البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 3 ص -108-       7- كتاب النكاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7- "كتاب النكاح "
ذكره بعد العبادات؛ لأنه أقرب إليها حتى كان الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادات، وقدم على الجهاد لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية، وأمر المناسبة سهل واختلف في معناه لغة على أربعة أقوال:
فقيل مشترك بين الوطء والعقد، وهو ظاهر ما في الصحاح فإنه قال: النكاح الوطء، وقد يكون العقد تقول نكحتها ونكحت هي أي تزوجت، وهي ناكح في بني فلان أي ذات زوج والمراد بالمشترك اللفظي.
وقيل حقيقة في العقد مجاز في الوطء ونسبه الأصوليون إلى الشافعي في بحث متى أمكن العمل بالحقيقة سقط المجاز.
وقيل بالعكس، وعليه مشايخنا صرحوا به كما في فتح القدير وجزم به في المغرب وذكر الأصوليون أن ثمرة الاختلاف بيننا وبين الشافعي تظهر في حرمة موطوءة الأب من الزنا أخذا من قوله تعالى
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22] فلما كان حقيقة في العقد عنده لم تحرم موطوءته من الزنا، ولما كان حقيقة في الوطء عندنا الشامل للوطء الحلال والحرام حرمت عندنا وحرمت معقودة الأب بغير وطء بالإجماع. وتفرع على أصلنا ما لو قال: لامرأته إن نكحتك فأنت طالق فإنه للوطء فلو أبانها ثم تزوجها لم يحنث، ولا يرد علينا ما لو قال: لأجنبية ذلك فإنه للعقد لتعذر الوطء شرعا فكانت حقيقة مهجورة كما في الكشف ولذا لو قال: ذلك لمن لا تحل له أبدا بأن قال: إن نكحتك فعبدي حر انصرف إلى النكاح الفاسد كما في المحيط.
وقيل حقيقة في الضم صرح به مشايخنا أيضا لكن قال: في فتح القدير أنه لا منافاة بين كلامهم؛ لأن الوطء من أفراد الضم والموضوع للأعم حقيقة في كل من أفراده كإنسان في زيد فهو من قبيل المشترك المعنوي إلى آخر ما ذكره، وهو مردود فإن الوطء مغاير للضم ولذا قال: في المغرب، وقولهم النكاح الضم مجاز كإطلاقه على العقد إلا أن إطلاقه على الضم من باب تسمية المسبب باسم السبب، وإطلاقه على العقد بالعكس، ومما يدل على مغايرة القولين أن صاحب المحيط ذكر أنه حقيقة في الضم الشامل للوطء والعقد باعتبار ضم الإيجاب إلى القبول فهو حقيقة في العقد أيضا، وعلى القول الثالث مجاز فيه وصحح في المجتبى ما في المغرب كما في التبيين ورجح في غاية البيان الأول بأن الأصل في الكلام الحقيقة والمشترك

 

ج / 3 ص -109-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مستعمل في الموضوع الأصلي دون المجاز. ا هـ. وهو غفلة عما في الأصول فإن الأصح أنه إذا دار لفظ بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى؛ لأنه أبلغ، وأغلب والاشتراك يخل بالتفاهم ويحتاج إلى قرينتين كما ذكره النسفي في شرح المنار، وقال: في البدائع إنه الحق والمتحقق الاستعمال في كل من هذه المعاني الثلاثة لكن الشأن في تعيين المعنى الحقيقي له.
وأما معناه شرعا في فتح القدير حيث أطلق في الكتاب والسنة مجردا عن القرائن فهو للوطء فقد تساوى المعنى اللغوي والشرعي ولذا قال قاضي خان إنه في اللغة والشرع حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وأما ما ذكره المصنف وغيره من أنه اسم للعقد الخاص فهو معناه في اصطلاح الفقهاء ولذا قال: في المجتبى إنه في عرف الفقهاء العقد فقول من قال: إنه في الشرع اسم للعقد الخاص كما في التبيين محمول على أن المراد أنه في عرف الفقهاء، وهم أهل الشرع فلا مخالفة.
وسبب مشروعيته مع أن الأصل في النكاح الحظر، وإباحته للضرورة كما في الكشف تعلق بقاء العالم به المقدر في العلم الأزلي على الوجه الأكمل، وإلا فيمكن بقاء النوع بالوطء على غير الوجه المشروع لكنه مستلزم للتظالم والسفك وضياع الأنساب بخلافه على الوجه المشروع.
وشرطه نوعان عام في تنفيذ كل تصرف دائر بين النفع والضرر وخاص فالأول الأهلية بالعقل والبلوغ قال: في فتح القدير وينبغي أن يزاد في الولي لا في الزوج والزوجة، ولا في متولي العقد فإن تزويج الصغير والصغيرة جائز وتوكيل الصبي الذي يعقد العقد ويقصده جائز في البيع عندنا فصحته هنا أولى؛ لأنه محض سفير، وأما الحرية فشرط النفاذ بلا إذن أحد. ا هـ. وضم الزيلعي الحرية إلى العقل وبالبلوغ في الشرط العام والتحقيق أن التمييز شرط في متولي العقد للانعقاد أصيلا كان أو لم يكن فلم ينعقد النكاح بمباشرة المجنون والصبي الذي لا يعقل، وأما البلوغ والحرية فشرط النفاذ في متولي العقد لنفسه لا لغيره فتوقف عقد الصبي العاقل والعبد على إجازة الولي والمولى.
وأما المحلية فقال: في فتح القدير إنها من الشروط العامة وتختلف بحسب الأشياء والأحكام كمحلية المبيع للبيع والأنثى للنكاح. ا هـ. والأولى أن يقال: إن محلية الأنثى المحققة من بنات آدم ليست من المحرمات، وفي العناية محله امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي فخرج الذكر للذكر والخنثى مطلقا والجنية للإنسي، وما كان من النساء محرما على التأييد كالمحارم ولذا قال: في التبيين من كتاب الخنثى لو زوجه أبوه أو مولاه امرأة أو رجلا لا يحكم بصحته حتى يتبين حاله أنه رجل أو امرأة فإذا ظهر أنه خلاف ما زوج به تبين أن العقد كان صحيحا، وإلا

 

ج / 3 ص -110-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فباطل لعدم مصادفة المحل، وكذا إذا زوج الخنثى من خنثى آخر لا يحكم بصحة النكاح حتى يظهر أن أحدهما ذكر والآخر أنثى.ا هـ.
وفي القنية لا يجوز التزويج بجنية، وأجازه الحسن البصري بشهود وذكر أهل الأصول أن النهي عن نكاح المحارم مجاز عن النفي فكان نسخا لعدم محله وصرح كثير من الفقهاء بعدم محلية المحارم للنكاح وجزم به في غاية البيان لكن يشكل عليه إسقاط أبي حنيفة الحد عمن وطئ محرمة بعد العقد عليها فإنها إذا لم تكن محلا لم تبق شبهة بالعقد والجواب أنها لم تخرج عن المحلية للنكاح أصلا بدليل حل تزوجها لمن لم يكن محرما لها فأبو حنيفة نظر إلى هذا، وهما نظرا إلى خروجها عن المحلية بالنسبة إلى الواطئ، وهو الظاهر فلذا قال: في الخلاصة إن الفتوى على قولهما وسيأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى والثاني أعني الشرط الخاص للانعقاد سماع اثنين بوصف خاص للإيجاب والقبول زاد في المحيط، وكون المرأة من المحللات، وقد علمت ما فيه.
وركنه الإيجاب والقبول حقيقة أو حكما كاللفظ القائم مقامهما من متولي الطرفين شرعا وحكمة حل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المأذون فيه شرعا وحرمة المصاهرة، وملك كل واحد منهما بعض الأشياء على الآخر مما سيرد عليك كذا في فتح القدير. وقد ذكر أحكامه في البدائع في فصل على حدة فقال: منها حل الوطء لا في الحيض والنفاس والإحرام، وفي الظهار قبل التكفير ووجوبه قضاء مرة واحدة وديانة فيما زاد عليها، وقيل يجب قضاء أيضا، ومنها حل النظر والمس من رأسها إلى قدمها إلا لمانع ومنها ملك المنفعة، وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها وسائر أعضائها استمتاعا، ومنها ملك الحبس والقيد، وهو صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز، ومنها وجوب المهر عليه، ومنها وجوب النفقة والكسوة، ومنها حرمة المصاهرة، ومنها الإرث من الجانبين، ومنها وجوب العدل بين النساء في حقوقهن، ومنها وجوب طاعته عليها إذا دعاها إلى الفراش، ومنها ولاية تأديبها إذا لم تطعه بأن نشزت، ومنها استحباب معاشرتها بالمعروف، وعليه حمل الأمر في قوله تعالى،
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، وهو مستحب لها أيضا والمعاشرة بالمعروف الإحسان قولا، وفعلا وخلقا إلى آخر ما في البدائع.
ومن أحكامه أن لا يصح تعليقه بالشرط لكن قال: في التتمة تزوج امرأة إن شاءت أو قال: إن شاء زيد فأبطل صاحب المشيئة مشيئته في المجلس فالنكاح جائز؛ لأن المشيئة إذا بطلت في المجلس صار نكاحا بغير مشيئة كما قالوا في السلم إذا أبطل الخيار في المجلس جاز السلم. ولو بدأ الزوج فقال: تزوجتك إن شئت ثم قبلت المرأة من غير شروط تم النكاح، ولا يحتاج إلى

 

ج / 3 ص -111-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إبطال المشيئة بعد ذلك، ولو قال: تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم فإن كان فلان حاضرا فقال: قد رضيت جاز النكاح استحسانا، وإن كان غير حاضر لم يجز، وليس هذا كقوله قد تزوجتك ولفلان الرضا؛ لأن هذا قول قد وجب وشرط خيار والأول لم يوجب وجعل الإيجاب مخاطرة، ولو قال: تزوجتك اليوم على أن لك المشيئة اليوم إلى الليل فالنكاح جائز والشرط باطل كشرط الخيار ا هـ هكذا في البزازية لكن قال: قبله لو قالت زوجت نفسي منك إن رضي أبي لا يصح؛ لأنه علقه بالخطر. ا هـ. وقياس ما تقدم أن الأب إن كان حاضرا في المجلس ورضي الجواز ثم رأيته في الظهيرية، وفي البزازية خطب بنت رجل لابنه فقال: أبوها زوجتها قبلك من فلان فكذبه أبو الابن فقال: إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها من ابنك، وقبل أبو الابن ثم علم كذبه انعقد؛ لأن التعليق بالوجود تحقيق. ا هـ.
وفي المجتبى زوجت نفسي منك بعد انقضاء عدتي فقبل لا يصح كالتعليق، وإضافته إلى وقت لا يصح وصفته فرض وواجب وسنة وحرام، ومكروه، ومباح.
أما الأول فبأن يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه إلا به؛ لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا.
وأما الثاني فبأن يخافه لا بالحيثية المذكورة إذ ليس الخوف مطلقا مستلزما بلوغه إلى عدم التمكن وبه يحصل التوفيق بين قول من عبر بالافتراض وبين من عبر بالوجوب وكل من هذين القسمين مشروط بشرطين. الأول: ملك المهر والنفقة فليس من خافه إذا كان عاجزا عنهما آثما بتركه كما في البدائع. الثاني: عدم خوف الجور فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني فلا افتراض بل مكروه كما أفاده في فتح القدير، ولعله؛ لأن الجور معصية متعلقة بالعباد والمنع من الزنا من حقوق الله تعالى وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى تعالى.
وأما الثالث فعند الاعتدال وسيأتي بيانه.
وأما الرابع فبأن يخاف الجور بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه؛ لأنه إنما شرع لمصلحة من تحصين النفس وتحصيل الثواب وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد.
وأما الخامس فبأن يخافه لا بالحيثية المذكورة، وهي كراهة تحريم، ومن أطلق الكراهة عند خوف الجور فمراده القسم الثاني من القسمين.

 

ج / 3 ص -112-       هو عقد يرد على ملك المتعة قصدا وهو سنة، وعند التوقان واجب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما السادس فبأن يخاف العجز عن الإيفاء بمواجبه كذا في المجتبى يعني في المستقبل، وأما محاسنه فكثيرة ودلائله شهيرة.
"قوله: هو عقد يرد على ملك المتعة قصدا "أي النكاح عند الفقهاء والمراد بالعقد مطلقا نكاحا كان أو غيره مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر سواء كان باللفظين المشهورين من زوجت وتزوجت أو غيرهما مما سيذكر أو كلام الواحد القائم مقامهما أعني متولي الطرفين، وقول الورشكي إنه معنى يحل المحل فيتغير به حال المحل وزوجت وتزوجت آلة انعقاده إطلاق له على حكمه فإن المعنى الذي يتغير به حال المحل من الحل والحرمة هو حكم العقد، وقد صرح بإخراج اللفظين عن مسماه، وهو اصطلاح آخر غير مشهور كذا في فتح القدير، وملك المتعة عبارة عن ملك الانتفاع والوطء كما في الكشف، ومعنى وروده عليه إفادته له شرعا فلو قال: يفيد ملك المتعة أو يثبت به ملك المتعة قصدا لكان أظهر والمراد أنه عقد يفيد حكمه بحسب وضع الشرع. والمراد بالملك الحل لا الملك الشرعي؛ لأن المنكوحة لو وطئت بشبهة فمهرها لها، ولو ملك الانتفاع ببضعها حقيقة لكان بدله له.
وذكر في البدائع أن من أحكامه ملك المتعة، وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها وسائر أعضائها استمتاعا أو ملك الذات والنفس في حق التمتع على اختلاف مشايخنا في ذلك واحترز بقوله قصدا عما يفيد الحل ضمنا كما إذا ثبت في ضمن ملك الرقبة كشراء الجارية للتسري فإنه موضوع شرعا لملك الرقبة، وملك المتعة ثابت ضمنا، وإن قصده المشتري، وإنما لم يكن ملك المتعة مقصودا لملك الرقبة في الشراء أو نحوه لتخلفه عنه في شراء محرمه نسبا ورضاعا والأمة المجوسية.
"قوله: وهو سنة، وعند التوقان واجب "بيان لصفته أما الأول فالمراد به السنة المؤكدة على الأصح، وهو محمل من أطلق الاستحباب، وكثيرا ما يتساهل في إطلاق المستحب على السنة كذا في فتح القدير وصرح في المحيط أيضا بأنها مؤكدة، ومقتضاه الإثم لو لم يتزوج؛ لأن الصحيح أن ترك المؤكدة مؤثم كما علم في الصلاة.
وأفاد بذكر وجوبه حالة التوقان أن محل الأول حالة الاعتدال كما في المجمع والمراد بها حالة القدرة على الوطء والمهر والنفقة مع عدم الخوف من الزنا والجور وترك الفرائض والسنن فلو لم يقدر على واحد من الثلاثة أو خاف واحدا من الثلاثة فليس معتدلا فلا يكون سنة في حقه

 

ج / 3 ص -113-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما أفاده في البدائع ودليل السنية حالة الاعتدال الاقتداء بحاله صلى الله عليه وسلم في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة كما في الصحيحين ردا بليغا بقوله
"فمن رغب عن سنتي فليس مني" كما أوضحه في فتح القدير.
والتوقان مصدر تاقت نفسه إلى كذا إذا اشتاقت من باب طلب كذا في المغرب والمراد به أن يخاف منه الوقوع في الزنا لو لم يتزوج إذ لا يلزم من الاشتياق إلى الجماع الخوف المذكور، وأراد بالواجب اللازم فيشمل الفرض والواجب الاصطلاحي فإنا قدمنا أنه فرض وواجب، ولم يذكر أنه حرام أو مكروه كما في المجمع؛ لأن الجور حرام بالنسبة إلى كل شخص، وليس هو مختصا بالنكاح حتى يجعل من أحكامه وصفته والجور الظلم يقال جار أي ظلم.
وأفاد بالسنية أن الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادات ولذا قال: في المجمع ونفضله على التخلي للنوافل واستدل له في البدائع بوجوه: الأول أن السنن مقدمة على النوافل بالإجماع. الثاني أنه أوعد على ترك السنة، ولا وعيد على ترك النوافل. الثالث أنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وثبت عليه بحيث لم يخل عنه بل كان يزيد عليه، ولو كان التخلي للنوافل أفضل لفعله، وإذا ثبت أفضليته في حقه ثبتت في حق أمته؛ لأن الأصل في الشرائع هو العموم والخصوص بدليل. والرابع أنه سبب موصل إلى ما هو مفضل على النوافل؛ لأنه سبب لصيانة النفس عن الفاحشة ولصيانة نفسها عن الهلاك بالنفقة والسكنى واللباس ولحصول الولد الموحد، وأما مدحه تعالى يحيى عليه السلام بكونه سيدا وحصورا، وهو من لا يأتي النساء مع القدرة فهو في شريعتهم لا في شريعتنا.اهـ.
وأشار المصنف بكونه سنة أو واجبا إلى استحباب مباشرة عقد النكاح في المسجد لكونه عبادة وصرحوا باستحبابه يوم الجمعة واختلفوا في كراهية الزفاف والمختار أنه لا يكره إلا إذا اشتمل على مفسدة دينية وروى الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف" كذا في فتح القدير، وفي الذخيرة ضرب الدف

 

ج / 3 ص -114-       وينعقد بإيجاب، وقبول وضعا للمضي أو أحدهما
ــــــــــــــــــــــــــ
في العرس مختلف فيه، ومحله ما لا جلاجل له أما ما له جلاجل فمكروه، وكذا اختلفوا في الغناء في العرس والوليمة فمنهم من قال: بعدم كراهته كضرب الدف. ا هـ. وفي فتاوى العلامي من أراد أن يتزوج ندب له أن يستدين له فإن الله تعالى ضامن له الأداء فلا يخاف الفقر إذا كان من نيته التحصين والتعفف ويتزوج امرأة صالحة معروفة النسب والحسب والديانة فإن العرق نزاع ويجتنب المرأة الحسناء في منبت السوء، ولا يتزوج امرأة لحسبها، وعزها، ومالها وجمالها فإن تزوجها لذلك لا يزاد به إلا ذلا، وفقرا ودناءة ويتزوج من هي فوقه في الخلق والأدب والورع والجمال ودونه في العز والحرفة والحسب والمال والسن والقامة فإن ذلك أيسر من الحقارة والفتنة، ويختار أيسر النساء خطبة، ومؤنة ونكاح البكر أحسن للحديث
"عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها، وأنقى أرحاما، وأرضى باليسير"، ولا يتزوج طويلة مهزولة، ولا قصيرة ذميمة، ولا مكثرة، ولا سيئة الخلق، ولا ذات الولد، ولا مسنة للحديث "سوداء ولود خير من حسناء عقيم"، ولا يتزوج الأمة مع طول الحرة، ولا حرة بغير إذن وليها لعدم الجواز عند البعض، ولا زانية. والمرأة تختار الزوج الدين الحسن الخلق الجواد الموسر، ولا تتزوج فاسقا، ولا يزوج ابنته الشابة شيخا كبيرا, ولا رجلا دميما ويزوجها كفؤا فإذا خطبها الكفؤ لا يؤخرها.
وهو كل مسلم تقي وتحلية البنات بالحلي والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة ونظره إلى مخطوبته قبل النكاح سنة فإنه داعية للألفة، ولا يخطب مخطوبة غيره؛ لأنه جفاء وخيانة وتمامه في الفصل الخامس والثلاثين منها، وفي المجتبى يستحب أن يكون النكاح ظاهرا، وأن يكون قبله خطبة، وأن يكون عقده في يوم الجمعة، وأن يتولى عقده ولي رشيد، وأن يكون بشهود عدول منها.
"قوله: وينعقد بإيجاب، وقبول وضعا للمضي أو أحدهما "أي ينعقد النكاح أي ذلك العقد الخاص ينعقد بالإيجاب والقبول حتى يتم حقيقة في الوجود والانعقاد هو ارتباط أحد الكلامين بالآخر على وجه يسمى باعتباره عقدا شرعا ويستعقب الأحكام بالشرائط الآتية كذا قرره الكمال هنا.

 

ج / 3 ص -115-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقرر في كتاب البيع ما يفيد أن المراد هنا من الانعقاد الثبوت، وأن الضمير يعود إلى النكاح باعتبار حكمه فالمعنى يثبت حكم النكاح بالإيجاب والقبول، ومقصوده في البابين تحقيق أن الإيجاب مع القبول عين العقد لا غيره كما يفهم من ظاهر العبارة.
والحق أن العقد مجموع ثلاثة الإيجاب والقبول والارتباط الشرعي فلم يكن الإيجاب والقبول عين العقد؛ لأن جزء الشيء ليس عينه وسيأتي تمامه في البيع إن شاء الله تعالى.
والإيجاب لغة الإثبات واصطلاحا هنا اللفظ الصادر أولا من أحد المتخاطبين مع صلاحية اللفظ لذلك رجلا كان أو امرأة.
والقبول اللفظ الصادر ثانيا من أحدهما الصالح لذلك مطلقا فما وقع في المعراج وغيره من أنه لو قدم القبول على الإيجاب بأن قال: تزوجت ابنتك فقال: زوجتكها فإنه ينعقد غير صحيح إذ لا يتصور تقديمه بل قوله: تزوجت ابنتك إيجاب والثاني قبول وهل يكون القبول بالفعل كالقبول باللفظ كما في البيع قال: في البزازية أجاب صاحب البداية في امرأة زوجت نفسها بألف من رجل عند الشهود فلم يقل الزوج شيئا لكن أعطاها المهر في المجلس أنه يكون قبولا، وأنكره صاحب المحيط، وقال: لا ما لم يقل بلسانه قبلت بخلاف البيع؛ لأنه ينعقد بالتعاطي والنكاح لخطره لا ينعقد حتى يتوقف على الشهود بخلاف إجازة نكاح الفضولي بالفعل لوجود القول ثمة.اهـ.
وهل يكون القبول بالطلاق قال: في الخانية من تعليق الطلاق امرأة قالت لأجنبي زوجت نفسي منك فقال: الرجل فأنت طالق طلقت، ولو قال: أنت طالق لا تطلق، ولا يكون هذا الكلام قبولا للنكاح؛ لأن هذا الكلام إخبار أما في المسألة الأولى جعل طلاقها جزاء لنكاحها وطلاقها لا يكون جزاء لنكاحها إلا بالقبول فيكون كلامه قبولا للنكاح ثم يقع الطلاق بعده. ا هـ. فقد ساوى النكاح البيع فإنه لو قال: بعتك هذا العبد بكذا فقال: فهو حر عتق، ولو قال: بدون الفاء لا، وهذا بخلاف الإقرار قال: في البزازية قالت أنا امرأتك فقال: لها أنت طالق يكون إقرارا بالنكاح و تطلق هي لاقتضائه النكاح وضعا. ولو قال: ما أنت لي بزوجة، وأنت طالق لا يكون إقرارا لقيام القرينة المتقدمة على أنه ما أراد بالطلاق حقيقته.اهـ.
أطلق في اللفظين فشمل اللفظين حكما، وهو اللفظ الصادر من متولي الطرفين شرعا وشمل ما ليس بعربي من الألفاظ، وما لم يذكر معهما المفعولان أو أحدهما بعد دلالة المقام والمقدمات؛ لأن الحذف لدليل كائن في كل لسان، وإنما اختير لفظ الماضي؛ لأن واضع اللغة لم

 

ج / 3 ص -116-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يضع للإنشاء لفظا خاصا، وإنما عرف الإنشاء بالشرع واختيار لفظ الماضي لدلالته على التحقيق والثبوت دون المستقبل.
وقوله أو أحدهما بيان لانعقاده بلفظين أحدهما ماض والآخر مستقبل كقوله زوجني ابنتك فقال: زوجتك، وهو صريح في أن المستقبل إيجاب، وقد صرح به قاضي خان في فتاويه حيث قال: ولفظة الأمر في النكاح إيجاب، وكذا الطلاق والخلع والكفالة والهبة إلى آخر ما ذكره، وكذا في الخلاصة وذهب صاحب الهداية والمجمع إلى أن الأمر ليس بإيجاب، وإنما هو توكيل.
وقوله زوجتك قائم مقام اللفظين بخلافه في البيع لما عرف أن الواحد في النكاح يتولى الطرفين بخلاف البيع، وهو توكيل ضمني فلا ينافيه اقتصاره على المجلس فقد علمت اختلاف المشايخ في أن الأمر بإيجاب أو توكيل فما في المختصر على أحد القولين فاندفع ما اعترض به منلا خسرو من أن صاحب الكنز خالف الكتب فلم يتنبه لما في الهداية فالمعترض غفل عن القول الآخر حفظ شيئا وغابت عنه أشياء مع أن الراجح كونه إيجابا؛ لأن الإيجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقيق المعنى أو لا، وهو صادق على لفظة الأمر فليكن إيجابا ويستغنى عما أورد أنه توكيل من أنه لو كان توكيلا لما اقتصر على المجلس كذا رجحه الكمال لكن يرد عليه ما لو قال: الوكيل بالنكاح هب ابنتك لفلان فقال: الأب، وهبت فإنه لا ينعقد النكاح ما لم يقل الوكيل بعده قبلت كذا في الخلاصة معللا بأن الوكيل لا يملك التوكيل، ولم يذكر خلافا.
وفي الظهيرية لو قال: هب ابنتك لابني فقال: وهبت لم يصح ما لم يقل أبو الصغير قبلت، وفي التتمة لو قال: هب ابنتك لفلان فقال: الأب وهبت ما لم يقل الوكيل قبلت لا يصح، وإذا قال: قبلت فإن قال: لفلان صح النكاح للموكل، وإن قال: مطلقا قبلت يجب أن يصح أيضا للموكل، وهذا يدل على أن من قال: بعدما جرى بينهما كلام بعت هذا العبد بألف درهم، وقال: الآخر اشتريت يصح، وإن لم يقل البائع بعت منك. ا هـ.
وما في الظهيرية مشكل؛ لأن للأب أن يوكل في نكاح ابنه فلو كان الأمر إيجابا لم يتوقف على القبول إلا أن يقال: إنه مفرع على القول بأنه توكيل لا إيجاب وحينئذ تظهر ثمرة الاختلاف بين القولين لكنه متوقف على النقل وصرح في فتح القدير بأنه على أن الأمر توكيل يكون تمام العقد بالمجيب، وعلى القول بأن الأمر إيجاب يكون تمام العقد قائما بهما. ا هـ. فعلى هذا لا يشترط سماع الشاهدين للأمر على القول الأول؛ لأنه لا يشترط الإشهاد على التوكيل ويشترط على القول الثاني كما لا يخفى، وظاهر ما في المعراج أن زوجني، وإن كان توكيلا لكن لما لم يعمل زوجت

 

ج / 3 ص -117-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدونه نزل منزلة شطر العقد فعلى هذا يشترط سماع الشاهدين للفظة الأمر أيضا على القول بأنها توكيل أيضا.
ثم رأيت في الفتاوى الظهيرية ما يدل على أنه لا يشترط سماع الشهود للفظ الأمر قال: في النكاح بالكتابة سواء قال: زوجي نفسك مني فبلغها الكتاب فقالت: زوجتك أو كتب تزوجتك وبلغها الكتاب فقالت زوجت نفسي منك لكن في الوجه الأول لا يشترط إعلامها الشهود. وفي الوجه الثاني يشترط. ا هـ. وإنما جعل الأمر إيجابا في النكاح على أحد القولين، ولم يجعل في البيع إيجابا اتفاقا؛ لأنه لا مساومة في النكاح؛ لأنه لا يكون إلا بعد مقدمات، ومراجعات غالبا فكان للتحقيق بخلاف البيع لا يتقدمه ما ذكر فكان الأمر فيه للمساومة كما ذكره الكمال في البيوع، وبه اندفع ما ذكره في النكاح كما لا يخفى هذا مع أن المصنف لم يصرح بالمستقبل، وإنما ذكر أنه ينعقد بلفظين أحدهما ماض وسكت عن الآخر لشموله الحال والمستقبل، ومنه الأمر، وقد علمته .
وأما المضارع فإن كان مبدوءا بالهمزة نحو أتزوجك فتقول زوجته نفسي فإنه ينعقد علله في المحيط بأنه، وإن كان حقيقة في الاستقبال إلا أنه يحتمل الحال كما في كلمة الشهادة، وقد أراد به التحقيق والحال لا المساومة بدلالة الخطبة والمقدمات بخلاف البيع. ا هـ. ولا حاجة إليه؛ لأن الأصح أن المضارع موضوع للحال، وعليه تتفرع الأحكام.
كما في قوله كل مملوك أملكه فهو حر فإنه يعتق ما في ملكه في الحال لا ما يملكه بعد إلا بالنية لما ذكرنا. وإن كان مبدوءا بالتاء نحو تزوجني بنتك فقال: فعلت ينعقد به إن لم يقصد به الاستيعاد؛ لأنه يتحقق فيه هذا الاحتمال بخلاف الأول؛ لأنه لا يستخبر نفسه عن الوعد وإذا كان المقصود هو المعنى لا اللفظ لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال كما ذكره الإسبيجابي لو قال: هل أعطيتنيها فقال: أعطيتك إن كان المجلس للوعد فوعد، وإن كان للعقد فنكاح.
وفي فتح القدير والانعقاد بقوله أنا متزوجك ينبغي أن يكون كالمضارع المبدوء بالهمزة سواء، وشمل كلام المصنف ما في النوازل لو قال: زوجيني نفسك فقالت: بالسمع والطاعة، وما إذا قال: كوني امرأتي فقبلت كما في فتح القدير، وفي الظهيرية لو قال أبو الصغيرة: لأبي الصغير زوجت ابنتي، ولم يزد عليه شيئا فقال: أبو الصغير قبلت يقع النكاح للأب هو الصحيح ويجب أن يحتاط فيه فيقول قبلت لابني، وهذه المسألة تدل على أن من قال: لآخر بعدما جرى بينهما مقدمات البيع بعت هذا العبد، وقال: الآخر اشتريت يصح، وإن لم يقل بعت منك والخلع على هذا. ا هـ.
ولم يذكر المصنف شرائط الإيجاب والقبول:

 

ج / 3 ص -118-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمنها اتحاد المجلس إذا كان الشخصان حاضرين فلو اختلف المجلس لم ينعقد فلو أوجب أحدهما فقام الآخر أو اشتغل بعمل آخر بطل الإيجاب؛ لأن شرط الارتباط اتحاد الزمان فجعل المجلس جامعا تيسيرا، وأما الفور فليس من شرطه فلو عقدا، وهما يمشيان ويسيران على الدابة لا يجوز، وإن كانا على سفينة سائرة جاز وسيأتي تمامه في البيع إن شاء الله تعالى.
ومنها أن لا يخالف القبول الإيجاب فلو أوجب بكذا فقال: قبلت النكاح، ولا أقبل المهر لا يصح، وإن كان المال فيه تبعا كما في الظهيرية بخلاف ما لو قالت زوجت نفسي منك بألف فقال: قبلت بألفين فإنه يصح والمهر ألف إلا إن قبلت الزيادة في المجلس فهو ألفان على المفتى به كما في التجنيس وبخلاف ما لو قال: تزوجتك بألف فقالت قبلت بخمسمائة فإنه صحيح ويجعل كأنها قبلت الألف وحطت عنه خمسمائة كما في الذخيرة، وفي الظهيرية لو قالت لرجل زوجت نفسي منك بألف فقال: الرجل قبلت قبل أن تنطق المرأة بالتسمية لا ينعقد النكاح ما لم يقل الزوج قبلت بعد التسمية.
ومنها سماع كل منهما كلام صاحبه لأن عدم سماع أحدهما كلام صاحبه بمنزلة غيبته كما في الوقاية.
وقيد المصنف انعقاده باللفظ؛ لأنه لا ينعقد بالكتابة من الحاضرين فلو كتب تزوجتك فكتبت قبلت لم ينعقد. وأما من الغائب فكالخطاب، وكذا الرسول فيشترط سماع الشهود قراءة الكتاب، وكلام الرسول.
وفي المحيط الفرق بين الكتاب والخطاب أن في الخطاب لو قال: قبلت في مجلس آخر لم يجز، وفي الكتاب يجوز؛ لأن الكلام كما وجد تلاشى فلم يتصل الإيجاب بالقبول في مجلس آخر فأما الكتاب فقائم في مجلس آخر، وقراءته بمنزلة خطاب الحاضر فاتصل الإيجاب بالقبول فصح. ا هـ.
ثم اعلم أن الشرط سماع الشهود قراءة الكتاب مع قبولها أو حكايتها ما في الكتاب لهم فلو قالت: إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني قد زوجت نفسي منه صح النكاح وتمامه في الفصل السابع عشر في النكاح بالكتابة من الخلاصة.
وقيد بالإيجاب والقبول؛ لأنه لا ينعقد بالإقرار فلو قال بحضرة الشهود: هي امرأتي، وأنا زوجها، وقالت: هو زوجي، وأنا امرأته لم ينعقد النكاح؛ لأن الإقرار إظهار لما هو ثابت، وليس

 

ج / 3 ص -119-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بإنشاء ونقل قاضي خان عن ابن الفضل انعقاده به مقتصرا عليه والمختار الأول كما في الواقعات والخلاصة. وصح في الذخيرة أن الإقرار إن كان بمحضر الشهود صح النكاح وجعل إنشاء، وإلا فلا، ومن شروط الركن أن يضيف النكاح إلى كلها أو ما يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة بخلاف اليد والرجل كما عرف في الطلاق، وقالوا الأصح أنه لو أضاف الطلاق إلى ظهرها وبطنها لا يقع، وكذا العتق فلو أضاف النكاح إلى ظهرها أو بطنها ذكر الحلواني قال مشايخنا: الأشبه من مذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح وذكر ركن الإسلام والسرخسي ما يدل على أنه لا ينعقد النكاح كذا في الذخيرة.
ولو قال: تزوجت نصفك فالأصح عدم الصحة كما في الخانية، وقولهم إن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كطلاق نصفها يقتضي الصحة، وقد ذكر في المبسوط في موضع جوازه إلا أن يقال: إن الفروج يحتاط فيها فلا يكفي ذكر البعض لاجتماع ما يوجب الحل والحرمة في ذات واحدة فترجح الحرمة كذا في الخانية.
ومنها أن لا تكون المنكوحة مجهولة فلو زوجه بنته، ولم يسمها، وله بنتان لم يصح للجهالة بخلاف ما إذا كانت له بنت واحدة إلا إذا سماها بغير اسمها، ولم يشر إليها فإنه لا يصح كافي التجنيس فلو كان له بنتان كبرى واسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة فأراد تزويج الكبرى فغلط فسماها فاطمة انعقد على الصغرى فلو قال: فاطمة الكبرى لم ينعقد لعدم وجودها. وفي الذخيرة إذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابن واحد فقال: زوجت ابنتي من ابنك يجوز النكاح، وإذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابنان إن سمى القابل الابن باسمه صح النكاح للابن المسمى، وكذلك إذا لم يسمه واقتصر على قوله قبلت يجوز النكاح ويجعل قوله: قبلت جوابا فيتقيد بالإيجاب، ولو ذكر القابل الابن إلا أنه لم يسمه باسمه بأن قال: قبلت لابني لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يجعل جوابا؛ لأنه زاد عليه، ولو كان للمرأة اسمان تزوج بما عرفت به، وفي الظهيرية والأصح عندي أن يجمع بين الاسمين وسيأتي حكم ما إذا كانت حاضرة منتقبة، وفي الخانية لو وكلت امرأة رجلا بأن يزوجها فزوجها وغلط في اسم أبيها لا ينعقد النكاح إذا كانت غائبة. ا هـ.
ولم يشترط المصنف الفهم قال: في التجنيس، ولو عقدا عقد النكاح بلفظ لا يفهمان كونه نكاحا هل ينعقد اختلف المشايخ فيه قال: بعضهم ينعقد؛ لأن النكاح لا يشترط فيه القصد. ا هـ. يعني بدليل صحته مع الهزل وظاهره ترجيحه، ولم يشترط أيضا تمييز الرجل من المرأة وقت

 

ج / 3 ص -120-       وإنما يصح بلفظ النكاح والتزويج، وما وضع لتمليك العين في الحال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العقد للاختلاف لما في النوازل في صغيرين قال: أبو أحدهما زوجت بنتي هذه من ابنك هذا، وقبل ثم ظهر الجارية غلاما والغلام جارية جاز ذلك. وقال العتابي لا يجوز، وفي القنية زوجت وتزوجت يصلح من الجانبين.
"قوله: وإنما يصح بلفظ النكاح والتزويج، وما وضع لتمليك العين في الحال "بيان لانحصار اللفظين فيما ذكر أما انعقاده بلفظ النكاح والتزويج فلا خلاف فيه، وأما انعقاده بما وضع لتمليك الأعيان فمذهبنا؛ لأن التمليك سبب لملك المتعة في محلها بواسطة ملك الرقبة، وهو الثابت بالنكاح فأطلق اسم السبب كالهبة وأريد المسبب، وهو ملك المتعة، وإن كان ملك المتعة قصديا في النكاح ضمنيا في التمليك، وإنما لم يصح التمليك بلفظ النكاح لما تقرر في الأصول أن استعارة السبب للمسبب جائزة مطلقا، وعكسه لا يجوز إلا بشرط الاختصاص من الجانبين ولذا صح التجوز بلفظ العتق عن الطلاق دون عكسه والخلوص في قوله تعالى
{خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] إنما هو في عدم المهر لا في الانعقاد بلفظ الهبة كما عرف في الخلافيات.
فينعقد النكاح بلفظ الهبة والعطية والصدقة والملك والتمليك والجعل والبيع والشراء على الأصح.
وأما بلفظ السلم فإن جعلت المرأة رأس مال السلم فإنه ينعقد إجماعا، وإن جعلت مسلما فيها ففيه اختلاف قيل لا ينعقد؛ لأن السلم في الحيوان لا يصح، وقيل ينعقد؛ لأنه يثبت به ملك الرقبة والسلم في الحيوان ينعقد حتى لو اتصل به القبض فإنه يفيد ملك الرقبة ملكا فاسدا، وليس كل ما يفسد الحقيقي يفسد مجازيه ورجحه في فتح القدير، وهو مقتضى ما في المتون .
وفي الصرف روايتان، وقولان قيل لا ينعقد به؛ لأنه وضع لإثبات ملك ما لا يتعين من النقد والمعقود عليه هنا متعين، وقيل ينعقد به؛ لأنه يثبت به ملك العين في الجملة وينبغي ترجيحه لدخوله تحت الكلية التي في المختصر، وكذا في انعقاده بلفظ القرض قولان أصحهما عدم الانعقاد كما في الكشف والولوالجية وفي الفتاوى الصيرفية الأصح الانعقاد. ا هـ. وينبغي اعتماده لما أنه يفيد ملك العين للحال، وكذا في انعقاده بلفظ الصلح قولان وجزم في غاية البيان بعدمه؛ لأنه موضوع للحطيطة، وإسقاط الحق، وكذا في انعقاده بلفظ الرهن قولان أصحهما عدم الانعقاد كما في الولوالجية، وهو ظاهر؛ لأنه لا يفيد الملك أصلا.
قيد بما وضع للتمليك احترازا عما لا يفيده فلا ينعقد بلفظ الفداء كما لو قالت: فديت نفسي منك فقبل كما في الخانية والإبراء والفسخ والإقالة والخلع والكتابة والتمتع والإباحة والإحلال والرضا والإجازة بالزاي الوديعة؛ لأنها لا تفيد الملك أصلا.

 

ج / 3 ص -121-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بتمليك العين احترازا عما يفيد ملك المنفعة فقط كالعارية فلا ينعقد بها على الصحيح. وأما بلفظ الإجارة فإن جعلت المرأة أجرة فينعقد اتفاقا؛ لأنه يفيد ملك العين للحال في الجملة بأن شرط الحلول أو عجلت.
وأما إذا لم تجعل أجرة كقوله آجرتك ابنتي بكذا فالصحيح أنه لا ينعقد؛ لأنها لا تفيد ملك العين؛ ولأن بينهما مضادة؛ لأن التأبيد من شرائطه والتأقيت من شرائطها واحترازا عما يفيد تمليك بعض العين كلفظ الشركة فإنه لا ينعقد به كما في الظهيرية. وقيد بقوله في الحال احترازا عن لفظ الوصية فإنه لا ينعقد النكاح به؛ لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت كذا أطلق الشارحون، وقيده في الولوالجية والظهيرية بما إذا أطلق أو أضاف إلى ما بعد الموت أما إذا قال: أوصيت ببضع ابنتي للحال بألف درهم فقبل الآخر انعقد النكاح؛ لأنه صار مجازا عن التمليك والمعتمد الإطلاق؛ لأن الوصية مجاز عن التمليك فلو انعقد بها لكان مجازا عن النكاح والمجاز لا مجاز له كما في العناية من البيع.
وفي المبسوط في كل موضع لم ينعقد بهذه الألفاظ فإنه يثبت الشبهة فيسقط الحد لو وطئ ويجب الأقل من المسمى، ومن مهر المثل عند الدخول. ا هـ.
ثم اعلم أنه إنما وقع الاختلاف في العارية والإجارة، وإن كانا لا يفيدان ملك العين قطعا؛ لأن ذلك الأصل مختلف فيه فقد روى الحسن عن الإمام أن كل شيء يملك به شيء ينعقد به النكاح، وهذه تدل على الانعقاد بهما.
وروى ابن رستم عن الإمام كل لفظ يملك به الرقاب ينعقد به النكاح، وهذه تدل على عدمه فيهما كما في الذخيرة، وإنما اعتمد المشايخ رواية ابن رستم؛ لأنها محكمة ورواية الحسن محتملة فحمل المحتمل على المحكم، ولم يقيد المصنف اللفظ المفيد لملك العين بالنية، ولا بالقرينة، وفيه اختلاف ففي التبيين لا تشترط النية مع ذكر المهر، وفي المبسوط لا تشترط مطلقا، وفي فتح القدير المختار أنه لا بد من فهم الشاهدين مقصودهما.
وفي البدائع، ولو أضاف الهبة إلى الأمة بأن قال لرجل، وهبت أمتي هذه منك فإن كان الحال يدل على النكاح من إحضار الشهود وتسمية المهر مؤجلا، ومعجلا ونحو ذلك ينصرف إلى النكاح، وإن لم يكن الحال دليلا على النكاح فإن نوى النكاح وصدقه الموهوب له فكذلك وينصرف إلى النكاح بقرينة النية، وإن لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة. ا هـ. فلم يشترط مع النية فهم الشهود، ولا بد منه كما قدمناه بخلاف ما إذا أضيفت الهبة إلى الحرة فإنه ينعقد من غير هذه القرينة؛ لأن عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي، وهو الملك للحرة يوجب الحمل على المجازي

 

ج / 3 ص -122-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو القرينة فيكتفي بها الشهود حتى لو قامت قرينة على عدمه لا ينعقد به كما في الخانية وغيرها لو طلب من امرأة الزنا فقالت: وهبت نفسي منك فقال الرجل قبلت لا يكون نكاحا، وهو بمنزلة قول أبي البنت، وهبتها منك لتخدمك فقال: قبلت لا يكون نكاحا. ا هـ. قال في الفتاوى: إلا إذا أراد به النكاح.
فالحاصل أن النكاح ينعقد بالهبة إذا كان على وجه النكاح، وفي الظهيرية لو قالت المرأة: وهبت نفسي لك فقال الرجل أخذت قالوا لا يكون نكاحا صحيحا، وإنما استعيرت الهبة للنكاح، وإن كانت لا تفيد الملك إلا بالقبض؛ لأنها سبب موضوع للملك، وإنما تأخر القبض لضعف السبب لتعريه عن العوض وينعدم ذلك الضعف إذا استعملت في النكاح لأن العوض يجب بنفسه كذا في النهاية.
ويرد على المصنف ألفاظ ينعقد بها النكاح غير الثلاثة:
منها الكون لما في الذخيرة وغيرها لو قال: لامرأة كوني امرأتي بكذا فقبلت انعقد بخلاف ما لو قالت المرأة أكون زوجة لك فقال: نعم لا يصح كما في الظهيرية.
ومنها ما في الخانية لو قالت: المرأة عرستك نفسي فقال: قبلت انعقد وذكره في الظهيرية بلفظ أعرستك.
ومنها لفظ الرجعة فقد صرح في الواقعات والخانية، وكثير أنه ينعقد النكاح إذا قال للأجنبية راجعتك فقبلت كما لو قال للمبانة راجعتك لكن شرط في الخانية أن يذكر المال، وإن لم يذكر مالا قالوا: لا يكون نكاحا وشرط في التجنيس ذكر المال ونية الزوج، وفرق بعضهم بين الأجنبية والمبانة فينعقد به في المبانة دون الأجنبية واستحسنه في فتح القدير. وفي الخانية، وكذا لو قالت: المبانة لزوجها رددت نفسي عليك فهو بمنزلة الرجعة ينعقد به النكاح كما في الذخيرة.
ومنها ارفعها واذهب بها حيث شئت لما في الخانية لو قال: زوج ابنتك مني على كذا فقال: أبوها بمحضر من الشهود ارفعها واذهب بها حيث شئت قال ابن الفضل يكون نكاحا وجزم في الولوالجية بعدمه لاحتماله الوعد.
ومنها ما في الخانية لو قال أبو الصغير اشهدوا أني قد زوجت ابنة أحمد يريد به أبا الصغيرة من ابني فلان بمهر كذا، وقال: لأبيها أليس هكذا فقال: أبوها هكذا، ولم يزيدا على ذلك قالوا الأولى أن يجددا النكاح، وإن لم يجددا جاز. ا هـ. .
ومنها ما في الخانية أيضا لو قال رجل جئتك خاطبا ابنتك فقال الأب ملكتك كان

 

ج / 3 ص -123-       عند حرين أو حر وحرتين عاقلين بالغين مسلمين، ولو فاسقين أو محدودين أو أعميين أو ابني العاقدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نكاحا، وفي الولوالجية لو قال: لها خطبتك إلى نفسي على ألف درهم فقالت: قد زوجتك نفسي فهو نكاح جائز؛ لأنه يراد به الإيجاب، وأما ما روي عن محمد لو قال أخطبك على ألف فقالت: قد فعلت، لم ينعقد حتى يقول الزوج قبلت فقد قال في المحيط والظهيرية: إنه محمول على ما إذا لم يرد به الحال، وفي الظهيرية رجل أرسل رجلا أن يخطب امرأة بعينها فزوجها الرسول إياه جاز؛ لأن الخطبة جعلت نكاحا إذا صدرت من الآمر فيكون الأمر بها أمرا بالنكاح ويشكل عليه ما في الفتاوى الصيرفية معزيا إلى السرخسي أن من قال: إن خطبت فلانة أو قال: كل امرأة خطبتها فهي طالق إن يمينه لا ينعقد؛ لأن الخطبة عند العقد، وهي تسبق العقد فلا يكون هذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى الملك ووقع في بعض النسخ إن خطبت فلانة وتزوجتها فهي طالق ثلاثا فأجاب على نحو ما ذكرنا فقال: إذا خطبها ثم تزوجها لا تطلق، وهذا غلط؛ لأن مع حرف الواو تصير الخطبة مع التزوج شرطا واحدا كما في قوله إن أكلت وشربت، وأشباه ذلك فلا تنحل اليمين بالخطبة وحدها فإذا تزوجها بعد ذلك تنحل اليمين، وهي في نكاحه فتطلق. ا هـ.
وذكر الولوالجي إن تزوجت فلانة أو خطبتها فهي طالق فخطبها وتزوجها لم تطلق؛ لأنه حين خطبها حنث لوجود الشرط فحين تزوجها تزوجها واليمين غير باقية. ا هـ. ومنها ما في الخلاصة لو قال: صرت لي أو صرت لك فإنه نكاح عند القبول، وقد قيل بخلافه. ا هـ.
ومنها ما في التتارخانية لو قال لها: يا عروسي فقالت: لبيك انعقد لكن في الصيرفية أنه خلاف ظاهر الرواية.
ومنها بالسمع والطاعة لو قال: زوجي نفسك مني فقالت: بالسمع والطاعة فهو نكاح كما في الخلاصة.
ومنها ما في الذخيرة لو قال: ثبت حقي في منافع بضعك بألف فقالت: نعم صح النكاح. ا هـ.
والجواب أن العبرة في العقود للمعاني حتى في النكاح كما صرحوا به، وهذه الألفاظ تؤدي معنى النكاح، وهذا مما ظهر لي من فضله تعالى.
"قوله: عند حرين أو حر وحرتين عاقلين بالغين مسلمين، ولو فاسقين أو محدودين أو أعميين أو ابني العاقدين "متعلق بينعقد بيان للشرط الخاص به، وهو الإشهاد فلم يصح بغير

 

ج / 3 ص -124-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهود لحديث الترمذي "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن من غير بينة" ولما رواه محمد بن الحسن مرفوعا
"لا نكاح إلا بشهود" فكان شرطا ولذا قال: في مآل الفتاوى لو تزوج بغير شهود ثم أخبر الشهود على وجه الخبر لا يجوز إلا أن يجدد عقدا بحضرتهم. ا هـ.. وفي الخانية والخلاصة لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد ويكفر لاعتقاده أن النبي يعلم الغيب وصرح في المبسوط بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بالنكاح بغير شهود، ولا يشترط الإعلان مع الشهود لما في التبيين أن النكاح بحضور الشاهدين يخرج عن أن يكون سرا ويحصل بحضورهما الإعلان. ا هـ. ويستثنى منه مسألة اليمين لما في عدة الفتاوى إذا حلف ليتزوجن سرا فتزوج بثلاثة شهود يحنث وبالشاهدين لا يحنث. ا هـ.
وأفاد المصنف أن الشهادة تشترط في الموقوف عند العقد لا عند الإجازة كما في المحيط, وأن الحضور كاف لتعبيره بكلمة عند فلا يشترط السماع، وفيه خلاف ففي الخانية، وعامة المشايخ شرطوا السماع والقائل بعدمه القاضي الإمام علي السغدي. ا هـ.
وثمرة الاختلاف تظهر في النائمين والأصمين فعلى قول العامة لا ينعقد النكاح بحضورهما، وعلى قول السغدي ينعقد وصحح قاضي خان في شرحه أنه لا ينعقد بحضرة الأصمين وجزم بأنه لا ينعقد بحضرة النائمين وجزم في فتاواه بأنه لا ينعقد بحضرة النائمين إذا لم يسمعا كلامهما فثبت بهذا أن الأصح ما عليه العامة كما صرح به في التجنيس إذ المقصود من الحضور السماع فقول الزيلعي ينعقد بحضرة النائمين على الأصح، ولا ينعقد بحضرة الأصمين على المختار ضعيف بل لا فرق بينهما في عدم الانعقاد على الأصح لعدم السماع، ولقد أنصف المحقق الكمال حيث قال: ولقد أبعد عن الفقه، وعن الحكمة الشرعية من جوزه بحضرة النائمين.اهـ.
واختلف في اشتراط سماع الشاهدين معا فنقل في الذخيرة روايتين عن أبي يوسف وجزم في الخانية بأنه شرط فكان هو المذهب فلو سمعا كلامهما متفرقين لم يجز، ولو اتحد المجلس فلو كان أحدهما أصم فسمع صاحب السمع، ولم يسمع الأصم حتى صاح صاحبه في أذنه أو غيره لا يجوز النكاح حتى يكون السماع معا كذا في الذخيرة واختلف أيضا في فهم الشاهدين كلامهما فجزم في التبيين بأنه لو عقد بحضرة هنديين لم يفهما كلامهما لم يجز وصححه في الجوهرة، وقال: في الظهيرية والظاهر أنه يشترط فهم أنه نكاح واختاره في الخانية فكان هو المذهب.

 

ج / 3 ص -125-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحاصل أنه يشترط سماعهما معا مع الفهم على الأصح لكن في الخلاصة إذا تزوج امرأة بالعربية، والزوج والمرأة يحسنان العربية والشهود لا يعرفون العربية اختلف المشايخ فيه. والأصح أنه ينعقد. ا هـ. فقد اختلف التصحيح في اشتراط الفهم، وفي الخلاصة وغيرها ينعقد بحضرة السكارى إذا فهموا النكاح، وإن لم يذكروا بعد الصحو وينبغي أن لا يشترط فهمهم على القول بعدم اشتراطه إلا أن يقال: إنه عند عدم الفهم ملحق بالجنون في حق هذا الحكم لعدم التمييز، ولا بد من تمييز المنكوحة عند الشاهدين لتنتفي الجهالة فإن كانت حاضرة متنقبة كفى الإشارة إليها والاحتياط كشف وجهها فإن لم يروا شخصها وسمعوا كلامها من البيت إن كانت المرأة في البيت وحدها جاز النكاح لزوال الجهالة، وإن كان معها امرأة أخرى لا يجوز لعدم زوالها، وكذا إذا وكلت بالتزويج فهو على هذا التفصيل، وإن كانت غائبة، ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها، وإن لم يعرفوها لا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها وجوز الخصاف النكاح مطلقا حتى لو وكلته فقال: بحضرتهما زوجت نفسي من موكلتي أو من امرأة جعلت أمرها بيدي فإنه يصح عنده قال قاضي خان والخصاف كان كبيرا في العلم يجوز الاقتداء به وذكر الحاكم الشهيد في المنتقى كما قال الخصاف.اهـ.
وفي الخلاصة إذا زوجها أخوها فقال: زوجت أختي، ولم يسمها جاز إن كانت له أخت واحدة فإن كانت له أختان فسماها جاز.
وأفاد المصنف أن انعقاد النكاح بكتاب أحدهما يشترط فيه سماع الشاهدين قراءة الكتاب مع قبول الآخر كما قدمناه لكن في الظهيرية، وفي النكاح سواء كتب زوجي نفسك مني فبلغها الكتاب فقالت: زوجت أو كتب تزوجتك وبلغها الكتاب فقالت: زوجت نفسي جاز لكن في الوجه الأول، ولا يشترط إعلامها الشهود، وفي الوجه الثاني يشترط.اهـ.
فقولهم يشترط حضورهما وقت قراءة الكتاب ليس على إطلاقه، وهو مبني على أن صيغة الأمر توكيل فقولها زوجت نفسي منه قائم مقام الإيجاب والقبول فاكتفي بسماعه، ولا يشترط الإشهاد على التوكيل، وأما على قول من جعل الأمر إيجابا فلا بد من سماع قراءة الكتاب كما لا يخفى.
وشرط في الشهود أربعة الحرية والعقل والبلوغ والإسلام فلا ينعقد بحضرة العبيد

 

ج / 3 ص -126-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمجانين والصبيان والكفار في نكاح المسلمين؛ لأنه لا ولاية لهؤلاء، ولا فرق في العبد بين القن والمدبر والمكاتب فلو أعتق العبيد أو بلغ الصبيان بعد التحمل ثم شهدوا إن كان معهم غيرهم وقت العقد ممن ينعقد بحضورهم جازت شهادتهم؛ لأنهم أهل للتحمل. وقد انعقد العقد بغيرهم، وإلا فلا كما في الخلاصة وغيرها، ولم يشترط المصنف نطق الشاهدين؛ لأنه ينعقد بحضرة الأخرس إذا كان يسمع كما في الخلاصة والأصل في هذا الباب أن كل من صلح أن يكون وليا في النكاح بولاية نفسه صلح أن يكون شاهدا فيه فخرج المكاتب فإنه، وإن ملك تزويج أمته لكنه بولاية مستفادة من جهة المولى لا بولاية نفسه.
ثم النكاح له حكمان حكم الإظهار وحكم الانعقاد فحكم الانعقاد على ما ذكرنا.
وأما حكم الإظهار فإنما يكون عند التجاحد فلا يقبل في الإظهار إلا شهادة من تقبل شهادته في سائر الأحكام كذا في شرح الطحاوي فلذا انعقد بحضور الفاسقين والأعميين والمحدودين في قذف، وإن لم يتوبا وابني العاقدين، وإن لم تقبل أداؤهم عند القاضي كانعقاده بحضرة العدوين، وفي البدائع أن الإشهاد في النكاح لدفع تهمة الزنا لا لصيانة العقد عند الجحود والإنكار والتهمة تندفع بالحضور من غير قبول على أن معنى الصيانة تحصل بسبب حضورهما، وإن كان لا تقبل شهادتهما؛ لأن النكاح يظهر ويشتهر بحضورهما فإذا ظهر واشتهر تقبل الشهادة فيه بالتسامع فتحصل الصيانة.اهـ.
وظاهره أن من لا تقبل شهادته إذا انعقد بحضوره ثم أخبر به من تقبل شهادته جاز له الشهادة به بالتسامع فليحفظ.
هذا، وفي فتاوى النسفي للقاضي أن يبعث إلى شفعوي ليبطل العقد إذا كان بشهادة الفاسق وللحنفي أن يفعل ذلك، وكذا لو كان بغير ولي فطلقها ثلاثا فبعث إلى شافعي يزوجها منه بغير محلل ثم يقضي بالصحة وبطلان النكاح الأول يجوز إذا لم يأخذ القاضي الكاتب والمكتوب إليه شيئا، ولا يظهر بهذا حرمة الوطء السابق، ولا شبهة، ولا خبث في الولد كذا في الخلاصة ثم قال الإمام ظهير الدين المرغيناني لا يجوز الرجوع إلى شافعي المذهب إلا في اليمين المضافة أما لو فعلوا فقضى ينفذ.اهـ.
وصورة التزويج بحضرة ابنيهما أن تقع الفرقة بين الزوجين ثم يعقد بحضور ابنيهما، ولو تجاحدا لا تقبل شهادة ابنيهما مطلقا؛ لأنه لا يخلو عن شهادتهما لأصلهما فلو كانا ابنيه وحده تقبل شهادتهما عليه لا له، ولو كانا ابنيها وحدها قبلت عليها لا لها، ولو كان أحدهما ابنها والآخر ابنه لم تقبل أصلا، ومن زوج بنته بشهادة ابنيه ثم تجاحد الزوجان فإن كان الأب مع الجاحد فيهما

 

ج / 3 ص -127-       وصح تزوج مسلم ذمية عند ذميين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيهما كان تقبل شهادتهما؛ لأنها شهادة عليه، وإن كان الأب مع المدعي منهما أيهما كان لم تقبل شهادتهما عند أبي يوسف، وقال محمد تقبل فأبو يوسف نظر إلى الدعوى والإنكار ومحمد نظر إلى المنفعة، وعدمها، وهنا لا منفعة للأب.
قال في البدائع والصحيح نظر محمد؛ لأن المانع من القبول التهمة، وإنها تنشأ عن النفع، وكذلك على هذا الاختلاف فيما إذا قال: رجل لعبده إذا كلمك زيد فأنت حر ثم قال: العبد كلمني زيد، وأنكر المولى فشهد للعبد ابنا زيد أن أباهما قد كلمه والمولى ينكر تقبل عند محمد ادعى زيد الكلام أو لا لعدم منفعته، وعند أبي يوسف إن كان زيد يدعي الكلام لا تقبل، وإن كان لا يدعي تقبل، وكذا على هذا الاختلاف فيمن توكل عن غيره في عقد ثم شهد ابنا الوكيل على العقد فإن كان حقوق العقد لا ترجع إلى العاقد تقبل عند محمد مطلقا لعدم المنفعة، وعند أبي يوسف إن كان يدعي لا تقبل، وإن كان ينكر تقبل.اهـ.
ولو زوج بنته، وأنكرت الرضا فشهد أخواها، وهما ابناه لم تقبل في قولهم؛ لأن الرضا شرط الجواز فكان فيه تنفيذ قول الأب مقصودا فتكون شهادة له كذا في المحيط وجعل في الظهيرية قول الإمام في المسألة الأولى كأبي يوسف، ولو كانت البنت صغيرة لا تقبل اتفاقا إلا إذا كان الأب جاحدا والآخر مدعيا فمقبولة كما في فتح القدير، وفي الظهيرية، ولو زوج الموليان أمتهما ثم شهدا بطلاقها فإن ادعت الأمة لا تقبل إجماعا، وإن أنكرت فعند أبي يوسف تقبل، وعند محمد لا تقبل. ا هـ.
وفي الولوالجية شهد عليه بنوه أنه طلق أمهم ثلاثا، وهو يجحد فإن كانت الأم تدعي فهي باطلة، وإن كانت تجحد فهي جائزة ذكره في الفصل الرابع من القضاء وذكر في الطلاق أن الشهادة لضرة أمه كالشهادة لأمه، وقيدنا الإشهاد بأنه خاص بالنكاح لما ذكره الإسبيجابي بقوله، وأما سائر العقود فتنفذ بغير شهود، ولكن الإشهاد عليه مستحب للآية. ا هـ. وذكر في الواقعات أن الإشهاد واجب في المداينات. وأما الكتابة فقال في المحيط من باب العتق: ويستحب للعبد أن يكتب للعتق كتابا ويشهد عليه شهودا توثيقا وصيانة عن التجاحد كما في المداينة بخلاف سائر التجارات؛ لأنه مما يكثر وقوعها فالكتابة فيها تؤدي إلى الحرج، ولا كذلك العتق. ا هـ. وينبغي أن يكون النكاح كالعتق؛ لأنه لا حرج فيها.
"قوله: وصح تزوج مسلم ذمية عند ذميين" بيان لكون اشتراط إسلام الشاهد إنما هو إذا كانا مسلمين أما إذا كانت ذمية فلا عندهما، وقال محمد لا يجوز؛ لأن السماع في النكاح شهادة، ولا شهادة للكافر على المسلم فكأنهما لم يسمعا كلام المسلم، ولهما أن الشهادة شرطت في

 

ج / 3 ص -128-       ومن أمر رجلا أن يزوج صغيرته فزوجها عند رجل والأب حاضر صح، وإلا فلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النكاح على اعتبار إثبات الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار وجوب المهر إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال، وهما شاهدان عليها بخلاف ما إذا لم يسمعا كلامه؛ لأن العقد ينعقد بكلاميهما، والشهادة شرط على العقد أطلق في الذميين فشمل ما إذا كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين كذا في البدائع، وقيد بصحة العقد؛ لأن أداءهما عند القاضي عند إنكار المسلم غير صحيح إجماعا، وعند إنكارها مقبول عندهما مطلقا، وعند محمد إن قالا كان معنا مسلمان وقت العقد قبل، وإلا فلا، وكذا إذا أسلما، وأديا فعلى هذا الخلاف كذا في شرح الطحاوي، وعن محمد لا تقبل شهادتهما مطلقا قال: في البدائع، وهو الصحيح من مذهبه؛ لأنها قامت على إثبات فعل المسلم على نكاح فاسد.
"فروع "
شهد نصرانيان بإسلام نصراني فجحد لا تقبل، وعلى نصرانية تقبل شهد نصرانيان على كافر بأجرة لمسلم تقبل لا في عكسه شهد نصرانيان باستحقاق ما اشترى نصراني من مسلم لنصراني لا تقبل خلافا لأبي يوسف.
"قوله: ومن أمر رجلا أن يزوج صغيرته فزوجها عند رجل والأب حاضر صح، وإلا فلا "; لأن الأب يجعل مباشرا للعقد باتحاد المجلس ليكون الوكيل سفيرا، ومعبرا فبقي المزوج شاهدا، وإن كان الأب غائبا لم يجز؛ لأن المجلس مختلف فلا يمكن أن يجعل الأب مباشرا، وهذا هو المعتمد خلافا لما في النهاية من إمكان جعل الأب شاهدا من غير نقل عبارة الوكيل إليه، ولم أر من نبه على ثمرة هذا الاختلاف.
وقد ظهر لي أن ثمرته في موضعين.
الأول أن وكيل الأب لو كان امرأة فعلى المعتمد لا ينعقد بحضور رجل بل لا بد من امرأة أخرى، وعلى ما في النهاية ينعقد، ولو كان الآمر بتزويج الصغيرة أمها انعكس الحكم.
الثاني: لو شهد الأب بالنكاح بعد بلوغها، وهي تنكر فعلى طريقة ما في النهاية ينبغي أن تقبل؛ لأنه شاهد لا مزوج، وعلى المعتمد لا تقبل؛ لأنه مزوج، ولو كان الآمر الأخ أو العم فشهد لها أو عليها فعلى ما في النهاية تقبل، وعلى المعتمد لا تقبل فليتأمل.
وعبارة النقاية هنا أخصر، وأفود حيث قال: والوكيل شاهد إن حضر موكله كالولي إن حضرت موليته بالغة. ا هـ. ولأنه لا فرق بين أن يكون المأمور رجلا أو امرأة فإن كان رجلا اشترط أن يكون معه رجل آخر أو امرأتان، وإن كان امرأة اشترط أن يكون معها رجلان أو رجل وامرأة وبه علم أن قوله عند رجل ليس بقيد؛ لأن المرأتين كذلك.

 

ج / 3 ص -129-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بكون المولية بالغة؛ لأنها لو كانت صغيرة لا يكون الولي شاهدا؛ لأن العقد لا يمكن نقله إليها، وعلى هذا فلا حاجة إلى قوله كالولي؛ لأنه في هذه الحالة وكيل فدخل تحت الأول .
وقيد بحضرة موكله؛ لأنه لو وكل المولى رجلا في تزويج عبده فزوجه الوكيل بشهادة واحد والعبد حاضر لم يجز؛ لأن العقد لم ينتقل إليه لعدم التوكيل من جهته، وإن أذن لعبده أن يتزوج فتزوج بشهادة المولى ورجل آخر فالصواب أنه يجوز ويكون المولى شاهدا؛ لأن العبد يتصرف بأهلية نفسه والإذن فك الحجر، وليس بتوكيل وصححه في فتح القدير، ولو زوج المولى عبده البالغ امرأة بحضرة رجل واحد والعبد حاضر صح؛ لأن المولى يخرج من أن يكون مباشرا فينتقل إلى العبد والمولى يصلح أن يكون شاهدا، وإن كان العبد غائبا لم يجز، وقال المرغيناني لا يجوز فكان في المسألة روايتان ورجح في فتح القدير عدم الجواز؛ لأن مباشرة السيد ليس فكا للحجر عنهما في التزوج مطلقا والأصح في مسألة وكيله ثم إذا وقع التجاحد بين الزوجين في هذه المسائل فللمباشر أن يشهد وتقبل شهادته إذا لم يذكر أنه عقده بل قال: هذه امرأته بعقد صحيح ونحوه، وإن بين لا تقبل شهادته على فعل نفسه واختلفوا فيما إذا قال: هذه امرأته، ولم يشهد بالعقد والصواب أنها تقبل، ولا حاجة إلى إثبات العقد فقد حكي عن أبي القاسم الصفار أن من تولى نكاح امرأة من رجل، وقد مات الزوج والورثة ينكرون هل يجوز للذي تولى العقد أن يشهد قال: نعم وينبغي أن يذكر العقد لا غير فيقول هذه منكوحته، وكذلك قالوا في الأخوين إذا زوجا أختهما ثم أرادا أن يشهدا على النكاح ينبغي أن يقولا هذه منكوحته كذا في الذخيرة، وفي الفتاوى بعث أقواما للخطبة فزوجها الأب بحضرتهم فالصحيح الصحة، وعليه الفتوى؛ لأنه لا ضرورة في جعل الكل خاطبين فيجعل المتكلم فقط والباقي شهود كذا في فتح القدير، وفي الخلاصة المختار عدم الجواز، وفي المحيط واختار الصدر الشهيد الجواز. ا هـ. والله تعالى أعلم.

فصل في المحرمات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل "فصل في المحرمات "
شروع في بيان شرط النكاح أيضا فإن منه كون المرأة محللة لتصير محلا له وأفرد بفصل على حدة لكثرة شعبه، واختلف الأصوليون في إضافة التحريم إلى الأعيان، فقيل: مجاز والمحرم حقيقة الفعل، ورجحوا أنه حقيقة وانتفاء محلية المرأة للنكاح شرعا بأسباب تسعة :

 

ج / 3 ص -130-       حرم تزوج أمه وبنته وإن بعدتا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول: المحرمات بالنسب: وهن فروعه وأصوله وفروع أبويه وإن نزلوا وفروع أجداده وجداته إذا انفصلوا ببطن واحد.
الثاني: المحرمات بالمصاهرة: وهن فروع نسائه المدخول بهن وأصولهن وحلائل فروعه وحلائل أصوله.
والثالث: المحرمات بالرضاع وأنواعهن كالنسب.
والرابع: حرمة الجمع بين المحارم وحرمة الجمع بين الأجنبيات كالجمع بين الخمس.
والخامس: حرمة التقديم وهو تقديم الحرة على الأمة جعله في النهاية والمحيط قسما على حدة وأدخله الزيلعي في حرمة الجمع، فقال: وحرمة الجمع بين الحرة والأمة والحرة متقدمة وهو الأنسب.
والسادس المحرمة لحق الغير كمنكوحة الغير ومعتدته والحامل بثابت النسب.
والسابع المحرمة لعدم دين سماوي كالمجوسية والمشتركة.
والثامن المحرمة للتنافي كنكاح السيدة مملوكها.
والتاسع لم يذكره الزيلعي وكثير وهو المحرمة بالطلقات الثلاث ذكره في المحيط والنهاية، وقد ذكر المصنف في هذا الفصل سبعة منها، وذكر المحرمة بالطلقات الثلاثة في فصل من تحل به المطلقة ثلاثا من الرجعة ولم يصرح بالحرمة لحق الغير لظهوره.
"قوله: حرم تزوج أمه وبنته وإن بعدتا "لقوله تعالى
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُم} [النساء:23] واختلف في توجيه حرمة الجدات وبنات البنات، فقيل بوضع اللفظ وحقيقته؛ لأن الأم في اللغة الأصل والبنت الفرع فيكون الاسم حينئذ من قبيل المشكك، وقيل بمجازه لا أنه جمع بين الحقيقة والمجاز بل بعموم المجاز فيراد بالأم الأصل أيضا وبالبنت الفرع فيدخلان في عمومه والمعرف لإرادة ذلك في النص الإجماع على حرمتهن، وقيل بدلالة النص المحرم للعمات والخالات وبنات الأخ والأخت ففي الأول؛ لأن الأشقاء منهن أولاد الجدات فتحريم الجدات وهن أقرب أولى وفي الثاني؛ لأن بنات الأولاد أقرب من بنات الإخوة وكل من التوجيهات صحيح ودخل في البنت بنته من الزنا فتحرم عليه بصريح النص المذكور؛ لأنها بنته لغة والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل كلفظ الصلاة ونحوه فيصير منقولا شرعا، وكذا أخته من الزنا وبنت أخيه وبنت أخته أو ابنه منه بأن زنى أبوه أو أخوه أو أخته أو

 

ج / 3 ص -131-       وأخته وبنتها وبنت أخيه وعمته وخالته وأم امرأته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابنه فأولدوا بنتا فإنها تحرم على الأخ والعم والخال والجد.
وصورته في هذه المسائل: أن يزني ببكر ويمسكها حتى تلد بنتا كما في فتح القدير من بحث إن الزنا يوجب المصاهرة، ودخل بنت الملاعنة أيضا فلها حكم البنت هنا فلو لاعن فنفى القاضي نسبها من الرجل وألحقها بالأم لا يجوز للرجل أن يتزوجها؛ لأنه بسبيل من أن يكذب نفسه ويدعيها فيثبت نسبها منه كذا في فتح القدير.، وقد قدمنا في باب المصرف عن المعراج أن ولد أم الولد الذي نفاه لا يجوز دفع الزكاة إليه، ومقتضاه ثبوت البنتية فيما يبنى على الاحتياط فلا يجوز لولده أن يتزوجها؛ لأنها أخته احتياطا ويتوقف على نقل ويمكن أن يقال في بنت الملاعنة إنها تحرم باعتبار أنها ربيبة، وقد دخل بأمها لا لما تكلفه في الفتح كما لا يخفى.
"قوله: وأخته وبنتها وبنت أخيه وعمته وخالته "للنص الصريح ودخل فيه الأخوات المتفرقات وبناتهن وبنات الإخوة المتفرقين والعمات والخالات المتفرقات؛ لأن الاسم يشمل الكل، وكذا يدخل في العمات والخالات أولاد الأجداد والجدات وإن علوا، وكذا عمة جده وخالته وعمة جدته وخالاتها لأب وأم أو لأب أو لأم وذلك بالإجماع.
وفي الخانية وعمة العمة لأب وأم كذلك، وأما عمة العمة لأب لا تحرم ا هـ.
وفي المحيط، وأما عمة العمة فإن كانت العمة القربى عمة لأب وأم أو لأب فعمة العمة حرام؛ لأن القربى إذا كانت أخت أبيه لأب وأم أو لأب فإن عمتها تكون أخت جده أب الأب وأخت أب الأب حرام؛ لأنها عمته وإن كانت القربى عمة لأم فعمة العمة لا تحرم عليه؛ لأن أبا العمة يكون زوج أم أبيه فعمتها تكون أخت زوج الجدة أم الأب وأخت زوج الأم لا تحرم فأخت زوج الجدة أولى أن لا تحرم. وأما خالة الخالة فإن كانت الخالة القربى خالة لأب وأم أو لأم فخالتها تحرم عليه فإن كانت القربى خالة لأب فخالتها لا تحرم عليه؛ لأن أم الخالة القربى تكون امرأة الجد أبي الأم لا أم أمه وأختها تكون أخت امرأة أبي الأم وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه ا هـ.
وكما يحرم على الرجل أن يتزوج بمن ذكر يحرم على المرأة التزوج بنظير من ذكر وعبارة النقاية أولى وهي: وحرم أصله أي التزوج ذكرا كان أو أنثى وفرعه وفرع أصله القريب وصلبية أصله البعيد.
"قوله: وأم امرأته "بيان لما ثبت بالمصاهرة لقوله تعالى
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}[النساء:23]

 

ج / 3 ص -132-       وبنتها إن دخل بها وامرأة أبيه وابنه وإن بعدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلقه فلا فرق بين كون امرأته مدخولا بها أو لا وهو مجمع عليه عند الأئمة الأربعة وتوضيحه في الكشاف ويدخل في لفظ الأمهات جداتها من قبل أبيها وأمها وإن علون.
وقيد بالمرأة فانصرف إلى النكاح الصحيح فإن تزوجها فاسدا فلا تحرم أمها بمجرد العقد بل بالوطء أو ما يقوم مقامه من المس بشهوة والنظر بشهوة؛ لأن الإضافة لا تثبت إلا بالعقد الصحيح وإن كانت أمته فلا تحرم أمها إلا بالوطء أو دواعيه؛ لأن لفظ النساء إذا أضيف إلى الأزواج كان المراد منه الحرائر كما في الظهار والإيلاء.
"قوله: وبنتها إن دخل بها "لقوله تعالى
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}[النساء:23] قال في الكشاف فإن قلت: ما معنى دخلتم بهن؟ قلت: هو كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب، وذكر الحجر في الآية خرج مخرج العادة أو ذكر للتشنيع عليهم لا لتعلق الحكم به نحو أضعافا مضاعفة في قوله تعالى {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً}[آل عمران:130]اهـ.
وتفسير الحجر أن تزف البنت مع الأم إلى بيت زوج الأم، وأما إذا كانت البنت مع الأب لم تكن في حجر زوج الأم وفي المغرب حجر الإنسان بالفتح والكسر حضنه وهو ما دون إبطه إلى الكشح، ثم قالوا: فلان في حجر فلان أي في كنفه ومنعته كما في الآية. ا هـ.
وأما بنات الربيبة وبنات أبنائها وإن سفلن فتثبت حرمتهن بالإجماع وبما ذكرنا أولا وفي الكشاف واللمس ونحوه يقوم مقام الدخول عند أبي حنيفة وفي التبيين ويدخل في قوله
{وَرَبَائِبُكُمُ} بنات الربيبة والربيب؛ لأن الاسم يشملهن بخلاف حلائل الأبناء والآباء؛ لأن الاسم خاص بهن فلا يتناول غيرهن ا هـ. يعني فلا تحرم بنت زوجة الابن ولا بنت ابن زوجة الابن ولا بنت زوجة الأب ولا بنت ابن زوجة الأب.
"قوله: وامرأة أبيه وابنه وإن بعدا "أما حليلة الأب فبقوله تعالى
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء:22] فتحرم بمجرد العقد عليها والآية المذكورة استدل بها المشايخ كصاحب النهاية وغيره على ثبوت حرمة المصاهرة بالزنا بناء على إرادة الوطء بالنكاح فإن أريد به حرمة امرأة الأب والجد ما يطابقها من إرادة الوطء قصر عن إفادة تمام الحكم المطلوب حيث قال: ولا بامرأة أبيه، وتصدق امرأة الأب بعقده عليها وإلا لم يفسد الحكم في ذلك المحل. وإنما يصح على اعتبار لفظ النكاح في نكاح الآباء في معنى مجازي يعم العقد والوطء، ولك النظر في

 

ج / 3 ص -133-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعيينه ويحتاج إلى دليل يوجب اعتبارها في المجازي وليس لك أن تقول ثبتت حرمة الموطوءة بالآية والمعقود عليها بلا وطء بالإجماع؛ لأنه إذا كان الحكم الحرمة بمجرد العقد ولفظ الدليل صالح له كان مرادا منه بلا شبهة فإن الإجماع تابع للنص أو القياس، عن أحدهما يكون، ولو كان عن علم ضروري يخلق لهم، يثبت بذلك أن ذلك الحكم مراد من كلام الشارع إذا احتمله كذا في فتح القدير.
وقول الزيلعي إن الآية تتناول منكوحة الأب وطئا وعقدا صحيحا وإن كان فيه جمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأنه نفي وفي النفي يجوز الجمع بينهما كما يجوز في المشترك أن يعم جميع معانيه في النفي ا هـ. ضعيف في الأصول والصحيح أنه لا يجوز الجمع بينهما لا في النفي ولا في الإثبات ولا عموم للمشترك مطلقا.
قال الأكمل في التقرير والحق أن النفي لما اقتضاه الإثبات فإن اقتضى الإثبات الجمع بين المعنيين فالنفي كذلك وإلا فلا. وأما مسألة اليمين المذكور في المبسوط حلف لا يكلم مولاك وله أعلون وأسفلون أيهم كلم حنث فليس باعتبار عموم المشترك في النفي كما توهمه البعض، وإنما هو؛ لأن حقيقة الكلام متروكة بدلالة اليمين إلى مجاز يعمهما وهو أن يكون الموالي من تعلق به عتق وهو بعمومه يتناول الأعلى والأسفل ا هـ. لكن اختار المحقق في التحرير أنه يعم في النفي؛ لأنه نكرة في النفي والمنفي ما سمي باللفظ وتمام تحقيقه في الأصول.
فالحاصل أن الأولى أن النكاح في الآية للعقد كما هو المجمع عليه ويستدل لثبوت حرمة المصاهرة بالوطء الحرام بدليل آخر وفي المحيط رجل له جارية، فقال قد وطئتها لا تحل لابنه وإن كانت في غير ملكه، فقال قد وطئتها، يحل لابنه أن يكذبه ويطأها؛ لأن الظاهر يشهد له ولو اشترى جارية من ميراث أبيه يسعه أن يطأها حتى يعلم أن الأب وطئها تزوج امرأة على أنها بكر فلما أراد مجامعتها وجدها مفتضة، قال لها: من افتضك؟ فقالت: أبوك إن صدقها الزوج بانت منه ولا مهر لها وإن كذبها فهي امرأته ا هـ.
وأما حليلة الابن فبقوله تعالى
{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}[النساء:23] فإن اعتبرت الحليلة من حلول الفراش أو حل الإزار تناولت الموطوءة بملك اليمين أو شبهة أو زنى فيحرم الكل على الآباء وهو الحكم الثابت عندنا ولا يتناول المعقود عليها للابن أو بنيه وإن سفلوا قبل الوطء. والفرض أنها بمجرد العقد تحرم على الآباء وذلك باعتباره من الحل بكسر الحاء، وقد قام الدليل على حرمة المزني بها للابن على الأب فيجب اعتباره في أعم من الحل,

 

ج / 3 ص -134-       والكل رضاعا والجمع بين الأختين نكاحا ووطئا بملك يمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحل ثم يراد بالأبناء الفروع فتحرم حليلة الابن السافل على الجد الأعلى، وكذا حليلة ابن البنت وإن سفل وكما تحرم حليلة الابن من النسب تحرم حليلة الابن من الرضاع، وذكر الأصلاب في الآية لإسقاط حليلة الابن المتبنى كذا في فتح القدير.
والظاهر أن الحليلة الزوجة كما في المغرب فتحرم زوجة الابن على الأب مطلقا بالآية، وأما حرمة من وطئها ممن ليس بزوجة فبدليل آخر وكونها من حلول الفراش لا يقتضي تناولها للموطوءة بملك اليمين وغيره بل لا بد من قيد الزوجية فإن صاحب المغرب فسرها بالزوجة، ثم قال؛ لأنها تحل زوجها في فراش.
"قوله: والكل رضاعا": بيان للنوع الثالث وهو أن ما يحرم بالنسب والصهرية يحرم بالرضاع للآية والحديث حتى لو أرضعت امرأة صبيا حرم عليه زوجة زوج الظئر الذي نزل لبنها منه؛ لأنها امرأة أبيه من الرضاعة ويحرم على زوج الظئر امرأة هذا الصبي؛ لأنها امرأة ابنه من الرضاعة وفي شرح الوقاية: وهذا يشمل عدة أقسام كبنت الأخت مثلا تشمل البنت الرضاعية للأخت النسبية والبنت النسبية للأخت الرضاعية والبنت الرضاعية للأخت الرضاعية ا هـ. ولم يستثن المصنف هنا شيئا واستثنى في كتاب الرضاع أم أخيه وأخت ابنه وسيأتي إن شاء الله تعالى أنه لا حاجة إليه عند المحققين؛ لأن المعنى الذي لأجله حرم في النسب لم يكن موجودا فيهما واستثنى بعضهم إحدى وعشرين صورة وجمعها في قوله:

يفارق النسب الإرضاع في صور                      كأم نافلة أو جدة الولد

وأم عم وأخت ابن وأم أخ                               وأم خال وعمة ابن اعتمد

لأن كل واحد من هذه السبع إما أن يكون المضاف رضاعيا والمضاف إليه نسبيا أو عكسه أو كل منهما رضاعيا فيجوز له نكاح أم أخيه رضاعا سواء كانت الأم رضاعية وحدها أو نسبية وحدها أو كل منهما رضاعيا، وكذا في بقية الصور.
"قوله: والجمع بين الأختين نكاحا ووطئا بملك يمين "بيان للنوع الرابع وهو الجمع بين المحارم أما الأول فلقوله تعالى
{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}[النساء:23] وأما الثاني:

 

ج / 3 ص -135-       فلو تزوج أخت أمته الموطوءة لم يطأ واحدة منهما حتى يبيعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فللحديث
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين" وليس حرمة الجمع بينهما لقطع الرحم لما في المبسوط ولا يجمع الرجل بين أختين من الرضاعة ولا بين امرأة وابنة أختها أو ابنة أخيها، وكذلك كل امرأة ذات محرم منها من الرضاعة للأصل الذي بينا أن كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى لم يجز للذكر أن يتزوج الأنثى فإنه يحرم الجمع بينهما بالقياس على حرمة الجمع بين الأختين فكذلك من الرضاعة وتبين بهذا أن حرمة هذا الجمع ليس لقطيعة الرحم فإنه ليس بين الرضيعين رحم، وحرمة الجمع بينهما ثابتة ا هـ.
وسيأتي حديث يرده فلو قدموا حرمة الجمع على قولهم والكل رضاعا لكان أولى كما لا يخفى، وتفرع على عدم الفرق بين الأختين نسبا ورضاعا أنه لو كان له زوجتان رضيعتان أرضعتهما أجنبية فسد نكاحهما والمراد بالنكاح في المختصر العقد وقوله بملك يمين متعلق بالوطء فأفاد أنه يجوز الجمع بينهما ملكا بدون الوطء.
"قوله: فلو تزوج أخت أمته الموطوءة لم يطأ واحدة منهما حتى يبيعها "بيان لشيئين:
أحدهما صحة نكاح الأخت مع كون أختها موطوءة له بملك اليمين لصدوره من أهله مضافا إلى محله، وأورد عليه أن المنكوحة موطوءة حكما باعترافكم فيصير بالنكاح جامعا وطئا حكما وهو باطل، وجوابه: أن لزوم الجمع بينهما وطئا حكما ليس بلازم؛ لأن بيده إزالته فلا يضر بالصحة ويمنع من الوطء بعدها لقيامه إذ ذاك أطلق في الأخت المتزوجة فشمل ما إذا كانت أمة أو حرة.
ثانيهما: حرمة وطء واحدة منهما حتى يبيعها؛ لأنه لو جامع المنكوحة يصير جامعا بينهما وطئا حقيقة ولو جامع المملوكة يصير جامعا بينهما حقيقة، وحكما والمراد بالبيع أنه يحرم الموطوءة على نفسه بسبب من الأسباب فحينئذ يطأ المنكوحة لعدم الجمع كالبيع كلا أو بعضا والتزويج الصحيح والهبة مع التسليم والإعتاق كلا أو بعضا والكتابة.
وأما التزويج الفاسد فلا عبرة به إلا إذا دخل بها فتحرم حينئذ الموطوءة لوجوب العدة عليها فتحل حينئذ المنكوحة، وكذا المراد بالتزويج في المختصر النكاح الصحيح فلو تزوج الأخت نكاحا فاسدا لم تحرم عليه أمته الموطوءة إلا إذا دخل بالمنكوحة فحينئذ تحرم الموطوءة لوجود الجمع بينهما حقيقة ولا يؤثر الإحرام والحيض والنفاس والصوم، وكذا الرهن والإجارة والتدبير؛ لأن فرجها لا يحرم بهذه الأسباب كذا في التبيين من فصل الاستبراء، وإذا عادت

 

ج / 3 ص -136-       ولو تزوج أختين في عقدين ولم يدر الأول فرق بينه وبينهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموطوءة إلى ملكه بعد الإخراج سواء كان بفسخ أو بشراء جديد لم يحل وطء واحدة منهما حتى يحرم الأمة على نفسه بسبب كما كان أولا.
وأطلق في الأمة فشمل أم الولد كما في غاية البيان وقيد بكونها موطوءة؛ لأنه لو لم يكن وطئها جاز له وطء المنكوحة؛ لأن المرقوقة ليست بموطوءة حكما فلم يصر جامعا بينهما وطئا لا حقيقة ولا حكما. وأشار المصنف إلى أنه لو تزوج جارية ولم يطأها حتى ملك أختها فليس له أن يطأ المشتراة؛ لأن المنكوحة موطوءة حكما وإلى أنه لو ملك أختين له أن يطأ إحداهما فإذا وطئ إحداهما ليس له وطء الأخرى بعد ذلك وإلى أنه لو ملك جارية فوطئها ثم ملك أختها كان له أن يطأ الأولى وليس له وطء الأخرى ما لم يحرم فرج الأولى على نفسه ولو وطئها أثم، ثم لا يحل له وطء واحدة منهما حتى يحرم الأخرى بسبب.
"قوله: ولو تزوج أختين في عقدين ولم يدر الأول فرق بينه وبينهما"; لأن نكاح إحداهما باطل بيقين ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية ولا إلى التنفيذ مع التجهيل لعدم الفائدة أو للضرر فتعين التفريق وطولب بالفرق بين هذا وبين ما إذا طلق إحدى نسائه بعينها ونسيها حيث يؤمر بالتعيين ولا يفارق الكل، وأجيب بإمكانه هناك لا هنا؛ لأن نكاحهن كان متيقن الثبوت فله أن يدعي نكاح من شاء بعينه منهن تمسكا بما كان متيقنا ولم يثبت هنا نكاح واحد منهما بعينها فدعواه حينئذ تمسك بما لم يتحقق ثبوته ومعنى فرق بينه وبينهما: أنه يفترض عليه مفارقتهما ولو علم القاضي بذلك وجب عليه أن يفرق بينهما دفعا للمعصية بقدر الإمكان كما في المحيط ولم يذكر في المختصر أن هذا التفريق طلاق أو فسخ، وفي فتح القدير: والظاهر أنه طلاق حتى ينقص من طلاق كل منهما طلقة لو تزوجها بعد ذلك فإن وقع قبل الدخول فله أن يتزوج أيتهما شاء للحال أو بعده فليس له التزوج بواحدة منهما حتى تنقضي عدتهما وإن انقضت عدة إحداهما دون الأخرى فله تزوج التي لم تنقض عدتها دون الأخرى كي لا يصير جامعا وإن وقع بعده بإحداهما فله أن يتزوجها في الحال دون الأخرى فإن عدتها تمنع من تزوج أختها ا هـ.
وقيد بكونه تزوجهما في عقدين إذ لو كانا في عقد واحد بطلا يقينا وقيده في المحيط بأن لا تكون إحداهما مشغولة بنكاح الغير أو عدته فإنه إن كانت كذلك صح نكاح الفارغة لعدم تحقق الجمع بينهما كما لو تزوجت امرأة زوجين في عقد واحد وأحدهما متزوج بأربع نسوة فإنها تكون زوجة للآخر؛ لأنه لم يتحقق الجمع بين رجلين إذا كانت هي لا تحل لأحدهما ا هـ. فإذا كانا في عقد واحد فرق بينها وبينهما أيضا فإن كان قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما وإن دخل بهما وجب لكل الأقل من المسمى ومن مهر المثل كما هو حكم النكاح الفاسد وعليهما العدة.

 

ج / 3 ص -137-       ولهما نصف المهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيده بعدم علم العقد الأول إذ لو علم فهو الصحيح والثاني باطل، وله وطء الأولى إلا أن يطأ الثانية فتحرم الأولى إلى انقضاء عدة الثانية كما لو وطئ أخت امرأته بشبهة حيث تحرم امرأته ما لم تنقض عدة ذات الشبهة. وفي الدراية عن الكامل لو زنى بإحدى الأختين لا يقرب الأخرى حتى تحيض الأخرى حيضة، واستشكله في فتح القدير ولم يبينه، ووجهه: أنه لا اعتبار لماء الزنى ولذا لو زنت امرأة رجل لم تحرم عليه وجاز له وطؤها عقب الزنا، ولو قال المصنف ولو تزوج أختين في عقدين معا أو لم يدر الأول فرق بينه وبينهما لكان أفود لما في الذخيرة معزيا إلى الجامع. لو وكل رجل رجلا أن يزوجه امرأة ووكل رجلا آخر بمثل ذلك فزوجه كل واحد منهما امرأة وهما أختان من الرضاع ووقع العقدان منهما معا فهما باطلان؛ لأن عبارة الوكيل في باب النكاح منقولة إلى الموكل فإذا خرج الكلامان معا صار كأن الموكل خاطبهما بالنكاح ولو لم يوكلهما، وإنما كانا فضوليين ووقعا معا، فللزوج أن يجيز نكاح إحداهما ولو خرج إيجاب الأختين معا بأن قالت كل واحدة منهما لرجل واحد زوجت نفسي منك بكذا وخرج الكلام منهما معا فقبل الزوج نكاح إحداهما فهو جائز لعدم الجمع من الزوج. وأما من الأختين فلأن كل واحدة زوجت نفسها على حدة ولا ولاية لإحداهما على صاحبتها حتى ينقل كلام كل إلى الأخرى ولو بدأ الزوج، فقال تزوجتكما كل واحدة منكما بألف، فقالت إحداهما رضيت وأبت الأخرى فنكاحهما باطل لوجود الجمع في الخطاب بينهما في إحدى شطري العقد وإنه كاف للفساد، ألا ترى أن رجلا لو قال لخمس نسوة قد تزوجتكن على ألف، فقالت إحداهما رضيت لا يجوز نكاحهن لوجود الجمع من جانب الزوج فعلم به أن الجمع في إحدى شطري العقد يوجب الفساد كالجمع في شطري العقد ا هـ. مع بعض اختصار منه.
"قوله: ولهما نصف المهر"; لأنه وجب للأولى منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولية فيصرف إليهما أطلقه وهو مقيد بأربعة قيود كما قالوا: الأول: أن يكون المهر مسمى في العقد فلو لم يكن مسمى وجبت متعة واحدة لهما بدل نصف المهر، وتركه اعتمادا على ما يصرح به في باب المهر.
الثاني: أن يكون مهراهما متساويين إذ لو كانا مختلفين يقضي لكل واحدة منهما بربع، مهرها ولا حاجة إلى التقييد به؛ لأنه لم يقل ولهما نصف المهر على السواء حتى يرد عليه ذلك.

 

ج / 3 ص -138-       وبين امرأتين، أية فرضت ذكرا حرم النكاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث: أن يكون قبل الدخول إذ لو كانت الفرقة بعد الدخول يجب لكل واحدة المهر كاملا؛ لأنه استقر بالدخول فلا يسقط منه شيء، ولا حاجة إلى التقييد به؛ لأن نصف المهر حكم الفرقة قبل الدخول مع أنه مشكل بل إذا كان بعد الدخول فإنه يقضي بمهر كامل وعقر كامل ويجب حمله على ما إذا اتحد المسمى لهما قدرا وجنسا أما إذا اختلفا فيتعذر إيجاب عقر إذ ليست إحداهما أولى بجعلها ذات العقد من الأخرى؛ لأنه فرع الحكم بأنها الموطوءة في النكاح الفاسد.
الرابع: أن تدعي كل واحدة منهما أنها الأولى ولا بينة لهما أما إذا قالتا لا ندري أي النكاحين أول لا يقضي لهما بشيء؛ لأن المقضي له مجهول وهو يمنع صحة القضاء كمن قال لرجلين: لأحدهما علي ألف لا يقضي لأحدهما بشيء إلا أن يصطلحا بأن يتفقا على أخذ نصف المهر منه فيقضي لهما به، وهذا القيد الرابع زاده أبو جعفر الهندواني فظاهر الهداية تضعيفه لكنه حسن يندفع به قول أبي يوسف أنه لا شيء لهما لجهالة المقضي له والمروي عن محمد من وجوب مهر كامل لهما لإقرار الزوج بجواز نكاح إحداهما أبعد لاستلزامه إيجاب الشيء مع تحقق عدم لزومه فإن إيجاب كماله حكم الموت أو الدخول حقيقة أو حكما وهو مفقود وفي التبيين: وكل ما ذكرنا من الأحكام بين الأختين فهو الحكم بين كل من لا يجوز جمعه من المحارم.
"قوله: وبين امرأتين، أية فرضت ذكرا حرم النكاح "أي حرم الجمع بين امرأتين إذا كانتا بحيث لو قدرت إحداهما ذكرا حرم النكاح بينهما أيتهما كانت المقدرة ذكرا كالجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها والجمع بين الأم والبنت نسبا أو رضاعا لحديث مسلم
"لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها"، وهذا مشهور يجوز تخصيص عموم الكتاب {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء:24] به ويدل على اعتبار الأصل المذكور ما ثبت في الحديث برواية الطبراني وهو قوله "فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم". ولرواية أبي داود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة"

 

ج / 3 ص -139-       والزنا واللمس والنظر بشهوة يوجب حرمة المصاهرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأوجب تعدي الحكم المذكور إلى كل قرابة يفرض وصلها وهو ما تضمنه الأصل المذكور فيتخرج عليه حرمة الجمع بين عمتين وخالتين وذلك أن يتزوج كل من الرجلين أم الآخر فيولد لكل منهما بنت فتكون كل من البنتين عمة للأخرى أو يتزوج كل من رجلين بنت الآخر ويولد لهما بنتان فكل من البنتين خالة للأخرى، وبما قرر علم أن العلة خوف القطيعة وظهر به ضعف ما قدمناه عن المبسوط من أن العلة ليس ذلك إذ لا قرابة بين الأختين رضاعا. وجوابه أن حرمة الجمع بينهما للحديث
"يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
والمراد بالحرمة في قوله حرم النكاح الحرمة المؤبدة أما المؤقتة فلا تمنع، ولذا لو تزوج أمة ثم سيدتها فإنه يجوز كما في الجامع والزيادات؛ لأنها حرمة موقتة بزوال ملك اليمين، وقيل: لا يجوز تزوج السيدة عليها نظرا إلى مطلق الحرمة كما في القنية.
وقيد بقوله أية فرضت؛ لأنه لو جاوز نكاح إحداهما على تقدير مثل المرأة وبنت زوجها أو امرأة ابنها فإنه يجوز الجمع بينهما عند الأئمة الأربعة، وقد جمع عبد الله بن جعفر بين زوجة علي وبنته ولم ينكر عليه أحد.
وبيانه أنه لو فرضت بنت الزوج ذكرا بأن كان ابن الزوج لم يجز له أن يتزوج بها؛ لأنها موطوءة أبيه ولو فرضت المرأة ذكرا لجاز له أن يتزوج ببنت الزوج؛ لأنها بنت رجل أجنبي، وكذلك بين المرأة وامرأة ابنها فإن المرأة لو فرضت ذكرا لحرم عليه التزوج بامرأة ابنه ولو فرضت امرأة الابن ذكرا لجاز له التزوج بالمرأة؛ لأنه أجنبي عنها قالوا: ولا بأس أن يتزوج الرجل امرأة ويتزوج ابنه أمها أو بنتها؛ لأنه لا مانع، وقد تزوج محمد بن الحنفية امرأة وزوج ابنه بنتها.
"قوله: والزنا واللمس والنظر بشهوة يوجب حرمة المصاهرة" وقال الشافعي الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة؛ لأنها نعمة فلا تنال بالمحظور، ولنا: أن الوطء سبب الجزئية بواسطة الولد حتى يضاف إلى كل واحد منهما كملا فيصير أصولها وفروعها كأصوله وفروعه، وكذلك على العكس

 

ج / 3 ص -140-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاستمتاع بالجزء حرام إلا في موضع الضرورة وهي الموطوءة والوطء محرم من حيث إنه سبب الولد لا من حيث إنه زنا واللمس والنظر سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه في موضع الاحتياط كذا في الهداية ولم يستدل بقوله تعالى
{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء:22] كما فعل الشارحون لما قدمنا أنه لا يصلح الاستدلال به، أراد بالزنا الوطء الحرام، وإنما قيد به؛ لأنه محل الخلاف، أما لو وطئ المنكوحة نكاحا فاسدا أو المشتراة فاسدا أو الجارية المشتركة أو المكاتبة أو المظاهرة منها أو الأمة المجوسية أو زوجته الحائض أو النفساء أو كان محرما أو صائما فإنه يثبت حرمة المصاهرة اتفاقا وبه علم أن الاعتبار لعين الوطء لا لكونه حلالا أو حراما وليفيد أنه لا بد أن تكون المرأة حية؛ لأنه لو وطئ الميتة فإنه لا تثبت حرمة المصاهرة كما في الخانية وليفيد أنه لا بد أن يكون في القبل؛ لأنه لو وطئ المرأة في الدبر فإنه لا يثبت حرمة المصاهرة وهو الأصح؛ لأنه ليس بمحل الحرث فلا يفضي إلى الولد كما في الذخيرة وسواء كان بصبي أو امرأة كما في غاية البيان وعليه الفتوى كما في الواقعات ولأنه لو وطئها فأفضاها لا تحرم عليه أمها لعدم تيقن كونه في الفرج إلا إذا حبلت. وعلم كونه منه وأورد عليهما أن الوطء في المسألتين حقه أن يكون سببا للحرمة كالمس بشهوة سبب لها بل الموجود فيهما أقوى منه، وأجيب بأن العلة هي الوطء، السبب للولد وثبوت الحرمة بالمس ليس إلا لكونه سببا لهذا الوطء، ولم يتحقق في الصورتين وليفيد أنه لا بد أن يكون بغير حائل يمنع وصول الحرارة فلو جامعها بخرقة على ذكره لا تثبت الحرمة كما في الخلاصة وليفيد أن الموطوءة لا بد أن تكون مشتهاة حالا أو ماضيا؛ لأن الزنا وطء مكلف في قبل مشتهاة خال عن الملك وشبهته فلو جامع صغيرة لا تشتهى لا تثبت الحرمة وعن أبي يوسف ثبوتها قياسا على العجوز الشوهاء ولهما: أن العلة وطء، سبب للولد وهو منتف في الصغيرة التي لا تشتهي بخلاف الكبيرة لجواز وقوعه كما وقع لإبراهيم وزكريا عليهما السلام.
قال في فتح القدير. وله أن يقول الإمكان العقلي ثابت فيهما والعادي منتف عنهما فتساويا والقصتان على خلاف العادة لا توجب الثبوت العادي ولا يخرجان العادة عن النفي ا هـ. وقد يقال إنها دخلت تحت حكم الاشتهاء فلا تخرج عنه بالكبر ولا كذلك الصغيرة وليس حكم البقاء كالابتداء، وفي الخانية وقال الفقيه أبو الليث ما دون تسع سنين لا تكون مشتهاة وعليه الفتوى ا هـ. فأفاد أنه لا فرق بين أن تكون سمينة أو لا ولذا قال في المعراج بنت خمس لا تكون مشتهاة اتفاقا وبنت تسع فصاعدا مشتهاة اتفاقا وفيما بين الخمس والتسع اختلاف الرواية والمشايخ والأصح أنها لا تثبت الحرمة وفي فتح القدير، وكذا تشترط الشهوة في الذكر حتى لو جامع ابن أربع سنين زوجة أبيه لا تثبت الحرمة وفي الذخيرة خلافه وظاهر الأول أنه يعتبر

 

ج / 3 ص -141-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه السن المذكور لها وهو تسع سنين وكما يشترط كونها مشتهاة لثبوت الحرمة في الزنا فكذلك لثبوتها في الوطء الحلال لما في الأجناس لو تزوج صغيرة لا تشتهى فدخل بها وطلقها وانقضت عدتها وتزوجت بآخر جاز له تزوج بنتها.
وأطلق في اللمس والنظر بشهوة، فأفاد إنه لا فرق بين العمد والخطأ والنسيان والإكراه حتى لو أيقظ زوجته ليجامعها فوصلت يده إلى بنته منها فقرصها بشهوة وهي تشتهى يظن أنها أمها حرمت عليه الأم حرمة مؤبدة، ولك أن تصورها من جانبها بأن أيقظته هي لذلك فقرصت ابنه من غيرها كذا في فتح القدير.
وأطلق في اللمس فشمل كل موضع من بدنها وفي الخانية لو مس شعر امرأة عن شهوة قالوا: لا تثبت حرمة المصاهرة، وذكر في الكيسانيات أنها تثبت ا هـ. وينبغي ترجيح الثاني؛ لأن الشعر من بدنها من وجه دون وجه كما قدمناه في الغسل فتثبت الحرمة احتياطا كحرمة النظر إليه من الأجنبية ولذا جزم في المحيط بثبوتها وفصل في الخلاصة: فما على الرأس كالبدن بخلاف المسترسل وانصرف اللمس إلى أي موضع من البدن بغير حائل، وأما إذا كان بحائل فإن وصلت حرارة البدن إلى يده تثبت الحرمة وإلا فلا، كذا في أكثر الكتب، فما في الذخيرة من أن الشيخ الإمام ظهير الدين يفتي بالحرمة في القبلة على الفم والذقن والخد والرأس وإن كان على المقنعة محمول على ما إذا كانت المقنعة رقيقة تصل الحرارة معها كما قدمناه.
وقيد بكون اللمس عن شهوة؛ لأنه لو كان عن غير شهوة لم يوجب الحرمة والمراهق كالبالغ ووجود الشهوة من أحدهما كاف، فإن ادعتها وأنكرها فهو مصدق إلا أن يقوم إليها منتشرا فيعانقها؛ لأنه دليل الشهوة كما في الخانية وزاد في الخلاصة في عدم تصديقه أن يأخذ ثديها أو يركب معها، وتقبل الشهادة على الإقرار بالمس بشهوة وعلى الإقرار بالتقبيل بشهوة وهل تقبل الشهادة على نفس اللمس والتقبيل عن شهوة؟ اختلف المشايخ فيه:
قال بعضهم لا تقبل واختاره ابن الفضل؛ لأنها أمر باطن لا يوقف عليها عادة.
وقيل تقبل وإليه مال الإمام علي البزدوي، وكذا ذكر محمد في نكاح الجامع؛ لأن الشهوة مما يوقف عليها في الجملة إما بتحرك العضو أو بآثار أخر ممن لا يتحرك عضوه كذا في الذخيرة. والمختار القبول كما في التجنيس وفي فتح القدير وثبوت الحرمة بلمسها مشروط بأن يصدقها ويقع في أكبر رأيه صدقها وعلى هذا ينبغي أن يقال في مسه إياها لا تحرم على

 

ج / 3 ص -142-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبيه وابنه إلا أن يصدقها أو يغلب على ظنه صدقها ثم رأيت عن أبي يوسف ما يفيد ذلك ا هـ.
وأطلق في اشتراط الشهوة في اللمس فأفاد أنه لا فرق بين التقبيل على الفم وبين غيره وفي الجوهرة لو مس أو قبل وقال لم أشته صدق إلا إذا كان اللمس على الفرج والتقبيل في الفم ا هـ. ورجحه في فتح القدير قال إلا أنه يتراءى على هذا أن الخد ملحق بالفم وفي الولوالجية إذا قبل أم امرأته أو امرأة أجنبية يفتى بالحرمة ما لم يتبين أنه قبل بغير شهوة؛ لأن الأصل في التقبيل هو الشهوة بخلاف المس ا هـ. وكذا في الذخيرة إلا أنه قال: وظاهر ما أطلق في بيوع العيون يدل على أنه يصدق في القبلة سواء كانت على الفم أو على موضع آخر ا هـ.
وأطلق في النظر بشهوة للاختلاف في محله فعند أبي يوسف النظر إلى منابت الشعر يكفي وقال محمد لا تثبت حتى ينظر إلى الشق وعن أبي يوسف لا بد أن ينظر إلى الفرج الداخل ولن يتحقق ذلك إلا إذا كانت متكئة، واختاره في الهداية وصححه في المحيط والذخيرة وفي الخانية وعليه الفتوى وفي فتح القدير وهو ظاهر الرواية؛ لأن هذا حكم تعلق بالفرج والداخل فرج من كل وجه والخارج فرج من وجه وأن الاحتراز عن الفرج الخارج متعذر فسقط اعتباره ولا يقال إنه إذا تردد فالاحتياط القول بثبوتها؛ لأن هذا الحكم وهو التحريم بالمس والنظر ثبوته بالاحتياط فلا يجب الاحتياط في الاحتياط لكن صحح في الخلاصة النظر إلى موضع الشق عن شهوة فهو تصحيح لقول محمد السابق، وظاهر ما في الذخيرة وغيرها أنهم اتفقوا على أن النظر بشهوة إلى سائر أعضائها لا عبرة به ما عدا الفرج وحينئذ فإطلاق المصنف في محل التقييد كما لا يخفى، والعبرة لوجود الشهوة عند المس والنظر حتى لو وجدا بغير شهوة ثم اشتهى بعد الترك لا تتعلق به حرمة. والنظر من وراء الزجاج يوجب حرمة المصاهرة بخلاف المرآة؛ لأنه لم ير فرجها، وإنما رأى عكس فرجها، وكذا لو وقف على الشط فنظر إلى الماء فرأى فرجها لا يوجب الحرمة ولو كانت هي في الماء فرأى فرجها تثبت الحرمة.
ولم يذكر المصنف حد الشهوة للاختلاف، فقيل: لا بد أن تنتشر آلته إذا لم تكن منتشرة أو تزداد انتشارا إن كانت منتشرة، وقيل: حدها أن يشتهي بقلبه إن لم يكن مشتهيا أو يزداد إن كان مشتهيا ولا يشترط تحرك الآلة وصححه في المحيط والتحفة وفي غاية البيان وعليه الاعتماد وصحح الأول في الهداية.
وفائدة الاختلاف كما في الذخيرة تظهر في الشيخ الكبير والعنين والذي ماتت شهوته فعلى القول الأول لا تثبت الحرمة وعلى الثاني تثبت فقد اختلف التصحيح لكن في الخلاصة

 

ج / 3 ص -143-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبه يفتى أي بما في الهداية فكان هو المذهب لكن ظاهر ما في التجنيس وفتح القدير أن ميل القلب كاف في الشيخ والعنين اتفاقا وأن محل الاختلاف فيمن يتأتى منه الانتشار إذا مال بقلبه ولم تنتشر آلته وهو أحسن مما في الذخيرة كما لا يخفى.
وأطلق المصنف ولم يقيد المس والنظر بشهوة بغير الإنزال للاختلاف فيما إذا أنزل، فقيل يوجب الحرمة وفي الهداية والصحيح أنه لا يوجبها؛ لأنه بالإنزال تبين أنه غير مفض إلى الوطء وفي غاية البيان وعليه الفتوى فقد أطلق المصنف أيضا في محل التقييد وأطلق في اللامس والملموس ليفيد أنه لا فرق بين الرجل والمرأة فلو مست المرأة عضوا من أعضاء الرجل بشهوة أو نظرت إلى ذكره بشهوة تثبت الحرمة.
وأطلق فيهما أيضا فشمل المس والنظر المباحين والمحرمين وأراد بحرمة المصاهرة الحرمات الأربع: حرمة المرأة على أصول الزاني وفروعه نسبا ورضاعا وحرمة أصولها وفروعها على الزاني نسبا ورضاعا كما في الوطء الحلال ويحل لأصول الزاني وفروعه أصول المزني بها وفروعها.
ولو قال المصنف توجب المحرمية لكان أولى لما في الخانية وإذا فجر الرجل بامرأة ثم تاب يكون محرما لابنتها؛ لأنه حرم عليه نكاح ابنتها على التأبيد، وهذا دليل على أن المحرمية تثبت بالوطء الحرام وبما تثبت به حرمة المصاهرة. ا هـ. وفي كشف الأسرار من بحث النهي: وبعض أصحابنا قالوا حرمة المصاهرة تثبت بطريق العقوبة كما يثبت حرمان الإرث في حق القاتل عقوبة، والأصل فيه قوله تعالى
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء:160] وعلى هذا الطريق يقولون: المحرمية لا تثبت حتى لا تباح الخلوة والمسافرة ولكن هذا فاسد فإن التعليل لتعدية حكم النص لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص عليه فإن ابتداء الحكم لا يجوز إثباته بالتعليل والمنصوص به حرمة ثابتة بطريق الكرامة فإنما يجوز التعليل لتعدية تلك الحرمة لا لإثبات حرمة أخرى كذا في المبسوط.
قلت: وإنما اختار بعض مشايخنا هذا الطريق؛ لأن هذه الحرمة لما كانت بطريق الاحتياط كان الاحتياط في إثبات حرمة المناكحة والمسافرة والخلوة جميعا كما قالوا فيما إذا كان الرضاع ثابتا غير مشهور لا تحل المناكحة ولا الخلوة والمسافرة للاحتياط ا هـ. كلامه.
وفي الخلاصة قيل لرجل ما فعلت بأم امرأتك؟ قال: جامعتها ثبتت الحرمة ولا يصدق أنه كذب وإن كانوا هازلين والإصرار ليس بشرط في الإقرار لحرمة المصاهرة. ا هـ. وهذا عند القاضي وأما فيما بينه وبين الله تعالى إن كان كاذبا فيما أقر لم تثبت الحرمة كما في

 

ج / 3 ص -144-       وحرم تزوج أخت معتدته وأمته وسيدته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التجنيس، وإذا أقر بجماع أمها قبل التزوج لا يصدق في حقها فيجب كمال المهر المسمى إن كان بعد الدخول ونصفه إن كان قبله كما في التجنيس أيضا، فإن قلت: لو قال هذه أمي رضاعا ثم رجع وتزوجها صح فما الفرق بينهما؟ أجاب عنه في التجنيس: بأنه في مسألتنا أخبر عن فعله وهو الجماع والخطأ فيه نادر فلم يصدق وهنا أخبر عن فعل غيره وهو الإرضاع فله الرجوع والتناقض فيه معفو كالمكاتب إذا ادعى العتق قبل الكتابة والمختلعة إذا ادعت الطلاق قبل الخلع يصدقان بإقامة البينة.
"قوله: وحرم تزوج أخت معتدته "; لأن أثر النكاح قائم فلو جاز تزوج أختها لزم الجمع بين الأختين فلا يجوز، أطلقه فشمل المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن أو عن إعتاق أم ولد خلافا لهما، أو عن تفريق بعد نكاح فاسد وشمل الأخت نسبا ورضاعا، وأشار إلى حرمة تزوج محارمها في عدتها مطلقا كعمتها وخالتها وإلى أن من طلق الأربع لا يجوز له أن يتزوج امرأة قبل انقضاء عدتهن فإن انقضت عدة الكل معا، جاز له تزوج أربع وإن واحدة فواحدة وله تزوج أربع سوى أم ولده المعتدة منه بعد عتقها وإذا أخبر عن مطلقته أنها أخبرته بانقضاء عدتها فإن كانت المدة لا تحتمل لا يصح نكاح أختها إلا أن يفسره بإسقاط مستبين الخلق، وإن احتمل حل نكاح أختها ولو كذبته المخبر عنها، فإن أخبر وهو صحيح وكذبته ثم مات فالميراث للثانية ولو كان طلاق الأولى رجعيا وإن كان مريضا فللأولى فقط.
ولزوج المرتدة اللاحقة بدار الحرب تزوج أختها وأربع سواها قبل عدتها كموتها وعودها مسلمة لا يبطل نكاح أختها لو بعده ولا يمنع منه لو قبله وفي المعراج لو كانت إحدى الأربع في دار الحرب فطلقها لا تحل له الخامسة إلا بعد خمس سنين لاحتمال أن تكون حاملا فيبقى حملها خمس سنين، فلو طلقها بعد خروجها بسنة انتظر أربعا فإذا كان احتمال الحمل يمنع فهو موجود في دار الإسلام أيضا ا هـ. وهو مشكل.
"قوله: وأمته وسيدته "أي وحرم تزوج أمته وسيدته؛ لأن النكاح ما شرع إلا مثمرا ثمرات مشتركة بين المتناكحين، والمملوكية تنافي المالكية فيمتنع وقوع الثمرة على الشركة. وظاهر كلامهم أنه يستحق العقوبة بالعقد على أمته؛ لأنه عقد فاسد باشره لغير فائدة، لكن في المضمرات المراد به في أحكام النكاح من ثبوت المهر في ذمة المولى وبقاء النكاح بعد الإعتاق ووقوع الطلاق عليها وغير ذلك أما إذا تزوجها متنزها عن وطئها حراما على سبيل الاحتمال فهو حسن لاحتمال أن تكون حرة أو معتقة الغير أو محلوفا عليها بعتقها، وقد حنث الحالف وكثيرا ما يقع لا سيما إن تداولتها الأيدي اهـ.

 

ج / 3 ص -145-       والمجوسية والوثنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق في أمته فشمل ما لو كان له فيها جزء، وكذا في سيدته لو كانت تملك سهما منه.
"قوله: والمجوسية والوثنية "أي وحرم تزوجهما على المسلم، أما المجوسية فلقوله عليه السلام
"سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم" أي اسلكوا بهم طريقتهم يعني عاملوهم معاملتهم في إعطاء الأمان بأخذ الجزية منهم كذا في المغرب، وأما الوثنية فلقوله تعالى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:221] والمراد بالمجوس عبدة النار وذكر الكتابية بعدها دليل على أن المجوس لا كتاب لهم، وقد نقل في المبسوط عن علي رضي الله عنه إباحة نكاح المجوسية بناء على أن لهم كتابا إلا أن ملكهم واقع أخته ولم ينكر عليه فرفع كتابهم فنسوه، وليس هذا الكلام بشيء؛ لأن المنع من نكاحهم لكونهم عبدة النار فهم داخلون في المشركين فكونهم كان لهم كتاب أولا لا أثر له وعليه إجماع الأئمة الأربعة كالإجماع على حرمة الوثنية وهي المشركة. وفي غاية البيان هي التي تعبد الوثن أي الصنم والنص عام يدخل تحته سائر المشركات وفي فتح القدير ويدخل في عبدة الأوثان عبدة الشمس والنجوم والصور التي استحسنوها والمعطلة والزنادقة والباطنية والإباحية وفي شرح الوجيز وكل مذهب يكفر به معتقده فهو يحرم نكاحها؛ لأن اسم

 

ج / 3 ص -146-       وحل تزوج الكتابية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشرك يتناولهم جميعا ا هـ. وينبغي أن من اعتقد مذهبا يكفر به، إن كان قبل تقدم الاعتقاد الصحيح فهو مشرك، وإن طرأ عليه فهو مرتد كما لا يخفى وقال الرستغفني لا تجوز المناكحة بين أهل السنة والاعتزال وقال الفضل لا يجوز بين من قال أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؛ لأنه كافر ومقتضاه منع مناكحة الشافعية واختلف فيها هكذا، قيل: يجوز، وقيل: يتزوج بنتهم ولا يزوجهم بنته وعلله في البزازية بقوله تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب، وقد قدمنا في باب الوتر والنوافل إيضاح هذه المسألة وأن القول بتكفير من قال أنا مؤمن إن شاء الله غلط ويجب حمل كلامهم على من يقول ذلك شاكا في إيمانه والشافعية لا يقولون به، فتجوز المناكحة بين الحنفية والشافعية بلا شبهة. وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم؛ لأن الحق عدم تكفير أهل القبلة كما قدمنا نقله عن الأئمة في باب الإمامة وأفاد بحرمة نكاحهما حرمة وطئهما أيضا بملك اليمين خلافا لسعيد بن المسيب وجماعة، لو ورد الإطلاق في سبايا العرب كأوطاس وغيرها وهن مشركات وعامة العلماء منعوا من ذلك للآية، فأما أن يراد بالنكاح الوطء أو كل منه ومن العقد بناء على أنه مشترك في سياق النفي أو خاص في الضم وهو ظاهر في الأمرين ويمكن كون سبايا أوطاس أسلمن.
وقيدنا بالمسلم لما في الخانية: وتحل المجوسية والوثنية لكل كافر إلا المرتد ا هـ. يعني يجوز تزوج اليهودي نصرانية أو مجوسية وعكسه جائز؛ لأنهم أهل ملة واحدة من حيث الكفر وإن اختلفت نحلهم.
"قوله: وحل تزوج الكتابية "لقوله تعالى
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المائدة:5] أي العفائف عن الزنا بيانا للندب لا أن العفة فيهن شرط وعن ابن عمر أنها لا تحل؛ لأنها مشركة؛ لأنهم يعبدون المسيح وعزيرا وحمل المحصنات في الآية على من أسلم منهن وللجمهور أن المشرك ليس من أهل الكتاب للعطف في قوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}[البينة:1] والعطف يقتضي المغايرة وفي قوله تعالى {تَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82] وفي التبيين ثم كل من يعتقد دينا سماويا وله كتاب منزل كصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فهو من أهل الكتاب فتجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم خلافا للشافعي فيما عدا اليهود والنصارى، والحجة عليه ما

 

ج / 3 ص -147-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلونا وفي فتح القدير الكتابي من يؤمن بنبي ويقر بكتاب والسامرية من اليهود.
أطلق المصنف الكتابية هنا وقيدها في المستصفى بقوله: قالوا هذا يعني الحل إذا لم يعتقد المسيح إلها، أما إذا اعتقده فلا، ويوافقه ما في مبسوط شيخ الإسلام ويجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إذا اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله ولا يتزوجوا نساءهم قيل وعليه الفتوى ولكن بالنظر إلى الدلائل ينبغي أنه يجوز الأكل والتزوج. اهـ.
وحاصله أن المذهب الإطلاق لما ذكره شمس الأئمة في المبسوط من أن ذبيحة النصراني حلال مطلقا سواء قال بثالث ثلاثة أو لا لإطلاق الكتاب هنا، والدليل ورجحه في فتح القدير بأن القائل بذلك طائفتان من اليهود والنصارى انقرضوا لا كلهم مع أن مطلق لفظ المشرك إذا ذكر في لسان أهل الشرع لا ينصرف إلى أهل الكتاب وإن صح لغة في طائفة أو طوائف لما عهد من إرادته به من عبد مع الله غيره ممن لا يدعي اتباع نبي وكتاب إلى آخر ما ذكره.
وفي معراج الدراية اختلف العلماء في أن لفظ المشرك يتناول أهل الكتاب والأصح أن اسم المشرك مطلقا لا يتناوله للعطف في الآية. ثم المشرك ثلاثة: مشرك ظاهرا وباطنا كعبدة الأوثان، ومشرك باطنا لا ظاهرا كالمنافقين ومشرك معنى كأهل الكتاب، ففي قوله
{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23] المراد مطلق الشرك، وكذا في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:116] فيتناول جميع الكفار وفي قوله {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة:221] المراد به المشرك ظاهرا وباطنا وهو الوثني فلا يتناول أهل الكتاب والمنافقين ا هـ.
وأطلقه أيضا فشمل الكتابية الحرة والأمة. واتفق الأئمة الأربعة على حل الحرة، واختلفوا في حل الأمة كما سيأتي هذا، والأولى أن لا يتزوج كتابية ولا يأكل ذبائحهم إلا لضرورة وفي المحيط يكره تزوج الكتابية الحربية؛ لأن الإنسان لا يأمن أن يكون بينهما ولد فينشأ على طبائع أهل الحرب ويتخلق بأخلاقهم فلا يستطيع المسلم قلعه عن تلك العادة. ا هـ.
والظاهر أنها كراهة تنزيه؛ لأن التحريمية لا بد لها من نهي أو ما في معناه؛ لأنها في رتبة الواجب وفي الخانية تزوج الحربية مكروه فإن خرج بها إلى دار الإسلام بقي النكاح ا هـ.
وأشار المصنف إلى أنه يحل وطء الكتابية بملك اليمين، وسيأتي أن الكتابية إذا تمجست فإنه ينفسخ نكاحها من المسلم بخلاف اليهودية إذا تنصرت أو عكسه. وذكر الإسبيجابي أن

 

ج / 3 ص -148-       والصابئة والمحرمة ولو محرما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمسلم منع الذمية إذا تزوجها من الخروج إلى الكنائس والبيع وليس له إجبارها على الغسل من الحيض والجنابة.
وفي الخانية من فصل الجزية من السير: مسلم له امرأة ذمية ليس له أن يمنعها من شرب الخمر؛ لأن شرب الخمر حلال عندها وله أن يمنعها عن اتخاذ الخمر في المنزل ا هـ. وهو مشكل؛ لأنه وإن كان حلالا عندها لكن رائحتها تضره فله منعها كمنع المسلمة من أكل الثوم والبصل، ولذا قال الكركي في الفيض قبيل باب التيمم: إن المسلم له أن يمنع زوجته الذمية من شرب الخمر كالمسلمة لو أكلت الثوم والبصل وكان زوجها يكره ذلك، له أن يمنعها ا هـ. وهذا هو الحق كما لا يخفى والله أعلم.
"قوله: والصابئة" أي وحل تزوجها أطلقه وقيده في الهداية بقوله: إن كانوا يؤمنون بدين نبي ويقرون بكتاب الله؛ لأنهم من أهل الكتاب وإن كانوا يعبدون الكواكب ولا كتاب لهم لم تجز مناكحتهم؛ لأنهم مشركون، والخلاف المنقول فيه محمول على اشتباه مذهبهم، فكل أجاب على ما وقع عنده، وعلى هذا حل ذبيحتهم ا هـ. وصححه أيضا في غاية البيان وغيره من أنه لا خلاف بينهم في الحقيقة لكن ظاهر الهداية أن منع مناكحتهم مقيد بقيدين: عبادة الكواكب وعدم الكتاب، فلو كانوا يعبدون الكواكب ولهم كتاب تجوز مناكحتهم وهو قول بعض المشايخ زعموا أن عبادة الكواكب لا تخرجهم عن كونهم أهل الكتاب والصحيح أنهم إن كانوا يعبدونها حقيقة فليسوا أهل كتاب وإن كانوا يعظمونها كتعظيم المسلمين للكعبة فهم أهل كتاب كذا في المجتبى وفي الكشاف أنهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة من صبا إذا خرج من الدين.
"قوله: والمحرمة ولو محرما "أي حل تزوجها ولو كان الزوج محرما لحديث الجماعة عن ابن عباس أنه عليه السلام تزوج ميمونة وهو محرم زاد البخاري وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف، وأما ما رواه يزيد بن الأصم من أنه تزوجها وهو حلال فلم يقو قوة هذا فإنه مما اتفق عليه الستة وحديث يزيد لم يخرجه البخاري ولا النسائي وأيضا لا يقاوم بابن عباس حفظا واتفاقا، وقد أطال في فتح القدير في وجوه ترجحه وذكروا ترجيحه في الأصول من باب

 

ج / 3 ص -149-       والأمة ولو كتابية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيان في تعارض النفي والإثبات، وأما ما رواه الجماعة إلا البخاري أنه عليه السلام قال :
"المحرم لا ينكح ولا ينكح" فحمله المشايخ على الوطء في الجملة الأولى فالمنهي الرجل وعلى التمكين منه في الجملة الثانية فالمنهي المرأة والتذكير باعتبار الشخص وكلمة "لا "فيه جاز أن تكون ناهية ودخولها على المسند للغائب جائز عند المحققين وإن كان غيره أكثر وجاز أن تكون نافية وفي النهاية والمعراج أن معنى الثانية لا يمكن المرأة من نفسه لتطأه كما هو فعل البعض فجعل التذكير على حقيقة وأن المنهي الرجل فيهما والياء مفتوحة في الجملة الأولى مضمومة في الثانية مع كسر الكاف نفيا للإنكاح ومع فتح الكاف من الثانية فقد صحف وجوز في فتح القدير حمل النكاح فيه على العقد ويكون النهي فيه للكراهة جمعا بين الدلائل وذلك؛ لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة؛ لأنه يوجب شغل قلبه وهو محمل قوله "ولا يخطب" ولا يلزم كونه عليه السلام باشره لعدم شغل قلبه بخلافنا ا هـ. وحمل في غاية البيان قوله {ولا يخطب} على النهي عن التماس الوطء توفيقا بين الأحاديث.
"قوله: والأمة ولو كتابية "أي حل تزوجها خلافا للشافعي وأصله التقييد بالوصف، والشرط في قوله تعالى
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}[النساء:25] والخلاف مبني على مسألة أصولية هي أن مفهوم الشرط والوصف هل يكون معتبرا ينتفي الحكم بانتفائه، فقال الشافعي نعم، وقلنا لا فصار الحل ثابتا فيها بالعمومات مثل قوله {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فلذلك جوزنا نكاح الأمة مع طول الحرة ونكاح الأمة الكتابية وتمامه في الأصول وعلى تقدير اعتبار مفهومهما فمقتضاهما عدم الإباحة الثابتة عند وجود القيد المبيح وعدم الإباحة أعم من ثبوت الحرمة أو الكراهة ولا دلالة للأعم على الأخص بخصوصه فيجوز ثبوت الكراهة عند عدم الضرورة وعند وجود طول الحرة كما يجوز ثبوت الحرمة على السواء والكراهة أقل فتعينت، فقلنا بها، وبالكراهة صرح في البدائع، كذا في فتح القدير، وقد يقال مقتضاهما عدم الحل لا عدم الإباحة وعدم الحل مدعاه. والظاهر أن الكراهة في كلام البدائع تنزيهية فلم يخرج عن المباح بالكلية وإن كان الترك راجحا على الفعل، نعم عدم الإباحة أعم من الحرام والمكروه تحريما. والظاهر من كلام الفقهاء أن المباح عندهم ما أذن الشارع في فعله لا ما

 

ج / 3 ص -150-       والحرة على الأمة لا عكسه ولو في عدة الحرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استوى فعله وتركه كما هو في الأصول والخلاف لفظي كما عرف في بحث الأمر من البدائع وغيره.
"قوله: والحرة على الأمة لا عكسه "أي حل إدخال الحرة على الأمة ولا يحل إدخال الأمة على الحرة المتزوجة بنكاح صحيح للحديث
"لا تنكح الأمة على الحرة وتنكح الحرة على الأمة" وهو بإطلاقه حجة على الشافعي في تجويز ذلك للعبد وعلى مالك في تجويزه برضا الحرة ولأن للرق أثرا في تنظيف النعمة على ما نقرره في الطلاق إن شاء الله تعالى فيثبت به حل المحلية في حالة الانفراد دون حالة الانضمام، وتمامه في فتح القدير. وفي المحيط: ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولا معها ويجوز نكاح الحرة على الأمة ومعها ولو تزوج أمة بغير إذن مولاها ولم يدخل بها ثم تزوج حرة ثم أجاز المولى لم يجز؛ لأن نكاح الأمة ارتفع بنكاح الحرة؛ لأن ذلك الملك والحل إنما يثبت عند الإجازة فكان للإجازة حكم إنشاء العقد في حق الحكم فيصيره متزوجا أمة على حرة ولو تزوج ابنتها وهي حرة قبل الإجازة جاز؛ لأن النكاح الموقوف عدم في حق المحل فلا يمنع نكاح غيرها ا هـ. قيد بالنكاح؛ لأنه يجوز له مراجعة الأمة على الحرة؛ لأن الملك فيها باق ذكره الزيلعي في الرجعة وفي المحيط ولو تزوج أربعا من الإماء وخمسا من الحرائر في عقد صح نكاح الإماء؛ لأن التزوج بالخمس باطل فلم يتحقق الجمع فصح نكاح الإماء. ا هـ.
"قوله: ولو في عدة الحرة "أي لا يحل إدخال الأمة في عدة الحرة أطلقه فأفاد أنه لا فرق أن تكون العدة عن طلاق رجعي أو بائن ولا خلاف في المنع في الأول؛ لأن المطلقة رجعيا زوجة. وفي الثاني خلاف: قالا لا يحرم؛ لأن هذا ليس بتزوج عليها وهو المحرم ولهذا لو حلف أن لا يتزوج عليها لم يحنث بهذا، بخلاف تزوج الأخت في عدة الأخت من طلاق بائن فإنه لا يجوز إجماعا والفرق لهما أن الممنوع في تلك الجمع، وقد وجد وهنا الممنوع الإدخال عليها لتنقيصها لا الجمع والإدخال للتنقيص ليس بموجود في المبانة وقال الإمام إنه حرام؛ لأن نكاح الحرة باق من وجه لبقاء بعض الأحكام فبقي المنع احتياطا بخلاف اليمين؛ لأن المقصود أن لا يدخل غيرها في قسمها كذا في الهداية وظاهره أنه لو حلف لا يتزوج عليها فطلقها رجعيا ثم تزوج وهي في العدة لا يحنث أيضا؛ لأنه لا قسم لها كالمبانة ذكره في البدائع لكن علله في فتح القدير بأن العرف لا يسمى متزوجا عليها بعد الإبانة وهو يفيد الحنث في الرجعي وهو الظاهر;

 

ج / 3 ص -151-       وأربع من الحرائر والإماء فقط للحر واثنتين للعبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن النكاح قائم فيه من كل وجه، أطلق في الأمة فشمل المدبرة وأم الولد والمكاتبة؛ لأنها كما في الصحاح خلاف الحرة وقيدنا نكاح الحرة بالصحيح؛ لأن نكاحها الفاسد ولو في العدة والمعتدة عن وطء بشبهة لا يمنع نكاح الأمة لعدم اعتباره.
"قوله: وأربع من الحرائر والإماء "أي وحل تزوج أربع لا أكثر لقوله تعالى
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[النساء:3] اتفق عليه الأئمة الأربعة وجمهور المسلمين ولا اعتبار بخلاف الروافض ولا حاجة إلى الإطالة في الرد عليهم قال القاضي البيضاوي {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} معدولة عن أعداد مكررة: هي ثنتين ثنتين وثلاث ثلاث وأربع أربع وهي غير منصرفة للعدل والصفة فإنها بينت صفات وإن كانت أصولها لم تبين لها، وقيل لتكرار العدل فإنها معدولة باعتبار الصيغة والتكرير منصوبة على الحال من فاعل طاب ومعناها الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكورين متفقين ومختلفين كقوله اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة ولو أفرد كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التوزيع ولو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد ا هـ.
وفي فتح القدير: وحاصل الحال أن حل الواحدة كان معلوما، وهذه الآية لبيان حل الزائد عليها إلى حد معين مع بيان التنجيز بين الجمع والتفريق في ذلك، وإنما كان العدد في الآية مانعا من الزيادة وإن كان من حيث هو عدد لا يمنعها لوقوعه حالا قيدا في الإحلال، قيد بالتزوج؛ لأن له التسري بما شاء من الإماء لإطلاق قوله تعالى
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:3] وفي الفتاوى رجل له أربع نسوة وألف جارية وأراد أن يشتري جارية أخرى فلامه رجل يخاف عليه الكفر ا هـ. ولم أر حكم ما إذا أراد أن يتزوج على امرأته الأخرى فلامه رجل، وينبغي أن لا يخاف عليه الكفر لما أن في تزوج الجمع من النساء مشقة شديدة بسبب وجوب العدل بينهن، ولذا قال تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء:3] بخلاف الجمع من السراري فإنه لا قسم بينهن مع أنهم قالوا إذا ترك التزوج على امرأته كي لا يدخل الغم على زوجته التي عنده كان مأجورا مع أنه لا ينبغي اللوم على شيء من ذلك لقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المؤمنون:5].
"قوله: واثنتين للعبد" أي وحل تزوج اثنتين له حرتين كانتا أو أمتين ولا يجوز أكثر منه في

 

ج / 3 ص -152-       وحبلى من زنا لا من غيره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النكاح لإجماع الصحابة ولأن الرق منصف نعمة وعقوبة، أطلق في العبد فشمل المدبر والمكاتب، وقيد بالتزوج؛ لأنه لا يحل له التسري ولا أن يسريه مولاه ولا يملك المكاتب والعبد شيئا إلا الطلاق ذكره الإسبيجابي.
وحاصله أن الحل منحصر في عقد النكاح وملك اليمين ولم يكن الثاني للعبد؛ لأنه لا يملك وإن ملك فانحصر حله في عقد النكاح.
"قوله: وحبلى من زنا لا من غيره "أي وحل تزوج الحبلى من الزنا ولا يجوز تزوج الحبلى من غير الزنا أما الأول فهو قولهما، وقال أبو يوسف هو فاسد قياسا على الثاني وهي الحبلى من غيره وإن تزوجها لا يصح إجماعا لحرمة الحمل، وهذا الحمل محترم؛ لأنه لا جناية منه ولهذا لم يجز إسقاطه ولهما أنهما من المحللات بالنص وحرمة الوطء كي لا يسقي ماءه زرع غيره والامتناع في ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني ومحل الخلاف تزوج غير الزاني، أما تزوج الزاني لها فجائز اتفاقا وتستحق النفقة عند الكل ويحل وطؤها عند الكل كما في النهاية .
وقيد بالتزوج؛ لأن وطأها حرام اتفاقا للحديث
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره" فإن قيل: فم الرحم ينسد بالحبل فكيف يكون سقى زرع غيره؟ قلنا: شعره ينبت من ماء الغير كذا في المعراج وحكم الدواعي على قولهما كالوطء كما في النهاية، وذكر التمرتاشي أنها لا نفقة لها، وقيل: لها ذلك، والأول أوجه؛ لأن المانع من الوطء من جهتها بخلاف الحيض فإنه سماوي كذا في فتح القدير.
وأطلق في قوله لا من غيره فشمل الحامل من حربي كالمهاجرة والمسبية، وروي عن أبي حنيفة صحة العقد كالحامل من الزنا وصحح الشارح المنع وهو المعتمد وفي فتح القدير أنه ظاهر المذهب وشمل أم الولد فلو زوج أم ولده وهي حامل منه فالنكاح باطل؛ لأنها فراش لمولاها حيث يثبت نسب ولدها منه من غير دعوى فلو صح النكاح لحصل الجمع بين الفراشين إلا أنه غير متأكد حتى ينتفي الولد بالنفي من غير لعان فلا يعتبر ما لم يتصل به الحمل كذا في الهداية وظاهره: أن المولى اعترف بأن الحمل منه؛ لأنه قال: وهي حامل منه فلذا لم

 

ج / 3 ص -153-       والموطوءة بملك يمين أو زنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكن تزويجه إياها نفيا للولد دلالة؛ لأن الصريح بخلافه فلو لم يعترف به وزوجها وهي حامل ينبغي أن يجوز النكاح ويكون نفيا دلالة فإن النسب كما ينتفي بالصريح ينتفي بالدلالة بدليل مسألة الأمة جاءت بأولاد ثلاثة فادعى المولى أكبرهم حيث يثبت نسبه وينتفي نسب غيره بدلالة اقتصاره على البعض كما في فتح القدير.
"قوله: والموطوءة بملك "أي حل تزوج من وطئها المولى بملك يمين؛ لأنها ليست بفراش لمولاها؛ لأنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوى فلا يلزم الجمع بين الفراشين وأفاد أنه يحل له وطؤها من غير استبراء وهو قولهما، وقال محمد لا أحب أن يطأها حتى يستبرئها؛ لأنه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه كما في الشراء، ولهما: أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا، بخلاف الشراء؛ لأنه يجوز مع الشغل كذا في الهداية، وذكر في النهاية أنه لا خلاف بينهم في الحاصل فإن أبا حنيفة قال: للزوج أن يطأها بغير استبراء واجب ولم يقل لا يستحب ومحمد لم يقل أيضا هو واجب ولكنه قال: لا أحب له أن يطأها اهـ.
وفيه نظر؛ لأن ما في الهداية من قوله لا يؤمر به لا استحبابا ولا وجوبا يأبى هذا الحمل ولم يذكر المصنف استبراء المولى وفي الهداية عليه أن يستبرئها صيانة لمائه، وظاهره الوجوب وحمله في النهاية و المعراج على الاستحباب دون الحتم وفي الذخيرة وإذا أراد الرجل أن يزوج أمته من إنسان، وقد كان يطؤها بعض مشايخنا قالوا: يستحب له أن يستبرئها بحيضة ثم يزوجها كما لو أراد بيعا والصحيح أنه هاهنا يجب الاستبراء وإليه مال شمس الأئمة السرخسي ا هـ. وقد جعل الوجوب في الحاوي الحصيري قوله محمد أطلق في الموطوءة بالملك فشمل أم الولد ما لم تكن حبلى منه كما قدمناه.
"قوله: أو زنا "أي وحل تزوج الموطوءة بالزنا أي الزانية، لو رأى امرأة تزني فتزوجها، جاز وللزوج أن يطأها بغير استبراء وقال محمد لا أحب له أن يطأها من غير استبراء، وهذا صريح في جواز تزوج الزانية، وأما قوله تعالى
{الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور:3] فمنسوخ بقوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ}[النساء:3] على ما قيل بدليل الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن امرأتي لا تدفع يد لامس، فقال عليه السلام "طلقها", فقال: إني أحبها وهي جميلة، فقال عليه السلام "استمتع

 

ج / 3 ص -154-       والمضمومة إلى محرمة والمسمى لها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بها" وفي المجتبى من آخر الحظر والإباحة: لا يجب على الزوج تطليق الفاجرة ولا عليها تسريح الفاجر إلا إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس أن يتفرقا. ا هـ.
"قوله: والمضمومة إلى محرمة "أي وحل نكاح امرأة محللة ضمت إلى امرأة محرمة كأن عقد على امرأتين إحداهما محرمة أو ذات زوج أو وثنية بخلاف ما إذا جمع بين حر وعبد في البيع حيث لا يصح في العبد؛ لأن قبول العقد في الحر شرط فاسد في بيع العبد وهنا المبطل يخص المحرمة والنكاح لا يبطل بالشرط الفاسد.
"قوله: والمسمى لها "أي جميع المسمى للمحللة المضمومة إلى محرمة عند أبي حنيفة نظرا إلى أن ضم المحرمة في عقد النكاح لغو كضم الجدار لعدم المحلية والانقسام من حكم المساواة في الدخول في العقد ولم يجب الحد بوطء المحرمة؛ لأن سقوطه من حكم صورة العقد لا من حكم انعقاده فليس قوله بعدم الانقسام بناء على أن عدم الدخول في العقد منافيا لقوله بسقوط الحد لوجود صورة العقد كما قد يتوهم كما لا يخفى، وعندهما يقسم على مهر مثليهما كأن يكون المسمى ألفا ومهر مثل المحرمة ألفان والمحللة ألف فيلزم ثلاث مائة وثلاث وثلاثون وثلث درهم للمحللة ويسقط الباقي نظرا إلى أن المسمى قوبل بالبضعين فينقسم عليهما كما لو جمع بين عبدين فإذا أحدهما مدبر وكما إذا خاطب امرأتين بالنكاح بألف فأجابت إحداهما دون الأخرى.
وأجيب عن الأول بأن المدبر محل في الجملة لكونه مالا فدخل تحت الانعقاد فانقسم بخلاف المحرمة لعدم المحلية أصلا وعن الثاني بأنهما استويا في الدخول تحت الإيجاب للمحلية فانقسم المهر عليهما فترجح قوله على قولهما.
وأورد على قوله ما لو دخل بالمحرمة فإن فيه روايتين: في رواية الزيادات يلزمه مهر مثلها لا يجاوز به حصتها من المسمى ومقتضاه الدخول في العقد وإلا لوجب مهر المثل بالغا ما بلغ، وجوابه: أن المنع من المجاوزة على ما خصها من المسمى يحصل بمجرد التسمية ورضاها بالقدر المسمى لا بانعقاد العقد عليها ودخولها تحته وذلك موجود في المحرمة، وفي رواية أخرى: يجب مهر المثل بالغا ما بلغ وهو الأصح كما في المبسوط ومقتضاه الدخول في العقد، وقد قال بعدمه وهو يقتضي أجنبيتها عنه فلا يجب مهر المثل؛ لأنه فرع الدخول في عقد فاسد، وجوابه: أن وجوبه بالعذر الذي وجب به درء الحد وهو صورة العقد وأورد على قولهما أيضا: كيف وجب

 

ج / 3 ص -155-       وبطل نكاح المتعة والموقت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لها حصتها من الألف بالدخول وهو حكم دخولها في العقد ثم يجب الحد ولا يجتمع الحد والمهر ولا مخلص إلا بتخصيصهما الدعوى فيجب الحد لانتفاء شبهة الحل والمهر للانقسام بالدخول في العقد.
"قوله: وبطل نكاح المتعة والموقت "وفرق بينهما في النهاية و المعراج بأن يذكر في الموقت لفظ النكاح أو التزويج مع التوقيت وفي المتعة لفظ أتمتع بك أو أستمتع وفي العناية بفرق آخر: أن الموقت يكون بحضرة الشهود ويذكر فيه مدة معينة بخلاف المتعة فإنه لو قال أتمتع بك ولم يذكر مدة كان متعة.
والتحقيق ما في فتح القدير أن معنى المتعة عقد على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته بل إما إلى مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دام معها إلى أن ينصرف عنها فيدخل فيه بمادة المتعة والنكاح الموقت أيضا فيكون من أفراد المتعة وإن عقد بلفظ التزويج وأحضر الشهود إلى آخر ما ذكره، وقد نقل في الهداية إجماع الصحابة على حرمته وأنها كانت مباحة ثم نسخت وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم
"كنت أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء، وقد حرم الله ذلك إلى يوم القيامة" والأحاديث في ذلك كثيرة شهيرة وما نقل عن ابن عباس من إباحتها فقد صح رجوعه وما في الهداية من نسبته إلى مالك فغلط كما ذكره الشارحون فحينئذ كان زفر القائل بإباحة الموقت محجوجا بالإجماع لما علمت أن الموقت من أفراد المتعة، قالوا: ثلاثة أشياء نسخت مرتين: المتعة ولحوم الحمر الأهلية والتوجه إلى بيت المقدس، أطلق في الموقت فشمل المدة الطويلة أيضا كأن يتزوجها إلى مائتي سنة وهو ظاهر المذهب وهو الصحيح كما في المعراج؛ لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة، وشمل المدة المجهولة أيضا وقيد بالموقت؛ لأنه لو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر فإنه جائز؛ لأن اشتراط القاطع يدل على انعقاده مؤبدا وبطل الشرط كما في القنية ولو تزوجها وفي نيته أن يقعد معها مدة نواها فالنكاح صحيح؛ لأن التوقيت إنما يكون باللفظ، قالوا: ولا بأس بتزوج النهاريات وهو أن يتزوجها ليقعد معها نهارا دون الليل وينبغي أن لا يكون هذا الشرط لازما عليها ولها أن تطلب المبيت عندها ليلا لما عرف في باب القسم.

 

ج / 3 ص -156-       وله وطء امرأة ادعت أنه تزوجها وقضى بنكاحها ببينة ولم يكن تزوجها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وله وطء امرأة ادعت أنه تزوجها وقضى بنكاحها ببينة ولم يكن تزوجها ", وهذا عند أبي حنيفة وقالا ليس له وطؤها؛ لأن القاضي أخطأ الحجة إذ الشهود كذبة فصار كما إذا ظهر أنهم عبيد أو كفار ولأبي حنيفة أن الشهود صدقة عنده وهو الحجة لتعذر الوقوف على حقيقة الصدق، بخلاف الكفر والرق؛ لأن الوقوف عليهما متيسر فإذا ابتنى القضاء على الحجة وأمكن تنفيذه باطنا بتقديم النكاح نفذ قطعا للمنازعة، بخلاف الأملاك المرسلة؛ لأن في الأسباب تزاحما فلا إمكان، وهذه المسألة فرد من أفراد المسألة الآتية في كتاب القضاء .
وهي أن القضاء ينفذ بشهادة الزور ظاهرا وباطنا في العقود والفسوخ وكما يجوز له وطؤها يجوز لها تمكينه منه، وكذا لو ادعى عليها النكاح فحكمه كذلك، وكذا لو قضى بالطلاق بشهادة الزور مع علمها حل لها التزوج بآخر بعد العدة وحل للشاهد تزوجها وحرمت على الأول وعند أبي يوسف لا تحل للأول ولا الثاني وعند محمد تحل للأول ما لم يدخل بها الثاني فإذا دخل بها حرمت عليه لوجوب العدة كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة.
 وأشار بقوله: وقضى بنكاحها إلى اشتراط أن تكون محلا للإنشاء حتى لو كانت ذات زوج أو في عدة غيره أو مطلقة منه ثلاثا لا ينفذ قضاؤه؛ لأنه لا يقدر على الإنشاء في هذه الحالة، واختلفوا في اشتراط حضور الشهود عند قوله قضيت فشرطه جماعة للنفاذ باطنا عنده وذكر المصنف في الكافي أنه أخذ به عامة المشايخ، وقيل: لا يشترط؛ لأن العقد ثبت بمقتضى صحة قضائه في الباطن وما ثبت بمقتضى صحة الغير لا يثبت بشرائطه كالبيع في قوله أعتق عبدك عني بألف، وذكر في فتح القدير أن الأوجه عدم الاشتراط، ويدل عليه إطلاق المتون، وذكر الفقيه أبو الليث أن الفتوى على قولهما في أصل المسألة أعني عدم النفاذ باطنا فيما ذكر، وفي فتح القدير والنهاية: وقول أبي حنيفة أوجه، وقد استدل له بدلالة الإجماع على أن من اشترى جارية ثم ادعى فسخ بيعها كذبا وبرهن فقضي به حل للبائع وطؤها واستخدامها مع علمه بكذب دعوى المشتري مع أنه يمكنه التخلص بالعتق وإن كان فيه إتلاف ماله فإنه ابتلي بأمرين فعليه أن يختار أهونهما وذلك ما يسلم له فيه دينه ا هـ. ولا يخفى أنه لا يلزم من القول بحل الوطء عدم إثمه فإنه أثم بسبب إقدامه على الدعوى الباطلة وإن كان لا إثم عليه بسبب الوطء، وألحق في الهداية بالعقود والفسوخ العتق والنسب.
 وقد وقعت لطيفة هي أن بعض المغاربة بحث مع الأكمل بأنه يمكن قطع المنازعة بالطلاق فأجابه الأكمل ما تريد بالطلاق، الطلاق المشروع أو غيره؟ ولا عبرة بغيره والمشروع يستلزم

 

ج / 3 ص -157-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المطلوب إذ لا يتحقق إلا في نكاح صحيح وتعقبه تلميذه عمر قارئ الهداية بأنه جواب غير صحيح؛ لأن له أن يريد غير المشروع ليكون طريقا إلى قطع المنازعة وإن لم يكن في نفسه صحيحا وتعقبهما تلميذه ابن الهمام بأن الحق التفصيل وهو أن الطلاق المذكور يصلح سببا لقطع المنازعة إن كانت هي المدعية إذ يمكنه ذلك، وأما إذا كان هو المدعي فلا يمكنها التخلص منه فلم يكن لقطع المنازعة سبب إلا النفاذ باطنا مع أن الحكم أعم من دعواها أو دعواه، ولذا صرح المصنف بما إذا كانت هي المدعية ليفيد أنه يحل له وطؤها وإن أمكنه طلاقها ليفيد أنه لا عبرة بالطلاق كما هو المذهب والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

1- باب الأولياء والأكفاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب الأولياء والأكفاء
شروع في بيان ما ليس بشرط لصحة النكاح عندنا وهو الولي وله معنى لغوي وفقهي وأصولي.
فالولي في اللغة خلاف العدو والولاية بالكسر السلطان والولاية النصرة، وقال سيبويه الولاية بالفتح المصدر والولاية بالكسر الاسم مثل الأمارة والنقابة؛ لأنه اسم لما توليته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا كذا في الصحاح.
وفي الفقه البالغ العاقل الوارث، فخرج الصبي والمعتوه والكافر على المسلمة.
وفي أصول الدين: هو العارف بالله تعالى وبأسمائه وصفاته حسبما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب عن المعاصي، الغير المنهمك في الشهوات واللذات كما في شرح العقائد.
والولاية في الفقه تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى وهي في النكاح نوعان ولاية ندب واستحباب وهي الولاية على العاقلة البالغة بكرا كانت أو ثيبا وولاية إجبار وهي الولاية على الصغير بكرا كانت أو ثيبا، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة.
وتثبت الولاية بأسباب أربعة بالقرابة والملك والولاء والإمامة.

 

ج / 3 ص -158-       نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأكفاء جمع كفء وهو النظير كما في المغرب وسيأتي بيانه.
"قوله: نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي "; لأنها تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة بالغة ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج، وإنما يطالب الولي بالتزويج كي لا تنسب إلى الوقاحة ولذا كان المستحب في حقها تفويض الأمر إليه والأصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه، ويدل عليه قوله تعالى:
{حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] أضاف النكاح إليها ومن السنة حديث مسلم "الأيم أحق بنفسها من وليها" وهي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، فأفاد أن فيه حقين حقه وهو مباشرته عقد النكاح برضاها، وقد جعلها أحق منه ولن تكون أحق إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه وأما ما رواه الترمذي وحسنه "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل". وما رواه أبو داود "لا نكاح إلا بولي" فضعيفان أو مختلف في صحتهما فلن يعارضا المتفق على صحته أو الأول محمول على الأمة والصغيرة والمعتوهة أو على غير الكفء، والثاني محمول على نفي الكمال أو هي ولية نفسها.
وفائدته نفي نكاح من لا ولاية له كالكافر للمسلمة والمعتوهة والأمة كل ذلك لدفع التعارض مع أن الحديث الأول حجة على من لم يعتبر عبارة النساء في النكاح، فإن مفهومه أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح وهم لا يقولون به، وأما قوله تعالى
{فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] فالمراد بالعضل المنع حسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج كما في المبسوط إن كان نهيا للأولياء لا المنع عن العقد بدليل {أَنْ يَنْكِحْنَ} حيث أضاف العقد إليهن وإن كان نهيا للأزواج المطلقين عن المنع عن التزوج بعد العدة كما في المعراج بدليل أنه قال في أول الآية {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] فلم يكن حجة أصلا.

 

ج / 3 ص -159-       ولا تجبر بكر بالغة على النكاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيده بالحرة احترازا عن الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد فإنه لا يجوز نكاحهن إلا بإذن المولى.
وقيده بالمكلفة احترازا عن الصغيرة والمجنونة فإنه لا ينعقد نكاحهما إلا بالولي وأطلقها فشمل البكر والثيب، وأطلق فشمل الكفء وغيره، وهذا ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه لكن للولي الاعتراض في غير الكفء وما روي عنهما بخلافه فقد صح رجوعهما إليه وروى الحسن عن الإمام أنه إن كان الزوج كفؤا نفذ نكاحها وإلا فلم ينعقد أصلا وفي المعراج معزيا إلى قاضي خان وغيره والمختار للفتوى في زماننا رواية الحسن وفي الكافي والذخيرة وبقوله أخذ كثير من المشايخ؛ لأنه ليس كل قاض يعدل ولا كل ولي يحسن المرافعة والجثو بين يدي القاضي مذلة فسد الباب بالقول بعدم الانعقاد أصلا.
قال صدر الإسلام لو زوجت المطلقة ثلاثا نفسها من غير كفء ودخل بها الزوج ثم طلقها لا تحل للزوج الأول على ما هو المختار وفي الحقائق هذا مما يجب حفظه لكثرة وقوعه وفي فتح القدير فإن المحلل في الغالب يكون غير كفء وأما لو باشر الولي عقد المحلل فإنها تحل للأول. ا هـ. وسيأتي في الكفاءة أن كثيرا من المشايخ أفتوا بظاهر الرواية، وهذا كله إذا كان لها أولياء أما إذا لم يكن لها ولي فهو صحيح مطلقا اتفاقا ولا يخفى أنه لا يشترط مباشرة الولي للعقد؛ لأن رضاه بالزوج كاف لكن لو قال الولي رضيت بتزوجها من غير كفء ولم يعلم بالزواج عينا هل يكفي صارت حادثة للفتوى وينبغي أن لا يكفي؛ لأن الرضا بالمجهول لا يصح كما ذكره قاضي خان في فتاويه في مسألة ما إذا استأذنها الولي ولم يسم الزوج، فقال؛ لأن الرضا بالمجهول لا يتحقق ولم أره منقولا صريحا وسيأتي تمامه في الكفاءة إن شاء الله تعالى.
"قوله: ولا تجبر بكر بالغة على النكاح" أي لا ينفذ عقد الولي عليها بغير رضاها عندنا خلافا للشافعي له الاعتبار بالصغيرة، وهذا؛ لأنها جاهلة بأمر النكاح لعدم التجربة ولهذا يقبض الأب صداقها بغير أمرها. ولنا: أنها حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية والولاية على الصغير لقصور عقلها، وقد كمل بالبلوغ بدليل توجه الخطاب فصار كالغلام وكالتصرف في المال، وإنما يملك الأب قبض الصداق برضاها دلالة فيبرأ الزوج بالدفع إليه ولهذا لا يملك مع نهيها، والجد كالأب كما في الخانية وزاد في جوامع الفقه القاضي وجعله كالأب وفي المبسوط بخلاف سائر الأولياء ليس لهم حق قبض مهرها بدون أمرها؛ لأنه معبر وكما لا تتوجه المطالبة عليه بتسليم المعقود عليه لا يكون إليه قبض البدل وبخلاف سائر الديون فإن الأب

 

ج / 3 ص -160-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يملك قبضها كما في المجتبى وهذا كله إذا قبض الأب المسمى قال في الظهيرية رجل تزوج امرأة بكرا بالغة على مهر مسمى ودفع إلى أبيها مهرها ضيعة فلما بلغها الخبر قالت لا أرضى بما فعل الأب ينظر إن كان في بلدة لم يجر التعارف بدفع الضيعة في المهر لم يجز؛ لأن هذا شراء والبلوغ قاطع للولاية وإن كان في بلدة جرى التعارف بذلك جاز؛ لأن هذا قبض للمهر وإن كانت البنت صغيرة فأخذ الأب مكان المهر ضيعة لا تساوي المهر فإن كان في بلد جرى التعارف بذلك جاز وإلا فلا ا هـ. زاد في الذخيرة وعليه الفتوى وفيها أيضا: وليس للأب قبض ما وهبه أو أهداه الزوج للبكر البالغة قبل الدخول حتى لو قبضها بغير إذنها كان للزوج الاسترداد. ا هـ.
وأما قبض الصغير فللاب والجد والوصي دون سائر الأولياء ولو أما فلو دفعه إلى أمها فإن وصية برئ وإلا خيرت بعد بلوغها بين أخذها منه أو منها وله أن يرجع على الأم إن أخذت منه البنت كما في المحيط وغيره، وللأب والجد المطالبة به وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها، بخلاف النفقة. والقاضي كالأب إلا إذا زفت، وليس لأحد قبض مهر الثيب البالغة فلو اختلف الأب والزوج في الدخول فالقول للأب ويحلف على نفي العلم إن لم تعترف المرأة به وله تحليفها أيضا على أنه لم يدخل بها كما في الذخيرة وإقرار الأب بقبض الصداق عند إنكارها وعدم البينة غير مقبول إن كانت وقته ثيبا بالغة وإلا فمقبول وإقراره أنه قبضه وهي صغيرة مع إنكارها وعدم البيان غير مقبول إن كانت وقته بالغة وإلا فمقبول وترجع على الزوج وليس للزوج أن يرجع على الأب إلا إذا شرط براءته من الصداق وقت القبض كما في فتح القدير وغيره وفي الذخيرة والحكم فيما بين الوكيل والمدين ورب الدين في مثل هذا نظير الحكم فيما بين الأب والمرأة والزوج. ا هـ.
وفي المحيط رجل قبض مهر ابنته من الزوج ثم ادعى عليه الرد ثانيا إن كانت المرأة بكرا لم يصدق إلا ببينة؛ لأن له حق القبض وليس له حق الرد وإن كانت ثيبا صدق؛ لأنه ليس له حق القبض فإذا قبض بأمر الزوج كان أمانة للزوج عنده فيصدق في رد الأمانة عليه كالمودع إذا قال رددت الوديعة. ا هـ.
وفي الذخيرة للأب المخاصمة مع الزوج في مهر البكر البالغة كما له أن يقبضه، ولا يشترط إحضار المرأة للاستيفاء عندنا خلافا لزفر فإن قال الزوج للقاضي: مر الأب فليقبض المهر مني وليسلم الجارية إلي، فإن القاضي يقول له: اقبض المهر وادفعها إليه، فإن امتنع الأب من ذلك ليس على الزوج دفعه إليه ولو قال الأب: ليست في منزلي ولا أعرف مكانها فليس على الزوج

 

ج / 3 ص -161-       وإن استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت أو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو إذن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دفعه أيضا، وإن قال الأب: هي في منزلي، وإنما أقبض المهر وأجهزها به وأسلمها إليه فالقاضي يأمر الزوج بالدفع إليه فإن طلب الزوج كفيلا بالمهر فالقاضي يأمر الأب بكفيل بالمهر فإذا أتى بكفيل أمر الزوج بدفع المهر فإن سلم البنت إليه برئ الكفيل وإن عجز عن ذلك توصل الزوج إلى حقه بالكفيل فيعتدل النظر من الجانبين، وهكذا كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع وقال: القاضي يأمر الأب أن يجعل المرأة مهيأة للتسليم ويحضرها ويأمر الزوج بدفع المهر والأب بتسليم البنت فيكون دفع الزوج المهر عند تسليمها نفسها إلى الزوج؛ لأن النظر لا يحصل للزوج بالكفالة؛ لأنه لا يصل إلى المرأة لا محالة بالكفالة، وإنما النظر في تسليم المهر بحضرتها، قال الخصاف، وهذا أحسن القولين ا هـ.
وفي الخلاصة الأب إذا جعل بعض مهر البنت آجلا والبعض عاجلا ووهب البعض كما هو المعهود، ثم قال: إن لم تجز البنت الهبة فقد ضمنت من مالي أن أؤدي قدر الهبة لا يصح هذا الضمان ا هـ.
"قوله: وإن استأذنها الولي فسكتت أو ضحكت أو زوجها فبلغها الخبر فسكتت فهو إذن "لقوله عليه الصلاة والسلام
"البكر تستأمر في نفسها فإن سكتت فقد رضيت" ولأن حيثية الرضا فيه راجحة؛ لأنها تستحي عن إظهار الرغبة لا عن الرد والضحك أدل على الرضا من السكوت. والأصل أن سكوت البكر للاستئمار وكالة وللعقد إجازة كما ذكره الإسبيجابي فالإذن في عبارة المختصر مشترك بين الوكالة والإجازة ففي المسألة الأولى توكيل وفي الثانية إجازة ويتفرع على كونه توكيلا أن الولي لو استأذنها في رجل معين، فقالت يصلح أو سكتت ثم لما خرج قالت لا أرضى ولم يعلم الولي بعدم رضاها فزوجها فهو صحيح كما في الظهيرية؛ لأن الوكيل لا ينعزل حتى يعلم وليس السكوت إذنا حقيقيا لما في الخانية من الأيمان إذا حلفت أن لا تأذن في تزويجها فسكتت عند الاستئمار لا تحنث ا هـ.
والمراد بالولي من له ولاية استحباب؛ لأن الكلام في البالغة العاقلة فيفيد أنه ليس لها ولي أقرب منه؛ لأنه حينئذ له الولاية المذكورة فلو استأذنها من غيره أقرب منه فلا يكون سكوتها إذنا ولا بد من النطق؛ لأن الأبعد مع الأقرب كالأجنبي كما ذكره الإسبيجابي ولهذه النكتة عبر بالولي دون القريب ودخل تحت الولي القاضي؛ لأن له ولاية الاستحباب في نكاحها ولذا قال في الخانية والقاضي عند الأولياء بمنزلة الولي في ذلك. ا هـ. فيكفي سكوتها ودخل أيضا المولى في نكاح المعتقة إذا كانت بكرا بالغة كما في القنية ولو زوجها وليان متساويان كل واحد منهما

 

ج / 3 ص -162-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من رجل فأجازتهما معا بطلا لعدم الأولوية وإن سكتت بقيا موقوفين حتى تجيز أحدهما بالقول أو بالفعل وهو ظاهر الجواب كما في البدائع.
وحكم رسول الولي كالولي؛ لأنه قائم مقامه فيكفي سكوتها واختاره أكثر المتأخرين كما في الذخيرة والمراد بالسكوت ما كان عن اختيار لما في الخانية لو أخذها العطاس أو السعال حين أخبرت فلما ذهب العطاس أو السعال قالت لا أرضى صح ردها، وكذا لو أخذ فمها ثم ترك، فقالت لا أرضى؛ لأن ذلك السكوت كان عن اضطرار.
وأطلقه فشمل ما إذا كانت عالمة بحكمه أو جاهلة وشمل ما إذا استأذنها لنفسه لما في الجوامع لو استأذن بنت عمه لنفسه وهي بكر بالغة فسكتت فزوجها من نفسه جاز؛ لأنه صار وكيلا بسكوتها ا هـ.
وقيد بالسكوت؛ لأنها لو ردته ارتد وقولها لا أريد الزوج أو لا أريد فلانا سواء في أنه رد سواء كان قبل التزويج أو بعده وهو المختار كما في الذخيرة ولو قالت بعد الاستئمار: غيره أولى منه فليس بإذن وهو إجازة بعد العقد، كما فيها أيضا. وفرقوا بينهما بأنه يحتمل الإذن وعدمه فقبل النكاح لم يكن النكاح فلا يجوز بالشك وبعد النكاح كان فلا يبطل بالشك كذا في الظهيرية وهو مشكل؛ لأنه لا يكون نكاحا إلا بعد الصحة وهو بعد الإذن فالظاهر أنه ليس بإذن، فيهما وقولها "ذلك إليك "إذن مطلقا بخلاف قولها أنت أعلم أو أنت بالمصلحة أخبر وبالأحسن أعلم كما في فتح القدير.
وأراد بالسكوت السكوت عن الرد لا مطلق السكوت؛ لأنه لو بلغها الخبر فتكلمت بكلام أجنبي فهو سكوت هنا فيكون إجازة فلو قالت الحمد لله اخترت نفسي أو قالت هو دباغ لا أريده فهذا كلام واحد فكان ردا، كذا في الظهيرية.
وأطلق في الضحك فشمل التبسم وهو الصحيح كما في فتح القدير ولا يرد عليه ما إذا ضحكت مستهزئة فإنه لا يكون إذنا وعليه الفتوى وضحك الاستهزاء لا يخفى على من يحضره؛ لأن الضحك إنما جعل إذنا لدلالته على الرضا فإذا لم يدل على الرضا لم يكن إذنا.
وأطلق في الاستئذان فانصرف إلى الكامل وهو بأن يسمي لها الزوج على وجه يقع لها به المعرفة ويسمي لها المهر، أما الأول فلا بد منه لتظهر رغبتها فيه من رغبتها عنه فلو قال أزوجك

 

ج / 3 ص -163-       ....................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من رجل فسكتت لا يكون إذنا فلو سمى فلانا أو فلانا فسكتت فله أن يزوجها من أيهما شاء، وكذا لو سمى جماعة مجملا فإن كانوا يحصون فهو رضا نحو من جيراني أو بني عمي وهم كذلك وإن كانوا لا يحصون نحو من بني تميم فليس برضا كما في المحيط، وهذا كله إذا لم تفوض الأمر إليه أما إذا قالت أنا راضية بما تفعله أنت بعد قوله وإن أقواما يخطبونك أو زوجني ممن تختاره ونحوه فهو استئذان صحيح كما في الظهيرية وليس له بهذا المقالة أن يزوجها من رجل ردت نكاحه أولا؛ لأن المراد بهذا العموم غيره كالتوكيل بتزويج امرأة ليس للوكيل أن يزوجه مطلقته إذا كان الزوج قد شكا منها للوكيل وأعلمه بطلاقها كما في الظهيرية.
وأما الثاني ففيه ثلاثة أقوال مصححة: قيل لا يشترط ذكر المهر في الاستئذان؛ لأن للنكاح صحة بدونه وصححه في الهداية، وقيل يشترط ذكره؛ لأن رغبتها تختلف باختلاف الصداق في القلة والكثرة وهو قول المتأخرين من مشايخنا كما في الذخيرة وفي فتح القدير أنه الأوجه وتفرع عليه أنه لو لم يذكر المهر لها قالوا إن وهبها من رجل نفذ نكاحه؛ لأنها رضيت بنكاح لا تسمية فيه.
والنكاح بلفظ الهبة يوجب مهر المثل وإن زوجها بمهر مسمى لا ينعقد نكاح الولي؛ لأنها ما رضيت بتسمية الولي فلا ينعقد نكاح الولي إلا بإجازة مستقلة كذا في الخانية وغيرها، وهو مشكل؛ لأن مقتضى الاشتراط أن لا يصح الاستئذان إذا لم يذكره فلم يصح "قولهم إنها رضيت بنكاح لا تسمية فيه فسكوتها إنما هو لعلمها بعدم صحة الاستئذان، وقيل إن كان المزوج أبا أو جدا لا يشترط ذكر المهر عند الاستئذان وإن كان غيرهما يشترط وصححه في الكافي والمعراج وكأنه سهو وقع من قائله؛ لأن التفرقة بين الأب والجد وبين غيرهما إنما هو في تزويج الصغيرة بحكم الجبر والكلام إنما هو في الكبيرة التي وجب مشاورتها والأب في ذلك كالأجنبي لا يفعل شيئا إلا برضاها.
فقد اختلف الترجيح فيها والمذهب الأول كما في الذخيرة أن إشارة كتب محمد تدل عليه ولم يذكر المصنف البكاء للاختلاف فيه والصحيح المختار للفتوى أنها إن بكت بلا صوت فهو إذن؛ لأنه حزن على مقاومة أهلها وإن كان بصوت فليس بإذن؛ لأنه دليل السخط والكراهة غالبا لكن في المعراج البكاء وإن كان دليل السخط لكنه ليس برد حتى لو رضيت بعده ينفذ العقد ولو قالت لا أرضى ثم رضيت بعده لا يصح النكاح ا هـ.
وبهذا تبين أن قول الوقاية والبكاء بلا صوت إذن ومعه رد ليس بصحيح إلا أن يؤول أن معناه ومعه ليس بإذن؛ لأنه دليل السخط وفي فتح القدير والمعول عليه اعتبار قرائن الأحوال

 

ج / 3 ص -164-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط ا هـ.
وقدم المصنف مسألة الاستئذان قبل العقد؛ لأنه السنة قال في المحيط والسنة أن يستأمر البكر وليها قبل النكاح بأن يقول إن فلانا يخطبك أو يذكرك فسكتت وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها. ا هـ.
وهو محمل النهي في حديث مسلم
"لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت" فهو لبيان السنة للاتفاق على أنها لو صرحت بالرضا بعد العقد نطقا فإنه يجوز وأراد ببلوغها الخبر: علمها بالنكاح فدخل فيه ما لو زوجها الولي وهي حاضرة فسكتت فإنه إجازة على الصحيح وعلمها به يكون بإخبار وليها أو رسوله مطلقا أو فضولي عدل أو اثنين مستورين عند أبي حنيفة ولا يكفي إخبار واحد غير عدل ولها نظائر ستأتي في كتاب القضاء من مسائل شتى، ولا بد في التبليغ من تسمية الزوج لها على وجه تقع به المعرفة لها كما قدمناه في الاستئذان، وأما تسمية المهر فعلى الخلاف المتقدم.
وفرع في التبيين على عدم الاشتراط أنه إن سماه يشترط أن يكون وافرا وهو مهر المثل حتى لا يكون السكوت رضا بدونه، واختلف فيما إذا زوجها غير كفء فبلغها فسكتت، فقالا لا يكون رضا، وقيل في قول أبي حنيفة يكون رضا إن كان المزوج أبا أو جدا وإن كان غيرهما فلا كما في الخانية أخذا من مسألة الصغيرة المزوجة من غير كفء.
ولم يذكر المصنف ما إذا ضحكت بعد بلوغها الخبر مع أنه كضحكها عند الاستئذان لها كما في غاية البيان اكتفاء بذكره أولا ولو قال المصنف ولو استأذنها الولي أو زوجها فعلمت به فسكتت أو ضحكت فهو إذن لكان أولى والبكاء عند التزويج كهو عند الاستئذان.
وأطلق سكوتها بعد بلوغها الخبر فشمل ما إذا استأذنها في معين فردت ثم زوجها منه فسكتت فإنه إجازة على الصحيح بخلاف ما لو بلغها العقد فردت، ثم قالت رضيت حيث لا يجوز؛ لأن العقد بطل بالرد ولذا استحسنوا التجديد عند الزفاف فيما إذا زوج قبل الاستئذان إذ غالب حالهن إظهار النفرة عند فجأة السماع وفي فتح القدير، والأوجه عدم الصحة؛ لأن ذلك الرد الصريح لا ينزل عن تضعيف كون ذلك السكوت دلالة الرضا ولو كانت قالت قد كنت قلت: لا

 

ج / 3 ص -165-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أريده ولم تزد على هذا لا يجوز النكاح للإخبار بأنها على امتناعها. ا هـ.
وأشار المصنف بالسكوت عند بلوغ الخبر إلى أنه لو مكنته من نفسها أو طالبته بالمهر والنفقة يكون رضا؛ لأن الدلالة تعمل عمل الصريح كذا في غاية البيان.
وقيد بقوله أو زوجها؛ لأن الولي لو تزوجها كابن العم إذا تزوج بنت عمه البكر البالغة بغير إذنها فبلغها الخبر فسكتت لا يكون رضا؛ لأن ابن العم كان أصيلا في نفسه فضوليا في جانب المرأة فلم يتم العقد في قول أبي حنيفة ومحمد فلا يعمل الرضا ولو استأمرها في التزويج من نفسه فسكتت ثم زوجها من نفسه جاز إجماعا كذا في الخانية.
وأطلق في البكر فشمل ما إذا كانت تزوجت قبل ذلك وطلقت قبل زوال البكارة ولذا قال في الظهيرية وإذا فرق القاضي بين امرأة العنين وبين العنين وجبت عليها العدة وتزوج كما تزوج الأبكار نص عليه في الأصل وشمل ما إذا خاصمت الأزواج في المهر وفيه خلاف قال في الظهيرية والبكر إذا خاصمت الأزواج في المهر قيل لا تستنطق، وقيل تستنطق؛ لأن علة وضع النطق الحياء والحياء زائل عنها ا هـ. وينبغي ترجيح الأول؛ لأن العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعناه وهي بكر فيكتفى بسكوتها وإن لم يكن عندها حياء كأبكار زماننا فإن الغالب فيهن عدم الحياء، وقد يجاب عنه بأنها علة منصوص عليها لا مستنبطة والمنصوص عليها يتعلق الحكم بها وجودا وعدما كالطواف في الهرة ولذا كان سؤر الهرة الوحشية نجسا لفقد الطواف كما عرف في الأصول ولا بد أن يكون سكوتها بعد بلوغها الخبر في حياة الزوج وإلا فليس بإجازة؛ لأن شرطها قيام العقد، وقد بطل بموته كما في الفتاوى، وذكر في الخانية رجل زوج ابنته البالغة ولم يعلم الرضا والرد حتى مات زوجها، فقالت ورثته إنها زوجت بغير أمرها ولم تعلم بالنكاح ولم ترض فلا ميراث لها قالت هي زوجني أبي بأمري كان القول قولها ولها الميراث وعليها العدة وإن قالت زوجني أبي بغير أمري فبلغني الخبر فرضيت فلا مهر لها ولا ميراث؛ لأنها أقرت أن العقد وقع غير تام فإذا ادعت النفاذ بعد ذلك لا يقبل قولها لمكان التهمة. ا هـ.
وأشار المصنف إلى أن السكوت إذ دل على الرضا فإنه يقوم مقام القول، وقد ذكروا مسائل أقيم فيها السكوت مقام التصريح الأولى: سكوت البكر عند الاستئمار، الثانية: سكوتها عند بلوغها الخبر، الثالثة: سكوتها عند قبض الأب أو الجد المهر كذا قالوا ولا ينبغي إدخاله فيما نحن فيه؛ لأن له أن يقبض المهر في غيبتها حتى لو ردت عند بلوغها الخبر بقبضه لا تملك ذلك، نعم لها نهيه عنه قبل القبض كما قدمناه، الرابعة: سكوت المالك عند قبض الموهوب له أو المتصدق عليه

 

ج / 3 ص -166-       وإن استأذنها غير الولي فلا بد من القول كالثيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العين بحضرته، الخامسة: في البيع ولو فاسدا إذا قبضه المشتري بمرأى من البائع فسكت صح وسقط حق الحبس بالثمن، السادسة: إذا اشترى العبد بحضرة مولاه فسكت كان إذنا في غير الأول، السابعة: الصبي إذا اشترى أو باع بمرأى من وليه فسكت فهو إذن له، الثامنة: المشتري بالخيار إذا رأى العبد يبيع ويشتري فسكت سقط خياره، التاسعة: سيد العبد المأسور إذا رآه يباع فسكت بطل حقه في أخذه بالقيمة، العاشرة: إذا سكت الأب ولم ينف الولد مدة التهنئة لزمه فلا ينبغي بعد، الحادية عشر: السكوت عقيب شق رجل زقه حتى سال ما فيه لا يضمن الشاق ما سال، الثانية عشر: سكوته عقب حلفه على أن لا أسكن فلانا وفلان ساكن فيحنث الثالثة عشر: السكوت عقيب قول رجل واضع غيره على أن يظهرا بيع تلجئة، ثم قال بدا لي جعله بيعا نافذا بمسمع من الآخر ثم عقدا كان نافذا، الرابعة عشر: يصير مودعا بسكوته عقيب وضع رجل متاعه عنده وهو ينظر الخامسة عشر: الشفيع إذا بلغه البيع فسكت كان تسليما، السادسة عشر: مجهول النسب إذا بيع فسكت كان إقرارا بالرق، السابعة عشر: يكون وكيلا بسكوته عقب الأمر ببيع المتاع الثامنة عشر: إذا رأى ملكا له يباع ولو عقارا فسكت حتى قبضه المشتري سقط دعواه فيه لكن شرط في فتح القدير لسقوط دعواه أن يقبض المشتري ويتصرف فيه أزمانا وهو ساكت بخلاف السكوت عند مجرد البيع، التاسعة عشر: في الوقف على فلان إذا سكت جاوز وإن رده بطل كذا في الخلاصة من الإقرار وفيه خلاف ذكره في التبيين من آخر الكتاب أيضا وفي فتح القدير والاستقرار يفيد عدم الحصر، وهذه المشهورة لا المحصورة ا هـ. ولذا زدت عليه مسألة الوقف ويزاد أيضا الصغيرة إذا زوجها غير الأب والجد فبلغت بكرا فسكتت ساعة بطل خيارها وهي العشرون وهي في المجتبى ويزاد أيضا ما في المحيط رجل زوج بغير أمره فهنأه القوم وقبل التهنئة فهو رضا؛ لأن قبول التهنئة دليل الإجازة وهي الحادية والعشرون.
"قوله: وإن استأذنها غير الولي فلا بد من القول كالثيب "أي فلا يكفي السكوت؛ لأنه لقلة الالتفات إلى كلامه فلم يقع دلالة على الرضا ولو وقع فهو محتمل والاكتفاء بمثله للحاجة ولا حاجة في غير الأولياء، بخلاف ما إذا كان المستأمر رسول الولي؛ لأنه قائم مقامه، وكذلك الثيب لا يكتفى بسكوتها؛ لأن النطق لا يعد عيبا وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق في حقها واستدل له في الهداية بقوله صلى الله عليه وسلم
"والثيب تشاور"، ووجهه أن المشاورة لا تكون إلا بالقول وخرج عن حقيقته في البكر بقرينة آخر الحديث "وإذنها صماتها" ولم يوجد

 

ج / 3 ص -167-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثلها في الثيب وبه اندفع ما ذكره في التبيين والمراد بالثيب هنا البالغة إذ الصغيرة لا تستأذن ولا يشترط رضاها كما في المعراج وأورد في التبيين أيضا على اشتراط القول أن الرضا بالقول لا يشترط في حق الثيب أيضا بل رضاها هنا يتحقق تارة بالقول كقولها رضيت وقبلت وأحسنت وأصبت أو بارك الله لنا ولك ونحوها وتارة بالدلالة كطلب مهرها ونفقتها أو تمكينها من الوطء وقبول التهنئة والضحك بالسرور من غير استهزاء، فثبت بهذا أنه لا فرق بينهما في اشتراط الاستئذان والرضا وإن رضاهما قد يكون صريحا، وقد يكون دلالة غير أن سكوت البكر رضا دلالة لحيائها دون الثيب؛ لأن حياءها قد قل بالممارسة فلا يدل على الرضا ا هـ.
ورده في فتح القدير بأن الحق أن الكل من قبيل القول إلا التمكين فيثبت بدلالة نص إلزام القول؛ لأنه فوق القول ا هـ. وفيه نظر؛ لأن قبول التهنئة ليس بقول، وإنما هو سكوت ولذا جعلوه من مسائل السكوت وليس هو فرق القول، وأما الضحك فذكر في فتح القدير أولا أنه كالسكوت لا يكفي وسلم هنا أنه يكفي وجعله من قبيل القول؛ لأنه حروف، ودخل تحت غير الولي الولي الأبعد مع الأقرب لما قدمنا من أن المراد بالولي من له ولاية الاستحباب وليس للأبعد مع وجود الأقرب ذلك فهو غير ولي، وكذا لو كان الأب كافرا أو عبدا أو مكاتبا فهو غير ولي فحينئذ لا حاجة إلى جعلها مسألتين كما في الهداية إحداهما: إذا استأذنها غير الولي والثانية: أن يستأذنها ولي غيره أولى منه لدخول الثانية تحت الأولى.
وفي المحيط والظهيرية والثيب إذا قبلت الهدية فليس برضا ولو أكلت من طعامه أو خدمته كما كانت فليس برضا دلالة زاد في الظهيرية ولو خلا بها برضاها هل يكون إجازة؟ لا رواية لهذه المسألة، قال رحمه الله وعندي أن هذه إجازة، وقد قدمنا أن رسول الولي كهو، وأما وكيله، فقال في القنية لو وكل رجلا في تزويجها قبل الاستئمار ثم استأمرها الوكيل بذكر الزوج، وقدر المهر فسكتت فزوجها جاز وسكوت البكر عند العلم بنكاح وكيل الأب كسكوتها عند نكاح الأب ا هـ. وفيها قبله استأمر البكر فسكتت فوكل من يزوجها ممن سماه جاز إن عرفت الزوج والمهر ا هـ. وهو مشكل؛ لأنها لما سكتت عند استئماره فقد صار الولي وكيلا عنها كما قدمناه وليس للوكيل أن يوكل إلا بإذن أو باعمل برأيك كما سيأتي في المختصر فمقتضاه عدم الجواز أو تخصيص مسألة بغير الولي ولاية استحباب وإن كان وكيلا في الحقيقة.
وقد فرع في القنية على كونه وكيلا بالسكوت ما لو استأمرها في نكاح رجل بعينه فسكتت أو أذنت ثم جرى على لسان الزوج قبل الزفاف ما وقع به الفرقة فليس له أن يزوجها منه بحكم ذلك الإذن؛ لأنه انتهى بالعقد ا هـ. فلو زوجها ولم يبلغها الطلاق ولا التزويج الثاني

 

ج / 3 ص -168-       ومن زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس أو زنا فهي بكر والقول لها إن اختلفا في السكوت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمكنته من نفسها هل يكون إجازة لعقد الولي الذي هو كالفضولي فيه؟ الظاهر أنه لا يكون إجازة؛ لأنه إنما جعل إجازة لدلالته على الرضا وهو فرع علمها بعقد الثاني ولم أره منقولا.
"قوله: ومن زالت بكارتها بوثبة أو حيضة أو جراحة أو تعنيس أو زنا فهي بكر "أي من زالت عذرتها وهي الجلدة التي على المحل بما ذكر فهي بكر حكما، أما في غير الزنا فهي بكر حقيقة أيضا بالاتفاق ولذا تدخل في الوصية لأبكار بني فلان ولأن مصيبها أول مصيب لها ومنه الباكورة والبكرة ولأنها تستحي لعدم الممارسة وفي الظهيرية البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ولا غيره قيل: هذا قولهما، وأما عند أبي حنيفة بالفجور ولا يزول اسم البكارة ولهذا تزوج عنده مثل ما تزوج الأبكار إلا أن الصحيح أن هذا قول الكل؛ لأن في باب النكاح الحكم ينبني على الحياء وأنه لا يزول بهذا الطريق ا هـ.
وحاصل كلامهم أن الزائل في هذه المسائل العذرة لا البكارة فكانت بكرا حقيقة وحكما فاكتفى بسكوتها عند الاستئذان وبلوغ الخبر ولا يرد عليه ما لو اشترى جارية على أنها بكر فوجدها زائلة العذرة فإنه يردها على بائعها وإن لم يجامعها أحد؛ لأن المتعارف من اشتراط بكارتها اشتراط صفة العذرة، وأما إذا زالت عذرتها بالزنا فاتفقوا على أنها ليست بكرا على الصحيح كما نقلناه عن الظهيرية ولذا لو أوصى لأبكار بني فلان لا تدخل ولثيبات بني فلان تدخل في الوصية وبردها المشتري الشارط بكارتها فهي ثيب حقيقة؛ لأن مصيبها عائد إليها ومنه المثوبة للثواب العائد جزاء عمله والمثابة للبيت الذي يعود الناس إليه في كل عام والتثويب العود إلى الإعلام بعد الإعلام فجريا على هذا الأصل في تزويجها، فقالا: لا بد من القول ولا يكتفى بسكوتها؛ لأنها ثيب وخرج الإمام عن هذا الأصل، فقال: إن اشتهر حالها بأن خرجت وأقيم عليها الحد أو صار الزنا عادة لها فلا بد من القول على الصحيح كما في المعراج أو كان وطئا بشبهة أو بنكاح فاسد فكما قالا؛ لأن الشارع أظهره في غير الزنا حيث علق به أحكاما وإن لم يشتهر زناها فإنه يكتفي بسكوتها؛ لأن الناس عرفوها بكرا فيعيبونها بالنطق فتتمنع عنه فيكتفى بسكوتها كي لا يتعطل عليها مصالحها، وقد ندب الشارع إلى ستر الزنا فكانت بكرا شرعا والوثبة النطة وفي النهاية الوثبة الوثوب والتعنيس طول المكث من غير تزويج.
وأشار المصنف رحمه الله إلى أن البكر لو خلا بها زوجها ثم طلقها قبل الدخول فإنها تزوج ثانيا كبكر لم تتزوج أصلا فيكتفى بسكوتها وإن وجبت عليها العدة؛ لأنها بكر حقيقة.
"قوله: والقول لها إن اختلفا في السكوت "أي لو قال الزوج بلغك النكاح فسكت

 

ج / 3 ص -169-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقالت رددت ولا بينة لهما ولم يكن دخل بها فالقول قولها وقال زفر القول قوله؛ لأن السكوت أصل والرد عارض فصار كالمشروط له الخيار إذا ادعى الرد بعد مضي المدة ونحن نقول إنه يدعي لزوم العقد وملك البضع والمرأة تدفعه فكانت منكرة كالمودع إذا ادعى رد الوديعة، بخلاف مسألة الخيار؛ لأن اللزوم قد ظهر بمضي المدة ولم يذكر المصنف أن عليها اليمين للاختلاف فعند الإمام لا يمين عليها وعندهما عليها اليمين وعليه الفتوى كما سيأتي في الدعوى في الأشياء الستة.
وذكر في الغاية معزيا إلى فتاوى الناصحي أن رجلا لو ادعى على الأب أنه زوجه ابنته الصغيرة فأنكر الأب يحلف عند أبي حنيفة وفي الكبيرة لا يحلف عنده اعتبارا بالإقرار فيهما. ا هـ. واستشكله في التبيين بأنه مشكل جدا على قوله؛ لأن امتناع اليمين عنده لامتناع البدل لا لامتناع الإقرار. ألا ترى أن المرأة لو أقرت لرجل بالنكاح نفذ إقرارها ومع هذا لا تحلف ولا شبهة أن يكون هذا قولهما ا هـ. وقد صرح العمادي في الفصل السادس عشر بأنه قولهما فقط فقد ظهر بحثه منقولا، قيدنا بعدم البينة؛ لأن أيهما أقام البينة قبلت بينته وليست بينة السكوت ببينة نفي؛ لأنه وجودي؛ لأنه عبارة عن ضم الشفتين ويلزم منه عدم الكلام كما في المعراج أو هو نفي يحيط به علم الشاهد فيقبل كما لو ادعت أن زوجها تكلم بما هو ردة في مجلس فأقامها على عدم التكلم فيه تقبل، وكذا إذا قالت الشهود: كنا عندها ولم نسمعها تتكلم ثبت سكوتها كما في الجامع وإن أقاماها فبينتها أولى لإثبات الزيادة أعني الرد فإنه زائد على السكوت.
وقيد بكونه ادعى سكوتها؛ لأنه لو ادعى إجازتها النكاح حين أخبرت أو رضاها وأقاما البينة فبينته أولى على ما في الخانية لاستوائهما في الإثبات وزيادة بينته بإثبات اللزوم وفي الخلاصة نقلا من أدب القاضي للخصاف في هذه المسألة أن بينتها أولى فتحصل في هذه الصورة اختلاف المشايخ ولعل وجه ما في الخلاصة أن الشهادة بالإجازة أو الرضا لا يلزم منها كونها بأمر زائد على السكوت.
وقيدنا الصورة بأن تقول بلغني النكاح فرددت؛ لأنها لو قالت بلغني النكاح يوم كذا فرددت وقال الزوج لا بل سكت فإن القول قوله. نظيره: إذا قال الشفيع طلبت الشفعة حين علمت وقال المشتري ما طلبت حين علمت فالقول قول الشفيع ولو قال الشفيع علمت منذ كذا وطلبت وقال المشتري ما طلبت فالقول قول المشتري.
والفرق أنه إذا قال الشفيع طلبت حين علمت فعلمه عند القاضي ظهر للحال، وقد وجد منه الطلب للحال فكان القول قوله، أما إذا قال علمت منذ كذا ثبت عند القاضي بإقراره، وطلبه منذ كذا

 

ج / 3 ص -170-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يظهر فيحتاج إلى الإثبات، كذا في الولوالجية، وذكرها في الذخيرة لكن فرق بين بداية المرأة وبين بداية الزوج، فقال لو قال الزوج بلغك الخبر وسكت، وقالت المرأة بلغني يوم كذا فرددت فالقول قول المرأة وبمثله لو قالت المرأة بلغني الخبر يوم كذا فرددت وقال الزوج لا بل سكت فالقول قول الزوج ا هـ.
وقيد بالبكر البالغة فإن الضمير عائد إليها احترازا عن الصغيرة التي زوجها غير الأب والجد إذا قالت بعد البلوغ كنت رددت حين بلغني الخبر وكذبها الزوج فإن القول قوله؛ لأن الملك ثابت عليها فهي بما قالت تريد إبطال الملك الثابت عليها فكانت مدعية صورة فلا يقبل منها إسناد الفسخ حتى لو قالت عند القاضي: أدركت الآن وفسخت صح، وقيل لمحمد كيف يصح وهو كذب، وإنما أدركت قبل هذا الوقت؟ فقال: لا تصدق بالإسناد فجاز لها أن تكذب كي لا يبطل حقها.
وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الاختلاف لو كان في البلوغ فإن القول لها كما في الولوالجية رجل زوج وليته فردت النكاح فادعى الزوج أنها صغيرة وادعت هي أنها بالغة فالقول لها إن كانت مراهقة؛ لأنها إذا كانت مراهقة كان المخبر به يحتمل الثبوت فيقبل خبرها؛ لأنها منكرة وقوع الملك عليها. ا هـ. وفي الذخيرة إذا زوج الرجل ابنته، فقالت أنا بالغة والنكاح لم يصح وقال الأب لا بل هي صغيرة فالقول لها إن كانت مراهقة، وقيل: له، والأول أصح وعلى هذا إذا باع الرجل ضياع ابنه، فقال الابن أنا بالغ وقال المشتري والأب إنه صغير فالقول للابن؛ لأنه ينكر زوال ملكه، وقد قيل بخلافه، والأول أصح ا هـ.
وقيدنا بعدم الدخول بها؛ لأنه لو كان دخل بها طوعا فإنها لا تصدق في دعوى الرد بخلاف ما إذا كان كرها فإنها تصدق كذا في الخانية وصححه الولوالجي وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الرجل لو زوج ابنه البالغ امرأة ومات الابن، فقال أبو الزوج كان النكاح بغير إذن الابن ومات قبل الإجازة، فقالت المرأة لا بل أجاز ثم مات فإن قياس مسألة الكتاب أن القول قول الأب؛ لأنهما اتفقا أن العقد وقع غير لازم فالمرأة تدعي اللزوم والأب ينكر حتى لو كانت المرأة قالت كان النكاح بإذن الابن كان القول قولها ذكرها في الذخيرة، وذكر أولا أن الصدر الشهيد قال: القول قولها والبينة بينة الأب، ثم قال وقياس مسألة الكتاب أن القول قول الأب، ثم قال وهكذا كتبت في المحيط في أصل المتفرقات أن القول قول الأب ا هـ.
وإلى أن سيد العبد لو قال إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر ومضى اليوم وقال العبد لم أدخل وكذبه المولى فإن القول قول المولى عندنا وعند زفر للعبد قال في فتح القدير إنها نظير

 

ج / 3 ص -171-       وللولي إنكاح الصغير والصغيرة والولي العصبة بترتيب الإرث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة الكتاب، وهذه العبارة أولى من قوله في المبسوط إن الخلاف في مسألة النكاح بناء على الخلاف في مسألة العبد إذ ليس كون أحدهما بعينه مبنى الخلاف بأولى من القلب بل الخلاف فيهما معا ابتدائي ا هـ.
وإلى أنه لا يقبل قول وليها عليها بالرضا؛ لأنه يقر عليها بثبوت الملك وإقراره عليها بالنكاح بعد بلوغها غير صحيح كذا في الفتح وينبغي أن لا تقبل شهادته لو شهد مع آخر بالرضا لكونه ساعيا في إتمام ما صدر منه فهو متهم ولم أره منقولا.
"قوله: وللولي إنكاح الصغير والصغيرة والولي العصبة بترتيب الإرث "ومالك يخالفنا في غير الأب والشافعي يخالفنا في غير الأب والجد وفي الثيب الصغيرة أيضا وجه قول مالك إن الولاية على الحرة باعتبار الحاجة ولا حاجة لانعدام الشهوة إلا أن ولاية الأب ثبتت نصا بخلاف القياس والجد ليس في معناه فلا يلحق به. قلنا: لا بل هو موافق للقياس؛ لأن النكاح يتضمن المصالح ولا تتوفر إلا بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفء في كل زمان فأثبتنا الولاية في حالة الصغر بكرا كانت أو ثيبا إحرازا للكفء والقرابة داعية إلى النظر كما في الأب والجد وما فيه من القصور أظهرناه في سلب ولاية الإلزام بخلاف التصرف في المال؛ لأنه يتكرر فلا يمكن تدارك الخلل وتمامه في الهداية وشروحها.
والحاصل: أن علة ثبوت الولاية على الصغيرة عند الشافعي البكارة وعندنا عدم العقل أو نقصانه، وهذا أولى؛ لأنه المؤثر في ثبوت الولاية في مالها إجماعا، وكذا في حق الغلام في ماله ونفسه، وكذا في حق المجنونة إجماعا ولا تأثير لكونها ثيبا أو بكرا فكذا الصغيرة.
وأشار المصنف إلى أن للولي إنكاح المجنون والمجنونة إذا كان الجنون مطبقا فالمراد أن للولي إنكاح غير المكلفة جبرا.
قال في الولوالجية الرجل إذا كان يجن ويفيق هل يثبت للغير ولاية عليه في حال جنونه؟ إن كان يجن يوما أو يومين أو أقل من ذلك لا تثبت؛ لأنه لا يمكن الاحتراز عنه وفي الخانية رجل زوج ابنه البالغ بغير إذنه فجن الابن قبل الإجازة قالوا: ينبغي للأب أن يقول أجزت النكاح على ابني؛ لأن الأب يملك إنشاء النكاح عليه بعد الجنون فيملك إجازته ا هـ.
وقيد المصنف بالإنكاح؛ لأن الولي إذا أقر بالنكاح على الصغيرة لم يجز إلا بشهود أو بتصديقها بعد البلوغ عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقالا: يصدق، وكذلك لو أقر المولى على عبده والوكيل على موكله ثم الولي على من يقيم بينة الإقرار عند أبي حنيفة قالوا القاضي ينصب

 

ج / 3 ص -172-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خصما عن الصغير حتى ينكر فتقام البينة على المنكر كما إذا أقر الأب باستيفاء بدل الكتابة من عبد ابنه الصغير لا يصدق إلا ببينة فالقاضي ينصب خصما عن الصغير فتقام عليه البينة كذا في المحيط، وهذه المسألة على قول الإمام مخرجة من قولهم: إن من ملك الإنشاء ملك الإقرار به كالوصي والمراجع والمولى والوكيل بالبيع كذا في الجامع الصغير للصدر الشهيد مع أن صاحب المبسوط قال: وأصل كلامهم يشكل بإقرار الوصي بالاستدانة على اليتيم فإنه لا يكون صحيحا وإن كان هو يملك إنشاء الاستدانة ا هـ.
وفسر المصنف رحمه الله الولي بالعصبة وسيأتي في الفرائض أنه: "العصبة "من أخذ الكل إذا انفرد والباقي مع ذي سهم، وهو عند الإطلاق منصرف إلى العصبة بنفسه وهو ذكر يتصل بلا توسط أنثى أي يتصل إلى غير المكلف ولا يقال هنا إلى الميت فلا يرد العصبة بالغير كالبنت تصير عصبة بالابن فلا ولاية لها على أمها المجنونة، وكذا لا يرد العصبة مع الغير كالأخوات مع البنات. وأفاد بقوله بترتيب الإرث أن الأحق الابن وابنه وإن سفل ولا يتأتى إلا في المعتوهة على قولهما خلافا لمحمد كما سيأتي ثم الأب ثم الجد أبوه ثم الأخ الشقيق ثم الأب، وذكر الكرخي أن الأخ والجد يشاركان في الولاية عندهما وعند أبي حنيفة يقدم الجد كما هو الخلاف في الميراث والأصح أن الجد أولى بالتزويج اتفاقا، وأما الأخ لأم فليس منهم ثم ابن الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب كذلك الشقيق ثم لأب ثم أبناء عم الأب الشقيق ثم أبناؤه لأب ثم عم الجد الشقيق ثم عم الجد لأب ثم أبناء عم الجد الشقيق ثم أبناؤه لأب وإن سفلوا كل هؤلاء تثبت لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال صغرهما وحال كبرهما إذا جنى ثم المعتق وإن كان امرأة ثم بنوه وإن سفلوا ثم عصبته من النسب على ترتيب عصبات النسب كذا في فتح القدير وغيره.
وفي الظهيرية والجارية بين اثنين إذا جاءت بولد فادعياه حيث يثبت النسب من كل واحد منهما ينفرد كل واحد منهما بالتزويج، ثم إذا اجتمع في الصغير والصغيرة وليان في الدرجة على السواء فزوج أحدهما جاز، أجاز الأول أو فسخ، بخلاف الجارية إذا كانت بين اثنين فزوجها أحدهما لا يجوز إلا بإجازة الآخر فإن زوج كل واحد من الوليين رجلا على حدة فالأول يجوز والآخر لا يجوز وإن وقعا معا ساعة واحدة لا يجوز كلاهما ولا واحد منهما وإن كان أحدهما قبل الآخر ولا يدرى السابق من اللاحق فكذلك؛ لأنه لا يجوز؛ لأنه لو جاز جاز بالتحري والتحري في الفروج حرام هذا إذا كان في الدرجة سواء وأما إذا كان أحدهما أقرب من الآخر فلا ولاية للأبعد

 

ج / 3 ص -173-       ولهما خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد بشرط القضاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع الأقرب إلا إذا غاب غيبة منقطعة فنكاح الأبعد يجوز إذا وقع قبل عقد الأقرب كذا ذكره الإسبيجابي.
وفي المحيط وغيره وإذا زوج غير الأب والجد الصغيرة فالاحتياط أن يعقد مرتين مرة بمهر مسمى ومرة بغير تسمية لأمرين: أحدهما لو كان في التسمية نقصان لا يصح النكاح الأول فيصح النكاح الثاني بمهر المثل. والثاني لو كان الزوج حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها ينعقد الثاني وتحل وإن كان أبا أو جدا فكذلك عندهما للوجه الثاني.
واختلفوا في وقت الدخول بالصغيرة، فقيل لا يدخل بها ما لم تبلغ، وقيل يدخل بها إذا بلغت تسع سنين وقيل إن كانت سمينة جسيمة تطيق الجماع يدخل بها وإلا فلا.
وكذا اختلفوا في وقت ختان الصبي على الأقوال الثلاثة، وقيل يختن إذا بلغ عشرا ا هـ. وفي الخلاصة وأكثر المشايخ على أنه لا اعتبار للسن فيهما، وإنما المعتبر الطاقة وفي الظهيرية صغيرة زوجها وليها من كفء، ثم قال لست أنا بولي لا يصدق ولكن ينظر إن كانت ولايته ظاهرة جاز النكاح وإلا فلا ا هـ.
وفي الخلاصة صغيرة زوجت فذهبت إلى بيت زوجها بدون أخذ المهر فلمن هو أحق بإمساكها قبل التزويج أن يمنعها حتى يأخذ من له حق أخذ جميع المهر وغير الأب إذا زوج الصغيرة وسلمها إلى الزوج قبل قبض جميع الصداق فالتسليم فاسد وترد إلى بيتها قال رحمه الله هذا في عرفهم أما في زماننا فتسليم جميع الصداق ليس بلازم والأب إذا سلم البنت إليه قبل القبض له أن يمنعها بخلاف ما لو باع مال الصغير وسلم قبل قبض الثمن فإنه لا يسترد ا هـ.
والفرق أن حقوق النقد في الأموال راجعة إليه بخلاف النكاح ولذا ملك الإبراء عن الثمن ويضمن ولا يصح الإبراء عن المهر من الولي.
"قوله: ولهما خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد بشرط القضاء "أي للصغير والصغيرة إذا بلغا وقد زوجا، أن يفسخا عقد النكاح الصادر من ولي غير أب ولا جد بشرط قضاء القاضي بالفرقة، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله لا خيار لهما اعتبارا بالأب والجد ولهما: أن قرابة الأخ ناقصة والنقصان يشعر بقصور الشفقة فيتطرق الخلل إلى المقاصد والتدارك يعلم بخيار الإدراك، بخلاف ما إذا زوجها الأب والجد فإنه لا خيار لهما بعد بلوغهما؛ لأنهما كاملا الرأي وافرا الشفقة فيلزم العقد بمباشرتهما كما إذا باشراه برضاهما بعد

 

ج / 3 ص -174-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البلوغ، وإنما شرط فيه القضاء بخلاف خيار العتق؛ لأن الفسخ هاهنا لدفع ضرر خفي وهو تمكن الخلل ولهذا يشمل الذكر والأنثى فجعل إلزاما في حق الآخر فيفتقر إلى القضاء وخيار العتق لدفع ضرر جلي وهو زيادة الملك عليها ولهذا يختص بالأنثى فاعتبر دفعا والدفع لا يفتقر إلى القضاء.
أطلق الخيار لهما فشمل الذميين والمسلمين كما في المحيط وشمل ما إذا زوجت الصغيرة نفسها فأجاز الولي فإن لها الخيار إذا بلغت؛ لأن الجواز ثبت بإجازة الولي فالتحق بنكاح باشره الولي كذا في المحيط.
وأشار المصنف إلى أن المجنون والمجنونة كالصغير والصغيرة لهما الخيار إذا عقلا في تزويج غير الأب والجد ولا خيار لهما فيهما وأشار إلى أنه لا خيار لهما في تزويج الابن بالأولى؛ لأنه مقدم على الأب في التزويج وأفاد أن الكلام في الحر؛ لأن ولاية الأب إنما هي عليه، وأما الصغير والصغيرة المرقوقان إذا زوجهما المولى ثم أعتقهما ثم بلغا فإنه لا يثبت لهما خيار البلوغ لكمال ولاية المولى فهو أقوى من الأب والجد ولأن خيار العتق يغني عنه حتى لو أعتق أمته الصغيرة أولا ثم زوجها ثم بلغت فإن لها خيار البلوغ كما ذكره الإسبيجابي وهو داخل في غير الأب والجد فلو قال المصنف وللمولى عليه خيار الفسخ بالبلوغ في غير الأب والجد والابن والمولى لكان أولى وأشمل، ويدخل تحت غير الأب والجد: الأم والقاضي على الأصح؛ لأن ولايتهما متأخرة عن ولاية الأخ والعم فإذا ثبت الخيار في الحاجب ففي المحجوب أولى، وإنما عبر بالفسخ ليفيد أن هذه الفرقة فسخ لا طلاق فلا ينقص عدده؛ لأنه يصح من الأنثى ولا طلاق إليها، وكذا بخيار العتق لما بيناه، وكذا الفرقة بعدم الكفاءة أو نقصان المهر فسخ بخلاف خيار المخيرة؛ لأن الزوج هو الذي ملكها وهو مالك للطلاق.
وفي التبيين ولا يقال النكاح لا يحتمل الفسخ فلا يستقيم جعله فسخا؛ لأنا نقول المعنى بقولنا لا يحتمل الفسخ بعد التمام وهو النكاح الصحيح النافذ اللازم وأما قبل التمام فيحتمل الفسخ وتزويج الأخ والعم صحيح نافذ لكنه غير لازم فيقبل الفسخ ا هـ ويرد عليه ارتداد أحدهما فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام، وكذا إباؤها عن الإسلام بعد إسلامه فإنه فسخ اتفاقا وهو بعد التمام، وكذا ملك أحد الزوجين صاحبه فالحق أنه يقبل الفسخ مطلقا إذا وجد ما يقتضيه شرعا وفي فتح القدير وهل يقع الطلاق في العدة إذا كانت هذه الفرقة بعد الدخول أي الصريح أو لا لكل وجه، والأوجه الوقوع. ا هـ.. والظاهر عدم الوقوع لما في النهاية من باب نكاح أهل الشرك معزيا إلى المحيط: الأصل أن المعتدة بعدة الطلاق يلحقها طلاق آخر في العدة

 

ج / 3 ص -175-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمعتدة بعدة الفسخ لا يلحقها طلاق آخر في العدة، وذكر في خصوص مسألتنا أنه لا يقع، وأما حكم المهر فإن كانت الفرقة بعد الدخول ولو حكما وجب تمامه وإن كانت قبله فلا مهر لها فإن كانت منها فظاهر؛ لأنها جاءت من قبلها وإن كانت منه فسقوطه هو فائدة الخيار له وإلا فلا فائدة في إثباته له إذ هو مالك للطلاق قال في الاختيار وليس لنا فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول ولا مهر عليه إلا في هذه. ا هـ. وهذا الحصر غير صحيح لما في الذخيرة من الفصل السادس والعشرين في المتفرقات قبيل كتاب النفقات حر تزوج مكاتبة بإذن سيدها على جارية بعينها فلم تقبض المكاتبة الجارية حتى زوجتها من زوجها على مائة درهم جاز النكاحان فإن طلق الزوج المكاتبة أولا ثم طلق الأمة وقع الطلاق على المكاتبة ولا يقع على الأمة؛ لأن بطلاق المكاتبة تتنصف الأمة وعاد نصفها إلى الزوج بنفس الطلاق فيفسد نكاح الأمة قبل ورود الطلاق عليها فلم يعمل طلاقها ويبطل جميع مهر الأمة عن الزوج مع أنها فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها؛ لأن الفرقة إذا كانت من قبل الزوج إنما لا تسقط كل المهر إذا كانت طلاقا، وأما إذا كانت الفرقة من قبله قبل الدخول وكانت فسخا من كل وجه توجب سقوط كل الصداق كالصغير إذا بلغ. وأيضا لو اشترى منكوحته قبل الدخول بها فإنه يسقط كل الصداق مع أن الفرقة جاءت من قبله؛ لأن فساد النكاح حكم تعلق بالملك وكل حكم تعلق بالملك فإنه يحال على قبول المشتري لا على إيجاب البائع، وإنما سقط كل الصداق؛ لأنه فسخ من كل وجه ا هـ. بلفظه، ويرده صاحب الذخيرة إذا ارتد الزوج قبل الدخول فإنها فرقة هي فسخ من كل وجه مع أنه لم يسقط كل المهر بل يجب نصفه فالحق أن لا يجعل لهذه المسألة ضابط بل يحكم في كل فرد بما أفاده الدليل.
ثم اعلم أن الفرقة ثلاثة عشر فرقة: سبعة منها تحتاج إلى القضاء وستة لا تحتاج.
أما الأولى: فالفرقة بالجب والفرقة بالعنة والفرقة بخيار البلوغ والفرقة بعدم الكفاءة والفرقة بنقصان المهر والفرقة بإباء الزوج عن الإسلام والفرقة باللعان، وإنما توقفت على القضاء؛ لأنها تنبني على سبب خفي؛ لأن الكفاءة شيء لا يعرف بالحس وأسبابها مختلفة، وكذا بنقصان مهر المثل وخيار البلوغ مبني على قصور الشفقة وهو أمر باطن والإباء ربما يوجد وربما لا يوجد، وكذا البقية.
وأما الثانية: فالفرقة بخيار العتق والفرقة بالإيلاء والفرقة بالرد والفرقة بتباين الدارين والفرقة بملك أحد الزوجين صاحبه والفرقة في النكاح الفاسد، وإنما لم تتوقف هذه الستة على القضاء؛ لأنها تبتنى على سبب جلي ثم قال الإمام المحبوبي في التنقيح كل فرقة جاءت من

 

ج / 3 ص -176-       ويبطل بسكوتها إن علمت بكرا لا بسكوته ما لم يقل رضيت ولو دلالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل المرأة لا بسبب من قبل الزوج فهي فرقة بغير طلاق كالردة من جهة المرأة وخيار البلوغ وخيار العتاقة وعدم الكفاءة؛ وكل فرقة جاءت من قبل الزوج فهي طلاق كالإيلاء والجب والعنة ولا يلزم على هذا ردة الزوج على قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن بالردة ينتفي الملك فينتفي الحل الذي هو من لوازم الملك فإنما حصلت الفرقة بالتنافي والتضاد لا بوجود المباشرة من الزوج بخلاف الإباء من جهة الزوج حيث يكون طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد؛ لأنه لا تنافي بدليل أن الملك يبقى بعدم الإباء فلهذا افترقا ا هـ. والله أعلم.
"قوله: ويبطل بسكوتها إن علمت بكرا لا بسكوته ما لم يقل رضيت ولو دلالة "أي ويبطل خيار البلوغ بسكوت من بلغت إلى آخره اعتبارا لهذه الحالة بحالة ابتداء النكاح، وسكوت البكر في الابتداء إذن بخلاف سكوت الثيب والغلام وأراد بالعلم العلم بأصل النكاح؛ لأنها لا تتمكن من التصرف إلا به، والولي ينفرد به فعذرت ولا يشترط العلم بأن لها خيار البلوغ؛ لأنها تتفرغ لمعرفة أحكام الشرع والدار دار العلم فلم تعذر بالجهل بخلاف المعتقة؛ لأن الأمة لا تتفرغ لمعرفتها فتعذر بالجهل بثبوت الخيار واستفيد من بطلانه بسكوتها أنه لا يمتد إلى آخر المجلس، وعلى هذا قالوا: ينبغي أن يبطل مع رؤية الدم فإن رأته ليلا تطلب بلسانها فتقول فسخت نكاحي وتشهد إذا أصبحت وتقول رأيت الدم الآن، وقيل لمحمد كيف يصح وهو كذب، وإنما أدركت قبل هذا، فقال لا تصدق في الإسناد فجاز لها أن تكذب كي لا يبطل حقها ثم إذا اختارت وأشهدت ولم تقدم إلى القاضي الشهر والشهرين فهي على خيارها كخيار العيب. وما في التبيين من أنها لو بعثت خادمها حين حاضت للشهود فلم تقدر عليهم وهي في مكان منقطع لزمها ولم تعذر، محمول على ما إذا لم تفسخ بلسانها حتى فعلت. وما فيه أيضا وفي الذخيرة من أنها لو سألت عن اسم الزوج أو عن المهر أو سلمت على الشهود بطل خيارها تعسف لا دليل عليه وغاية الأمر كون هذه الحالة كحالة ابتداء النكاح ولو سألت البكر عن اسم الزوج لا ينفذ عليها، وكذا عن المهر وإن كان عدم ذكره لها لا يبطل كون سكوتها رضا على الخلاف، فإن ذلك إذا لم تسأل عنه لظهور أنها راضية بكل مهر والسؤال يفيد نفي ظهوره في ذلك، وإنما يتوقف رضاها على معرفة كميته، وكذا السلام على القادم لا يدل على الرضا، كيف وإنما أرسلت لغرض الإشهاد على الفسخ، كذا في فتح القدير وفيه بحث؛ لأن بطلان هذا الخيار ليس متوقفا على ما يدل على الرضا؛ لأن ذلك إنما هو في حق الثيب والغلام، وأما في حق البكر فيبطل بمجرد السكوت ولا شك أن الاشتغال بالسلام فوق السكوت، وإذا اجتمع خيار البلوغ والشفعة تقول أطلب الحقين ثم تبتدئ في التفسير بخيار البلوغ.
وقيد بالبكر؛ لأنها لو كانت ثيبا كما لو دخل بها الزوج قبل البلوغ أو كانت ثيبا وقت العقد

 

ج / 3 ص -177-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنه لا يبطل بسكوتها فهي كالغلام لا بد من الرضا بالقول أو بفعل دال عليه.
وحاصله: أن وقت خيارهما العمر؛ لأن سببه عدم الرضا فيبقى إلى أن يوجد ما يدل على الرضا، على هذا تظافرت كلمتهم كما في غاية البيان فما نقل عن الطحاوي حيث قال: خيار المدركة يبطل بالسكوت إذا كانت بكرا وإن كانت ثيبا لم يبطل به، وكذا إذا كان الخيار للزوج لا يبطل إلا بصريح الإبطال أو يجيء منه دليل على إبطال الخيار كما إذا اشتغلت بشيء آخر وأعرضت عن الاختيار بوجه من الوجوه، مشكل إذ يقتضي أن الاشتغال بعمل آخر يبطله، وهذا تقييد بالمجلس ضرورة إذ تبدله حقيقة أو حكما يستلزمه ظاهرا وفي الجوامع وإن كانت ثيبا حين بلغها أو كان غلاما لم يبطل بالسكوت وإن أقامت معه أياما إلا أن ترضى بلسانها أو يوجد ما يدل على الرضا من الوطء أو التمكين منه طوعا أو المطالبة بالمهر أو النفقة، وفيه: لو قالت كنت مكرهة في التمكين صدقت ولا يبطل خيارها.
وفي الخلاصة لو أكلت من طعامه أو خدمته فهي على خيارها لا يقال كون القول لها في دعوى الإكراه في التمكين مشكل؛ لأن الظاهر يصدقها كذا في فتح القدير ولا إشكال في عبارة شرح الطحاوي؛ لأن مراده من الاشتغال بشيء آخر عمل يدل على الرضا بالنكاح كالتمكين ونحوه لا مطلق العمل كما يدل عليه سياق كلامه بل قد صرح بأن خيار البلوغ في حق الثيب والغلام لا يبطل بالقيام عن المجلس وإلا فينبغي أن يحمل على ما ذكرناه ليوافق غيره وفي الجوامع إذا بلغ الغلام، فقال فسخت ينوي الطلاق فهي طالق بائن وإن نوى الثلاث فثلاث، وهذا حسن؛ لأن لفظ الفسخ يصلح كناية عن الطلاق.
ثم قال في فتح القدير وتقبل شهادة الموليين على اختيار أمتهما التي زوجاها نفسها إذا أعتقاها ولا تقبل شهادة الغاصبين المزوجين بعد البلوغ أنها اختارت نفسها؛ لأن سبب الرد قد انقطع في الأولى بالعتق ولم ينقطع في الثانية إذ هو النسب وهو باق ا هـ.
وقد علم أن خيار البلوغ يخالف خيار العتق في مسائل منها اشتراط القضاء. والثاني أن خيار المعتقة لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كما في المخيرة، بخلاف خيار البلوغ في حق البكر. والثالث أن خيار العتق يثبت للأنثى فقط بخلاف خيار البلوغ يثبت لهما. والرابع أن الجهل بخيار البلوغ ليس بعذر بخلافه في خيار العتق. والخامس أن خيار العتق يبطل بالقيام عن المجلس كالمخيرة وخيار البلوغ في حق الثيب والغلام لا يبطل به كذا في غاية البيان وأفاد المصنف بقوله ولو دلالة أن دفع المهر رضا كما في الهداية وحمله في فتح القدير على ما إذا كان قبل الدخول أما إذا كان دخل بها قبل بلوغه ينبغي أن لا يكون دفع المهر بعد بلوغه رضا؛ لأنه لا بد منه أقام أو فسخ. ا هـ.

 

ج / 3 ص -178-       وتوارثا قبل الفسخ، ولا ولاية لصغير وعبد ومجنون، ولا لكافر على مسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وتوارثا قبل الفسخ "صادق بصورتين: إحداهما ما إذا مات أحدهما قبل البلوغ ثانيهما ما إذا مات بعد البلوغ قبل التفريق فإن الآخر يرثه؛ لأن أصل العقد صحيح والملك الثابت به قد انتهى بالموت بخلاف مباشرة الفضولي إذا مات أحد الزوجين قبل الإجازة؛ لأن النكاح ثمة موقوف فيبطل بالموت وهاهنا نافذ فيتقرر به، أشار المصنف رحمه الله إلى أنه يحل للزوج وطؤها قبل الفسخ لما ذكرنا وإلى أنها لو بلغت واختارت نفسها والزوج غائب لا يفرق بينهما ما لم يحضر الغائب ولو كان زوجها صبيا لا ينتظر كبره ويفرق بينهما بحضرة والده أو وصيه إن لم يأتيا بما يدفعها كذا في أحكام الصغار.
"قوله: ولا ولاية لصغير وعبد ومجنون "; لأنه لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا يثبت على غيرهم ولأن هذه ولاية نظرية ولا نظر في التفويض إلى هؤلاء أطلق في العبد فشمل المكاتب فلا ولاية له على ولده كذا في المحيط لكن للمكاتب ولاية في تزويج أمته كما عرف وأراد بالمجنون المطبق وهو شهر وعليه الفتوى وفي فتح القدير لا يحتاج إلى تقييده به؛ لأنه لا يزوج حال جنونه مطبقا أو غير مطبق ويزوج حالة إفاقته عن جنون مطبق أو غير مطبق لكن المعنى أنه إذا كان مطبقا تسلب ولايته فتزوج ولا ينتظر إفاقته وغير المطبق الولاية ثابتة له فلا تزوج وتنتظر إفاقته كالنائم ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب إن فات بانتظار إفاقته تزوج وإن لم يكن مطبقا وإلا انتظر على ما اختاره المتأخرون في غيبة الولي الأقرب ا هـ.
"قوله: ولا لكافر على مسلم "لقوله تعالى
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141] ولهذا لا تقبل شهادته عليه ولا يتوارثان، قيد بالمسلم؛ لأن للكافر ولاية على ولده الكافر لقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] ولهذا تقبل شهادتهم على بعضهم ويجري بينهما التوارث وكما لا تثبت الولاية لكافر على مسلم كذلك لا تثبت لمسلم على كافرة أعني ولاية التزويج بالقرابة وولاية التصرف في المال قالوا: وينبغي أن يقال إلا أن يكون المسلم سيد أمة كافرة أو سلطانا، قال السروجي لم أر هذا الاستثناء في كتب أصحابنا، وإنما هو منسوب إلى الشافعي ومالك قال في المعراج وينبغي أن يكون مرادا ورأيت في موضع معزوا إلى المبسوط الولاية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية السلطنة والشهادة فقد ذكر معنى ذلك الاستثناء ا هـ.
وقيد بالكفر؛ لأن الفسق لا يسلب الأهلية عندنا على المشهور وهو المذكور في المنظومة وعن الشافعي اختلاف فيه أما المستور فله الولاية بلا خلاف فما في الجوامع أن الأب إذا كان فاسقا للقاضي أن يزوج الصغيرة من كفء غير معروف نعم إذا كان متهتكا لا ينفذ

 

ج / 3 ص -179-       وإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لذوي الأرحام ثم للحاكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تزويجه إياها بنقص عن مهر المثل ومن غير كفء وسيأتي هذا كذا في فتح القدير.
"قوله: وإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لذوي الأرحام ثم للحاكم ", وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله رحمه الله تعالى وعندهما ليس لغير العصبات من الأقارب ولاية، وإنما الولاية للحاكم بعد العصبات لحديث:
"الإنكاح إلى العصبات" ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الولاية نظرية والنظر يتحقق بالتفويض إلى من هو المختص بالقرابة الباعثة على الشفقة، وقد اختلفوا في قول أبي يوسف ففي الهداية الأشهر أنه مع محمد وفي الكافي الجمهور أنه مع أبي حنيفة وفي التبيين والجوهرة والمجتبى والذخيرة الأصح أنه مع أبي حنيفة وفي تهذيب القلانسي وروى ابن زياد عن أبي حنيفة وهو قولهما لا يليه إلا العصبات وعليه الفتوى ا هـ. وهو غريب لمخالفته المتون الموضوعة لبيان الفتوى ولم يذكر المصنف بعد الأم البنت؛ لأنه خاص بالمجنون والمجنونة فبعد الأم البنت ثم بنت الابن ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت.
وأطلق في ولد الأم فشمل الذكر والأنثى، وذكر الشارح أن بعد ولد الأم ولده، وأفاده المصنف رحمه الله بتقديم الأم على الأخت تضعيف ما نقله في المستصفى عن شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله ونقله في التجنيس عن عمر النسفي رحمه الله من أن الأخت الشقيقة أولى من الأم؛ لأنها من قبل الأب، ووجه ضعفه أن الأم أقرب منها وصرح في الخلاصة بأنه يفتى بتقديم الأم على الأخت وسيأتي في آخر المختصر أن ذا الرحم قريب ليس بذي سهم ولا عصبة وأن ترتيبهم كترتيب العصبات فتقدم العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات كترتيب الإرث وهو قول الأكثر، وظاهر كلام المصنف أن الجد الفاسد مؤخر عن الأخت؛ لأنه من ذوي الأرحام، وذكر المصنف في المستصفى أن الجد الفاسد أولى من الأخت عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف الولاية لهما كما في الميراث وفي فتح القدير وقياس ما صح في الجد والأخ من تقدم الجد الفاسد على الأخت ا هـ. فثبت بهذا أن المذهب أن الجد

 

ج / 3 ص -180-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفاسد بعد الأم قبل الأخت وفي القنية أم الأب في التزويج من الأم.
وأطلق في نفي العصبة فشمل العصبة النسبية والسببية فمولى العتاقة، ثم عصبته على الترتيب السابق يقدمان على الأم ولم يذكر المصنف مولى الموالاة وهو الذي أسلم أبو الصغير على يديه ووالاه، قالوا: إن آخر الأولياء مقدم على القاضي؛ لأن هذا العقد يفيد الخلافة في الإرث فيفيد في الإنكاح كالعصبات.
وأطلق في الحاكم فشمل الإمام والقاضي لكن قالوا: إن القاضي إنما يملك ذلك إذا كان ذلك في عهده ومنشوره فإن لم يكن ذلك في عهده لم يكن وليا كذا في الظهيرية وغيرها وفي المجتبى ما يفيد أن لنائب القاضي ولاية التزويج حيث كان القاضي كتب له في منشوره ذلك فإنه قال: ثم السلطان ثم القاضي ونوابه إذا اشترط في عهده تزويج الصغار والصغائر وإلا فلا ا هـ. بناء على أن هذا الشرط إنما هو في حق القاضي دون نوابه ويحتمل أن يكون شرطا فيهما فإذا كتب في منشور قاضي القضاة فإن كان ذلك في عهد نائبه منه ملكه النائب وإلا فلا، ولم أر فيه منقولا صريحا وفي الظهيرية فإن زوجها القاضي ولم يأذن له السلطان ثم أذن له بذلك فأجاز القاضي ذلك جاز استحسانا وفي غاية البيان ولو زوج القاضي الصغيرة من ابنه كان باطلا، وكذا إذا باع مال اليتيم من نفسه لا يجوز؛ لأنه حكم وحكمه لنفسه لا يجوز ولو اشترط من وصي اليتيم يجوز وإن كان القاضي أقامه وصيا؛ لأنه نائب عن الميت لا عن القاضي ا هـ.
وعلله في فتح القدير بأنه كالوكيل لا يجوز عقده لابنه قال والإلحاق بالوكيل يكفي للحكم مستغن عن جعل فعله حكما مع انتفاء شرطه. ا هـ. وفي الفوائد الناجية معزيا إلى فتاوى سمرقند سئل القاضي بديع الدين عن صغيرة زوجت نفسها ولا ولي لها ولا قاضي في ذلك الموضع قال: يتوقف وينفذ بإجازتها بعد بلوغها ا هـ. مع أنهم قالوا كل عقد لا مجيز له حال صدوره فهو باطل لا يتوقف ولعل التوقف فيه باعتبار أن مجيزه السلطان كما لا يخفى وفي النوازل والذخيرة امرأة جاءت إلى قاض فقالت له: أريد أن أتزوج ولا ولي لي فللقاضي أن يأذن لها في النكاح كما لو علم أن لها وليا، وما نقل فيه من إقامتها البينة خلاف المشهور وما نقل من قول إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة يقول لها القاضي إن لم تكوني قرشية ولا عربية

 

ج / 3 ص -181-       وللأبعد التزويج بغيبة الأقرب مسافة القصر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا ذات بعل ولا معتدة فقد أذنت لك فالظاهر أن الشرطين الأولين محمولان على رواية عدم الجواز من غير الكفء وأما الشرط الثالث فمعلوم الاشتراط كذا في فتح القدير. والظاهر أن الشرطين الأولين إنما هو عند كذبها بأن كان لها ولي، أما إن كانت صادقة في عدم الولي فليسا بشرطين على جميع الروايات.
وأشار المصنف إلى أن وصي الصغير والصغيرة إذا لم يكن قريبا ولا حاكما فإنه ليس له ولاية التزويج سواء كان أوصى إليه الأب في ذلك أو لم يوص، وروى هشام عن أبي حنيفة إن أوصى إليه الأب جاز له، كذا في الخانية والظهيرية وبه علم أن ما في التبيين من أنه ليس له ذلك إلا أن يفوض إليه الموصي ذلك، رواية هشام وهي ضعيفة واستثنى في فتح القدير ما إذا كان الموصي عين رجلا في حياته للتزويج فيزوجها الوصي كما لو وكل في حياته بتزويجها ا هـ. وفيه نظر؛ لأنه إن زوجها من المعين قبل موت الموصي فليس الكلام فيه؛ لأنه ليس بوصي، وإنما هو وكيل وإن كان بعد موته فقد بطلت الوكالة بموته وانقطعت ولايته فانتقلت الولاية للحاكم عند عدم قريب وفي الظهيرية ومن يعول صغيرا أو صغيرة لا يملك تزويجهما.
"قوله: وللأبعد التزويج بغيبة الأقرب مسافة القصر "أي ثلاثة أيام فصاعدا؛ لأن هذه ولاية نظرية وليس من النظر التفويض إلى من لا ينتفع برأيه ففوضناه إلى الأبعد وهو مقدم على الحاكم كما إذا مات الأقرب، واختلف في حد الغيبة فذهب أكثر المتأخرين إلى أنها مقدرة بمسافة القصر؛ لأنه ليس لأقصاها غاية فاعتبر بأدنى مدة السفر، واختاره المصنف وعليه الفتوى كما في التبيين واختار أكثر المشايخ كما في النهاية أنها مقدرة بفوت الكفء الخاطب باستطلاع رأيه وصححه ابن الفضل وفي الهداية، وهذا أقرب إلى الفقه؛ لأنه لا نظر في إبقاء ولايته حينئذ وفي المجتبى والمبسوط والذخيرة وهو الأصح وفي الخلاصة وبه كان يفتي الشيخ الإمام الأستاذ وفي فتح القدير ولا تعارض بين أكثر المتأخرين وأكثر المشايخ ا هـ.
وهنا أقوال أخر لكنها ضعيفة.
والحاصل أن التصحيح قد اختلف والأحسن الإفتاء بما عليه أكثر المشايخ وعليه فرع قاضي خان في شرحه أنه لو كان مختفيا بالمدينة بحيث لا يوقف عليه تكون غيبة منقطعة، وهذا أحسن؛ لأنه النظر ويتفرع على ما في المختصر أنه لا يزوج الأبعد إذا كان الأقرب بالمدينة مختفيا.

 

ج / 3 ص -182-       ولا يبطل بعوده وولي المجنونة الابن لا الأب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار المصنف بعدم ذكر سلب ولاية الأقرب إلى أنها باقية مع الغيبة حتى لو زوجها الأقرب حيث هو، اختلفوا فيه، والظاهر هو الجواز كذا في الخانية والظهيرية ولو زوجا معا أو لا يدرى السابق من اللاحق فهو باطل كذا ذكره الإسبيجابي.
وقيد بالغيبة؛ لأن الأقرب إذا عضلها يثبت للأبعد ولاية التزويج بالإجماع كذا في الخلاصة وبه اندفع ما ذكره السروجي من أنه تثبت للقاضي.
وقيد بالتزويج؛ لأنه ليس للأبعد التصرف في المال وهو للأقرب؛ لأن رأيه منتفع به في مالها بأن ينقل إليه ليتصرف في مالها كذا في المحيط قالوا إذا خطبها كفء وعضلها الولي تثبت الولاية للقاضي نيابة عن العاضل فله التزويج وإن لم يكن في منشوره.
لكن ما المراد بالعضل؟ فيحتمل أن يمتنع من تزويجها مطلقا ويحتمل أن يكون أعم من الأول ومن أن يمتنع من تزويجها من هذا الخاطب الكفء ليزوجها من كفء غيره وهو الظاهر ولم أره صريحا.
"قوله: ولا يبطل بعوده "أي لا يبطل تزويج الأبعد بعود الأقرب؛ لأنه عقد صدر عن ولاية تامة فالضمير في لا يبطل عائد إلى التزويج وما في التبيين من عوده إلى ولاية الأبعد فبعيد عن النظم والمعنى؛ لأن ولايته تبطل بعود الأقرب في المستقبل فالأحسن ما قلنا.
"قوله: وولي المجنونة الابن لا الأب "أي في النكاح، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد أبوها؛ لأنه أوفر شفقة من الابن، ولهما: أن الابن هو المقدم في العصوبة، وهذه الولاية مبنية عليها ولا معتبر بزياد الشفقة كأبي الأم مع بعض العصبات وأخذ الطحاوي بقول محمد كما في غاية البيان والتقييد بالمجنونة اتفاقي؛ لأن الحكم في المجنون إذا كان له أب وابن كذلك والأفضل أن يأمر الابن الأب بالنكاح حتى يجوز بلا خلاف ذكره الإسبيجابي وحكم ابن الابن وإن سفل كالابن في تقديمه على الأب كما في الخانية وأطلق في المجنون فشمل الأصلي والعارض خلافا لزفر في الثاني.
وقيدنا بالنكاح؛ لأن التصرف في المال للأب بالاتفاق كما في تهذيب القلانسي، وقد قدمنا حكم الصلاة في الجنائز، وقد قدمنا قريبا أن المجنون والمجنونة البالغين إذا زوجهما الابن ثم أفاقا فإنه لا خيار لهما؛ لأنه مقدم على الأب والجد ولا خيار لهما في تزويجهما فالابن أولى.

 

ج / 3 ص -183-       فصل في الكفاءة
من نكحت غير كفء فرق الولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فصل في الأكفاء "
جمع كفء بمعنى النظير لغة، والمراد هنا: المماثلة بين الزوجين في خصوص أمور أو كون المرأة أدنى وهي معتبرة في النكاح؛ لأن المصالح إنما تنتظم بين المتكافئين عادة؛ لأن الشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس بخلاف جانبها؛ لأن الزوج مستفرش فلا يغيظه دناءة الفراش ومن الغريب ما في الظهيرية والكفاءة في النساء للرجال غير معتبرة عند أبي حنيفة خلافا لهما ا هـ. وذكره في المحيط وعزاه إلى الجامع الصغير لكن في الخبازية الصحيح أنها غير معتبرة من جانبها عند الكل ا هـ. وهو حق الولي لا حقها فلذا ذكر الولوالجي في فتاويه امرأة زوجت نفسها من رجل ولم تعلم أنه حر أو عبد فإذا هو عبد مأذون في النكاح فليس لها الخيار وللأولياء الخيار وإن زوجها الأولياء برضاها ولم يعلموا أنه عبد أو حر ثم علموا لا خيار لأحدهم، هذا إذا لم يخبر الزوج أنه حر وقت العقد، أما إذا أخبر الزوج أنه حر وباقي المسألة على حالها كان لهم الخيار ودلت المسألة على أن المرأة إذا زوجت نفسها من رجل ولم تشترط الكفاءة ولم تعلم أنه كفء أم لا ثم علمت أنه غير كفء لا خيار لها، وكذلك الأولياء لو زوجوها برضاها ولم يعلموا بعدم الكفاءة ثم علموا لا خيار لهم، وهذه مسألة عجيبة، أما إذا شرطوا فأخبرهم بالكفاءة فزوجوها على ذلك ثم ظهر أنه غير كفء كان لهم الخيار؛ لأنه إذا لم يشترط الكفاءة كان عدم الرضا بعدم الكفاءة من الولي ومنها ثابتا من وجه دون وجه لما ذكرنا أن حال الزوج محتمل بين أن يكون كفؤا وبين أن لا يكون كفؤا والنص إنما أثبت حق الفسخ بسبب عدم الكفاءة حال عدم الرضا بعدم الكفاءة من كل وجه فلا يثبت حال وجود الرضا بعدم الكفاءة من وجه ا هـ. وفي الظهيرية ولو انتسب الزوج لها نسبا غير نسبه فإن ظهر دونه وهو ليس بكفء فحق الفسخ ثابت للكل وإن كان كفؤا فحق الفسخ لها دون الأولياء، وإن كان ما ظهر فوق ما أخبر فلا فسخ لأحد وعن أبي يوسف أن لها الفسخ؛ لأنها عسى تعجز عن المقام معه ا هـ. وفي الذخيرة إذا تزوج امرأة على أنه فلان بن فلان فإذا هو أخوه أو عمه فلها الخيار. ا هـ.
"قوله: من نكحت غير كفء فرق الولي "لما ذكرنا، وهذا ظاهر في انعقاده صحيحا وهو ظاهر الرواية عن الثلاثة فتبقى أحكامه من إرث وطلاق وقدمنا أنه يشترط في هذه الفرقة قضاء

 

ج / 3 ص -184-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي فلو قال المصنف فرق القاضي بينهما بطلب الولي لكان أظهر وقدمنا أنها لا تكون طلاقا وأن المفتى به رواية الحسن عن الإمام من عدم الانعقاد أصلا إذا كان لها ولي لم يرض به قبل العقد فلا يفيد الرضا بعده فلو قال المصنف من نكحت غير كفء بغير رضا الولي لكان أولى، وأما تمكينها من الوطء فعلى المفتى به هو حرام كما يحرم عليه الوطء لعدم انعقاده، وأما على ظاهر الرواية ففي الولوالجية أن لها أن تمنع نفسها ا هـ. ولا تمكنه من الوطء حتى يرضى الولي هكذا اختار الفقيه أبو الليث وإن كان هذا خلاف ظاهر الجواب؛ لأن من حجة المرأة أن تقول إنما تزوجت بك رجاء أن يجيز الولي والولي عسى يخاصم فيفرق بيننا فيصير هذا وطئا بشبهة ا هـ. وفي الخلاصة وكثير من مشايخنا أفتوا بظاهر الرواية أنها ليس لها أن تمنع نفسها ا هـ. وهذا يدل على أن كثيرا من المشايخ أفتوا بانعقاده، فقد اختلف الإفتاء وأطلق في الولي فانصرف إلى الكامل وهو العصبة كما قيده به في الخانية لا من له ولاية النكاح عليها لو كانت صغيرة فلا يدخل ذو الأرحام في هذا الحكم ولا الأم ولا الأخت كذا في فتح القدير وفي الخلاصة والخانية والذي يلي المرافعة هو المحارم وعند بعضهم المحارم وغيرهم سواء وهو الأصح ا هـ. يعني: لا فرق في العصبة بين أن يكون محرما أو لا كما ذكره الولوالجي أنه المختار وشمل كلامه ما إذا تزوجت غير كفء بغير رضا الولي بعد ما زوجها الولي أولا منه برضاها وفارقته فللولي التفريق؛ لأن الرضا بالأول لا يكون رضا بالثاني وشمل ما إذا كانت مجهولة النسب فتزوجت رجلا ثم أعادها رجل من قريش وأثبت القاضي نسبها منه وجعلها بنتا له وزوجها حجاما فلهذا الأب أن يفرق بينها وبين زوجها ولو لم يكن ذلك لكن أقرت بالرق لرجل لم يكن لمولاها أن يبطل النكاح بينهما كذا في الذخيرة.
وفيها أيضا لو زوج أمة له صغيرة رجلا ثم ادعى أنها بنته ثبت النسب والنكاح على حاله إن كان الزوج كفؤا وإن لم يكن كفؤا فهو في القياس لازم ولو باعها ثم ادعى المشتري أنها بنته فكذلك ا هـ. وإذا فرق القاضي بينهما فإن كان بعد الدخول فلها المسمى وعليها العدة ولها النفقة فيها والخلوة الصحيحة كالدخول وإن كان قبلهما فلا مهر لها؛ لأن الفرقة ليست من قبله هكذا في الخانية وهو تفريع على انعقاده، وأما على المفتى به فينبغي أن يجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل وأن لا نفقة لها في هذه العدة كما لا يخفى وفي الخانية وإن زوجها الولي غير كفء ودخل بها ثم بانت منه بالطلاق ثم زوجت نفسها هذا الزوج بغير ولي ثم فرق القاضي بينهما قبل الدخول كان على الزوج كل المهر الثاني وعليها عدة في المستقبل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا مهر على الزوج وعليها بقية العدة الأولى، وذكر لها نظائر تأتي في كتاب العدة وينبغي أن يكون تفريعا على ظاهر الرواية أما على المفتى به

 

ج / 3 ص -185-       ورضا البعض كالكل، وقبض المهر ونحوه رضا
ـــــــــــــــــــ
فإنه لا يجب المهر الثاني بالاتفاق؛ لأنه نكاح فاسد كما صرح به في الخانية فيما إذا كان النكاح الثاني فاسدا.
وقيد بالنكاح؛ لأن له المراجعة إذا طلقها رجعيا بعد ما زوجها الولي غير كفء برضاها كذا في الذخيرة.
"قوله: ورضا البعض كالكل "أي ورضا بعض الأولياء المستوين في الدرجة كرضا كلهم حتى لا يتعرض أحد منهم بعد ذلك وقال أبو يوسف لا يكون كالكل كما إذا أسقط أحد الدائنين حقه من المشترك. ولهما: أنه حق واحد لا يتجزأ؛ لأنه ثبت بسبب لا يتجزأ فيثبت لكل على الكمال كولاية الأمان.
قيدنا بالاستواء احترازا عما إذا رضي الأبعد فإن للأقرب الاعتراض كذا في فتح القدير وغيره.
وقيد بالرضا؛ لأن التصديق بأنه كفء من البعض لا يسقط حق من أنكرها. قال في المبسوط: لو ادعى أحد الأولياء أن الزوج كفء وأثبت الآخر أنه ليس بكفء يكون له أن يطالبه بالتفريق؛ لأن المصدق ينكر سبب الوجوب وإنكار سبب وجوب الشيء لا يكون إسقاطا له ا هـ.
وفي الفوائد التاجية أقام وليها شاهدين بعدم الكفاءة أو أقام زوجها بالكفاءة قال لا يشترط لفظ الشهادة؛ لأنه إخبار، ذكره عن القاضي بديع الدين في الشهادة وأطلق في الرضا فشمل ما إذا رضي بعضهم به قبل العقد أو رضي به بعده كما في القنية وقد قدمنا بحثا في أنه لو قال لها قبل العقد رضيت بتزوجك من غير كفء ولم يعين أحدا أو قال رضيت به بعد العقد ولم يعرفه أنه ينبغي أن لا يكون رضا معتبرا لما صرح به في الخانية وغيرها من أن الرضا بالمجهول لا يتحقق.
"قوله: وقبض المهر ونحوه رضا "; لأنه تقرير لحكم العقد وأراد بنحوه كل فعل دل على الرضا، وأطلق في قبض المهر فشمل ما إذا جهزها به أو لا، أما إن جهزها به فهو رضا اتفاقا وإن لم يجهزها ففيه اختلاف المشايخ والصحيح أنه رضا كما في الذخيرة ودخل في نحوه ما إذا خاصم الزوج في نفقتها وتقرير مهرها عليه بوكالة منها كان ذلك منه رضا وتسليما للعقد استحسانا، وهذا إذا كان عدم الكفاءة ثابتا عند القاضي قبل مخاصمة الولي إياه، فأما إذا لم

 

ج / 3 ص -186-       لا السكوت والكفاءة تعتبر نسبا فقريش أكفاء والعرب أكفاء وحرية وإسلاما وأبوان فيهما كالآباء وديانة ومالا وحرفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكن عدم الكفاءة ثابتا عند القاضي قبل مخاصمة الولي إياه لا يكون رضا بالنكاح قياسا واستحسانا كذا في الذخيرة.
"قوله: لا السكوت "أي لا يكون سكوت الولي رضا؛ لأنه محتمل فلا يجعل رضا إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها أطلقه فشمل ما إذا ولدت فله حق الفسخ بعد الولادة كما في مبسوط شيخ الإسلام وكما في المعراج لكن قيده الشارحون بعدم الولادة فلو ولدت فليس له حق الفسخ وظاهر كلامهم أنه المذهب الصحيح ولذا اختاره في الخلاصة وكأنه للضرر الحاصل بالفسخ وينبغي أن يكون الحبل الظاهر كالولادة وشمل ما إذا طالت المدة كما في الخلاصة، وذكر في الذخيرة امرأة تحت رجل هو ليس بكفء لها فخاصمه أخوها في ذلك وأبوها غائب غيبة منقطعة أو خاصمه ولي آخر غيره أولى منه وهو غائب عنه غيبة منقطعة فادعى الزوج أن الولي الأولى زوجه يؤمر بإقامة البينة وإلا فرق بينهما فإن أقام بينة على ذلك قبلت بينته وأجزتها على الأولى يعني الأول الذي هو أولى؛ لأن هذا خصم. ا هـ.
"قوله: والكفاءة تعتبر نسبا فقريش أكفاء والعرب أكفاء وحرية وإسلاما وأبوان فيهما كالآباء وديانة ومالا وحرفة "; لأن هذه الأشياء يقع بها التفاخر فيما بينهم فلا بد من اعتبارها وتعتبر الكفاءة عند ابتداء العقد وزوالها بعد ذلك لا يضر ولذا قال في الظهيرية ولو تزوجها وهو كفء لها ثم صار فاجرا داعرا لا يفسخ النكاح ا هـ.
وقد ذكر المصنف اعتبارها في ستة أشياء: الأول النسب وهو معروف، وأما العرب فهم خلاف العجم واحدهم عربي والأعراب أهل البادية واحدهم أعرابي وجمع الأعراب أعاريب، وقيل العرب جمع عربة بالهاء وهي النفس والعربي أيضا المنسوب إلى العرب قال تعالى:
{قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف: 2] كذا في ضياء الحلوم وفيه: التقرش الاكتساب والتقرش التجمع وبذلك سميت قريش لاجتماعهم بمكة وتقرش الرجل إذا انتسب إلى قريش ا هـ.
ثم القرشيان من جمعهما أب هو النضر بن كنانة فمن دونه ومن لم ينسب إلا لأب فوقه فهو عربي غير قرشي والنضر هو الجد الثاني عشر للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان اقتصر البخاري في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدنان والأئمة الأربعة الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين كلهم من قريش لانتسابهم إلى النضر فمن دونه وليس فيهم هاشمي إلا علي رضي الله عنه فإن الجد

 

ج / 3 ص -187-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول للنبي صلى الله عليه وسلم جده فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فهو من أولاد هاشم وأما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فإنه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد السادس وهو مرة فإنه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد السابع وهو كعب فإنه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رواح بن عدي بن معد ورياح بكسر الراء وبالياء تحتها نقطتان، وأما عثمان رضي الله عنه فيجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجد الثالث وهو عبد مناف فإنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وبهذا استدل المشايخ على أنه لا يعتبر التفاضل فيما بين قريش وهو المراد بقوله فقريش أكفاء حتى لو تزوجت هاشمية قرشيا غير هاشمي لم يرد عقدها وإن تزوجت عربيا غير قرشي لهم رده كتزويج العربية عجميا، ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بنته من عثمان وهو أموي لا هاشمي. وزوج علي رضي الله عنه بنته أم كلثوم من عمر وكان عدويا لا هاشميا فاندفع بذلك قول محمد من أنه تعتبر الزيادة بالخلافة حتى لا يكافئ أهل بيت الخلافة غيرهم من القرشيين، هذا إن قصد به عدم المكافأة لا إن قصد به تسكين الفتنة.
وأفاد المصنف أن غير العربي لا يكافئ العربي وإن كان حسيبا أو عالما لكن ذكر قاضي خان في جامعه قالوا الحسيب يكون كفؤا للنسيب فالعالم العجمي يكون كفؤا للجاهل العربي والعلوية؛ لأن شرف العلم فوق شرف النسب والحسب مكارم الأخلاق وفي المحيط عن صدر الإسلام الحسيب الذي له جاه وحشمة ومنصب وفي الينابيع الأصح أنه ليس كفؤا للعلوية، وأصل ما ذكره المشايخ من ذلك ما روي عن أبي يوسف أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل نسب الآخر كان كفؤا له كذا في فتح القدير وكله تفقهات المشايخ وظاهر الرواية أن العجمي لا يكون كفؤا للعربية مطلقا.
قال في المبسوط أفضل الناس نسبا بنو هاشم ثم قريش ثم العرب لما روي عن محمد بن علي عليه السلام "أن الله اختار من الناس العرب ومن العرب قريشا واختار منهم بني هاشم واختارني من بني هاشم" ا هـ.
ولم يذكر المصنف الموالي؛ لأن المراد بالمولى هنا ما ليس بعربي وإن لم يمسه رق؛ لأن العجم لما ضلوا أنسابهم كان التفاخر بينهم في الدين كما في الفتح أو؛ لأن بلادهم فتحت عنوة بأيدي العرب فكان للعرب استرقاقهم فإذا تركوهم أحرارا فكأنهم أعتقوهم والموالي هم المعتقون كما في التبيين أو؛ لأنهم نصروا العرب على قتل الكفار من أهل الحرب والناصر يسمى مولى قال تعالى:
{وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] كما في غاية البيان.

 

ج / 3 ص -188-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل: أن النسب المعتبر هنا خاص بالعرب، وأما العجم فلا يعتبر في حقهم ولذا كان بعضهم كفؤا لبعض، وأما معتق العربي فهو ليس بكفء لمعتق العجمي كما سيأتي في الحرية.
وأطلق المصنف في العرب فأفاد أن بني باهلة كفء لبقية العرب غير قريش وفي الهداية وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب؛ لأنهم معروفون بالخساسة. قالوا: لأنهم كانوا يستخرجون النقي من عظام الموتى ويطبخون العظام ويأخذون الدسومات منها ويأكلون بقية الطعام مرة ثانية ورده في فتح القدير بأنه لا يخلو عن نظر فإن النص لم يفصل مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم، وقد أطلق في قوله: "العرب بعضهم أكفاء لبعض" وليس كل باهلي كذلك بل فيهم الأجواد وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلوا ذلك لا يسري في حق الكل ا هـ.
فالحق الإطلاق وباهلة في الأصل اسم امرأة من همدان والتأنيث للقبيلة سواء كان في الأصل اسم رجل أو اسم امرأة كذا في الصحاح وقال في الديوان الباهلة قبيلة من قبيلة القيس وفي القاموس، باهلة: قوم.
وأما الثاني والثالث أعني الحرية والإسلام فهما معتبران في حق العجم؛ لأنهم يفتخرون بهما دون النسب، وهذا؛ لأن الكفر عيب، وكذا الرق؛ لأنه أثره والحرية والإسلام زوال العيب فيفتخر بهما دون النسب فلا يكون من أسلم بنفسه كفؤا لمن لها أب في الإسلام ولا يكون من له أب واحد كفؤا لمن لها أبوان في الإسلام ومن له أبوان في الإسلام كفؤا لمن لها آباء كثيرة فيه وهو المراد بقوله وأبوان فيهما كالآباء أي في الإسلام والحرية وهي نظير الإسلام فيما ذكرنا فلا يكون العبد كفؤا لحرة الأصل، وكذا المعتق لا يكون كفؤا لحرة أصلية والمعتق أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الحرية كذا في المعراج وظاهره أن العبد كفء للمعتقة وفيه تأمل وفي المجتبى معتقة الشريف لا يكافئها معتق الوضيع وفي التجنيس ولو كان أبوها معتقا وأمها حرة الأصل لا يكافئها المعتق؛ لأن فيه أثر الرق وهو الولاء والمرأة لما كانت أمها حرة الأصل كانت هي حرة الأصل وفي فتح القدير واعلم أنه لا يبعد كون من أسلم بنفسه كفؤا لمن عتق بنفسه ا هـ.
قيدنا اعتبارهما في حق العجم لما في التبيين وغيره أن أبا حنيفة وصاحبيه اتفقوا أن الإسلام لا يكون معتبرا في حق العرب؛ لأنهم لا يتفاخرون به، وإنما يتفاخرون بالنسب ا هـ. فعلى

 

ج / 3 ص -189-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا لو تزوج عربي له أب كافر بعربية لها آباء في الإسلام فهو كفء، وأما الحرية فهي لازمة للعرب؛ لأنه لا يجوز استرقاقهم فعلى هذا فالنسب معتبر في حق العرب فقط، وأما الحرية والإسلام فمعتبران في العرب والعجم بالنسبة إلى الزوج، وأما بالنسبة إلى أبيه وجده فالحرية معتبرة في حق الكل أيضا، وأما الإسلام فمعتبر في العجم فقط وفي القنية رجل ارتد والعياذ بالله ثم أسلم فهو كفء لمن لم يجر عليها ردة. ا هـ.
وأما الرابع وهو الديانة ففسرها في غاية البيان بالتقوى والزهد والصلاح، وإنما لم يقل والدين؛ لأنه بمعنى الإسلام فيلزم التكرار وإن أريد بالأول إسلام الآباء وهنا إسلام الزوج لم يصح؛ لأن إسلام الزوج ليس من الكفاءة، وإنما هو شرط جواز النكاح واعتبار التقوى فيها قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو الصحيح؛ لأنه من أعلى المفاخر والمرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعة نسبه وقال محمد لا تعتبر؛ لأنه من أمور الآخرة فلا تبتنى أحكام الدنيا عليه إلا إذا كان يصفع ويسخر منه أو يخرج إلى الأسواق سكران ويلعب به الصبيان؛ لأنه مستخف به كذا في الهداية وفي فتح القدير معزيا إلى المحيط أن الفتوى على قول محمد ولعله المحيط البرهاني فإنه لم أجده في المحيط الرضوي وهو موافق لما صححه في المبسوط من أنها لا تعتبر عند أبي حنيفة وتصحيح الهداية معارض له فالإفتاء بما في المتون أولى فلا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين سواء كان معلنا بالفسق أو لا كما في الذخيرة ووقع لي تردد فيما إذا كانت صالحة دون أبيها أو كان أبوها صالحا دونها هل يكون الفاسق كفؤا لها أو لا؟ فظاهر كلام الشارحين أن العبرة لصلاح أبيها وجدها فإنهم قالوا لا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين واعتبر في الجميع صلاحها، فقال فلا يكون الفاسق كفؤا للصالحة وفي الخانية لا يكون الفاسق كفؤا للصالحة بنت الصالحين فاعتبر صلاح الكل. والظاهر أن الطلاح منها أو من آبائها كاف لعدم كون الفاسق كفؤا لها ولم أره صريحا وظاهر كلامهم أن التقوى معتبرة في حق العرب والعجم فلا يكون العربي الفاسق كفؤا للصالحة عربية كانت أو عجمية.
وأما الخامس فالمال، أطلقه فأفاد أنه لا بد من التساوي فيه وهو قول أبي بكر الإسكاف قال في النوازل عنه إذا كان للرجل عشرة آلاف درهم يريد أن يتزوج امرأة، لها مائة ألف وأخوها لا يرضى بذلك قال: لأخيها أن يمنعها من ذلك ولا يكون كفؤا وجعله في المجتبى قول أبي حنيفة.
وقيده في الهداية بأن يكون مالكا للمهر والنفقة، وهذا هو المعتبر في ظاهر الرواية حتى أن من لا يملكهما أو لا يملك أحدهما لا يكون كفؤا؛ لأن المهر بدل البضع فلا بد من إيفائه وبالنفقة

 

ج / 3 ص -190-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوام الازدواج ودوامه والمراد بالمهر قدر ما تعارفوا تعجيله؛ لأن ما وراءه مؤجل عرفا ا هـ.
وصححه في التبيين ودخل في النفقة الكسوة كما في المعراج والعناية، وذكر الولوالجي رجل ملك ألف درهم فتزوج امرأة بألف درهم وعليه دين ألف درهم ومهر مثلها ألف جاز النكاح، وهذا الرجل كفء لها وإن كانت الكفاءة بالقدرة على المهر؛ لأن هذا الرجل قادر على المهر فإنه يقضي أي الدينين شاء بذلك. ا هـ. واختلفوا في قدر النفقة، فقيل يعتبر نفقة ستة أشهر، وقيل نفقة شهر وصححه في التجنيس وفي المجتبى والصحيح أنه إذا كان قادرا على النفقة على طريق الكسب كان كفؤا ا هـ.
فقد اختلف التصحيح وتصحيح المجتبى أظهر كما لا يخفى وفي الذخيرة إذا كان يجد نفقتها ولا يجد نفقة نفسه يكون كفؤا وإن لم يجد نفقتها لا يكون كفؤا وإن كانت فقيرة ولو كانت الزوجة صغيرة لا تطيق الجماع فهو كفء وإن لم يقدر على النفقة؛ لأنه لا نفقة لها وفي المجتبى والصبي كفء بغنى أبيه وهو الأصح ا هـ. يعني بالنسبة إلى المهر، وأما في النفقة فلا يعد غنيا بغنى أبيه؛ لأن العادة أن الآباء يتحملون المهر عن الأبناء ولا يتحملون النفقة كذا في الذخيرة والواقعات وفي التبيين، وقيل: إن كان ذا جاه كالسلطان والعالم يكون كفؤا وإن لم يملك إلا النفقة؛ لأن الخلل ينجبر به ومن ثم قالوا: الفقيه العجمي يكون كفؤا للعربي الجاهل. ا هـ. وظاهر كلامهم أن القدرة على المهر والنفقة لا بد منه في كل زوج عربيا كان أو عجميا لكل امرأة ولو كانت فقيرة بنت فقراء كما صرح به في الواقعات معللا بأن المهر والنفقة عليه فيعتبر هذا الوصف في حقه ا هـ. ففي إدخال القدرة عليهما في الكفاءة إشكال؛ لأن الكفاءة المماثلة، وهذا شرط في حق الزوج فقط لكن قدمنا أنها شرعا المماثلة أو كون المرأة أدنى.
وأما السادس فالكفاءة في الحرفة بالكسر وهي كما في ضياء الحلوم بكسر الحاء وسكون الراء اسم من الاحتراف وهو الاكتساب بالصناعة والتجارة وقال في موضع آخر الصناعة الحرفة. ا هـ. والظاهر أن الحرفة أعم من الصناعة؛ لأنها العلم الحاصل من التمرن على العمل ولذا عبر المصنف بالحرفة دون الصناعة لكن قال في القاموس الحرفة بالكسر الطعمة والصناعة يرتزق منها وكل ما اشتغل الإنسان به وهي تسمى صنعة وحرفة؛ لأنه ينحرف إليها ا هـ. فأفاد أنهما سواء، وقد حقق في غاية البيان أن اعتبار الكفاءة في الصنائع هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه؛ لأن الناس يتفاخرون بشرف الحرف ويتعيرون بدناءتها وهي وإن أمكن تركها يبقى عارها كما في المجتبى وفي الذخيرة معزيا إلى أبي هريرة رضي الله عنه الناس بعضهم أكفاء

 

ج / 3 ص -191-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لبعض إلا حائكا أو حجاما وفي رواية، أو دباغا: قال مشايخنا ورابعهم الكناس فواحد من هؤلاء الأربعة لا يكون كفؤا للصيرفي والجوهري وعليه الفتوى.
وبعد هذا المروي عن أبي يوسف إن الحرف متى تقاربت لا يعتبر التفاوت وتثبت الكفاءة فالحائك يكون كفؤا للحجام، والدباغ يكون كفؤا للكناس والصفار يكون كفؤا للحداد والعطار يكون كفؤا للبزاز قال شمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى. ا هـ. فالمفتى به مخالف لما في المختصر؛ لأن حقيقة الكفاءة في الصنائع لا تتحقق إلا بكونهما من صنعة واحدة إلا أن التقارب بمنزلة المماثلة فلا مخالفة.
وفي فتح القدير والحائك يكون كفؤا للعطار بالإسكندرية لما هناك من حسن اعتبارها وعدم عدها نقصا ألبتة اللهم إلا أن يقترن بها خساسة غيرها ا هـ. وينبغي أن يكون صاحب الوظائف في الأوقاف كفؤا لبنت التاجر في مصر إلا أن تكون وظيفة دنيئة عرفا كسواق وفراش ووقاد وبواب وتكون الوظائف من الحرف؛ لأنها صارت طريقا للاكتساب في مصر كالصنائع ا هـ.
وينبغي أن من له وظيفة تدريس أو نظر يكون كفؤا لبنت الأمير بمصر وفي القنية الحائك لا يكون كفؤا لبنت الدهقان وإن كان معسرا، وقيل هو كفء ا هـ. وفي المغرب غلب اسم الدهقان على من له عقار كثيرة وفي المجتبى وهنا جنس أخس من الكل وهو الذي يخدم الظلمة يدعى شاكريا وتابعا وإن كان صاحب مروءة ومال فظلمه خساسة ا هـ.
وفي الظهيرية والشاكرية لا يكون كفؤا لأحد إلا لأمثالهم وهم الذين يتبعون هؤلاء المترفين هكذا قاله شمس الأئمة الحلواني ا هـ. ولا يخفى أن الظاهر اعتبار هذه الكفاءة بين الزوج وأبيها وأن الظاهر اعتبارها وقت التزوج فلو كان دباغا أولا ثم صار تاجرا ثم تزوج بنت تاجر أصلي ينبغي أن يكون كفؤا، لكن ما تقدم من أن الصنعة وإن أمكن تركها يبقى عارها يخالفه كما لا يخفى، وقد أشار المصنف باقتصاره على الأمور الستة إلى أنه لا يعتبر غيرها فلا عبرة بالجمال كما في الخانية ولا يعتبر فيها العقل فالمجنون كفء للعاقلة وفيه اختلاف بين المشايخ كما في الذخيرة ولا عبرة بالبلد فالقروي كفء للمدني كما في فتح القدير فعلى هذا التاجر في القرى يكون كفؤا لبنت التاجر في المصر للتقارب ولا تعتبر الكفاءة عندنا في السلامة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص والبخر والدفر كما

 

ج / 3 ص -192-       ولو نقصت عن مهر مثلها فللولي أن يفرق بينهما، أو يتم المهر، ولو زوج طفله غير كفء، أو بغبن فاحش صح، ولم يجز ذلك لغير الأب، والجد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
سيأتي ولا تعتبر الكفاءة بين أهل الذمة فلو زوجت نفسها، فقال وليها ليس هذا كفؤا لم يفرق بل هم أكفاء بعضهم لبعض قال في الأصل إلا أن يكون نسبا مشهورا كبنت ملك من ملوكهم خدعها حائك أو سائس فإنه يفرق بينهم لا لعدم الكفاءة بل لتسكين الفتنة والقاضي مأمور بتسكينها بينهم كما بين المسلمين.
"قوله: ولو نقصت عن مهر مثلها للولي أن يفرق بينهما أو يتم المهر "يعني عند أبي حنيفة وقالا ليس له ذلك؛ لأن ما زاد عن العشرة حقها ومن أسقط حقه لا يعترض عليه كما في الإبراء بعد التسمية ولأبي حنيفة أن الأولياء يفتخرون بغلاء المهر ويتعيرون بنقصانها فأشبه الكفاءة بخلاف الإبراء بعد التسمية؛ لأنه لا يعير به.
فحاصله: أن في المهر حقوقا ثلاثة: أحدهما حق الشرع وهو أن لا يكون أقل من عشرة دراهم أو ما يساويها. والثاني حق الأولياء وهو أن لا يكون أقل من مهر المثل. والثالث حق المرأة وهو كونه ملكا لها، ثم حق الشرع، والأولياء مراعى وقت الثبوت فقط فلا حق لهما حالة البقاء. وأفاد بقوله للولي أن يفرق أن الولي لو فرق بينهما قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فلها المسمى، وكذا إذا مات أحدهما قبل التفريق فليس لهم المطالبة بالتكميل؛ لأن الثابت لهم ليس إلا أن يفسخ أو يكمل فإذا امتنع هنا عن تكميل المهر لا يمكن الفسخ وإن طلقها الزوج قبل تفريق الولي قبل الدخول فلها نصف المسمى كما في المحيط والمراد من الولي هنا العصبة وإن لم يكن محرما على المختار كما قدمناه في الكفاءة فخرج القريب الذي ليس بعصبة وخرج القاضي فلذا قال في الذخيرة من كتاب الحجر المحجور عليها إذا تزوجت بأقل من مهر مثلها ليس للقاضي الاعتراض عليها؛ لأن الحجر في المال لا في النفس. ا هـ.
"قوله: ولو زوج طفله غير كفء أو بغبن فاحش صح ولم يجز ذلك لغير الأب والجد "يعني لو زوج الأب الصاحي ولده الصغير أمة أو بنته الصغيرة عبدا أو زوجه وزاد على مهر المثل زيادة فاحشة أو زوجها ونقص عن مهر مثلها نقصانا فاحشا فهو صحيح من الأب والجد دون غيرهما عند أبي حنيفة ولم يصح العقد عندهما على الأصح؛ لأن الولاية مقيدة بشرط النظر فعند فواته يبطل العقد وله: أن الحكم يدار على دليل النظر وهو قرب القرابة وفي النكاح مقاصد تربو على المهر والكفاءة.

 

ج / 3 ص -193-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بالغبن الفاحش؛ لأن الغبن اليسير في المهر معفو اتفاقا كذا في غاية البيان.
وقيد بالنكاح؛ لأن في التصرفات المالية كالبيع والشراء والإجارة والاستئجار والصلح في دعوى المال لا يملك الأب والجد بغبن فاحش بالإجماع؛ لأن المقصود المال وقد حصل النقصان فيه بلا جابر فلم يجز وفي النكاح وجد الجابر وهو ما قلنا من المقاصد.
وأطلق في الأب والجد وقيده الشارحون وغيرهم بأن لا يكون معروفا بسوء الاختيار حتى لو كان معروفا بذلك مجانة وفسقا فالعقد باطل على الصحيح قال في فتح القدير ومن زوج ابنته الصغيرة القابلة للتخلق بالخير والشر ممن يعلم أنه شرير فاسق فهو ظاهر سوء اختياره ولأن ترك النظر هنا مقطوع به فلا يعارضه ظهور إرادة مصلحة تفوت ذلك نظرا إلى شفقة الأبوة ا هـ. فظاهر كلامهم أن الأب إذا كان معروفا بسوء الاختيار لم يصح عقده بأقل من مهر المثل ولا بأكثر في الصغير بغبن فاحش ولا من غير الكفء فيهما سواء كان عدم الكفاءة بسبب الفسق أو لا حتى لو زوج بنته من فقير أو محترف حرفة دنيئة ولم يكن كفؤا فالعقد باطل فقصر المحقق ابن الهمام كلامهم على الفاسد مما لا ينبغي، وذكر أصحاب الفتاوى أن الأب إذا زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر فإذا هو مدمن له وقالت بعدما كبرت لا أرضى بالنكاح إن لم يكن يعرفه الأب بشربه وكان غلبة أهل بيته صالحين فالنكاح باطل اتفاقا؛ لأنه إنما زوج على ظن أنه كفء ا هـ.
وهو يفيد أن الأب لو عرفه بشربه فالنكاح نافذ ولا شك أن هذا منه سوء اختيار بيقين لكن لم يلزم من تحققه كون الأب معروفا للناس به فقد يتصف به في نفس الأمر ولا يشتهر به فلا منافاة بين ما ذكروه كما لا يخفى، وفرق بين علمه وعدمه في الذخيرة بأنه إذا كان عالما بأنه ليس بكفء علم أنه تأمل غاية التأمل وعرف هذا العقد مصلحة في حقها أما هاهنا ظنه كفؤا فالظاهر أنه لا يتأمل. ا هـ.
وقد وقع في أكثر الفتاوى في هذه المسألة أن النكاح باطل فظاهره أنه لم ينعقد وفي الظهيرية يفرق بينهما ولم يقل إنه باطل وهو الحق ولذا قال في الذخيرة في قولهم فالنكاح باطل أي يبطل. ثم اعلم، أنه لا خصوصية لما إذا علمه فاسقا، وإنما المراد أنه إذا زوجه بناء على أنه كفء فإذا هو ليس بكفء فإنه باطل ولذا قال في القنية زوج بنته الصغيرة من رجل ظنه حر الأصل وكان معتقا فهو باطل بالاتفاق.
وقيد بتزويجه طفله؛ لأنه لو زوج أمة طفله بغبن فاحش فإنه لا يجوز اتفاقا؛ لأنه إضاعة

 

ج / 3 ص -194-       فصل
لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه وللوكيل أن يزوج موكلته من نفسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مالهما؛ لأن المهر ملكهما ولا مقصود آخر باطن يصرف النظر إليه كما في فتح القدير.
والمراد بعدم الجواز في قوله لم يجز ذلك لغيرهما عدم الصحة وعليه ابتني الفرع المعروف، ولو زوج العم الصغيرة حرة الجد من معتق الجد فكبرت وأجازت لا يصح؛ لأنه لم يكن العقد موقوفا إذ لا مجيز له فإن العم ونحوه لا يصح منهم التزويج لغير الكفء ولذا ذكر في الخانية وغيرها أن غير الأب والجد إذا زوج الصغيرة فالأحوط أن يزوجها مرتين مرة بمهر مسمى ومرة بغير التسمية؛ لأنه لو كان في التسمية نقصان فاحش ولم يصح النكاح الأول يصح الثاني ا هـ. ولا فرق بين الصغير والصغيرة في هذا المعنى فالتخصيص بالصغيرة مما لا ينبغي وليس للتزويج من غير كفء حيلة كما لا يخفى.
وقيد بتزويج الأب أي بنفسه؛ لأنه لا يجوز لوكيل الأب أن يزوج بنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها كذا في القنية وينبغي استثناء القليل الذي يتساهل فيه كما لا يخفى.
وقيدنا الأب بكونه صاحيا؛ لأن السكران إذا قصر في مهر ابنته بما لا يتغابن الناس فيه فإنه لا يجوز إجماعا والصاحي: يجوز؛ لأن الظاهر من حال السكران أنه لا يتأمل إذ ليس له رأي كامل فيبقى النقصان ضررا محضا والظاهر من حال الصاحي أنه يتأمل كذا في الذخيرة، وكذا السكران إذا زوج من غير الكفء كما في الخانية وبه علم أن المراد بالأب من ليس بسكران ولا عرف بسوء الاختيار وأطلق في غير الكفء فشمل ما إذا زوجها من مملوك نفسه فعندهما لم يصح كما في الذخيرة.
وقيد بالطفل؛ لأن الأب لو زوج الكبيرة من مملوكه برضاها فهو جائز اتفاقا ولا خصوصية للأب بل كل ولي كذلك إن لم يكن لها غيره أقرب منه لم يرض به قبل العقد والطفل الصبي ويقع على الذكر والأنثى والجماعة يقال طفلة وأطفال ا هـ.
فصل
حاصله بعض مسائل الوكيل والفضولي وتأخيرهما عن الولي ظاهر؛ لأن ولايته أصلية.
"قوله: لابن العم أن يزوج بنت عمه من نفسه وللوكيل أن يزوج موكلته من نفسه "; لأن الوكيل في النكاح معبر وسفير والتمانع في الحقوق دون التعبير ولا ترجع الحقوق إليه بخلاف البيع؛ لأنه مباشر حتى رجعت الحقوق إليه، وروى البخاري أن عبد الرحمن بن عوف قال لأم حكيم ابنة فارض: أتجعلين أمرك إلي قالت نعم قال تزوجتك فعقده بلفظ

 

ج / 3 ص -195-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واحد. وعن عقبة بن عامر أنه عليه السلام قال لرجل
"أترضى أن أزوجك فلانة" قال نعم وقال للمرأة     قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه. وكان ممن شهد الحديبية رواه أبو داود فما في الغاية من أن قولهم أنه سفير ومعبر لم يسلم من النقض فإن الوكيل لو زوج موكلته على عبد نفسه يطالب بتسليمه سهو فإنه لم يلزمه بمجرد العقد، وإنما لزمه بالتزامه حيث جعله مهرا وأضاف العقد إليه والمراد ببنت العم الصغيرة فيكون ابن العم أصيلا من جانب ووليا من جانب ولا يراد بها الكبيرة هنا؛ لأنها لو وكلته فهو وكيل داخل في المسألة الثانية وإلا فهو فضولي سيأتي بطلانه إن لم يقبل عنها أحد ولو أجازته بعده والمراد بالوكيل الوكيل في أن يزوجها من نفسه لما في المحيط لو وكلته بتزويجها من رجل فزوجها من نفسه لم يجز؛ لأنها أمرته بالتزويج من رجل نكرة وهو معرفة بالخطاب والمعرفة لا تدخل تحت النكرة وفي الولوالجية لو قالت المرأة زوج نفسي ممن شئت لا يملك أن يزوجها من نفسه فرق بين هذا وبين ما إذا أوصى بثلث ماله، فقال للموصى له ضع ثلث مالي حيث شئت كان للموصى له أن يضع عند نفسه. والفرق أن الزوج مجهول وجهالة الزوج تمنع صحة الشرط وصار كالمسكوت عنه بخلاف الوصية؛ لأن الجهالة لا تمنع صحة الوصية فيعتبر التفويض مطلقا ا هـ. فلو وكلته أن يتصرف في أمورها لا يملك تزويجها من نفسه بالأولى كما في الخانية والوكالة كما تثبت بالصريح تثبت بالسكوت، ولذا قال في الظهيرية لو قال ابن العم الكبير إني أريد أن أزوجك من نفسي فسكتت فزوجها من نفسه جاز ا هـ. ولم يقيدها بالبكر وقيدها بالبكر في غاية البيان وغيره. والظاهر أنه خاص بالولي كما سبق بيانه وأطلق في الوكالة به فأفاد أنه لا يشترط الإشهاد عندها للصحة، وإنما لخوف الإنكار ولم يبين كيف يزوجها الوكيل من نفسه وأنه هل يشترط أن يعرفها الشهود للاختلاف فذكر الخصاف أنه لا يشترط معرفتها ولا ذكر اسمها ونسبها للشهود حتى لو قال تزوجت المرأة التي جعلت أمرها إلي على صداق كذا عندهم صح والمختار في المذهب خلافه وإن كان الخصاف كبيرا في العلم يقتدى به قال الولوالجي في فتاويه امرأة وكلت رجلا أن يزوجها من نفسه فذهب الوكيل وقال اشهدوا أني قد تزوجت فلانة ولم تعرف الشهود فلانة لا يجوز النكاح ما لم يذكر اسمها واسم أبيها وجدها؛ لأنها غائبة والغائبة لا تعرف إلا بالنسبة ألا ترى أنه لو قال تزوجت امرأة وكلتني بالنكاح لا يجوز وإن كانت حاضرة متنقبة ولا يعرفها

 

ج / 3 ص -196-       ونكاح العبد والأمة بغير إذن السيد موقوف كنكاح الفضولي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهود، فقال اشهدوا أني تزوجت هذه المرأة، فقالت المرأة زوجت نفسي منه جاز هو المختار؛ لأنها حاضرة والحاضرة تعرف بالإشارة فإذا أرادوا الاحتياط يكشف وجهها حتى يعرفها الشهود أو يذكر اسمها واسم أبيها واسم جدها حتى يكون متفقا عليه فيقع الأمن من أن يرفع إلى قاض يرى قول من لا يجوز وهو نصير بن يحيى فيبطل النكاح هذا كله إذا كان الشهود لا يعرفون المرأة أما إذا كانوا يعرفونها وهي غائبة فذكر اسمها لا غير، جاز النكاح إذا عرف الشهود أنه أراد به المرأة التي عرفوها؛ لأن المقصود من النسبة التعريف، وقد حصل باسمها ا هـ. وقد وقع في كثير من الفتاوى والاحتياط كشف وجهها أو ذكر اسمها بكلمة أو والصواب بالواو كما في عمدة الفتاوى للصدر الشهيد؛ لأن الاحتياط الجمع بينهما لا أحدهما.
وفي الخانية رجل أرسل رجلا ليخطب له امرأة بعينها فذهب الرسول وزوجها إياه جاز؛ لأنه أمره بالخطبة وتمام الخطبة بالعقد ا هـ. ويشترط للزوم عقد الوكيل موافقته في المهر المسمى فلذا قال في الخانية لو وكله في أن يزوجه فلانة بألف درهم فزوجها إياه بألفين إن أجاز الزوج جاز وإن رد بطل النكاح وإن لم يعلم الزوج بذلك حتى دخل بها فالخيار باق إن أجاز كان عليه المسمى لا غير، وإن رد بطل النكاح فيجب مهر المثل إن كان أقل من المسمى وإلا يجب المسمى وإن لم يرض الزوج بالزيادة، فقال الوكيل أنا أغرم الزيادة وألزمكما النكاح لم يكن له ذلك، ثم قال امرأة وكلت رجلا ليزوجها بأربعمائة درهم فزوجها الوكيل وأقامت مع الزوج سنة ثم زعم الزوج أن الوكيل زوجها منه بدينار وصدقه الوكيل في ذلك فلو كان الزوج مقرا أن المرأة لم توكله بدينار كانت المرأة بالخيار إن شاءت أجازت النكاح بدينار وليس لها غير ذلك وإن شاءت ردت النكاح ولها عليه مهر مثلها بالغا ما بلغ بخلاف ما تقدم؛ لأن ثمة المرأة رضيت بالمسمى فإذا بطل النكاح ووجب العقر بالدخول لا يزاد على ما رضيت أما هنا المرأة ما رضيت بالمسمى في العقد فكان لها مهر المثل بالغا ما بلغ وليس لها نفقة العدة وإن كان الزوج يدعي التوكيل بدينار وهي تنكر كان القول قولها مع اليمين، وهذا أمر يحتاط فيه وينبغي أن يشهد على أمرها وتجيزه بعد العقد إذا خالف أمرها، وكذا الولي إذا كانت بالغة يفعل ما يفعله الوكيل ا هـ.
"قوله: ونكاح العبد والأمة بغير إذن السيد موقوف كنكاح الفضولي "شرع في بيان الفضولي وبعض أحكامه وهو من يتصرف لغيره بغير ولاية ولا وكالة أو لنفسه وليس أهلا له، وإنما زدناه ليدخل نكاح العبد بغير إذن إن قلنا إنه فضولي وإلا فهو ملحق به في أحكامه.
والفضولي جمع فضل غلب في الاشتغال بما لا يعنيه وما لا ولاية له فيه فقول بعض الجهلة لمن يأمر بالمعروف أنت فضولي يخشى عليه الكفر وصفته أنه عقد صحيح غير نافذ والأصل أن كل عقد صدر من الفضولي وله مجيز انعقد موقوفا على الإجازة.

 

ج / 3 ص -197-       وقال الشافعي تصرفات الفضولي كلها باطلة؛ لأن العقد وضع لحكمه والفضولي لا يقدر على إثبات الحكم فيلغو ولنا أن ركن التصرف صدر من أهله مضافا إلى محله ولا ضرر في انعقاده فينعقد موقوفا حتى إذا رأى المصلحة فيه ينفذه، وقد يتراخى حكم العقد عن العقد وفسر المجيز في النهاية بقابل يقبل الإيجاب سواء كان فضوليا أو وكيلا أو أصيلا فإن كان له مجيز حالة العقد توقف وإلا بطل بيانه الصبي إذا باع ماله أو اشترى أو تزوج أو زوج أمته أو كاتب عبده أو نحوه يتوقف على إجازة الولي في حالة الصغر فلو بلغ قبل أن يجيزه الولي فأجازه بنفسه نفذ؛ لأنها كانت متوقفة ولا ينفذ بمجرد بلوغه ولو طلق الصبي امرأته أو خلعها أو أعتق عبده على مال أو دونه أو وهب أو تصدق أو زوج عبده أو باع ماله بمحاباة فاحشة أو اشترى بأكثر من القيمة بما لا يتغابن فيه أو غير ذلك مما لو فعله وليه لا ينفذ كانت هذه الصور باطلة غير متوقفة ولو أجازها بعد البلوغ لعدم المجيز وقت العقد إلا إذا كان لفظ الإجازة يصلح لابتداء العقد فيصح على وجه الإنشاء كأن يقول بعد البلوغ أوقعت ذلك الطلاق والعتاق ا هـ.
قال في فتح القدير، وهذا يوجب أن يفسر المجيز هنا بمن يقدر على إمضاء العقد لا بالقابل مطلقا ولا بالولي إذ لا توقف في هذه الصور وإن قبل فضولي آخر أو ولي لعدم قدرة الولي على إمضائها ا هـ. ومن الباطل لكونه لا مجيز له تزويجه أمة وتحته حرة أو أخت امرأته أو خامسة أو صغيرة في دار الحرب إذا لم يكن سلطان ولا قاض، وأما كفالة المكاتب وتوكيله بعتق عبده ووصيته بعين من ماله فصحيح إذا أجاز بعد عتقه إلا في الأول فبغير إجازة لما عرف في التبيين ودخل تحت تعريف الفضولي ما لو علق طلاق زوجة غيره بشرط فهو موقوف فإن أجاز الزوج تعلق فتطلق بوجود الشرط ولو وجد قبلها لم تطلق عندها إلا إذا وجد ثانيا بعدها كما في فتح القدير، ولذا قلنا من يتصرف ولم نقل من يعقد عقدا، ولذا فسر في فتح القدير المجيز بمن يقدر على الإمضاء لا بالقابل إذ ليس في اليمين قابل.
وفي التجنيس حر تزوج عشر نسوة بغير إذنهن فبلغهن الخبر فأجزن جميعا جاز نكاح التاسعة والعاشرة؛ لأنه لما تزوج الخامسة كان ردا لنكاح الأربع فلما تزوج التاسعة كان ردا لنكاح الأربع الآخر فبقي نكاح التاسعة والعاشرة موقوفا على إجازتهما. ا هـ.
وفي الخانية عبد تزوج امرأة بغير إذن المولى ثم امرأة ثم امرأة ثم امرأة فبلغ المولى فأجاز الكل فإن لم يكن دخل بهن جاز نكاح الثالثة؛ لأن الإقدام على نكاح الثالثة فسخ لنكاح الأولى والثانية فيتوقف نكاح الثالثة فينفذ بإجازة المولى وإن كان دخل بهن لا يصح نكاحهن؛ لأن الإقدام على نكاح الثالثة في عدة الأولى والثانية لم يصح فلم يكن فسخا لما قبلها فلا تصح إجازة المولى كما لو تزوجهن في عدة واحدة ا هـ. وهذا يوجب تقييد ما في التجنيس أيضا وقوله موقوف أي على الإجازة فلو تزوج بغير إذن السيد ثم أذن السيد لا ينفذ؛ لأن الإذن ليس

 

ج / 3 ص -198-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بإجازة فلا بد من إجازة العبد العاقد وإن صدر العقد منه كما في التجنيس وتثبت الإجازة لنكاح الفضولي بالقول والفعل فمن الأول أجزت ونحوه، وكذا نعم ما صنعت وبارك الله لنا وأحسنت وأصبت وطلقها إلا إذا قال المولى لعبده كما سيأتي في بابه ومن الثاني قبول المهر بخلاف قبول الهدية وقولها لا يعجبني هذا المهر ليس ردا فلها الإجازة ومن أحكام الفضولي أنه يملك فسخ ما عقده في بعض الصور دون بعض كما ذكره أصحاب الفتاوى قال في الظهيرية والفضولي في باب النكاح لا يملك الرجوع قبل الإجازة والوكيل في النكاح الموقوف يملك الرجوع قولا أو فعلا بيانه رجل وكل رجلا بأن يزوجه امرأة فزوجه امرأة بالغة بغير إذنها أو زوجها أبوها فلم يبلغها حتى نقض الوكيل النكاح قولا أو فعلا بأن يزوجه أختها صح ولو كان فضوليا والمسألة بحالها لا يملك وروي عن أبي يوسف في قوله الأول أن الفضولي يملك الرجوع أيضا والفضولي في باب البيع يملك الرجوع بالإجماع؛ لأن الرجوع فرار عن العهدة في باب البيع بخلاف النكاح وفي وجه الوكيل يملك الفسخ قولا لا فعلا بأن وكله بأن يزوجه امرأة بعينها فزوجها بغير رضاها ملك الوكيل نقضه قولا؛ لأنه وكيل فيه ولا يملك نقضه فعلا حتى لو زوجه أختها لا ينقض نكاح الأولى؛ لأنه فضولي في نكاح الثانية وفي وجه يملك الفسخ فعلا لا قولا نحو أن يوكل رجلا بأن يزوجه فأجاز الوكيل نكاحا باشره قبل ذلك صح استحسانا ولا يملك نقض هذا النكاح قولا؛ لأنه كان فضوليا حين عقده ويملك نقضه فعلا بأن يزوجه أختها من غير رضاها؛ لأنه وكيل في العقد الثاني. ا هـ.
فحاصله أن كل عقد صدر من الفضولي في النكاح فإنه لا يملك نقضه قولا ولا فعلا؛ لأنه لا عهدة عليه ليتخلص منها إلا إذا صار وكيلا بعده فله نقضه فعلا لضرورة امتثال ما وكل فيه، وإنما ملك الوكيل في الموقوف الفسخ مع أنه لا عهدة عليه أيضا لتنجيز مراد الموكل فإنه لم يحصل مقصوده بالموقوف فللوكيل الانتقال عنه إلى غيره، وإنما لم يجز له الفسخ فعلا في المسألة الثانية؛ لأن الموكل بتزوجها معينة فحيث زوجها له انتهت وكالته فلم يملك تزويجا آخر، ولذا كان فضوليا في الثاني وتفرع على الأصل المذكور ما لو زوج فضولي رجلا خمس نسوة في عقد متفرقة فللزوج أن يختار أربعا منهن ويفارق الأخرى بخلاف ما لو تزوج الرجل خمس نسوة في عقد متفرقة بغير رضاهن؛ لأن إقدامه على نكاح الخامسة يتضمن نقض نكاح الأربع دلالة بخلاف الفضولي لا يملك النقض لا صريحا ولا دلالة كذا في الظهيرية.
ومن أحكامه أيضا أن العقد النافذ من جانب إذا طرأ على غير نافذ من الجانبين يرفعه ولو طرأ موقوف على نافذ من أحد الجانبين لا يرفعه ولو طرأ نافذ من أحد الجانبين على نافذ من جانبه يرفعه بيانه رجل وكل رجلا بأن يزوجه امرأة بألف فزوجها إياه على خمسين دينارا بإذنها أو

 

ج / 3 ص -199-       ولا يتوقف شطر العقد على قبول ناكح غائب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بغير إذنها ثم زوجها بألف ينفسخ الأول ولو زوجها الوكيل إياه بألف درهم بغير إذنها ثم زوجها إياه بخمسين بغير إذنها يبقى الأول فإن أجازته جاز ويبطل الثاني؛ لأن الأول كان نافذا من وجه كذا في الظهيرية أيضا.
ثم اعلم أن إجازة نكاح الفضولي صحيحة بعد موت العاقد الفضولي بخلاف إجازة بيعه بعد موته ذكره الزيلعي في بيع الفضولي فعلى هذا يشترط قيام المعقود له وأحد العاقدين لنفسه فقط بخلاف البيع فإنه يشترط قيام أربعة مع الثمن إن كان عرضا.
"قوله: ولا يتوقف شطر العقد على قبول ناكح غائب "أي لا يتوقف الإيجاب على قبول من كان غائبا عن المجلس بل يبطل ولا يلحقه إجازة، وهذا بالاتفاق كما لو أوجب أحد المتعاقدين فلم يقبل الآخر في المجلس فإنه يبطل الإيجاب لا نعلم فيه خلافا ولا فرق في هذا بين البيع والنكاح وغيرهما من العقود فقوله ناكح ليس بقيد احترازي ثم اختلفوا في أن ما يقوم بالفضولي عقد تام فيصح أن يتولى الطرفين أو شطره فلا يتوقف فعند أبي حنيفة ومحمد شطر فيبطل وعند أبي يوسف عقد تام فيتوقف؛ لأنه لو كان مأمورا من الجانبين ينفذ فإذا كان فضوليا يتوقف فصار كالخلع والطلاق والإعتاق على مال ولهما أن الموجود شطر العقد؛ لأنه شطر حالة الحضرة فكذا عند الغيبة وشطر العقد لا يتوقف على ما وراء المجلس كما في البيع بخلاف المأمور من الجانبين؛ لأنه ينتقل كلامه إلى العاقدين وما يجري بين الفضوليين عقد تام فكذا الخلع واختاره؛ لأنه يمين من جانبه حتى يلزم فيتم به فتفرع على هذا الأصل ست صور ثلاثة اتفاقية وهي قول الرجل تزوجت فلانة أو المرأة تزوجت فلانا أو الفضولي زوجت فلانا من فلانة وقيل آخر في الثلاث فالعقد متوقف لحصول الشطرين وثلاثة خلافية هي هذه إذا لم يقبل أحد فلا تقوم عبارة الفضولي مقام عبارتين سواء تكلم بكلام واحد أو بكلامين حتى لو قال زوجت فلانا وقبلت عنه لم يتوقف على قولهما وهو الحق خلافا لما ذكر في الحواشي لاتفاق أهل المذهب في نقل قولهما على أن الفضولي الواحد لا يتولى الطرفين وهو مطلق ولو عبر به المصنف لكان أولى.
وحاصل متولي الطرفين بالقسمة العقلية عشرة واحد منها مستحيل وهو الأصيل من الجانبين وأربعة هي من منطوق المتن على الخلاف الفضولي من الجانبين والفضولي من جانب الوكيل من جانب والفضولي من جانب الأصيل من جانب والفضولي من جانب الولي من جانب فعندهما لا يتوقف كما قدمناه والخمسة الباقية مستفادة من مفهوم المتن وهي نافذة بالاتفاق الوكيل من الجانبين والولي من الجانبين والأصيل من جانب الولي من جانب والوكيل من جانب الأصيل من جانب والولي من جانب الوكيل من جانب ثم إذا تولى الطرفين في هذه

 

ج / 3 ص -200-       والمأمور بنكاح امرأة مخالف بامرأتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسائل الخمس فقوله زوجت فلانة من نفسي يتضمن الشطرين فلا يحتاج إلى القبول بعده، وكذا ولي الصغيرين القاضي وغيره والوكيل من الجانبين يقول زوجت فلانة من فلان وقال شيخ الإسلام خواهر زاده، وهذا إذا ذكر لفظا هو أصيل فيه أما إذا ذكر لفظا هو نائب فيه فلا يكفي فإن قال تزوجت فلانة كفى وإن قال زوجتها من نفسي لا يكفي؛ لأنه نائب فيه وعبارة الهداية صريحة في نفي هذا الاشتراط وصرح بنفيه في التجنيس أيضا في علامة غريب الرواية والفتاوى الصغرى قال رجل زوج بنت أخيه من ابن أخيه، فقال زوجت فلانة من فلان يكفي ولا يحتاج أن يقول قبلت، وكذا كل من يتولى طرفي العقد إذا أتى بأحد شطري الإيجاب يكفيه ولا يحتاج إلى الشطر الآخر؛ لأن اللفظ الواحد يقع دليلا من الجانبين كذا في فتح القدير.
"قوله: والمأمور بنكاح امرأة مخالف بامرأتين "; لأنه لا وجه إلى تنفيذهما للمخالفة ولا إلى التنفيذ في أحدهما غير عين للجهالة ولا إلى التعيين لعدم الأولوية فتعين التفريق عند عدم الإجازة وهو مراد صاحب الهداية بدليل أنه قال في صدر المسألة لم تلزمه واحدة منهما فكان كلامه مستقيما فاندفع به ما ذكره الشارح من عدم استقامته، ولذا عبر المصنف بالمخالفة ليفيد عدم النفاذ وأنه عقد فضولي وإن أجاز نكاحهما أو إحداهما نفذ فيه بالأمر بواحدة؛ لأنه لو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجه واحدة جاز إلا إذا قال لا تزوجني إلا امرأتين في عقدة واحدة فحينئذ لا يجوز كذا في غاية البيان.
ومثله في المحيط لو أمره أن يزوجه امرأتين في عقدة فزوجهما في عقدتين جاز ولو قال لا تزوجني امرأتين إلا في عقدتين فزوجهما في عقدة لا يجوز والفرق أن في الأول أثبت الوكالة حالة الجمع ولم ينف الوكالة حال التفرد نصا بل سكت عنه والتنصيص على الجمع لا يدل على نفي ما عداه وفي العقد الثاني نفى الوكالة حالة التفرد والنفي مفيد؛ لأن فائدته في الجمع أكثر لما فيه من تعجيل مقصوده فلا بد من مراعاة النفي فلم يصر وكيلا حالة الانفراد ا هـ.
وهذا بخلاف البيع لو أمره أن يشتري ثوبين في صفقة لا يملك التفريق؛ لأن الثياب إذا اشتريت جملة تؤخذ بأرخص مما تشترى على التفاريق فاعتبر قوله فيه، فأما هاهنا بخلافه كذا في النهاية وفي الخانية لو وكله أن يزوجه فلانة أو فلانة فأيتهما زوجه جاز ولا يبطل التوكيل بهذه الجهالة وإن زوجهما جميعا في عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما كما لو وكل رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقدة واحدة لم يجز ا هـ.
وقيد بكون المرأة منكرة أخذا من التنكير؛ لأنه لو عينها فزوجها وأخرى معها تلزمه المعينة وقيد في الهداية نكاح المرأتين بأن يكون في عقد واحد؛ لأنه لو زوجهما في عقدتين تلزمه

 

 

ج / 3 ص -201-       لا بأمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأولى ونكاح الثانية موقوف على الإجازة؛ لأنه فضولي فيه، ولذا قال في المختصر بامرأتين ولم يقل بعقدين وفرعوا على أن التنصيص على الشيء لا ينفي الحكم عما عداه لو قال زوج ابنتي هذه رجلا يرجع إلى علم ودين بمشورة فلان وفلان فزوجها رجلا على هذه الصفة من غير مشورة فإنه يجوز كما في الخانية. وأما إذا قال له بع عبدي هذا بشهود أو بمحضر فلان فباعه بغير شهود أو بغير محضر فلان فإنه يجوز بخلاف ما إذا قال لا تبعه إلا بشهود فباعه بغير شهود فإنه لا يجوز كما في الظهيرية.
"قوله: لا بأمة "أي لا يكون المأمور بنكاح امرأة مخالفا بنكاح أمة لغيره فينفذ على الموكل عند أبي حنيفة رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة وقالا لا يجوز أن يزوجه كفؤا؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو التزوج بالأكفاء قلنا العرف مشترك أو هو عرف عملي فلا يصح مقيدا وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما؛ لأن كل واحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء كذا في الهداية وظاهره ترجيح قولهما؛ لأن الاستحسان مقدم على القياس إلا في مسائل معدودة ليس هذا منها، ولذا قال الإسبيجابي قولهما أحسن للفتوى واختاره أبو الليث وفي فتح القدير والحق أن قول أبي حنيفة ليس قياسا؛ لأنه أخذ بنفس اللفظ المنصوص فكان النظر في أي الاستحسانين أولى ا هـ.
قيد بكونه أمره بنكاح امرأة ولم يصفها؛ لأنه لو وكله بتزويج حرة فزوجه أمة أو عكسه لم يجز ولو زوجه في عكسه مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة جاز وأطلق في الآمر فشمل الأمير وغيره ووضعها في الهداية في الأمير ليفيد أن غيره بالأولى.
وقيد بكون الآمر رجلا؛ لأنها لو وكلته في تزويجها ولم تعين فزوجها غير كفء كان مخالفا على قول أبي حنيفة أيضا على الأصح كما في الخانية لاعتبارها من جهة الرجال وإن كان كفؤا إلا أنه أعمى أو مقعد أو صبي أو معتوه فهو جائز، وكذا لو كان خصيا أو عنينا وإن كان لها التفريق بعد ذلك.
وأفاد المصنف أن الأمر المطلق يجري على إطلاقه ولا يجوز تقييده إلا بدليل وأن العرف المشترك لا يصح مخصصا فالوكيل بتزويج امرأة ليس مخالفا لو زوجه عمياء أو شوهاء فوهاء لها لعاب سائل وعقل زائل وشق مائل أو شلاء أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها أو كتابية أو امرأة حلف بطلاقها أو زوجه امرأة على أكثر من مهر مثلها ولو بغبن فاحش عند الإمام أو زوجها رجلا بأقل من مهر مثلها كذلك أو امرأة كان الموكل آلى منها أو في عدة الموكل والأصيل أن الوكيل إذا خالف إلى خير أو كان خلافه كلا خلاف نفذ عقده كما لو أمره بعمياء

 

ج / 3 ص -202-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فزوجه بصيرة وليس منه ما إذا أمره بالفاسد فزوجه صحيحا بل لا يجوز لعدم الوكالة بالنكاح أصلا وأما العدة بعد الدخول فيه وثبوت النسب فليس حكما له بل للوطء إذ لم يتمحض زنا بخلاف أمره بالبيع الفاسد له البيع صحيحا وليس منه أيضا ما إذا وكله بألف فلم ترض المرأة حتى زادها الوكيل ثوبا من مال نفسه فإنه موقوف على إجازة الزوج لكونه ضررا على تقدير استحقاق الثوب أو هلاكه قبل التسليم فإنها ترجع بقيمته على الزوج لا الوكيل كما في الذخيرة وللزوج الخيار وإذا دخل بها قبل العلم وإن اختار التفريق فكالنكاح الفاسد وليس منه أيضا ما إذا أمره ببيضاء فزوجه سوداء أو على القلب أو من قبيلة كذا فزوجه من أخرى فإنه غير نافذ.
وقيدنا بكون الأمة لغيره؛ لأنه لو زوجه أمة نفسه ولو مكاتبته كما في المحيط فإنه لا ينفذ للتهمة كما لو زوجه بنته فإن كانت صغيرة لا يجوز اتفاقا، وكذا موليته كبنت أخيه الصغيرة وإن كانت كبيرة فكذلك عنده خلافا لهما ولو زوجه أخته الكبيرة برضاها جاز اتفاقا والوكيل من قبل المرأة إذا زوجها من أبيه أو ابنه لا يجوز في قول أبي حنيفة وفي كل موضع لا ينفذ فعل الوكيل فالعقد موقوف على إجازة الموكل وحكم الرسول كحكم الوكيل في جميع ما ذكرنا وضمانهما المهر صحيح وإنكار المرسل والموكل الرسالة والوكالة بعد الضمان ولا بينة لا يسقط الضمان عنهما فيجب نصف المهر وتوكيل المرأة المتزوجة بالتزويج إذا طلقت وانقضت عدتها صحيح كتوكيله أن يزوجه فلانة وهي متزوجة فطلقت وحلت فزوجها فإنه صحيح وإذا زوج الوكيل موكله زوجة الغير أو معتدته أو أم امرأته ودخل بها الموكل غير عالم ولزمه المهر فلا ضمان على الوكيل كما في الخانية وفي الذخيرة الوكيل بتزويج امرأة إذا زوجه امرأة على عبد للوكيل أو عرض له فهو نافذ ولزم الوكيل تسليمه وإذا سلم لا يرجع على الزوج بشيء ولو كان مكان النكاح خلعا يرجع على المرأة بما أدى ولو زوجه الوكيل امرأة بألف من ماله بأن قال زوجتك هذه المرأة بألف من مالي أو بألفي هذه جاز والمال على الزوج ولا يطالب الوكيل بالألف المشار إليه لعدم تعينها في المعاوضات وتمامه فيها.
وفي المحيط ولو زوجه على عبد الزوج جاز استحسانا وعلى الزوج قيمة عبده لا تسليم عينه والله تعالى أعلم.

2- باب المهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- باب المهر
هو حكم العقد فيتعقبه في الوجود فعقبه في البيان ليحاذي بتحقيقه الوجودي تحقيقه التعليمي وفي الغاية له أسام المهر والنحلة والصداق والعقر والعطية والأجرة والصدقة والعلائق والحباء.

 

ج / 3 ص -203-       صح النكاح بلا ذكره، وأقله عشرة دراهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: صح النكاح بلا ذكره "; لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة فيتم بالزوجين ثم المهر واجب شرعا إبانة لشرف المحل فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح، وكذا إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بيناه واستدل له في غاية البيان بقوله تعالى:
{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] فقد حكم بصحة الطلاق مع عدم التسمية ولا يكون الطلاق إلا في النكاح الصحيح فعلم أن ترك التسمية لا يمنع صحة النكاح، وذكر الأكمل والكمال أنه لا خلاف لأحد في صحته بلا ذكر المهر.
"قوله: وأقله عشرة دراهم "أي أقل المهر شرعا للحديث
"لا مهر أقل من عشرة دراهم" وهو وإن كان ضعيفا فقد تعددت طرقه والمنقول في الأصول أن الضعيف إذا تعددت طرقه فإنه يصير حسنا إذا كان ضعفه بغير الفسق ولأنه حق الشرع وجوبا إظهارا لشرف المحل فيقدر بما له خطر وهو العشرة استدلالا بنصاب السرقة.
أطلق الدراهم فشمل المصكوك وغيره فلو سمى عشرة تبرا أو عرضا قيمته عشرة تبرا لا مضروبة صح، وإنما تشترط المصكوكة في نصاب السرقة للقطع تقليلا لوجود الحد وشمل الدين والعين فلو تزوجها على عشرة دين له على فلان صحت التسمية؛ لأن الدين مال فإن شاءت أخذته من الزوج وإن شاءت ممن عليه الدين كذا في المحيط زاد في الخانية ويؤاخذ الزوج حتى يوكلها بقبض الدين من المديون ا هـ. فقد جعلوا الدين مالا هنا وأدخلوه تحت قوله تعالى:
{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] ولم يجعلوه مالا في الزكاة فلم يجز الدين عن العين ولا في الأيمان فلو حلف لا مال له وله دين على موسر لا يحنث وشمل الدية أيضا، ولذا قال في الظهيرية ولو تزوجها على ما وجب له من الدية على عاقلتها فلا شيء لها على عاقلتها؛ لأنها مؤدية عنهم وفي المحيط لو تزوجها على عيب عبد اشتراه منها جاز؛ لأنها لما تزوجت على عيبه صارت مقرة بحصة العيب؛ لأن النكاح لا بد له من مهر فيكون نكاحا بمال فإن كانت قيمة العيب عشرة فهو مهرها وإلا يكمل عشرة. ا هـ.
ومراد المصنف أن أقله عشرة أو ما يقوم مقامها بالقيمة واختلف في وقت القيمة فظاهر الرواية أن الاعتبار وقت العقد ولا اعتبار ليوم القبض فلو كانت قيمته يوم العقد عشرة وصارت يوم التسليم ثمانية فليس لها إلا هو ولو كان على عكسه لها العرض المسمى ودرهمان ولا فرق

 

ج / 3 ص -204-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ذلك بين الثوب والمكيل والموزون؛ لأن ما جعل مهرا لم يتغير في نفسه، وإنما التغيير في رغبات الناس كذا في البدائع.
وفي المحيط ولو تزوجها على ثوب وقيمته عشرة فقبضته وقيمته عشرون وطلقها قبل الدخول والخلوة والثوب مستهلك ردت عشرة؛ لأنه إنما دخل في ضمانها بالقبض فتعتبر قيمته يوم القبض ا هـ.
فالحاصل أن الاعتبار ليوم العقد في حق التسمية وليوم القبض في حق دخوله في ضمانها وفي الذخيرة النكاح إذا أضيف إلى دراهم عين لا يتعلق بعينها، وإنما يتعلق بمثلها دينا في الذمة وإذا أضيف إلى دراهم دين في ذمة المرأة تتعلق بعينها ولا يتعلق بمثلها دينا في الذمة؛ لأن المهر عوض من وجه من حيث إنه ملك بمقابلة شيء صلة من وجه من حيث إنه لا مالية لما يقابله من كل وجه حتى يجب الحيوان دينا في الذمة في النكاح والدراهم تتعين في الصلات لا في المعاوضات فعلمنا بحقيقة المعاوضة إذا أضيف إلى الدراهم العين فتعلق بمثلها وعملنا بمعنى الصلة إذا أضيف إلى الدين فتعلق بعينها عملا بالشبهين.
وفائدة الأول لو تزوجها أحد الدائنين على حصته من دين لهما عليها فليس للساكت مشاركته لتعلقه بعين الحصة.
وفائدة الثاني لو تزوجها أحدهما على دراهم مطلقة بقدر حصته من الدين وصار قصاصا فلشريكه أن يأخذ منه نصفها لتعلقه بمثلها والدين إذا كان على غير المرأة فهو كالعين يتعلق النكاح بمثله؛ لأنه لو تعلق بالعين لكان تمليك الدين من غير من عليه الدين بخلاف ما إذا كان عليها وفائدته أنها مخيرة إن شاءت أخذت من الزوج وإن شاءت من العاقلة ا هـ.
والأخير مخالف لما قدمناه عن الظهيرية ويمكن التوفيق بأن ما في الذخيرة مصور بأنه تزوجها على أرش له على عاقلتها وأمرها بقبض ذلك وما في الظهيرية خال عن الآمر بالقبض، وقد علم أنه لو تزوجها على دراهم وأشار إليها فله إمساكها ودفع مثلها ولو دفع الدراهم إليها ثم طلقها قبل الدخول لا يتعين عليها رد عين نصفها، وإنما يتعين رد مثلها كما في جامع الفصولين وفرع عليه ما إذا كان المهر ألفا دفعه إليها وحال الحول ووجبت الزكاة عليها ثم طلقها قبل الدخول فإنه لا يسقط عنها زكاة النصف؛ لأنه لما لم يتعين رد العين كان بمنزلة دين حادث. ا هـ.
ومن أحكام المهر أنه يصح تأجيله إلى وقت مجهول كالحصاد والدياس وهو الصحيح ولو

 

ج / 3 ص -205-       فإن سماها أو دونها فلها عشرة بالوطء أو بالموت وبالطلاق قبل الدخول يتنصف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تزوجها بألف درهم على أن ينقد ما تيسر له والبقية إلى سنة كان الألف كله إلى سنة إلا أن تقيم المرأة البينة أنه تيسر له منها شيء أو كله فتأخذه كذا في الظهيرية.
"قوله: فإن سماها أو دونها فلها عشرة بالوطء أو بالموت "; لأن بالدخول يتحقق تسليم المبدل وبه يتأكد البدل وبالموت ينتهي النكاح نهايته والشيء بانتهائه يتقرر ويتأكد فيتقرر بجميع مواجبه وسيأتي أن الخلوة كالوطء.
فحاصله أن المهر يجب بالعقد ويتأكد بإحدى معان ثلاث وينبغي أن يزاد رابع وهو وجوب العدة عليها منه كما سيأتي في العدة لو طلقها بائنا بعد الدخول ثم تزوجها ثانيا في العدة وجب كمال المهر الثاني بدون الخلوة والدخول؛ لأن وجوب العدة عليها فوق الخلوة وينبغي أن يزاد خامس وهو ما لو أزال بكارتها بحجر ونحوه فإن لها كمال المهر كما صرحوا به بخلاف ما إذا أزالها بدفعة فإنه يجب النصف لو طلقها قبل الدخول ولو دفعها أجنبي فزالت بكارتها وطلقت قبل الدخول وجب نصف المسمى على الزوج وعلى الأجنبي نصف صداق مثلها، وإنما لم يجب مهر المثل إذا سمى دون العشرة كما قال زفر؛ لأن فساد هذه التسمية لحق الشرع، وقد صار مقضيا بالعشرة، فأما ما يرجع إلى حقها فقد رضيت بالعشرة لرضاها بما دونها ولا معتبر بانعدام التسمية؛ لأنها قد ترضى بالتمليك من غير عوض تكرما ولا ترضى فيه بالعوض اليسير، وقد علم حكم الأكثر بالأولى؛ لأن التقدير في المهر يمنع النقصان فقط وفي المحيط والظهيرية لو تزوجها على ألفين ألف منها لله تعالى أو للخاطب أو لولدي أو لفلان فالمهر ألف؛ لأن هذا استئناء في كلام واحد.
وفي الظهيرية لو تزوجها على غنم بعينها على أن أصوافها لي كان له الصوف استحسانا ولو تزوجها على جارية حبلى على أن ما في بطنها تكون له الجارية وما في بطنها لها ا هـ. وكله؛ لأن الحمل كجزئها فلم يصح استثناؤه.
وفي الولوالجية والخانية لو تزوجها على ألف درهم من نقد البلد فكسدت وصار النقد غيرها كان على الزوج قيمة تلك الدراهم يوم كسدت هو المختار ولو كان مكان النكاح بيعا فسد البيع؛ لأن الكساد بمنزلة الهلاك وهلاك البدل يوجب فساد البيع بخلاف النكاح ا هـ.
"قوله: وبالطلاق قبل الدخول يتنصف "أي المسمى لقوله تعالى:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ

 

ج / 3 ص -206-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الآية والأقيسة متعارضة ففيه تفويت الزوج الملك على نفسه باختياره وفيه عود المعقود عليه إليها سالما فكان المرجع فيه النص كذا في الهداية وهو بيان للواقع؛ لأنه جواب سؤال مقدر كما فهمه الشارحون وتمامه في فتح القدير وشمل الدخول الخلوة لما في المجتبى ولم يذكر الخلوة مع أنها شرط لما أن اسم الدخول يشملها؛ لأنها دخول حكما ا هـ.
وظاهر قوله يتنصف أن النصف يعود إلى ملك الزوج وأطلقه وفيه تفصيل فإن كان المهر لم يسلمه إليها عاد إلى ملك الزوج نصفه بمجرد الطلاق وإن كان مقبوضا لها فإنه لا يبطل ملك المرأة في النصف إلا بقضاء أو رضا؛ لأن الطلاق قبل الدخول أوجب فساد سبب ملكها في النصف وفساد السبب في الابتداء لا يمنع ثبوت ملكها بالقبض فأولى أن لا يمنع بقاءه فلو أعتق الزوج العبد المهر المقبوض بعد الطلاق قبله لم ينفذ في شيء منه ولو قضى القاضي بعد ذلك يعود نصفه إلى ملكه؛ لأنه عتق سبق ملكه فلم ينفذ ونفذ عتق المرأة في الكل، وكذا بيعها وهبتها لبقاء ملكها في الكل قبل القضاء والرضا وإذا نفذ تصرفها فقد تعذر عليها رد النصف بعد وجوبه فتضمن نصف قيمته للزوج يوم قبضت ولو وطئت الجارية بشبهة فحكم العقر حكم الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل كالأرش؛ لأنه بدل من جزء من عينها فإن المستوفى بالوطء في حكم العين.
وفي الظهيرية ولو زاد المهر زيادة منفصلة كالولد والثمر والأرش والعقر قبل القبض فكلها تتنصف بالطلاق قبل الدخول وبعد القبض لا تتنصف وعليها نصف قيمة الأصل يوم قبضت، وكذلك لو ارتدت والعياذ بالله تعالى أو قبلت ابن الزوج وإن كانت بدل المنافع كالكسب والغلة والموهوب للمهر فهي للمرأة وليست بمهر عند أبي حنيفة وعندهما يتنصف مع الأصل، وكذلك على هذا كسب المبيع قبل القبض ولو آجره الزوج فالأجرة له ولزمه التصدق بها والزيادة المتصلة قبل القبض تتنصف بالإجماع وبعد القبض تتنصف عند محمد خلافا لهما والزيادة المنفصلة بعد القبض إذا هلكت يتنصف الأصل دون الزيادة ولو استولد الزوج الجارية الممهورة قبل القبض وادعى نسب الولد ثم طلقها قبل الدخول تتنصف الجارية والولد؛ لأن العلوق وجد في ملك الغير فلم تصح الدعوة وذكر في كتاب الدعوى أنه يثبت النسب وتصير الجارية أم ولد له؛ لأنه عاد إليه قديم ملكه وعتق نصف الولد بإقراره؛ لأنه جزء منه ويسعى الولد في نصف قيمته للمرأة على الروايتين جميعا.
ثم اعلم أن حاصل الزيادة في المهر أنها إذا حدثت بعد قبض المرأة ثم طلقها قبل

 

ج / 3 ص -207-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدخول فإنها لا تتنصف سواء كانت متصلة متولدة أو منفصلة متولدة أولا إلا متصلة متولدة عند محمد وأما إذا حدثت قبل القبض فإن المتولدة تتنصف متصلة أو منفصلة وغير المتولدة لا تتنصف وفي خيار العيب الزيادة المتولدة متصلة أو منفصلة غير متولدة وأنها لا تمنع الرد به والمتصلة غير المتولدة والمنفصلة المتولدة يمنعان الرد به وفي البيع الفاسد كل زيادة فإنها لا تمنع الاسترداد والفسخ إلا زيادة متصلة غير متولدة وفي باب الرجوع في الهبة فإن الزيادة المتصلة متولدة أو غير متولدة مانعة من الرجوع والمنفصلة متولدة أولا غير مانعة وفي باب الغصب لا يمنع من رد العين إلا الزيادة المتصلة الغير المتولدة التي لا يمكن فصل المغصوب عنها فلتحفظ هذه المواضع فإنها نفيسة وأما المتصلة الغير المتولدة كالصبغ في مسألة الزيادة في المهر فخارجة عن البحث.
واعلم بأن الأوصاف لا تفرد بالعقد ولا تفرد بضمان العقد والإتلاف يرد على الأوصاف فأمكن إظهار حكم الإتلاف فيها فنقول إذا حدث في المهر عيب سماوي إن شاءت أخذته ناقصا بلا غرمه النقصان وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد وإن حدث بفعل الزوج فإن شاءت أخذته وقيمة النقصان وإن شاءت أخذت قيمته يوم العقد وإن حدث بفعل الزوج صارت قابضة وإن حدث بفعل أجنبي فإن شاءت أخذته وقيمة النقصان من الأجنبي وإن شاءت أخذت قيمته من الزوج ولا حق لها في النقصان وإن حدث بفعل المهر فكالآفة السماوية في رواية وفي ظاهر الرواية هو كحكم جناية الزوج والحدوث بفعل المهر أن يكون المهر عبدا فقطع يده أو فقأ عينه وإذا قبضت المهر فتغيب بفعلها أو بآفة سماوية أو بفعل المهر قبل الطلاق أو بعده قبل الحكم بالرد فإن شاء الزوج أخذ نصفه ولا يضمنها النقصان وإن شاء ضمنها نصف قيمته صحيحا يوم القبض وإن كان ذلك بعد الطلاق والحكم بالرد فللزوج أن يأخذه ونصف الأرش وإن تعيب بفعل الأجنبي يضمنها نصف القيمة لا غير وإن تعيب بفعل الزوج فهو بالخيار كما في الأجنبي كذا في الظهيرية فصار حاصل وجوه النقصان عشرين لأنه إما أن يكون بآفة سماوية أو بفعله أو بفعلها أو بفعل المهر أو بفعل الأجنبي وكل من الخمسة على أربعة؛ لأنه إما أن يكون في يد الزوج أو في يدها قبل الطلاق أو في يدها بعده قبل الحكم بالرد أو بعده بعد الحكم وأحكامها مذكورة كما أن حاصل وجوه الزيادة ثمانية؛ لأنها إما أن تكون متصلة متولدة أولا أو منفصلة متولدة أولا وكل منها إما أن تكون في يده أو في يدها والأحكام مذكورة إلا حكم المتصلة الغير المتولدة كالصبغ لظهور أنها لا تتنصف وينبغي أن تكون وجوه النقصان خمسة وعشرين فإن النقصان في يد الزوج أعم من أن يكون قبل الطلاق أو بعده فهي خمسة في خمسة.
وإذا ولدت الجارية الممهورة في يد الزوج فهلكا ثم طلقها قبل الدخول بها أخذت نصف

 

ج / 3 ص -208-       وإن لم يسمه أو نفاه فلها مهر مثلها إن وطئ أو مات عنها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيمة الأم لا غير وإن قتلهما الزوج فإن شاءت ضمنته نصف قيمة الأم يوم العقد وإن شاءت ضمنت عاقلته نصف قيمتها وتضمن العاقلة نصف قيمة الولد يوم القتل ولا يضمن الزوج نقصان الولادة إلا أن يكون فاحشا ولو تزوجها على زرع بقل فاستحصد الزرع في يدها ثم طلقها قبل الدخول بها فلا سبيل للزوج على الزرع. ولو تزوجها على عشرين شاة عجفاء فحملت في يدها ودر اللبن في ضروعها ثم طلقها قبل الدخول بها يأخذ الزوج نصفها.
ولو تزوجها على أرض قراح على أنها ثلاثون جريبا فإذا هي عشرون إن شاءت أخذت القراح ناقصا لا غير، وإن شاءت أخذت قيمته ثلاثين جريبا مثل هذه الأرض ولو تزوجها على نخل صغار فطالت وكبرت في يدها ثم طلقها قبل الدخول بها فلها نصفها نص عليه في المنتقى قال رحمه الله وعندي هذا محمول على قول محمد؛ لأن المذهب عنده أن الزيادة المتصلة لا تمنع التنصيف ا هـ. ما في الظهيرية بحروفه.
وينبغي أن تكون مسألة الشاة كمسألة النخل محمولة على قول محمد وظاهر ما في المختصر أن بالطلاق قبل الدخول يسقط نصف المهر ويبقى النصف وهو قول المحققين، وقيل يسقط كله ويجب نصف المهر بطريق المتعة واختاره في الهداية في باب الرجوع عن الشهادات.
قال في الجوهرة وفائدته أنه لو تزوجها على مائة درهم ورهنها بها رهنا ثم طلقها فعلى القول الأول لها إمساك الرهن وعلى الثاني لا ا هـ. وفي البدائع ضعف القول بسقوط الكل ثم إيجاب النصف بأنه لا فائدة فيه وأن طريق أصحابنا هو الأول وذكر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد في الرهن فعند محمد هو رهن بها وعند أبي يوسف لا وفي القنية افترقا، فقالت افترقنا بعد الدخول وقال الزوج قبل الدخول فالقول قولها؛ لأنها تنكر سقوط نصف المهر ا هـ.
وفيها أيضا لو تبرع بالمهر عن الزوج ثم طلقها قبل الدخول أو جاءت الفرقة من قبلها يعود نصف المهر في الأول والكل في الثاني إلى ملك الزوج بخلاف المتبرع بقضاء الدين إذا ارتفع السبب يعود إلى ملك القاضي إن كان بغير أمره وتمامه فيها من كتاب المداينات.
"قوله: وإن لم يسمه أو نفاه فلها مهر مثلها إن وطئ أو مات عنها "لما روي في السنن والجامع الترمذي عن عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم

 

ج / 3 ص -209-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يفرض لها الصداق، فقال لها الصداق كاملا وعليها العدة ولها الميراث، فقال معقل بن سنان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في تزويج بنت واشق. قال الترمذي هو حسن صحيح ولأنه حق الشرع وجوبا، وإنما يصير حقها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون النفي.
ومن صوره ما إذا تزوجها على ألف على أن ترد إليه ألفا؛ لأن الألف بمقابلة مثلها فبقي النكاح بلا تسمية كما في المحيط.
ومنها ما إذا تزوجها على عبدها وليس منها ما إذا تزوجها على عبد الغير فإنه إذا لم يجز مالكه وجبت قيمته.
ومنها ما في القنية قالت زوجت نفسي منك بخمسين دينارا وأبرأتك من الخمسين، فقال قبلت ينعقد بمهر المثل لعدم التسمية.
ومنها ما فيها تزوجتك بمهر جائز في الشرع وجب مهر المثل ولا ينصرف إلى العشرة؛ لأن مهر المثل جائز شرعا أيضا وفي المعراج لها العشرة.
ومنها ما إذا تزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم رجل آخر أو على ما في بطن جاريتي أو أغنامي كما في فتح القدير.
ومنها ما في الظهيرية لو تزوجها على أن يهب الزوج لأبيها ألف درهم كان لها مهر المثل وهب لأبيها ألفا أو لم يهب فإن وهب كان له أن يرجع في الهبة.
ومنها ما فيها أيضا لو تزوجها على دراهم كان لها مهر المثل ولا يشبه الخلع ومنها تسمية المحرم ومنها تسمية المجهول جهالة فاحشة كما سيأتي كما إذا تزوجها على ما يكسبه العام أو يرثه كما في البدائع ومنها تسمية ما لا يصلح مهرا كتأخير الدين عنها سنة والتأخير باطل كما في الظهيرية أو أبرئ فلان من الدين فيجب مهر المثل كما في الخانية وليس منها ما إذا تزوجها على حجة فإن لها قيمة حجة وسط لا مهر المثل كما في الظهيرية وفسر في المعراج الوسط بركوب الراحلة وليس منها ما إذا تزوجها على عتق أخيها عنها فإنه لا شيء لها لثبوت الملك لها اقتضاء في الأخ بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أخيها أو طلاق ضرتها فإنه يجب مهر المثل؛ لأنهما ليسا بمال وتمامه في المحيط.

 

ج / 3 ص -210-       والمتعة إن طلقها قبل الوطء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم أن وجوب مهر المثل بتمامه عند عدم التسمية مشروط بأن لا يشترط الزوج عليها شيئا لما في الولوالجية والمحيط لو تزوجها على أن تدفع إليه هذا العبد يقسم مهرها على قيمة العبد وعلى مهر مثلها؛ لأن المرأة بذلت البضع والعبد بإزاء مهر مثلها والبدل ينقسم على قدر قيمة المبدل فما أصاب قيمة العبد فالبيع فيه فاسد؛ لأنها باعته بشيء مجهول والباقي يصير مهرا. ا هـ.
ويخالفه ما نقلاه أيضا لو قال لامرأة أتزوجك على أن تعطيني عبدك هذا فقبلت جاز النكاح بمهر المثل ولا شيء له من العبد فيحتاج إلى الفرق، وقد يقال إن في الثانية لم يجعل العبد مبيعا بل هبة فلا ينقسم مهر المثل على العبد وعلى مهر المثل بدليل أنه ذكر الإعطاء والعطية الهبة وفي الأولى جعل العبد مبيعا فانقسم مهر المثل بدليل أنه ذكر الدفع لا الإعطاء وأما إذا تزوجها على ألف على أن تدفع إليه هذا العبد، فقال في المحيط صح النكاح والبيع؛ لأن البيع مشروط في النكاح، فأما النكاح غير مشروط في البيع فثبت البيع ضمنا للنكاح ولو قال في المختصر أو مات أحدهما لكان أولى؛ لأن موتها كموته كما في التبيين وليس من صور عدم التسمية ما لو تزوجت بمثل مهر أمها والزوج لا يعلم مقدار مهر أمها فإنه جائز بمقدار مهر أمها ولو طلقها الزوج قبل الدخول بها فلها نصف ذلك وللزوج الخيار إذا علم مقدار مهر أمها كما لو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا ثم علم بوزنه ولا خيار للمرأة كذا في الذخيرة وليس منها ما إذا افترقا وبقي عليه عشرة دنانير من المهر ثم تزوجها بتلك العشرة فإن المصرح به في القنية أنه تزوج بمثل العشرة فيكون المهر عشرة أخرى غير عشرة الدين.
"قوله: والمتعة إن طلقها قبل الوطء "أي لها المتعة إن لم يسم شيئا وطلقها قبل الوطء والخلوة لقوله تعالى
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] الآية ثم هذه المتعة واجبة رجوعا إلى الأمر ولا يكون لفظ المحسنين قرينة صارفة إلى الندب؛ لأن المحسن أعم من المتطوع والقائم بالواجب أيضا فلا ينافي الوجوب مع ما انضم إليه من لفظ حقا وعلى.
وفي الأسرار للدبوسي قال علماؤنا والمتعة بعد الطلاق قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه تجب خلفا عن مهر المثل الذي كان واجبا به قبل الطلاق بدلا عن الملك الواقع بالعقد للرجل على المرأة في الحالين جميعا ا هـ.
ثم اعلم أن المتعة إنما تجب في موضع لم تصح التسمية من كل وجه أما إذا صحت من وجه دون وجه فإنه لا تجب المتعة وإن وجب مهر المثل بالدخول كما إذا تزوجها على ألف درهم وكرامتها أو على ألف وعلى أن يهدي لها هدية وأنه إذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف

 

ج / 3 ص -211-       وهي درع وخمار وملحفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الألف لا المتعة مع أنه لو دخل بها وجب مهر المثل لا ينقص من الألف كما في غاية البيان؛ لأن المسمى لم يفسد من كل وجه؛ لأنه على تقدير كرامتها والإهداء يوجب الألف لا مهر المثل.
قيد بالطلاق والمراد منه فرقة جاءت من قبله ولم يشاركه صاحب المهر في سببها طلاقا كانت أو فسخا كالطلاق والفرقة بالإيلاء واللعان والجب والعنة وردته وإبائه الإسلام وتقبيله ابنتها أو أمها بشهوة للاحتراز عن فرقة جاءت من قبلها قبل الدخول فإنه لا متعة لها لا وجوبا ولا استحبابا كما في فتح القدير كما لا يجب نصف المسمى لو كان موجودا كردتها وإبائها الإسلام وتقبيلها ابنه بشهوة والرضاع وخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة.
وقيدنا بأنه لم يشاركه في سبيها للاحتراز عما إذا اشترى منكوحته من المولى أو اشتراها وكيله منه فإن مالك المهر يشارك الزوج في السبب وهو الملك فلذا لا تجب المتعة ولا نصف المسمى بخلاف ما لو باعها المولى من رجل ثم اشتراها الزوج منه فإنها واجبة كما في التبيين.
"قوله: وهي درع وخمار وملحفة "وهو مروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما ودرع المرأة بالدال المهملة ما تلبسه فوق القميص وهو مذكر والخمار ما تغطي به المرأة رأسها والملحفة هي الملاءة وهي ما تلتحف به المرأة كذا في المغرب ولم يذكر في الذخيرة الدرع، وإنما ذكر القميص وهو الظاهر.
وفي المعراج قال فخر الإسلام هذا في ديارهم أما في ديارنا تلبس أكثر من ذلك فيزاد على هذا إزار ومكعب ا هـ.
وفي البدائع ولو أعطاها قيمة الأثواب دراهم أو دنانير تجبر على القبول؛ لأن الأثواب ما وجبت لعينها بل من حيث إنها مال كالشاة في خمس من الإبل في باب الزكاة ا هـ.
ولم يذكر المصنف اعتبارها بحاله أو بحالها للاختلاف فالكرخي اعتبر حالها واختاره القدوري فإن كانت سفلة فمن الكرباس وإن كانت وسطة فمن القز وإن كانت مرتفعة الحال فمن الإبريسم فإنها بدل بضعها فتعتبر بحالها والإمام السرخسي اعتبر وصححه في الهداية عملا بقوله تعالى
{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] لكن ليس على إطلاقه قالوا فلا تزاد على نصف مهر مثلها؛ لأن الحق عند التسمية آكد وأثبت منه عند عدم التسمية ثم عندها لا يزاد على نصف المسمى فلأن لا يزاد عند عدمها على نصف مهر المثل أولى ولا

 

ج / 3 ص -212-       وما فرض بعد العقد، أو زيد لا ينتصف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنقص المتعة عن خمسة دراهم؛ لأنها تجب على طريق العوض وأقل عوض ثبت في النكاح نصف عشرة فلا بد في المتعة من ملاحظة هذين الأمرين فليس ملاحظة الأمرين مناقضا للقول باعتبار حاله كما في فتح القدير ودعواه بأن الملاحظة المذكورة صريحة في اعتبار حالها ممنوعة؛ لأنها لو كانت غنية قيمة متعتها مائة درهم والزوج فقير يناسبه أن تكون المتعة في حقه عشرين درهما فعلى من اعتبر حاله الواجب عشرون وعلى من اعتبر حالها الواجب المائة نعم لو كان غنيا وحاله يقتضي مائة وهي فقيرة متعتها عشرون فحينئذ لا يزاد على العشرين لا باعتبار حالها بل لما ذكرناه والإمام الخصاف اعتبر حالهما قالوا وهو أشبه بالفقه وصححه الولوالجي؛ لأن في اعتبار حاله تسوية بين الشريفة والخسيسة وهو منكر بين الناس فقد اختلف الترجيح والأرجح قول الخصاف؛ لأن الولوالجي في فتاواه صححه وقال وعليه الفتوى كما أفتوا به في النفقة وظاهر كلامهم أن ملاحظة الأمرين على جميع الأقوال معتبرة فلا يزاد على نصف مهر المثل ولا ينقص عن خمسة دراهم كما هو صريح الأصل و المبسوط وفي فتح القدير وإطلاق الذخيرة كونها وسطا لا بغاية الجودة ولا بغاية الرداءة لا يوافق رأيا من الثلاثة الاعتبار بحاله أو حالها أو حالهما ا هـ.
ولعله سهو؛ لأن اعتبار الوسط موافق للأقوال كلها؛ لأنه على قول من اعتبر حالها وكانت فقيرة مثلا فإنه يجب لها الكرباس الوسط لا الجيد ولا الرديء وفي المتوسطة قز وسط وفي المرتفعة إبريسم وسط وعلى قول من اعتبر حاله وكان فقيرا يجب لها الكرباس الوسط وإن كان متوسطا فقز وسط وإن كان غنيا فإبريسم وسط وعلى قول من اعتبر حالهما وإن كانا فقيرين فالواجب كرباس وسط وإن كانا غنيين فالواجب إبريسم وسط وإن كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا فالواجب قز وسط فقد علمت أن الوسط معتبر على كل تقدير وفي الظهيرية الكفيل بمهر المثل لا يكون كفيلا بالمتعة الواجبة والرهن بمهر المثل القياس أن لا يصير رهنا بالمتعة حتى لا يحبس بها وهو قول أبي يوسف وفي الاستحسان يصير رهنا بالمتعة حتى يحبس بها وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وهي من المسائل الثلاث التي رجع أبو يوسف من الاستحسان إلى القياس لقوة وجه القياس والثانية إذا تلا آية السجدة في ركعة ثم أعادها في الركعة الثانية القياس أن تكفيه سجدة واحدة وهو قول أبي يوسف الآخر وفي الاستحسان تلزمه أخرى وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد والثالثة العبد إذا جنى جناية فيما دون النفس يخير المولى بين الدفع والفداء وإن اختار الفداء ثم مات المجني عليه والقياس أن يخير المولى ثانيا وهو قول أبي يوسف الآخر وفي الاستحسان أن لا يخير وهو قوله الأول ا هـ.
"قوله: وما فرض بعد العقد أو زيد لا يتنصف "أي بالطلاق قبل الدخول أما ما فرض بعد

 

ج / 3 ص -213-       ..........................
ـــــــــــــــــــــــــ
العقد فلأن هذا الفرض تعيين للواجب بالعقد وهو مهر المثل بدليل أنه لا شفعة للشفيع لو فرض لها دارا بعد العقد بخلاف ما لو دفع لها الدار بدلا عن المسمى في العقد وأن له الشفعة؛ لأنه بيع بدليل أنها لو طلقت قبل الدخول ترد نصف المسمى لا نصف الدار وذلك لا يتنصف فكذا ما نزل منزلته.
والمراد بقوله تعالى:
{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] المفروض في العقد إذ هو الفرض المتعارف أطلقه فشمل ما إذا كان الفرض بعد العقد بتراضيهما أو بفرض القاضي فإن لها أن ترفعه إلى القاضي ليفرض لها إذا لم يكن فرض لها في العقد كذا في فتح القدير، وقد يقال إن فرض القاضي المذكور إذا لم يكن برضاه فهو متوقف على النظر فيمن يماثلها في الأوصاف الآتية من نساء أبيها ويثبت عنده ذلك بالبينة كما سيأتي فهو قضاء بمهر المثل لا طريق لفرضه جبرا إلا به كما لا يخفى وأما ما زيد على المسمى فإنما لا يتنصف لما ذكرنا أن التنصيف يختص بالمفروض في العقد ودل وضع المسألة على جواز الزيادة في المهر بعد العقد وهي لازمة له بشرط قبولها في المجلس على الأصح كما في الظهيرية أو قبول وليها إن كانت صغيرة ولو لم تقبل كما في أنفع الوسائل.
واستدلوا لجوازها بقوله تعالى:
{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] فإنه يتناول ما تراضوا على إلحاقه وإسقاطه ولا يلزم كون الشيء بدل ملكه إلا لو قلنا بعدم الالتحاق ونحن نقول بالتحاقه بأصل العقد ومن فروع الزيادة على المهر لو راجع المطلقة رجعيا على ألف فإن قبلت لزمت وإلا فلا ومن فروعها لو وهبت مهرها من زوجها ثم إن الزوج أشهد أن لها عليه كذا من مهرها تكلموا فيه والمختار عند الفقيه أبي الليث أن إقراره جائز إذا قبلت ووجهه في التجنيس بوجوب تصحيح التصرف ما أمكن، وقد أمكن بأن يجعل كأنه زاد على المهر وفي القنية جدد للحلال نكاحا بمهر يلزم إن جدده لأجل الزيادة لا احتياطا ا هـ.
وفي الظهيرية تزوجها بألف ثم جدد النكاح بألفين المختار عندنا أن لا تلزمه الألف الثانية؛ لأنها ليست بزيادة لفظا ولو ثبتت الزيادة إنما تثبت في حق ضمن النكاح فإذا لم يصح النكاح لم يصح ما في ضمنه ا هـ. وفي القنية قال بعد المهر جعلت ألف درهم مهرك لا يلزم ا هـ.
فالحاصل أنهم اتفقوا على أن النكاح بعد النكاح لا يصح، وإنما الاختلاف في لزوم المهر،

 

ج / 3 ص -214-       ................
ــــــــــــــــــــــــــ
وفي البزازية من الصلح الصلح بعد الصلح باطل وكذا الصلح بعد الشراء والشراء بعد الشراء فالثاني أحق ا هـ.
وقيد في جامع الفصولين والقنية الأخيرة بأن يكون الثمن الثاني أكثر من الأول أو أقل لينفسخ العقد الأول وإن كان بمثل الأول فالأول أحق لعدم الفائدة وفي الولوالجية امرأة قالت لرجل زوجتك نفسي على ألف درهم، فقال الزوج قبلت النكاح على ألفين جاز النكاح؛ لأنه أجاب بما خاطبته وزيادة فإن قالت المرأة قبل أن يتفرقا قبلت الألفين فعلى الزوج ألفا درهم؛ لأنها قبلت الزيادة وإن لم تقبل المرأة حتى تفرقا جاز النكاح على ألف، وهذا يجب أن يكون قول أبي يوسف ومحمد بناء على أن في الألفين ألفا وزيادة وعليه الفتوى ا هـ. بلفظه وبما نقلناه علم أنه لا يشترط في صحتها لفظ الزيادة.
وأشار بقوله زيد إلى أنه معلوم فلو قال زدتك في مهرك ولم يعين لم تصح الزيادة للجهالة كما في الواقعات وأطلق في صحة الزيادة فأفاد أنها صحيحة بلا شهود كما في القنية وشمل الزيادة بعد هبة المهر والإبراء منه وشمل ما إذا كانت الزيادة من جنس المهر أو من غير جنسه كما في أنفع الوسائل وشمل ما إذا زاد بعد موتها فإنها صحيحة إذا قبلت الورثة عند أبي حنيفة خلافا لهما كما في التبيين من البيوع وشمل ما إذا كان بعد الطلاق الرجعي قبل انقضاء العدة وأما بعد انقضاء العدة في الرجعي وبعد الطلاق البائن فلم أر فيه نقلا.
قال في أنفع الوسائل وقياس الزيادة بعد موتها أن تصح فيهما عند أبي حنيفة بل بالطريق الأولى؛ لأن في الموت انقطع النكاح وفات محل التمليك وبعد الطلاق قابل وما ذكر في إكراه شيخ الإسلام من أن الزيادة في المهر بعد الفرقة باطلة هكذا روى بشر عن أبي يوسف قال إذا طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول بها أو بعده ثم زاده في المهر لم تصح الزيادة محمول على أنه قول أبي يوسف وحده لا على قول أبي حنيفة؛ لأن أبا يوسف خالفه في الزيادة بعد موت المرأة فيكون قد مشى على أصله ا هـ.
وأما الزيادة بعد عتقها فذكر في التبيين في زيادة المبيع والثمن أنه لو زوج أمته ثم أعتقها ثم زاد الزوج على مهرها بعد العتق تكون الزيادة للمولى؛ لأنها تلتحق بأصل العقد ا هـ. ويوافقه ما في المحيط من آخر باب نكاح الإماء قال الزوج للمعتقة لك خمسون درهما على أن تختاريني لزم العقد ولا شيء لها؛ لأنه لا يصح أخذ العوض عنه ولو قال اختاريني ولك خمسون درهما زيادة على صداقك صحت وتجب الزيادة للمولى؛ لأنه وجب بدلا عن البضع؛

 

ج / 3 ص -215-       وصح حطها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه زيد على الصداق والمال يصلح عوضا عن البضع فيلتحق بأصل العقد. ا هـ. ويخالفه ما في المحيط أيضا من باب خيار العتق والبلوغ.
رجل زوج أمته من رجل ثم أعتقها ثم زاد الزوج في المهر فالزيادة لها ولا أجبر الزوج على دفع الزيادة للمرأة، وكذلك إن باعها فالزيادة للمشتري ولا أجبره على دفع الزيادة إليه؛ لأنها بمنزلة الهبة ا هـ. وهو ضعيف؛ لأنه رواية المنتقى ولمخالفته الأصل الممهد وهو الالتحاق بأصل العقد.
وفي التلخيص وشرحه لو قال زدتك في صداقك كذا على أن تختاريني ففعلت بطل خيارها وتكون الزيادة للمولى للالتحاق كالزيادة بعد موت البائع إذا قبل الوارث تكون تركة للميت حتى تقضى منها ديونه وتنفيذ وصاياه بخلاف تعليق الزيادة بدخول الدار حيث لا يصح ولا يجب شيء؛ لأنها معتبرة بأصل العقد ا هـ.
وقيد بزيادة المهر؛ لأن زيادة المنكوحة لا تجوز كما إذا زوجه أمة ثم زاده أخرى؛ لأن الشرع ما ورد بتمليك الزيادة المتولدة في المملوكة بالنكاح تبعا للمنكوحة بخلاف البيع كما سيأتي في بابه.
"قوله: وصح حطها "أي حط المرأة من مهرها؛ لأن المهر في حالة البقاء حقها والحط يلاقيه حالة البقاء والحط في اللغة الإسقاط كما في المغرب أطلقه فشمل حط الكل أو البعض وشمل ما إذا قبل الزوج أو لم يقبل بخلاف الزيادة فإنه لا بد في صحتها من قبولها في المجلس كما قدمناه.
وقيد في البدائع الإبراء عن المهر بأن يكون دينا أي دراهم أو دنانير وظاهره أن حط المهر العين لا يصح؛ لأن الحط لا يصح في الأعيان وفي أنفع الوسائل الظاهر أن الحط يرتد بالرد وإن لم يتوقف على القبول كهبة الدين ممن عليه الدين إذا رد ولم أر فيه نقلا صريحا. ا هـ.
وقد ظفرت بالنقل صريحا من فضل الله ولله الحمد والمنة ذكر في القنية من كتاب المداينات من باب الإبراء من المهر قالت لزوجها أبرأتك ولم يقل الزوج قبلت أو كان غائبا، فقالت أبرأت زوجي يبرأ إلا إذا رده ا هـ. بلفظه.
وقيد بحطها؛ لأن حط أبيها غير صحيح فإن كانت صغيرة فهو باطل وإن كانت كبيرة توقف على إجازتها فإن ضمنه الأب إن لم تجزه البنت فالضمان باطل كما قدمنا نقله عن الخلاصة في باب الأولياء ولا بد في صحة حطها من الرضا حتى لو كانت مكرهة لم يصح، ولذا قال في

 

ج / 3 ص -216-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلاصة من كتاب الهبة إذا خوف امرأته بضرب حتى وهبت مهرها لا يصح إن كان قادرا على الضرب. ا هـ.
وفي القنية من الإكراه تزوج امرأة سرا وأراد أن تبرئه من المهر فدخل عليها أصدقاؤه وقالوا لها إما أن تبرئيه من المهر وإلا قلنا للشحنة كذا، وكذا فيسود وجهك فأبرأته خوفا من ذلك فهو إكراه ولا يبرأ ولو لم يقولوا فيسود وجهك والمسألة بحالها فليس بإكراه ا هـ.
ولو اختلفا في الكراهية والطوع ولا بينة فالقول لمدعي الإكراه ولو أقاما البينة فبينة الطواعية أولى كما في القنية في نظيره من الدعوى وفي الخلاصة قال لمطلقته لا أتزوجك ما لم تهبيني ما لك علي من المهر فوهبت مهرها على أن يتزوجها ثم إن الزوج أبى أن يتزوجها فالمهر باق على الزوج تزوج أو لم يتزوج ولو قال لامرأته أبرئيني من مهرك حتى أهب لك كذا فوهبت مهرها وأبى الزوج أن يهب لها ما وعد يعود المهر ذكره في النكاح وفيها من الهبة لو قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن كل امرأة تتزوجها تجعل أمرها بيدي إن لم يقبل الزوج الهبة لا تصح الهبة وقد ذكرنا الجواب المختار أنها تصح من غير قبول وإن قبل أن جعل أمرها بيدها فالهبة ماضية وإن لم يجعل فكذلك عند البعض والمختار أن المهر يعود وعلى هذا لو قالت وهبت مهري منك على أن لا تظلمني أو على أن تحج بي أو على أن تهب لي كذا وإن لم يكن هذا شرطا في الهبة لا يعود المهر ا هـ. وهو مشكل؛ لأن تعليق الإبراء بالشرط باطل وفيها من النكاح لو أحالت إنسانا على الزوج على أن يؤدي من المهر ثم وهبت المهر من الزوج لا يصح وهي الحيلة لمن أرادت أن تهب المهر ولا يصح ولو وهبت مهرها من أبيها ووكلته بالقبض يصح ا هـ.
وفي القنية وله ثلاث حيل غير هذه: إحداها شراء شيء ملفوف من زوجها بالمهر قبل الهبة. والثانية صلح إنسان معها عن المهر بشيء ملفوف قبل الهبة. والثالثة هبة المرأة المهر لابن صغير لها قبل الهبة كذا في كتاب المداينات وفي التجنيس وهبت المهر لابنها الصغير وقبل الأب فالمختار أنها لا تصح؛ لأنها هبة غير مقبوضة. ا هـ.
وفيها قالت لزوجها إن كان يهمك المهر فقد أبرأتك يبرأ في الحال وليس بتعليق ولو طلق امرأته ثلاثا ولم تعلم به، ثم قال لها إن لم تبرئيني من المهر فأنت طالق ثلاثا فأبرأته، وقيل يبرأ وقال أبو حامد يبرأ قبل أو لم يقبل ولو قالت الصداق الذي لي على زوجي ملك

 

ج / 3 ص -217-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلان بن فلان لا حق لي فيه وصدقها المقر له ثم أبرأت زوجها عنه يبرأ ولو قالت المهر الذي لي على زوجي لوالدي لا يصح إقرارها به ا هـ.
وفي كتاب النكاح منها اختلفا في هبة المهر، فقالت وهبته لك بشرط أن لا تطلقني وقال بغير شرط فالقول قولها ا هـ.
وذكر في الدعوى لو أقاما البينة فبينة المرأة أولى، وقيل بينة الزوج أولى ولا بد في صحة حطها من أن لا تكون مريضة مرض الموت لما عرف في إبراء الوارث.
وفي الخلاصة من المهر وهبت مهرها من الزوج وماتت ثم اختلفت ورثتها مع الزوج قالت الورثة كانت الهبة في مرض الموت وقال الزوج كانت في الصحة فالقول قول الزوج؛ لأنه ينكر المهر. ا هـ.
وفي القنية من كتاب الهبة وهبت مهرها من زوجها في مرض موتها ومات زوجها قبلها فلا دعوى لها لصحة الإبراء ما لم تمت فإذا ماتت منه فلورثتها دعوى مهرها ا هـ.
وفيها أيضا من باب البينتين المتضادتين أقام الزوج بينة أنها أبرأته من الصداق حال صحتها وأقام الورثة بينة أنها أبرأته في مرض موتها فبينة الصحة أولى، وقيل بينة الوارث أولى. ا هـ. والراجح الأول وفيها أيضا من الهبة أبرأه عن الدين ليصلح مهمه عند السلطان لا يبرأ وهو رشوة. ولو أبى الاضطجاع عند امرأته، فقال لها أبرئيني من المهر فأضطجع معك فأبرأته قيل يبرأ؛ لأن الإبراء للتودد الداعي في الجماع وقال عليه السلام:
"تهادوا تحابوا" بخلاف الإبراء في الأول؛ لأنه مقصور على إصلاح المهم وإصلاح المهم مستحق عليه ديانة وبذل المال فيما هو مستحق عليه حد الرشوة ا هـ.
وفيها من كتاب الدعوى امرأة ماتت فطلب زوجها من ورثتها براءته من المهر فأبوا فأعطى المهر ثم ظهر له بينة أن امرأته أبرأته في حال الصحة ولم يعلم الزوج بذلك فله أن يرجع بما أعطى من المهر ديانة فهذا يشير إلى أنه لا يرجع عليهم قضاء ا هـ.
وفيها من باب البينتين المتضادتين أقامت المرأة بينة على المهر على أن زوجها كان مقرا بذلك إلى يومنا هذا وأقام الزوج البينة أنها أبرأته من هذا المهر الذي تدعي فبينة المبرأة أولى. وكذا في الدين ا هـ. ويشترط في صحة إبرائها عن المهر عملها بمعناها لما في التجنيس لو قال

 

ج / 3 ص -218-       والخلوة بلا مرض أحدهما وحيض ونفاس وإحرام وصوم فرض كالوطء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لها قولي وهبت مهري منك، فقالت المرأة ذلك وهي لا تحسن العربية لا يصح فرق بين هذا وبين العتق والطلاق حيث يقعان.
والفرق أن الرضا شرط جواز الهبة وليس بشرط لجواز العتق والطلاق ا هـ. وأشار المصنف إلى أنه لو تزوجها بمائة دينار على أن تحط عنه خمسين منها فقبلت فهو صحيح بالأولى كما في الخانية.
"قوله: والخلوة بلا مرض أحدهما وحيض ونفاس وإحرام وصوم فرض كالوطء "بيان للسبب الثالث المكمل للمهر وهي الخلوة الصحيحة؛ لأنها سلمت المبدل حيث رفعت الموانع وذلك وسعها فيتأكد حقها في البدل اعتبارا بالبيع، وقد حكى الطحاوي إجماع الصحابة عليه ويدل عليه حديث الدارقطني
"من كشف خمار امرأة أو نظر إليها وجب الصداق دخل أو لم يدخل" وحينئذ فالمراد بالمس في قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] الخلوة إطلاقا لاسم المسبب على السبب إذ المس مسبب عن الخلوة عادة ويكون كماله بالجماع بحضرة الناس بالإجماع لا بالآية.
ومن فروع لزوم المهر بالخلوة لو زنى بامرأة فتزوجها وهو على بطنها فعليه مهران مهر الزنا؛ لأنه سقط الحد بالتزوج قبل تمام الزنا والمهر المسمى بالنكاح؛ لأن هذا يزيد على الخلوة.
وقد شرط المصنف في إقامتها مقام الوطء شروطا ترجع إلى أربعة أشياء الخلوة الحقيقية وعدم مانع حسي وعدم مانع طبعي وعدم مانع شرعي من الوطء فالأول للاحتراز عما إذا كان هناك ثالث فليست بخلوة سواء كان ذلك الثالث بصيرا أو أعمى أو يقظانا أو نائما بالغا أو صبيا يعقل.
وفصل في المبتغى في الأعمى فإن لم يقف على حاله تصح وإن كان أصم إن كان نهارا لا تصح وإن كان ليلا تصح ا هـ.
وشمل الثالث زوجته الأخرى وهو المذهب بناء على كراهة وطئها بحضرة ضرتها واختلف في الجارية على أقوال قيل لا تمنع مطلقا ولو كانت جارية لغيرهما، وقيل جاريتها تمنع بخلاف جاريته والمختار أن جاريتها لا تمنع كجاريته كما في الخلاصة وعليه الفتوى كما

 

ج / 3 ص -219-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المبتغى وجزم الإمام السرخسي في المبسوط بأن كلا منهما يمنع وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه؛ لأنه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا ا هـ.
وشمل الثالث الكلب إن كان عقورا مطلقا وإن لم يكن عقورا فكذلك إن كان لها وإن كان له صحت الخلوة وخرج من الثالث الصبي الذي لا يعقل والمجنون والمغمى عليه والمراد بالذي يعقل هنا ما يمكنه أن يعبر ما يكون بينهما كافي الخانية وللاحتراز عن مكان لا يصلح للخلوة والصالح لها أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما كالدار والبيت ولو لم يكن له سقف، وكذا الخيمة في المفازة والمحل الذي عليه قبة مضروبة وكذا البستان الذي له باب وأغلق فلا تصح في المسجد والطريق الأعظم والحمام وسطح الدار من غير ساتر والبستان الذي ليس له باب وإن لم يكن هناك أحد واختلف في البيت إذا كان بابه مفتوحا أو طوابقه بحيث لو نظر إنسان رآهما ففي مجموع النوازل إن كان لا يدخل عليهما أحد إلا بإذن فهي خلوة واختار في الذخيرة أنه مانع وهو الظاهر ويصح أن تكون هذه الفروع داخلة في المانع الحسي؛ لأن وجود ثالث وعدم صلاحية المكان مانع حسي كما في الأسرار.
وأشار بالمرض إلى المانع الحسي وعممه بعدم الفرق بين مرضه ومرضها وأطلقه فأفاد أن مطلق المرض مانع وهو كذلك في مرضه، وأما في مرضها فلا بد أن يكون مرضا يمنع الجماع أو يلحقه به ضرر وهو الصحيح؛ لأن مرضه لا يعرى عن تكسر وفتور عادة ومن المانع الحسي الرتق والقرن والعفل والشعر داخل الفرج المانع من جماعها والقرن في الفرج مانع يمنع من سلوك الذكر فيه إما غدة غليظة أو لحم أو عظم وامرأة رتقاء بها ذلك كذا في المغرب وامرأة رتقاء بينة الرتق إذا لم يكن لها خرق إلا المبال وضبط القرن في شرح المجمع بسكون الراء والرتق بفتح التاء والعفل شيء مدور يخرج بالفرج.
ومنه صغرها بحيث لا تطيق الجماع وليس له أن يدخل بها قبل أن تطيقه وقدر بالبلوغ، وقيل بالتسع، والأولى عدم التقدير كما قدمناه فلو قال الزوج تطيقه وأراد الدخول وأنكر الأب فالقاضي يريها النساء ولم يعتبر السن كذا في الخلاصة.
وفي خلوة الصغير الذي لا يقدر على الجماع قولان وجزم قاضي خان بعدم الصحة فكان هو المعتمد ولذا قيد في الذخيرة بالمراهق وسيأتي الكلام على الخصي ونحوه.
وأشار بالحيض والنفاس إلى المانع الطبعي وهو شرعي أيضا ولا يخفى أنه عند عدم درور الدم ليس مانعا طبعا مع أنه مانع شرعا؛ لأن الطهر المتخلل بين الدمين في المدة حيض ونفاس. والظاهر أنه لا يوجد لنا مانع طبعي إلا وهو شرعي فلو اكتفوا بالمانع الشرعي عنه لكان أولى.

 

ج / 3 ص -220-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار بالإحرام والصوم إلى المانع الشرعي أما الإحرام فأطلقه فشمل الإحرام بحج فرض أو نفل أو بعمرة وعلله في الهداية وغيرها بأنه يلزم من الوطء معه الدم وفساد النسك والقضاء فظاهره أنه لو خلا بها بعد الوقوف بعرفة فإنها صحيحة للأمن من الفساد مع أن الجواب مطلق وهو الظاهر للحرمة شرعا، وأما الصوم فقيده المصنف بصوم الفرض للاحتراز عن صوم التطوع؛ لأنه لا يمنع صحة الخلوة وإن كان واجبا بالشروع؛ لأن وجوبه لضرورة صيانة المؤدي فلا يظهر في حق غيره مع أن الإفطار فيه بغير عذر جائز في رواية وشمل صوم الفرض قضاء رمضان والكفارات والمنذور فإنها تمنع صحة الخلوة وهو قول البعض والصحيح أنه لا يمنع صحتها؛ لأنها لا كفارة في إفسادها فلو قال المصنف وصوم رمضان أي أداء كما في المجمع لكان أولى؛ لأنه الصحيح أو قال والصوم اختيارا لقول البعض لأمكن؛ لأنه لا فرق عند البعض بين صوم التطوع والفرض في أنه يمنع صحتها كالإحرام فتقييده بصوم الفرض ليس على قول من الأقوال وينبغي أن يكون صوم الفرض ولو منذورا يمنع صحة الخلوة اتفاقا؛ لأنه يحرم إفساده وإن كان لا كفارة فيه فهو مانع شرعي.
وأما الصلاة، فقالوا فرضها كفرض الصوم ونفلها كنفله كذا في الهداية وعلله في غاية البيان بأنه لا يأثم بترك النافلة وهو الصحيح فلا يكون مانعا بخلاف صلاة الفرض فإنه يأثم بتركها ا هـ. وفيه نظر؛ لأنه ليس الكلام في الترك، وإنما هو في الإفساد ولا شك أن إفساد الصلاة لغير عذر حرام فرضا كانت أو نفلا فينبغي أن يكون مطلق الصلاة مانعا مع أنهم قالوا إن الصلاة الواجبة كالنفل لا تمنع صحة الخلوة كما في شرح النقاية مع أنه يأثم بتركها.
وأغرب منه ما في المحيط أن صلاة التطوع لا تمنع صحتها إلا الأربع قبل الظهر فإنها تمنع صحة الخلوة؛ لأنها سنة مؤكدة فلا يجوز تركها بمثل هذا العذر ا هـ. فإنه يقتضي عدم الفرق بين السنن المؤكدة ويقتضي أن الواجبة تمنع صحتها بالأولى ومن المانع الشرعي أن يكون طلاقها معلقا بخلوتها فلو قال لها إن خلوت بك فأنت طالق فخلا بها طلقت فيجب نصف المهر لحرمة وطئها كذا في الواقعات زاد في البزازية والخلاصة بأنه لا تجب العدة في هذا الطلاق؛ لأنه لا يتمكن من الوطء وسيأتي وجوبها في الخلوة الفاسدة على الصحيح فتجب العدة في هذه الصورة احتياطا وصورها في المبتغى بالمعجمة بأن قال إن تزوجت فلانة فخلوت بها فهي طالق فتزوجها وخلا بها كان لها نصف المسمى ومن المانع الشرعي أن لا يعرفها حين دخلت عليه أو حين دخل عليها على الأصح؛ لأنها إنما تقام مقام الوطء إذا تحقق

 

ج / 3 ص -221-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالخلوة التسليم والتمكين وذا لا يحصل إلا بالمعرفة كذا في المحيط ويصدق في أنه لم يعرفها كذا في الخانية ولو عرفها هو ولم تعرفه هي تصح الخلوة كذا في التبيين ولعل الفرق أنه متمكن من وطئها إذا عرفها ولم تعرفه بخلاف عكسه فإنه يحرم عليه وطؤها.
وفي الخانية الكافر إذا خلى بامرأته بعدما أسلمت صحت الخلوة ولو أسلم الكافر وامرأته مشركة فخلا بها لا تصح الخلوة ا هـ. ولعل الفرق مبني على أن الكافر غير مخاطب بالفروع فكان متمكنا من وطء المسلمة بخلاف وطء المسلم المشركة وفي الخلاصة ولو دخلت عليه وهو نائم صحت علم أو لم يعلم ا هـ. وهو مشكل؛ لأنه لم يتمكن مع النوم من وطئها كما إذا لم يعرفها لكن أقاموه مقام اليقظان هنا وينبغي أن يكون من المانع الشرعي كونه مظاهرا منها فلو ظاهر منها ثم خلا بها قبل التكفير لم تصح لحرمة وطئها عليه ويدل عليه أن الإمام الدبوسي في الأسرار فسر المانع الشرعي بما يحرم عليه معه جماعها وأطلق في إقامتها مقام الوطء في الأحكام فأفاد أنه يكمل لها المسمى وإن قالت لم يطأني كما في الخانية ولو لم تمكنه من الوطء في الخلوة ففيه اختلاف المتأخرين كذا في الذخيرة وقياس وجوب النفقة أن تصح الخلوة كما لا يخفى.
واختار الطرسوسي تفقها من عنده أنها إن كانت بكرا صحت الخلوة؛ لأنها لا توطأ إلا كرها وإن كانت ثيبا لم تصح لعدم تسليم البضع اختيارا وكانت راضية بإسقاط حقها بخلاف البكر فإنها تستحي وأفاد أنها كالوطء في الأحكام لكن هي كالوطء في أحكام دون أحكام فأقاموها مقامه في حق كمال المهر وثبوت النسب ووجوب العدة والنفقة والسكنى في هذه العدة وحرمة نكاح أختها وأربع سواها وحرمة نكاح الأمة في قياس قول أبي حنيفة ومراعاة وقت الطلاق في حقها، كذا ذكروا وينبغي أن لا يذكر ثبوت النسب من أحكام الخلوة القائمة مقام الوطء؛ لأنها من أحكام العقد وإن لم توجد خلوة أصلا كما صرح به في المبسوط، وكذا النفقة والسكنى وحرمة نكاح الأخت ونحوها فإنها من أحكام العدة فذكرها يغني عنها هذا ما فهمته ثم بعد مدة رأيت في جامع الفصولين نقلا عن أدب القاضي للخصاف أنها قائمة مقام الوطء في حق تكميل المهر ووجوب العدة ولم تقم مقامه في بقية الأحكام ا هـ. وهذا هو التحقيق ولم يقيموها مقامه في حق الإحصان إن تصادقا على عدم الدخول وإن أقرا به لزمهما حكم الإحصان وإن أقر به أحدهما صدق في حق نفسه دون صاحبه كما في المبسوط وفي حرمة البنات وحلها للأول والميراث حتى لو أبانها ثم مات في عدتها لم ترثه كما في المجتبى وفي الرجعة فلا يصير

 

ج / 3 ص -222-       ولو مجبوبا أو عنينا أو خصيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجعا بالخلوة ولا رجعة له بعد الطلاق الصريح بعد الخلوة.
وأما في حق وقوع طلاق آخر ففيه روايتان والأقرب إلى الصواب الوقوع؛ لأن الأحكام لما اختلفت يجب القول بالوقوع كذا في الذخيرة وجعلها في المجتبى كالوطء في حق التزويج فإنها تزوج كما تزوج الثيب وهو ضعيف لما قدمنا من أنها تزوج بعدها كالأبكار إذا قالت لم يدخل بي.
وفي غاية البيان إذا خلا بها في النكاح الموقوف تكون إجازة؛ لأن الخلوة بالأجنبية حرام وقال بعضهم نفس الخلوة لا تكون إجازة ا هـ. وزاد في المجتبى في عدم كونها كالوطء في منعها نفسها للمهر ولا ينبغي إدخاله هنا؛ لأنه لو وطئها حقيقة فلها منعه بعده عند أبي حنيفة نعم يتأتى على قولهما كما لا يخفى وفي المجتبى الموت أقيم مقام الدخول في حكم العدة والمهر وفيما سواهما كالعدم وفي شرح الناصحي فإن ماتت الأم قبل أن يدخل بها فابنتها له حلال ا هـ.
"قوله: ولو مجبوبا أو عنينا أو خصيا "أي الخلوة بلا الموانع المذكورة كالوطء ولو كان الزوج مجبوبا أو نحوه فلها كمال المهر بعد الطلاق والخلوة عند أبي حنيفة وقالا كذلك في الخصي والعنين وفي المجبوب عليه النصف؛ لأنه أعجز من المريض بخلاف العنين؛ لأن الحكم أدبر على سلامة الآلة ولأبي حنيفة أن المستحق عليها التسليم في حق السحق، وقد أتت به.
والحاصل أن الخلوة الصحيحة عنده هي التمكين من الوطء بأقصى ما في وسعها فإن قلت: يلزم على هذا أن توجب الخلوة بالرتقاء كمال المهر إذ ليس هنا تسليم غيره قلنا إن الرتق قد يزول فكان هذا التسليم منتظرا غيره فلم يجب كمال المهر لعدم التسليم كاملا كذا في غاية البيان.
والجب القطع ومنه المجبوب الخصي الذي استؤصل ذكره وخصيتاه، وقد جب جبا وخصاه نزع خصيتيه يخصيه خصاء على فعال والإخصاء في معناه خطأ، وأما الخصي على فعل فقياس وإن لم نسمعه والمفعول خصي على فعيل والجمع خصيان كذا في المغرب.
وفي الغاية الظاهر أن قطع الخصيتين ليس بشرط في المجبوب، ولذا اقتصر الإسبيجابي على قطع الذكر. وأشار المصنف إلى صحة خلوة الخنثى بالأولى وإلى أن نسب الولد يثبت من المجبوب وهو بالإجماع كذا في البدائع، وذكر التمرتاشي إن علم أنه ينزل يثبت وإن علم

 

ج / 3 ص -223-       وتجب العدة فيها وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا للمفوضة قبل الوطء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلافه فلا وعليها العدة والأولى أحسن وعلم القاضي أنه ينزل أولا ربما يتعذر أو يتعسر كذا في فتح القدير.
"قوله: وتجب العدة فيها "أي تجب العدة على المطلقة بعد الخلوة احتياطا، وإنما أفرد هذا الحكم مع أنه معلوم ومن جعلها كالوطء؛ لأن هذا الحكم لا يخص الصحيحة بل حكم الخلوة ولو فاسدة احتياطا استحسانا لتوهم الشغل والعدة حق الشرع والولد لأجل النسب فلا تصدق في إبطال حق الغير بخلاف المهر؛ لأنه مال لا يحتاط في إيجابه، وذكر القدوري في شرحه أن المانع إن كان شرعيا تجب العدة لثبوت التمكن حقيقة وإن كان حقيقيا كالمرض والصغر لا يجب لانعدام التمكن حقيقة واختاره قاضي خان في فتاواه لكن في فتح القدير إلا أن الأوجه على هذا أن يختص الصغير بغير القادر والمرض بالمدنف لثبوت التمكن حقيقة في غيرهما. ا هـ.
والمذهب وجوب العدة مطلقا؛ لأنه نص محمد في الجامع الصغير وظاهره أنها واجبة قضاء وديانة وفي المجتبى، وذكر العتابي تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة ظاهرا أم على الحقيقة، فقيل لو تزوجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ديانة لا قضاء ا هـ. وفي المجتبى والخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد لا توجب العدة.
"قوله: وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا للمفوضة قبل الوطء "وهي بكسر الواو من فوضت أمرها إلى وليها وزوجها بلا مهر وبفتحها من فوضها وليها إلى الزوج بلا مهر فإن المتعة لها واجبة على زوجها كسائر ديونها كما ذكره الإسبيجابي فالمراد بالواجب هنا اللازم وأخرج الواجب عن أن يكون مستحبا بناء على الاصطلاح.
وشمل كلامه من طلقها قبل الدخول، وقد سمى لها مهرا فإنها مستحبة على ما في المبسوط والمحيط والمختصر وعلى رواية التأويلات وصاحب التيسير وصاحب الكشاف وصاحب المختلف وعلى ما في بعض نسخ القدوري لا تكون مستحبة لها حكما للطلاق ولو كانت مستحبة كان لمعنى آخر كما في قوله في عيد الفطر ولا يكبر في طريق المصلى عند أبي حنيفة أي حكما للعيد ولكن لو كبر؛ لأنه ذكر الله تعالى يجوز ويستحب كذا في غاية البيان.
وحاصله: أنه ليس المراد من نفي المستحب هنا أن لا ثواب في فعله بل فيه ثواب اتفاقا؛

 

ج / 3 ص -224-       ويجب مهر المثل في الشغار، وخدمة زوج حر للأمهار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه إحسان وبر لها، وإنما محل الاختلاف أن هذا المستحب حكم من أحكام الطلاق أولا، وقد قدمنا أن الفرقة إذا كانت من قبلها قبل الدخول فإنه لا يستحب لها المتعة أيضا؛ لأنها جانية.
"قوله: ويجب مهر المثل في الشغار "; لأنه سمى ما لا يصح صداقا فيصح العقد ويجب مهر المثل كما إذا سمى خمرا أو خنزيرا.
والشغار في اللغة الخلو يقال شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وبلدة شاغرة إذا كانت خالية من السلطان.
وأما في الاصطلاح فتزويجه موليته على أن يزوجه الآخر موليته ليكون أحد العقدين عوضا عن الآخر سواء كانت المولية بنتا أو أختا أو أمة.
سمي به لخلوه عن المهر، وإنما قيدنا بأن يكون أحدهما صداقا عن الآخر؛ لأنه لو لم يكن كذلك بأن قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد عليه فقبل الآخر فإنه لا يكون شغارا اصطلاحا وإن كان الحكم وجوب مهر المثل، وكذا لو قال أحدهما على أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك ولم يقبل الآخر بل زوجه بنته ولم يجعلها صداقا فليس بشغار وإن وجب مهر المثل حتى كان العقد صحيحا اتفاقا.
وأما حديث الكتب الستة مرفوعا من
"النهي عن نكاح الشغار" فقد قلنا به؛ لأنه إنما نهي عنه لخلوه عن المهر، وقد أوجبنا فيه مهر المثل فلم يبق شغارا.
قيد بالشغار؛ لأنه لو زوج ابنته من رجل على مهر مسمى على أن يزوجه الآخر ابنته على مهر مسمى فإن زوجه فلكل واحد منهما ما سمي لها من المهر وإن لم يزوجه الآخر كان للمزوجة تمام مهر مثلها؛ لأن رضاها بدون مهر المثل باعتبار منفعة مشروطة لأبيها كذا في المبسوط.
"قوله: وخدمة زوج حر للأمهار "أي يجب مهر المثل إذا تزوج حر امرأة وجعل خدمته لها سنة مثلا صداقها وقال محمد لها قيمة خدمته سنة؛ لأن المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم لمكان المناقضة فصار كالمتزوج على عبد الغير ولهما أن الخدمة ليست بمال لما فيه من قلب الموضوع إذ لا تستحق فيه بحال فصار كتسمية الخمر والخنزير، وهذا؛ لأن تقومه بالعقد للضرورة فإذا لم يجب تسليمه بالعقد لم يظهر تقومه فيبقى الحكم على الأصل وهو مهر المثل أطلق في الخدمة فشمل رعي غنمها وزراعة أرضها وهي رواية الأصل كما في الخانية، وذكر في

 

ج / 3 ص -225-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبسوط فيه روايتين، وذكر في المعراج أن الأصح رواية الأصل وهو وجوب مهر المثل لكن يشكل عليه أنهم لم يجعلوا رعي الغنم والزراعة خدمة في مسألة استئجار الابن أباه.
فقالوا لو استأجر أباه للخدمة لا يجوز ولو استأجره للرعي والزراعة يصح فمقتضاه ترجيح الصحة في جعله صداقا وكون الأوجه الصحة لقص الله تعالى قصة شعيب وموسى من غير بيان نفيه في شرعنا إنما يلزم لو كانت الغنم ملك البنت دون شعيب وهو منتف.
وقيد بخدمة الزوج؛ لأنه لو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح صحته وترجع على الزوج بقيمة خدمته كما في المحيط وهذا يشير إلى أنه لا يخدمها فإما؛ لأنه أجنبي فلا يؤمن الانكشاف عليها مع مخالطته للخدمة وإما أن يكون مراده إذا كان بغير أمر ذلك الحر ولم يجزه وظاهر ما في الهداية أنه إذا وقع برضاه يجب عليه تسليم خدمته كما لو تزوج على عبد الغير برضا مولاه حيث يجب على المولى تسليمه.
وقيد بالحر لما سيأتي صريحا وقيد بالخدمة؛ لأنه لو تزوجها على منافع سائر الأعيان من سكنى داره وخدمة عبده وركوب دابته والحمل عليها وزراعة أرضه ونحو ذلك من منافع الأعيان مدة معلومة صحت التسمية؛ لأن هذه المنافع أموال أو ألحقت بالأموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة والحاجة في النكاح متحققة وإمكان الدفع بالتسليم ثابت بتسليم محالها إذ ليس فيه استخدام المرأة زوجها فجعلت أموالا وألحقت بالأعيان فصحت تسميتها، كذا في البدائع.
والمراد بزراعة أرضه أن تزرع أرضه ببذرها وليس له شيء من الخارج، وأما إذا شرط له شيء من الخارج فإن التسمية تفسد.
قال في المجمع من كتاب المزارعة ولو تزوج على أن تزرع هي أرضه بالنصف ببذرها صح وفسدت فيجعل مهرها نصف أجر مثل الأرض وربعه إن طلقها قبل الدخول وأوجب مهر المثل لا يزاد على أجر مثل الأرض والمتعة في الطلاق قبله وإن كان هو العامل في أرضها ببذرها يجعل مهرها نصف أجر مثل عمله لا مهر المثل أو على أن تزرع هي ببذره أو هو أرضها ببذره وجب مهر المثل ا هـ. وقد وقع في شرحه هنا لابن الملك خلل في التوجيه فاجتنبه.
وفي الخانية ولو تزوج امرأة على جارية على أن له خدمتها ما عاش أو ما في بطنها له كانت الجارية وخدمتها وما في بطنها للمرأة إن كان مهر مثلها مثل قيمة الخادم أو أكثر وإن كان مهر مثلها أقل من قيمة الخادم كان لها مهر المثل إلا أن يسلم الزوج الخادم إليها باختياره.

 

ج / 3 ص -226-       وتعليم القرآن، ولها خدمته لو عبدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وتعليم القرآن "أي يجب مهر المثل إذا جعل الصداق تعليم القرآن؛ لأن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال والتعليم ليس بمال، وكذا المنافع على أصلنا ولأن التعليم عبادة فلا يصلح أن يكون صداقا ولأن قوله تعالى:
{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يدل على أنه لا بد أن يكون المفروض مما له نصف حتى يمكنه أن يرجع عليها بنصفه إذا طلقها قبل الدخول بعد القبض ولا يمكن ذلك في التعليم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "زوجتكها بما معك من القرآن" فليست الباء متعينة للعوض لجواز أن تكون للسببية أو للتعليل أي لأجل أنك من أهل القرآن أو المراد ببركة ما معك منه فلا يصلح دليلا وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الإجارات أن الفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن والفقه فينبغي أن يصح تسميته مهرا؛ لأن ما جاز أخذ الأجر في مقابلته من المنافع جاز تسميته صداقا كما قدمنا نقله عن البدائع ولهذا ذكر في فتح القدير هنا أنه لما جوز الشافعي أخذ الأجر على تعليم القرآن صحح تسميته صداقا فكذا نقول يلزم المفتي به صحة تسميته صداقا ولم أر أحدا تعرض له والله الموفق للصواب.
وأشار المصنف إلى أنه لو أعتق أمة وجعل عتقها صداقها فإن التسمية لا تصح؛ لأن العتق ليس بمال فإن تزوجته فلها مهر المثل وإن أبت لا تجبر وعليها قيمتها للمولى، وكذا أم الولد لكن لا قيمة عليها له عند إبائها ولو قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوجني بألف فقبل عتق وعليه قيمته لها إن أبى أن يتزوجها وإلا قسم الألف على قيمة نفسه وعلى مهر مثلها فما أصاب الرقبة فهو قيمته وما أصاب المهر فهو مهرها يتنصف بالطلاق قبل الدخول.
وأشار المصنف إلى أنه لو تزوجها على أن يحج بها وجب مهر المثل لكن فرق في الخانية بين أن يتزوجها على أن يحج بها وبين أن يتزوجها على حجة فأوجب في الأول مهر المثل وفي الثاني قيمة حجة وسط.
"قوله: ولها خدمته لو عبدا "يعني لو تزوج عبد حرة على خدمته لها سنة بإذن مولاه صحت التسمية ويخدمها سنة؛ لأنه لما خدمها بإذن المولى صار كأنه يخدم مولاه حقيقة ولأن خدمة العبد لزوجته ليست بحرام إذ ليس له شرف الحرية ولهذا سلبت عنه عامة الكرامات الثابتة للأحرار فكذا هذا كذا في غاية البيان وصرح الولوالجي في فتاواه بأن استخدام الزوج لا يجوز لما فيه من الاستهانة وصرح قاضي خان في شرح الجامع الصغير بأن خدمة الزوج لها حرام؛

 

ج / 3 ص -227-       ولو قبضت ألف المهر ووهبته له فطلقها قبل الوطء رجع عليها بالنصف فإن لم تقبض الألف أو قبضت النصف ووهبت الألف أو وهبت العرض المهر قبل القبض أو بعده فطلقت قبل الوطء لم يرجع عليها بشيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنها توجب الإهانة ا هـ. وفي البدائع إن استخدام الحرة زوجها الحر حرام لكونه استهانة وإذلالا ا هـ.
وحاصله أنه يحرم عليها الاستخدام ويحرم عليه الخدمة لها وظاهر المختصر أن المرأة حرة؛ لأنه جعل الخدمة لها، وأما لو تزوج عبد أمة على خدمته سنة لمولاها فإنه صحيح بالأولى ويخدم المولى وينبغي أنه لو تزوجها على أن يخدمها أن لا تصح التسمية أصلا ولم أرهما صريحا.
"قوله: ولو قبضت ألف المهر ووهبته له فطلقها قبل الوطء رجع عليها بالنصف "; لأنه لم يصل إليه بالهبة عين ما يستوجبه؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في العقود والفسوخ، ولذا لو سمى لها دراهم، وأشار إليها له أن يحبسها ويدفع مثلها جنسا ونوعا، وقدرا وصفة كذا في البدائع ولا يلزمها رد عين ما أخذت بالطلاق قبل الدخول، ولذا قال الولوالجي في فتاويه من باب الزكاة ولو تزوج رجل امرأة على ألف درهم وقبضت وحال الحول ثم طلقها قبل الدخول بها زكت الألف كلها؛ لأنه وجب في ذمتها مثل نفس المقبوض لا عين المقبوض والدين بعد الحول لا يسقط الواجب ولو كانت سائمة غير الأثمان زكت نصفها؛ لأنه استحق نصفها من غير اختيارها فصار كالهلاك ولا يزكي الزوج شيئا؛ لأن ملك الزوج الآن عاد في النصف ا هـ.
وأشار المصنف إلى أن حكم المكيل والموزون إذا لم يكن معينا حكم النقد لعدم التعيين، وأما المعين منه فكالعرض وفي البدائع وإن كان تبرا أو نقرة ذهبا أو فضة فهو كالعرض في رواية فيجبر على تسليم العين وفي رواية كالمضروب فلا يجبر.
"قوله: فإن لم تقبض الألف أو قبضت النصف ووهبت الألف أو وهبت العرض المهر قبل القبض أو بعده فطلقت قبل الوطء لم يرجع عليها بشيء "بيان لمفهوم المسألة المتقدمة وهي ثلاث مسائل الأولى إذا لم تقبض شيئا من المهر ثم وهبته كله له ثم طلقها قبل الدخول فإنه لا رجوع له عليها بشيء وفي القياس يرجع عليها بنصف الصداق وهو قول زفر؛ لأنه سلم له بالإبراء فلا تبرأ عما يستحقه بالطلاق، ووجه الاستحسان أنه وصل إليه عين ما يستحقه بالطلاق قبل الدخول وهو براءة ذمته عن نصف المهر ولا يبالى باختلاف السبب عند حصول المقصود وله نظائر منها ما في معراج الدراية الغاصب إذا وهب المغصوب للمغصوب منه ومثله ما إذا قال إنك غصبت مني ألف درهم، فقال المدعى عليه بل استقرضتها ا هـ. وتمامه في التلخيص.

 

ج / 3 ص -228-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها ما إذا باع بيعا فاسدا وقبض المشتري المبيع ثم وهبه للبائع لا يضمن قيمته لحصول المقصود بخلاف ما لو وصل المبيع إليه من جهة غير المشتري حيث لا يبرأ من الضمان؛ لأنه لم يصل إليه من الجهة المستحقة.
ومنها ما إذا اشترى جارية بعبد ثم وهب الجارية من مشتري العبد ثم استحق العبد من يده فإنه لا يرجع على المشتري للجارية بقيمتها استحسانا.
ومنها مريض وهب جارية من إنسان لا مال له غيرها وسلم الجارية إليه ثم وهب الموهوب له الجارية من المريض ثم مات من مرضه فإنه لا يضمن الموهوب له قيمة ثلثي الجارية للورثة استحسانا بخلاف ما لو وهب المريض لأحد بنيه عبدا ثم وهبه الأخ لأخيه ثم مات الأب فإنه يرجع على أخيه الواهب بنصف قيمة العبد؛ لأنه ما وصل إليه من جهة أبيه.
ومنها المرتهن إذا أبرأ الراهن عن الدين ثم هلك الرهن في يد المرتهن لا يضمن ومنها المسلم إليه إذا وهب رأس المال وهو عرض من رب السلم ثم تقايلا السلم لا يغرم المسلم إليه شيئا استحسانا ويلزمه قيمته قياسا وهو قول زفر كذا في المحيط ويرد على هذا الأصل أعني أنه لا اعتبار لاختلاف السبب إذا حصل المقصود ما ذكره في التبيين من باب التحالف لو قال بعتني هذه الجارية فأنكر، فقال ما بعتكها، وإنما زوجتكها فإنه لا يجوز له أن يطأها لاختلاف الحكم فإن حكم ملك اليمين خلاف حكم الزوجية ا هـ. إلا أن يقال إنه ليس من قبيل حصول المقصود؛ لأن المقصود منهما مختلف وينبغي أن يكون داخلا تحت الأصل المذكور ما إذا أقر له بألف من ثمن متاع، فقال المقر له هي غصب قال الزيلعي من باب التحالف أنه يؤمر بالدفع إليه لاتحاد الحكم وفي تلخيص الجامع من باب الإقرار بما يكون قصاصا قال أودعتني هذه الألف، فقال بل لي ألف قرض فقد رد؛ لأن العين غير الدين إلا أن يتصادقا؛ لأن المقر كالمبتدئ ولو قال أقرضتكها أخذ الألف؛ لأن التكاذب في الزوال ولو قال غصبتك أخذ ألفا؛ لأن موجبه الضمان فاتفقا على الدين واختلفا في الجهة فلغت، وكذا لو أقر بالقرض وهو ادعى الثمن ا هـ.
وفي المعراج فإن قيل يلزم على هذا ما إذا اشترى عبدا بألف ثم حط البائع عشر الثمن ثم وجد به عيبا بنقص عشر الثمن حيث يرجع بنقصان العيب وإن حصل له هذا بالحط قلنا موجب العيب سقوط بعض الثمن، وهذا لا يحصل له بالحط؛ لأن المحطوط خرج عن كونه ثمنا ا هـ.

 

ج / 3 ص -229-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية: ما إذا قبضت النصف ثم وهبت الكل المقبوض وغيره ثم طلقها قبل الدخول بها فإنه لا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء عند أبي حنيفة وقالا يرجع عليها بنصف ما قبضت اعتبارا للبعض بالكل؛ لأن الحط يلتحق بأصل العقد وله أن مقصوده سلامة النصف بالطلاق، وقد حصل والحط لا يلتحق بأصل العقد في النكاح كالزيادة، ولذا لا تتنصف الزيادة مع الأصل اتفاقا هكذا في الهداية وغاية البيان والتبيين وكثير من الكتب واستشكله في فتح القدير بأن التحاق الزيادة بأصل العقد هو الدافع لقول المانعين لها لو صحت كان ملكه عوضا عن ملكه فإذا لم تلتحق بقي إبطالهم بلا جواب فالحق أنها تلتحق كما يعطيه كلام غير واحد من المشايخ، وإنما لا تتنصف؛ لأن الانتصاف خاص بالمفروض في نفس العقد حقيقة كما قدمناه ا هـ.
وحاصله أنه تناقض كلامهم فصرحوا هنا بعدم الالتحاق وفي مسألة زيادة المهر بالالتحاق فرجح المحقق ما صرحوا به في المسألة السابقة وأبطل كلامهم هنا والحق أن كلامهم في الموضعين صحيح؛ لأن قولهم هناك بالالتحاق إنما هو من وجه دون وجه لتصريحهم بأنها لو حطت من المهر حتى صار الباقي أقل من عشرة فإنه لا يضر ولو التحق الحط بأصل العقد من كل وجه للزم تكميلها ولوجب مهر المثل لو حطت الكل كأنه لم يسم شيئا وقولهم هنا بعدمه إنما هو من وجه دون وجه عملا في كل موضع بما يناسبه فروعي جانب الالتحاق لتصحيح الزيادة حتى لا يكون ملكه عوضا عن ملكه للنص المفيد لصحتها كما أسلفناه وروعي جانب عدمه هنا؛ لأنه لا داعي إليه؛ لأن المقصود سلامة النصف للزوج، وقد حصل فلا ضرورة إلى القول بالالتحاق الذي هو خلاف الأصل؛ لأنه مغير للعقد، والله الموفق للصواب.
وقوله ووهبت الألف عائد إلى المسألتين مع أن هبة الألف ليس بقيد في الثانية؛ لأنها لو وهبت النصف الذي في ذمته فالحكم كذلك من أنه لا رجوع له عليها عنده خلافا لهما.
وقيد بقبض النصف للاحتراز عما إذا قبضت أكثر من النصف ووهبت الباقي فإنها ترد عليه ما زاد على النصف عنده كما لو قبضت ستمائة ووهبت أربعمائة فإنه يرجع بمائة وعندهما يرجع بنصف المقبوض فترد ثلثمائة كما في غاية البيان.
ولو وهبته مائتين رجع بثلاث مائة تتميما للنصف كما في النهاية، وأما إذا قبضت أقل من النصف ووهبت الباقي فهو معلوم بالأولى فعلم أن التقييد بالنصف للاحتراز عن الأكثر لا عن الأقل وحكم المثلي الغير المعين حكم النقد هنا أيضا المسألة الثالثة لو كان المهر عرضا فوهبته

 

ج / 3 ص -230-       ولو نكحها بألف على أن لا يخرجها أو على أن لا يتزوج عليها أو على ألف إن أقام بها وعلى ألفين إن أخرجها فإن وفى وأقام فلها الألف وإلا فمهر المثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار بقوله العرض المهر إلى أنه لم يتعيب؛ لأنها لو وهبته له بعد ما تعيب بعيب فاحش ثم طلقها قبله فإنه يرجع عليها بنصف قيمة العرض يوم قبضت؛ لأنه لما تعيب فاحشا صار كأنها وهبته عينا أخرى غير المهر كما في التبيين وظاهره أن العيب اليسير كالعدم لما سيأتي أن العيب اليسير في المهر متحمل.
وأطلق في العرض فشمل المعين وما في الذمة بخلاف المثليات فإن ما في الذمة منها ليس حكمه كالعرض والمعين منها كالعرض وهو من خصوص النكاح فإن العرض فيه يثبت في الذمة؛ لأن المال فيه ليس بمقصود فيجري فيه التسامح بخلاف البيع.
وتمثيلهم هنا له بالحيوان المراد به هنا الفرس والحمار ونحوهما لا مطلق الحيوان فإن التسمية تفسد كما سيأتي وقيد بالهبة؛ لأنها لو باعت عرض الصداق من الزوج ثم طلقها قبله فإنه يرجع عليها بالنصف كذا في غاية البيان ولم يبين أنه يرجع عليها بنصف قيمته أو بنصف الثمن المدفوع والظاهر الأول.
وقيد بهبة المرأة للزوج؛ لأنها لو وهبت العرض لأجنبي بعد قبضه ثم وهبه الأجنبي من الزوج ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف الصداق العين والدين في ذلك سواء؛ لأنه لم يسلم له النصف من جهتها كذا في المبسوط.
وقيد بهبة جميع العرض؛ لأنها لو وهبت له أقل من النصف وقبضت الباقي فإنها ترد ما زاد على النصف ولو وهبت له أكثره أو النصف فلا رجوع له ومما يناسب مسألة هبة المرأة العرض المهر ما في الظهيرية لو وهبت المرأة العين الممهورة للزوج ثم استحقت فإنها ترجع عليه بقيمتها. ا هـ.؛ لأنه بالاستحقاق بطلت الهبة، وقد تزوجها على عين مملوكة لغيره، وقد ظهر لي هنا أن هذه المسألة أعني ما إذا طلقها قبل الدخول بعدما وهبته على ستين وجها؛ لأن المهر إما ذهب أو فضة أو مثلي غيرهما أو قيمي فالأول على عشرين وجها؛ لأن الموهوب إما الكل أو النصف وكل منهما إما أن يكون قبل القبض أو بعد القبض أو بعد قبض النصف أو أقل منه أو أكثر منه فهي عشرة وكل منها إما أن يكون مضروبا أو تبرا فهي عشرون والعشرة الأولى في المثلي وكل منها إما أن يكون معينا أو لا، وكذا في القيمي والأحكام مذكورة فليتأمل.
"قوله: ولو نكحها بألف على أن لا يخرجها أو على أن لا يتزوج عليها أو على ألف إن أقام بها وعلى ألفين إن أخرجها فإن وفى وأقام فلها الألف وإلا فمهر المثل "بيان المسألتين الأولى

 

ج / 3 ص -231-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضابطها أن يسمي لها قدرا ومهر مثلها أكثر منه ويشترط منفعة لها أو لأبيها أو لذي رحم محرم منها فإن وفى بما شرط فلها المسمى؛ لأنه صلح مهرا، وقد تم رضاها به وإلا فمهر المثل؛ لأنه سمى ما لها فيه نفع فعند فواته ينعدم رضاها بالمسمى فيكمل مهر مثلها كما إذا شرط أنه لا يخرجها من البلد أو لا يتزوج عليها أو أن يكرمها ولا يكلفها الأعمال الشاقة أو أن يهدي لها هدية أو أن يطلق ضرتها أو على أن يعتق أخاها أو على أن يزوج أباها ابنته.
وعلله في المحيط بأنها تنتفع بما لأخيها وابنها فصارت كالمنفعة المشروطة لها ا هـ. ولا بد أن يكون بصيغة المضارع في العتق والطلاق ليكون وعدا إن وفى به فيها وإلا لا يلزمه الإعتاق والتطليق ويكمل لها مهر المثل. أما إذا شرطه بالمصدر كما إذا تزوجها على ألف وعتق أخيها أو طلاق ضرتها عتق الأخ وطلقت المرأة بنفس النكاح ولا يتوقف على أن يوقعهما وللمرأة المسمى فقط، وأما ولاء الأخ فإن قال الزوج وعتق أخيها عنها فهو لها؛ لأنها المعتقة لتقدم الملك لها ويصير العبد من جملة المهر المسمى وإن لم يقل الزوج عنها فهو المعتق والولاء له والطلاق الواقع رجعي؛ لأنه قوبل بالبضع وهو ليس بمتقوم وتقومه بالعقد لضرورة التملك فلا يعدوها فلم يظهر في حق الطلاق الواقع على الضرة فبقي طلاقا بغير بدل فكان رجعيا كما لو قال مولى المنكوحة للزوج طلقها على أن أزوجك أمتي الأخرى ففعل طلقت رجعية ولا شيء له إن لم يزوجه؛ لأن البضع عند خروجه لا قيمة له كما في المحيط.
قيد بكون المنفعة المشروطة لها؛ لأنه لو شرط مع المسمى منفعة لأجنبي ولم يوف فليس لها إلا المسمى؛ لأنها ليست بمنفعة مقصودة لأحد المتعاقدين كذا في المحيط ولا يخفى أن حكم ما إذا شرط مع المسمى ما يضرها كالتزوج عليها أنه ليس لها إلا المسمى مطلقا بالأولى.
وقيدنا بأن يكون مهر مثلها أكثر من المسمى؛ لأن المسمى لو كان مثل مهر المثل أو أكثر منه ولم يوف بما وعد فليس لها إلا المسمى كذا في غاية البيان.
وأشار بما ذكره إلى أن المنفعة المشروطة لها مما يباح لها الانتفاع به؛ لأنه لو شرط لها مع المسمى ما لا يباح الانتفاع به شرعا كالخمر والخنزير فإن كان المسمى عشرة فصاعدا وجب لها وبطل الحرام ولا يكمل مهر المثل؛ لأن المسلم لا ينتفع بالحرام فلا يجب عوض بفواته كذا في غاية البيان ثم اعلم أن صاحب الهداية ذكر أن من هذه المسألة أعني مسألة شرط المنفعة مع المسمى ما إذا شرط الكرامة والهدية مع الألف فظاهره أنه إن وفى فلها المسمى وإلا فلها مهر

 

ج / 3 ص -232-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثل كما صرح به في غاية البيان في مسألة ما إذا ظهر أحد العبدين حرا مع أن الهدية والكرامة مجهولتان ولا يمكن الوفاء بالمجهول. والظاهر أنها ليست داخلة في هذه المسألة، وإنما التسمية فاسدة فيجب مهر المثل، ولذا قال الولوالجي في فتاويه وصاحب المحيط لو تزوجها على ألف وكرامتها أو على أن يهدي لها هدية فلها مهر مثلها لا ينقص من الألف؛ لأن الكرامة والهدية مجهولة القدر، وهذه الجهالة أكثر من جهالة مهر المثل فيصار إلى مهر المثل فإن طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الألف؛ لأن ما زاد على الألف يثبت على اعتبار مهر المثل ومهر المثل لا يتنصف ا هـ.
وقيد بكونه شرط لها منفعة ولم يشترط عليها رد شيء فلو تزوجها على ألف وعلى أن يطلق امرأته فلانة وعلى أن ترد عليه عبدا فقد بذلت البضع والعبد والزوج بذل الألف وشرط الطلاق فينقسم الألف على مهر مثلها وعلى قيمة العبد فإذا كانا سواء صار نصف الألف ثمنا للعبد ونصفها صداقا لها فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف ذلك وإن دخل بها نظر إن كان مهر مثلها خمسمائة أو أقل فليس لها إلا ذلك وإن كان أكثر فإن وفى بالشرط فليس لها إلا الخمسمائة وإن أبى أن يطلق فلها كمال مهر المثل وتمامه في المحيط والمبسوط، وقد علم أن وجوب مهر المثل إنما هو عند الدخول إما إن طلقها قبله فلها نصف المسمى وبطل شرط المنفعة لها، ولذا قال في المبسوط يجوز أن يصار إلى مهر المثل قبل الطلاق ولا يصار إلى المنفعة بعد الطلاق كما إذا تزوجها على ألف وكرامتها. ا هـ.
وقد يقال إن هذه المسألة على وجوه ثلاثة؛ لأن الشرط إما أن يكون نافعا لها أو لأجنبي أو ضارا وكل منها إما أن يكون الوفاء حاصلا بمجرد النكاح أو متوقفا على فعل الزوج فهي ستة وكل من الستة إما أن يكون مهر المثل أكثر من المسمى أو أقل أو مساويا وكل من الثمانية عشر إما أن يكون قبل الدخول أو بعده وكل من الستة والثلاثين إما أن يباح الانتفاع بالشرط أو لا وكل من الاثنين والسبعين إما أن يشترط عليها رد شيء إليه أو لا وكل من المائة والأربعة والأربعين إما أن يحصل الوفاء بالشرط أو لا فهي مائتان وثمانية وثمانون فليتأمل.
الثانية حاصلها أن يسمي لها مهرا على تقدير وآخر على تقدير آخر كأن يتزوجها على ألف إن أقام بها أو أن لا يتسرى أو أن يطلق ضرتها أو إن كانت مولاة أو إن كانت أعجمية أو ثيبا وعلى ألفين إن كان أضدادها فإن وفى بالشرط أو كانت أعجمية ونحوه فلها الألف وإلا فمهر المثل لا يزاد على ألفين ولا ينقص عن الألف عند أبي حنيفة، وكذا إن قدم شرط الألفين يصح المذكور عنده فحاصله أن الشرط الأول صحيح عنده والثاني فاسد وقالا الشرطان جائزان حتى كان

 

ج / 3 ص -233-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لها الألف إن أقام والألفان إن أخرجها وقال زفر الشرطان جميعا فاسدان وأصل المسألة في الإجارات في قوله إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فعند الإمام اليوم للتعجيل والغد للإضافة وعندهما اليوم للتوقيت والغد للإضافة وعند زفر اليوم للتعجيل والغد للترفيه والتيسير وتمامه في المحيط من الإجارات.
اعلم أن قولهم هنا بصحة التسمية الأولى فقط بناء على أنها منجزة لا يتم إلا في قوله على ألف إن أقام، وأما على نحو ألف إن طلق ضرتها وعلى ألفين إن لم يطلق فعلى العكس؛ لأن المنجز الآن عدم الطلاق فينبغي فساد الأولى وصحة الثانية، وأما في نحو إن كانت مولاة فلم يعلم أيهما المنجز من المعلق وحاصل دليله هنا أن إحدى التسميتين منجزة والأخرى معلقة فلا يجتمع في الحال تسميتان فإذا أخرجها فقد اجتمعا فيفسدان، وهذا؛ لأن المعلق لا يوجد قبل شرطه والمنجز لا ينعدم بوجود المعلق فيتحقق الاجتماع عند وجود الشرط لا قبله وأورد عليه طلب الفرق بين هذا وبين ما إذا تزوجها على ألف إن كانت قبيحة وعلى ألفين إن كانت جميلة حيث يصح الشرطان اتفاقا ففرق بينهما في الغاية بأن الخطر في مسألة الكتاب دخل على التسمية الثانية؛ لأن الزوج لا يعرف هل يخرجها أو لا ولا مخاطرة في تلك المسألة؛ لأن المرأة على صفة واحدة لكن الزوج لا يعرف ذلك وجهالته لا توجب خطرا ورده في التبيين بأنه يرد عليه أنه إذا تزوجها على ألفين إن كانت حرة الأصل وعلى ألف إن كانت مولاة أو على ألفين إن كانت له امرأة وعلى ألف إن لم يكن له امرأة؛ لأنه لا مخاطرة هنا ولكن جهل الحال وارتضاه في فتح القدير ثم قال، والأولى أن تجعل مسألة القبيحة والجميلة على الخلاف فقد نص في نوادر ابن سماعة عن محمد على الخلاف فيها ا هـ. وقد أخذ هذه الرواية من المجتبى، وقد يقال في الفرق أن المرأة وإن كانت في الكل على صفة واحدة لكن الجهالة قوية في الحرية أصالة وعدمها ونحوها؛ لأنها ليست أمرا مشاهدا بل إذا وقع فيه التنازع احتاج إلى الإثبات فكان فيه مخاطرة معنى بخلاف الجمال والقبح فإنه أمر مشاهد فيها فجهالته يسيرة لزوالها بلا مشقة فنزلت منزلة العدم فلذا صحح أبو حنيفة التسميتين كما نقله الإمام الدبوسي رحمه الله وصاحب المحيط، وكذا ذكر الاتفاق الإمام الولوالجي في فتاويه وغيره وارتضاه في غاية البيان فما في نوادر ابن سماعة من الخلاف ضعيف.
ثم اعلم أن دليل الإمام المذكور هنا لا يشمل ما ذكره من أن طلق ضرتها ونحوه كما لا يخفى وقوله وإلا فمهر المثل عائد إلى المسألتين أي إن لم يوف بما شرط لها في المسألة الأولى ولم يقم بها في الثانية فالواجب مهر المثل لكن قد علمت أنه في الثانية لا يزاد على التسمية الثانية لرضاها بها ولا ينقص عن التسمية الأولى لرضاه بها، وأشار بوجوب مهر المثل إلى أنه لو

 

ج / 3 ص -234-       ولو نكحها على هذا العبد أو على هذا الألف حكم مهر المثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى أولا سواء وفى بشرطه أو لا؛ لأن مهر المثل لا يتنصف.
"قوله: ولو نكحها على هذا العبد أو على هذا الألف حكم مهر المثل "أي جعل مهر المثل حكما فيما إذا تزوجها على أحد شيئين مختلفين قيمة؛ لأن التسمية فاسدة عند أبي حنيفة وقالا لها لأقل؛ لأن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى، وقد أمكن إيجاب الأقل لتيقنه وله أن الموجب الأصلي مهر المثل إذ هو الأعدل والعدول عنه عند صحة التسمية، وقد فسدت لمكان الجهالة ورجح قولهما في التحرير بأن لزوم الموجب الأصلي عند عدم تسميته ممكنة فالخلاف مبني على أن مهر المثل أصل عنده والمسمى خلف عنه وعندهما على العكس كذا في غاية البيان معزيا إلى الجامع الكبير فما في فتح القدير من التردد في نقل ذلك عنهم لا محل له ومعنى التحكيم أن مهر المثل إن وافق أحدهما وجب وإن كان بينهما فمهر المثل وإن نقص عن الأقل فلها الأقل لرضاه به وإن زاد على الأكثر فلها الأكثر فقط لرضاها به وفي الخانية لو أعتقت المرأة أوكسهما قبل الطلاق إن كان مهر مثلها مثل الأوكس أو أقل جاز عتقها في الأوكس وإن أعتقت الأرفع وكان مهر مثلها أكثر من قيمته جاز عتقها وإن كان أقل منها لم يجز ولا يجوز عتقها في الأرفع بعد الطلاق قبل الدخول على كل حال ويجوز في الأوكس.
وأشار بالتحكيم إلى اختلاف الشيئين فلو كانا سواء فلا تحكيم ولها الخيار في أخذ أيهما شاءت ولا فرق في الاختلاف بين أن يكون في القدر أو في الوصف فشمل ما إذا تزوجها على ألف حالة أو مؤجلة إلى سنة فإن كان مهر مثلها ألفا أو أكثر فلها الحالة وإلا فالمؤجلة وعندهما المؤجلة؛ لأنها الأقل وإن تزوجها على ألف حالة أو ألفين إلى سنة ومهر مثلها كالأكثر فالخيار لها وإن كان كالأقل فالخيار له وإن كان بينهما يجب مهر المثل وعندهما الخيار له لوجوب الأقل عندهما.
وقيدنا الشيئين بالاختلاف؛ لأنهما لو كانا سواء من حيث القيمة صحت التسمية اتفاقا كذا في فتح القدير.
وقيدنا الاختلاف بين الشيئين من حيث القيمة لإفادة أنه لا يشترط الاختلاف جنسا فيدخل تحته ما إذا نكحها على هذا العبد أو هذا العبد أو على هذا الألف أو الألفين.
وأشار المصنف باقتصاره على كلمة أو بدون تخيير إلى أنه لو كان فيه خيار لأحدهما كأن يقول على أنها بالخيار تأخذ أيهما شاءت أو على أني بالخيار أعطيك أيهما شئت فإنه يصح كذلك اتفاقا لانتفاء المنازعة وإلى أنه لو طلقها قبل الدخول فإنه بحكم متعة مثلها؛ لأنها الأصل فيه كمهر المثل قبل الطلاق ونصف الأقل يزيد عليها في العادة فوجب لاعترافه بالزيادة كما صرح به في

 

ج / 3 ص -235-       وعلى فرس أو حمار يجب الوسط أو قيمته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهداية وظاهره أن نصف الأقل لو كان أقل من المتعة فالواجب المتعة، وقد صرح به قاضي خان في فتاواه فما في غاية البيان من أن لها نصف الأقل اتفاقا ليس على إطلاقه.
وأشرنا إلى أنه لا فرق بين كلمة أو لفظ أحدهما فلو قال تزوجتك على أحد هذين فالحكم كذلك كما صرح به في المحيط، ولذا ذكر في الجامع الكبير أن من تزوج امرأة على أحد مهرين مختلفين يقضى بمهر المثل عنده إلى آخره.
وقيد بالنكاح؛ لأن في الخلع على أحد شيئين مختلفين أو الإعتاق عليه يجب الأقل اتفاقا وهو حجتهما في مسألتنا وفرق الإمام بأنه ليس له موجب أصلي يصار إليه عند فساد التسمية فوجب الأقل كذا في الهداية وشروحهما وفي فتاوى قاضي خان ولو كان هذا في الخلع تعطيه أيهما شاءت المرأة وهو قول أبي حنيفة ا هـ. وهو مخالف للأول؛ لأنه قد يكون لها غرض في إمساك الأقل قيمة فتدفع الأعلى وهي تريد خلافه وإن كان الغالب أنها تدفع الأقل، وكذا في الإقرار بأحد شيئين كألف أو ألفين فالواجب الأقل اتفاقا لما ذكرناه.
"قوله: وعلى فرس أو حمار يجب الوسط أو قيمته "أي لو نكحها على فرس أو نكحها على حمار.
وحاصله أنه سمى جنس الحيوان دون نوعه كذا في التبيين وفي الهداية معنى المسألة أن يسمي جنس الحيوان دون الوصف وفي الولوالجية الحاصل أن جهالة الجنس والقدر مانعة وجهالة النوع والوصف لا ا هـ. وإنما صحت التسمية مع هذه الجهالة؛ لأن النكاح معاوضة مال بغير مال فجعلنا التزام المال ابتداء حتى لا يفسد بأصل الجهالة كالدية والأقارير وشرطنا أن يكون المسمى مالا وسطه معلوم رعاية للجانبين وذلك عند إعلام الجنس؛ لأنه يشتمل على الجيد والرديء والوسط ذو حظ منهما بخلاف جهالة الجنس؛ لأنه واسطة لاختلاف معاني الأجناس وبخلاف البيع؛ لأن مبناه على المضايقة والمماكسة.
أما النكاح فمبناه على المسامحة، وإنما يتخير الزوج؛ لأن الوسط لا يعرف إلا بالقيمة فصارت أصلا في حق الإيفاء والعبد أصل تسمية فيتخير بينهما، والأوسط من العبيد في زماننا الأدنى التركي والأرفع الهندي كذا في الذخيرة وفي البدائع الجيد عندهم هو الرومي والوسط فتخنق والرديء الهندي، وأما عندنا فالجيد هو التركي والوسط الرومي والرديء الهندي. ا هـ. والأوسط في القاهرة في زماننا العبد الحبشي والأعلى الأبيض والرديء الأسود وتعتبر قيمة الوسط على قدر غلاء السعر والرخص عندهما وهو الصحيح كذا في الذخيرة أي عند أبي يوسف ومحمد، وأما أبو حنيفة فقد قدره بحسب زمنه.

 

ج / 3 ص -236-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بكونه لم يضفه إلى نفسه؛ لأنه لو أضافه إلى نفسه كما إذا قال تزوجتك على عبدي أو على ثوبي أو قالت المرأة اختلعت نفسي منك على عبدي ثم أتى بالقيمة لا تجبر على القبول؛ لأن الإضافة إلى نفسه من أسباب التعريف كالإشارة، وهذا بخلافها في الوصية فإن من أوصى لإنسان بعشرة من رقيقه وله رقيق فهلكوا واستفاد رقيقا آخر لا تبطل الوصية ولو التحقت الإضافة بالإشارة لبطلت الوصية كما لو أشار إلى الرقيق فهلكوا فإنها تبطل؛ لأن الإضافة بمنزلة الإشارة من وجه من حيث إن كل واحدة وضعت للتعريف إلا أنها بمنزلة الإطلاق من وجه من حيث إنها لا تقطع الشركة من كل وجه.
والعمل بالشبهين متعذر في جميع العقود فعملنا بشبه الإشارة في الأمان والنكاح والخلع وبشبه الإطلاق في الوصية عملا بهما بقدر الإمكان كذا في الذخيرة وبهذا علم أنه لا يسوى بين المشار إليه وبين المضاف هنا من كل وجه؛ لأن المشار إليه ليس فيه شركة أصلا فلذا تملكه المرأة بمجرد القبول إن كان ملكا للزوج وأما في المضاف فلا تملكه المرأة بمجرد القبول حتى يعينه الزوج فما في فتح القدير من التسوية بينهما في هذا الحكم غير صحيح ويشكل على ما في الذخيرة ما في الخانية لو قال أتزوجك على ناقة من إبلي هذه قال أبو حنيفة لها مهر مثلها وقال أبو يوسف يعطيها ناقة من إبله ما شاء ا هـ. فإن الناقة كالعبد فينبغي أن تصح التسمية كما لا يخفى.
وذكر في البدائع الجمل مع العبد وأنه تصح تسميته ولا فرق بين الجمل والناقة إلا أن يقال إنها مجهولة ولا يمكن إيجاب الوسط مع التقييد بقوله من إبلي هذه فالمفسد للتسمية قوله من إبلي لا مطلق ذكر الناقة ويدل عليه ما في المعراج أنه لو تزوجها على ناقة من هذه الإبل وجب مهر المثل فالإشارة والإضافة فيه سواء وإن لم يكن المشار إليه في ملكه فلها المطالبة بشرائه فإن عجز عن شرائه لزمه قيمته.
وحاصله أن العرض المعين والمثلي كذلك تملكه المرأة قبل القبض لتعينه إلا النقدين فلا تملكه إلا بالقبض، وكذا غير المعين من الأولين ومن أحكام العرض المهر أنه لا يثبت فيه خيار رؤية؛ لأن فائدته فسخ العقد بالرد وهو لا يقبله، وأما خيار العيب فإن كان العيب يسيرا فلا ترده به وإن كان فاحشا فلها رده هكذا أطلقه كثير واستثني في فتاوى قاضي خان المكيل والموزون فإنها ترده باليسير.

 

ج / 3 ص -237-       وعلى ثوب أو خمر أو خنزير أو على هذا الخل فإذا هو خمر أو على هذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفاحش وفي المبسوط كل عيب ينقص من المالية مقدار ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في الأسواق فهو فاحش وإن كان ينقص بقدر ما يدخل بين تقويم المتقومين فهو يسير. ا هـ.
وقيد المصنف بالفرس ونحوه؛ لأنه لو تزوجها على قيمة هذا الفرس أو على قيمة هذا العبد وجب مهر المثل؛ لأنه سمى مجهول الجنس كذا في الخانية ففرق بين القيمة ابتداء وبقاء؛ لأنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء. وأشار المصنف إلى أنه لو تزوجها على أربعمائة دينار على أن يعطيها بكل مائة خادما فإنه يجوز الشرط ولها أربع من الخدم الأوساط كما في الخانية بالأولى وإن عين الخدم في هذه المسألة فهو صحيح كما في الخانية بالأولى.
"قوله: وعلى ثوب أو خمر أو خنزير أو على هذا الخل فإذا هو خمر أو على هذا العبد فإذا هو حر يجب مهر المثل" بيان لثلاث مسائل الحكم فيها واحد وهو وجوب مهر المثل لفساد التسمية.
الأولى إذا كان المسمى مجهول الجنس كالثوب؛ لأن الأثواب أجناس شتى كالحيوان والدابة فليس البعض أولى من البعض بالإرادة فصارت الجهالة فاحشة، وقد فسر في غاية البيان الجنس بالنوع ولا حاجة إليه؛ لأن الجنس عند الفقهاء هو المقول على كثيرين مختلفين بالأحكام كإنسان والنوع هو المقول على كثيرين متفقين بالأحكام كرجل ولا شك أن الثوب تحته - الكتان والقطن والحرير والأحكام مختلفة فإن الثوب الحرير لا يحل لبسه وغيره يحل فهو جنس عندهم، وكذا الحيوان تحته الفرس والحمار وغيرهما، وأما الدار فتحتها ما يختلف اختلافا فاحشا بالبلدان والمحال والسعة والضيق وكثرة المرافق وقلتها فتكون هذه الجهالة أفحش من جهالة مهر المثل فمهر المثل أولى وهو الضابط هنا سواء كان مجهول الجنس أو مجهول النوع وأما البيت فذكروا أن تسميته صحيحة كفرس وحمار، وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام بأنه في عرفنا ليس خاصا بما يبات فيه بل يقال لمجموع المنزل والدار فينبغي أن يجب بتسميته مهر المثل كالدار.
وذكر في البدائع أنه لو تزوجها على بيت فلها بيت وسط مما يجهز به النساء وهو بيت الثوب لا البيت المبني فينصرف إلى فراش البيت في أهل الأمصار وفي أهل البادية إلى بيت الشعر ا هـ. وبه اندفع ما بحثه ابن الهمام؛ لأنهم ما أرادوا به المبني وفي معراج الدراية وفي عرفنا يراد بالبيت المبني الذي من المدر يبات فيه فلا يصلح مهرا إذا لم يكن معينا ا هـ.

 

ج / 3 ص -238-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بالثوب من غير بيان نوعه؛ لأنه لو زاد عليه، فقال هروي أو مروي صحت التسمية ويجب الوسط أو قيمته يخير الزوج كما قدمناه، وكذا إذا بالغ في وصف الثوب في ظاهر الرواية؛ لأنها ليست من ذوات الأمثال بدليل أنه لو استهلكها لا يضمن المثل قال محمد وأصل هذا أن كل ما جاز السلم فيه فلها أن لا تأخذ إلا المسمى وما لم يجز فيه السلم كان للزوج أن يعطيها القيمة.
والسلم في الثياب جائز إذا كانت مؤجلة ولا يجوز بدون الأجل فله أن يعطيها القيمة إلا في المكيل والموزون لها أن لا تأخذ القيمة وإن لم تكن مؤجلة؛ لأن المكيل والموزون يصلح مهرا وثمنا من غير ذكر الأجل أما الثوب الموصوف وإن صلح مهرا إلا أن الثوب يتعين بالتعين فكان بمنزلة العبد ومن تزوج امرأة على عبد بغير عينه كان له أن يعطي القيمة كذا في الخانية.
فالحاصل أن المكيل والموزون غير النقد إذا سمي جنسه وصفته صار كالمشار إليه العرض وإن لم يسم صفته فهو كالفرس والحمار وفي الخانية لو تزوجها على عشرة دراهم وثوب ولم يصفه كان لها عشرة دراهم ولو طلقها قبل الدخول بها كان لها خمسة دراهم إلا أن تكون متعتها أكثر من ذلك. ا هـ. وبهذا علم أن وجوب مهر المثل فيما إذا سمي مجهول الجنس إنما هو فيما إذا لم يكن معه مسمى معلوم لكن ينبغي على هذا أن لا ينظر إلى المتعة أصلا؛ لأن المسمى هنا عشرة فقط وذكر الثوب لغو بدليل أنه لم يكمل لها مهر المثل قبل الطلاق.
وفي الظهيرية لو تزوجها على دراهم كان لها مهر المثل ولا يشبه هذا الخلع ا هـ. وبهذا علم أن جهالة القدر كجهالة الجنس وفي الخانية لو تزوجها على أقل من ألف درهم ومهر مثلها ألفان كان لها ألف درهم؛ لأن النقصان عن الألف لم يصح لمكان الجهالة فصار كأنه تزوجها على ألف وإن كان مهر مثلها أقل من عشرة قال محمد لها عشرة دراهم ا هـ.
وفي البدائع لو تزوجها على بيت وخادم ووصف الوسط من كل واحد منهما ثم صالحت من ذلك زوجها على أقل من قيمة الوسط ستين دينارا أو سبعين دينارا جاز الصلح؛ لأنه إسقاط للبعض ويجوز ذلك بالنقد والنسيئة فإن صالحته على أكثر من قيمة الوسط فالفضل باطل لكون القيمة واجبة بالعقد.
المسألة الثانية تسمية المحرم كما إذا تزوج مسلم مسلمة على خمر أو خنزير فإنه يبطل التسمية؛ لأنه ليس بمال في حق المسلم كما في الهداية أو مال غير متقوم كما في البدائع فوجب مهر المثل.

 

ج / 3 ص -239-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار إلى عدم صحتها على الميتة والدم بالأولى؛ لأنه ليس بمال عند أحد أصلا وقيد في الهداية بأن يكون الزوج مسلما وقيد في البدائع بإسلامهما. والظاهر الأول؛ لأنه لو تزوج مسلم ذمية على خمر لم تصح التسمية؛ لأنه لا يمكن إيجابها على المسلم.
وقيد بكون المسمى هو المحرم فقط؛ لأنه لو سمى لها عشرة دراهم ورطلا من خمر فلها المسمى ولا يكمل مهر المثل كذا في المحيط. وأشار المصنف إلى صحة النكاح؛ لأن شرط قبول الخمر شرط فاسد فيصح النكاح ويلغو الشرط بخلاف البيع؛ لأنه يبطل بالشروط الفاسدة.
المسألة الثالثة: أن يسمي ما يصلح مهرا ويشير إلى ما لا يصلح مهرا كما إذا تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر أو على هذه الشاة الذكية فإذا هي ميتة أو على هذا الدن الخل فإذا هو خمر فالتسمية فاسدة في جميع ذلك ولها مهر المثل في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف تصح التسمية في الكل وعليه في الحر قيمة الحر لو كان عبدا وفي الشاة قيمة الشاة لو كانت ذكية وفي الخمر مثل ذلك الدن من خل وسط ومحمد فرق فوافق الإمام في الحر والميتة وأبا يوسف في الخمر.
والتحقيق أنه لا خلاف بينهم وأن المعتبر المشار إليه إن كان المسمى من جنسه وإن كان من خلاف جنسه فالمسمى قال المصنف في الكافي إن هذه المسائل مبنية على أصل وهو أن الإشارة والتسمية إذا اجتمعتا والمشار إليه من خلاف جنس المسمى فالعبرة للتسمية؛ لأنها تعرف الماهية والإشارة تعرف الصورة فكان اعتبار التسمية أولى؛ لأن المعاني أحق بالاعتبار وإن كان المشار إليه من جنس المسمى إلا أنهما اختلفا وصفا فالعبرة للإشارة والشأن في التخريج على هذا الأصل فأبو يوسف يقول الحر مع العبد والخل مع الخمر جنسان مختلفان في حق الصداق؛ لأن أحدهما مال متقوم يصلح صداقا والآخر لا فالحكم حينئذ للمسمى وكأن الإشارة تبين وصفه ومحمد يقول العبد مع الحر جنس واحد إذ معنى الذات لا يفترق وأما الخل مع الخمر فجنسان وأبو حنيفة يقول لا تأخذ الذاتان حكم الجنسين إلا بتبدل الصورة والمعنى؛ لأن كل موجود من الحوادث موجود بهما وصورة الخل والخمر والحر والعبد واحدة فاتحد الجنس فالعبرة للإشارة والمشار إليه غير صالح فوجب مهر المثل. ا هـ.
وارتضاه في فتح القدير وقال وغاية الأمر أن يكون مسمى الخمر خلا والحر عبدا تجوزا وذلك لا يمنع تعلق الحكم بالمراد كما لو قال لامرأته هذه الكلبة طالق ولعبده هذا الحمار حر تطلق ويعتق فظهر أن لا اختلاف بينهم في الأصل بل في اختلاف الجنس واتحاده فلزم إنما ذكره في بعض شروح الفقه من أن الجنس عند الفقهاء المقول على كثيرين مختلفين بالأحكام إنما هو

 

ج / 3 ص -240-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على قول أبي يوسف وعند محمد المختلفين بالمقاصد وعلى قول أبي حنيفة هو المقول على متحدي الصورة والمعنى ثم لا يخفى أن اللائق كون الجواب على قول أبي يوسف وجوب القيمة أو عبد وسط؛ لأن إلغاء الإشارة واعتبار المسمى يوجب كون الحاصل أنه تزوجها على عبد وحكمه ما قلنا. ا هـ.
وفي الأسرار أن أبا يوسف ومحمدا اعتبرا المعنى وأبو حنيفة اعتبر الصورة وآل الأمر إلى أن الذات الواحدة تلحق بجنسين إذا اختلفت صورة ومعنى والذاتان قد يلحقان بجنس واحد إذا اتفقا صورة ومعنى فلا ينسب غيران إلى واحد إلا باتحاد الصورة والمعنى ولا الواحد إلى الغيرين إلا باختلاف الصورة والمعنى وكلامنا في ذات واحدة؛ لأن الوصفين اللذين اختلفا فيهما يتعاقبان على ذات واحدة على ما بيناه ولا ينسب الواحد إلى غيرين مختلفين إلا باختلاف الصورة والمعنى ولم يوجد اختلاف الصورة ا هـ.
وقوله في فتح القدير أن اللائق إلى آخره ممنوع؛ لأن أبا يوسف ما ألغى الإشارة بالكلية، وإنما ألغاها من وجه دون وجه كما ذكره الزيلعي والدليل عليه - ما في الأسرار أنه في العبد المطلق إذا أتى به إليها تجبر على القبول كما لو أتاها بالقيمة وفي هذه المسألة لو أتاها بعبد وسط لا تجبر عند أبي يوسف. ا هـ. وفي البدائع ما يقتضي أن هذه التسمية لا تكون من قبيل المجاز فإنه قال وحقيقة الفقه لأبي حنيفة أن هذا حر سمي عبدا وتسمية الحر عبدا باطل؛ لأنه كذب فالتحقت التسمية بالعدم وبقيت الإشارة والمشار إليه لا يصلح مهرا ا هـ.
وذكر في فتح القدير أيضا من البيوع أن الجنس عند الفقهاء ليس إلا المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا فالجنسان ما يتفاوت منها فاحشا من غير اعتبار للذات ا هـ. وقال في باب الربا إن اختلاف الجنس يعرف باختلاف الاسم والمقصود فالحنطة جنس والشعير جنس آخر، وأما اعتراضه على ما في بعض الشروح ففيه نظر أيضا في بحث الخاص فإنهم جعلوا إنسانا من قبيل خصوص الجنس؛ لأنه مقول على كثيرين مختلفين بالأحكام كالذكر والأنثى وجعلوا رجلا من قبيل خصوص النوع وأنه المقول على كثيرين متفقين في الأحكام فأورد عليه الحر والعبد والعاقل والمجنون فإنهم داخلون تحت رجل وأحكامهم مختلفة فأجابوا بأن اختلاف الأحكام بالعرض لا بالأصالة بخلاف الذكر والأنثى فإن اختلاف أحكامهما بالأصالة فقوله إن الحر والعبد جنس واحد معناه أنهما داخلان تحت شيء واحد وهو رجل وكذا الخل والخمر داخلان تحت ماء العصير فرجل بالنسبة إلى الحر والعبد جنس لهما وإن كان نوعا لإنسان والحر مثلا نوع بالنسبة إلى زيد وعمرو مثلا وقول أبي يوسف إن الحر والعبد جنسان ليس معناه

 

ج / 3 ص -241-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجنس المصطلح عليه، وإنما أبو يوسف نظر إلى أن لفظ حر تحته أشخاص هي زيد وعمرو وبكر وغيرها ولفظ عبد كذلك فجعلهما جنسين بهذا الاعتبار.
والحاصل أن أبا حنيفة حكم باتحاد الجنس فيهما نظرا إلى دخولهما تحت شيء وهو رجل وأبو يوسف حكم بالاختلاف نظرا إلى أن كلا منهما مقول على أشخاص كثيرة فلم يريدوا الجنس المصطلح عليه؛ لأنهم لو أرادوه لم يصح كلامهم؛ لأن كلا من الحر والعبد ليسا جنسا، وإنما هو نوع النوع وهو رجل.
وأما قوله إن اللائق على قول أبي يوسف إلى آخره فهو ما نقله القدوري عن أبي يوسف كما ذكره في الذخيرة فتجده موافقا لإحدى الروايتين عنه أما على رواية الأصل فأجاب عنه الزيلعي بقوله، وإنما لم تجب قيمة عبد وسط لاعتباره الإشارة من وجه ا هـ.
وقيد المصنف بكون المشار إليه حرا؛ لأنه لو كان تزوجها على هذا العبد فإذا هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد والمرأة تعلم بحال العبد أو لم تعلم كان لها قيمة العبد كذا في الخانية مع أن المشار إليه لا يصلح مهرا لكن لما لم يخرج عن المالية بالكلية صحت التسمية واعتبر المسمى وفيها أيضا لو سمي خلا وأشار إلى طلا فلها مثل الدن من الخل وكأنه لما ذكرناه.
والطلا المثلث كما في المغرب.
وقيد بكون المسمى حلالا والمشار إليه حراما إذ لو كان على عكسه كما إذا تزوجها على هذا الحر فإذا هو عبد فإن لها العبد المشار إليه في الأصح كما في المجمع والخانية والبدائع؛ لأنه عند اتحاد الجنس العبرة للمشار إليه وهو مال متقوم ومحمد أوجب مهر المثل؛ لأنه صار كالهازل بالتسمية.
وقيد بكون المشار إليه حراما؛ لأنهما لو كانا حلالين وهما مختلفان كما إذا تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو زيت قال في الذخيرة إن لها مثل ذلك الدن خلا؛ لأنها أموال بخلاف ما تقدم ولو تزوجها على هذا العبد فإذا هي جارية أو على هذا الثوب المروي فإذا هو قوهي فإن عليه عبدا بقيمة الجارية وثوبا مرويا بقيمة القوهي لما ذكرناه ا هـ.
وفي الخانية إذا كانا حلالين فلها مثل ذلك المسمى وهو يقتضي وجوب عبد وسط أو قيمته ولا ينظر إلى قيمة الجارية فصار الحاصل إن القسمة رباعية؛ لأنهما إما أن يكونا حرامين أو حلالين أو أحدهما حراما والآخر حلالا فيجب مهر المثل فيما إذا كانا حرامين أو المشار إليه حراما وتصح التسمية في الآخرين ومسألة ما إذا كانا حرامين مذكورة في الخانية أيضا وفيها

 

ج / 3 ص -242-       وإذا أمهر عبدين وأحدهما حر فمهرها العبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو تزوجها على هذا الزق السمن فإذا لا شيء فيه كان لها مثل ذلك الزق سمنا إن كان يساوي عشرة وإن تزوجها على ما في الزق من السمن فإذا لا شيء فيه كان لها مهر المثل، وكذا لو كان في الزق شيء آخر خلاف الجنس.
ولو قال تزوجتك على الشاة التي في هذا البيت فإذا في البيت خنزير أو ليس فيه شيء كان لها شاة وسط وتبطل الإشارة ا هـ. وكأن الفرق بين مسألتي الزق أن في المسألة الأولى لم يجعل المسمى ما فيه، وإنما جعله قدر ما يملأ الظرف المشار إليه وفي الثانية جعل المسمى السمن الذي هو فيه وليس فيه شيء فصار كأنه لم يسم شيئا فوجب مهر المثل.
وأما مسألة الشاة التي في هذا البيت فليست من قبيل ما اجتمع فيه الإشارة والتسمية، وإنما حاصلها أنه سمى شاة ووصفها بوصف وهو كونها في بيت خاص فإذا لم توجد في البيت بطل الوصف وبقي الموصوف وهو مطلق الشاة فوجب شاة وسط أو نقول اجتمع الإشارة والتسمية والجنس مختلف لتبدل الصورة والمعنى فيتعلق العقد بالمسمى وهو مال.
وفي البدائع لو تزوجها على هذا الدن الخمر وقيمة الظرف عشرة دراهم فصاعدا ففيه روايتان عن محمد في رواية لها الدن لا غير؛ لأن المسمى شيئان الخمر والظرف فيلغو تسمية الخمر وبقي الظرف كما لو تزوجها على خل وخمر فلها الخل لا غير، وفي رواية لها مهر المثل؛ لأن الظرف لا يقصد بالعقد عادة فإذا بطلت في المقصود بطلت في التبع. ا هـ.
وأشار المصنف بوجوب مهر المثل عينا إلى أن المشار إليه لو كان حرا حربيا فاسترق وملكه هذا الزوج فإنه لا يلزمه تسليمه ونقل في الأسرار أنه متفق عليه، وكذلك الخمر بعينها لو تخللت لم يجب تسليمها، وإنما عليه تسليم مثلها خلافي قولهما؛ لأن المشار إليه لم يكن مالا حين سمي ففسدت التسمية في حق ما ليس بمال فلا يستحق تسليمه بالتسمية تبعا لوصفه. ا هـ.
"قوله: وإذا أمهر عبدين وأحدهما حر فمهرها العبد "يعني عند أبي حنيفة إذا ساوى عشرة دراهم وإلا كمل لها العشرة؛ لأنه مسمى ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل وقال أبو يوسف لها العبد وقيمة الحر لو كان عبدا؛ لأنه أطمعها سلامة العبدين وعجز عن تسليم أحدهما فتجب قيمته وقال محمد وهو رواية عن أبي حنيفة لها العبد الباقي وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من العبد؛ لأنهما لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده فإذا كان أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر المثل والاختلاف هنا فرع على قولهم السابق والفرق لأبي حنيفة بين هذا وبين ما إذا سمى لها وشرط معه منفعة ولم يوف حيث يجب مهر المثل؛ لأنها إنما رضيت بالمسمى على تقدير حصول المنفعة فعند عدم الوفاء بها لم تكن راضية بالمسمى أصلا،

 

ج / 3 ص -243-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما هنا فقد رضيت بكل واحد من العبدين ثم لما ظهر أحدهما حرا لم يجب مهر المثل؛ لأن وجوب المسمى في أحدهما لوجود رضاها فيه منع ذلك كذا في غاية البيان وقد يقال إنها إنما رضيت بكل واحد على أنه بعض المهر لا كله فإذا ظهر أنه كل المهر لم تكن راضية به فينبغي وجوب مهر المثل، وقد يجاب عنه كما في فتح القدير بأنها هنا مقصرة في الفحص عن حال المسميين فإنه مما يعلم بالفحص بخلاف تلك المسائل؛ لأن عدم الإخراج وطلاق الضرة إنما يعلم بعد ذلك فكانت هنا ملتزمة للضرر معنى لسوء ظنها وأراد المصنف بالعبدين الشيئين الحلالين وأراد بالحر أن يكون أحدهما حراما فدخل فيه ما إذا تزوجها على هذا العبد، وهذا البيت فإذا العبد حر أو على مذبوحتين فإذا أحدهما ميتة كما في شرح الطحاوي.
وقيد بأن يكون أحدهما حرا إذ لو استحق أحدهما فلها الباقي وقيمة المستحق ولو استحقا جميعا فلها قيمتهما، وهذا بالإجماع كذا في شرح الطحاوي بخلاف ما إذا استحق نصف الدار الممهورة وأن لها الخيار إن شاءت أخذت الباقي ونصف القيمة وإن شاءت أخذت كل القيمة فإذا طلقها قبل الدخول بها فليس لها إلا النصف الباقي ولو تزوج امرأة على أبيها عتق فإن استحق الأب ثم ملكه الزوج قبل القضاء بالقيمة لها لم يكن لها إلا الأب ولو ملكه الزوج بعد القضاء بالقيمة لها فليس لها أن تأخذ الأب لبطلان حقها من العين إلى القيمة بالقضاء وإذا ملكه الزوج في الفصل الأول لا تملكه المرأة إلا بالقضاء أو بتسليم الزوج إليها.
[ويجوز تصرف الزوج فيه قبل القضاء للمرأة أو التسليم إليها] كذا في الظهيرية.
وللاحتراز عما إذا وجدت المسمى أزيد أو أنقص قال في الظهيرية والمحيط لو تزوجها على هذه الأثواب العشرة فإذا هي أحد عشر قال محمد يعطيها عشرة منها أيها شاء وقال أبو حنيفة إن كان مهر مثلها مثل أجود العشرة أو زيادة فلها أجود العشرة وهو الأصح وعليه الفتوى ولو وجدت الثياب تسعة قال محمد لها تسعة وتمام مهر مثلها إن كان أكثر من قيمة التسعة وقال أبو حنيفة لها التسعة لا غير، وهو بمنزلة ما لو تزوج امرأة على هذين العبدين فإذا أحدهما حر ولو تزوجها على هذه الأثواب العشرة الهروية فإذا هي تسعة فلها تسعة وثوب آخر هروي وسط بالإجماع.
والفرق أن في الأولى ذكر الثياب مطلقة والثوب المطلق مما لا يجب مهرا إذا لم يكن مشارا إليه والثوب العاشر لم يكن مشارا إليه فلا يجب.

 

ج / 3 ص -244-       وفي النكاح الفاسد إنما يجب مهر المثل بالوطء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الثانية ذكر الثياب موصوفة بكونها هروية والثوب الهروي يصلح مهرا وإن لم يكن معينا ا هـ. وقد بسطه في فتح القدير.
"قوله: وفي النكاح الفاسد إنما يجب مهر المثل بالوطء "; لأن المهر فيه لا يجب بمجرد العقد لفساده، وإنما يجب باستيفاء منافع البضع، وكذا بعد الخلوة؛ لأن الخلوة فيه لا يثبت بها التمكن فهي غير صحيحة كالخلوة بالحائض فلا تقام مقام الوطء، وهذا معنى قول المشايخ الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح كذا في الجوهرة وفيه مسامحة لفساد الخلوة.
والمراد بالنكاح الفاسد النكاح الذي لم تجتمع شرائطه كتزوج الأختين معا والنكاح بغير شهود ونكاح الأخت في عدة الأخت ونكاح المعتدة والخامسة في عدة الرابعة والأمة على الحرة ويجب على القاضي التفريق بينهما كي لا يلزم ارتكاب المحظور واغترارا بصورة العقد كما في غاية البيان.
وذكر في المحيط من باب نكاح الكافر ولو تزوج ذمي مسلمة فرق بينهما؛ لأنه وقع فاسدا. ا هـ. فظاهره أنهما لا يحدان وأن النسب يثبت فيه والعدة إن دخل بها، وإنما وجب المهر في الفاسد بالوطء عملا بحديث السنن "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" ثلاث مرات فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فصار أصلا للمهر في كل نكاح فاسد بعد حملنا له على الصغيرة والأمة كما قدمناه وفي الظهيرية باع جارية بيعا فاسدا وقبضها المشتري ثم تزوجها البائع لم يجز ا هـ. ولو وطئها الظاهر أن لا مهر عليه فإن المشتري لو وطئ الجارية المبيعة فاسدا يجب المهر عليه في أصح الروايتين كما في الظهيرية.
وأشار بمهر المثل إلى أن المسمى فيه ليس بمعتبر من كل وجه، ولذا قال في الظهيرية ولو تزوج امرأة على خادم بعينها نكاحا فاسدا ودفع الخادم إليها فأعتقها قبل الدخول فالعتق باطل وإن أعتقها بعد الدخول فالعتق جائز ا هـ. وهكذا في الخانية وظاهره أنه لو لم يدفعها إليها فالعتق باطل مطلقا وهو الظاهر؛ لأنه بالدفع تعين لمهر المثل في المدفوع وحكم الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في الفاسد فيسقط الحد ويثبت النسب ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل وما في الاختيار من كتاب العدة أنه لا تجب العدة في النكاح الموقوف قبل الإجازة؛ لأن النسب لا يثبت فيه غير صحيح لما ذكرناه وذكره الشارح الزيلعي في شرح قوله ويثبت النسب والعدة.

 

ج / 3 ص -245-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأفاد المصنف بإطلاقه أنه لا يجب بالجماع فيه ولو تكرر إلا مهر واحد ولا يتكرر المهر بتكرر الوطء والأصل فيه أن الوطء متى حصل عقيب شبهة الملك مرارا لم يجب إلا مهر واحد؛ لأن الوطء الثاني صادف ملكه كالوطء في النكاح الفاسد وكما لو وطئ جارية ابنه أو جارية مكاتبه أو وطئ منكوحته ثم بان أنه حلف بطلاقها أو وطئ جارية ثم استحقت ومتى حصل الوطء عقيب شبهة الاشتباه مرارا فإنه يجب بكل وطء مهر على حدة؛ لأن كل وطء صادف ملك الغير كوطء الابن جارية أبيه أو أمه أو جارية امرأته مرارا، وقد ادعى الشبهة فعليه لكل وطء مهر ومنه وطء الجارية المشتركة مرارا فعليه بكل وطء نصف مهر ولو وطئ مكاتبة بينه وبين غيره فعليه في نصفه نصف مهر واحد وعليه في نصف شريكه بكل وطء نصف مهر وذلك كله للمكاتبة الكل في الظهيرية.
وفي الخلاصة لو وطئ المعتدة عن طلاق ثلاث وادعى الشبهة يلزمه مهر واحد أم بكل وطء مهر قيل إن كانت الطلقات الثلاث جملة فظن أنها لم تقع فهو ظن في موضعه فيلزمه مهر واحد وإن ظن أنها تقع لكن ظن أن وطأها حلال فهو ظن في غير موضعه فيلزمه بكل وطء مهر ا هـ.
وأطلقه فشمل البالغ والصبي لكن في الظهيرية و المحيط عن محمد صبي جامع امرأة بشبهة نكاح فلا مهر عليه قال في المحيط؛ لأن الولي لا يملك النكاح الفاسد في حقه ولا الإذن له فيه فسقط اعتبار قوله فصار كأنه وطء في حق نفسه من غير شبهة عقد وتجب العدة عليها؛ لأن فعلها جائز في حق نفسها وذكر قبله لو جامع مجنون أو صبي امرأة نائمة إن كانت ثيبا فلا مهر عليه وإن كانت بكرا وافتضها فعليه المهر. ا هـ. وينبغي أن يلزمه المهر في الحالين حيث كانت نائمة؛ لأنه مؤاخذة بأفعاله ولا يسقط حقها إلا بالتمكين ولم يوجد ا هـ.
وأراد بالوطء الجماع في القبل؛ لأنه لو وطئها في الدبر في النكاح الفاسد لا يلزمه شيء من المهر؛ لأنه ليس بمحل النسل كما في الخلاصة والقنية فلا يجب بالمس والتقبيل بشهوة شيء بالأولى كما صرحوا به أيضا وأفاد بالتقييد بالوطء أن النكاح الفاسد لا حكم له قبل الدخول حتى لو تزوج امرأة نكاحا فاسدا بأن مس أمها بشهوة فتزوجها ثم تركها له أن يتزوج الأم كذا في الخلاصة وفي البزازية والخلع في النكاح الفاسد لا يسقط المهر؛ لأنه ليس بخلع ا هـ. ومفهومه أنه لا يجب البدل عليها لو شرط بالأولى وإذا ادعت فساده وهو صحته فالقول له وعلى عكسه فرق بينهما وعليها العدة ولها نصف المهر إن لم يدخل والكل إن دخل كذا في الخانية وينبغي أن يستثنى منه ما ذكره الحاكم الشهيد في الكافي من أنه لو ادعى أحدهما أن النكاح كان

 

ج / 3 ص -246-       ولم يزد على المسمى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صغره فالقول قوله ولا نكاح بينهما ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها قبل الإدراك.
وفي فتح القدير لا يصير محصنا بهذا الدخول وأجمعت الأمة أنه لا يكون محصنا في العقد الصحيح إلا بالدخول.
وفي الخلاصة التصرفات الفاسدة عشرة: النكاح الفاسد، وقد علمت حكمه. الثاني البيع الفاسد مضمون فيه المبيع. الثالث الإجارة الفاسدة والواجب أجر المثل والعين أمانة في يد المستأجر. الرابع الرهن الفاسد وهو رهن المشاع وللراهن نقضه ولو هلك في يد المرتهن هلك أمانة عند الكرخي وفي الجامع الكبير ما يدل على أنه كالرهن الجائز. الخامس الصلح الفاسد لكل نقضه. السادس القرض الفاسد وهو بالحيوان أو ما كان متفاوتا ومع هذا لو استقرض وباع صح البيع. السابع الهبة الفاسدة وأنها مضمونة بالقيمة يوم القبض ولا تفيد الملك. الثامن المضاربة الفاسدة والمال أمانة في يد المضارب. التاسع الكتابة الفاسدة والواجب فيها الأكثر من المسمى ومن القيمة. والعاشر المزارعة الفاسدة والخارج منها لصاحب البذر وعليه مثل أجرة العامل إن كانت الأرض لرب البذر ويطيب له وإن كان البذر من العامل فعليه أجرة مثل الأرض والخارج له ا هـ.
"قوله: ولم يزد على المسمى "أي لم يزد مهر المثل على المسمى؛ لأنها لم تسم الزيادة فكانت راضية للحط مسقطة حقها في الزيادة إلى تمامه حيث لم تسم تمامه لا لأجل أن التسمية صحيحة من وجه؛ لأن الحق أنها فاسدة من كل وجه لوقوعها في عقد فاسد ولهذا لو كان مهر المثل أقل من المسمى وجب مهر المثل فقط.
وفي الظهيرية ولو زوج أحد الموليين أمته ودخل بها الزوج فللآخر النقض فإن نقض فله نصف مهر المثل وللمزوج الأقل من نصف مهر المثل ومن نصف المسمى ا هـ. فعلى هذا يعطى هذا العقد حكم الفاسد بالنسبة إلى المزوج وحكم العدم بالنسبة إلى غيره.
وأشار إلى أن المسمى معلوم، ولذا لا يزاد عليه فلو كان المسمى مجهولا وجب مهر المثل بالغا ما بلغ اتفاقا كما إذا لم يكن فيه تسمية أصلا وظاهر كلامهم أن مهر المثل لو كان أقل من العشرة فليس لها إلا مهر المثل بخلاف النكاح الصحيح إذا وجب فيه مهر المثل فإنه لا ينقص عن عشرة.
وفي الخانية لو تزوج محرمه لا حد عليه في قول أبي حنيفة وعليه مهر مثلها بالغا ما بلغ ا هـ. فإن كان النكاح باطلا فظاهر وإن كان فاسدا فهي مستثناة، وقد نقل الاختلاف في جامع

 

ج / 3 ص -247-       ويثبت النسب والعدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصولين، فقيل باطل عنده وسقوط الحد لشبهة الاشتباه، وقيل فاسد وسقوطه لشبهة العقد ا هـ. ولم يذكر للاختلاف ثمرة.
"قوله: ويثبت النسب "أي نسب المولود في النكاح الفاسد؛ لأن النسب مما يحتاط في إثباته إحياء للولد فيترتب على الثابت من وجه أطلقه فأفاد أنه يثبت بغير دعوة كما في القنية وتعتبر مدة النسب وهي ستة أشهر من وقت الدخول عند محمد وعليه الفتوى؛ لأن النكاح الفاسد ليس بداع إليه والإقامة باعتباره كذا في الهداية وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ابتداء المدة من وقت العقد قياسا على الصحيح والمشايخ أفتوا بقول محمد لبعد قولهما لعدم صحة القياس المذكور.
وفائدة الاختلاف تظهر فيما إذا أتت بولد لستة أشهر من وقت العقد ولأقل منها من وقت الدخول فإنه لا يثبت نسبه على المفتى به فتقدير مدة النسب بالمدة المذكورة إنما هو للاحتراز عن الأقل لا عن ما زاد عن أكثر مدة الحمل؛ لأنها لو جاءت بالولد لأكثر من سنتين من وقت العقد أو الدخول ولم يفارقها فإنه يثبت نسبه اتفاقا وبهذا اندفع ما في التبيين من أنه لا يمكن اعتبار وقت العقد فقط لما ذكرنا من أن اعتبار وقت العقد أو الدخول إنما هو لنفي الأقل فقط واندفع ما في الغاية من قياس النسب على العدة وأن الأحوط أن يكون ابتداء مدة النسب من وقت التفريق كالعدة لما علمت من المسألة التي يثبت فيها النسب قبل التفريق فكيف يعتبر به واندفع به ما في فتح القدير من أنه يعتبر ابتداؤها من وقت التفريق إذا وقعت فرقة وما لم تقع فمن وقت النكاح أو الدخول على الخلاف؛ لأنه يرد عليه ما إذا أتت به بعد التفريق لأكثر من ستة أشهر من وقت العقد أو الدخول ولأقل منها من وقت التفريق فإنه يثبت نسبه ومقتضى ما في الفتح خلافه والدليل على ما حققناه أنهم جعلوا مدة النسب ستة أشهر في النكاح الصحيح من وقت العقد أيضا وليس هو قطعا إلا للاحتراز عن الأقل لا عن الأكثر فكذلك هنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"قوله: والعدة "أي وتثبت العدة فيه وجوبا بعد الوطء في النكاح الفاسد لا الخلوة كما في القنية إلحاقا للشبهة بالحقيقة في موضع الاحتياط ولو اختلفا في الدخول فالقول له فلا يثبت شيء من هذه الأحكام كما في الذخيرة ولم يبين المصنف ابتداءها للاختلاف فيه، والصحيح أنه من وقت التفريق لا من آخر الوطآت؛ لأنها تجب باعتبار شبهة النكاح ورفعها بالتفريق كالطلاق في النكاح الصحيح ولا إحداد عليها في هذه العدة ولا نفقة لها فيها؛ لأن وجوبها باعتبار الملك الثابت بالنكاح وهو منتف هنا.
والمراد بالعدة هنا عدة الطلاق، وأما عدة الوفاة فلا تجب عليها من النكاح الفاسد ولو

 

ج / 3 ص -248-       ومهر مثلها يعتبر بقوم أبيها إذا استويا سنا وجمالا ومالا وبلدا وعصرا وعقلا ودينا وبكارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت هذه المرأة الموطوءة أخت امرأته حرمت عليه امرأته إلى انقضاء عدتها كذا في فتح القدير وظاهر كلامهم أن ابتداءها من وقت التفريق قضاء وديانة وفي فتح القدير ويجب أن يكون هذا في القضاء أما فيما بينهما وبين الله تعالى إذا علمت أنها حاضت بعد آخر وطء ثلاثا ينبغي أن يحل لها التزوج فيما بينها وبين الله تعالى على قياس ما قدمنا من نقل العتابي ا هـ. ومحله فيما إذا فرق بينهما أما إذا حاضت ثلاث حيض من آخر الوطآت ولم يفارقها فليس لها التزوج اتفاقا كما أشار إليه في غاية البيان وظاهر كلام الزيلعي يوهم خلافه.
والتفريق في النكاح الفاسد إما بتفريق القاضي أو بمتاركة الزوج ولا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد بل هو متاركة فيه ولا تحقق للمتاركة إلا بالقول إن كانت مدخولا بها كقوله تاركتك أو تاركتها أو خليت سبيلك أو خليت سبيلها أو خليتها.
وأما غير المدخول بها فتتحقق المتاركة بالقول وبالترك عند بعضهم وهو تركها على قصد أن لا يعود إليها وعند البعض لا تكون المتاركة إلا بالقول فيهما حتى لو تركها ومضى على عدتها سنون لم يكن لها أن تتزوج بآخر وإنكار الزوج النكاح إن كان بحضرتها فهو متاركة وإلا فلا كإنكار الوكيل الوكالة، وأما علم غير المتاركة بالمتاركة فنقل في القنية قولين مصححين الأول أنه شرط لصحة المتاركة هو الصحيح حتى لو لم يعلمها لا تنقضي عدتها.
ثانيهما إن علم المرأة في المتاركة ليس بشرط في الأصح كما في الصحيح ا هـ. وينبغي ترجيح الثاني ولهذا اقتصر عليه الزيلعي وظاهر كلامهم أن المتاركة لا تكون من المرأة أصلا كما قيده الزيلعي بالزوج لكن في القنية أن لكل واحد منهما أن يستبد بفسخه قبل الدخول بالإجماع وبعد الدخول مختلف فيه وفي الذخيرة ولكل واحد من الزوجين فسخ هذا النكاح بغير محضر من صاحبه عند بعض المشايخ وعند بعضهم إن لم يدخل بها فكذلك وإن دخل بها فليس لواحد منهما حق الفسخ إلا بمحضر من صاحبه ا هـ. وهكذا في الخلاصة، وهذا يدل على أن للمرأة فسخه بمحضر الزوج اتفاقا ولا شك أن الفسخ متاركة إلا أن يفرق بينهما وهو بعيد والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن أحكام العقد الفاسد أنه لا يحد بوطئها قبل التفريق للشبهة ويحد إذا وطئها بعد التفريق كذا في البدائع وغيره وظاهره أنه لا فرق فيه بين أن يكون في العدة أو لا ولم أره صريحا.
"قوله: ومهر مثلها يعتبر بقوم أبيها إذا استويا سنا وجمالا ومالا وبلدا وعصرا وعقلا ودينا وبكارة "بيان لشيئين: أحدهما أن الاعتبار لقوم الأب في مهر المثل لقول ابن مسعود

 

ج / 3 ص -249-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنه لها مهر مثل نسائها وهن أقارب الأب ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها لما بينا.
ثانيهما أنه لا بد من الاستواء في الأوصاف المذكورة؛ لأن المهر يختلف باختلاف هذه الأوصاف، وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر أي الزمان.
وقد ذكر المصنف ثمانية أشياء وأراد بالسن الصغر أو الكبر وأطلق في اعتبار الجمال والمال، وقيل لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشرف، وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس إذ الرغبة فيهن للجمال بخلاف بيت الشرف وفي فتح القدير، وهذا جيد. ا هـ.
والظاهر اعتباره مطلقا وأراد بالدين التقوى كما ذكره العيني وزاد في التبيين على هذه الثمانية أربعة وهي العلم والأدب وكمال الخلق وأن لا يكون لها ولد وزاد المشايخ بأنه يعتبر حال الزوج أيضا وفسره في فتح القدير بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما. ا هـ.
وينبغي أن لا يختص بهذين الشيئين؛ لأن للجمال والبلد والعصر والعقل والتقوى والسن مدخلا من جهة الزوج أيضا فينبغي اعتبارها في حقه أيضا؛ لأن الشاب يتزوج بأرخص من الشيخ، وكذا المتقي بأرخص من الفاسق.
وأشار بقوله مالا إلى أن الكلام إنما هو في الحرة، ولذا قال في شرح الطحاوي والمجتبى مهر مثل الأمة على قدر الرغبة فيها وعن الأوزاعي ثلث قيمتها.
ثم اعلم أن اعتبار مهر المثل بما ذكر حكم كل نكاح صحيح لا تسمية فيه أصلا أو سمي فيه ما هو مجهول أو ما لا يحل شرعا كما قدمنا تفاصيله وحكم كل نكاح فاسد بعد الوطء سمي فيه مهر أولا، وأما المواضع التي يجب فيها المهر بسبب الوطء بشبهة فليس المراد بالمهر فيها مهر المثل المذكور هنا لما في الخلاصة بعد ذكر المواضع التي يجب فيها المهر بالوطء عن شبهة قال والمراد من المهر العقر وتفسير العقر الواجب بالوطء في بعض المواضع ما قال الشيخ نجم الدين سألت القاضي الإمام الإسبيجابي عن ذلك بالفتوى فكتب هو العقر أنه ينظر بكم تستأجر للزنا لو كان حلالا يجب ذلك القدر، وكذا نقل عن مشايخنا في شرب الأصل للإمام السرخسي ا هـ. وظاهره أنه لا فرق فيه بين الحرة والأمة ويخالفه ما في المحيط لو زفت إليه غير امرأته فوطئها لزمه مهر مثلها ا هـ. إلا أن يحمل على العقر المذكور في الخلاصة توفيقا ولم

 

ج / 3 ص -250-       فإن لم يوجد فمن الأجانب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أر حكم ما إذا ساوت المرأة امرأتين من أقارب أبيها في جميع الأوصاف المعتبرة مع اختلاف مهرهما قلة وكثرة هل يعتبر بالمهر الأقل أو الأكثر وينبغي أن كل مهر اعتبره القاضي وحكم به فإنه يصح لقلة التفاوت.
وفي الخلاصة يعتبر بأخواتها وعمامتها وبناتهن فإن لم يكن لها أخت ولا عمة فبنت الأخت لأب وأم وبنت العم ا هـ. وظاهره أن بنت الأخت وبنت العم مؤخران عما ذكره فيتفرع عليه أنه لو كان لها أخت وبنت عم قد ساوتهما في الأوصاف المذكورة أنه لا يعتبر بنت العم مع وجود الأخت وظاهر كلامهم خلافه.
وفي الخلاصة يشترط أن يكون المخبر بمهر المثل رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط لفظ الشهادة فإن لم يوجد على ذلك شهود عدول فالقول قول الزوج مع يمينه. ا هـ.
وظاهره أنه لا يصح القضاء بمهر المثل بدون الشهادة أو الإقرار من الزوج ويخالفه ما في المحيط قال فإن فرض القاضي أو الزوج بعد العقد جاز؛ لأنه يجري ذلك مجرى التقدير لما وجب بالعقد من مهر المثل زاد أو نقص؛ لأن الزيادة على الواجب صحيحة والحط عنه جائز ا هـ.
وفي الذخيرة أن الاعتبار لهذه الأوصاف وقت التزويج وفي الصيرفية مات في غربة وخلف زوجتين غريبتين تدعيان المهر ولا بينة لهما قال كم مهر مثلهما وليس لهما أخوات في الغربة قال يحكم بجمالهما بكم ينكح مثلهن، فقيل له يختلف بالبلدان قال إن وجد في بلدهما يسأل وإلا فلا يعطى لهما شيء.
"قوله: فإن لم يوجد فمن الأجانب "شامل لمسألتين إحداهما إذا لم يكن لها أحد من قوم أبيها الثانية إذا كان لها أقارب منهم لكن لم يوجد فيهم من يماثلها في الأوصاف المذكورة كلها أو بعضها وفي كل منهما يعتبر مهرها بأجنبية موصوفة بذلك وفي الخلاصة فإن لم تكن مثلها في قرابتها ينظر في قبيلة أخرى مثلها أي مثل قبيلة أبيها كذا فسر الضمير في مثلها في فتح القدير، والأولى أن يرجع إلى المرأة ليكون موافقا لما في المختصر من الاعتبار بالأجنبيات مطلقا سواء كانت من قبيلة مماثلة لقبيلة أبيها أو لا وعن أبي حنيفة لا يعتبر بالأجنبيات قال في فتح القدير ويجب حمله على ما إذا كان لها أقارب وإلا امتنع القضاء بمهر المثل ا هـ. وقد قدمنا أن القضاء بمهر المثل لم ينحصر في النظر إلى من يماثلها من النساء بل لو فرض لها القاضي شيئا من غير ذلك صح كما في المحيط فالمروي من أنه لا يعتبر بالأجنبيات صحيح مطلقا ويفرض القاضي لها المهر فلم يلزم منه امتناع القضاء به لو أجري على عمومه.

 

ج / 3 ص -251-       وصح ضمان الولي المهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وصح ضمان الولي المهر "; لأنه من أهل الالتزام، وقد أضافه إلى ما يقبله فيصح والمراد به أنه في الصحة أما في مرض الموت فلا؛ لأنه تبرع لوارثه في مرض موته، وكذلك كل دين ضمنه عن وارثه أو لوارثه كما في الذخيرة، وأما إذا لم يكن وارثا له فالضمان في مرض الموت من الثلث كما صرحوا به في ضمان الأجنبي.
وأطلق في الولي فشمل ولي المرأة وولي الزوج الصغيرين والكبيرين أما ولي الزوج الكبير فهو وكيل عنه كالأجنبي وولايته عليه ولاية استحباب وحكم ضمان مهره كحكم ضمان الأجنبي فإن ضمن عنه بإذنه رجع وإلا فلا كما في فتح القدير، وأما إن كان صغيرا بأن زوج ابنه وضمن للمرأة مهرها فلأن الولي سفير ومعبر فيه وليس بمباشر بخلاف ما إذا اشترى له شيئا ثم ضمن عنه الثمن للبائع حيث لا يصح ضمانه؛ لأنه أصيل فيه فيلزمه الثمن ضمن أو لم يضمن ولا بد في صحته من قبول المرأة كما في الذخيرة كغيره من الكفالات، والمجانين كالصبيان في ذلك كذا في الخانية.
واستفيد من صحة الضمان أن لها مطالبة الولي ومطالبة الزوج وإذا بلغ لا قبله؛ لأنه ليس من أهله وأنه لو أدى الأب من مال نفسه فإنه لا رجوع له على الصغير؛ لأن الكفيل لا رجوع له إلا بالأمر ولم يوجد لكن ذكر في الذخيرة أنه إن شرط الرجوع في أصل الضمان فله الرجوع كأنه كالإذن من البالغ في الكفالة وفي فتاوى الولوالجي لا رجوع له إلا إذا أشهد عند الأداء أنه يؤدي ليرجع عليه وفي فتح القدير ولا يخفى أن هذا أعني عدم الرجوع إذا لم يشهد مقيد بما إذا لم يكن للصغير مال. ا هـ.
وفي البزازية أنه إذا أشهد عند الأداء أنه أدى ليرجع رجع وإن لم يشهد عند الضمان ا هـ. والحاصل أن الإشهاد عند الأداء أو الضمان شرط الرجوع وفي غاية البيان لو أدى الأب من مال نفسه فالقياس أن يرجع؛ لأن غير الأب لو ضمن بإذن الأب وأدى يرجع في مال الصغير فكذا الأب؛ لأن قيام ولاية الأب عليه في الصغر بمنزلة أمره بعد البلوغ وفي الاستحسان لا رجوع له؛ لأن الآباء يتحملون المهور عن أبنائهم عادة ولا يطمعون في الرجوع والثابت بالعرف كالثابت بالنص إلا إذا شرط الرجوع في أصل الضمان فحينئذ يرجع؛ لأن الصريح يفوق الدلالة أعني دلالة العرف بخلاف الوصي إذا أدى المهر عن الصغير بحكم الضمان يرجع؛ لأن التبرع من الوصي لا يوجد عادة فصار كبقية الأولياء غير الأب. والحاصل أن عدم الرجوع مخصوص بالأب.

 

ج / 3 ص -252-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واستفيد من صحة الضمان أيضا أن الأب لو مات قبل الأداء فللمرأة الاستيفاء من تركة الأب؛ لأن الكفالة بالمال لا تبطل بموت الكفيل وإذا استوفت قال في المبسوط رجع سائر الورثة بذلك في نصيب الابن أو عليه إن كان قبض نصيبه ولم يذكر فيه خلافا وذكر الولوالجي أن أبا يوسف قال إن الأب متبرع ولا يرجع هو ولا وارثه بعد موته على الابن بشيء وحكم الاستيفاء في مرض الموت كالاستيفاء بعد الموت من أن الورثة يرجعون عليه كما في غاية البيان.
واستفيد من القول بصحة الضمان أيضا أنه لو لم يضمن الأب مهر ابنه الصغير لا يطالب به ولو كان عاقدا؛ لأنه لو لزمه بلا ضمان لم يكن للضمان فائدة ولما في المعراج لو زوج ابنه الصغير لا يثبت المهر في ذمة الأب بل يثبت في ذمة الابن عندنا سواء كان الابن موسرا أو معسرا ذكره في المنظومة وشرحها معللا بأن النكاح لا ينفك عن لزوم المال إنما ينفك عن إيفاء المهر في الحال فلم يكن من ضرورة الإقدام على تزويجه ضمان المهر عنه، وهذا هو المعول عليه كما في فتح القدير وبه اندفع ما في شرح الطحاوي من أن للمرأة مطالبة أب الصغير بمهرها ضمن أو لم يضمن. ا هـ. وجوابه أن كلام شارح الطحاوي محمول على ما إذا كان للصغير مال فإن لها مطالبة الأب بغير ضمان ليؤدي من مال الصغير والدليل على هذا الحمل أن صاحب المعراج نقل أولا ما في شرح الطحاوي ثم بعد أسطر ذكر ما ذكرناه عنه من عدم لزوم المهر على الأب بلا ضمان لكن قيده بالابن الفقير فتعين أن يكون الأول في الابن الغني وبه اندفع ما في فتح القدير.
وفي الذخيرة إذا اشترى لابنه الصغير شيئا آخر سوى الطعام والكسوة ونقد الثمن من مال نفسه فإنه يرجع على الصغير بذلك وإن لم يشترط الرجوع؛ لأنه لا عرف أن الآباء يتحملون الثمن عن الأبناء ا هـ. وفي الخلاصة لو كبر الابن ثم أدى الأب إن أشهد يرجع وإن لم يشهد لا ولو كان على الأب دين للصغير فأدى مهر امرأته ولم يشهد، ثم قال بعد ذلك إنما أديت مهره عن دينه الذي علي صدق. ا هـ.
وفي البزازية إذا أعطى الأب أرضا في مهر امرأته ثم مات الأب قبل قبض المرأة لا تكون الأرض لها؛ لأنها هبة من الأب لم تتم بالتسليم فإن ضمن المهر وأدى الأرض عنه ثم مات قبل التسليم كانت الأرض للمرأة؛ لأنه بيع فلا يبطل بالموت، وأما ضمان ولي المرأة المهر عن زوجها فلا يخلو إما أن تكون كبيرة أو صغيرة فإن كانت كبيرة فظاهر؛ لأنه كالأجنبي إذا ضمن لها المهر ويثبت لها الخيار إن شاءت طالبته وإن شاءت طالبت زوجها إن كان كبيرا و هي أهل

 

ج / 3 ص -253-       وتطالب زوجها أو وليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمطالبة ويرجع الولي بعد الأداء على الزوج إن ضمن بأمره سواء كانت الكبيرة عاقلة أو مجنونة، وأما إذا كانت صغيرة زوجها الأب وضمن مهرها فإنما صح؛ لأنه سفير ومعبر لا ترجع الحقوق إليه وإنما ملك قبض مهر الصغيرة بحكم الأبوة باعتبار أنه عاقد ولهذا لا يملكه بعد بلوغها إلا برضاها صريحا أو دلالة بأن تسكت وهي بكر بخلاف ما إذا باع مال الصغير وضمن الثمن عن المشتري فإنه لا يصح؛ لأنه أصيل فيه حتى ترجع الحقوق عليه ويصح إبراؤه من الثمن عندهما خلافا لأبي يوسف لكنه يضمنه للولد لتعديه بالإبراء ويملك قبض الثمن بعد بلوغه فلو صح الضمان لصار ضامنا لنفسه وبهذا علم أن قوله:
"وتطالب زوجها أو وليها "مخصوص بما إذا كان الضامن وليها مع أن الحكم أعم فلو قال وتطالب زوجها أو الولي الضامن لكان أولى ليشمل ما إذا كان الضامن وليه وقول الشارح الزيلعي في الصورة الثانية فالمطالبة إلى ولي الزوج مكان وليها غير صحيح؛ لأن المطالبة عليه لا إليه وجعل إلي بمعنى علي هنا مجازا بعيد كما لا يخفى ولا بد من تقييد الزوج بالبلوغ؛ لأنه ليس لها مطالبة الصغير بل وليها فقط ولا بد من تقييد صحة ضمانه لها من قبولها أو قبول قابل في المجلس؛ لأن الموجود شطر فلا يتوقف على ما وراء المجلس في المذهب كما في البزازية وظاهره أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة.
وإطلاقهم صحة ضمانه مهر الصغيرة يقتضي أن لا يشترط قبول أحد في المجلس وأن إيجابه يكون مقام القبول عنها ولا بد من التقييد بصحة وليها إذ ضمانه في مرضه باطل لما قدمنا من أن الضمان في مرض الموت للوارث أو عنه باطل وينبغي تقييده بما إذا كانت موليته وارثته وأما إذا لم تكن وارثته كما إذا كانت بنت عمه مثلا وله وارث يحجبها فالضمان صحيح مطلقا كما لا يخفى ويكون من الثلث كما قدمناه.
وأشار بصحة ضمان الولي إلى صحة ضمان الرسول في النكاح والوكيل بالأولى فلو ضمن الرسول المهر ثم جحد الزوج الرسالة اختلف المشايخ فيما يلزم الرسول وصحح في المحيط أن المرأة إذا طلبت التفريق من القاضي وفرق بينها وبين الزوج كان لها على الرسول نصف المهر وإن لم تطلب التفريق كان لها جميع المهر ولو زوجه الوكيل على ألف من ماله أو على هذه الألف لم يلزمه شيء ولو ضمن المهر لزمه فإن كان بغير إذن الزوج فلا رجوع له بخلاف الوكيل بالخلع فإنه إذا ضمن البدل عنها رجع به عليها وإن لم تأمره بالضمان لانصراف التوكيل إلى الأمر بالضمان لصحة الخلع بلا توكيل منها بخلاف النكاح فإنه لا يصح بلا توكيل منها فانصرف الأمر إليه ولو زوجه الوكيل امرأة على عرضه جاز فإن هلك في يد الوكيل رجعت بقيمته

 

ج / 3 ص -254-       ولها منعه من الوطء والإخراج للمهر وإن وطئها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الزوج وفي الخلع ترجع على الوكيل والكل من المحيط.
"قوله: ولها منعه من الوطء والإخراج للمهر وإن وطئها "أي للمرأة منع نفسها من وطء الزوج وإخراجها من بلدها حتى يوفيها مهرها وإن كانت قد سلمت نفسها للوطء فوطئها لتعين حقها في البدل كما تعين حق الزوج في المبدل فصار كالبيع كذا في الهداية وأورد عليه في فتح القدير بأن هذا التحليل لا يصح إلا في الصداق الدين، أما العين كما لو تزوجها على عبد بعينه فلا؛ لأنها بالعقد ملكته وتعين حقها فيه حتى ملكت عتقه ا هـ.
وقد قالوا في بيع المقايضة يقال لهما سلما معا ويمكن أن يكون هنا كذلك فلها المنع قبله وما في فتح القدير من أن مثله لا يتأتى في النكاح إذا كان المهر عبدا معينا مثلا ولا في معية الخلوة لإطلاق الجواب بأن لها الامتناع إلى أن تقبض ا هـ. ففيه نظر؛ لأن المراد بالتسليم هنا التخلية برفع الموانع وهو ممكن في العبد أيضا بأن يخلي بينها وبينه بشروط التخلية وتخلي بينها وبين نفسها برفع الموانع منها ويكونا سواء، وهذا قبل الاطلاع على النقل ثم رأيت في المحيط وإن كان المهر عينا فإنهما يتقابضان كما في بيع المقايضة ا هـ. وبهذا سقط ما في فتح القدير.
أشار المصنف بمنعها له مما ذكر إلى أنه لا يمنعها من أن تخرج في حوائجها والزيارة بغير إذنه قبل قبض المهر؛ لأنها غير محبوسة لحقه بخلاف ما بعد إيفائه؛ لأنها محبوسة له وإلى أن للأب أن يسافر بابنته البكر ولو كانت بالغة قبل إيفاء المهر وبعده لا كما في فتح القدير وإلى أنه لا يحل له وطؤها على كره منها قبل إيفائه قال في المحيط من النفقة وهل يحل للزوج أن يطأها على كره منها إن كان الامتناع لا لطلب المهر يحل؛ لأنها ظالمة وإن كان لطلب المهر لا يحل عند أبي حنيفة وعندهما يحل ا هـ.
وأطلق في الإخراج فشمل الإخراج من بيتها ومن بلدها فليس له ذلك وتفسير الإخراج بالمسافرة بها كما في الهداية مما لا ينبغي؛ لأنه يوهم أن له إخراجها من بيتها إلى بيت آخر في مصرها.
وأطلق في المهر وفيه تفصيل وحاصله أنه إما أن يصرحا بحلوله أو بتعجيله أو بتأجيله كله أو بحلول بعضه وتأجيل بعضه أو يسكتا فإن شرطا حلوله أو تعجيله كله فلها الامتناع حتى تستوفيه كله والحلول والتعجيل مترادفان ولا اعتبار بالعرف إذا جاء الصريح بخلافه، وكذا إذا شرطا حلول البعض فلها الامتناع حتى تقبض المشروط فقط وأما إذا شرط تأجيل الكل فليس لها الامتناع أصلا؛ لأنها أسقطت حقها بالتأجيل كما في البيع وعن أبي يوسف أن لها الامتناع

 

ج / 3 ص -255-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استحسانا؛ لأنه لما طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع قال الولوالجي وبقول أبي يوسف يفتى استحسانا بخلاف البيع ا هـ. ولأن العادة جارية بتأخير الدخول عند تأخير جميع المهر وفي الخلاصة أن الأستاذ ظهير الدين كان يفتي بأنه ليس لها الامتناع والصدر الشهيد كان يفتي بأن لها ذلك ا هـ. فقد اختلفت الفتوى وفي معراج الدراية إذا كان المهر مؤجلا ثم حل الأجل فليس لها الامتناع عند أبي حنيفة ولم أر حكم ما إذا كان الأجل سنة مثلا فلم تسلم نفسها حتى مضى الأجل هل يصير حالا أو لا بد من سنة بعد التسليم كما قال أبو حنيفة في البيع فإن قيس النكاح على البيع صح؛ لأنهم اعتبروه به هنا وفي المحيط وغيره لو أحالت المرأة رجلا على زوجها بالمهر فلها الامتناع إلى أن يقبض المحتال؛ لأن غريمها بمنزلة وكيلها وإن أحالها الزوج بمهرها ليس لها الامتناع، وهذا إذا كان الأجل معلوما فإن كان مجهولا فإن كانت جهالة متقاربة كالحصاد والدياس ونحو ذلك فهو كالمعلوم.
وهذه على وجوه إما أن يصرح بحلول كله أو تعجيله أو حلول بعضه وتأجيل بعضه أو تأجيل كله أجلا معلوما أو مجهولا أو متقاربا أو متفاحشا فهي سبعة وكل منها إما بشرط الدخول قبل القبض أو لا فهي أربعة عشر وكل منها إما أن يكون المنع قبل التسليم أو بعده فهي ثمانية وعشرون على الصحيح كما في الظهيرية بخلاف البيع فإنه لا يجوز بهذا الشرط وإن كانت متفاحشة كإلى الميسرة أو إلى هبوب الريح أو إلى أن تمطر السماء فالأجل لا يثبت ويجب المهر حالا كذا في غاية البيان وظاهره أن التأجيل إلى الطلاق أو الموت متفاحش فيجب المال حالا بمقتضى إطلاق العقد. والظاهر خلافه لجريان العرف بالتأجيل به، وذكر في الخلاصة والبزازية اختلافا فيه وصحح أنه صحيح وحكم التأجيل بعد العقد كحكمه فيه كما في فتح القدير أيضا، وهذا كله إذا لم يشترط الدخول قبل حلول الأجل فلو شرطه ورضيت ليس لها الامتناع اتفاقا كما في الفتح أيضا.
وفي الخلاصة وبالطلاق يتعجل المؤجل ولو راجعها لا يتأجل ا هـ. يعني إذا كان التأجيل إلى الطلاق أما إذا كان التأجيل إلى مدة معينة لا يتعجل بالطلاق كما يقع في ديار مصر في بعض الأنكحة أنهم يجعلون بعضه حالا وبعضه مؤجلا إلى الطلاق أو إلى الموت وبعضه منجما في كل سنة قدر معين فإذا طلقها تعجل البعض المؤجل لا المنجم؛ لأنها تأخذه بعد الطلاق على نجومه كما تأخذه قبل الطلاق على نجومه، وذكر قولين في الفتاوى الصيرفية في كونه يتعجل المؤجل

 

ج / 3 ص -256-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعرف خوارزم فيما لا نص فيه على تعجيل ولا تأجيل وهو خلاف الواقع في مملكة مصر والشام وما والاهما من البلاد ا هـ. ما في القاسمية.
وفي الصيرفية تزوجها وسمى لها المعجل مائة وسكت عن المؤجل ثم طلقها قبل الدخول فلها نصف المسمى وينبغي أن تجب لها المتعة ا هـ.
وأطلق في قوله فإن وطئها فشمل ما إذا وطئها مكرهة كانت أو صغيرة أو برضاها وهي كبيرة ولا خلاف فيما إذا كانت مكرهة أو صبية أو مجنونة فإنه لا يسقط حقها في الحبس، وأما إذا وطئها أو خلا بها برضاها ففيه خلاف قال أبو حنيفة لها أن تمنع نفسها وخالفاه؛ لأن المعقود عليه صار مسلما إليه بالوطأة الواحدة وبالخلوة ولهذا يتأكد بها جميع المهر فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع وله أنها منعت منه ما قابل البدل؛ لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم فلا يعري عن العوض إبانة لخطره والتأكيد بالواحدة لجهالة ما وراءها فلا يصح مزاحما للمعلوم ثم إذا وجد آخر وصار معلوما تحققت المزاحمة وصار المهر مقابلا بالكل كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها ثم إذا جنى جناية أخرى وأخرى يدفع بجميعها ويبتنى على هذا الاختلاف استحقاق النفقة بعد الامتناع فعنده تستحقها وليست بناشزة وعندهما لا تستحقها وهي ناشزة كذا قالوا وينبغي أن لا تكون ناشرة على قولهما إذا منعته من الوطء وهي في بيته؛ لأنه ليس بنشور منها بعد أخذ المهر كما صرحوا به في النفقات.
وفي شرح الجامع الصغير للبزدوي كان أبو القاسم الصفار يفتي في المنع بقول أبي يوسف ومحمد وفي السفر بقول أبي حنيفة، ثم قال، وهذا حسن في الفتيا يعني بعد الدخول لا تمنع نفسها ولو منعت لا نفقة لها كما هو مذهبهما ولا يسافر بها ولها الامتناع منه لطلب المهر ولها النفقة كما هو مذهبه كذا في غاية البيان.
وقيد بقوله للمهر؛ لأنه ليس لها الامتناع منهما بعد قبضه ولا فرق بين أن يطلب انتقالها إلى منزله في المصر أو إلى بلد أخرى أما الأول فليس لها الامتناع منه اتفاقا وسيأتي في النفقات بيان البيت الشرعي وأنه يسكنها بين جيران صالحين وأنه يلزمه مؤنسة لها كما في الفتاوى السراجية وفي المحيط لو وجدت المرأة المهر المقبوض زيوفا أو ستوقة أو اشترت منه بالمهر شيئا فاستحق المبيع بعد القبض فليس لها أن تمنع نفسها عند أبي يوسف؛ لأن عنده لو سلمت نفسها من غير قبض لم يكن لها حق المنع فكذا هذا وليس هذا كالبيع ا هـ. ولم يذكر قول الإمام، وأما الثاني فإن نقلها من مصر إلى قرية أو من قرية إلى مصر أو من قرية إلى

 

ج / 3 ص -258-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرية فظاهر ما ذكره المصنف في الكافي أن له ذلك اتفاقا؛ لأنه لا تتحقق الغربة فيه وعلله أبو القاسم الصفار بأنه تبوئة وليس بسفر، وذكر في القنية اختلافا في نقلها من المصر إلى الرستاق فعزا إلى كتب أنه ليس له ذلك ثم عزا إلى غيرها أن له ذلك قال وهو الصواب. ا هـ.
وأما إذا طلب انتقالها من مصرها إلى مصر أخرى فظاهر الرواية كما في الخانية والولوالجية أن ليس لها الامتناع لقوله تعالى:
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وليس في ظاهر الرواية تفصيل بين أن يكون مأمونا عليها أو لا واختلفوا في المفتى به فذكر في جامع الفصولين أن الفتوى على أنه له أن يسافر بها إذا أوفاها المعجل ا هـ. فهذا إفتاء بظاهر الرواية وأفتى أبو القاسم الصفار وتبعه الفقيه أبو الليث بأنه ليس له أن يسافر بها مطلقا بغير رضاها لفساد الزمان؛ لأنها لا تأمن على نفسها في منزلها فكيف إذا خرجت وصرح في المختار بأنه لا يسافر بها وعليه الفتوى وفي المحيط وهو المختار وما في فصول الأسروشني معزيا إلى ظهير الدين المرغيناني من أن الأخذ بقول الله تعالى أولى من الأخذ بقول الفقيه فقد رده في غاية البيان بأن قول الفقيه ليس منافيا لقول الله تعالى؛ لأن النص معلول بعدم الإضرار، ألا ترى إلى سياق الآية وهو قوله تعالى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] وفي إخراجها إلى غير بلدها إضرار بها فلا يجوز. ا هـ.
وذكر الولوالجي أن جواب ظاهر الرواية كان في زمانهم أما في زماننا لا يملك الزوج ذلك فجعله من باب اختلاف الحكم باختلاف العصر والزمان كما قالوا في مسألة الاستئجار على الطاعات وأفتى بعضهم بأنه إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان مأمونا يسافر بها وإلا فلا؛ لأن التأجيل إنما يثبت بحكم العرف فلعلها إنما رضيت بالتأجيل لأجل إمساكها في بلدها أما إذا أخرجها إلى دار الغربة فلا قال صاحب المجمع في شرحه وبه يفتى ا هـ. فقد اختلف الإفتاء والأحسن الإفتاء بقول الفقيهين من غير تفصيل واختاره كثير من المشايخ كما في الكافي وعليه الفتوى وعليه عمل القضاة في زماننا كما في أنفع الوسائل.
وأشار المصنف بقوله ولها منعه إلى أنها بالغة فلو كانت صغيرة فللولي المنع المذكور حتى يقبض مهرها وتسليمها نفسها غير صحيح فللولي استردادها وليس لغير الأب والجد أن يسلمها إلى الزوج قبل أن يقبض الصداق من له ولاية قبضه فإن سلمها فهو فاسد وترد إلى بيتها كما في التجنيس وغيره.

 

ج / 3 ص -259-       وإن اختلفا في قدر المهر حكم مهر المثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وإن اختلفا في قدر المهر حكم مهر المثل" أي اختلف الزوجان في قدره بأن ادعى ألفا وهي ألفين وليس لأحدهما بينة فإنه يجعل مهر المثل حكما فإن كان مهر المثل ألفا أو أقل فالقول قوله مع يمينه بالله ما تزوجتها على ألفين فإن حلف لزمه ما أقر به تسمية وإن نكل لزمه ما ادعت المرأة على أنه مسمى لإقراره أو بذله بالنكول وإن كان ألفين أو أكثر فالقول قولها مع اليمين بالله ما تزوجته بألف كما في الولوالجية أو بالله ما رضيت بألف كما في شرح الطحاوي فإن نكلت فلها ما أقر به الزوج تسمية لإقرارها به وإن حلفت فلها جميع ما ادعت بقدر ما أقر به الزوج على أنه مسمى لاتفاقهما عليه والزائد بحكم أنه مهر المثل لا باليمين حتى يتخير فيه الزوج بين الدراهم والدنانير وإن كان مهر مثلها أقل مما قالت وأكثر مما قال تحالفا وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه وما وقع في النهاية من أن الزوج إذا نكل لزمه ألف وخمسمائة كأنه غلط من الناسخ وإن حلفا وجب مهر المثل بقدر ما أقر به الزوج يجب على أنه مسمى والزائد بحكم مهر المثل حتى يتخير فيه بين دفع الدراهم والدنانير بخلاف الأول وهذا قول أبي حنيفة ومحمد أعني تحكيم مهر المثل وبناء الأمر عليه وأبو يوسف لا يحكمه ويجعل القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتي بشيء مستنكر؛ لأن المرأة مدعية للزيادة وهو ينكرها ولهما أن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر. والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل؛ لأنه هو الموجب الأصلي في باب النكاح وصار كالصباغ مع رب الثوب إذا اختلفا في مقدار الأجر تحكم قيمة الصبغ واختلفا في تفسير المستنكر عنده، فقيل هو المستنكر عرفا ما لا يتعارف مهرا لها وصححه في الهداية والبدائع وشرح الجامع الصغير لقاضي خان، وذكر أنه مروي عنه، وقيل هو المستنكر شرعا وهو أن يدعي تزوجها على أقل من عشرة دراهم وهو مروي عنه كما في البدائع وصححه القاضي الإسبيجابي، وذكر الوبري أنه أشبه بالصواب؛ لأنه ذكر في كتاب الرجوع عن الشهادة لو ادعى أنه تزوجها على مائة وهي تدعي أنه تزوجها على ألف ومهر مثلها ألف وأقام البينة ثم رجع لا يضمنون عند أبي يوسف؛ لأنه لولا الشهادة كان القول قوله ولم يجعل المائة مستنكرا في حقها واختاره في فتح القدير وعبارة الجامع الصغير إلا أن يأتي بشيء قليل وفي غاية البيان ولفظ الجامع أبين ا هـ. مع أن الاحتمال موجود فيها أيضا؛ لأنه يحتمل أن يكون المراد بالقليل ما قل شرعا أو عرفا فساوت التعبير بالمستنكر المذكور في غيره وظاهر كلام المصنف هنا أن تحكيم مهر المثل معتبر قبل التحالف وهو مبني على تخريج أبي بكر الرازي.
وحاصله أن التحالف على تخريجه في فصل واحد وهو ما إذا خالف مهر المثل قولهما،

 

ج / 3 ص -260-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما إذا وافق قول أحدهما فالقول قوله وهو المذكور في الجامع الصغير؛ لأنه لا حاجة إليه مع شهادة الظاهر، وذكر المصنف في باب التحالف من كتاب الدعوى أنهما يتحالفان ثم يحكم مهر المثل وهو على تخريج الكرخي وصححه في المبسوط والمحيط وحاصله وجوب التحالف في الفصول الثلاثة أعني ما إذا وافق مهر المثل قوله أو قولها أو خالفهما فإذا تحالفا قضي بقوله لو كان مهر المثل كما قال وبقولها لو كان كما قالت وبمهر المثل لو كان بينهما؛ لأن مهر المثل لا يصار إليه إلا عند سقوط التسمية وهي لا تسقط إلا بالتحالف. والظاهر لا يكون حجة على الغير ولم أر من صحح تخريج الرازي فكان المذهب تخريج الكرخي فيحمل كلام المصنف هنا عليه ليطابق ما صرح به في بابه ولم يذكر المصنف في الموضعين بمن يبدأ في التحالف للاختلاف.
فذكر في غاية البيان أنه يقرع بينهما يعني استحبابا؛ لأنه لا رجحان لأحدهما على الآخر واختار في الظهيرية والولوالجية وشرح الطحاوي وكثير أنه يبدأ بيمين الزوج؛ لأن أول التسليمين عليه فيكون أول اليمينين عليه كتقديم المشتري على البائع في التحالف والخلاف في الأولوية حتى لو بدأ بأيهما كان جاز كما في فتح القدير.
وقيدنا بعدم إقامة البينة؛ لأنه لو قامت لأحدهما بينة قضي ببينته، وإنما سكت عنه المصنف هنا؛ لأنه صرح به في بابه وعبارته وإن اختلفا في المهر قضي لمن برهن وإن برهنا فللمرأة وإن عجزا تحالفا إلى آخره إلا أن قوله وإن برهنا فللمرأة شامل لما إذا كان مهر المثل شاهدا له أو لها أو بينهما وفي الأول البينة بينتها؛ لأنها تثبت أمرا زائدا وأما في الثاني ففيه اختلاف ذكره في البدائع قال بعضهم يقضى ببينتها أيضا؛ لأنها أظهرت شيئا لم يكن ظاهرا بتصادقهما، وأما الظهور بشهادة مهر المثل فلا اعتبار به لما قدمنا أنه لا يكون حجة على الغير وقال بعضهم يقضى ببينة الزوج؛ لأن بينته تظهر حط الألف عن مهر المثل وبينتها لا تظهر شيئا؛ لأن الألفين كانت ظاهرة بشهادة مهر المثل، وهذا القول جزم به الزيلعي في باب التحالف وفي هذا الموضع، وأما في الثالث وهو ما إذا كان بينهما فالصحيح أنهما يتهاتران لاستوائهما في الدعوى والإثبات ثم يجب مهر المثل كله فيتخير فيه الزوج بين دفع الدراهم والدنانير بخلاف التحالف؛ لأن بينة كل واحد منهما تنفي تسمية صاحبه فخلا العقد عن التسمية فيجب مهر المثل ولا كذلك التحالف؛ لأن وجوب قدر ما يقر به الزوج بحكم الاتفاق والزائد بحكم مهر المثل هكذا ذكره الكرماني وذكر قاضي خان أنه يجب قدر ما اتفقا عليه على أنه مسمى والزائد على أنه مهر المثل كما في التحالف. والظاهر الأول كما لا يخفى.

 

ج / 3 ص -261-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المحيط وقال محمد رجل أقام بينة على أنه تزوج هذه المرأة بألف وأقامت بينة أنه تزوجها على ألفين فالمهر ألف ولو أقام رجل بينة أنه اشترى هذه الدار بألف وأقام البائع بينة أنه باعها منه بألفين فهي بألفين والفرق أن في البيع أمكن العمل بالبينتين لاحتمال أنه اشترى منه أولا ثم اشتراها منه بألفين ثانيا كما سيأتي فيصح؛ لأن البيع يحتمل الفسخ والنكاح لا يحتمل الفسخ وكل منهما ادعى عقدا غير ما ادعاه الآخر فتهاترت البينتان ووجب لها الألف باعتراف الزوج ا هـ فإن كان هذا من محمد نقلا للمذهب لا قوله وحده فمعنى قولهم وإن برهنا فللمرأة ما إذا شهدت بينته بأن المهر ألف وبينتها بأن المهر ألفان ولم تقع الشهادة بالعقد أما إذا وقعت بالعقد ومعه مسمى فقد علمت حكمه.
وأطلق في القدر فشمل النقد والمكيل والموزون لما في المحيط ولو كان المهر مكيلا أو موزونا بعينه فاختلفا في قدر المكيل والموزون والمذروع فهو مثل الاختلاف في الألف والألفين؛ لأنه اختلاف في الذات، ألا ترى أن إزالة البعض منه لا تنقص الباقي ا هـ.
وحاصل الاختلاف في القدر لا يخلو إما أن يكون المهر دينا أو عينا فإن كان دينا موصوفا في الذمة بأن تزوجها على مكيل موصوف أو موزون أو مذروع كذلك فاختلفا في قدر المكيل والوزن والذرع فهو كالاختلاف في قدر الدراهم والدنانير وإن كان عينا فإن كان مما يتعلق العقد بقدره فإن تزوجها على طعام بعينه فاختلفا في قدره، فقال الزوج تزوجتك على هذا الطعام على أنه كر، فقالت إنه كران فهو كالألف والألفين وإن كان مما لا يتعلق العقد بقدره بأن تزوجها على ثوب بعينه كل ذراع منه يساوي عشرة دراهم واختلفا، فقال الزوج تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه ثمانية أذرع، فقالت بشرط أنه عشرة أذرع لا يتحالفان ولا يحكم مهر المثل والقول قول الزوج بالإجماع كذا في البدائع، وهذه واردة على إطلاق المصنف.
وجوابه أن القدر في الثوب وإن كان من أجزائه حقيقة لكنه جار مجرى الوصف وهو صفة الجودة شرعا؛ لأنه يوجب صفة الجودة لغيره من الأجزاء، ولذا كان الزائد للمشتري فيما إذا باعه وعين قدرا فوجده أزيد والأصل أن ما يوجب فوات بعضه نقصانا في البقية فهو كالوصف وما لا يوجبه لا يكون كالوصف كما علم في البيوع وصرح به في البدائع هنا.

 

ج / 3 ص -262-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بالقدر؛ لأنه لو اختلفا في جنس المهر أو نوعه أو صفته فإنه لا يخلو إما أن يكون المسمى دينا أو عينا فإن كان دينا فإن كان في الجنس كما إذا قال تزوجتك على عبد، فقالت على جارية أو قال على كر شعير، فقالت على كر حنطة أو على ثياب هروية أو قال على ألف درهم وقالت على مائة دينار أو كان في النوع كالتركي مع الرومي والدنانير المصرية مع الصورية أو كان في الصفة من الجودة والرداءة فإن الاختلاف فيه كالاختلاف في العينين إلا الدراهم والدنانير فإن الاختلاف فيها كالاختلاف في الألف والألفين؛ لأن كل واحد من الجنسين والنوعين والموصوفين لا يملك إلا التراضي بخلاف الدراهم والدنانير فإنهما وإن كانا جنسين مختلفين لكنهما في باب مهر المثل جعلا كجنس واحد.
وإن كان المسمى عينا بأن قال تزوجتك على هذا العبد وقالت المرأة على هذه الجارية فهو كالاختلاف في الألف والألفين إلا في فصل واحد وهو ما إذا كان مهر مثلها مثل قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية لا عينها؛ لأن تمليك الجارية لا يكون إلا بالتراضي ولم يتفقا على تمليكها فلم يوجد الرضا من صاحب الجارية بتمليكها فتعذر التسليم فيقضى بقيمتها بخلاف ما إذا اختلفا في الدراهم والدنانير فإنه نظير الاختلاف في الألف والألفين على معنى أن مهر مثلها إن كان مثل مائة دينار أو أكثر فلها المائة دينار كذا في البدائع أيضا.
وذكر في المحيط الاختلاف في الجنس أو النوع أو الصفة إن كان المسمى عينا فالقول قول الزوج وإن كان دينا فهو كالاختلاف في الأصل. ا هـ. يعني يجب مهر المثل ولا يخفى ما فيه من المخالفة لما في البدائع.
وفي الظهيرية ولو اختلفا في الوصف والقدر جميعا فالقول للزوج في الوصف والقول للمرأة في القدر إلى تمام مهر مثلها.
وفي المحيط وغيره لو تصادقا على مهر عين كالعبد ثم هلك عند الزوج فاختلفا في القيمة فالقول قول من عليه الدين وهو الزوج وفي الخانية لو قالت المرأة تزوجني على عبدك هذا وقال الرجل تزوجتك على أمتي هذه وهي أم المرأة وأقاما البينة فالبينة بينة المرأة؛ لأن بينتها قامت على حق نفسها وبينة الزوج قامت على حق الغير وتعتق الأمة على الزوج بإقراره ا هـ.
وفي الظهيرية رجل وامرأة في أيديهما دار فأقامت المرأة البينة أن الدار لها والرجل عبدها وأقام الرجل البينة أن الدار له والمرأة زوجته ولم تقم بينة أنه حر فالبينة بينة المرأة

 

ج / 3 ص -263-       والمتعة لو طلقها قبل الوطء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدار والعبد لها ولا نكاح بينهما ولو أقامها أنه حر الأصل والمسألة بحالها يقضى بأنه حر والمرأة زوجته والدار للمرأة؛ لأنها خارجة وهذه المسألة تناسب الدعوى إلى أن قال لو أقام رجل بينة على امرأة أنه تزوجها على ألف درهم وأقامت بينة أنه تزوجها على مائة دينار وأقام أبوها وهو عبد الزوج أنه تزوجها على رقبته وأقامت أمها وهي أمة الزوج أنه تزوجها على رقبتها فالبينة بينة الأب والأم والنكاح جائز على نصف رقبتهما؛ لأن بينتهما توجب المهر والحرية فكانت بينتهما أكثر إثباتا فكانت أولى فإن كان القاضي قضى للمرأة بمائة دينار ثم ادعى الأب والمسألة بحالها فالقاضي يقضي بأن الأب صداقها ويعتق من مالها ويبطل القضاء الأول ولو قضي بعتق الأب من مال ابنته ثم أقامت أمها بينة أنه تزوجها على رقبتها لا تقبل؛ لأن في قبول بينتها إبطال عتق الأب ا هـ. وهو ملحق بالأصل إلا المسألة الأولى.
"قوله: والمتعة لو طلقها قبل الوطء "أي حكمت المتعة فإن شهدت لأحدهما فالقول قوله مع يمينه وإن كانت بين نصف ما يدعيه ونصف ما تدعيه المرأة حلف كل واحد منهما كما في حال قيام النكاح وعند أبي يوسف القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتي بشيء مستنكر كما قدمناه، وهذا على رواية الجامع الكبير وهو قياس قولهما وفي رواية الجامع الصغير والأصل القول قول الزوج في نصف المهر من غير تحكيم للمتعة وفي الهداية، ووجه التوفيق أنه وضع المسألة في الأصل في الألف والألفين والمتعة لا تبلغ هذا المبلغ في العادة فلا يفيد تحكيمها ووضعها في الجامع الكبير في العشرة والمائة ومتعة مثلها عشرون فيفيد التحكيم والمذكور في الجامع الصغير ساكت عن ذكر المقدار فيحمل على ما هو المذكور في الأصل. ا هـ.
وصحح في البدائع وشرح الطحاوي أنه يتنصف ما قال الزوج ورجحه في فتح القدير بأن المتعة موجبة فيما إذا لم يكن فيه تسمية وهنا اتفقا على التسمية فقلنا ببقاء ما اتفقا عليه وهو نصف ما أقر به الزوج ويحلف على نفي دعواها الزائد وأراد بتحكيم المتعة فيما إذا كان المسمى دينا أما إذا كان عينا كما في مسألة العبد والجارية فلها المتعة من غير تحكيم إلا أن يرضى الزوج أن تأخذ نصف الجارية بخلاف ما إذا اختلفا في الألف والألفين؛ لأن نصف الألف ثابت بيقين لاتفاقهما على تسمية الألف والملك في نصف الجارية ليس بثابت بيقين؛ لأنهما لم يتفقا على تسمية أحدهما فلا يمكن القضاء بنصف الجارية إلا باختيارهما فإذا لم يوجد سقط البدلان فوجب الرجوع إلى المتعة كذا في البدائع.

 

ج / 3 ص -264-       ولو في أصل المسمى يجب مهر المثل ولو ماتا ولو في القدر فالقول لورثته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ولو في أصل المسمى يجب مهر المثل "أي ولو اختلفا في أصل المسمى بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر فإنه يجب مهر المثل اتفاقا والمتعة إن طلقها قبل الدخول اتفاقا أما عندهما فظاهر؛ لأن أحدهما يدعي التسمية والآخر ينكره فالقول قول المنكر، وكذا عند أبي يوسف لتعذر القضاء بالمسمى بخلاف ما تقدم؛ لأنه أمكن القضاء بالمتفق وهو الأقل ما لم يكن مستنكرا وقوله في الهداية؛ لأن مهر المثل هو الأصل عند أبي حنيفة ومحمد مشكل؛ لأنه قدم قبله أن المسمى هو الأصل عن محمد، وإنما مهر المثل هو الأصل عند الإمام فقط كذا ذكره الشارحون وجوابه أنه الأصل في التحكيم عندهما كما مر في الاختلاف في القدر وليس مراده الأصالة بالنسبة إلى المسمى فلا إشكال.
أطلقه فشمل الاختلاف في حياتهما وبعد موت أحدهما سواء كان في الأصل أو في القدر فحكم الاختلاف بعد موت أحدهما في القدر كهو في حياتهما كما في المحيط، وأما في الأصل، فقال في التبيين ولو كان الاختلاف بعد موت أحدهما فالجواب فيه كالجواب في حياتهما بالاتفاق؛ لأن اعتبار مهر المثل لا يسقط بموت أحدهما، وكذا لو طلقها قبل الدخول ا هـ. يعني: تحكم المتعة وفي البزازية ادعت المسمى بعد موته فأقر الوارث به لكن قال لا أعرف قدره حبس وظاهر كلام المصنف أنه يجب مهر المثل بالغا ما بلغ وليس كذلك بل لا يزاد على ما ادعته المرأة لو كانت هي المدعية للتسمية ولا ينقص عما ادعاه الزوج لو كان هو المدعي لها كما أشار إليه في البدائع ولم يتعرض الشارحون للتحليف، وذكر صدر الشريعة أنه يحلف عندهما فإن نكل ثبت المسمى وإن حلف المنكر وجب مهر المثل، وأما عند أبي حنيفة ينبغي أن لا يحلف المنكر؛ لأنه لا تحليف عنده في النكاح فيجب مهر المثل ا هـ. وفيه نظر؛ لأن التحليف هنا على المال لا على أصل النكاح فيتعين أن يحلف منكر التسمية إجماعا ولهذا سكتوا عنه لظهوره.
وفي جامع الفصولين ادعت مهرها بعد موته فادعى الوارث الخلع قبل الموت بعد إنكاره أصل النكاح لا تسمع وإن ادعى الإبراء ففيها أقوال ثالثها إن ادعى الإبراء عن المهر لا تسمع وإن ادعى الإبراء عن دعوى المهر تسمع. ا هـ..
"قوله: ولو ماتا ولو في القدر فالقول لورثته" أي لو مات الزوجان واختلف ورثتهما فالقول لورثة الزوج سواء كان في القدر أو في الأصل فإن كان في القدر لزم ما اعترفوا به وإن كان في الأصل بأن ادعى ورثتها المسمى وأنكره ورثته فلا شيء عليهم، وهذا عند الإمام وعندهما الاختلاف بعد موتهما كالاختلاف في حياتهما فإن اختلفا في القدر وقال محمد يقضي

 

ج / 3 ص -265-       ومن بعث إلى امرأته شيئا، فقالت: هو هدية وقال هو من المهر فالقول قوله في غير المهيأ للأكل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمهر المثل وقال أبو يوسف القول لورثة الزوج.
وإن اختلفا في الأصل يقضى بمهر المثل إذا كان النكاح ظاهرا إلا إذا أقامت ورثته البينة على إيفاء المهر أو على إقرارها به أو إقرار ورثتها به؛ لأنه كان دينا في ذمته فلا يسقط بالموت كالمسمى فإن علم أنها ماتت أولا سقط نصيبه منه وما بقي فلورثتها وله أن موتهما يدل على انقراض أقرانها فبمهر من يقدر القاضي مهر المثل كذا في الهداية، وهذا يدل على أن المسألة مصورة في التقادم فلو كان العهد قريبا قضي به وعلى أنه لو أقيمت البينة على المهر قضي بها على ورثة الزوج.
وقد صرح بالثاني في المحيط وشرح الطحاوي وعبارة المحيط قال أبو حنيفة لا أقضي بشيء حتى يثبت بالبينة أصل التسمية وبهذا اندفع ما علل به بعض المشايخ له من أن مهر المثل من حيث هو قيمة البضع يشبه المسمى ومن حيث إنه يجب بغير شرط يشبه النفقة والصلة فباعتبار الشبه الأول لم يسقط بموت أحدهما وباعتبار الشبه الثاني يسقط فسقط بموتهما فإنه يقتضي أنه لا تسمع البينة عليه بعد موتهما لسقوطه أصلا والمنصوص عن الإمام خلافه كما علمت، ولذا قال في فتح القدير إن تعليل الهداية أوجه.
وفي فتاوى قاضي خان الفتوى على قولهما وفي المحيط قال مشايخنا هذا كله إذا لم تسلم المرأة نفسها فإن سلمت نفسها ثم وقع الاختلاف في حيال الحياة أو بعد الممات فإنه لا يحكم بمهر المثل؛ لأنا نعلم أن المرأة لا تسلم نفسها من غير أن تتعجل من مهرها شيئا عادة فيقال لها لا بد أن تقري بما تعجلت وإلا قضينا عليك بالمتعارف ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا ا هـ. وأقره عليه الشارحون ولا يخفى أن محله فيما إذا ادعى الزوج إيصال شيء إليها أما لو لم يدع فلا ينبغي ذلك.
وفي المحيط معزيا إلى النوادر امرأة ادعت على زوجها بعد موته أن لها عليه ألف درهم من مهرها فالقول قولها إلى تمام مهر مثلها عند أبي حنيفة؛ لأن مهر المثل يشهد لها. ا هـ. وهذا يخالف ما ذكره المشايخ سابقا وفي الخلاصة من الفصل الثاني عشر من كتاب الدعوى امرأة ادعت على وارث زوجها مهرها فأنكر الوارث يوقف قدر مهر مثلها ويقول له القاضي أكان مهر مثلها كذا أعلى من ذلك إن قالوا لا قال أكان كذا دون ما قال في المرة الأولى إلى أن ينتهي إلى مقدار مهر مثلها. ا هـ.
"قوله: ومن بعث إلى امرأته شيئا، فقالت هو هدية وقال هو من المهر فالقول قوله في غير المهيأ للأكل "; لأنه المملك فكان أعرف بجهة التمليك كيف وإن الظاهر أنه يسعى في إسقاط

 

ج / 3 ص -267-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبته إن كان من مال نفسه وكان قائما وإن كان هالكا لا يرجع وإن كان من مال البنت بإذنها فليس لها الرجوع؛ لأنه هبة منها وهي لا ترجع فيما وهبت لزوجها ا هـ. ويفرق بين هذا وبين ما سبق أن في الأولى التعويض منها كان بناء على ظنها التمليك منه، وقد أنكره فلم يصح التعويض فلم يكن هبة منها فلها الاسترداد وفي الثانية حصل التمليك فصح التعويض فلا رجوع لها وقد يقال التعويض على ظن الهبة لا مطلقا، وقد أنكرها فينبغي أن ترجع.
وقيد المصنف بكونه ادعاه مهرا؛ لأنها لو ادعت أنه من المهر وقال هو وديعة فإن كان من جنس المهر فالقول قولها وإن كان من خلافه فالقول قوله وأطلق في البعث فشمل ما إذا اشترى لها شيئا بعدما بنى بها بأمرها أو دفع إليها دراهم حتى اشترت هي صرح به في التجنيس وفيه لو قالت له أنفق على مماليكي من مهري ففعل، ثم قالت لا أحسبه منه؛ لأنك استخدمتهم فما أنفق عليهم بالمعروف فهو من المهر ولو بعث إليها بقرة عند موت أبيها فذبحتها وأطعمتها فطلب قيمتها فإن اتفقا أنه لم يذكر قيمة ليس له الرجوع وإن اتفقا على ذكر الرجوع بالقيمة فله الرجوع وإن اختلفا فالقول لها واختار قاضي خان أن القول قول الزوج؛ لأنها تدعي الإذن بالاستهلاك بغير عوض وهو ينكر فالقول له كمن دفع إلى غيره دراهم فأنفقها ثم ادعى أنها قرض وقال القابض إنها هبة فالقول قول صاحب الدراهم. ا هـ.
وفي فتاوى قاضي خان لو جاء إلى بيته بقطن فغزلته المرأة فإن قال اغزليه لي فهو له ولا أجر لها وإن قال اغزليه لنا فهو له ولها أجر مثلها وإن قال اغزليه فهو له وإن قال اغزليه لنفسك فهو لها وإن اختلفا، فقالت قلت: اغزليه لنفسك وكذبها فالقول قوله مع يمينه وإن نهاها عن غزله فغزلته كان لها؛ لأنها غاصبة وله عليها مثل قطنه وإن اختلفا في النهي فالقول له وإن لم ينه ولم يأذن فغزلته إن كان بياع القطن فهو لها وعليها مثل قطنه وإلا فهو له إلى آخر ما في الفتاوى وهاهنا فروع ذكروها في الفتاوى لا بأس بإيرادها فإنها مهمة:
الأول: لو خطب امرأة في بيت أخيها فأبى الأخ أن يدفع إليه دراهم فدفع ثم تزوجها كان للزوج أن يسترد ما دفع له.
الثاني: لو خطب ابنة رجل، فقال أبوها إن نقدت إلي المهر كذا أزوجها منك ثم بعد ذلك بعث بهدايا إلى بيت الأب ولم يقدر على أن ينقد المهر ولم يزوجه فأراد أن يرجع قالوا ما بعث للمهر وهو قائم أو هالك يسترده وكذا كل ما بعث هدية وهو قائم، فأما الهالك والمستهلك فلا شيء فيه.
الثالث: لو أنفق على معتدة الغير على طمع أن يتزوجها إذا انقضت عدتها فلما انقضت

 

ج / 3 ص -268-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبت ذلك إن شرط في الإنفاق التزوج كأن يقول أنفق بشرط أن تتزوجيني يرجع زوجت نفسها أو لا، وكذا إذا لم يشترط على الصحيح، وقيل لا يرجع إذا زوجت نفسها، وقد كان شرطه وصحح أيضا وإن أبت ولم يكن شرطه لا يرجع على الصحيح.
[والحاصل أن المعتمد ما ذكره العمادي في فصوله أنها إن تزوجته لا رجوع مطلقا وإن أبت فله الرجوع إن كان دفع لها وإن أكلت معه فلا مطلقا].
الرابع: مسألة الجهاز وفيه مسألتان الأولى قال في المبتغى بالغين المعجمة من زفت إليه امرأته بلا جهاز فله مطالبة الأب بما بعث إليه من الدنانير والدراهم وإن كان الجهاز قليلا فله المطالبة بما يليق بالمبعوث يعني إذا لم تجهر بما يليق بالمبعوث فله استرداد ما بعث والمعتبر ما يتخذ للزوج لا ما يتخذ لها ولو سكت بعد الزفاف طويلا ليس له أن يخاصمه بعده وإن لم يتخذ له شيء ولو جهز ابنته وسلمه إليها ليس له في الاستحسان استرداده منها وعليه الفتوى ولو أخذ أهل المرأة شيئا عند التسليم فللزوج أن يسترده؛ لأنه رشوة الثانية لو جهز بنته ثم ادعى أن ما دفعه لها عارية وقالت تمليكا أو قال الزوج ذلك بعد موتها ليرث منه وقال الأب عارية ففي فتح القدير والتجنيس والذخيرة والمختار للفتوى أن القول للزوج ولها إذا كان العرف مستمرا أن الأب يدفع مثله جهازا لا عارية كما في ديارنا وإن كان مشتركا فالقول قول الأب وقال قاضي خان وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن كان الأب من الأشراف والكرام لا يقبل قوله إنه عارية وإن كان الأب ممن لا يجهز البنات بمثل ذلك قبل قوله. ا هـ. والواقع في ديارنا القاهرة أن العرف مشترك فيفتى بأن القول للأب وإذا كان القول للزوج في المسألة الأولى فأقام الأب بينة قبلت قال في التجنيس والولوالجية والذخيرة والبينة الصحيحة أن يشهد عند التسليم إلى المرأة أني إنما سلمت هذه الأشياء بطريق العارية أو يكتب نسخة معلومة ويشهد الأب على إقرارها أن جميع ما في هذه النسخة ملك والدي عارية في يدي منه لكن هذا يصلح للقضاء لا للاحتياط لجواز أنه اشترى لها بعض هذه الأشياء في حالة الصغر فبهذا الإقرار لا يصير الأب صادقا فيما بينه وبين الله تعالى والاحتياط أن يشتري منها ما في هذه النسخة بثمن معلوم ثم إن البنت تبرئه عن الثمن. ا هـ. ومن فروع الجهاز لو زوج ابنته البالغة وجهزها بأمتعة معينة ولم يسلمها إليها ثم فسخ العقد وزوجها من آخر فليس لها مطالبة الأب

 

ج / 3 ص -269-       ولو نكح ذمي ذمية بميتة أو بغير مهر وذا جائز عندهم فوطئت أو طلقت قبله أو مات عنها فلا مهر لها، وكذا الحربيان ثم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك الجهاز؛ لأن التجهيز تمليك فيشترط فيه التسليم ولو كان لها على أبيها دين فجهزها أبوها، ثم قال جهزتها بدينها علي وقالت بل بما لك فالقول للأب، وقيل للبنت ولو دفع إلى أم ولده شيئا لتتخذه جهازا للبنت ففعلت وسلمته إليها لا يصح تسليمها. صغيرة نسجت جهازا بمال أمها وأبيها وسعيها حال صغرها وكبرها فماتت أمها فسلم أبوها جميع الجهاز إليها فليس لإخوتها دعوى نصيبهم من جهة الأم امرأة نسجت في بيت أبيها شيئا كثيرا من إبريسم كان يشتريه أبوها ثم مات الأب فهذه الأشياء لها باعتبار العادة ولو دفعت في تجهيزها لبنتها أشياء من أمتعة الأب بحضرته وعلمه وكان ساكتا وزفت إليه أي إلى الزوج فليس للأب أن يسترد ذلك من بنته، وكذا لو أنفقت الأم في جهازها ما هو معتاد والأب ساكت لا تضمن الكل في القنية في باب تجهيز البنات وبهذا يعلم أن الأب أو الأم إذا جهز بنته ثم مات فليس لبقية الورثة على الجهاز سبيل لكن هل هذا الحكم المذكور في الأب يتأتى في الأم والجد فلو جهزها جدها ثم ماتت وقال ملكي وقال زوجها ملكها صارت واقعة الفتوى ولم أر فيها نقلا صريحا.
"قوله: ولو نكح ذمي ذمية بميتة أو بغير مهر وذا جائز عندهم فوطئت أو طلقت قبله أو مات عنها فلا مهر لها، وكذا الحربيان ثم "بيان لمهور الكفار بعد بيان مهور المسلمين وسيأتي بيان أنكحتهم فقوله في غاية البيان أن هذا بيان لأنكحتهم سهو.
وحاصله أن نكاحهم مشروع بغير مهر وبمسمى غير مال حيث كانوا يعتقدونه عند أبي حنيفة لا فرق عنده بين أهل الذمة وأهل الحرب في دار الحرب وهما وافقاه في أهل الحرب وقالا في الذمية لها مهر مثلها إن مات عنها أو دخل بها والمتعة إن طلقها قبل الدخول وزفر أوجب مهر المثل في الكل؛ لأن الشرع وقع عاما فيثبت الحكم على العموم ولهما أن أهل الحرب غير ملتزمين أحكام الإسلام وولاية الإلزام منقطعة بتباين الدارين بخلاف أهل الذمة؛ لأنهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات كالزنا والربا وولاية الإلزام متحققة لاتحاد الدارين ولأبي حنيفة أن أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات وولاية الإلزام بالسيف والمحاجة وكل ذلك منقطع عنهم باعتبار عقد الذمة فإنا أمرنا بتركهم وما يدينون فصاروا كأهل الحرب بخلاف الزنا؛ لأنه حرام في الأديان كلها والربا مستثنى من عقودهم لقوله عليه السلام:
"إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد" أطلق في الذمي فشمل الكتابي والمجوسي.

 

ج / 3 ص -270-       ولو تزوج ذمي ذمية بخمر أو خنزير عين فأسلما أو أسلم أحدهما لها الخمر والخنزير وفي غير العين لها قيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأراد بالميتة كل ما ليس بمال كالدم واختلف في قوله أو بغير مهر، فقيل المراد به ما إذا نفياه أما إذا سكتا عنه فإنه يجب مهر المثل والأصح أنه لا فرق عنده بين نفيه والسكوت عنه كما في الهداية وفي فتح القدير إن ظاهر الرواية وجوب مهر المثل عنده إذا سكتا عنه مخالفا لما في الهداية؛ لأن النكاح معاوضة فما لم ينص على نفيه يكون مستحقا لها والواو في قوله وذا جائز للحال وقوله فلا مهر جواب المسألة وضبط في غاية البيان إلا من أربى أنه حرف التنبيه لا استثناء.
وقيد المصنف بالمهر؛ لأن بقية أحكام النكاح ثابتة في حقهم كالمسلمين من وجوب النفقة في النكاح ووقوع الطلاق والعدة والتوارث بالنكاح الصحيح كالنسب وثبوت خيار البلوغ وحرمة نكاح المحارم والمطلقة ثلاثا كما في التبيين وظاهره أنه متفق عليه وأما الكفاءة ففي الخانية أن الذمية إذا زوجت نفسها رجلا لم يكن لوليها حق الفسخ إلا أن يكون أمرا ظاهرا بأن زوجت بنت ملكهم أو حبرهم نفسها كناسا أو دباغا منهم أو نقصت من مهرها نقصانا فاحشا كان لأوليائها أن يطالبوه بالتبليغ إلى تمام مهر المثل أو يفسخ ا هـ.
وفائدة عدم المهر في هذه المسائل أنهما لو أسلما أو أحدهما أو ترافعا أو أحدهما إلينا لا نحكم به ومسألة خطاب الكفار وتفاصيلها أصولية لم تذكر عن أبي حنيفة وأصحابه، وإنما هي مستنبطة وتمامه في كتابنا المسمى باب الأصول.
"قوله: ولو تزوج ذمي ذمية بخمر أو خنزير عين فأسلما أو أسلم أحدهما لها الخمر والخنزير وفي غير العين لها قيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير "بيان لما إذا سميا ما هو مال عندهم وليس بمال عندنا.
وحاصله أن التسمية صحيحة ولها المسمى فإن قبضته صح وإن لم تقبضه حتى أسلما أو أسلم أحدهما فهو على وجهين إما أن يكون ذلك المسمى معينا أو غير معين وإن كان معينا فليس لها إلا هو قيميا كان أو مثليا وإن كان غير معين فلها القيمة في المثلي ومهر المثل في القيمي، وهذا كله عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لها مهر المثل في الوجهين وقال محمد لها القيمة في الوجهين وجه قولهما إن القبض مؤكد للملك في المقبوض فيكون له شبه بالعقد فيمتنع بسبب الإسلام كالعقد وصار كما إذا كانا بغير أعيانهما وأما إذا التحقت حالة القبض بحالة العقد فأبو يوسف يقول لو كانا مسلمين وقت العقد يجب مهر المثل فكذا هنا ومحمد يقول صحت التسمية لكون المسمى مالا عندهم إلا أنه امتنع التسليم للإسلام فيجب القيمة كما إذا هلك العبد

 

ج / 3 ص -271-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسمى قبل القبض ولأبي حنيفة أن الملك في الصداق المعين يتم بنفس العقد ولهذا يملك التصرف فيه وبالقبض ينتقل من ضمان الزوج إلى ضمانها وذلك لا يمتنع بالإسلام كاسترداد الخمر المغصوب وفي غير المعين القبض موجب ملك العين فيمتنع بالإسلام بخلاف المشتري؛ لأن ملك التصرف إنما يستفاد فيه بالقبض وإذا تعذر القبض في غير المعين لا تجب القيمة في الخنزير؛ لأنه من ذوات القيم فيكون أخذ قيمته كأخذ عينه ولا كذلك الخمر؛ لأنه من ذوات الأمثال، ألا ترى أنه لو جاء بالقيمة قبل الإسلام تجبر على القبول في الخنزير يردون الخمر ولو طلقها قبل الدخول بها فمن أوجب مهر المثل أوجب المتعة ومن أوجب القيمة أوجب نصفها.
وفي الغاية ويرد على هذا ما لو اشترى ذمي دارا من ذمي بخمر أو خنزير وشفيعها مسلم يأخذ بالشفعة بقيمة الخمر والخنزير فلم تجعل قيمة الخنزير كعينه ولم يجب عنه بشيء وأجاب عنه في التبيين أن قيمة الخنزير إنما تكون كعينه أن لو كان بدلا عن الخنزير كما في مسألة النكاح أما لو كان بدلا عن غيره فلا وفي مسألة الشفعة قيمة الخنزير بدل عن الدار المشفوعة، وإنما صير إليها للتقدير بها لا غير، فلا يكون لها حكم عينه وأفاد بقوله لها في المعين المسمى أنه لو كان طلقها قبل الدخول فإن لها نصفه والله تعالى أعلم.

3- باب نكاح الرقيق
لم يجز نكاح العبد، والأمة و المكاتب، والمدبر وأم الولد إلا بإذن السيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- باب نكاح الرقيق
ذكره بعد نكاح الأحرار المسلمين مقدما على نكاح الكفار لأن الإسلام فيهم غالب، والرقيق في اللغة: العبد، ويقال للعبيد كذا في المغرب، والمراد به هنا: المملوك من الآدمي لأنهم قالوا: إن الكافر إذا أسر في دار الحرب فهو رقيق لا مملوك وإذا أخرج فهو مملوك أيضا فعلى هذا فكل مملوك من الآدمي رقيق لا عكسه.
"قوله: لم يجز نكاح العبد، والأمة و المكاتب، والمدبر وأم الولد إلا بإذن السيد" أي لا ينفذ فالمراد بعدم الجواز عدم النفاذ لا عدم الصحة بقرينة سابقه في فصل الوكالة بالنكاح حيث صرح بأنه موقوف كعقد الفضولي لقوله عليه السلام
"أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر"1 حسنه الترمذي، والعهر الزنا وهو محمول على ما إذا وطئ بمجرد العقد وهو زنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه اليبهقي، كتاب النكاح، باب نكاح العبد بغير إذن مالكه [7/127] والترمذي، كتاب النكاح، باب =

 

ج / 3 ص -272-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرعي لا فقهي فلم يلزم منه وجوب الحد لأنه مترتب على الزنا الفقهي كما سيأتي ولأن في تنفيذ نكاحهما تعييبهما إذ النكاح عيب فيهما فلا يملكانه بدون إذن مولاهما وكذلك المكاتب لأن الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الكسب فبقي في حق النكاح على حكم الرق ولهذا لا يملك المكاتب تزويج عبده ويملك تزويج أمته لأنه من باب الاكتساب وكذا المكاتبة لا تملك تزويج نفسها بدون إذن المولى وتملك تزويج أمتها لما قلنا وكذا المدبر وأم الولد لأن الملك فيهما قائم ودخل في المكاتب معتق البعض لا يجوز نكاحه عند أبي حنيفة وعندهما يجوز لأنه حر مديون ودخل في أم الولد ابنها أي ابنها من غير مولاها كما إذا زوج أم ولده من غيره فجاءت بولد من زوجها فحكمه حكم أمه وأما ولدها من مولاها فحر ويستثنى من قولهم ابن أم الولد من غير المولى كأمه.
مسألة ذكرها في المبسوط من باب الاستيلاد لو اشترى ابن أم ولد له من غيره بأن استولد جارية بالنكاح ثم فارقها فزوجها المولى من غيره فولدت ثم اشترى الجارية مع الولدين فالجارية تكون أم ولد له وولده حر وولدها من غيره له بيعه ا هـ. إلا أن يقال إنها حين ولدته لم تكن أم ولد له فلا استثناء. وأطلق في نكاحه فشمل ما إذا تزوج بنفسه وما إذا زوجه غيره.
وقيد بالنكاح لأن التسري للعبد و المكاتب، والمدبر حرام مطلقا كذا في شرح الطحاوي وقال في فتح القدير فرع مهم للتجار ربما يدفع لعبده جارية ليتسرى بها ولا يجوز للعبد أن يتسرى أصلا أذن له مولاه أو لم يأذن لأن حل الوطء لا يثبت شرعا إلا بملك اليمين أو عقد النكاح وليس للعبد ملك يمين فانحصر حل وطئه في عقد النكاح ا هـ.
وشمل السيد الشريكين فلا يجوز نكاح المشترك إلا بإذن الكل لما في الظهيرية لو زوج أحد الموليين أمته ودخل بها الزوج فللآخر النقض فإن نقض فله نصف مهر المثل وللزوج الأقل من نصف مهر المثل ومن نصف المسمى ا هـ.
وشمل ورثة سيد المكاتب لما في التجنيس إذا أذن الورثة للمكاتب بالنكاح جاز لأنهم لم يملكوا رقبته لأنه صار كالحر ولكن الولاء لهم ا هـ. وبهذا علم أن السيد هنا من له ولاية تزويج الرقيق ولو غير مالك له ولهذا كان للأب، والجد، والقاضي، والوصي تزويج أمة اليتيم وليس لهم

 

ج / 3 ص -273-       فلو نكح عبد بإذنه بيع في مهرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تزويج العبد لما فيه من عدم المصلحة، وملك المكاتب، والمفاوض تزويج الأمة ولا يملكان تزويج العبد لما ذكرنا فخرج العبد المأذون، والمضارب وشريك العنان فإنهم لا يملكون تزويج الأمة أيضا خلافا لأبي يوسف.
وفي جامع الفصولين: القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب وقنه، وإن لم يكن له مال ويملك أن يكاتبهما وأن يبيعهما ا هـ. وفي الظهيرية: الوصي لو زوج أمة اليتيم من عبده لا يجوز، والأب إذا زوج جارية ابنه من عبد ابنه جاز عند أبي يوسف خلافا لزفر ا هـ. وهذا يستثنى من قولهم: لا يجوز للأب تزويج عبد الابن بأن يقال إلا من جارية الابن لكن في المبسوط لا يجوز في ظاهر الرواية فلا استثناء ثم اعلم أن نكاح العبد حالة التوقف سبب للحال متأخر حكمه إلى وقت الإجازة فبالإجازة ظهر الحل من وقت العقد كالبيع الموقوف سبب للحال فإذا زال المانع من ثبوت الحكم بوجود الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده، وقد ملك الزوائد بخلاف تفويض الطلاق الموقوف لا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة ولا يستند لأنه مما يقبل التعليق فجعل الموجود من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت للحال بخلاف الأولين لعدم صحة تعليقهما وهذا هو الضابط فيما يستند وما يقتصر من الموقوف.
"قوله: فلو نكح عبد بإذنه بيع في مهرها "أي بإذن السيد لأنه دين وجب في رقبة العبد لوجود سببه من أهله، وقد ظهر في حق المولى لصدور الإذن من جهته فيتعلق برقبته دفعا للمضرة عن أصحاب الديون كما في دين التجارة فيباع فيه إلا إذا فداه المولى لحصول المقصود وهو دفع المضرة عن صاحب الدين.
وأفاد المصنف باقتصاره على البيع المنصرف إلى مرة واحدة أنه لو بيع فلم يف ثمنه بالمهر لا يباع ثانيا ويطالب بالباقي بعد العتق وفي دين النفقة يباع مرة بعد أخرى لأنه تجب شيئا فشيئا وفي المبسوط فإذا اجتمع عليه من النفقة ما يعجز عن أدائه يباع فيه ثم إذا اجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع فيه أيضا وليس في شيء من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد أخرى إلا النفقة لأنه يتجدد وجوبها بمضي الزمان وذلك في حكم دين حادث ا هـ. وهو يفيد أنه لو اجتمع عليه مثلا مائتان فبيع بمائة لا يباع ثانيا للنفقة المتجمدة وإنما يباع لما سيأتي وستزداد وضوحا في النفقات إن شاء الله تعالى وعلل في معراج الدراية لعدم تكرار بيعه في المهر بأنه بيع في جميع المهر فيفيد أنه لو بيع في مهرها المعجل ثم حل الأجل يباع مرة أخرى لأنه إنما بيع في بعضه وظاهر كلامهم في المأذون المديون أنه يباع لأجل الدين القليل فكذلك يباع لأجل المهر

 

ج / 3 ص -274-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القليل حيث لم يفده وأشار بالبيع إلى أنه لو مات العبد سقط المهر، والنفقة ذكره التمرتاشي.
وأطلقه فشمل ما إذا دخل العبد بها أولا وقيد بالإذن لأنه لو نكح بغير إذن فإن لم يدخل فلا حكم له، وإن دخل فلا يخلو إما أن يفرق بينهما المولى بعده أو يجيز النكاح فإن فرق بينهما فلا مهر لها عليه حتى يعتق لأنه دين لم يظهر في حق المولى فصار كدين أقر به العبد، وإن أجازه المولى بعده فالقياس أن يجب مهران مهر بالدخول ومهر بالإجازة كما في النكاح الفاسد إذا جدده صحيحا وفي الاستحسان لا يلزمه إلا المسمى لأن مهر المثل لو وجب لوجب باعتبار العقد وحينئذ يجب بعقد واحد مهران وأنه ممتنع كذا في المحيط وغيره ودل كلامه أن السيد لو زوجه بنفسه فإنه يباع بالأولى.
وفي القنية باع عبده بعدما زوجه امرأة فالمهر في رقبة الغلام يدور معه أينما دار هو الصحيح كدين الاستهلاك وقيل المهر في الثمن ا هـ. وكل من القولين مشكل لأنهم جعلوا المهر كدين التجارة، وقد نقلوا في باب المأذون أن السيد إذا باع المديون بغير رضا أصحاب الديون ردوا البيع وأخذوه، وإن كان المشتري عيب العبد فهم بالخيار إن شاءوا ضمنوا السيد قيمته أو ضمنوا المشتري قيمته أو أجازوا البيع وأخذوا الثمن فكذلك هنا وليس دين الاستهلاك مخالفا لدين التجارة فإنه يباع في الكل.
وفي القنية أيضا: زوج عبده حرة ثم أعتقه تخير في تضمين المولى أو العبد ثم رقم آخر أن المولى يضمن الأقل من قيمته ومن مهرها ا هـ.
وفي فتاوى قاضي خان زوج عبده امرأة بألف درهم ثم باعه منها بتسعمائة درهم بعدما دخل العبد بها فإنها تأخذ التسعمائة بمهرها ويبطل النكاح ولا ترجع المرأة بالمائة الباقية على العبد، وإن عتق ولو كان على العبد لرجل آخر دين ألف درهم فأجاز الغريم بيع العبد من المرأة كان التسعمائة بين الغريم، والمرأة يضرب الغريم فيها بألف درهم، والمرأة بألف درهم ولا تتبعه المرأة بعد ذلك ويتبعه الغريم بما بقي من دينه إذا عتق ا هـ.
واعلم أنهم قالوا في كتاب المأذون لو أعتق المولى المديون خير الغريم بين تضمين المولى القيمة أو اتباع العبد بجميع الدين ولا فرق بين الإعتاق بإذن الغريم أو بغير إذنه ولو دبره فإن شاء ضمن المولى قيمته، وإن شاء استسعى العبد في جميع دينه ولو باعه فقد كتبناه ولو وهبه بغير إذن الغريم فله نقضها وبإذنه ففيه روايتان وعلى رواية الجواز فللغريم بيعه وأخذه من الموهوب له لأنه انتقل إليه بدينه ولو كان دين العبد مؤجلا فباعه أو وهبه مولاه جاز فإذا حل ضمن المولى قيمته فإذا رهنه أو أجره قبل حلوله جاز فإذا حل ضمن المولى قيمته في الرهن

 

ج / 3 ص -275-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دون الإجارة وللغريم فسخها وللقاضي بيع المديون للوفاء إذا امتنع سيده لكن بحضرته فإن أراد المولى أن يؤدي قدر ثمنه فله ذلك ولا يباع الكل من المحيط وحيث علمت أن المهر كدين التجارة فهذه الأحكام أيضا للمهر.
وذكر الحاكم في الكافي أن العبد المأذون المديون للغريم منع المولى من استخدامه ورهنه وإجارته، والسفر به إذا كان الدين حالا، وإن كان مؤجلا فله ذلك قبل حلوله ا هـ. ومقتضاه ثبوت هذه الأحكام أيضا في العبد المديون بمهر امرأته فإن كان المهر حالا لا يجوز للمولى وإلا جاز وفي الكافي إذا بيع في الدين فاشتراه المولى ودفع الثمن للغرماء ولم يوفهم ثم أذن له مولاه في التجارة فلحقه دين يباع ويشترك فيه الأولون فيما بقي لهم، والآخرون ومقتضاه لو بيع في مهرها فاشتراه المولى فلم يوف ثم وجب بيعه للنفقة أن تأخذ المرأة ما بقي لها من المهر مع النفقة وكل هذه من باب التخريج.
وفي الخانية لو قال المولى: لا أرضى ولا أجيز كان ردا فلو قال لا أرضى ولكن رضيت متصلا جاز استحسانا ا هـ.
وأشار بالبيع إلى أن مستحق المهر غير سيده فلو زوج أمته من عبده اختلفوا فقيل يجب المهر ثم يسقط لأن وجوبه حق الشرع ومنهم من قال: لا يجب وهذا أصح لأن الوجوب، وإن كان حقا لله تعالى فإنما يجب للمولى ولو جاز وجوبه للمولى ساعة لجاز وجوبه أكثر من ساعة كذا في الولوالجية ولم أر من ذكر ثمرة لهذا الاختلاف ويمكن أن يقال إنها تظهر فيما لو زوج الأب أمة الصغير من عبده فعلى قول من قال يجب ثم يسقط قال بالصحة وهو قول أبي يوسف ومن قال بعدم الوجوب أصلا بعدمها، وهو قوله: أما وقد جزم بعدمها في الولوالجية من المأذون معللا بأنه نكاح للأمة بغير مهر لعدم وجوبه على العبد في كسبه للحال فلو اختلفت المرأة، والعبد في الإذن وعدمه قال في الظهيرية عبد تزوج حرة ثم قال العبد: لم يأذن لي المولى، وقد نقض النكاح هو وقالت المرأة قد أذن يفرق بينهما لإقراره أن النكاح فاسد فيلزمه كمال المهر إن كان قد دخل بها وينصف المهر إن لم يدخل بها ولها نفقة العدة ا هـ. وينبغي أن المولى إن صدقها فالمهر في رقبته كلا ونصفا وإلا ففي ذمته ولو تزوج عبد حرتين ثم دخل بإحداهما ثم تزوج أمة ثم أمة فأجاز المولى نكاحهن قال أبو حنيفة يجوز نكاح الحرتين لأنه ليس له أن يتزوج أمة في عدة حرة وقالا يجوز نكاح الأمة الأخيرة لأن عندهما له أن يتزوج الأمة في عدة الحرة لو تزوج أمتين في عقدة ودخل بإحداهما ثم تزوج حرتين في عقدة ودخل بإحداهما ثم أجاز المولى نكاح أحد الفريقين لم يجز نكاح شيء منهن ولو تزوج

 

ج / 3 ص -276-       وسعى المدبر، والمكاتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرة وأمة ثم حرة وأمة فأجاز المولى الكل جاز نكاح الحرتين، وإن دخل بهن فنكاحهن فاسد الكل من الظهيرية.
ولم يبين المصنف مهر الأمة وفي البدائع ثم كل ما وجب من مهر الأمة فهو للمولى سواء وجب بالعقد أو بالدخول وسواء كان المهر مسمى أو مهر المثل وسواء كانت الأمة قنة أو مدبرة أو أم ولد إلا المكاتبة، والمعتق بعضها فإن المهر لها ا هـ.
وفي فتح القدير إن مهر الأمة يثبت لها ثم ينتقل إلى المولى حتى لو كان عليها دين قضي من المهر ا هـ. وفي القنية: اشترى جارية تحت زوج قبل الدخول ثم دخل بها في ملك المشتري فالمهر للبائع وفي المحيط مسلم أذن لعبده النصراني في التزوج فأقامت المرأة شهودا نصارى أنه تزوجها تقبل لأن المشهود عليه نصراني ولو كان العبد مسلما، والمولى نصرانيا لا تقبل لما عرف ا هـ.
وفي الظهيرية رجلان شهدا على رجل آخر أنه أعتق جاريته هذه وهو يجحد فقضى القاضي بالعتق ثم رجعا عن شهادتهما ثم تزوجها أحدهما قال أبو يوسف إن تزوجت قبل القضاء بالقيمة عليهما يفرق بينهما وبعد القضاء جاز نكاحه ا هـ. كأنه لما في زعم الشاهد أنها أمة فلم يجز نكاحه وبعد القضاء خرجت عن ملك صاحبها لأخذه العوض فجاز نكاحه وفي المحيط لو قال لعبده: تزوج على رقبتك فتزوج على رقبته أمة أو مدبرة أو أم ولد أذن مولاها جاز لأن الملك في رقبته يثبت لمولاها فلا يمنع الجواز ولو تزوج حرة أو مكاتبة فالنكاح فاسد لأنه لو صح يثبت الملك للمنكوحة في رقبته مقارنا للعقد وأنه مفسد له إذا طرأ فإذا قارن أولى أن يمنع جوازه فلو كان العبد مكاتبا أو مدبرا صح النكاح لأنهما لا يحتملان النقل من ملك مولاهما ويكون المهر القيمة ا هـ.
وفي تلخيص الجامع ولو خالع على رقبتها فإن كان حرا لا يصح لقران المنافي وتبين لأن المال زائد فكان أولى بالرد من الطلاق، وكذا القنة لو طلقها على رقبتها وتقع رجعية لأنه صريح ولو كان رقيقا صح بالمسمى لما مر ولم أر حكم إذن المولى السفيه عبده بالتزوج على قولهما من الحجر عليه، وقد علل في الهداية لصحة نكاح السفيه بأنه من الحوائج الأصلية فظاهره أنه لا يملك نكاح عبده، وإن قلنا بصحته لأنه تحصين للعبد فيجب أن لا يلزم في مهره ما زاد على مهر مثلها لأنه حكم نكاح المولى السفيه فعبده الأولى.
"قوله: وسعى المدبر، والمكاتب "أي في المهر ولم يباعا فيه لأنهما لا يقبلانه مع بقائهما فيؤدى من كسبهما لا من أنفسهما وكذا معتق البعض وابن أم الولد.

 

ج / 3 ص -277-       ولم يبع فيه، وطلقها رجعية إجازة للنكاح الموقوف لا طلقها أو فارقها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيدنا بكونه مع بقائهما لأن المكاتب إذا عجز ورد في الرق صار المهر في رقبته يباع فيه إلا إذا أدى المهر مولاه واستخلصه كما في القن وقياسه أن المدبر إذا عاد إلى الرق بحكم الشافعي ببيعه أنه يصير المهر في رقبته أيضا.
قيد بإذن المولى لأن المدبر، والمكاتب إذا تزوجا بغير إذن فحكمهما كالقن إن كان قبل الدخول فلا حكم له، وإن كان بعده ولم يجز المولى تأخر إلى ما بعد العتق، وإن كانت جناية المكاتب في كسبه للحال لأن المهر حكم العقد وهو قول لا فعل، وإن أجاز المولى فكما إذا أجاز قبله فيسعيان فيه.
وفي القنية: زوج مدبره امرأة ثم مات المولى فالمهر في رقبة العبد يؤخذ به إذا عتق ا هـ. وفيه نظر لأن حكمه السعاية قبل العتق لا التأخر إلى ما بعد العتق وحاصل مسألة مهر الرقيق أنه لا يخلو إما أن يكون ذكرا أو أنثى وكل منهما إما بإذن المولى أو لا وكل من الأربعة إما قبل الدخول أو بعده وكل من الثمانية إما أن يقبل البيع أو لا فهي ستة عشر.
"قوله: وطلقها رجعية إجازة للنكاح الموقوف لا طلقها أو فارقها "لأن الطلاق الرجعي لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح فكان الأمر به إجازة اقتضاء بخلاف قول المولى تزوج أربعا أو كفر عن يمينك بالمال حيث لا تثبت الحرية اقتضاء لأن شرائط الأهلية لا يمكن إثباتها اقتضاء بخلاف النكاح لأن العبد أهل له لأنه من خصائص الآدمية، وإنما لا يكون قول المولى له طلقها أو فارقها إجازة لاحتماله الإجازة، والرد فحمل على الرد لأنه أدنى لأن الدفع أسهل من الرفع أو لأنه أليق بحال العبد المتمرد على مولاه فكانت الحقيقة متروكة بقرينة الحال كذا في العناية.
قيد بقوله: رجعية لأنه لو قال له طلقها بائنا لا يكون إجازة لأن الطلاق البائن يحتمل المتاركة كما في الطلاق في النكاح الفاسد، والموقوف ويحتمل الإجازة فحمل على الأدنى كما في المحيط.
وقيد بقوله لا طلقها لأنه لو قال أوقع عليها الطلاق كان إجازة لأنه لا يقال للمتاركة كما في فتح القدير وكذا إذا قال: طلقها تطليقة يقع عليها كما في التبيين، والألف واللام في قوله للنكاح الموقوف للعهد الذكري أي نكاح العبد بغير إذن سيده احترازا عن نكاح الفضولي فإن قول الزوج للفضولي طلقها يكون إجازة لأنه يملك التطليق بالإجازة فيملك الأمر به بخلاف المولى ولأن فعل الفضولي إعانة كالوكيل، والإعانة تنتهض سببا لإمضاء تصرفه

 

ج / 3 ص -278-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[بالإجازة] وعدم الغاية بخلاف المتمرد على مولاه وهو مختار صاحب المحيط ومختار الصدر الشهيد ونجم الدين النسفي أنه ليس بإجازة فلا فرق بينهما فلذا عمم في المختصر في النكاح الموقوف لكن الأول أوجه كما في فتح القدير.
والحاصل أن الطلاق يستدعي سبق النكاح هذا هو الأصل وخرج عن الأصل مسألة العبد لما ذكرناه فلذا كان تطليق المدعى عليه نكاح بعد إنكاره إقرارا بالنكاح إلا إذا قال: ما أنت لي بزوجة وأنت طالق كما في البزازية وقول المرأة لرجل طلقني إقرار بالنكاح الصحيح النافذ وتطليق واحدة من إحدى الفريقين إجازة لذلك الفريق فيما إذا زوجه فضولي أربعا في عقدة ثم زوجه ثلاثا في عقدة فبلغه فطلق إحدى الأربع أو إحدى الثلاث بغير عينها كذا في التبيين وعلى هذا الاختلاف إذا طلقها الزوج في نكاح الفضولي قيل يكون إجازة، وقيل: لا.
وفي جامع الفصولين أن هذا الاختلاف في الطلقة الواحدة أما لو طلقها ثلاثا فهي إجازة وفاقا وقبل الاختلاف فيما لو طلقها قبل أن يبلغه الخبر أما لو بلغه الخبر فقال: طلقها يكون إجازة وفاقا.
أقول: على تقدير أنه إجازة ينبغي أن تحرم عليه لو طلقها ثلاثا لأنه يصير كأنه أجاز أولا ثم طلق ا هـ.
وقد صرح به الزيلعي فقال: لأن كلام الزوج لا يصح إلا إذا حمل على وقوع الطلاق فيكون إجازة تصحيحا لكلامه ا هـ.
وقد علم مما قررناه أن قوله "طلقها أو فارقها ", وإن لم يكن إجازة فهو رد فينفسخ به نكاح العبد حتى لا تلحقه الإجازة بعده وفي الخانية: لو قال المولى لا أرضى ولا أجيز كان ردا ولو قال: لا أرضى ولكن رضيت متصلا جاز استحسانا ا هـ.
وفي الولوالجية مكاتب أو عبد تزوج بغير إذن المولى ثم طلق كان ذلك ردا منه لأن الطلاق يقطع النكاح النافذ فلأن يقطع النكاح الموقوف أولى فإن أجازه المولى بعد الطلقات الثلاث لم يجز النكاح لأنه أجاز بعد الفسخ ولو أذن له أن يتزوجها بعدما طلقها ثلاثا أو أجاز المولى النكاح بعد الطلقات كره له أن يتزوجها وقد طلقها ثلاثا ولو تزوجها لم يفرق

 

ج / 3 ص -279-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهما في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: لا يكره أبو يوسف يقول بأن إجازة المولى لما كانت باطلة كان عدما ولو لم يجز المولى كان له أن يتزوجها ثانيا أذنه من غير كراهة بالإجماع فكذا هنا وهما يقولان الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، والإذن في الابتداء لو كان ها هنا موجودا صارت محرمة حقيقة فإذا وجدت صورة الإجازة في الانتهاء يجب أن يثبت به نوع كراهية ا هـ.
وفي الذخيرة: ولو تزوجت أمة بغير إذن المولى فوطئها لم يكن نقضا للنكاح عند محمد وعن أبي يوسف أنه ينفسخ النكاح ا هـ. وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه فهل للمرأة فسخه قبل إجازة المولى صرح في الذخيرة بأن لها الفسخ في نظيره وهي ما إذا زوجت نفسها من صبي بغير إذن وليه وبه علم أنه كما للمولى فسخه لكل من العاقدين فسخه.
وأشار المصنف إلى أن الإجازة تثبت بالدلالة كما تثبت بالصريح فإن قول المولى طلقها رجعية إجازة دلالة وحاصله كما في البدائع أنها تثبت بالصريح وبالدلالة وبالضرورة فمن الصريح أجزت أو رضيت أو أذنت ونحوه وأما الدلالة فهي قول أو فعل يدل على الإجازة كقول المولى بعد بلوغه الخبر حسن أو صواب أو لا بأس به أو يسوق إلى المرأة أو شيئا منه في نكاح العبد وأما الضرورة فنحو أن يعتق العبد أو الأمة فيكون الإعتاق إجازة.
وفي تلخيص الجامع قال المولى: أجزت إن زدت لي المهر فأبى فهو موقوف على حاله لأنه جواب على الزيادة فيقتصر الرد عليها وكذا لو قال: لا أجيز حتى تزيد إذ المغيا التوقف لأنه هو الذي يمتد وينتهي لا الرد وكذا لو قال إلا بزيادة لأنه تكلم بالباقي فإن قبل نفذ، والزيادة كمهر المثل حتى تسقط بالطلاق قبل الدخول ولو قال: لا أجيز لكن زدني أو أجيز إن زدتني بطل العقد لأنه مقرر للنفي وكأنه قال: لا أجيز وسكت ولو أذن له بالنكاح لم يكن إجازة فإن أجازه العبد جاز ولو مات المولى قبل الإجازة فإن كانت أمة فإن ورثها من يحل له وطؤها بطل النكاح الموقوف وإن ورثها من لا يحل له وطؤها بأن كان الوارث ابن الميت، وقد وطئها أو كانت الأمة أخته من الرضاع أو ورثها جماعة فللوارث الإجازة ولو أجاز البعض دون البعض لم يجز النكاح كما في المحيط.
وفيه: لو تزوج المولى امرأة على رقبتها بطل النكاح الموقوف لأنه ملكها للمرأة ا هـ. وفيه نظر بل ينبغي أن يتوقف على إجازة المرأة كما لو باعها المولى من امرأة فإنهم قالوا إذا باعها المولى قبل الإجازة فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الوارث، ولو باعها ممن لا تحل له فلم يجز حتى باعها ممن تحل له فأجاز لم يجز كذا في المحيط، وفي الذخيرة ولو باعها على أنه

 

ج / 3 ص -280-       والإذن في النكاح يتناول الفاسد أيضا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالخيار يفسخ النكاح لأنه ينفذ بالسكوت إذا مضت المدة ا هـ.
ومراده باعها ممن تحل له وعلى هذا قالوا: فيمن تزوج جارية غيره بغير إذنه ووطئها ثم باعها المولى من رجل أن للمشتري الإجازة لأن الزوج يمنع حل الوطء للمشتري ورده شمس الأئمة السرخسي بأن ما في الكتاب من أنه ليس له الإجازة صحيح لأن وجوب العدة إنما يكون بعد التفريق، وأما قبل التفريق فهي ليست بمعتدة فاعتراض الملك الثاني يبطل النكاح الموقوف، وإن كان هو ممنوعا عن غشيانها، وجعل هذا قياس المنع بسبب الاسترداد لا يمنع بطلان النكاح الموقوف فهذا مثله، وجعل عدم صحة الإجازة في المحيط ظاهر الرواية وأن القول بالإجازة رواية ابن سماعة بناء على أن العدة غير واجبة في النكاح الموقوف في ظاهر الرواية، وإن كان عبدا فمات المولى أو باعه قبل الإجازة فللوارث، والمشتري الإجازة.
وفي جامع الفصولين: زوجها الغاصب ثم اشتراها فإن كان الزوج دخل بها صحت الإجازة وإلا بطل النكاح، ولو ضمنها لا رواية فيه وينبغي أن يبطل النكاح لأن الملك بالضمان ضروري فلا يكفي لجواز النكاح كما لو حرر غاصب ثم ضمنه فإن قلت: قد ذكروا في الإجازة الصريحة لفظ أذنت وقالوا: لو أذن له بالنكاح بعدما تزوج لا يكون إجازة فهل بينهما تناقض.
قلت: يحمل الأول على ما إذا علم بالنكاح، فقال بعده: أذنت، والثاني على ما إذا لم يعلم به ولم أر من صرح به ثم رأيت في المعراج إن أذنت من ألفاظ الإذن ا هـ. يعني لا من ألفاظ الإجازة فلا إشكال.
وفي القنية: سكوت المولى عند العقد ليس برضا، وفي الخلاصة: أذن لعبده أن يتزوج بدينار فتزوج بدينارين لا يجوز النكاح، وفي مجموع النوازل: عبد طلب من مولاه أن يزوجه معتقة فأبى فتشفع أن يأذن له بالتزوج فأذن له فتزوج هذه المعتقة يجوز. ا هـ.
"قوله: والإذن في النكاح يتناول الفاسد أيضا "أي كما يتناول الصحيح، وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا يتناول إلا الصحيح لأن المقصود من النكاح في المستقبل الإعفاف، والتحصين وذلك بالجائز وله أن اللفظ مطلق فيجري على إطلاقه، وبعض المقاصد في النكاح الفاسد حاصل كالنسب ووجوب المهر، والعدة على اعتبار وجود الوطء.
وفائدة الخلاف تظهر في حق لزوم المهر فيما إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا ودخل بها لأنه يباع في المهر عنده وعندهما لا يطالب إلا بعد العتق، وفي حق انتهاء الإذن بالعقد فينتهي به عنده فليس له التزوج بعده صحيحا لا منها ولا من غيرها، وعندهما لا ينتهي به فله ذلك بعده.

 

ج / 3 ص -281-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بالإذن لأن التوكيل بالنكاح لا يتناول الفاسد فلا ينتهي به اتفاقا وعليه الفتوى كما في المصفى لأن مطلوب الآمر فيه ثبوت الحل، والوكيل بنكاح فاسد لا يملك النكاح الصحيح بخلاف الوكيل بالبيع الفاسد يملك الصحيح، كذا في الظهيرية.
واليمين في النكاح لا يتناول الفاسد كما إذا حلف لا يتزوج فإنه لا يحنث إلا بالصحيح وأما إذا حلف أنه ما تزوج في الماضي فإنه يتناول الصحيح، والفاسد أيضا لأن المراد في المستقبل الإعفاف، وفي الماضي وقوع العقد ذكره في المبسوط ولو نوى الصحيح صدق ديانة وقضاء، وإن كان فيه تخفيف رعاية لجانب الحقيقة كذا في التلخيص.
وأشار المصنف إلى أن الإذن بالبيع وهو التوكيل به يتناول الفاسد بالأولى اتفاقا لأن الفاسد فيه يفيد الملك بالقبض وأطلقه فشمل ما إذا أذن له في نكاح حرة أو أمة وما إذا كانت معينة أو غير معينة فما في الهداية من التقييد بالأمة، والمعينة اتفاقي.
وقيد بكونه أذنه في النكاح ولم يقيده لأنه لو قيده بأن أذن له في النكاح الفاسد فإنه يتقيد به اتفاقا وقال في البدائع: ولو أذن له في النكاح الفاسد نصا ودخل بها يلزمه المهر في قولهم جميعا أما على أصل أبي حنيفة فظاهر وأما على أصلهما فلأن الصرف إلى الصحيح لضرب دلالة أوجبت المصير إليه فإذا جاء النص بخلافه بطلت الدلالة ا هـ. ومقتضاه أنه لو قيد بالصحيح فإنه يتقيد به اتفاقا وأنه لو تزوج صحيحا في صورة التقييد بالفاسد فإنه لا يصح اتفاقا.
وحاصل المسألة أنه إما أن يطلق المولى الوصف أو يقيده فإن أطلق فهو محل الاختلاف، وإن قيد فإما أن يوافق أو يخالف، وقد علمت الأحكام.
اعلم أن الإذن في النكاح، والبيع، والتوكيل في البيع يتناول الفاسد، والتوكيل بالنكاح لا يتناول، واليمين في النكاح إن كانت على المضي تناولته، وإن كانت على المستقبل لا تتناوله، واليمين على الصلاة كاليمين على النكاح كما في الظهيرية وكذا اليمين على الحج، والصوم كما في الظهيرية، واليمين على البيع كذلك كما في المحيط ولو حلف لا يصلي اليوم لا يتقيد بالصحيحة قياسا وتقيد استحسانا لأنه عقد يمينه على المستقبل كذا في المحيط ومثله لا يتزوج اليوم، وفي المحيط: صلى ركعتين بغير وضوء اليوم ثم قال إن كنت صليت اليوم ركعتين فعبدي حر يعتق ولو قال: إن لم أكن صليت اليوم ركعتين فعبدي حر لا يعتق، واليمين على الشراء لا تتقيد بالصحيح، وقد علم مما قررناه أنه لو أذنه بالتزوج فإنه لا يملكه إلا مرة واحدة

 

ج / 3 ص -282-       ولو زوج عبدا مأذونا له امرأة صح وهي أسوة الغرماء في مهرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا لو قال له: تزوج فإنه لا يتزوج إلا مرة واحدة لأن الأمر لا يقتضي التكرار وكذا إذا قال: تزوج امرأة لأن قوله "امرأة "اسم لواحدة من هذا الجنس كذا في البدائع.
وفي شرح المغني للهندي لو قال لعبده: تزوج ونوى مرة بعد أخرى لم يصح لأنه عدد محض ولو نوى ثنتين يصح لأن ذلك كل نكاح العبد إذ العبد لا يملك التزوج بأكثر من ثنتين وكذا التوكيل بالنكاح بأن قال: تزوج لي امرأة لا يملك أن يزوجه إلا امرأة واحدة ولو نوى الموكل الأربع ينبغي أن يجوز على قياس ما ذكرنا لأنه كل جنس النكاح في حقه ولكني ما ظفرت بالنقل ا هـ. ذكره في بحث الأمر من الأصول وفي المحيط أذن لعبده في النكاح فتزوج ثنتين في عقدة واحدة لم يجز واحدة منهما إلا إذا قال المولى عنيت امرأتين.
وفي البدائع هذا إذا خص وأما إذا عم بأن قال: تزوج ما شئت من النساء جاز له أن يتزوج ثنتين فقط.
وقيد بالفاسد لأنه لا ينتهي بالموقوف اتفاقا كالتوكيل حتى جاز لهما أن يجدد العقد ثانيا عليها أو على غيرها كذا في التبيين.
وقيد بالانتهاء للاحتراز عن لزوم المهر فإن العبد المأذون له في النكاح إذا تزوج امرأة بفضولي ثم أجازت فإن المهر في رقبته يباع فيه فتناول الإذن الموقوف في حق هذا الحكم، وإن كان لا يتناوله في حق انتهاء الإذن به ولم أره صريحا.
"قوله: ولو زوج عبدا مأذونا له امرأة صح وهي أسوة الغرماء في مهرها" أما الصحة فإنها تنبني على ملك الرقبة، وهو باق بعد الدين كما هو قبله فلما صح لزم المهر لأن وجوبه حكم من أحكام النكاح فقد وجب بسبب لا مرد له فشابه دين الاستهلاك، وصار كالمريض المديون إذا تزوج امرأة فلمهر مثلها أسوة الغرماء أراد بالأسوة المساواة في طلب الحق بأن تضرب هي في ثمن العبد بمهرها، ويضرب الغرماء فيه على قدر ديونهم.
وأشار بقوله في مهرها دون أن يقول في المهر إلى أن مساواتها لهم إنما هو فيما إذا كان المسمى قدر مهر المثل أو أقل أما إذا كان أكثر من مهر المثل فإنها تساويهم في قدره، والزائد عليه يطالب به بعد استيفاء الغرماء كدين الصحة مع دين المرض، وقد علم من كتاب المأذون أن الديون تتعلق بما في يده ورقبته فتوفى الديون منهما ومنه يعلم حكم حادثة وهي أن المأذون إذا مات، وفي يده كسبه وعليه مهر زوجته فظاهر كلامهم أن المهر يوفى من كسبه بعد موته كما يقضى الديون منه بعد موته وليس للمولى الاختصاص به كما صرح به في المحيط في مسألة الديون ولم يصرح بالمهر.

 

ج / 3 ص -283-       ومن زوج أمته لا يجب عليه تبوئتها فتخدمه ويطؤها الزوج إن ظفر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد علم هنا أنه منها فلا فرق، وقد أجبت بذلك فما قدمناه عن التمرتاشي من أن المهر، والنفقة يسقطان بموت العبد محمول في المهر على العبد المحجور عليه أو المأذون الذي لم يترك كسبا كما لا يخفى.
وفي تلخيص الجامع: لو تزوج المأذون على رقبته بإذن المولى صح، والمرأة أسوة الغرماء قال الشارح: يضرب مولاها معهم بقدر قيمة العبد بخلاف الخلع على رقبة المأذونة المديونة فإنه إن لم يفضل من ثمنها شيء تتبع به بعد العتق كما لو قتل عمدا فصالح المولى على رقبته ففي الخلع، والصلح عن دم العمد لا مشاركة للغرماء، وأما الجناية خطأ فإن فداه المولى أو الغريم فهو متطوع، وإن اتفقا على دفعه ملكه ولي الجناية مشغولا بدينه وللغرماء بيعه وأخذ ثمنه فلو فقأ مأذون مديون عين مثله فاختاروا دفعه انتقل نصف دين المفقوء إلى الفاقئ لكن إذا بيع الفاقئ للغرماء بدئ بدينه فإن فضل من ثمنه شيء قضي به نصف الدين المنتقل إليه من المفقوء وتمامه في التلخيص.
"قوله: ومن زوج أمته لا يجب عليه تبوئتها فتخدمه ويطؤها الزوج إن ظفر "لأن حق المولى في الاستخدام باق، والتبوئة إبطال له فلما لم تلزمه يقال للزوج استوف منافع البضع إذا قدرت لأن حقه ثابت فيها، وفي المحيط متى وجد فرصة وفراغها عن خدمة المولى ليلا أو نهارا يستمتع بها ا هـ. وظاهره أنه لو وجدها مشغولة بخدمة المولى في مكان خال ليس له وطؤها وإنما يجوز له إذا لم تكن مشغولة بخدمة المولى ولم أره صريحا.
أطلق الأمة فشمل القنة، والمدبرة وأم الولد فالكل في هذا الحكم سواء ولا تدخل المكاتبة بقرينة قوله فتخدمه أي المولى لأن المكاتبة لا يملك المولى استخدامها فلذا تجب النفقة لها بدون التبوئة بخلاف غيرها فإنه إن بوأها منزلا مع الزوج وجبت النفقة وإلا فلا لأنها جزاء الاحتباس.
وأشار بإطلاق عدم وجوبها إلى أنه لو بوأها معه منزلا ثم بدا له أن يستخدمها له ذلك لأن الحق باق لبقاء الملك فلا يسقط بالتبوئة كما لا يسقط بالنكاح وإلى أنه لو شرط تبوئتها للزوج وقت العقد كان الشرط باطلا لا يمنعه من أن يستخدمها لأن المستحق للزوج ملك الحل لا غير لأن الشرط لو صح لا يخلو من أحد الأمرين إما أن يكون بطريق الإجارة أو الإعارة فلا يصح الأول لجهالة المدة وكذا الثاني لأن الإعارة لا يتعلق بها اللزوم.
فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين أن يشترط الحر المتزوج بأمة رجل حرية أولاده؟

 

ج / 3 ص -284-       وله إجبارهما على النكاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيث يلزم الشرط في هذه وتثبت حرية ما يأتي من الأولاد وهذا أيضا شرط لا يقتضيه نكاح الأمة.
فالجواب أن قبول المولى الشرط، والتزويج على اعتباره هو معنى تعليق الحرية بالولادة وتعليق ذلك صحيح وعند وجود التعليق فيما يصح يمتنع الرجوع عن مقتضاه فتثبت الحرية عند الولادة جبرا من غير اختيار بخلاف اشتراط التبوئة فإن بتعليقها لا تقع هي عند ثبوت الشرط بل يتوقف وجودها على فعل حسي اختياري من فاعل مختار فإذا امتنع لم يوجد.
فالحاصل أن المعلق هنا وعد يجب الإيفاء به غير أنه إن لم يف به لا يثبت متعلقه أعني نفس الموعود به كذا في فتح القدير ومقتضاه أن السيد لو مات قبل وضع الجارية المشترط حرية أولادها لا يكون الولد حرا وأن السيد لو باع هذه الجارية قبل الوضع يصح لأن المعلق قبل وجود شرطه عدم. وقد ذكر هذين الحكمين في المبسوط في مسألة التعليق صريحا بقوله: كل ولد تلدينه فهو حر فقال لو مات المولى وهي حبلى لم يعتق ما تلده لفقد الملك لانتقالها للورثة ولو باعها المولى وهي حبلى جاز بيعه فإن ولدت بعده لم يعتق ذكره في باب عتق ما في البطن إلا أن يفرق بين التعليق صريحا، والتعليق معنى ولم يظهر لي الآن وذكره في المحيط في باب عتق ما تلده الأمة وقال بعده: ولو قال لعبد يملكه أو لا يملكه كل ولد يولد لك فهو حر فإن ولد له من أمة يملكها الحالف يوم حلف عتق إن ولدت في ملكه وإلا بطلت اليمين ا هـ. وهذا أشبه بمسألتنا.
وقيد بالتبوئة لأن المولى إذا استوفى صداقها أمر أن يدخلها على زوجها، وإن لم يلزمه أن يبوئها كذا في المبسوط ولذا قال في المحيط لو باعها بحيث لا يقدر الزوج عليها سقط مهرها كما سيأتي في مسألة ما إذا قتلها.
والتبوئة مصدر بوأته منزلا وبوأته له إذا أسكنته إياه. وفي الاصطلاح على ما ذكره الخصاف: أن يخلي المولى بين الأمة وزوجها ويدفعها إليه ولا يستخدمها أما إذا كانت هي تذهب وتجيء وتخدم مولاها لا تكون تبوئة وسيأتي تمامه في النفقات إن شاء الله تعالى. وأن التحقيق أن العبرة لكونها في بيت الزوج ليلا ولا يضر الاستخدام نهارا.
وأشار المصنف إلى أن للمولى أن يسافر بها وليس للزوج منعه كما في الظهيرية.
"قوله: وله إجبارهما على النكاح "أي للسيد إجبار العبد، والأمة عليه بمعنى تنفيذ النكاح

 

ج / 3 ص -285-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليهما، وإن لم يرضيا لا أن يحملهما على النكاح بضرب أو نحوه وعن أبي حنيفة أنه لا إجبار في العبد لأن النكاح من خصائص الآدمية، والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث إنه مال فلا يملك إنكاحه بخلاف الأمة لأنه مالك لمنافع بضعها فيملك تمليكها، ولنا أن الإنكاح إصلاح ملكه لأن فيه تحصينه عن الزنا الذي هو سبب الهلاك، والنقصان، فيملكه اعتبارا بالأمة أطلقهما فشمل الصغير، والكبير، والصغيرة، والكبيرة، والقن، والمدبر وأم الولد لأن الملك في الكل كامل وخرج المكاتب، والمكاتبة، والصغيرة فليس له إجبارهما عليه صغيرين كانا أو كبيرين لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا فيشترط رضاهما.
فالحاصل أن ولاية الإجبار في المملوك تعتمد كمال الملك لا كمال الرق، والملك كامل في المدبر وأم الولد، وإن كان الرق ناقصا، والمكاتب على عكسهما ولذا دخلا تحت قوله: كل مملوك أملكه فهو حر دونه. وحل وطء أم الولد دون المكاتبة لأنه يعتمد كمال الملك فقط ولم يجز عتقهما عن الكفارة لأنها تبتنى على كمال الرق وأما البيع فإنه يعتمد كمالهما فلم يجز بيع الكل.
وفي المحيط وغيره المولى إذا زوج مكاتبته الصغيرة توقف النكاح على إجارتها لأنها ملحقة بالبالغة فيما يبتنى على الكتابة ثم إنها لو لم ترد حتى أدت فعتقت بقي النكاح موقوفا على إجازة المولى لا إجازتها لأنها بعد العتق لم تبق مكاتبة وهي صغيرة، والصغيرة ليست من أهل الإجازة فاعتبر التوقف على إجازتها حال رقها ولم يعتبر بعد العتق. قالوا وهذه المسألة من أعجب المسائل فإنها مهما زادت من المولى بعدا ازدادت إليه قربا في النكاح فإنه يملك إلزام النكاح عليها بعد العتق لا قبله وأعجب منه أنها لو ردت إلى الرق يبطل النكاح الذي باشره المولى، وإن أجازه المولى لأنه طرأ حل بات على موقوف فأبطله إلا أن هذا كله ثبت بالدليل وهو يعمل العجائب.
وقد بحث المحقق في فتح القدير بأن الذي يقتضيه النظر عدم التوقف على إجازة المولى بعد العتق بل بمجرد عتقها ينفذ النكاح لما صرحوا به من أنه إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأعتقه نفذ لأنه لو توقف فإما على إجازة المولى وهو ممتنع لانتفاء ولايته، وإما على العبد فلا وجه له لأنه صدر من جهته فكيف يتوقف عليه ولأنه كان نافذا من جهته وإنما توقف على السيد فكذا السيد هنا فإنه ولي مجبر وإنما التوقف على إذنها لعقد الكتابة، وقد زال فبقي النفاذ من جهة السيد وهذا هو الوجه وكثيرا ما يقلد الساهون الساهين وهذا بخلاف الصبي إذا زوج نفسه بغير إذن وليه فإنه موقوف على إجازة وليه فلو بلغ قبل أن يرده لا ينفذ حتى يجيزه الصبي لأن العقد

 

ج / 3 ص -286-       ويسقط المهر بقتل السيد أمته قبل الوطء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين صدر منه لم يكن نافذا من جهته إذ لا نفاذ حالة الصبا أو عدم أهلية الرأي بخلاف العبد ومولى المكاتبة الصغيرة.
والحاصل أن الصغير، والصغيرة ليسا من أهل العبارة بخلاف البالغ ا هـ. وجوابه أنه سوء أدب وغلط، أما الأول فلأن المسألة صرح بها الإمام محمد في الجامع الكبير فكيف ينسب السهو إليه وإلى مقلديه، وأما الثاني: فلأن محمدا علل لتوقفه على إجازة المولى بأنه تجدد له ولاية لم تكن وقت العقد، وهي الولاء بالعتق ولذا إنما يكون له الإجازة إذا لم يكن لها ولي أقرب منه كالأخ، والعم قال فصار كالشريك زوج العبد ثم ملك الباقي وكمن أذن لعبد ابنه أو زوج نافلته ثم مات الابن بخلاف الراهن ومولى المأذون باعا ثم سقط الدين حيث لا يفتقر إلى الإجازة لأن النفاذ بالولاية الأصلية.
وحاصله أن الولاية التي قارنها رضاه بتزويجها ولاية بحكم الملك، وبعد العقد تجدد له ولاية بحكم الولاء فيشترط تجدد رضاه لتجدد الولاية كذا في شرح تلخيص الجامع الكبير وكثيرا ما يعترض المخطئ على المصيبين ثم اعلم أن السيد لو زوج المكاتبة بغير رضاها ثم عجزت بطل النكاح لما ذكرنا، وإن كان مكاتبا لم يبطل لكن لا بد من إجازة المولى، وإن كان قد رضي أولا لأنه إنما رضي بتعلق مؤن النكاح كالمهر، والنفقة بكسب المكاتب لا بملك نفسه وكسب المكاتب بعد عجزه ملك المولى كذا في التلخيص فهو نظير ما إذا زوجها الأبعد مع وجود الأقرب ثم زالت ولاية الأقرب فإنه لا بد من أن يجيزه الأبعد وسيأتي إيضاحه بعد ذلك أيضا.
واعلم أن الفضولي إذا باشر ثم صار وكيلا فإنه ينفذ بإجازته بيعا كان أو نكاحا، وكذا لو صار وليا ولو صار مالكا فإن طرأ عليه حل بات أبطله وإلا فلا وينفذ بإجارته، والعبد المحجور إذا باشر عقدا ثم أذن له به فإن كان نكاحا نفذ بإجازته ولو كان بيع مال مولاه فإنه لا ينفذ بإجازته، والصبي المحجور إذا باشر عقدا ثم أذن له وليه فيه فأجازه جاز نكاحا أو بيعا ولو بلغ فأجازه بعد بلوغه جاز، والعبد المحجور إذا تصرف بلا إذن ثم أعتق فإن كان نكاحا أو إقرارا بدين نفذ بلا إجازة، وإن كان بيعا لا يجوز بإجازته بعد إعتاقه، والمكاتب لو زوج قنه ثم عتق فأجاز لم يجز، والقاضي لو زوج اليتيم ولم يكن في منشوره ثم أذن له فأجاز جاز وكذا الولي الأبعد مع الأقرب وتمامه في جامع الفصولين من الفصل الرابع والعشرين.
"قوله: ويسقط المهر بقتل السيد أمته قبل الوطء "وهذا عند أبي حنيفة وقالا عليه المهر

 

ج / 3 ص -287-       لا بقتل الحرة نفسها قبله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمولاها اعتبارا بموتها حتف أنفها، وهذا لأن المقتول ميت بأجله وله أنه منع المبدل قبل التسليم فيجازى بمنع البدل كما إذا ارتدت الحرة وكما إذا قتل البائع المبيع قبل التسليم، والقتل في حق أحكام الدنيا جعل إتلافا حتى وجب القصاص، والدية فكذا في حق المهر أفاد بسقوطه أنه إذا لم يكن مقبوضا سقط عن ذمة الزوج، وإن كان مقبوضا لزمه رد جميعه على الزوج كذا في المبسوط.
وقيد بالسيد لأنه لو قتلها أجنبي لا يسقط اتفاقا وأطلق السيد فشمل الصغير، والكبير، وذكر في المستصفى فيه قولان، وفي فتح القدير ولو لم يكن من أهل المجازاة بأن كان صبيا زوج أمته وصيه مثلا قالوا: يجب أن لا يسقط في قول أبي حنيفة بخلاف الحرة الصغيرة إذا ارتدت يسقط مهرها لأن الصغيرة العاقلة من أهل المجازاة على الردة بخلاف غيرها من الأفعال لأنها لم تحظر عليها، والردة محظورة عليها ا هـ. فترجح به عدم السقوط.
وقيد بالأمة لأن السيد لو قتل زوج أمته لم يسقط المهر اتفاقا لأنه تصرف في العاقد لا في المعقود عليه وقيد بكونه قبل الوطء لأنه لو قتلها بعده لا يسقط اتفاقا.
وأشار بالقتل إلى كل تفويت حصل بفعل المولى فلهذا سقط المهر لو باعها وذهب بها المشتري من المصر أو أعتقها قبل الدخول فاختارت الفرقة أو غيبها بموضع لا يصل إليها الزوج كذا في التبيين وغيره، والمراد بسقوطه في الأولى، والثالثة سقوط المطالبة به كما صرح به في المحيط، والظهيرية لا سقوطه أصلا لأنه لو أحضرها بعده فله المهر كما لا يخفى.
وأراد المصنف بالأمة القنة، والمدبرة وأم الولد لما عرف من أن مهر المكاتبة لها لا المولى فلا يسقط بقتل المولى إياها. والحاصل أن المرأة إذا ماتت فلا تخلو إما أن تكون حرة أو مكاتبة أو أمة وكل من الثلاثة إما أن تكون حتف أنفها أو بقتلها نفسها أو بقتل غيرها، وكل من التسعة إما قبل الدخول أو بعده فهي ثمانية عشر ولا يسقط مهرها على الصحيح في الكل إلا إذا كانت أمة وقتلها سيدها قبل الدخول.
"قوله: لا بقتل الحرة نفسها قبله "أي لا يسقط المهر بقتل الحرة نفسها قبل الوطء لأن جناية المرء على نفسه غير معتبرة في حق أحكام الدنيا فشابه موتها حتف أنفها ولأنها لا تملك إسقاط حقهم فصار كما إذا قال اقتلني فقتله فإنه تجب الدية بخلاف اقطع يدي فقطعها لا يجب شيء بخلاف قتل المولى لأنه معتبر في حق أحكام الدنيا حتى تجب الكفارة عليه ولذا لو قال المولى لغيره: اقتل عبدي فقتله لا يلزمه شيء.

 

ج / 3 ص -288-       والإذن في العزل لسيد الأمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما قيد بالحرة للاختلاف في قتل الأمة نفسها، والصحيح عدم السقوط كما في الخانية لأن المهر لمولاها ولم يوجد منه منع المبدل فلو قال المصنف: لا بقتل المرأة نفسها لكان أولى وقيد بالقتل لأن الأمة لو أبقت فلا صداق لها ما لم تحضر في قياس قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف كذا في الخانية ولو ارتدت المرأة عن الإسلام قبل الدخول فإن كانت حرة سقط المهر اتفاقا، وإن كانت أمة ففي التبيين أن في السقوط روايتين وفي غاية البيان وإذا ارتدت الأمة أو الحرة قبل الدخول يسقط المهر اتفاقا فكأنه لضعف رواية عدمه لم يعتبرها وحكم تقبيل ابن الزوج منهما كالردة.
وفي المحيط لو قبلت الأمة ابن زوجها قبل الدخول بها فادعى الزوج أنها قبلته بشهوة وكذبه سيدها تبين الأمة منه بإقراره ويلزمه نصف المهر لتكذيب المولى أنه كان بشهوة ا هـ. وينبغي ترجيح عدم سقوطه في ردة الأمة وتقبيلها ابن الزوج قياسا على ما إذا قتلت نفسها فإن الزيلعي جعل الروايتين في الكل، وقد صحح قاضي خان عدمه في القتل فليكن تصحيحا في الأخريين أيضا، وهو الظاهر لأن مستحقه لم يفعل شيئا وهو المولى وما في فتح القدير من بناء الخلاف على الخلاف في أن المهر هل يجب للمولى ابتداء أو يجب لها ثم ينتقل للمولى عند الفراغ من حاجتها ضعيف لأنه ولو وجب لها ابتداء يستقر للمولى بعده فلا يسقط بفعلها على القولين كما لا يخفى وأما القائل بالسقوط بقتلها نفسها علل بأن فعلها يضاف إلى المولى بدليل أنه لو قتلت إنسانا خوطب مولاها بالدفع أو الفداء، والتقييد بقتل المرأة نفسها ليس احترازيا لأن وارثها لو قتلها قبل الدخول فإنه لا يسقط المهر أيضا لأنه بالقتل لم يبق وارثا مستحقا للمهر لحرمانه به فصار كالأجنبي إذا قتلها.
"قوله: والإذن في العزل لسيد الأمة "لأنه يخل بمقصود المولى وهو الولد فيعتبر رضاه وهذا هو قول أبي حنيفة وصاحبيه في ظاهر الرواية وعنهما في غيرها: أن الإذن لها وهو ضعيف.
قيد بالأمة أي أمة الغير لأن العزل جائز عن أمة نفسه بغير إذنها، والإذن في العزل عن الحرة لها ولا يباح بغيره لأنه حقها، وفي الخانية: ذكر في الكتاب أنه لا يباح بغير إذنها وقالوا في زماننا يباح لسوء الزمان قال في فتح القدير بعده فليعتبر مثله من الأعذار مسقطا لإذنها وأفاد وضع المسألة أن العزل جائز بالإذن وهذا هو الصحيح عند عامة العلماء لما في البخاري عن جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل. ولحديث السنن: أن رجلا قال يا رسول الله إن

 

ج / 3 ص -289-       ولو عتقت أمة أو مكاتبة خيرت ولو زوجها حرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى قال صلى الله عليه وسلم:
"كذبت اليهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه". وفي فتح القدير ثم في بعض أجوبة المشايخ الكراهة، وفي بعضها عدمها، وفي المعراج العزل أن يجامع فإذا جاء وقت الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج ا هـ. ثم إذا عزل بإذن أو بغير إذن ثم ظهر بها حبل هل يحل نفيه قالوا إن لم يعد إليها أو عاد ولكن بال قبل العود حل نفيه، وإن لم يبل لا يحل كذا روي عن علي رضي الله عنه لأن بقية المني في ذكره يسقط فيها، ولذا قال أبو حنيفة: فيما إذا اغتسل من الجنابة قبل البول ثم بال فخرج المني وجب إعادة الغسل كذا في المعراج، وفي فتاوى قاضي خان: رجل له جارية غير محصنة تخرج وتدخل ويعزل عنها المولى فجاءت بولد وأكبر ظنه أنه ليس منه كان في سعة من نفيه، وإن كانت محصنة لا يسعه نفيه لأنه ربما يعزل فيقع الماء في الفرج الخارج ثم يدخل فلا يعتمد على العزل ا هـ. وهذا يفيد ضعف التفصيل المتقدم وأنه لا يحل النفي مطلقا حيث كانت محصنة وأن جوازه مشروط بثلاثة: عدم تحصينها ووجود العزل منه، وغلبة الظن بأنه ليس منه، وقد يقال: إن ما في المعراج بيان لمحل غلبة الظن بأنه ليس منه فإذا كان قد عزل ولم يعد غلب على ظنه أنه ليس منه بشرط أن لا تكون محصنة وبه يحصل التوفيق وينبغي أن يكون سد المرأة فم رحمها كما تفعله النساء لمنع الولد حراما بغير إذن الزوج قياسا على عزله بغير إذنها، وفي فتح القدير وهل يباح الإسقاط بعد الحبل يباح ما لم يتخلق شيء منه ثم في غير موضع ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة ا هـ. وفي الخانية من كتاب الكراهية: ولا أقول: بأنه يباح الإسقاط مطلقا فإن المحرم إذا كسر بيض الصيد يكون ضامنا لأنه أصل الصيد فلما كان يؤاخذ بالجزاء ثم فلا أقل من أن يلحقها إثم هاهنا إذا أسقطت بغير عذر ا هـ. وينبغي الاعتماد عليه لأنه له أصلا صحيحا يقاس عليه ولظاهر أن هذه المسألة لم تنقل عن أبي حنيفة صريحا ولذا يعبرون عنها بصيغة قالوا، والظاهر أن المراد من الأمة في المختصر القنة، والمدبرة وأم الولد وأما المكاتبة فينبغي أن يكون الإذن إليها لأن الولد لم يكن للمولى ولم أره صريحا.
"قوله: ولو عتقت أمة أو مكاتبة خيرت ولو زوجها حرا " لقوله عليه السلام لبريرة حين

 

ج / 3 ص -290-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعتقت:
"ملكت بضعك فاختاري" فالتعليل بملك البضع صدر مطلقا فينتظم الفصلين والشافعي يخالفنا فيما إذا كان زوجها حرا وهو محجوج به ولأنه يزداد الملك عليها عند العتق فيملك الزوج بعده ثلاث تطليقات فتملك رفع أصل العقد دفعا للزيادة، والعلة المذكورة أعني ازدياد الملك عليها قد وجدت في المكاتبة لأن عدتها قرآن وطلاقها ثنتان، وقد اختلفت الرواية في صحيح البخاري ومسلم في زوج بريرة فروي أنه كان حرا وروي أنه كان عبدا ورجح أئمتنا الأولى لما في الأصول من أنها مثبتة ورواية أنه كان عبدا نافية للعلم بأنه كان حالته الأصلية الرق، والنافي هو الذي أبقاها، ونفي الأمر المعارض، والمثبت هو المخرج عنها وقد رجح المحقق في فتح القدير قول زفر من أن المكاتبة إذا أعتقت فإنه لا خيار لها بأنه قوله: عليه السلام "قد ملكت بضعك" ليس معناه إلا منافع بضعك إذ لا يمكن ملكها لعينه وملكها لإكسابها تبع لملكها لمنافع نفسها فلزم كونها مالكة مقابل بالمعنى المراد قبل العتق فلم يتناولها النص ا هـ. وهو مبني على أن العلة ملكها مقابل بالعتق وأكثرهم على أن العلة ازدياد الملك عليها، وهو وجود في المكاتبة وعلى أن العلة ملك البضع فلا شك أنها لم تكن مالكة لمنافع بضعها قبل العتق من كل وجه بدليل أنها لا تملك أن تزوج نفسها بغير إذن المولى، وقد ملكت ذلك بعد العتق فصح أن يقال إنها ملكت بضعها بالعتق فدخلت تحت النص وإنما لم يجز وطؤها للمولى وجبرها على النكاح لا لأجل أنها ملكت بضعها بل لعقد الكتابة لأنه أوجب عدم التعرض لها في أكسابها وهو منها فترجح به قول أئمتنا خصوصا قد حدث مالك في الموطإ أن بريرة كانت مكاتبة عائشة رضي الله عنها وأنها خيرت حين أعتقت فكان نصا في المسألة فكان زفر محجوجا به وشمل إطلاق الأمة القنة، والمدبرة وأم الولد وشمل الكبيرة، والصغيرة فإذا أعتقت الصغيرة توقف خيارها إلى بلوغها لأن فسخ النكاح من التصرفات المترددة بين النفع، والضرر فلا تملكه الصغيرة ولا يملكه وليها عليها لقيامه مقامها كذا في جامع الفصولين فإذا بلغت كان لها خيار العتق لا خيار البلوغ على الأصح كذا في الذخيرة وقدمناه وشمل ما إذا كان النكاح أولا صدر برضاها أو جبرا وشمل ما إذا كانت حرة في الأصل ثم صارت أمة ثم عتقت لما في المبسوط لو كانت حرة في أصل العقد ثم صارت أمة ثم أعتقت بأن ارتدت امرأة مع زوجها ولحقا بدار الحرب معا، والعياذ بالله تعالى ثم سبيا معا فأعتقت الأمة كان لها الخيار عند أبي يوسف لأنها بالعتق ملكت أمر نفسها وازداد ملك الزوج عليها ولا خيار لها عند محمد لأن

 

ج / 3 ص -291-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأصل العقد يثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقض الملك فإذا أعتقت عاد إلى أصله كما كان ا هـ. ولا يخفى ترجيح قول أبي يوسف لدخولها تحت النص.
وفي فتاوى قاضي خان أن خيار البلوغ يفارق خيار العتق من وجوه أحدها أن خيار العتق يبطل بالقيام من المجلس والثاني أن الجهل بخيار العتق عذر، والثالث أنه يثبت للأمة دون الغلام، والرابع أنه لا يبطل بالسكوت، وإن كانت بكرا، والخامس: أن الفرقة لا تتوقف فيه على القضاء بخلاف خيار البلوغ في الكل، وفيها أيضا أن خيار العتق بمنزلة خيار المخيرة وإنما يفارقه من وجه واحد وهو أن الفرقة في خيار العتق لا تكون طلاقا، وفي خيار المخيرة يكون طلاقا ا هـ. ويزاد على هذا ما في جامع الفصولين أن الجهل بأن لها الخيار في خيار المخيرة ليس بعذر بخلافه في الإعتاق وفرقوا بينهما بأن الأمة لا تتفرغ للعلم بخلاف المخيرة ومقتضاه أن المخيرة لو كانت أمة فإنها تعذر بالجهل ا هـ. وفيه أيضا أن الأمة إذا أعتقت في عدة الرجعي لها الخيار ثم اعلم أن الظاهر الإطلاق من أن الجهل في المخيرة ليس بعذر لأنهم عللوا كونه عذرا في خيار العتق بعلتين:
إحداهما أن الأمة مشغولة بخدمة المولى فلا تتفرغ لمعرفة أن لها الخيار بخلاف الجهل بخيار البلوغ فإن الحرة الصغيرة لم تكن مشغولة بخدمة أحد.
ثانيهما: أن سبب الخيار في العتق لا يعلمه إلا الخواص من الناس لخفائه بخلاف خيار البلوغ لأنه ظاهر يعرفه كل أحد ولظهوره ظن بعض الناس أنه يثبت في نكاح الأب أيضا هكذا في شرح التلخيص فالعلة الأولى، وإن كانت لا تفيد أن الجهل في خيار المخيرة الأمة ليس بعذر فالعلة الثانية تفيده لأن ثبوت الخيار مع التخيير ظاهر يعرفه كل أحد.
وفي جامع الفصولين اختارت نفسها بلا علم الزوج يصح وقيل لا يصح بغيبة الزوج ا هـ. وفي غاية البيان إن اختارت نفسها فلا مهر لها إن لم يكن دخل بها الزوج لأن اختيارها نفسها فسخ من الأصل، وإن كان دخل بها فالمهر واجب لسيدها لأن الدخول بحكم نكاح صحيح فتقرر به المسمى، وإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها دخل الزوج بها أو لم يدخل لأن المهر واجب بمقابلة ما ملك الزوج من البضع، وقد ملكه عن المولى فيكون بدله للمولى ا هـ.
فالحاصل أن المهر للمولى في سائر الوجوه إلا إذا اختارت نفسها قبل الدخول، وفي المحيط زوج عبده جاريته ثم أعتقها فلم تعلم أن لها الخيار حتى ارتدا ولحقا بدار الحرب ورجعا مسلمين ثم علمت بثبوت الخيار أو علمت بالخيار في دار الحرب فلها الخيار في مجلس العلم وبمثله لو سبيا ليس لها الخيار لأن بالسبي يبطل العتق فانعدم سبب الخيار فلم يثبت

 

ج / 3 ص -292-       ولو نكحت بلا إذن فعتقت نفذ بلا خيار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيار ا هـ. وفي التلخيص ولا يبطل بارتدادها إلا إذا قضى باللحاق للموت ا هـ.
وأطلق المصنف في تخييرها فشمل ما إذا كانت حائضا وكذا قال في المحيط لا بأس بأن تختار نفسها حائضا كانت أو طاهرة وكذا الصبية إذا أدركت بالحيض لأنه ليس بطلاق ولأن فيه ضرورة لأن التأخير لا يمكن ا هـ.
"قوله: ولو نكحت بلا إذن فعتقت نفذ بلا خيار "أي نكحت الأمة بغير إذن المولى ثم أعتقت فإنه ينفذ ذلك النكاح من جهتها لأنها من أهل العبارة وامتناع النفوذ لحق المولى، وقد زال ولا خيار لها لأن النفوذ بعد. العتق فلا تتحقق زيادة الملك كما إذا زوجت نفسها بعد العتق ولذا قال الإسبيجابي: الأصل أن عقد النكاح متى تم على المرأة وهي مملوكة يثبت لها خيار العتق ومتى تم عليها وهي حرة لا يثبت لها خيار العتق ا هـ. ولو اقترنا لا خيار لها كما لو زوجها فضولي وأعتقها فأجاز المولى الكل فإنه لا خيار لها كذا في تلخيص الجامع.
أطلق في الأمة فشمل القنة، والمدبرة، وأم الولد، والمكاتبة لكن في المدبرة، وأم الولد تفصيل ففي المدبرة إن أعتقها المولى في حياته فالحكم كالقنة إذا أعتقت، وإن عتقت بموت المولى فقال في الظهيرية لو تزوجت مدبرة بغير إذن مولاها ثم مات المولى، وقد خرجت من الثلث جاز النكاح، وإن لم تخرج لم يجز حتى تؤدي السعاية عند أبي حنيفة وعندهما يجوز ا هـ. وأما أم الولد إذا أعتقها أو مات عنها المولى فإن النكاح لا ينفذ لأن العدة وجبت عليها من المولى كما عتقت، والعدة تمنع نفاذ النكاح كذا في المحيط، والخانية وينبغي أن يقال في جواب المسألة فإن النكاح يبطل لأنه لا يمكن توقفه مع وجود العدة إذ النكاح في عدة الغير فاسد ويدل عليه ما زاد في المحيط في هذه المسألة فإن دخل بها الزوج قبل العتق نفذ النكاح وهذا إنما يصح على رواية ابن سماعة عن محمد لأنه وجبت العدة من الزوج فلا تجب العدة من المولى ولا يصح على ظاهر الرواية لأنه لا تجب العدة من الزوج فوجبت العدة من المولى ووجوب العدة من المولى قبل الإجازة يوجب انفساخ النكاح ا هـ. فقوله: يوجب الانفساخ ظاهر فيه.
وإنما قيد المصنف بالأمة مع أن الحكم في العبد أنه إذا تزوج بلا إذن ثم أعتق فإن النكاح ينفذ لزوال المانع فيهما لأجل أن يبين نفي الخيار، ولذا قال في فتح القدير ولا فرق بين الأمة، والعبد في هذا الحكم وإنما فرضها في الأمة ليرتب عليها المسألة التي تليها تفريعا ا هـ.
وفي تلخيص الجامع ولو زوج فضولي عبدا امرأتين ثم عتق يخير في اثنتين كيف شاء بخلاف ما لو باشر العبد حيث يخير في الأخريين لأنه رد في الأوليين كما أن الحر لو

 

ج / 3 ص -293-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تزوج أربعا ثم أربعا ثم ثنتين بغير أمرهن توقف في الأخريين وارتد الباقي ولو أجاز العبد النكاح في ثلاث بطل عقدهن لأن الجمع إجازة كالجمع حالة العقد ويخير في الرابعة، وكذا لو زوج فضولي حرا له امرأة أربعا في عقود فماتت امرأته لا يخير إلا في الثلاث، وإن كان في عقد يلغو كما لو زوجه أختها أو تزوج مكاتبته ثم عتقت وإنما يوقف ماله مجيز حالة العقد ا هـ.
وقيد بالنكاح لأنها لو اشترت شيئا فأعتقها المولى لا ينفذ الشراء بل يبطل لأنه لو نفذ عليها لتغير المالك وقيد بالرقيق لأن الصبي إذا تزوج بغير إذن وليه ثم بلغ فإنه لا ينفذ بل يتوقف على إجازته لأنه لم يكن أهلا له أصلا فلم يكن نافذا من جهته ولأن الولي الأبعد إذا زوج مع وجود الأقرب ثم غاب الأقرب أو مات فتحولت الولاية إلى المزوج فإنه يتوقف على إجازة مستأنفة منه وإن زال المانع لأن الأبعد حين باشر لم يكن وليا ومن لم يكن وليا في شيء لا يبالي بعواقبه اتكالا على رأي الأقرب فيتوقف على إجازته ليتمكن من الأصلح فليس هو من باب زوال المانع لأنه له ولاية جديدة ولأن المولى إذا زوج مكاتبته الصغيرة حتى توقف على إجازتها ثم أدت المال قبل الإجازة فعتقت فإنه لا ينفذ ذلك العقد بل لا بد من إجازة المولى، وإن كان هو العاقد لأنه لم يكن وليا حين العقد فلا يبالي بعواقبه، وفيه ما قدمناه من البحث.
وقيد بالعتق لأنه لو تزوج العبد بلا إذن ثم أذن له فإنه لا ينفذ إلا بإجازة المولى أو العبد وقدمناه ولأنه لو انتقل الملك إلى غير المولى كالمشتري، والموهوب له، والوارث فإن الإجارة تنتقل إلى المالك الثاني ولا يبطل العقد إن كان المتزوج بلا إذن عبدا، وإن كان أمة فإن كان المالك الثاني لا يحل له وطؤها فإنه ينفذ بإجازته، وإن كان يحل له وطؤها فإن كان لم يدخل بها الزوج لم تصح الإجازة وبطل العقد الموقوف لأنه طرأ حل بات على موقوف فأبطله، وإن كان قد دخل بها الزوج ففي رواية ابن سماعة عن محمد تصح الإجازة لوجوب العدة عليها بهذا الدخول فلا يحل فرجها للمشتري فتصح إجازة المشتري وجزم به قاضي خان في فتاويه وظاهر الرواية: أنه لا تصح الإجازة كما في المحيط وهو المذكور في كافي الحاكم الشهيد وقواه شمس الأئمة السرخسي بأن وجوب العدة إنما يكون بعد التفريق بينهما فأما قبل التفريق فهي ليست بمعتدة فاعتراض الملك الثاني يبطل الملك الموقوف، وإن كان هو ممنوعا من غشيانها، وقد أسلفناه وظاهر ما في المحيط: أنه لا عدة في النكاح الموقوف بعد الوطء أصلا، وقد أسلفناه.
وأراد المصنف من الأمة الأمة الكبيرة لأنها لو كانت صغيرة تزوجت بغير إذن المولى ثم

 

ج / 3 ص -294-       فلو وطئ قبله فالمهر له وإلا فلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعتقها فإنه لا ينفذ ذلك العقد ويبطل على قول زفر وعندنا يتوقف على إجازة المولى إن لم يكن لها عصبة سواه، وإن كان لها عصبة غير المولى فإذا أجاز جاز وإذا أدركت فلها خيار الإدراك في غير الأب، والجد كذا في شرح الطحاوي.
وقيد بكون التوقف لأجل المولى لأن المولى لو زوج أمته الكبيرة رجلا برضاها وقبل عن الزوج فضولي ثم أعتقت قبل إجازة الزوج فإن لها النقض ولو نقض المولى قالوا لا يصح فإن أجاز الرجل قبل النقض فلا خيار لها، والمهر لها ولو كان زوجها بغير رضاها فلها الرد، وإن أجاز الزوج وتمامه في المحيط.
"قوله: فلو وطئ قبله فالمهر له وإلا فلها "أي لو وطئ زوج الأمة التي نكحت بغير إذن قبل العتق ثم نفذ بالعتق فالمهر للمولى، وإن وطئها بعد العتق فالمهر لها لأنه في الأول استوفى منافع مملوكة للمولى، وفي الثاني لها، وفي القياس يجب عليه مهران مهر للمولى بالدخول لشبهة النكاح قبل العتق ومهر لها لنفوذ العقد عليها بعد العتق ولكنا استحسنا وقلنا لا يجب إلا مهر واحد للمولى لأن وجوبه إنما يكون باعتبار العقد، والعقد الواحد لا يوجب إلا مهرا واحدا وإذا وجب به المهر للمولى لا يجب لها به مهر آخر يوضحه أن الإجازة، وإن كانت بعد العتق فحكمها يستند إلى أصل العقد كذا في المبسوط وإنما لم يقسم المهر هاهنا بين المولى وبينهما كما قال الإمام في مسألة حبس المرأة نفسها بعد الدخول برضاها حتى يوفيها مهرها معللا بأن المهر مقابل بالكل أي بجميع وطآت توجد في النكاح حتى لا يخلو الوطء عن المهر لأن قسمته على جميع الوطآت إذا لم يختلف المستحق لأن الجهالة لا تضر فيه وأما إذا اختلف المستحق كما في هذه المسألة فلا يمكن قسمته فاستحقه بتمامه من حصل الوطء الأول على ملكه وبهذا اندفع ما ذكره في التبيين.
وأراد المصنف بالمهر المهر المسمى لا مهر المثل قال في الهداية: والمراد بالمهر الألف المسمى لأن نفاذ العقد بالعتق استند إلى وقت وجود العتق فصحت التسمية ووجب المسمى، وفي فتح القدير، وقد يورد فيقال لو استند إلى أصل العقد يجب كون المهر للمولى كما لو تزوجت بإذن المولى ولم يدخل بها حتى أعتقها وهو بمعزل عن صورة المسألة فإنما النفاذ بالعتق وبه تملك منافعها بخلاف النفاذ بالإذن، والرق قائم.
ثم اعلم أن حاصل الخيارات في النكاح خمسة خيار المخيرة، والعتق، والبلوغ، والنقصان عن مهر المثل، والتزوج بغير كفء، والخيار في الأخيرين للأولياء ويزاد خيار العنة، والخصي، والجب.

 

ج / 3 ص -295-       ومن وطئ أمة ابنه فولدت فادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولدها وعليه قيمتها لا عقرها وقيمة ولدها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ومن وطئ أمة ابنه فولدت فادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولدها وعليه قيمتها لا عقرها وقيمة ولدها "لأن له ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء فله تملك جارية ابنه للحاجة إلى صيانة الماء.
وحاصل وجوه مسألة جارية الابن إذا ولدت من الأب فادعاه ست وتسعون لأنه إما أن يصدقه الابن أو يكذبه أو يدعيه معه أو يسكت وكل من الأربعة إما أن تكون قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة وكل من الستة عشر إما أن تكون كلها له أو بينه وبين أجنبي أو بينه وبين أبيه وكل من الثمانية، والأربعين إما أن يكون الأب أهلا للولاية أو لا غير أن الحاجة إلى إبقاء نسله دونها. إلى إبقاء نفسه فلهذا يتملك الجارية بالقيمة، والطعام بغير القيمة ثم هذا الملك يثبت قبيل الاستيلاد شرطا له إذ المصحح حقيقة الملك أو حقه وكل ذلك غير ثابت للأب فيها حتى يجوز له التزوج بها فلا بد من تقديمه فتبين أن الوطء يلاقي ملكه فلا يلزمه العقر وقيمة الولد وقال زفر والشافعي يلزمه المهر لأنهما يثبتان الملك حكما للاستيلاد كما في الجارية المشتركة.
وأفاد بإضافة الأمة إلى ابنة مملوكة للابن من وقت العلوق إلى وقت الدعوة فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه ثم استردها لم تصح الدعوة لأن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق فيستدعي قيام ولاية التملك من حين العلوق إلى التملك هذا إن كذبه الابن فإن صدقه صحت الدعوى ولا يملك الجارية كما إذا ادعاه أجنبي ويعتق على المولى كما في المحيط.
وأفاد أيضا أنها كلها للابن فإن كانت مشتركة بينه وبين أجنبي كان الحكم كذلك إلا أنه يضمن لشريكه نصف عقرها ولم أره ولو كانت مشتركة بين الأب، والابن أو غيره تجب حصة الشريك الابن وغيره من العقر وقيمة باقيها إذا حبلت لعدم تقديم الملك في كلها لانتفاء موجبه وهو صيانة النسل إذ ما فيها من الملك يكفي لصحة الاستيلاد وإذا صح ثبت الملك في باقيها حكما له لا شرطا كذا في فتح القدير وهي مسألة عجيبة فإنه إذا لم يكن للواطئ فيها شيء لا مهر عليه وإذا كانت مشتركة لزمه.
وأطلق الأمة وهي مقيدة بالقنة بقرينة قوله وعليه قيمتها لأن القابل للانتقال من ملك المولى القنة فقط فخرج عن هذا الحكم المدبرة وأم الولد، والمكاتبة فلو ادعى ولد مدبره ابنه

 

ج / 3 ص -296-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو ولد أم ولده المنفي من جهة الابن أو ولده مكاتبته الذي ولدته في الكتابة أو قبلها لا تصح دعواه إلا بتصديق الابن كذا في المحيط.
وقيد بابنه لأنه لو وطئ جارية امرأته أو والده أو جده فولدت وادعاه لا يثبت النسب ويدرأ عنه الحد للشبهة فإن قال أحلها المولى لا يثبت النسب إلا أن يصدقه المولى في الإحلال، وفي أن الولد منه فإن صدقه في الأمرين جميعا ثبت النسب وإلا فلا، وإن كذبه المولى ثم ملك الجارية يوما من الدهر ثبت النسب كذا في الخانية، وفي القنية وطئ جارية أبيه فولدت منه لا يجوز بيع هذا الولد ادعى الواطئ الشبهة أولا لأنه ولد ولده فيعتق عليه حين دخل في ملكه، وإن لم يثبت النسب كمن زنى بجارية غيره فولدت منه ثم ملك الولد يعتق عليه، وإن لم يثبت نسبه منه ا هـ.
وأطلق في الابن فشمل الكبير، والصغير كذا في المحيط وقيد بالولادة لأنه لو وطئ أمة ابنه ولم تحبل فإنه يحرم عليه، وإن كان لا يحد ولا يملكها ويلزمه عقرها بخلاف ما إذا حبلت منه فإنه يتبين أن الوطء حلال لتقدم ملكه عليه ولا يحد قاذفه في المسألتين أما إذا لم تلد منه فظاهر لأنه وطئ وطئا حراما في غير ملكه وأما إذا حبلت منه فلأن شبهة الخلاف في أن الملك يثبت قبل الإيلاج أو بعده مسقط لإحصانه كما في فتح القدير وغيره.
وقد قدمنا أن الأب إذا تكرر منه الوطء فلم تحبل فإنه يلزمه مهر واحد بخلاف ما إذا وطئ الابن جارية الأب مرارا وقد ادعى الشبهة فعليه لكل وطء مهر، والفرق قد ذكرناه.
وأشار بقوله فادعاه إلى أنه من أهل ولاية الدعوة فلو كان الأب عبدا أو مكاتبا أو كافرا أو مجنونا لم تصح دعوته لعدم الولاية ولو أفاق المجنون ثم ولدت لأقل من ستة أشهر يصح استحسانا لا قياسا ولو كانا من أهل الذمة إلا أن ملتيهما مختلفة جازت الدعوة من الأب كما في فتح القدير وإلى أنه لو ادعاه وهي حبلى قبل الولادة لم تصح دعوته حتى تلد ولم أره الآن صريحا وإلى أنه ادعاه وحده فلو ادعاه الابن مع دعوة الأب قدمت دعوة الابن لأنها سابقة معنى ولو كانت مشتركة بينه وبين الأب فادعياه قدمت دعوة الأب لأن له جهتين حقيقة الملك في نصيبه وحق الملك في نصيب ولده، كما في البدائع وينبغي أن يقال: وحق المتملك بدل قوله وحق الملك لما قدمناه وفي المحيط ولو ولدت ولدين في بطن واحد فباع المولى أحدهما فادعى أبو البائع الولدين وكذبه البائع، والمشتري صحت الدعوة وثبت نسب الولدين وعتق ما في يد الابن بغير قيمة وما في يد المشتري عبد بحاله وصارت أم ولد له ا هـ. وإلى أنه لا تشترط دعوى الشبهة من الأب وإلى أنه لا يشترط تصديق الابن لأنه لم يشترط غير دعوى الولد من الأب.

 

ج / 3 ص -297-       ودعوة الجد كدعوة الأب حال عدمه، ولو زوجها أباه فولدت لم تصر أم ولد له ويجب المهر لا القيمة وولدها حر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلق في وجوب القيمة فشمل ما إذا كان الأب موسرا أو معسرا كما في شرح النقاية، وفي فتح القدير، والعقر مهر مثلها في الجمال أي ما يرغب فيه في مثلها جمالا فقط وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز فليس معناه بل العادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا لأن الثاني للبقاء بخلاف الأول، والعادة زيادة عليه ا هـ.
وفي المحيط لو استحقها رجل يأخذها وعقرها وقيمة ولدها لأن الأب صار مغرورا ويرجع الأب على الابن بقيمة الجارية دون العقر وقيمة الولد لأن الابن ما ضمن له سلامة الأولاد ا هـ. هذا وقد ذكر القدوري هذه المسألة في باب الاستيلاد، والمصنف ذكرها هاهنا لمناسبتها لنكاح الرقيق فإن الموطوءة هنا مرقوقة.
"قوله: ودعوة الجد كدعوة الأب حال عدمه "أي عدم الأب لقيامه مقامه، والمراد بعدمه عدم ولايته بالموت أو الكفر أو الرق أو الجنون لا عدم وجوده فقط وليس مراده بحال العدم أن يكون الأب معدوما وقت الدعوة فقط لأنه يشترط أن يكون معدوما وقت العلوق أيضا فحينئذ يشترط أن يثبت ولايته من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى لو أتت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت انتقال الولاية إليه لم تصح دعوته لما ذكرنا في الأب، ولما شرط المصنف عدم الأب لولاية دعوة الجد علم أن ولاية الجد منتقلة من الأب إليه فأفاد أنه أبو الأب وأما الجد أبو الأم وغيره من ذوي الرحم المحرم فلا يصدق في جميع الأحوال لفقد ولايتهم كذا في المحيط.
"قوله: ولو زوجها أباه فولدت لم تصر أم ولد له ويجب المهر لا القيمة وولدها حر "لأنه يصح التزوج عندنا خلافا للشافعي لخلوها عن ملك الأب ألا ترى أن الابن ملكها من كل وجه فمن المحال أن يملكها الأب من وجه وكذلك يملك الابن من التصرفات ما لا يبقى معها ملك الأب لو كان فدل ذلك على انتفاء ملكه إلا أنه يسقط الحد للشبهة فإذا أجاز النكاح صار ماؤه مصونا به فلم يثبت ملك اليمين فلا تصير أم ولد له ولا قيمة عليه فيها ولا في ولدها لأنه لم يملكها وعليه المهر لالتزامه بالنكاح، والولد حر لأنه ملك أخاه فعتق عليه بالقرابة كذا في الهداية وظاهره أن الولد علق رقيقا واختلف فيه فقيل يعتق قبل الانفصال، وقيل يعتق بعد الانفصال.
وثمرته تظهر في الإرث حتى لو مات المولى وهو الابن يرثه الولد على الأول دون الثاني، والوجه هو الأول لأن الولد حدث على ملك الأخ من حين العلوق فلما ملكه عتق عليه بالقرابة

 

ج / 3 ص -298-       حرة قالت لسيد زوجها: اعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالحديث كذا في غاية البيان، والظاهر عندي هو الثاني لأنه لا ملك له من كل وجه قبل الوضع لقولهم الملك هو القدرة على التصرفات في الشيء ابتداء ولا شك أنه لا قدرة للسيد على التصرف في الجنين قبل وضعه ببيع أو هبة وإن صح الإيصاء به وإعتاقه فلم يتناوله الحديث لأنه في المملوك من كل وجه ولذا قالوا لو قال كل مملوك أملكه فهو حر لا يتناول الحمل لأنه ليس بمملوك من كل وجه فلو قال المصنف ولو تزوجها أبوه بدل قوله ولو زوجها أباه لكان أولى لشموله ما إذا كانت الجارية لولده الصغير، فتزوجها الأب فإنه صحيح ولا تصير أم ولد له قال قاضي خان في فتاواه: إذا تزوج الرجل جارية ولده الصغير فولدت منه لا تصير أم ولد له ويعتق الولد بالقرابة وإذا أراد الرجل أن يطأ جاريته لا تصير أم ولد منه لو ولدت فإنه يبيعها من ولده الصغير ثم يتزوجها ا هـ.
أطلق في التزوج فشمل الصحيح، والفاسد كما صرح به في التبيين لأن الفاسد منه يثبت فيه النسب فاستغنى عن تقدم الملك له، وفي النهاية الوطء بشبهة كالنكاح وعبارتها وكذلك لو استولدها بنكاح فاسد ووطئ بشبهة لا تصير أم ولد له وعلله آخرا بأنه غير محتاج إلى تملكها لإثبات النسب بل النكاح أو شبهة النكاح يكفي لذلك ا هـ. فعلى هذا فقولهم: ومن وطئ جارية ابنه فولدت فادعاه يثبت نسبه محله ما إذا وطئها عالما بالحرمة وأما إذا وطئ بالشبهة فلا تصير أم ولد له مع أنهم قالوا كما ذكرنا لا فرق بين أن يدعي الشبهة أو لا فظاهر كلامهم أن الوطء بشبهة ليس كالنكاح.
"قوله: حرة قالت لسيد زوجها: اعتقه عني بألف ففعل فسد النكاح ", وقال زفر: لا يفسد وأصله أنه يقع العتق عن الآمر عندنا حتى يكون الولاء له ولو نوى به الكفارة يخرج عن العهدة وعنده يقع عن المأمور لأنه طلب أن يعتق المأمور عبده عنه وهذا محال لأنه لا عتق فيما لا يملك ابن آدم فلم يصح الطلب فيقع العتق عن المأمور ولنا أنه أمكن تصحيحه بتقديم الملك بطريق الاقتضاء إذ الملك شرط لصحة العتق عنه فيصير قوله: اعتق طلب التمليك منه بالألف ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه وقوله: أعتقت تمليك منه ثم إعتاق عنه وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الملكين.

 

ج / 3 ص -299-       ولو لم تقل بألف لا يفسد النكاح، والولاء له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحاصل أن هذا من باب الاقتضاء وهو دلالة اللفظ على مسكوت يتوقف صدقه عليه أو صحته فالمقتضى بالفتح ما استدعاه صدق الكلام كرفع الخطأ، والنسيان أو حكم لزمه شرعا كمسألة الكتاب فالملك فيه شرط وهو تبع للمقتضي وهو العتق إذ الشروط اتباع فلذا ثبت البيع المقتضى بالفتح بشروط المقتضي وهو العتق لا بشروط نفسه إظهارا للتبعية فسقط القبول الذي هو ركن البيع ولا يثبت فيه خيار الرؤية، والعيب ولا يشترط كونه مقدور التسليم حتى صح الأمر بإعتاق الآبق ولو قال: أعتقه عني بألف ورطل من خمر فأعتقه وقع عن الآمر وسقط اعتبار القبض في الفاسد لأنه ملحق بالصحيح في احتمال سقوط القبض هنا ويعتبر في الآمر أهلية الإعتاق حتى لو كان صبيا مأذونا لم يثبت البيع بهذا الكلام لكونه ليس بأهل للإعتاق.
وأشار بفساد النكاح إلى سقوط المهر لاستحالة وجوبه على عبدها وإلى أنه لو قال رجل تحته أمة لمولاها: أعتقها عني بألف ففعل عتقت الأمة وفسد النكاح للتنافي أيضا لكن لا يسقط المهر.
وقيد بكون المأمور فعل ما أمر به لأنه لو زاد عليه بأن قال: بعتك بألف ثم أعتقت لم يصر مجيبا لكلامه بل كان مبتدأ ووقع العتق عن نفسه كما في غاية البيان يعني فلا يفسد النكاح في مسألة الكتاب.
"قوله: ولو لم تقل بألف لا يفسد النكاح، والولاء له "أي للمأمور وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: هذا والأول سواء لأنه يقدم التمليك بغير عوض تصحيحا لتصرفه ويسقط اعتبار القبض كما إذا كان عليه كفارة ظهار فأمر غيره أن يطعم عنه ولهما أن الهبة من شروطها القبض بالنص ولا يمكن إسقاطه ولا إثباته اقتضاء لأنه فعل حسي بخلاف البيع لأنه تصرف شرعي، وفي تلك المسألة: الفقير ينوب عن الآمر في القبض أما العبد فلا يقع في يده شيء لينوب عنه.
فالحاصل أن فعل اليد الذي هو الأخذ لا يتصور أن يتضمنه فعل اللسان ويكون موجودا بوجوده بخلاف القول فإنه يتضمن ضمن قول آخر ويعتبر مراده معه وهذا ظاهر وقول أبي اليسر وقول أبي يوسف أظهر لا يظهر كذا في فتح القدير وإنما يسقط القبض فيما قدمناه وهو أعتقه عني بألف ورطل من خمر لأن الفاسد ملحق بالصحيح في احتمال سقوط القبض كذا في البدائع والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع، والمآب.

 

ج / 3 ص -300-       4- باب نكاح الكافر
تزوج كافر بلا شهود أو في عدة كافر وذا في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"باب نكاح الكافر"
لما فرغ من نكاح المسلمين بمرتبتيه الأحرار، والأرقاء شرع في بيان نكاح الكفار، والتعبير بنكاح الكافر أولى من التعبير بنكاح أهل الشرك كما في الهداية لأنه لا يشمل الكتابي إلا على قول من يدخله في المشرك باعتبار قول طائفة منهم عزير ابن الله، والمسيح ابن الله رب العزة، والكبرياء المنزه عن الولد وهاهنا ثلاثة أصول:
الأول أن كل نكاح صحيح بين المسلمين فهو صحيح إذا تحقق بين أهل الكفر لتضافر الاعتقادين على صحته ولعموم الرسالة فحيث وقع من الكفار على وفق الشرع العام وجب الحكم بصحته خلافا لمالك ويرده قوله تعالى:
{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:4] وقوله: عليه الصلاة والسلام "ولدت من نكاح لا من سفاح" كما في المعراج.
الثاني إن كل نكاح حرم بين المسلمين لفقد شرطه كالنكاح بغير شهود أو في العدة من الكافر يجوز في حقهم إذا اعتقدوه عند أبي حنيفة ويقران عليه بعد الإسلام.
الثالث إن كل نكاح حرم لحرمة المحل كنكاح المحارم اختلف فيه على قوله قال مشايخنا يقع جائزا وقال مشايخ العراق يقع فاسدا وسيأتي.
"قوله: تزوج كافر بلا شهود أو في عدة كافر وذا في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه "يعني عند أبي حنيفة ووافقاه في الأول وخالفاه في الثاني لأن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها فكانوا ملتزمين لها وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات وبه اندفع قول زفر من التسوية بينهما ولأبي حنيفة أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع لأنهم لا يخاطبون بحقوقه ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لأنه لا يعتقده وإذا صح النكاح فحالة الإسلام، والمرافعة حالة البقاء، والشهادة ليست شرطا فيها وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة.
أطلق الكافر فشمل الذمي، والحربي وبحث المحقق في فتح القدير في قولهم إن

 

 

ج / 3 ص -301-       ولو كانت محرمه فرق بينهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع لأنهم لا يخاطبون بحقوقه بأن أهل الأصول اتفقوا على أنهم مخاطبون بالمعاملات، والنكاح منها وكونه من حقوق الشرع لا ينافي كونه معاملة فيلزم اتفاق الثلاث على أنهم مخاطبون بأحكام النكاح غير أن حكم الخطاب إنما يثبت في حق المكلف ببلوغه إليه، والشهرة تنزل منزلته وهي متحققة في حق أهل الذمة دون أهل الذمة دون أهل الحرب فمقتضى النظر التفصيل بين أن يكون ذميا فلا يقر عليه وبين أن يكون حربيا فيقر عليه ا هـ.
وجوابه أن النكاح لم يتمحض معاملة بل فيه معنى العبادة ولهذا كان الاشتغال به أولى من التخلي للنوافل فما ذكره الأصوليين إنما هو في المعاملة المحضة فلا منافاة بين الموضعين فلا فرق بين الذمي، والحربي في هذا الحكم.
وقيد بكونه في عدة كافر لأنها لو كانت في عدة مسلم فإنه لا يجوز لا يقران عليه اتفاقا وظاهر كلام الهداية أنه لا عدة من الكافر عند الإمام أصلا، وفيه اختلاف المشايخ فذهب طائفة إليه وأخرى إلى وجوبها عنده لكنها ضعيفة لا تمنع من صحة النكاح لضعفها كالاستبراء.
وفائدة الاختلاف تظهر في ثبوت الرجعة للزوج بمجرد طلاقها، وفي ثبوت نسب الولد إذا أتت به لأقل من ستة أشهر فعلى الأول لا يثبتان وعلى الثاني يثبتان واختار في فتح القدير الأول ومنع عدم ثبوت النسب لجواز أن يقال لا تجب العدة وإذا علم من له الولد بطريق آخر وجب إلحاقه به بعد كونه عن فراش صحيح ومجيئها به لأقل من ستة أشهر من الطلاق مما يفيد ذلك فيلحق به وهم لم ينقلوا ذلك عن أبي حنيفة بثبوته ولا عدمه بل اختلفوا أن قوله بالصحة بناء على عدم وجوبها فيتفرع عليه ذلك أولا فلا فلنا أن نقول بعدمها ويثبت النسب في الصورة المذكورة ا هـ.
وقيد بكونه جائزا في دينهم لأنه لو لم يكن جائزا عندهم يفرق بينهما اتفاقا لأنه وقع باطلا فيجب التجديد، وفي فتح القدير: فيلزم في المهاجرة لزوم العدة إذا كانوا يعتقدون ذلك لأن المضاف إلى تباين الدار الفرقة لا نفي العدة وأطلق في عدم التفريق بالإسلام فشمل ما إذا أسلما، والعدة منقضية أو غير منقضية لكن إذا أسلما وهي منقضية لا يفرق بالإجماع كما في المبسوط ولم يذكر عدم التفريق فيما إذا ترافعا إلينا لأنه معلوم من الإسلام بالأولى.
"قوله: ولو كانت محرمه فرق بينهما "أي لو كانت المرأة محرما للكافر فإن القاضي يفرق بينهما إذا أسلما أو أحدهما اتفاقا لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عندهما كما ذكرنا في العدة ووجب التعرض بالإسلام فيفرق وعنده له حكم الصحة في الصحيح إلا أن المحرمية تنافي بقاء النكاح فيفرق بخلاف العدة لأنها لا تنافيه ثم بإسلام أحدهما يفرق

 

ج / 3 ص -302-       ولا ينكح مرتد أو مرتدة أحدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهما وبمرافعة أحدهما لا يفرق عنده خلافا لهما، والفرق أن استحقاق أحدهما لا يبطل بمرافعة صاحبه إذ لا يتغير به اعتقاده أما اعتقاد المصر لا يعارض إسلام المسلم لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ولو ترافعا يفرق بالإجماع لأن مرافعتهما كتحكيمهما كذا في الهداية فأفاد أن الصحيح أن عقده على محرمه صحيح وقيل فاسد.
وفائدة الخلاف تظهر في وجوب النفقة إذا طلبت، وفي سقوط إحصانه بالدخول فيه فعلى الصحيح يجب ولا يسقط حتى لو أسلم وقذفه إنسان يحد ومقتضى القول بالصحتان يتوارثا، والمنقول في البدائع أنهما لا يتوارثان اتفاقا وعلله في التبيين بأن الإرث يثبت بالنص على خلاف القياس فيها إذا كانت الزوجية مطلقة بنكاح صحيح فيقتصر عليه وعلله في المحيط بأن نكاح المحارم في شريعة آدم لم يثبت كونه سببا لاستحقاق الميراث في دينه فلا يصير سببا للميراث في ديانتهم لأنه لا عبرة لديانتهم إذ لم يعتمد شرعا ما ا هـ. وقد يقال هل كان نكاح المحارم في تلك الشريعة سببا لوجوب النفقة.
فالحاصل أن في نكاح المحارم يفرق بينهما القاضي بإسلام أحدهما أو بمرافعتهما لا بمرافعة أحدهما عند الإمام وأما إذا لم تحصل المرافعة أصلا فلا تفريق اتفاقا للأمر بتركهم وما يدينون، وفي التبيين وعلى هذا الخلاف المطلقة ثلاثا، والجمع بين المحارم أو الخمس ا هـ.
وذكر في المحيط لو كانت امرأة الذمي مطلقة ثلاثا فطلبت التفريق يفرق بينهما بالإجماع لأن هذا التفريق لا يتضمن إبطال حق على الزوج لأن الطلقات الثلاث قاطعة لملك النكاح في الأديان كلها ثم ذكر بعدها أنه يفرق بينهما من غير مرافعة في مواضع بأن يخلعها ثم يقيم معها من غير عقد أو يطلقها ثلاثا ثم يتزوجها قبل التزوج بآخر لأنه زنا أو يتزوج كتابية في عدة مسلم صيانة لماء المسلم ا هـ.
فحاصله أنه إذا طلقها ثلاثا إن أمسكها من غير أن يجدد النكاح عليها فرق بينهما، وإن لم يترافعا إلى القاضي، وإن جدد عقد النكاح عليها من غير أن تتزوج بآخر فلا تفريق كذا ذكره الإسبيجابي وهو مخالف لما ذكره في المحيط لأنه سوى في التفريق بينهما بين ما إذا تزوجها أولا حيث لم تتزوج بغيره، وفي النهاية لو: تزوج أختين في عقدة واحدة ثم فارق إحداهما ثم أسلم أقرا عليه، وفي فتح القدير وينبغي على قول مشايخ العراق وما ذكرنا من التحقيق أن يفرق لوقوع العقد فاسدا فوجب التعرض بالإسلام. ا هـ.
"قوله: ولا ينكح مرتد أو مرتدة أحدا" أما المرتد فلأنه مستحق القتل، والإمهال ضرورة التأمل، والنكاح يشغله عنه فلا يشرع في حقه ولا يرد مستحق القتل للقصاص حيث يجوز له

 

ج / 3 ص -303-       والولد يتبع خير الأبوين دينا والمجوسي شر من الكتابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التزوج مع أنه يقتل لأن العفو مندوب إليه فيه فيسلم منه بخلاف المرتد لأنه لا يرجع غالبا وأما المرتدة فلأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح، والنكاح ما شرع لعينه بل لمصالحه وعبر بأحد في سياق النفي ليفيد العموم فلا يتزوج المرتد مسلمة ولا كتابية ولا مرتدة ولا يتزوج المرتدة مسلم ولا كافر ولا مرتد.
"قوله: والولد يتبع خير الأبوين دينا" لأنه أنظر له فإن كان الزوج مسلما فالولد على دينه وكذا إن أسلم أحدهما وله ولد صغير صار ولده مسلما بإسلامه سواء كان الأب أو الأم وتتصور تبعيته لأمه المسلمة وأبوه كافر بأن كانا كافرين فأسلمت فقبل عرض الإسلام عليه ولدت كما في المعراج، وفي التبيين وهذا إذا لم تختلف الدار بأن كانا في دار الإسلام أو في دار الحرب أو كان الصغير في دار الإسلام وأسلم الوالد في دار الحرب لأنه من أهل دار الإسلام حكما فأما إذا كان الولد في دار الحرب، والوالد في دار الإسلام فأسلم لا يتبعه ولده ولا يكون مسلما بإسلامه لأنه لا يمكن أن يجعل الوالد من أهل دار الحرب بخلاف العكس ا هـ.
وفي فتح القدير: أما لو تباينت دارهما بأن كان الوالد في دار الإسلام، والولد في دار الحرب أو على العكس فإنه لا يصير مسلما بإسلام الأب ا هـ. وهو سهو فاجتنبه ثم اعلم أنه إذا صار مسلما بالتبعية ثم بلغ فإنه لا يلزمه تجديد الإيمان لوقوعه فرضا أما على قول الماتريدي فظاهر لأنه قائل بوجوب أداء الأيمان على الصبي العاقل كما في التحرير وأما على قول فخر الإسلام فظاهر أيضا لأنه قائل بأصل الوجوب عليه، وإن لم يجب أداؤها فإذا أداه وقع فرضا كتعجيل الزكاة قبل الحول وأما على قول شمس الأئمة فكذلك، وإن قال بعدم أصل الوجوب عليه لأنه إنما قال به للترفيه عليه فإذا وجد منه وجد الوجوب كالمسافر إذا صلى الجمعة ولا خلاف لأحد في عدم وجوب نية الفرض عليه بعد بلوغه وتمامه في فتح القدير من باب المرتدين.
"قوله: والمجوسي شر من الكتابي" لأن للكتابي دينا سماويا بحسب الدعوى ولهذا تؤكل ذبيحته وتجوز مناكحة الكتابية بخلاف المجوسي فكان شرا منه حتى إذا ولد ولد بين كتابي ومجوسي فهو كتابي لأن فيه نوع نظر له حتى في الآخرة بنقصان العقاب كما في فتح القدير ثم اعلم أنه بعد ما حكم بكونه تبعا لخير الأبوين لا يزول الخيرية فلو ارتد المسلم منهما لا يتبعه الولد في الردة إلا إن لحق به المرتد إلى دار الحرب فإن الصبية المنكوحة تبين من زوجها للتباين إلا إذا كان أحد الأبوين مات على إسلامه وتمامه في المحيط وبعدما حكم بكونه تبعا لأقلهما شرا إذا تمجس المتبوع بطلت التبعية ولم يقل المصنف، والكتابي خير من المجوسي كما

 

ج / 3 ص -304-       وإذا أسلم أحد الزوجين عرض الإسلام على الآخر فإن أسلم وإلا فرق بينهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المحيط وبعض الكتب لأنه لا خير في دين هؤلاء الطائفة ولكن في كل منهما خلاف الخير، وفي المجوسية أكثر فيكون شرا منها.
وفي الخلاصة من كتاب ألفاظ التكفير لو قال: النصرانية خير من اليهودية يكفر وينبغي أن يقول اليهودية شر من النصرانية ا هـ. فهذا يقتضي أنه لو قال الكتابي خير من المجوسي يكفر مع أن هذه العبارة وقعت لبعض مشايخنا كما سمعت إلا أن يقال بالفرق وهو الظاهر لأنه لا خيرية لإحدى الملتين على الأخرى في أحكام الدنيا والآخرة بخلاف الكتابي بالنسبة إلى المجوسي للفرق بين أحكامهما في الدنيا والآخرة.
وفي الخبازية ما يقتضي أن المنع إنما هو لتفضيل النصرانية على اليهودية، والأمر بالعكس لأن اليهود نزاعهم في النبوات، والنصارى في الإلهيات فالنصارى أشد كفرا ا هـ. وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يصح قوله: في الخلاصة وينبغي أن يقول اليهودية شر من النصرانية فعلم أن التكفير إنما هو لأجل إثبات الخيرية للكافر ولذا قال في جامع الفصولين لو قال النصرانية خير من المجوسية كفر وينبغي أن يقول المجوسية شر من النصرانية ا هـ. ويلزم على ما في البزازية من أن النصارى شر من اليهود أن الولد المتولد من يهودية ونصراني أو عكسه أن يكون تبعا لليهودي دون النصراني فإن قلت ما فائدته قلت خفة العقوبة في الآخرة وأما في الدنيا فلما ذكره الولوالجي من كتاب الأضحية أن الكافر إذا دعا رجلا إلى طعامه فإن كان مجوسيا أو نصرانيا يكره، وإن قال اشتريت اللحم من السوق لأن المجوسي يطبخ المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنصراني لا ذبيحة له وإنما يأكل ذبيحة المسلم أو يخنق، وإن كان الداعي إلى الطعام يهوديا فلا بأس بأكله لأن اليهودي لا يأكل إلا من ذبيحة اليهودي أو المسلم ا هـ. فعلم أن النصراني شر من اليهودي في أحكام الدنيا أيضا.
"قوله: وإذا أسلم أحد الزوجين عرض الإسلام على الآخر فإن أسلم وإلا فرق بينهما "لأن المقاصد قد فاتت فلا بد من سبب تبتنى عليه الفرقة، والإسلام طاعة فلا يصلح سببا فيعرض الإسلام لتحصل المقاصد بالإسلام أو تثبت الفرقة بالإباء وإضافة الشافعي الفرقة إلى الإسلام من باب فساد الوضع وهو أن يترتب على العلة نقيض ما تقتضيه وسيأتي أن زوج الكتابية إذا أسلم فإنه يبقى النكاح لجواز التزوج بها ابتداء فحينئذ صار المراد من عبارته هنا أنهما إما مجوسيان فأسلم الزوج أو المرأة أو كتابيا فأسلمت المرأة أو أحدهما كتابي، والآخر مجوسي فأسلم الكتابي أو المجوسي وهو المرأة.

 

ج / 3 ص -305-       فإن أسلم وإلا فرق بينهما وإباؤه طلاق لا إباؤها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحاصل أنهما إما أن يكونا كتابيين أو مجوسيين أو أحدهما كتابي، والآخر مجوسي وهو صادق بصورتين فهي أربعة وكل من الأربعة إما أن يكون المسلم الزوج أو الزوجة فهي ثمانية منها مسألتان لا يعرض الإسلام فيهما على الآخر وهما إذا كانت المرأة كتابية، والزوج كتابي أو مجوسي، والمسلم هو الزوج، والباقية مراده هنا.
أطلق في الآخر فشمل البالغ، والصبي لكن بشرط التمييز حتى يفرق بينهما بإباء الصبي المميز باتفاق على الأصح، والفرق لأبي يوسف بين ردته وإبائه أن الإباء تمسك بما هو عليه فيكون صحيحا فأما الردة فإنشاء لما لم يكن موجودا وهو يضره فلا يصح منه كذا في المبسوط، وفيه الأصل أن كل من صح منه الإسلام إذا أتى به يصح منه الإباء إذا عرض عليه ا هـ.
وأما الصبي الذي لا يميز فإنه ينتظر عقله أي تمييزه، والصبية كالصبي بخلاف ما إذا كان مجنونا فإنه لا ينتظر بل يعرض على أبويه لأنه ليس له نهاية معلومة كالمرأة إذا وجدت الزوج عنينا فإنه يؤجل ولو مجبوبا فإنه لا يؤجل بل يفرق للحال لعدم الفائدة في الانتظار بخلاف العنين يؤجل لإفادته ومعنى العرض على أبوي المجنون أن أي الأبوين أسلم بقي النكاح لأنه يتبع المسلم منهما كذا في فتح القدير.
ويرد على المصنف ما إذا أسلم الزوج وهي مجوسية فتهودت أو تنصرت داما على النكاح كما لو كانت يهودية أو نصرانية من الابتداء كذا في المبسوط.
وقوله: "فإن أسلم وإلا فرق بينهما" ينافيه وقيد بالإسلام لأن النصرانية إذا تهودت أو عكسه لا يلتفت إليهم لأن الكفر كله ملة واحدة وكذا لو تمجست زوجة النصراني فهما على نكاحهما كما لو كانت مجوسية في الابتداء.
ومعنى قوله وإلا فرق بينهما أنه إن لم يسلم الآخر بأن أبى عنه فرق بينهما وأما إذا لم يسلم ولم يمتنع بأن سكت فإنه يكرر العرض عليه لما في الذخيرة إذا صرح بالإباء فالقاضي لا يعرض الإسلام عليه مرة أخرى ويفرق بينهما وإن سكت ولم يقل شيئا فالقاضي يعرض عليه الإسلام مرة بعد أخرى حتى تتم الثلاث احتياطا ا هـ.
"قوله: وإباؤه طلاق لا إباؤها "وقال أبو يوسف: لا يكون طلاقا في الوجهين لأن الفرقة سبب يشترك فيه الزوجان فلا يكون طلاقا كالفرقة بسبب الملك ولهما أنه بالإباء امتنع عن الإمساك بالمعروف مع قدرته عليه بالإسلام فينوب القاضي منابه في التسريح بالإحسان كما في الجب، والعنة.

 

ج / 3 ص -306-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما المرأة فليست بأهل للطلاق فلا ينوب منابها عند إبائها كذا في الهداية ومراده أنه لا ينوب منابها في الطلاق لأنه ليس إليها وإنما ينوب منابها فيما إليها وهو التفريق على أنه فسخ.
والحاصل أنه نائب عن كل منهما فيما إليه لا كما يتوهم من عبارة الهداية أنه نائب عن الزوج لا عنها لأنه لو كان كذلك لم تتوقف الفرقة على القضاء فيما إذا كانت الآبية وليس مراده أن الطلاق يقع بمجرد إبائه كما هو ظاهر العبارة لما قدمه من قوله فرق بينهما أي فرق القاضي بينهما ولو وقع بمجرد إبائه لم يحتج إلى تفريق القاضي ولذا قالوا وما لم يفرق القاضي بينهما فهي امرأته حتى يجب كمال المهر لها بموته قبل الدخول وإنما لا يتوارثان لو مات أحدهما قبل التفريق للمانع منه وهو كفر أحدهما لا للبينونة وسيأتي حكم المهر في الارتداد حيث قال: والإباء نظيره.
وأطلق في الزوج فشمل الصغير، والكبير، والمجنون فيكون إباء الصبي المميز طلاقا على الأصح كما في المبسوط وإباء أحد أبوي المجنون طلاقا أيضا مع أن الطلاق لا يصح منهما لما ذكرنا من المعنى قالوا وهي من أغرب المسائل حيث يقع الطلاق منهما نظيره إذا كانا مجبوبين أو كان المجنون عنينا فإن القاضي يفرق بينهما ويكون طلاقا اتفاقا وتحقيقه أن الصبي، والمجنون أهلان للوقوع لا للإيقاع بدليل أن الصبي إذا ورث قريبه فإنه يعتق عليه وما نحن فيه وقوع لا إيقاع ونظيره لو علق الزوج الطلاق بشرط وهو عاقل فجن ثم وجد الشرط وقع عليه وهو مجنون لما ذكرنا.
وأشار بالطلاق إلى وجوب العدة عليها إن كان دخل بها لأن المرأة إذا كانت مسلمة فقد التزمت أحكام الإسلام ومن حكمه وجوب العدة وإن كانت كافرة لا تعتقد وجوبها لأن الزوج مسلم، والعدة حقه وحقوقنا لا تبطل بديانتهم.
وأشار أيضا إلى وجوب النفقة لها ما دامت في العدة، وإن كانت المرأة مسلمة لأن المنع من الاستمتاع جاء من جهة الزوج وهو غير مسقط بخلاف ما إذا كانت كافرة وأسلم الزوج فلا نفقة لها لأن المنع من جهتها ولذا لا مهر لها إن كان قبل الدخول.
وأشار أيضا إلى وقوع طلاقه عليها ما دامت في العدة كما لو وقعت الفرقة بالخلع أو بالجب، والعنة كذا في المحيط وظاهره أنه لا فرق في وقوع الطلاق عليها بين أن يكون هو الآبي أو هي وظاهر ما في فتح القدير أنه خاص بما إذا أسلمت وأبى هو، والظاهر الأول، وقد وقع في

 

ج / 3 ص -307-       ولو أسلم أحدهما ثمة لم تبن حتى تحيض ثلاثا فإذا حاضت ثلاثا بانت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح المجمع لابن الملك هنا سهو ونقله عن المحيط وهو بريء عنه فاجتنبه فإنه قال لو كانت نصرانية وقت إسلامه ثم تمجست تكون فرقتها طلاقا وإنما الصواب وقعت الفرقة بلا عرض عليها كما في المحيط.
"قوله: ولو أسلم أحدهما ثمة لم تبن حتى تحيض ثلاثا فإذا حاضت ثلاثا بانت "لأن الإسلام ليس سببا للفرقة، والعرض على الإسلام متعذر لقصور الولاية ولا بد من الفرقة دفعا للفساد وأقمنا شرطها وهو مضي الحيض مقام السبب كما في حفر البئر أطلقه فشمل المدخول بها وغيرها وهذا دليل على أن هذه الحيض ليست بعدة لأنها لو كانت عدة لاختصت بالمدخول بها ولم يذكر المصنف عليها بعد ذلك عدة لعدم وجوبها لأن المرأة إن كانت حربية فلا عدة عليها، وإن كانت هي المسلمة فكذلك عند أبي حنيفة خلافا لهما كما سيأتي في المهاجرة كذا في الهداية تبعا لما في المبسوط وذكر الإمام الطحاوي وجوب العدة عليها وأطلقه وينبغي حمله على اختيار قولهما وأفاد بتوقف البينونة على الحيض أن الآخر لو أسلم قبل انقضائها فلا بينونة وأطلق في إسلام أحدهما في دار الحرب فشمل ما إذا كان الآخر في دار الإسلام أو في دار الحرب أقام الآخر فيها أو خرج إلى دار الإسلام.
فحاصله أنه ما لم يجتمعا في دار الإسلام فإنه لا يعرض الإسلام على المصر سواء خرج المسلم أو الآخر لأنه لا يقضى لغائب ولا على غائب كذا في المحيط.
وأشار بالحيض إلى أنها من ذواته فلو كانت لا تحيض لصغر أو كبر فلا تبين إلا بمضي ثلاثة أشهر وبهذا علم أن مسألة ما إذا أسلم أحد الزوجين على اثنين وثلاثين وجها لأن الثمانية المتقدمة على أربعة لأنهما إما أن يكونا في دار الإسلام أو في دار الحرب أو أحدهما في دار الإسلام فقط وهو صادق بصورتين ولم يبين صفة البينونة هل هي طلاق أو فسخ للاختلاف ففي السير إنها طلاق عند أبي حنيفة ومحمد لأن انصرام هذه المدة جعل بدلا عن قضاء القاضي والبدل قائم مقام الأصل وعند أبي يوسف فسخ وهو رواية عنهما لأن هذه فرقة وقعت حكما لا بتفريق القاضي فكانت فسخا بمنزلة ردة الزوج وملكه امرأته كذا في المحيط وينبغي أن يقال إن كان المسلم هو المرأة فهي فرقة بطلاق لأن الآبي هو الزوج حكما، وقد أقيم مضي المدة مقام إبائه وتفريق القاضي وإباؤه طلاق عندهما فكذا ما قام مقامه، وإن كان المسلم هو الزوج فهي فسخ لما تقدم في إبائها فكذا حكم ما قام مقامه وأما وقوع الطلاق عليها فإن كان قبل البينونة فلا

 

ج / 3 ص -308-       ولو أسلم زوج الكتابية بقي نكاحهما، وتباين الدارين سبب الفرقة لا السبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشكال في الوقوع لأنها زوجة، وإن كان بعد البينونة بمضي المدة فإن كان في العدة عند من أوجبها وقع وإلا فلا وأما عند من لم يوجبها فهي أجنبية من كل وجه فلا يقع شيء ولا شك أن هذه المسألة من أفراد المسألة السابقة ففيها الأقسام الستة، وأما القسمان الآخران فخارجان بقوله:
"ولو أسلم زوج الكتابية بقي نكاحهما "فهو مخصص لكل من المسألتين صادق بصورتين ما إذا كان الزوج كتابيا أو مجوسيا لأنه يصح النكاح بينهما ابتداء فلأن يبقى أولى ولو تمجست يفرق بينهما لفساد النكاح.
"قوله: وتباين الدارين سبب الفرقة لا السبي "والشافعي يعكسه لأن التباين أثره في انقطاع الولاية وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن، والمسلم المستأمن أما السبي فيقتضي الصفاء للسابي ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح ولهذا يسقط الدين عن ذمة المسبي ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا ينتظم المصالح فشابه المحرمية، والسبي يوجب ملك الرقبة وهو لا ينافي النكاح ابتداء فكذلك بقاء وصار كالشراء ثم يقتضي الصفاء في محل عمله وهو المال لا في محل النكاح، وفي المستأمن لم تتباين الدار حكما لقصد الرجوع فيتفرع أربع صور وفاقيتان وهما لو خرج الزوجان إلينا معا ذميين أو مسلمين أو مستأمنين ثم أسلما أو صارا ذميين لا تقع الفرقة اتفاقا وما لو سبي أحدهما تقع الفرقة اتفاقا عنده للسبي وعندنا للتباين.
وخلافيتان إحداهما ما إذا خرج أحدهما إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم صار بأحد الوصفين عندنا تقع فإن كان الرجل حل له التزوج بأربع في الحال وبأخت امرأته التي في دار الحرب إذا كانت في دار الإسلام وعنده لا تقع الفرقة بينه وبين زوجته التي في دار الحرب، والثانية ما إذا سبي الزوجان معا فعنده تقع فللسابي أن يطأها بعد الاستبراء وعندنا لا لعدم تباين داريهما.
أطلق في التباين فانصرف إليه حقيقة وحكما فلو تزوج مسلم كتابية حربية في دار الحرب فخرج عنها الزوج بانت لوجوده ولو خرجت المرأة قبل الزوج لم تبن لأن التباين، وإن وجد حقيقة لم يوجد حكما لأنها صارت من أهل دار الإسلام لأنها التزمت أحكام المسلمين فالظاهر أنها لا تعود إلى دار الحرب، والزوج من أهل دار الإسلام حكما بخلاف ما إذا أخرجها كرها فإنها تبين لأنه ملكها لتحقق التباين حقيقة وحكما لأنها في دار الحرب حكما وزوجها في دار الإسلام حكما وإذا دخل الحربي دارنا بأمان لم تبن زوجته لأنه من دار الحرب حكما فإن قبل الذمة بانت لأنه صار من أهل دارنا حقيقة وحكما.

 

ج / 3 ص -309-       وتنكح المهاجرة الحائل بلا عدة، وارتداد أحدهما فسخ في الحال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وتنكح المهاجرة الحائل بلا عدة "أي التي ليست بحامل وهذا بيان لحكم آخر جزئي من جزئيات موضوع المسألة السابقة فإن منها ما إذا خرجت المرأة مسلمة أو ذمية وتركت زوجها في دار الحرب فأفاد أنها إذا بانت فلا عدة عليها إن لم تكن حاملا فتتزوج للحال عند الإمام وقالا عليها: العدة لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الإسلام فيلزمها حكم الإسلام ولأبي حنيفة أنها أثر النكاح المتقدم ووجبت إظهارا لخطره ولا خطر لملك الحربي ولهذا لا تجب على المسبية، وقد تأيد ذلك بقوله تعالى:
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، والعصم جمع عصمة بمعنى المنع، والكوافر جمع كافرة ثم اختلفا لو خرج زوجها بعدها وهي بعد في هذه العدة فطلقها هل يلحقها طلاق قال أبو يوسف لا يقع عليها، وقال محمد يقع، والأصل أن الفرقة إذا وقعت بالتنافي تصير المرأة محلا للطلاق عند أبي يوسف وعند محمد تصير وهو أوجه إلا أن تكون محرمه لعدم فائد الطلاق على ما بيناه.
وثمرته تظهر فيما لو طلقها ثلاثا لا يحتاج زوجها في تزوجها إذا أسلم إلى زوج آخر عند أبي يوسف وعند محمد يحتاج إليه كذا في فتح القدير.
وأراد بالمهاجرة التاركة لدار الحرب إلى دار الإسلام على عزم عدم العود وذلك بأن تخرج مسلمة أو ذمية أو صارت كذلك وقيد بالحائل لأن الحامل لا يصح العقد عليها حتى تضع حملها وظاهر مفهوم الكتاب أن ذلك لأجل العدة وليس كذلك كما في غاية البيان، والتبيين وروى الحسن عن أبي حنيفة أن العقد صحيح، والوطء حرام حتى تضعه لأنه لا حرمة لماء الحربي كماء الزاني وصحح الشارحون الأول لأن النسب ثابت فكان الرحم مشغولا بحق الغير فكان الاحتياط في منع العقد كالوطء بخلاف الحمل من الزنا وصحح الأقطع رواية الصحة، والأكثر على الأول وهو الأظهر لأنه إذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا.
"قوله: وارتداد أحدهما فسخ في الحال" يعني فلا يتوقف على مضي ثلاثة قروء في المدخول بها ولا على قضاء القاضي لأن وجود المنافي يوجبه كالمحرمية بخلاف الإسلام لأنه غير مناف للعصمة أطلقه فشمل ارتداد المرأة وهو ظاهر الرواية وبعض مشايخ بلخ ومشايخ سمرقند أفتوا بعدم الفرقة بردتها حسما لباب المعصية، والحيلة للخلاص منه وعامة مشايخ بخارى أفتوا بالفرقة لكنها تجبر على الإسلام، والنكاح مع زوجها الأول لأن الحسم يحصل بهذا الخبر فلا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي وتعقبهم في جامع الفصولين بأن جبر الحرة البالغة مناف للشرع أيضا فلزمهم ما هربوا منه من إسقاط اعتبار المنافي ا هـ. وهو مردود لأن

 

ج / 3 ص -310-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجبر على النكاح عهد في الشرع في الجملة للضرورة كما في العبد، والأمة، والحر الصغير، والحرة الصغيرة فجاز ارتكابه في غيرهم للضرورة ولم يعهد بقاء النكاح مع المنافي له فافترقا.
قالوا: ولكل قاض أن يجدد النكاح بمهر يسير ولو بدينار رضيت أو لا وتعزر خمسة وسبعين ا هـ. وهو اختيار؛ لقول أبي يوسف في التعزير هنا فإن نهايته في تعزير الحر عنده خمسة وسبعون وعندهما تسعة وثلاثون مع أن القدسي في الحاوي قال بعد قول أبي يوسف المذكور وبه نأخذ فعلى هذا المعتمد في نهاية التعزير قول أبي يوسف سواء كان في تعزير المرتدة أو لا وصحح في المحيط، والخزانة ظاهر الرواية من وقوع الفرقة، والجبر على تجديد النكاح من الأول وعدم تزوجها بغيره بعد إسلامها، وقال الولوالجي: وعليه الفتوى ولا يخفى أن محله ما إذا طلب الأول ذلك أما إذا رضي بتزوجها من غيره فهو صحيح لأن الحق له وكذلك لو لم يطلب تجديد النكاح واستمر ساكتا لا يجدده القاضي حيث أخرجها من بيته.
وفي القنية المرتدة ما دامت في دار الإسلام فإنها لا تسترق في ظاهر الرواية، وفي النوادر عن أبي حنيفة أنها تسترق ولو كان الزوج عالما استولى عليها بعد الردة تكون فيئا للمسلمين عند أبي حنيفة ثم يشتريها من الإمام أو يصرفها إليه إن كان مصرفا فلو أفتى مفت بهذه الرواية حسما لهذا الأمر لا بأس به.
قلت: وفي زماننا بعد فتنة التتر العامة صارت هذه الولايات التي غلبوا عليها وأجروا أحكامهم فيها كخوارزم وما وراء النهر وخراسان ونحوها صارت دار الحرب في الظاهر فلو استولى عليها الزوج بعد الردة يملكها ولا يحتاج إلى شرائها من الإمام فيفتي بحكم الرق حسما لكيد الجهلة ومكر المكرة على ما أشار إليه في السير الكبير ا هـ. ما في القنية وهكذا في خزانة الفتاوى ونقل قوله فلو أفتى مفت بهذه الرواية عن شمس الأئمة السرخسي ثم اعلم أن على هذه الرواية للزوج أن يبيعها بعد الاستيلاء لأنه صار مالكا لها وينبغي أن يمتنع بيعها إذا كانت ولدت منه قبل الردة تنزيلا لها منزلة أم ولده.
وقد ذكر في الخانية أن أم الولد إذا ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت ثم ملكها السيد يعود كونها أم ولده وأمية الولد تتكرر بتكرار الملك، وفي الخانية من باب الردة: رجل تزوج امرأة فغاب عنها قبل الدخول بها فأخبره مخبر أنها ارتدت، والمخبر حر أو مملوك أو محدود في قذف وهو ثقة عنده وسعه أن يصدقه ويتزوج أربعا سواها وكذا إذا كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يتزوج أكثر من ثلاث، وإن أخبرت المرأة أن زوجها قد ارتد لها أن تتزوج بآخر بعد انقضاء العدة في رواية الاستحسان وفي رواية السير ليس لها أن

 

ج / 3 ص -311-       تتزوج قال شمس الأئمة السرخسي الأصح رواية الاستحسان ا هـ. وإنما كانت ردته فسخا وإباؤه طلاقا عند أبي حنيفة لأن الردة منافية للنكاح لكونها منافية للعصمة، والطلاق رافع فتعذر أن يجعل طلاقا بخلاف الإباء فإنه يفوت الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان ولذا يتوقف على القضاء في الإباء دونها وقال محمد إن ردته طلاق كإبائه وأبو يوسف مر على أصله من أن إباءه فسخ فردته كذلك.
وأفاد بقوله فسخ أنه لا ينقص العدد ولذا قال في الخانية: رجل ارتد مرارا وجدد الإسلام في كل مرة وجدد النكاح على قول أبي حنيفة تحل امرأته من غير إصابة زوج ثان ولم يذكر المؤلف وجوب العدة عليها ولا شك في وجوبها قال في جامع الفصولين وتعتد بثلاث حيض لو حرة ممن تحيض وبثلاثة أشهر لو آيسة أو صغيرة وبوضع الحمل لو حاملا لو دخل سواء ارتد أو ارتدت ولا نفقة لها في العدة ولو ارتد هو لا تجبر المرأة على التزوج ا هـ.
وفي الخلاصة: إذا ارتدت لا نفقة لها في العدة ولها السكنى وبه يفتى ذكره في ألفاظ التكفير، وفي الخانية ولزوج المرتدة أن يتزوج بأختها وأربع سواها إذا لحقت بالدار كأنها ماتت فإن خرجت إلى دار الإسلام مسلمة بعد ذلك لا يفسد نكاح أختها إذا ارتدت المعتدة ولحقت بدار الحرب ثم قضى القاضي بلحاقها بطلت عدتها لتباين الدارين وانقطاع العصمة كأنها ماتت فإن رجعت إلينا بعد ذلك مسلمة قبل انقضاء مدة العدة، والحيض قال أبو يوسف: لا تعود معتدة وقال محمد: تعود معتدة ا هـ.
ثم اعلم أن الرجل المسلم يرث من امرأته المرتدة إذا ماتت قبل انقضاء العدة استحسانا ولا يرث قياسا وهو قول زفر كذا في الخانية ثم قال فيها: مسلم أسر في دار الحرب وخرج إلى دار الإسلام ومعه امرأته فقالت المرأة ارتددت في دار الحرب فإن أنكر الزوج ذلك كان القول قوله، وإن قال تكلمت بالكفر مكرها وقالت المرأة لم تكن مكرها كان القول قول المرأة فإن صدقته المرأة فيما قال فالقاضي لا يصدقه ا هـ.
وهكذا في الظهيرية إلا أنه لم يقيده بكونها معه وظاهر التقييد أنه لا يقبل قولها إذا لم تكن معه وله وجه ظاهر لأنه لا علم لها بذلك وصرح في التتارخانية أنه لا يقبل قوله: في دعوى الإكراه إلا ببينة ولو شهدوا على الإكراه إلا أنهم قالوا لا ندري أكفر أم لا، وقال الأسير إنما أجريت كلمة الكفر عند الإكراه لا قبله ولا بعده فالقول قول الأسير ولو قالت للقاضي سمعته يقول المسيح ابن الله تعالى فقال الزوج إنما حكيت قول النصارى فإن أقر أنه لم يتكلم إلا بهذه الكلمة بانت امرأته، وإن قال وصلت بكلامي فقلت النصارى يقولون وكذبته المرأة فالقول قوله: مع اليمين ولا يحكم بكفره، وإن نكل عن اليمين حكم به ا هـ. وهو مشكل إن صحت النسخة لأن النكول شبهة، والتكفير لا يثبت مع الشبهة ويمكن أن يقال إنها تبين

 

ج / 3 ص -312-       فللموطوءة المهرولغيرها النصف إن ارتدوإن ارتدت لاوالإباء نظيره وإن ارتدا معا وأسلما معا لم تبن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنكول ولا يثبت كفره وإن قيل لا تبين أيضا فمشكل لأنه حينئذ لا فائدة في التحليف مع أنه لرجاء النكول.
"قوله: فللموطوءة المهر "لتأكده به أطلقه ارتداده وارتدادها، والخلوة بها لأنها وطء حكما.
"قوله: ولغيرها النصف إن ارتد "لأن الفرقة من قبله قبل الدخول موجبة لنصف المهر عند التسمية وللمتعة عند عدمها.
"قوله: وإن ارتدت لا "أي ليس لها شيء لأن الفرقة جاءت من قبلها أطلقه فشمل الحرة، والأمة الكبيرة، والصغيرة، وقد قدمنا التصريح بذلك في باب نكاح الرقيق في شرح قوله ويسقط المهر بقتل السيد أمته لا بقتل الحرة نفسها ولم أر من صرح به هنا للاكتفاء بما ذكروه هناك وحكم نفقة العدة كحكم المهر قبل الدخول فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة، وإن ارتدت فلا نفقة لها "قوله: والإباء نظيره "أي إن إباء أحد الزوجين عن الإسلام بعد إسلام الآخر نظير الارتداد فإن كان بعد الدخول فلها كل المهر، وإن كان قبله فلها النصف إن كان هو الآبي عن الإسلام، وإن كانت هي الآبية فلا شيء لها كما لا نفقة لها في العدة.
"قوله: وإن ارتدا معا وأسلما معا لم تبن "استحسانا لعدم المنافاة لأن جهة المنافاة بردة أحدهما عدم انتظام المصالح بينهما، والموافقة على الارتداد ظاهرة في انتظامها بينهما إلا أن يموتا بقتل أو غيره، وقد استدل المشايخ بأن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم تأمرهم الصحابة رضي الله عنهم بتجديد الأنكحة ولما لم تأمرهم بذلك علمنا أنهم اعتبروا أن ردتهم وقعت معا إذ لو حملت على التعاقب فسدت أنكحتهم ولزمهم التجديد.
والمراد من المعية عدم تعاقب كل زوجين من بني حنيفة أما جميعهم فلا لأن الرجال جاز أن يتعاقبوا ولا تفسد أنكحتهم إذا كان كل رجل ارتد مع امرأته معا وحكم الصحابة رضي الله عنهم بذلك حكم بالظاهر لا بالحمل لأن الظاهر أن قيم البيت إذا أراد أمرا تكون قرينته فيه قرينته وتعقبهم في فتح القدير بأن ارتدادهم بمنعهم الزكاة كما في المبسوط وهو يتوقف على نقل أن منعهم كان لجحد افتراضها ولم ينقل ولا هو لازم وقتال أبي بكر رضي الله عنه لا يستلزمه لجواز قتالهم إذا أجمعوا على منعهم حقا شرعيا وعطلوه، والأوجه الاستدلال بوقوع ردة

 

ج / 3 ص -313-       وبانت لو أسلما متعاقبا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العرب وقتالهم على ذلك من غير تعيين بني حنيفة ومانعي الزكاة وهو قطعي ولم يؤمروا بتجديد الأنكحة ا هـ.
وفي الصحاح حنيفة أبو حي من العرب ولما قدم المصنف أن التباين سبب للفرقة علم أنهما إذا ارتدا ثم لحق أحدهما بدار الحرب فإنها تبين بالتباين كما في فتح القدير.
والمراد بقوله ارتدا معا أعم من أن يعلم أنهما ارتدا في كلمة واحدة أو لم يعرف سبق أحدهما على الآخر قال في المحيط: وإذا لم يعرف سبق أحدهما على الآخر في الردة جعل في الحكم كأنهما وجدا معا كما في الغرقى، والحرقى.
وقيد بالردة لأن المسلم إذا كان تحته نصرانية فتمجسا معا قال أبو يوسف تقع الفرقة، وقال محمد لا تقع لأنهما ارتدا معا لأن تمجس المرأة بمنزلة الردة لأنها أحدثت زيادة صفة في الكفر فكان بمنزلة إحداث أصل الكفر لأبي يوسف أنه لم توجد الردة منها لأن الردة ليست إلا بتبديل أصل الدين ولم يوجد منها تبديل أصل الدين فقد وجد ارتداد أحد الزوجين فبانت كذا في المحيط ولو تهودا وقعت الفرقة بينهما اتفاقا لأنها ما أحدثت زيادة صفة في الكفر.
"قوله: وبانت لو أسلما متعاقبا "لأن ردة الآخر منافية للنكاح ابتداء فكذا بقاء ويعلم به حكم البينونة بإسلام أحدهما فقط بالأولى ولا مهر لها قبل الدخول إن كان المسلم هو الزوج، وإن كان هي فلها النصف وبعد الدخول لا يسقط شيء مطلقا ولا ترث منه إن أسلم ومات فإن أسلمت ثم مات مرتدا ورثته كذا في المبتغى بالمعجمة قال في المحيط: تزوج صبية لها أبوان مسلمان فارتدا معا تبن لأنها مسلمة تبعا للأبوين وتبعا للدار باعتبار الاتصال، والمجاورة ولهذا اللقيط في دار الإسلام يحكم بإسلامه تبعا للدار ولو أدخلت صغيرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وليس معها أبواها فماتت فإنه يصلى عليها وتبعية الدار هنا قائمة فبقيت مسلمة لأن البقاء أسهل من الابتداء فإن لحقا بها بدار الحرب بانت لانقطاع حكم الدار ولو مات أحد الأبوين في دارنا مسلما أو مرتدا ثم ارتد الآخر ولحق بها بدار الحرب لم تبن ويصلى عليها إذا ماتت لأن التبعية حكم تناهى بالموت مسلما وكذا بالموت مرتدا لأن أحكام الإسلام قائمة ولو أن صبية نصرانية تحت مسلم تمجس أبوها وقد ماتت الأم نصرانية لم تبن لأن الولد يتبع خير الوالدين دينا فبقيت على دين الأم ولو تمجس أبواها بانت ولا مهر لها ولا يمكن الحكم بالإسلام هنا تبعا للدار لأن الدار لا تثبت التبعية ابتداء ما دامت تبعية الأبوين قائمة فإن بلغت عاقلة مسلمة ثم جنت ثم ارتد أبوها لم تبن، وإن لحق بها بدار الحرب لأنها مسلمة أصلا لا تبعا وكذلك الصبية العاقلة لو أسلمت ثم جنت لأنها صارت أصلا في الإسلام ا هـ.

 

ج / 3 ص -314-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا مسألتان الأولى مسألة ما إذا أسلم وتحته أكثر من أربع أو أختان وحكمها عند أبي حنيفة وأبي يوسف إن كان التزوج في عقد واحد فرق بينه وبينهن أو في عقدين فنكاح من يحل سبقه جائز ونكاح من تأخر فوقع الجمع به، والزيادة على الأربع باطل.
الثانية مسألة ما إذا بلغت المسلمة المنكوحة ولم تصف الإسلام فإنها تبين وهي مذكورة في المحيط وغيره والله تعالى أعلم.

5- باب القسم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- باب القسم
بيان لحكم من أحكام النكاح وأخره لأنه لا يلزم إلا عند تعدد المنكوحات، والنكاح لا يستلزمه ولا هو غالب فيه.
والقسم بفتح القاف مصدر قسم، وفي القاموس: والقسم العطاء ولا يجمع، والرأي، والشك، والغيث، والماء، والقدر وهذا ينقسم قسمين بالفتح إذا أريد المصدر وبالكسر إذا أريد النصيب ا هـ.
والمراد به هنا التسوية بين المنكوحات، والأصل فيه أن الزوج مأمور بالعدل في القسمة بين النساء بالكتاب قال الله تعالى
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] معناه لن تستطيعوا العدل، والتسوية في المحبة فلا تميلوا في القسم قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] وغايته القسم. وقال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3].
وفي فتح القدير فاستفدنا أن حل الأربع مقيد بعدم خوف عدم العدل وثبوت المنع عن أكثر من واحدة عند خوفه فعلم إيجابه عند تعددهن ا هـ. وظاهره أنه إذا خاف عدم العدل حرم عليه الزيادة على الواحدة، وفي البدائع أي:
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} في القسم، والنفقة في المثنى، والثلاث، والأربع فواحدة ندب إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة وإنما يخاف على ترك الواجب فدل على أن العدل بينهن في القسم، والنفقة واجب ا هـ.
وظاهره أنه إذا خاف عدم العدل يستحب له أن لا يزيد لا أنه يحرم فإن قلت قد تقدم أنه إذا خاف الجور حرم التزوج فكيف يكون مستحبا قلت العدل بمعنى ترك الجور ليس بمراد

 

ج / 3 ص -315-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا لأنه واجب للمرأة الواحدة وإنما المراد به التسوية بين المنكوحات وهذا إنما يحرم تركه بعد وجوبه لا التزوج إذا خاف عدمه، وقد اختلف في تفسير قوله تعالى:
{ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3] أي: الاقتصار على الواحدة، والمملوكات أقرب إلى أن لا تعولوا ففسر الأكثر العول بالجور يقال عال الميزان إذا مال وعال الحاكم إذا جار وفسره الشافعي بكثرة العيال ورد بأنه لو كان كذلك لقال أن لا تعيلوا لأنه من أعال يعيل وأجيب عنه بأنه لغوي لا يعترض عليه بكلام غيره وبأنه ثبت في اللغة عال الرجل إذا كثرت مؤنته فتفسيره بكثرة العيال تفسير باللازم لأنه يلزم من كثرة العيال كثرة المؤن وبالحديث المروي في البخاري: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول".
والحاصل أن العدل في الكتاب مبهم يحتاج إلى البيان لأنه أوجبه وصرح به بأنه مطلقا لا يستطاع فعلم أن الواجب منه شيء معين، وكذا السنة جاءت مجملة فيه فإن قوله المروي في السنن الأربعة كان عليه السلام يقسم فيعدل ويقول:
"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب أي زيادة المحبة فظاهره أن ما عداه داخل تحت ملكه وقدرته في التسوية، ومنه عدد الوطآت، والقبلات، والتسوية فيها غير لازمة بالإجماع وكذا ما رواه الإمام أحمد "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل" أي مفلوج ولم يبين فيه المراد قال في فتح القدير: لكن لا نعلم خلافا في أن العدل الواجب في البيتوتة، والتأنيس في اليوم، والليلة وليس المراد أن يضبط زمان النهار فبقدر ما عاشر فيه إحداهما يعاشر الأخرى بقدره بل ذلك في البيتوتة وأما النهار ففي الجملة ا هـ.
والحاصل: أن التسوية في المحبة لما بين الشارع سقوطها بقي ما أجمعوا عليه مرادا وهو البيتوتة، وظاهر كلامهم أن لا تجب التسوية فيما عداها ولذا قال في الهداية: والتسوية

 

ج / 3 ص -316-       والبكر كالثيب، والجديدة كالقديمة، والمسلمة كالكتابية فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحقة في البيتوتة لا في المجامعة لأنه يبتنى على النشاط ا هـ.
وفي البدائع يجب عليه التسوية بين الحرتين أو الأمتين في المأكول، والمشروب، والملبوس، والسكنى، والبيتوتة ا هـ. وهكذا ذكر الولوالجي، والحق أنه على قول من اعتبر حال الرجل وحده في النفقة فالتسوية فيها واجبة أيضا وأما على قول المفتى به من اعتبار حالهما فلا لأن إحداهما قد تكون غنية، والأخرى فقيرة فلا يلزمه التسوية بينهما مطلقا في النفقة، وفي الغاية: اتفقوا على التسوية في النفقة قال الشارح: وفيه نظر فإنه في النفقة يعتبر حالهما على المختار فكيف يدعي الاتفاق فيها على التسوية ولا يتأتى ذلك إلا على قول من يعتبر حال الرجل وحده ا هـ.
"قوله: والبكر كالثيب، والجديدة كالقديمة، والمسلمة كالكتابية فيه "أي في القسم لإطلاق ما تلونا وما روينا ولأن القسم من حقوق النكاح ولا تفاوت بينهما في ذلك وما روي في الحديث
"للبكر سبع وللثيب ثلاث" وقوله: عليه السلام لأم سلمة "إن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي، وإن شئت ثلثت لك ودرت" فالمراد التفضيل في البداءة بالجديدة دون الزيادة ولا شك أن الأحاديث محتملة فلم تكن قطعية الدلالة فوجب تقديم الدليل القطعي، والأحاديث المطلقة وحينئذ فلا معنى لتردده في فتح القدير في القطعية وكما لا فرق بين ما ذكر ومقابليهن لا فرق بين المجنونة التي لا يخاف منها، والمريضة، والصحيحة، والرتقاء، والحائض، والنفساء، والصغيرة التي يمكن وطؤها، والمحرمة، والمظاهر منها ومقابلاتهن وأما المطلقة رجعيا فإن قصد رجعتها قسم لها وإلا لا كما في البدائع من باب الرجعة وأما الناشزة فلا حق لها في القسم وحيث علم أن وجوب القسم إنما هو للصحة، والمؤانسة دون المجامعة فلا فرق بين زوج وزوج فالمجبوب، والعنين، والخصي كالفحل وكذا الصبي إذا دخل بامرأتيه لأن وجوبه لحق النساء وحقوق العباد تتوجه على الصبيان عند تقرر السبب.
وفي فتح القدير: وقال مالك ويدور ولي الصبي به على نسائه فظاهره أنه لم يطلع فيه

 

ج / 3 ص -317-       وللحرة ضعف الأمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على شيء عندنا وإذا قلنا بوجوبه على الصبي وتركه فهل يأثم الولي إذا لم يأمره بذلك ولم يدر به وينبغي أن يأثم وفي المحيط: وإن لم يدخل الصغير بها فلا فائدة في كونه معها ا هـ.
وظاهره أن القسم على البالغ لغير المدخول بها لأن في كونه معها فائدة ولذا إنما قيدوا بالدخول في امرأة الصبي، وفي الجوهرة ولا يجامع المرأة في غير يومها ولا يدخل بالليل على التي لا قسم لها ولا بأس بأن يدخل عليها بالنهار لحاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها فإن ثقل مرضها فلا بأس بأن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت ا هـ.
وفي الهداية، والاختيار في مقدار الدور إلى الزوج لأن المستحق هو التسوية دون طريقه ا هـ. وفي فتح القدير واعلم أن هذا الإطلاق لا يمكن اعتباره على صرافته فإنه لو أراد أن يدور سنة سنة ما يظن إطلاق ذلك له بل لا ينبغي له أن يطلق له مقدار مدة الإيلاء وهو أربعة أشهر وإذا كان وجوبه للتأنيس ودفع الوحشة وجب أن تعتبر المدة القريبة وأظن أكثر من جمعة مضارة إلا أن يرضيا به ا هـ. والظاهر الإطلاق لأنه لا مضارة حيث كان على وجه القسم لأنها مطمئنة بمجيء نوبتها، والحق له في البداءة بمن شاء وحيث علم أن الوطء لا يدخل تحت القسم فهل هو واجب للزوجة.
وفي البدائع: وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء لأن حله لها حقها كما أن حلها له حقه وإذا طالبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين الله تعالى ولا تجب عليه في الحكم عند بعض أصحابنا وعند بعضهم تجب عليه في الحكم ا هـ. ولم يبين حد الزيادة على المرة ولا يمكن أن يقال كلما طلبت لأنه موقوف على شهوته لها، وفي فتح القدير ويجب عليه وطؤها أحيانا، وفي المعراج ولو أقام عند إحداهما شهرا فخاصمته الأخرى في ذلك قضى عليه أن يستقبل العدل بينهما وما مضى هدر غير أنه أثم فيه لأن القسمة تكون فيه بعد الطلب ولو عاد بعدما نهاه القاضي أوجعه عقوبة وأمره بالعدل لأنه أساء الأدب وارتكب ما هو حرام عليه وهو الجور فيعزر في ذلك ا هـ.
وحاصله أنه لا يعزر في المرة الأولى وإذا عزر فتعزيره بالضرب، وفي الجوهرة: لا يعزر بالحبس لأنه لا يستدرك الحق فيه بالحبس لأنه يفوت بمضي الزمان ا هـ. وهذا مستثنى من قولهم إن للقاضي. الخيار في التعزير بين الضرب، والحبس.
"قوله: وللحرة ضعف الأمة "يعني إذا كان له زوجتان حرة وأمة فللحرة الثلثان من القسم وللأمة الثلث بذلك ورد الأثر عن علي رضي الله عنه ولأن حل الأمة أنقص من حل

 

ج / 3 ص -318-       ويسافر بما شاء منهن، والقرعة أحب، ولها أن ترجع إذا وهبت قسمها لأخرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحرة فلا بد من إظهار النقصان في الحقوق.
وأطلقها فشمل المكاتبة، والمدبرة وأم الولد، والمبعضة لأن الرق فيهن قائم، وفي البدائع: وهذا التفاوت في السكنى، والبيتوتة فأما في المأكول، والمشروب، والملبوس فإنه يسوي بينهما لأن ذلك من الحاجات اللازمة وقدمنا أنه مبني على اعتبار حاله أما على اعتبار حالهما فلا، وفي المعراج: لو أقام عند امرأته الأمة يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة إلا يوما واحدا لاستوائهما في سبب الاستحقاق وتجعل حريتها عند انتهاء النوبة بمنزلة حريتها عند ابتداء النوبة وكذا لو أقام عند حرة يوما ثم أعتقت الأمة تحول عنها إلى المعتقة لما ذكرنا ا هـ.
"قوله: ويسافر بما شاء منهن، والقرعة أحب "لأنه قد يثق بإحداهما في السفر وبالأخرى في الحضر، والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة أو يمنع من سفر إحداهما كثرة سمنها فتعيين من يخاف صحبتها في السفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالمنافي للحرج، وأما ما رواه الجماعة من قرعته صلى الله عليه وسلم بينهن إذا أراد سفرا فكان للاستحباب تطييبا لقلوبهن لأن مطلق الفعل لا يقتضي الوجوب فكيف وهو محفوف بما يدل على الاستحباب من عدم وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى:
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وكان ممن أرجاهن سودة وجويرية وأم حبيبة وصفية وميمونة وممن آوى عائشة، والباقيات - رضي الله عنهن أجمعين.
قال القاضي في تفسيره:
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} تؤخرها وتترك مضاجعتها {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} تضم إليك وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} أي طلبت {مِمَّنْ عَزَلْتَ} طلقت بالرجعة {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} في شيء من ذلك ا هـ.
قيد بالسفر لأن مرضه لا يسقط القسم عنه، وقد صح أنه عليه السلام لما مرض استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له. ولم أر كيفية قسمه في مرضه إذا كان لا يستطيع التحول إلى بيت الأخرى، والظاهر أن المراد بقسمه في مرضه أنه إذا صح ذهب إلى الأخرى بقدر ما أقام عند الأولى بخلاف ما إذا سافر بواحدة فإنه إذا أقام لا يقضي للمقيمة.
"قوله: ولها أن ترجع إذا وهبت قسمها لأخرى "فأفاد جواز الهبة، والرجوع أما الأول فلأن

 

ج / 3 ص -319-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها وأما صحة الرجوع في المستقبل فلأنها أسقطت حقا لم يجب بعد فلا يسقط.
وقد فرع الشافعية هنا تفاريع لم أر أحدا من مشايخنا ذكرها، منها أنها إذا وهبت حقها لمعينة ورضي بات عند الموهوب ليلتين، وإن كرهت ما دامت الواهبة في نكاحه ولو كانا متفرقين لم يوال بينهما، وإن وهبته للجميع جعلها كالمعدومة ولو وهبته له فخص به واحدة جاز كذا في الروض ولعل مشايخنا إنما لم يعتبروا هذا التفصيل لأن هذه الهبة إنما هي إسقاط عنه فكان الحق له سواء وهبت له أو لصاحبتها فله أن يجعل حصة الواهبة لمن شاء.
"تتمة "في حقوق الزوجين ذكر في البدائع أن من أحكام النكاح: المعاشرة بالمعروف للآية واختلف فيها فقيل التفصيل، والإحسان إليها قولا وفعلا وخلقا وقيل أن يعمل معها كما يجب أن يعمل مع نفسه وهي مستحبة من الجانبين ومنها إذا حصل نشوز أن يبدأها بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب للآية لأنها للترتيب على التوزيع واختلف في الهجر فقيل يترك مضاجعتها وقيل يترك جماعها، والأظهر ترك كلامها مع المضاجعة، والجماع إن احتاج إليه، وفي المعراج إذا كان له امرأة واحدة يؤمر أن يبيت معها ولا يعطلها، وفي رواية الحسن لها ليلة من كل أربع إن كانت حرة ومن كل سبع إن كانت أمة، وفي ظاهر الرواية لا يتعين حقها في يوم من أربعة أيام لأن القسم عند المزاحمة فالصحيح أنه يؤمر استحباب أن يصحبها أحيانا من غير أن يكون في ذلك شيء مؤقت ولو كان له مستولدات وإماء فلا يقسم لهن لأنه من خصائص النكاح ولكن يستحب له أن لا يعطلهن وأن يسوي بينهن في المضاجعة ولو حطت لزوجها جعلا على أن يزيدها في القسم فهو حرام وهو رشوة وترجع بمالها وكذا لو جعلت من مهرها شيئا ليزيدها في القسم أو زادها في مهرها أو جعل لها شيئا لتجعل يومها لصاحبتها فالكل باطل ولا يجوز أن يجمع بين الضرتين أو الضرائر في مسكن واحد إلا برضاهن للزوم الوحشة ولو اجتمعت الضرائر في مسكن واحد بالرضا يكره أن يطأ إحداهما بحضرة الأخرى حتى لو طلب وطأها لم تلزمها الإجابة ولا تصير بالامتناع ناشزة ولا خلاف في هذه المسائل وله أن يجبرها على الغسل من الجنابة، والحيض، والنفاس إلا أن تكون ذمية وله جبرها على التنظيف، والاستحداد وله أن يمنعها من كل ما يتأذى من رائحته وله أن يمنعها من الغزل ا هـ.
وفي فتح القدير: وعلى هذا له أن يمنعها من التزين بما يتأذى بريحه كأن يتأذى برائحة

 

ج / 3 ص -320-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحناء المخضب ا هـ. وسيأتي في فصل التعزير المواضع التي يضربها فيها وفي باب النفقات ما يجوز لها من الخروج وما لا يجوز قالوا ولو كان أبوها زمنا وليس له من يقوم عليه مؤمنا كان أو كافرا فإن عليها أن تعصي الزوج في المنع، وفي البزازية من الحظر، والإباحة وحق الزوج على الزوجة أن تطيعه في كل مباح يأمرها به ا هـ. وفيها من آخر الجنايات: ادعت على زوجها ضربا فاحشا وثبت ذلك عليه يعزر الزوج ا هـ. وظاهره أنه لو لم يكن فاحشا وهو غير المبرح فإنه لا يعزر فيه وذكر البقاعي في المناسبات حديثا
"لا يسأل الرجل فيم ضرب زوجته" وحديثا آخر "أنه نهى المرأة أن تشكو زوجها" والله تعالى أعلم.