَرَأَ على هَذَا المقرىء شمس الدّين بالقراءات السَّبع على
المقرىء عفيف الدّين عُثْمَان النَّاشِرِيّ وبالنحو على الْفَقِيه عفيف
الدّين عبد الْوَهَّاب الشراقي وبالفقه على الْفَقِيه شهَاب الدّين
الضراسي وَغَيره ثمَّ بعدن فِي الْفِقْه على القَاضِي جمال الدّين
مُحَمَّد بن سعيد بن كبن وَأَجَازَ لَهُ هَؤُلَاءِ فدرس وَأفْتى واشتهر
وَأخْبر أَنه جائته الْبركَة وَفتح عَلَيْهِ بِالْعلمِ ببركة دُعَاء
الْحَاج الصَّالح مفضل الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ دَعَا لَهُ وأطعمه شَيْئا
من الزَّاد فَكَانَ ذَلِك سَبَب الْخَيْر وَأخْبر أَنه مرض فَرَأى فِي
الْمَنَام الشَّيْخ عفيف الدّين المسن وَكَانَ شيخ وَالِده فِي التصوف
وَأَنه رأى وَالِده عِنْده قَالَ فَدَعَا لَهُ الشَّيْخ الْعَفِيف بن
المسن فَأصْبح بارئا من ذَلِك الْمَرَض وَأَنه أرق لَيْلَة السَّابِع
وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان فِي بعض السنين فاجتهد بِتِلَاوَة كتاب
الله تَعَالَى فَرَأى السَّمَاء انْشَقَّ مِنْهَا
(1/246)
نور سَاطِع أَضَاء مِنْهُ جَمِيع الأَرْض
فَدَعَا إِلَى الله تَعَالَى وَسَأَلَ مِنْهُ أَشْيَاء كَثِيرَة حصلت
لَهُ وَلما كَانَ بعد سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثمانمئة استدعاه
الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن الحسام الزَّاهِر فطلع وأقامه مدرسا
وإماما فِي الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا وَالِده بالدنوه بالشوافي
فانتقل إِلَيْهَا وَأقَام بهَا أَيَّامًا ثمَّ نَقله إِلَى عيقره
وَجعله مدرسا فِي الْمدرسَة الَّتِي أَنْشَأَهَا فِيهَا وَسكن فِيهَا
وقصدته الطّلبَة للْعلم الشريف فدرسهم وأفادهم وانتفع عَلَيْهِ جمَاعَة
كَثِيرَة وَكَفاهُ الشَّيْخ شمس الدّين أَمر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
جَمِيعه فَصَارَ المقرىء شمس الدّين ذَا شهرة عَظِيمَة وجاه كَبِير
ثمَّ انْتقل إِلَى مَدِينَة تعز فعكفت عَلَيْهِ الطّلبَة من أهل
مَدِينَة تعز فأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة بِجَمِيعِ الْعُلُوم ونال
الرُّتْبَة الْعَالِيَة عِنْد النَّاس وَعند السَّادة بني الطَّاهِر
بعد توسطه لَهُم إِلَى أهل بَلْدَة صَبر وَمَا والاها وَالسَّعْي
مِنْهُ لصلاح الْبِلَاد وإخماد الْفِتَن حَيْثُ صَار ذَلِك مُتَعَيّنا
عَلَيْهِ فاستقام بِدَرَجَة الوزارة وَاسْتمرّ بِقَضَاء الْأَقْضِيَة
فِي قطر الْيمن وأضيف إِلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْمَعْرُوفَة فِي تعز
وزبيد وحيس وموزع فَانْتَفع بهَا هُوَ ودرسته وَاشْترى الْكتب النافعة
وَالْأَرْض الجليلة وغرس فِيهَا النّخل وَزرع فِيهَا أَنْوَاع
الْحُبُوب
وَأَخْبرنِي الثِّقَة أَن الْكتب بلغ مجموعها زِيَادَة على الف مُجَلد
كلهَا شِرَاء أَو نسخ
وَأخْبر بعض تلامذته أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْمَنَام وَأَنه بمَكَان مُرْتَفع وَعِنْده جمَاعَة مِنْهُم المقرىء
شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي وَأَن تَحْتَهُ جمَاعَة كثير قد
أحاطت بهم النَّار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمقرىء
يُوسُف انْزِلْ فأزل هَذِه النَّار عَن النَّاس فَنزل وأزالها فَقيل
إِن هَذِه النَّار هِيَ ظلم مُلُوك بني الرَّسُول وأعوانهم الظلمَة
والمعتدين الَّذين ظَهَرُوا فِي ذَلِك الْوَقْت وأزالها هُوَ بإعانته
السَّادة بني الطَّاهِر
(1/247)
بولايتهم على الْيمن وَأمرهمْ لَهُ
بِإِزَالَة الْمُنْكَرَات وَالْقِيَام بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
ثمَّ أَخْبرنِي الثِّقَة عَنهُ أَنه قَالَ طلع شَرْقي مَدِينَة ذمار
عِنْد أَن كَانَ فِي رِبَاط عيقرة بعد شهرته بِالْعلمِ وَقبل استاقمته
مَعَ السَّادة بني طَاهِر وَقبل ولايتهم على الْيمن وَاجْتمعَ بِبَعْض
فُقَهَاء الزيدية بِتِلْكَ الْبَلَد فَسَأَلَ مِنْهُ بَعضهم أَن يقرئه
كتابا من كتب النَّحْو فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فشرع بِقِرَاءَة
الْكتاب فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام
وَعِنْده الإِمَام الشَّافِعِي وَجَمَاعَة فَقَالَ الإِمَام
الشَّافِعِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الْفَقِيه
وَأَشَارَ إِلَى المقرىء يُوسُف يقرىء الْعلم المبتدعة فَنَهَاهُ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انتبه المقرىء من النّوم
وَجَاء الْفَقِيه ليقْرَأ عَلَيْهِ اعتذره فَلم يقرئه
ثمَّ خرج من تِلْكَ الْبَلَد وَرجع إِلَى رِبَاط عيقرة وَلم يزل
المقرىء الْمَذْكُور آخِذا بالترقي إِلَى الْمَرَاتِب الْعَالِيَة
وَالْمحل الْأَعْلَى وَالْمَكَان الْأَسْنَى وَفِي الْجُمْلَة أَنه
كَانَ قطب الْوُجُود وبركة كل مَوْجُود إِلَى ان توفّي رَحمَه الله
رَابِع عشر شهر صفر سنة أَربع وتسعمئة بعد أَن بلغ من الرتب أقصاها
وَمن الْمَعيشَة أصفاها وَدفن فِي تربة الشَّيْخ الصياد نفع الله بهما
وَأعَاد على الْجَمِيع من بركتهما بِمُحَمد وَآله آمين
وَمِنْهُم الْفَقِيه النجيب الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن
حُسَيْن الْحلْوانِي قَرَأَ أَولا على الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد
بن أبي بكر الرعياني وعَلى وَلَده الْفَقِيه وجيه الدّين فَكَانَ
الْفَقِيه جمال الدّين الرعياني يثني عَلَيْهِ بجودة الْفَهم وَصِحَّة
الذِّهْن ويتخيل فِيهِ النجابة فَمِنْهُ جائته الْبركَة فَلَمَّا توفى
الله جمال الدّين الرعياني وَولده قَرَأَ على المقرىء شمس الدّين
يُوسُف بن يُونُس الجبائي فِي الْفِقْه وعَلى الْفَقِيه جمال الدّين
الضراسي فِي الْفَرَائِض والجبر والمقابلة وَقَرَأَ على غير هَؤُلَاءِ
فَانْتَفع وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى بِمَدِينَة تعز وَله نظر تَامّ
وَفهم حسن فِي الْعُلُوم وَقد يستنبط
(1/248)
مَا يستحسن ذكره ويليق سطره ويعذب إِيرَاده
واستنابه المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي فِي التدريس
وَفِي الْقَضَاء فِي جباء وصبر وَمَا والى ذَلِك إِلَى أَن توفّي سنة
خمس وَسبعين وثمانمئة رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
ثمَّ خَلفه بمنصبه صنوه الْفَقِيه شهَاب أَحْمد بن عَليّ بن حُسَيْن
الْحلْوانِي فدرس وَأفْتى بعد استفادته وقرائته بأنواع الْعُلُوم على
المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي فِي الْفِقْه والْحَدِيث
والنحو وَغير ذَلِك وَأَجَازَ لَهُ ذَلِك واستنابه فِي التدريس بوظائفه
بِمَدِينَة تعز وبالقضاء فِي جبا وَمَا والاها وللفقيه شهَاب الدّين
نجابة وفضائل مَعْلُومَة وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي
سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه الْعَالم الْفَاضِل شمس الدّين عَليّ بن سعيد
الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي الجبزي نِسْبَة إِلَى بَلْدَة الجبزية فِي
بِلَاد زبيد بالمعافر وَكَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما بانواع الْعُلُوم
من الْفِقْه والْحَدِيث والعربية والحساب والمنطق والمعاني وَالْبَيَان
وَغير ذَلِك وَكَانَت قِرَاءَته بِمصْر وَالشَّام وَمَكَّة
وَالْمَدينَة الشَّرِيفَة على فقهائها وعلمائها وَقد انْتفع عَلَيْهِ
جمَاعَة كَثِيرُونَ من الطّلبَة بِمَدِينَة تعز بِهَذِهِ الْعُلُوم
الْمُقدم ذكرهَا وأضيف إِلَيْهِ مَا كَفاهُ من الْأَسْبَاب
بِالْمَدْرَسَةِ الفرحانية والمجاهدية
وَلم يزل على الْحَال المرضي يدرس ويفتي إِلَى أَن توفّي بِشَهْر محرم
الْحَرَام سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الْفَقِيه بدر الدّين حسن بن عبد الرَّحْمَن الصباحي قَرَأَ
على الإِمَام جمال الدّين الضراسي فِي الْفَرَائِض والحساب والجبر
والمقابلة وَغير ذَلِك ثمَّ على القَاضِي جمال الدّين الطّيب بن أَحْمد
النَّاشِرِيّ والفقيه تَقِيّ الدّين عمر الْفَتى بِمَدِينَة زبيد
بالفقه وعَلى غَيرهم فدرس وَأفْتى بعد إجازتهم لَهُ وَله قريحة ينظم
بهَا الشّعْر وَلم يزل
(1/249)
يدرس ويفتي فِي مَدِينَة تعز إِلَى قيام
دولة مَوْلَانَا صَلَاح الدّين عَامر بن عبد الْوَهَّاب فَبعد قيام
دولة مَوْلَانَا صَلَاح الدّين ترك التدريس وَنشر الْعلم لاشتغاله
بالوزارة مَعَ السُّلْطَان الْمَذْكُور إِلَى أَن توفّي وَهُوَ على
الْحَال الْمَذْكُور سنة ثَمَان وَتِسْعين وثمانمئة نسْأَل الله حسن
الخاتمة
وَمن المتوفين قَدِيما بِمَدِينَة تعز من الَّذين لم يذكرهم المؤرخون
جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ الصَّالح رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد
الْبَزَّاز الشهير بِابْن قرينع اشتهرت عَنهُ فَضَائِل وبراهين بعد
وَفَاته وَفِي الْحَيَاة وقبره بالأجيناد مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ
وَمِنْهُم الشَّيْخ رَضِي الدّين أَبُو بكر بن أَحْمد الجبرتي اشْتهر
بِصَاحِب ذِي النُّون وَظَهَرت لَهُ فَضَائِل وبراهين وَلم يزل أهل تعز
يقصدون قَبره للتبرك بِهِ وَهُوَ بالأجيناد رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الإِمَام الْعَلامَة عفيف الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن
مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن الْأَحْمَر الخزرجي كَانَ فَقِيها عَالما
مدرسا مفتيا محققا مدققا توفّي بتعز وَدفن بالأجيناد رَحمَه الله ونفع
بِهِ
وَأما المتوفين بجبل صَبر وحوالي مَدِينَة تعز وَذخر وَمَا والى ذَلِك
فَمنهمْ الْمَشَايِخ الصلحاء بَنو الرميمة قد ذكر الجندي أَكْثَرهم
واقدمهم وَهُوَ الشَّيْخ عَليّ الرميمة وَقَالَ إِنَّه تلميذ الشَّيْخ
مدافع وحقق لَهُ وللشيخ مدافع كرامات
وَأما ذُرِّيَّة الشَّيْخ عَليّ فَمنهمْ الشَّيْخ الصَّالح إِبْرَاهِيم
بن مَسْعُود أخْبرت أَنه كَانَ
(1/250)
من الْأَوْلِيَاء الصَّالِحين من عباد الله
الزاهدين وَأَنه كَانَ فِي الْحَيَاة عِنْد أَن خرج أهل صَبر عَن
طَاعَة السُّلْطَان الْمُجَاهِد مَعَ خوفهم مِنْهُ فَقَالَ لَهُم
الشَّيْخ إِبْرَاهِيم مَا دمت حَيا بَيْنكُم فَلَا سَبِيل للسُّلْطَان
الْمُجَاهِد عَلَيْكُم فَإِذا مت فَإِن السُّلْطَان الْمُجَاهِد يطلع
الْجَبَل قهرا وَيقتل مِنْكُم جمعا كثيرا فتوفاه الله تَعَالَى
واجتمعوا للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فطلع الْمُجَاهِد وَعَسْكَره وَأخذ
الْجَبَل قهرا وَقتل من أَهله جمعا كثيرا فَكَانَ ذَلِك تَصْدِيقًا لما
قَالَه الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وَكَانَت وَفَاته سنة إِحْدَى
وَثَلَاثِينَ وسبعمئة
وَمِنْهُم وَلَده الشَّيْخ بدر الدّين حسن أخْبرت أَنه كَانَ عابدا
صَالحا مكرما للضيف مُطَاع القَوْل مَفْتُوحًا عَلَيْهِ بالمعارف
مَقْصُودا للمهمات تقضى على يَدَيْهِ الْحَاجَات وَظَهَرت لَهُ
الكرامات وَتُوفِّي سنة أَربع وثمانمئة رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَله أَوْلَاد نجباء أكبرهم الشَّيْخ جمال الدّين مُحَمَّد أخْبرت أَنه
نَشأ أحسن نشوء فاجتهد بِالْعبَادَة وَتُوفِّي وَهُوَ شَاب وَلم أتحقق
من تَارِيخ وَفَاته
وَالثَّانِي الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله كَانَ من الأخيار والعباد
مَقْصُودا للمهمات سلك سَبِيل وَالِده وَأَهله بِقَضَاء الْحَوَائِج
لأهل قطره وانتهت رئاسة أهل هَذَا الْبَيْت إِلَيْهِ وجلل واحترم
وَكَانَ مُطَاعًا عِنْد أهل بَلَده فنم عَلَيْهِ من لَا خير فِيهِ
إِلَى سُلْطَان الْوَقْت فألزمه السُّكْنَى بِمَدِينَة تعز فسكن بهَا
أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيته فَأَقَامَ فِيهِ وَكَانَ يكْتب
الرقى والعزائم للمرضى وَغَيرهم فَيكون فِيهَا الشِّفَاء بِإِذن الله
تَعَالَى وَلما قربت وَفَاته اشتاق إِلَى مَكَّة المشرفة فسافر
لِلْحَجِّ ثمَّ توفّي هُنَالك
(1/251)
بعد سنة ثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه الله
تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمِنْهُم الشَّيْخ شُجَاع الدّين عمر بن مُحَمَّد بن حسن كَانَت
الرياسة لِعَمِّهِ الشَّيْخ عفيف الدّين الْمُقدم الذّكر وَكَانَ هَذَا
مشتغلا بِالتِّجَارَة فِي زمَان عَمه فَلَمَّا توفّي عَمه ترك ذَلِك
وَاعْتَكف واجتهد بِالذكر وَالدُّعَاء والتلاوة.
وَأَخْبرنِي القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن دَاوُد الوحصي أَنه حكى
لَهُ الشَّيْخ شُجَاع الدّين أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي آخر عمره وَأَنه استجار بِهِ من النَّار وَلَزِمَه قَالَ
فَدَعَا لَهُ بِدُعَاء كثير وَقبل يَده ثمَّ توفّي قريب سنة
أَرْبَعِينَ وثمانمئة
وَمن المتوفين بجبل صَبر الشَّيْخ عفيف الدّين عبد الله بن عُثْمَان
الْمَشْهُور جفيقة كَانَ عابدا زاهدا مُجْتَهدا بِأَفْعَال الْخَيْر
وَظَهَرت لَهُ كرامات مِنْهَا دعاؤه على من مَنعه إِجْرَاء المَاء
إِلَى الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ فَاسْتَجَاب الله دعاءه وَلم أتحقق
تَارِيخ وَفَاته
وَمن المتوفين هُنَالك الْحَاج الصَّالح جمال الدّين مُحَمَّد بن
الْحُسَيْن الْخُرَاسَانِي هُوَ من الْعباد والزهاد والطوافين فِي
الْبلدَانِ لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وزيارة قبر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَدخل الْقُدس وَرَأى من الْعَجَائِب أنواعا وَلما وَفد
الْيمن لم يكن لَهُ مَكَان يسْتَقرّ بِهِ بل دأبه التنقل من مَكَان
إِلَى مَكَان وَظَهَرت لَهُ كرامات وَكَانَ لَا يفتر لِسَانه عَن ذكر
الله تَعَالَى والتلاوة قَاعِدا وماشيا وَفِي سفر وَحضر إِلَّا نَادرا
كمحادثة صديق وَنَحْو ذَلِك
وَلما قربت وَفَاته اعْتكف بِبَعْض الْمَسَاجِد بجبل صَبر نَحْو ثَلَاث
سِنِين مُجْتَهدا بِالذكر وَالدُّعَاء مَعَ الْخُشُوع والخضوع ثمَّ
توفّي سنة خمسين وثمانمئة أَو قبلهَا بِقَلِيل رَحمَه الله تَعَالَى
ونفع بِهِ
وَمن المتوفين بعبدان القَاضِي وجيه الدّين عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد
الْخَطِيب
أخْبرت أَنه كَانَ فَقِيها وَأَنه تولى الْقَضَاء بعبدان وَمَا والاها
وَسَار فيهم سيرة مرضية
(1/252)
ثمَّ توفّي هُنَالك وقبر بمقبرة أرومة
بعبدان وَذَلِكَ بِشَهْر جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَعشْرين وثمانمئة
رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ آمين
وَمن المتوفين بثعبات من الوافدين إِلَيْهَا المقرىء الصَّالح الْعَالم
أَبُو عبد الله جمال الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَيْمُون الغرناطي
الأندلسي كَانَ إِمَامًا فَاضلا عَالما نحويا قَرَأَ على الْعَلامَة
أبي حَامِد مُحَمَّد بن عبد الله بن ظهيرة بِمَكَّة المشرفة وَقدم
مِنْهَا صُحْبَة الشَّيْخ الصَّالح أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الله
البريهي الْمَشْهُور بالمرقد إِلَى الْيمن فنشر علمه فدرس وافتى واشتهر
بالصلاح وَصَحب جمَاعَة من الأخيار وآخوه مِنْهُم القَاضِي صفي الدّين
أَحْمد بن أبي بكر البريهي وَحكي عَن عباداته وجودة حفظه وذكائه مَا
يدل على صَلَاحه وفلاحه وَأَنه وحيد عصره وزمانه وَمِمَّنْ يشد
إِلَيْهِ الرّحال ورتب مدرسا فِي مَدِينَة ثعبات وَقصد إِلَيْهَا
للإفادة
أَخْبرنِي المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الشرعبي قَالَ نقل
إِلَيّ من فَوَائِد المقرىء جمال الدّين الغرناطي فِي علم الْقرَاءَات
مَا يعجز عَنهُ أكَابِر الْوَقْت وَأَنا أتحسر على عدم الِاجْتِمَاع
بِهِ فَلَقَد اضاعه أهل وقته كَمَا أَنهم لم ينصفوه
توفّي هَذَا المقرىء جمال الدّين سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وسبعمئة
رَحمَه الله تَعَالَى ونفع بِهِ
(1/253)
وَمن أهل حَسَنَات الَّتِي يسمونها
الحرازية عِنْد مَدِينَة ثعبات الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْعِرَاقِيّ أخبر بعض تلامذته أَنه انْتقل
وَالِده من الْعرَاق إِلَى الْيمن وخدم فِي الدولة الْأَفْضَلِيَّة
الغسانية مَعَ الأصبهانية فَتزَوج امْرَأَة قيل إِنَّهَا من بني
الْجَعْد وَسكن مَدِينَة ثعبات فولد لَهُ هَذَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم
فَتوفي وَالِده وَهُوَ صَغِير فَبَقيَ مَعَ والدته وَكَانَت من الأخيار
فربته أحسن تربية فَكَانَ يُجَالس أهل الْخَيْر وَيتَصَدَّق بِمَا
مَعَه ثمَّ بعد بُلُوغه سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة فحج وخدم الشَّيْخ
الصَّالح عفيف الدّين عبد الله المغربي الْمَشْهُور بالبجاوي المنتسب
إِلَى الشَّيْخ الرِّفَاعِي فهذبه وَحكمه وَعلمه طَرِيق الصُّوفِيَّة
ثمَّ إِن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم خرج على قدم التجرد من مَكَّة فَوقف
نَحْو سنتَيْن ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فَلَمَّا نظره شَيْخه الْمَذْكُور
شهد لَهُ بالتمكن وَأَنه قد فتح عَلَيْهِ وَأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى
بَلَده فَرجع وَمر بِذِي سفال بمَكَان يُسمى الثجة فَأَقَامَ بهَا
أَيَّامًا يضع الزنبيل على عُنُقه وَيقبل الصَّدَقَة فَمَا اجْتمع لَهُ
تصدق بِهِ على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكَانَ يلبس الخشن من
الثِّيَاب ويؤثر الخمول وَالْعُزْلَة ثمَّ وصل إِلَى والدته بِمَدِينَة
تعز فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يزور قُبُور الصَّالِحين وَيعْتَبر بهَا
ودأبه ذكر الله تَعَالَى سرا وجهرا ثمَّ نزل مَدِينَة زبيد فَأَقَامَ
بهَا يزور الصَّالِحين فِي قُبُورهم واشتهر وقصده النَّاس للزيارة
فَأرْسل لَهُ السُّلْطَان الْأَشْرَف ابْن الْأَفْضَل فَلَمَّا مثل
بَين يَدَيْهِ سَأَلَهُ الدُّعَاء وَعرض عَلَيْهِ شَيْئا من المَال
فَلم يقبله فَلَمَّا توفّي
(1/254)
السُّلْطَان الْأَشْرَف واستقام وَلَده
النَّاصِر أحسن إِلَى هَذَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم ووهبه أَرضًا جليلة
فَجَلَسَ فِي الأجيناد بمقبرة تعز يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْمَشْهُور
بِمَسْجِد تعز هُنَالك فَأمر السُّلْطَان وجهة موفق بعمارة الْمَسْجِد
وَدَار هُنَالك وأسكن بهَا الشَّيْخ إِبْرَاهِيم وجر إِلَيْهِمَا
المَاء فَأَقَامَ هُنَالك سِنِين فاشتهر غَايَة الشُّهْرَة وَكَانَ
يسير مَعَ السُّلْطَان النَّاصِر إِلَى زبيد وَإِلَى غَيرهَا مكرما
مَقْبُول الشَّفَاعَة يدْخل على السُّلْطَان بِغَيْر إِذن فَإِذا خاطبه
خاطبه باسمه يَا أَحْمد لَا يزِيد على ذَلِك ثمَّ انْتقل من الأجيناد
إِلَى الْمَكَان الْمُسَمّى حَسَنَات عِنْد ثعبات فأعمر هُنَاكَ
بُيُوتًا وَسكن هُوَ وَالْأَوْلَاد فِيهَا فَلَمَّا توفّي السُّلْطَان
النَّاصِر واستقام الظَّاهِر ثمَّ بعده وَلَده الْأَشْرَف كَانَ
مَعَهُمَا فِي حَالَة متوسطة فَلَمَّا توفّي الْأَشْرَف خمل ذكر هَذَا
الشَّيْخ وَضعف حَاله وانتزعت الأَرْض الَّتِي كَانَ وَهبهَا لَهُ
النَّاصِر وَقل مَا بِيَدِهِ من الدُّنْيَا وشاخ وَنسب إِلَى كَثْرَة
الْكَلَام وَإِلَى خلل فِي عقله وَهُوَ مَعَ ذَلِك كثير الذّكر لله
وللدعاء إِلَى الله تَعَالَى لمن قَصده زَائِرًا ثمَّ توفّي سنة سِتّ
وَسِتِّينَ وثمانمئة وعمره حِينَئِذٍ سِتّ وَتسْعُونَ سنة بِتَقْدِيم
التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق على السِّين
وَقد حُكيَ عَنهُ كرامات ذكرتها فِي الأَصْل وَله شعر حسن فِي الزّهْد
مِنْهُ من قصيدة أَولهَا
(دع التباطر فِيمَا لست تملكه ... واقنع بقوتك يَوْمًا فَهُوَ يكفيكا)
(وخل عَنْك بني الدُّنْيَا وصحبتهم ... فَإِن صحبتهم يَا صَاح ترديكا)
(1/255)
(وآخ فِي الله إخْوَانًا تصان بهم ...
عِنْد انتقالك عَن قوم يعادوكا)
(واقنع بمولاك عَن كل الْأَنَام وَلَا ... تسل سواهُ أُنَاسًا فَهُوَ
يغنيكا)
(واسأله مَا شِئْت إِن الله ذُو كرم ... وَإِن سَالَتْ سواهُ لَيْسَ
يعطيكا)
(واسأله عفوا وغفرانا وعافية ... سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ
باريكا)
(واخضع لمولاك إذعانا لقدرته ... فَهُوَ اللَّطِيف الَّذِي للخير
يهديكا)
وَله غير ذَلِك من الشّعْر مِمَّا قد ذكرته فِي الأَصْل وَقد نسب
إِلَيْهِ من الشّعْر وَمن الحكايات بِمُقْتَضى مَا تقدم ذكره شَيْء
كثير فَلَا نطيل ذكره
وَمن قَرْيَة بشيط بالقصيبة الشَّيْخ الصَّالح عفيف الدّين مقبل هُوَ
مِمَّن لم يذكرهُ المؤرخون وَلم أتحقق نسبه لتقدم وَفَاته وَقد أجمع
أهل قطره على صَلَاحه فهم يزورون قَبره ويروون لَهُ كرامات مِنْهَا مَا
أخبر الثِّقَة أَن اثْنَي عشر رجلا اختفوا لشخص فِي مَكَان يُرِيدُونَ
قَتله فِي بعض الْأَمَاكِن المنسوبة إِلَى الشَّيْخ مقبل قَرِيبا
مِنْهُ فَكَانَ السيوف والعيدان فِي أَيْديهم فَلم يشعروا إِلَّا
وَالسُّيُوف والعيدان تلتهب نَارا فَأَخَذتهم بهتة وألقوا السِّلَاح من
أَيْديهم وتحيروا فِي أُمُورهم فَمر الشَّخْص الَّذِي هموا بقتْله
عِنْدهم فَلم يقدروا يحدثوا بِهِ حَادِثا
وَمِنْهَا مَا أخبر الشَّيْخ شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الجبرتي
أَنه أَرَادَ تَجْدِيد بِنَاء على
(1/256)
قَبره وَلم يكن عِنْدهم مَاء فَأَمرهمْ أَن
يحفروا حفيرا يجْتَمع بِهِ المَاء عِنْد حُصُول الْمَطَر ليأخذوا
مِنْهُ المَاء للْبِنَاء فَمَنعهُمْ رجل آخر وَقَالَ إِن الْمَكَان
لَهُ فَقَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين يَا شيخ مقبل بَين فعصفت ريح
شَدِيدَة على الَّذين كَانُوا شرعوا فِي ذَلِك الْحفر منعتهم مِنْهُ
فانتقلوا إِلَى مَكَان آخر فتسهل لَهُم بعد ذَلِك الْمَكَان وَجَاء
الْمَطَر وَحصل مِنْهُ مَا كفاهم بِفضل الله تَعَالَى وبركة هَذَا
الشَّيْخ رَحمَه الله ونفع بِهِ
وَمن المتوفين قَدِيما فِي الْقرْيَة الَّتِي تسمى جبيل الحنش الشَّيْخ
الصَّالح عفيف الدّين سلمَان بن عمر أخْبرت أَنه كَانَ عَالما زاهدا
صَالحا ظَهرت لَهُ الكرامات فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته
من ذَلِك مَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ الصَّالح شهَاب الدّين أَحْمد بن
مُحَمَّد الجبرتي نفع الله بِهِ قَالَ زرت هَذَا الشَّيْخ مرَارًا
فَدخلت مرّة الْقبَّة الَّتِي بنيت على قبر هَذَا الشَّيْخ وأغلقت
الْبَاب وتلوت سُورَة يس وَأَنا فِي ذَلِك الْمَكَان وحدي ثمَّ جَاءَ
رجل مَعْرُوف ففتحت لَهُ فَوقف عِنْدِي فَقَرَأت سُورَة تبَارك
فَرَأَيْت نورا فِي الْمِصْبَاح من غير أَن يسرجه أحد من النَّاس ثمَّ
رَأَيْته مرّة أُخْرَى كَذَلِك
وَحكي أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور أول ملك من
مُلُوك بني رَسُول فوفد إِلَيْهِ جمَاعَة يَشكونَ من ظلم الْمَنْصُور
وَكَانَ فِي الْمَكَان الَّذِي سكنه هَذَا الشَّيْخ جمَاعَة يصلونَ
الْجُمُعَة فطلع الْخَطِيب يخْطب للْجُمُعَة وَأَرَادَ أَن يذكر
الْمَنْصُور كعادة الْوَقْت فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ سلمَان اخْطُبْ
للمظفر بن الْمَنْصُور والمنصور فِي الْجند حَيّ ثمَّ الْتفت الشَّيْخ
سلمَان إِلَى الْحَاضِرين عِنْده فَقَالَ لَهُم قد زَالَ ملك
الْمَنْصُور وَولى الله وَلَده المظفر وسيقتل الْمَنْصُور هَذِه
اللَّيْلَة فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ
وَلِهَذَا الشَّيْخ كرامات كَثِيرَة نفع الله بِهِ آمين
(1/257)
وَمن المتوفين بِنَاحِيَة جبا القَاضِي
الْعَالم رَضِي الدّين أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمر القليصي
الصُّوفِي كَانَ عَالما عَاملا لَهُ الباع الطَّوِيل فِي علم النَّحْو
وَالْفِقْه واللغة والفرائض وَأخذ ذَلِك عَن الشُّيُوخ الْكِبَار
فأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتخرج بِهِ جمَاعَة من طلبة الْعلم الشريف
وأصل بَلَده تهَامَة فانتقل إِلَى هَذِه النَّاحِيَة مستمرا
بِالْقضَاءِ وَجمع بَين طريقتي الشَّرِيعَة والحقيقة وَكَانَ كثير
السّفر إِلَى مَكَّة المشرفة وَرَأى الْعَجَائِب وَذكر قصَّة عَجِيبَة
مَذْكُورَة فِي الأَصْل وَذَلِكَ مِمَّا وجده وَشَاهده من رجل مبارك
يُسمى الْحَاج مُحَمَّد الْكرْمَانِي
وَتُوفِّي هَذَا القَاضِي رَضِي الدّين بعد سنة عشر وثمانمئة
وَخَلفه وَلَده الْفَقِيه شهَاب الدّين أَحْمد فشارك بِشَيْء من
الْفِقْه وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِتِلْكَ النَّاحِيَة وَكَانَت سيرته
فيهم بِالْقضَاءِ محمودة وَذكر عَن وَالِده أَنه صحب بموزع الشَّيْخ
الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن سَلامَة فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا
وطلعا إِلَى قَرْيَة الْمِقْدَار وَأقَام الشَّيْخ رَضِي الدّين فِيهَا
وَكَانَ ينْسب إِلَى بني السراج وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُم وَإِنَّمَا تزوج
امْرَأَة مِنْهُم
وَمن أهل جبا القَاضِي تَقِيّ الدّين عمر بن إِسْحَاق ذكره المؤرخون
الْأَولونَ من بني إِسْحَاق وَالَّذين اشْتهر بعصرنا مِنْهُم هَذَا
القَاضِي تَقِيّ الدّين الَّذِي كَانَ فَقِيها مشاركا بِشَيْء من
الْعُلُوم المعقولة وَتَوَلَّى الْقَضَاء بِنَاحِيَة جبا وأضيف
إِلَيْهِ الْوَقْف هُنَالك فَكَانَ يصرفهُ مصرفه وَلَا يَكْفِي فيزيد
زِيَادَة على ذَلِك من مَاله وينفقه فِي وُجُوه الْخَيْر وللضيف فاشتهر
بِالْكَرمِ وَتُوفِّي سنة سِتّ وَعشْرين وثمانمئة
فخلفه بمنصبه وَلَده شمس الدّين عَليّ وَقد يُسمى مَحْفُوظ واشتهر لَهُ
هَذَانِ
(1/258)
الاسمان وَكَانَ ذَا معرفَة تَامَّة قَرَأَ
على أَئِمَّة وقته وأجازوا لَهُ فدرس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء
وَحسنت سيرته وَقَامَ بِأَمْر الضَّيْف والوافد إِلَيْهِ ثمَّ توفّي
بعد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثمانمئة
ثمَّ خَلفه أَخُوهُ مُحَمَّد الْأَكْبَر وَكَانَ ذَا معرفَة بِعلم
الْفَرَائِض ودقائقه ثمَّ توفّي سنة سبع وَأَرْبَعين وثمانمئة
ثمَّ خَلفه صنوه مُحَمَّد الْأَصْغَر كَانَ مشاركا بِعلم الْفِقْه
واشتهر بِالْكَرمِ وَتُوفِّي بِشَهْر رَمَضَان سنة ثَمَان وَأَرْبَعين
وثمانمئة
وَمن أهل هَذَا الْبَيْت الْفَقِيه عفيف الدّين إِسْحَاق بن عمر قَرَأَ
بفن الْفِقْه على جمَاعَة من أَهله وعَلى الْفُقَهَاء بِمَدِينَة تعز
فأجازوا لَهُ فَكَانَ فَقِيها مُبَارَكًا لم يتَزَوَّج وَكَانَ
مُجْتَهدا بِالْعبَادَة إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وثمانمئة
وَمِمَّنْ تولى الْقَضَاء بِنَاحِيَة جبا وَمَا إِلَيْهَا القَاضِي
جمال الدّين مُحَمَّد بن عبد الله بن علوان الموزعي أَخذ الْعلم عَن
المقرىء شمس الدّين يُوسُف بن يُونُس الجبائي وَالْقَاضِي وجيه عبد
الرَّحْمَن بن عبد الْعَلِيم من بني سَالم وَعَن غَيرهمَا وَله ذهن
صَاف واجتهاد فِي الْبَحْث على دقائق الْعلم ودرس وَأفْتى وَكَانَت
سيرته فِي الْقَضَاء سيرة مرضية وَلم يكن فِي قطره من تأهل لذَلِك
غَيره ومسكنه فِي أكمة البويب وَهُوَ قريب من الحجرية
وَأَخْبرنِي أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه بشره
بشارات سارة ونال بَعْضهَا وَحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وزار قبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَجَازَ لَهُ بعض الْفُقَهَاء
هُنَالك بعض الْعُلُوم وَلم يزل على الْحَال المرضي
وَمن أهل جبا الْحَاج يحيى بن يُونُس بن يحيى بن عبد الله بن جَابر بن
عبد الله بن يحيى بن يَعْقُوب الجابري نسبته إِلَى جَابر بن سَمُرَة
الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ وَالِد المقرىء يُوسُف الْمُقدم
الذّكر كَانَ رجلا فَاضلا عابدا مُجْتَهدا بِأَفْعَال الْخَيْر
(1/259)
أَقَامَ فِي جَامع جبا معتكفا دأبه
تِلَاوَة كتاب الله تَعَالَى وَالْعِبَادَة وَأنْفق من مَاله على
الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين بِشَيْء كثير من الطَّعَام عِنْد عزة
الطَّعَام فَلم يبع شَيْئا مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِمَّن بَاعَ وادخر ثمنه
بل أنفقهُ فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَلم يدّخر شَيْئا وَتُوفِّي بعد
سنة عشْرين وثمانمئة
وَمن دمنات القحاف المقرىء الصَّالح عفيف الدّين جَعْفَر بن الْهمام
الشرعبي الجبري بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء مُهْملَة
نِسْبَة إِلَى قَبيلَة هُنَالك كَانَ هَذَا المقرىء لَهُ معرفَة
تَامَّة فِي الْقرَاءَات السَّبع وَشَيْخه فِي ذَلِك المقرىء جمال
الدّين الشارقي فسكن هَذَا الْمَكَان واشتهر بِالْعبَادَة وَالصَّلَاح
وَتخرج على يَده جمَاعَة مِنْهُم المقرىء شمس الدّين عَليّ بن مُحَمَّد
الشرعبي وَغَيره وَكَانَ يقْصد للمهمات وتقضى على يَدَيْهِ الْحَاجَات
واشتهرت لَهُ كرامات وَتُوفِّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثمانمئة رَحمَه
الله تَعَالَى
وَمن الْمُتَقَدّمَة وفاتهم وَلم يذكرهُ المؤرخون الشَّيْخ الصَّالح
تَقِيّ الدّين عمر بن سُلَيْمَان الْبراق وَهُوَ مِمَّن سكن الجبى
بِبَلَد ذخر كَانَ لَهُ عبَادَة واجتهاد بافعال الْخَيْر دأبه
الْإِصْلَاح بَين النَّاس وَالنَّظَر بمصالحهم وَظَهَرت لَهُ كرامات
مِنْهَا مَا حُكيَ عَنهُ أَنه حضر بَين جمَاعَة يتنازعون فِي أَرض
فتوسط فِي الْإِصْلَاح بَينهم فَكَانَ كلما أَمرهم بِشَيْء امْتَنعُوا
من فعله فَدَعَا بتلاف الأَرْض الَّتِي بتنازعون عَلَيْهَا فابترقت
فَلذَلِك سمي الْبراق وَكَانَت وَفَاته بآخر المئة الثَّامِنَة رَحمَه
الله تَعَالَى ونفع بِهِ
وَمن بلد الأخلود الْمَشَايِخ أهل الكدهية هم من قَبيلَة يسمون بني
(1/260)
غلاب أصل بلدهم المعافر فَأول من اشْتهر
مِنْهُم الشَّيْخ غلاب بن عَليّ وَهُوَ الَّذِي جعل الكدهية رِبَاطًا
وَظَهَرت لَهُ الكرامات وَكَانَ يحدث بِشَيْء من المغيبات وَيظْهر صدق
قَوْله فجلل مَكَانَهُ واحترم
وَمن كراماته مَا حُكيَ أَنه جَاءَ شخص على فرس خضراء فَقَالَ لَهُ
أخرج امْرَأَتك إِلَى عِنْدِي فأخرجها وَهِي حَامِل فَقَرَأَ ودعا
لَهَا وبشرها وَزوجهَا بالذرية الصَّالِحَة فَأول مَا حدث لَهما
الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ جرى على طَرِيق وَالِده بِالْعبَادَة وإكرام
الضَّيْف وانقاد لَهُ أهل قطره بِالطَّاعَةِ بعد موت أَبِيه وَظَهَرت
لَهُ كرامات فَلَمَّا توفّي خَلفه وَلَده الشَّيْخ بدر الدّين حسن مَشى
على طَريقَة وَالِده بِفعل الْخَيْر وَالْعِبَادَة وإكرام الضَّيْف
واتسعت دُنْيَاهُ فَاشْترى الأَرْض فعمرها وَكَانَ يتَصَدَّق بمعظم مَا
يحصل من مغلها وَظَهَرت لَهُ الكرامات
فَلَمَّا توفّي قَامَ بمنصبه ولداه برهَان الدّين إِبْرَاهِيم وعفيف
الدّين سُلَيْمَان واشتهر بِالْعبَادَة وَقَضَاء حوائج الْمُسلمين
وَزَاد الشَّيْخ إِبْرَاهِيم زِيَادَة فِي مَسْجِد الكدهية فَجعله
جَامعا وَكَانَ يصحب الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ الْقرشِي الشاذلي
وَالشَّيْخ الْعَفِيف ابْن المسن وَقَرَأَ بِعلم التصوف وَكَانَ لَهُ
راتب هُوَ وَأَصْحَابه يقرؤون فِي كل يَوْم ختمة شريفة من الْقُرْآن
وَلم يزل على الْحَال المرضي إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ
وثمانمئة
وَتُوفِّي صنوه عفيف قبله بعد سنة عشْرين وثمانمئة
وَمِنْهُم الْفَقِيه عفيف الدّين عبد الْملك بن أَحْمد بن عمر وَهُوَ
رجل مبارك لَهُ مُشَاركَة بِشَيْء من الْعِبَادَة
(1/261)
وَمن أهل ذخر الْفَقِيه الْعَلامَة برهَان
الدّين إِبْرَاهِيم بن عِيسَى الشرعبي قَرَأَ فِي الْقرَاءَات وَفِي
النَّحْو والْحَدِيث وَالْفِقْه بِمصْر وَالْعراق وديار بكر ودمشق على
الْأَئِمَّة هُنَالك حَتَّى انْتفع ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْيمن فدرس
وَأفْتى بِمَدِينَة تعز وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر ثمَّ
انْتقل إِلَى عدن وتلقاه الشَّيْخ شمس الدّين عَليّ بن سُفْيَان
فَأحْسن إِلَيْهِ إحسانا تَاما حَتَّى صَار ذَا مَال جزيل وَقد كَانَ
أَقَامَ بلحج أَيَّامًا ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة المشرفة وَله شعر حسن
وَقد عكفت عَلَيْهِ الطّلبَة فأفادهم الْفَوَائِد السّنيَّة وَهُوَ فِي
قيد الْحَيَاة حَال جمع هَذَا الْكتاب
وَمن المتوفين بِمَدِينَة تعز من الوافدين إِلَيْهَا الْفَقِيه
الْأَجَل الْفَاضِل تَقِيّ الدّين عمر بن عبد الرَّحْمَن الْحَضْرَمِيّ
ابا علوي وَكَانَ رجلا فَاضلا مشاركا فِي الْعُلُوم الْفِقْهِيَّة
وبالنحو وَصَحب الْفَقِيه الْعَالم عفيف الدّين عبد الله بن أَحْمد بن
عَليّ أَبَا مخرمَة الْآتِي ذكره من أهل عدن وَقَرَأَ عَلَيْهِ
بِالْحَدِيثِ وَأثْنى عَلَيْهِ بِحسن الْأَخْلَاق وجودة الْفَهم
والفطنة واشتهر لَهُ كرامات وَكَانَت لَهُ وجاهة عِنْد النَّاس وعلو
مرتبَة عِنْد السَّادة أُمَرَاء الْمُؤمنِينَ بني طَاهِر وَكَانَت
وَفَاته بِشَهْر رَمَضَان الْمُعظم سنة تسع وَثَمَانِينَ وثمانمئة
وَدفن بِطرف الأجيناد
(1/262)
وَكَانَ الْفَرَاغ من رقم هَذَا الكراس صبح
يَوْم الْجُمُعَة من شهر ربيع الآخر سنة 1127 انْتهى مَا ذكره رَاقِم
الأَصْل الْمَنْسُوخ مِنْهَا وَكَانَ الْفَرَاغ من رقم مَا ذكر بِشَهْر
رَجَب فِي الْيَوْم الثَّامِن مِنْهُ أحد شهور سنة تسع وَثَلَاثِينَ
ومئة وَألف سنة 1139
(1/263)
|