الاختيار لتعليل المختار كتاب العتق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَإِذَا تَسَاوَيَا لَمْ يَجُزْ لَهَا نَقْلُهُ، وَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ
لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ فِيهِ فَيُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ فَلَا بُدَّ
فِي النُّقْلَةِ مِنَ الْوَطَنِ وَوُقُوعِ الْعَقْدِ فِيهِ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ مَسَافَةٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ
بَيْنَهُمَا مَا يُمْكِنُ الْأَبَ الِاطَّلَاعَ عَلَيْهِ وَيَبِيتُ فِي
مَنْزِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ،
وَصَارَ كَالنُّقْلَةِ مِنْ مَحَلَّةٍ إِلَى أُخْرَى فِي الْمِصْرِ
الْمُتَبَاعِدِ الْأَطْرَافِ، وَالْقَرْيَتَانِ كَالْمِصْرَيْنِ، وَكَذَا
لَوِ انْتَقَلَتْ مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى الْمِصْرِ، لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا
لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ،
وَبِالْعَكْسِ لَا، لِأَنَّ أَخْلَاقَ أَهْلِ السَّوَادِ أَجْفَى فَكَانَ
فِيهِ ضَرَرٌ بِالصَّبِيِّ فَلَا يَجُوزُ.
[كتاب العتق]
ِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقُوَّةُ، يُقَالُ: عَتَقَ الطَّائِرُ: إِذَا
قَوِيَ عَلَى الطَّيَرَانِ، وَعِتَاقُ الطَّيْرِ: كَوَاسِبُهَا
لِقُوَّتِهَا عَلَى الْكَسْبِ، وَعَتَقَتِ الْخَمْرُ: قَوِيَتْ
وَاشْتَدَّتْ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلْجَمَالِ، يُقَالُ: فَرَسٌ عَتِيقٌ: أَيْ
رَائِعٌ جَمِيلٌ، وَسُمِّيَ الصَّدِيقُ عَتِيقًا لِجَمَالِهِ،
وَيُسْتَعْمَلُ لِلْكَرَمِ، وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ: أَيِ
الْكَرِيمُ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلسَّعَةِ وَالْجَوْدَةِ، وَمِنْهُ رِزْقٌ
عَاتِقٌ: أَيْ جَيِّدٌ وَاسِعٌ.
وَفِي الشَّرْعِ: زَوَالُ الرِّقِّ عَنِ الْمَمْلُوكِ وَفِيهِ هَذِهِ
الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ فَإِنَّهُ بِالْعِتْقِ يَقْوَى عَلَى مَا لَمْ
يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ،
وَيُورِثُهُ جَمَالًا وَكَرَامَةً بَيْنَ النَّاسِ وَيَزُولُ عَنْهُ مَا
كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَجْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ فَيَتَّسِعُ رِزْقُهُ
بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ. وَالْحُرِّيَّةُ: الْخَلَاصُ،
وَالْحُرُّ: الْخَالِصُ، وَمِنْهُ طِينٌ حُرٌّ: خَالِصٌ لَا رَمْلَ فِيهِ،
وَأَرْضٌ حُرَّةٌ: خَالِصَةٌ مِنَ الْخَرَاجِ وَالنَّوَائِبِ.
وَالتَّحْرِيرُ: إِثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ الْخُلُوصُ فِي الذَّاتِ
عَنْ شَائِبَةِ الرِّقِّ.
وَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ: الضَّعْفُ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ، وَصَوْتٌ
رَقِيقٌ: أَيْ ضَعِيفٌ. وَفِي الشَّرْعِ: ضَعْفٌ مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ
الْعَجْزُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحُرُّ مِنَ الْوَلَايَاتِ
وَالشَّهَادَاتِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ
الْجُمُعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ،
وَبِالْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرِ تَثْبُتُ لَهُ الْقُوَّةُ عَلَى هَذِهِ
الْأَفْعَالِ وَتُخَلِّصُهُ عَنْ شَوَائِبِ الرِّقِّ وَالْإِذْلَالِ.
وَقَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْعِتْقُ إِسْقَاطُ الْحَقِّ
عَنِ الرِّقِّ، وَالْحُقُوقُ تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ، فَإِسْقَاطُ
الْحَقِّ عَنِ الرِّقِّ عِتْقٌ، وَعَنِ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ طَلَاقٌ،
وَعَنِ الدُّيُونِ بَرَاءَةٌ، فَإِنَّهُ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ
هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إِلَى النَّقْلِ
فَيَسْقُطُ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَعْيَانُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ
الْحَقِّ عَنْهَا، لِأَنَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ تَبْقَى غَيْرَ
مُتَنَقِّلَةً فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ.
وَهُوَ قَضِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ وَقُرْبَةٌ مَنْدُوبَةٌ. أَمَّا
شَرْعِيَّتُهَا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:
3] ، وَقَالَ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] كُلِّفْنَا
بِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، وَلَوْلَا شَرْعِيَّتُهُ لَمَا كُلِّفْنَاهُ،
إِذْ تَكْلِيفُ
(4/17)
وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ قَادِرٍ
عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ
يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ،
أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، وَأَعْتَقْتُكَ، أَوْ حَرَّرْتُكَ، وَهَذَا
مَوْلَايَ، أَوْ يَا مَوْلَايَ، أَوْ هَذِهِ مَوْلَاتِي، وَيَا حُرُّ،
وَيَا عَتِيقُ، إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ فَلَا يَعْتِقُ،
وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ
الْبَدَنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ قَبِيحٌ، وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ أَعْتَقُوا، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى
شَرْعِيَّتِهِ، وَأَمَّا النَّدْبِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُّ
رَقَبَةٍ} [البلد: 13] {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد:
14] وَالنَّدْبِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَيْضًا. وَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ
اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» «وَسَأَلَ
أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: " عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: لَئِنْ
أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ عَرَّضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ
النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ "، قَالَ: أَلَيْسَا وَاحِدًا، قَالَ: "
لَا، عِتْقُ الرَّقَبَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ
أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» .
ثُمَّ الْعِتْقُ قَدْ يَقَعُ قُرْبَةً وَمُبَاحًا وَمَعْصِيَةً، فَإِنْ
أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ فَهُوَ
قُرْبَةٌ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ أَعْتَقَهُ
لِفُلَانٍ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ
لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِالْعِتْقِ وَيُشْهِدَ
عَلَيْهِ بِهِ تَوَثُّقًا وَخَوْفًا مِنَ التَّجَاحُدِ.
(وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ قَادِرٍ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ) ،
أَمَّا الْمِلْكُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا
عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَضَافَهُ
إِلَى مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَادِرًا
عَلَى التَّبَرُّعَاتِ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.
قَالَ: (وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ يَقَعُ بِغَيْرِ
نِيَّةٍ) كَمَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ، (وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ،
أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ) وَإِنْ نَوَى بِهِ
الْخُلُوصَ وَالْقِدَمَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، لِأَنَّهُ خِلَافُ
الظَّاهِرِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، (وَ) قَوْلُهُ (أَعْتَقْتُكَ، أَوْ
حَرَّرْتُكَ) صَرِيحٌ أَيْضًا، (وَ) كَذَلِكَ (هَذَا مَوْلَايَ، أَوْ يَا
مَوْلَايَ، أَوْ هَذِهِ مَوْلَاتِي) لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي
الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ
ضَرُورَةً، وَلَوْ نَوَى النُّصْرَةَ وَالْمَحَبَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا
قَضَاءً لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ هَذَا
الْعَمَلِ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عُتِقَ
قَضَاءً لِأَنَّهُ مَتَى صَارَ حُرًّا فِي شَيْءٍ صَارَ حُرًّا فِي كُلِّ
الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ (وَيَا حُرُّ، وَيَا
عَتِيقُ) صَرِيحٌ أَيْضًا (إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ فَلَا
يَعْتِقُ) إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِنْشَاءَ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ
الْبَدَنِ) وَهُوَ كَالطَّلَاقِ فِي التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ وَالْخِلَافِ
وَالْعِلَّةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا شَائِعًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ
عُتِقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي
الْبَاقِي، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَلَوْ
قَالَ: بَعْضُكَ حُرٌّ
(4/18)
وَالْكِنَايَاتُ تَحْتَاجُ إِلَى
النِّيَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا
سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ، وَخَرَجْتَ مِنْ مِلْكِي، وَكَذَلِكَ
لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَطْلَقْتُكِ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ لَا
تَعْتِقُ وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي
عَتَقَ (سم)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ جُزْؤُكَ عُتِقَ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. وَلَوْ قَالَ: دَمُكَ حُرٌّ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: فَرْجُكِ حُرٌّ مِنَ
الْجِمَاعِ عُتِقَتْ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: فَرْجُكَ حُرٌّ يُعْتَقُ،
وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ فَرْجَ الْمَرْأَةِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ
جَمِيعِ الْبَدَنِ لَا فَرْجَ الرَّجُلِ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ»
وَالْمُرَادُ النِّسَاءُ، وَفِي الِاسْتِ وَالدُّبُرِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ
لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ، وَفِي
الْعِتْقِ رِوَايَتَانِ. وَمِمَّا يُلْحَقُ بِالصَّرِيحِ قَوْلُهُ
لِعَبْدِهِ: وَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ، أَوْ بِعْتُكَ نَفْسَكَ فَإِنَّهُ
يُعْتَقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَبِلَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، لِأَنَّ
ذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ إِلَى الْعَبْدِ فَيَزُولُ مِلْكُهُ
بِإِزَالَتِهِ صَرِيحًا، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لُغَةً، لَكِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ مِنْ حَيْثُ
إِنَّهُ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ
النَّفْسِيَّةَ دُونَ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَكُونُ
إِعْتَاقًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ:
بِعْتُ مِنْكَ نَفْسَكَ بِكَذَا افْتَقَرَ إِلَى الْقَبُولِ لِمَكَانِ
الْعِوَضِ.
(وَالْكِنَايَاتُ تَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ) لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ
الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِالنِّيَّةِ
كَمَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ، (وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي
عَلَيْكَ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ، وَخَرَجْتَ مِنْ
مِلْكِي) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ لِأَنِّي بِعْتُكَ
أَوْ وَهَبْتُكَ، وَيَحْتَمِلُ لِأَنِّي أَعْتَقْتُكَ، وَكَذَا سَائِرُهَا
فَاحْتَاجَ إِلَى النِّيَّةِ، وَكَذَا خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ، وَلَا سَبِيلَ
لِي عَلَيْكَ، لِأَنَّ نَفْيَ السَّبِيلِ يَكُونُ بِالْبَيْعِ وَيَكُونُ
بِالْكِتَابَةِ وَيَكُونُ بِالْعِتْقِ فَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا
بِالنِّيَّةِ، (وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَطْلَقْتُكِ) لِأَنَّهُ
بِمَعْنَى خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ.
(وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ لَا تُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى) وَكَذَلِكَ سَائِرُ
أَلْفَاظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ
أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَمَا يُزِيلُ الْأَقْوَى يُزِيلُ
الْأَضْعَفَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَمَّا مَا يَكُونُ مُزِيلًا
لِلْأَضْعَفِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُزِيلًا لِلْأَقْوَى، وَلِأَنَّ
الْعِتْقَ إِثْبَاتٌ لِلْقُوَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَالطَّلَاقُ
رَفْعُ الْقَيْدِ، وَبَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالرَّفْعِ تَضَادٌّ، وَلِأَنَّ
صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ مُسْتَعْمَلَةٌ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ،
وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تُنَافِي النِّكَاحَ وَلَا تُنَافِي
الْمَمْلُوكِيَّةَ فَلَا يَقَعُ كِنَايَةً عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ
لِأَمَتِهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لِعَبْدِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ لَا تُعْتَقُ
إِلَّا بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: لَا
حَقَّ لِي عَلَيْكَ يُعْتَقُ إِذَا نَوَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْحَقَّ عِبَارَةٌ عَنِ الْمِلْكِ
فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ
لِلَّهِ، أَوْ جَعَلْتُكَ خَالِصًا لِلَّهِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى
بِحُكْمِ التَّخْلِيقِ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُلُوصَ
لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْعِتْقِ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي عُتِقَ) ،
(4/19)
وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ،
وَلَوْ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَالَ:
أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إِلَّا
حُرٌّ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا عَمِّيَ أَوْ خَالِي، ثُمَّ إِنْ كَانَ
الْعَبْدُ يَصْلُحُ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ
يَثْبُتُ نَسَبُهُ أَيْضًا، لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ الدَّعْوَةِ
وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ وَيُعْتَقُ
بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ وَالِدًا فِي قَوْلِهِ هَذَا
أَبِي بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَلَا وَلَدًا فِي قَوْلِهِ: هَذَا
ابْنِي بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ، أَوْ مُقَارَنَةَ - عَتَقَ أَيْضًا
عَمَلًا بِمَجَازِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ
مَلَكَهُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِتَعَذُّرِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٌ: لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ
أَعْتَقْتُكَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِنْ
تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمَجَازِهِ،
لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ،
وَالْمُلَازَمَةُ مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ تَحَرُّزًا عَنْ إِلْغَاءِ
كَلَامِ الْعَاقِلِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ
لِلْمَجَازِ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ
تَصْدِيقُ الْعَبْدِ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ
يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ التَّصْدِيقُ فِيمَا
سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْبُنُوَّةِ حَمْلُ
النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى عَلَى الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ
بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ
مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ،
وَيُعْتَقُ عَمَلًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَجَازِ.
(وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَخُ فِي الدِّينِ عُرْفًا وَشَرْعًا، قَالَ
تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، وَرَوَى
الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَخِ
مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ، وَالْأُخُوَّةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إِلَى
النَّسَبِ.
(وَلَوْ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) فِي ظَاهِرِ
الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا
يُعْتَقُ بِالنِّدَاءِ إِلَّا بِخَمْسَةِ أَلْفَاظٍ: يَا ابْنِي، يَا
بِنْتِي، يَا عَتِيقُ، يَا حُرُّ، يَا مَوْلَايَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي
النَّوَادِرِ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِالثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ
النِّدَاءَ وُضِعَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى لَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى
النِّدَاءِ فِي الْمُنَادَى حَتَّى يُقَالَ لِلْبَصِيرِ يَا أَعْمَى،
وَلِلْأَبْيَضِ يَا أَسْوَدُ، إِلَّا فِيمَا تَعَارَفَ النَّاسُ إِثْبَاتُ
الْعِتْقِ بِهِ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ
أَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إِعْلَامًا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ
بِاسْمٍ لَهُ وَضْعًا فَجَعَلْنَاهُ لِإِثْبَاتِ مَعْنَى النِّدَاءِ فِي
الْمُنَادَى وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنِ الْإِلْغَاءِ،
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذِهِ بِنْتِي، أَوْ لِأَمَتِهِ: هَذَا ابْنِي.
عُتِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَلًا بِالْإِشَارَةِ، وَقِيلَ لَا
يُعْتَقُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ اجْتَمَعَا فِي جِنْسَيْنِ
فَكَانَتِ الْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ وَالْمُسَمَّى مَعْدُومٌ.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ هَذَا
اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ الْمُشَارَكَةُ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا
وَقَدْ وُجِدَ فَلَا يُعْتَقُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ:
يُعْتَقُ إِذَا نَوَى كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ مِثْلُ امْرَأَةِ
فُلَانٍ - وَفُلَانٌ قَدْ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ - إِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ
يَصِيرُ مُولِيًا.
(وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إِلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ هَذَا إِثْبَاتٌ
مِنَ النَّفْيِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّأْكِيدِ كَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ،
(وَلَوْ قَالَ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ
(4/20)
لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ نَوَى، وَعِتْقُ
الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ.
وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ
الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، وَالْمُكَاتَبُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ
قَرَابَةُ الْوِلَادِ لَا غَيْرُ (سم) ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ
لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ عَتَقَ وَكَانَ عَاصِيًا، وَمَنْ أَعْتَقَ
حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا مَعَهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ نَوَى) لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنِ الْيَدِ،
فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَدَ لِي عَلَيْكَ وَنَوَى لَا يَعْتِقُ،
لِأَنَّ نَفْيَ الْيَدِ الْمُفْرَدَةِ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْعِتْقِ،
(وَعِتْقُ الْمُكْرَهِ وَالسَّكْرَانِ وَاقِعٌ) لِمَا مَرَّ فِي
الطَّلَاقِ.
[فصل من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه]
فَصْلٌ (وَمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمِ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَوْ
كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ
فَهُوَ حُرٌّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: " عَتَقَ عَلَيْهِ "، فَيَنْتَظِمُ
الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالْعَاقِلَ وَالْمَجْنُونَ وَالْمُسْلِمَ
وَالْكَافِرَ عَمَلًا بِعُمُومِ كَلِمَةِ " مَنْ " وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ
بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُمُ الْأَقْرِبَاءُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ
وَالْمَجْنُونُ كَالنَّفَقَاتِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ
كُلُّ ذِي رَحِمِ مَحْرَمٍ وِلَادٌ وَغَيْرُهُ كَالْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ
وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ عَمَلًا
بِالْإِطْلَاقِ، وَذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ كُلُّ شَخْصَيْنِ يُدْلِيَانِ
إِلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ بِلَا وَاسِطَةٍ كَالْأَخَوَيْنِ. أَوْ أَحَدُهُمَا
بِوَاسِطَةٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَالْعَمِّ وَابْنِ الْأَخِ
إِلَى الْجَدِّ، وَلَا يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ ذُو رَحِمٍ غَيْرُ مَحْرَمٍ،
كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَبَنِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ،
وَلَا مَحْرَمٌ غَيْرُ ذِي رَحِمٍ كَالْمُحَرَّمَاتِ بَالصِّهْرِيَّةِ
وَالرَّضَاعِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ ضَرَرٌ إِلَّا
أَنَّا خَالَفْنَاهُ فِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِالنَّصِّ فَبَقِيَ
الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ.
قَالَ: (وَالْمُكَاتَبُ يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ قَرَابَةُ الْوِلَادِ لَا
غَيْرُ) ، وَقَالَا: يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ الْأَخُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا
عَتَقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ مُكَاتَبًا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ
كَقَرَابَةِ الْوِلَادِ. وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ نَاقِصٌ حَتَّى
لَا يَقْدِرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ. وَالْوُجُوبُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ،
وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ الْعِتْقُ فِيهِمْ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابَةِ،
فَامْتَنَعَ الْبَيْعُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْكِتَابَةِ. أَمَّا
حُرِّيَّةُ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَيْسَتْ مِنْ مَقْصُودِ الْكِتَابَةِ فَلَا
يَظْهَرُ فِيهِمَا.
قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ عَتَقَ
وَكَانَ عَاصِيًا) لِصُدُورِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إِلَى
مَحَلِّهِ عَنْ وَلَايَةٍ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ فِي
الْعِتْقِ فَيَقَعُ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ
وَيَكُونُ عَاصِيًا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْكَفَرَةِ وَعَبَدَةِ
الْأَصْنَامِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا مَعَهَا) لِأَنَّهُ
مُتَّصِلٌ بِهَا فَصَارَ كَبَعْضِ أَجْزَائِهَا، وَلَيْسَ الْقَبْضُ
وَالتَّسْلِيمُ فِيهِ شَرْطًا فَيَصِحُّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ
حَيْثُ لَا يَصِحُّ
(4/21)
وَإِنْ أَعْتَقَ حَمْلَهَا عَتَقَ
خَاصَّةً، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ
وَالتَّدْبِيرِ، وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ، وَوَلَدُ
الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ، وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ
فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَدَّيْتَ
إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ صَارَ مَأْذُونًا وَيَعْتِقُ
بِالتَّخْلِيَةِ (ز) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَلْفِ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ
قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَوِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، (وَإِنْ أَعْتَقَ
حَمْلَهَا عَتَقَ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا
لِتُعْتَقَ أَصَالَةً وَلَا تُعْتَقُ تَبَعًا لِأَنَّهَا أَصْلٌ، وَلَوْ
أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ عَتَقَ وَبَطَلَ الْمَالُ، لِأَنَّ الْمَالَ لَا
يَلْزَمُ الْحَمْلَ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَلَا
يَلْزَمُ الْأُمَّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا، ثُمَّ إِنَّمَا يُعْرَفُ
قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْعِتْقِ إِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ
سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعِتْقِ لِمَا عُرِفَ.
قَالَ: (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ
وَالتَّدْبِيرِ) لِأَنَّ جَانِبَ الْأُمِّ رَاجِحٌ اعْتِبَارًا
لِلْحَضَانَةِ، (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ
انْخَلَقَ مِنْ مَائِهِ وَقَدِ انْعَلَقَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَعْتِقُ
عَلَيْهِ.
(وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ) وَهُوَ مَا إِذَا تَزَوَّجَ
حُرٌّ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ،
فَأَوْلَادُهُ مِنْهَا أَحْرَارٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ لِمَوْلَاهَا،
عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْرُورُ
مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ عَبْدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ،
لِأَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا يُفَصِّلُ، وَقَالَ:
أَوْلَادُهُمْ أَرِقَّاءُ لِحُصُولِهِمْ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَلَا وَجْهَ
إِلَى حُرِّيَّتِهِمْ، بِخِلَافِ الْأَبِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ أَمْكَنَ
جَعْلُ الْوَلَدِ حُرًّا تَبَعًا لِأَبِيهِ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لَمْ
يَرِدْ قَوْلًا بَلْ حَكَمُوا بِذَلِكَ فِي صُورَةٍ كَانَ الْأَبُ حُرًّا
فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعَيَّرُ بِكَوْنِ
وَلَدِهِ عَبْدًا وَالْحُرُّ يُعَيَّرُ فَافْتَرَقَا.
قَالَ: (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ
الْمَالُ) ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى
أَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكَ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ
تُعْطِيَنِي أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَيَّ أَلْفًا،
وَإِنَّمَا شُرِطَ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ شَرْطِهَا
ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ فِي الْحَالِ كَالْبَيْعِ،
وَلِهَذَا قُلْنَا يَعْتِقُ إِذَا قَبِلَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ
بِالْقَبُولِ لَا بِالْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْمَالُ مَعْنَاهُ
يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ حَتَّى تَصِحَّ بِهِ الْكَفَالَةُ، وَاللَّفْظُ
بِإِطْلَاقِهِ يَنْتَظِمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَالِ: النُّقُودِ
وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ
مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ،
وَيَتَعَلَّقُ بِقَبُولِهِ فِي الْمَجْلِسِ إِنْ حَضَرَهُ وَإِنْ غَابَ
عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِإِذَا فَهُوَ
كَالتَّعْلِيقِ بِمَتَى لَا يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدْ عُرِفَ فِي
الطَّلَاقِ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَدَّيْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ
صَارَ مَأْذُونًا وَيَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَلْفِ،
وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ) ، أَمَّا صَيْرُورَتُهُ
مَأْذُونًا فَلِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ أَدَاءَ الْمَالِ
وَطَرِيقُهُ الِاكْتِسَابُ بِالتِّجَارَةِ غَالِبًا، فَقَدْ أَذِنَ لَهُ
فِي التِّجَارَةِ دَلَالَةً. وَأَمَّا جَوَازُ الْبَيْعِ قَبْلَ أَدَاءِ
الْمَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ، فَمَا
لَمْ يُؤَدِّهِ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ فَلَا يَعْتِقُ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ
فَلَهُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا عِتْقُهُ بِالتَّخْلِيَةِ فَمَذْهَبُنَا.
وَقَالَ زُفَرُ:
(4/22)
وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ
وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ (سَمِّ) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِالْأَدَاءِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا
يَعْتِقُ قَبْلَهُ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لَفْظًا مُعَاوَضَةٌ
مَقْصُودًا لِأَنَّ الْأَلْفَ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنِ الْعِتْقِ حَتَّى لَوْ
نَصَّ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ يَصِيرُ عِوَضًا، فَيَنْعَقِدُ مُعَاوَضَةً
بَيْنَ الْأَلْفِ وَالْعِتْقِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ، فَبِاعْتِبَارِ
الْمُعَاوَضَةِ يَنْزِلُ الْمَوْلَى قَابِلًا لِلْبَدَلِ مَتَى وَصَلَ
إِلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْعَبْدُ بِهِ، وَقَدْ رَضِيَ الْمَوْلَى
بِنُزُولِ الْعِتْقِ عِنْدَ وُصُولِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ، وَبِالتَّخْلِيَةِ
قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا ابْتِدَاءً عَمَلًا
بِاللَّفْظِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمَوْلَى لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْ
مِلْكِهِ وَلَا يَسْرِيَ إِلَى الْوَلَدِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مُعَاوَضَةً
عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ
بِالْأَدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ: هِبَةٌ
ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ أُجْبِرَ
الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَعْتِقُ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ أَدَّى
أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ
وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِمِثْلِهَا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا مِنْ
مَالِ الْمَوْلَى، وَإِنْ أَدَّاهَا مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ
التَّعْلِيقِ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي
الْأَدَاءِ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
[فصل من أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ
قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ) ، وَقَالَا: يَعْتِقُ كُلُّهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ
لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، فَإِضَافَةُ الْعِتْقِ إِلَى بَعْضِهِ
كَإِضَافَتِهِ إِلَى كُلِّهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ يَتَجَزَّأُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ. لَهُمَا قَوْلُهُ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي
عَبْدٍ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ» ، وَلِأَنَّ
الْإِعْتَاقَ إِثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَالْقُوَّةُ
لَا تَتَجَزَّأُ، إِذْ لَا يَكُونُ بَعْضُهُ قَوِيًّا وَبَعْضُهُ ضَعِيفًا،
أَوْ نَقُولُ: هُوَ إِزَالَةُ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ،
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنِ
الْقِصَاصِ. وَلَهُ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ
عَبْدٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُ كُلِّهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: كُلِّفَ عِتْقَ مَا
بَقِيَ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ» ،
وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ إِعْتَاقُهُ
وَلَمَا كُلِّفَ ذَلِكَ، لِأَنَّ إِعْتَاقَ الْمُعْتَقِ مُحَالٌ. وَقَالَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي
عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ
قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهَ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ
الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدَ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ، وَرَوَى سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا:
إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا
فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يَغْرُمُ
ثَمَنَهُ، ثُمَّ يَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَعَائِشَةُ تَرْفَعُهُ إِلَى
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ
إِزَالَةُ مِلْكِهِ، وَالْمُتَصَرِّفُ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا
يَدْخُلُ تَحْتَ وَلَايَتِهِ وَهُوَ إِزَالَةُ مِلْكِهِ فَيَتَقَدَّرُ
بِهِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِضَافَةِ
وَالتَّعَدِّي فِي الطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، أَمَّا
الْمِلْكُ فَلِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ،
وَيُسَمَّى إِعْتَاقًا مَجَازًا
(4/23)
وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ (سم) ،
وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ عَتَقَ، فَإِنْ كَانَ
قَادِرًا عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا عَنْ مَلْبُوسِهِ
وَقُوتِ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ، فَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ
شَاءَ دَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ،
وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَكَذَلِكَ
إِلَّا أَنَّهُ لَا يُضَمِّنُ (سم) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْعِتْقِ. فَيُحْمَلُ حَدِيثُهُمَا عَلَى ذَلِكَ
تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْبَاقِي
عَلَى الْعَبْدِ، لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْبَاقِي صَارَتْ مُحْتَبَسَةً
عِنْدَ الْعَبْدِ، وَلِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَوَجَبَ
إِخْرَاجُهُ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِمَا رَوَيْنَا، وَلَا يَلْزَمُهُ
إِزَالَتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ، وَلَهُ
أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لِمَا رَوَيْنَا كَالْمُكَاتَبِ.
قَالَ: (وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى
يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ
فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا
يَتَزَوَّجُ، وَيُفَارِقُ الْمُكَاتَبَ فِي خَصْلَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا
يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ، لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ السِّعَايَةَ
وُقُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْعَجْزِ،
وَقَالَا: هُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهِ
بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَصْلِ فِي التَّجَزُّؤِ فَهُوَ
كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ عِنْدَهُمَا، وَهَذَا كَمَا إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ
عَبْدِهِ، أَوْ أَعْتَقَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ أَوْ بَعْضُ
الْوَرَثَةِ أَوِ الْغُرَمَاءُ أَوِ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ
الثُّلُثِ.
أَمَّا الْعَبْدُ الرَّهْنُ إِذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ
وَسَعَى الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى
الرَّاهِنِ لَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ
عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا سَعَى.
قَالَ: (وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ عَتَقَ، فَإِنْ
كَانَ قَادِرًا عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا عَنْ
مَلْبُوِسِهِ وَقُوتِ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ، فَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ
أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ، وَإِنْ شَاءَ
ضَمِنَ الْمُعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ
مُعْسِرًا فَكَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ) ، وَقَالَا: لَيْسَ
لَهُ إِلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ.
وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا
الضَّمَانُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ مِنَ
الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ،
وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَصِيبَ السَّاكِتِ حَيْثُ أَعْجَزَهُ عَنِ
التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالتَّمْلِيكِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، فَإِذَا
ضَمَّنَهُ فَالْمُعْتِقُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ
بِالضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ
إِلَيْهِ بِمَا كَانَ لِشَرِيكِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي
ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَى
مِلْكِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا
أَدَّى صَارَ كَالشَّرِيكِ السَّاكِتِ، لِلسَّاكِتِ ذَلِكَ بِالسِّعَايَةِ
فَكَذَا هَذَا. وَالثَّانِي لِلسَّاكِتِ وَلَايَةُ الْإِعْتَاقِ لِمَا
تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ تَسْوِيَةً
بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، فَإِذَا أَعْتَقَ كَانَ وَلَاءُ نَصِيبِهِ
لَهُ. وَالثَّالِثُ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ لِحَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ
(4/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَهُ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌّ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ
عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ
يَأْخُذَهُ مِنَ الْعَبْدِ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِذَا اسْتَسْعَى فَوَلَاءُ
نَصِيبِهِ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ.
وَالرَّابِعُ لَهُ أَنْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ
أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ كَانَ قَابِلًا لِلتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ،
وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ نَوْعُ إِعْتَاقٍ وَالْكِتَابَةَ اسْتِسْعَاءٌ
مُنَجَّمٌ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ أَيْضًا، وَفِي حَالَةِ الْإِعْسَارِ
إِنْ شَاءَ السَّاكِتُ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوِ اسْتَسْعَى
لِمَا بَيَّنَّا، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا
عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى تَجَزُّؤِ
الْإِعْتَاقِ، فَلَمَّا كَانَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ تَفَرَّعَتْ هَذِهِ
الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عِنْدَهُمَا عَتَقَ
كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَتَعَيَّنُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ
عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَعَذَّرَ
ضَمَانُهُ فَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ مُحْتَبَسَةٌ
عِنْدَهُ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ،
وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا يُؤَدِّي بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا، لِأَنَّ
مَنْفَعَتَهُ حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى فَكَانَ
ضَمَانًا بِعِوَضٍ حَصَلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ
لَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ لَمْ
يَلْحَقْهُ شَيْءٌ. وَلَهُمَا أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ إِنْ
كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى الْعَبْدُ» قُسِمَ
وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ.
وَيُعْتَبَرُ الْإِعْسَارُ وَالْيَسَارُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، حَتَّى لَوْ
أَعْتَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَعْسَرَ لَا يَبْطُلُ التَّضْمِينُ، وَإِنْ
كَانَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ
لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِنَفْسِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَإِنِ
اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ يُحَكَّمُ الْحَالُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ
الْخُصُومَةِ وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ،
فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي
قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُقَوَّمُ
لِلْحَالِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ أَيْضًا،
وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ سَابِقًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ لَهُ
أَيْضًا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي
الْقِيمَةِ وَوَقْتِ الْإِعْتَاقِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ، وَعَلَى
هَذَا التَّفْصِيلِ لَوِ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَالسَّاكِتُ فِي الْقِيمَةِ،
وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ السَّاكِتُ شَيْئًا لَيْسَ
لَهُ إِلَّا التَّضْمِينُ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالسِّعَايَةَ فَاتَا
بِالْمَوْتِ، فَإِذَا ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى كَسْبِ الْعَبْدِ
إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ.
وَلَوْ كَانَ الْمُعَتَقُ مُعْسِرًا فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَرْجِعَ فِي
أَكْسَابِهِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَجِبُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ، وَلَوْ مَاتَ
الْمُعْتِقُ يُؤْخَذُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ الْعِتْقُ فِي
الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ فِي تَرِكَتِهِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ، لِأَنَّ ضَمَانَ التَّمْلِيكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالصِّحَّةِ
وَالْمَرَضِ، وَلَوْ مَاتَ السَّاكِتُ فَلِلْوَرَثَةِ أَحَدُ
الِاخْتِيَارَاتِ، فَإِنِ اخْتَارَ بَعْضُهُمُ الْعِتْقَ وَبَعْضُهُمُ
الضَّمَانَ فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا. أَعْتَقَ نَصِيبَهُ
وَهُوَ مُوسِرٌ وَشَرِيكُهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ إِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَلَهُ
خِيَارُ التَّضْمِينِ أَوِ السِّعَايَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا
(4/25)
وَإِذَا اشْتَرَيَا ابْنَ أَحَدِهِمَا
عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ، وَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ (سم) وَإِنْ
شَاءَ اسْتَسْعَى عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ:
أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ
أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ، وَكَذَا إِذَا اسْتَوْلَدَ
إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ
لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ إِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ يُنَصِّبُ لَهُ
الْقَاضِي وَلِيًّا، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ
مِنْ مَسَائِلِ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَيَا ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ،
وَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى عَلِمَ أَوْ لَمْ
يَعْلَمْ) وَكَذَا إِذَا مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ،
وَقَالَا: يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ
كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ،
وَعَلَى هَذَا إِذَا اشْتَرَيَاهُ وَقَدْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِهِ
إِنِ اشْتَرَى نِصْفَهُ، وَإِنْ مَلَكَاهُ بِالْإِرْثِ فَكَمَا قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إِعْتَاقٌ
عَلَى أَصْلِنَا، فَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ بِالْإِعْتَاقِ
فَصَارَ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إِعْتَاقٌ كَمَا قَالَا
وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْإِعْتَاقِ
فَيَكُونُ رَاضِيًا بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يُضَمَّنُ، كَمَا إِذَا
أَذِنَ لَهُ بِالْقَوْلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ،
لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، كَمَا إِذَا
أَمَرَ رَجُلًا بِأَكْلِ طَعَامٍ مَمْلُوكٍ لِلْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ
بِهِ، وَلَوِ اشْتَرَى الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَهُ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى
الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَالْأَجْنَبِيُّ إِنْ شَاءَ
ضَمَّنَهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءَ
اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نَصِيبِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ،
وَقَالَا: يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ لِمَا عُرِفَ،
وَلَوِ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ مِمَّنْ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ
لَمْ يَضْمَنْ لِلْبَائِعِ شَيْئًا، وَقَالَا: يَضْمَنُ وَالْأَصْلُ مَا
مَرَّ.
قَالَ: (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَ
أَحَدَهُمَا أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ مَاتَ
عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْمَوْتِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ
الْعِتْقِ، وَبِالْبَيْعِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ،
وَبِالْعَرْضِ قَصَدَ الْوُصُولَ إِلَى الثَّمَنِ وَأَنَّهُ يُنَافِي
الْحُرِيَّةَ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ، وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ
الْعِتْقِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَبِالتَّدْبِيرِ قُصِدَ بَقَاءُ
الِانْتِفَاعِ بِهِ إِلَى حِينِ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ يُنَافِي الْعِتْقَ
الْمُنَجَّزَ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ.
قَالَ: (وَكَذَا إِذَا اسْتَوْلَدَ إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ) لِأَنَّ
الِاسْتِيلَادَ كَالتَّدْبِيرِ فِيمَا ذَكَرْنَا بَلْ أَقْوَى، وَلَوْ
قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ:
أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ، فَإِنْ نَوَى الْبَيَانَ صُدِّقَ
دِيَانَةً وَالْآخَرُ عَبْدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عَتَقَا،
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّهُمَا
نَوَيْتَ؟ ، فَقَالَ: لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْآخَرُ
(4/26)
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا
حُرَّةٌ. ثُمَّ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا لَا تَعْتِقُ الْأُخْرَى (سم) ، وَلَوْ
شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ إِحْدَى أَمَتَيْهِ
فَهِيَ بَاطِلَةٌ (سم) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْأَوَّلُ أَيْضًا،
وَكَذَلِكَ طَلَاقُ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ:
لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلِيَّ أَلْفٌ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ هَذَا؟ فَقَالَ:
لَا، لَا يَجِبُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ
عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا
تَعَيَّنَ الْآخَرُ إِقَامَةً لِلْوَاجِبِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ الْبَيَانُ فِيهِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ لَا
يَلْزَمُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ نَفْيُ أَحَدِهِمَا
تَعْيِينًا لِلْآخَرِ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ
بَيَّنَ فِي الْمَرَضِ يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ
عِتْقًا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ
كَالْكَفَّارَةِ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ
وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا يَقُومُ الْوَارِثُ
مَقَامَهُ فِي الْبَيَانِ.
(وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ وَطِئَ
إِحْدَاهُمَا لَا تُعْتَقُ الْأُخْرَى) وَقَالَا: تُعْتَقُ لِأَنَّ
الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إِلَّا فِي الْمِلْكِ، وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ
فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ
فَتَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى كَمَا فِي طَلَاقِ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَالْوَطْءَ فِي
الْمُعَيَّنَةِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا، ثُمَّ
قِيلَ: الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ،
وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُمَا وَعَقْرَهُمَا وَأَرْشَهُمَا،
وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا عِنْدَهُ وَلَا يُفْتَى بِهِ، وَيَنْزِلُ
الْعِتْقُ فِي إِحْدَاهُمَا عِنْدَ الْبَيَانِ، وَمَا دَامَ الْخِيَارُ
لِلْمَوْلَى فِيهِمَا فَهُمَا كَأَمَتَيْنِ. وَقِيلَ إِنَّهُ نَازِلٌ فِي
الْمُنَكَّرَةِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُهُ
وَالْوَطْءُ يَقَعُ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى،
بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنَ النِّكَاحِ
الْوَلَدُ، فَبِالْوَطْءِ قَصَدَ الْوَلَدَ، فَدَلَّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ
الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ
الْأَمَةِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى
الِاسْتِبْقَاءِ، وَلَوْ وَطِئَ وَطْئًا مُعَلَّقًا فَهُوَ بَيَانٌ، وَلَوِ
اسْتَخْدَمَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ إِحْدَى
أَمَتَيْهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ) ، وَقَالَا: تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى
إِيقَاعِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِي طَلَاقِ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ
تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إِحْدَاهُمَا،
وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ
الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ
دَعْوَى الْأَمَةِ وَالْمَرْأَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى
حُرِّيَّتِهَا وَطَلَاقِهَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ
شَهَادَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ حُقُوقَ
اللَّهِ تَعَالَى تَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ
وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا
الدَّعْوَى كَالْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَلَهُ أَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ
عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيُشْتَرَطُ لَهَا الدَّعْوَى كَسَائِرِ
حُقُوقِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْعِتْقِ
وَنَفْعِهِ يَقَعُ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَتَأَهَّلُ بِهِ لِلْوَلَايَاتِ
وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ، وَيَرْتَفِعُ عَنْهُ بِذَلِكَ ذُلُّ
الْمِلْكِيَّةِ وَيَصِيرُ مَالِكًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ،
بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ
الْفَرْجِ
(4/27)
بَابُ التَّدْبِيرِ وَإِذَا قَالَ
لِعَبْدِهِ: إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ
مِنِّي، أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ قَدْ دَبَّرْتُكَ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ
مَعَ مَوْتِي، أَوْ عِنْدَ مَوْتِي، أَوْ فِي مَوْتِي، أَوْ أَوْصَيْتُ
لَكَ بِنَفْسِكَ أَوْ بِرَقَبَتِكَ، أَوْ بِثُلُثِ مَالِي، فَقَدْ صَارَ
مُدَبَّرًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ تَحْرِيمَ
الْفَرْجِ لَا يُقْبَلُ بِأَنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ إِحْدَى
الْأَمَتَيْنِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَافْتَرَقَا، فَإِذَا كَانَتِ
الدَّعْوَى شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ وَهَذَا الشَّرْطُ
لَمْ يُوجَدْ هُنَا لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ مَجْهُولٌ
وَالدَّعْوَى مِنَ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ
شَرْطًا عِنْدَهُمَا قُبِلَتِ الشَّهَادَةُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى
فَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّعْيِينِ. وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى
عِتْقِ إِحْدَى الْأَمَتَيْنِ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
شَرْطًا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ، فَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهَا لَا
تَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَصَارَتْ كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَحَدِ
الْعَبْدَيْنِ، وَهَذَا إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ فِي صِحَّتِهِ، أَمَّا إِذَا
شَهِدَ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ
دَبَّرَهُ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ
قُبِلَتِ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ،
وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ وَالْخَصْمُ مَعْلُومٌ، لِأَنَّ
الْعِتْقَ يَشِيعُ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مُتَعَيَّنًا.
[بَابُ التَّدْبِيرِ]
ِ وَهُوَ الْعِتْقُ الْوَاقِعُ عَنْ دُبُرِ الْإِنْسَانِ: أَيْ بَعْدَهُ،
وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يُعَلِّقَ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ
بِمَوْتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ أَنَّهُ عِتْقٌ
مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَصَارَ كَالْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ،
وَلِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِلْعَبْدِ بِرَقَبَتِهِ فَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنَ
الْوَصَايَا، وَهُوَ إِيجَابُ الْعِتْقِ لِلْحَالِ، وَتَأْخِيرُ ثُبُوتِهِ
إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ
يَسْتَدْعِي إِعْتَاقًا، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، فَلَا بُدَّ
مِنْ أَنْ يَنْعَقِدَ التَّدْبِيرُ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ
لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ الْحُرِيَّةُ فِي الْمَآلِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ
الْمُقَيَّدِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحُرِّيَّةِ فِي آخِرِ
جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِمَوْتٍ
مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وَأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُفْضِي إِلَى
الْمَوْتِ قَطْعًا فَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ سَبَبًا. أَمَّا الْمَوْتُ
الْمُطْلَقُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ مُفْضِيًا إِلَى الْمَوْتِ
فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ سَبَبًا لِلْحَالِ.
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ
أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي، أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ قَدْ
دَبَّرْتُكَ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ مَوْتِي، أَوْ عِنْدَ مَوْتِي، أَوْ
فِي مَوْتِي، أَوْ أَوْصَيْتُ لَكَ بِنَفْسِكَ، أَوْ بِرَقَبَتِكَ، أَوْ
بِثُلُثِ مَالِي - فَقَدْ صَارَ مُدَبَّرًا) أَمَّا لَفْظُ التَّدْبِيرِ
فَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِ كَلَفْظِ الْعِتْقِ فِي الْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا
تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ بِالْمَوْتِ فَلِأَنَّهُ مَعْنَى التَّدْبِيرِ،
وَأَمَّا مَعَ مَوْتِي فَلِأَنَّهَا لِلْقِرَانِ وَالشُّرُوطُ لَا بُدَّ
مِنْ تَقْدِيمِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي وَأَنَّهُ
تَدْبِيرٌ، وَعِنْدَ مَوْتِي تَعْلِيقُ
(4/28)
وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ، وَإِذَا وَلَدَتِ
الْمُدَبَّرَةُ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَسَقَطَ
عَنْهَا التَّدْبِيرُ وَلَا تَسْعَى فِي شَيْءٍ أَصْلًا، وَلَهُ
اسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَوَطْؤُهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ أَوَّلًا. وَفِي
مَوْتِي، لِأَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ جَعَلَهُ
شَرْطًا، وَكَذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ الْوَفَاةَ أَوِ
الْهَلَاكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ وَنَحْوِهَا فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا
يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ، وَالْوَصِيَّةُ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِ
الْمُوصِي وَانْتِقَالَهُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ، وَأَنَّهُ فِي حَقِّ
الْعَبْدِ حُرِّيَّةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: بِعْتُ نَفْسَكَ مِنْكَ، أَوْ
وَهَبْتُهَا لَكَ. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَنَحْوِهِ
فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ مَالِهِ وَرَقَبَتِهِ مِنْ
مَالِهِ فَيَمْلِكُهَا فَيَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ
لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ السُّدُسِ، وَلَوْ قَالَ: بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ
لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مُبْهَمٍ
وَالتَّعْيِينُ إِلَى الْوَرَثَةِ فَلَا تَكُونُ رَقَبَتُهُ دَاخِلَةً فِي
الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ: إِذَا مِتُّ
وَدُفِنْتُ أَوْ غُسِّلْتُ أَوْ كُفِّنْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ لَيْسَ
بِتَدْبِيرٍ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ وَبِمَعْنًى آخَرَ،
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعْتَقَ بِالْمَوْتِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ
تَعْلِيقٌ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِالْمَوْتِ
وَمَعْنًى آخَرَ، فَصَارَ كَمَا إِذَا قَالَ: إِذَا مِتُّ وَدَخَلْتُ
الدَّارَ، لَكِنِ اسْتُحْسِنَ أَنْ يُعْتَقَ مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ
عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ وَبِصِفَةٍ تُوجَدُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ
اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَصَارَ كَمَا إِذَا عَلَّقَهُ
بِالْمَوْتِ بِصِفَةٍ، بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ، لِأَنَّهُ لَا
تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَوْتِ فَصَارَتْ يَمِينًا فَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ
كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ إِذَا قَالَ:
أَنْتَ حُرٌّ إِنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ
بِمُدَبَّرٍ. وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ مُدَبَّرٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ
بِالْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ
بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: إِنْ مِتُّ أَوْ مَاتَ زَيْدٌ،
وَإِذَا صَحَّ التَّدْبِيرُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ
إِلَّا بِالْعِتْقِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَهُوَ حُرٌّ مِنَ
الثُّلُثِ» ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ عَلَى مَا
بَيَّنَّا، وَأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَفِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ
إِبْطَالُهُ فَلَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ حَقًّا فِي
الْحُرِّيَّةِ فَيَمْنَعُ الْبَيْعَ كَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ،
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: كُلُّ تَصَرُّفٍ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي
الْحُرِّ يَجُوزُ فِي الْمُدَبَّرِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالْإِجَارَةِ
وَالْوَطْءِ، لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنَ
الْحُرِّيَّةِ، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَجُوزُ فِي الْحُرِّ لَا يَجُوزُ
فِي الْمُدَبَّرِ إِلَّا الْكِتَابَةَ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ كَالْبَيْعِ
وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ.
أَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الرَّهْنُ
فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ.
قَالَ: (وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ) لِأَنَّهَا تَعْجِيلُ الْحُرِّيَّةِ
الْمُؤَجَّلَةِ، وَلَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ نَجَزَ الْعِتْقُ، (وَإِذَا
وَلَدَتِ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ مَوَلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ
وَسَقَطَ عَنْهَا التَّدْبِيرُ) لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهَا فَإِنَّهُ
زِيَادَةُ وَصْفٍ وَتَأْكِيدٍ، لِأَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ
بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَا تَسْعَى فِي شَيْءٍ أَصْلًا،
وَلَهُ اسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَوَطْؤُهَا) لِأَنَّ مِلْكَهُ
ثَابِتٌ فِيهَا فَتَنْفُذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَلِمَا بَيَّنَّاهُ
آنِفًا.
(4/29)
وَكَسْبُهَا وَأَرْشُهَا لِلْمَوْلَى،
وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ
يَخْرُجْ فَبِحِسَابِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ سَعَى فِي
كُلِّ قِيمَتِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَضَمِنَ نِصْفَ
شَرِيكِهِ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ نِصْفُهُ (سم) ، بِالتَّدْبِيرِ وَسَعَى فِي
نِصْفِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي
سَفَرِي هَذَا، أَوْ إِنْ مِتُّ إِلَى عِشْرِينَ سَنَةٍ فَهُوَ تَعْلِيقٌ
يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ عَتَقَ.
بَابُ الِاسْتِيلَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
(وَكَسْبُهَا وَأَرْشُهَا لِلْمَوْلَى) لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى
مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ،
وَقَبْلَهُ هِيَ كَالْأَمَةِ، وَلِلْمَوْلَى تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ
رِضَاهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا، وَيَمْلِكُ وَطْأَهَا
وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْحُرَّةِ أَيْضًا، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ
مُدَبَّرٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ وَصْفٌ لَازِمٌ فِيهَا
فَيَتْبَعُهَا فِيهِ كَالْكِتَابَةِ.
قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِمَا
رُوِّينَا مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْمَوْتِ
فَكَانَ وَصِيَّةً، وَالْوَصِيَّةُ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ، (فَإِنْ
لَمْ يَخْرُجْ) مِنَ الثُّلُثِ (فَبِحِسَابِهِ) مَعْنَاهُ: يَحْسِبُ ثُلُثَ
مَالِهِ فَيَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ وَيَسْعَى فِي بَاقِيهِ، (وَإِنْ
كَانَ عَلَى الْمَوْلَى دَيْنٌ سَعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا
أَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْمُرَادُ
دَيْنٌ يُحِيطُ بِالتَّرِكَةِ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا
فَوَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ.
قَالَ: (وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَضَمِنَ نِصْفَ شَرِيكِهِ
ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ نِصْفُهُ بِالتَّدْبِيرِ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ) لِأَنَّ
نِصْفَهُ عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَدْبِيرٍ، وَعِنْدَهُمَا
يَعْتِقُ جَمِيعُهُ بِالتَّدْبِيرِ، لِأَنَّ تَدْبِيرَ بَعْضِهِ تَدْبِيرُ
الْجَمِيعِ وَهُوَ فَرْعُ تَجَزِّي الْإِعْتَاقَ (وَإِنْ قَالَ لَهُ: إِنْ
مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ فِي سَفَرِي هَذَا، أَوْ إِنْ مِتُّ إِلَى
عِشْرِينَ سَنَةٍ فَهُوَ تَعْلِيقٌ) ، وَهُوَ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ
(يَجُوزُ بَيْعُهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَالِ
فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ وَالتَّصَرُّفَاتُ إِبْطَالًا لِلسَّبَبِ،
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ لَا مَحَالَةَ فَأَنْ
يَكُونَ الْبَيْعُ إِبْطَالًا لِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ
الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ، (فَإِنْ مَاتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ عَتَقَ)
لِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنَ الثُّلُثِ لِمَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ أَبُو
اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ قَالَ
لِعَبْدِهِ: إِنْ مِتُّ إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَهُوَ
مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: هُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ لَا يَجُوزُ
بَيْعُهُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ مُدَّةً لَا يَعِيشُ
إِلَيْهَا غَالِبًا فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا
مَحَالَةَ.
[بَابُ الِاسْتِيلَادِ]
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: طَلَبُ الْوَلَدِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ
الِاسْتِفْعَالَ طَلَبُ الْفِعْلِ. وَفِي الشَّرْعِ: طَلَبُ الْوَلَدِ مِنَ
الْأَمَةِ، وَكُلُّ مَمْلُوكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكٍ
لَهَا أَوْ لِبَعْضِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ
(4/30)
لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ مِنْ
مَوْلَاهَا إِلَّا بِدَعْوَاهُ، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ صَارَتْ أُمَّ
وَلَدِهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَبُتَ بِغَيْرِ
دَعْوَةٍ، وَيَنْتَفِي بِمُجَرَدِ نَفْيِهِ بِغَيْرِ لِعَانٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فَرْعٌ لِثُبُوتِ الْوَلَدِ، فَإِذَا ثَبَتَ
الْأَصْلُ ثَبَتَ فَرْعُهُ.
قَالَ: (لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ مِنْ مَوْلَاهَا إِلَّا
بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا فِرَاشَ لَهَا، فَإِنَّ غَالِبَ الْمَقْصُودِ
مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ، فَإِنَّ
أَشْرَافَ النَّاسِ يَمْتَنِعُونَ مِنْ وَطْءِ الْإِمَاءِ تَحَرُّزًا عَنِ
الْوَلَدِ لِئَلَّا يُعَيَّرَ وَلَدُهُ بِكَوْنِهِ وَلَدَ أَمَةٍ،
فَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهِ دَعْوَاهُ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا جَازَ
لَهُ الْعَزْلُ فِي الْأَمَةِ دُونَ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ
وَطْءِ الزَّوْجَةِ طَلَبُ الْوَلَدِ غَالِبًا، قَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» إِشَارَةً إِلَى
أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَرْعِيَّةِ النِّكَاحِ التَّوَالُدُ
وَالتَّنَاسُلُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ يَطَؤُهَا وَلَا يَعْزِلُ عَنْهَا لَا
يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى،
وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْهُ،
وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا وَلَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ النَّفْيُ
لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ يَطَؤُهَا
وَلَمْ يُحَصِّنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَدَّعِيَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ:
أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعْتِقَ وَلَدُهَا وَيَسْتَمْتِعَ بِهَا فَإِذَا
مَاتَ أَعْتَقَهَا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ
فَلَا يَنْفِيهِ بِالشَّكِّ.
وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا
يَكُونَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الْتِزَامُهُ بِالشَّكِّ. أَمَّا الْعِتْقُ
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَلَا
يَسْتَرِقُّهُ بِالشَّكِّ، وَيَسْتَمْتِعُ بِالْأُمِّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ
لَهُ وَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَإِذَا مَاتَ أَعْتَقَهَا حَتَّى لَا
تُسْتَرَقَّ بِالشَّكِّ.
(فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ
بَعْدَ ذَلِكَ ثَبَتَ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى
الْأَوَّلَ وَثَبَتَ نَسَبُهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَصَدَ الْوَلَدَ
فَصَارَتْ فِرَاشًا فَيَثْبُتُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ كَالْمَنْكُوحَةِ.
(وَيَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ بِغَيْرِ لِعَانٍ) لِأَنَّ فِرَاشَهَا
ضَعِيفٌ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى إِبْطَالِهِ بِالتَّزْوِيجِ وَبِالْعِتْقِ
فَيَنْفَرِدُ بِنَفْيِهِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ فِرَاشَهُ قَوِيٌّ
لَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهُ فَلَا يَنْتَفِي وَلَدُهُ إِلَّا بِاللِّعَانِ،
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ حُبْلَى مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ
لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ،
وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا
أَوْ مَيِّتًا أَوْ سِقْطًا قَدِ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَوْ بَعْضُ خَلْقِهِ
إِذَا أَقَرَّ بِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكُلِّ لِأَنَّ السِّقْطَ
تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ
يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَلْقَتْهُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً
فَادَّعَاهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَمًا أَوْ لَحْمًا فَلَا
يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِالشَّكِّ.
وَلَوْ حَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَطْءِ أَبِيهِ أَوِ
ابْنِهِ، أَوْ بِوَطْئِهِ أُمِّهَا أَوْ بِنْتِهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُ
مَا تَلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّ فِرَاشَهَا
انْقَطَعَ، وَإِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ مِنْ رَجُلٍ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ
نَسَبُهُ مِنْهُ بِأَنْ زَنَى بِهَا ثُمَّ مَلَكَهَا وَوَلَّدَهَا عَتَقَ
الْوَلَدُ وَجَازَ لَهُ بَيْعُ الْأُمِّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ
لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ بِالْوِلَادَةِ فَيَثْبُتُ
لِأُمِّهِ الِاسْتِيلَادُ كَالثَّابِتِ النَّسَبِ. وَلَنَا أَنَّ
الِاسْتِيلَادَ يَتْبَعُ النَّسَبَ وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهِ،
(4/31)
وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ
إِلَّا بِالْعِتْقِ، وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا
وَكِتَابَتُهَا، وَتَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا
تَسْعَى فِي دُيُونِهِ، وَحُكْمُ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ
الِاسْتِيلَادِ حُكْمُهَا، وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ
النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا وَهِيَ كَالْمُكَاتَبَةِ (ز) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَيُقَالُ: أُمُّ وَلَدِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ لَهَا الْحُرِّيَّةَ،
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» ،
وَلَمْ يَثْبُتِ النَّسَبَ فَلَا يَثْبُتُ التَّبَعُ. وَأَمَّا حُرِّيَّةُ
الْوَلَدِ فَلِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِحُكْمِ الْجُزْئِيَّةِ، وَصَارَ كَمَا
لَوْ أَعْتَقَهُ بِالْعِتْقِ.
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ إِلَّا بِالْعِتْقِ)
فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا بِوَجْهٍ مَا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَ: لَا يُعَرْنَ
وَلَا يُبَعْنَ» ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ
يُنَادِي عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: أَلَا إِنَّ بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ حَرَامٌ، وَلَا
رِقَّ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ
أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
حِينَ وَلَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» . وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلَا يَسْعَيْنَ
فِي الدَّيْنِ، وَلَا يُجْعَلْنَ مِنَ الثُّلُثِ» . وَرَوَى عَبِيدَةُ
السَّلْمَانِيُّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: اجْتَمَعَ
رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عِتْقِ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ فِي الدَّيْنِ، فَقَالَ
عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي جَمَاعَةٍ
أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ فِي الْفُرْقَةِ، قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ السَّلْمَانِيَّ لَفَقِيهٌ، وَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَهُ وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا
وَكِتَابَتُهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا كَالْمُدَبَّرَةِ،
فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ،
وَالْكِتَابَةُ تَعْجِيلُ الْعِتْقِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي
الْمُدَبَّرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
لَمْ يُفَارِقْ مَارِيَةَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ.
قَالَ: (وَتُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا تَسْعَى
فِي دُيُونِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، (وَحُكْمُ وَلَدِهَا
مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ حُكْمُهَا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ
الْحُكْمَ الْمُسْتَقِرَّ فِي الْأُمِّ يَسْرِي إِلَى الْوَلَدِ. قَالَ:
(وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا
وَهِيَ كَالْمُكَاتَبَةِ) لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ. وَقَالَ زُفَرُ:
تُعْتَقُ لِلْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا، لِأَنَّ زَوَالَ
رِقِّهِ عَنْهَا وَاجِبٌ بِالْإِسْلَامِ إِمَّا بِالْبَيْعِ أَوْ
بِالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ بِالِاسْتِيلَادِ فَتَعَيَّنَ
الْعِتْقُ. وَلَنَا أَنَّ مَا قُلْنَاهُ نَظَرٌ لَهُمَا، لِأَنَّ ذُلَّ
الرِّقِّ يَنْدَفِعُ عَنْهَا بِجَعْلِهَا مُكَاتَبَةً لِأَنَّهَا تَصِيرُ
حُرَّةً يَدًا، وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنِ الذِّمِّيِّ فَتَسْعَى فِي
الْأَدَاءِ لِتَنَالَ الْحُرِّيَّةَ، وَلَوْ قُلْنَا بِعِتْقِهَا فِي
الْحَالِ وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَتَوَانَى عَنِ الِاكْتِسَابِ وَالْأَدَاءِ
إِلَى الذِّمِّيِّ فَيَتَضَرَّرُ، وَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً
فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ وَهُوَ يَكْفِي لِلضَّمَانِ، كَمَا إِذَا عَفَا أَحَدُ
الشُّرَكَاءِ عَنِ الْقِصَاصِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ، وَهَذَا
إِنَّمَا يَجِبُ
(4/32)
وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ بِلَا
سِعَايَةٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ ثُمَّ
مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ
فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ
وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا دُونَ عُقْرِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا، وَالْجَدُّ
كَالْأَبِ عِنْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ.
جَارِيَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ
نَسَبُهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَيْهَا إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَأَبَى حَتَّى يَجِبَ
زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا، أَمَّا إِذَا أَسْلَمَ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ
عَلَى حَالِهَا كَمَا قُلْنَا فِي النِّكَاحِ.
(وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ) لِأَنَّهَا أُمُّ
وَلَدٍ. قَالَ: (وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ
ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) ، وَكَذَا لَوِ اسْتَوْلَدَهَا
بِمِلْكِ يَمِينٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ ثُمَّ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ فَهِيَ
أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْهُ فَتَثْبُتُ
أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلِأَنَّ
الِاسْتِيلَادَ حُرِّيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ، فَإِذَا جَازَ
أَنْ يُثْبِتَ النَّسَبَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ جَازَ أَنْ يُثْبِتَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا تَبَعًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا وَلَدَتْ
مِنْهُ مِنْ زِنًا عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ وَادَّعَاهُ ثَبَتَ
نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا دُونَ
عَقْرِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا) لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ
ابْنِهِ لِلْحَاجَةِ إِلَى الْبَقَاءِ لِلْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ، فَلَهُ
أَنْ يَتَمَلَّكَ جَارِيَتَهُ لِلْحَاجَةِ إِلَى صِيَانَةِ مَائِهِ
وَبَقَاءِ نَسْلِهِ، لِأَنَّ كِفَايَةَ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ لِمَا مَرَّ
فِي النَّفَقَاتِ، إِلَّا أَنَّ حَاجَتَهُ إِلَى صِيَانَةِ مَائِهِ
وَبَقَاءِ نَسْلِهِ دُونَ حَاجَتِهِ إِلَى بَقَاءِ نَفْسِهِ، فَلِهَذَا
قُلْنَا يَتَمَلَّكُ الْجَارِيَةَ بِقِيمَتِهَا، وَالطَّعَامَ بِغَيْرِ
قِيِمَةٍ، وَيَثْبُتُ لَهُ هَذَا الْمِلْكُ قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ
لِيَثْبُتَ الِاسْتِيلَادُ، وَلِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلِاسْتِيلَادِ إِمَّا
حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ قَبْلَ
الْعُلُوقِ لِيُلَاقِيَ مِلْكَهُ فَيَصِحُّ الِاسْتِيلَادُ، وَإِذَا صَحَّ
فِي مِلْكِهِ لَا عَقْرَ عَلَيْهِ وَلَا قِيمَةَ الْوَلَدِ لِمَا أَنَّ
الْعُلُوقَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ أَنَّ الِابْنَ زَوَّجَهَا مِنَ
الْأَبِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ مَاءَهُ صَارَ
مَصُونًا بِالنِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْمِلْكِ وَلَا قِيمَةَ
عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ
الْتَزَمَهُ بِالنِّكَاحِ وَوَلَدُهَا حُرٌّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ
فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَاهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ
صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْأَبِ فِيهَا، لِأَنَّ الِابْنَ يَمْلِكُ
فِيهَا جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ وَطْئًا وَبَيْعًا وَإِجَارَةً وَعِتْقًا
وَكِتَابَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ،
وَأَنَّهُ دَلِيلُ انْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَبِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ
عَلَى الْأَبِ بِوَطْئِهَا لِلشُّبْهَةِ، وَإِذَا انْتَفَى مِلْكُ الْأَبِ
جَازَ نِكَاحُهُ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَ الِابْنُ جَارِيَةَ الْأَبِ.
قَالَ: (وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ انْقِطَاعِ وَلَايَتِهِ) لِأَنَّهُ
يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَعَ وِلَايَتِهِ لَا وَلَايَةَ لِلْجَدِّ،
وَالْوَلَايَةُ تَنْقَطِعُ بِالْكُفْرِ وَالرِّقِّ وَالرِّدَّةِ
وَاللَّحَاقِ وَالْمَوْتِ.
قَالَ: (جَارِيَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا
ثَبَتَ نَسَبُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ فِي نِصْفِهِ
لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكِهِ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ،
لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعُلُوقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِنَّ الْوَلَدَ
الْفَرْدُ لَا يَنْعَلِقُ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ
لَهُ.
(4/33)
وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ
عُقْرِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا، وَإِنِ
ادَّعَيَاهُ مَعًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ
مِنْهُمَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ عُقْرِهَا، وَيَرِثُ
مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَابْنٍ، وَيَرِثَانِ مِنْهُ كَأَبٍ وَاحِدٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ،
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَنَصِيبُهُ يَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ
صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ فَيُكَمَّلُ لَهُ فَيَصِيرُ
الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ، (وَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ
تَمَلَّكَهُ، (وَ) عَلَيْهِ (نِصْفُ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً
مُشْتَرَكَةً لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَعَقَّبُ الِاسْتِيلَادَ حُكْمًا لَهُ،
(وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِيمَةِ وَلَدِهَا) لِأَنَّ النَّسَبَ
يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إِلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَلَمْ يَنْعَلِقْ شَيْءٌ
مِنْهُ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ.
قَالَ: (وَإِنِ ادَّعَيَاهُ مَعًا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا) لِصِحَّةِ
دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ،
وَالِاسْتِيلَادُ يَتْبَعُ الْوَلَدَ (وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا)
لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إِلَى
شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ: " لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا،
وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا، هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا
وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا "، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ
الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ عَنْ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا، وَلِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ
فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَسْتَوِيَانِ فِي
الِاسْتِحْقَاقِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْمُدْلِجِيِّ وَأُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ وَفَرَحِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
قُلْنَا: لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِ الْقَائِفِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَكِنِ الْمُشْرِكُونَ كَانُوا
يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ، فَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ قَاطِعًا
لِطَعْنِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
لَا أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَلِذَلِكَ فَرِحَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا كَوْنُ النَّسَبِ لَا يَتَجَزَّأُ
فَتَعَلَّقَ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ، فَمَا لَا يَتَجَزَّأُ يَثْبُتُ
فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلاً، وَمَا يَقْبَلُهُ يَثْبُتُ فِي
حَقِّهِمَا مُتَجَزِّئًا عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
(وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ عُقْرِهَا) وَيَسْقُطُ قِصَاصًا
بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي قَبْضِهِ وَإِعْطَائِهِ
(وَيَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَابْنٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ
أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِمِيرَاثِ ابْنٍ، (وَيَرِثَانِ
مِنْهُ كَأَبٍ وَاحِدٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا إِذَا
أَقَامَا الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ بَيْنَ أَبٍ وَابْنٍ
فَهُوَ لِلْأَبِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِهِ لِمَا لَهُ مِنَ الْحَقِّ فِي
نَصِيبِ الِابْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ مُسْلِمٍ
وَذِمِّيٍّ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِ تَرْجِيحًا لِلْإِسْلَامِ. وَقَالَ زُفَرُ:
هُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِلْكِ
الْمُوجِبِ. قُلْنَا: دَعْوَةُ الْأَبِ رَاجِحَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ
ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةِ الِابْنِ يَصِحُّ وَبِالْعَكْسِ لَا،
وَالْمُسْلِمُ رَاجِحٌ بِالْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلصَّغِيرِ.
(4/34)
|