الاختيار لتعليل المختار [كِتَابُ الزَّكَاةِ]
ِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: زَكَا الْمَالُ: إِذَا
نَمَا وَازْدَادَ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ، يُقَالُ:
فُلَانٌ زَكِيُّ الْعِرْضِ: أَيْ طَاهِرُهُ.
وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ إِيجَابِ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَالِ فِي
مَالٍ مَخْصُوصٍ لِمَالِكٍ مَخْصُوصٍ، وَفِيهَا مَعْنَى اللُّغَةِ
لِأَنَّهَا وَجَبَتْ طَهَارَةً عَنِ الْآثَامِ. قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]
أَوْ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْمَالِ النَّامِي إِمَّا حَقِيقَةً
أَوْ تَقْدِيرًا ; وَسَبَبُ وُجُوبِهَا مِلْكُ مَالٍ مُقَدَّرٍ مَوْصُوفٍ
لِمَالِكٍ مَوْصُوفٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ. قَالَ أَبُو
بَكْرٍ الرَّازِيُّ: تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ
الضَّمَانُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ هَلَكَ. وَعَنِ الْكَرْخِيِّ عَلَى
الْفَوْرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا
تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، وَهِيَ فَرِيضَةٌ
مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا، وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا، ثَبَتَتْ
فَرْضِيَتُهَا بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَوُا الزَّكَاةَ}
[البقرة: 43] وَقَوْلُهُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رَوَيْنَا
مِنَ الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَلَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ
الْبَالِغِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ، وَالْكَافِرُ غَيْرُ
مُخَاطَبٍ بِالْفُرُوعِ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالصَّبِيُّ
وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ بِالْعِبَادَاتِ، وَهِيَ مِنْ
أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهَا أَحَدُ مَبَانِي الْإِسْلَامِ
وَأَرْكَانِهِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رُفِعَ
الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ
الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ» .
وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ
الزَّكَاةُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ.
قَالَ: (إِذَا مَلَكَ نِصَابًا خَالِيًا عَنِ الدَّيْنِ فَاضِلًا عَنْ
حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ مِلْكًا تَامًّا فِي طَرَفَيِ الْحَوَلِ)
أَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ
كَاللُّقَطَةِ. وَأَمَّا النِّصَابُ
(1/99)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَهُ بِهِ، فَقَالَ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ
دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ» وَكَذَا وَرَدَ فِي سَائِرِ النُّصُبِ. وَأَمَّا
خُلُوُّهُ عَنِ الدَّيْنِ فَلِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالدَّيْنِ مَشْغُولٌ
بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ
الْحَائِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَهَمُّ الْحَوَائِجِ، فَصَارَ
كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ نَاقِصٌ لِأَنَّ
لِلْغَرِيمِ أَخْذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَالزَّكَاةُ
وَجَبَتْ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ الْكَامِلَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ
مَصْرِفًا لِلزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60]
وَبَيْنَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَجَوَازِ أَخْذِهَا تَنَافٍ وَصَارَ
كَالْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاضِلٌ عَنِ الدَّيْنِ
زَكَّاهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَالْمُرَادُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ
جِهَةِ الْعِبَادِ، وَمَا لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لَا
يَمْنَعُ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَوُجُوبِ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ،
وَالنَّفَقَةُ مَا لَمْ يُقْضَ بِهَا لَا تَمْنَعُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
فِي حُكْمِ الدَّيْنِ، فَإِذَا قُضِيَ بِهَا صَارَتْ دَيْنًا فَمَنَعَتْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي دَيْنِ الزَّكَاةِ. قَالَ زُفَرُ: لَا يَمْنَعُ فِي
الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ
الْعِبَادِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لِلْمَالِكِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ
كَانَ الدَّيْنُ فِي الذِّمَّةِ بِأَنِ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ
بَعْدَ الْحَوْلِ، وَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَلَكَ مَالًا آخَرَ،
فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَمْنَعُ مَا فِي ذِمَّتِهِ
مِنَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِي الْعَيْنِ كَمَنْ لَهُ
نِصَابٌ فَمَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ، فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ
الزَّكَاةُ لِجَمِيعِ مَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ خِلَافًا لِزُفَرَ ;
وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَيَمْنَعُ
الدَّيْنُ سَوَاءً كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ
الْأَخْذَ كَانَ لِلْإِمَامِ، وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فَوَّضَهُ إِلَى الْمُلَّاكِ، وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ طَلَبِ
الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ
زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا، وَلَوْ مرَّ بِهَا عَلَى السَّاعِي كَانَ
لَهُ أَخْذُهَا، فَكَانَ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ
فَيَمْنَعُ، وَالدَّيْنُ الْمُعْتَرِضِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَمْنَعُ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. وَالْمَهْرُ يَمْنَعُ
مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ مُعَجَّلًا ; وَقِيلَ يَمْنَعُ الْمُعَجَّلُ دُونَ
الْمُؤَجَّلِ.
وَقَوْلُهُ: فَائِضًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمَرْءُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ»
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ»
يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَقَدُّمِ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةَ وَهِيَ: دُورُ
السُّكْنَى، وَثِيَابُ الْبَدَنِ، وَأَثَاثُ الْمَنْزِلِ، وَسِلَاحُ
الِاسْتِعْمَالِ، وَدَوَابُّ الرُّكُوبِ، وَكُتُبُ الْفُقَهَاءِ، وَآلَاتُ
الْمُحْتَرِفِينَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مَعَاشِهِ.
وَأَمَّا الْمِلْكُ التَّامُّ فَاحْتِرَازٌ عَنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ
لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ الْكَامِلَةِ،
وَأَنَّهَا نِعْمَةٌ نَاقِصَةٌ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي مَالِ
الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى يَعْتِقَ» وَقَوْلُهُ فِي طَرَفَيِ الْحَوَلِ؛
لِأَنَّ الْحَوَلَ لَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ
الْحَوْلُ» .
وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّمَكُّنِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي النِّصَابِ
مُدَّةً يَحْصُلُ مِنْهُ النَّمَاءُ، فَقَدَّرْنَاهُ بِالْحَوْلِ
(1/100)
وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ
مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ الْوَاجِبِ أَوْ لِلْأَدَاءِ؟ وَمَنْ تَصَدَّقَ
بِجَمِيعِ مَالِهِ سَقَطَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَلَا زَكَاةَ فِي
الْمَالِ الضِّمَارِ (ز ف) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ فِيهَا
الْأَسْعَارُ غَالِبًا، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِ كَمَالِ
النِّصَّابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لِلِانْعِقَادِ، وَفِي آخِرِهِ
لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَمَا بَيْنَهُمَا حَالَةُ الْبَقَاءِ فَلَا
اعْتِبَارَ بِهَا؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهَا حَرَجًا عَظِيمًا، فَإِنَّ
بِالتَّصَرُّفَاتِ فِي النَّفَقَاتِ يَتَنَاقَصُ وَيَزْدَادُ فِي كُلِّ
وَقْتٍ، فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ دَفْعًا لِهَذَا الْحَرَجِ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ
الْوَاجِبِ أَوْ لِلْأَدَاءِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْهَا
لِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ.
وَالزَّكَاةُ تُؤَدَّى مُتَفَرِّقًا، فَرُبَّمَا يُحْرَجُ فِي النِّيَّةِ
عِنْدَ أَدَاءِ كُلِّ دُفْعَةٍ، فَاكْتَفَيْنَا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ
الْعَزْلِ تَسْهِيلًا وَتَيْسِيرًا.
قَالَ: (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ سَقَطَتْ وَإِنْ لَمْ
يَنْوِهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَسْقُطَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِعَدَمِ
النِّيَّةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءُ النِّصَابِ.
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ
الْعُشْرِ» .
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي عِشْرِينَ مِثْقَالًا
نِصْفُ مِثْقَالٍ» إِلَى غَيْرِهِ مِنَ النُّصُوصِ، وَالرُّكْنُ هُوَ
التَّمْلِيكُ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ، وَقَدْ وُجِدَ لِحُصُولِ أَدَاءِ
الْوَاجِبِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى الْكُلَّ فَقَدْ أَدَّى
الْجُزْءَ، وَالنِّيَّةُ شُرِطَتْ لِلتَّعْيِينِ، وَالْوَاجِبُ قَدْ
تَعَيَّنَ بِإِخْرَاجِ الْكُلِّ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ سَقَطَتْ
زَكَاةُ ذَلِكَ الْبَعْضِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
قَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ) وَهُوَ الْمَالُ
الضَّائِعُ وَالسَّاقِطُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمَدْفُونُ فِي الْمَفَازَةِ
إِذَا نَسِيَ الْمَالِكُ مَكَانَهُ، وَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالْمَغْصُوبُ،
وَالدَّيْنُ الْمَجْحُودُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ،
وَالْمُودَعُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالْمَدْفُونُ
فِي الْبُسْتَانِ وَالْأَرْضِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ،
وَالْمَدْفُونُ بِالْبَيْتِ لَيْسَ بِضِمَارٍ. وَقَالَ زُفَرَ: تَجِبُ
الزَّكَاةُ فِي الضِّمَارِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَالسَّبَبُ
مُتَحَقِّقٌ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَلَا يَضُرُّهُ زَوَالُ الْيَدِ كَابْنِ
السَّبِيلِ. وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا
وَمَوْقُوفًا: «لَا زَكَاةَ فِي الْمَالِ الضِّمَارِ» وَقِيلَ لِعُمَرَ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - لَمَّا رَدَّ الْأَمْوَالَ عَلَى أَصْحَابِهَا -
أَفَلَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ زَكَاتَهَا لِمَا مَضَى؟ قَالَ: لَا إِنَّهَا
كَانَتْ ضِمَارًا. وَالْعِبَادَاتُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ
فِي إِيجَابِهَا وَإِسْقَاطِهَا فَكَانَ تَوْقِيفًا، وَلِأَنَّهُ مَالٌ
غَيْرُ نَامٍ؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ بِالِاسْتِنْمَاءِ غَالِبًا وَهُوَ
عَاجِزٌ، بِخِلَافِ ابْنِ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ
(1/101)
وَتَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ الْمُجَانِسِ
وَيُزَكِّيهِ مَعَ الْأَصْلِ وَتَجِبُ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ (م
ز) ، وَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ (ف) ، وَإِنْ
هَلَكَ بَعْضُهُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ، وَيَجُوزُ فِيهَا دَفْعُ الْقِيمَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بِنَائِبِهِ.
قَالَ: (وَتَجِبُ فِي الْمُسْتَفَادِ الْمُجَانِسِ وَيُزَكِّيهِ مَعَ
الْأَصْلِ) وَهُوَ مَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْهِبَةِ أَوِ الْإِرْثِ أَوِ
الْوَصِيَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اعْلَمُوا
أَنَّ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تُؤَدُّونَ فِيهِ الزَّكَاةَ، فَمَا حَدَثَ
بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَجِيءَ رَأْسُ السَّنَةِ»
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَصْلِ وَالْحَادِثِ
وَاحِدٌ، وَهُوَ مَجِيءُ رَأْسِ السَّنَةِ، وَهَذَا رَاجِحٌ عَلَى مَا
يُرْوَى: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»
لِأَنَّهُ عَامٌّ، وَمَا رَوَيْنَاهُ خَاصٌّ فِي الْمُسْتَفَادِ، أَوْ
يُحْمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ الْمُجَانِسِ عَمَلًا
بِالْحَدِيثَيْنِ، وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ
مَشَقَّةً وَعَنَاءً، فَإِنَّ الْمُسْتَفَادَاتِ قَدْ تَكْثُرُ فَيَعْسُرُ
عَلَيْهِ مُرَاقَبَةُ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ وَانْتِهَائِهِ لِكُلِّ
مُسْتَفَادٍ وَالْحَوْلُ لِلتَّيْسِيرِ، وَصَارَ كَالْأَوْلَادِ
وَالْأَرْبَاحِ ; أَمَّا الْمُسْتَفَادُ الْمُخَالِفُ لَا يُضَمُّ
بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ: (وَتَجِبُ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ
وَزُفَرُ فِيهِمَا.
وَصُورَتُهُ لَوْ كَانَ لَهُ ثَمَانُونَ مِنَ الْغَنَمِ فَهَلَكَ مِنْهَا
أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ،
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِصْفُ شَاةٍ.
وَلَوْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنَ الْإِبِلِ هَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعٌ
فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ.
لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ: أَنَّ الْعَفْوَ مَالٌ نَامٍ وَنِعْمَةٌ كَامِلَةٌ،
فَتَجِبُ الزَّكَاةُ بِسَبَبِهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ وَالْمَالِ
النَّامِي. وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي
خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ
شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عَشْرًا» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ فِي
الْعَفْوِ، وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلنِّصَابِ فَيَنْصَرِفُ الْهَلَاكُ
إِلَيْهِ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ.
قَالَ: (وَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَإِنْ هَلَكَ
بَعْضُهُ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءُ النِّصَابِ لِمَا
مَرَّ، فَكَانَ النِّصَابُ مَحَلًّا لِلزَّكَاةِ ; وَالشَّيْءُ لَا يَبْقَى
بَعْدَ مَحَلِّهِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إِذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدِ
الطَّلَبُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِفَقِيرٍ بِعَيْنِهِ، حَتَّى لَوِ
امْتَنَعَ بَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي يُضَمْنُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ
لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَتُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ الطَّلَبِ
كَالْوَدِيعَةِ.
وَقَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: لَا تُضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ إِنْ
شَاءَ دَفَعَ الْعَيْنَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْقِيمَةَ مِنَ
النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ
الدَّفْعَ لِيَحْصُلَ الْعِوَضُ، وَأَمَّا بِالِاسْتِهْلَاكِ فَقَدْ
تَعَدَّى فَيُضْمَنُ عُقُوبَةً لَهُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ فِيهَا دَفْعُ الْقِيمَةِ) وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ
وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَهَذَا نَصٌّ عَلَى
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَأْخُوذِ صَدَقَةٌ، وَكُلَّ جِنْسٍ يَأْخُذُهُ
فَهُوَ صَدَقَةٌ: «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَغَضِبَ وَقَالَ:
أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ) ؟ فَقَالَ
الْمُصَدِّقُ: إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ فَسَكَتَ» . وَأَنَّهُ
صَرِيحٌ فِي الْبَابِ.
«وَقَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ
(1/102)
وَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ وَسَطَ الْمَالِ ;
وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ لِسَنَةٍ
أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ لِنُصُبٍ جَازَ (ز) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْيَمَنِ حِينَ بَعَثَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إِلَيْهِمْ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ
وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِمَنْ
بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ» وَكَانَ يَأْتِي بِهِ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُنْكِرُ
عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذْ مِنَ
الْإِبِلِ الْإِبِلَ» الْحَدِيثَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّيْسِيرِ؛
لِأَنَّ أَدَاءَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ عَلَى أَصْحَابِهَا أَسْهَلُ،
وَأَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَجْنَاسِ ; وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ
الْمَقْصُودَ إِيصَالُ الرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إِلَى الْفَقِيرِ وَقَدْ
حَصَلَ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ قُوتَ الْفُقَرَاءِ وَسَمَّاهُ
زَكَاةً» وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ بِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا؛
لِأَنَّ إِرَاقَةَ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى.
قَالَ: " وَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ وَسَطَ الْمَالِ " لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذْ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالَهِمْ» أَيِ
الْوَسَطِ، وَلِأَنَّ أَخْذَ الْجَيِّدِ إِضْرَارٌ بِرَبِّ الْمَالِ،
وَأَخْذَ الرَّدِيءِ إِضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ، فَقُلْنَا بِالْوَسَطِ
تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَأْخُذُ الرَّبِيَّ وَلَا الْمَاخِضَ،
وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَلَا الْأَكُولَةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِقَوْلِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِ
النَّاسِ» وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: عُدَّ عَلَيْهُمُ
السَّخْلَةَ وَلَوْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدَيْهِ، أَلَسْنَا
تَرَكْنَا لكم الرَّبِيَّ وَالْأَكُولَةَ وَالْمَاخِضَ وَفَحْلَ الْغَنَمِ؟
.
قَالَ: (وَمَنْ مَلَكَ نِصَابًا فَعَجَّلَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ
لِسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ لِنُصُبٍ جَازَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَسْلَفَ الْعَبَّاسَ زَكَاةَ
عَامَيْنِ» ، وَلِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْمَالُ.
وَالْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ
إِتْمَامِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ أَدَّى قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَجُوزُ
كَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّ النَّصَّابَ الْأَوَّلَ سَبَبٌ
لِوُجُودِ
(1/103)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الزَّكَاةِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ النُّصُبِ، أَلَا يَرَى أَنَّهَا
تُضَمُّ إِلَيْهِ فَكَانَتْ تَبَعًا لَهُ. وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا أَدَّى
عَنْ نُصُبٍ لَا يُجْزِيهِ إِلَّا عَنِ النِّصَابِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ؛
لِأَنَّهُ أَدَّى قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَلَنَا مَا
بَيَّنَّا، وَلِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ تَبَعُ الْأَصْلِ فِي حَقِّ
الْوُجُوبِ، فَيَكُونُ تَبَعًا فِي حُكْمِ الْحَوْلِ أَيْضًا، فَكَأَنَّ
الْحَوْلَ حَالَ عَلَى الْجَمِيعِ.
1 -
فَصْلٌ وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا الْإِمَامُ
كَرْهًا وَوَضَعَهَا مَوْضِعَهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ» وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ
الْأَخْذِ كَانَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ
إِلَى زَمَانِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَذِهِ النُّصُوصِ،
فَفَوَّضَهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إِلَى أَرْبَابِهَا مَخَافَةَ
تَفْتِيشِ الظَّلَمَةِ إِلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، فَصَارَ أَرْبَابُ
الْأَمْوَالِ كَالْوُكَلَاءِ عَنِ الْإِمَامِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ
لَا يُؤَدُّونَ طَالَبَهُمْ بِهَا ; وَمَا أَخَذَهُ الْخَوَارِجُ
وَالْبُغَاةُ مِنَ الزَّكَاةِ لَا يُثَنَّى عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ عَجَزَ
عَنْ حِمَايَتِهِمْ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَيُفْتَى أَهْلُهَا
بِالْإِعَادَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعَلِمْنَا
أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوهَا بِطَرِيقِ الصَّدَقَةِ وَلَا يَصْرِفُونَهَا
مَصَارِفَهَا.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيمَا يَأْخُذُهُ الظَّلَمَةُ مِنَ
السَّلَاطِينِ فِي زَمَانِنَا. قَالَ مَشَايِخُ بَلْخَ: يُفْتَوْنَ
بِالْإِعَادَةِ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
الْأَعْمَشُ: يُفْتَوْنَ بِإِعَادَةِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّهَا حَقُّ
الْفُقَرَاءِ وَلَا يَصْرِفُونَهَا إِلَيْهِمْ، وَلَا يُفْتَوْنَ فِي
الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى لَوْ
ظَهَرَ عَلَى الْإِسْلَامِ عَدُوٌّ قَاتَلُوهُ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّ أَرْبَابَ
الْأَمْوَالِ إِذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ
سَقَطَ عَنْهُمْ جَمِيعُ ذَلِكَ، وَكَذَا جَمِيعُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ
الرَّجُلِ مِنَ الْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ؛ لِأَنَّ مَا
بِأَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ النَّاسِ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ التَّبِعَاتِ
فَوْقَ مَالِهِمْ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ،
حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: يَجُوزُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ
لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ. وَمَنْ مَاتَ
وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ أَوْ صَدَقَةُ فِطْرٍ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ،
وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ الْوَرَثَةُ جَازَ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يُعْتَبَرُ
مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهَا
عِبَادَةٌ، فَلَا تَتَأَدَّى إِلَّا بِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ تَحْقِيقًا
لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ شُرِعَتْ لِلِابْتِلَاءِ
لِيَتَبَيَّنَ الطَّائِعُ مِنَ الْعَاصِي، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ
بِغَيْرِ رِضَاهُ وَقَصْدِهِ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِيتَاءِ، وَلَا
يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ
لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ
جَبْرًا، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ وَارِثِهِ عَنْهُ
إِلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا، وَقُلْنَا بِسُقُوطِهِ عَنْهُ
بِأَدَاءِ الْوَارِثِ، لِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَوْلَى» .
(1/104)
بَابُ زَكَاةِ السَّوَائِمِ السَّائِمَةُ
الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرَ حَوْلِهَا، فَإِنْ عَلَفَهَا
نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ. وَالْإِبِلُ
تَتَنَاوَلُ الْبُخْتَ وَالْعِرَابَ. وَالْبَقَرُ يَتَنَاوَلُ
الْجَوَامِيسَ أَيْضًا ; وَالْغَنَمُ الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ.
فصل لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ،
وَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ
ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[بَابُ زَكَاةِ السَّوَائِمِ]
ِ (السَّائِمَةُ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ حَوْلِهَا،
فَإِنْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَيْسَتْ
بِسَائِمَةٍ) لِأَنَّ أَرْبَابَهَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْعَلَفِ
أَيَّامَ الثَّلْجِ وَالشِّتَاءِ، فَاعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ لِيَكُونَ
غَالِبًا؛ لِأَنَّ السَّوْمَ إِنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ لِحُصُولِ
النَّمَاءِ وَخِفَّةِ الْمَئُونَةِ، وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إِذَا كَانَتْ
تُسَامُ أَكْثَرَ الْمُدَّةِ ; أَمَّا إِذَا عُلِفَتْ فَالْمَئُونَةُ
تَكْثُرُ وَكَثْرَتُهَا تُؤَثِّرُ فِي إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ
كَالْمَعْلُوفَةِ دَائِمًا فَاعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ، وَهِيَ الَّتِي
تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ ; أَمَّا لَوْ سِيمَتْ
لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِعَدَمِ النَّمَاءِ.
(وَالْإِبِلُ تَتَنَاوَلُ الْبُخْتَ وَالْعِرَابَ) لِأَنَّ الِاسْمَ
يَنْتَظِمُهَا لُغَةً.
قَالَ: (وَالْبَقَرُ يَتَنَاوَلُ الْجَوَامِيسَ أَيْضًا) لِأَنَّهَا نَوْعٌ
مِنْهَا (وَالْغَنَمُ: الضَّأْنُ وَالْمَعِزُ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ
بِاسْمِ الْغَنَمِ فِيهِمَا وَاللَّفْظُ يَنْتَظِمُهُمَا لُغَةً.
[فَصْلٌ نصاب الإبل]
فَصْلٌ (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ
زَكَاةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي خَمْسٍ
مِنَ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ» وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ؛
لِأَنَّ الْحَادِثَةَ وَاحِدَةٌ، وَالصِّفَةُ إِذَا قُرِنَتْ بِاسْمِ
الْعَلَمِ صَارَ كَالْعِلَّةِ.
قَالَ: (وَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ
عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ
(1/105)
فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِي سِتٍّ
وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ،
وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي
الرَّابِعَةِ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ
فِي الْخَامِسَةِ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إِحْدَى
وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إِلَى مَائَةِ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ فِي الْخَمْسِ
شَاةٌ (ف) كَالْأَوَّلِ إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا
حِقَّتَانِ، وَبِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ
حِقَاقٍ، ثُمَّ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ كَالْأَوَّلِ إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ
وَسَبْعِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي مِائَةٍ
وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ
وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إِلَى مِائَتَيْنِ، ثُمَّ
تُسْتَأْنَفُ (ف) أَبَدًا كَمَا اسْتُؤْنِفَتْ بَعْدَ الْمِائَةِ
وَالْخَمْسِينَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ
وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ
حِقَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ، وَفِي إِحْدَى
وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ وَفِي سِتٍّ
وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إِلَى
مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيْنَ
الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهَا اتَّفَقَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ كُتُبِ
الصَّدَقَاتِ الَّتِي كَتَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
قَالَ: (ثُمَّ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ كَالْأَوَّلِ، إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ
وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، إِلَى مِائَةٍ
وَخَمْسِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ ; ثُمَّ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ
كَالْأَوَّلِ، إِلَى مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ
حِقَاقٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ ثَلَاثُ
حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ
حِقَاقٍ إِلَى مِائَتَيْنِ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ أَبَدًا كَمَا
اسْتُؤْنِفَتْ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ
وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَكَذَا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي
كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ
وَعِشْرِينَ اسْتُؤْنِفَتِ الْفَرِيضَةُ، فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ فَفِيهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ» وَهَذَا
تَقْدِيرٌ لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْفَرِيضَةِ إِلَى مِائَةٍ
وَعِشْرِينَ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ تَغْيِيرِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.
(1/106)
فَصْلٌ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ
مِنَ الْبَقَرِ شَيْءٌ، وَفِي ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَهِيَ
الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ
مُسِنَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَمَا زَادَ
بِحِسَابِهِ (ف) إِلَى سِتِّينَ، وَفِي سِتِّينَ تَبِيعَانِ أَوْ
تَبِيعَتَانِ، وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ
مُسِنَّتَانِ، وَعَلَى هَذَا يَنْتَقِلُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ مِنْ
تَبِيعٍ إِلَى مُسِنَّةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فَصْلٌ نِصَابُ الْبَقَرِ]
فَصْلٌ (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقْرِ شَيْءٌ، وَفِي
ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي
الثَّانِيَةِ، وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي
طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ) بِذَلِكَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ.
قَالَ: (وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ إِلَى سِتِّينَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - ; وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ: فَفِي الْوَاحِدَةِ
رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ عُشْرِ تَبِيعٍ، وَفِي اثْنَيْنِ
نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثَا عُشْرِ تَبِيعٍ، وَعَلَى هَذَا
لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ النُّصُبِ
بِالرَّأْيِ فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ. وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْهُ: لَا
شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، فَفِيهَا مُسِنَّةٌ
وربع مسنة أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ لِأَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تَبِيعٌ
كَمَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ السِّتِّينَ، وَرَوَى أَسَدُ بْنُ
عُمَرَ عَنْهُ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ،
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِقَوْلِ مُعَاذٍ فِي الْبَقَرِ:
«لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ، سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
(وَفِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ أَوْ تَبِيعَتَانِ، وَفِي سَبْعِينَ
مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَعَلَى هَذَا
يَنْتَقِلُ الْفَرْضُ، فِي كُلِّ عَشَرَةٍ مِنْ تَبِيعٍ إِلَى مُسِنَّةٍ)
وَمِنْ مُسِنَّةٍ إِلَى تَبِيعٍ، عَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَبِهِ
وَرَدَتِ الْآثَارُ.
(1/107)
فَصْلٌ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ
أَرْبَعِينَ شَاةً صَدَقَةٌ، وَفِي أَرْبَعِينَ شَاةٌ إِلَى مِائَةٍ
وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ
فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إِلَى أَرْبَعِمَائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ
شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَأَدْنَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ
الزَّكَاةُ، وَيُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ الثَّنِيُّ (ف) ، وَهُوَ مَا
تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ.
فَصْلٌ مَنْ كَانَ لَهُ خَيْلٌ سَائِمَةٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، أَوْ إِنَاثٌ،
فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ (سم) دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ
قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ (سم) خَمْسَةَ
دَرَاهِمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فَصْلٌ نِصَابُ الْغَنَمِ]
فَصْلٌ (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً صَدَقَةٌ، وَفِي
أَرْبَعِينَ شَاةً إِلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ،
إِلَى مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إِلَى
أَرْبَعِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ
شَاةٌ) بِذَلِكَ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ.
قَالَ: (وَأَدْنَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ، وَيُؤْخَذُ فِي
الصَّدَقَةِ الثَّنِيُّ، وَهُوَ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يُجزي فِي الزَّكَاةِ إِلَّا
الثَّنِيُّ» وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا
وَمَرْفُوعًا: «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إِلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا»
.
وَرُوِيَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ، وَهُوَ الَّذِي أَتَى
عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، أَمَّا الْمَعْزُ لَا
يُؤْخَذُ إِلَّا الثَّنِيُّ اعْتِبَارًا بِالْأُضْحِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْإِبِلِ
إِلَّا الْإِنَاثُ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذُّكُورُ
وَالْإِنَاثُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِلَفْظِ الْإِنَاثِ بِقَوْلِهِ:
بِنْتُ مَخَاضٍ، وَبِنْتُ لَبُونٍ، وَحِقَّةٌ، وَجَذَعَةٌ، وَفِي الْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ بِلَفْظِ الْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَأَنَّهُ يَعُمُّهُمَا.
[فَصْلٌ نِصَابُ الْخَيْلِ]
فَصْلٌ (مَنْ كَانَ لَهُ خَيْلٌ سَائِمَةٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، أَوْ
إِنَاثٌ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ
قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ)
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ لِرِوَايَةِ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ
صَدَقَةٌ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]
(1/108)
وَلَا زَكَاةَ فِي الْبِغَالِ
وَالْحَمِيرِ، وَلَا فِي الْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ، وَلَا فِي
الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ (زس) إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَعَهَا كِبَارٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ
دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ فِي الرَّابِطَةِ شَيْءٌ» رَوَاهُ جَابِرٌ.
وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ: أَنْ خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ
دِينَارًا أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ. وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ
السَّوَائِمِ. وَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ:
إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَرَسَ الْغَازِي. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا شَيْءَ فِي الْإِنَاثِ الْخُلَّصِ لِعَدَمِ
النَّمَاءِ وَالتَّوَالُدِ، وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ
بِاسْتِعَارَةِ الْفَحْلِ ; وَعَنْهُ فِي الذُّكُورِ رِوَايَتَانِ،
الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا نَمَاءَ بِالْوِلَادَةِ وَلَا
بِالسِّمَنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا ; وَوَجْهُ
رِوَايَةِ الْوُجُوبِ أَنَّ زَكَاةَ السَّوَائِمِ لَا تَخْتَلِفُ
بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ; وَالْفَرْقُ
أَنَّ النَّمَاءَ يَحْصُلُ فِيهِمَا بِزِيَادَةِ اللَّحْمِ وَهُوَ
مَقْصُودٌ، بِخِلَافِ الْخَيْلِ لِمَا مَرَّ. قَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي
الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
سُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ: «لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيَّ فِيهَا شيء إِلَّا
الْآيَةُ الْجَامِعَةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}
[الزلزلة: 7] » .
قَالَ: (وَلَا فِي الْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنِ
اشْتِرَاطِ السَّوْمِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ،
وَلِأَنَّ النَّمَاءَ مُنْعَدِمٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَئُونَةَ تَتَضَاعَفُ
بِالْعَلْفِ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى، وَالسَّبَبُ الْمَالُ
النَّامِي.
قَالَ: (وَلَا فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ) وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ: فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا. وَقَالَ زُفَرُ: فِيهَا مَا فِي
الْكِبَارِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي
خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ» وَقَوْلَهُ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ»
اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ:
أَنَّ فِي إِيجَارِ الْمُسِنَّةِ إِجْحَافًا بِالْمَالِكِ، وَفِي عَدَمِ
الْوُجُوبِ أَصْلًا إِضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ، فَيَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا
كَالْمَهَازِيلِ. وَلَهُمَا حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ أَنَّهُ قَالَ:
«أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " فِي عَهْدِي أَنْ لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ
اللَّبَنِ شَيْئًا» وَلِأَنَّ النُّصُبَ لَا تُنْصَبُ إِلَّا تَوْقِيفًا
أَوِ اتِّفَاقًا وَقَدْ عُدِمَا فِي الصِّغَارِ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ
أَوْجَبَ أَسْنَانًا مُرَتَّبَةً فِي نُصُبٍ مَرْتَبَةٍ، وَلَا مَدْخَلَ
لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الصِّغَارِ تِلْكَ الْأَسْنَانُ.
قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كِبَارٌ) وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً
لِأَنَّهَا تَسْتَتْبِعُ الصِّغَارَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عُدَّ عَلَيْهِمُ السَّخْلَةَ، وَلَوْ جَاءَ بِهَا
الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ. ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَرْبَعِينَ
حَمَلًا حَمَلٌ، وَفِي مِائَةٍ وَأَحَدٍ وَعِشْرِينَ اثْنَانِ، وَفِي
مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ، ثُمَّ
فِي كُلِّ مِائَةٍ وَاحِدَةٌ كَالْكِبَارِ. وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ عِجْلًا
عِجْلٌ، فَفِي الثَّلَاثِينَ وَاحِدٌ، وَفِي السِتِّينَ اثْنَانِ، وَفِي
تِسْعِينَ ثَلَاثَةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ وَهَكَذَا
(1/109)
وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ
إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ نَصِيبُ كُلِّ شَرِيكٍ نِصَابًا وَمَنْ وَجَبَ
عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ أُخِذَ مِنْهُ أَعْلَى مِنْهُ
وَرُدَّ الْفَضْلُ، أَوْ أَدْنَى مِنْهُ وَأُخِذَ الْفَضْلُ.
بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَجِبُ فِي مَضْرُوبِهِمَا
وَتِبْرِهِمَا وَحُلِيِّهِمَا وَآنِيَتِهِمَا نَوَى التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ
يَنْوِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ نِصَابًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَمَّا الْفُصْلَانُ ; فَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إِلَى خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ فَتَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى
تَبْلُغَ عَدَدًا لَوْ كَانَتْ كِبَارًا يَجِبُ ثِنْتَانِ وَهُوَ سِتَّةٌ
وَسَبْعُونَ فَيَكُونُ فِيهَا فَصِيلَانِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى
تَبْلُغَ عَدَدًا لَوْ كَانَتْ كِبَارًا يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةٌ وَهِيَ
مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ فَيَجِبُ ثَلَاثُ فُصْلَانٍ وَهَكَذَا.
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ
شَاةٍ وَمِنْ خُمْسِ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَقَلُّ مِنْ شَاتَيْنِ
وَخُمْسِ فَصِيلٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمْسُ
فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشْرِ خُمْسَا فَصِيلٍ وَهَكَذَا ; وَصُورَةُ
الْمَسْأَلَةِ لِرَجُلٍ لَهُ نِصَابٌ مِنَ السَّائِمَةِ مَضَى عَلَيْهَا
بَعْضُ السَّنَةِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتِ الْأُمَّهَاتُ فَحَالَ
الْحَوْلُ عَلَى الْأَولاد، فَعِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ
وَالزَّكَاةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ لَا يَنْقَطِعُ.
قَالَ: (وَلَا فِي السَّائِمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ
نَصِيبُ كَلِّ شَرِيكٍ نِصَابًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «إِذَا انْتَقَصَ شِيَاهُ الرَّجُلِ مِنْ أَرْبَعِينَ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا» وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ
الْغِنَى وَلَا غِنَى إِلَّا بِالْمِلْكِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا
بِمِلْكِ شَرِيكِهِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ شَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ
وَالْعُقُودِ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ
أَوْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ
كَانَ بَيْنَهُمَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ ثَمَانُونَ شَاةً فَعَلَى
كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَ صَبِيٍّ وَبَالِغٍ
فَعَلَى الْبَالِغِ شَاةٌ.
قَالَ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ أُخِذَ
مِنْهُ أَعْلَى مِنْهُ وَرُدَّ الْفَضْلُ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ وَأُخِذَ
الْفَضْلُ) وَهَذَا يُبْنَى عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الْقِيمَةِ، ثُمَّ
الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْمَالِ هُوَ الصَّحِيحُ، إِنْ شَاءَ أَدَّى
الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى النَّاقِصَ وَفَضْلَ الْقِيمَةِ أَوِ
الزَّائِدَ وَأَخَذَ الْفَضْلَ، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْبَى شَيْئًا
مِنْ ذَلِكَ إِذَا أَدَّاهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ التَّيْسِيرَ عَلَى
أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ مُرَاعًى.
[بَابُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]
ِ (وَتَجِبُ فِي مَضْرُوبِهِمَا وَتِبْرِهِمَا وَحُلِيِّهِمَا
وَآنِيَتِهِمَا نَوَى التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ
نِصَابًا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34] الْآيَةَ. عَلَّقَ
الْوُجُوبَ بِاسْمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي
جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَنْزِ عَدَمُ إِخْرَاجِ
الزَّكَاةِ
(1/110)
وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ
بِالْقِيمَةِ (سم) ، وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَفِيهَا
نِصْفُ مِثْقَالٍ، ثُّمَ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ (سم)
. وَنِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ،
ثُمَّ فِي كُلِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -:
«كُلُّ مَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا،
وَمَا أُدِّيَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا»
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كُنْتُ
أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنَ الذَّهَبِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَكَنْزٌ هِيَ؟ فَقَالَ: " إِنْ أَدَّيْتِ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ»
فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَالَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
«وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
امْرَأَتَيْنِ عَلَيْهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "
أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ "
قَالَتَا: لَا، قَالَ: " فَأَدِّيَا زَكَاتَهُمَا» أَلْحَقَ الْوَعِيدَ
الشَّدِيدَ بِتَرْكِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ.
قَالَ: (وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ
فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَالزَّكَاةُ تَعَلَّقَتْ
بِهِمَا بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ فَيُضَمُّ نَظَرًا
لِلْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ السَّوَائِمِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعَلَّقَتْ
بِهَا بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَالصُّورَةِ، وَهِيَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ
; ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ
(بِالْقِيمَةِ) وَعِنْدَهُمَا بِالْأَجْزَاءِ. وَصُورَتُهُ مَنْ لَهُ
عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ وَإِنَاءُ فِضَّةٍ أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ
دِرْهَمٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ مَثَاقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ
خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا الْقَدْرُ لِأَنَّهُ
الْمَنْصُوصُ عَلَيْه. وَلَهُ أَنَّ الضَّمَّ بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ،
وَالْمُجَانَسَةُ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا تَمَّتِ الْقِيمَةُ نِصَابًا مِنْ
أَحَدِهِمَا وُجِدَ السَّبَبُ.
قَالَ: (وَنِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَفِيهِ نِصْفُ
مِثْقَالٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَا عَلِيُّ
لَيْسَ عَلَيْكَ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ
مِثْقَالًا، فَإِذَا بَلَغَ فَفِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ» .
قَالَ: (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ قِيرَاطَانِ وَنِصَابُ
الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) لِقَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:
«لَيْسَ فِي الرِّقَةِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ،
فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» .
قَالَ: (ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ مِنْهُمَا
فَالزَّكَاةُ بِحِسَابِهِ، حَتَّى يَجِبَ عِنْدَهُمَا فِي الدِّرْهَمِ
الزَّائِدِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ
دِرْهَمٍ، وَكَذَلِكَ الْقِيرَاطُ الزَّائِدُ عَلَى الْعِشْرِينَ
دِينَارًا، بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ»
رَوَاهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ
دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ» وَلَمْ يُرِدْ
بِهِ الِابْتِدَاءَ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَا بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ،
وَلِأَنَّهُ نِصَابٌ لَهُ عَفْوٌ فِي الِابْتِدَاءِ، فَكَذَا فِي
الِانْتِهَاءِ كَالسَّائِمَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْحَرَجِ
بِحِسَابِ رُبُعُ عُشْرِ الذُّرَةِ وَالْحَبَّةِ وَالدَّانِقِ
وَالدِّرْهَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ.
(1/111)
وَتُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْغَلَبَةُ، فَإِنْ
كَانَتْ لِلْغِشِّ فَهِيَ عُرُوضٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْفِضَّةِ فَهِيَ
فِضَّةُ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ كُلُّ
عَشَرَةٍ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، وَتَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ أَحَدِ
النَّقْدَيْنِ وَتُضَمَّ قِيمَتُهَا إِلَيْهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَتُعْتَبَرُ فِيهِمَا الْغَلَبَةُ، فَإِنْ كَانَتْ لِلْغِشِّ
فَهِيَ عُرُوضٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْفِضَّةِ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَكَذَلِكَ
الذَّهَبُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْطَبِعُ إِلَّا بِقَلِيلِ الْغِشِّ،
فَلَا يَخْلُو مِنْهُ وَيَخْلُو عَنْ كَثِيرِهِ، فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ
الْغَلَبَةَ، وَذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ، فَيَجِبُ فِي
الزُّيُوفِ وَالْنبَهْرَجَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عليهما الفضة ولا تجب في
الستوقة لأن الغالب عَلَيْهَا الْغِشُّ إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَا فِيهَا
مِنَ الْفِضَّةِ نِصَابًا أَوْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، وَتَبْلُغَ
قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَتَجِبَ حِينَئِذٍ وَإِنْ تَسَاوَيَا لَا
تَجِبْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي
السَّبَبِ وَهُوَ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى مَا
يَأْتِي فِي الصَّرْفِ، وَنَظَرًا لِلْمَالِكِ كَمَا فِي السَّوْمِ،
وَسَقْيِ الْأَرَاضِي سَيْحًا وَدَالِيَةً عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَالْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ كُلُّ عَشَرَةٍ وَزْنُ سَبْعَةِ
مَثَاقِيلَ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ
مُخْتَلِفَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -. وَاعْتَبَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْضَهَا
اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَبَعْضَهَا عَشَرَةَ قَرَارِيطَ، وَبَعْضَهَا
عِشْرِينَ قِيرَاطًا، وَكَانَ النَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ،
فَشَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: خُذْ مَنْ كُلِّ نَوْعٍ، فَأَخَذَ مِنْ كَلِّ دِرْهَمٍ
ثُلُثَهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَجَعَلَهُ دِرْهَمًا،
فَجَاءَتِ الْعَشَرَةُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا، وَذَلِكَ سَبْعَةُ
مَثَاقِيلَ؛ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا.
قَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ،
وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَتُضَمُّ
قِيمَتُهَا إِلَيْهِمَا) لِأَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي مَالٍ
نَامٍ زَائِدٍ عَلَى الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالنَّمَاءُ يَكُونُ
إِمَّا بِإِعْدَادِ اللَّهِ تَعَالَى كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّهُ
تَعَالَى أَعَدَّهُمَا لِلنَّمَاءِ حَيْثُ خَلَقَهُمَا ثَمَنَ الْأَشْيَاءِ
فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِمَا
وَالْمُعَامَلَةِ بِهِمَا إِلَى التَّقْوِيمِ وَالِاسْتِبْدَالِ،
وَتَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهِ كَيْفَ كَانَ أَوْ يَكُونُ مُعَدًّا
بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ، وَهُوَ إِمَّا الْإِسَامَةُ أَوْ نِيَّةُ
التِّجَارَةِ، فَيَتَحَقَّقُ النَّمَاءُ ظَاهِرًا أَوْ غَالِبًا، وَلَيْسَ
فِي الْعُرُوضِ نِصَابٌ مُقَدَّرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ
بِذَلِكَ فَيُرْجَعُ إِلَى الْقِيمَةِ، وَإِذَا قُوِّمَتْ بِأَحَدِ
النَّقْدَيْنِ صَارَ الْمُعْتَبَرُ الْقِيمَةَ فَتُضَمُّ إِلَى
التَّقْدِيرِ لِمَا مَرَّ وَتُقَوَّمُ بِأَيِّ النَّقْدَيْنِ شَاءَ؛
لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَالتَّقْوِيمُ يُعَرِّفُ
الْمَالِيَّةَ، وَالنَّقْدَانِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَيُخَيَّرُ. وَعَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ: يَقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُوَ
أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا نَظَرًا لَهُمْ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: بِغَالِبِ
نَقْدِ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1/112)
بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ مَا
سَقَتْهُ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا فَفِيهِ الْعُشْرُ (سم) قَلَّ
أَوْ كَثُرَ، إِلَّا الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ وَالْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ،
وَمَا سُقِيَ بِالدُّولَابِ وَالدَّالِيَةِ فَنِصْفُ الْعُشْرِ، وَلَا
شَيْءَ فِي التِّبْنِ وَالسَّعَفِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[بَابُ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ]
ِ (مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا فَفِيهِ الْعُشْرُ قَلَّ
أَوْ كَثُرَ) وَيَسْتَوِي فِيهِ مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى، وَقَالَا:
لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إِلَّا فِيمَا يَبْقَى إِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ
أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا، فَلَا يَجِبُ فِي الْبُقُولِ
وَالرَّيَاحِينِ، لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ فِي الْخُضْرَاوَاتِ عُشْرٌ»
وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ نِصَابٌ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى
كَسَائِرِ الصَّدَقَاتِ، وَلَهُ قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}
[البقرة: 267] . وَلَا وَاجِبَ فِيهِ إِلَّا الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ،
فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْعُشْرَ، وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ
وَالْكَثِيرِ، وَمَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ.
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا سَقَتْهُ
السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ الْعُشْرَ مَئُونَةُ الْأَرْضِ
كَالْخَرَاجِ، وَالْخَرَاجُ يَجِبُ بِمُطْلَقِ الْخَارِجِ فَكَذَا
الْعُشْرُ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّكَاةِ، فَإِنَّ
الصَّدَقَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إِلَيْهَا، وَكَانُوا
يَتَعَامَلُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَكَانَ قِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعِينَ
دِرْهَمًا، فَيَكُونُ قِيمَةُ الْخَمْسَةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ،
وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ: أَيْ يَأْخُذُهَا
الْعَاشِرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ يَدْفَعُهَا الْمَالِكُ
إِلَى الْفُقَرَاءِ ; وَقَوْلُهُمَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ لِلْغِنَى
قُلْنَا لَا اعْتِبَارَ بِالْمَالِكِ حَتَّى يَجِبَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ
وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ وَصْفُهُ ; وَكَذَا لَا
يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ لِأَنَّهُ لِتُحَقِّقِ النَّمَاءِ وَكُلُّهُ نَمَاءٌ.
قَالَ: (إِلَّا الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ وَالْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ)
لِأَنَّهَا تُنَقَّى مِنَ الْأَرْضِ، حَتَّى لَوِ اتَّخَذَ أَرْضَهُ
مَقْصَبَةً أَوْ مَشْجَرَةً لِلْحَطَبِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَالْقُنْبُ
كَالْحَشِيشِ.
قَالَ: (وَمَا سُقِيَ بِالدُّولَابِ وَالدَّالِيَةِ فَنِصْفُ الْعُشْرِ)
لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا سَقَتْهُ
السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغرب أو دالِيَةِ فَنِصْفُ
الْعُشْرِ» وَلِأَنَّ الْمَئُونَةَ تَكْثُرُ، وَلَهُ أَثَرٌ فِي
التَّخْفِيفِ كَالسَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ، وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا
وَبِدَالِيَةٍ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا يَجِبُ
نِصْفُ الْعُشْرِ نَظَرًا لِلْمَالِكِ كَالسَّائِمَةِ.
قَالَ: (وَلَا شَيْءَ فِي التِّبْنِ وَالسَّعَفِ)
(1/113)
وَلَا تُحْسَبُ مَؤُونَتُهُ وَالْخَرْجُ
عَلَيْهِ. وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إِذَا أُخِذَ مِنْ
أَرْضِ الْعُشْرِ، وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إِذَا اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ
صَارَتْ خَرَاجِيَّةً (سم) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُمَا لَا يُقْصَدَانِ، وَكَذَلِكَ بَذْرُ الْبِطِّيخِ
وَالْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّمَرَةُ دُونَ
الْبَذْرِ. قَالَ: (وَلَا تُحْسَبُ مَئُونَتُهُ وَالْخَرْجُ عَلَيْهِ)
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْجَبَ فِيهِ الْعُشْرَ
فَيَتَنَاوَلُ عُشْرَ الْجَمِيعِ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - خَفَّفَ الْوَاجِبَ مَرَّةً بِاعْتِبَارِ الْمَئُونَةِ مِنَ
الْعُشْرِ إِلَى نِصْفِهِ فَلَا يُخَفَّفُ ثَانِيًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا يُوَسَّقُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ
يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ
أَدْنَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ؛ لِأَنَّهُ
لَا نَصَّ فِيهِمَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَصْبِ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ،
فَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا فِي عُرُوضِ
التِّجَارَةِ، وَاعْتَبَرْنَا بِالْأَدْنَى نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَمْثَالِ أَعْلَى
مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ وَجَبَ الْعُشْرُ، فَفِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ
أَحْمَالٍ، كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةٍ مَنٍّ، وَيُرْوَى ثَلَاثُمِائَةٍ
وَعِشْرُونَ مَنًّا، وَفِي الزَّعْفَرَانِ وَالسُّكَّرِ خَمْسَةُ
أَمْنَانٍ، كَمَا اعْتُبِرَ فِي الْمَنْصُوصِ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ
وَهُوَ الْوَسْقُ، فَكَانَ مَعْنًى جَامِعًا فَصَحَّ الْقِيَاسُ.
وَوَقْتُ الْوُجُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ،
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِنْدَ الْإِدْرَاكِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إِذَا
حَصَلَ فِي الْحَظِيرَةِ ; وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إِذَا
اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ يُضَمَّنُ الْعُشْرَ وَقَبْلَهُ لَا،
وَعِنْدَهُمَا فِي هَذَا وَفِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ.
قَالَ: (وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إِذَا أُخِذَ مِنْ
أَرْضِ الْعُشْرِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ»
. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الْعُشْرُ فِي الْعَسَلِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ لَيْسَ
فِيهِ اخْتِلَافٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا بَلَغَ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ
فَفِيهِ رَطْلٌ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الزَّكَاةِ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ.
وَفَسَّرَهُ الْقُدُورِيُّ بِقِيمَةِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِأَنَّهُ لَا
يُكَالُ، فَاعْتَبَرَ الْقِيمَةَ عَلَى أَصْلِهِ ; وَعَنْهُ أَيْضًا عَشْرُ
قِرَبٍ، كَذَا أَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِيَ
سَيَّارَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: خَمْسُ قِرَبٍ ; وَفِي رِوَايَةٍ: خَمْسَةُ
أَفْرَاقٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ كَمَا مَرَّ
مِنْ أَصْلِهِ ; وَالْفِرْقُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا، وَلَا شَيْءَ
فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْعُشْرُ
وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ: (وَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إِذَا اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ صَارَتْ
خَرَاجِيَّةً) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
وَالْحَسَنِ: عَلَيْهِ عُشْرَانِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عُشْرٌ وَاحِدٌ
لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ
كَالْخَرَاجِ. ثُمَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَمَاعَةَ: يُوضَعُ مَوْضِعَ
الْخَرَاجِ. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ السِّيَرِ: مَوْضِعَ الصَّدَقَاتِ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَا يَجِبُ أَخْذُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ يُضَاعَفُ
عَلَى الذِّمِّيِّ كَمَا إِذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ ; وَيُوضَعُ
مَوْضِعَ الْخَرَاجِ كَالتَّغْلِبِيِّ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
الْأَرَاضِيَ النَّامِيَةَ لَا تَخْلُو مِنَ الْعُشْرِ أَوِ الْخَراجِ،
وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعُشْرِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ،
(1/114)
وَالْخَرَاجِيَّةُ لَا تَصِيرُ عُشْرِيَّةً
أَصْلًا، وَلَا شَيْءَ فِيمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ (س)
كَالْلُؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ وَالْمَرْجَانِ، وَلَا فِيمَا يُوجَدُ فِي
الْجِبَالِ كَالْجِصِّ وَالنَّوْرَةِ وَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ
وَالزُّمُرُّدِ.
بَابُ الْعَاشِرِ وَهُوَ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ
لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنَ التُّجَّارِ مِمَّا يَمُرُّونَ عَلَيْهِ ;
فَيَأْخُذُ مِنَ الْمُسْلِمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]
وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ بِهِ فَيُوضَعُ عَلَيْهِ ; وَإِنِ اشْتَرَاهَا
تَغْلِبِيٌّ فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّهُمْ صُولِحُوا
عَلَى أَنْ يُضَاعَفَ عَلَيْهِمْ جَمِيعُ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ النَّصَارَى كَانُوا قَرِيبًا مِنْ بِلَادِ
الرُّومِ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، فَأَبَوْا
وَقَالُوا: إِنْ وَضَعْتَ عَلَيْنَا الْجِزْيَةَ لَحِقْنَا بِأَعْدَائِكَ
مِنَ الرُّومِ، وَإِنْ أَخَذْتَ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ
بَعْضٍ وَتَضَعُهُ عَلَيْنَا فَافْعَلْ، فَشَاوَرَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ
فَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا
مَا شِئْتُمْ.
قَالَ: (وَالْخَرَاجِيَّةُ لَا تَصِيرُ عُشْرِيَّةً أَصْلًا) لِأَنَّهَا
وَظِيفَةُ الْأَرْضِ، وَالْكُلُّ أَهْلٌ لِلْخَرَاجِ الْمُسْلِمُ
وَالذِّمِّيُّ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّغْيِيرِ.
قَالَ: (وَلَا شَيْءَ فِيمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ كَاللُّؤْلُؤِ
وَالْعَنْبَرِ وَالْمَرْجَانِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْكُفَّارِ
لِيَكُونَ غَنِيمَةً، وَلِهَذَا لَوِ اسْتُخْرِجَ مِنْهُ الذَّهَبُ
وَالْفِضَّةُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِيهِ الْخُمْسُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ
الْخُمْسَ مِنَ الْعَنْبَرِ. وَاللُّؤْلُؤُ أَشْرَفُ مَا يُوجَدُ فِي
الْبَحْرِ، فَيُعْتَبَرُ بِأَشْرَفَ مَا يُوجَدُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ
الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ. ثُمَّ قِيلَ اللُّؤْلُؤُ مَطَرُ الرَّبِيعِ يَقَعُ
فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا.
وَقِيلَ: الصُّدَفُ حَيَوَانٌ يُخْلَقُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ. وَأَمَّا
الْعَنْبَرُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ حَشِيشُ الْبَحْرِ يَأْكُلُهُ
السَّمَكُ ; وَقِيلَ شَجَرَةٌ تَنْكَسِرُ فَيُلْقِيهَا الْمَوْجُ فِي
السَّاحِلِ ; وَقِيلَ: خِثْيُ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ فِي
الْأَشْجَارِ، وَالْأَخْثَاءُ شَيْءٌ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ
الْعَنْبَرِ ; فَقَالَ: هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ وَلَا خُمْسَ
فِيهِ.
قَالَ: (وَلَا فِيمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ كَالْجِصِّ وَالنَّوْرَةِ
وَالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالزُّمُرُّدِ) لِأَنَّهُ مِنَ الْأَرْضِ
كَالتُّرَابِ وَالْأَحْجَارِ، وَالْفُصُوصُ: أَحْجَارٌ مُضِيئَةٌ.
[بَابُ الْعَاشِرِ]
ِ (وَهُوَ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ
الصَّدَقَاتِ مِنَ التُّجَّارِ مِمَّا يَمُرُّونَ عَلَيْهِ) عِنْدَ
اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ، وَتَأْمَنُ التُّجَّارُ بِمُقَامِهِ
مِنْ شَرِّ اللُّصُوصِ.
(فَيَأْخُذُ مِنَ الْمُسْلِمِ
(1/115)
رُبُعَ الْعُشْرِ. وَمِنَ الذِّمِّيِّ
نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنَ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ. فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ
الْحَوْلِ أَوِ الْفَرَاغَ مِنَ الدَّيْنِ، أَوْ قَالَ: أَدَّيْتُ إِلَى
عَاشِرٍ آخَرَ أَوْ إِلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ وَحَلَفَ صُدِّقَ.
وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يُصَدَّقُ إِلَّا
فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَيُعَشِّرُ قِيمَةَ الْخَمْرِ دُونَ
الْخِنْزِيرِ (س ز) :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنَ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنَ
الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ) فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا
أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِثْلَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا نَصَبَ الْعُشَّارَ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا
مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْمُسْلِمُ رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِمَّا يَمُرُّ بِهِ
الذِّمِّيُّ نِصْفَ الْعُشْرِ. قَالُوا: فَمِنَ الْحَرْبِيِّ ; قَالَ:
مِثْلَ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا، فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ، وَذَلِكَ
بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا
مِنَّا لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُمْ لِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمُسَامَحَةِ
وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَإِنْ أَخَذُوا الْكُلَّ أَخَذْنَا إِلَّا
قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إِلَى مَأْمَنِهِ ; وَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ
لِأَنَّهُ غدْرٌ، وَإِنْ أَخَذُوا مِنَّا الْقَلِيلَ أَخْذَنَا مِنْهُمْ
كَذَلِكَ. وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّ
الْقَلِيلَ عَفْوٌ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حِمَايَةٍ.
قَالَ: (فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوَلِ أَوِ الْفَرَاغَ مِنَ
الدَّيْنِ، أَوْ قَالَ: أَدَّيْتُ إِلَى عَاشِرٍ آخَرَ أَوْ إِلَى
الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ وَحَلَفَ صُدِّقَ) مَعْنَاهُ إِذَا كَانَ
عَاشِرٌ آخَرُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَا يُصَدَّقُ لِظُهُورِ
كَذِبِهِ، وَكَذَا فِي السَّوَائِمِ إِلَّا فِي دَفْعِهِ إِلَى
الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ
أَمِينٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ. وَعَنْ أَبِي
يُوسُفَ لَا يَحْلِفُ كَمَا إِذَا قَالَ: صُمْتُ أَوْ صَلَّيْتُ. قُلْنَا:
السَّاعِي هُنَا يُكَذِّبُهُ وَلَا مُكَذِّبَ ثَمَّ، وَكَذَا إِذَا قَالَ
هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِي أَوْ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ وَحَلَفَ صُدِّقَ.
وَيُشْتَرَطُ إِخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لِأَنَّهَا
عَلَامَةٌ لِصِدْقِ دَعْوَاهُ، قُلْنَا الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ
يَكُنْ عَلَامَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ السَّائِمَةِ فِي
الْأَدَاءِ إِلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ إِلَى
الْإِمَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا بِنَفْسِهِ، وَسَائِرُ
الْأَمْوَالِ يُخْرِجُهَا بِنَفْسِهِ.
(وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ
دَارِنَا، وَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَأَحْكَامِهَا.
قَالَ: (وَالْحَرْبِيُّ لَا يُصَدَّقُ إِلَّا فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ)
لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْحِمَايَةِ، وَجَمِيعُ مَا مَعَهُ يَحْتَاجُ
إِلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْحَوْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا
نُمَكِّنَهُ مِنَ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا سَنَةً ; وَأَمَّا الدَّيْنُ
فَلَا مُطَالِبَ لَهُ فِي دَارِنَا، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ،
يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إِنَّمَا دَخَلَ دَارَنَا
بِالْمَالِ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يُصَدَّقُ فِي أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ وَالْغُلَامُ يَقُولُ هُوَ وَلَدِي؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ
صَادِقًا، وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ لِلْأَمَةِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ
وَلِلْوَلَدِ حَقِيقَتُهَا، فَتَنْعَدِمُ الْمَالِيَّةُ فِي حَقِّهِمَا،
وَلَوْ عُشِّرَ الْحَرْبِيُّ ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ
يُعَشِّرْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ تَحَرُّزًا عَنِ الِاسْتِئْصَالِ إِلَّا أَنْ
يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ يَخْرُجُ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ
يَوْمِهِ لِأَنَّهُ أَمَانٌ جَدِيدٌ، وَكَذَا إِذَا حَالَ الْحَوْلُ
لِتَجَدُّدِ الْأَمَانِ لِمَا مَرَّ.
قَالَ: (وَيُعَشَّرُ قِيمَةُ الْخَمْرِ دُونَ الْخِنْزِيرِ) وَقَالَ
زُفَرُ: يُعَشِّرُهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كَذَلِكَ إِنْ مُرَّ بِهِمَا جُمْلَةً كَأَنَّهُ
جَعَلَ الْخِنْزِيرَ
(1/116)
بَابُ الْمَعْدِنِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ
وَجَدَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ
نُحَاسٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ، فَخُمْسُهُ فَيْءٌ وَالْبَاقِي
لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ (سم) ، وَكَذَلِكَ
لَوْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ ; وَإِنْ وَجَدَهُ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ فَهُوَ فَيْءٌ ; وَمَنْ وَجَدَ كَنْزًا فِيهِ عَلَامَةُ
الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لُقَطَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَلَامَةُ الشِّرْكِ
فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَفِيهِ الْخُمْسُ،
وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
تَبَعًا لِلْخَمْرِ، وَإِنِ انْفَرَدَا عُشِّرَ الْخَمْرُ دُونَ
الْخِنْزِيرِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْأَخْذَ
بِسَبَبِ الْحِمَايَةِ، وَالْمُسْلِمُ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ خَمْرَهُ
لِلتَّخْلِيلِ فَيَحْمِيَ خَمْرَ غَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْخِنْزِيرُ،
وَلِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَحُكْمُ قِيمَتِهِ
حُكْمُهُ، وَالْخَمْرُ مِثْلِيٌّ فَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْقِيمَةِ
حُكْمَهَا.
وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا
الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا ; وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي الْخِنْزِيرِ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْمَعْدِنِ]
ِ (مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَجَدَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ
حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ
فَخُمْسُهُ فَيْءٌ وَالْبَاقِي لَهُ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» وَالرِّكَازُ يَتَنَاوَلُ
الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ؛ لِأَنَّ الركاز عِبَارَةٌ عَمَّا يَغِيبُ فِي
الْأَرْضِ وَأُخْفِيَ فِيهَا، وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْكَنْزِ
وَالْمَعْدِنِ، وَلِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَقَدْ
غَلَبْنَا عَلَيْهَا فَتَكُونُ غَنِيمَةً وَفِيهَا الْخُمْسُ، وَالْوَاجِدُ
كَالْغَانِمِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ.
قَالَ: (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّهُ
مَلَكَهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَالْمَعْدِنُ مِنْ أَجْزَائِهَا.
(وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِهِ) وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ: يَجِبُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّارِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ
الدَّارَ مَلَكَهَا بِلَا مَئُونَةٍ أَصْلًا وَالْأَرْضُ يَجِبُ فِيهَا
الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فَلَمْ تَخْلُ عَنِ الْمُؤَنِ فَيَجِبُ فِي
الْمَعْدِنِ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ فِي
الدَّارِ وَالْأَرْضِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مِلْكِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ وَجَدَهُ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فَيْءٌ)
لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أَهْلِ الْغَنَائِمِ.
قَالَ: (وَمَنْ وَجَدَ كَنْزًا فِيهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ) بِأَنْ
كَانَ فِيهِ مُصْحَفٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَكْتُوبًا كَلِمَةُ
الشَّهَادَةِ أَوِ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ.
(فَهُوَ لُقَطَةٌ) لِعِلْمِنَا أَنَّهُ مِنْ وَضْعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا
يَكُونُ غَنِيمَةً.
(وَإِنْ كَانَ فِيهِ عَلَامَةُ الشِّرْكِ) كَالصَّلِيبِ وَالصَّنَمِ
وَنَحْوِهِمَا.
(فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ غَنِيمَةً فَفِيهِ الْخُمْسُ
وَالْبَاقِي لِلْوَاجِدِ) وَمَا لَا عَلَامَةَ فِيهِ قِيلَ هُوَ لُقَطَةٌ
لِتَقَادُمِ
(1/117)
وَإِنْ وَجَدَ فِي دَارِ رَجُلٍ مَالًا
مَدْفُونًا مِنْ أَمْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتِ الدَّارُ
لَهُ (س) ، وَهُوَ الْمُخْتَطُّ الَّذِي خَطَّهَا الْإِمَامُ لَهُ عِنْدَ
الْفَتْحِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الْمُخْتَطُّ فَلِأَقْصَى مَالِكٍ
يُعْرَفُ لَهَا.
بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ وَهُمُ الْفَقِيرُ وَهُوَ الَّذِي لَهُ أَدْنَى
شَيْءٍ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْعَهْدِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا دَفَنَهُ
الْكُفَّارُ، وَقِيلَ حُكْمُهُ حُكْمُ أَمْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ
الْكُنُوزَ غَالِبًا مِنَ الْكَفَرَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا وَجَدَهُ فِي
فَلَاةٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ.
(وَإِنْ وَجَدَ فِي دَارِ رَجُلٍ مَالًا مَدْفُونًا مِنْ أَمْوَالِ
الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتِ الدَّارُ لَهُ، وَهُوَ الْمُخْتَطُّ
الَّذِي خَطَّهَا الْإِمَامُ لَهُ عِنْدَ الْفَتْحِ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ لِلْوَاجِدِ، وَفِيهِ الْخُمْسُ قِيَاسًا
عَلَى الْمَوْجُودِ فِي الْمَفَازَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَظْهَرَهُ
وَحَازَهُ، وَلَمْ يُمَلِّكْهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهُ
الْكَنْزَ مَعَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا. وَلَهُمَا أَنَّ
الْمُخْتَطَّ لَهُ مِلْكُ الْأَرْضِ بِالْحِيَازَةِ، فَيَمْلِكُ ظَاهِرَهَا
وَبَاطِنَهَا، وَالْمُشْتَرِيَ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ، فَيَمْلِكُ
الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ، فَبَقِيَ الْكَنْزُ عَلَى صَاحِبِ
الْخِطَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا.
قُلْنَا: هُوَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَمَا وَرَاءَ
ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي وُسْعِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمُخْتَطُّ
فَلِوَرَثَتِهِ وَوَرَثَةُ وَرَثَتِهِ هَكَذَا. (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ
الْمُخْتَطُّ فَلِأَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ لَهَا) .
[بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ]
وهم الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ،
إِلَّا الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ
الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ، وَمَنَعَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: لَا
نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، ذَلِكَ شَيْءٌ كَانَ يُعْطِيكُمْ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلُّفًا لَكُمْ،
أَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الدِّينَ، فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى
الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفُ، وَوَافَقَهُ
عَلَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَالصَّحَابَةُ فَكَانَ إِجْمَاعًا.
قَالَ: (وَالْفَقِيرُ وَهُوَ الَّذِي لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ، وَالْمِسْكِينُ
الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ) وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:
الْفَقِيرُ: الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي يَسْأَلُ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَكْسَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ
بِالْمَسْأَلَةِ يُظْهِرُ افْتِقَارَهُ وَحَاجَتَهُ، وَالْمِسْكِينُ بِهِ
زَمَانَةٌ
(1/118)
وَالْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ يُعْطَى
بِقَدْرِ عَمَلِهِ، وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَالْحَاجِّ، وَالْمُكَاتَبُ
يُعَانُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ، وَالْمَدْيُونُ الْفَقِيرُ، وَالْمُنْقَطِعُ
عَنْ مَالِهِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَهُمْ، وَلَهُ أَنْ
يَقْتَصِرَ عَلَى أَحَدِهِمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَا يَسْأَلُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ
الْفَقِيرِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَيْهِمْ
وَالْوَصَايَا لَهُمْ دُونَ الزَّكَاةِ.
قَالَ: (وَالْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ يُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ) مَا
يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ أَوْ نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ
فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِلْفُقَرَاءِ، فَيَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي
مَالِهِمْ كَالْمُقَاتِلَةِ وَالْقَاضِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِجَارةِ
لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَيَحِلُّ لِلْغَنِيِّ دُونَ
الْهَاشِمِيِّ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَالْهَاشِمِيُّ
أَوْلَى بِالْكَرَامَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الْوَسَخِ فَلَا يُقَاسُ
عَلَيْهِ الْغَنِيُّ، وَلَوْ هَلَكَتِ الزَّكَاةُ فِي يَدِ الْعَامِلِ
سَقَطَ أَجْرُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيمَا أَخَذَ وَأَجْزَأَتْ مَنْ أَخَذَ
مِنْهُ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْإِمَامِ وَالْفُقَرَاءِ.
قَالَ: (وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَالْحَاجِّ) وَهُمُ الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ: ( {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] ) وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ: هُمْ فُقَرَاءُ الْغُزَاةِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ
عِنْدَ إِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ. وَلِمُحَمَّدٍ: أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ
بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ،
وَلِأَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا فِيهِ مِنِ امْتِثَالِ
أَوَامِرِهِ وَطَاعَتِهِ وَمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ عَدُوٌّ
لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ: (وَالْمُكَاتَبُ يُعَانُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ) وَهُوَ الْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ: ( {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ) هَكَذَا ذَكَرَهُ
الْمُفَسِّرُونَ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى مُكَاتَبٍ
هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى. وَذَكَرَ أَبُو
اللَّيْثِ: لَا يُدْفَعُ إِلَى مُكَاتَبِ غَنِيٍّ، وَإِطْلَاقُ النَّصِّ
يَقْتَضِي الْكُلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
قَالَ: (وَالْمَدْيُونُ الْفَقِيرُ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] وَإِطْلَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي
جَوَازَ الصَّرْفِ إِلَى مُطْلَقِ الْمَدْيُونِ إِلَّا أَنَّهُ قَامَ
الدَّلِيلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا
تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى
مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَمَّا عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَالْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ) وَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ
لَا يَتَوَصَّلُ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ فَكَانَ كَالْفَقِيرِ،
فَهُوَ فَقِيرٌ حَيْثُ هُوَ غَنِيٌّ حَيْثُ مَالُهُ، وَإِنْ كَانَتْ
زَوْجَتُهُ عِنْدَهُ فَلَهَا نَفَقَةُ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ حَيْثُ
مَالُهُ فَلَهَا نَفَقَةُ الْأَغْنِيَاءِ.
قَالَ: (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَهُمْ) وَلَا خِلَافَ فِيهِ.
(وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَحَدِهِمْ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ
اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِذُ لَهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَيَأْخُذُ
الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] . وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي
يَدِ السَّائِلِ» الْحَدِيثَ، وَإِضَافَتُهُ إِلَيْهِمْ بِحَرْفِ اللَّامِ
لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا لِبَيَانِ أَنَّهُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ
لَهَا، وَبِعِلَّةِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ صَارُوا مَصَارِفَ،
وَالْمَقْصُودُ هُوَ إِغْنَاءُ الْفَقِيرِ، وَسَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ.
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خُذْهَا مِنْ
أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ
الصَّرْفُ إِلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فَعُلِمَ أَنَّ
الْمُرَادَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مَعْنًى يَعُمُّ الْكُلَّ، وَذَلِكَ
حَاصِلٌ بِالدَّفْعِ إِلَى الْبَعْضِ، بِخِلَافِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ لَا
يَأْخُذُهُ صَدَقَةً بَلْ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ.
(1/119)
وَلَا يَدْفَعُهَا إِلَى ذِمِّيٍّ وَلَا
إِلَى غَنِيٍّ، وَلَا إِلَى وَلَدِ غَنِيٍّ صَغِيرٍ، وَلَا مَمْلُوكِ
غَنِيٍّ، وَلَا إِلَى مَنْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ وِلَادٍ أَعْلَى أَوْ
أَسْفَلَ، وَلَا إِلَى زَوْجَتِهِ، وَلَا إِلَى مُكَاتَبِهِ، وَلَا إِلَى
هَاشِمِيٍّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَلَا يَدْفَعُهَا إِلَى ذَمِّيٍّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أُمِرْتُ أَنْ آخُذَهَا مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ
وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ غَيْرَهَا مِنَ
الصَّدَقَاتِ كَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ كَالزَّكَاةِ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَذْكُورَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ إِلَّا أَنَّهُ خُصَّ
فِي الزَّكَاةِ بِالْحَدِيثِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ،
وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْحَرْبِيِّ، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ}
[الممتحنة: 9] الْآيَةَ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ شَيْءٍ مِنَ الْعُشْرِ إِلَى
الذِّمِّيِّ أَيْضًا كَالزَّكَاةِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَلَا إِلَى غَنِيٍّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» .
قَالَ: (وَلَا إِلَى وَلَدِ غَنِيٍّ صَغِيرٍ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا
بِغِنَى أَبِيهِ عُرْفًا حَتَّى لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ إِلَّا عَلَى
الْأَبِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغِنَى
أَبِيهِ حَتَّى تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى ابْنِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ.
قَالَ: (وَلَا مَمْلُوكِ غَنِيٍّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِمَوْلَاهُ.
قَالَ: (وَلَا إِلَى مَنْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةُ وِلَادٍ أَعْلَى أَوْ
أَسْفَلَ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ مِنَ
الْجَانِبَيْنِ، وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَهَذَا
بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمَا مِنَ
الْجَانِبَيْنِ حَتَّى لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَلَا
يَقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، فَلَا يَتِمُّ الْإِيتَاءُ الْمَشْرُوطُ فِي
الزَّكَاةِ إِلَّا بِانْقِطَاعِ مَنْفَعَةِ الْمُؤْتِي عَمَّا أَتَى
وَالْمَنَافِعُ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ.
(وَلَا إِلَى زَوْجَتِهِ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَهُمْ مُتَّصِلَةٌ،
وَيُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ زَوْجَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَوَجَدَكَ
عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] " قَالُوا: بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ لَا تَدْفَعُ إِلَى زَوْجِهَا
لِأَنَّهَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِاعْتِبَارِ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنَ
النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَلِأَنَّهُمَا أَصْلُ الْوِلَادِ، وَمَا
يَتَفَرَّعُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ يَمْنَعُ صَرْفَ الزَّكَاةِ فَكَذَا
الْأَصْلُ، وَلِهَذَا يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ مِنْ
غَيْرِ حَجْبٍ كَقَرَابَةِ الْوِلَادِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ:
تَدْفَعُ إِلَى زَوْجِهَا، «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- لِزَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنِ
التَّصَدُّقِ عَلَى زَوْجِهَا: " لَكِ أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّدَقَةِ،
وَأَجْرُ الصِّلَةِ» . قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةِ
التَّطَوُّعِ لِمَا بَيَّنَّا مِنِ اتِّصَالِ الْمَنَافِعِ بَيْنَهُمَا
وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ.
قَالَ: (وَلَا إِلَى مُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ
يَتَحَقَّقِ الْإِيتَاءُ الْمَشْرُوطُ.
قَالَ: (وَلَا إِلَى هَاشِمِيٍّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «يَا بَنِي هَاشِمٍ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
أَوْسَاخَ النَّاسِ وَعَوَّضَكُمْ عَنْهَا بِخُمْسِ الْخُمْسِ» وَهُمْ: آلُ
عَبَّاسٍ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ الْحَارِثِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِأَنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى هَاشِمِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ، وَلِأَنَّ هَؤُلَاءِ هم الْمُسْتَحِقُّونَ لِخُمْسِ
الْخُمْسِ، وَهُوَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ
الْأَقَارِبِ، فَاللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الصَّدَقَةَ عَلَى فُقَرَائِهِمْ
وَعَوَّضَهُمْ بِخُمْسِ الْخُمْسِ، فَيَخْتَصُّ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ
بِهِمْ، وَيَبْقَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْأَقَارِبِ كَالْأَجَانِبِ
(1/120)
وَلَا إِلَى مَوْلَى هَاشِمِيٍّ، وَإِنْ
أَعْطَى فَقِيرًا وَاحِدًا نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ جَازَ (ز) وَيُكْرَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَتَحِلُّ لهم الصَّدَقَة، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا سِوَى الزَّكَاةِ
مِنَ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ
وَالْعُشُورِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى
الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ
وَإِسْقَاطِ الْفَرْضِ، فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ
الْمُسْتَعْمَلِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ حَيْثُ تَحِلُّ
لِلْهَاشِمِيِّ لِأَنَّهَا لَا تُدَنَّسُ كَالْوُضُوءِ لِلتَّبَرُّدِ.
قَالَ: (وَلَا إِلَى مَوْلًى هَاشِمِيٍّ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَوْلَاهُ أَبِي رَافِعٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ
ذَلِكَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
مُحَمَّدٍ، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . وَذَكَرَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ لِلْهَاشِمِيِّ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى
الْهَاشِمِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ;
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْسَاخَ النَّاسِ غَيْرُهُمْ
هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مِثْلِهِ، فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ زَكَاةِ غَيْرِهِمْ
عَلَيْهِمْ لَا غَيْرُ. وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي عِصْمَةَ
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِبَنِي هَاشِمٍ،
وَفَقِيرُهُمْ فِيهَا كَفَقِيرِ غَيْرِهِمْ، وَوَجْهُهُ أَنْ عِوَضَهَا
وَهُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ لِإِهْمَالِ النَّاسِ
أَمْرَ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتَهَا وَإِيصَالَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا،
وَإِذَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمُ الْعِوَضُ عَادُوا إِلَى الْمُعَوَّضِ،
عَمَلًا بِمُطْلَقِ الْآيَةِ سَالِمًا عَنْ مُعَارَضَةِ أَخْذِ الْعِوَضِ،
وَكَمَا فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَصِلْ
إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هَلَكُوا جُوعًا، فَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَآتَوُا
الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ ; وَالْإِعْطَاءُ:
التَّمْلِيكُ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَبْضِ الْفَقِيرِ أَوْ نَائِبِهِ
كَالْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَمَنْ يَكُونُ الصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ قَرِيبًا
كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَكَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ لِلَّقِيطِ؛ لِأَنَّ
التَّمْلِيكَ لَا يَتِمُّ بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَا يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ
وَلَا سِقَايَةٌ وَلَا قَنْطَرَةٌ وَلَا رِبَاطٌ، وَلَا يُكَفَّنُ بِهَا
مَيِّتٌ، وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ مَيِّتٍ، وَلَا يُشْتَرَى بِهَا
رَقَبَةٌ تُعْتَقُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ ; وَلَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَ
فَقِيرٍ جَازَ، وَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ عَنِ الْفَقِيرِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا وَاحِدًا نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ جَازَ
وَيُكْرَهُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِمُقَارَنَةِ الْأَدَاءِ
الْغِنَى فَيَمْنَعُ وُقُوعُهُ زَكَاةً. وَلَنَا أَنَّ الْغِنَى
يَتَعَقَّبُ الْأَدَاءَ لِحُصُولِهِ بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ بَعْدَ
الْأَدَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ فَيُكْرَهُ كَمَنْ صَلَّى
قَرِيبًا مِنَ النَّجَاسَةِ.
وَمِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَوْ قَضَاهُ
بَقِيَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ، أَوْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ لَوْ فَرَّقَ
عَلَيْهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ النِّصَابِ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ
أَعْطَاهُ سَهْمًا مِنْ ذَلِكَ.
(1/121)
ويجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب وإن
كان صحيحا مكتسبا ولو دفعها إلى من ظنه فقيرا فكان غنيا أو هاشميا أو دفعها
في ظلمة فظهر أنه أبوه أو ابنه أجزأه (س) وَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ
مُكَاتَبَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَيُكْرَهُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ
إِلَّا إِلَى قَرَابَتِهِ أَوْ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَيَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى مَنْ يَمْلِكُ دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ
كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا) لِأَنَّهُ فَقِيرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَنِيَّ عَلَى مَرَاتِبَ ثَلَاثَةٍ: غَنِيٌّ يَحْرُمُ
عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَيَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ أَنْ
يَمْلِكَ قُوتَ يَوْمِهِ وَسَتْرَ عَوْرَتِهِ ; وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ
فِيمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «مَنْ سَأَلَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ
مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ظَهْرُ غِنًى؟
قَالَ: (أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِهِ مَا يُغَدِّيهِمْ
وَيُعَشِّيهِمْ» وَغَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَالْأَخْذُ
وَيُوجَبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةُ، وَهُوَ أَنْ
يَمْلِكَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ فَاضِلًا عَنِ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ
مِنْ غَيْرِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ كَالثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ وَالْعَقَارِ
وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ
لِغَنِيٍّ "، قِيلَ: وَمَنِ الْغَنِيُّ؟ قَالَ: " مَنْ لَهُ مِائَتَا
دِرْهَمٍ» وَغَنِيٌّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَالْأَخْذُ، وَيُوجَبُ
عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةُ، وَيُوجَبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ
الزَّكَاةِ، وَهُوَ مِلْكُ نِصَابٍ كَامِلٍ نَامٍ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ.
قَالَ: (وَلَوْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَكَانَ غَنِيًا
أَوْ هَاشِمِيًّا) أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًا.
(أَوْ دَفَعَهَا فِي ظُلْمَةٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوِ ابْنُهُ
أَجْزَأَهُ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ
خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ، فَصَارَ كَالْمَاءِ إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ نَجِسٌ
بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ.
وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ
الدَّفْعُ إِلَى مَنْ هُوَ فَقِيرٌ فِي اجْتِهَادِهِ لِأَنَّهُ لَا
يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي يَدِ
الْإِنْسَانِ مَالٌ لِغَيْرِهِ أَوْ مَغْصُوبٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ،
فَإِذَا أَعْطَاهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ أَجْزَأَهُ كَمَا إِذَا أَخْطَأَ
الْقِبْلَةَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ، وَلِحَدِيثِ «مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ: دَفَعَ أَبِي صَدَقَتَهُ إِلَى رَجُلٍ لِيُفَرِّقَهَا عَلَى
الْمَسَاكِينِ فَأَعْطَانِي، فَلَمَّا عَلِمَ أَبِي أَرَادَ أَخْذَهُ
مِنِّي فَلَمْ أُعْطِهِ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " يَا مَعْنُ، لَكَ مَا أَخَذْتَ، وَيَا
يَزِيدُ، لَكَ مَا نَوَيْتَ» .
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ لَمْ يُجْزِهِ) لِأَنَّهُ
لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ خُرُوجًا صَحِيحًا، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ
حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَلِأَنَّ لِفُقَرَاءِ بَلَدِهِ حُكْمَ الْقُرْبِ
وَالْجِوَارِ، وَقَدِ اطَّلَعُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَتَعَلَّقَتْ بِهِمْ
أَطْمَاعُهُمْ، فَكَانَ الصَّرْفُ إِلَيْهِمْ أَوْلَى.
قَالَ: (إِلَّا إِلَى قَرَابَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ مَعَ
سُقُوطِ الْفَرْضِ.
(أَوْ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ،
فَإِنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ الصَّدَقَةَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ؛
لِأَنَّ فُقَرَاءَ الْمَدِينَةِ أَحْوَجُ وَأَشْرَفُ، وَلَوْ نَقَلَ إِلَى
غَيْرِهِمْ جَازَ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ.
(1/122)
بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ
عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا
عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ
وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانُوا
كُفَّارًا لَا غَيْرُ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ،
أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]
ِ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَالِكِ لِمِقْدَارِ
النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) كَمَا بَيَّنَاهُ،
وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا لِعَدَمِ
مِلْكِهِ، وَالْإِسْلَامُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ.
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا: «إِنَّهَا طُهْرَةٌ
لِلصَّائِمِ مِنَ الرَّفَثِ» وَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُسْلِمِ،
وَالْغِنَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا
صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَفِي رِوَايَةِ: «إِنَّمَا
الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَا رَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ عَنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
«أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ
مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . وَعَنْ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ
شَعِيرٍ» .
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَدُّوا صَدَقَةَ
الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ» .
قَالَ: (عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارَ وَعَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ
وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَا غَيْرُ)
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي
عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ رَأْسِهِ فِي الذَّبِّ
وَالنُّصْرَةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَدَّوْا
عَمَّنْ تَمُونُونَ» فَيَلْزَمُهُ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ
وَمَمَالِيكِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ
الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ، وَلَا تَجِبُ عَنْ أَبَوَيْهِ
وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَزَوْجَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِعَدَمِ
الْوِلَايَةِ، وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ مَجْنُونًا فَقِيرًا يَجِبُ عَلَيْهِ
صَدَقَةُ فِطْرِهِ لِوُجُودِ الْمَئُونَةِ وَالْوَلَايَةِ، وَلَا تَجِبُ
عَنْ حَفَدَتِهِ مَعَ وُجُودِ أَبِيهِمْ، فَإِنْ عَدِمَ فَعَلَيْهِ
صَدَقَتُهُمْ وَقِيلَ لَا يَجِبُ أَصْلًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَوْ
أَخْرَجَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَهُمْ فِي عِيَالِهِ
بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً.
قَالَ: (وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقِهِ، أَوْ صَاعٌ مِنْ
شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقِهِ، أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ) أَمَّا الْبُرُّ
وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ فَلِمَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا الدَّقِيقُ
فَلِأَنَّهُ مِثْلَ الْحَبِّ بَلْ أَجْوَدُ، وَكَذَا سَوِيقُهُمَا ;
وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ: «أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» . وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي
الزَّبِيبِ نِصْفُ صَاعٍ؛
(1/123)
أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ، وَالصَّاعُ
ثَمَانِيَةُ (س) أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ، وَتَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ
مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، فَإِنْ قَدَّمَهَا جَازَ (ف) ، وَإِنْ أَخَّرَهَا
فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا، وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَدَّى عَنْهُ
وَلَيُّهُ وَعَنْ عَبْدِهِ (م) ، وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ
الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِعَجَمِهِ فَأَشْبَهَ الْحِنْطَةَ.
قَالَ: (أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ) وَقَدْ مَرَّ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ أَبُو
يُوسُفَ: الدَّقِيقُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالدَّرَاهِمُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدَّقِيقِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْغَنِيِّ
وَأَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ، وَالْأَحْوَطُ الْحِنْطَةُ لِيَخْرُجَ عَنِ
الْخِلَافِ ; وَلَا يَجُوزُ الْخُبْزُ وَالْأَقِطُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ
الْقِيمَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِمَا.
قَالَ: (وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) وَقَالَ أَبُو
يُوسُفَ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رَطْلٍ وَهُوَ صَاعُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ، نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ» . وَلَنَا مَا رَوَى
الدَّرَاقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ
وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَدَّرَ الصَّاعَ لِإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ بِثَمَانِيَةِ
أَرْطَالٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنَ
الْهَاشِمِيِّ.
قَالَ: (وَتَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) لِأَنَّهُ
يُقَالُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَالْفِطْرُ إِنَّمَا يَتَجَدَّدُ بِالْيَوْمِ
دُونَ اللَّيْلِ.
(فَإِنْ قَدَّمَهَا جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ
رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَجُوزُ.
وَرَوَى نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِذَا مَضَى نِصْفُ
رَمَضَانَ. وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ: يَجُوزُ فِي رَمَضَانَ وَلَا
يَجُوزُ قَبْلَهُ.
(وَإِنْ أَخَّرَهَا فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ
مَالِيَّةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ
كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِرَاقَةَ غَيْرُ
مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى.
(وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَدَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ وَعَنْ عَبْدِهِ)
لِأَنَّهَا مَئُونَةٌ كَالْجِنَايَةِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. وَقَالَ
مُحَمَّدٌ: لَا تَجِبُ فِي مَالِهِ كَالزَّكَاةِ، وَالْمَجْنُونُ
كَالصَّبِيِّ.
(وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى
الْمُصَلَّى) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1/124)
كِتَابُ الصَّوْمِ صَوْمُ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
عَاقِلٍ بَالِغٍ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَصَوْمُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ
وَاجِبٌ، وَمَا سِوَاهُ نَفْلٌ، وَصَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ
التَّشْرِيقِ حَرَامٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ |