فتوح مصر والمغرب

ذكر ظفر العمالقة بمصر وأمر يوسف
(3 قال: ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره، قال: ثم توفّى طوطيس بن ماليا فاستخلف ابنته خروبا ابنة طوطيس؛ ولم يكن له ولد غيرها وهى أوّل امرأة ملكت. قال:
ثم توفّيت خروبا ابنة طوطيس. فاستخلفت ابنة عمّها زالفا ابنة ماموم بن ماليا فعمرت دهرا طويلا، وكثروا ونموا وملأوا أرض مصر كلّها فطمعت فيهم العمالقة فغزاهم الوليد ابن دومع فقاتلهم قتالا شديدا ثم رضوا أن يملّكوه عليهم؛ فملكهم نحوا من مائة سنة، فطغى وتكبّر، وأظهر الفاحشة، فسلّط الله عليه سبعا فافترسه فأكل لحمه. 3)
قال: والعماليق كما حدثنا عبد الملك بن هشام، من ولد عملاق، ويقال عمليق ابن لاوذ بن سام «4» .
حدثنا أبو الأسود، وأسد بن موسى، ويحيى بن عبد الله بن بكير، عن ابن لهيعة،

(1/32)


عن يزيد بن عمرو المعافرى، عن ابن حجيرة، قال: استظلّ سبعون رجلا من قوم موسى فى قحف رجل من العماليق.
قال: (1 فملكهم من بعده ابنه الريّان بن الوليد بن دومغ- وهو صاحب يوسف النّبيّ- عليه الصلاة والسلام- أرسل إليه الملك فأخرجه من السجن 1) .
حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، عن الكلبىّ، عن أبى صالح عن ابن عباس قال: فأتاه الرسول، فقال: ألق عنك ثياب السجن، والبس ثيابا جددا وقم إلى الملك؛ فدعا له أهل السجن، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، فلمّا أتاه رأى غلاما حدثا، فقال: أيعلم هذا رؤياى، ولا يعلمها السحرة والكهنة؟ وأقعده قدامه، وقال له: لا تخف.
قال عثمان وغيره فى حديثهما: فلما استنطقه وساءله عظم فى عينه، وجلّ أمره فى قلبه، فدفع إليه خاتمه وولّاه ما خلف بابه.
(2 حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، عن الكلبىّ، عن أبى صالح، عن ابن عبّاس، قال: وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابّة الملك، وضرب بالطبل بمصر أنّ يوسف خليفة الملك 2) .
حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، حدثنى أبو سعيد، عن عكرمة، أن فرعون قال ليوسف: قد سلّطتك على مصر، غير أنى أريد أن أجعل كرسيّى أطول من كرسيك بأربع أصابع، قال يوسف: نعم.
قال: ثم رجع إلى حديث عثمان وغيره، قال: وأجلسه على السرير، ودخل الملك بيته مع نسائه، ففوّض أمر مصر كلّها إليه، فبسبب عبارة رؤيا الملك ملك يوسف مصر.
(* حدثنا أسد بن موسى، حدثنى الليث بن سعد قال: حدثنى مشيخة لنا، قال:
اشتدّ الجوع على أهل مصر، فاشتروا الطعام بالذهب حتّى لم يجدوا ذهبا، فاشتروا بالفضّة حتى لم يجدوا فضّة، فاشتروا بأغنامهم حتى لم يجدوا غنما، فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضّة ولا ذهب ولا شاة ولا بقرة فى تلك السنتين فأتوه فى

(1/33)


الثالثة فقالوا له: لم يبق لنا إلّا أنفسنا وأهلونا وأرضونا. فاشترى يوسف أرضهم كلّها لفرعون، ثم أعطاهم يوسف طعاما يزرعونه «1» على أن لفرعون الخمس*) .
ذكر استنباط الفيّوم
(2 قال: وفى ذلك الزمان استنبطت الفيّوم، وكان سبب ذلك كما حدثنا هشام بن إسحاق أن يوسف عليه الصلاة والسلام لمّا ملك مصر، وعظمت منزلته من فرعون، وجاوزت سنّه مائة سنة، قال وزراء الملك له: إنّ يوسف قد ذهب علمه، وتغيّر عقله، ونفدت حكمته، فعنّفهم فرعون، وردّ عليهم مقالتهم، وأساء اللفظ لهم، فكفّوا ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين، فقال لهم: هلمّوا ما شئتم من أىّ شىء أختبره به.
وكانت الفيوم يومئذ تدعى الجوبة؛ وإنما كانت لمصالة ماء الصعيد وفضله- فاجتمع رأيهم على أن تكون هى المحنة التى يمتحنون بها يوسف عليه الصلاة والسلام فقالوا لفرعون: سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها، ويخرجه منها، فتزداد بلدا إلى بلدك، وخراجا إلى خراجك. فدعا يوسف فقال: قد تعلم مكان ابنتى فلانة منّى، وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها بلدا، وإنى لم أصب لها إلّا الجوبة؛ وذلك أنه بلد بعيد قريب، لا يؤتى من وجه من الوجوه إلّا من غابة وصحراء.
قال غير هشام: فالفيوم وسط مصر كمثل مصر فى وسط البلاد، لأن مصر لا تؤتى من ناحية من النواحى إلا من [صحراء أو مفازة 2) وكذلك هى ليست تؤتى من ناحية من النواحى من مصر إلّا من] «3» مفازة وصحراء.
قال هشام فى حديثه: (* وقد أقطعتها إيّاها فلا تتركنّ وجها ولا نظرا إلا بلّغته فقال يوسف: نعم أيّها الملك، متى أردت ذلك فابعث إلىّ؛ فإنى إن شاء الله فاعل قال: إنّ أحبّه إلىّ وأوفقه أعجله. فأوحى إلى يوسف أن تحفر «4» ثلاثة خلج: خليجا من أعلى

(1/34)


الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا شرقيّا من موضع كذا إلى موضع كذا، وخليجا غربيّا من موضع كذا إلى موضع كذا؛ فوضع يوسف العمّال، فحفر خليج المنهى (من أعلى أشمون «1» ) إلى اللاهون، وأمر البنّائين أن يحفروا اللاهون، وحفر خليج الفيّوم وهو الخليج الشرقى، وحفر خليجا بقرية يقال لها تنهمت من قرى الفيوم، وهو الخليج الغربىّ. فخرج ماؤها من الخليج الشرقىّ فصبّ فى النيل، وخرج من الخليج الغربىّ فصبّ فى صحراء تنهمت إلى الغرب فلم يبق فى الجوبة ماء. ثم أدخلها الفعلة، فقطع ما كان فيها من القصب والطرفاء وأخرجه منها، وكان ذلك ابتداء جرى النيل، وقد صارت الجوبة أرضا ريفيّة بّريّة «2» وارتفع ماء النيل، فدخل فى رأس المنهى، فجرى فيه حتى انتهى إلى اللاهون فقطعه إلى الفيوم، فدخل خليجها فسقاها، فصارت لجّة من النيل. فخرج إليها الملك ووزراءه، وكان هذا كلّه فى سبعين يوما. فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه أولئك: هذا عمل ألف يوم فسمّيت الفيوم، وأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر*) .
قال: (* وقد سمعت فى استخراج الفيوم وجها غير هذا. حدثنا يحيى بن خالد العدوىّ، عن ابن لهعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أن يوسف النّبيّ- عليه السلام- ملك مصر وهو ابن ثلاثين سنة، فأقام يدبّر أمرها أربعين سنة، فقال أهل مصر: قد كبر يوسف واختلف رأيه، فعزلوه وقالوا: اختر لنفسك من الموات أرضا نقطعكها لنفسك وتصلحها، ونعلم رأيك فيها. فإن رأينا من رأيك وحسن تدبيرك ما نعلم أنك فى زيادة من عقلك رددناك إلى ملكك، فاعترض البرّيّة فى نواحى مصر فاختار موضع الفيوم فأعطيها، فشقّ إليها خليج المنهى من النيل حتى أدخله الفيوم كلّها، وفرغ من حفر ذلك كلّه فى سنة*) .
وبلغنا أنه إنما عمل ذلك بالوحى، وقوى على ذلك بكثره الفعلة والأعوان فنظروا فإذا الذي أحياه يوسف من الفيوم لا يعلمون له بمصر كلّها مثلا ولا نظيرا، فقالوا: ما كان يوسف قط أفضل عقلا ولا رأيا ولا تدبيرا منه اليوم، فردّوا إليه الملك، فأقام ستّين

(1/35)


سنة أخرى، تمام مائة سنة، حتى مات يوم مات وهو ابن ثلاثين ومائة سنة «1» والله أعلم.
(* قال: ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق، قال: ثم بلغ يوسف- عليه السلام- قول وزراء الملك، وأنه إنما كان ذلك منهم على المحنة منهم له، فقال للملك: إنّ عندى من الحكمة والتدبير غير ما رأيت؛ فقال له الملك: وما ذاك؟ قال: أنزل الفيوم من كلّ كورة من كور مصر أهل بيت، وآمر أهل كلّ بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية- وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر- فإذا فرغوا من بناء قراهم صيّرت لكلّ قرية من الماء بقدر ما أصيّر لها من الأرض، لا يكون فى ذلك زيادة عن أرضها ولا نقصان، وأصيّر لكلّ قرية- شربا فى زمان لا ينالهم الماء إلّا فيه، وأصيّر مطآطئا للمرتفع. ومرتفعا للمطأطئ بأوقات من الساعات فى الليل والنهار، وأصيّر لها قبضات فلا يقصّر بأحد دون حقّه، ولا يزاد فوق قدره. فقال له فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ قال: نعم. فبدأ يوسف- عليه السلام- فأمر ببنيان القرى، وحدّ لها حدودا، وكانت أوّل قرية عمّرت بالفيوم قرية يقال لها شانة، وهى القرية التى كانت تنزلها بنت فرعون. ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر، فلما فرغوا من ذلك استقبل وزن الأرض ووزن الماء؛ ومن يومئذ أحدثت الهندسة، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك*) .
قال: (2 وكان أوّل من قاس النيل بمصر يوسف- عليه السلام- وضع مقياسا بمنف ثم وضعت العجوز دلوكة ابنة زبّاء وهى صاحبة حائط العجوز مقياسا بأنصنا، وهو صغير الذرع «3» ومقياسا بإخميم. ووضع عبد العزيز بن مروان مقياسا بحلوان وهو صغير، ووضع أسامة بن زيد التنوخىّ فى خلافة الوليد مقياسا بالجزيرة؛ وهو أكبرها. حدثنا يحيى ابن بكير قال: أدركت القيّاس يقيس فى مقياس منف ويدخل بزيادته الفسطاط 2) .

(1/36)


ذكر دخول أهل يوسف مصر ووفاة يعقوب ودفنه
(* قال: وفى زمان الريّان بن الوليد، دخل يعقوب- عليه السلام- وولده مصر، كما حدثنا هشام بن إسحاق، وهم ثلاثة وتسعون «1» نفسا، بين رجل وامرأة فأنزلهم يوسف- عليه السلام- ما بين عين شمس إلى الفرما وهى أرض ريفيّة بّرية.
حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، عن الكلبىّ، عن أبى صالح، عن ابن عبّاس، قال: دخل مصر يعقوب وولده وكانوا سبعين نفسا، وخرجوا وهم ستّمائة ألف.
وحدثنا أسد، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن مسروق، قال: دخل أهل يوسف وهم ثلاثة وتسعون إنسانا، وخرجوا وهم ستّمائة ألف*) .
وأدخل يوسف كما حدثنا أسد، عن خالد بن عبد الله، عن الكلبىّ، عن أبى صالح، عن ابن عبّاس أباه وخمسة من إخوته على الملك فسلّموا عليه، وأمر أن يقطع لهم من الأرض، وكان يعقوب لمّا دنا من مصر أرسل يهوذا إلى يوسف فخرج إليه يوسف فلقيه فالتزمه وبكى.
قال: ثم رجع إلى حديث هشام بن إسحاق، قال: (* فلما دخل يعقوب على فرعون، فكلّمه- وكان يعقوب عليه السلام شيخا كبيرا حليما حسن الوجه واللحية، جهير الصوت- فقال له فرعون: كم أتى عليك أيّها الشيخ؟ قال: عشرون ومائة، وكان بمين ساحر فرعون قد وصف صفة يعقوب ويوسف وموسى عليهم السلام فى كتبه، وأخبر أن خراب مصر وهلاك أهلها يكون على أيديهم، ووضع البربايات «2» وصفات من تخرب مصر على يديه فلمّا رأى يعقوب قام إلى مجلسه فكان أوّل ما سأله عنه، أن قال له: من تعبد أيّها الشيخ؟ قال له يعقوب: أعبد الله إله كلّ شىء، فقال له: كيف تعبد ما لا ترى؟ قال له يعقوب: إنه أعظم وأجلّ من أن يراه أحد، قال بمين: فنحن ترى آلهتنا.

(1/37)


قال يعقوب: إن آلهتكم من عمل أيدى بنى آدم، من «1» يموت ويبلى، وإنّ إلهى أعظم وأرفع، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، فنظر بمين إلى فرعون، فقال: هذا الذي يكون هلاك بلادنا على يديه، قال فرعون: أفى أيّامنا أو فى أيّام غيرنا؟ قال: ليس فى أيّامك ولا فى أيّام بنيك، أيّها الملك، قال الملك: هل تجد هذا فيما قضى به إلهكم؟ قال: نعم.
قال: فكيف نقدر أن نقتل من يريد إلهه هلاك قومه على يديه! فلا تعبأ بهذا الكلام*) .
(2 حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، حدثنى أبو حفص الكلاعىّ، عن تبيع «3» عن كعب، أن يعقوب عاش فى أرض مصر ست عشرة سنة، فلما حضرته الوفاة قال ليوسف: لا تدفنّى بمصر، وإذا متّ فاحملونى فادفنونى فى مغارة جبل حبرون.
وحبرون كما حدثنا أسد، عن خالد، عن الكلبىّ، عن أبى صالح، مسجد إبراهيم عليه السلام اليوم، وبينه وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلا 2) .
(* ثم رجع إلى حديث الكلاعىّ، عن تبيع، عن كعب، قال: فلما مات لطخوه بمرّ وصبر. قال غير أسد: وجعلوه فى تابوت من ساج. قال أسد فى حديثه: فكانوا يفعلون ذلك به أربعين يوما حتى كلّم يوسف فرعون وأعلمه أن أباه قد مات، وأنه سأله أن يقبره فى أرض كنعان، فأذن له وخرج معه أشرف «4» أهل مصر حتى دفنه وانصرف.
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عمّن حدّثه، قال: قبر يعقوب بمصر فأقام بها نحوا من ثلاث سنين، ثم حمل إلى بيت المقدس؛ أوصاهم بذلك عند موته*) والله أعلم.
ذكر وفاة يوسف
(* قال: ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح، قال: ثم مات الريّان بن الوليد

(1/38)


فملكهم من بعده ابنه دارم بن الريّان. قال غير عثمان: وفى زمانه توفّى يوسف صلوات الله عليه، فلما حضرته الوفاة قال: إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم، كما حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، حدثنى أبو حفص الكلاعىّ، عن تبيع، عن كعب، فاحملوا عظامى معكم. فمات فجعلوه «1» فى تابوت ودفنوه*) .
حدثنا محمد بن أسعد، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، قال: (2 دفن يوسف صلوات الله عليه فى أحد جانبى النيل فأخصب الجانب الذي كان فيه، وأجدب الآخر، فحوّلوه إلى الجانب الآخر، فأخصب الجانب الذي حوّلوه إليه وأجدب الجانب الآخر؛ فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه فجعلوها فى صندوق من حديد، وجعلوا فيه سلسلة، وأقاموا عمودا على شاطئ النيل، وجعلوا فى أصله سكّة من حديد؛ وجعلوا السلسلة فى السكة، وألقوا الصندوق فى وسط النيل، فأخصب الجانبان جميعا 2) .
وحدثنا العبّاس بن طالب، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن يونس، عن الحسن، أن يوسف عليه السلام ألقى فى الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة، ومكث إلى أن لقى يعقوب عليه السلام وأهله ثمانين سنة ثم عاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة، فمات وهو ابن مائة وعشرين سنة ويقال توفّى وهو ابن ثلاثين ومائة سنة.
ذكر ملوك مصر بعد زمان يوسف
(3 ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره، قال: ثم إنّ دارما طغى بعد يوسف عليه السلام وتكبّر، وأظهر عبادة الأصنام، فركب فى النيل فى سفينة فبعث الله عليه ريحا عاصفا فأغرقته ومن كان معه فيما بين طرا إلى موضع حلوان فملكهم من بعده كاشم بن معدان وكان جبّارا عاتيا 3) .
وحدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد لله، عن أبى حفص الكلاعىّ، عن تبيع، عن كعب، قال: لما مات يوسف عليه السلام استعبد أهل مصر بنى إسرائيل.

(1/39)


ثم رجع إلى حديث عثمان، قال: ثم هلك كاشم بن معدان، فملكهم بعده فرعون موسى قال غير عثمان: واسمه طلما قبطىّ من قبط مصر.
(1 وحدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الليث بن سعد وابن لهيعة.
أو أحدهما يقول: كان قبطيّا من قبط مصر، يقال له طلما 1) .
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا عبد الله بن أبى فاطمة، عن مشايخه قال: كان من فران بن بلىّ، واسمه الوليد بن مصعب، وكان قصيرا أبرش يطأ فى لحيته.
حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثنا عن هانئ بن المنذر أنه كان من العماليق وكان يكنّى بأبى مرّة.
وحدثنا يزيد بن أبى سلمة، عن جرير، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النّزال بن سبرة، عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال: كان فرعون أثرم. ويقال بل هو رجل من لخم، والله أعلم،
فمن زعم أنّه من العماليق فقد ذكرنا السبب الذي به ملكت العماليق مصر ومن زعم أنه من فران بن بلىّ فإنّ سعيد بن عفير قد حدثنا قال: حدثنا عبد الله بن أبى فاطمة، عن مشايخه، أن ملك مصر توفّى، فتنازع الملك جماعة من أبناء الملك- ولم يكن الملك عهد- ولمّا عظم الخطب بينهم تداعوا إلى الصلح، فاصطلحوا على أن يحكم بينهم أوّل من يطّلع من الفجّ فجّ الجبل، فاطّلع فرعون بين عديلتى نطرون، قد أقبل بهما ليبيعهما، وهو رجل من فران بن بلىّ، فاستوقفوه، وقالوا: إنا قد جعلناك حكما بيننا فيما تشاجرنا فيه من الملك، وآتوه مواثيقهم على الرضا. فلما استوثق منهم، قال:
إنى قد رأيت أن أملّك نفسى عليكم؛ فهو أذهب لضغائنكم، وأجمع لأموركم، والأمر من بعد إليكم. فأمّروه عليهم لنفاسة بعضهم بعضا وأقعدوه فى دار الملك بمنف، فأرسل إلى صاحب أمر كلّ رجل منهم، فوعده ومنّاه أن يملّكه على ملك صاحبه، ووعدهم ليلة يقتل فيها كلّ رجل منهم صاحبه، ففعلوا. ودان له أولئك بالربوبيّة، ولم يكن لهم تكبّر الملوك، والله أعلم. فملكهم نحوا من خمسمائة سنة، وكان من أمره وأمر موسى عليه السلام ما قصّ الله تبارك وتعالى من خبرهم فى القرآن.

(1/40)


قال: ثم رجع إلى حديث عثمان بن صالح وغيره، قال: فأقام فرعون ملك مصر خمسمائة سنة حتى أغرقه الله تعالى.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا خلّاد بن سليمان الحضرمىّ، قال:
سمعت أبا الأشرس يقول: مكث فرعون أربعمائة سنة، الشباب يغدو عليه ويروح.
حدثنا أبى، حدثنا خلّاد بن سليمان، قال: سمعت إبراهيم بن مقسم، قال: مكث فرعون أربعمائة سنة لم تصدّع «1» له رأس، وكان يملك فيما يذكر ما بين مصر إلى إفريقية.
وكان يقعد على كراسى فرعون، كما حدثنا أسد، عن خالد، عن الكلبىّ عن أبى صالح، عن ابن عبّاس، مائتان عليهم الديباج وأساور الذهب.
وقد كان استعمل هامان على الناس، فقال: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ «2»
يعنى أنّ من كلّ سماء إلى سماء سبب، وشغل الله فرعون بالآيات التى جاء بها موسى عليه السلام ولم يبن له هامان الصرح.
ذكر حمل عظام يوسف إلى الشام
قال: وفى زمانه حملت عظام يوسف عليه السلام من مصر إلى الشأم، وكان سبب حمله فيما حدثنا محمد بن أسعد التغلبىّ، عن أبى الأحوص، عن سماك بن حرب، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أقبل وهو قافل من الشام ومعه زيد بن حارثة، فمر ببيت شعر فرد وقد أمسى فدنا من البيت، فقال: السلام عليكم فردّ ربّ البيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ضيف. قال: انزل فبات فى قرّى، فلمّا أصبح وأراد الرحيل قال الشيخ: أصيبوا من بقيّة قراكم، فأصابوا ثم ارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما ظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفتح الله عليه، جاء الشيخ على راحلته حتى أناخ بباب المسجد ثم دخل فجعل يتصفّح وجوه الرجال، فقالوا له: هذاك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما حاجتك؟ قال: والله ما أدرى، إلّا أنه نزل بى رجل فأكرمت قراه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «وإنك لفلان؟ قال:
نعم. قال: فكيف أمّ فلان؟ قال: بخير. قال: فكيف حالكم؟ قال: بخير، وقد كان

(1/41)


رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له حين ارتحل من عنده: إذا سمعت بنبىّ قد ظهر بتهامة فأته فإنك تصيب منه خيرا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تمنّ ما شئت فإنك لن تتمنّى اليوم شيئا إلّا أعطيتكه قال فإنى أسألك ضأنا ثمانين، قال: فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال: يا عبد الرحمن بن عوف، قم فأوفها إيّاه، ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: ما كان أحوج هذا الشيخ إلى أن يكون مثل عجوز موسى، قال: قلنا يا رسول الله، وما عجوز موسى؟ قال: بنت يوسف عمرت حتى صارت عجوزا كبيرة ذاهبة البصر، فلمّا أسرى موسى ببنى إسرائيل غشيتهم ضبابة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه، وقيل لموسى لن تعبر إلّا ومعك عظام يوسف، قال: ومن يدرى أين موضعها، قالوا: ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها فى الديار، قال: فرجع موسى، فلمّا سمعت حسّه قالت: موسى، قال موسى قالت: ما ردّك، قال: أمرت أن أحمل عظام يوسف، قالت: ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم، قال: دلّينى على عظام يوسف، قالت: لا أفعل إلّا أن «1» تعطينى ما سألتك قال: فلك ما سألت، قالت: خذ بيدى، فأخذ بيدها فانتهت به إلى عمود على شاطئ النيل فى أصله سكّة من حديد موتّدة فيها سلسلة، فقالت: إنا كنّا دفنّاه من ذلك الجانب فأخصب ذلك الجانب وأجدب ذا الجانب، فحوّلناه الى هذا الجانب فأخصب هذا الجانب وأجدب ذاك «2» ، فلما رأينا ذلك، جمعنا عظامه فجعلناها فى صندوق من حديد وألقيناها فى وسط النيل، فأخصب الجانبان جميعا قال: فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر، وقال لها: سلى ما شئت، قالت: فإنى أسأل أن أكون أنا وأنت فى درجة واحدة فى الجنّة، ويردّ علىّ بصرى وشبابى حتّى أكون شابّة كما كنت، قال:
فلك ذلك.
حدثنا أسد بن موسى، عن خالد بن عبد الله، عن الكلبىّ، عن أبى صالح عن ابن عبّاس، قال: كان يوسف عليه السلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر، قال: فتجهّز القوم وخرجوا فتحيّروا، فقال لهم موسى: إنما تحيّركم هذا من أجل عظام يوسف، فمن يدلّنى عليها؟ فقالت عجوز يقال لها سارح ابنة آشر بن يعقوب: أنا رأيت عمّى- تعنى يوسف حين دفن- فما تجعل لى إن دللتك عليه؟ قال: حكمك،

(1/42)


قال: فدلّته عليها فأخذ عظام يوسف ثم قال: احتكمى، قالت أكون معك حيث كنت فى الجنّة.
حدثنا عثمان بن صالح، أخبرنى ابن لهيعة عمن حدّثه قال: قبر يوسف عليه السلام بمصر فأقام بها نحوا من ثلاثمائة سنة، ثم حمل إلى بيت المقدس.