البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 3 ص -342-       9- كتاب الطلاق
وهو رفع القيد الثابت شرعاً بالنكاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- كتاب الطلاق 
لما ذكر النكاح وأحكامه اللازمة، والمتأخرة عنه شرع فيما به يرتفع وقدم الرضاع لأنه يوجب حرمة مؤبدة بخلاف الطلاق تقديما للأشد على الأخف.
وهو في اللغة يدل على الحل، والانحلال يقال أطلقت الأسير إذا حللت إساره وخليت عنه فانطلق أي ذهب في سبيله وطلق الرجل امرأته تطليقا فهو مطلق فإن كثر تطليقه للنساء قيل مطليق ومطلاق، والاسم الطلاق فطلقت هي تطلق من باب قتل، وفي لغة من باب قرب فهي طالق بغير هاء. قال الأزهري وكلهم يقول طالق بغير هاء قال وأما قول الأعشى:

أيا جارتا بيني فإنك طالقه                   كذاك أمور الناس غاد وطارقه

فقال الليث: أراد طالقة غدا وإنما اجترأ عليه لأنه يقال طلقت فحمل النعت على الفعل، وقال ابن فارس: أيضا امرأة طالق طلقها زوجها وطالقة غدا فصرح بالفرق لأن الصفة غير واقعة، وقال ابن الأنباري إذا كان النعت منفردا به الأنثى دون الذكر لم تدخله الهاء نحو طالق وطامث وحائض لأنه لا يحتاج إلى فارق لاختصاص الأنثى به وتمامه في المصباح وبه اندفع ما ذكره في الصحاح من أنه يقال طالق وطالقة قالوا إنه استعمل في النكاح بالتطليق، وفي غيره بالإطلاق حتى كان الأول صريحا، والثاني كناية فلم يتوقف على النية في طلقتك وأنت مطلقة بالتشديد وتوقف عليها في أطلقتك ومطلقة بالتخفيف، والتفعيل هنا للتكثير إن قاله في الثالثة كغلقت الأبواب وإلا فللإخبار عن أول طلقة أوقعها فليس فيه إلا التوكيد، وفي المعراج أنه اسم مصدر بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم ومنه قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أو مصدر من طلقت المرأة بالضم طلاقا أو بالفتح كالفساد من فسد، وعن الأخفش لا يقال طلقت بالضم، وفي ديوان الأدب أنه لغة ا هـ. وفي الشريعة ما أفاده بقوله.
"وهو رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح "فخرج بالشرعي القيد الحسي وبالنكاح العتق ولو اقتصر على رفع قيد النكاح لخرجا به ويرد عليه أنه منقوض طردا وعكسا.
أما الأول فبالفسخ كتفريق القاضي بإبائها عن الإسلام وردة أحد الزوجين وخيار البلوغ،

 

ج / 3 ص -343-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعتق فإن تفريق القاضي ونحوه فيه فسخ وليس بطلاق فقد وجد الحد ولم يوجد المحدود.
وأما الثاني فبالطلاق الرجعي فإنه ليس فيه رفع القيد فقد انتفى الحد ولم ينتف المحدود فالحد الصحيح قولنا رفع قيد النكاح حالا أو مآلا بلفظ مخصوص فخرج بقيد النكاح الحسي، والعتق وباللفظ المخصوص الفسخ لأن المراد به ما اشتمل على مادة الطلاق صريحا وكناية وسائر الكنايات الرجعية، والبائنة ولفظ الخلع وقول القاضي فرقت بينكما عند إباء الزوج عن الإسلام، وفي العنة، واللعان ودخل الرجعي بقولنا أو مآلا وهاهنا أبحاث:
الأول أنهم قالوا ركنه اللفظ المخصوص الدال على رفع القيد فكان ينبغي أن يعرفوه به فإن حقيقة الشيء ركنه فعلى هذا هو لفظ دال على رفع قيد النكاح.
الثاني: أن القيد صيرورتها ممنوعة عن الخروج، والبروز كما صرح به في البدائع في بيان أحكام النكاح ورفعه يحصل بالإذن لها في الخروج، والبروز فكان هذا التعريف مناسبا للمعنى اللغوي لا الشرعي. ولذا قال في البدائع: ركن الطلاق اللفظ الذي جعل دلالة على معنى الطلاق لغة وهو التخلية، والإرسال ورفع القيد في الصريح وقطع الوصلة ونحوه في الكنايات أو شرعا وهو إزالة حل المحلية في النوعين أو ما يقوم مقام اللفظ ا هـ. فقد أفاد أن ركنه شرعا اللفظ الدال على إزالة حل المحلية وأن رفع القيد إنما هو مناسب للمعنى اللغوي.
الثالث: كان ينبغي تعريفه بأنه رفع عقد النكاح بلفظ مخصوص ولو مآلا لا يقال لو كان الطلاق رافعا للعقد لارتفع الطلاق لأن رفع العقد بدون العقد لا يتصور فإذا انعدم العقد من الأصل انعدم الفسخ من الأصل فإذا انعدم الفسخ عاد العقد لفقد ما ينافيه لأنا نقول جوابه ما أجابوا به في القول بفسخ عقد البيع وحاصله أنه يجعل العقد كأن لم يكن في المستقبل دون الماضي ويؤيده ما في الجوهرة وهو في الشرع عبارة عن المعنى الموضوع لحل عقدة النكاح ويقال إنه عبارة عن إسقاط الحق عن البضع ولهذا يجوز تعليقه بالشرط، والطلاق عندهم لا يزيل الملك وإنما يحصل زوال الملك عقيبه إذا كان طلاقا قبل الدخول أو بائنا، وإن كان رجعيا وقف على انقضاء العدة أي لم يزل الملك إلا بعد انقضائها ا هـ.
وفي البدائع وأما بيان ما يرفع حكم النكاح فالطلاق إلى آخره فجعل المرفوع الحكم، وفيه ما علمت، وقد يقال إنما لم يقولوا برفع العقد لبقاء آثاره من العدة إلا أنه يخص المدخول بها وأما غير المدخول بها فلا أثر بعد الطلاق.
والتحقيق ما أفاده في التلويح من بحث العلل بقوله وأما بقاء العلل الشرعية حقيقة

 

ج / 3 ص -344-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالعقود مثلا فلا خفاء في بطلانه فإنها كلمات لا يتصور حدوث حرف منها حال قيام حرف آخر، والفسخ إنما يرد على الحكم دون العقد ولو سلم فالحكم ببقائها ضروري ثبت دفعا للحاجة إلى الفسخ فلا يثبت في حق غير الفسخ ا هـ.
الرابع أنه لو طلقها ثم راجعها قبل انقضاء عدتها ينبغي أن لا يكون طلاقا لأنه لم يوجد الرفع في المآل وجوابه أن الرفع في المآل لم ينحصر في انقضاء العدة قبل المراجعة بل فيه، وفيما إذا طلقها بعد ثنتين فإنه حينئذ يظهر عمل الطلقة الأولى بانضمام الثنتين إليها فتحرم حرمة غليظة. كما أشار إليه في المحيط بقوله: وإذا طلقها ثم راجعها يبقى الطلاق، وإن كان لا يزيل القيد، والحل للحال لأنه يزيلهما في المآل إذا انضم إليه ثنتان ا هـ. وعلى هذا لو طلقها ثم ماتت قبل انقضاء العدة أو طلقها ثم راجعها ثم ماتت بعد سنين ينبغي أن يتبين عدم وقوع الطلقة الأولى حتى لو حلف أنه لم يوقع عليها طلاقا قط لا يحنث، وقد علمت ركنه.
وأما سببه فالحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى وشرعه رحمة منه سبحانه.
وأما صفته فهو أبغض المباحات إلى الله تعالى، وفي المعراج: إيقاع الطلاق مباح، وإن كان مبغضا في الأصل عند عامة العلماء ومن الناس من يقول: لا يباح إيقاعه إلا لضرورة كبر سن أو ريبة لقوله عليه السلام
"لعن الله كل مذواق مطلاق" ولنا إطلاق الآيات فإنه يقتضي الإباحة مطلقا وطلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها فأمره الله تعالى أن يراجعها فإنها صوامة قوامة. ولم يكن هناك ريبة ولا كبر سن وكذا الصحابة رضي الله عنهم فإن عمر رضي الله عنه طلق أم عاصم وابن عوف تماضر والمغيرة بن شعبة أربع نسوة والحسن بن علي رضي الله عنهما استكثر النكاح، والطلاق بالكوفة فقال علي رضي الله عنه على المنبر: إن ابني هذا مطلاق فلا تزوجوه فقالوا نزوجه ثم نزوجه ثم نزوجه ا هـ. وقد روى أبو داود عن ابن عمر مرفوعا "أبغض الحلال إلى الله تعالى عز وجل الطلاق" قال الشمني رحمه الله فإن قيل هذا الحديث مشكل لأن كون الطلاق مبغضا إلى الله عز وجل مناف لكونه حلالا لأن كونه مبغضا يقتضي

 

ج / 3 ص -345-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجحان تركه على فعله وكونه حلالا يقتضي مساواة تركه بفعله أجيب ليس المراد بالحلال هنا ما استوى فعله وتركه بل ما ليس تركه بلازم الشامل للمباح، والواجب، والمندوب، والمكروه ا هـ.
وبما ذكرناه عن المعراج تبين أن قوله في فتح القدير، والأصح حظره إلا لحاجة اختيار القول الضعيف وليس المذهب عن علمائنا وأما قوله: ولا يخفى أن كلامهم فيما سيأتي من التعليل يصرح بأنه محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح وإنما أبيح للحاجة، والحاجة ما ذكرنا في بيان سببه فبين الحكمين منهم تدافع ا هـ. فجوابه أنه لا تدافع بين كلامهم لأن كلامهم هنا صريح في إباحته لغير حاجة ودعوى أن تعليلهم فيما سيأتي بأنه محظور خلاف الواقع منهم وإنما قالوا في الاستدلال على بدعية الثلاث أن الأصل في الطلاق هو الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية، والدنيوية، والإباحة للحاجة إلى الخلاص ولا حاجة إلى الجمع بين الثلاث كذا في الهداية، والمحيط وغيرهما فهذا لا يدل على أنه محظور شرعا وإنما يفيد أن الأصل فيه الحظر وترك ذلك بالشرع فصار الحل هو المشروع فهو نظير قول صاحب كشف الأسرار أن الأصل في النكاح الحظر وإنما أبيح للحاجة إلى التوالد، والتناسل فهل يفهم منه أنه محظور فالحق إباحته لغير حاجة طلبا للخلاص منها لقوله تعالى:
{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] وحمله على الحاجة ليس بصحيح.
وفي غاية البيان: يستحب طلاقها إذا كانت سليطة مؤذية أو تاركة للصلاة لا تقيم حدود الله تعالى ا هـ. وهو يفيد جواز معاشرة من لا تصلي ولا إثم عليه بل عليها ولذا قالوا في الفتاوى له أن يضربها على ترك الصلاة ولم يقولوا عليه مع أن في ضربها على تركها روايتين ذكرهما قاضي خان فقد علمت أنه مباح ومستحب وسيأتي أنه حرام بدعي ويكون واجبا إذا فات الإمساك بالمعروف كما في امرأة المجبوب، والعنين بعد الطلب، ولذا قالوا إذا فاته الإمساك بالمعروف ناب القاضي منابه فوجب التسريح بالإحسان.
وأما شرطه في الزوج فالعقل، والبلوغ، وفي الزوجة أن تكون منكوحته أو في عدته التي تصلح معها محلا للطلاق وهي المعتدة بعدة الطلاق لا المعتدة بعدة الوطء، والخلوة وحاصل ما في فتح القدير أن المعتدة التي هي محل للطلاق هي كل معتدة عن طلاق أو بعد تفريق

 

ج / 3 ص -346-       تطليقها واحدة في طهر لا وطء فيه وتركها حتى تمضي عدتها أحسن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي بإباء أحدهما عن الإسلام وبعد ارتداد أحدهما مطلقا فقط فلا يقع الطلاق في عدة عن فسخ إلا في هاتين ولا يقع في العدة عن فسخ بحرمة مؤبدة كما إذا اعترضت الحرمة بتقبيل ابن الزوج وكذا عن فسخ بحرمة غير مؤبدة كالفسخ بخيار العتق، والبلوغ وعدم الكفاءة ونقصان المهر وسبي أحدهما ومهاجرته إلينا، وقد صرح في بحث خيار البلوغ بأن الأوجه وقوع الطلاق في العدة ونبهنا في ذلك المحل أن المنقول خلافه فالحق ما ذكره هنا من عدمه وزاد في البدائع أن من شرائطه شرط الركن وهو اللفظ المخصوص أن لا يلحقه استثناء وأن لا يكون للطلاق انتهاء غاية فإنه لو قال: أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لم تقع الثلاث عند الإمام.
وأما حكمه فوقوع الفرقة مؤجلا إلى انقضاء العدة في الرجعي وبدونه في البائن.
وأما محاسنه فالتخلص به من المكاره الدينية، والدنيوية وبه يعلم أن طلاق الدور واقع كما في القنية من آخر الإيمان.
وأما أقسامه فثلاثة: حسن، وأحسن، وبدعي.
وأما ألفاظه فثلاثة صريح وما ألحق به وكناية وسيأتيان.
قوله: "تطليقها واحدة في طهر لا وطء فيه وتركها حتى تمضي عدتها أحسن "أي بالنسبة إلى البعض الآخر لا أنه في نفسه حسن فاندفع به ما قيل كيف يكون حسنا مع أنه أبغض الحلال وهذا أحد قسمي المسنون فإنه حسن وأحسن ومعنى المسنون هنا ما ثبت على وجه لا يستوجب عتابا لا أنه المستعقب للثواب لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب فالمراد هنا المباح نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها بدعيا فمنع نفسه إلى وقت السني يثاب على كف نفسه عن المعصية لا على نفس الطلاق ككف نفسه عن الزنا مثلا بعد تهيئ أسبابه ووجود الداعية فإنه يثاب لا على عدم الزنا لأن الصحيح أن المكلف به الكف لا العدم كما عرف في الأصول، وفي المعراج: إنما كان هذا القسم أحسن من الثاني لأنه متفق عليه بخلاف الثاني فإنه مختلف فيه فإن مالكا قال بكراهته لاندفاع الحاجة بالواحدة.
قيد بالواحدة لأن الزائد عليها بكلمة واحدة بدعي ومتفرقا ليس بأحسن وسيأتي أن الواحدة البائنة بدعي فالمراد بالواحدة هنا الرجعية.
وقيد بالطهر لأنه في الحيض بدعي وقيد بعدم الوطء لأنه في طهر وطئها فيه بدعي لوقوع الندم باحتمال حملها واستفيد منه أنه لو طلقها في طهر جامعها فيه بعد ظهور حملها لا يكون بدعيا من هذا القسم لفقد العلة، وبه صرح في البدائع وصرح أنه لو طلقها في طهر لا وطء فيه

 

ج / 3 ص -347-       وثلاثا في أطهار حسن وسني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن وطئ في الحيض قبله يكون بدعيا لوجود العلة وعلم من مقابله أنه لا بد أن يكون الحيض الذي قبل هذا الطهر لا طلاق فيه ولا في بعضه جماع ولا طلاق فلو قال كما في البدائع: الأحسن تطليقها إذا كانت من ذوات الأقراء واحدة رجعية في طهر لا جماع فيه ولا طلاق فيه ولا في حيضة جماع ولا طلاق وتركها حتى تنقضي عدتها لكان أحسن. فإن قلت عبارة المصنف في طهر لا وطء فيه ولم يقيده بوطئه، وعبارة المجمع في طهر لم يجامعها فيه وأي العبارتين أولى؟
قلت يرد على كل منهما شيء أما على الكنز فالزنا فإنه إذا طلقها في طهر وطئها فيه غيره بزنا فإنه سني مع أنه ما خلا عن الوطء فيه وأما على المجمع فوطئ غيره بشبهة فإن الطلاق في طهر لم يجامعها هو وإنما جامعها غيره بشبهة بدعي كما ذكره الإسبيجابي فكان ينبغي أن يستثني المصنف الزنا ويزيد في المجمع ولا غيره بشبهة وخرج الحسن بقوله وتركها حتى تمضي عدتها ومعناه الترك من غير طلاق آخر لا الترك مطلقا لأنه إذا راجعها لا يخرج الطلاق عن كونه أحسن كما ذكره الإسبيجابي، وفي المحيط: لو قال لها: أنت طالق للسنة وهي طاهرة من غير جماع ولكن وطئها غيره فإن كان زنا وقع في هذا الطهر، وإن كان بشبهة لم يقع.
قوله: "وثلاثا في أطهار حسن وسني "أي تطليقها ثلاثا في ثلاثة أطهار حسن وسني، وقد قدمنا أن كلا من الحسن، والأحسن سني، فتخصيص هذا باسم طلاق السنة لا وجه له، والمناسب تمييزه بالمفضول من طلاقي السنة كذا في فتح القدير لكن مشايخنا إنما خصوه باسم السنة لما أنه ورد في واقعة ابن عمر رضي الله عنهما: ما هكذا أمرك الله قد أخطأت السنة السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء تطليقة وخصوا الأول باسم الأحسن لما روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يزيدوا في الطلاق على واحدة حين تمضي عدتها وأن هذا أفضل عندهم ولا بد أن تكون الأطهار خالية عن الجماع فيها، وفي حيض قبلها، وعن طلاق فيه لأن كلا منها يخرجه عن السنة صرح به في الفوائد التاجية ولا يخفى أن الكلام كله في المدخول بها وأما غيرها فسيذكر حكمها.
والتطليق في الطهر الأول صادق بكونه في أوله، وفي آخره واختلف فيه قيل الأولى التأخير

 

ج / 3 ص -348-       وثلاثا في طهر أو بكلمة بدعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى آخر الطهر احترازا عن تطويل العدة عليها وقال صاحب الهداية: والأظهر أن يطلقها عقيب الطهر لأنه لو أخر الإيقاع ربما يجامعها ومن قصده أن يطلقها فيبتلى بالإيقاع عقيب الوقاع وهو بدعي أي الأظهر من عبارة محمد كذا في غاية البيان ورجح الأول في فتح القدير بأنه أقل ضررا فكان أولى وهو رواية عن أبي يوسف عن أبي حنيفة ا هـ.
والمعتمد ما في الهداية لما ذكره ولأنه إذا أخر إلى آخره ربما فجأها الحيض قبل التطليق فيفوت مقصوده، وفي المبسوط: وإذا كان الزوج غائبا وأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها إذا جاءك كتابي هذا ثم حضت فطهرت فأنت طالق لجواز أن يكون قد امتد طهرها الذي جامعها فيه وإذا أراد أن يطلقها ثلاثا للسنة كتب ثم إذا حضت وطهرت فأنت طالق ثم إذا حضت وطهرت فأنت طالق، وإن شاء أوجز فكتب إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ثلاثا للسنة فيقع بهذه الصفة، وإن كانت لا تحيض كتب إذا جاءك كتابي هذا ثم أهل شهر فأنت طالق أو فأنت طالق ثلاثا للسنة ا هـ.
وهذه الكتابة على هذا الوجه واجبة كما في فتح القدير، وفي البدائع وذكر محمد رحمه الله تعالى في الرقيات أنه يكتب إليها: إذا جاءك كتابي هذا فعلمت ما فيه ثم حضت وطهرت فأنت طالق وتلك الرواية أحوط ا هـ. وظاهر قوله لجواز أن يكون قد امتد طهرها يدل على أنه لو سافر وهي حائض ولم يجامعها في ذلك الحيض فإنه يكتب لها إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق من غير حاجة إلى قوله ثم حضت فطهرت فإنه لم يجامعها في طهر الطلاق إلا أن يقال جاز أن تكون وطئت بشبهة في غيبته وهو بعيد الوقوع وأما الزنا فلا اعتبار به كما قدمناه.
وفي المحيط: لو قال لها: إذا طهرت من حيضة فأنت طالق للسنة فطهرت من حيضة ثم جاءت بولد لستة أشهر ويوم أو يومين منذ طلق لم تطلق لأنه تبين أن ذلك لم يكن حيضا، وإن جاءت بولد لستة أشهر وثلاثة أيام طلقت لأن الحيض تم في ثلاثة أيام وهذا الولد رجعة. ا هـ.
قوله: "وثلاثا في طهر أو بكلمة بدعي" أي تطليقها ثلاثا متفرقة في طهر واحد أو ثلاثا بكلمة واحدة بدعي أي منسوب إلى البدعة، والمراد بها هنا المحرمة لأنهم صرحوا بعصيانه ومراده بهذا القسم ما ليس حسنا ولا أحسن ولذا قال في فتح القدير طلاق البدعة ما خالف قسمي السنة فدخل في كلامه ما لو طلق ثنتين بكلمة واحدة أو متفرقا أو واحدة في طهر قد جامعها فيه أو في حيض قبله وأما الطلاق في الحيض فسيصرح به، وقد علم من تعليلهم الطلاق بالحاجة إلى الخلاص ولا حاجة فيما زاد على الواحدة أن البائنة بدعية، وهو ظاهر الرواية لأن الحاكم الشهيد في الكافي نص على أنه أخطأ السنة.

 

ج / 3 ص -349-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي رواية الزيادات أنه لا يكره للحاجة إلى الخلاص ناجزا ويشهد لها أن أبا ركانة طلق امرأته ألبتة، والواقع بها بائن ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والقياس على الخلع. والجواب تجويز أن يكون أبو ركانة طلق قبل الدخول أو أنه أخر الإنكار عليه لحال اقتضت تأخيره إذ ذاك، والخلع لا يكون إلا عند تحقق الحاجة وبلوغها النهاية ولذا روي عن الإمام أن الخلع لا يكره حالة الحيض كذا في فتح القدير وذكر الإسبيجابي أن الخلع لا يكره كما لا يكره حالة الحيض بالإجماع وعلله في المحيط بأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به ا هـ. ولم أر حكم ما إذا طلبت منه أن يطلقها ثلاثا بألف، وقد يقال إنه يباح لأنه لا يمكن تحصيل كمال الألف إلا بالثلاث حيث لم ترض إلا بها، وقد يجاب بأن ثلث العوض حاصل له بطلاقها واحدة جبرا عليها فيفوته كمال الألف لا كلها بخلاف الخلع فإنه إن لم يخلعها لا يستحق شيئا فافترقا ولا حاجة إلى الاشتغال بالأدلة على رد قول من أنكر وقوع الثلاث جملة لأنه مخالف للإجماع كما حكاه في المعراج ولذا قالوا: لو حكم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه لأنه لا يسوغ فيه الاجتهاد لأنه خلاف لا اختلاف.
وفي جامع الفصولين طلقها وهي حبلى أو حائض أو طلقها قبل الدخول أو أكثر من واحدة فحكم ببطلانه قاض كما هو مذهب البعض لم ينفذ وكذا لو حكم ببطلان طلاق من طلقها ثلاثا بكلمة واحدة أو في طهر جامعها فيه لا ينفذ ا هـ.
وقد صرح ابن عباس رضي الله عنهما للسائل الذي جاء يسأله عن الذي طلق ثلاثا بقوله: عصيت ربك، وروى عبد الرزاق مرفوعا عنه عليه السلام: "بانت بثلاث في معصية الله تعالى" فقد أفاد الوقوع، والعصيان ولأن الأصل في الطلاق الحظر وإنما أبيح للحاجة إلى الخلاص هو يحصل بالواحدة فلا حاجة إلى ما زاد عليها وقول الشافعي أنه مشروع فلا يكون محظورا دفع بأنه مشروع من حيث إنه واقع لحاجة لزوم فساد الدين، والدنيا غير مشروع من حيث إنه إضرار أو كفران بلا حاجة ثم اعلم أن البدعة في الجمع مقيدة بما إذا لم يتخلل بين التطليقتين رجعة فإن تخللت فلا يكره إن كانت بالقول أو بنحو القبلة، واللمس عن شهوة. وأما إذا راجعها

 

ج / 3 ص -350-       وغير الموطوءة تطلق للسنة ولو حائضا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالجماع فليس له ذلك بالإجماع لأن هذا طهر فيه جماع، وإن راجعها بالجماع وأعلقها له أن يطلقها أخرى في قول أبي حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ليس له أن يطلقها في هذا الطهر للسنة حتى يمضي شهر من التطليقة الأولى ذكره الإسبيجابي.
وفي المحيط لو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وهو ممسك يدها بشهوة وقعت ثلاثا للسنة متعاقبا لأن عنده يصير مراجعا بالمس عن شهوة، والرجعة فاصلة عنده وعندهما تقع واحدة للحال وتقع ثنتان في طهرين آخرين لأن الرجعة غير فاصلة ا هـ. وهذا كله على رواية الطحاوي ومشى عليها في المنظومة وأما على ظاهر الرواية فكقولهما من أن الرجعة لا تكون فاصلة كذا في المعراج وهذا كله في تخلل الرجعة أما لو تخلل النكاح فأقوال، والأوجه أنه على اختلاف الرواية عنه.
وفي المصباح البدعة اسم من الابتداع كالرفعة من الارتفاع غلب استعمالها على ما هو نقص في الدين أو زيادة لكن قد يكون بعضها غير مكروه فيسمى بدعة مباحة وهو ما شهد لجنسه أصل في الشرع أو اقتضته مصلحة تندفع بها مفسدة كاحتجاب الخليفة عن اختلاط الناس ا هـ.
قوله: "وغير الموطوءة تطلق للسنة ولو حائضا "أي التي لم يدخل بها يجوز تطليقها للسنة واحدة ولو كانت حائضا بخلاف المدخول بها، والفرق أن الرغبة فيها متوفرة ما لم يذقها فطلاقها في حالة الحيض يقوم دليلا على تحقق الحاجة بخلاف المدخول بها وليس هو تعليلا في مقابلة النص أعني واقعة ابن عمر رضي الله عنهما لأن فيه: فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، والعدة ليست إلا للمدخول بها كما في فتح القدير أو بدليل قوله عليه السلام
"فليراجعها"، والمراجعة بعد الدخول لا قبله كما في المعراج.
والحاصل أن السنة في الطلاق من وجهين سنة في الوقت وسنة في العدد.
فالسنة في العدد يستوي فيها المدخول بها وغير المدخول بها حتى لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا للسنة تقع للحال واحدة سواء كانت حائضا أو طاهرة ولا تقع عليها الثانية إلا بالتزويج وكذا الثالثة بالتزويج ثالثا لأن الطلاق السني المرتب في حق غير المدخول بها لا يتصور إلا على هذا الوجه كذا في المعراج.
والسنة في الوقت أعني الطهر الخالي عن الجماع يثبت في المدخول بها خاصة، والخلوة

 

ج / 3 ص -351-       وفرق على الأشهر فيمن لا تحيض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالدخول عندنا في حكم العدة ومراعاة وقت السنة في الطلاق لأجل العدة، كما في المعراج وهي واردة على المصنف إلا أن يقال إنها موطوءة حكما.
"قوله: "وفرق على الأشهر فيمن لا تحيض "أي فرق الزوج الطلاق على أشهر العدة إذا كانت المرأة ممن لا تحيض لصغر أو كبر أو حمل لأن الشهر في حقها قائم مقام الحيض قال الله تعالى
{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلى أن قال: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]، والإقامة في حق الحيض خاصة حتى يقدر الاستبراء في حقها بالشهر وهو بالحيض لا بالطهر كذا في الهداية، والخلاف في أن الأشهر قائمة مقام الحيض، والطهر أو مقام الحيض لا غير وتصحيح الثاني قليل الجدوى لا ثمرة له في الفروع كذا في فتح القدير.
وفي المعراج وثمرة اختلاف أصحابنا تظهر في حق إلزام الحجة على البعض لإجماعهم أن الاستبراء يكتفي بالحيض على أن الشهر قائم مقام الحيض إذ التبع خلف الأصل بحاله لا بذاته ا هـ.
وفي البدائع: إذا وقع عليها ثلاث تطليقات في ثلاثة أطهار فقد مضى من عدتها حيضتان إن كانت حرة لأن العدة بالحيض عندنا وبقيت حيضة واحدة فإذا حاضت حيضة أخرى فقد انقضت عدتها، وإن كانت من ذوات الأشهر طلقها واحدة رجعية وإذا مضى شهر طلقها أخرى ثم إذا مضى شهر طلقها أخرى ثم إذا كانت حرة وقع عليها ثلاث تطليقات ومضى من عدتها شهران وبقي شهر واحد من عدتها فإذا مضى شهر واحد فقد انقضت عدتها، وإن كانت أمة ووقع عليها تطليقتان في شهر بقي من عدتها نصف شهر فإذا مضى نصف شهر فقد انقضت عدتها ا هـ.
والمراد بالصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين على المختار وبالكبيرة الآيسة وهي بنت خمس وخمسين على الأظهر ودخل تحت من لا تحيض من بلغت بالسن ولم ترد ما أصلا فإن الطلاق يفرق على الأشهر أيضا، وإن لم تدخل تحت قوله وصح طلاقهن بعد الوطء.
وفي المحيط، والبدائع: ولو طلقها وهي صغيرة ثم حاضت فطهرت قبل مضي شهر فله أن يطلقها أخرى بالإجماع لأن حكم الشهر قد بطل وكذا لو طلق من تحيض ثم أيست فله أن يطلقها أخرى لتبدل الحال ولا تدخل الممتدة طهرها تحت من لا تحيض لما في البدائع وأما الممتدة طهرها فإنها لا تطلق للسنة إلا واحدة لأنها من ذوات الأقراء لأنها قد رأت الدم وهي شابة ولم تدخل في حق الإياس إلا أنه امتد طهرها ويحتمل الزوال ساعة فساعة فبقي أحكام ذوات الأقراء فيها ولا تطلق ذات القرء في طهر لا جماع فيه للسنة إلا واحدة ا هـ. فعلى هذا لو كان قد جامعها في الطهر وامتد لا يمكن تطليقها للسنة حتى تحيض ثم تطهر. وقد أشار إليه

 

ج / 3 ص -352-       وصح طلاقهن بعد الوطء، وطلاق الموطوءة حائضا بدعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشارح معللا بأن الحيض مرجو في حقها وهي كثيرة الوقوع في الشابة التي لا تحيض زمان الرضاع.
ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى اعتبار الأشهر بالأيام أو بالأهلة قالوا إن كان الطلاق في أول الشهر فتعتبر الشهور بالأهلة، وإن كان في وسطه ففي حق تفريق الطلاق يعتبر كل شهر بالأيام وذلك ثلاثون يوما بالاتفاق وكذلك في حق انقضاء العدة عند أبي حنيفة وعندهما يعتبر شهر واحد بالأيام وشهران بالأهلة كذا في المبسوط، وفي الكافي الفتوى على قولهما لأنه أسهل، والمراد بأول الشهر الليلة التي رئي فيها الهلال كما في فتح القدير.
قوله: "وصح طلاقهن بعد الوطء "أي حل لأن الكلام فيه لا في الصحة لأنه لا يتوهم الحبل فيمن لا تحيض، والكراهة فيمن تحيض باعتباره لحصول الندم عند ظهوره وهذا الوجه يقتضي في التي لا تحيض لا لصغر ولا لكبر بل اتفق امتداد طهرها متصلا بالصغر، وفي التي لم تبلغ بعد، وقد وصلت إلى سن البلوغ أن لا يجوز تعقيب وطئها بطلاقها لتوهم الحمل في كل منهما كذا في فتح القدير، وقد قدمناه.
وفي المحيط قال الحلواني رحمه الله: هذا في صغيرة لا يرجى حبلها أما فيمن يرجى فالأفضل له أن يفصل بين طلاقها ووطئها بشهر كما قال زفر. ولا يخفى أن قول زفر ليس هو في أفضلية الفصل بل للزوم الفصل كما في فتح القدير وجوابه أنه ليس المراد التشبيه في الأفضلية وإنما هو بأصل الفاصل وهو الشهر وشمل كلامه الحامل وهو قوله: ما فيفصل بين تطليقتين بشهر وقال محمد وزفر، والأئمة الثلاثة لا يطلقها للسنة إلا واحدة كالممتد طهرها ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة وهي لا تندفع بالواحدة فشرع لدفعها على وجه لا يعقب الندم للتفريق على أوقات الرغبة وهي الأطهار التي تلي الحيض ليكون كل طلاق دليلا على قيامها بخلاف الممتد طهرها لأنها محل النص على نفي جواز الإيقاع بالطهر الحاصل عقيب الحيض وهو مرجو في حقها كل لحظة ولا يرجى في الحامل ذلك.
قوله: "وطلاق الموطوءة حائضا بدعية" أي حرام للنهي عنه الثابت ضمن الأمر في قوله تعالى:
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(الطلاق: 1] وقوله: عليه السلام لابن عمر رضي الله عنهما حين طلقها فيه "ما هكذا أمرك الله" ولإجماع الفقهاء على أنه عاص.
قيد بالطلاق لأن التخيير، والاختيار، والخلع في الحيض لا يكره كما قدمناه وإذا أدركت

 

ج / 3 ص -353-       فيراجعها، ويطلقها في طهر ثان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصبية فاختارت نفسها فلا بأس للقاضي أن يفرق بينهما في الحيض كذا في المجتبى ولما كان المنع منه فيه لتطويل العدة عليها كان النفاس كالحيض كما في الجوهرة وما في المحيط من تعليل عدم كراهة الخلع فيه من أنه ليس بطلاق صريح، والنص ورد بتحريم الطلاق الصريح فيه نظر لأنه يقتضي أن الكنايات لا تكره في الحيض وليس كذلك للعلة المذكورة ويرد عليه الطلاق على مال فإنه لا يكره في الحيض كما صرح به في المعراج مع أنه صريح، وقد ذكر المصنف ثلاثة أنواع للبدعي وهي ثمانية: الرابع: تطليقها ثنتين بكلمة، الخامس: تطليقها ثنتين في طهر لم يتخلل بينهما رجعة. السادس: تطليقها في طهر جامعها فيه. السابع: تطليقها في طهر لم يجامعها فيه لكن جامعها في حيض كان قبله، الثامن: تطليقها في النفاس.
قوله: "فيراجعها" أي وجوبا في الحيض للتخلص من المعصية بالقدر الممكن لأن رفعه بعد وقوعه غير ممكن ورفع أثره وهو العدة بالمراجعة ممكن ولم يذكر صفتها للاختلاف فاختار القدوري استحبابها لقول محمد في الأصل وينبغي له أن يراجعها فإنه لا يستعمل في الوجوب. والأصح وجوبها لما قلنا وعملا بحقيقة الأمر في قوله عليه السلام: "مر ابنك فليراجعها"، والأصل فيه أن لفظ الأمر مشترك بين الصيغة النادبة، والموجبة عند الشافعية حتى يصدق الندب مأمورا به فلا يلزم الوجوب من قوله
"مر ابنك".
وأما عندنا فمسمى الأمر الصيغة الموجبة كما أن الصيغة حقيقة في الوجوب فيلزم الوجوب منها، وإن كانت صادرة عن عمر رضي الله عنه لا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نائب عنه فيها فهو كالمبلغ للصيغة فاشتمل قوله: "مر ابنك" على وجوبين صريح وهو الوجوب على عمر رضي الله عنه أن يأمر وضمني وهو ما يتعلق بابنه عند توجه الصيغة إليه قيدنا بقولنا في الحيض لأنه لو لم يراجعها حتى طهرت تقررت المعصية كذا في فتح القدير مستندا إلى أنه المفهوم من كلام الأصحاب عند التأمل، ويدل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين:
"مر ابنك فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر" إلى آخره، وقد يقال إن هذا ظاهر على رواية الطحاوي الآتية من أنها إذا طهرت طلقها وأما على المذهب فينبغي أن لا تقرر المعصية حتى يأتي الطهر الثاني الذي هو أوان طلاقها.
قوله: "ويطلقها في طهر ثان" يعني إذا راجعها في الحيض أمسك عن طلاقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فيطلقها ثانية ولا يطلقها في الطهر الذي طلقها في حيضته لأنه كما قدمناه بدعي وذكر الطحاوي أنه يطلقها في طهره وهو رواية عن أبي حنيفة لأن أثر الطلاق انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها في هذه الحيضة فيسن تطليقها في طهرها، والأول هو المذكور في

 

ج / 3 ص -354-       ولو قال لموطوءته: أنت طالق ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر طلقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل وهو ظاهر الرواية كما في الكافي وظاهر المذهب وقول الكل كما في فتح القدير ويدل له حديث الصحيحين:
"مر ابنك فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسكها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" ولأن السنة أن يفصل بين كل تطليقتين بحيضة، والفاصل هنا بعض الحيضة.
قوله: "ولو قال لموطوءته: أنت طالق ثلاثا للسنة وقع عند كل طهر طلقة" لأن اللام فيه للوقت ووقت السنة طهر لا جماع فيه كذا في الهداية وتعقب بأنه لا يستلزم الجواب لأن المعنى حينئذ ثلاثا لوقت السنة وهذا يوجب تقييد الطلاق بإحدى جهتي سنة الطلاق، وهو السني وقتا وحينئذ فمراده ثلاثا في وقت السنة فيصدق بوقوعها جملة في طهر بالإجماع فيمتنع بهذا التقرير تعميم السنة في جهتيها.
والتحقيق أن اللام للاختصاص فالمعنى الطلاق المختص بالسنة وهو مطلق فينصرف إلى الكامل وهو السني عددا ووقتا فوجب جعل الثلاث مفرقا على الأطهار كذا في فتح القدير وجوابه أنه يلزم من السني وقتا السني عددا إذ لا يمكن إيقاع ثلاث على وجه السنة أصلا. وأما السني عددا فغير مستلزم للسني وقتا فإن الواحدة تكون سنة في طهر فيه جماع في الآيسة، والصغيرة كما قدمناه.
أطلقه فشمل ما إذا نواه أو لم ينوه وقيد بالموطوءة لأنه لو قال لغيرها ذلك وقعت للحال واحدة ولو كانت حائضا ثم لا يقع عليها قبل التزوج شيء ولا ينحل اليمين لأن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها فإن تزوجها وقعت الثانية فإن تزوجها أيضا وقعت الثالثة فيفرق الثلاث على التزوجات كما في فتح القدير فما في المعراج من أنه يقع الثلاث للحال بالإجماع سهو ظاهر.
وأشار بقوله عند كل طهر إلى أنها من ذوات الحيض لأنها لو كانت من ذوات الأشهر يقع للحال واحدة وبعد شهر أخرى وكذا لو كانت حاملا عندهما

 

ج / 3 ص -355-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلافا لمحمد كما تقدم في طلاق الحامل وأشار بذكر الثلاث وتفريقها على الأطهار إلى أنه لو قال أنت طالق للشهور يقع عند كل شهر تطليقة ولو قال للحيض يقع عند كل حيض واحدة وتكره الثانية في رواية ولا تكره في أخرى كذا في المبتغى بالمعجمة، والحيض بالجمع لا المصدر وقيده في المعراج بأن ينوي الثلاث ولفظه ولو قال: أنت طالق للشهور أو الحيض ونوى ثلاثا كانت ثلاثا لأنه أضاف الطلاق إلى ما له عدد ا هـ.
وفي المحيط لو قال لها أنت طالق للحيض وليست من ذوات الحيض لا يقع الطلاق، وفي البدائع ولو قال لامرأته وهي من ذوات الحيض: أنت طالق للحيض وقع عند كل طهر من كل حيضة تطليقة لأن الحيض الذي يضاف إليه الطلاق هي أطهار العدة ا هـ. وهو مخالف للأول، والظاهر خلافه لأن الإضافة إنما هي للحيض لا للأطهار وذكره في المحيط عن المنتقى وأفاد بقوله عند كل طهر أنها لو كانت طاهرة وقته ولم يكن جامعها فيه وقعت للحال واحدة، وإن كانت حائضا أو جامعها في ذلك الطهر لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر، وفي البدائع: لو قال أنت طالق ثنتين للسنة وقعت الطلقتان عند كل طهر واحدة.
قوله: "وإن نوى أن تقع الثلاث الساعة أو عند كل شهر واحدة صحت" أي نيته أما الأولى فلأن الثلاث سني وقوعا أي وقوعه بالسنة فتصح إرادته وتكون اللام للتعليل أي لأجل السنة التي أوجبت وقوع الثلاث فإن وقوعها مذهب أهل السنة خلافا للروافض ولأن وقوع الطلاق المجتمع سنة عند بعض الفقهاء فيحمل عليه عند النية وعند عدمها يحمل على الكامل وهو السني وقوعا وإيقاعا فإن قيل الوقوع بدون الإيقاع محال فلما كان الوقوع سنيا كان الإيقاع سنيا لامتناع أن يكون الشيء سنيا ولازمه بدعيا.
قلت الوقوع لا يوصف بالحرمة لأنه حكم شرعي لا اختيار للعبد فيه وحكم الشرع لا يوصف بالبدعة، والإيقاع فعل العبد فيوصف بالحرمة، والبدعة فكان الوقوع أشبه بالسنة المرضية، كذا في الفوائد الظهيرية.
وأما الثانية فلأن رأس الشهر إما أن يكون زمان حيضها أو طهرها فعلى الثاني هو سني وقوعا وإيقاعا وعلى الأول هو سني وقوعا فنية الثلاث عند رأس كل شهر واحدة مع العلم بأن رأس الشهر قد تكون حائضا فيه بنية الأعم من السني وقوعا وإيقاعا معا أو أحدهما.
قيد بقوله ثلاثا. لأنه لو قال: أنت طالق للسنة ولم يذكر ثلاثا وقعت واحدة للحال إن

 

ج / 3 ص -356-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت في طهر لم يجامعها فيه، وإن كان قد جامعها أو كانت حائضا لا يقع شيء حتى تطهر فيقع واحدة فلو نوى ثلاثا مفرقا على الأطهار صح لأن المعنى في أوقات طلاق السنة ولو نوى الثلاث جملة اختلف فيه فذهب صاحب الهداية وفخر الإسلام والصدر الشهيد وصاحب المختلفات إلى عدم صحتها وإنما يقع به واحدة فقط، وذهب القاضي أبو زيد وشمس الأئمة وشيخ الإسلام إلى أنه يصح فتقع الثلاث جملة كما تقع مفرقا على الأطهار، والأول أوجه كما في فتح القدير ولو نوى واحدة بائنة لم تكن بائنة لأن لفظ الطلاق لا يدل على البينونة وكذا لفظ السنة بل يمنع ثبوت البينونة لأن الإبانة ليست بمسنونة على ظاهر الرواية ولو نوى ثنتين لم تكن ثنتين لأنه عدد محض بخلاف الثلاث لأنه فرد من حيث إنه جنس كل الطلاق ولو أراد بقوله طالق واحدة وبقوله للسنة أخرى لم يقع لأن قوله للسنة ليست من ألفاظ الطلاق بدليل أنه لو قال لامرأته أنت للسنة لا يقع، وإن نوى الطلاق كذا في البدائع.
وقيد باللام لأنه لو صرح بالأوقات فقال: أنت طالق ثلاثا أوقات السنة لا تصح نية الثلاث جملة. والفرق أن اللام تحتمل أن لا تكون للوقت فقد نوى محتمل كلامه وأما التصريح بالوقت فغير محتمل غيره فانصرف إلى السنة الكاملة وهي السنة وقوعا وإيقاعا كذا في المعراج وهذا يقتضي أن لا فرق بين جمع الوقت وأفراده لأنه مع التصريح به مفرد لا يحتمل غيره كما في المجمع، ومراده اللام وما كان بمعناه فلو قال: أنت طالق في السنة أو على السنة أو مع السنة أو طلاق السنة فهو كاللام وكذا السنة ليس بقيد بل مثلها ما كان بمعناها كطلاق العدل أو طلاقا عدلا وطلاق العدة أو للعدة أو طلاق الدين أو الإسلام أو أحسن الطلاق أو أجمله أو طلاق الحق أو طلاق القرآن أو الكتاب.
وذكر في المعراج أنه على ثلاثة أقسام: الأول جميع ما ذكرناه ومنه طلاق التحري، والثاني: أن يقول أنت طالق في كتاب الله أو بكتاب الله أو مع كتاب الله فإن نوى به طلاق السنة وقع في أوقاتها، وإن لم ينوها وقع في الحال لأن كتاب الله يدل على وقوع الطلاق للسنة، والبدعة فيحتاج إلى النية، والثالث: أن يقول أنت طالق على الكتاب أو بالكتاب أو على قول القضاة أو على قول الفقهاء أو طلاق القضاة أو طلاق الفقهاء فإن نوى السنة يدين ويقع في الحال في القضاء لأن قول القضاة أو الفقهاء يقتضي الأمرين فإذا خصص يدين ولا يسمع في القضاء ا هـ.
وفي مختصر الجامع الكبير للصدر الشهيد: لو قال أنت طالق تطليقة للسنة يقف

 

ج / 3 ص -357-       ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على محله بخلاف سنية أو عدلة أو عدلية أو حسنة أو جميلة لأنه وصف للواقع وهناك الإيقاع ولو قال أحسن الطلاق أو أعدله أو أجمله توقف لحرف المبالغة ولو قال تطليقة حسنة في دخولك الدار وشديدة في ضربك أو قوية في بطشك أو ظريفة في نقابك أو معتدلة في قيامك تتعلق ولو لم يذكر التطليقة يتنجز لأنه وصفها وتم وصفه ا هـ.
وفي المحيط: لو قال أنت طالق تطليقة حقا طلقت الساعة ولو قال طلاق الحق كان للسنة.
وقيد بالسنة لأنه لو قال أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ونوى الثلاث وقعت للحال وكذا الواحدة في الحيض، والطهر الذي فيه جماع، وإن لم تكن له نية، وإن كان في طهر فيه جماع أو في حال الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته، وإن كانت في طهر لا جماع فيه لا يقع للحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر كذا في المعراج، وقد بحث بعض الطلبة بدرس الصرغتمشية أنه ينبغي أن تقع الثلاث بلا نية إذا كانت في طهر لم يجامعها فيه من غير توقف على الحيض أو الجماع لأنه بدعي فأجبته بأن البدعي على قسمين: فاحش وأفحش كالأحسن، والحسن في السني فالثلاث أفحش وما دونها فاحش فلا ينصرف إلى الأفحش إلا بالنية، وفي المحيط: لو أمر رجلا أن يطلق امرأته للسنة وهي مدخولة بها فقال لها الوكيل أنت طالق للسنة أو قال إذا حضت وطهرت. فأنت طالق فحاضت وطهرت لم يقع شيء لأنه فوض إليه الطلاق في وقت السنة فلا يملك إيقاعه قبل وقت السنة كما لو قال له طلق امرأتي غدا فقال لها الوكيل: أنت طالق غدا لا يقع إذا جاء غد حتى لو حاضت وطهرت ثم قال الوكيل: أنت طالق طلقت ولو قال له طلق امرأتي ثلاثا للسنة فطلقها ثلاثا للسنة للحال وقعت واحدة وينبغي أن يطلقها أخرى في طهر آخر ثم يطلقها أخرى في طهر آخر ا هـ.
قوله: "ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ" لصدوره من أهله في محله وهو بيان للمحل وشرائطه فأشار إلى محله بذكر الزوج فإنه الزوجة ولو حكما وهي المعتدة كما سبق وأشار إلى شرطه بالبلوغ، والعقل وهو تكليف الزوج، وقد صرح بمفهومه فيما يأتي ولم يشترط أن يكون جادا فيقع طلاق الهازل به، واللاعب للحديث المعروف "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح، والطلاق، والعتاق" ولا أن يكون خاليا عن شرط الخيار فيقع طلاق شارط الخيار في باب

 

ج / 3 ص -358-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطلاق بعوض وبغيره لنفسه ولها إلا في مسألة وهي ما إذا شرط لها في الطلاق بعوض لكونه من جانبها معاوضة مال كما سيأتي في الخلع ولا أن يكون صحيحا ولا مسلما فيقع من المريض، والكافر ولا أن يكون عامدا فيقع طلاق المخطئ وهو الذي يريد أن يتكلم بغير الطلاق فيسبق على لسانه الطلاق وكذا العتاق، وروى الكرخي أن في العتاق روايتين بخلاف الطلاق، وروى بشر أنهما سواء وهو الصحيح الكل من البدائع ولا أن يكون ناويا له لأنه شرط في الكنايات فقط.
واعلم أن طلاق الفضولي موقوف على إجازة الزوج فإن أجازه وقع وإلا فلا سواء كان الفضولي امرأة أو غيرها كما في المحيط، وفي الخانية: رجل قيل له إن فلانا طلق امرأتك أو أعتق عبدك فقال نعم ما صنع أو بئس ما صنع اختلفوا فيه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل لا يقع الطلاق فيهما رجل قال لغيره: طلقت امرأتك فقال أحسنت أو قال أسأت على وجه الإنكار لا يكون إجازة. ولو قال أحسنت يرحمك الله حيث خلصتني منها أو قال في إعتاق العبد أحسنت تقبل الله منك كان إجازة ا هـ. وإنما لم يكن إجازة في نعم ما صنعت لحمله على الاستهزاء به ولا فرق بين التنجيز، والتعليق فلو علقه الفضولي بشرط فأجاز الزوج جاز فلو وجد الشرط قبل الإجازة ثم أجاز لم يقع حتى يوجد الشرط بعد الإجازة كذا في المحيط، وفي القنية لو طلق امرأة غيره فقال زوجها: بئس ما صنعت قال الفقيه أبو بكر هو إجازة ولو قال: نعم ما صنعت لا يكون إجازة وعندي على عكسه وبه أخذ الفقيه أبو الليث: لأنه الظاهر ا هـ.
وفي البزازية من فصل التعليق بالملك وتطليق الفضولي، والإجازة قولا وفعلا كالنكاح ا هـ. فلو حلف لا يطلق فطلق فضولي إن أجاز بالقول حنث وبالفعل لا ثم اعلم أنه إذا جمع بين منكوحته وغيرها في الطلاق بكلمة فقال إحداكما طالق فهل يقع الطلاق على منكوحته فذكر في الخانية: لو جمع بين منكوحته ورجل فقال إحداكما طالق لا يقع الطلاق على امرأته في قول أبي حنيفة وعن أبي يوسف أنه يقع، ولو جمع بين امرأته وأجنبية وقال طلقت إحداكما طلقت امرأته، ولو قال: إحداكما طالق ولم ينو شيئا لا تطلق امرأته، وعن أبي يوسف أنها تطلق ولو جمع بين امرأته وما ليس بمحل للطلاق كالبهيمة، والحجر، وقال إحداكما طالق طلقت امرأته في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا تطلق ولو جمع بين

 

ج / 3 ص -359-       ولو مكرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
امرأته الحية، والميتة وقال إحداكما طالق لا تطلق الحية ا هـ. ولا يخفى أن الرجل ليس بمحل للطلاق وكذا الميتة فينبغي الوقوع كما في البهيمة، والحجر ولذا قالوا لو قال أنا منك طالق لا يقع، وإن نوى معللين بأنه ليس بمحل له لكن قال في المحيط إن إضافة الطلاق إلى الرجل، وإن لم تصح فحكمه يثبت في حقه وهو الحرمة ولذا لو أضاف الزوج الحرمة، والبينونة إلى نفسه صح فصار كالأجنبية ا هـ.
وفيها أيضا إذا جمع بين امرأتين إحداهما صحيحة النكاح، والأخرى فاسدة النكاح فقال إحداكما طالق لا تطلق صحيحة النكاح كما لو جمع بين منكوحة وأجنبية، وقال: إحداكما طالق.
ولو كان له زوجتان اسم كل واحدة منهما زينب إحداهما صحيحة النكاح، والأخرى فاسدة النكاح فقال زينب طالق طلقت صحيحة النكاح، وإن قال عنيت به الأخرى لا يصدق قضاء ا هـ.
وفيها أيضا لو حلف ليطلقن فلانة اليوم ثلاثا وهي أجنبية فيمينه على التطليق باللسان كما لو حلف ليتزوجن فلانة اليوم وهي منكوحة الغير ومدخولته كانت اليمين على النكاح الفاسد ا هـ. فالأجنبية محل له في الأيمان.
قوله: "ولو مكرها" أي ولو كان الزوج مكرها على إنشاء الطلاق لفظا خلافا للأئمة الثلاثة لحديث:
"رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان وما استكرهوا عليه" ولنا ما أخرجه الحاكم وصححه "ثلاث جدهن جد" كما قدمناه وما رووه من باب المقتضى ولا عموم له فلا يجوز تقدير الحكم الشامل لحكم الدنيا، والآخرة بل إما حكم الدنيا وإما حكم الآخرة، والإجماع على أن حكم الآخرة وهو المؤاخذة مراد فلا يراد الآخرة معه وإلا يلزم عمومه.
أطلقه فشمل ما إذا أكره على التوكيل بالطلاق فوكل فطلق الوكيل فإنه يقع.
وفي الخانية رجل أكرهه السلطان ليوكله بطلاق امرأته فقال الزوج مخافة الحبس، والضرب أنت وكيل ولم يزد على ذلك وطلق الوكيل امرأته ثم قال الموكل لم أوكله بطلاق امرأتي قالوا لا يسمع منه ويقع الطلاق لأنه أخرج الكلام جوابا لخطاب الأمر، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال ا هـ.

 

ج / 3 ص -360-       وسكران
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيدنا بالإنشاء لأنه لو أكره على أن يقر بالطلاق فأقر لا يقع كما لو أقر بالطلاق هازلا أو كاذبا كذا في الخانية من الإكراه ومراده بعدم الوقوع في المشبه به عدمه ديانة لما في فتح القدير ولو أقر بالطلاق وهو كاذب وقع في القضاء ا هـ.
وصرح في البزازية بأن له في الديانة إمساكها إذا قال أردت به الخبر عن الماضي كذبا، وإن لم يرد به الخبر عن الماضي أو أراد به الكذب أو الهزل وقع قضاء وديانة واستثنى في القنية من الوقوع قضاء ما إذا شهد قبل ذلك لأن القاضي يتهمه في إرادته الكذب فإذا أشهد قبله زالت التهمة، والإقرار بالعتق كالإقرار بالطلاق.
وقيده البزازي بالمظلوم إذا أشهد عند استحلاف الظالم بالطلاق الثلاث أنه يحلف كاذبا قال يصدق في الحرية، والطلاق جميعا وهذا صحيح ا هـ.
وقيدنا بكونه على النطق لأنه لو أكره على أن يكتب طلاق امرأته فكتب لا تطلق لأن الكتابة أقيمت مقام العبارة باعتبار الحاجة ولا حاجة هنا كذا في الخانية، وفي البزازية أكره على طلاقها فكتب فلانة بنت فلان طالق لم يقع ا هـ.
وفي الخزانة لأبي الليث وجملة ما يصح معه ثمانية عشر شيئا الطلاق، والنكاح، والرجعة، والحلف بطلاق أو عتاق وظهار وإيلاء، والعتق وإيجاب الصدقة، والعفو عن دم عمد وقبول المرأة الطلاق على مال، والإسلام وقبول القاتل الصلح عن دم العمد على مال، والتدبير، والاستيلاء، والرضاع، واليمين، والنذر ا هـ. والمذكور في أكثر الكتب أنها عشرة النكاح، والطلاق، والرجعة، والإيلاء، والفيء، والظهار، والعتاق، والعفو عن القصاص، واليمين، والنذر ولم يذكر في الخزانة الفيء فصارت تسعة عشر ويزاد قبول الوديعة قال في القنية أكره على قبول الوديعة فتلفت في يده فلمستحقها تضمين المودع ا هـ. إن كان بفتح الدال وهو الظاهر فهي عشرون.
والتحقيق أنها ستة عشر لأن الطلاق يشمل المعلق، والمنجز، والطلاق على مال، والعتق كذلك، والنذر يشمل إيجاب الصدقة فالزائد على العشرة الإسلام وقبول الصلح، والتدبير، والاستيلاد، والرضاع وقبول الوديعة وقد أطلق كثير صحة إسلام المكره، وفي الخانية من السير قيده بأن يكون حربيا، وإن كان ذميا لا يكون إسلاما، وفي القنية: أكره على طلاق امرأته ثلاثا فطلق لم يصر فارا فلا ترث منه.
قوله: "وسكران" أي ولو كان الزوج سكران لأن الشارع لما خاطبه في حال سكره بالأمر،

 

ج / 3 ص -361-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدا عليه في الأحكام الفرعية، وقد فسروه هنا بمذهب أبي حنيفة وهو من لا يعرف الرجل من المرأة ولا السماء من الأرض فإن كان معه من العقل ما يقوم به التكليف فهو كالصاحي.
والحاصل أن المعتمد في المذهب أن السكران الذي تصح منه التصرفات من لا عقل له يميز به الرجل من المرأة إلى آخره وبه يبطل قول من ادعى أن الخلاف فيه إنما هو فيه بمعنى عكس الاستحسان، والاستقباح مع تمييزه الرجل من المرأة، والعجب ما صرح به في بعض العبارات من أنه معه من العقل ما يقوم به التكليف ولا شك أن على هذا التقدير لا يتجه لأحد أن يقول لا تصح تصرفاته وما في بعض نسخ القدوري من تقييد وقوع طلاق المكره، والسكران بالنية فليس مذهبا لأصحابنا ولأنه إذا قال نويت به يجب أن يقع بالإجماع، وفي البزازية: قال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه لا يقع طلاق السكران وبه أخذ الشافعي والطحاوي والكرخي ومحمد بن سلام ا هـ. وقد اختاروا قولهما في تفسيره في وجوب الحد وهو الذي أكثر كلامه هذيان واختاروا في نقض طهارته أنه الذي في مشيته خلل وكذا في يمينه أن لا يسكر أطلقه فشمل من سكر مكرها أو مضطرا فطلق. وقد جزم في الخلاصة بالوقوع معللا بأن زوال العقل حصل بفعل هو محظور في الأصل، وإن كان مباحا بعارض الإكراه ولكن السبب الداعي للحظر قائم فأثر قيام السبب في حق الطلاق ا هـ. وصححه الشمني وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير وفتاواه عدم الوقوع وكذا في غاية البيان معزيا إلى التحفة وقال في فتح القدير أنه الأحسن، وفي المحيط أنه حسن لكنه خلاف إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن بعضهم قالوا لا يقع معذورا أو غير معذور ومنهم من قال يقع في الحالين فمن فرق بينهما كان قوله: بخلاف قول الصحابة فيكون باطلا ا هـ.
وشمل أيضا من سكر من الأشربة المتخذة من الحبوب، والعسل وهو قول محمد وقال الإمام: الثاني لا يقع قال في فتح القدير ويفتى بقول محمد لأن السكر من كل شراب محرم ا هـ. وصحح قاضي خان في فتاويه عدم الوقوع، وفي البزازية المختار في زماننا لزوم الحد لأن الفساق يجتمعون عليه وكذا المختار وقوع الطلاق لأن الحد يحتال لدرئه، والطلاق يحتاط فيه فلما وجب ما يحتال لأن يقع ما يحتاط أولى، وقد طالب صدر الإسلام البزدوي نافي الحد بالفرق بينه وبين السكر من المباح كالمثلث فعجزوا ثم قال وجدت نصا عن محمد على لزوم الحد.

 

ج / 3 ص -362-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وشمل أيضا من غاب عقله بأكل الحشيش فطلق وهو المسمى بورق القنب، وقد اتفق على وقوع طلاقه فتوى مشايخ المذهبين الشافعية، والحنفية لفتواهم بحرمته وتأديب باعته حتى قالوا من قال بحله فهو زنديق كذا في المبتغى بالمعجمة وتبعه المحقق ابن الهمام في فتح القدير وممن صرح بحرمة الحشيش، والبنج، والأفيون الحدادي في الجوهرة في آخر الأشربة وصرح بتعزير آكله.
وشمل أيضا من غاب عقله بالبنج، والأفيون فإنه يقع طلاقه إذا استعمله للهو وإدخال الآفات قصدا لكونه معصية. وإن كان للتداوي فلا لعدمها وعن هذا قلنا إذا شرب الخمر فتصدع فزال عقله بالصداع فطلق لا يقع لأن زوال العقل مضاف إلى الصداع لا إلى الشراب كذا في فتح القدير وهو صريح في حرمة البنج الأفيون لا للدواء.
وفي البزازية: والتعليل ينادي بحرمته لا للتداوي ا هـ. وفي الخانية من كتاب الخلع سائر تصرفات السكران جائزة إلا الردة، والإقرار بالحدود، والإشهاد على شهادة نفسه ومن كتاب السير هذا إذا كان لا يعرف الأرض من السماء أما إذا كان يعرف فكفره صحيح، وفي باب حد الشرب أن تصرفات السكران من المتخذة من الحبوب، والفواكه الصحيح أنها لا تنفذ كما لا تنفذ من الذي زال عقله بالبنج.
وفي الينابيع من الأيمان سكران وهب لزوجته درهما فقالت له: إنك تسترده مني إذا صحوت فقال إن استردتيه فأنت طالق ثم أخذه للحال وهو سكران لا يقع لأن كلامه خرج جوابا لها، وفي المجتبى: سكر الوكيل فطلق لا يقع لأن ضرره يرجع إلى الموكل ولم يجز ا هـ. وهو ضعيف، والصحيح كما في الظهيرية من الأشربة، والخانية من الطلاق الوقوع بخلاف ما إذا جن الوكيل فطلق، وفي القنية سكران قرع الباب فلم يفتح له فقال إن لم تفتحي الباب الليلة فأنت طالق فلم يكن في الدار أحد فمضت الليلة ولم تفتح لا تطلق ا هـ.
وفي المحيط سكران قال لآخر وهبت داري هذه منك ثم قال إن لم أقل من قلبي فامرأته طالق ثم أفاق ولم يذكر من هذا شيئا لا تطلق امرأته لأنه في تلك الساعة في غاية النشاط فالظاهر أنه كان يقول من قلبه ا هـ. وفي البزازية وكله بالطلاق فطلقها في حال السكر إن كان التوكيل على طلاق بمال لا يقع ولو كان التوكيل في حال الصحو، والإيقاع في حال السكر لا يقع، وإن كانا في حال السكر يقع إذا كان بلا مال ولو كان بمال لا يقع مطلقا لأن الرأي لا بد منه لتقدير البدل ا هـ. وهو تفصيل حسن.

 

ج / 3 ص -363-       وأخرس بإشارته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأخرس بإشارته" أي ولو كان الزوج أخرس فإن الطلاق يقع بإشارته لأنها صارت مفهومة فكانت كالعبارة في الدلالة استحسانا فيصح بها نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه سواء قدر على الكتابة أو لا وقال بعض المشايخ إن كان يحسن الكتابة لا يقع طلاقه بالإشارة لاندفاع الضرورة بما هو أدل على المراد من الإشارة قال في فتح القدير: وهو قول حسن.
ولا يخفى أن المراد بالإشارة التي يقع بها طلاقه الإشارة المقرونة بتصويت منه لأن العادة منه ذلك فكانت الإشارة بيانا لما أجمله الأخرس ا هـ. وإنما ذكر إشارته دون كتابته لما أنها لا تختص به لأن غير الأخرس يقع طلاقه بكتابته إذا كان مستبينا لا ما لا يستبين فإن كان على وجه الرسم لا يحتاج إلى النية ولا يصدق في القضاء أنه عنى تجربة الخط ورسمها أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق فإن كان معلقا بالإتيان إليها لا يقع إلا به، وإن لم يكن معلقا وقع عقيب الكتابة، وإن علقه بالمجيء إليها فوصل إلى أبيها مزقه ولم يدفعه إليها فإن كان متصرفا في أمورها وقع وإلا لا، وإن أخبرها ما لم يدفع إليها الكتاب الممزق ولو كتب إليها إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ثم نسخه في كتاب آخر أو غيره فبلغا إليها تطلق تطليقتين ولا يدين في القضاء ولو كتب إلى امرأته كل امرأة لي غيرك وغير فلانة فهي طالق ثم محى اسم الأخيرة ثم بعث بالكتاب لا تطلق وهذه حيلة عجيبة كذا في المحيط وذكر فيه مسألة ما إذا كتب مع الطلاق غيره من الحوائج ثم محى منه شيئا.
وحاصله أن الحوائج إن كتبها في أوله، والطلاق في آخره فإن محى الحوائج فقط فوصل إليها لا تطلق، وإن محى الطلاق فقط طلقت، وإن كتب الطلاق أولا، والحوائج آخرا انعكس الحكم ولو كتب الطلاق في وسطه وكتب الحوائج قبله وبعده فإن محى الطلاق وترك ما قبله طلقت، وإن محى ما قبله أو أكثر لا تطلق ولو جحده فبرهنت عنه كتبه بيده وقع قضاء كما في البزازية، وإن كان لا على وجه الرسم نحو أن يكتب إن جاء كتابي هذا فأنت طالق فهذا ينوي ويبين الأخرس نيته بكتابته.
وقيد صاحب الينابيع الأخرس بكونه ولد أخرس أو طرأ عليه ودام، وإن لم يدم لا يقع طلاقه وقدر التمرتاشي الامتداد هنا بسنة وذكر الحاكم أبو محمد رواية عن أبي حنيفة فقال إن دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز إقراره بالإشارة ويجوز الإشهاد عليه لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله فكان كالأخرس قال الشارح: في آخر الكتاب قالوا وعليه الفتوى ا هـ. فعلى هذا إذا طلق من اعتقل لسانه توقف فإن دام به إلى الموت نفذ، وإن زال بطل.

 

ج / 3 ص -364-       أو حرا أو عبدا لا طلاق الصبي، والمجنون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أو حرا أو عبدا" للعمومات ولحديث ابن ماجه، والدارقطني "الطلاق لمن أخذ بالساق".
قوله: "لا طلاق الصبي، والمجنون "تصريح بما فهم سابقا للحديث
"كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي، والمجنون"، والمراد بالجواز النفاذ كذا في فتح القدير، والأولى أن يراد به الصحة ليدخل تحته طلاق الفضولي فإنه صحيح غير نافذ أطلق الصبي فشمل العاقل ولو مراهقا لفقد أهلية التصرف خصوصا ما هو دائر بين النفع، والضرر ونقل عن ابن المسيب وابن عمر رضي الله عنهم صحته منه ومثله عن ابن حنبل قال في فتح القدير والله أعلم بصحة هذه النقول وإنما صح إسلامه لأنه حسن لذاته لا يقبل السقوط ونفع له ولو طلق الصبي ثم بلغ فقال أجزت ذلك الطلاق لا يقع ولو قال أوقعته وقع لأنه ابتداء إيقاع كذا في الخانية، وفي البزازية: لو طلق رجل امرأة الصبي فلما بلغ الصبي قال أوقعت الطلاق الذي أوقعه فلان يقع ولو قال أجزت ذلك لا يقع وقال قبله طلق النائم فلما انتبه قال لها طلقتك في النوم لا يقع وكذا لو قال أجزت ذلك الطلاق ولو قال أوقعت ذلك الطلاق يقع ولو قال أوقعت الذي تلفظت به لا يقع وكذا الصبي.
والفرق أن قوله أوقعت ذلك يجوز أن يكون إشارة إلى الجنس و قوله: الذي تلفظت إشارة إلى الشخص الذي حكم ببطلانه فأشبه ما إذا قال لها: أنت طالق ألفا ثم قال ثلاثا عليك، والباقي على ضراتها لأن الزائد على الثلاث غير عامل ا هـ.
وأراد بالمجنون من في عقله اختلال فيدخل المعتوه وأحسن الأقوال في الفرق بينهما أن المعتوه هو القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون ويدخل المبرسم، والمغمى عليه، والمدهوش. و
في الصحاح البرسام داء معروف، وفي بعض كتب الطب أنه ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد، والمعاثم يتصل بالدماغ وهو معرب وبرسم الرجل بالبناء للمفعول يقال برسام وبلسام وهو مبرسم ومبلسم ا هـ.

 

ج / 3 ص -365-       والنائم، والسيد على امرأة عبده، واعتباره بالنساء فطلاق الحرة ثلاث، والأمة ثنتان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الخانية: رجل عرف أنه كان مجنونا فقالت له امرأته طلقتني البارحة، فقال أصابني الجنون ولا يعرف ذلك إلا بقوله كان القول قوله: ثم قال رجل طلق امرأته وهو صاحب برسم فلما صح قال قد طلقت امرأتي ثم قال إني كنت أظن أن الطلاق في تلك الحالة لا يقع كان واقعا.
قال مشايخنا رحمهم الله تعالى: حينما أقر بالطلاق إن رده إلى حالة البرسام بأن قال قد طلقت امرأتي حالة البرسام فالطلاق غير واقع، وإن لم يرده إلى حالة البرسام فهو مأخوذ بذلك قضاء، وقال الفقيه أبو الليث: هذا إذا لم يكن إقراره بذلك في حالة مذاكرة الطلاق ا هـ. وفيه أيضا لو قال لامرأته طلقي نفسك إذا شئت ثم جن الرجل جنونا مطبقا ثم طلقت المرأة نفسها قال محمد كل شيء يملك الزوج أن يرجع عن كلامه يبطل بالجنون، وكل شيء لم يملك أن يرجع عن كلامه لا يبطل بالجنون، وفيها أيضا لو جن الموكل بطلت وكالته إن جن زمانا طويلا، وإن كان ساعة لا تبطل ولم يوقت أبو حنيفة فيه شيئا. ا هـ.
قوله: "والنائم" أي لا يقع طلاق النائم فلو قال لها بعدما استيقظ طلقتك في النوم أو أجزت ذلك الطلاق أو أوقعت ما تلفظت به حالة النوم لا يقع ولو قال أوقعت ذلك الطلاق أو جعلته طلاقا وقع، وفيه من البحث ما قدمناه في طلاق الصبي.
قوله: "والسيد على امرأة عبده "أي لا يقع لما روينا، وفي الخانية: من فصل النكاح على الشرط المولى إذا زوج أمته من عبده إن بدأ العبد فقال زوجني أمتك هذه على أن أمرها بيدك تطلقها كلما شئت فزوجها منه يجوز النكاح ولا يكون الأمر بيد المولى ولو ابتدأ المولى فقال زوجتك أمتي على أن أمرها بيدي أطلقها كلما أريد فقال العبد قبلت جاز النكاح ويكون الأمر بيد المولى ا هـ والله أعلم.
فإن قلت ما الحيلة في صيرورة الأمر بيده من غير توقف على قبول العبد فإن في هذه الصورة قد تم النكاح بقول المولى زوجتك أمتي فيمكن العبد أن لا يقبل فلا يصير الأمر بيد المولى قلت يمتنع المولى من تزويجه حتى يقول العبد قبل التزويج إذا تزوجتها فأمرها بيدك أبدا ثم يزوجها المولى له فيكون الأمر بيد المولى ولا يمكنه إخراجه أبدا، والفرع مذكور في الخانية أيضا في ذلك الفصل.
قوله: "واعتباره بالنساء "أي اعتبار عدده بالمرأة فطلاق الأمة ثنتان حرا كان زوجها أو عبدا وطلاق الحرة ثلاثة حرا كان زوجها أو عبدا لحديث أبي

 

ج / 3 ص -366-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الواجب إلا فيما يتعارف هدية وهو المهيأ للأكل؛ لأنه متناقض عرفا وفسر الإمام الولوالجي المهيأ للأكل بما لا يبقى ويفسد فخرج نحو التمر والدقيق والعسل فإن القول فيه قوله ا هـ.
ودخل تحت غير المهيأ للأكل الثياب مطلقا فالقول فيها قوله.
وقال الفقيه أبو الليث المختار أن ما كان من متاع سوى ما يجب عليه فالقول له وإلا فلها كالدرع والخمار ومتاع البيت؛ لأن الظاهر يكذبه والخف والملاءة لا تجب عليه؛ لأنه ليس عليه أن يهيئ لها أمر خروجها كذا في غاية البيان.
وفي فتح القدير ثم كون الظاهر يكذبه في نحو الدرع والخمار إنما ينفي احتسابه من المهر لا من شيء آخر كالكسوة. ا هـ.
وهذا البحث موافق لما في الجامع الصغير فإنه قال إلا في الطعام الذي يؤكل فإنه أعم من المهيأ للأكل وغيره وفيه أيضا والذي يجب اعتباره في ديارنا جميع ما ذكر من الحنطة واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية وباقيها يكون القول فيها قول المرأة؛ لأن المتعارف في ذلك كله أن يرسله هدية. والظاهر مع المرأة لا معه ولا يكون القول له إلا في نحو الثياب والجارية، وهذا كله إذا لم يذكر وقت الدفع جهة أخرى غير المهر فإن ذكر وقال اصرفوا بعض الدنانير إلى الشمع وبعضها إلى الحناء لا يقبل قوله بعد ذلك أنه من المهر كما في القنية.
وأشار المصنف إلى أنه لو بعث إليها ثوبا وقال هو من المكسوة وقالت هدية فإن القول قوله والبينة بينتها كذا في الخلاصة من كتاب الدعوى، وهذا يدل على أن البينة بينتها في مسألة الكتاب أيضا لعدم الفرق بينهما وأراد بكون القول قوله في المختصر أن يحلف فإن حلف إن كان المتاع قائما كان للمرأة أن ترد المتاع؛ لأنها لم ترض بكونه مهرا وترجع على الزوج بما بقي من المهر وإن كان المتاع هالكا إن كان شيئا مثليا ردت على الزوج مثل ذلك وإن لم يكن مثليا لا ترجع على الزوج بما بقي من المهر كذا في الخانية وهذا إذا لم يكن من جنس المهر فإن كان من جنسه وقع قصاصا كما لا يخفى وصرح في معراج الدراية أن فيما كان القول فيه قولها وهو المهيأ للأكل فإنه مع يمينها وإن كان العرف شاهدا لها.
وأشار المصنف إلى أن الزوج لو بعث إليها هدايا وعوضته المرأة ثم زفت إليه ثم فارقها وقال بعثتها إليك عارية وأراد أن يسترده وأرادت هي أن تسترد العوض فالقول قوله في الحكم؛ لأنه أنكر التمليك وإذا استرده تسترد هي ما عوضته كذا في الفتاوى السمرقندية وفي فتح القدير ولو بعث هو وبعث أبوها له أيضا، ثم قال هو من المهر فللأب أن يرجع في

باب الطلاق
الصريح كأنت طالق ومطلقة وطلقتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باب الطلاق
أي ألفاظه، وفي فتح القدير ما تقدم كان ذكر الطلاق نفسه وأقسامه الأولية السني، والبدعي وإعطاء لبعض الأحكام تلك الكليات وهذا الباب لبيان أحكام جزئيات تلك الكليات فإن المورد فيه خصوص ألفاظ كأنت طالق ومطلقة وطلاق لإعطاء أحكامها هكذا أو مضافة إلى بعض المرأة وإعطاء حكم الكلي وتصويره قبل الجزئي فنزل منزلة تفصيل يعقب إجمالا فظهر أن المراد به بيان أحكام ما به الإيقاع، والوقوع لا أنه أراد المعنى المصدري الذي لا تحقق له خارجا ا هـ.
قوله: "الصريح كأنت طالق ومطلقة وطلقتك "بتشديد اللام من مطلقة أما بتخفيفها فملحق بالكناية كما قدمناه وإنما كانت هذه الثلاثة صرائح لأنها استعملت فيه دون غيره فإن

 

 

ج / 3 ص -367-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصريح في أصول الفقه ما غلب استعماله في معنى بحيث يتبادر حقيقة أو مجازا فإن لم يستعمل في غيره فأولى بالصراحة.
وهو في اللغة أما من صرح خلص من تعلقات الغير وزنا ومعنى فهو صريح وكل خالص صريح ومنه قول صريح وهو الذي لا يحتاج إلى إضمار وتأويل كذا في المصباح أو من صرحه أظهره.
وفي الفقه هنا ما استعمل في الطلاق دون غيره كما في الوقاية. وقد وقع في الهداية تدافع فإنه علل كونها صرائح بالاستعمال في معنى الطلاق دون غيره وكونها لا تفتقر إلى النية بأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال فإن الموصوف بالغلبة هنا هو ما وصفه بعدم الاستعمال في الطلاق لا في غيره، والغلبة في مفهومها الاستعمال في الغير قليلا للتقابل بين الغلبة، والاختصاص كذا في فتح القدير ولو حمل العبارة الأولى على الغالب لاندفع.
وفي التتمة إذا قال: طلقتك آخر الثلاث تطليقات فثلاث ولو قال: أنت طالق آخر ثلاث تطليقات فواحدة، والفرق دقيق حسن ولو قال أنت طالق تمام ثلاث أو ثالث ثلاثة فهي ثلاثة ا هـ.
وفيها أيضا لو قال: أنت طالق واحدة تكون ثلاثا أو تصير ثلاثا أو تعود ثلاثا أو تتم ثلاثا فهي ثلاث ا هـ.
وأفاد بالكاف عدم حصر الصريح في الثلاثة فإنه سيذكر أن منه المصدر كأنت الطلاق ومنه ما في الخانية شئت طلاقك ورضيت طلاقك وأوقعت عليك طلاقك وخذي طلاقك ووهبت لك طلاقك ولو قال أردت طلاقك لا يقع ا هـ.
ومنه أودعتك طلاقك رهنتك طلاقك على الأصح لأن الإيداع، والرهن لا يكونان إلا للموجود وأعرتك طلاقك صار الأمر بيدها كذا في الصيرفية ومنه أنت أطلق من فلانة كما في الخانية لو قالت لزوجها قد طلق فلان زوجته فطلقني فقال الزوج فأنت أطلق منها فهي طالق وكذا لو قال أنت أطلق من فلانة ا هـ. وذكر الولوالجي أنه من الكنايات وجعله في الخلاصة من الكنايات إلا أن يكون جوابا لسؤالها الطلاق كما إذا قالت فلان طلق امرأته فطلقني فقال أنت أطلق منها أو أبين منها طلقت ولا يدين ا هـ. وهو الظاهر.

 

ج / 3 ص -368-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه يا طالق أو يا مطلقة بالتشديد ولو قال أردت الشتم لا يصدق قضاء ويدين كذا في الخلاصة ولو كان لها زوج طلقها قبل فقال أردت ذلك الطلاق صدق ديانة باتفاق الروايات وقضاء في رواية أبي سليمان وهو حسن كما في فتح القدير وهو الصحيح كما في الخانية ولو لم يكن لها زوج لا يصدق وكذا لو كان لها زوج قد مات ولو قال قولي أنا طالق لا تطلق حتى تقولها، وفي فتح القدير لو قال لها خذي طلاقك فقالت أخذت اختلف في اشتراط النية وصحح الوقوع بلا اشتراطها ا هـ. وظاهره أنه لا يقع حتى تقول المرأة أخذت ويكون تفويضا وظاهر ما قدمناه عن الخانية خلافه.
وفي البزازية معزيا إلى فتاوى صدر الإسلام والقاضي لا يحتاج إلى قولها أخذت ويقع بالتهجي كانت ط ل ق وكذا لو قيل له: طلقتها فقال ن ع م أو بلى بالهجاء، وإن لم يتكلم به أطلقه في الخانية ولم يشترط النية وشرطها في البدائع ومنه طلقك الله كأعتقك الله فلا يتوقفان على نية كما في الواقعات وأوقفها عليها في العيون وهو الحق كما في فتح القدير وليس منه أطلقك بصيغة المضارع إلا إذا غلب استعماله في الحال كما في فتح القدير.
وفي الصيرفية سئل الفقيه أبو الليث عمن قال لجماعة: كل من كان له امرأة مطلقة فليصفق بيديه فصفقوا طلقن وقيل لا، وفيها قالت له طلقني فقال أطلقك وقع عند مشايخ سمرقند.
ومنه الألفاظ المصحفة وهي خمسة: تلاق وتلاغ وطلاغ وطلاك وتلاك فيقع قضاء ولا يصدق إلا إذا أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا أطلق فأقول: هذا ولا فرق بين العالم، والجاهل وعليه الفتوى ومنه ثلاث تطليقات عليك طلقت ثلاثا وكذا لو قال لعبده: العتاق عليك يعتق ولو قال لرجل عليك هذا العبد بألف فقال قبلت يكون بيعا كما في الخانية، وفي فتح القدير لو قال عليك الطلاق أو لك اعتبرت النية وليس منه لله علي طلاق امرأتي فلا يلزمه شيء كما في الأصل.
واختلفوا فيما لو قال طلاقك علي واجب أو لازم أو ثابت أو فرض قيل يقع في الكل بلا نية وقيل لا، وإن نوى وقيل نعم بالنية وصحح الصدر الشهيد في شرح المختصر عدمه في

 

ج / 3 ص -369-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكل عند الإمام وصحح في الواقعات الوقوع في الكل وفرق الفقيه أبو جعفر فأوقع في واجب ونفى في غيره كذا في الخانية، وفي فتاوى الخاصي المختار الوقوع في الطلاق في الكل لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه وحكمه لا يجب ولا يثبت إلا بعد الوقوع وفرق بينه وبين العتاق، وفي فتح القدير. وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه، وفيما بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع وإلا لا فإنه يقال هذا الأمر علي واجب بمعنى ينبغي أن أفعله لا إني فعلته فكأنه قال ينبغي أن أطلقك ا هـ.
والمعتمد عدم الوقوع في الكل لأنه المذكور في الأصل، وفي البزازية، والمختار عدم الوقوع، وفي فتح القدير، وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع فوجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله: إن فعلت كذا فأنت طالق وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل.
فإن قلت الكتابة من الصريح أو من الكناية؟
قلت إن كانت على وجه الرسم معنونة فهي صريح وإلا فكناية، وإن كتب على الهواء أو الماء فليس صريحا ولا كناية وكذا لا يقع بالنية وقدمناه، وفي البزازية: من فصل الاختيار قال للكاتب اكتب إني إذا خرجت من المصر بلا إذنها فهي طالق واحدة فلم تتفق الكتابة وتحقق الشرط وقع وأصله أن الأمر بكتابة الإقرار إقرار كتب أم لا ا هـ.
ومنه كوني طالقا أو أطلقي كما في الخانية ومثله قوله: لأمته كوني حرة تعتق كما في فتح القدير ومنه أخبرها بطلاقها بشرها بطلاقها احمل إليها طلاقها أخبرها أنها طالق قل لها إنها طالق فتطلق للحال ولا يتوقف على وصول الخبر إليها ولا على قول المأمور ذلك ولو قال قل لها أنت طالق لا يقع ما لم يقل لها المأمور ذلك ولو قال اكتب لها طلاقها فينبغي أن يقع الطلاق للحال كما لو قال احمل إليها طلاقها أو اكتب إلى امرأتي أنها طالق كذا في الخانية وليس منه نساء العالم أو الدنيا طوالق فلا تطلق امرأته بخلاف نساء هذه البلدة أو هذه القرية طوالق، وفيها امرأته طلقت. وعن أبي يوسف لو قال نساء بغداد طوالق، وفيها امرأته لا تطلق، وقال محمد تطلق كذا في الخانية وجزم بالوقوع في البزازية في نساء المحلة، والدار، والبيت وجعل الخلاف إنما هو في نساء القرية ومنه أنت طالق في قول الفقهاء أو القضاة أو المسلمين أو القرآن أو قول فلان القاضي أو المفتي فتطلق قضاء ولا تطلق ديانة إلا بالنية كما في الخانية.

 

ج / 3 ص -370-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه أنت منى ثلاثا. وإن لم ينو كما في الخانية وليس منه أحسبها مطلقة كما في الخانية.
وقيد بخطابها لأنه لو قال حلفت بالطلاق ولم يضف إليها لا يقع كما في البزازية من الأيمان وعبارتها قال لها: لا تخرجي من الدار إلا بإذني فإني حلفت بالطلاق فخرجت لا يقع لعدم ذكر حلفه بطلاقها ويحتمل الحلف بطلاق غيرها فالقول له ا هـ. وذكر اسمها أو إضافتها إليه كخطابه كما بينا فلو قال طالق فقيل له من عنيت فقال امرأتي طلقت امرأته ولو قال امرأة طالق أو قال طلقت امرأة ثلاثا وقال لم أعن به امرأتي يصدق، ولو قال عمرة طالق، وامرأته عمرة، وقال لم أعن به امرأتي طلقت امرأته ولا يصدق قضاء وكذا لو قال بنت فلان طالق ذكر اسم الأب ولم يذكر اسم المرأة وامرأته بنت فلان وقال لم أعن امرأتي لا يصدق قضاء وتطلق امرأته وكذا لو لم ينسبها إلى أبيها وإنما نسبها إلى أمها أو ولدها تطلق كذا في الخانية.
زاد في فتح القدير أو نسبها إلى أختها. وفي موضع آخر منها رجل قال امرأته عمرة بنت صبيح طالق وامرأته عمرة بنت حفص ولا نية له لا تطلق امرأته، وإن كان صبيح زوج أم امرأته وكانت تنسب إليه وهي في حجره فقال ذلك وهو يعلم نسب امرأته أو لا يعلم طلقت امرأته ولا يصدق قضاء، وفيما بينه وبين الله تعالى لا يقع إن كان يعرف نسبها، وإن كان لا يعرف يقع ديانة، وإن نوى امرأته في هذه الوجوه طلقت قضاء وديانة ولو قال امرأته الحبشية طالق وامرأته ليست بحبشية لا يقع، ولو كان له امرأة بصيرة فقال امرأته هذه العمياء طالق وأشار إلى البصيرة تطلق البصيرة ولا تعتبر التسمية ولا الصفة مع الإشارة ا هـ.
وفي المحيط الأصل أنه متى وجدت النسبة وغير اسمها بغيره لا يقع لأن التعريف لا يحصل بالتسمية متى بدل اسمها لأن بذلك الاسم تكون امرأة أجنبية ولو بدل اسمها وأشار إليها يقع ثم قال ولو قال امرأتي بنت صبيح أو بنت فلان التي في وجهها خال طالق ولم يكن لها خال وكذا التي هي عمياء أو زمنى وهي بصيرة صحيحة طالق طلقت وذكر العمى، والزمن باطل لأنه عرف امرأته بالنسبة ووصفها بصفة فصح التعريف ولغت الصفة ولو قال امرأتي عمرة أم ولدي هذه الجالسة طالق ولا نية له، والجالسة غيرها وليست بامرأته لم تطلق لأنه سماها وأشار، والعبرة للإشارة لا للتسمية ا هـ.

 

ج / 3 ص -371-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه في موضع آخر رجل له أربع نسوة فقال أنت ثم أنت ثم أنت ثم أنت طالق طلقت الرابعة لا غير لأنه ما أوصل الإيقاع إلا بالرابعة لأن كلمة ثم تقطع الوصل ا هـ. وهو يفيد أنه لو كان بالواو وقع على الكل لأنها للوصل والجمع.
وصرح في الظهيرية بأن الواو كذلك وعبارتها ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة تقع واحدة ولو قال أنت طالق وأنت يقع ثنتان، وفي الفتاوى واحدة ولو قال: وأنت لامرأة أخرى يقع عليها ولو قال أنت طالق وأنتما للأولى، والثانية يقع على الأولى ثنتان وعلى الثانية واحدة، ولو قال أنت طالق أو لا بل أنت يقع واحدة ولو قال ثانيا أنت للأخرى لا يقع بدون النية فأما وأنت تقع واحدة كقوله هذه طالق وهذه يقع عليها ولو قال هذه وهذه طالق طلقتا، ولو قال: هذه هذه طالق لم تطلق الأولى إلا أن يقول طالقان، ولو قال: هذه طالق هذه لم يقع على الأخرى بدون النية ولو قال لهن أنت ثم أنت ثم أنت طالق طلقت الأخيرة وكذا بحرف الواو ولو قال طوالق طلقن ولو قدم الطلاق طلقن ولو قال هذه طالق معك لم يقع على المخاطبة إلا بالنية ا هـ. وسيأتي ما إذا نادى امرأته فأجابه غيرها، وفي وضع آخر منها لو قال امرأته طالق ولم يسم وله امرأة معروفة طلقت استحسانا ولو قال لي امرأة أخرى وإياها عنيت لا يقبل قوله: إلا أن يقيم البينة ولو قال امرأته طالق وله امرأتان كلتاهما معروفة كان له أن يصرف الطلاق إلى أيتهما شاء.
وفي البزازية من الأيمان إن فعلت كذا فامرأته طالق وله امرأتان أو أكثر طلقت واحدة، والبيان إليه. وإن طلق إحداهما بائنا أو رجعيا ومضت عدتها ثم وجد الشرط تعينت الأخرى للطلاق، وإن كان لم تنقض العدة فالبيان إليه ا هـ.
وفي الخانية ولو قال لامرأتي: علي ألف درهم وله امرأة معروفة فقال لي امرأة أخرى، والدين لها كان القول قوله، ولو قال: امرأتي طالق ولها علي ألف درهم فالطلاق، والدين للمعروفة ولا يصدق في الصرف إلى غيرها وكذا لو بدأ بالمال فقال لامرأتي علي ألف درهم وهي طالق ولو قال امرأتي طالق ثم قال لامرأتي علي ألف درهم ثم قال لي امرأة أخرى وإياها عنيت صدق في المال ولا يصدق في الطلاق، ولو كان له امرأتان لم يدخل بهما فقال امرأتي طالق امرأتي طالق ثانيا فإن قال أردت واحدة منهما لا يقبل وكذا لو قال امرأتي طالق وامرأتي طالق ثانيا وكذلك العتق ولو كان دخل بهما فقال امرأتي طالق امرأتي طالق كان له أن يوقع الطلاقين على إحداهما ا هـ.
وفي المحيط لو قال فلانة طالق ولم يسم باسمها إن نوى امرأته يقع وإلا فلا لأن فلانة

 

ج / 3 ص -372-       وتقع واحدة رجعية، وإن نوى الأكثر أو الإبانة أو لم ينو شيئا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم مشترك يتناول امرأته، والأجنبية وأطلق اللام في طالق فشمل ما إذا فتحها فإنه يقع لأنه مما يجري على لسان الناس خصوصا في الغضب، والخصومة فلو كان تركيا وقال أردت به الطحال، وفي التركية: يقال للطحال طالق لا يصدق قضاء كذا في الخانية. ولو حذف القاف من طالق فقال أنت طال فإن كسر اللام وقع بلا نية وإلا فإن كان في مذاكرة الطلاق، والغضب فكذلك وإلا توقف على النية كذا في الخانية، وفي الجوهرة لو قال: أنت طال لم يقع إلا بالنية إلا في حال مذاكرة الطلاق أو الغضب ولو قال يا طال بكسر اللام وقع الطلاق، وإن لم ينو ا هـ. وهذا هو الظاهر، وإن حذف اللام فقط فقال أنت طاق لا يقع، وإن نوى ولو حذف اللام، والقاف بأن قال أنت طا وسكت أو أخذ إنسان فمه لا يقع، وإن نوى لأن العادة ما جرت بحذف حرفين من آخر الكلام.
وأطلق في طالق ومطلقة فشمل ما إذا سماها به فإنه يقع بخلاف ما إذا سماه حر أو ناداه، والفرق أن الحر اسم صالح فصحت التسمية به وهو اسم لبعض الناس وأما المطلقة، والطالق فليس اسما صالحا فلا تصح التسمية كذا ذكر المحبوبي في التلقيح وهو ضعيف، والمعتمد ما في الخانية من عدم الفرق واعتمده في فتح القدير وروي فيه أثرا عن عمر رضي الله تعالى عنه.
وفي المحيط لو قالت المرأة أنا طالق فقال الزوج نعم كانت طالقا إن نوى به طلاقا مستقبلا، وإن نوى به الخبر عما مضى وقع، وفي البزازية قالت له أنا طالق فقال نعم طلقت ولو قالت طلقني فقال نعم لا، وإن نوى ا هـ. ولو قال لآخر هل: امرأتك إلا طالق فقال الزوج لا: تطلق ولو قال نعم لا تطلق لأن في الأول صار قائلا ليس امرأتي إلا طالق، وفي الثاني صار قائلا نعم امرأتي غير طالق ا هـ. وكذا في الخانية ولو قيل له ألست طلقتها فقال بلى طلقت ولو قال نعم لا تطلق والذي ينبغي عدم الفرق فإن أهل العرف لا يفرقون بل يفهمون منهما إيجاب المنفي كذا في فتح القدير.
قوله: "وتقع واحدة رجعية، وإن نوى الأكثر أو الإبانة أو لم ينو شيئا" بيان لأحكام الصريح

 

ج / 3 ص -373-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي ثلاثة الأول وقوع الرجعي به ولا تصح نية الإبانة لقوله تعالى
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] بعد صريح طلاقه المفاد بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] فعلم أن الصريح يستعقبها للإجماع على أن المراد بالبعولة في الآية المطلقون صريحا حقيقة كان أو مجازا غير متوقف على إثبات كون المطلق طلاقا رجعيا بعلا حقيقة ويدل عليه أيضا قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فإنه أعقبه الرجعة التي هي المراد بالإمساك، وفي الصيرفية: لو قال لها أنت طالق ولا رجعة لي عليك فرجعية ولو قال على أن لا رجعة لي عليك فبائن ا هـ.
أطلق وقوع الرجعي به لأن الطلاق عند تسمية مال أو في مقابلة إبراء أو عند وصفه بما ينبئ عن الشدة أو عند تقدم طلاق بائن ليس منه فلا حاجة إلى الاحتراز عنه بشيء، وإن كان من الصريح فالمراد عند عدم العارض، وفي هذه المواضع البينونة للعارض واختار الأول في فتح القدير واختار الثاني في البدائع مقتصرا عليه.
فقال: الصريح نوعان صريح رجعي وصريح بائن فالصريح الرجعي أن يكون الطلاق بعد الدخول حقيقة ليس مقرونا بعوض ولا بعدد الثلاث لا نصا ولا إشارة ولا موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف ولا مشبه بعدد أو صفة تدل عليها.
وأما الصريح البائن فبخلافه وهو أن يكون بحروف الإبانة أو بحروف الطلاق لكن قبل الدخول حقيقة أو بعده لكن مقرونا بعدد الثلاث نصا أو إشارة أو موصوفا بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف أو مشبها بعدد أو صفة تدل عليها ا هـ. وهو الظاهر لأن حد الصريح يشمل الكل وأما عدم صحة نية الإبانة فلأنه نوى تغيير الشرع لأن الشرع أثبت البينونة بهذا اللفظ مؤجلا إلى ما بعد انقضاء العدة فإذا نوى إثباتها للحال معجلا فقد نوى تغيير الشرع وليس له هذه الولاية فبطلت نيته.
الثاني: وقوع الواحدة به ولا تصح نية الأكثر ثنتين أو ثلاثا وقال الأئمة الثلاثة: يقع ما نوى وهو قول الإمام الأول لأنه نوى محتمل لفظه لأن ذكر الطلاق ذكر للطلاق المصدر لأن الوصف كالفعل جزء مفهومه المصدر وهو يحتمله اتفاقا ولذا صح قران العدد به تفسيرا حتى ينصب على التمييز.
وحاصل التمييز ليس إلا تعيين أحد محتملات اللفظ ولذا صحت نية الثلاث في قوله أنت بائن وهو كناية ففي الصريح الأقوى أولى ولنا أن الشارع نقله من الإخبار إلى إنشاء الواحدة إذ لا يفهم من أنت طالق قط لازم الإخبار وهو احتمال الصدق، والكذب فجعله موقعا به ما شاء

 

ج / 3 ص -374-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استعمالا في غير المنقول إليه وملاحظة ما يصح أن يراد بالمصدر إنما يتفرع عن إرادة الاستعمال اللغوي ونقله إلى الإنشاء يباينه لأنه جعل اللفظ علة لدخول المعنى الخاص في الوجود المخالف لمقتضاه لغة على أن المصدر الذي يدل عليه اللفظ هو الانطلاق الذي هو وصفها وذلك لا يتعدد أصلا وبهذا يظهر عدم صحة إرادة الثلاث في مطلقة وطلقتك لأنه صار إنشاء في الواحدة غير ملاحظ فيه معنى اللغة وعلى هذا فالعدد نحو ثلاثا لا يكون صفة لمصدر الوصف بل لمصدر غيره أي طلاقا أي تطليقا ثلاثا كما ينصب في الفعل مصدر غيره مثل:
{أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً} أو يضمر له فعل على الخلاف فيه بخلاف طلقتها وطلقي نفسك. لأن المصدر المحتمل للكل مذكور لغة فصح إرادته منه لأنه لا نقل فيه إلى إيقاع واحدة، وفيه أبحاث مذكورة في فتح القدير وإنما صحت نية الثلاث في الكنايات لأنها عاملة بحقائقها وهي متنوعة إلى غليظة وخفيفة فعند عدم النية يثبت الأخف للتيقن به قيد بالنية لأنه لو طلقها بعد الدخول واحدة ثم قال جعلت تلك التطليقة بائنة أو جعلتها ثلاثا اختلفت الروايات، والصحيح أن على قول أبي حنيفة تصير بائنا وثلاثا وعلى قول محمد لا تصير بائنا ولا ثلاثا وعلى قول أبي يوسف يصح جعلها بائنا ولا يصح جعلها ثلاثا.
ولو طلق امرأته بعد الدخول واحدة ثم قال بعد العدة ألزمت امرأتي ثلاث تطليقات بتلك التطليقة أو قال ألزمتها تطليقتين بتلك التطليقة فهو على ما قال إن ألزمها ثلاثا فهي ثلاث، وإن قال ألزمها تطليقتين فهي ثنتان.
ولو طلقها واحدة ثم راجعها ثم قال جعلت تلك التطليقة بائنة لا تصير بائنة لأنه لا يملك إبطال الرجعة ولو قال لها بعد الدخول إذا طلقتك واحدة فهي بائن أو هي ثلاث فطلقها واحدة فإنه يملك الرجعة ولا يكون بائنا ولا ثلاثا لأنه قدم القول قبل نزول الطلاق. ولو قال لها إذا دخلت الدار فأنت طالق ثم قال جعلت هذه التطليقة بائنا أو قال جعلتها ثلاثا قال هذه المقالة قبل دخول الدار لا تلزمه هذه المقالة لأن التطليقة لم تقع عليها كذا في الخانية.
وفي التتمة: لو طلقها واحدة ثم قال جعلتها بائنة رأس الشهر قال إن لم يراجعها فهي بائن، وإن راجعها فيما بين ذلك لا يكون بائنا ولو طلقها رجعية ثم قال جعلتها ثلاثا رأس الشهر ثم راجعها قال تكون رأس الشهر ثلاثا قال وليس يشبه قوله: جعلتها بائنا قوله جعلتها ثلاثا ا هـ. أما قول محمد فظاهر وأما قول أبي يوسف فإن الرجعية تصير بائنة بانقضاء العدة وأما الواحدة فلا تصير ثلاثا وأما قول الإمام فلأنه يملك إيقاعها بائنة من الابتداء فيملك إلحاقها بالبائنة لأنه يملك إنشاء الإبانة في هذه الحالة كما كان يملكها في الابتداء ومعنى جعل

 

ج / 3 ص -375-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الواحدة ثلاثا أنه ألحق بها تطليقتين أخريين لا أنه جعل الواحدة ثلاثا كذا في البدائع.
وفي الولوالجية لو قال أنت طالق ألبتة وقعت بائنة إلا إذا نوى تطليقة أخرى سوى قوله أنت طالق فهما بائنتان ا هـ. والله أعلم.
الثالث: عدم توقفه على النية ونقل فيه إجماع الفقهاء ولأن احتمال إرادة الطلاق عن غير قيد النكاح احتمال بعيد عند خطاب المرأة فلا عبرة به فصار اللفظ بمنزلة المعنى، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما حيث أمره بالمراجعة ولم يسأله أنوى أم لا يدل على ذلك فإن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال كالعموم في المقال وعدل المصنف عن قوله، وإن نوى غيره ليفيد أنه لو نوى غيره صدق ولذا قال في فتح القدير ثم قولنا لا يتوقف على النية معناه إذا لم ينو شيئا أصلا يقع لا أنه يقع، وإن نوى شيئا آخر لما ذكر أنه إذا نوى الطلاق عن وثاق صدق إلى آخره ا هـ.
وحاصل ما ذكروه هنا ثلاثة ألفاظ الوثاق، والقيد، والعمل وكل منهما إما أن يذكر أو ينوى فإن ذكر فإما أن يقرن بالعدد أو لا فإن قرن بالعدد لا يلتفت إليه ويقع الطلاق بلا نية كما لو قال: أنت طالق ثلاثا من هذا القيد تطلق ثلاثا ولا يصدق في القضاء كما في المحيط. وإن لم يقرن بالعدد وقع في ذكر العمل قضاء لا ديانة نحو أنت طالق من هذا العمل كما في البزازية وغيرها وهو يدل على أنه لو قال: علي الطلاق من ذراعي لا أفعل كذا كما يحلف به بعض العوام أنه يقع قضاء بالأولى.
وفي لفظي الوثاق، والقيد لا يقع أصلا، وإن لم يذكر شيئا من هذه الثلاثة وإنما نواها لا يدين في لفظ العمل أصلا ويدين في الوثاق، والقيد ويقع قضاء إلا أن يكون مكرها، والمرأة كالقاضي إذا سمعته أو أخبرها عدل لا يحل لها تمكينه هكذا اقتصر الشارحون.
وذكر في البزازية وذكر الأوزجندي أنها ترفع الأمر إلى القاضي فإن لم يكن لها بينة يحلفه فإن حلف فالإثم عليه ا هـ. ولا فرق في البائن بين الواحدة، والثلاث ا هـ.
وهل لها أن تقتله إذا أراد جماعها بعد علمها بالبينونة فيه قولان، والفتوى أنه ليس لها أن تقتله وعلى القول بقتله تقتله بالدواء فإن قتلته بالسلاح وجب القصاص عليها وليس لها أن تقتل نفسها وعليها أن تفدي نفسها بمال أو تهرب وليس له أن يقتلها إذا حرمت عليه ولا يقدر أن يتخلص منها بسبب أنه كلما هرب ردته بالسحر الكل في "شرح المنظومة لابن الشحنة"

 

ج / 3 ص -376-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتي في فصل ما تحل به المطلقة أنه هل لها أن تتزوج بغيره في غيبته إذا علمت بالبينونة وهو ينكر.
قال في المصباح: والوثاق بفتح الواو وكسرها القيد وجمعه وثق كرباط وربط.
وأفاد بعدم توقفه على النية أنه لا يشترط العلم بمعناه فلو لقنته لفظ الطلاق فتلفظ به غير عالم بمعناه وقع قضاء لا ديانة وقال مشايخ أوزجند لا يقع أصلا صيانة لأملاك الناس عن الضياع بالتلبيس كما في البدائع كذا في البزازية، والعتاق، والتدبير. والإبراء عن المهر كالطلاق كما في البزازية، والطلاق وما معه يقاس على النكاح بخلاف البيع، والإبراء لا يصحان إذا لم يعلم المعنى كما في الخانية.
وأفاد أن طلاق الهازل، واللاعب، والمخطئ واقع كما قدمناه لكنه في القضاء وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يقع على المخطئ وما في الخلاصة من أن طلاق المخطئ واقع أي في القضاء بدليل أنه قال بعده: ولو كان بالعتاق يدين لأنه لا فرق بين العتاق، والطلاق وهو الظاهر من قول الإمام كما في الخانية خلافا لأبي يوسف ولا خلاف أن المنذور يلزمه ولا خلاف أنه لو جرى على لسانه الكفر مخطئا لا يكفر كما في الخانية أيضا وكذا إذا تلفظ به غير عالم بمعناه وإنما يقع قضاء فقط بدليل ما في الخلاصة:
قالت لزوجها اقرأ علي اعتدي أنت طالق ثلاثا ففعل طلقت ثلاثا في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعلم الزوج ولم ينو بخلاف الهازل فإنه يقع عليه قضاء وديانة لأنه مكابر باللفظ فيستحق التغليظ وما في الخلاصة معزيا إلى الأصل له امرأتان زينب وعمرة فقال يا زينب فأجابته عمرة فقال أنت طالق ثلاثا طلقت المجيبة فلو قال نويت زينب طلقت هذه بالإشارة وتلك بالاعتراف ا هـ. محمول على القضاء أما في الديانة فلا يقع على واحدة منهما لما في الحاوي معزيا إلى الجامع الصغير أن أسدا سئل عمن أراد أن يقول زينب طالق فجرى على لسانه عمرة على أيهما يقع الطلاق فقال في القضاء تطلق التي سمى، وفيما بينه وبين الله تعالى لا

 

ج / 3 ص -377-       ولو قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقا يقع واحدة رجعية بلا نية أو نوى واحدة أو ثنتين فإن نوى ثلاثا فثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تطلق واحدة منهما أما التي سمى فلانة لم يردها وأما غيرها فلأنها لو طلقت طلقت بمجرد النية قال في فتح القدير وأما ما روى عنهما نصير من أن من أراد أن يتكلم فجرى على لسانه الطلاق يقع ديانة وقضاء فلا يعول عليه ا هـ.
والحاصل أن قولهم الصريح لا يحتاج إلى النية إنما هو في القضاء أما في الديانة فمحتاج إليها لكن وقوعه في القضاء بلا نية إنما هو بشرط أن يقصدها بالخطاب بدليل ما قالوا لو كرر مسائل الطلاق بحضرة زوجته ويقول أنت طالق ولا ينوي لا تطلق، وفي متعلم يكتب ناقلا من كتاب رجل قال ثم يقف ويكتب: امرأتي طالق وكلما كتب قرن الكتابة باللفظ بقصد الحكاية لا يقع عليه وما في القنية: امرأة كتبت أنت طالق ثم قالت لزوجها: اقرأ علي فقرأ لا تطلق ا هـ.
وأما ما في فتح القدير ولا بد من القصد بالخطاب بلفظ الطلاق عالما بمعناه أو النسبة إلى الغائبة كما يفيده فروع وذكر ما ذكرناه فليس بصحيح لأنه إن كان شرطا للوقوع قضاء وديانة فليس بصحيح لأنه صرح بالوقوع قضاء فيمن سبق لسانه، وإن كان شرطا للوقوع ديانة لا قضاء فكذلك لأنه يقتضي الوقوع قضاء فيما لو كرر مسائل الطلاق بحضرتها، وفي المتعلم وليس كذلك فالحق ما اقتصرنا عليه.
وفي القنية ظن أنه وقع الطلاق الثلاث على امرأته بإفتاء من لم يكن أهلا للفتوى وكلف الحاكم كتبها في الصك فكتبت ثم استفتى من هو أهل للفتوى فأفتى بأنها لا تقع، والتطليقات مكتوبة في الصك بالظن فله أن يعود إليها فيما بينه وبين الله تعالى ولكن لا يصدق في الحكم ا هـ. وهذا من باب الإقرار بالطلاق كاذبا وقدمنا أنه يقع قضاء لا ديانة.
وفي البزازية قال لها ما بقي لك سوى طلاق واحد فطلقها واحدا لا يمكن له التزوج بها وإقراره حجة عليه ولو قال لها بقي لك طلاق واحد، والمسألة بحالها كان له أن يتزوج بها لأن التخصيص بالواحد لا يدل له على نفي بقاء الآخر لأن النص على العدد لا ينفي الزائد كما في أسماء الأجناس ا هـ. وينبغي أن تكون المسألة الأولى إنما هو في القضاء أما في الديانة فلا يقع إلا ما كان أوقعه.
قوله: "ولو قال أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو أنت طالق طلاقا يقع واحدة رجعية بلا نية أو نوى واحدة أو ثنتين فإن نوى ثلاثا فثلاث "بيان لما إذا كان الخبر عنها المصدر معرفا كان أو منكرا أو اسم الفاعل وذكر بعده المصدر معرفا أو منكرا أما الوقوع باللفظ الأول أعني

 

ج / 3 ص -378-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر فلأنه يذكر ويراد به اسم الفاعل يقال رجل عدل أي عادل فصار كقوله أنت طالق ويرد عليه أنه إذا أريد به اسم الفاعل يلزمه عدم صحة نية الثلاث وجوابه أنه حيث استعمل كان إرادة طالق به هو الغالب فيكون صريحا في طالق الصريح فيثبت له حكم طالق ولذا كان عندنا من الصريح لا يحتاج إلى النية. لكونه يحتمل أن يراد على حذف مضاف أي ذات طلاق وعلى هذا التقدير تصح إرادة الثلاث قلما كان محتملا توقف على النية بخلاف نية الثنتين بالمصدر لأن نية الثلاث لم تصح باعتبار أنه كثره بل باعتبار أنها فرد من حيث إنه جنس واحد.
وأما الثنتان في الحرة فعدد محض وألفاظ الوحدان لا تحتمل العدد المحض بل يراعى فيها التوحيد وهو بالفردية الحقيقية، والجنسية التي هي فرد اعتباري، والمثنى بمعزل عنهما فلو كان طلق الحرة واحدة ثم قال لها: أنت الطلاق ناويا اثنتين فهل تقع الثنتان لأنه كل ما بقي؟
قلت لا تقع إلا واحدة لما في الخانية لو قال لحرة طلقها واحدة أنت بائن ونوى ثنتين تقع واحدة ا هـ. وعلله في البدائع بأن الباقي ليس كل جنس طلاقها وصرح في الذخيرة بأنه إذا نوى ثنتين بالمصدر فإنه لا يصح، وإن كان طلقها واحدة وأما ما في الجوهرة من أنه إذا تقدم على الحرة واحدة فإنه يقع ثنتان إذا نواهما يعني مع الأولى فسهو ظاهر وفرق الطحاوي بين المصدر المنكر حيث لا تصح فيه نية الثلاث وبين المعرف حيث يصح لا أصل له على الرواية المشهورة كما في البدائع.
وأما وقوعه بأنت طالق الطلاق أو طلاقا فظاهر وأما صحة نية الثلاث فبالمصدر مع أن المنتصب هو مصدر طالق لكون الطلاق بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم فهو مصدر لمحذوف كذا قالوا ولا يتم إلا بإلغاء طالق مع المصدر كإلغائه مع العدد وإلا لوقع بطالق واحدة وبالطلاق ثنتان حين إرادته الثلاث فيلزم الثنتان بالمصدر وهم لا يقولون به.
قيد بكونه نوى ثنتين بالمجموع لأنه لو نوى ثنتين بالتوزيع كأن يريد بقوله أنت طالق واحدة وبالطلاق أخرى تقع ثنتان خلافا لفخر الإسلام لأن طالقا نعت وطلاقا مصدره فلا يقع إلا واحدة رجعية، ووجه الأول أن كلا منهما صالح للإيقاع فصار كقوله أنت طالق طالق وهو أولى من قول بعضهم طالق وطالق إذ ليس في الكلام ما يدل على الواو ورجح الأول في فتح القدير بأن طلاقا منصوب ولا يرفع بعد صلاحية اللفظ لتعدده وصحة الإرادة به إلا بإهدار لزوم صحة الإعراب في الإيقاع من العالم، والجاهل، وفي المغني لابن هشام من الباب الأول من بحث اللام:

 

ج / 3 ص -379-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"تنبيه "كتب الرشيد ليلة إلى القاضي أبي يوسف يسأله عن قول القائل:

فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن               وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم

فأنت طلاق والطلاق عزيمة                    ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم

فقال ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها قال أبو يوسف فقلت هذه مسألة نحوية فقهية ولا آمن الخطأ إن قلت فيها برأيي فأتيت الكسائي وهو في فراشه فسألته فقال إن رفع ثلاثا طلقت واحدة لأنه قال أنت طلاق ثم أخبر أن الطلاق التام ثلاث، وإن نصبها طلقت ثلاثا لأن معناه أنت طالق ثلاثا وما بينهما جملة معترضة فكتبت بذلك إلى الرشيد فأرسل إلي بجوائز فوجهت بها إلى الكسائي ا هـ. ملخصا.
وأقول: إن الصواب أن كلا من الرفع، والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة أما الرفع فلأن أل في الطلاق إما لمجاز الجنس كما تقول: زيد الرجل أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكري مثلها في
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث ولا يكون للجنس الحقيقي لئلا يلزم الإخبار عن العام بالخاص كما يقال الحيوان إنسان وذلك باطل إذ ليس كل حيوان إنسانا ولا كل طلاق عزيمة وثلاثا فعلى العهدية تقع الثلاث وعلى الجنسية تقع واحدة كما قال الكسائي.
وأما النصب فلأنه محتمل لأن يكون على المفعول المطلق وحينئذ يقتضي وقوع الثلاث إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا ثم اعترض بينهما بقوله، والطلاق عزيمة ولأن يكون حالا من الضمير المستتر في عزيمة وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث لأن المعنى، والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا فإنما يقع ما نواه هذا ما يقتضيه معنى هذا اللفظ وأما الذي أراده هذا الشاعر المعين فهو الثلاث لقوله بعد:

فبيني بها إن كنت غير رفيقة                    وما لامرئ بعد الثلاث مقدم

وتعقبه في فتح القدير بأنه بعد كونه غلطا بعيد عن معرفة مقام الاجتهاد فإن من شرطه معرفة العربية وأساليبها لأن الاجتهاد يقع في الأدلة السمعية العربية والذي نقله أهل الثبت في هذه المسألة عمن قرأ الفتوى حين وصلت خلافه وأن المرسل بها الكسائي إلى محمد بن الحسن ولا دخل لأبي يوسف أصلا ولا للرشيد ولمقام أبي يوسف أجل من أن يحتاج في مثل هذا التركيب مع إمامته واجتهاده وبراعته في التصرفات من مقتضيات الألفاظ ثم قال: وإن تخرقي

ج / 3 ص -380-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بضم الراء مضارع خرق بكسرها، والخرق بالضم الاسم، وهو ضد الرفق. ولا يخفى أن الظاهر في النصب كونه على المفعول المطلق نيابة عن المصدر لقلة الفائدة على إرادة أن الطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا وأما الرفع فلامتناع الجنس الحقيقي بقي أن يراد مجاز الجنس فتقع واحدة أو العهد الذكري وهو أظهر الاحتمالين فيقع الثلاث ولذا ظهر من الشاعر أنه إرادة كما أفاده البيت الأخير فجواب محمد بناء على ما هو الظاهر كما يجب في مثله من حمل اللفظ على الظاهر وعدم الالتفات إلى الاحتمال ا هـ. ولا يخفى أن العهد الذكري حيث كان أظهر الاحتمالين فكان ينبغي أن يجيب محمد بما يقتضيه وهو الثلاث فكلام ابن الهمام آخره مخالف لأوله كما لا يخفى.
ثم اعلم أن ابن الصائغ تعقب ابن هشام في منع كونها للجنس الحقيقي بأنه يجوز كونها بمعنى كل المجموعي لا كل الأفرادي ويصير المعنى أن مجموع أفراد الطلاق ثلاث لا أن الواقع منه ثلاث ورده الشمني بأن اللام ليس من معانيها الكل المجموعي، وإن كان معنى من معاني كل وتعقب ابن هشام أيضا الدماميني في كون الثلاث حالا من الضمير في عزيمته بأن الكلام محتمل لوقوع الثلاث على تقدير العهد أيضا بأن تجعل للعهد الذكري ورده الشمني بأنه إنما نفى لزوم الثلاث وهو صادق باحتمال الثلاث وتعقب الشمني ابن هشام أيضا في كون النصب يحتمل أن يكون على المفعول المطلق فيقتضي الثلاث بأنه إنما يقتضيه لو كان مفعولا مطلقا للطلاق الأول أو للطلاق الثاني، واللازم للعهد أما إذا كان مفعولا مطلقا للطلاق الثاني، واللام للجنس فلا يقتضي ذلك ا هـ.
وقيد بقوله أنت طالق. لأنه لو قال: أنت الثلاث ونوى لا يقع لأنه جعل الثلاث صفة للمرأة لا صفة للطلاق المضمر فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلم يصح ولو قال لامرأته أنت مني بثلاث ونوى الطلاق طلقت لأنه نوى ما يحتمله، وإن قال لم أنو الطلاق لم يصدق إن كان في حالة

 

ج / 3 ص -381-       وإن أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عنها كالرقبة، والعنق، والروح، والبدن، والجسد، والفرج، والوجه أو إلى جزء شائع منها كنصفها وثلثها تطلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذاكرة الطلاق لأنه لا يحتمل الرد ولو قال أنت بثلاث وأضمر الطلاق يقع كأنه قال أنت طالق بثلاث كذا في المحيط وظاهره أن أنت مني بثلاث وأنت بثلاث بحذف مني سواء في كونه كناية وأما أنت الثلاث فليس بكناية.
قوله: "وإن أضاف الطلاق إلى جملتها أو إلى ما يعبر به عنها كالرقبة، والعنق، والروح، والبدن، والجسد، والفرج، والوجه أو إلى جزء شائع منها كنصفها وثلثها تطلق" أراد بالإضافة إلى الجملة أن يكون بطريق الوضع كأنت طالق وبما يعبر به عن الجملة بطريق التجوز كرقبتك وإلا فالكل يعبر به عن الجملة كذا في فتح القدير.
وذكر الشارح أن ما يضاف إلى الجملة أنت، والروح، والبدن، والجسد وأما ما يعبر به عنها ما عداها، والظاهر الأول كما لا يخفى وأشار بالتعبير به عنها إلى أنه لا بد أن يقول مثلا رقبتك طالق أما لو قال الرقبة منك طالق أو الوجه أو وضع يده على الرأس أو العنق وقال هذا العضو طالق لم يقع في الأصح لأنه لم يجعله عبارة عن الكل بل عن البعض بخلاف ما إذا لم يضع يده بل قال هذا الرأس طالق وأشار إلى رأس امرأته الصحيح أنه يقع كما لو قال رأسك هذا طالق. ولهذا لو قال لغيره بعت منك هذا الرأس بألف درهم وأشار إلى رأس عبده فقال المشتري قبلت جاز البيع كذا في الخانية.
وقيد بالرقبة وما بعدها لأنه لا يقع بالبطن، والظهر، والبضع، والدم على الصحيح ولهذا لو قال دمك حر لا يعتق، وقد صححوا صحة التكفل بالدم لما يقال دمه هدر أي نفسه فكان العرف جرى به في الكفالة دون العتق، والطلاق، وصحح في الجوهرة وقوع الطلاق يقال ذهب دمه هدرا فحينئذ لا فرق بين الطلاق والكفالة.
وتقييدهم الجزء بالشائع ليس للاحتراز عن المعين لما في الخلاصة: لو قال نصفك الأعلى طالق واحدة ونصفك الأسفل ثنتين فقد وقعت هذه المسألة ببخارى فأفتى بعضهم بوقوع الواحدة لأن الرأس في النصف الأعلى وبعضهم اعتبر الإضافتين لأن الفرج في الأسفل ا هـ. وقد علم به أنه لو اقتصر على أحدهما وقعت واحدة اتفاقا.
وقد أطلق المصنف وقوع الطلاق بما ذكر فأفاد أنه صريح لا يتوقف على النية فلو قال أردت به العضو حقيقة لم يصدق قضاء ويصدق ديانة لكنه كيف يكون صريحا مع أنه إنما يكون بغلبة الاستعمال كما قدمناه ولقد أبعد الشارح الزيلعي حيث قال في بحث قوله أنا منك طالق

 

ج / 3 ص -382-       وإلى اليد، والرجل، والدبر لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لغو وكونه غير متعارف إيقاعه لا يخرجه من أن يكون صريحا كقوله عشرك طالق أو فرجك أو طلقتك نصف تطليقة ا هـ. لأن الصراحة إنما هي بغلبة الاستعمال.
والتحقيق أن الوقوع قضاء إنما هو إذا كان التعبير به عن الكل عرفا مشتهرا ولو اقتصر على التعبير عن الجملة لكان أولى لأن الإضافة إلى الجملة علمت من أول الباب من قوله كأنت طالق.
قوله: "وإلى اليد، والرجل، والدبر لا "أي لا تطلق بالإضافة إلى ما ذكر أي إلى ما لا يعبر به عن الجملة فدخل فيه الشعر، والأنف، والساق، والفخذ، والظهر، والبطن، واللسان، والأذن، والفم، والصدر، والذقن، والسن، والريق، والعرق، والكبد، والقلب أطلقه فشمل ما إذا نوى به كل البدن لكن في البزازية وذكر الإمام الحلواني إن ذكر عضوا يعبر به عن جميع البدن ونوى اقتصار الطلاق عليه لم يبعد أن يصدق ولو ذكر اليد، والرجل وأراد به كل البدن فلنا أن نقول يقع الطلاق، وإن كان جزءا لا يستمتع به كالسن، والريق لا يقع ا هـ.
وفي الظهيرية: لو أضافه إلى قلبها لا رواية لهذا في الكتاب، وفي فتح القدير من كتاب الكفالة ولم يذكر محمد ما إذا كفل بعينه قال البلخي: لا يصح كما في الطلاق إلا أن ينوي به البدن والذي يجب أن يصح في الكفالة، والطلاق إذ العين مما يعبر به عن الكل يقال عين القوم وهو عين في الناس ولعله لم يكن معروفا في زمانهم أما في زماننا فلا شك في ذلك ا هـ.
ومثل الطلاق الظهار، والإيلاء، والعفو عن القصاص، والعتاق حتى لو أعتق أصبعه لا يقع قيدنا بكونه لا يعبر به عن الجملة لأن اليد وما معها لو كان عند قوم يعبرون به عن الجملة وقع الطلاق وهو محمل ما ورد منها مرادا به الجملة كالحديث
"على اليد ما أخذت حتى ترد" وكقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وحاصله أنه ثلاثة صريح يقع قضاء بلا نية كالرقبة وكناية لا يقع بها إلا بالنية كاليد وما ليس صريحا ولا كناية لا يقع به، وإن نوى كالريق، والسن، والشعر، والظفر، والعرق، والكبد، والقلب.
وقيد بالدبر لأنه لو قال استك طالق وقع كفرجك كما في الخلاصة فالاست، وإن كان مرادفا للدبر لا يلزم مساواتهما في الحكم. لأن الاعتبار هنا لكون اللفظ يعبر به عن الكل ألا ترى

 

ج / 3 ص -383-       ونصف التطليقة أو ثلثها طلقة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن البضع مرادف للفرج وليس حكمه هنا كحكمه في التعبير.
وقيد بالطلاق في الجزء الشائع للاحتراز عن العتاق وتوابعه فإنه من قبيل ما يتجزأ فلو أعتق نصف عبده لم يعتق كله عند الإمام وللاحتراز عن النكاح فإنه لو تزوج نصفها لم يصح النكاح احتياطا كما في الخانية وبه ضعف قول الشارح أن الجزء الشائع محل للنكاح، والعفو عن دم العمد وتسليم الشفعة كالطلاق، والأصل أن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله.
قوله: "ونصف التطليقة أو ثلثها طلقة "ومراده أن جزء الطلقة تطليقة ولو جزءا من ألف جزء لأن الشرع ناظر إلى صون كلام العاقل عن الإلغاء وتصرفه ما أمكن ولذا اعتبر العفو عن بعض القصاص عفوا عنه فلما لم يكن للطلاق جزء كان كذكر كله تصحيحا كالعفو، وفي الظهيرية أنت طالق ثلاثا إلا نصف تطليقة قيل على قول أبي يوسف يقع ثنتان لأن التطليقة كما لا تتجزأ في الإيقاع لا تتجزأ في الاستثناء فيصير كأنه قال إلا واحدة وعند محمد يقع الثلاث لأن النصف في الطلاق لا يتجزأ في الإيقاع ولا في الاستثناء ولو قال: أنت طالق تطليقة إلا نصفها تقع واحدة وهذا إشارة إلى ما قال محمد ا هـ. وقد يقال إنه لا يشير إلى قول محمد لأن أبا يوسف إنما لم يقل بالتكميل في الاستثناء هنا لعدم فائدته لأنه حينئذ لا يصح لكونه استثناء الكل من الكل ولو قال وجزء الطلقة تطليقة لكان أوجز وأشمل وأحسن.
قوله: "وثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث "لأن نصف التطليقتين تطليقة فإذا جمع بين ثلاثة أنصاف تكون ثلاثا ضرورة إلا إذا نوى تنصيف كل من التطليقتين فتكون أنصافها أربعا فثلاثة منها طلقة ونصف فتقع طليقتان ديانة ولا يصدق في القضاء لأنه احتمال خلاف الظاهر لأن الظاهر أن نصف التطليقتين تطليقة لا نصفا تطليقتين.
قيد بقوله تطليقتين لأنه لو قال ثلاثة أنصاف تطليقة وقعت تطليقتان لأنها طلقة ونصف فتتكامل وهو المنقول في الجامع الصغير واختاره الناطفي وصححه العتابي وعلم منه أنه لو قال أربعة أنصاف تطليقة وقعت ثنتان أيضا وعرف منه أيضا أنه لو قال نصفي تطليقة وقعت واحدة. وفي الذخيرة: لو قال أنت طالق نصف تطليقتين فواحدة ولو قال نصفي تطليقتين فثنتان وكذا نصف ثلاث تطليقات ولو قال نصفي ثلاث تطليقات فثلاث.
وحاصلها أنها اثنتا عشرة مسألة لأن المضاف أعني النصف إما أن يكون واحدا أو اثنين أو ثلاثا أو أربعا وكل منها إما أن يكون المضاف إليه واحدة أو ثنتين أو ثلاثا فإن كان

 

ج / 3 ص -384-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النصف مضافا إلى الطلقة فقط فواحدة، وإن كان النصف مضافا إلى الطلقتين فواحدة، وإن كان النصف مضافا إلى الثلاث فثنتان، وإن كان النصفان مضافا إلى الواحدة فواحدة وإلى الثنتين فثنتان وإلى الثلاث فثلاث، وإن كان الثلاثة أنصاف مضافا إلى الواحدة فثنتان وإلى الثنتين فثلاث وإلى الثلاث فكذلك استنباطا مما قبلها لا نقلا، وإن كان المضاف أربعة الأنصاف فثنتان فإن إلى الواحدة، وإن إلى الثنتين أو إلى الثلاث فثلاث استنباطا.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال للمدخول بها أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة وقع ثلاث لأن المنكر إذا أعيد منكرا كان الثاني غير الأول فيتكامل كل جزء بخلاف ما إذا قال: أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وسدسها حيث تقع واحدة لأن الثاني، والثالث عين الأول فالكل أجزاء طلقة واحدة حتى لو زاد على الواحدة وقعت ثانية وكذا في الثالثة وهو مختار جماعة من المشايخ. وفي المحيط، والولوالجية وهو المختار وهكذا ذكر الحسن في المجرد لأنه زاد على أجزاء تطليقة واحدة فلا بد وأن تكون الزيادة من تطليقة أخرى فتتكامل الزيادة، والأصح في اتحاد المرجع، وإن زادت أجزاء واحدة أن تقع واحدة لأنه أضاف الأجزاء إلى واحدة نص عليه في المبسوط وعلى هذا لو قال أنت طالق واحدة ونصفها تقع واحدة كما في الذخيرة بخلاف واحدة ونصفا وأما غير المدخول بها فلا يقع عليها إلا واحدة في الصور كلها كما في البدائع ودل كلامه أنه لو قال لأربع نسوة بينكن تطليقة طلقت كل واحدة واحدة لأن الربع يتكامل وكذا بينكن تطليقتان أو ثلاث أو أربع إلا إذا نوى أن كل تطليقة بينهن جميعا فيقع في التطليقتين على كل منهما تطليقتان، وفي الثلاث ثلاث ولو قال بينكن خمس تطليقات وقع على كل واحدة ثنتان إلى ثمان ولو قال بينكن تسع وقع على كل واحدة ثلاث ولفظ أشركتكن كلفظ بين بخلاف ما لو طلق امرأتين كل واحدة ثم قال لثالثة: شركتك فيما أوقعت عليهما يقع عليها تطليقتان لأنه شركها في كل تطليقة.
ولو طلقها ثلاثا ثم قال لأخرى: أشركتك معها في الطلاق وقع على الثانية ثلاث بخلاف ما تقدم لأن هناك لم يسبق وقوع شيء فلم يقسم بينهن وهنا قد أوقع الثلاث على الأولى فلا يمكنه رفع شيء منه. ولو قال: أنت طالق ثلاثا ثم قال لأخرى أشركتك فيما أوقعت عليها ثم قال لثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما قال في فتح القدير: وقد ورد استفتاء فيها فبعد أن كتبنا تطلق الثلاث ثلاثا ثلاثا قلنا إن وقوعهن على الثالثة باعتبار أنه أشركها في ستة ا هـ. يعني: أنه علل وقوع الثلاث على الثالثة بعد الإفتاء بأنه أشركها في ست أوقعها فيقع عليها الثلاث ويلغو ثلاث وليس معناه أنه ظهر له شيء بخلاف ما أفتى به كما قد توهم.
وفي المبسوط: لو قال لامرأتين أنتما طالقتان ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهما فهو مدين فيما

 

ج / 3 ص -385-       ومن واحدة أو ما بين واحدة إلى ثنتين واحدة وإلى ثلاث ثنتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينه وبين الله تعالى فتطلق كل منهما ثنتين لأنه من محتملات لفظه لكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء فتطلق كل ثلاثا وكذا لو قال لأربع: أنتن طوالق ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهن فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى فتطلق كل واحدة واحدة، وفي القضاء تطلق كل ثلاثا ا هـ.
وفي المحيط: فلانة طالق ثلاثا، وفلانة معها أو قال أشركت فلانة معها طلقتا ثلاثا ثلاثا ولو طلق امرأته ثم قال لأخرى قد أشركتك في طلاقها طلقت واحدة. ولو قال لثالثة قد أشركتك في طلاقهما طلقت ثنتين ولو قال للرابعة قد أشركتك في طلاقهن طلقت ثلاثا ولو كان الطلاق على الأولى بمال مسمى ثم قال للثانية قد أشركتك في طلاقها طلقت ولم يلزمها المال لأن الاشتراك وجد في الطلاق لا في المال، ولو قال أشركتك في طلاقها على كذا من المال فإن قبلت لزمها الطلاق، والمال وإلا فلا ا هـ. ولم يتكلم على كونه بائنا أو رجعيا حيث لم يقل على كذا وينبغي أن يكون في المسألة الأولى رجعيا لأن البينونة لأجل المال ولم يوجد وينبغي أنه لو قال لها: أنت طالق بائن أو بائن ناويا ثم قال لأخرى أشركتك في طلاقها أن يقع على الثانية بائنا أيضا ثم قال في المحيط أيضا: ولو أعتقت الأمة المنكوحة فاختارت نفسها فقال زوجها لامرأة أخرى له: قد أشركتك في فرقة هذه طلقت بائنا، وإن نوى ثلاثا فثلاث وحكى أبو سليمان عن محمد أنها لا تطلق ولو قال في فرقة العنين، واللعان، والإيلاء، والخلع قد أشركتك في فرقة هذه طلقت لأن هذه الفرقة فرقة طلاق بخلاف الأولى ولو قال لامرأته أنت طالق خمس تطليقات فقالت ثلاث تكفني فقال ثلاث لك، والباقي على صواحبك وقع الثلاث عليها ولم يقع شيء على غيرها لأن الباقي بعد الثلاث صار لغوا فقد صرف اللغو إلى صواحبها فلا يقع شيء ا هـ. وقدمنا خلافا في الأخيرة.
قوله: "ومن واحدة أو ما بين واحدة إلى ثنتين واحدة وإلى ثلاث ثنتان" يعني عند أبي حنيفة فتدخل الغاية الأولى دون الثانية وقالا بدخولهما فيقع في الأولى ثنتان، وفي الثانية ثلاث استحسانا بالتعارف إلا أنهما أطلقا فيه وأبو حنيفة يقول إنما تدخل الغايتان عرفا فيما مرجعه الإباحة كخذ من مالي من عشرة إلى مائة وبع عبدي بمال من مائة إلى ألف وكل من الملح إلى الحلو فله أخذ المائة، والبيع بألف وأكل الحلواء.
وأما ما أصله الحظر حتى لا يباح إلا لدفع الحاجة فلا، والطلاق منه فكان قرينة على عدم إرادة الكل غير أن الغاية الأولى لا بد من وجودها ليرتب عليها الطلقة الثانية في صورة إيقاعها وهي صورة من واحدة إلى ثلاث إذ لا ثانية بلا أولى ووجود الطلاق عين وقوعه بخلاف الغاية الثانية وهي ثلاث في هذه الصورة فإنه يصح وقوع الثانية بلا ثالثة.

 

ج / 3 ص -386-       وواحدة في ثنتين واحدة إن لم ينو شيئا أو نوى الضرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما صورة من واحدة إلى ثنتين فلا حاجة إلى إدخالها لأنها إنما دخلت ضرورة إيقاع الثانية وهو منتف وإيقاع الواحدة ليس باعتبار إدخالها غاية بل بما ذكرنا من انتفاء العرف فيه فلا تدخل فيلغو قوله: من واحدة إلى ثنتين ويقع بطالق واحدة ولا يرد أنت طالق ثانية حيث لا يقع إلا واحدة لأن ثانية لغو فيقع بأنت طالق، وقد ظهر بهذا التقرير أن الاختلاف إنما نشأ من اعتبار إثبات العرف وعدمه مع الاتفاق على اعتبار العرف فلا يرد دخول المرافق لأن العرف لما أدخل ما بعد إلى تارة وأخرجه أخرى كان الاحتياط الدخول.
فإن قيل ما بين هذا وهذا يستدعي وجود الأمرين ووجودهما وقوعهما فيقع الثلاث.
الجواب إن ذلك في المحسوسات وأما ما نحن فيه من الأمور المعنوية فإنما يقتضي الأول واحتمال وجود الثاني عرفا ففيما بين الستين إلى السبعين يصدق إذا لم يبلغ السبعين كذا في فتح القدير، وفي جامع الفصولين لو باع بالخيار إلى غد دخل الغد في الخيار ولو حلف ليقضين دينه إلى خمسة أيام لا يحنث ما لم تغرب الشمس من اليوم الخامس وكذا لا يكلمه إلى عشرة أيام دخل العاشر وكذا في إن تزوجت إلى عشر سنين دخلت العاشرة وأما في الإجارة ففي بعض الكتب لو أجر إلى خمس سنين دخلت الخامسة، وفي عامة الكتب لا تدخل ا هـ. وتمام تقريره في شرحنا المسمى بتعليق الأنوار على أصول المنار ولو نوى في الثانية واحدة دين ديانة لا قضاء لأنه يحتمله وهو خلاف الظاهر.
وأشار بقوله إلى ثنتين إلى أنه لو قال: من واحدة إلى واحدة تقع واحدة بالأولى اتفاقا وقيل لا يقع شيء عند زفر لأنه لا يقول بدخول الغايتين، والأصح الوقوع عنده بطالق ويلغو ما بعده كذا في المعراج.
وقيد بقوله إلى ثلاث لأنه لو قال ما بين واحدة وثلاث بحرف العطف دون الغاية وقعت واحدة عند الكل إلا إن كان فيه العرف الكائن في الغاية ولو قال من واحدة إلى عشرة وقعت ثنتان عند أبي حنيفة وقيل ثلاث بالإجماع لأن اللفظ معتبر في الطلاق حتى لو قالت طلقني ستا بألف فطلقها ثلاثا وقعن بخمسمائة ورجحه في القنية بأنه أحسن من حيث المعنى، وفيها لو قال أنت طالق من ثلاث إلى واحدة تقع ثلاث قال بديع رحمه الله تعالى وينبغي أن يكون هذا بالاتفاق ثم ظهر لي أنه على قولهما وهو منصوص عليه في بعض الكتب أنه يقع عنده ثنتان وعندهما ثلاث ا هـ.
قوله: "وواحدة في ثنتين واحدة إن لم ينو شيئا أو نوى الضرب" أي تقع واحدة فيما لو قال:

 

ج / 3 ص -387-       وإن نوى واحدة وثنتين فثلاث وثنتين في ثنتين ثنتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنت طالق واحدة في ثنتين إن لم ينو شيئا أو نوى الضرب، والحساب عالما بعرف الحساب خلافا لزفر في الثاني لأن عرفهم فيه تضعيف أحد العددين بعدد الآخر كقوله واحد مرتين ولنا أن قوله في ثنتين ظرف حقيقة وهو لا يصلح له فيقع المظروف دون الظرف ولهذا ألزمه عشرة في له علي عشرة في عشرة إلا إن قصد المعية أو العطف فعشرون لمناسبة الظرف كليهما، وأما الضرب فإن كان في الممسوحات أعني فيما له طول وعرض وعمق فأثره في تكثير المضروب وإذا كان فيما ليس له طول وعرض فأثره في تكثير الأجزاء فإنه لو زاد بالضرب في نفسه لم يبق أحد في الدنيا فقيرا لأنه يضرب ما ملكه من الدراهم في مائة فيصير مائة ثم يضرب المائة في الألف فيصير مائة ألف فصار معنى قولنا واحدة في ثنتين واحدة ذات جزأين وكذا قولنا واحدة في ثلاث واحدة ذات أجزاء ثلاثة، والتطليقة الواحدة، وإن كثرت أجزاؤها لا تصير أكثر من واحدة كذا في المعراج.
ورجح في فتح القدير، والتحرير قول زفر بأن الكلام في عرف الحساب في التركيب اللفظي كون أحد العددين مضعفا بعدد الآخر، والعرف لا يمنع، والفرض أنه تكلم بعرفهم وأراده فصار كما لو أوقع بلغة أخرى فارسية أو غيرها وهو يدريها ا هـ. وهكذا رجحه في غاية البيان وجوابه أن اللفظ لما لم يكن صالحا لم يعتبر فيه العرف ولا النية كما لو نوى بقوله: اسقني الماء الطلاق فإنه لا يقع به.
قوله: "وإن نوى واحدة وثنتين فثلاث" يعني في المدخول بها وإلا فواحدة لأنه يحتمله فإن حرف الواو للجمع، والظرف يجمع المظروف فصح أن يراد به معنى الواو.
قيد بكونه نوى بقي الواو لأنه لو نوى بها معنى مع وقع الثلاث مدخولا بها أو غير مدخول بها كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق واحدة مع ثنتين وإرادة معنى لفظة مع بها ثابت كقوله تعالى:
{وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الاحقاف: 16] وأما الاستشهاد بقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] أي مع عبادي فبعيد ينبو عنه {وَادْخُلِي جَنَّتِي} فإن دخولها معهم ليس إلا إلى الجنة فهي على حقيقتها ولهذا قال في الكشاف إن المراد في جملة عبادي وقيل في أجساد عبادي ويؤيده قراءة في عبدي فالأوجه الاستشهاد بما ذكرنا وحكم ما إذا نوى الظرفية حكم ما إذا لم ينو شيئا لأنه ظرف له فلذا لم يذكره المصنف فالوجوه خمسة.
قوله: "وثنتين في ثنتين ثنتان" يعني إن لم تكن له نية أو نوى الظرف أو الضرب لما ذكرنا، وإن نوى معنى الواو أو معنى مع وقعت ثلاث في المدخول بها، وفي غيرها ثنتان في الأول وثلاث في الثاني كما قدمناه.

 

ج / 3 ص -388-       ومن هنا إلى الشام واحدة رجعية وبمكة، وفي مكة، وفي الدار تنجيز وإذا دخلت مكة تعليق لوجود حقيقة التعليق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ومن هنا إلى الشام واحدة رجعية" لأنه وصفه بالقصر لأن الطلاق متى وقع وقع في جميع الدنيا، وفي السموات فلم يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة، وقال التمرتاشي: مع أنه إنما مد المرأة لا الطلاق ووجهه أنه حال ولا يصلح صاحب الحال في التركيب إلا الضمير في طالق.
قوله: "وبمكة، وفي مكة، وفي الدار تنجيز "فتطلق في الحال، وإن لم يكن في الدار ولا بمكة وكذا في الظل، وفي الشمس، والثوب كالمكان فلو قال في ثوب كذا وعليها غيره طلقت للحال وكذا لو قال أنت طالق مريضة أو مصلية أو وأنت مريضة، وإن قال عنيت إذا لبست أو إذا مرضت صدق ديانة لا قضاء لما فيه من التخفيف على نفسه كما إذا قصد بمسألة الكتاب الدخول فيتعلق به ديانة لا قضاء وإنما تعلق الطلاق بالزمان دون المكان لأن فيه معنى الفعل وبين الفعل، والزمان مناسبة من حيث إنه لا بقاء لهما فكما يوجدان يذهبان وللمكان بقاء لا يتجدد كل ساعة أما الزمان يتجدد ويحدث كل ساعة كالفعل فكان اختصاص الطلاق بالزمان أكثر كذا في المعراج، وفي الخانية لو قال أنت طالق في الليل، والنهار طلقت واحدة. ولو قال أنت طالق في الليل، وفي النهار تقع ثنتان ولو قال أنت طالق في ليلك ونهارك طلقت للحال، ولو قال أنت طالق إلى رأس الشهر أو إلى الشتاء تعلق.
قوله: "وإذا دخلت مكة تعليق لوجود حقيقة التعليق "وكذا إذا قال أنت طالق في دخولك الدار أو في لبسك ثوب كذا يتعلق بالفعل فلا تطلق حتى تفعل لأن حرف في للظرف، والفعل لا يصلح شاغلا له فيحمل على معنى الشرط للمناسبة بينهما ولو قال: أنت طالق فيها دخولك الدار طلقت في الحال كذا في المحيط، والمعراج وأوضحه في الذخيرة بأنه إذا ذكر في بدون حرف الهاء يصير صفة للمذكور أولا وهو الطلاق، والدخول لا يصلح ظرفا لأنه فعل فجعل شرطا فصار الطلاق معلقا بدخول الدار وإذا ذكر في مع حرف الهاء صار صفة للمذكور آخرا وهو الدخول، والطلاق لا يصلح ظرفا للدخول ولا يمكن جعل الطلاق شرطا أيضا للدخول فتعذر العمل بالظرفية، والشرطية فيلغي كلمة في فوقع بقوله أنت طالق ا هـ. فإن كانت الرواية بهاء التأنيث فهي راجعة إلى الطلقة، وإن كان الضمير مذكرا فهو عائد إلى الطلاق كما لا يخفى وإنما لا يصح التعليق بها في قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك حتى لو تزوجها لا تقع لأنها كالتعليق توقفا لا ترتبا وتمامه في الأصول ولا فرق بين كون ما يقوم بها فعلا اختياريا أو غيره حتى لو قال أنت طالق في مرضك أو وجعك أو صلاتك لم تطلق حتى تمرض أو تصلي إما لأن "في" حرف

 

ج / 3 ص -389-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمعنى مع أو لأن المرض ونحوه لما لم يصلح ظرفا حمل على معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل.
وأشار في تلخيص الجامع إلى قاعدة هي أن الإضافة إن كانت إلى الموجود فإنه يتنجز كقوله أنت طالق في الدار، وإن كانت إلى معدوم فإنه يتعلق كقوله في دخولك.
وقيد بفي لأنه لو قال أنت طالق لدخولك الدار أو قال لحيضك تطلق للحال ولو قال أنت طالق بدخولك الدار أو بحيضك لا تطلق حتى تدخل الدار وتحيض كذا في الخانية.
وفي المحيط: لو قال أنت طالق في حيضك وهي حائض لم تطلق حتى تحيض أخرى لأنه عبارة عن درور الدم ونزوله لوقته فكان فعلا فصار شرطا كما في الدخول، والشرط يعتبر في المستقبل لا في الماضي ولو قال أنت طالق في حيضة أو في حيضتك لم تطلق حتى تحيض وتطهر لأن الحيضة اسم للحيضة الكاملة لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس:
"ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة" فأراد بها كمالها ا هـ.
والحاصل أنه إن ذكر الحيضة بالتاء المثناة من فوق كان تعليقا لطلاقها على الطهر من حيضة مستقبلة، وإن ذكره بغير تاء كان تعليقا على رؤية الدم بشرط أن يمتد ثلاثا كذا في شرح التلخيص ثم قال في المحيط: ولو قال أنت طالق في ثلاثة أيام طلقت للحال لأن الوقت يصلح ظرفا لكونها طالقا ومتى طلقت في وقت طلقت في سائر الأوقات ولو قال أنت طالق في مجيء ثلاثة أيام لم تطلق حتى يجيء اليوم الثالث لأن المجيء فعل فلم يصلح ظرفا فصار شرطا ولا يحتسب باليوم الذي حلف فيه لأن الشروط تعتبر في المستقبل لا في الماضي ومجيء اليوم يكون من أوله، وقد مضى جزء أوله ولو قال في مضي يوم تطلق في الغد في مثل تلك الساعة ولو قال في مجيء يوم تطلق حين يطلع الفجر من الغد لأن المجيء عبارة عن مجيء أول جزئه يقال جاء يوم الجمعة كما طلع الفجر وجاء شهر رمضان كما هل الهلال، وإن لم يجئ كله فصار كأنه قال أنت طالق إذا جاء أول جزء منه فأما المضي فعبارة عن جميع أجزاء اليوم، وقد وجد من حين حلف مضي بعض يوم لا مضي كله فوجب ضرورة تتميمه من اليوم الثاني ليتحقق مضي جميع يوم ا هـ.
وفي الجامع الكبير للصدر الشهيد "في "للظرفية وتجعل شرطا للتعذر إلى أن قال: ولو قال أنت طالق في ثلاثة أيام يتنجز، والوكيل به يملك ثلاثا متفرقة قال بعد طلوع الشمس أنت

 

ج / 3 ص -390-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طالق في مضي اليوم يقع عند غروبها، وفي مضي اليوم عند مجيء تلك الساعة وكذا في مضي ثلاثة أيام ولو قال ليلا يقع عند غروب الشمس في الثالث ا هـ.
وصورة التوكيل به أن يقول لآخر طلق امرأتي في ثلاثة أيام، والفرق بينهما أن الإيقاع لا يمتد فاقتضى التفريق بخلاف وصفها بالطلاق في الثلاثة.

فصل
أنت طالق غداً، أو في غد تطلق عند الصبح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
يعني في إضافة الطلاق إلى الزمان ذكر في باب إيقاع الطلاق فصلين باعتبار تنويع الإيقاع أي ما به على ما قدمنا إلى مضاف وموصوف ومشبه وغيره متعلق بمدخول بها وغير مدخول بها وكل منها صنف تحت ذلك الصنف المسمى بابا كما أن الباب يكون تحت الصنف المسمى كتابا، والكل تحت الصنف الذي هو نفس العلم المدون فإنه صنف عال، والعلم مطلقا بمعنى الإدراك جنس وما تحته من اليقين، والظن نوع، والعلوم المدونة تكون ظنية كالفقه وقطعية كالكلام، والحساب، والهندسة فواضع العلم لما لاحظ الغاية المطلوبة له فوجدها تترتب على العلم بأحوال شتى أو أشياء من جهة خاصة وضعه ليبحث عن أحواله من تلك الجهة فقد قيد ذلك النوع من العلم بعارض كلي فصار صنفا وقيل الواضع صنف العلم أي جعله صنفا فالواضع أولى باسم المصنف من المؤلفين، وإن صح أيضا فيهم وعلم مما ذكرناه أنها تتباين مندرجة تحت صنف أعلى لتباين العوارض المقيد بكل منها النوع وإن ما ذكر من نحو كتاب الحوالة اللائق به خلاف تسميته بكتاب كذا في فتح القدير، والصنف في اللغة الطائفة من كل شيء وقيل النوع كذا في المصباح.
قوله: "أنت طالق غدا أو في غد تطلق عند الصبح "لأنه وصفها بالطلاق في جميع الغد في الأول لأن جميعه هو مسمى الغد فتعين الجزء الأول لعدم المزاحم، وفي الثاني وصفها في جزء منه وأفاد أنه إذا أضافه إلى وقت فإنه لا يقع للحال وهو قول الشافعي وأحمد وقال مالك يقع في الحال إذا كان الوقت يأتي لا محالة مثل أن يقول إذا طلعت الشمس أو دخل رمضان ونحو ذلك وهو باطل بالتدبير فإن الموت يأتي زمانه لا محالة ولا يتنجز كذا في المعراج.
ثم اعلم أن الطلاق يتأقت. فإذا قال: أنت طالق إلى عشرة أيام فإنه يقع بعد العشرة وتكون إلى بمعنى بعد، والعتق، والكفالة إلى شهر كالطلاق إليه وعن الثاني أنه كفيل في الحال، والفتوى أنه

 

ج / 3 ص -391-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كفيل بعد شهر، والأمر باليد إلى عشرة صار الأمر بيدها للحال ويزول بمضيها ولو نوى أن يكون بيدها بعد العشرة لا يصدق قضاء، والبيع إلى شهر تأجيل للثمن، والوكالة تقبل التأقيت حتى لو تصرف بعد الوقت لا يصح، وفي الإجارة إلى شهر تعين ما يلي العقد وتمت بمضيه وكذا في المزارعة، والشركة إلى شهر كالإجارة، والصلح إلى شهر، والقسمة إليه لا تصح، والإبراء إلى شهر كالطلاق إلا إذا قال أردت التأخير فيكون تأجيلا إليه، والإقرار إلى شهر إن صدقه المقر له ثبت الأجل، وإن كذبه لزم المال حالا، والقول له وإذن العبد لا يتأقت، والتحكيم، والقضاء يقبلان التأقيت نهي الوكيل عن البيع يوما يتأقت هذه الجملة لبيان ما يتوقت.
وما لا يتوقت ذكرتها هنا لكثرة فوائدها وهي مذكورة في البزازية من فصل الأمر باليد، وفيها من الأيمان أنت كذا إذا جاء غد يمين أنت كذا غدا ليس بيمين لأنه أضافه، والطلاق المضاف إلى وقتين ينزل عند أولهما، والمعلق بالفعلين عند آخرهما، والمضاف إلى أحد الوقتين كقوله غدا أو بعد غد طلقت بعد غد ولو علق بأحد الفعلين ينزل عند أولهما، والمعلق بفعل أو وقت يقع بأيهما سبق.
وفي الزيادات إن وجد الفعل أولا يقع ولا ينظر وجود الوقت، وإن وجد الوقت أولا لا يقع ما لم يوجد الفعل ا هـ. وفيها من فصل الاستثناء أنت طالق ثلاثا إلا واحدة غدا أو إن كلمت فلانا تعلق ثنتان لمجيء الغد وكلام فلان ا هـ.
وفي المحيط: ولو قال أنت طالق تطليقة تقع عليك غدا تطلق حين يطلع الفجر فإنه وصف التطليقة بما تتصف به فإنها تتصف بالوقوع غدا بأن كانت مضافة إلى الغد فلا تقع بدون ذلك الوصف، ولو قال: تطليقة لا تقع إلا غدا طلقت للحال لأنه وصفها بما لا تتصف به إذ ليس من الطلاق ما لا يقع إلا في الغد بل يتصور وقوعه حالا واستقبالا فلغا ذكر الوصف فبقي مرسلا كما لو قال: أنت طالق تطليقة تصير أو تصبح غدا ولو قال أنت طالق بعد يوم الأضحى تطلق حين يمضي اليوم لأن البعدية صفة للطلاق لما بينا فصار الطلاق مضافا إلى ما بعد يوم الأضحى فلم يقع قبله، ولو قال بعدها يوم الأضحى طلقت للحال لأن البعدية صفة لليوم فيتأخر اليوم عن الطلاق فبقي الطلاق مرسلا غير مضاف، ولو قال مع يوم الأضحى طلقت حين يطلع فجره لأن مع للقران فقد جعل الوقوع مقارنا ليوم الأضحى ولو قال معها يوم الأضحى طلقت للحال لأن حرف مع هنا دخلت على الوقت فصار مضيفا الوقت إلى الطلاق وإضافة الوقت إلى الطلاق باطل لأنه مما لا يتجزأ فيبقى الطلاق مرسلا كما لو قال: أنت طالق قبلها يوم الأضحى طلقت للحال ا هـ.

 

ج / 3 ص -392-       ونية العصر تصح في الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الذخيرة: الحاصل أن الطلاق إذا أضيف إلى وقت لا يقع ما لم يجئ ذلك الوقت، وإن أضيف الوقت إلى الطلاق وقع للحال، وتوضيحه فيها وقيد بقوله غدا لأنه لو قال: أنت طالق لا بل غدا طلقت الساعة واحدة، وفي الغد أخرى كذا في المحيط معزيا إلى أبي يوسف، وفي البزازية إن شئت فأنت طالق غدا فالمشيئة إليها للحال بخلاف أنت طالق غدا إن شئت فإن المشيئة إليها في الغد، وفي الظهيرية لو قال رجل لامرأته: أنت طالق غدا إذا دخلت الدار يلغو ذكر الغد فيتعلق الطلاق بدخول الدار حتى لو دخلت في أي وقت كان طلقت وهذا مشكل فإنه إذا ألغى ذكر الغد يصير فاصلا بين الشرط، والجزاء فوجب أن يتجزأ الجزاء ولو قدم الشرط وقال: إن دخلت الدار فأنت طالق غدا يتعلق طلاق الغد بالدخول ا هـ. وبه علم أن التقييد بالوقت إنما يصح إذا لم يأت بعده تعليق لتعارض الإضافة، والتعليق فيترجح المتأخر.
قوله: "ونية العصر تصح في الثاني "أي نية آخر النهار تصح مع ذكر كلمة في ولا تصح عند حذفها قضاء عند أبي حنيفة وقالا لا تصح في الثاني كالأول، والفرق له عموم متعلقها بدخولها مقدرة لا ملفوظة لغة للفرق بين صمت سنة، وفي سنة لغة وكذا شرعا فيما لو حلف ليصومن عمره فإنه يتناول جميع عمره حتى لا يبر في يمينه إلا بصوم جميع العمر.
ولو قال لأصومن في عمري فإنه يتناول ساعة من عمره حتى لو صام ساعة بر في يمينه كما في المعراج فنية جزء من الزمان مع ذكرها نية الحقيقة لأن ذلك الجزء من أفراد المتواطئ ومع حذفها نية تخصيص العام فلا يصدق قضاء وإنما يتعين أول أجزائه مع عدمها لعدم المزاحم وجعلهم لفظة غد عاما مع كونه نكرة في الإثبات لتنزيل الأجزاء منزلة الأفراد وكان يكفيهم أن يقال إنه خلاف الظاهر، وفيه تخفيف على نفسه وهذا بخلاف ما لا يتجزأ الزمان في حقه فإنه لا فرق فيه بين الحذف، والإثبات كصمت يوم الجمعة، وفي يوم الجمعة قيدنا بكونه قضاء لأنه يصدق ديانة فيهما اتفاقا، واليوم، والشهر ووقت العصر كالغد فيهما ومثل قوله في غد قوله: في شعبان مثلا فإذا قال أنت طالق في شعبان فإن لم تكن له نية طلقت حين تغيب الشمس من آخر يوم من رجب، وإن نوى آخر يوم من شعبان فهو على الخلاف ومما تفرع على حذف في وإثباتها لو قال أنت طالق كل يوم يقع واحدة عند الثلاثة وقال زفر: تقع ثلاث في ثلاثة أيام ولو قال في كل يوم طلقت ثلاثا في كل يوم واحدة إجماعا كما لو قال عند كل يوم أو كلما مضى يوم، والفرق لنا أن في للظرف، والزمان إنما هو ظرف من حيث الوقوع فيلزم من كل يوم فيه وقوع تعدد الواقع بخلاف كون كل يوم فيه الاتصاف بالواقع فلو نوى أن تطلق كل يوم تطليقة أخرى صحت نيته، وفي الخلاصة أنت طالق مع كل يوم تطليقة فإنها تطلق ثلاثا ساعة حلف.

 

ج / 3 ص -393-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي التتمة أنت طالق رأس كل شهر تطلق ثلاثا في رأس كل شهر واحدة ولو قال: أنت طالق رأس كل شهر طلقت واحدة لأن في الأول بينهما فصل في الوقوع ولا كذلك في الثاني ولو قال أنت طالق كل جمعة فإن كانت نيته على كل يوم جمعة فهي طالق في كل يوم جمعة حتى تبين بثلاث، وإن كانت نيته على كل جمعة تمر بأيامها على الدهر فهي طالق واحدة، وإن لم يكن له نية فهي واحدة ا هـ.
وفي المحيط لو قال: أنت علي كظهر أمي كل يوم كان ظهارا واحدا فلا يقربها ليلا ولا نهارا حتى يكفر كما لو قال أنت طالق كل يوم ولو قال في كل يوم كان مظاهرا في كل يوم لأنه أفرد كل يوم بالظهار فإذا جاء الليل بطل الظهار وعاد من الغد لأن الظهار يتوقت فإذا مضى الوقت بطل الظهار، وإن كفر في كل يوم فله أن يقربها في ذلك اليوم لأن الظهار قد ارتفع بالتكفير وعاد من الغد، ولو قال أنت علي كظهر أمي اليوم وكلما جاء يوم كان مظاهرا اليوم فإذا جاء الليل بطل وله أن يقربها ليلا لأنه وقته باليوم فإذا جاء الغد صار مظاهرا ولا يقربها ليلا ولا نهارا حتى يكفر وكذلك في كل يوم هو مظاهر ظهارا مستقبلا عند طلوع الفجر لا يبطله إلا كفارة على حدة لأنه ذكره بكلمة كلما فينعقد كل يوم ظهار على حدة وهو مرسل فيقع مؤبدا ا هـ.
وفي البزازية: ويدخل في قوله لا أكلمه كل يوم الليلة حتى لو كلمه في الليل فهو كالكلام بالنهار كما في قوله أيام هذه الجمعة، وفي قوله في كل يوم لا تدخل الليلة حتى لو كلمه في الليل لا يحنث لا يكلمه اليوم وغدا وبعد غد فهذا على كلام واحد ليلا كان أو نهارا ولو قال في اليوم، وفي غد، وفي بعد غد لا يحنث حتى يكلم في كل يوم سماه ولو كلمه ليلا لا يحنث في يمينه ا هـ. ومما يدخل تحت هذا الأصل ما عن أبي حنيفة لو استأجره لينجز له كذا من الدقيق اليوم فسدت لجهالة المعقود عليه من كونه العمل أو المنفعة ولو قال في اليوم لا تفسد لأنه للظرف لا لتقدير المدة فكان المعقود عليه العمل فقط ذكره الشارح في الإجارات، وفي التلويح ومما خرج عن هذا الأصل ما روى إبراهيم عن محمد أنه إذا قال أمرك بيدك رمضان أو في رمضان فهما سواء وكذا غدا أو في غد ويكون الأمر بيدها في رمضان أو في الغد كله ا هـ. يعني: فلم يتعين الجزء الأول هنا وهذه رواية ضعيفة عن محمد لما في المحيط من باب الأمر باليد وعن محمد لو قال أمرك بيدك اليوم فهو على اليوم كله ولو قال في هذا اليوم فهو على مجلسها وهو صحيح موافق لقوله أنت طالق غدا أو أنت طالق في الغد ا هـ. ما في المحيط وجزم به في البزازية فلم يخرج عن هذا الأصل وعلى تلك الرواية فالفرق أن الطلاق مما لا يمتد بخلاف الأمر باليد، وفي الصيرفية قال لها إن طلقتك غدا فأنت طالق ثلاثا في هذا اليوم

 

ج / 3 ص -394-       وفي اليوم غدا أو غدا اليوم يعتبر الأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينبغي أن تطلق ثلاثا للحال لأن الثلاث في اليوم لا تصلح جزءا للطلاق في الغد ا هـ.
وفي الجامع الكبير للصدر الشهيد امرأته طالق وعبده حر غدا أو وسط غد وقعا فيه لإضافتهما إليه قال امرأته طالق اليوم وعبده حر غدا كان كما قال ولو ذكر غدا متقدما يتأخر العتق على الأصح ولو استثنى في آخره انصرف إلى الكل ا هـ. ذكره في باب الحنث يقع بأمرين أو بأمر واحد، وفي الخانية طلق امرأتي غدا فقال لها الوكيل أنت طالق غدا كان باطلا.
قوله: "وفي اليوم غدا أو غدا اليوم يعتبر الأول "أي يقع الطلاق في أول الوقتين تفوه به عند عدم النية أما الأول فلأنه نجزه فلا يقع متأخرا إلى وقت في المستقبل ولا يعتبر لإضافة أخرى لأنه لا حاجة إليه لأنها إذا طلقت اليوم كانت غدا كذلك وأما الثاني فلأنه وقع مضافا بعده فلا يكون منجزا بعده بل لو اعتبر كان تطليقا آخر وإنما وصفها بواحدة فلزم إلغاء الثاني ضرورة ولا يمكن جعله نسخا للأول لأن النسخ إنما يكون بكلام مستجد متراخ وهو منتف.
قيد بقوله اليوم غدا لأنه إذا قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لا تطلق إلا بطلوع الفجر فتوقف المنجز لاتصاله بغير الأول بالآخر، وقد جعلوا الشرط مغيرا للأول دون الإضافة، وقد طولبوا بالفرق بينهما وما ذكروا من أن اليوم في الشرط لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع، وفي الإضافة لبيان وقت الوقوع لا يفيد فرقا ولو قال أنت طالق اليوم وإذا جاء غد طلقت واحدة للحال وأخرى في الغد لأن المجيء شرط معطوف على الإيقاع، والمعطوف غير المعطوف عليه، والموقع للحال لا يكون متعلقا بشرط فلا بد وأن يكون المتعلق تطليقة أخرى كذا في المحيط، وفي البزازية أنت طالق الساعة وغدا أخرى بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بنصف الألف، والأخرى غدا بغير شيء، وإن تزوجها قبل مجيء الغد ثم جاء الغد تقع أخرى بخمسمائة أخرى ا هـ.
وذكر الواو في المسألة الأولى وعدم ذكرها سواء حتى لو قال أنت طالق اليوم وغدا أو أول النهار وآخره لا يقع عليه إلا واحدة إلا إذا نوى أخرى فيتعدد، وفي المسألة الثانية بينهما فرق فإنه لو قال أنت طالق اليوم وغدا وقعت واحدة ولو قال أنت طالق غدا، واليوم وقعت ثنتان للمغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه عند الاحتياج وهو في الثانية دون الأولى وكذا لو قال أمس، واليوم فهي ثنتان لأن الواقع في اليوم لا يكون واقعا في الأمس فاقتضى أخرى ولو قال اليوم وأمس فهي واحدة مثل قوله اليوم وغدا كذا في المحيط فيه لو قال أنت طالق غدا، واليوم وبعد

 

ج / 3 ص -395-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غد، والمرأة مدخول بها يقع ثلاثا خلافا زفر، وفي الخانية أنت طالق اليوم وبعد غد طلقت ثنتين في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.
وقيدنا بعدم النية لأنه لو نوى في الأولى أن يقع عليها اليوم واحدة وغدا واحدة صح ووقعت ثنتان ولو قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد تقع واحدة بلا نية فإن نوى ثلاثا متفرقة على ثلاثة أيام وقعن كذلك.
واستفيد من المسألتين أنه لو قال بالنهار أنت طالق بالليل، والنهار يقع عليه تطليقتان ولو قال بالنهار، والليل تقع واحدة ولو كان بالليل انعكس الحكم كذا في التنقيح للمحبوبي وعلى هذا فما ذكره الشارح من أنه لو قال أنت طالق آخر النهار وأوله تطلق ثنتين ولو قال أنت طالق أول النهار وآخره تطلق واحدة مقيد بما إذا كانت هذه المقالة في أول النهار فلو كانت في آخر النهار انعكس الحكم، وفي المحيط الأصل أن الطلاق متى أضيف إلى وقتين مستقبلين نزل في أولهما ليصير واقعا فيهما. وإن كان أحد الوقتين كائنا، والآخر مستقبلا وبينهما حرف العطف فإن بدأ بالكائن وقع طلاق واحد في أولهما، وإن بدأ بالمستقبل وقع طلاقان ا هـ.
وفي الظهيرية قال لها أنت طالق ما خلا اليوم طلقت للحال ا هـ. وفي تلخيص الجامع لو قال لها أنت طالق طلاقا لا يقع إلا غدا أو طلاقا لا يقع إلا في دخولك الدار وقع للحال ولا يتقيد بالدخول ولا بالغد لأنه وصفه بما لا يصلح وصفا له إذ لا يصلح أن يكون الطلاق واقعا في غد فقط أو في دخولها فقط وهذا بخلاف قوله أنت طالق تطليقة لا تقع عليك إلا بائنا حيث تقع عليها واحدة بائنة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن عند محمد لا يلحق الوصف.
وفي المحيط الأصل أن الطلاق متى أضيف إلى أحد الوقتين وقع عند آخرهما كقوله أنت طالق غدا أو رأس الشهر يقع عند رأس الشهر وكذا اليوم أو غدا يقع عند الغد، وإن علقه بفعلين يقع عند آخرهما نحو إذا جاء فلان وفلان فلا يقع إلا عند مجيئهما، وإن علق بأحد الفعلين يقع عند أولهما نحو: إذا جاء فلان أو جاء فلان فأيهما جاء طلقت، وإن علقه بالفعل، والوقت يقع بكل واحدة تطليقة، وإن علقه بفعل أو وقت فإن سبق الفعل وقع ولم ينتظر الوقت، وإن سبق الوقت لم يقع حتى يوجد الفعل وتمامه فيه. وفي التلخيص: لو قال طالق اليوم ورأس الشهر اتحد الواقع في الأصح بخلاف التخيير لأن الأول انتهى بالغروب كالظهار إذ الوقت كالمجلس فقدر الصدر معاد إحذار اللغو كذا يوما ويوما لا لأن لا لغو إلا أن يزيد أبدا ترجيحا للتعديد على النفي بالعرف عكس الأول فيقع ثلاثا آخرهن في الخامس، وفي نسخة السادس بدأ من الثاني إذا أضاف إلى أحد الوقتين، والأظهر البداءة من الأول في الصورة الثانية كما لو لم يزد وله النية إلا

 

ج / 3 ص -396-       أنت طالق قبل أن أتزوجك أو أمس ونكحها اليوم لغو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يتهم فترد قضاء ا هـ. وتوضيحه في شرحه.
وفي الجامع للصدر الشهيد المعلق بشرطين ينزل عند آخرهما وبأحدهما عند الأول، والمضاف بالعكس قال: أنت طالق غدا وبعده يقع غدا وبعده في أو قال أنت طالق إذا جاء زيد وعمرو يقع عند آخرهما وبأو عند الأول قال: إن دخل هذه فعبده حر أو إن كلمهن فامرأته طالق أيهما وجد شرطها نزل جزاؤها وتبطل الأخرى، وإن وجدا معا يتخير ولا يتخير قبله قال أنت طالق غدا أو عبده حر بعده ينزل أحدهما بعده ويتخير قال أنت طالق إن دخلت هذه الدار، وإن دخلت هذه أو أوسط الجزاء يتعلق بأحدهما ولا يتعدد، وإن أخره فيهما وكذا إن لم يعد حرف الشرط قدم أو وسط أو أخر ذكره في الأيمان، وفي الخانية أنت طالق غدا إن شئت كانت المشيئة إليها في الغد ولو قال لها إن شئت فأنت طالق غدا كانت المشيئة للحال عند محمد وقال أبو يوسف: المشيئة إليها في الغد في الفصلين، وقال زفر: المشيئة إليها للحال في الفصلين وهو قول أبي حنيفة ا هـ.
قوله: "أنت طالق قبل أن أتزوجك أو أمس ونكحها اليوم لغو "بيان للمضاف إلى زمن ماض بعد بيان المستقبل لأنه أسنده إلى حالة منافية فصار كقوله طلقتك وأنا صبي أو نائم أو مجنون وكان جنونه معهودا وإلا طلقت للحال.
قيد بالطلاق لأنه لو قال لعبده أنت حر قبل أن أشتريك أو أنت حر أمس، وقد اشتراه اليوم عتق عليه لإقراره له بالحرية قبل ملكه كما لو أقر بعتق عبد ثم اشتراه ولا فرق في المسألة الأولى بين أن يزيد على قوله قبل أن أتزوجك بشهر أولا كما في المحيط.
وقيد بكونه لم يعلقه بالتزوج لأنه لو علقه بالتزوج فلا يخلو إما أن يقدم الجزاء أو يؤخره فإن قدمه فله صورتان إحداهما أن يجعل القبلية متوسطة كقوله: أنت طالق قبل أن أتزوجك إذا تزوجت بك. والثانية أن يؤخرها كقوله: أنت طالق إذا تزوجتك قبل أن أتزوجك، وفيهما يقع الطلاق عند وجود التزوج اتفاقا وتلغو القبلية لأنه في الصورة الثانية تم الشرط، والجزاء فصح التعليق وبقوله قبل أن أتزوجك قصد إبطاله لأنه أثبت وصفا للجزاء لا يليق به وأنه لا يمكن فيلغى وأما في الصورة الأولى فالتعليق المتأخر ناسخ للإضافة قبله فصار كما لو قال أنت طالق قبل أن تدخلي الدار إن دخلتيها تعلق بدخولها ولغا قوله: قبل أن تدخلي، وإن أخر الجزاء بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع عندهما خلافا لأبي يوسف لأن ذكر الفاء رجح جهة الشرطية، والمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده فصار كأنه قال بعد التزوج أنت طالق قبل أن أتزوجك.

 

ج / 3 ص -397-       وإن نكحها قبل أمس وقع الآن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أن أبا يوسف لم يفرق بين تقديم الشرط وتأخيره وهما فرقا، وفي شرح تلخيص الجامع لا يقال بأن قوله قبل أن أتزوجك كلام لغو، وقد فصل بين الشرط، والمشروط فوجب أن لا يتعلق الطلاق بالتزوج لأنا نقول لا نسلم أنه لغو بل تصريح بما انتظمه صدر الكلام لأنه يقتضي كونه إيقاعا في الحال إدخال وجود القول منه بوصف بكونه قبل التزوج فصار كما لو قال لمنكوحته: أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار أو أنت طالق قبل أن تدخلي الدار إن دخلت الدار لأن قوله الساعة وقبل أن تدخلي تصريح بما اقتضاه صدر الكلام على أنه لو جعل هناك فاصلا يتنجز وهنا لو جعل قبل أن أتزوجك فاصلا يلغو فكان أولى باعتبار كونه غير فاصل تصحيحا لكلام العاقل ا هـ.
وفي المحيط إن تزوجت فلانة بعد فلانة فهما طالقتان فتزوجهما كما قال: طلقتا لأنه أضاف الطلاق إلى تزوجهما لأن قوله بعد فلانة أي بعد تزوج فلانة فصار تزوج فلانة مذكورا ضرورة وقد تزوجهما كما شرط فوجد الشرط فنزل الطلاق، وإن قال إن تزوجت فلانة قبل فلانة فهما طالقتان فتزوج الأولى طلقت لأن الشرط في حقها قد وجد وهو القبلية لأن وصف الشيء بالقبلية لا يقتضي وجود ما بعده، وإن تزوج الثانية طلقت أيضا وقيل ينبغي أن لا تطلق، ولو قال إن تزوجت زينب قبل عمرة بشهر فهما طالقتان فتزوج زينب ثم عمرة بعدها بشهر طلقت زينب للحال لوجود الشرط ولا يستند كما لو قال أنت طالق قبل قدوم فلانة بشهر ولا تطلق عمرة لأنه أضاف طلاق عمرة إلى شهر قبل تزوجها، ولو قال إن تزوجت زينب قبيل عمرة فتزوج زينب وحدها لا تطلق لأن قبيل عبارة عن ساعة لطيفة يتصل به ما ذكر عقيبه وذلك لا يعرف إلا بالتزويج بعمرة كما لو قال أنت طالق قبيل الليل لا تطلق إلا عند غروب الشمس فلو قال قبل الليل تطلق للحال فإن تزوج عمرة بعد ذلك طلقت زينب لا عمرة، وإن طال ما بين التزوجين لم تطلق إحداهما ا هـ.
"قوله: وإن نكحها قبل أمس وقع الآن" لأنه أسنده إلى حالة منافية ولا يمكن تصحيحه إخبارا أيضا فكان إنشاء، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة وعلى هذه النكتة حكم بعض المتأخرين من مشايخنا في مسألة الدور المنقولة عن متأخري الشافعية بالوقوع.
وهي إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وحكم أكثرهم بأنها لا تطلق بتنجيز طلاقها لأنه لو تنجز وقع المعلق قبله ثلاثا ووقوع الثلاث سابقا على التنجيز يمنع المنجز بوقوع المنجز والمعلق لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال ونقول أيضا إن هذا تغيير لحكم اللغة لأن الأجزئة تنزل بعد الشرط أو معه لا قبله ولحكم العقل أيضا. لأن مدخول أداة الشرط سبب،

 

ج / 3 ص -398-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجزاء مسبب عنه ولا يعقل تقدم المسبب على السبب فكان قوله: قبله لغوا ألبتة فيبقى الطلاق جزاء للشرط غير مقيد بالقبلية ولحكم الشرع لأن النصوص ناطقة بشرعية الطلاق وهذا يؤدي إلى رفعها فيتفرع في المسألة المذكورة: وقوع ثلاث الواحدة المنجزة وثنتان من المعلقة ولو طلقها ثنتين وقعتا وواحدة من المعلقة أو طلقها ثلاثا يقعن فينزل الطلاق المعلق لا يصادف أهلية فيلغو ولو كان قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثم طلقها واحدة وقعت ثنتان المنجزة، والمعلقة وقس على ذلك كذا في فتح القدير، وفيه نظر لأنه ينتقض بقوله تعالى:
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] فإن الأول استقرار النعمة بالمخاطبين، والثاني كونها من الله عز وجل وليس الأول سببا للثاني بل الأول فرع للثاني وقال الرضي لا يلزم مع الفاء أن يكون الأول سببا للثاني بل اللازم أن يكون ما بعد الفاء لازما لمضمون ما قبلها كما في جميع صور الشرط، والجزاء ففي قوله تعالى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} كون النعمة منه لازم حصولها معنى ولا يغرنك قول بعضهم إن الشرط سبب في الجزاء ا هـ. وتمامه في شرح المغني للدماميني من بحث ما من المبحث الأول وحينئذ فلا يلغو قوله: قبله لعدم المنافاة ولا يضر رفع شرعية الطلاق على واحد اختار لنفسه ذلك فألزم نفسه به كما لو قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق فإنه صحيح عندنا، وإن كان فيه سد باب النكاح المشروع، وفي القنية من آخر كتاب الأيمان قال لها كلما وقع عليك طلاقي وأنت قبله طالق ثلاثا ثم طلقها بعد ذلك ثلاثا يقعن وهذا طلاق الدور وإنه لا يقع عند الشافعي قال الغزالي في وجيزه إذا قال: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا يحسم باب الطلاق على أظهر الوجهين وقيل إذا نجز واحدة تقع تلك الواحدة وقيل تقع الثلاث إن كان بعد الدخول ثم قال الغزالي إن وطئت وطئا مباحا فأنت طالق قبله فوطئ فلا خلاف أنها لا تطلق ا هـ. والأصح عند الشافعية ما صححه الشيخان من وقوع المنجزة دون المعلقة كما في شرح التنبيه، وفيه لو قال لزوجته: متى دخلت الدار وأنت زوجتي فعبدي حر قبله ومتى دخلها وهو عبدي فأنت طالق قبله ثلاثا فدخلا معا لم يعتق العبد ولم تطلق الزوجة للزوم الدور. لأنهما لو حصلا لحصلا معا قبل دخولهما ولو كان كذلك لم يكن العبد عبده وقت الدخول ولا المرأة زوجته وقتئذ فلا تكون الصفة المعلق عليها حاصلة ولا يتأتى في هذا القول بطلان الدور إذ ليس فيها سد باب التصرف ولو دخلا مرتبا وقع المعلق على المسبوق دون السابق فلو دخلت المرأة أولا ثم العبد عتق ولم تطلق هي لأنه حين دخل لم يكن عبدا له فلم تحصل صفة طلاقها، وإن دخل العبد أولا ثم المرأة طلقت ولم يعتق العبد، وإن لم يذكر في

 

ج / 3 ص -399-       أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقه المذكور لفظة قبل في الظرفين ودخلا معا عتق وطلقت، وإن دخلا مرتبا فكما سبق ا هـ. وفيه ولو قال إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت النكاح بعيب فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد المعلق به صح ولغا تعليق الطلاق لاستحالة وقوعه ا هـ.
قوله: "أنت طالق ما لم أطلقك أو متى لم أطلقك أو متى ما لم أطلقك وسكت طلقت" بيان لما إذا أضاف إلى مطلق الوقت وذكرهم إن وإذا هنا بالتبعية وإلا فالمناسب لهما التعليق لا الإضافة وإنما طلقت بالسكوت لأن "متى "ظرف زمان وكذا ما تكون مصدرية نائبة عن ظرف الزمان كما في قوله تعالى:
{مَا دُمْتُ حَيّاً} [مريم: 31] أي مدة دوام حياتي أو مدة دوامي حيا وهي، وإن استعملت للشرط لكن اتفق العلماء على أنها هنا للوقت ولذا نقل في فتح القدير اتفاق العلماء على وقوع الطلاق بالسكوت فصار حاصل المعنى إضافة طلاقها إلى زمان خال عن طلاقها وهو حاصل بسكوته.
قيد بقوله وسكت لأنه لو قال موصلا أنت طالق بر كما سيأتي ومثل متى حين وزمان وحيث ويوم فلو قال حين لم أطلقك ولا نية له فهي طالق حين سكت وكذا زمان لم أطلقك وحيث لم أطلقك ويوم لم أطلقك إذا كان بلم الجازمة فلو كان بلا النافية نحو زمان لا أطلقك أو حين لا أطلقك بحرف لا النافية لم تطلق حتى تمضي ستة أشهر، والفرق بين الحرفين إن لم تقلب المضارع ماضيا مع النفي، وقد وجد زمان لم يطلقها فيه فوقع وكلمة لا للاستقبال غالبا فإن لم يكن له نية لا يقع في الحال وإنما يراد بحين ستة أشهر لأنه أوسط استعمالاته من الساعة، والأربعين سنة وستة أشهر في قوله تعالى:
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الانسان: 1] {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [ابراهيم: 25]، والزمان كالحين لأنهما سواء في الاستعمال ولو قال يوم لا أطلقك لم تطلق حتى يمضي يوم الكل من المحيط وأما حيث فهي للمكان وكم مكان لم يطلقها فيه كذا في فتح القدير فكأنه قال أنت طالق في مكان لم أطلقك فيه. وذكر في المغني أن الأخفش جعلها للزمان أيضا فلا إشكال.
وقيد بما ذكر لأنه لو قال كلما لم أطلقك فأنت طالق وسكت يقع الثلاث متتابعا لا جملة لأنها تقتضي عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فإن لم تكن مدخولا بها بانت بواحدة فقط.
وقيد بمطلق الوقت لأنه لو قيده مع العدم كأن قال إن لم تدخلي الدار سنة فأنت طالق فمضت السنة قبل الدخول طلقت كما في الإيلاء كذا في البدائع.

 

ج / 3 ص -400-       وفي إن لم أطلقك أو إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لا حتى بموت أحدهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وفي إن لم أطلقك أو إذا لم أطلقك أو إذا ما لم أطلقك لا حتى بموت أحدهما" أي لا يقع الطلاق إلا بموت أحدهما قبل التطليق عند عدم النية ودلالة الفور لأن الشرط أن لا يطلقها وذلك لا يتحقق إلا باليأس عن الحياة وهو في آخر جزء من أجزاء الحياة أما في موته فظاهر ولم يقدره المتقدمون بل قالوا تطلق قبيل موته فإن كانت مدخولا بها ورثته بحكم الفرار، وإن كان الطلاق ثلاثا وإلا لا ترثه.
وأشار بقوله بموت أحدهما أن موتها كموته وصححه في الهداية ولا يرد عليه ما لو قال إن لم أدخل الدار فأنت طالق حيث يقع بموته لا بموتها لأنه يمكنه الدخول بعد موتها فلا يتحقق اليأس بموتها فلا يقع الطلاق أما الطلاق فإنه يتحقق اليأس عنه بموتها لعدم المحلية وإذا حكمنا بوقوعه قبيل موتها لا يرث منها الزوج لأنها بانت قبيل الموت فلم يبق بينهما زوجية حال الموت وإنما حكمنا بالبينونة، وإن كان المعلق صريحا لانتفاء العدة كغير المدخول بها لأن الفرض أن الوقوع في آخر جزء لا يتجزأ فلم يله إلا الموت وبه تبين ولذا جعل المصنف الوقوع بالموت، وإن كان قبيله وقد ظهر أن عدم إرثه منها مطلق سواء كانت مدخولا بها أو لا ثلاثا أو واحدة وبه تبين أن تقييد الشارح عدمه بعدم الدخول أو الثلاث غير صحيح وتسوية المصنف بين إن وإذا مذهب أبي حنيفة فهي عنده إذا جوزي بها حرف لمجرد الشرط لأن مجرده ربط خاص وهو من معاني الحروف. وقد تكون الكلمة حرفا أو اسما فلما كانت للشرط، والوقت لم يقع الطلاق للحال بالشك وعندهما كمتى للوقت.
وحاصله أن الإمام بنى مذهبه على أن إذا تخرج عن الظرفية وتكون لمحض الشرط وهو قول بعض النحاة كما ذكره في المغني لكن ذكر أن الجمهور على أنها للظرفية متضمنة معنى الشرطية وأنها لا تخرج عن الظرفية وهو مرجح لقولهما هنا، وقد رجحه في فتح القدير ولا يرد على أبي حنيفة أنت طالق إذا شئت حيث وافقهما أنها كمتى فلا يخرج الأمر من يدها ولو كانت كإن لخرج الأمر من يدها لشك الخروج بعد تحقق الدخول واعترض عليه بأن وقوع الشك في الشرطية، والظرفية يوجب وقوعه في الحل، والحرمة في الحال فكان ينبغي أن تحرم تقديما للمحرم كما قالا وأجيب بأن الشك لا يوجب شيئا إنما ذلك مع تعارض دليل الحرمة مع دليل الحل فالاحتياط العمل بدليل الحرمة أما هنا لو اعتبرنا الحرمة لم نعمل بدليل بل بالشك.
وقيدنا بعدم النية لأنه لو نوى بإذا معنى متى صدق اتفاقا قضاء وديانة لتشديده على نفسه وكذا إذا نوى بإذا معنى "إن" على قولهما وينبغي أن يصدق عندهما ديانة فقط لأنها عندهما ظاهرة في الظرفية، والشرطية احتمال فلا يصدقه القاضي.

 

 

ج / 3 ص -401-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيدنا بعدم دلالة الفور لأنه لو قامت دلالة عليه عمل بها، ولذا قال في القنية لو قالت له: طلقني فقال إن لم أطلقك يقع على الفور، وقد زاد هذا القيد في المبتغي بالمعجمة فقال لو قال لها إن لم تخبريني بكذا فأنت طالق فهو على الأبد إن لم يكن ثمة ما يدل على الفور ا هـ. وتبعه عليه في فتح القدير وقال: إنه قيد حسن ومن ثم قالوا: لو أراد أن يجامع امرأته فلم تطاوعه فقال إن لم تدخلي البيت معي فأنت طالق فدخلت بعدما سكنت شهوته طلقت لأن مقصوده من الدخول كان قضاء الشهوة، وقد فات.
وفي الولوالجية البول لا يقطع الفور، والصلاة إذا خاف خروج وقتها كذلك وهو قول الحسن بن زياد وبه يفتى وقال نصير: الصلاة تقطع الفور وستأتي مسائل الفور في آخر باب اليمين على الخروج، والدخول إن شاء الله تعالى ومما يناسب مسألة أن الصلاة لا تقطع الفور ما في الفتاوى الصيرفية حلف بالطلاق ليصلين الظهر في مسجده فذهب إلى موضع لو يجيء تفوته الصلاة وإلا لا قال يصليها في وقته وتطلق ثم رقم بعلامة ب د إن هذا في الواحدة أما في الثلاث فيصلي في مسجده ا هـ.
وقيد باقتصاره في التعليق على عدم التطليق لأنه لو قال: إذا طلقتك فأنت طالق وإذا لم أطلقك فأنت طالق فمات قبل أن يطلق وقع عليها طلاقان لأنه لما مات قبل التطليق حنث في اليمين الثانية فيقع عليها طلاق وهذا الطلاق يصلح شرطا في اليمين الأولى فحنث في اليمينين ولو قلب فقال إذا لم أطلقك فأنت طالق وإذا طلقتك فأنت طالق فمات قبل أن يطلق وقعت واحدة بسبب اليمين الأولى ولا يصلح شرطا للثانية لأنه وقع بكلام وجد قبل اليمين الثانية، والشروط تراعى في المستقبل لا الماضي كذا ذكره في المنتقى ولم يحك فيه خلافا.
وقال قاضي خان في شرحه وعلى قياس قولهما ينبغي أن لا ينتظر الموت بل كما سكت حنث ا هـ.
وقيد بكون الشرط عدم التطليق لأن الشرط لو كان التطليق بأن قال: إن طلقتك فأنت طالق فآلى منها فمضت المدة وقع عليها طلاقان لأن الإيلاء تطليق بعد المدة ولو عنينا ففرق بينهما لم يقع على الأصح.
والفرق أن في الإيلاء وقع الطلاق بقوله حقيقة، وفي العنين لا وإنما جعل مطلقا شرعا كذا في المحيط، وفي اللعان لا يحنث عند أبي يوسف وعندهما يحنث، وفي الخلع يحنث، وفي خلع

 

ج / 3 ص -402-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفضولي إن أجاز بالقول يحنث، وبالفعل لا يحنث وقال الفقيه أبو الليث لا يحنث في الإيلاء كذا في المبتغى ولو علق ووجد الشرط فإن كان التعليق قبل اليمين لا يحنث وإلا حنث ولو طلق الوكيل أو أعتق حنث سواء كان التوكيل قبل اليمين أو بعده وكذا لو قال أعتق نفسك وطلقي نفسك كذا في المحيط، وفيه لو قال لها كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فطلقها واحدة وقع الثلاث لأنه جعل شرط الحنث وقوع الطلاق عليها، وقد وقع الطلاق عليها مرتين بعد اليمين مرة بالتطليق ومرة بالحنث فوقعت الثالثة بوقوع الثانية لأن كلما توجب تكرار الجزاء بتكرار الشرط ولو قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم طلقها يقع ثنتان لأنه جعل شرط الحنث تطليقها ولم يوجد إلا مرة واحدة فوقعت واحدة بالإيقاع وأخرى بالحنث وبقيت اليمين منعقدة لأنها عقدت بحرف التكرار ا هـ.
وفي شرح التلخيص من باب الطلاق يحنث أم بغير حنث لو قال إن طلقت زينب فعمرة طالق، وإن طلقت عمرة فحمادة طالق، وإن طلقت حمادة فزينب طالق فطلقت الأولى لم تطلق الأخرى إذ الوسطى طلقت بلفظ سبق يمين الأخرى، والشرط آت لا ماض وكذا لو طلق الوسطى لم تطلق الأولى إذ الأخرى طلقت بلفظ سبق يمين الأولى كما في المحيط بخلاف إن وقع طلاقي إذ الشرط الوقوع، وقد تأخر وزانه إن أوقفت أو لفظت، وإن طلق الأخرى تطلق الوسطى لتأخر طلاق الأولى عن يمين الوسطى ولو كان قال إن طلقت حمادة فبشيرة، وإن طلقت بشيرة فزينب وطلق حمادة تطلق بشيرة، وإن طلق بشيرة طلقن إلا حمادة، والحرف ما مر ولهذا لو جعل زينب جزاء لعمرة ثم عكس تطلق زينب مثنى إن طلقها وفردا إن طلق عمرة، وإن طلق إحداهن ومات قبل الدخول، والبيان ففي الثلاث لعمرة نصف مهر بلا إرث في الطلاق قطعا ولهما مهر وربع إذ تطلق فردا في حال وفردا جزما، وفي الأربع لعمرة خمسة أثمان مهرها لأنها تطلق في حال دون حال وللباقيات مهران وربع اعتبارا للحال في فرد بعد إفراد فرد للطلاق وأخرى للنكاح لا في كل فرد كزعم عيسى وأن يراد به ربعا إذ لا حاجة مع الجزم ولعمرة ثمن إرث إن طلقت في أحوال وزاحمت في حال ولحمادة ثلاثة أثمان اعتبارا للحال في نصف لم تنازعها الأولى، وفي نصف نازعت ولأن لها الكل في حال دون أحوال، والنصف في حال دون أحوال فأخذت ربعها، والباقي للأخيرتين ا هـ.
وتوضيحه في شرح الفارسي وحاصله في النساء الثلاث أنه إن طلق زينب طلقت عمرة فقط، وإن طلق عمرة طلقت حمادة فقط، وإن طلق حمادة طلقت زينب وعمرة، وفي التلخيص

 

ج / 3 ص -403-       أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق طلقت هذه الطلقة، أنت كذا يوم أتزوجك فنكحها ليلا حنث بخلاف الأمر باليد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضا من الأيمان باب الحنث بالحلف لو حلف لا يحلف حنث بالتعليق لوجود الركن دون الإضافة لعدمه إلا أن يعلق بأعمال القلب أو بمجيء الشهر في ذوات الأشهر لأنه يستعمل في التمليك أو بيان وقت السنة فلا يتمحض للتعليق، ولهذا لم يحنث بتعليق الطلاق بالتطليق لاحتمال حكاية الواقع ولا بإن أديت فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق لأنه تفسير الكتابة ولا بإن حضت حيضة أو عشرين حيضة لاحتمال تفسير السنة ولا يلزم إن حضت لأنه لا يصلح تفسيرا للبدعي لتنوعه وتعذر التعيين فتمحض تعليقا ولا إن طلعت الشمس لأن الحمل، والمنع ثمرة فتم الركن دونها ا هـ. فالمستثنى من قولهم حنث بالتعليق ست مسائل فلتحفظ.
قوله: "أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق طلقت هذه الطلقة "تصريح بما فهم من قوله وسكت ومراده أنها تطلق المنجزة لا المعلقة استحسانا ولا يعتبر زمان الاشتغال بالمنجزة سكوتا لأن زمن البر مستثنى بدلالة حال الحلف لأنها إنما تنعقد للبر فهو المقصود بها ولا يمكن إلا بجعل هذا القدر مستثنى فهو نظير من حلف لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها فاشتغل بالنقلة من ساعته بر.
وفائدة وقوع المنجزة دون المعلقة إن المعلق لو كان ثلاثا وقعت واحدة بالمنجز فقط إذا كان موصولا فلو كان مفصولا وقع المنجز، والمعلق، وفي المحيط: لو قال لامرأته إن لم أطلقك اليوم ثلاثا فأنت طالق ثلاثا فحيلته أن يقول لها أنت طالق ثلاثا على ألف درهم فلم تقبل المرأة فإن مضى اليوم تقع الثلاث في قياس ظاهر الرواية لأنه تحقق شرط الحنث وهو عدم التطليق لأنه أتى بالتعليق، والتعليق غير التطليق وروي عن أبي حنيفة أنها لا تطلق وعليه الفتوى لأنه أتى بالتطليق لأن هذا تطليق مقيد لأنه تطليق بعوض، والمعاوضة ليست بتعليق حقيقة، والمقيد يدخل تحت المطلق فينعدم شرط الحنث ا هـ.
قوله: "أنت كذا يوم أتزوجك فنكحها ليلا حنث بخلاف الأمر باليد "يعني بخلاف ما إذا قال لها أمرك بيدك يوم يقدم زيد فإن قدم زيد ليلا لا خيار لها أو نهارا دخل الأمر في يدها إلى الغروب.
والفرق مبني على قاعدة هي أن مظروف اليوم إذا كان غير ممتد يصرف اليوم عن حقيقته وهو بياض النهار إلى مجازه وهو مطلق الوقت لأن ضرب المدة له لغو إذ لا يحتمله، وإن كان ممتدا يكون باقيا على حقيقته، والمراد بما يمتد ما يصح ضرب المدة له كالسير، والركوب، والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق وبما لا يمتد عكسه كالطلاق،

 

ج / 3 ص -404-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتزوج، والكلام، والعتاق، والدخول، والخروج، والمراد بالامتداد امتداد يمكن أن يستوعب النهار لا مطلق الامتداد لأنهم جعلوا التكلم من قبيل غير الممتد ولا شك أن التكلم يمتد زمانا طويلا لكن لا يمتد بحيث يستوعب النهار كذا في شرح الوقاية، وقد اختلف المشايخ في التكلم هل هو مما يمتد أولا فجزم في الهداية بالثاني، وجزم السراج الهندي في شرح المغني بالأول وجعل الثاني ظنا ظنه بعض المشايخ ورجحه في فتح القدير.
والحق ما في الهداية لما في التلويح من أن امتداد الإعراض إنما هو بتجدد الأمثال كالضرب، والجلوس، والركوب فما يكون في المرة الثانية مثلها في الأولى من كل وجه جعل كالعين الممتد بخلاف الكلام فإن المتحقق في المرة الثانية لا يكون مثله في الأولى فلا يتحقق تجدد الأمثال ا هـ.
ثم الجمهور ومنهم المحققون أنه يعتبر في الامتداد وعدمه المظروف وهو الجواب ومن مشايخ من تسامح فاعتبر المضاف إليه اليوم.
وحاصله أنه قد يكون المضاف إليه ومظروف اليوم مما يمتد كقوله أمرك بيدك يوم يركب فلان أو يكونا من غير الممتد كقوله أنت طالق يوم يقدم زيد، وفي هذين لا يختلف الجواب إن اعتبر المضاف إليه أو المظروف. وإن كان المظروف ممتدا، والمضاف إليه غير ممتد كقوله أمرك بيدك يوم يقدم فلان أو يكون المضاف إليه ممتدا والمظروف غير ممتد نحو أنت حر يوم يركب فلان فحينئذ يختلف الجواب مع اتفاقهم على اعتبار المظروف فيما يختلف الجواب فيه على الاعتبارين ففي أمرك بيدك يوم يقدم زيد فقدم ليلا لا يكون الأمر بيدها اتفاقا، وفي أنت حر يوم يركب زيد فركب ليلا عتق اتفاقا، ومن اعتبر المضاف إليه دون المظروف إنما اعتبره فيما لا يختلف الجواب فعلى هذا فلا خلاف في الحقيقة كما في الكشف، والتلويح وغيرهما.
ولذا اعتبر في الهداية في هذا الفصل المظروف حيث قال، والطلاق من هذا القبيل واعتبر في الأيمان المضاف إليه حيث قال في قوله يوم أكلم فلانا، والكلام فيما لا يمتد به وبه علم أن ما حكاه بعض الشارحين من الخلاف وهم، وأن ما قاله الزيلعي من أن الأوجه أن يعتبر الممتد منها وعليه مسائلهم ليس بالأوجه وأن ما قاله صدر الشريعة من أنه ينبغي أن يعتبر الممتد منهما ليس مما ينبغي وإنما الصحيح اعتبار الجواب فقط وإنما اعتبر الجواب لأن المقصود بذكر الظرف إفادة وقوع الجواب فيه بخلاف المضاف إليه فإنه، وإن كان مظروفا أيضا لكن لم يقصد بذكر الظرف ذلك بل إنما ذكر المضاف إليه ليتعين الظرف فيتم المقصود من تعيين زمن وقوع مضمون الجواب ولا شك أن اعتبار ما قصد الظرف له الاستعلام.

 

ج / 3 ص -405-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراد من الظرف أهو الحقيقي أو المجازي أولى من اعتبار ما لم يقصد له في استعلام حاله، وفي التلويح إنما اعتبر الجواب لأنه المظروف المقصود ومظروف لفظا ومعنى، والمضاف إليه ضمني معنى لا لفظا ثم قال فإن قلت كثيرا ما يمتد الفعل مع كون اليوم لمطلق الوقت مثل اركبوا يوم يأتيكم العدو وأحسنوا الظن بالله يوم يأتيكم الموت وبالعكس في مثل أنت طالق يوم يصوم زيد وأنت حر يوم تكسف الشمس.
قلت الحكم المذكور إنما هو عند الإطلاق، والخلو عن الموانع ولا يمتنع مخالفته بمعونة القرائن كما في الأمثلة المذكورة على أنه لا امتناع في حمل اليوم في الأول على بياض النهار ويعلم الحكم في غيره بدليل العقل، وفي الثاني على مطلق الوقت ويجعل التقييد باليوم من الإضافة ما إذا قال أنت طالق حين يصوم أو حين تنكسف الشمس ا هـ.
ثم لفظ اليوم يطلق على بياض النهار بطريق الحقيقة اتفاقا وعلى مطلق الوقت بطريق الحقيقة عند البعض فيصير مشتركا وبطريق المجاز عند الأكثر وهو الصحيح لأن حمل الكلام على المجاز أولى من حمله على الاشتراك لما عرف في الأصول، والمشهور أن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والنهار من طلوعها إلى غروبها، والليل للسواد خاصة وهو ضد النهار فلو قال: إن دخلت ليلا لم تطلق إن دخلت نهارا لأن الليل لا يستعمل للوقت عرفا فبقي اسما لسواد الليل وضعا وعرفا كذا في المحيط ولو قال في المسألة الأولى: عنيت به بياض النهار صدق قضاء لأنه نوى حقيقة كلامه فيصدق، وإن كان فيه تخفيف على نفسه كذا ذكر الشارح وإنما لم يقل وديانة لأن ما صدق فيه قضاء صدق فيه ديانة ولا ينعكس كما لا يخفى.
ثم اعلم أن اليوم إنما يكون لمطلق الوقت فيما لا يمتد إذا كان اليوم منكرا أما إذا كان معرفا باللام التي للعهد الحضوري فإنه يكون لبياض النهار ولذا قال في الظهيرية من الأيمان لو قال والله لا أكلمك اليوم ولا غدا ولا بعد غد كان له أن يكلمه في الليالي وإذا قال والله لا أكلمك اليوم وغدا وبعد غد فهو كقوله والله لا أكلمك ثلاثة أيام تدخل فيها الليالي ا هـ.
والفرق أنه في الأول أيمان ثلاثة لتكرار حرف لا، وفي الثاني يمين واحدة، وفي التلويح ذكر في الجامع الصغير بأنه لو قال: أمرك بيدك اليوم وغدا دخلت الليلة.
قلت وليس مبنيا على أن اليوم لمطلق الوقت بل على أنه بمنزلة أمرك بيدك يومين، وفي مثله يستتبع اسم اليوم الليلة بخلاف ما إذا قال أمرك بيدك اليوم وبعد غد فإن اليوم المنفرد لا يستتبع ما بإزائه من الليل ا هـ.

 

ج / 3 ص -406-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن فروع الإضافة أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ونحوه قال في التلخيص: باب ما يقع بالوقت وما لا يقع أنت طالق ثلاثا قبل أن أتزوجك بشهر لغو لسبقه العقد كطالق أمس أو قرانه فإنه توقف للتعرف ولا شرط لفظا ليتأخر وقبل قدوم زيد أو موته واقع إن كانا بعد شهر للإضافة، والوصف في الملك مقتصرا عندهما للتوقف مسندا عند زفر للإضافة كذا في العتق والإمام معهما في القدوم إذ المعرف الحظر شرط معنى بدليل إن كان في علم الله قدومه معه في الموت لأنه كائن فلو عرف الشهر وقع بأوله كقبل الفطر فينزل قبيل الموت من أول الشهر توسيطا بين الظهور، والإنشاء حتى لغا الخلع والكتابة عنده بسبق الزوال فيرد البدل إلا أن يموت بعد العدة لفوت محل الإنشاء ولغا طالق قبل موتي بشهر عندهما لقران الموت بخلاف العتق لبقاء الملك لكن من الثلث عندهما، والكل عنده وله البيع بشرط صفة في الموت أو غيره معه كإن مت ودفنت أو من مرضي ولو جني عليه في الشهر فالأرش له لكن أرش القن إذ لا استناد في الفائت، والخلف كالأصل فيما يقبله وهو الملك لا العتق نظيره الجناية على الساعي في كتابة أبيه وضمان التسبيب يلحق الميت بعد إعتاق الوارث فإنه يستند في حق الدين دون رد العتق بسببه. ولو بيع النصف عتق الباقي ولم يفسد البيع إذ الاستناد عدم في حق الزائل ولم يضمن لعدم الصنع كالميراث ولو قال قبل موت زيد وعمرو بشهر فمات زيد قبل شهر لم يقع أبدا لفوات الوصف، وإن مات بعده وقع لتعيين الشهر وهو المتصل بأول الكائنين كقبل الفطر، والأضحى بخلاف القدوم، والقران مبنى طعن الرازي وهو محال فلا يراد كذا قبل أن تحيضي حيضة بشهر ورأت الدم ثلاثا وقبل قدوم زيد وموت عمرو وقدم لأن الباقي كائن بخلاف ما لو مات عمرو ا هـ.
وتوضيحه في شرح الفارسي، وفي فتح القدير ولو قال: أطولكما حياة طالق الساعة لم يقع حتى تموت إحداهما فإذا ماتت طلقت الأخرى مستندا ا هـ.
وفي المحيط أنت طالق إلى قريب فهو إلى ما نوى لأن مدة الدنيا كلها قريبة، وإن لم ينو فإلى أن يمضي شهر إلا يوما.
وفي الذخيرة أنت طالق الساعة واحدة وغدا أخرى بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بنصف الألف، والأخرى غدا بغير شيء، وإن تزوجها قبل مجيء الغد ثم جاء وقعت أخرى بخمسمائة ولو قال أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة وغدا أخرى بألف فقبلت وقعت

 

ج / 3 ص -407-       أنا منك طالق لغو، وإن نوى وتبين في البائن، والحرام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واحدة للحال بغير شيء فإذا جاء الغد وقعت أخرى بألف ولو قال أنت طالق اليوم تطليقة بائنة وغدا أخرى بألف يقع للحال تطليقة بائنة بغير شيء فإذا جاء الغد وقعت أخرى بغير شيء ولو قال أنت طالق اليوم واحدة بغير شيء وغدا أخرى بألف فقبلت وقع اليوم واحدة بغير شيء وغدا أخرى بالألف ولو قال أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة وغدا أخرى أملك الرجعة بألف درهم انصرف البدل إليهما فتقع اليوم واحدة بخمسمائة وغدا أخرى بغير شيء إلا أن يتزوجها كما إذا لم يضف أصلا. وكذا إذا قال: أنت طالق الساعة ثلاثا وغدا أخرى بائنة أو قال أنت طالق الساعة واحدة بغير شيء وغدا أخرى بغير شيء بألف درهم فالبدل ينصرف إليهما فيقع اليوم واحدة بخمسمائة وغدا أخرى بغير شيء ولو وصف الثانية فقط بأن قال أنت طالق اليوم واحدة وغدا أخرى أملك الرجعة بألف أو بغير شيء بألف أو بائنة بألف لغا ذلك الوصف فتقع واحدة اليوم بخمسمائة وأخرى بغير شيء إلا أن يتزوجها فصار الحاصل أن الوجوه عشرة لأنه إما أن لا يصف واحدة منهما أو يصف الأولى فقط إما بالرجعة أو بالبينونة أو بكونها بغير شيء أو يصف الثانية فقط كذلك أو يصفهما جميعا كذلك فليتأمل.
وفي تتمة الفتاوى أنت طالق قبيل غد وقبيل قدوم فلان فهو قبل ذلك بطرفة عين لأن قبيل وقت قال أبو الفضل هذا هو الجواب في قوله قبيل قدوم فلان غير صحيح، والصحيح أنه يقع الطلاق إذا قدم فلان فلو قال إذا كان ذو القعدة فأنت طالق، وقد مضى بعضه فهي طالق ساعة ما تكلم ا هـ. وقد ذكرنا هذه المسائل تتميما للطلاق المضاف تكثيرا للفوائد والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الميسر لكل عسير.
قوله: "أنا منك طالق لغو، وإن نوى وتبين في البائن، والحرام" يعني إذا قال أنا منك بائن أو عليك حرام فإنها تبين بالنية، والفرق أن الطلاق لإزالة الملك الثابت بالنكاح أو القيد فمحل الطلاق محلهما وهي محلهما دونه فالإضافة إليه إضافة الطلاق إلى غير محله فيلغو وأما حجره عن أختها أو خامسة فليس موجب نكاحها بل حجر شرعي ثابت ابتداء عن الجمع بين الأختين وخمس لا حكما للنكاح ولهذا لو تزوجها مع أختها معا أو ضم خمسا معا لا يجوز بخلاف الإبانة لأن لفظها موضوع لإزالة الوصلة ووصلة النكاح مشتركة بينهما فصحت إضافتها إلى كل منهما عالما بحقيقتها وبخلاف التحريم لأنه لإزالة الحل وهو مشترك.
قيدنا بقولنا منك وعليك لأنه لو قال أنا بائن أو أبنت نفسي ولم يقل منك أو حرام ولم يقل عليك لم تطلق، وإن نوى لأن البينونة متعددة كما في المعراج بخلاف ما إذا قال: أنت بائن أو حرام ولم يزد عليه حيث تطلق إذا نوى لتعيين إزالة ما بينهما من الوصلة بخلاف الأول.

 

ج / 3 ص -408-       أنت طالق واحدة أولا أو مع موتي أو مع موتك لغو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار إلى أنه لو ملكها الطلاق فطلقته لا يقع لما قدمناه.
وفي القنية أنت حرام أو أنت علي حرام يقع الطلاق بدون النية ولا يحتاج إلى كلمة "علي "مت وكذا في سن فقال لو قال لها: أنا بائن ولم يقل منك أو أنا حرام ولم يقل عليك فهذا ليس بشيء بخلاف ما إذا قال أنت بائن أو أنت حرام قال رضي الله عنه، وفي خزانة الأكمل ع لو قال لها: أنت حرام أو بائن ولم يقل مني فهو باطل وهذا سهو منه حيث نقله من العيون، وفي العيون ذكر ذلك من جانب المرأة فقال لو جعل أمر امرأته بيدها فقالت للزوج أنت علي حرام أو أنت مني بائن أو حرام أو أنا عليك حرام أو بائن وقع ولو قالت أنت بائن أو حرام ولم تقل مني فهو باطل ووقع في بعض نسخ العيون ولو قال بغير تاء التأنيث وظن صاحب الأكمل أنها مسألة مبتدأة وظن أنه لو قال ذلك الرجل لامرأته فهو باطل، وقال رضي الله تعالى عنه وعند هذا ازداد سهوا شيخنا نجم الأئمة البخاري فزاد فيها لفظة لها فقال لو قال لها أنت حرام أو بائن فهو باطل، والمسألة مع تاء التأنيث مذكورة في الواقعات الكبرى المدنية وغير المدنية في مسائل العيون فعرف به سهوهما ا هـ.
والحاصل من جهة الأحكام أنه إذا أضاف الحرمة أو البينونة إليها وقع من غير إضافة إليه، وإن أضاف إلى نفسه لا يقع من غير إضافة إليها، وإن خيرها فأجابت بالحرمة أو البينونة فلا بد من الجمع بين الإضافتين أنت حرام علي أنا حرام عليك أنت بائن مني أنا بائن منك والله سبحانه وتعالى الموفق.
وقد حكي في المعراج في مسألة أنا منك طالق أن امرأة قالت لزوجها لو كان إلي ما إليك لرأيت ماذا أصنع فقال جعلت ما إلي إليك فقالت طلقتك فرفع ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال خطأ الله نوءها هلا قالت طلقت نفسي منك وروى خط الله وصوبه النسفي وقال لا يجوز خطأ وصاحب الفائق عكسه، والنوء كوكب تستمطر به العرب ا هـ.
قوله: "أنت طالق واحدة أولا أو مع موتي أو مع موتك لغو" أما الأول فهو قولهما وقال محمد يقع رجعية لصرف الشك إلى الواحدة ولهما أن الوصف متى قرن بالعدد كان الوقوع بالعدد بدليل ما أجمع عليه من أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا طلقت ثلاثا ولو

 

ج / 3 ص -409-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الوقوع بطالق لبانت لا إلى عدة فيلغو العدد ومن أنه لو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله لم يقع شيء ولو كان الوقوع بطالق لكان العدد فاصلا فوقع ومن أنها لو ماتت قبل العدد لم يقع شيء كما سيأتي ثم اعلم أن الوقوع أيضا بالمصدر عند ذكره وكذا الوقوع بالصفة عند ذكرها كما إذا قال أنت طالق ألبتة كان الوقوع بألبتة حتى لو قال بعدها إن شاء الله متصلا لا يقع ولو كان الوقوع باسم الفاعل لوقع ويدل عليه ما في المحيط لو قال أنت طالق للسنة أو أنت طالق بائن فماتت قبل أن يقول للسنة أو بائن لا يقع شيء لأنه صفة للإيقاع لا للتطليقة فيتوقف الإيقاع على ذكر الصفة وأنه لا يتصور بعد الموت ا هـ.
ويدل عليه بالأولى ما في الخانية من العتق رجل قال لعبده أنت حر ألبتة فمات العبد قبل أن يقول ألبتة فإنه يموت عبدا ا هـ.
ومراده من الواحدة مطلق العدد فلو قال أنت طالق ثلاثا أولا على الخلاف.
وقيد بالعدد لأنه لو قال أنت طالق أولا لا يقع في قولهم، وفي المحيط لو قال أنت طالق أو غير طالق أو أنت طالق أو لا شيء أو أنت طالق أولا لا يقع شيء لأنه أدخل الشك في الإيقاع وكذا لو قال أنت طالق إلا لأن هذا استثناء، والإيقاع إذا لحقه استثناء لا يبقى إيقاعا وكذا لو قال أنت طالق إن كان أو أنت طالق إن لم يكن أو لولا لأن هذا شرط، والإيقاع إذا لحقه شرط لم يبق إيقاعا ا هـ ثم قال لو قال أنت طالق واحدة أو ثنتين فالبيان إليه ولو قال ذلك لغير المدخولة تقع واحدة بلا خيار لأنها صارت أجنبية ولو قال أنت طالق وفلانة أو فلانة يقع عليها وعلى إحدى الأخريين لأن كلمة التشكيك دخلت بين الثانية، والثالثة، والأولى سلمت عن التشكيك ولو قال أنت طالق أو فلانة وفلانة يقع على الأخيرة وعلى إحدى الأوليين، والبيان إليه لأن كلمة التشكيك دخلت على الأولى، والثانية لا على الأخيرة له أربع نسوة فقال أنت طالق أو هذه وهذه أو هذه فله الخيار في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ولو قال أنت وهذه أو هذه وهذه طلقت الأولى، والأخيرة وله الخيار بين الثانية، والثالثة. ولو قال أنت طالق أو هذه وهذه وهذه طلقت الثالثة، والرابعة ويتخير في الأولى، والثانية ولو قال أنت طالق لا بل هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الأولى، والأخيرة وله الخيار في الثانية، والثالثة ولو قال عمرة طالق أو زينب إن دخلت الدار فدخلها خير في إيقاعه على أيتهما شاء لأنه علق بالدخول طلاقا مترددا بينهما ولو قال أنت طالق ثلاثا أو فلانة علي حرام وعنى به اليمين لم يجبر على البيان حتى تمضي أربعة أشهر فإذا مضت ولم يقربها يجبر على أن يوقع طلاق الإيلاء أو طلاق الصريح لأنه قبل مضي هذه المدة هو مخير بين الطلاق، والتزام الكفارة وأحدهما لا يدخل في

 

ج / 3 ص -410-       ولو ملكها أو شقصها أو ملكته أو شقصه بطل العقد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحكم فلم يلزمه القاضي وبعد مضي المدة الواقع أحد الطلاقين وذلك يدخل في الحكم فيلزمه ولو قال امرأته طالق أو عبده حر فمات قبل البيان فعند أبي حنيفة عتق العبد ويسعى في نصف قيمته وعند محمد يقع من كل واحد منهما نصفه وتمامه فيه.
وفي التلخيص من باب الحنث يقع بالواحدة، والاثنين حلف لا يكلم ذا أو ذا وذا فحنثه بالأول أو الأخيرين، وفي عكسه بالآخر أو الأولين إذ الواو للجمع وأو بمعنى ولا لتناولها نكرة في النفي بخلاف ذا حر أو ذا وذا لأنها تخص في الإثبات فأشبه أحدكما حر وذا أو الخبر معاد ثمة لا هنا فأفرد المعطوف بعتق كما أفرد بالنصف في نظيرته في الإقرار ا هـ. وذكر الشارح الفارسي أن الطلاق كالعتق، والحاصل أن الطلاق، والعتق، والإقرار من باب واحد وهو أنه إذا عطف على الأول بأو ثم عطف بالواو أن الثالث المعطوف بالواو يثبت له الحكم من غير خيار فيعتق الثالث وتطلق الثالثة ويكون نصف المال المقر به للثالث في قوله لفلان علي ألف أو لفلان وفلان، والتخيير إنما هو بين الأولين وأما في الأيمان فإنما هو جمع بين الثالث، والثاني بالواو، والأول ثبت له الحكم وحده فإن كلم الأول وحده حنث ولا يحنث إلا بكلام الأخيرين ولا يحنث بكلام أحدهما، والفرق ما ذكره في التلخيص وحاصل أو في الطلاق إما في أصله كأنت طالق أولا لا وقوع اتفاقا أو بعد العدد فكذا عندهما خلافا لمحمد كأنت طالق واحدة أولا أو بين عددين كأنت طالق واحدة أو ثنتين فالبيان إليه في المدخولة وواحدة في غيرها أو بين امرأتين فطلاق مبهم كأنت طالق أو هذه أو بين ثلاث نسوة واو في الأخيرة فقط طلقت الأولى، والبيان له في الأخريين أو بين ثلاث واو في الثانية فقط وقع على الأخيرة، والبيان له في الأوليين ولو بين أربع مكررة بأن ذكروا في الثانية، والواو في الثالثة وأو في الرابعة طلقت إحدى الأوليين وإحدى الأخريين ولو ذكر الثانية بالواو، والثالثة بأو وكذا الرابعة بالواو طلقت الأولى، والأخيرة، والبيان إليه في الثانية، والثالثة ولو أدخل أو على الثانية فقط فالبيان إليه في الأولى، والثانية ووقع على الثالثة، والرابعة. وأما المسألة الثانية أعني مع موتي أو مع موتك فلإضافة الطلاق إلى حالة منافية له لأن موته ينافي الأهلية وموتها ينافي المحلية ولا بد من الأهلية في الموقع، والمحلية في الموقع عليها إذ المعنى على تعليقه بالموت، وإن كانت مع القران بدليل أنت طالق مع دخولك الدار فإنه يتعلق به فاستدعى وقوعه تقدم الشرط وهو الموت فيقع بعد الموت وهو باطل.
قوله: "ولو ملكها أو شقصها أو ملكته أو شقصه بطل العقد" أي انفسخ لمنافاة بين الملكين أعني ملك الرقبة وملك النكاح في الأول ولاجتماع المالكية، والمملوكية في الثاني فإن قلت هل ارتفع أثر النكاح بالكلية كما ارتفع أصله قلت لا لما صرحوا به من أنه لو طلقها

 

ج / 3 ص -411-       فلو اشتراها ثم طلقها لم يقع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثنتين ثم ملكها لا تحل له إلا بعد زوج آخر، وفي المحيط: لو ظاهر من امرأته أو لاعنها وفرق بينهما ثم ارتدت، والعياذ بالله تعالى فسبيت لا يحل للزوج وطؤها بملك اليمين لأن حكم اللعان، والظهار باق فحرم الاستمتاع، والاجتماع معها ا هـ. أطلقه فانصرف إلى الكامل وهو الملك المستقر لأنه لو ملك أحدهما صاحبه ملكا غير مستقر لا ينفسخ النكاح كملك الوكيل على أحد القولين المضعف وكما قالوا فيمن تزوج أمة ثم تزوج حرة على رقبة الأمة ثم أجاز ذلك مولاها فإنه يجوز وتصير الأمة ملكا للحرة ولا ينفسخ النكاح بينها وبين زوجها، وإن كان الملك ينتقل إلى الزوج أولا في الأمة ثم ينتقل منه إلى الحرة لما أن ملكه فيها غير مستقر وأطلقه فشمل الملك بأي سبب كان بشراء أو هبة أو إرث من الجانبين وأراد من الملك حقيقته فخرج حق الملك لأن المكاتب لو اشترى زوجته لا ينفسخ لعدم حقيقة الملك له لقيام الرق وإنما الثابت له حق الملك وهو لا يمنع بقاء النكاح، وإن منع ابتداءه فإن المولى لو تزوج جارية مكاتبه لم يصح، وإن لم يكن له فيها حقيقة ملك لوجود حق الملك بخلاف جارية الابن فإن للأب نكاحها لأنه ليس له حقيقة ملك ولا حق له فيها وإنما له أن يتملكها عند الحاجة فالثابت له حق أن يتملك وهو ليس بمانع، وفي تلخيص الجامع من باب الأمر بالنكاح. ولو قال لعبده تزوج على رقبتك جاز إلا في الحرة لقران المنافي، والمكاتبة لأن حق الملك يمنع إن لم يرفع كالعدة فإن دخل بها يباع في الأقل من قيمته ومهر المثل ولو كان الزوج مدبرا صح بقيمته في رقبته لأنه لا يملك وكذا المكاتب ولا يتضمن الفسخ لأنه إبطال، وإن لم يقل على رقبتك صح في الجميع وتسميته الرقبة للتقدير كما في عبد الغير وعندهما إذا كان فيه غبن فاحش لا يصح النكاح وهي فريعة التوكيل بالتزويج ولو خالع على رقبتها فإن كان حرا لا يصح لقران المنافي وتبين لأن المال زائد فكان أولى بالرد من الطلاق كما في خلع المبانة أما النكاح لم يشرع بغير مال، والتسمية تنفي مهر المثل ولمنافاة القيمة وكذا لو طلقها على رقبتها فإن كان حرا لا يصح وتقع رجعية لأنه صريح ولو كان رقيقا صح للمسمى لما مر ولو خالعها على رقبة إحداهما بعينها صح في غير البدل بحصتها من رقبة البدل إذا قسمت على مهريهما المسمى ولا يقع على الأخرى طلاق للملك ولو خالع كل واحدة على رقبة الأخرى طلقت بغير شيء لقران المنافي ا هـ.
قوله: "فلو اشتراها ثم طلقها لم يقع "لأن الطلاق يستدعي قيام النكاح ولا بقاء له مع المنافي لا من وجه كما في ملك البعض ولا من كل وجه كما في ملك الكل، والعدة غير

 

ج / 3 ص -412-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واجبة فإنه يحل له وطؤها ويستحيل وجود الوطء حلالا مع قيام العدة كذا في المحيط وأورد في الكافي على قولهم بعدم وجوب العدة عليها لو اشتراها أنه لا يجوز له التزويج بها من آخر وهذا دليل على وجوب العدة قلنا قد قالوا إنه لا عدة عليها بدليل أنه لو زوجها من آخر جاز، والصحيح أنه لا يجوز تزويجها من آخر.
والحاصل أنه لا تجب العدة عليها في حق من اشتراها وهل تجب في حق غيره فهو على الروايتين ا هـ. وهكذا في المعراج قيد بشرائه لأنها لو ملكته أو شقصا منه ثم طلقها وقع فيما روي عن محمد ولا فرق بينهما في ظاهر الرواية عن الكل لأن العدة، وإن وجبت لكن ملك اليمين مانع من مالكية الطلاق وأطلق الشراء وأراد الملك مجازا وقيد بكون الطلاق وهي مملوكة له لأنه لو أعتقها بعد الملك ثم طلقها وهي في العدة وقع الطلاق عليه لزوال المانع من ظهور العدة وهو الملك وكذا لو أعتقته بعدما ملكته ثم طلقها وقع طلاقه عند محمد لزوال المنافي لمالكية الطلاق ولهذا يجب عليه النفقة، والسكنى ولم يقع عند أبي يوسف فيهما لأن الساقط لا يعود ولو علق طلاقها بشرط أو قال: أنت طالق للسنة أو آلى منها قبل الشراء فوجد الشرط أو جاء وقت السنة أو مضت مدة الإيلاء بعد الشراء، والعتق وقع عليها الطلاق، وإن وجد ذلك بعد الشراء قبل العتق لم يقع في الوجهين، والبيع بعد الشراء كالعتق فيما ذكرنا لزوال المانع كذا ذكر الشارح. وفي الولوالجية: عبد قال لامرأته الحرة أنت طالق للسنة فاشترته وقع عليها الطلاق إذا طهرت في قياس قول محمد وعلى قياس قول أبي يوسف لا يقع عليها وعليه الفتوى، والحر لو قال لامرأته ذلك ثم اشتراها لم يقع الطلاق اتفاقا لأنه لم يبق الملك ا هـ. ولم يذكر المصنف حكم المهر لو كان قبل الدخول فيما إذا اشترى زوجته، وفي المحيط: رجل وكل رجلا بأن يشتري امرأته من سيدها فاشتراها، والزوج لم يدخل بها فقد انتقض النكاح ولا مهر على الزوج لأن انفساخ النكاح حصل بفعل المولى بسوء جهل حيث علم أنه اشتراها للزوج ولو باعها من رجل ثم اشتراها الزوج من الرجل فعليه نصف المهر للمولى الأول لأن انتقاض النكاح مضاف إلى البيع الثاني لا إلى بيع المولى فحصلت الفرقة بفعل الزوج لا بفعل المولى فاستحق نصف المهر ولو اشتراها الوكيل من المولى الأول للزوج ولم يعرف من الزوج الوكالة به إلا بقول الوكيل بعد الشراء فإنه لا يصدق إلا ببينة وعلى الآخر اليمين على علمه لأن الظاهر أن كل عامل وعاقد يعمل لنفسه وإنما يعمل ويعقد لغيره بعارض توكيل فلا يصدق إلا بحجة ا هـ. وفي الظهيرية من كتاب العتق رجل قال لأمته إذا مات، والدي فأنت حرة ثم باعها من

 

ج / 3 ص -413-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والده ثم تزوجها ثم قال لها إذا مات، والدي فأنت طالق ثنتين فمات الوالد كان محمد يقول أولا تعتق ولا تطلق ثم رجع وقال لا يقع طلاق ولا عتاق، والمسألة على استقصاء في المبسوط ا هـ.
وفي المحيط من باب ما تحل به المطلقة ولو تزوج أمة مورثه ثم قال لها إذا مات مولاك فأنت طالق ثنتين ثم مات المولى، والزوج وارثه يقع الطلاق عند أبي يوسف وعند محمد لا تطلق لأن الطلاق مضاف إلى حال زوال النكاح لأن الوارث يملك الأمة مقارنا لزوالها عن ملك الميت وزوال النكاح يثبت مقارنا بدخولها في ملك الزوج لأن هذه أشياء متضادة متنافية وملك اليمين يضاد ملك النكاح في حق أحكامه وثمراتها وثبوت أحد الضدين يكون مقارنا لذهاب الضد الآخر لا مرتبا عليه كثبوت السواد يكون مقارنا لذهاب البياض وكقدح مملوء من الماء إذا ألقي فيه حجر وخرج الماء يكون خروج الماء مقارنا لدخول الحجر لا مرتبا عليه لاستحالة أن يكون القدح واسعا للحجر ثم يخرج الماء بعده وإضافة الطلاق إلى حال زوال النكاح لا يصح لأبي يوسف أن الطلاق مضاف إلى حال قيام النكاح لأن زوال النكاح يترتب على ملك الوارث وملك الوارث يترتب على انقطاع ملك الميت وهذه أحوال متعاقبة مترادفة لأن القول بالمقارنة يؤدي إلى استحالة وهو سبق ثبوت الحكم على العلة، والحكم لا يثبت إلا بعد تمام العلة فالشراء ما لم يتم لا يزول ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري. وهكذا نقول في قدح الماء يترتب خروج الماء على دخول الحجر ولا يقترنان لاستحالة إثبات الخروج قبل دخول الحجر الذي هو علة الخروج وعلى هذا لو قال لأمة مورثه إذا مات مولاك فأنت حرة فمات المولى لا تعتق وقال زفر: وهو رواية عن محمد تعتق لأن موت المورث سبب لملك الوارث فقد أضافه إلى سبب الملك فصح كما لو قال إن ورثتك ولنا أن شرط العتق وهو الموت وجد حالة انقطاع ملك الميت لا حال قيام ملك الوارث فيكون ملك الحالف بعد العتق بساعتين فلا يكون العتق مضافا إلى الملك ولا إلى سبب الملك لأن الموت لم يوضع سببا لإفادة ملك الوارث بل سبب ملكه هو القرابة بعد الموت وأما إذا جمع بين اليمين بالطلاق، والعتاق بأن قال إن مات مولاك فأنت طالق ثنتين قال محمد لا يقعان وقال أبو يوسف بالطلاق فقط.
وفي المحيط من الطلاق المبهم: رجل تحته أمتان فقال إحداكما طالق ثم اشترى إحداهما وقع الطلاق لأن بالشراء خرج عن محلية الطلاق لانقطاع النكاح فتعينت الثانية كما لو ماتت إحداهما فإن اشتراهما بطل خيار التعيين لبطلان النكاح فإن جامع إحداهما تعين الطلاق في الأخرى.

 

ج / 3 ص -414-       أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتق له الرجعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: "أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتق له الرجعة" لأنه علق التطليق إذ هو السبب حقيقة بالإعتاق أو العتق فإن كان المتكلم ذكر الإعتاق فلا كلام، وإن كان المذكور العتق فالمراد به الإعتاق لأن العتق حكمه فاستعير الحكم للعلة فكان مجازا فيه وعلى هذا فإعماله في لفظ إياك إما على اعتبار إرادة الفعل به إعمال المستعار للمصدر أو على اعتبار إعمال اسم المصدر كأعجبني كلامك زيدا وإلا فالعتق قاصر وإنما يعمل في المفعول المتعدي وإنما قلنا إنه معلق به مع كون حقيقة مع للقران لأنها قد تذكر للمتأخر تنزيلا له منزلة المقارن بتحقق وقوعه بعده ونفي الريب عنه كما في الآية
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6] فصار هذا المعنى محتملا لها وصير إليه بموجب وهو وجود معنى الشرط لها وهو توقف حكم على ثبوت معنى ما بعدها المعدوم حال التكلم وهو على خطر الوجود فإن كان الإعتاق شرطا للتطليق فيوجد تطليق الثنتين بعده مقارنا للعتق المتأخر عن الإعتاق فيقع الطلاق المتأخر عن التطليق بعده فيصادفها حرة فيملك الزوج الرجعة، وإن كان العتق فأظهر لكونه مقارنا للتطليق، والطلاق يعقبهما فيقع وهي حرة، وفي الكافي لأنه جعل التطليق متصلا بالعتق وذلك لا يتصور إلا بأن يتعلق أحدهما بالآخر تعلق الشرط بالمشروط أو يتعلق أحدهما بالآخر تعلق العلة بالمعلول أو يتعلقا بشرط واحد أو بعلة واحدة وينزلا عنده، والثالث منتف لأنهما لم يتعلقا بشرط واحد أو بعلة واحدة وكذا الثاني لأن إعتاق المولى ليس بعلة لتطليق الزوج وكذا تطليقه ليس بعلة لإعتاقه فتعين الوجه الأول واستحال أن يتعلق العتق بالتطليق لأنه حينئذ يزول ملك المالك بلا رضاه فيتعين تعلق الطلاق بالإعتاق، والمعلق به التطليق لا الطلاق عندنا لما قررت في شرح مختصر الأصول أن أثر التعلق في منع السبب لا في منع الحكم عندنا. وإنما امتنع الحكم ضرورة امتناع السبب خلافا للشافعي فيصير التصرف تطليقا عند الشرط عندنا وعنده صار تطليقا زمن التكلم إلى آخره وأورد عليه ما إذا قال لأجنبية: أنت طالق مع نكاحك حيث يتأتى فيه التقرير المذكور مع أنه لا يقع إذا تزوجها.
وحاصل ما أجابوا به أنه يملك التعليق بصريح الشرط وبمعناه بعد النكاح وأما قبله فلا يملكه إلا بالصريح كإن ونحوه الموضوعة للتعليق ولذا صح التعليق بقوله أنت طالق في دخولك الدار ولم يصح قوله: لأجنبية أنت طالق في نكاحك وتعقبه في فتح القدير تبعا لما في معراج الدراية بأن الدليل إنما قام على ملك اليمين المضافة إلى الملك فتعلق بما يوجب معناه كيفما كان اللفظ، والتقييد بلفظ خاص بعد تحقق المعنى تحكم ويمكن أن يجاب عنه بأن الطلاق

 

ج / 3 ص -415-       ولو تعلق عتقها وطلقتاها بمجيء الغد فجاء لا وعدتها ثلاث حيض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع النكاح يتنافيان فلم تصح الحقيقة فيه بخلاف ما نحن فيه لأن الطلاق، والعتق لا يتنافيان، وفي المحيط رجل تحته حرة وأمة دخل بهما فقال إحداكما طالق ثنتين فأعتقت الأمة فعين الطلاق في الأمة في مرضه طلقت ثنتين ولا تحل إلا بزوج لأن الطلاق المبهم في حق الموقع نازل رجل تحته أمتان فقال المولى إحداكما حرة فقال الزوج المعتقة طالق ثنتين فالخيار للمولى لأن الزوج جعل إيقاعه بناء على إيقاع المولى العتق وخيار البيان لمن هو الأصل في الإبهام وهو المولى وملك الزوج الرجعة لأنه طلق في حال الحرية، والحرية لا تحرم بالثنتين ولو قال الزوج: إحداكما طالق ثنتين فقال المولى: المطلقة معتقة فالبيان إلى الزوج لأنه هو المجمل ولا يملك الزوج الرجعة لأن الطلاق صادفها، وهي أمة فتحرم بالثنتين فإن مات المولى في الصورة الأولى قبل البيان عتق نصف كل واحدة وخير الزوج في بيان المطلقة لوقوع اليأس بموت المولى فجعل البيان إلى الزوج بخلاف ما لو غاب المولى لا يجبر الزوج على البيان لعدم اليأس ا هـ.
قوله: "ولو تعلق عتقها وطلقتاها بمجيء الغد فجاء لا" يعني لو قال المولى لأمته: إذا جاء غد فأنت حرة وقال زوجها: إذا جاء غد فأنت طالق ثنتين فجاء الغد لا يملك الزوج الرجعة عندهما خلافا لمحمد، والأصل فيه أن العلة والمعلول يقترنان عند الجمهور في الخارج ومنهم من قال إن المعلول يعقبها بلا فصل ومنهم خصوا العلل الشرعية فجعلوها تستعقب المعلول بخلاف العقلية كالاستطاعة مع الفعل واختار القول الثاني في فتح القدير سواء كانت عقلية أو شرعية حتى إن الانكسار يعقب الكسر في الخارج غير أنه لسرعة إعقابه مع قلة الزمن إلى الغاية إذا كان آنيا لم يقع تمييز التقدم، والتأخر فيهما وهذا لأن المؤثر لا يقوم به التأثير قبل وجوده وحالة خروجه من العدم لم يكن ثابتا فلا بد من أن تكمل هويته ليقوم به عارض وإلا لم يكن مؤثرا، وفي التلويح لا نزاع في تقدم العلة على المعلول بمعنى احتياجه إليها ويسمى التقديم بالعلية وبالذات ولا في مقارنة العلة العقلية لمعلولها بالزمان كي لا يلزم التخلف، والخلاف في العلل الشرعية ا هـ. وإذا عرف هذا فمن الأوجه لمحمد أنهما لما تعلقا بشرط واحد وجب أن تطلق زمن نزول الحرية فيصادفها وهي حرة لاقترانهما وجودا فلا تحرم بها حرمة غليظة قلنا المتعلقان بشرط واحد يقتضي أن يصادفها على الحالة التي صادفها عليها العتق وهي الرق فتغلظ الحرمة بلا شك بخلاف المسألة الأولى لأن الإعتاق هناك شرط فيقع الطلاق بعده.
قوله: "وعدتها ثلاث حيض "يعني في المسألتين اتفاقا كما في المحيط لأنها حكم الطلاق فتعقبه أو لأنه يحتاط فيها وكذا يحتاط في الحرمة الغليظة ولو كان الزوج مريضا لا ترث

 

ج / 3 ص -416-       أنت طالق هكذا وأشار بثلاث أصابع فهي ثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه لأنه حين تكلم بالطلاق لم يقصد الفرار إذ لم يكن لها حق في ماله ولأن العتق والطلاق يقعان معا ثم الطلاق يصادفها وهي رقيقة فلا ميراث لها كذا في المبسوط.
"قوله: "أنت طالق هكذا وأشار بثلاث أصابع فهي ثلاث" لأن هذا تشبيه بعدد المشار إليه وهو العدد المفاد كميته بالأصابع المشار إليه بذا لأن الهاء للتنبيه، والكاف للتشبيه وذا للإشارة قيد بقوله بثلاث لأنه لو أشار بواحدة فواحدة أو ثنتين فثنتان.
وأشار بقوله وأشار إلى أن الإشارة تقع بالمنشورة منها دون المضمومة للعرف وللسنة ولو نوى الإشارة بالمضمومتين صدق ديانة لا قضاء وكذا لو نوى الإشارة بالكف، والإشارة بالكف أن تقع الأصابع كلها منشورة وهذا هو المعتمد. وهناك أقوال ذكرها في المعراج.
الأول عن بعض المتأخرين لو جعل ظهر الكف إليها، والأصابع المنشورة إلى نفسه دين قضاء ولو جعل ظهر الكف إلى نفسه وبطون الأصابع إليها لا يصدق في القضاء.
الثاني لو كان باطن الكف إلى السماء فالعبرة إلى النشر، وإن كان إلى الأرض فالعبرة إلى الضم.
والثالث إن كان نشرا عن ضم فالعبرة للنشر، وإن كان ضما عن نشر فالعبرة للضم اعتبارا للعادة ا هـ.
وقيد بقوله هكذا لأنه لو قال أنت طالق وأشار بأصابعه ولم يقل هكذا فهي واحدة لفقد التشبيه المتقدم، وفي المحيط وكذا لو قالت لزوجها طلقني فأشار إليها بثلاث أصابع وأراد به ثلاث تطليقات لا يقع ما لم يقل هكذا لأنه لو وقع وقع بالضمير، والطلاق لا يقع بالضمير ا هـ. ولو قال: أنت طالق مثل هذا وأشار بأصابعه الثلاث يقع ثلاث إن نوى ثلاثا وإلا فواحدة، هكذا في المبتغى بالمعجمة فقد فرقوا هنا بين الكاف ومثل بناء على أن الكاف للتشبيه في الذات ومثلا للتشبيه في الصفات ولذا نقل عن الإمام الأعظم رضي الله عنه أنه قال إيماني كإيمان جبريل عليه السلام ولا أقول: إيماني مثل إيمان جبريل - صلوات الله عليه وسلامه - وفي البدائع أنه يحتمل التشبيه من حيث العدد ويحتمل التشبيه في الصفة وهو الشبه فأيهما نوى صحت نيته، وإن لم يكن له نية يحمل على التشبيه من حيث الصفة لأنه أدنى ا هـ.

 

ج / 3 ص -417-       أنت طالق بائن أو ألبتة أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو أشد الطلاق أو كألف أو ملء البيت أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة فهي واحدة بائنة إن لم ينو ثلاثا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المحيط: إذا لم ينو الثلاث تقع واحدة بائنة كما في قوله أنت طالق كألف وعلى قياس هذا لو قال أنت طالق مثل سنجة دانق تقع واحدة لأن له سنجة واحدة فقد شبه الواقع بالواحدة ولو قال مثل سنجة دانق ونصف أو دانقين تقع ثنتان لأن له سنجتين فقد شبه الواقع بالعددين ولو قال مثل سنجة دانقين ونصف تقع الثلاث لأنه يوزن بثلاث سنجات ولو قال مثل سنجة نصف درهم تقع واحدة ولو قال: مثل سنجة ثلثي درهم فتقع ثنتان لأن له سنجتين ولو قال مثل سنجة ثلاثة أرباع درهم تقع ثلاث لأنه له ثلاث سنجات ولو قال مثل سنجة ألف درهم تقع واحدة ا هـ.
وفي المصباح الأصبع مؤنثة وكذلك سائر أسمائها مثل الخنصر، والبنصر، وفي كلام ابن فارس ما يدل على تذكير الإصبع وقال الصغاني يذكر ويؤنث، والغالب التأنيث قال بعضهم، وفي الإصبع عشر لغات تثليث الهمزة مع تثليث الباء، والعاشر أصبوع وزان عصفور، والمشهور من لغاتها كسر الهمزة وفتح الباء وهي التي ارتضاها الفصحاء.
قوله: "أنت طالق بائن أو ألبتة أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو أشد الطلاق أو كألف أو ملء البيت أو تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة فهي واحدة بائنة إن لم ينو ثلاثا" بيان للطلاق البائن بعد بيان الرجعي وإنما كان بائنا في هذه لأنه وصف الطلاق بما يحتمله وهو البينونة فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول للحال وكذا عند ذكر المال وبعده إذا انقضت العدة وأورد عليه أنه لو احتمل البينونة لصحت إرادتها بطالق، وقد قدمنا عدم صحتها.
وأجيب بأن عمل النية في الملفوظ لا في غيره ولفظ بائن لم يصر ملفوظا به بالنية بخلاف طالق بائن، وفيه نظر مذكور في فتح القدير قيد بكون بائن صفة بلا عطف لأنه لو قال: أنت طالق وبائن أو قال أنت طالق ثم بائن وقال لم أنو بقولي بائن شيئا فهي رجعية ولو ذكر بحرف الفاء، والباقي بحاله فهي بائنة كذا في الذخيرة.
وأفاد بقوله فهي واحدة إن لم ينو ثلاثا أنه لو نوى ثنتين لا يصح لكونه عددا محضا إلا إذا

 

ج / 3 ص -418-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنى بأنت طالق واحدة وبقوله بائن أو ألبتة أو نحوهما أخرى يقع تطليقتان بناء على أن التركيب خبر بعد خبر وهما بائنتان لأن بينونة الأولى ضرورة بينونة الثانية إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك رجعتها وذلك منتف باتصال البائنة الثانية فلا فائدة في وصفها بالرجعية وكل كناية قرنت بطالق يجري فيها ذلك فيقع ثنتان بائنتان وأشار بأفحش الطلاق إلى كل وصف على أفعل لأنه للتفاوت وهو يحصل بالبينونة وهو أفحش من الطلاق الرجعي فدخل أخبث الطلاق وأسوأه وأشره وأخشنه وأكبره وأغلظه وأطوله وأعرضه وأعظمه إلا قوله: أكثره بالثاء المثلثة فإنه يقع به الثلاث ولا يدين إذا قال نويت واحدة. وإنما وقع البائن بطلاق الشيطان، والبدعة لأن الرجعي هو السني غالبا فلا يرد أن الرجعي قد لا يكون سنيا كالطلاق الصريح في الحيض فإن قلت قد تقدم في الطلاق البدعي أنه لو قال أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ولا نية له فإن كان في طهر فيه جماع أو في حالة الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته، وإن كانت في طهر لا جماع فيه لا يقع في الحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر كما في البدائع وفتح القدير.
قلت لا منافاة بينهما لأن ما ذكروه هنا هو وقوع الواحدة البائنة بلا نية أعم من كونها تقع الساعة أو بعد وجود شيء.
وأشار بقوله كالجبل إلى التشبيه بما يوجب زيادة في العظم وهو بزيادة وصف البينونة فيدخل فيه مثل الجبل وأما البينونة بأشد الطلاق فلأنه وصفه بالشدة لأن أفعل يراد به الوصف فلذا لم يكن للثلاث بلا نية لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه فكان أشد معبرا به عن المصدر الذي هو الطلاق وأما البينونة بقوله كألف فلأن التشبيه يحتمل أن يكون في القوة ويحتمل أن يكون في العدد فإن نوى الثاني وقع الثلاث، وإن لم ينو ثبت الأقل وهو البينونة ودخل فيه مثل ألف ومثل ثلاث وواحدة كالألف إلا أنه في هذه إذا نوى الثلاث لا تقع إلا واحدة اتفاقا لأن الواحدة لا تحتمل الثلاث كذا في الجوهرة وخرج عنه كعدد الألف وكعدد الثلاث فإنه يقع الثلاث بلا نية ودخل فيه أيضا ما لو شبه بالعدد فيما لا عدد فيه كعدد الشمس أو التراب أو قال مثله لأن التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة وهو بالبينونة موجود. وفي الظهيرية لو قال أنت طالق كالنجوم فهي واحدة يعني كالنجوم ضياء لا عددا إلا أن يقول كعدد النجوم ولو أضافه إلى عدد معلوم النفي كعدد شعر بطن كفي أو مجهول النفي، والإثبات كعدد شعر إبليس أو نحوه وقعت واحدة أو من شأنه الثبوت لكنه كان زائلا وقت الحلف بعارض كعدد شعر ساقي أو ساقك، وقد تنور لا يقع لعدم الشرط كذا في كافي الحاكم.
وفي البزازية أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة ا هـ. وفي الظهيرية: أنت طالق عدد ما

 

ج / 3 ص -419-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا الحوض من السمك وليس في الحوض سمك تقع واحدة وحكى ابن سماعة عن محمد قال كنا عند محمد بن الحسن فسئل عمن قال لامرأته: أنت طالق عدد الشعر الذي على فرجك، وقد كانت أطلت فبقي محمد بن الحسن يتفكر فيه وشبهه بظهر الكف ثم أجمع رأيه على أنه إن قال أنت طالق بعدد الشعر الذي على ظهر كفي وقد أطلي أنه لا يقع، وإن قال بعدد الشعر الذي في بطن كفي أنه يقع واحدة لأنه في الأول يقع على عدد الشعور النابتة فإذا لم يكن عليه شعر لم يوجد الشرط، وفي الثانية لا يقع على عدد الشعر، وذكر الكرخي أنها تطلق ثلاثا في عدد شعر رأسي أو عدد شعر ظهر كفي، وقد أطلى لأنه ذو عدد، وإن لم يكن موجودا، ولو قال أنت طالق عدد ما في هذه القصعة من الثريد إن قال ذلك قبل صب المرقة عليه فهي ثلاث، وإن قال بعد صب المرقة فهي واحدة ا هـ. وفرق في الجوهرة بين التراب، والرمل فقال لو قال أنت طالق عدد التراب فهي واحدة عند أبي يوسف وثلاث عند محمد، وإن قال عدد الرمل فهي ثلاث إجماعا وأما البينونة بملء البيت فلأن الشيء قد يملأ البيت لعظمه في نفسه، وقد يملؤه لكثرته فأيهما نوى صحت نيته وعند عدمها يثبت الأقل وأما البينونة بتطليقة شديدة وما بعده فلأن ما لا يمكن تداركه يشتد عليه وهو البائن وما يصعب تداركه يقال فيه لهذا الأمر طول وعرض فهو البائن أيضا قيد بكون الشدة وأخواتها صفة للتطليقة. لأنه لو قال أنت طالق قوية أو شديدة أو طويلة أو عريضة ولم يذكر التطليقة كان رجعيا لأنه لا يصلح أن يكون صفة للطلاق ويصلح أن يكون صفة للمرأة كما ذكره الإسبيجابي وقيد بقوله: طويلة أو عريضة لأنه لو قال أنت طالق طول كذا وعرض كذا فهي واحدة بائنة ولا تكون ثلاثا، وإن نواها لأن الطول، والعرض يدلان على القوة لكنهما يكونان للشيء الواحد وكأنه قال طالق واحدة طولها كذا وعرضها كذا فلم تصح نية الثلاث كذا في كافي الحاكم.
ولذا صرح بعضهم في شرحه بأن الصحيح أنها لا تقع الثلاث في طويلة أو عريضة، وإن نواها ونسبه إلى شمس الأئمة ورجح بأن النية إنما تعمل في المحتمل وتطليقة بتاء الواحدة لا يحتمل الثلاث.
وقيد بما ذكر من الأوصاف لأنه لو وصفه بما لا يوصف به يلغو الوصف ويقع رجعيا نحو طلاقا لا يقع عليك أو على أني بالخيار، وإن كان يوصف به ولا ينبئ على زيادة في أثره كقوله أحسن الطلاق أسنه أجمله أعدله أخيره أكمله أفضله أتمه فيقع رجعيا وتكون طالقا للسنة في وقتها، وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث للسنة كذا في كافي الحاكم وذكر الإسبيجابي أنها تكون رجعية في ظاهر الرواية سواء كانت الحالة حالة حيض أو طهر وذكر ما جزم به الحاكم رواية عن أبي يوسف فصار الحاصل أن الوصف بما ينبئ عن الزيادة يوجب البينونة.

 

ج / 3 ص -420-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما التشبيه فكذلك أي شيء كان المشبه به كرأس إبرة وكحبة خردل وكسمسمة لاقتضاء التشبيه الزيادة. واشترط أبو يوسف ذكر العظم مطلقا وزفر أن يكون عظيما عند الناس فرأس الإبرة بائن عند الإمام فقط وكالجبل عنده وعند زفر فقط وكعظيمة بائن عند الكل وكعظم الإبرة إلا عند زفر ومحمد قيل مع الأول وقيل مع الثاني.
وفي البزازية أنت طالق كالثلج إن أراد في البرودة فبائن، وإن أراد في البياض فرجعي، وفي المحيط لو قال أنت طالق عددا تقع ثنتان ولو قال أنت طالق حتى تستكمل ثلاث تطليقات فهي طالق ثنتين، ولو قال أنت طالق كذا كذا يقع الثلاث لأن في باب الإقرار تقع على أحد عشر فصار كأنه قال: أنت طالق أحد عشر وروي عن أبي يوسف أنه لو قال أنت طالق وبائن أو فبائن فواحدة بائنة، ولو قال: أنت طالق وشيء ولا نية له طلقت ثنتين، وإن نوى بشيء ثلاثا فثلاث ولو قال أنت طالق كثيرا ذكر في الأصل أنه يقع الثلاث لأن الكثير هو الثلاث وذكر أبو الليث في الفتاوى يقع ثنتان، ولو قال أنت طالق أكثر الطلاق فهي ثلاث ولو قال أنت طالق كبير الطلاق فهي ثنتان ولو قال أنت طالق لا قليل ولا كثير وقع ثلاث ولو قال لا كثير ولا قليل يقع واحدة وعلى قياس ما قاله أبو الليث إذا قال أنت طالق كثيرا يقع ثنتان ينبغي إذا قال لا قليل ولا كثير يقع ثنتان ا هـ.
وفي البزازية: من فصل الاستثناء الأصل أن المستثنى إذا وصف بما يليق بالمستثنى بجعل صفة للمستثنى ويبطل ببطلان المستثنى، وإن كانت تليق بالمستثنى منه لا غير قيل يجعل وصفا له حتى يثبت بثبوته تصحيحا له بقدر الإمكان وقيل يجعل وصفا للكل تحقيقا للمجانسة بين المستثنى، والمستثنى منه لأنه الأصل ظاهرا. وإن ذكر وصفا يليق بهما قيل يجعل وصفا للكل تحقيقا للمجانسة وقيل يجعل وصفا للمستثنى منه لا غير لأنه لو جعله وصفا للمستثنى بطل هذا إذا ذكر وصفا زائدا، وإن ذكر وصفا أصليا لا يعتبر أصلا ويجعل ذكره وعدم ذكره سواء، بيانه أنت طالق ثنتين إلا واحدة بائنة أو إلا واحدا بائنا تطلق واحدة رجعية لأنها لا تصلح صفة للمستثنى منه لا يقال طلقتان بائن وصلح صفة للمستثنى فبطل ببطلانه ولو قال أنت طالق ثنتين ألبتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة لصلاحية الوصف للمستثنى منه يقال تطليقتين ألبتة فجعل صفة له واستثنى واحدة منهما فتقع واحدة بائنة وكذا أنت طالق ثنتين إلا واحدة ألبتة تقع واحدة بائنة لأن ألبتة لا تصلح صفة للمستثنى لعدم وقوعه وتصلح صفة للمستثنى منه فتجعل صفة للكل أو المستثنى منه كأنه قال ثنتين ألبتة إلا واحدة ولو قال أنت طالق ثلاثا ألبتة إلا واحدة أو أنت طالق ثلاثا بائنة إلا واحدة تقع رجعيتان لأن كلا منهما وصف أصلي للثلاث لا يوجد

 

ج / 3 ص -421-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدونهما فلا يفيد إلا ما أفاد الثلاث فلا يعتبر فصار كأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ا هـ.
وفيها أيضا أنت طالق تمام الثلاث أو ثالث ثلاثة فثلاث ولو قال أنت طالق غير ثنتين فثلاث ولو قال غير واحدة فثنتين، وفيها أيضا أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا إن لانقطاع النفس فثلاث وإلا فواحدة أنت طالق فقيل له بعدما سكت كم قال ثلاث وقع قال الصدر: يحتمل أن يكون هذا على قول الإمام فإن موقع الواحدة لو ثلثه بعد زمان صح أنت طالق عشرا إن دخلت الدار تقع ثلاث إذا وجد الشرط، ولو قال أنت طالق إذا دخلت الدار عشرا لا تطلق واحدة حتى تدخل الدار عشرا أنت طالق مع كل تطليقة فثلاث في ساعة الحلف ا هـ.
وفي الذخيرة أنت طالق لونين من الطلاق فهما تطليقتان رجعيتان ولو قال ثلاثة ألوان فهي ثلاثة وكذا إذا قال ألوانا من الطلاق فهي طالق ثلاثا فإن قال نويت ألوان الحمرة، والصفرة فله نيته فيما بينه وبين الله تعالى أنت طالق عامة الطلاق أو جله فهما ثنتان ولو قال أكثره فهي ثلاث ولو قال كل الطلاق فواحدة ولو قال أكثر الثلاث فثنتان ولو قال أنت طالق الطلاق كله فهي ثلاث وكذا إذا قال كل طلقة ولو قال أنت طالق وأخرى فهي واحدة ولو قال أنت طالق واحدة وأخرى فهي ثنتان.
وفي الجوهرة: لو قال أنت طالق مرارا تطلق ثلاثا إن كانت مدخولا بها كذا في النهاية ثم قال: وإن قال أنت طالق على أنه لا رجعة لي عليك يلغو ويملك الرجعة وقيل تقع واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث ا هـ. وظاهر ما في الهداية أن المذهب الثاني فإنه قال وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة، والزيادة كان بائنا وقال الشافعي يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول لأن وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك ولنا أنه وصفه بما يحتمله إلى أن قال ومسألة الرجعة ممنوعة ا هـ. فقال في العناية قوله: ومسألة الرجعة ممنوعة أي لا نسلم أنه لا يقع بائنا بل تقع واحدة بائنة ولئن سلم فالفرق أن في قوله أن لا رجعة تصريح بنفي المشروع، وفي مسألتنا وصفه بالبينونة ولم ينف الرجعة صريحا لكن يلزم منها نفي الرجعة ضمنا وكم من شيء يثبت ضمنا، وإن لم يثبت قصدا كذا أفاد شيخ شيخي العلامة ا هـ. وهكذا شرحه في فتح القدير وغاية البيان، والتبيين فقد علمت أن المذهب وقوع البائن، وقد تمسك به بعض من لا خبرة له ولا دراية بالمذهب على أن قول الموثقين في التعاليق تكون طالقا طلقة تملك بها نفسها لا يوجب البينونة وأجاب بذلك على الفتوى مستدلا بأنه لو قال أنت طالق على أن لا رجعة كان رجعيا وهو خطأ من وجهين الأول أن مسألة الرجعة ممنوعة كما علمته الثاني أنه لم ينف الرجعة صريحا وإنما نفاها ضمنا فهو كقوله أنت طالق بائن

 

ج / 3 ص -422-       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال في البدائع إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا وقال في موضع آخر ولا تملك نفسها إلا بالبائن وقال في فتح القدير وليس في الرجعي ملكها نفسها، وقد أوسعت الكلام فيها في رسالة ألفتها حين وقعت الحادثة والله سبحانه وتعالى أعلم.

فصل في الطلاق قبل الدخول
طلق غير المدخول بها ثلاثاً وقعن،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الطلاق قبل الدخول
أخره لأن الطلاق بعد الدخول أصل له لكونه بعد حصول المقصود وقبله بالعوارض ولذا قيل بأنه لا يقع وقدمنا عن جامع الفصولين أنه لو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه.
"قوله: طلق غير المدخول بها ثلاثا وقعن" سواء قال أوقعت عليك ثلاث تطليقات أو أنت طالق ثلاثا ولا خلاف في الأول كما في فتح القدير، وفي الثاني خلاف قيل يقع واحدة، والجمهور على خلافه، وقد صرح به محمد بن الحسن وقال بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ولما قدمناه من أن الواقع عند ذكر العدد مصدر موصوف بالعدد أي تطليقا ثلاثا فتصير الصيغة الموضوعة لإنشاء الطلاق متوقعا حكمها عند ذكر العدد عليه، وفي المحيط: لو قال لنسائه أنت طالق وهذه وهذه ثلاثا طلقت كل واحدة ثلاثا لأن العدد المذكور آخرا يصير ملحقا بالإيقاع أولا كي لا يلغو ولو قال: أنت طالق واحدة وهذه وهذه ثلاثا طلقت الأولى، والثانية واحدة، والثالثة ثلاثا لأن الثانية تابعة للسابقة، والثالثة مفردة بعدد على حدة ولو قال: أنت طالق وأنت طالق وهذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة، والثانية، والثالثة ثلاثا ثلاثا لأن العدد صار ملحقا بالإيقاع الثاني دون الأول ا هـ.
وفي البزازية من فصل الاستثناء لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق يا زانية ثلاثا قال الإمام لا حد عليه ولا لعان لأن الثلاث وقعن عليها وهي زوجته ثم بانت بعده وأنه كلام واحد يتبع أوله آخره، والمرأة طالق ثلاثا، وقال الثاني يقع واحدة وعليه الحد لأن القذف فصل بين الطلاق، والثلاث وتمامه فيها وحاصله: أن يا زانية لا يفصل بين الطلاق، والعدد ولا بين الجزاء، والشرط فإذا قال: أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار تعلق بالدخول ولا حد ولا لعان ولو قال: أنت يا زانية طالق إن دخلت الدار عليه اللعان وتعلق الطلاق.

 

ج / 3 ص -423-       وإن فرق بانت بواحدة، ولو ماتت بعد الإيقاع قبل العدد لغا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وإن فرق بانت بواحدة" أي وإن فرق الطلاق بغير حرف العطف ويمكن جمعه بعبارة واحدة فإنها تبين بالأولى لا إلى عدة فلا يقع ما بعده إذ ليس في آخر كلامه ما يغير أوله ليتوقف عليه نحو أنت طالق طالق طالق أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق قيدنا بكونه بغير حرف العطف لأنه لو فرقه بحرف العطف فسيذكره المصنف قريبا فإدخاله هنا في كلامه كما فعل الشارح مما لا ينبغي وقيدنا بكونه يمكن جمعه لأنه لو قال: أنت طالق أحد عشر وقع الثلاث إذ لا يمكن جمع الجزأين بعبارة واحدة أخصر منها عند قصده هذا العدد المخصوص من حيث اللغة، وإن كان الشارع لا يعتبر ما زاد على الثلاث وقيد بغير المدخول لأن المدخولة يقع عليها الكل ولا يصدق قضاء أنه عنى الأول فإن قال له غيره ماذا فعلت فقال: طلقتها أو قد قلت هي طالق يصدق أنه عنى الأول منه لأنه صار جوابا للسؤال، والسؤال وقع عن الأول فانصرف الجواب إليه كذا في المحيط ودخل تحت قوله، وإن فرق ما في الظهيرية لو قال: أنت طالق ثلاثا متفرقات فواحدة، وما لو قال: أنت طالق ثنتين مع طلاقي إياك فطلقها واحدة فإنه يقع واحدة ولو قالت: طلقني طلقني طلقني فقال: طلقت فواحدة إن لم ينو الثلاث ولو قالت بحرف العطف طلقت ثلاثا ا هـ. ولا يدخل تحته ما لو قال: أنت طالق واحدة تقدمها ثنتان فإنه يقع الثلاث كما في الظهيرية أيضا.
وفيها لو قال: أنت طالق واحدة أو ثنتين فالبيان إليه لأن الإبهام جاء من جهته ولو قال ذلك لغير المدخول بها وقعت واحدة ولا يخير الزوج ا هـ. وفي الذخيرة رجل له امرأتان لم يدخل بواحدة منهما فقال: امرأتي طالق امرأتي طالق ثم قال: أردت واحدة منهما لا أصدقه وأبينهما منه، ولو كان دخل بهما فله أن يوقع الطلاق على إحداهما ا هـ. ووجهه أن تفريق الطلاق على غير المدخولة غير صحيح وعلى المدخولة صحيح.
"قوله: ولو ماتت بعد الإيقاع قبل العدد لغا "أي لو ماتت المرأة مدخولة أو غير مدخولة بعد الصيغة قبل تمام العدد لم يقع شيء لما قدمناه أن الواقع عند ذكره به وعند عدمه الوقوع بالصيغة فلا حاجة أن يجعل العدد ثابتا بطريق الاقتضاء عند عدم ذكره وقدمنا الدليل على أن الوقوع بالعدد عند قوله أنت طالق واحدة أو لا وقدمنا أن الوقوع بالمصدر، والوصف عند ذكرهما أيضا ويدخل في العدد أصله وهو الواحد ولا بد من كون العدد متصلا بالإيقاع ولا يضر الانقطاع لانقطاع النفس فإن قال: أنت طالق وسكت من غير انقطاع النفس ثم قال: ثلاثا فواحدة ولو انقطع النفس أو أخذ إنسان فمه ثم قال: ثلاثا فثلاث أطلق في الكتاب وهو محمول على ما

 

ج / 3 ص -424-       ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة, أو قبل واحدة, أو بعدها واحدة يقع واحدة, وفي بعد واحدة أو قبلها واحدة, أو مع واحدة أو معها ثنتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا قال: على الفور عند رفع اليد من فمه، ولو قال لغير المدخولة أنت طالق يا فاطمة أو يا زينب ثلاثا تقع الثلاث ولو قال: أنت طالق اشهدوا ثلاثا فواحدة ولو قال: فاشهدوا فثلاث كذا في الظهيرية.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لها أنت طالق إن دخلت الدار فماتت قبل قوله إن دخلت لم تطلق لأن صدر الكلام يتوقف على آخره لوجود ما يغيره وهو ذكر الشرط في آخره فخرج عن أن يكون إيقاعا وإلى أنه لو قال: أنت طالق إن شاء الله فماتت المرأة قبل الاستثناء لم يقع شيء، والمسألتان في المحيط، والذخيرة، وفيها إذا قال لها أنت طالق وأنت طالق فماتت المرأة قبل أن يتكلم بالثاني كانت طالقا واحدة لأن كل كلام عامل في الوقوع إنما يعمل إذا صادفها وهي حية. ولو قال: أنت طالق وأنت طالق إن دخلت الدار فماتت المرأة عند الأول أو الثاني لا يقع لأن الكلام المعطوف بعضه على بعض إذا اتصل الشرط بآخره يخرج عن أن يكون إيقاعا، وفيه لو قال لها: أنت طالق ثلاثا يا عمرة فماتت قبل قوله يا عمرة طلقت لأنه ليس بمغير ا هـ.
وقيد بموتها احترازا عن موته لما في الخانية ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا فلما قال: أنت طالق مات أو أخذ إنسان فمه يقع واحدة ا هـ.
وفي المعراج قيد بموتها لأن بموت الزوج قبل ذكر العدد تقع واحدة لأن الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد في موتها وذكر العدد حصل بموتها، وفي موت الزوج ذكر لفظ الطلاق ولم يتصل به ذكر العدد فبقي قوله: أنت طالق وهو عامل لنفسه في وقوع الطلاق ألا ترى أنه لو قال لامرأته: أنت طالق يريد أن يقول ثلاثا فأخذ رجل فمه فلم يقل شيئا بعد ذلك الطلاق يقع واحدة لأن الوقوع بلفظ لا يقصده ا هـ.
وذكره في الذخيرة معزيا إلي الأصل وسيأتي صريحا الفرق بين موته وموتها في التعليق بمشيئة الله تعالى حيث يقع في الأول دون الثاني.
"قوله: ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة أو قبل واحدة أو بعدها واحدة يقع واحدة، وفي بعد واحدة أو قبلها واحدة أو مع واحدة أو معها ثنتان" بيان لأربع مسائل الأولى لو فرق بالعطف فإنه يقع واحدة فإن كان بالواو فلأنها لمطلق الجمع أي لجمع التعاطفات في معنى العامل أعم من أن يكون على المعية أو على تقدم بعض المتعاطفات أو تأخره فلا يتوقف الأول

 

ج / 3 ص -425-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الآخر لأن الحكم بتوقفه متوقف على كونها للمعية بخصوصه وهو منتف فيعمل كل لفظ عمله فتبين بالأولى فلا يقع ما بعدها فاندفع بهذا ما ذكر من أنها هنا للترتيب، وقد حكى السرخسي خلافا بين أبي يوسف ومحمد فقال عند أبي يوسف: تبين قبل أن يفرغ من الكلام الثاني، وعند محمد بعد فراغه منه لجواز أن يلحق بكلامه شرطا أو استثناء ورجح في أصوله قولة أبي يوسف أنه ما لم يقع لا يفوت المحل فلو توقف وقوع الأول على التكلم بالثانية لوقعا جميعا لوجود المحل الثلاث حال التكلم بها.
وفي التحرير: أن قولة محمد محمول على أن بعد الفراغ يعلم الوقوع بالأول لتجويز إلحاق المغير ولو كان المراد أن نفس الوقوع متأخر إلى الفراغ من الثاني لوقع الكل، وفي فتح القدير لا خلاف بينهما في المعنى لأن الوقوع بالأول وظهوره بالفراغ من الثاني ا هـ. وفيه نظر لما في السراج الوهاج أن فائدة الخلاف تظهر في الموت ا هـ. يعني: لو ماتت قبل فراغه من الثاني وقع عند أبي يوسف لا عند محمد فالخلاف معنوي، وفي المعراج وفائدة الخلاف تظهر فيمن ماتت قبل الفراغ فعنده يقع خلافا لمحمد لجواز أن يلحق بآخره شرطا أو استثناء وهذا الخلاف إنما يتحقق عند العطف بالواو فأما بدون الواو لا يتحقق الخلاف لأنه لا يلحق به الشرط، والاستثناء ا هـ. وبهذا ظهر قصور نظر ابن الهمام من أنه لا خلاف في المعنى قيد بقوله واحدة وواحدة لأنه لو قال: واحدة ونصفا أو قال واحدة وأخرى فإنه يقع ثنتان لو قال: أنت طالق إحدى وعشرين وقع الثلاث لا بسبب أن الواو للمعية بل لأنه أخصر ما يلفظ به إذا أراد الإيقاع بهذه الطريقة وهو مختار في التعبير لغة كما قدمناه وقيدنا بتأخير النصف عن الواحدة لأنه لو قدمه عليها بأن قال أنت طالق نصفا وواحدة وقعت واحدة لأنه غير مستعمل على هذا الوجه فلم يجعل كله كلاما واحدا، وعزاه في المحيط إلى محمد، وفيه لو قال: أنت طالق واحدة وعشرا وقعت واحدة بخلاف أحد عشر فإنه يقع الثلاث لعدم العطف وكذا لو قال: واحدة ومائة أو واحدة وألفا أو واحدة وعشرين فإنه يقع واحدة لأن هذا غير مستعمل في المعتاد فإنه يقال في العادة مائة وواحدة وألف وواحدة فلم يجعل هذه الجملة كلاما واحدا بل اعتبر عطفا، وقال أبو يوسف تقع الثلاث لأن قوله: مائة وواحدة وواحدة ومائة سواء ا هـ. وقيد بكونه مخاطبا لها بالعدد لأنه لو قال لها: أنت طالق ثلاثا إن شئت، فقالت: شئت واحدة وواحدة وواحدة طلقت ثلاثا كما في المعراج وغيره لأن تمام الشرط بآخر كلامها وما لم يتم الشرط لا يقع الجزاء ا هـ. وإذا علم الحكم في العطف بالواو علم بالفاء وثم بالأولى لاقتضاء الفاء التعقيب وثم الترتيب وأما بل فإذا قال للمدخولة أنت طالق واحدة لا بل ثنتين تقع الثلاث لأنه أخبر أنه غلط في إيقاع الواحدة ورجع عنها وقصد إيقاع الثنتين قائما مقام الواحدة فصح إيقاع الثنتين ولم يصح الرجوع

 

ج / 3 ص -426-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الواحدة ولو قال ذلك لغير المدخولة تقع واحدة لأن بالأولى صارت مبانة ولو قال للمدخولة طلقتك أمس واحدة لا بل ثنتين يقع ثنتان لأنه خبر يقبل التدارك في الغلط بخلاف الإنشاء وتمامه في المحيط من باب عطف الطلاق على الطلاق بكلمة لا بل، والمسائل الثلاث هي قبل وبعد ومع أما قبل فاسم لزمان متقدم على ما أضيفت إليه وأما بعد فاسم لزمان متأخر على ما أضيفت إليه، والأصل أن الظرف متى كان بين اسمين فإن لم يقرن بهاء الكناية كان صفة للأول تقول جاءني زيد قبل عمرو فالقبلية فيها صفة لزيد، وإن قرن بهاء الكناية كان صفة للثاني تقول جاءني زيد قبله عمرو فإذا قال أنت طالق واحدة قبل واحدة فقد أوقع الأولى قبل الثانية فبانت بها فلا تقع الثانية ولو قال بعدها واحدة فكذلك لأنه وصف الثانية بالبعدية ولو لم يصفها به لم تقع فهذا أولى. وأما إذا قال: واحدة قبلها واحدة يقع ثنتان لأن إيقاع الطلاق في الماضي إيقاع في الحال لامتناع الاستناد إلى الماضي فيقترنان فتقع ثنتان وكذا في واحدة بعد واحدة لأنه جعل البعدية صفة للأولى فاقتضى إيقاع الثانية قبلها فكان إيقاعا في الحال فيقترنان وهذا كله في غير المدخول بها، وفي المدخول بها تقع ثنتان في الكل واستشكل في واحدة قبل واحدة لأن كون الشيء قبل غيره لا يقتضي وجود ذلك الغير على ما ذكر محمد في الزيادات نحو
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [القصص: 3] {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] وأجيب بأن هذا اللفظ أشعر بالوقوع وكون الشيء قبل غيره يقتضي وجود ذلك الغير ظاهرا، وإن لم يستدعه لا محالة، والعمل بالظاهر واجب ما أمكن كذا في فتح القدير وأما مع فللقران فلا فرق فيها بين الإتيان بالضمير أو لا فاقتضى وقوعهما معا وعن أبي يوسف أنه لو قال: معها واحدة تقع واحدة. وفي المحيط لو قال لغير المدخولة أنت طالق اليوم وأمس تطلق ثنتين كأنه قال: واحدة قبلها واحدة. ا هـ. وفي شرح النقاية للشمني ثم من مسائل قبل وبعد ما قيل منظوما:

ما يقول الفقيه أيده الله                                ولا زال عنده الإحسان

في فتى علق الطلاق بشهر                         قبل ما بعد قبله رمضان

وهذا البيت يمكن إنشاده على ثمانية أوجه أحدها قبل ما قبل قبله ثانيها: قبل ما بعد قبله ثالثها: قبل ما قبل بعده، رابعها: بعد ما قبل قبله، خامسها: بعد ما بعد بعده، سادسها: بعد ما قبل بعده، سابعها بعد ما بعد قبله، ثامنها قبل ما بعد بعده، والضابط فيما اجتمع فيه القبل، والبعد أن يلغى قبل وبعد لأن كل شهر بعد قبله وقبل بعده فيبقى قبله رمضان وهو شوال أو بعده رمضان وهو شعبان ا هـ.

 

ج / 3 ص -427-       إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت يقع واحدة، وإن أخر الشرط فثنتان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحاصله أن المذكور إن كان محض قبل وهو الأول وقع في ذي الحجة، وإن كان محض بعد وقع في جمادى الآخرة وهو الخامس ويقع في الوجه الثاني، والرابع، والسابع في شوال لأن قبله رمضان بإلغاء الطرفين الأولين ويقع في الثالث، والسادس، والثامن في شعبان لأن بعده رمضان بإلغاء الطرفين الأولين ووجه الحصر في الثمانية أن الظروف الثلاث إما أن تكون قبل أو بعد أو الأولين قبل أو الأولين بعد أو الأول فقط قبل أو الأول فقط بعد أو قبل بين بعدين أو بعد بين قبلين وهذا البيان من خواص هذا الكتاب ومن مسائل الظروف الثلاثة ما في تلخيص الجامع من كتاب الطلاق باب الطلاق في الوقت طالق كل تطليقة ثلاث خلاف المعرف إذ عم أجزاء وأفراد المنكر شبه كل دار وكل الدار كذا طالق تطليقة مع كل تطليقة وعكسها القران المفرد الكل إلا أن ينوي المفرد فيدين للتخصيص كذا بعد كل تطليقة، وقبلها كل تطليقة لسبق الكل الفرد إذ هما بالهاء وصف اللاحق ودونه وصف السابق لهذا كان فردا قبل الدخول في عكس الهاء للعكس وتعلق في طالق بعد يوم الأضحى وتنجز في قبل وقبلها ومعها إذ إضافة الوقت قلب المشروع المقدور فلغت وبقي الذات بلا قيد كطالق طلاقا لا يقع إلا غدا أو بالدخول بخلاف بائنا إذ غير محمد يلحق الوصف ولو أقر بمال هكذا لزم فرد في الأولى مثنى في الباقي لجهل الزائد واعتبر بآخر كل شهر إلا في قبل للصدق بالفرد وعشرون في علي درهم مع كل درهم من الدراهم عنده وستة عندهما وأصله تعريف الجمع وأحد عشر في ضم المشار عنده وأربعة عندهما لامتناع التعدد في المشار حتى لم يتعدد عليها في أنت طالق مع كل زوجة ا هـ. وحاصله أنه في الإقرار يلزمه درهمان في جميع الصور أعني مع وقبل وبعد إلا في قوله لك علي درهم قبل كل درهم بلا ضمير فإنه يلزمه درهم واحد فما في التحرير لابن الهمام أنه في الإقرار يلزمه المالان مطلقا ليس بصحيح في الكل، وصرح في الخانية من الإقرار بأنه يلزمه واحد في قوله له علي درهم قبل درهم وأطلق المصنف رحمه الله في مسائل الظروف الثلاث فشمل ما إذا كان الطلاق منجزا أو معلقا ولذا قال في التتمة: إذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق واحدة بعدها واحدة إن دخلت الدار بانت بالأولى ولم يلزمها اليمين لأن هذا منقطع، ولو قال: أنت طالق واحدة قبل واحدة إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار فإذا دخلت طلقت واحدة، ولو قال لها أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو معها واحدة أو مع واحدة إن دخلت الدار لم تطلق حتى تدخل الدار فإذا دخلت الدار يقع عليها ثنتان وكذلك الجواب فيما إذا قال: أنت طالق واحدة وبعدها أخرى إن دخلت الدار ا هـ.
"قوله: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة وواحدة فدخلت يقع واحدة، وإن أخر الشرط فثنتان "بأن قال: أنت طالق واحدة وواحدة إن دخلت الدار وهذا عند أبي حنيفة وقالا يقع ثنتان

 

ج / 3 ص -428-       ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيهما ونسب لأبي حنيفة القول بأن الواو للترتيب أخذا من قوله بوقوع الواحدة فيما إذا قدم الشرط لأنها لو كانت للجمع لتعلق الكل وليس بصحيح بل إنما قال بالواحدة لأن موجب هذا الكلام عنده تعلق المتأخر بواسطة المتقدم فينزلن كذلك فيسبق الأول فتبطل محليتها، وتوضيحه أن الأول تعلق قبل الثاني لعدم ما يوجب توقفه وتعلق الثاني بواسطته، والثالث بواسطتهما فينزل على الوجه الذي وقع عليه التعليق بخلاف ما إذا كرر الشرط لأن تعلق الثاني بغير شرط الأول ليس بواسطة الأول لأن كلا جملة مستقلة فتعلق بالشرط الواحد طلقات ليس شيء منها بواسطة شيء فينزلن جميعا عند الشرط بخلاف ما إذا أخر الشرط لأن تأخره موجب لتوقف الأول لأنه مغير فتعلق الكل به دفعة فينزل دفعة ونسب إليهما القول بأنها للمعية أخذا من قولهما بوقوع الثنتين وليس بصحيح بل قالا بعدما اشتركت في التعلق بواسطة أن تنزل دفعة لأن نزول كل حكم الشرط فتقترن أحكامه كما في تعدد الشرط قال في فتح القدير: قولهما أرجح وقول الإمام تعلق الثاني بواسطة تعلق الأول إن أريد أنه علة تعلقه فممنوع بل علته جميع الواو إياه أي الشرط، وإن أريد كونه سابق التعلق سلمناه ولا يفيد كالأيمان المتعاقبة ولو سلم أن تعلق الأول علة لتعلق الثاني لم يلزم كون نزوله علة لنزوله إذا لا تلازم فجاز كونه علة لتعلقه فيتقدم في التعلق وليس نزوله علة لنزوله بل إذا تعلق الثاني بأي سبب كأن صار مع الأول متعلقين بشرط وعند نزول الشرط ينزل المشروط ا هـ. وهذا كله تقرير الأصول.
وأما تقرير الفروع فوجه قول الإمام أن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده، ولو نجزه حقيقة لم يقع الثانية بخلاف ما إذا أخر الشرط لوجود المغير كذا ذكر الشارح.
وحاصل ما في الهداية: أن الواو لمطلق الجمع لا تصدق إلا في ضمن معية أو ترتيب فعلى اعتبار المعية يقع الكل وعلى اعتبار الترتيب لا يقع إلا واحدة فلا يقع الزائد بالشك وهو أقرب ما وجه به قول الإمام قيد بالواو لأنه لو عطف بالفاء وقدم الشرط وقعت واحدة اتفاقا على الأصح للتعقيب، ولو عطف بثم وأخر الشرط وقعت واحدة منجزة ولغا ما بعدها، وإن كانت مدخولا بها تعلق الأخير وتنجز ما قبله، وإن تقدم الشرط تعلق الأول وتنجز الثاني فيقع المعلق عند الشرط بعد التزويج الثاني ولغا الثالث، وفي المدخول بها تعلق الأول ونجز ما بعده وعندهما تعلق الكل بالشرط قدمه أو أخره إلا عند وجود الشرط تطلق المدخول بها ثلاثا وغيرها واحدة بناء على أن أثر التراخي يظهر في التعليق عنده فكأنه سكت بين كل كلمتين وعندهما يظهر في الوقوع عند نزول الشرط لا في التعليق. والحاصل أن الحروف ثلاثة وكل على وجهين تقديم الشرط وتأخيره ففي الفاء، والواو يقع واحدة إن قدمه واثنتان إن أخره، وفي ثم إن قدم الشرط تعلق الأول وتنجز الثاني ولغا الثالث. وإن أخره تنجز الأول ولغا ما بعده وقيد بحرف العطف لأنه لو ذكر

 

ج / 3 ص -429-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بغير عطف أصلا نحو إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة واحدة واحدة ففي فتح القدير يقع واحدة اتفاقا عند وجود الشرط ويلغو ما بعده لعدم ما يوجب التشريك.
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لغير المدخولة إن دخلت الدار فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي والله لا أقربك فدخلت طلقت وسقط الظهار، والإيلاء عنده لسبق الطلاق فتبين فلا تبقى محلا لما بعده وعندهما هو مطلق مظاهر مول وإلى أنه لو قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك وتزوجها فعلى الخلاف بخلاف ما لو قدم الظهار، والإيلاء وقع الكل عند الكل أما عندهما فظاهر وأما عنده فلسبق الإيلاء ثم هي بعده محل للظهار ثم هي بعدهما محل للطلاق فتطلق كذا في فتح القدير.
وإلى أنه لو قال لامرأة: يوم أتزوجك فأنت طالق وطالق وطالق فتزوجها وقعت واحدة وبطلت الثنتان، ولو قال أنت طالق وطالق وطالق يوم أتزوجك وقعت الثلاث كذا في الحاوي القدسي وكذا لو قال: إن تزوجتك كما في المحيط. وفي تلخيص الجامع من أول كتاب الإيمان لو قال: ثلاثا لغير المدخولة إن كلمتك فأنت طالق انحلت الأولى بالثانية لاستئناف الكلام بخلاف فاذهبي يا عدوة الله لكن عند زفر بالشرط كما لو اقتصر فعلت الثانية وعندنا بالجزاء فانعقدت إذ الجملة واحدة وإلا نزل اثنان على المدخولة بتكرير كلما كلمك فأنت طالق وانحلت بالثانية لا إلى جزاء ولغت هي بعدم الملك، وفي إن حلفت بطلاقك لا تنحل اليمين الثانية إلا بتعليق طلاقها بالملك أو بعده إذ الشرط إدخالها في الجزاء كذا في تعليق طلاقها ومدخولة بالحلف بطلاقهما إنما تنحل الثانية بتعليق طلاقها بالملك أو بعده إذ الثالثة أنعقدت على المدخولة حسب فكانت الثالثة شطر الشرط وذا في حق الثالثة شطر أيضا فلا تنحل ما لم يحلف بطلاق المدخولة وهي البردعية ا هـ. يعني: أن هذه المسألة تلقب بالبردعية لأن أبا سعيد البرادعي بعدما تفقه ودرس سئل عنها فلم يهتد إلى جوابها فارتحل إلى بغداد وتعلم سبع سنين حتى صار من كبار أصحابنا.
وقيد بغير المدخولة لأن فيها يتعلق الكل بالشرط قدمه أو أخره، وفي المحيط لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق واحدة لا بل ثلاثا إن دخلت الدار طلقت واحدة للحال وثلاثا إن دخلت الدار لأن قوله أنت طالق واحدة للتنجيز وأراد بقوله لا بل ثلاثا إن دخلت الدار تعليق الثلاث، والرجوع عن إيقاع الواحدة فلا يصل الشرط المذكور آخرا بإيقاع الواحدة فصح تعليقه ولم يصح رجوعه عن الواحدة، ولو قدم الشرط فقال: إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة لا بل ثلاثا لم تطلق حتى تدخل لأن قوله لا بل ثلاثا غير مستقل تام بنفسه فتعذر أن يجعل تنجيزا فصار تعليقا ا هـ. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع، والمآب.

 

ج / 3 ص -430-       2- باب الكنايات
لا تطلق بها إلا بنية، أو دلالة الحال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- باب الكنايات في الطلاق
قدم الصريح عليها لأنه الأصل في الكلام إذ هو موضوع للأفهام.
وهي في اللغة مأخوذة من كنى يكنو إذا ستر وذكر الرضي أنها في اللغة.
والاصطلاح أن يعبر عن شيء معين لفظا كان أو معنى بلفظ غير صريح في الدلالة عليه إما للإبهام على بعض السامعين كقولك جاءني فلان وأنت تريد زيدا وقال فلان كيت وكيت إبهاما على بعض من يسمع أو لشناعة المعبر عنه كهن في الفرج أو للاختصار كالضمائر أو لنوع من الفصاحة كقولك فلان كثير الرماد وكثير القرى أو لغير ذلك ا هـ.
وفي علم البيان على القول الأصح كما في المطول أن لا يصرح بذكر المستعار بل بذكر رديفه ولازمه الدال عليه فالمقصود بقولنا أظفار المنية استعارة السبع للمنية كاستعارة الأسد للرجل الشجاع في قولنا رأيت أسدا لكنا لم نصرح بذكر المستعار أعني السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه لينتقل منه إلى المقصود كما هو شأن الكناية فالمستعار هو لفظ السبع الغير المصرح به، والمستعار منه هو الحيوان المفترس، والمستعار له هو المنية إلى آخره.
وفي أصول الفقه قال في التنقيح ثم كل واحد من الحقيقة، والمجاز إذا كان في نفسه بحيث لا يستتر المراد فصريح وإلا فكناية. فالحقيقة التي لم تهجر صريح والتي هجرت وغلب معناها المجازي كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح وغير الغالب كناية.
وعند علماء البيان الكناية لفظ يقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له وهي لا تنافي إرادة الموضوع له فإنها استعملت فيه لكن قصد بمعناه معنى ثان كما في طويل النجاد بخلاف المجاز فإنه استعمل في غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له ا هـ.
واحترز بقوله في نفسه عن انكشاف المراد فيها بواسطة التفسير، والبيان ودخل فيها المشكل، والمجمل، وفي الفقه هنا ما احتمل الطلاق وغيره.
"قوله: لا تطلق بها إلا بنية أو دلالة الحال" أي لا تطلق بالكنايات قضاء إلا بإحدى هذين لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعم منه ومن حكمه لما سيأتي أن ما عدا

 

ج / 3 ص -431-       فتطلق واحدة رجعية في اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثلاث منها لم يرد بها الطلاق أصلا بل ما هو حكمه من البينونة من النكاح، والمراد بدلالة الحال الحالة الظاهرة المفيدة لمقصوده ومنها تقدم ذكر الطلاق كما في المحيط، ولو قال لها: أنت طالق إن شئت واختاري فقالت شئت واخترت يقع طلاقان أحدهما بالمشيئة، والآخر بالاختيار من غير نية لتقدم الصريح عليها، والحال في اللغة صفة الشيء يذكر ويؤنث يقال حال حسن وحسنة كذا في المصباح.
قيدنا بالقضاء لأنه لا يقع ديانة إلا بالنية ولا عبرة بدلالة الحال كما إذا قال: أنت طالق ونواه عن الوثاق لا يقع ديانة، وفي المجتبى عن صدر القضاة في شرح الجامع الصغير إذا قال: لم أنو الطلاق فعليه اليمين إن ادعت الطلاق، وإن لم تدع يحلف أيضا حقا لله تعالى ن قال أبو نصر قلت لمحمد بن سلمة يحلفه الحاكم أم هي تحلفه قال يكتفى بتحليفها إياه في منزله فإذا حلفته فحلف فهي امرأته وإلا رافعته إلى القاضي، وإن نكل عن اليمين عنده فرق بينهما ا هـ.
وفي البزازية: وفي كل موضع تشترط النية ينظر المفتي إلى سؤال السائل إن قال: قلت كذا هل يقع يقول نعم إن نويت، وإن قال: كم يقع يقول واحدة ولا يتعرض لاشتراط النية.
"قوله: فتطلق واحدة رجعية في اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة" لأن الأولى تحتمل الاعتداد من النكاح ومن نعم الله تعالى فتعين الأول بالنية ويقتضي طلاقا سابقا وهو يعقب الرجعة إن كان بعد الدخول وأما قبله فهو مجاز عن كوني طالقا من إطلاق الحكم وإرادة العلة ولا يجعل مجازا عن طلقي لأنه لا يقع به طلاق ولا عن أنت طالق أو طلقتك لأنهم يشترطون التوافق في الصيغة كذا في التلويح وما في الشرح من أنه من إطلاق المسبب وإرادة السبب فممنوع لأنه يرد عليه أن شرطه اختصاص المسبب بالسبب، والعدة لا تختص بالطلاق لثبوتها في أم الولد إذا أعتقت وما أجيب به من أن ثبوتها فيما ذكر لوجود سبب ثبوتها في الطلاق وهو الاستبراء إلا بالأصالة فغير دافع سؤال عدم الاختصاص كذا في فتح القدير.
وفي التلويح، والاعتداد شرعا بطريق الأصالة مختص بالطلاق لا يوجد في غيره إلا بطريق التبع، والشبه كالموت وحدوث حرمة المصاهرة وارتداد الزوج وغيرها، وقد يقال: إن اعتدي من باب الإضمار أي طلقتك فاعتدي أو اعتدي لأني طلقتك ففي المدخول يثبت الطلاق وتجب العدة، وفي غيرها يثبت الطلاق عملا بنيته ولا تجب العدة ا هـ. وهو يفيد أنه من باب الاقتضاء في غير المدخولة أيضا، وإن كان أمرها فيها بالعدة ليس بموجب شيئا فلا حاجة إلى تكلف المجاز، والمراد بالمسبب هنا وجوب عد الإقراء المستفاد من الأمر وما في النوادر من أن وقوع الرجعي بها استحسان لحديث سودة يعني أنه عليه السلام قال لها اعتدي ثم

 

ج / 3 ص -432-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجعها، والقياس أن يقع البائن كسائر الكنايات بعيد بل ثبوت الرجعي قياس واستحسان لأن علة البينونة في غير الثلاثة منتفية فيها فلا يتجه القياس أصلا كذا في فتح القدير.
وقد سلك المحقق في فتح القدير طريقا غير طريقهم في تقرير أن اعتدي من باب الاقتضاء فقال إن اعتدي يقتضي فرقة بعد الدخول وهي أعم من رجعي وبائن لكن لا يوجب ذلك تعيين البائن بل تعيين الأخف لعدم الدلالة على الزائد ا هـ. وهو مسلك حسن لكن يلزم عليه أنه لو نوى البائن في قوله اعتدي صحت نيته وعلى ما قرره المشايخ من الطلاق لم تصح نيته وأما استبري رحمك فلأنه تصريح بما هو المقصود من العدة وهو تعرف براءة الرحم فيحتمل استبريه لأني طلقتك أو لأطلقك إذا علمت خلوه عن الولد وعلى الأول يقع وعلى الثاني لا فلا بد من النية ويجب كونه مجازا عن كوني طالقا في المدخولة إذا كانت آيسة أو صغيرة، وفي غير المدخولة مطلقا.
وأما أنت واحدة فيحتمل أن يكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة فإذا نواه مع هذا الوصف فكأنه قاله. والطلاق يعقبه الرجعة ويحتمل غيره نحو أنت واحدة عندي أو في قومك مدحا وذما.
فقد ظهر أن الطلاق في هذه الألفاظ الثلاثة مقتضى، ولو كان مظهرا لا يقع به إلا واحدة فإذا كان مضمرا وإنه أضعف منه أولى.
وأشار المصنف بقوله واحدة رجعية إلى أنه لو نوى البينونة الكبرى أو الصغرى لا تعتبر نيته وهو ظاهر في الأوليين وأما في أنت واحدة فالمصدر، وإن كان مذكورا بذكر صفته لكن التنصيص على الواحدة يمنع إرادة الثلاث لأنها صفة للمصدر المحدود بالهاء فلا يتجاوز الواحدة وأطلق في واحدة فأفاد أنه لا معتبر بإعرابها وهو قول العامة وهو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب، والخواص لا تلتزمه في كلامهم عرفا بل تلك صناعتهم، والعرف لغتهم وقد ذكرنا في شرحنا على المنار أنهم لم يعتبروه هنا واعتبروه في الإقرار فيما لو قال له درهم غير دانق رفعا ونصبا فيحتاجون إلى الفرق ولما كانت العلة في وقوع الرجعي بهذه الألفاظ الثلاثة وجود الطلاق مقتضى أو مضمرا علم أن لا حصر في كلامه بل كل كناية كان فيها ذكر الطلاق كانت داخلة في كلامه ويقع بها الرجعي بالأولى كقوله أنا بريء من طلاقك الطلاق عليك عليك الطلاق لك الطلاق وهبتك طلاقك إذا قالت اشتريت من غير بدل قد شاء الله طلاقك

 

ج / 3 ص -433-       وفي غيرها بائنة وإن نوى ثنتين وتصح نيته الثلاث، وهي بائنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قضى الله طلاقك شئت طلاقك تركت طلاقك خليت سبيل طلاقك أنت مطلقة بتسكين الطاء أنت أطلق من امرأة فلان وهي مطلقة أنت طال بحذف الآخر خذي طلاقك أقرضتك طلاقك أعرتك طلاقك ويصير الأمر بيدها على ما في المحيط لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج لست لك بزوج وما أنت لي بامرأة بخلاف ما لو قال: أنا بريء من نكاحك فإنه لا يقع قاله ابن سلام.
وفي الخلاصة اختلف في برئت من طلاقك إذا نوى.، والأصح أنه يقع، والأوجه عندي أن يقع بائنا كما في فتح القدير، وفي المعراج، والأصل الذي عليه الفتوى في الطلاق بالفارسية أنه إن كان فيه لفظ لا يستعمل إلا في الطلاق فذلك اللفظ صريح يقع بلا نية إذا أضيف إلى المرأة مثل زن رها كردم في عرف أهل خراسان، والعراق بهيم لأن الصريح لا يختلف باختلاف اللغات وما كان بالفارسية يستعمل في الطلاق وغيره فهو من كنايات الفارسية فحكمه حكم كنايات العربية في جميع الأحكام ا هـ.
"قوله: وفي غيرها بائنة وإن نوى ثنتين وتصح نيته الثلاث" أي في غير الألفاظ الثلاثة وما في معناها تقع واحدة بائنة أو ثلاث بالنية ولا تصح نية الثنتين في الحر لما قدمناه أنه عدد محض بخلاف الثلاث لأنه كل الجنس ولأن البينونة متنوعة إلى غليظة وخفيفة فأيهما نوى صحت نيته بخلاف أنت طالق لأنه موضوع شرعا لإنشاء الواحدة الرجعية فلا يملك العبد تغييره.
وفي المحيط لو طلق منكوحته الحرة واحدة ثم قال لها أنت بائن ونوى ثنتين كانت واحدة لأن البينونة الغليظة لا تحصل بما نوى فلا تصح النية حتى لو نوى الثلاث تقع لأن البينونة في حقها تحصل بالثنتين وبالواحدة السابقة ا هـ. والثنتان في الأمة كالثلاث في الحرة فلا ترد عليه كما لا يرد عليه اختاري، وأمرك بيدك فإنه لا يقع بهما بل إذا نوى التفويض كان لها التطليق فلا يقع إلا بقولها بعده اخترت نفسي ونحوه وكما لا يرد عليه اختاري فإنه كناية ولا يصح فيه نية الثلاث لما سنذكره في باب التفويض وبه اندفع اعتراض الشارح عليه.
والحاصل أن الكنايات كلها تصح فيها نية الثلاث إلا أربعة الثلاث الرواجع واختاري كما في الخانية.
"قوله: وهي بائن "من باب بان الشيء إذا انفصل فهو بائن وأبنته بالألف فصلته، وبانت المرأة بالطلاق فهي بائن بغيرها، وأبانها زوجها بالألف فهي مبانة قال ابن السكيت في كتاب التوسعة تطليقة بائنة، والمعنى مبانة قال الصاغاني رحمه الله فاعلة بمعنى مفعولة كذا في المصباح.

 

ج / 3 ص -434-       بتة، بتلة، حرام، خلية، بريئة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي منظومة ابن وهبان ما حاصله أنه لو علق بالشرط إبانة بلا نية طلاق لم يقع إذا وجد شرطه ا هـ. فأنت بائن كناية معلقا كان أو منجزا.
"قوله: بتة" من بته بتا من باب ضرب وقتل قطعه، وفي المطاوع فانبت كما يقال فانقطع وانكسر وبت الرجل طلاق امرأته فهي مبتوتة، والأصل مبتوت طلاقها وطلقها طلقة بتة وثلاثا بتة إذا قطعها من الرجعة وأبت طلاقها بالألف لغة قال الأزهري: ويستعمل الثلاثي، والرباعي لازمين ومتعديين فيقال بت طلاقها، وأبته وطلاق بات وبت كذا في المصباح.
"قوله: بتلة "من بتله بتلا من باب قتل قطعه وأبانه وطلقها طلقة بتة بتلة كذا في المصباح.
"قوله: حرام "من حرم الشيء بالضم حرما وحرما وحراما امتنع فعله، والممنوع يسمى حراما تسمية بالمصدر وسيأتي في آخر باب الإيلاء عن الفتاوى أنه لو قال لها أنت علي حرام، والحرام عنده طلاق وقع، وإن لم ينو، وذكر الإمام ظهير الدين لا نقول لا تشترط النية ولكن نجعله ناويا عرفا ولا فرق بين قوله أنت علي حرام أو محرمة علي أو حرمتك علي أو لم يقل علي أو أنت حرام بدون علي أو أنا عليك حرام أو محرم أو حرمت نفسي عليك ويشترط قوله: عليك في تحريم نفسه لأنفسها وكذا قوله: حلال المسلمين علي حرام وكل حل علي حرام وأنت معي في الحرام فإن قلت إذا وقع الطلاق بلا نية ينبغي أن يكون كالصريح فيكون الواقع رجعيا قلت المتعارف به إيقاع البائن لا الرجعي، وإن قال لم أنو لم يصدق في موضع صار متعارفا كذا في البزازية وسيأتي تمامه في الإيلاء.
وفي القنية لو قال: أنت امرأة حرام ولم يرد الطلاق يقع قضاء وديانة، ولو قال هي حرام كالماء تحرم لأنه تشبيه بالسرعة.
"قوله: خلية" من خلت المرأة من مانع النكاح خلوا فهي خلية ونساء خليات وناقة خلية مطلقة من عقالها فهي ترعى حيث شاءت ومنه يقال في كنايات الطلاق هي خلية كذا في المصباح.
"قوله: بريئة" يحتمل النسبة إلى الشر أي بريئة من حسن الخلق وأفعال المسلمين وإلى الخير أي عن الدنيا أو عن البهتان ويحتمل أن أنت بريئة عن النكاح، وفي الكافي بريئة من البراءة ولهذا وجب همزها.

 

ج / 3 ص -435-       حبلك على غاربك، الحقي بأهلك، وهبتك لأهلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: حبلك على غاربك" تمثيل لأنه تشبيه بالصورة المنتزعة من أشياء وهي هيئة الناقة إذا أريد إطلاقها ترعى وهي ذات رسن وألقي الحبل على غاربها وهو ما بين السنام، والعنق كي لا تتعقل به إذا كان مطروحا فشبه بهذه الهيئة الإطلاقية انطلاق المرأة من قيد النكاح أو العمل، والتصرف كذا في فتح القدير.
وفي المصباح أنه استعير للمرأة وجعل كناية عن طلاقها أي اذهبي حيث شئت كما يذهب البعير، وفي النوادر الغارب أعلى كل شيء، والجمع الغوارب.
"قوله: الحقي بأهلك" بهمزة وصل كما في فتح القدير يعني فتكسر الهمزة وتفتح الحاء من لحقته ولحقت به من باب تعب لحاقا بالفتح أدركته، وفي المصباح: وألحقته بالألف مثله فعلى هذا لا تتعين الهمزة للوصل فيجوز أن تكون للقطع مع كسر الحاء من باب الأفعال، وفي غاية البيان: والحقي من اللحوق لا من الإلحاق وانتقلي وانطلقي كالحقي.
وفي القنية: قالت لزوجها تغير لوني، فقال الزوج: رددتك بهذا العيب ونوى الطلاق يقع قال الكمال في فتح القدير ثم في الهبة إذا لم تكن له نية تطلق في القضاء، ولو قال: نويت أن يكون في يدها لا يصدق وأما فيما بينه وبين الله تعالى فهو كما نوى فإن طلقت نفسها في ذلك المجلس طلقت وإلا فهي زوجته هذا إذا ابتدأ الزوج فلو ابتدأت فقالت هب طلاقي تريد أعرض عنه فقال: وهبت لا يقع، وإن نوى لأنه جوابها فيما طلبت كذا قيل، وفيه نظر بل يجب أن يقع إذا نوى لأنه لو ابتدأ به ونوى يقع فإذا نوى الطلاق فقد قصد عدم الجواب وأخرج الكلام ابتداء وله ذلك وهو أدرى بنفسه ونيته، وفي البزازية الحقي برفقتك يقع إذا نوى.
"قوله: وهبتك لأهلك" يحتمل البينونة لأن الهبة تقتضي زوال الملك أطلقه فشمل ما إذا لم يقبلوها لأن القبول لا يحتاج إليه لإزالة الملك كذا في المحيط.
والتحقيق أنه مجاز عن رددتك إليهم فتصير إلى الحالة الأولى وهي البينونة الحقي بأهلك ومثله وهبتك لأبيك أو لابنك أو للأزواج لأنها ترد إلى هؤلاء بالطلاق عادة وخرج عنه ما لو قال: وهبتك للأجانب فإنه ليس بكناية، والأخ، والأخت، والعمة، والخالة من الأجانب هنا فلا يقع، وإن نوى كما في المعراج لأنها لا ترد إليهم بالطلاق عادة وخرج عنه ما لو قال: وهبتك بعض طلاقك فإنه ليس بكناية وقدمنا أنه لو قال: وهبت لك طلاقك فإنه يقع في القضاء بلا نية ولا يصدق أنه أراد كونه في يدها إلا إذا وقع جوابا لقولها هب لي طلاقي فإنه لا يقع، وإن نوى، وفي المعراج لو قال: أبحتك طلاقك لا يقع، وإن نوى، وفي الذخيرة: وهبت نفسك منك يقع إذا نوى.

 

ج / 3 ص -436-       سرحتك فارقتك أمرك بيدك اختاري أنت حرة تقنعي تخمري استتري اغربي، اخرجي، اذهبي قومي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: سرحتك فارقتك" وجعلهما الشافعي من الصريح لورودهما في القرآن للطلاق كثيرا قلنا المعتبر تعارفهما في العرف العام في الطلاق لاستعمالهما شرعا مرادا هو بهما كذا في فتح القدير، وفي الكافي ولنا الصريح ما لا يستعمل في غير النساء وهم يقولون سرحت إبلي وفارقت غريمي ومشايخ خوارزم من المتقدمين ومن المتأخرين كانوا يفتون بأن لفظ التسريح بمنزلة الصريح يقع به طلاق رجعي بدون النية كذا في المجتنى، وفي الخانية لو قال: أنت السراح فهو كقوله أنت خلية اعزبي، وفي القنية، والإقرار بالفرقة ليس بإقرار بالطلاق لاختلاف أسبابها.
قوله: أمرك بيدك اختاري "كنايتان للتفويض فإذا نوى تفويض الطلاق إليها كان لها أن تطلق نفسها كما سيأتي.
"قوله: أنت حرة "عن حقيقة الرق أو عن رق النكاح، وفي فتح القدير وأعتقتك مثل أنت حرة، وفي البدائع كوني حرة أو اعتقي مثل أنت حرة ككوني طالقا مثل أنت طالق.
"قوله: تقنعي تخمري استتري "لأنك بنت وحرمت علي بالطلاق أو لئلا ينظر إليك أجنبي، وفي المصباح قناع المرأة جمعه قنع مثل كتاب وكتب وتقنعت لبست القناع ، والخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها، والجمع خمر ككتاب وكتب واختمرت المرأة وتخمرت لبست الخمار ا هـ. وفي المعراج تقنعي من القناعة وقيل من القناع وهو الخمار واقتصر على قوله استتري فأفاد أنه لو قال استتري مني خرج عن كونه كناية كما ذكره قاضي خان في شرحه.
"قوله: اعزبي "من العزبة بالعين المهملة أو من الغروب بالمعجمة وهو البعد أي ابعدي لأني طلقتك أو لزيارة أهلك.
"قوله: اخرجي اذهبي قومي "لحاجة أو لأني طلقتك قيد باقتصاره على اذهبي لأنه لو قال: اذهبي فبيعي ثوبك لا يقع، وإن نوى، ولو قال: اذهبي إلى جهنم يقع إن نوى كذا في الخلاصة، ولو قال: اذهبي فتزوجي وقال: لم أنو الطلاق لم يقع شيء لأن معناه تزوجي إن أمكنك وحل لك كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان، وفي القنية اذهبي وتحللي إقرار الثلاث، وفي المعراج تنحي عني يقع إذا نوى.

 

ج / 3 ص -437-       ابتغي الأزواج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البزازية اذهبي وتزوجي تقع واحدة ولا حاجة إلى النية لأن تزوجي قرينة فإن نوى الثلاث فثلاث ا هـ. وهو مخالف لما في شرح الجامع إلا أن يفرق بين الواو، والفاء وهو بعيد هنا، وفي المنتقى عن محمد اذهبي ألف مرة ينوي به طلاقا فثلاثا، وفي البدائع عن محمد قال لها: افلحي يريد الطلاق يقع لأنه بمعنى اذهبي تقول العرب أفلح بخير أي ذهب بخير ويحتمل اظفري بمرادك يقال أفلح الرجل إذا ظفر بمراده.
"قوله: ابتغي الأزواج "إن أمكنك وحل لك أو اطلبي النساء إذ الزواج مشترك بين الرجل، والمرأة أو ابتغي الأزواج لأني طلقتك وتزوجي مثلي، وفي القنية زوج امرأته من غيره لا يكون طلاقا ثم رقم لآخر إذا نوى الطلاق طلقت، وفيها قبله أنت أجنبية ونوى الطلاق لا يقع لأنه رد، وفي حال مذاكرة الطلاق إقرار.
وأشار المصنف بإطلاق إلى أن الكنايات كلها يقع بها الطلاق بدلالة الحال، وقد تبع في ذلك القدوري والسرخسي في المبسوط وخالفهما فخر الإسلام وغيره من المشايخ فقالوا بعضها لا يقع بها إلا بالنية، والضابط على وجه التحرير أن في حالة الرضا المجرد عن سؤال الطلاق يصدق في الكل أنه لم يرد الطلاق، وفي حالة الرضا المسئول فيها الطلاق يصدق فيما يصلح رد أنه لم يرد مثل اخرجي اذهبي اعزبي قومي تقنعي استتري تخمري، وفي حالة الغضب المجرد عن سؤال الطلاق يصدق فيما يصلح سبا أو ردا أنه لم يرد به إلا السب أو الرد كخلية بريئة بتة بتلة بائن حرام وما يجري مجراه ولا يصدق فيما يصلح جوابا فقط كاعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة واختاري وأمرك بيدك فما يصلح للجواب فقط خمسة كما في غاية البيان، وفي حالة الغضب المسئول فيها الطلاق يجتمع في عدم تصديقه في المتمحض جوابا سببان المذاكرة، والغضب وكذا في قبول قوله فيما يصلح ردا لأن كلا من المذاكرة، والغضب يستقل بإثبات قبول قوله في دعوى عدم إرادة الطلاق، وفيما يصلح للسبب ينفرد الغضب بإثباته فلا تتغير الأحكام.
وبهذا علم أن الأحوال ثلاثة حالة مطلقة، وحالة مذاكرة الطلاق وحالة الغضب وأن المراد بالمطلقة المطلقة عن قيدي الغضب، والمذاكرة فقول الشارح وهي حالة الرضا مما لا ينبغي وأن الكنايات ثلاثة أقسام قسم يصلح جوابا ولا يصلح ردا ولا شتما وقسم يصلح جوابا وردا ولا يصلح شتما وقسم يصلح جوابا وشتما ولا يصلح ردا وعن أبي يوسف في قوله لا ملك لي عليك ولا سبيل لي عليك وخليت سبيلك وفارقتك أنه يصدق في حالة الغضب لما فيها من احتمال معنى السبب كذا في الهداية.

 

ج / 3 ص -438-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجعل فخر الإسلام وصاحب الفوائد الظهيرية هذه الألفاظ ملحقة عند أبي يوسف بما يصلح للجواب فقط وهي اعتدي واختاري وأمرك بيدك وإنما لم يذكر المصنف هذه التفاصيل لأن الحاكم الشهيد في الكافي الذي هو جمع كلام محمد في كتبه لم يذكره ولم يتعرض له شارحه الإمام السرخسي.
وحاصل ما في الخانية أن من الكنايات ثلاثة عشر لا يعتبر فيها دلالة الحال ولا تقع إلا بالنية: حبلك على غاربك، تقنعي، تخمري، استتري، قومي، اخرجي، اذهبي، انتقلي، انطلقي، تزوجي، اعزبي، لا نكاح لي عليك، وهبتك لأهلك، وفيما عداها تعتبر ` الدلالة. لكن ثمانية تقع بها حال المذاكرة، أنت خلية، برية، بتة، بائن، حرام، اعتدي، أمرك بيدك، اختاري. وثلاثة من هذه الثمانية يقع بها حال الغضب، اعتدي، أمرك بيدك، اختاري، ثم قال بعد هذه لو قال في مذاكرة الطلاق فارقتك أو باينتك أو بنت منك أو لا سلطان لي عليك أو سرحتك أو وهبتك لنفسك أو تركت طلاقك أو خليت سبيل طلاقك أو سبيلك أو أنت بائنة أو أنت حرة أو أنت أعلم بشأنك، فقالت: اخترت نفسي يقع الطلاق. وإن قال: لم أنو الطلاق لا يصدق ا هـ.
فصارت الألفاظ الواقع بها حال المذاكرة عشرين لفظا وإنما وقع البائن بما عدا الثلاث وما كان بمعناها مع أن المكنى عنه الطلاق وهو يعقب الرجعة لأنا نمنع أن المكنى عنه الطلاق بل إنما هو البينونة لأنها هي معنى اللفظ الدائر في الأفراد فكونها كناية لا تستلزم كونها مجازا عن الطلاق لأنه مشترك معنوي من قبيل المشكك فالقطع المتعلق بالنكاح فرد من نوع ما يتعلق به، والمتعلق بالخير، والشر كذلك إذا لم يذكر متعلقه كما يحتمل رجل كلا من زيد وعمرو وغيرهما، والبينونة متنوعة إلى غليظة وهي المترتبة على الثلاث وخفيفة كالمترتبة على الخلع وأيهما أراد صح وثبت ما يثبت بلفظ طالق على مال وطالق ثلاثا.
وحاصله أن ما يثبت عند طالق شرعا لازم أعم يثبت عنده وعند هذا الألفاظ، والخلع فقولنا يقع بها الطلاق معناه يقع لازم لفظ الطلاق شرعا وانتقاص عدده هو بتعدد وقوع ذلك اللازم واستكماله بذلك وبإرسال لفظ الثلاث بل معنى وقوع الطلاق وقوع اللازم الشرعي لأنه هو معنى لفظ الطلاق فالواقع بالكناية هو الطلاق بلا تأويل وبهذا ظهر أن إطلاق اسم الكناية حقيقة، فقول صاحب الهداية ليست كنايات على التحقيق لأنها عوامل في حقائقها قال في التحرير إنه غلط لأنه يدل على أن الحقيقة تنافي الكناية وليس كذلك لأن الكناية قد تكون حقيقة لأنها بتعدد المعنى، وقد لا تكون حقيقة فيها وقولهم إن الكناية الحقيقية هي التي تكون مستتر المراد

 

ج / 3 ص -439-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه معلومة، والتردد فيما يراد بها هي أبائن من الخير أو النكاح قال في التحرير إنه منتف بأن الكناية بسبب التردد في المراد لا بسبب التردد في المعنى الموضوع كالمشترك، والخاص في فرد معين فإذا كانت كناية على الحقيقة تعين أن يكون المجاز في إضافتها إلى الطلاق فإن المفهوم من الإضافة أنها كناية عنه وليس كذلك وإلا وقع رجعيا، وفي الهداية، والشرط تعيين أحد نوعي البينونة دون الطلاق ا هـ. وظاهره أنه لا اعتبار بنية الطلاق في الكنايات البوائن وأنه لا بد من نية بينونة النكاح، وفي التنقيح قالوا وكنايات الطلاق تطلق مجازا لأن معانيها غير مستترة لكن الإبهام فيما يتصل بها كالبائن مثلا فإنه مبهم في أنها بائنة عن أي شيء عن النكاح أو غيره فإذا نوى نوعا منها تعين وتبين بموجب الكلام، ولو جعلت كناية حقيقة تطلق رجعية لأنهم فسروها بما يستتر المراد منه، والمراد المستتر هنا الطلاق فيصير كقوله: أنت طالق وبتفسير علماء البيان لا يحتاجون إلى هذا التكلف لأنها عندهم أن يذكر لفظ ويقصد بمعناه معنى ثان ملزوم له فيراد بالبائن معناه ثم ينتقل منه بنية إلى الطلاق فتطلق على صفة البينونة لا أنه أريد به الطلاق وتمامه في التلويح ولا يخفى عليك أن قوله أنت واحدة ليس من باب الكناية بتفسير علماء البيان ولكنه من قبيل المحذوف لكنه كناية باعتبار استتار المراد كذا في التلويح وقيد المصنف بهذه الألفاظ للاحتراز عما إذا قال: لا حاجة لي فيك أو لا أريد أو لا أحبك أو لا أشتهيك أو لا رغبة لي فيك فإنه لا يقع، وإن نوى في قول أبي حنيفة. وقال ابن أبي ليلى يقع في قوله لا حاجة لي فيك إذا نوى، وفي التفاريق عن ابن سلام يكون ثلاثا إذا نوى، ولو قال: فسخت النكاح ونوى الطلاق يقع وعن أبي حنيفة إن نوى ثلاثا فثلاث، والرواية هكذا عن محمد أنه بائن إن نوى الطلاق، وفي جمع برهان قال: لم يبق بيني وبينك عمل ونوى الطلاق لا يقع، وفي فتاوى الفضلي خلافه، وفي التفاريق قيل في قوله لم يبق بيني وبينك شيء أنه لا يصح.
ولو قال: أربعة طرق عليك مفتوحة لا يقع، وإن نوى ما لم يقل خذي إلى أي طريق شئت، وفي اللآلي وهكذا عن محمد، وفي النظم قال أسد قال محمد يقع ثلاثا، وقال ابن سلام أخاف أن يقع ثلاثا لمعاني كلام الناس، وفي المبسوط قال لها: أنت علي كالميتة أو كلحم الخنزير أو الخمر ونوى الطلاق يقع كذا في المعراج، وفي البزازية طلبت منه الطلاق فقال: لم يبق بيني وبينك عمل لم تطلق إلا أن ينوي به النكاح وينوي به إيقاع الطلاق فحينئذ يقع.
وذكر في البدائع من الكنايات خالعتك لا على سبيل العوض وسيأتي، وفي البزازية: أنا بريء منك لا يقع، وإن نوى، ولو قال: أبرأتك عن الزوجية يقع بلا نية ا هـ.

 

ج / 3 ص -440-       وإن قال لها اعتدي ثلاثا ونوى بالأولى طلاقا وبما بقي حيضا صدق، وإن لم ينو بما بقي شيئا فهي ثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي تلخيص الجامع وشرحه لو قالت أبنت نفسي أو حرمت نفسي عليك فقال: أجزت وقع بائنا بشرط أن ينوي كل منهما الطلاق وتصح نية الثلاث، ولو قالت اخترت نفسي فقال: أجزت ناويا الطلاق لا يقع وسنذكره بتمامه في فصل الاختيار، وفي الخانية أنا بريء من طلاقك لا يكون طلاقا، ولو قال: برئت إليك من طلاقك يقع نوى أو لم ينو. ولو قال: أنا بريء من ثلاث تطليقات قال بعضهم يقع الطلاق وقال بعضهم لا يقع، وإن نوى وهو الظاهر. ا هـ.
"قوله: وإن قال لها اعتدي ثلاثا ونوى بالأولى طلاقا وبما بقي حيضا صدق، وإن لم ينو بما بقي شيئا فهي ثلاث" لأنه بنية الحيض بالباقي نوى حقيقة كلامه وبنية الأولى طلاقا صار الحال حال مذاكرة الطلاق فتعين الباقيتان للطلاق بهذه الدلالة فلا يصدق في نفي النية قضاء وبهذا علم أن مذاكرة الطلاق لا تنحصر في سؤال الطلاق بل أعم منه ومن تقدم الإيقاع ودخل تحت المسألة الأولى ما إذا نوى بكل منهما حيضا فتطلق واحدة وهي الأولى وما إذا نوى بالثالثة طلاقا لا غير، وما إذا نوى بالثالثة حيضا لا غير وما إذا نوى بالثانية طلاقا وبالثالثة حيضا لا غير وما إذا نوى بالثانية، والثالثة حيضا ففي هذه الست لا تقع إلا واحدة ودخل تحت المسألة الثانية وما إذا نوى بالأولى حيضا لا غير أو الأوليين طلاقا لا غير أو الأولى، والثالثة طلاقا لا غير أو الثانية، والثالثة طلاقا وبالأولى حيضا أو كل من الألفاظ طلاقا فهذه ست تقع بها الثلاث وخرج عن هاتين المسألتين مع ما ألحق بهما اثنا عشر مسألة الأولى أن لا ينوي بكل منها شيئا فلا يقع شيء وما بقي وهو إحدى عشر مسألة يقع بها ثنتان وهو أن ينوي بالثانية طلاقا لا غير أو بالأولى طلاقا وبالثانية حيضا لا غير أو بالأولى طلاقا وبالثالثة حيضا لا غير أو بالأخريين طلاقا لا غير أو بالأوليين حيضا لا غير أو بالأولى، والثالثة حيضا لا غير أو بالأولى، والثانية طلاقا وبالثالثة حيضا أو بالأولى، والثالثة طلاقا وبالثانية حيضا أو بالأولى، والثانية حيضا وبالثالثة طلاقا أو بالأولى، والثالثة حيضا، والثانية طلاقا أو بالثانية حيضا لا غير فصارت هذه المسألة محتملة لأربعة وعشرين وجها. ووجه ضبطها أنه لا يخلو إما أن ينوي بالكل حيضا أو بالكل طلاقا أو لم ينو بالكل شيئا أو بالأولى حيضا وبالباقيتين طلاقا أو بالأولى حيضا لا غير أو بالأولى حيضا وبالثاني طلاقا لا غير أو بالأولى حيضا وبالثالث طلاقا لا غير فإذا نوى الحيض بالأولى فقط فله أربع صور وإذا نوى بالثاني الحيض فقط فله أربع أخرى وإذا نوى بالثالث الحيض فقط. فله أربع أخرى فصارت اثني عشر أو ينوي بالأول، والثاني حيضا وبالثالث طلاقا أو لم ينو بالثالث شيئا أو ينوي بالثاني، والثالث حيضا وبالأول طلاقا أو لم ينو بالأول شيئا صارت ستة عشر أو ينوي

 

ج / 3 ص -441-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالأول، والثالث حيضا وبالثاني طلاقا أو لم ينو بالثاني شيئا صارت ثمانية عشر أو ينوي بالأول طلاقا لا غير أو بالثاني طلاقا لا غير أو بالثالث طلاقا لا غير صارت إحدى وعشرين مع الثلاث الأول، والأصل أنه إذا نوى الطلاق بواحدة ثبت حال مذاكرة الطلاق فلا يصدق في عدم شيء بما بعدها ويصدق في نية الحيض لظهور الأمر باعتداد الحيض عقب الطلاق. وإذا لم ينو الطلاق بشيء صح.
وكذا كل ما قبل المنوي بها ونية الحيض بواحدة غير مسبوقة بواحدة منوي بها الطلاق يقع بها الطلاق ويثبت بها حال المذاكرة فيجري فيها الحكم المذكور بخلاف ما إذا كانت مسبوقة بواحدة أريد بها الطلاق حيث لا يقع بها الثانية لصحة الاعتداد بعد الطلاق ولا يخفى تخريج المسائل بعد هذا وأشار بقوله بما بقي حيضا إلى أن الخطاب مع من هي من ذوات الحيض فلو كانت آيسة أو صغيرة فقال أردت بالأولى طلاقا وبالباقي تربصا بالأشهر كان الحكم كذلك وأطلق في كونه يصدق فأفاد أنه يصدق قضاء وديانة، وفيما لا يصدق فيه إنما لا يصدق قضاء وأما ديانة فلا يقع إلا بالنية وقدمنا أن المرأة كالقاضي.
وفي الهداية: وفي كل موضع يصدق الزوج على نفي النية إنما يصدق مع اليمين لأنه أمين في الإخبار عما في ضميره، والقول قول الأمين مع اليمين ا هـ. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الاستحلاف أن القول له مع اليمين إلا في عشر مسائل لا يمين على الأمين وهي في القنية.
وأشار إلى أنه لو قال: نويت بالكل واحدة كان ناويا بكل لفظ ثلث تطليقة وهو مما لا يتجزأ فيتكامل فتقع الثلاث كما في المحيط، وفيه لو قال لها: اعتدي ثلاثا وقال: عنيت تطليقة تعتد بها ثلاث حيض يصدق لأنه محتمل، والظاهر لا يكذبه، وقد منع المحقق في فتح القدير كون ابتداء الإيقاع يثبت دلالة الحال بأن الإيقاع مرة لا يوجب ظهور الإيقاع مرة ثانية وثالثة فلا يكون اللفظ الصالح له ظاهرا في الإيقاع بخلاف سؤال الطلاق لأنه ذكر الكناية الصالحة للإيقاع دون الرد عقب سؤال الطلاق ظاهر في قصد الإيقاع به وهو ترجيح لقول زفر المنقول في المحيط.
وقيد بكونه كرر اعتدى من غير لفظ طلاق معه لأنه لو قال: أنت طالق واعتدي أو أنت طالق اعتدي أو أنت طالق فاعتدي فإن نوى واحدة فواحدة لأنه نوى حقيقة كلامه، وإن نوى ثنتين فثنتان لأنه يحتمله، وإن لم يكن له نية إن قال أنت طالق واعتدي تقع واحدة لأن الفاء للوصل، وإن قال: اعتدي أو واعتدي تقع ثنتان لأنه لم يذكره موصولا بالأول فيكون أمرا

 

ج / 3 ص -442-       وتطلق بلست بإمرأة أو لست لك بزوج إن نوى طلاقا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مستأنفا وكلاما مبتدأ وهو في حال مذاكرة الطلاق فيحمل على الطلاق وعند زفر تقع واحدة [لأن الفاء للوصل، وإن قال اعتدي، أو واعتدي تقع اثنتان، لأنه لم يذكره موصولاً بالأول فيكون أمراً مستأنفا وكلاماً مبتدأ، وهو في حال مذاكرة الطلاق فيحمل على الطلاق]، وعند زفر تقع واحدة لما عرف ا هـ. كذا في المحيط.
وفي الخانية جعل هذا التفصيل رواية عن أبي يوسف وذكر قبله أنه إذا لم ينو شيئا وقعت ثنتان في الوجوه الثلاثة، وفيه من باب ما يحرم امرأته على نفسه، وعن أبي يوسف ومحمد فيمن قال لامرأتين أنتما علي حرام ينوي الطلاق في إحداهما، والإيلاء في الأخرى فهما طالقان لأن اللفظ الواحد لا ينتظم المعنيين المختلفين فيحمل على الأغلظ منهما وهو الطلاق وعن أبي يوسف أنه إذا نوى في إحداهما ثلاثا، وفي الأخرى واحدة فهما طالقان ثلاثا لأن الحرمة نوعان غليظة وخفيفة، واللفظ الواحد لا ينتظم النوعين فحمل على الأغلظ، وفي قول أبي حنيفة هو كما نوى ويجب أن يكون هذا قول محمد أيضا بناء على أن هذا اللفظ للثلاث حقيقة وللواحدة كالمجاز لأن الثلاث يثبت الحرمة مطلقا فصار مثل لفظة النذر إذا نوى النذر، واليمين يصح عندهما خلافا لأبي يوسف كذا هذا، والفتوى على قولهما، ولو قال: نويت الطلاق لإحداهما، واليمين للأخرى عند أبي يوسف يقع عليهما الطلاق وعلى قياس قولهما هو كما نوى، ولو قال لثلاث نسوة أنتن علي حرام ونوى لإحداهن طلاقا وللأخرى يمينا وللثالثة الكذب طلقن جميعا عند أبي يوسف وعندهما هو كما نوى، ولو قال لامرأته: أنت علي حرام قاله مرتين ونوى بالأولى الطلاق وبالثانية اليمين فهو كما نوى في قولهم جميعا لأن اللفظ متعدد ا هـ.
"قوله: وتطلق بلست لي بامرأة أو لست لك بزوج إن نوى طلاقا" يعني وكان النكاح ظاهرا وهذا عند أبي حنيفة لأنها تصلح لإنشاء الطلاق كما تصلح لإنكاره فيتعين الأول بالنية وقالا لا تطلق، وإن نوى لكذبه ودخل في كلامه ما أنت لي بامرأة وما أنا لك بزوج ولا نكاح بيني وبينك وقوله: صدقت في جواب قولها لست لي بزوج كما في المحيط وخرج عنه لم أتزوجك أو لم يكن بيننا نكاح ووالله ما أنت لي بامرأة وقوله: لا عند سؤاله بقوله ألك امرأة وقوله: لا حاجة لي فيك كما في البدائع ففي هذه الألفاظ لا يقع، وإن نوى عند الكل ولكن في المحيط ذكر من الوقوع قوله لا عند سؤاله قال: ولو قال: لا نكاح بيننا يقع الطلاق، والأصل أن

 

ج / 3 ص -443-       والصريح يلحق الصريح، والبائن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفي النكاح أصلا لا يكون طلاقا بل يكون جحودا ونفي النكاح في الحال يكون طلاقا إذا نوى وما عداه فالصحيح أنه على هذا الخلاف قيد بالنية لأنه لا يقع بدون النية اتفاقا لكونه من الكنايات ولا يخفى أن دلالة الحال تقوم مقامها حيث لم يصلح للرد، والشتم ويصلح للجواب فقط وقدمنا أن الصالح للجواب فقط ثلاثة ألفاظ ليس هذا منها فلذا شرط النية للإشارة إلى أن دلالة الحال هنا لا تكفي وأشار بقوله: تطلق إلى أن الواقع بهذه الكناية رجعي وقيدنا بظهور النكاح لأنه لو قال: ما أنت لي بزوجة وأنت طالق لا يكون إقرارا بالنكاح لقيام القرينة المتقدمة على أنه ما أراد بالطلاق حقيقته كما في البزازية أول كتاب النكاح فالنفي لا يقع به بالأولى.
"قوله: والصريح يلحق الصريح، والبائن" فلو قال لها: أنت طالق ثم قال أنت طالق أو طلقها على مال وقع الثاني وكذا لو قال لها: أنت بائن أو خالعها على مال ثم قال لها: أنت طالق أو هذه طالق كما في البزازية يقع عندنا لحديث الخدري مسندا
"المختلعة يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة" ولما ذكر في الأصول من بحث الخاص أطلقه فشمل المنجز، والمعلق إذا وجد شرط فكما يقع في العدة منجزا يقع إذا وجد شرط فيها. وأما إذا علقه في العدة فإنه يصح في جميع الصور إلا إذا كان الطلاق بائنا علق البائن في العدة فإنه غير صحيح اعتبارا بتنجيزه كما في البدائع قيدنا الصريح اللاحق للبائن بكونه خاطبها به أو أشار إليها للاحتراز عما إذا قال: كل امرأة له طالق فإنه لا يقع على المختلعة وكذا إذا قال: إن فعلت كذا فامرأته كذا لا يقع على المعتدة من بائن كما في البزازية، والمراد بالصريح هنا ما وقع به الرجعي فتدخل الكنايات الرواجع من اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة وما ألحق بالثلاثة فلو أبانها أو خالعها ثم قال لها في العدة اعتدي ناويا وقع الثاني في ظاهر الرواية خلافا لما روي عن أبي يوسف نظرا إلى أنها كناية وجه ظاهر الرواية أن الواقع بها رجعي فكان في معنى الصريح كما في البدائع وما في الظهيرية لو قال لها أنت بائن ناويا الطلاق ثم قال لها في العدة اعتدى أو استبرئي رحمك أو أنت واحدة ناويا الطلاق لا يقع، وإن كان الرجعي يلحق البائن ا هـ. محمول على رواية أبي يوسف لكن يرد عليه الطلاق الثلاث فإنه من قبيل الصريح اللاحق لصريح وبائن كما في فتح القدير وهي حادثة حلب وكذا يرد الطلاق على مال بعد البائن فإنه واقع ولا يلزم المال كما في الخلاصة فالأولى إبقاء الصريح في كلامه على حقيقته فيدخل الطلاق

 

ج / 3 ص -444-       والبائن يلحق الصريح لا البائن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثلاث، والطلاق على مال بناء على أن الصريح شامل للبائن، والرجعي كما في فتح القدير وتلحق الكنايات الرواجع به في حق هذا الحكم وحينئذ فكلامه شامل لما إذا كان الصريح موصوفا بما يدل على البينونة كأنت طالق بائن بعد أنت بائن فإنه يلحق لأنه صريح لحق بائنا، وإن كان بائنا بإلغاء الوصف كما في المحيط، والبزازية لكن يشكل عليه ما في القنية معزيا إلى نظم الزندوستي فيمن قال لمختلعته أو مبانته أنت طالق بائن أو أنت طالق ألبتة، ونوى الثلاث قال أبو يوسف هي ثلاث خلافا لزفر فإنه واحدة عنده ا هـ.
ووجه إشكاله أنه إذا لغا الوصف بقي قوله: أنت طالق وهو لا تصح فيه نية الثلاث، وقد حكم بضعف ما في القنية شارح منظومة ابن وهبان وأنه مبني على الرواية الضعيفة المصححة لنية الثلاث في أنت طالق، وقد يقال إنهم ألغوا الوصف من وجه دون وجه فألغوه ليقع الثاني ولم يلغوه في نية الثلاث احتياطا في الموضعين وحينئذ لا يحتاج إلى حمله على الرواية الضعيفة كما لا يخفى وإذا لحق الصريح البائن كان بائنا لأن البينونة السابقة عليه تمنع الرجعة كما في الخلاصة.
"قوله: والبائن يلحق الصريح "كما إذا قال لها: أنت طالق ثم قال لها في العدة أنت بائن أطلقه فشمل ما إذا خالعها أو طلقها على مال بعد الطلاق الرجعي فيصح ويجب المال كما في الخلاصة ويشكل عليه ما في القنية رقم لشمس الأئمة الأوزجندي وقال طلقها على ألف فقبلت ثم قال في عدتها أنت بائن لا يقع عليها ا هـ. فإنه من قبيل البائن اللاحق للصريح، وإن كان بائنا فإنهم جعلوا الطلاق على مال من قبيل الصريح على ما قدمناه فينبغي الوقوع وقد نقل ابن الشحنة ما في القنية ولم يتعقبه، ويدل على الإشكال عكسه المتقدم وهو ما إذا كان الطلاق على مال بعد البائن فإنه يقع.
"قوله: لا البائن" أي البائن لا يلحق البائن إذا أمكن جعله خبرا عن الأول لصدقه فلا حاجة إلى جعله إنشاء ولا يرد أنت طالق أنت طالق لأنه لا احتمال فيه لتعينه للإنشاء شرعا حتى لو قال: أردت به الإخبار لا يصدق قضاء، والمراد بالبائن الذي لا يلحق البائن الكناية المفيدة للبينونة بكل لفظ كان لأنه هو الذي ليس ظاهرا في الإنشاء في الطلاق كما أوضحه في فتح القدير.
ولذا قال في الخلاصة: لو قال لها بعد البينونة خلعتك، ونوى به الطلاق لا يقع به شيء، وفي الحاوي القدسي: إذا طلق المبانة في العدة، وإن كان بصريح الطلاق وقع ولا يقع بكنايات الطلاق شيء، وإن نوى ا هـ. ومراده ما عدا الرواجع ولكن يشكل عليه ما في الخلاصة من الجنس السادس من بدل الخلع لو طلقها بمال ثم خلعها في العدة لم يصح فإن هذا بائن لحق صريحا،

 

ج / 3 ص -445-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان بائنا كما قدمناه فمقتضى ما قدمناه صحة الخلع ولا مخلص إلا بكون المراد بعدم صحته عدم لزوم المال، والدليل عليه أن صاحب الخلاصة صرح في عكسه، وهو ما إذا طلقها بمال بعد الخلع أنه يقع ولا يجب المال ولا فرق بينهما كما لا يخفى.
ثم اعلم أن المال، وإن لم يلزم فلا بد في الوقوع من قبولها لما في البزازية قال لها بعد الخلع: أنت طالق على ألف لا يقع إلا بقبولها، وإن كان المال لا يلزمها، وهذه مسألة الجامع وهي رواية في واقعة الفتاوى خالعها مرتين ثم قالت في عدة الثاني بقي لي طلاق واحد اشتريته منك بعشرة دنانير حتى تكمل الثلاث فقال الزوج بعت الطلاق الثالث منك بعشرة وقالت اشتريته بعشرة يقع الثالث ولا يجب المال لأنه إعطاء المال لتحصيل الخلاص المنجز وأنه حاصل وأما اشتراط قبولها في أول المسألة فلأن قوله أنت طالق على ألف تعليق طلاقها بالقبول فلا يقع بلا وجود الشرط ا هـ. وشمل كلامه ما لو قال للمبانة أبنتك بتطليقة فإنه لا يقع بخلاف أنت طالق بائن كما في البزازية.
وفرق في الذخيرة بينهما بأنا إذا ألغينا بائنا يبقى قوله: طالق وبه يقع، ولو ألغينا أبنتك يبقى قوله: بتطليقة وهو غير مفيد وقيدنا بإمكان كونه خبرا عن الأول لأنه لو لم يمكن بأن نوى بالبائن الثاني البينونة الغليظة قيل يصدق فيما نوى ويقع الثلاث لأنها محل البينونة، والحرمة الغليظة وقيل لا يصدق لأن التغليظ صفة للبينونة فإذا لغت النية في أصل البينونة لكونها حاصله لغت في إثبات وصف التغليظ كذا في المحيط.
واقتصر الشارحون على الوقوع لكن بصيغة ينبغي فكان الوقوع هو المعتمد، وفي البزازية: لو قال للمبانة أبنتك أخرى يقع لأنه لا يصلح جوابا ا هـ. أي لا يصلح كونه خبرا عن الأول، وفي القنية: لو قال لها أنت بائن ثم قال في عدتها أنت بائن بتطليقة أخرى يقع ا هـ. وينبغي أنه إذا أبانها ثم قال لها: أنت بائن ناويا طلقة ثانية أن تقع الثانية بنيته لأنه بنيته لا يصلح خيرا فهو كما لو قال: أبنتك بأخرى إلا أن يقال إن الوقوع إنما هو بلفظ صالح له وهو أخرى بخلاف مجرد النية.
وأشار المؤلف بعدم كون المبانة محلا للبائن إلى أنها ليست محلا للظهار، واللعان أما الظهار فموجبه الحرمة، والحرمة حاصلة بالبينونة وأما اللعان فهو حكم مشروع في قذف الزوجات، والزوجية منقطعة كذا في المحيط، ولو آلى منها لم يصح إيلاؤه في حكم البر لأنه في حق البر تعليق الإبانة شرعا وقيام الملك شرط صحة الإبانة تنجيزا كان أو تعليقا كما في التعليق الحقيقي، ولو خيرها في العدة لا يصح بأن قال لها اختاري فاختارت نفسها في العدة لم

 

ج / 3 ص -446-       إلا إذا كان معلقا بأن قال لها: إن دخلت الدار فأنت بائن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقع شيء لأنه تمليك، والتمليك بلا ملك لا يتصور كذا في البدائع ولا يقال إنه معلق باختيارها فينبغي أن يلحق لأن البائن إذا كان معلقا يلحق لأنا نقول ليس بمعلق بل هي قائمة مقامه فإيقاعها إيقاع مبتدأ لا أثر لتعليق سابق.
"قوله: إلا إذا كان معلقا "يعني أن البائن يلحق البائن إذا كان معلقا قبل المنجز البائن.
"بأن قال لها: إن دخلت الدار فأنت بائن" ناويا الطلاق ثم أبانها منجزا ثم وجد الشرط وهي في العدة وأنه يقع عليها طلاق آخر عندنا خلافا لزفر لأنه لم يذكر أنت بائن ثانيا ليجعل خبرا بل الذي وقع أثر التعليق السابق وهو زوال القيد عند وجود الشرط وهي محل فيقع وعلى هذا قال في الحقائق لو قال: إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال هكذا الأمر آخر ففعل أحدهما وقع طلاق بائن، ولو فعل الآخر ينبغي أن يقع آخر وهكذا ينبغي أن يحفظ ا هـ. وفرق في الذخيرة بين أنت بائن للمبانة وبين وقوع أنت بائن المعلق بعد الإبانة أنه لما صح التعليق أو لا لكونها محلا له جعلنا المعلق الطلاق البائن وصار بائنا صفة للطلاق.
والمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده فكأنه قال في العدة أنت طالق بائن ولو قاله وقع بخلاف أنت بائن منجزا في عدة المبانة لأنه صفة للمرأة وهي لم تكن محله لأن محله من قام به الاتصال، وقد انقطعت الوصلة بالإبانة، والمضاف كالمعلق حتى لو قال لها أنت بائن غدا ناويا الطلاق ثم أبانها ثم جاء الغد وقعت أخرى ولو قال لها: إن دخلت الدار فأنت بائن ناويا ثم قال: إن كلمت زيدا فأنت بائن ناويا ثم دخلت الدار ووقعت الطلقة ثم كلمت زيدا فإنه يقع أخرى كذا في الذخيرة وهو بيان لما إذا كانا معلقين.
قيدنا بكونه معلقا قبل المنجز لأنه لو علق البائن المنجز لم يصح التعليق كالتنجيز كما قدمناه عن البدائع وهي واردة على الكتاب وشمل كلامه ما إذا آلى من زوجته ثم أبانها قبل مضي أربعة أشهر ثم مضت أربعة أشهر قبل أن يقربها وهي في العدة فإنه يقع عندنا خلافا لزفر وأورد علينا مسألتان إحداهما لو قال: إذا جاء غد فاختاري ثم أبانها فاختارت نفسها في العدة فإنه لا يقع شيء إجماعا الثانية لو علق الظهار بشرط في الملك بأن قال: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم أبانها فدخلت في العدة لا يصير مظاهرا إجماعا وهما حجة زفر علينا.
وأجيب بأنه في الأولى ملكها الطلاق غدا ولما أبانها أزال ملكه للحال من وجه وبقي من وجه، والملك من وجه لا يكفي للتمليك ويكفي للإزالة كما في الاستيلاد، والتدبير المطلق حتى لا يجوز بيعهما ويجوز إعتاقهما كذا هذا ولأن المعتبر في التخيير اختيارها لأجانب الزوج، في

 

ج / 3 ص -447-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليق اليمين لا وجود الشرط بدليل أنهما لو شهدا بالتخيير وآخران بالاختيار ثم رجعوا فالضمان على شاهدي الاختيار لا التخيير، ولو شهدا بالتعليق وآخران بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان على شاهدي التعليق لا الشرط وعن الثانية بأن الظهار يوجب حرمة موقتة بالكفارة، وقد ثبتت الحرمة بالإبانة من كل وجه فلا تحتمل التحريم بالظهار بخلاف الكناية المنجزة لأنها توجب زوال الملك من وجه دون وجه قبل انقضاء العدة فلا تمنع ثبوت حكم التعليق وتمامه في البدائع وكذا لو قال لها اختاري ناويا ثم أبانها بطل التخيير حتى لو قالت بعدها اخترت نفسي لم يقع كذا في الذخيرة، والظهيرية.
ثم قال في الظهيرية، وفي الأمالي قال لها: أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة ثم تزوجها فاختارت نفسها طلقت عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف لا تطلق لأن الزوج فعل بنفسه ما فوض إليها فيكون إخراجا للأمر من يدها.
وجه قول أبي حنيفة أن التفويض قد صح وتعلق حقها به فلا يبطل بزوال الملك وما قاله أبو يوسف ضعيف لأن الطلاق متعدد فلا يتعين ما أوقعه الزوج لما فوض إليها كما لو قال لغيره بع قفيزا من هذه الصبرة ثم باع بنفسه قفيزا لا ينعزل الوكيل ا هـ. وهذا لا يخالف ما نقلناه آنفا عن البدائع لأن ما في البدائع محمول على ما إذا لم يتزوجها فلا يقع في العدة وما في الظهيرية صريح في أنه تزوجها، وفي البزازية من الأمر باليد جعل أمرها بيدها في طلاق إن فعل كذا متى شاءت ثم خلعها على مال ثم وجد الشرط وهي في العدة تملك الإيقاع، وإن مضت ثم تزوجها ووجد الشرط ذكر في الزيادات ما يؤخذ منه جوابه وهو عدم الوقوع، وفي القنية لا يبقى الأمر في يدها في ظاهر الرواية.
وحاصل ما ذكره المصنف أن الطلاق في العدة اللاحق، والسابق أربع صور، وقد نظمها الشيخ سعد الدين الدبري رحمه الله فقال:

وكل طلاق بعد آخر واقع                     سوى بائن مع مثله لم يعلق

وتعقبه والد شارح المنظومة بأن قوله لم يعلق مطلق يشمل البائن الأول، والثاني، والمراد الأول لا الثاني فهو إطلاق في محل التقييد فقلت بيتا مفردا من الرجز:

 

ج / 3 ص -448-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلا أجز لا بائنا مع مثله                              إلا إذا علقه من قبله

ا هـ. قال شارح المنظومة عبد البر رحمه الله قلت: وقد فات الشيخين التنبيه على أن ذلك خاص بالعدة، وإن كان ذلك من المعلوم من خارج لأن تمام معنى الضابط متوقف عليه فقلت منبها على ذلك بيتا مفردا من الرجز:

بعدة كل طلاق لحقا                              لا بائن لمثله ما علقا

ثم قولي لحقا مشعر بكون اللاحق هو المعلق ووصفنا البائن بأنه مثل البائن مشعر بإخراج البينونة الكبرى لما فيها من الخلاف الذي قدمته ا هـ.
وقيد المؤلف بكون السابق طلاقا لأنه لو كان فرقة بغير طلاق كالفرقة بخيار البلوغ أو العتاقة بعد الدخول فإنه لا يقع الطلاق في عدته وكل فرقة توجب الحرمة المؤبدة لا يلحقها الطلاق وإذا أسلم أحد الزوجين لا يقع على الآخر طلاقه كذا في البزازية وإذا ارتد ولحق بدار الحرب فطلقها في العدة لم يقع لانقطاع العصمة. فإن عاد إلى دار الإسلام وهي في العدة وقع وإذا ارتدت ولحقت لم يقع عليها طلاقه فإن عادت قبل الحيض لم يقع كذلك عند أبي حنيفة لبطلان العدة باللحاق ثم لا تعود بخلاف المرتد كذا في البدائع، وفي الذخيرة.
والحاصل أن كل فرقة هي فسخ من كل وجه لا يقع الطلاق في عدتها وكل فرقة هي طلاق يقع الطلاق فيها في العدة ا هـ. وقدمنا شيئا منه في أول كتاب الطلاق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع، والمآب.

3- باب تفويض الطلاق
ولو قال لها: اختاري ينوي الطلاق فاختارت في مجلسها بانت بواحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- باب تفويض الطلاق
لما فرغ من بيان ما يوقعه الزوج بنفسه صريحا وكناية شرع فيما يوقعه غيره بإذنه وهو ثلاثة أنواع تفويض وتوكيل ورسالة، والتفويض إليها يكون بلفظ التخيير، والأمر باليد، والمشيئة وقدم الأول لثبوته بصريح الدليل.
"قوله: ولو قال لها اختاري ينوي الطلاق فاختارت في مجلسها بانت بواحدة" لأن المخيرة لها خيار المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم إجماعا سكوتيا عند تصريح بعضهم وما نقل من

 

ج / 3 ص -449-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلاف علي رضي الله عنه لم يثبت وتمسك ابن المنذر لمن لم يشترطه بقوله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها
"لا تعجلي حتى تستأمري أبويك" ضعيف لأن هذا التخيير لم يكن للتنازع فيه وهو أن توقع بنفسها بل على أنها إن اختارت نفسها طلقها بدليل قوله تعالى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: 28] وأجاب في المعراج بأنه عليه السلام جعل لها الخيار إلى غاية استشارة أبويها لا مطلقا وكلامنا في المطلق ا هـ. ولأنه تمليك الفعل منها لكونها عاملة لنفسها وهو يقتصر عليه وأورد على أنه تمليك منها أنه كيف يعتبر تمليكا مع بقاء ملكه، والشيء الواحد يستحيل أن يكون كله مملوكا لشخصين.
وأجاب في الكافي بأنه تمليك الإيقاع لا تمليك العين فقبل الإيقاع بقي ملكه ا هـ. وأورد على كونها عاملة لنفسها لو وكله بإبراء نفسه كان وكيلا بدليل صحة رجوعه قبل الإبراء مع أن المديون عامل لنفسه وسيأتي جوابه وما فيه في فصل المشيئة وقول الزيلعي في الوكالة عند قوله وبطل توكيل الكفيل بمال أنه مالك وليس بوكيل يقتضي أن لا يصح الرجوع عنه ليس بصحيح فقد صرح في العناية وغيرها أنه لا يتقيد بالمجلس ويصح الرجوع عنه.
وفي العناية أن التمليك هو الإقدار الشرعي على محل التصرف، والتوكيل الإقدار على التصرف فاندفعت هذه الشبهة ا هـ. وفيه نظر لأن التمليك الإقدار الشرعي على نفس التصرف ابتداء، والتوكيل الإقدار الشرعي على نفس التصرف لا ابتداء كما أشار إليه في فتح القدير في أول كتاب البيع وهو الحق لأنه لا معنى للإقرار على المحل إلا باعتبار التصرف فيه.
وفي المعراج لا يلزم من التمليك عدم صحة الرجوع لانتقاضه بالهبة فإنها تمليك ويصح الرجوع لكنه تمليك يخالف سائر التمليكات من حيث إنه يبقى إلى ما وراء المجلس إذا كانت غائبة ولا يتوقف على القبول لكونها تطلق نفسها بعد التفويض وهو بعد تمام التمليك قيد بالنية لأنه من الكنايات ودلالة الحال قائمة مقامها قضاء لا ديانة، والدلالة مذاكرة الطلاق أو الغضب وقدمنا أنه مما تمحض للجواب، والقول قوله مع اليمين في عدم النية أو الدلالة وتقبل بينتها على إثبات الغضب أو المذاكرة لا على النية إلا إذا قامت على إقراره بها كما ذكره الولوالجي. وإذا لم يصدق قضاء لا يسعها الإقامة معه إلا بنكاح مستقبل لأنها كالقاضي وإنما

 

ج / 3 ص -450-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترك ذكر الدلالة هنا للعلم مما قدمه أول الكنايات وأراد بنية الطلاق نية تفويضه وقيد بالمجلس لأنها لو قامت عنه أو أخذت في عمل آخر بطل خيارها كما سنذكره وأفاد بذكر مجلسها أنه لا اعتبار بمجلسه فلو خيرها ثم قام هو لم يبطل بخلاف قيامها كذا في البدائع.
وأشار باقتصاره على التخيير إلى أنه لو زاد متى شئت فإنه لا يتقيد بالمجلس فهو لها فيه وبعده وبخطابها إلى أنه لو خيرها وهي غائبة اعتبر مجلس علمها، ولو قال: جعلت لها أن تطلق نفسها اليوم اعتبر مجلس علمها في هذا اليوم فلو مضى اليوم ثم علمت خرج الأمر من يدها وكذا كل وقت.
قيد التفويض به وهي غائبة ولم تعلم حتى انقضى بطل خيارها، ولو قال الزوج علمت في مجلس القول وأنكرت المرأة فالقول لها لأنها منكرة كذا في المحيط، ولو قال لها: اختاري رأس الشهر فلها الخيار في الليلة الأولى، واليوم الأول من الشهر، ولو قال: اختاري إذا قدم فلان وإذا أهل الهلال فلها الخيار ساعة يقدم أو أهل الهلال في المجلس، ولو قال: اختاري اليوم واختاري غدا فهما خياران، ولو قال في اليوم وغد فهو خيار واحد كذا في المحيط أيضا.
وأشار بعدم ذكر قبولها إلى أنه تمليك يتم بالمملك وحده فلو رجع قبل انقضاء المجلس لم يصح وما علل به في الذخيرة من كونه بمعنى اليمين إذ هو تعليق الطلاق بتطليقها نفسها فخلاف التحقيق لأنه اعتبار ممكن في سائر الوكالات لتضمنه معنى إذا بعته فقد أجزأته فكان يقتضي أن لا يصح الرجوع عنها مع أنه صحيح كذا في فتح القدير، وفيه نظر لأن هذا الاعتبار لا يمكن في الوكالة لأنه لا يصح تعليق الإجازة بالشرط كما في الكنز وغيره بخلاف الطلاق فكان سهوا، والحق ما في الذخيرة، وفي جامع الفصولين أنه تمليك فيه معنى التعليق فلكونه تمليكا تقيد بالمجلس ولكونه تعليقا بقي إلى ما وراء المجلس ولم يصح الرجوع عنه عملا بشبهيه، وفي جامع الفصولين تفويض الطلاق إليها قيل هو وكالة يملك عزلها وإلا صح أنه لا يملكه ا هـ.
وإنما وقع البائن به لأنه ينبئ عن الاستخلاص، والصفا من ذلك الملك وهو بالبينونة وإلا لم تحصل فائدة التخيير إذ كان له أن يراجعها شاءت أو أبت.
وقيد باقتصاره على التخيير المطلق لأنه لو قال لها: اختاري الطلاق فقالت اخترت الطلاق فهي واحدة رجعية لأنه لما صرح بالطلاق فقد خيرها بين نفسها بتطليقة واحدة رجعية وبين ترك التطليقة وكذا في قوله: أمرك بيدك كذا في البدائع وهو مستفاد من قول المصنف آخر الباب اختاري تطليقة أو أمرك بيدك في تطليقة.

 

ج / 3 ص -451-       ولم تصح فيه نية الثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمراد بقوله فاختارت اختيارها نفسها فلو اختارت زوجها لم يقع وخرج الأمر من يدها، ولو قالت اخترت نفسي لا بل زوجي يقع، ولو قالت زوجي لا بل نفسي لا يقع وخرج الأمر من يدها ولو عطفت بأو فقالت اخترت نفسي أو زوجي لا يقع، ولو كان بالواو فالاعتبار للمقدم ويلغو ما بعده. ولو خيرها ثم جعل لها شيئا لتختاره فاختارته لم يقع ولا يجب المال لأنه رشوة كذا في فتح القدير، وفي تلخيص الجامع من باب إجازة الطلاق لو قالت طلقت نفسي فأجاز طلقت اعتبارا بالإنشاء كذا أبنت إذا نويا، ولو ثلاثا بخلاف الأول كذا حرمت وبدون النية إيلاء لأنه يمين، وفي اخترت لا يقع إذ لا وضع أصلا ولا عرف إلا جوابا كذا جعلت الخيار إلي أو أمري بيدي فطلقت لأن الفاء للتفسير فاعتبر المفسر ولغا لفقد التمليك سابقا بخلاف الواو لأنه للابتداء فتقع رجعية وتتخير إذ يوقف ماله إنشاؤه وهو التخيير دون الاختيار ولم يستند لأنه سبب عند الإجازة للتعليق بها فاعتبر المجلس بعدها ولم يقيد بوجود الشرط قبلها في تعليق الفضولي بخلاف البيع لأنه لا يقبل التعليق فاعتبر سببا حال العقد كذا جعلت أمس أمري بيدي.
وفي قلت أمس أمري بيدي اليوم لا خيار لها لأن الوقت ثم للجعل، والمجلس بعد الإجازة وهناك للأمر فانتهى بمضيه. ا هـ.
"قوله: ولم تصح فيه نية الثلاث" لأنه إنما يفيد الخلوص، والصفا فهو غير متنوع، والبينونة ثبتت فيه مقتضى فلا يعم بخلاف أنت بائن ونحوه لتنوع البينونة إلى غليظة وخفيفة.
قيد بالاختيار لأن نية الثلاث صحيحة في الأمر باليد كما سنذكره وقول الشارحين إن الإجماع منعقد على الواحدة فبقي ما وراءه على الأصل منتف لأن زيد بن ثابت قال بوقوع الثلاث قولا بكمال الاستخلاص وبه أخذ مالك في المدخول بها، وفي غيرها يقبل منه دعوى الواحدة وسيأتي ما إذا أجمع بين الأمر باليد، والاختيار.
وقيد بكون التخيير غير مقرون بعدد لأنه لو قال لها اختاري ثلاثا فقالت اخترت يقع الثلاث لأن التنصيص على الثلاث دليل إرادة اختيار الطلاق لأنه هو الذي يتعدد وقولها اخترت ينصرف إليه فيقع الثلاث فإن كرر التخيير بأن قال لها اختاري اختاري ونوى بكل واحدة منهما الطلاق فقالت اخترت يقع ثنتان لأن كل واحدة منهما تخيير تام بنفسه وقولها اخترت جوابا لهما، والواقع بكل منهما طلاق بائن وكذا إذا ذكر الثاني بحرف الواو أو الفاء كذا في البدائع

 

ج / 3 ص -452-       فإن قامت أو أخذت في عمل آخر بطل خيارها، وذكر النفس أو الاختيار في أحد كلاميهما شرط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتي تمامه عند قوله اخترت الأولى إلى آخره.
"قوله: فإن قامت أو أخذت في عمل آخر بطل خيارها" لكونه تمليكا فيبطل بتبدل المجلس حقيقة أو حكما أطلق القيام فشمل ما إذا أقامها الزوج قهرا فإنه يخرج الأمر من يدها لأنه يمكنها مما نعته من القيام أو المبادرة حينئذ إلى اختيارها نفسها فعدم ذلك دليل على الإعراض كما إذا جامعها مكرهة في مجلسها كما في الخلاصة وأراد بالعمل الآخر ما يدل على الإعراض لا مطلق العمل لأنه لو خيرها فلبست ثوبا أو شربت لا يبطل خيارها لأن اللبس قد يكون لتدعو الشهود، والعطش قد يكون شديدا يمنع من التأمل وسيأتي بيانه في فصل الأمر باليد فإن حكمه فيه كحكمه ودخل في العمل الكلام الأجنبي فإنه دليل الإعراض وقيد بالاختيار لأن الصرف، والسلم لا يبطلان بالإعراض بل بالافتراق لا عن قبض، والإيجاب في البيع يبطل بما يدل على الإعراض من القائل وأفاد بعطفه الأخذ في العمل على القيام أنه يبطل بالقيام، وإن لم يكن معه عمل آخر لأنه دليل الإعراض وهكذا بإطلاقه قول البعض، والأصح أنه يبطل به إلا إذا لم يشتمل على الإعراض.
وفائدة الاختلاف أنها لو قامت لتدعو شهودا وتحولت من مكانها ولم يكن عندها أحد بطل خيارها عند البعض قال في الخلاصة، والأصح أنه لا يبطل لعدم الإعراض وأما إذا لم تتحول لا يبطل اتفاقا وقيد بكون التخيير مطلقا لأنه لو كان موقتا كما إذا قال: اختاري نفسك اليوم أو هذا الشهر أو شهرا أو سنة فلها أن تختار ما دام الوقت باقيا سواء أعرضت عن ذلك المجلس أو لا كذا في الجوهرة وسيأتي تمامه في فصل الأمر باليد.
"قوله: وذكر النفس أو الاختيار في أحد كلاميهما شرط" فلو قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أو قال لها اختاري نفسك فقالت اخترت وقع فإذا كانت النفس في كلاميهما فبالأولى وإذا خلت عن كلاميهما لم يقع، والاختيارة كالنفس وليس مراده خصوص النفس أو الاختيارة بل كل لفظ قام مقامهما يصلح تفسيرا للمبهم لأن الاختيار مبهم، وإن كان ما وقع عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم إنما هو بالنفس لأنه عرف من إجماعهم اعتبار مفسر لفظا من جانب فيقتصر عليه فينتفي غير المفسر وأما خصوص لفظ المفسر فمعلوم الإلغاء فدخل فيه ذكر

 

ج / 3 ص -453-       ولو قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي أو اخترت نفسي تطلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطليقة وتكرار قوله اختاري وقولها أختار أبي أو أمي أو أهلي أو الأزواج بخلاف اخترت قومي أو ذا رحم محرم فإنه لا يقع وينبغي أن يحمل على ما إذا كان لها أب أو أم إذا لم يكن لها ولها أخ فقالت اخترت أخي ينبغي أن يقع لأنها تكون عنده عادة عند البينونة إذا عدمت الوالدين كما في فتح القدير.
وفي المحيط لو قال: اختاري أهلك أو الأزواج فاختارتهم وقع استحسانا وكذا أباك وأمك أو زوجك وهو محمول على ما إذا كان لها زوج قبله فخيرها فيه، ولو قال: اختاري قومك أو ذا رحم محرم منك لا يقع، وإن اختارت نفسها فقد جعل محمد الأهل اسما للأبوين، والقوم اسما لسائر الأقارب وقوله: حجة في اللغة لأنه من أرباب اللغة ا هـ.
وحاصله أن المفسر من أحد الجانبين ثمانية ألفاظ كما قررناه وقدمنا أن العدد في كلامه مفسر فهي تسع وأشار بقوله في أحد كلاميهما إلى أنه لا بد في نية المفسر من الاتصال فلو كان منفصلا فإن كان في المجلس صح وإلا فلا ولذا قال في المحيط، والخانية لو قالت في المجلس عنيت نفسي يقع لأنها ما دامت في المجلس تملك الإنشاء، وفي الفوائد التاجية هذا إذا لم يصدقها الزوج أنها اختارت نفسها فإن صدقها وقع الطلاق بتصادقهما، وإن خلا كلامهما عن ذكر النفس ا هـ.
وظاهره أن التصادق بعد المجلس معتبر، وفي فتح القدير الإيقاع بالاختيار على خلاف القياس فيقتصر على مورد النص فيه ولولا هذا لأمكن الاكتفاء بتفسير القرينة الحالية دون المقالية بعد أن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه لكنه باطل وإلا لوقع بمجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كاسقني وبهذا بطل اكتفاء الشافعي وأحمد بالنية مع القرينة عند ذكر النفس ونحوه ا هـ. وهذا مخالف لما ذكرنا عن تاج الشريعة من الاكتفاء بالتصادق فليتأمل.
"قوله: ولو قال لها اختاري فقالت أنا أختار نفسي أو اخترت نفسي تطلق" لوجود الشرط أي تبين وإنما ذكر الثانية وهي قولها اخترت نفسي، وإن كان قد أفادها بقوله في أحد كلاميهما ليفيد أنه لا فرق بين الفعل الماضي، والمضارع في جوابها المقيد بالنفس ليشير إلى أن لفظ أنا مع المضارع ليس بشرط وإنما وقع بالمضارع، وإن كان للوعد لقصة عائشة رضي الله عنها حيث أجابت بقولها أختار الله ورسوله واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم به ولكون المضارع عندنا موضوعا للحال، والاستقبال فيه احتمال كما في كلمة الشهادة وأداء الشهادة فكان للتحقيق دون الوعد وعلى اعتبار

 

ج / 3 ص -454-       وإن قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة وقع الثلاث بلا نية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كونه مشتركا بينهما فقد وجد هنا قرينة ترجح أحد مفهوميه وهو إمكان كونه إخبارا عن أمر قائم في الحال لكون محله القلب فيصح الإخبار باللسان عما هو قائم بمحل آخر حال الإخبار قيد بالاختيار لأنه لو قال : طلقي نفسك فقالت أنا أطلق لا يقع. وكذا لو قال لعبده أعتق رقبتك فقال : أنا أعتق لا يعتق لأنه لا يمكن جعله إخبارا عن طلاق قائم أم عتق قائم لأنه إنما يقوم باللسان فلو جاز قام به الأمران في زمن واحد وهو محال.
وفي فتح القدير وهذا بناء على أن الإيقاع لا يكون بنفس أطلق لأنه لا تعارف فيه وقدمنا أنه لو تعورف جاز ومقتضاه أنه يقع به هنا لو تعورف لأنه إنشاء لا إخبار ا هـ.
وقد أخذه من الكافي، والظهيرية حيث قالا ولأن العادة لم تجر في أنا طالق بإرادة الحال ا هـ.
وفي المعراج إلا إذا نوى إنشاء الطلاق فحينئذ يقع، وفي البزازية لو قال : أنا أحج لا يلزمه شيء بخلاف ما إذا قال : إن شفى الله مريضي فأنا أحج كان نذرا لأن المواعيد باكتساب التعاليق تصير لازمة وذكر في كتاب الكفالة لو قال : الذهب الذي لك على فلان أنا أدفعه أو أسلمه أو أقبضه مني لا يكون كفالة ما لم يقل لفظا يدل على الوجوب كضمنت أو كفلت أو علي أو إلي وهذا إذا ذكره منجزا أما إذا ذكره معلقا بأن قال إن لم يؤده فلان فأنا أدفعه إليك أو نحوه يكون كفالة لما علم أن المواعيد باكتساب صور التعاليق تكون لازمة فإن قوله أنا أحج لا يلزمه شيء، ولو علق وقال : إن دخلت الدار فأنا أحج يلزمه الحج ا هـ. وفي البزازية لو قالت له أنا أطلق نفسي لا يكون جوابا، ولو قالت اخترت أن أطلق نفسي كان جائزا. ا هـ .
"قوله: ولو قال لها اختاري اختاري اختاري فقالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة وقع الثلاث بلا نية" لأن في لفظه ما يدل على إرادة الطلاق وهو التعدد وهو إنما يتعلق بالطلاق لا باختيار الزوج، وقد اختلف المشايخ في الوقوع به قضاء بدون النية مع الاتفاق على أنه لا يقع في نفس الأمر إلا بالنية فذهب المصنف تبعا لصاحب الهداية والصدر الشهيد والعتابي إلى عدم اشتراطها لما ذكرنا وذهب قاضي خان وأبو المعين النسفي إلى اشتراطها ورجحه في فتح القدير بأن تكرار أمره بالاختيار لا يصير ظاهرا في الطلاق لجواز أن يريد اختاري في المال واختاري في المسكن ونحوه وهو كاعتدي إذا كرره، وقد يجاب عنه بأن المحصور بالثلاث هو الطلاق لا أمر آخر

 

ج / 3 ص -455-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا ذكره الفارسي ويرد عليه لو قال لها اختاري مرتين فقط فإنه يقع بلا نية ولا حصر.
وفي تلخيص الجامع الكبير، والعدد خاص بالطلاق فأغنى عن ذكر النفس، والنية ا هـ. وهو مخالف لما في أصله فقد نقل في غاية البيان أن المصرح به في الجامع الكبير اشتراط النية قال وهو الظاهر ا هـ والحاصل أن المعتمد رواية ودراية اشتراطها دون اشتراط ذكر النفس وأفاد بإطلاقه عدم اشتراط ذكر النفس في أحد كلاميهما كالنية لأن التكرار قام مقامه لما قدمناه وقيل لا بد من ذكر النفس وإنما حذف لشهرته لأن غرض محمد مجرد التفريع دون بيان صحة الجواب كذا في الكافي ثم وقوع الثلاث هنا قول الإمام وقالا يقع واحدة نظرا إلى أن هذه الكلمة تفيد الترتيب، والإفراد فإذا بطل الأول لاستحالة الترتيب في المجتمع في الملك لم يجز إبطال الآخر فوجب اعتباره وله أنها تفيد الترتيب، والإفراد من ضرورته فإذا بطل في حق الأصل بطل في حق التبع، وقد منع أن الإفراد من ضرورته بل كل منهما مدلوله وليس أحدهما تبعا للآخر ولذا اختار الطحاوي قولهما وأجيب عنه سلمنا أن الفردية مدلولة لكن لا يلزم أن تكون مقصودة لأنه قد يكون أحد جزأي المدلول المطابق هو المقصود، والآخر تبعا كما هو المراد هنا لأن الوصف وضع للذات باعتبار معنى هو المقصود فلم تلاحظ الفردية فيه حقيقيا أو اعتباريا كالطائفة الأولى، والجماعة الأولى إلا من حيث هو متصف بتلك النسبة فإذا بطلت بطل الكلام قيد بقوله اخترت الأولى وما عطف عليه لأنها لو قالت اخترت التطليقة الأولى وقعت واحدة اتفاقا كذا في المعراج، ولو قالت: اخترت أو اخترت اختياره أو الاختيارة أو مرة بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة أو اختيارة واحدة يقع الثلاث في قولهم، ولو قال الزوج نويت بالأولى طلاقا وبالأخريين التأكيد لا يصدق قضاء كذا في المحيط، والأصل أنها إذا ذكرت الأولى أو ما يجري مجراها فهو على ثلاثة أوجه فإن قالت اخترت التطليقة الأولى وقعت واحدة اتفاقا، وإن قالت اخترت الاختيارة الأولى فثلاث اتفاقا. والخلاف فيما إذا لم تذكر المنعوت وأورد المصنف تكرار التخيير ثلاثا سواء كان بلا عطف كما ذكره أو به من واو أو فاء أو ثم لأنه جواب الكل حتى لو كان بمال لزم كله.
وفي شرح تلخيص الجامع للفارسي إلا أن في العطف بثم لو اختارت نفسها بالأولى قبل أن يتكلم الزوج بالثانية، والثالثة وهي غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يقع بغيرها شيء ا هـ.
وفي الولوالجية لو قال لها أمرك بيدك ينوي ثلاثا ثم قال لها أمرك بيدك على ألف درهم ينوي ثلاثا فقبلت ذلك ثم قالت قد اخترت نفسي بالخيار الأول قال أبو حنيفة هي طالق ثلاثا، والمال لازم عليها وذكرها الأول لغو وقالا هي طالق ثلاثا ولا يلزمها المال وذكرها الأول ليس بلغو ا هـ.

 

ج / 3 ص -456-       ولو قالت طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي تلخيص الجامع لو قال لها: اختاري اختاري اختاري بألف أو عطف فقالت اخترت طلقت ثلاثا بألف وفاء بإطلاق الجواب فقبلت فور أنواع تمليك، والعدد خاص بالطلاق فأغنى عن ذكر النفس، والنية كذا اخترت لواحدة أو واحدة حذار التخيير بالشك إذ ينعت بها الدفعة، والاختيارة، وفي اخترت تطليقة لا يقع للعطف لأنها للفرد وهو ببعض الألف ضرر بخلاف جانبها وبالكلمة إيجاب لا جواب بخلاف الوكيل إذ عليه الوفاق لا الجواب، وفي غيره يقع فرد ولا مال ما لم تعن الثالثة لخصوصه بها كذا اخترت الأول عندهما إذا أضمر الطلقة حفظا للنعت وعنده يقع الثلاث إذا أضمر الاختيارة حفظا للأصل بتطليق الجواب، والصدر ا هـ.
وأفاد المصنف بوقوع الثلاث أنه لو كان بمال لزمها المال كله كما قدمناه وهو قول الإمام وعندهما إن اختارت نفسها بالأخيرة لزمها المال كله، وإن اختارت نفسها بالأولى أو الوسطى لم يلزمها شيء لأن كل واحد من التخييرات تخيير على حدة فإنه كلام تام بنفسه ولم يذكر معه حرف الجمع، والبدل لم يذكر إلا في الأخيرة فلا يجب إلا باختيار الأخيرة، ولو ذكر بالواو أو الفاء فعند أبي حنيفة لا يختلف الجواب فيقع الثلاث ويلزمها الألف وعندهما لا يقع الطلاق في هذه الصور لأن الكل صار كلاما واحدا بحرف الجمع فصار كما لو قال لها طلقي نفسك ثلاثا بألف فطلقت واحدة كذا في البدائع.
وفي الكافي: إذا كرر بلا عطف فقالت اخترت نفسي بالجميع وقعت الأوليان بلا شيء، وفي الثالثة بالألف لأنه قرن المال بالأخيرة ولم يذكر حرف العطف بينهما ليصير المقرون بالأخيرة مقرونا بالأولى، والثانية وهذا كالاستثناء، والشرط فإنه ينصرف إلى الأخيرة ا هـ.
"قوله: ولو قالت طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة" يعني في جواب قوله اختاري وإنما صلح جوابا له لأن التطليق داخل في ضمن التخيير فقد أتت ببعض ما فوض إليها كما لو قال طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة بخلاف ما لو قالت اخترت نفسي في جواب طلقي نفسك لأن الاختيار لم يفوض إليها لا قصدا ولا ضمنا وإنما وقع به البائن دون الرجعي، وإن كان صريحا لأنه لا عبرة لإيقاعها بل لتفويض الزوج ألا ترى أنه لو أمرها بالبائن أو الرجعي فعكست وقع ما أمر به الزوج، وقد ذكر صدر الإسلام في جامعه أنه يقع به الرجعي نظرا لما أوقعته المرأة وهو مخالف لعامة الكتب لكن في شرح الوقاية أن في المسألة روايتين في رواية تقع رجعية، وفي أخرى بائنة وهذا أصح ا هـ. وبهذا ظهر أن ما في الهداية إحدى الروايتين فقول الشارح أنه غلط وابن الهمام أنه سهو مما لا ينبغي أن يقال في مثله ولذا قال في الكافي أن ما في الهداية موجود في بعض نسخ الجامع الصغير،

 

ج / 3 ص -457-       أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة فاختارت نفسها طلقت رجعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب أنه لا يملك الرجعة كما في الجامع الكبير ا هـ.
قيدنا بكونه جوابا لقوله اختاري لأنه لو كرر اختاري ثلاثا بألف فقالت اخترت نفسي بتطليقة أو اخترت تطليقة لم يقع شيء في صورة للعطف لأن التطليقة تصلح للفرد دون الثلاث ووقوع الواحدة ممتنع دفعا للضرر عنه ووقعت واحدة بائنة في غير صورة العطف اتفاقا ولا يجب عليها شيء من المال إن قالت عنيت التطليقة الأولى أو الثانية، وإن قالت عنيت الثالثة لزمها كل الألف بخصوص المال بالثالثة كذا في شرح التلخيص وهو شرح لما قدمناه وعنه في المحيط، ولو قال: اختاري فقالت فعلت لا يقع لأن هذا كناية عن قولها اخترت وبه لا يقع فكذا هذا، ولو قال اختاري نفسك فقالت فعلت يقع لما بينا ا هـ.
وفي جامع الفصولين لو قال: بعت أمرك منك بألف فاختارت نفسها في المجلس بانت ولزمها المال. ا هـ.
"قوله: أمرك بيدك في تطليقة أو اختاري تطليقة فاختارت نفسها طلقت رجعية "لأنه جعل لها الاختيار بتطليقة وهي معقبة للرجعة، والمقيد للبينونة إذا قرن بالصريح صار رجعيا كعكسه نحو أنت طالق بائن يصير بائنا قيد بقوله في تطليقة لأنه لو جعل أمرها بيدها لو لم تصل نفقتي إليك تطلقي نفسك متى شئت فلم تصل فطلقت قال: يكون بائنا وهكذا أجاب القاضي بديع الدين لأن لفظة الطلاق لم تكن في نفس الأمر بخلاف ما لو قال: أمرك بيدك بتطليقة واحدة تطلقي نفسك متى شئت حيث تكون رجعية كما في أمرك بيدك في تطليقة كذا في الصيرفية، وفي جامع الفصولين أمرك بيدك تطلقي نفسك غدا فلها أن تطلق نفسها للحال وقوله: تطلقي إلى آخره مشورة ا هـ. وفي أمرك بيدك لكي تطلقي نفسك أو لتطلقي نفسك أو حتى تطلقي نفسك فطلقت فهي واحدة بائنة. ا هـ.
وفي المحيط لو قال: اختاري تطليقتين فاختارت واحدة يقع لأنه بمنزلة قوله طلقي نفسك اثنتين فطلقت واحدة، ولو قال اختاري إن شئت فقالت اخترت نفسي يقع لأنه بمنزلة قوله طلقي نفسك إن شئت، وقد شاءته لأن الاختيار مشيئة لا محالة، ولو قال: أنت طالق إن شئت واختاري فقالت شئت واخترت يقع طلاقان أحدهما بالمشيئة، والآخر بالاختيار لأنه فوض إليها طلاقين أحدهما صريح، والآخر كناية، والكناية حال ذكر الصريح لا تفتقر إلى النية، ولو قال لرجل خير امرأتي ولم يخيرها لم يكن الخيار لها لأنه آمر بأمر فما لم يفعل لم يحصل المأمور، ولو قال: أخبرها بالخيار فقبل أن يخبرها سمعت الخبر فاختارت نفسها وقع لأن الأمر بالخيار يقتضي تقدم الخبر به فكان هذا إقرارا من الزوج بثبوت الخيار لها ا هـ.

 

ج / 3 ص -458-      
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البزازية قال لغيره زوجني امرأة فإذا فعلت ذلك فأمرها بيدها فزوجه الوكيل ولم يشترط لها الأمر كان الأمر بيدها بحكم التعليق من الزوج لو قال: زوجني امرأة واشترط لها على أني إن تزوجتها فأمرها بيدها لم يكن الأمر بيدها بلا شرط الوكيل لأن في الأول علق بالتزوج لا بشرط ا هـ.
ثم اعلم أن ما قدمناه أول الباب أنها إذا قالت اخترت نفسي لا بل زوجي يقع وهو منقول في الكتب المعتمدة، وفي الاختيار ما يخالفه فإنه قال لو قالت اخترت نفسي لا بل زوجي لا يقع لأنه للإضراب عن الأول فلا يقع ا هـ. ولعله سهو، والصواب ما قدمناه والله أعلم.

فصل في الأمر باليد
أمرك بيدك ينوي ثلاثاً، فقالت: اخترت نفسي بواحدة وقعن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الأمر باليد
أخره عن الاختيار لتأيد التخيير بإجماع الصحابة رضي الله عنهم بخلاف الأمر باليد فإنه، وإن لم يعلم فيه خلاف ليس فيه إجماع وقدم كثير الأمر باليد نظرا إلى أن الإيقاع بلفظ الاختيار ثابت استحسانا في جواب اختاري لا قياسا بخلافه جوابا للأمر باليد فإنه قياس واستحسان وأما الإيقاع بلفظ أمري بيدي فلا يصح قياسا ولا استحسانا، والحق ما في فتح القدير من استواء البابين في القياس، والاستحسان فإنه جواب الأمر باليد بقولها اخترت نفسي على خلاف القياس أيضا، والتفويض بكل منهما على وفق القياس، والأمر هنا بمعنى الحال، واليد بمعنى التصرف كما في المصباح.
"قوله: أمرك بيدك ينوي ثلاثا فقالت اخترت نفسي بواحدة وقعن" أي وقع الثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد على الأصح المختار لأنه أبلغ في التفويض إليها من الأمر باليد وقيل لا ذكره في المحيط، والولوالجية، وفيها: أعرتك طلاقك كأمرك بيدك، والواحدة في كلامهما صفة الاختيارة فصار كأنها قالت اخترت نفسي باختياره واحدة وأراد بنية الثلاث نية تفويضها. وأشار بذكر الفاء في قوله فقالت إلى اشتراط المجلس وبخطابها إلى أن علمها شرط حتى لو جعل أمرها بيدها ولم تعلم فطلقت نفسها لم تطلق كما في الولوالجية، والخانية وبذكر النفس في جوابها إلى اشتراطه أو ما يقوم مقامه كالتفويض بلفظ التخيير.
واستفيد منه أن الأمر باليد كالتخيير في جميع مسائله سوى نية الثلاث فإنها تصح هنا لا في

 

ج / 3 ص -459-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التخيير لأنه جنس يحتمل العموم، والخصوص فأيهما نوى صحت نيته كذا ذكره الشارحون وصاحب المحيط، وفي البدائع الأمر باليد كالتخيير إلا في شيئين أحدهما نيته الثلاث، والثاني أن في اختاري لا بد من ذكر النفس أو ما يقوم مقامها للدليل الدال على اشتراطه في الاختيار، وفي المحيط: لو جعل أمرها بيدها فقالت طلقت، ولم تقل نفسي لا يقع كما في الخيار لو قالت اخترت لا يقع، ولو قالت عنيت نفسي إن كانت في المجلس تصدق لأنها تملك الإنشاء وإلا فلا ا هـ. وهو صريح في مخالفة ما في البدائع الأمر باليد كالتخيير إلا في شيئين فدل على ضعفه.
وقيد نية الثلاث لأنه لو لم ينو عددا أو نوى واحدة أو اثنتين في الحرة وقعت واحدة بائنة وقدمنا أنه لا بد من نية التفويض إليها ديانة أو يدل الحال عليه قضاء، وفي الخانية: امرأة قالت لزوجها في الخصومة إن كان ما في يدك في يدي استنقذت نفسي فقال الزوج الذي في يدي في يدك فقالت المرأة طلقت نفسي ثلاثا فقال لها الزوج قولي مرة أخرى فقالت المرأة طلقت نفسي ثلاثا فقال الزوج لم أنو الطلاق بقولي الذي في يدي في يدك فإنها تطلق ثلاثا بقولها ثانيا طلقت نفسي ثلاثا حتى لو لم يقل لها قولي مرة أخرى كان القول قوله: قضاء وديانة، وفي فتح القدير وإذ علم أن الأمر باليد مما يراد به الثلاث فإذا قال الزوج نويت التفويض في واحدة بعد ما طلقت نفسها ثلاثا في الجواب يحلف أنه ما أراد الثلاث ا هـ.
وقيد بقولها اخترت نفسي لأنها لو قالت في جوابه أمري بيدي لا يصح قياسا واستحسانا كما قدمناه، وفي الخلاصة لو قالت في جوابه ملكت نفسي أمري كان باطلا، ولو قالت اخترت أمري كان جائزا ا هـ.
فالأصل أن كل لفظ يصلح للإيقاع من الزوج يصلح جوابا من المرأة وما لا فلا إلا لفظ الاختيار خاصة فإنه ليس من ألفاظ الطلاق ويصلح جوابا منها كذا في البدائع ولذا قال في الاختيار وغيره لو قال لها أمرك بيدك فقالت أنت علي حرام أو أنت مني بائن أو أنا منك بائن فهو جواب لأن هذه الألفاظ تفيد الطلاق كما إذا قالت طلقت نفسي، ولو قالت أنت مني طالق لم يقع شيء، ولو قالت أنا منك طالق أو أنا طالق وقع لأن المرأة توصف بالطلاق دون الرجل ا هـ. لكن يرد على الأصل المذكور ما في الخلاصة لو جعل أمرها بيد أبيها فقال أبوها قبلتها طلقت وكذا لو جعل أمرها بيدها فقالت قبلت نفسي طلقت، ولو قال لها اختاري فقالت ألحقت نفسي بأهلي لم يقع كما في جامع الفصولين وهو مشكل لأنه من الكنايات فهو كقولها أنا بائن، والباء في قوله أمرك بيدك ليس بقيد بل حرف في كذلك، وفي المحيط عن محمد: لو قال

 

ج / 3 ص -460-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاث مرات أمرك بيدك كان ثلاثا مرات ولو قال في يدك فهي واحدة ا هـ. واليد أيضا ليس بقيد فإنه لو قال أمرك في كفيك أو يمينك أو شمالك أو فمك أو لسانك كان كذلك كذا في الخلاصة، والبزازية، وفيهما من فصل نكاح العبد، والأمة تزوج امرأة على أنها طالق أو على أن أمرها بيدها تطلق نفسها كلما تريد لا يقع الطلاق ولا يصير الأمر بيدها، ولو بدأت المرأة فقالت زوجت نفسي منك على أني طالق أو على أن أمري بـ دي أطلق نفسي كلما أريد فقال الزوج قبلت وقع الطلاق وصار الأمر بيدها، ولو بدأ العبد فهو كما لو بدأ الزوج، ولو بدأ المولى فهو كبداءة المرأة ا هـ.
وفي البزازية، ولو قال: أمرك في عينيك وأمثاله يسأل عن النية وأمري بيدك كقوله أمرك بيدك ودعواها على زوجها أنه جعل أمرها بيدها لا يقبل أما لو أوقعت الطلاق بحكم التفويض ثم ادعت المهر، والطلاق يسمع وليس لها أن ترفع الأمر إلى القاضي حتى يجبر الزوج على أن يجعل أمرها بيدها.
وفي تلخيص الجامع لو قال في البيع، والطلاق أمرها بيد الله وبيدك أو بع بما شاء الله وشئت ينفرد المخاطب لأن ذكر الله تعالى للتبرك وللتيسير عرفا، والباء للعوض فألغيا فيه دون الأصل مثل كيف شئت عنده بخلاف إن شاء الله أو ما شاء الله وشئت إذا بطل الأصل أو علق بمجهول حسب التأثير في إن شاء الله أنت طالق فلغا العطف وهو أخبر عن واقع، ولو قال: بيدي وبيدك أو شئت وشئت لم ينفرد حملا على التعليق إذ تعذر التمليك ا هـ.
وفي المحيط لو قال لامرأته أنت طالق أو أمرك بيدك لم تطلق حتى تختار نفسها في مجلسها فحينئذ يخير الزوج إن شاء أوقع تطليقة، وإن شاء أوقع باختيارها ا هـ. وأطلق في المرأة المخاطبة فشمل الصغيرة فلو قال للصغيرة أمرك بيدك ينوي الطلاق فطلقت نفسها يقع كأنه علق طلاقها بإيقاعها كذا في البزازية.
وأطلق الأمر باليد فشمل المنجز، والمعلق إذا وجد شرطه ومنه ما في المحيط لو قال: إن دخلت الدار فأمرك بيدك فإن طلقت نفسها كما وضعت القدم فيها طلقت لأن الأمر في يدها، وإن طلقت بعد ما مشت خطوتين لم تطلق لأنها طلقت بعد ما خرج الأمر من يدها ولو قال: أمرك بيدك في ثلاث تطليقات إن أبرأتني عن مهرك فقالت وكلني حتى أطلق نفسي فقال: أنت وكيلتي لتطلقي نفسك فإذا أبرأته عن المهر أولا ثم طلقت في المجلس طلقت وإذا لم تبرئه لا يقع لأن التوكيل كان بشرط أن تبرئه عن المهر ا هـ. ومنه ما في البزازية قال لها إن غبت عنك

 

ج / 3 ص -461-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومكثت في غيبتي يوما أو يومين فأمرك بيدك فهذا على أول الأمرين فيقع الطلاق لو مكث يوما إن غاب عنها كذا فأمرها بيدها فجاء في آخر المدة فتوارت حتى مضت المدة أفتى البعض ببقاء الأمر في يدها والإمام قاضي خان على أنه إن علم بمكانها ولم يذهب إليها وقع، وإن لم يعلم بمكانها لا، والصحيح أنه لا يقع.
قال في الخزانة وإذا كانت الغيبة منها لا يصير أمرها بيدها واختلاف الأجوبة في المدخولة وغيرها لا يصير أمرها بيدها، وفي المدخولة لو كان في المصر ولم يجئ إلى منزلها حتى تمت المدة فيصير بيدها جعل أمرها بيدها إن غاب عنها ثلاثة أشهر ولم تصل إليها النفقة فبعث إليها بخمسين إن لم يكن قدر نفقتها صار بيدها، ولو كانت النفقة مؤجلة فوهبت له النفقة ومضت المدة لا يصير الأمر بيدها لا ارتفاع اليمين عندهما خلافا للإمام. الثاني: وإن ادعى وصول النفقة إليها وادعت حصول الشرط قيل القول قوله: لأنه ينكر الوقوع لكن لا يثبت وصول النفقة إليها. والأصح أن القول قولها في هذا، وفي كل موضع يدعي إيفاء حق وهي تنكر جعل أمرها بيدها إن لم يعطها كذا في يوم كذا ثم اختلفا في الإعطاء وعدمه بعد الوقت فالقول له في حق عدم الطلاق ولها في حق عدم أخذ ذلك الشيء كذا في الذخيرة.
وفي المنتقى: إن لم آتك إلى عشرين يوما فأمرها بيدها يعتبر من وقت التكلم فإذا اختلفا في الإتيان وعدمه فالقول له لأنه منكر كون الأمر بيدها وذكر محمد ما يدل على أن القول لها فيمن قال: إن مات فلان قبل أن أعطيك المائة التي لك عليه فأنا كفيل به فمات فلان وادعى عدم الإيفاء وكونه كفيلا وادعى المطلوب الإيفاء أن القول للطالب لأنه ينكر الاستيفاء وهذا استحسان قال لها قبل الدخول: إن غبت عنك شهرا فأمرك بيدك فوجد الشرط لا يصير بيدها لأن الغيبة لا تتحقق قبل البناء لعدم الحضور لأن الغيبة قبل الحضور لا تمكن قال لها إن لم أرسل نفقتك في هذا الشهر أو إن لم أبعث فأنت كذا فأرسل إليها بيد رجل فضاعت من يد الرسول لا يقع لأن البعث، والإرسال قد تحقق وإذا خافت المرأة إذا تزوجها أن لا يجعل الأمر بيدها بعد التزوج تقول زوجت نفسي منك بكذا على أن أمري بيدي أطلق نفسي منك متى شئت كلما ضربتني بغير جناية أو تزوجت علي أخرى أو تسريت أو غبت عني سنة جعل أمرها بيدها وهي صغيرة على أنه متى غاب عنها سنة تطلق نفسها بلا خسران يلحق الزوج فوجد الشرط فأبرأته عن المهر ونفقة العدة وأوقعت طلاقها يقع الرجعي ولا يسقط المهر، والنفقة كما لو كان الإيجاب من الزوج موجودا قبل وجود الشرط. قال لها أمر ثلاث تطليقات بيدك إن أبرأتني عن مهرك إن قامت عن المجلس خرج الأمر من يدها، وإن أوقعت الطلاق في المجلس إن قدمت الإبراء وقع، وإن لم تبرئه عن المهر لا يقع لأن التوكيل كان بشرط الإبراء قال لها: إن لم أعطك دينارين إلى شهر

 

ج / 3 ص -462-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأمرك بيدك فاستدانت وأحالت على زوجها إن أدى الزوج المال إلى المحتال قبل مضي المدة ليس لها إيقاع الطلاق، وإن لم يؤد ملكت الإيقاع إن لم تصل إليك نفقة عشرة أيام فأمرك بيدك فنشزت بأن ذهبت إلى أبيها بلا إذنه في تلك الأيام ولم تصل إليها النفقة لا يقع لعدم وجوب النفقة فصار كما إذا طلقها حين تمت المدة إن لم أوصل إليك خمسة دنانير بعد عشرة أيام فأمرك بيدك في طلاق متى شئت فمضى الأيام ولم يرسل إليها النفقة إن كان الزوج أراد به الفور لها الإيقاع، وإن لم يرد به الفور لا تملك الإيقاع حتى يموت أحدهما جعل أمرها بيدها إن ضربها بلا جناية فطلبت النفقة أو الكسوة وألحت لا يكون جناية لأن لصاحب الحق يد الملازمة ولسان التقاضي، ولو شتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته فجناية وكذا لو قالت له يا حمار يا أبله أو لعنته، ولو لعنها فلعنته قيل ليس بجناية لأنها ليست ببادئة قال الله تعالى:
{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، والعامة على أنه جناية لأنه لا قصاص فيه حتى لا يكون الثاني جانيا قال لها بليدة فقالت له بليد مثل ذلك فهو جناية منها إذا صرحت به. ولو شتمت أجنبيا كان جناية وكذا لو كشفت وجهها لغير محرم لأنه لا يجوز النظر، والكشف بلا ضرورة، وقال القاضي: لا يكون جناية لأنه ليس بعورة، ولو كلمت أجنبيا أو تكلمت عامدا مع الزوج أو شاغبت معه فسمع صوتها أجنبي فجناية وخروجها من البيت بعد إيفاء المعجل جناية في الأصح وقيل جناية مطلقا وإعطاؤها شيئا من بيته بلا إذنه حيث لم تجر العادة بالمسامحة به جناية وكذا دعاؤها عليه وكذا قولها الكلبة أمك وأختك بعد قوله جاءت أمك الكلبة وكذا قولها أزواج النساء رجال وزوجي لا، ولو دعاها إلى أكل الخبز المجرد فغضبت لا يكون جناية ا هـ.
وصحح في الظهيرية ما عليه العامة من أن لعنها بعد لعنه جناية، وفيها، والصحيح أنها إن كشفت وجهها عند من يتهم بها فهو جناية، ولو قال لها: لا تفعلي كذا فقالت أفعل إن كانت قالت ذلك في فعل هو معصية فهو جناية وإلا فلا ا هـ.
وفي جامع الفصولين فوض إليها أمرها إن تزوج عليها ثم ادعت على الزوج أنك تزوجت علي فلانة وفلانة حاضرة تقول زوجت نفسي منه وشهد الشهود بالنكاح يصير الأمر بيدها، ولو كانت فلانة غائبة عن المجلس وبرهنت هذه أنك تزوجت فلانة علي وصار الأمر بيدي هل يسمع فيه روايتان، والأصح أنها لا تسمع لأنها ليست بخصم في إثبات النكاح عليها ا هـ.
وفي الفصول واقعة جعل أمرها بيدها إن تزوج عليها ثم وهبت امرأة نفسها منه بحضرة شهود وقبل هو فصارت امرأته وقال: عنيت في التفويض التلفظ بلفظ التزوج هل يصدق حتى لا يصير الأمر بيدها قال: ما أجاب بعض من تصدى للإفتاء بلا تحصيل الدراية، والرواية أنه يصدق

 

ج / 3 ص -463-       وفي طلقت نفسي واحدة، أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة، ولا يدخل الليل في أمرك بيدك اليوم، وبعد غد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا غلط محض وخطأ صرف وأجبت أنه لا يصدق ويصير الأمر بيدها لأن نية الخصوص في الفعل لا تصح إذ الفعل لا عموم له ا هـ. وقد بحث فيه في جامع الفصولين.
فليراجع وفي الصيرفية قال لها إن لم تصل نفقتي إليك عشرة أيام فأمرك بيدك فغاب عشرة أيام وأنفقت من ماله فحضر قال لا يبقى الأمر بيدها بخلاف ما لو قال: إن لم أوصل إليك نفقتك عشرة أيام، والمسألة بحالها حيث يبقى الأمر بيدها لأن شرط جعل الأمر بيدها عدم الإيصال دون الوصول ولم يوجد الإيصال فيحنث، ولو جعل الأمر بيدها إن ضربها بغير جناية شرعية فقالت له وقت الخصومة يا ابن الأجير يا ابن العواني فضربها وإنه كما قالت لها أن تطلق نفسها، ولو قالت له يا ابن النساج إن كان كما قالت أو لا يعير بهذا لا يكون جناية، ولو صعدت السطح من غير ملاءة هل يكون جناية قال: نعم قيل هذا إن صعدت للنظارة وإلا فلا قال: قلت إن لم يكن للسطح تجبير فجناية وإلا فلا ورمي البطيخ إليه جناية إن كان على وجه الاستخفاف وإلا فلا ا هـ.
وفي القنية إن شربت مسكرا بغير إذنك فأمرك بيدك ثم شرب واختلفا في الإذن فالقول قول الزوج، والبينة بينة المرأة ا هـ.
فحاصلة القول له، والبينة بينتها، وفي القنية إن تزوجت عليك امرأة فأمرها بيدك فدخلت امرأة في نكاحه بنكاح الفضولي وأجاز بالفعل ليس لها أن تطلقها، ولو قال: إن دخلت امرأة في نكاحي فلها ذلك وكذا في التوكيل بذلك. ا هـ.
"قوله: وفي طلقت نفسي واحدة أو اخترت نفسي بتطليقة بانت بواحدة" يعني في جواب قول الزوج أمرك بيدك ينوي ثلاثا لأن الواحدة صفة للطلقة باعتبار خصوص العامل كما أنها صفة للاختيارة في التي قبلها فإن خصوص العامل اللفظي قرينة خصوص المقدر فتقع الواحدة لأنها لما ملكت الثلاث بالتفويض ملكت الواحدة فكانت بائنة لأن التفويض إنما يكون في البائن لأنها به تملك أمرها وهو بالبائن لا بارجعي وأشار بذكر النفس إلى اشتراطه مع طلقت أيضا.
وفي جامع الفصولين قال: أمرك بيدك كلما شئت فلها أن تختار نفسها كلما شاءت في المجلس أو في مجلس آخر إلا أنها لا تطلق نفسها في المجلس أكثر من واحدة يعني دفعة واحدة وأما تفريقها الثلاث في المجلس فلها ذلك بخلاف إذا ومتى فإنه ليس لها التكرار ولا يتقيد بالمجلس ككلما. ا هـ.
"قوله: ولا يدخل الليل في أمرك بيدك اليوم وبعد غد" يعني لا يكون لها الخيار ليلا بناء

 

ج / 3 ص -464-       وإن ردت الأمر في يومها بطل الأمر في ذلك اليوم وكان أمرها بيدها بعد غد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنهما أمران لأن عطف زمن على زمن مماثل مفصول بينهما بزمن مماثل لهما ظاهر في قصد تقييد الأمر المذكور بالأول وتقييد أمر آخر بالثاني فيصير لفظ يوم مفردا غير مجموع إلى ما بعده في الحكم المذكور لأنه صار عطف جملة على جملة أي أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد، ولو أفرد اليوم لا يدخل الليل فكذا إذا عطف جملة أخرى قيد بالأمر باليد لأنه لو قال: طلقي اليوم وبعد غد كان أمرا واحدا فلا يقع إلا طلاق واحد لأن الطلاق لا يحتمل التأقيت وإذا وقع تصير به طالقا في جميع العمر فذكر بعد غد وعدمه سواء لا يقتضي أمرا آخر.
"قوله: وإن ردت الأمر في يومها بطل الأمر في ذلك اليوم وكان أمرها بيدها بعد غد" يعني إذا قالت لزوجها اخترتك أو اخترت زوجي فقد انتهى ملكها في اليوم الأول فالمراد بالرد اختيار الزوج، والمراد بالبطلان الانتهاء قيدنا به لأنها لو قالت رددته فإنه لا يبطل ولذا قال في الذخيرة لو جعل أمرها بيدها أو بيد أجنبي يقع لازما فلا يرتد بردهما فلا مناقضة بين قولهم لا يرتد بالرد وقولهم هنا وإذا ردت بطل، وقد سلك، والشارحون طريقا آخر في دفع المناقضة بأنه يرتد بالرد عند التفويض وأما بعده فلا يرتد كما إذا أقر بمال لرجل فصدقه ثم رد إقراره لا يصح وكالإبراء عن الدين بعد ثبوته لا يتوقف على القبول ويرتد بالرد لما فيه من معنى الإسقاط، والتمليك أما الإسقاط فظاهر وأما التمليك فلقوله تعالى:
{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] سمي الإبراء تصدقا كذا في فتح القدير.
والصواب أن يقال إنهم وفقوا بينهما بأنه يريد برده عند التفويض لا بعد ما قبله كما في الفصول وأما ما ذكره من أنه بعد التفويض فمحمول على ما إذا قبله ووفق بينهما في جامع الفصولين بأنه يحتمل أن يكون فيه روايتان لأنه تمليك من وجه وتعليق من وجه فيصح رده قبل قبوله نظرا إلى التمليك ولا يصح إلى التعليق لا قبله ولا بعده فتصح رواية صحة الرد نظرا إلى التمليك وتصح رواية فساد الرد نظرا إلى التعليق ا هـ.
وحاصله أن ابن الهمام حمل قولهم بصحة الرد على اختيارها زوجها وقولهم بعدم صحته على ما لو قالت رددت وهو حمل قاصر لأنه خاص بما إذا جعل أمرها بيدها. وقولهم إنه يرتد بالرد شامل لما إذا جعل الأمر بيدها أو بيد أجنبي كما صرح به في جامع الفصولين ولا يمكن هذا الحمل في أمر الأجنبي فتعين ما وفق به المشايخ من أنه يرتد قبل القبول لا بعده كالإبراء وجوابه أنه يأتي من الأجنبي أيضا بأن يقول للزوج اخترتك كما لا يخفى، وفي كلام الشارحين نظر لأن قولها بعد القبول رددت إعراض مبطل لخيارها، وقد وقع في هذا الفصل ثلاث مناقضات إحداهما ما قدمناه وجوابها الثانية ما وقع في الفصول أنه لو قال لامرأته: أمرك بيدك ثم طلقها بائنا

 

ج / 3 ص -465-       وفي أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرج الأمر من يدها وقال في موضع آخر لا يخرج، وإن كان الطلاق بائنا ووفق بأن الخروج فيما إذا كان الأمر منجزا وعدمه إذا كان الأمر معلقا بأن قال: إن كان كذا فأمرك بيدك.
والحق أن في المسألة اختلاف الرواية، والأقوال وظاهر الرواية أن الأمر باليد يبطل بتنجيز الإبانة بمعنى أنها لو طلقت نفسها في العدة لا يقع لا بمعنى بطلانه بالكلية لما قدمناه من أنها لو طلقت نفسها بعد التزوج وقع عند الإمام ويدل عليه قولهم في باب التعليق وزوال الملك بعد اليمين لا يبطل بناء على أن التخيير بمنزلة تعليق طلاقها باختيارها نفسها، وإن كان تمليكا، وفي القنية معلما بعلامة فيه إن فعلت كذا فأمرك بيدك ثم طلقها قبل وجود الشرط طلاقا بائنا ثم تزوجها يبقى الأمر في يدها ثم رقم بم لا يبقى في ظاهر الرواية ثم رقم بح إن تزوجها قبل انقضاء العدة، والأمر باق، وإن تزوجها بعد انقضائها لا يبقى ا هـ. فقد صرح بعدم بقائه مع الأمر المعلق في ظاهر الرواية. فلا يصح التوفيق بأنه يبقى إذا كان معلقا.
فالحق أن في المسألة اختلاف الرواية كما أن الظاهر في مسألة رد التفويض أن فيها روايتين ويدل على ذلك ما في الهداية فإنه نقل رواية عن أبي حنيفة بأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع ثم ذكر بعدها وجه ظاهر الرواية فلا يحتاج إلى ما تكلفه ابن الهمام، والشارحون في المسألتين.
وفي البزازية: له امرأتان جعل أمر إحداهما بيد الأخرى ثم طلق المفوض إليها بائنا أو خالعها ثم تزوجها يصير أمرها بيدها بخلاف ما لو جعل أمرها بيد نفسها ثم طلقها بائنا على ما مر لأنه تمليك ا هـ. الثالثة: ما وقع في هذا الكتاب، والهداية وعامة الكتب أن الأمر باليد تصح إضافته وتعليقه نحو أمرك بيدك يوم يقدم فلان أو إذا جاء غد وبه خالف أيضا سائر التمليكات وذكر قاضي خان في شرح الزيادات ما يخالفه فإنه قال لو قال أمرك بيدك فطلقي نفسك ثلاثا للسنة أو ثلاثا إذا جاء غد فقالت في المجلس اخترت نفسي طلقت للحال ثلاثا، وإن قامت عن مجلسها قبل أن تقول شيئا بطل ا هـ. ودفعها أن ما ذكره القاضي ليس فيه تعليق الأمر ولا إضافته لأنه منجز، وقوله: فطلقي نفسك تفسير له فكان التعليق مرادا بلا لفظ وليس المنجز محتملا للتعليق فلا يكون معلقا، وإن نواه.
"قوله: وفي أمرك بيدك اليوم وغدا يدخل "أي الليل لأنه تمليك واحد فإنه لم يفصل بينهما بيوم آخر فكان جمعا بحرف الجميع في التمليك الواحد فهو كقوله أمرك بيدك في يومين، وفي مثله تدخل الليلة المتوسطة استعمالا لغويا وعرفيا فقول الشارح تبعا للهداية، وقد يهجم الليل ومجلس المشورة لم ينقطع مردود لأنه ينقطع لأنه يقتضي دخول الليل في اليوم المفرد لذلك المعنى.

 

ج / 3 ص -466-       وإن ردت في يومها لم يبق في الغد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وإن ردت في يومها لم يبق في الغد" يعني إذا اختارت زوجها في يومها انتهى ملكها فلا تملك اختيارها نفسها بعد ذلك وعليه الفتوى كذا في الولوالجية قيد بقوله اليوم وغدا لأنه لو قال: أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران ذكره قاضي خان من غير ذكر خلاف فعزوه في الهداية هذا الفرع إلى أبي يوسف ليس لإثبات خلاف فيه وإنما هو لكونه خرجه فيتفرع عليه عدم اختيارها نفسها ليلا، ولو قال: أمرك بيدك اليوم غدا بعد غد فهو أمر واحد في ظاهر الرواية لأنها أوقات مترادفة كقوله أمرك بيدك أبدا فيرتد بردها مرة وعن أبي حنيفة أن لها ثلاثة أمور لأنها أوقات حقيقة كذا في جامع التمرتاشي وقد علم من باب إضافة الطلاق إلى الزمان أنه لو قال: أمرك بيدك اليوم أنه يمتد إلى الغروب فقط بخلاف قوله أمرك بيدك في اليوم أنه يتقيد بالمجلس، وقد صرح به في فتح القدير، وفي الذخيرة: لو قال أمرك بيدك يوما أو شهرا أو سنة فلها الأمر من تلك الساعة إلى استكمال المدة المذكورة ولا يبطل بالقيام عن المجلس ولا بشيء آخر ويكون الشهر هنا بالأيام إجماعا، ولو عرف فقال هذا اليوم أو هذا الشهر أو هذه السنة كان لها الخيار في بقية اليوم أو الشهر أو السنة ويكون الشهر هنا على الهلال وذكر الولوالجي إذا قال: أمرك بيدك إلى رأس الشهر فلها أن تطلق نفسها مرة واحدة في الشهر لأن الأمر متحد، ولو قالت: اخترت زوجي بطل خيارها في اليوم ولها أن تختار نفسها في الغد عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف: خرج الأمر من يدها في الشهر كله.
ولو قال: أمرك بيدك هذه السنة فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها خيار في باقي السنة، ولو طلقها زوجها واحدة ولم يدخل بها ثم تزوجها في تلك السنة فلها الخيار عند أبي حنيفة لأن طلقات هذا الملك ما استوفيت بعد وقال أبو يوسف لا خيار لها لأنه إنما يكون في الملك، وقد بطل وقدمنا في باب إضافة الطلاق إلى الزمان أنه لو قال: أمرك بيدك إلى عشرة أيام فالأمر بيدها من هذا الوقت إلى عشرة أيام تحفظ بالساعات، ولو قال: أنت طالق إلى سنة يقع بعد السنة إلا أن ينوي الوقوع للحال، والعتق كالطلاق وقدمنا أنواعا من هذا الجنس وهي مذكورة هنا في الخلاصة، والبزازية، والكل ظاهر إلا ما فيهما من أن الإبراء إلى الشهر كالطلاق إلا إذا قال: عنيت بالإبراء إلى الشهر التأخير يكون تأخيرا إليه ا هـ. فإنه يقتضي صحة إضافة الإبراء، وقد صرح في الكنز من آخر الإجارة أنه من قبيل ما لا تصح إضافته.
وقيد باتحاد الأمر باليد لأنه لو كرره بأن قال: أمرك بيدك وأمرك بيدك أو جعلت أمرك

 

ج / 3 ص -467-       ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيدك وأمرك بيدك كانا تفويضين لأن الواو للعطف لا للجزاء وكذلك لو قال: أمرك بيدك فأمرك بيدك لأن الفاء هنا بمعنى الواو ولأنه لا يصلح تفسيرا، ولو قال: جعلت أمرك بيدك فأمرك بيدك فهو أمر واحد لأن معناه صار الأمر بيدك بجعل الأمر بيدك كقوله جعلتك طالقا فأنت طالق أو قال: قد طلقتك فأنت طالق طلقت واحدة. ولو جمع بين تفويضين بالواو، والفاء أو بغيرهما فإن كان بغيرهما بأن قال: أمرك بيدك طلقي نفسك فاختارت نفسها فقال: لم أرد بالأمر الطلاق يصدق قضاء مع يمينه لأنه ما وصل قوله: طلقي بالكلام المبهم لأنه لم يذكر حرف الوصل فكان كلاما مبتدأ فلم يصر تفسيرا للمبهم، ولو كان بالعطف كقوله: أمرك بيدك واختاري فطلقي فاختارت لا يقع شيء لأنه عطف قوله فطلقي على التفويضين المبهمين فلا يكون تفسيرا لهما فبقي كلاما مبتدأ وقولها اخترت لا يصلح جوابا له فلا يقع، وإن طلقت يقع واحدة رجعية لأنه يصلح جوابا له وكذا لو قال: أمرك بيدك واختاري فاختاري فطلقي نفسك فاختارت نفسها طلقت ثنتين مع يمينه أنه لم يرد بالأمر باليد الثلاث لأنه أتى بالتفويضين المبهمين بالعطف وهو للاشتراك فصار طلقي تفسيرا لهما وكذا لو قال: اختاري واختاري أو قال: أمرك بيدك وأمرك بيدك فطلقي نفسك فاختارت طلقت ثنتين، ولو قال: أمرك بيدك اختاري اختاري فطلقي نفسك فاختارت نفسها وقال: لم أرد به الطلاق يقع تطليقة بائنة بالخيار الأخير لأن قوله فطلقي تفسير للأخير فقط ولو قال: أمرك بيدك فاختاري أو اختاري فأمرك بيدك فالحكم للأمر حتى إذا نوى بالثلاث يصح وإذا أنكر الثلاث وأقر بالواحدة يحلف لأن الأمر يصلح علة، والاختيار يصلح حكما لا علة فصار الحكم للأمر تقدم أو تأخر.
وكذلك لو قال: أمرك بيدك فطلقي نفسك أو طلقي نفسك فأمرك بيدك، ولو قال: أمرك بيدك فاختاري فطلقي فاختارت بانت بواحدة بالأمر لأن قوله فاختاري تفسير للأمر، وقوله: فطلقي تفسير لقوله فاختاري، ولو قال: أمرك بيدك فاختاري طلقي نفسك فاختارت لم يقع شيء إذا لم يرد بالأمر، والتخيير طلاقا فإن طلقت نفسها وقعت رجعية وتمامه في المحيط وسيأتي إن شاء الله الجمع بين التفويضين لأجنبي.
وفي الجامع لو قال: أنت طالق اليوم ورأس الشهر يقع واحدة قيل تأويله أن يكون رأس الشهر غدا أما إذا كان بينهما حائل وقع طلاقان في وقتين وقيل ما وقع في الجامع قول محمد وهو يعتبر الفاصل وعند أبي يوسف تطليقتان، ولو قال: أمرك بيدك اليوم فعن محمد إلى الغروب.

 

ج / 3 ص -468-       ولو مكثت بعد التفويض يوما ولم تقم أو جلست عنه أو اتكأت عن قعود أو عكست أو دعت أباها للمشورة أو شهودا للإشهاد أو كانت على دابة فوقفت بقي خيارها، وإن سارت لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قال في اليوم تقيد بالمجلس ذكره القدوري، ولو قال في هذا الشهر فردته بطل عندهما لأنه تمليك واحدة وعند أبي يوسف بطل في ذكر المجلس لا في غيره كما لو قامت من مجلسها وقيل الخلاف بالقلب، ولو قال اليوم أو شهرا فردته لم يبطل خيارها فيما بقي من المدة عند أبي حنيفة خلافا لهما لأن هذا تفويض واحد فيرتد بالرد وقال هو تمليك نصا تعليق معنى فمتى لم يذكر الوقت فالعبرة للتمليك ومتى ذكره فالعبرة للتعليق كذا في المعراج.
"قوله: ولو مكثت بعد التفويض يوما ولم تقم أو جلست عنه أو اتكأت عن قعود أو عكست أو دعت أباها للمشورة أو شهودا للإشهاد أو كانت على دابة فوقفت بقي خيارها، وإن سارت لا "أي لا يبقى خيارها لما قدمنا أن المخيرة لها الخيار في مجلسها وأنه يتبدل حقيقة بالقيام أو حكما بما يدل على الإعراض وما ذكره لم يتبدل فيه حقيقة ولا حكما فلهذا بقي خيارها وقدمنا أنه لا يبطل بتبدل المجلس حقيقة على الصحيح إلا إذا كان معه دليل الإعراض، ولذا قال في الخلاصة رجل خير امرأته فقبل أن تختار نفسها أخذ الزوج بيدها فأقامها أو جامعها طوعا أو كرها خرج الأمر من يدها، وفي مجموع النوازل، وفي الأصل من نسخة الإمام خواهر زاده المخيرة إذا قامت لتدعو الشهود بأن لم يكن عندها أحد يدعو الشهود لا يخلو إما أن تتحول عن موضعها أو لم تتحول فإن لم تتحول لم يبطل الخيار بالاتفاق، وإن تحولت عن موضعها اختلف المشايخ فيه بناء على أن المعتبر في بطلان الخيار إعراضها أو تبدل المجلس عند البعض أيهما وجد وعند البعض الإعراض وهذا أصح ا هـ. وأراد بسير الدابة المبطل أن يكون بعد التفويض بمهلة فلو اختارت مع سكوته، والدابة تسير طلقت لأنه لا يمكنها الجواب بأسرع من ذلك، والمراد بالإسراع أن يسبق جوابها خطوتها فلو سبق خطوتها جوابها لم تبن كذا في الخلاصة.
وأطلق المصنف في السير فشمل ما إذا كان الزوج معها على الدابة أو المحمل ولم يكن معهما قائد أما إذا كانا في المحمل يقودهما الجمال لا يبطل لأنه كالسفينة في هذه الحالة وأشار بالسير إلى كل عمل يدل على الإعراض فدخل فيه ما لو دعت بطعام فأكلت أو اغتسلت أو امتشطت أو اختضبت أو اشتغلت بالنوم أو جومعت أو ابتدأت الصلاة أو انتقلت إلى شفع آخر في النقل المطلق أو كانت راكبة فنزلت أو تحولت إلى دابة أخرى أو كانت نازلة فركبت وما لو بدأت بعتق عبد فوض سيده إليها عتقه قبل أن تطلق نفسها وما لو قالت أعطني كذا إن

 

ج / 3 ص -469-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلقتني كما في الخلاصة واختلف في قليل الأكل ففي الخلاصة الأكل يبطل، وإن قل وقال القدوري إن قل لا يبطل، والشرب لا يبطل أصلا ا هـ. وقيد بسير الدابة لأنها لو كانت في السفينة فسارت لا يبطل خيارها كذا في الخلاصة وأشار بهذه المسائل إلى كل عمل لا يدل على الإعراض فدخل الأكل اليسير على أحد القولين، والشرب مطلقا من غير أن تدعو بطعام ولبس ثوبها من غير قيام ونومها مضطجعة وقراءتها وتسبيحها قليلا، وفي الخلاصة: لو قال لها أمرك بيدك وأمر هذه أيضا لامرأة أخرى بيدك فقالت طلقت فلانة ثم قالت طلقت نفسي جاز وبهذا لا يتبدل المجلس وكذا لو قالت لله علي نسمة أو هدي بدنة وحجة، والحمد لله رب العالمين شكرا لما فعلت إلي، وقد طلقت نفسي جاز وبما قالت لا يتبدل المجلس. ولو لم تقل هكذا، ولكنها قالت ما تصنع بالولد ثم طلقت نفسها يقع ا هـ.
وفي جامع الفصولين: لو تكلمت بكلام هو ترك للجواب كما لو أمرت وكيلها ببيع أو شراء أو أجنبيا به بطل خيارها فلو قالت: لم لا تطلقني بلسانك لا يبطل، وفيه نظر لأنه يتبدل به المجلس لأنه كلام زائد ا هـ.
أجاب عنه في فتح القدير بأن الكل المبدل للمجلس ما يكون قطعا للكلام الأول وإفاضة في غيره وليس هذا كذلك بل الكل متعلق بمعنى واحد وهو الطلاق ا هـ. ودخل ما لو كانت تصلي المكتوبة فأتمتها أو في نفل مطلق فأتمت شفعا فقط، وفي الخلاصة، والأربع قبل الظهر، والوتر بمنزلة الفريضة وصححه في المحيط ا هـ.
وفي الخانية: إذا كان الطلاق، والعتق من الزوج فهما أمر واحد لا يخرج الأمر من يدها بأيهما بدأت وما لو جعل أمرها وأمر عبده بيدها فبدأت بعتق العبد ثم طلقت نفسها ففرقوا بين عبد الزوج وعبد غيره في بداءتها بعتقه فالأول يدل على الإعراض دون الثاني.
وقيد بالاتكاء لأنها لو اضطجعت قال بعضهم: لا يبطل الأمر وقال بعضهم: إن هيأت الوسادة كما تفعل لنوم يبطل كذا في الخلاصة وأشار إلى أنها لو كانت محتبية فتربعت أو على العكس لا يبطل بالأولى كما في جامع الفصولين.
وقيد بدعوتها الشهود لأنها لو ذهبت إليهم وليس عندهم أحد يدعوهم ففيه اختلاف قدمناه قريبا، ولو قال وأوقفتها مكان وقفت لكان أولى ليعلم الحكم في وقوفها بدون إيقافها بالأولى ومسألة الإيقاف في جامع الفصولين ولا يخفى أن هذا كله إذا كان التفويض منجزا أما إذا كان معلقا بالشرط فلا يصير الأمر بيدها إلا إذا جاء الشرط فحينئذ يعتبر مجلس العلم إن كان مطلقا، والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط لكن يرتد بالرد وأما إذا كان موقتا بوقت منجزا أو معلقا

 

ج / 3 ص -470-       والفلك كالبيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالأمر بيدها ما دام الوقت باقيا علمت أو لا فإذا مضى الوقت انتهى علمت أو لا كذا في الولوالجية يعني فلا يبطل بالقيام ولا بما يدل على الإعراض وبما تقرر علم أن التقدير بمكث اليوم ليس بلازم بل المراد المكث الدائم إذا لم يوجد دليل الإعراض يوما كان أو أكثر كما في غاية البيان.
وفي جامع الفصولين: ولو مشت في البيت من جانب إلى جانب أما لو خيرها وهي قاعدة في البيت فقامت بطل خيارها بمجرد قيامها لأنه دليل الإعراض.
"قوله: والفلك كالبيت" أي، والسفينة كبيت لا كدابة ولا فرق بينهما حقيقة لتبدل المجلس حقيقة وافترقا بأن سير الدابة يضاف إلى راكبها، والسفينة إلى الماء، والريح.
وفي جامع الفصولين: لو قال لها: أمرك بيدك كلما شئت فلها أن تطلق نفسها كلما شاءت في ذلك المجلس أو في مجلس آخر إلا أنها لا تطلق دفعة واحدة أكثر من واحدة وإنما لها في المجلس تفريق الثلاث فلو شاءت في العدة وقع لا بعد زوج آخر خلافا لزفر وإذا ومتى ككلما في عدم التقييد بالمجلس لكن لا يفيد أن التكرار وكيف، وإن وحيث وكم وأين وأينما تتقيد بالمجلس، والعتق كالطلاق في هذه المسائل حتى لو قال فيما لا يفيد التكرار لا أشاء ثم شاء العتق عتق وكذا الطلاق واستشكله مؤلفه بأنه مخالف لقولهم لو اختارت زوجها بطل وأجيب عنه فيما كتبته على جامع الفصولين بأنه يفرق بين اختيارها الزوج وبين قولها لا أشاء في مشيئة مكررة بأن الاختيار للزوج مبطل أصل التفويض قولها لا أشاء إنما يبطل مشيئة من جملة المشيئات لها المشيئة بعد ذلك فلا يبطل أصل التفويض.
وفي جامع الفصولين أيضا قال: أمرها بيدها إن قامر ثم قامر وطلقت نفسها فقال: إنك علمت منذ ثلاثة أيام ولم تطلقي في مجلس علمك قالت لا بل علمت الآن فالقول قولها قال: أمرك بيدك فطلقت نفسها فقال إنما طلقت نفسك بعد الاشتغال بكلام أو عمل وقالت لا بل طلقت نفسي في ذلك المجلس بلا تبدله فالقول قولها لأنه وجد سببه بإقراره وهو التخيير فالظاهر عدم الاشتغال بشيء آخر قال: خيرتك أمس فلم تختاري وقالت قد اخترت فالقول قوله: قال لقنه جعلت أمرك بيدك في العتق أمس فلم تعتق نفسك وقال: القن فعلته لا يصدق إذا المولى لم يقر بعتقه لأن جعل الأمر بيده لا يوجب العتق ما لم يعتق القن نفسه، والقن يدعي ذلك، والمولى ينكره ولا قول للقن في الحال لأنه يخبر بما لا يملك إنشاءه لخروج الأمر من يده بتبدل مجلسه أقول: على هذا في مسألة الاشتغال بكلام إلى آخره ينبغي أن لا يقبل قولها ا هـ.
وقد أجبت عنه في حاشيته بالفرق بينهما لأن في المسألة الأولى اتفقا على صدور الإيقاع

 

ج / 3 ص -471-       ......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منها بعد التفويض، والزوج يدعي إبطال إيقاعها فلا يقبل منه، وفي الثانية لم يقر المولى بالإيقاع من العبد بعد التفويض فإن قلت هل التفويض يصح في النكاح الفاسد كالصحيح.
قلت قال في البزازية من فصل النكاح الفاسد جعل أمرها بيدها في النكاح الفاسد إن ضربها بلا جرم فطلقت نفسها بحكم التفويض إن قيل يكون متاركة كالطلاق وهو الظاهر فله وجه، وإن قيل: لا فله وجه أيضا لأن المتاركة فسخ وتعليق الفسخ بالشرط لا يصح، ولو قال لها طلقي نفسك فطلقت نفسها يكون متاركة لأن لا تعليق فيه، وفي الأول تعلق الفسخ بالضرب ا هـ.
قال في المصباح شاورته، واستشرته راجعته لأرى رأيه فأشار علي بكذا أراني ما عنده من المصلحة فكانت إشارته حسنة، والاسم المشورة، وفيها لغتان سكون الشين وفتح الواو وضم الشين وسكون الواو ا هـ. والله أعلم.

فصل في المشيئة
ولو قال لها: طلقي نفسك، ولم ينو، أو نوى واحدة فطلقت وقعت رجعية، وإن طلقت ثلاثاً، ونواه وقعن، وبأبنت نفسي طلقت لا باخترت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في المشيئة
"ولو قال لها طلقي نفسك ولم ينو أو نوى واحدة فطلقت وقعت رجعية، وإن طلقت ثلاثا ونواه وقعن" أي وقع الثلاث لأن قوله طلقي نفسك معناه افعلي فعل التطليق فهو مذكور لغة لأنه جزء معنى اللفظ فتصح نية العموم وهو في حق الأمة ثنتان، وفي حق الحرة ثلاث، وقد تقدم الفرق بينه وبين قوله طلقتك وأنت طالق وأشار إلى أن نية الثنتين لا تصح هنا أيضا لكونه عددا وأطلق تطليقها الثلاث فشمل ما إذا قالت طلقت نفسي ثلاثا وقولها قد فعلت مع نية الثلاث كما في الخانية وشمل ما إذا أوقعت الثلاث بلفظ واحد ومتفرقا كما في فتح القدير.
وقيد بنية الثلاث لأنها لو طلقت ثلاثا، وقد نوى واحدة لا يقع شيء عند الإمام كما سيأتي وقيد بخطابها لأنه لو قال: طلقي أي نسائي شئت فطلقت نفسها أو قال: أمر نسائي بيدك لم يقع شيء كذا في الخانية ثم اعلم أن المخاطب هنا لم يدخل تحت عموم خطابه ودخل في قوله: نسائي كلهن طوالق إذا دخلت الدار فإذا دخلت هي طلقت هي وغيرها كما في الخانية أيضا.
"قوله: وبأبنت نفسي طلقت لا باخترت "يعني أن أبنت نفسي يصلح جوابا لطلقي نفسك

 

ج / 3 ص -472-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يصلح اخترت نفسي جوابا له، والفرق بينهما أن الإبانة من ألفاظ الطلاق لأنه كناية، والمفوض إليها الطلاق، والاختيار ليس من ألفاظه لا صريحا ولا كناية بدليل الوقوع بأبنتك دون اختاري، وإن نوى الطلاق. وتوقفه على إجازته إذا قالت أبنت نفسي بشرط نيتها كما في تلخيص الجامع وعدم التوقف إذا قالت اخترت نفسي منه وإنما صار كناية بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما إذا حصل جوابا للتخيير على خلاف القياس وصلح جوابا للأمر باليد أيضا لأنه هو التخيير معنى فثبت جوابا له بدلالة نص إجماعهم على التخيير لأن قوله: أمرك بيدك ليس معناه إلا أنك مخيرة في أمرك الذي هو الطلاق بين إيقاعه وعدمه فهو مرادف للتخيير بلفظ التخيير للعلم بأن خصوص اللفظ ملغي بخلاف طلقي فإنه وضع لطلب الطلاق لا للتخيير بينه وبين عدمه.
وفي المحيط من العتق لو قال لأمته: أعتقي نفسك فقالت اخترت كان باطلا ا هـ. بخلاف ما إذا قالت جعلت الخيار إلي أو جعلت أمري بيدي فإنه يتوقف فإذا أجاز صار أمرها بيدها كما قدمناه.
وأشار بقوله طلقت إلى أنه رجعي لأن مخالفتها في الوصف فقط فوقع أصل الطلاق دون ما وصفته به بخلاف ما لو قال: طلقي نصف تطليقة فطلقت واحدة أو ثلاثا فطلقت ألفا حيث لا يقع شيء لأن المخالفة في الأصل، وفي فتح القدير.
واعلم أن المسألتين ذكرهما التمرتاشي، والخلاف فيهما في الأصل إنما هو باعتبار صورة اللفظ لا غير إذ لو أوقعت على الموافقة أعني الثلاث، والنصف كان الواقع هو الواقع بالتطليقة، والألف، والخلاف في مسألة الكتاب باعتبار المعنى فإن الواقع بمجرد الصريح ليس هو الواقع بالبائن، وقد اعتبر الخلاف بمجرد اللفظ بلا مخالفة في المعنى نظرا إلى أنه الأصل في الإيقاع، والخلاف في المعنى غير خلاف، وفيه ما لا يخفى ا هـ. ولا فرق بين قوله: طلقي نفسك، وقوله: طلقي نفسك تطليقة رجعية ولا فرق بين قولها أبنت نفسي وبين قولها طلقت نفسي بائنة في وقوع الأصل وإلغاء الوصف كما في البدائع، وفيها من العتق لو قال لأمته: أمر عتقك في يدك أو جعلت عتقك في يدك أو خيرتك في عتقك فأعتقت نفسها في المجلس عتقت ولا يحتاج إلى نية السيد ا هـ. فينبغي أن يكون في الطلاق كذلك فتصير هذه الألفاظ بمنزلة طلقي نفسك لا تحتاج إلى نية وأفاد بعدم صلاحيته للجواب أن الأمر يخرج من يدها لاشتغالها بما لا يعنيها كما في فتح القدير ودل اقتصاره على نفي الاختيار أن كل لفظ يصلح للإيقاع من الزوج يصلح جوابا لطلقي نفسك كجواب الأمر باليد كما صرح به في الخلاصة.
وذكر في القنية قال لها: طلقي نفسك فقالت: حلال الله علي حرام يقع بخوارزم وبخارى ا هـ.

 

ج / 3 ص -473-       ولا يملك الرجوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البزازية اخترت يصلح جوابا لأمرك بيدك ولاختاري لا لطلقي وطلقت جوابا للكل، والأمر لا يصلح تفسيرا للأمر لأن إقامة التعزير في الأول غير مفوض إليه وكذا الاختيار للاختيار وطلقي نفسك يصلح تفسيرا لقوله: أمرك بيدك ولقوله اختاري. ا هـ.
"قوله: ولا يملك الرجوع" أي ولا يملك الزوج الرجوع عن التفويض سواء كان لفظ التخيير أو بالأمر باليد أو طلقي نفسك لما قدمنا أنه يتم بالملك وحده من غير توقف على قبول وأنه تمليك فيه معنى التعليق فباعتبار التمليك تقييد بالمجلس باعتبار التعليق لم يصح الرجوع عنه ولا عزلها ولا نهيها، وفي جامع الفصولين، والخانية لو صرح بوكالتها فقال: وكلتك في طلاقك كان تمليكا كقوله طلقي نفسك ا هـ. بناء على أن الوكيل من يعمل لغيره وهذه عاملة لنفسها حتى لو فوض إليها طلاق ضرتها أو فوض أجنبي لها طلاق زوجته كان توكيلا فملك الرجوع منه لكونها عاملة لغيرها ولا يقتصر على المجلس، وفي فتح القدير وكذا المديون في إبراء ذمته بقول الدائن له أبرئ ذمتك عامل لغيره بالذات ولنفسه ضمنا على ما قدمنا.
والتوكيل استعانة فلو لزم ولم يملك الرجوع عاد على موضوعه بالنقض وقدمنا عدم ظهور الفرق بين طلقي وأبرئ ذمتك إذ كل ما يمكن اعتباره في أحدهما يمكن في الآخر، وإن عدم الرجوع أيضا يتفرع على معنى الملك الثابت بالتمليك بناء على أنه يثبت بلا توقف على القبول شرعا على ما صرح به في الذخيرة وأنه لا حاجة إلى ترتبه على معنى التعليق المستخرج لأنه يمكن مثله في الوكالات، والولايات فلو صح لزم أن يصح الرجوع عن توكيل وولاية وأما الاقتصار على المجلس فبالإجماع على خلاف القياس ا هـ. وقد قدمنا في فصل الاختيار أنه سهو لأنه لا يمكن مثله في الوكالات، والولايات شرعا لأنه لا يصح تعليق الإجازة بالزاي المعجمة بالشرط، والطلاق يصح تعليقه، وقد استمر على سهوه هذا، ولو قال إنه يمكن مثله في التوكيل بالطلاق لكان صحيحا لأن التعليق المستخرج يمكن فيه على معنى: إن طلقتها فهي طالق مع أنه يصح الرجوع عنه وأما التوكيل بالبيع، والولايات فلا دخل لها والله سبحانه وتعالى هو الموفق للصواب، وقد ظهر لي الفرق بين طلقي، وأبرئ ذمتك وهو أنهما، وإن اشتركا في العمل للنفس بتملكها نفسها وبراءة ذمته وللغير بامتثال أمر الزوج، والدائن ولكن لما كان الطلاق محظورا في الجملة وهو أبغض المباحات عند الله تعالى كما في الحديث لم يكن مقصود

 

ج / 3 ص -474-       وتقيد بمجلسها إلا إذا أراد متى شئت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزوج إلا أن تكون عاملة لنفسها قصدا ولهذا قالوا لا يكره التفويض وهي حائض ولما كان الإبراء عن الدين مستحبا سببا للثواب لم يكن مقصوده إلا أن يكون المديون عاملا له لا لنفسه ليحصل الثواب له على فعل المستحب قصدا لا ضمنا.
ومن العجب ما ذكره الشارح الزيلعي في الوكالة عند قوله وبطل توكيله الكفيل بمال أن قول الدائن أبرئ ذمتك تمليك لا توكيل كما لو قال لها طلقي نفسك فإنه يلزم عليه تقييده بالمجلس وعدم صحة الرجوع عنه، والمنقول خلافه.
ومن العجب ما في معراج الدراية في فصل الاختيار أنه لا يلزم من كونه تمليكا أن لا يصح الرجوع عنه لانتقاضه بالهبة فإنه تمليك ويصح الرجوع عنها فإنه على تقدير التسليم يلزم عليه التقييد بالمجلس وقدمنا أنه لو أمره بإبراء نفسه لا يتقيد بالمجلس. وذكر الفارسي في شرح التلخيص أن الفرق أن الطلاق، والعتاق مما يقبل التعليق بالشرط فكان التفويض فيهما تمليكا لا توكيلا محضا فاقتصر على المجلس، والطلاق، والعتاق مما يحلف به فكان يمينا فلم يمكن الرجوع عنه بخلاف التفويض في الإبراء وأخواته فإنها لا تقبل التعليق بالشرط فكان توكيلا محضا فلم تقتصر على المجلس وأمكن الرجوع عنه ا هـ.
وفي الخانية من كتاب الوكالة: امرأة قالت لزوجها إذا جاء غد فاخلعني على ألف درهم كان ذلك توكيلا حتى لو نهته عن ذلك صح نهيها وكذلك إذا قال العبد لمولاه إذا جاء غد فاعتقني على ألف درهم ا هـ.
وفي كافي الحاكم إذا وكل الرجل امرأته بخلع نفسها فخلعت نفسها منه بمال أو عرض فإن ذلك لا يجوز إلا أن يرضى وهذا بمنزلة البيع في هذا الوجه، ولو قال لامرأته: اشتر طلاقك مني بما شئت وقد وكلتك بذلك فقالت قد اشتريته بكذا كذا كان باطلا، ولو قال: اخلعي نفسك مني بكذا كذا ففعلت ذلك كان جائزا ولا يشبه الطلاق بمال الذي يخلع بغير مال ا هـ. وفي البزازية من الخلع اشتر نفسك مني فقالت اشتريت لا يقع ما لم يقل بعت، ولو قال: اخلعي نفسك مني فقالت خلعت وقع بلا قبوله.
"قوله: وتقيد بمجلسها إلا إذا أراد متى شئت "لما قدمنا أنه تمليك وهو يقتصر على المجلس وإذا زاد متى شئت كان لها التطليق في المجلس وبعده لأن كلمة متى عامة في الأوقات فصار كما إذا قال في أي وقت شئت ومراده من متى ما دل على عموم الوقت فدخل إذا وأورد عليه أنه ينبغي أن يكون إذا عند الإمام كان كما تقدم إذا لم أطلقك فيتقيد بالمجلس وقدمنا جوابه بإمكان أن تعمل شرطا فيتقيد وأن تعمل ظرفا فلا تتقيد، والأمر صار في يدها بيقين، فلا

 

ج / 3 ص -475-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يخرج بالشك ودخل حين قال في المحيط. ولو قال: حين شئت فهو بمنزلة قوله إذا شئت لأن الحين عبارة عن الوقت ا هـ.
وقيد بما يدل على عموم الوقت احترازا عن أن وكيف وحيث وكم وأين وأينما فإنه يتقيد بالمجلس وكلما كمتى في عدم التقييد بالمجلس مع اختصاصها بإفادة التكرار إلى الثلاث على ما أسلفناه في فصل الأمر باليد، والإرادة، والرضا، والمحبة كالمشيئة بخلاف ما إذا علقه بشيء آخر من أفعالها كالأكل فإنه لا يقتصر على المجلس في الجميع ثم اعلم أن التفويض إليها بلفظ التطليق يتقيد بالمجلس سواء أطلقه أو علقه بمشيئتها إلا في متى وإذا وحين وكلما كما قدمناه ولكن بين إطلاقه وتعليقه بغير الأربع فرق فإنه مع الإطلاق تنجيز للتمليك ومع التعليق إضافة له لا تنجيز ومن فروع ذلك أنها لو طلقت نفسها بلا قصد غلطا لا يقع إذا ذكر المشيئة ويقع إذا لم يذكرها.
قال في فتح القدير: وقد قدمنا في أول باب إيقاع الطلاق ما يوجب حمل ما أطلق من كلامهم من الوقوع بلفظ الطلاق غلطا على الوقوع في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى ا هـ. ولو جمع بين إن وإذا فلها مشيئتان مشيئة للحال نظرا إلى "أن" ومشيئة في عموم الأوقات نظرا إلى "إذا" قال في المحيط، ولو قال: إن شئت فأنت طالق إذا شئت فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم الأحوال لأنه علق بمشيئتها في الحال طلاقا معلقا بمشيئتان في أي وقت كان، والمعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط فإذا شاءت في المجلس صار كأنه قال: أنت طالق إذا شئت ا هـ. والظاهر أنه لا فرق بين تعليق التطليق أو الطلاق في حق هذا الحكم لما في المحيض أيضا أنه إذا قال لها: طلقي نفسك ولم يذكر مشيئة فهو بمنزلة المشيئة إلا في خصلة وهي أن نية الثلاث صحيحة في طلقي دون أنت طالق إن شئت ا هـ. وظاهره أنها إذا لم تشأ في المجلس خرج الأمر من يدها لأن المشيئة في المجلس هي الشرط في المشيئة في عموم الأوقات.
وفي الظهيرية أنه لو قال لامرأتين له طلقا أنفسكما ثلاثا، وقد دخل بهما فطلقت كل واحدة منهما نفسها وصاحبتها على التعاقب ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا بتطليق الأولى لا بتطليق الأخرى لأن تطليق الأخرى بعد ذلك نفسها وصاحبتها باطل، ولو بدأت الأولى فطلقت صاحبتها ثلاثا ثم طلقت نفسها طلقت صاحبتها دون نفسها لأنها في حق نفسها مالكة، والتمليك يقتصر على المجلس فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الأمر من يدها وبتطليقها نفسها لا يبطل تطليقها الأخرى بعد ذلك لأنها في حق الأخرى وكيلة، والوكالة لا تقتصر على المجلس،

 

ج / 3 ص -476-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قال لهما: طلقا أنفسكما إن شئتما فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها لا تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها وصاحبتها بخلاف ما تقدم.
والحاصل أن كل واحدة منهما تنفرد بالإيقاع على نفسها وعلى ضرتها في المسألة الأولى، وفي المسألة الثانية الاجتماع على الإيقاع شرط الوقوع، ولو قال لهما: أمركما بأيديكما يريد به الطلاق فالجواب فيه كالجواب فيما إذا قال طلقا أنفسكما إن شئتما في أنه لا تنفرد إحداهما بالطلاق غير أنهما يفترقان في حكم واحد وهو أنهما لو اجتمعا على طلاق واحدة منهما يقع. وفي قوله إن شئتما لا يقع لأنه ثمة علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما طلاقهما جميعا وههنا لم يعلق بل فوض تطليق كل واحدة منهما إلى رأيهما فإذا اجتمعا على طلاق واحدة يقع ا هـ. وفي قوله فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الأمر من يدها نظرا لما قدمناه عن الخلاصة، والخانية من أن اشتغالها بطلاق ضرتها لا يخرج الأمر من يدها وجوابه أن ما قدمناه عنهما في الأمر باليد وما هنا إنما هو في الأمر بالتطليق، والفرق بينهما أنها في الأمر باليد مالكة لطلاق ضرتها لا وكيلة، وفي الأمر بالتطليق وكيلة فافهم، والأمر بالتطليق المعلق بمشيئتها كالأمر باليد في حق هذا الحكم كما في الخانية.
وفي المحيط طلقا أنفسكما ثم قال بعده: لا تطلقا أنفسكما فلكل واحدة منهما أن تطلق نفسها ما دامت في ذلك المجلس ولم يكن لها أن تطلق صاحبتها بعد النهي لأنه توكيل في حق صاحبتها تمليك في حقها ا هـ. وبما ذكرناه عن الظهيرية علم الفرق بين الأمر بالتطليق المطلق، والمعلق بمشيئتها في فرع ثان غير ما نقلناه عن ابن الهمام، وفي الخانية لو قال لها: طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فقالت أنا طالق لا يقع شيء، ولو قال لها طلقي نفسك إن شئت فقالت قد شئت أن أطلق نفسي كان باطلا، ولو قال لها طلقي نفسك إذا شئت ثم جن جنونا مطبقا ثم طلقت المرأة نفسها قال محمد كل شيء يملك الزوج أن يرجع عن كلامه يبطل بالجنون وكل شيء لم يملك الزوج أن يرجع عن كلامه لا يبطل بالجنون ا هـ. وفيها أيضا لو قال: أي نسائي شئت طلاقها فهي طالق فشاءت طلاق الكل طلقن إلا واحدة، ولو قال: أي نسائي شاءت الطلاق فهي طلاق فشئن طلقن ا هـ. والفرق أن أيا في الأول وصفت بصفة خاصة، وفي الثاني بصفة عامة فليتأمل.
وفي تلخيص الجامع للصدر من باب الطلاق في المرض أحد المأمورين ينفرد به وببدل لا وهو يمين منه بيع منها قال لهما في مرضه، وقد دخل بهما طلقا أنفسكما ثلاثا ملكت كل واحدة طلاقها وتوكلت في طلاق الأخرى ولا ينقسم ومن طلقت بتطليقها لا ترث لرضاها وكذا بتطليقهما معا لإضافته إليهما كالوكيل بالبيع مع الموكل وبتطليق الأخرى ترث، وإن طلقت بعدها

 

ج / 3 ص -477-       ولو قال لرجل: طلق امرأتي لم يتقيد بالمجلس إلا إذا زاد إن شئت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالتمكين بعده، ولو قال: طلقا أنفسكما ثلاثا إن شئتما يقتصر على المجلس للتمليك ويشترط اجتماعهما للتعليق، وإن طلقت إحداهما كليهما ثلاثا، والأخرى مثلها بانتا وورثت الأولى لعدم رضاها نظيره طلقت نفسها في مرضه فأجازه بخلاف سؤالها، والثانية لا ترث لرضاها، ولو خرج كلامهما معا ورثتا لعدمه، ولو قال: أمركما بيدكما فكما مر غير أن هنا لو اجتمعتا على إحداهما يقع وثمة لا للتعليق نظيره وكل رجلين يبيع عبدين أو طلاق امرأتين بمال معلوم قال: طلقا أنفسكما بألف يتقيد بالمجلس ويشترط اجتماعهما ولا يرثان بحال، ولو اجتمعا على إحداهما صح بحصته من مهرها. ا هـ.
"قوله: ولو قال لرجل: طلق امرأتي لم يتقيد بالمجلس إلا إذا زاد إن شئت" لأنه توكيل وأنه استعانة فلا يقتصر على المجلس وأشار إلى أنه له الرجوع عنه بخلاف قوله لامرأته طلقي نفسك لأنها عاملة لنفسها فكان تمليكا لا توكيلا وإذا زاد إن شئت بأن قال لرجل طلقها إن شئت فإنه يتقيد بالمجلس، ولو صرح بأنه وكيل كما في الخانية من الوكالة وأشار إلى أنه لا رجوع له وقال زفر: هذا، والأول سواء لأن التصريح بالمشيئة كعدمه لأنه يتصرف عن مشيئة فصار كالوكيل بالبيع إذا قيل له بع إن شئت ولنا أنه تمليك لأنه علقه بالمشيئة، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته، والطلاق يحتمل التعليق بخلاف البيع فإنه لا يحتمله كذا في الهداية وتعقبه بعضهم بأن البيع فيه ليس بمعلق بالمشيئة بل المعلق فيه الوكالة بالبيع وهي تقبل التعليق وكأنه اعتبر التوكيل بالبيع بنفس البيع ا هـ.
ورده في فتح القدير بأنه غلط يظهر بأدنى تأمل لأن التوكيل هو قوله: بع فكيف يتصور كون نفس قوله معلقا بمشيئة غيره بل وقد تحقق وفرغ منه قبل مشيئة ذلك الغير لم يبق لذلك الغير سوى فعل متعلق التوكيل أو عدم القبول، والرد ا هـ. وهو سهو يظهر بأدنى تأمل لأنه لم يقل أن التوكيل معلق حتى يرد عليه ما ذكره وإنما ذكر أن الوكالة معلقة بالمشيئة، والوكالة أثر التوكيل فجاز إطلاق التوكيل عليها في قوله وكأنه اعتبر التوكيل أي الوكالة، والحق أن البيع، والتوكيل به لم يعلقا بالمشيئة. وإنما المعلق الوكالة وتعليقها صحيح فيحتاج إلى الفرق بين قوله طلقها إن شئت وبع إن شئت.
ثم اعلم أن قول صاحب الهداية، والبيع لا يحتمل ظاهر في أنه لا يحتمل التعليق بالمشيئة وإذا لم يحتمله فهل يبطل أو يصح ويبطل التعليق قال في المحيط من كتاب الأيمان من قسم التعليق: لو قال لرجل بعت عبدي منك بكذا إن شئت فقبل يكون بيعا صحيحا إذا البيع لا يحتمل التعليق ا هـ.

 

ج / 3 ص -478-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بقوله طلقها لأنه لو قال أمر امرأتي بيدك يقتصر على المجلس ولا يملك الرجوع على الأصح، وإن قال: بعض هذا توكيل لأنه صرح بالأمر كذا في الخلاصة وكذا لو قال: جعلت إليك طلاقها فطلقها يقتصر على المجلس ويكون رجعيا كذا في الخانية.
وفي الظهيرية لو قال: قل لامرأتي أمرك بيدك لا يصير الأمر بيدها ما لم يقل المأمور بخلاف قل لها إن أمرها بيدها، ولو قال: أمرها بيد الله وبيدك انفرد المخاطب وذكر الله هنا للتبرك عرفا وكذا في العتاق، والبيع، والإجارة، والخلع، والطلاق على مال، ولو قال: أمرها بيدي ويدك لا ينفرد المخاطب، ولو قال: طلقها ما شاء الله وشئت فطلقها المخاطب لا يقع لاستعماله للاستثناء، ولو قال: طلقها بما شاء الله وشئت من المال فطلقها المخاطب جاز لأن المشيئة هنا تنصرف إلى البدل لا إلى التفويض ا هـ.
فإن قلت إذا جمع لأجنبي بين الأمر باليد، والأمر بالتطليق فما المعتبر منهما؟
قلت قال في الخانية: لو قال لغيره أمر امرأتي بيدك فطلقها فقال لها المأمور أنت طالق أو قال طلقتك يقع تطليقة بائنة إلا إذا نوى الزوج ثلاثا فثلاث وكذا لو قال: طلقها فأمرها بيدك بخلاف ما لو قال: أمرها بيدك في تطليقة أو بتطليقة فطلقها المأمور في المجلس وقعت واحدة رجعية، ولو قال: طلقها، وقد جعلت أمر ذلك إليك فهو تفويض يقتصر على المجلس ويقع واحدة رجعية لو قال: طلقها، وقد جعلت إليك طلاقها فطلقها يقتصر على المجلس ويكون رجعيا، ولو قال: طلقها فأبنها أو أبنها فطلقها فهو توكيل لا يقتصر على المجلس وللزوج الرجوع ويقع بائنة وليس له أن يوقع أكثر من واحدة، ولو قال: طلقها، وقد جعلت أمرها بيدك أو جعلت أمرها بيدك وطلقها كان الثاني غير الأول لأن الواو للعطف فأما حرف الفاء في هذه المواضع يكون لبيان السبب فلا يملك إلا واحدة وإذا ذكر بحرف الواو فطلقها الوكيل في المجلس تبين بتطليقتين لأن الواقع بحكم الأمر يكون بائنا فإذا كان أحدهما بائنا كان الآخر بائنا فإن طلقها الوكيل بعد القيام عن المجلس تقع رجعية لأن التفويض يبطل بالقيام عن المجلس وبقي التوكيل بصريح الطلاق وكذا لو قال: أمرها بيدك وطلقها. ولو قال: طلقها وأبنها أو قال: أبنها وطلقها وطلقها في المجلس أو غيره يقع تطليقتان لأنه وكله بالإبانة، والطلاق، والتوكيل لا يبطل بالقيام عن المجلس فيقع طلاقان ا هـ. وحاصله أنه إذا جمع للأجنبي بين الأمر باليد، والأمر بالتطليق بالفاء فهو واحد ولا اعتبار للأمر باليد تقدم أو تأخر فيتقيد بالمجلس ولا يملك عزاء وتقع بائنة، وإن كان بالواو فهما تفويضان فالأمر باليد تمليك يعطى أحكامه، والأمر بالتطليق توكيل فيأخذ أحكامه، وإن أمره بالإبانة، والتطليق بالفاء فهو توكيل

 

ج / 3 ص -479-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بواحدة، وإن كان الواو فهو توكيل بالإبانة، والتطليق فيقع طلاقا، وإن جمع بين الجعل إليه وبين الأمر بالتطليق فإن قدم الجعل فهو تمليك، وإن أخره فهو توكيل وظاهره أنه لا فرق بين الفاء، والواو وإلى هنا ظهر الفرق بين التمليك، والتوكيل في أربعة أحكام فالتمليك يتقيد بالمجلس ولا يصح الرجوع عنه ولا العزل ولا يبطل بجنون الزوج وانعكست هذه الأحكام في التوكيل.
ولو قال المصنف، ولو قال لغيرها طلقها لكان أولى ليشمل ما إذا أمر زوجته بطلاق ضرتها كما قدمناه وسيأتي عن الخانية في باب التعليق أنه لو قال: كل امرأة أتزوجها فقد بعت طلاقها منك بدرهم ثم تزوج امرأة فقالت التي كانت عنده حين علمت بنكاح غيرها قبلت أو قالت طلقتها أو قالت: اشتريت طلاقها طلقت التي تزوجها، وإن قالت التي عنده قبل أن يتزوج أخرى قبلت لا يصح قبولها لأن ذلك قبول قبل الإيجاب ا هـ.
وأطلق الرجل فشمل ما إذا فوضه لصبي لا يعقل أو مجنون فلذا قال في المحيط لو جعل أمرها بيد صبي لا يعقل أو مجنون فذلك إليه ما دام في المجلس لأن هذا تمليك في ضمنه تعليق فإن لم يصح باعتبار التمليك يصح باعتبار معنى التعليق فصححناه باعتبار التعليق فكأنه قال: إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق وباعتبار معنى التمليك يقتصر على المجلس عملا بالشبهين ا هـ.
لكن في الخانية قال: رجل فوض طلاق امرأته إلى صبي قال في الأصل إن كان ممن يعبر يجوز ا هـ. ومفهومه أنه إذا كان لا يعبر لا يجوز ولا مخالفة بين ما في المحيط وما فيها لأن الصبي الذي لا يعقل يشترط أن يكون ممن يتكلم ليصح أن يوقع الطلاق عليها ولا يلزم من التعبير العقل كما لا يخفى.
وفي الخانية لو جن المجعول إليه بعد التفويض فطلق قال محمد إن كان لا يعقل ما يقول لا يقع طلاقه ا هـ. فعلى هذا يفرق بين التفويض إلى المجنون ابتداء وبين طريان الجنون ونظيره ما ذكره في الخانية بعده لو وكل رجلا ببيع عبده فجن الوكيل جنونا يعقل فيه البيع، والشراء ثم باع الوكيل لا ينعقد بيعه، ولو وكل رجلا مجنونا بهذه الصفة ببيع عبده ثم باع الوكيل نفذ بيعه لأنه إذا لم يكن مجنونا وقت التوكيل كان التوكيل ببيع تكون العهدة فيه على الوكيل وبعد ما جن الوكيل لو نفذ بيعه كانت العهدة فيه على الموكل فلا ينفذ أما إذا كان الوكيل مجنونا وقت التوكيل فإنما وكل ببيع تكون العهدة فيه على الموكل فإذا أتى بذلك نفذ بيعه على الموكل ا هـ. وفي تفويض الطلاق، وإن كان لا عهدة أصلا ولكن الزوج حين التفويض لم يعلق

 

ج / 3 ص -480-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا على كلام عاقل فإذا طلق وهو مجنون لم يوجد الشرط بخلاف ما إذا فوض إلى مجنون ابتداء وبين التفويض إلى مجنون وتوكيله بالبيع فرق فإنه في التفويض يصح، وإن لم يعقل أصلا باعتبار معنى التعليق، وفي التوكيل بالبيع لا يصح إلا إذا كان يعقل البيع، والشراء كما قيده به في الخانية وكأنه بمعنى المعتوه ومن فرعي التفويض، والتوكيل بالبيع ظهر أنه تسومح في الابتداء ما لم يتسامح في البقاء وهو خلاف القاعدة الفقهية من أنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء ثم اعلم أن ما نقلناه عن المحيط، والخانية إنما هو فيما إذا جعل أمرها بيد صبي أو مجنون لا فيما إذا وكلهما ولا بد في صحة التوكيل مطلقا من عقل الوكيل كما صرحوا به في كتاب الوكالة فعلى هذا لا بد من التقييد بالعقل في كلام المصنف وحينئذ فهذه مما خالف فيها التمليك التوكيل ولم يذكر المصنف جواب الأمر بالتطليق المعلق بالمشيئة.
وفي المحيط: لو قال لرجل طلق امرأتي إن شئت فقال شئت لا يقع لأن الزوج أمره بتطليقها إن شاء ولم يوجد التطليق بقوله شئت فلو قال هي طالق إن شئت فقال شئت وقع لوجود الشرط وهو مشيئته، ولو قال طلقها فقال فعلت وقع لأن قوله فعلت كناية عن قوله طلقت، ولو قال: أنت طالق إن شاء فلان فمات فلان لا يقع لتعذر وجود الشرط ا هـ. وفي الخلاصة لو جعل أمرها بيد رجلين لا ينفرد أحدهما، ولو قال لهما طلقا امرأتي ثلاثا فطلقها أحدهما واحدة، والآخر ثنتين طلقت ثلاثا ا هـ.
وأشار المصنف إلى أنه لو أرسل التفويض إليها مع رجل فإنه يجوز بالأولى وقدمنا قريبا عن الظهيرية الفرق بين قوله قل لها أمرك بيدك حيث لا يكون الأمر بيدها إلا إذا قال لها وقوله: قل لها إن أمرك بيدك حيث يكون الأمر بيدها من غير قول الرسول، وفي جامع الفصولين شهدا أن فلانا أمرنا أن نبلغ امرأته أنه فوض إليها فبلغناها، وقد طلقت نفسها بعده جازت شهادتهما، ولو شهدا أن فلانا قال لنا فوضا إليها ففعلنا لم يجز نظير المسألة الأولى أنهما لو شهدا أن فلانا أمرنا أن نبلغ فلانا أنه وكله ببيع قنه فأعلمناه ثم باعه جازت شهادتهما ا هـ. ولو قال المؤلف إلا إذا زاد إن شئت أو شاءت لكان أولى لأنه يتقيد بالمجلس إذا وجد أحدهما في الخانية لو قال لغيره: أنت وكيلي في طلاق امرأتي إن شاءت أو هويت أو أرادت لم يكن وكيلا حتى تشاء المرأة في مجلسها لأنه علق التوكيل بمشيئتها فيقتصر على مجلس العلم كما لو علق الطلاق بمشيئتها فإذا شاءت في المجلس يكون وكيلا فإن قام الوكيل عن المجلس قبل أن يطلق بطلت الوكالة وقال بعض العلماء لا تبطل لأن المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل فيصير كأنه قال بعد مشيئتها أنت وكيلي في طلاقها فلا يقتصر على المجلس. قالوا: والصحيح

 

ج / 3 ص -481-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جواب الكتاب لأن ثبوت الوكالة بالطلاق بناء على ما فوض إليها من المشيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس فكذلك الوكالة ا هـ.
وحاصله أنه لا بد من مشيئتها في مجلسها وتطليقه في مجلسه وهذا مما يلغز به فيقال وكالة تقيدت بمجلس الوكيل وإياك أن تفهم من التقييد بالمجلس أنه تمليك لأن ذلك فيما إذا علقه بمشيئته وهنا علقه بمشيئتها فكان توكيلا فيملك عزله، وفي القنية كتب إلى أخيه أما بعد فإن وصل إليك كتابي فطلق امرأتي إن سألت ذلك فوصل وعرض عليها فلم تسأل الطلاق إلا بعد أربعة أيام أو خمسة ثم سألته فطلقها لا يقع قال له طلق امرأتي إن شاءت لا يصير وكيلا ما لم تشأ ولها المشيئة في مجلس علمها فإذا شاءت صار وكيلا فلو طلقها في المجلس يقع، ولو قام عن مجلسه بطل التوكيل وينبغي أن يحفظ هذا فإن البلوى فيه تعم فإن عامة كتب الطلاق على هذه المثابة، والوكلاء يؤخرون الإيقاع عن مشيئتها ولا يدرون أن الطلاق لا يقع ا هـ.
وقيد بقوله طلقها لأنه لو قال له رجل أريد أن أطلق امرأتك ثلاثا فقال الزوج نعم فقال الرجل طلقت امرأتك ثلاثا فالصحيح أن هذا كقول الرجل لامرأته نعم بعد قولها له أريد أن أطلق نفسي ثم طلقت نفسها منه أنه لا يقع إلا إذا نوى الزوج التفويض إليها، وإن عنى بذلك طلقي نفسك إن استطعت أو طلقها إن استطعت لا تطلق كما في الخانية، ولو قال لا أنهاك عن طلاق امرأتي لا يكون توكيلا، ولو قال لعبده لا أنهاك عن التجارة يكون إذنا في التجارة لأن قوله للعبد ذلك لا يكون دون ما لو رآه يبيع ويشتري ولم ينهه وثمة يصير مأذونا في التجارة فههنا أولى، ولو رأى إنسانا يطلق امرأته ولم ينهه لا يصير المطلق وكيلا ولا يقع كذلك هنا، ولو قال لغيره وكلتك في جميع أموري فطلق الوكيل امرأته اختلفوا فيه، والصحيح أنه لا يقع، وفي فتاوى الفقيه أبي جعفر لو قال وكلتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي لم تكن الوكالة عامة، وإن كان أمر الرجل مختلفا ليس له صناعة معروفة فالوكالة باطلة، وإن كان الموكل تاجرا ينصرف التوكيل إلى التجارة.قال رحمه الله: ولو قال وكلتك في جميع أموري التي يجوز بها التوكيل كانت الوكالة عامة في جميع البياعات، والأنكحة وكل شيء وعن محمد لو قال هو وكيلي في كل شيء جائز صنعه كان وكيلا في البياعات، والهبات، والإجارات وعن أبي حنيفة أنه يكون وكيلا في المعاوضات دون الهبات، والعتاق وقال مولانا وهذا كله إذا لم يكن في حال مذاكرة الطلاق فإن كان في حال مذاكرة الطلاق يكون وكيلا بالطلاق كذا في الخانية.
وأطلق في فعل الوكيل فشمل إذا سكر فطلق فإنه يقع على الصحيح كما في الخانية، وفيها من فصل التوكيل بالطلاق منه مسائل مهمة لا بأس بذكرها تكثيرا للفوائد منها الوكيل

 

ج / 3 ص -482-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالطلاق، والعتاق أو غيرهما إذا قبل التوكيل وغاب الموكل فإن الوكيل لا يجبر على فعل ما وكل فيه إلا فيما إذا قال له ادفع هذه العين إلى فلان فإنه يجبر على دفعه لأن الشيء المعين جاز أن يكون أمانة عند الآمر فيجب عليه تسليم الأمانة وأما في غيره من الطلاق وغيره إنما أمره بالتصرف في ملك الآمر وليس على الآمر إيقاع الطلاق، والعتاق فلا يجب على الوكيل ومنها لو وكله بطلاق امرأته بطلبها عند السفر وسافر ثم عزله بغير محضر المرأة الصحيح أنه يملك عزله لأنه لا يجب عليه بطلبها ومنها لو وكله بالطلاق ثم قال كلما عزلتك فأنت وكيلي قيل لا يصح التوكيل لأن فيه تغيير حكم الشرع.، والصحيح صحته ثم قيل لا يملك عزله، والصحيح أنه يملكه.
وفي طريق عزله أقوال قال السرخسي يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف إلى المعلق، والمنجز وقيل يقول عزلتك كلما وكلتك وقيل يقول رجعت عن الوكالات المعلقة وعزلتك عن الوكالات المطلقة ومنها لو وكله بطلاق امرأتيه فطلق إحداهما طلقت ومنها لو وكله ليطلقها للسنة فطلقها في غير وقت السنة لا يقع لا للحال ولا إذا جاء وقت السنة ولا يخرج عن الوكالة حتى لو طلقها بعد ذلك في وقت السنة يقع ومنها لو طلقها الموكل، ولو بائنا فطلاق الوكيل واقع ما دامت العدة ولا ينعزل بإبانة الموكل إذا لم يكن طلاق الوكيل بمال فلو لم يطلقها الوكيل حتى تزوجها الموكل في العدة وقع طلاق الوكيل، وإن تزوجها بعد العدة لم يقع وكذا لو طلقها الوكيل بعد ردة أحدهما ما دامت في العدة إلا إذا قضى بلحاقه فحينئذ تبطل الوكالة وارتداد الوكيل لا يبطلها إلا بالقضاء بلحاقة ومنها لو قال له إذا تزوجت فلانة فطلقها صح لصحة تعليق الوكالة ومنها لو وكله بالطلاق فطلق قبل العلم لم يقع ومنها لو وكله فرد ثم طلق لم يقع. ولو سكت بلا قبول ثم طلق وقع ومنها لو شرط الخيار للموكل أو غيره في الوكالة صحت وبطل الشرط ولا فرق بين وكالة ووكالة ومنها لو وكله بطلاق امرأته وله أربع فطلق الوكيل واحدة بغير عينها أو قال طلقت امرأتك فالبيان إلى الزوج، ولو طلق الوكيل معينة جاز ولا يقبل من الزوج أنه ما أرادها كما لو وكله ببيع عبد من عبيده فباع عبدا بعينه ومنها لو قال له طلقها غدا فقال الوكيل أنت طالق غدا كان باطلا، ولو قال طلقها فقال الوكيل أنت طالق إن دخلت الدار فدخلت لم يقع، وإن قال طلقها ثلاثا للسنة فقال الوكيل في طهر لم يجامعها فيه أنت طالق ثلاثا للسنة يقع للحال واحدة ويبطل الباقي وقيل على قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن لا يقع شيء لأنه مأمور بإيقاع الواحدة في كل طهر وعنده المأمور بالواحدة إذا أوقع الثلاث لا يقع شيء، والأصح أنه يقع هنا واحدة بلا خلاف لأن عند أبي حنيفة تعتبر الموافقة من حيث اللفظ فإن الرجل إذا قال لغيره طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ألفا لا يصح.

 

ج / 3 ص -483-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا لو قال لغيره: طلق امرأتي نصف تطليقة فطلقها الوكيل تطليقة لا يقع شيء وهنا وجدت الموافقة من حيث اللفظ فيقع واحدة، ولو قال طلقها ثلاثا للسنة بألف فقال لها الوكيل في وقت السنة أنت طالق ثلاثا بألف فقبلت يقع واحدة بثلث الألف فإن طلقها الوكيل في الطهر الثاني تطليقة بثلث الألف فقبلت يقع أخرى بغير شيء وكذا لو طلقها الثالثة في الطهر الثالث، ولو طلقها الوكيل أولا تطليقة بثلث الألف ثم تزوجها الزوج ثم طلقها الوكيل تطليقة ثانية بثلث الألف تقع الثانية بثلث الألف وكذا الثالثة على هذا الوجه. ومنها لو وكله بطلاق المبانة بألف فطلقها الوكيل بألف في العدة فإن كان بعد ما تزوجها الموكل طلقت بالألف وإلا طلقت بغير شيء بخلاف ما لو وكله في طلاقها بالألف ثم طلقها الزوج بألف ثم طلقها الوكيل بألف فإنه لا يقع شيء ومنها الوكيل بالإعتاق إذا أقر أنه أعتقه أمس وكذبه الموكل لا يقبل قول الوكيل لأنه أقر بالإعتاق بعد خروجه عن الوكالة وكذا الوكيل بالطلاق ومنها لو وكل الوكيل بالطلاق أو العتاق غيره فطلق الثاني بحضرة الأول أو غيبته لا يجوز وكذا لو طلقها أجنبي فأجاز الوكيل ففي الخلع، والنكاح إذا فعل الثاني بحضرة الأول أو أجاز الوكيل فعل الأجنبي جاز ا هـ.
وقد ظهر من كلامهم أن التوكيل بالطلاق فيه معنى التعليق من وجه حتى اعتبروا فيه الموافقة من حيث اللفظ، وإن لم يوافق من حيث المعنى كما نقلناه آنفا ولم يجوزوا إجازة الوكيل ولا فعل وكيله بحضرته نظرا إلى أن الطلاق معلق بقوله فلا يقع بقول غيره ولم يعتبروا معنى التعليق فيه من جهة أنهم جوزوا الرجوع عنه ولذا قال في عمدة الفتاوى لو قال الموكل كلما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فله أن يخرجه من الوكالة بمحضر منه ما خلا الطلاق، والعتاق لأنهما مما يتعلقان بالشرط، والإخطار بمنزلة اليمين ولا رجوع عن اليمين ا هـ. وفي الخلاصة المختار أنه يملك عزله بحضرته إلا في الطلاق، والعتاق، والتوكيل بسؤال الخصم ا هـ. فقد علمت أنهم اعتبروا فيه معنى التعليق من هذا الوجه أيضا.
وحاصل القول المختار أن للموكل أن يعزل وكيل الطلاق، والعتاق إلا أن يقول: كلما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فإنه يصير لازما لا يقبل الرجوع، وفي البزازية من كتاب الوكالة التوكيل بالطلاق تعليق الطلاق بلفظ الوكيل ولذا يقع منه حال سكره ومنها التوكيل باليمين بالطلاق جائز بدليل أن من قال لامرأة الغير إن دخلت الدار فأنت طالق فأجاز الزوج جاز الوكيل بالطلاق إذا خالع على مال إن كانت مدخولة فخلاف إلى شر، وإن غير مدخول فإلى خير وعليه أكثر المشايخ واختار الصفار وقال ظهير الدين: لا يصح في غير المدخولة أيضا لأنه خلاف فيهما إلى شر ا هـ.

 

ج / 3 ص -484-       ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة وقعت واحدة لا في عكسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل الشر في غير المدخول ارتكاب الحرمة بأخذ المال إن كان النشوز منه وإلا فالطلاق قبل الدخول بائن ولو بلا عوض فأخذ المال خير للموكل كما لا يخفى إلا أن يقال الشر فيه أنه وكله بالتنجيز، وقد أتى بالتعليق لأنه معلق بقبولها، وفي الخانية من الوكالة: وكله أن يخلع امرأته فخلعها على درهم جاز في قول أبي حنيفة ولا يجوز في قولهما إلا فيما يتغابن الناس فيه ولو وكل الرجل امرأته أن تخلع نفسها منه بمال أو عوض لا يجوز إلا أن يرضى الزوج به. ا هـ.
"قوله: ولو قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة وقعت واحدة" لأنها لما ملكت إيقاع الثلاث كان لها أن توقع منها ما شاءت كالزوج نفسه ولا فرق بين الواحدة، والثنتين، ولو قال فطلقت أقل وقع ما أوقعته لكان أولى وأشار إلى أنها لو طلقت ثلاثا فإنه يقع بالأولى وسواء كانت متفرقة أو بلفظ واحد وإلى أنه لو قال لها: اختاري تطليقتين فاختارت واحدة تقع واحدة كما في المحيط ولا فرق في حق هذا الحكم بين التمليك، والتوكيل فلو وكله أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة، ولو وكله أن يطلقها ثلاثا بألف درهم فطلقها واحدة لا يقع شيء إلا أن يطلقها واحدة بكل الألف كذا في كافي الحاكم وقيد بقوله طلقي لأنه لو قال لها: أنت طالق ثلاثا على ألف فطلقت واحدة بألف لم يقع شيء بخلاف ما لو قال لرجل طلقها ثلاثا بألف فطلقها واحدة بألف حيث يقع واحدة لأنه لا بد من المطابقة بين إيجابه وقبولها لفظا ومعنى، وفي الوكالة المخالفة إلى خير لا تضر كذا في البزازية.
"قوله: لا في عكسه" أي لا يقع فيما إذا أمرها بالواحدة فطلقت ثلاثا بكلمة واحدة عند الإمام وقالا يقع واحدة لأنها أتت بما ملكته وزيادة وحقيقة الفرق للإمام بين المسألتين أنها ملكت الواحدة وهي شيء بقيد الوحدة بخلاف الواحدة التي في ضمن الثلاث فإنها بقيد ضد وقيد الأمر بتطليق الواحدة لأنه لو قال أمرك بيدك ينوي واحدة فطلقت نفسها ثلاثا قال في المبسوط وقعت واحدة اتفاقا لأنه لم يتعرض للعدد لفظا، واللفظ صالح للعموم، والخصوص، وفي الخانية جرى بينه وبين امرأته كلام فقالت اللهم نجني منك فقال الزوج: تريدين النجاة مني فأمرك بيدك ونوى به الطلاق ولم ينو العدد فقالت طلقت نفسي ثلاثا فقال الزوج نجوت لا يقع عليها شيء في قول أبي حنيفة لأنه إذا لم ينو الثلاث كان كأنه قال لها طلقي نفسك ولم ينو العدد فقالت طلقت نفسي ثلاثا لا يقع شيء في قول أبي حنيفة ويقع واحدة في قول صاحبيه. ولا يقال قول الزوج بعد قولها طلقت نفسي ثلاثا نجوت لم لا يكون إجازة لأنا نقول قول الزوج نجوت يحتمل الاستهزاء فلا يجعل إجازة بالشك ا هـ. وعلى هذا لا يحتاج في تصوير المسألة الخلافية أن يقول لها طلقي نفسك واحدة بل طلقي نفسك من غير تعرض للعدد على الخلاف

 

ج / 3 ص -485-       وطلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت واحدة وعكسه لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضا، وفي كافي الحاكم من كتاب الوكالة لو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا إن نوى الزوج الثلاث وقع الثلاث، وإن لم ينو الثلاث لم يقع شيء في قول أبي حنيفة وقالا يقع واحدة ا هـ. ثم اعلم أن ما نقلناه عن الخانية مشكل على ما في المبسوط في مسألة الأمر باليد فإنه نقل أنه لو قال لها: أمرك بيدك ينوي واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة عند أبي حنيفة وذكره في المعراج، والعناية فإذا قال: أمرك بيدك ولم ينو شيئا من العدد فطلقت ثلاثا كيف لا تقع الواحدة عنده بل الوقوع بالأولى فما في الخانية مشكل والله سبحانه أعلم، وقيدنا بكونه بكلمة واحدة لأنها لو قالت واحدة وواحدة وواحدة وقعت واحدة اتفاقا لامتثالها بالأول ويلغو ما بعده وأورد على مسألة الكتاب أن الرجل إذا كانت له أربع نسوة فقال لواحدة منهن طلقي واحدة من نسائي فطلقتهن جميعا يقع الطلاق على واحدة منهن وكان ينبغي أن لا يقع على قول الإمام اعتبارا بمسألة الكتاب.
وأجاب عنه في الظهيرية أيضا بالفرق بينهما وهو أن الثلاث اسم لعدد خاص لا يقع على ما دونه ولا على ما عداه وليس فيه معنى العموم، والواحد خاص وإرادة الخصوص من الخصوص ممتنعة واسم النساء عام لأنه لا يقع على مقدار بعينه، والعام ما ينتظم جميعا من المسميات من غير تقدير ولا تحديد وإرادة الخصوص من العموم سائغة ألا ترى أنه لو حلف أن لا يتزوج النساء فتزوج امرأة واحدة يحنث، والمسألة في وكالة المبسوط ا هـ. وفي المحيط لو وكل أجنبيا أن يطلق زوجته واحدة فطلقها ثلاثا إن نوى الزوج وقع، وإن لم ينو لا يقع عنده خلافا لهما ا هـ. ولعله إن أجاز الزوج وقع وإلا فلا لأنه فضولي بتطليق الثلاث فتوقف على الإجازة وقياسه أن يتوقف في المرأة أيضا، وقد صرح به في فتح القدير وأما النية فلا محل لها لأن نية الثلاث بلفظ الواحدة غير صحيحة لأنها لا تحتمله، وفي الخانية: لو قال طلقها ثلاثا للسنة فقال الوكيل في طهر لم يجامعها فيه أنت طالق ثلاثا للسنة يقع واحدة للحال ويبطل الباقي بلا خلاف على الصحيح لوجود الموافقة في اللفظ وقدمناه في أمر الأجنبي بطلاقها قريبا فارجع إليه وقياسه في أمر المرأة أن يكون كذلك، وقد صرح به في تلخيص الجامع للصدر فقال أنت طالق ثلاثا للسنة بألف وهي محل يقع واحدة بثلثها وكذا في الطهر الثاني إن تزوجها قبله، وإن تجدد ملكه لرضاه وإلا وقعت بغير شيء بشرط العدة وكذا الثالث قال طلقي نفسك ثلاثا للسنة بألف فطلقت ثلاثا للسنة بها فعلى ما مر لا يقع في الباقي إلا بإيقاع جديد لأنها لا تملك إضافته بخلاف جناية وقيل عنده لا يقع أصله طلقي واحدة فطلقت ثلاثا، والفرق واضح. ا هـ.
"قوله: وطلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت واحدة وعكسه لا "أي لا يقع فيهما، والمراد

 

ج / 3 ص -486-       ولو أمرها بالبائن أو الرجعي فعكست وقع ما أمر به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالعكس أن يقول لها طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا ولا خلاف في الأولى أنه لا يقع لأن تفويض الثلاث معلق بشرط هو مشيئتها إياها لأن معناه إن شئت الثلاث فلم يوجد الشرط لأنها لم تشأ إلا واحدة بخلاف ما إذا لم يقيد بالمشيئة كما قدمناه ودخل في كلامه ما لو قالت شئت واحدة وواحدة وواحدة منفصلا بعضها عن بعض بالسكوت لأن السكوت فاصل فلم يوجد مشيئة الثلاث وخرج عن هذه الصور إذا كان بعضها متصلا بالبعض من غير سكوت لأن مشيئة الثلاث قد وجدت بعد الفراغ من الكل وهي في نكاحه ولا فرق بين المدخولة وغيرها كذا في المحيط وعدم الوقوع في الثانية أيضا قول الإمام وعندهما يقع واحدة لما قدمناه فيما إذا لم يذكر المشيئة.
وفي الخانية من باب التعليق طلقي نفسك عشرا إن شئت فقالت طلقت نفسي ثلاثا لا يقع ا هـ. وهو مبني على أنه لا تكفي الموافقة في المعنى بل لا بد من الموافقة في اللفظ، وإن خالف في المعنى كما قدمناه ولذا قال في الخانية بعده: لو قال لها أنت طالق واحدة إن شئت فقالت شئت نصف واحدة لا تطلق ا هـ.
ثم اعلم أنه لا فرق في المعلق بالمشيئة بين أن يكون الأمر بالتطليق أو نفس الطلاق حتى لو قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت أو واحدة إن شئت فخالفت لم يقع شيء، وفي الخانية من باب التعليق أنت طالق واحدة إن شئت أنت طالق ثنتين إن شئت فقالت قد شئت واحدة وقد شئت ثنتين إذا وصلت فهي طالق ثلاثا ا هـ. ومفهومه أنها إذا فصلت لا يقع.
وفي الخانية: لو قال لها أنت طالق إن شئت وشئت وشئت فقالت شئت لا يقع شيء حتى تقول ثلاث مرات شئت ا هـ.
وفي الخانية: أيضا أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن شاء زيد فقال زيد شئت تطليقة واحدة قال أبو بكر البلخي لا يقع شيء، ولو قال شئت أربعا فكذلك في قول أبي حنيفة وعلى قولهما يقع الثلاث.
وأشار بقوله طلقت إلى أن جواب الأمر بالتطليق تطليقها نفسها فلو أجابت بقولها شئت أن أطلق نفسي كان باطلا كما في الخانية.
"قوله: ولو أمرها بالبائن أو الرجعي فعكست وقع ما أمر به "أي قال لها طلقي نفسك طلقة بائنة فقالت طلقت نفسي طلقة رجعية أو قال لها طلقي نفسك طلقة رجعية فقالت طلقت نفسي طلقة بائنة وقع في الأولى البائن، وفي الثانية الرجعي لأنها أتت بالأصل وزيادة وصف

 

ج / 3 ص -487-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلغو الوصف ويبقى الأصل، والضابط أن المخالفة إن كانت في الوصف لا يبطل الجواب بل يبطل الوصف الذي به المخالفة ويقع على الوجه الذي فوض به بخلاف ما إذا كانت في الأصل حيث يبطل أصلا كما إذا فوض واحدة فطلقت ثلاثا على قول الإمام أو فوض ثلاثا فطلقت ألفا.
أطلق في قول فعكست فشمل في مسألة ما إذا أمرها بالرجعي ما إذا قالت أبنت نفسي وما إذا قالت طلقت نفسي بائنة، والثاني ظاهر بإلغاء الوصف وأما الأول فلأنه راجع إلى الثاني وقدمناه في أول فصل المشيئة، وقد فرق بينهما قاضي خان في حق الوكيل فقال رجل قال لغيره: طلق امرأتي رجعية فقال لها الوكيل طلقتك بائنة يقع واحدة رجعية، ولو قال الوكيل أبنتها لا يقع شيء، ولو قال للوكيل: طلقها بائنة فقال لها الوكيل أنت طالق تطليقة رجعية تقع واحدة بائنة ا هـ. فيحتاج إلى الفرق بين قول الوكيل بالطلاق الرجعي أبنتها وبين المأمورة بالرجعي إذا قالت أبنت نفسي ولعل الفرق مبني على أن الوكيل بالطلاق لا يملك الإيقاع بلفظ الكناية لأنها متوقفة على نية، وقد أمره بطلاق لا يتوقف على النية فكان مخالفا في الأصل بخلاف المرأة فإنه ملكها الطلاق بكل لفظ يملك الإيقاع به صريحا كان أو كناية وهذا الفرق صحته موقوفة على وجود النقل على أن الوكيل لا يملك الإيقاع بالكناية والله - سبحانه - وتعالى أعلم.
وفي الخانية من الوكالة: قال لغيره طلق امرأتي بائنا للسنة وقال لآخر طلقها رجعيا للسنة فطلقاها في طهر واحدة طلقت واحدة وللزوج الخيار في تعيين الواقع ا هـ. مع أن الوكيل بالطلاق له أن يطلق بعد طلاق الموكل ما دامت في العدة ولكن المانع من وقوع طلاقيهما التقييد بالسنة فإن السنة واحدة وقيدنا في التصوير الأمر من غير تعليق بمشيئتها لما في الخانية من باب التعاليق قال لها طلقي نفسك واحدة بائنة إن شئت فطلقت نفسها واحدة رجعية لا يقع شيء في قول أبي يوسف وهو قياس قول أبي حنيفة، ولو قال لها طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة إن شئت فطلقت نفسها واحدة بائنة تقع واحدة رجعية في قول أبي يوسف ولا يقع شيء في قياس قول أبي حنيفة لأنها ما أتت بمشيئة ما فوض إليها ا هـ. إلا أن يقال إنه مستفاد مما قبله وقدمنا في مسائل التوكيل قبله بالطلاق أنه لو وكله بالمنجز فعلق أو أضاف لا يقع وكذا لو قال طلقها غدا فقال: أنت طالق غدا لأنه وكله بالتنجيز في غد وقد أضافه، ولو قال له طلقها بين يدي الشهود أو بين يدي أبيها فطلقها واحدة وقع كما في الواقعات وغيرها كقوله بعه بشهود فباعه بغيرهم وحاصله أن التخصيص بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه إلا في ثلاث مسائل مذكورة في وكالة الصغرى بعه من فلان بعه بكفيل بعه برهن ومع النهي لا يملك المخالفة كقوله لا تبعه إلا بشهود إلا في قوله لا تسلمه حتى تقبض الثمن فله المخالفة وتوضيحه فيها.

 

ج / 3 ص -488-       أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال شئت ينوي الطلاق أو قالت شئت إن كان كذا لمعدوم بطل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحاصله إن أمر بالتطليق بوصف مقيد بمشيئتها إذا خالفت في ذلك الوصف لم يقع شيء وهي واردة على الكتاب وكان عليه أن يقول إلا أن يكون معلقا بمشيئتها ويحتاج إلى الفرق على قول أبي يوسف.
"قوله: أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن شئت فقال شئت ينوي الطلاق أو قالت شئت إن كان كذا لمعدوم بطل" لأنه علق الطلاق بمشيئتها المنجزة وهي أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط قيد بقوله فقالت شئت مقتصرة عليه لأنها لو قالت شئت طلاقي إن شئت فقال شئت ناويا الطلاق وقع لكونه شائيا طلاقها لفظا بخلاف ما إذا لم تذكر الطلاق لأن المشيئة ليس فيها ذكر للطلاق ولا عبرة بالنية بلا لفظ صالح للإيقاع كاسقني ناويا الطلاق ويستفاد منه أنه لو قال: شئت طلاقك يقع بالنية لأن المشيئة تنبئ عن الوجود لأنها من الشيء وهو الموجود بخلاف أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الموجود بل هو طلب النفس الوجود عن ميل فقد أثبت الفقهاء بين المشيئة، والإرادة فرقا في صفات العبد، وإن كانا مترادفين في صفات الله تعالى كما هو اللغة فيهما مطلقا فلا يدخلهما وجود أي لا يكون الوجود جزء مفهوم أحدهما غير أن ما شاء الله كان وكذا ما أراده لأن تخلف المراد إنما يكون لعجز المريد لا لذات الإرادة لأنها ليست المؤثرة للوجود لأن ذلك خاصة القدرة بل بمعنى أنها المخصصة للمقدور المعلوم وجوده بالوقت، والكيفية ثم القدرة تؤثر على وفق الإرادة غير أنه لا يتخلف شيء عن مراده تعالى لما قلنا في المشيئة بخلاف العباد وعن هذا لو قال أراد الله طلاقك ينويه يقع كما قال شاء الله بخلاف أحب الله طلاقك أو رضيه لا يقع لأنهما لا يستلزمان منه تعالى الوجود وأحببت طلاقك ورضيته مثل أردته. والحاصل أن الفرق بين المشيئة، والإرادة في صفات العباد مبني على العرف العام فإن فيه الوجود، والمشيئة منه ولما كان محتمل اللفظ توقف على النية فلزم الوجود فيها فإذا قال شئت كذا في التخاطب العرفي فمعناه أوجدته عن اختيار بخلاف أردت كذا مجردا يفيد عرفا عدم الوجود كذا في فتح القدير، وفي المعراج وإنما يشترط النية مع ذكر الطلاق صريحا لأنه قد يقصد وجوده وقوعا وقد يقصد وجوده ملكا فلا بد من النية لتعيين جهة الوجود وقوعا.
وفي المحيط لو قال شئت طلاقك ذكر في شرح شيخ الإسلام أنه يقع الطلاق بلا نية الإيقاع ا هـ. ولو قال شيئي طلاقك ناويا الطلاق فقالت شئت وقع، ولو قال أريديه أو أحبيه أو اهويه أو ارضيه ناويا فأجابته لا يقع لأنها عبارة عن الطلب فلا يستلزم الوجود بخلاف المعلق على إرادتها ونحوه إذا وجد الشرط يقع، وإن لم ينو وتمامه في فتح القدير وهو سهو لأن

 

ج / 3 ص -489-       ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقف على النية في قوله شيئي الطلاق لأنه لم يضف الطلاق إليها فيحتمل تفويض طلاق غيرها وأما شيئي طلاقك فإنه يقع بلا نية لأنه بمعنى أوجدي طلاقك كذا في المحيط وذكر في المواقف إن الإرادة عند أصحابنا صفة ثالثة مغايرة للعلم، والقدرة توجب تخصيص أحد المقدورين بالوقوع ا هـ.
وفي المحيط لو قال لها أنت طالق إن أحببت فقالت شئت وقع لأن فيها معنى المحبة وزيادة. ولو قال إن شئت فقالت أحببت لا يقع لأنه ليس فيها معنى الإيجاد فلم توجد المشيئة، ولو قال إن شئت فأنت طالق فقالت نعم أو قبلت أو رضيت لا يقع لأنه علق الطلاق بمشيئتها لفظا وذلك ليس بمشيئة فلم يوجد الشرط ولم يذكر في الكتاب ما لو قال أنت طالق إن قبلت فقالت شئت حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي أنه يقع الطلاق لأنها أتت بالقبول وزيادة فكان بمنزلة ما لو كان معلقا بالمحبة فقالت شئت وذكر هشام في نوادره لو قال أنت طالق على ألف إن شئت لم يقع حتى تقبل بخلاف قوله قبلت لأن هذه معاوضة، والمعاوضة لا تتم إلا بالقبول ا هـ.
وحاصله أن القبول لا يكفي عن المشيئة إلا في الطلاق على مال ولم أر حكم ما إذا علقه بالإرادة فأجابت بالمحبة أو عكسه أو بالرضا، وفي شرح المسابرة الرضا ترك الاعتراض على الشيء لإرادة وقوعه، والمحبة إرادة خاصة وهي ما لا يتبعها تبعة ومؤاخذة، والإرادة أعم فهي منفكة عنها فيما إذا تعلقت بما يتبعه تبعة ا هـ. ولم يصرح المصنف بالتقييد بالمجلس للعلم به من حكم "متى "وأخواتها فإنه لما لم يتقيد فيها تقيد في "إن ""ولا بد "من مشيئتها في مجلسها في التعليق بالمشيئة، والمحبة، والرضا، والإرادة وكل ما هو من المعاني التي لا يطلع عليها غيرها كما في المحيط ولم يذكر المصنف المشيئة المضافة.
وحاصل ما في المحيط أن المشيئة إن تأخرت عن الوقت كأنت طالق غدا إن شئت فإن المشيئة لها في الغد فقط، وإن قدم المشيئة كإن شئت فأنت طالق غدا ذكر في الزيادات أن لها المشيئة في الحال وعن أبي يوسف أن لها المشيئة في الغد فلو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق إن شاءت فتزوجها فلها المشيئة في مجلس العلم، ولو قال: أنت طالق أمس إن شئت فلها المشيئة في الحال ا هـ.
وفي المعراج: لو قال لها إن شئت فأنت طالق ثم قال لأخرى طلاقك مع طلاق هذه فشاءت طلقت وينوي في الأخرى لاحتمال أنه أراد امرأته معها في أن كلا منهما مملوك له لا المعية في الوقوع كذا في المعراج، وفيه لو قال لها: أخرجي إن شئت ينوي الطلاق فشاءت

 

ج / 3 ص -490-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلقت، وإن لم تخرج وأشار بقوله شئت إن شئت إلى كل مشيئة معلقة بمشيئة غيرها، ولو كان الطلاق معلقا على مشيئة ذلك الغير أيضا لما في المحيط: لو قال أنت طالق إن شئت وشاء فلان فقالت قد شئت إن شاء فلان وقال فلان شئت لا يقع لأنه علق الطلاق بمشيئة مرسلة منجزة منها وهي أتت بمشيئة معلقة فبطلت مشيئتها وبمشيئة فلان وجد بعض الشرط فلا يقع به الطلاق ا هـ. ولم يذكر المصنف رحمه الله ما إذا علقه بمشيئتها وعدم مشيئتها أو بمشيئتها وإبائها أو بأحدهما وحاصل ما في المحيط أنه إن جعل المشيئة، والإباء شرطا واحدا وكذا المشيئة وعدمها فإنها لا تطلق أبدا للتعذر كأنت طالق إن شئت وأبيت أو إن شئت ولم تشائي، وإن كرر "إن "وقدم الجزاء كأنت طالق إن شئت، وإن لم تشائي فشاءت في مجلسها طلقت، وإن قامت من غير مشيئة تطلق أيضا لأنه جعل كلا منهما شرطا على حدة كقوله أنت طالق إن دخلت الدار، وإن لم تدخلي فأيهما وجد طلقت، وإن أخر الجزاء كإن شئت، وإن لم تشائي فأنت طالق لا تطلق بهذا أبدا لأنه مع التأخير صارا كشرط واحد وتعذر اجتماعهما بخلاف ما إذا أمكن اجتماعهما فإنها لا تطلق حتى يوجدا نحو: إن أكلت، وإن شربت فأنت طالق، وإن كرر إن وأحدهما المشيئة، والآخر الإباء كأنت طالق إن شئت، وإن أبيت فإن شاءت وقع، وإن أبت وقع، وإن سكتت حتى قامت عن المجلس لا يقع لأن كلا منهما شرط على حدة، والإباء فعل كالمشيئة فأيهما وجد يقع، وإن انعدما لا يقع وكذا لو لم يكرر إن وعطف بأو كأنت طالق إن شئت أو أبيت لأنه علق الطلاق بأحدهما، ولو قال: إن شئت فأنت طالق، وإن لم تشائي فأنت طالق طلقت للحال، ولو قال: إن كنت تحبين الطلاق فأنت طالق، وإن كنت تبغضين فأنت طالق لا تطلق، والفرق أنه يجوز أن لا تحب ولا تبغض فلم يتيقن بشرط وقوع الطلاق فإما لا يجوز أن تشاء أو لا تشاء فيكون أحد الشرطين ثابتا لا محالة فوقع، ولو قال أنت طالق إن أبيت أو كرهت طلاقك فقالت أبيت تطلق. ولو قال إن لم تشائي طلاقك فأنت طالق ثم قالت لا أشاء لا تطلق لأن قوله أبيت صيغة لإيجاد الفعل وهو الإباء فقد علق بالإباء منها، وقد وجد فوقع فأما قوله: إن لم تشائي صيغة للعدم لا للإيجاد فصار بمنزلة قوله إن لم تدخلي الدار فأنت طالق وعدم المشيئة لا يتحقق بقولها لا أشاء لأن لها أن تشاء من بعد إنما يتحقق بالموت ا هـ.
واعلم أن العبارات اختلفت في قوله إن شئت وأبيت بدون تكرار إن فنقل في الواقعات عن علامة النوازل كما نقلناه عن المحيط أنها لا تطلق أبدا ونقل قبله أن الصواب أنه لا يقع حتى يوجد المشيئة، والإباء إلا أن يعني الوقوع في الحال وذكر قبله أنها إن شاءت يقع، وإن أبت يقع كما لو كرر إن فحاصله أن فيها ثلاثة أقوال، والصواب أنه لا يقع حتى يوجد أو يفرق بين إن شئت، وإن لم تشائي حيث لا يقع وبين إن شئت وأبيت حيث يقع إذا وجدا وأشار بتعليق الطلاق

 

ج / 3 ص -491-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمشيئتها إلى صحة تعليق عدد الطلاق بمشيئتها أيضا فلذا قال في الذخيرة لو قال لها أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة، وإن شاءت واحدة قبل أن تقوم من مجلسها لزمتها واحدة، وكذا لو قال إلا أن يشاء فلان واحدة، وإن لم يكن فلان حاضرا فله ذلك في مجلس علمه وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن يرى فلان غير ذلك تقيد بالمجلس وكذا لو قال إن لم ير فلان غير ذلك وكذا لو قال إن رأى فلان ذلك فإنه يتقيد بالمجلس ا هـ. ولم يذكر المصنف كأكثر المؤلفين ما لو علقه بمشيئة نفسه وذكره في الذخيرة فقال لو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن أرى غير ذلك فهذا لا يقتصر على المجلس حتى لو قال بعدما قام عن المجلس رأيت غير ذلك لا يقع الثلاث وكذلك لو قال إلا أن أشاء أنا غير ذلك فهذا لا يقتصر على المجلس، ولو قال لامرأته: أنت طالق إن شاء فلان أو إن أحب أو إن رضي أو إن هوى أو إن أراد فبلغ فلانا فله مجلس علمه بخلاف ما لو قال إن شئت أنا أو إن أحببت أنا لا يقتصر على المجلس، والفرق أن قضية القياس في الأجنبي أن لا يقتصر على المجلس كسائر الشروط لكن تركنا القياس في الأجنبي لأنه تمليك معنى وجواب التمليك يقتصر على المجلس وهذا المعنى لا يتأتى في حق الزوج لأن الزوج كان مالكا للطلاق قبل هذا فلا يتأتى منه التمليك فبقي هذا الشرط في حق الزوج ملحقا بسائر الشروط فلم يقتصر على المجلس في حق الزوج وإذا قال إن شئت أنا فالزوج كيف يقول حتى يقع الطلاق لم يذكر محمد هذه المسألة في شيء من الكتب. وقال مشايخنا ينبغي أن يقول شئت الذي جعلته إلي ولا يشترط نية الطلاق عند قوله شئت ولا يشترط أن يقول شئت طلاقك لأن الطلاق لا يقع بقوله شئت وإنما يقع بالكلام السابق لأن الطلاق بالكلام السابق معلق بمشيئة اعتبرت شرطا محضا فعند قوله شئت يقع الطلاق بالكلام السابق. والحاصل أن تعليق الزوج طلاق المرأة بصفة من صفات قلب نفسه ليس بتفويض وتمليك بوجه من الوجوه، ولو قال لها أنت طالق إن لم يشأ فلان فقال فلان لا أشاء في المجلس طلقت، ولو قال ذلك لنفسه ثم قال لا أشاء لا تطلق، والفرق أن بقول الأجنبي لا أشاء يقع اليأس عن شرط البر وهو مشيئة طلاقها في المجلس، وقد تبدل من حيث الحكم، والاعتبار بقوله لا أشاء لا اشتغاله بما لا يحتاج إليه في الإيقاع فإنه يكفيه في الإيقاع السكوت عن المشيئة حتى يقوم عن المجلس أما بقول الزوج لا أشاء لا يقع اليأس عما هو شرط البر لأن المجلس، وإن تبدل من حيث الحكم إلا أن شرط البر في حق الزوج عدم المشيئة في العمر، والعمر باق فلهذا لا يقع الطلاق ا هـ.
وفي الجامع للصدر الشهيد قال أنت طالق إن شاء فلان أو أراد أو رضي أو هوى فيقتصر على مجلس علمه لأنه تمليك بخلاف إضافته إلى نفسه، ولو قال إن لم يشأ أو إن لم يرد فقام من مجلسه أو قال فيه لا أشاء طلقت بخلاف إن لم يشأ اليوم، ولو قال إن لم أشأ إن لم

 

ج / 3 ص -492-       وإن كان لشيء مضى طلقت أنت طالق متى شئت أو متى ما أو إذا أو إذا ما فردت الأمر لا يرتد ولا يتقيد بالمجلس ولا تطلق إلا واحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرد فقام أو قال لا أشاء لا تطلق قبل موته بخلاف إن أبيت طلاقك أو كرهت ا هـ.
وفي الخانية: أنت طالق ثلاثا وفلانة واحدة إن شئت فشاءت واحدة وزببت طلقت فلانة واحدة ويبطل عنها الثلاث ا هـ. وأطلق البطلان فأفاد عدم وقوع الطلاق وأن الأمر خرج من يدها لاشتغالها بما لا يعنيها.
"قوله:وإن كان لشيء مضى طلقت" يعني لو قالت المرأة شئت إن كان فلان قد جاء وقد جاء طلقت لأن التعليق بالكائن تنجيزا ولذا صح تعليق الإبراء بكائن، والمراد من الماضي المحقق وجوده سواء كان ماضيا أو حاضرا كقولها شئت إن كان أبي في الدار وهو فيها أو إن كان هذا ليلا وهي في الليل أو نهارا هي في النهار أو كان هذا أبي أو أمي أو زوجي وكان هو ولا يرد أنه لو قال هو كافر إن كنت فعلت كذا وهو يعلم أنه قد فعله أنه يقتضي على هذا الكفر مع أن المختار أنه لا يكفر لأن الكفر يبتني على تبدل الاعتقاد وتبدله غير واقع مع ذلك الفعل كما في فتح القدير وذكر أنه الأوجه فإن قيل لو قال هو كافر بالله ولم يتبدل اعتقاده يجب أن يكفر فليكفر هنا بلفظ هو كافر، وإن لم يتبدل اعتقاده قلنا النازل عند وجود الشرط حكم اللفظ لا عينه فليس هو متكلما بعد وجود الشرط بقوله هو كافر حقيقة ا هـ. والحاصل أن اللفظ الموجب للتكفير لا يحتاج إلى تبدل الاعتقاد بخلاف ما إذا كان معلقا بالشرط، ولو كان كائنا.
"قوله: أنت طالق متى شئت أو متى ما أو إذا أو إذا ما فردت الأمر لا يرتد ولا يتقيد بالمجلس ولا تطلق إلا واحدة" أما في كلمة متى ومتى ما فلأنها للوقت وهي عامة في الأوقات كلها كأنه قال في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس، ولو ردت الأمر لم يكن ردا لأنه ملكها الطلاق في الوقت الذي شاءت فلم يكن تمليكا قبل المشيئة حتى يرتد بالرد ولا تطلق نفسها إلا واحدة لأنها تعم الأزمان دون الأفعال فتملك التطليق في كل زمان ولا تملك تطليقا بعد تطليق كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بأن هذا ليس تمليكا في حال أصلا لأنه صرح بطلاقها معلقا بشرط مشيئتها فإذا وجدت مشيئتها وقع طلاقه وإنما يصح ما ذكره في طلقي نفسك متى شئت لأنها تتصرف بحكم الملك بخلاف ما لو قالت طلقت نفسي في هذه المسألة فإنه، وإن وقع الطلاق لكن الواقع طلاقه المعلق وقولها طلقت إيجاد للشرط الذي هو مشيئة الطلاق على تقدير أن المشيئة تقارن الإيجاد ا هـ. وجوابه أن هذا، وإن كان تعليقا لكن أجروه مجرى التمليك في جميع الوجوه فيتقيد بالمجلس ويبطل بما يدل على الإعراض فإطلاق التمليك عليه صحيح ولذا قال في المحيط أنه يتضمن معنيين معنى التعليق وهو تعليق الطلاق بتطليقها، والتعليق

 

ج / 3 ص -493-       ....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لازم لا يقبل الإبطال ويتضمن معنى التمليك لأن تعليق الطلاق بمشيئتها تمليك منها لأن المالك هو الذي يتصرف عن مشيئته وإرادته وهي عاملة في التطليق لنفسها، والمالك هو الذي يعمل لنفسه وجواب التمليك يقتصر على المجلس ا هـ.
وقال في المحيط من كتاب الأيمان من قسم التعليق معزيا إلى الجامع لو قال لها: أنت طالق إن شئت أو أحببت أو هويت فليس بيمين لأن هذا تمليك معنى تعليق صورة ولهذا يقتصر على المجلس، والعبرة للمعنى دون الصورة ا هـ.
وفائدته أنه لا يحنث في يمينه لا يحلف وأما كلمة إذا وإذا ما فهي ومتى سواء عندهما وعند أبي حنيفة، وإن كان تستعمل للشرط كما تستعمل للوقت لكن الأمر صار بيدها فلا يخرج بالشك، وقد مر من قبل كذا في الهداية وتعقبه في فتح القدير بأن الوجه أن يقال إن قوله إذا شئت يحتمل أنه تعليق طلاقها بشرط هو مشيئتها وأنه إضافة إلى زمانه وعلى كل من التقديرين لا يرتد بالرد حتى إذا تحققت مشيئتها بعد ذلك بأن قالت شئت ذلك الطلاق أو قالت طلقت نفسي وقع معلقا كان أو مضافا لا ما قال المصنف من أن الأمر دخل في يدها فلا يخرج بالشك لأن معناه أنه ثبت ملكها بالتمليك فلا يخرج بالشك فالمراد بإذا أنه محض الشرط فيخرج من يدها بعد المجلس أو الزمان فلا يخرج كمتى، وقد صرح آنفا في متى بعدم ثبوت التمليك قبل المشيئة لأنه إنما ملكها في الوقت الذي شاءت فيه فلم يكن تمليكا قبله حتى يرتد بالرد وعلى ما ذكرناه فالذي دخل ملكها تحقيق الشرط أو المضاف إليه الزمان وهو مشيئتها الطلاق ليقع طلاقه وعلى هذا فقولهم في قوله أنت طالق كلما شئت لها أن تطلق نفسها واحدة بعد واحدة معناه تطلق بمباشرة الشرط تجوزا بالتطليق عنه بأن تقول شئت طلاقي أو طلقت نفسي فيقع طلاقه عند تحقيق الشرط وإنما يصح كلامهم في قوله طلقي نفسك ا هـ. ولم يذكر المصنف الحين.
وفي المحيط ولو قال حين شئت فهو بمنزلة قوله إذا شئت لأن الحين عبارة عن الوقت ا هـ. ولم يذكر المصنف ما إذا جمع بين إن وإذا وذكره في المحيط فقال: ولو قال إن شئت فأنت طالق إذا شئت فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم الأحوال لأنه علق مشيئتها في الحال طلاقا معلقا بمشيئتها في أي وقت كان، والمعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط فإذا شاءت في المجلس صار كأنه قال أنت طالق إذا شئت ا هـ.
وفي فتح القدير آخر الفصل، ولو قال لها: أنت طالق إذا شئت إن شئت أو أنت طالق إن شئت إذا شئت فهما سواء تطلق نفسها متى شاءت وعند أبي يوسف إن أخر قوله إن شئت فكذلك، وإن قدمه تعتبر المشيئة في الحال فإن شاءت في المجلس تطلق نفسها بعد ذلك إذا

 

ج / 3 ص -494-       وفي كلما شئت لها أن تفرق الثلاث، ولا تجمع، ولو قالت بعد زوج آخر لا يقع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاءت ولو قامت عن المجلس قبل أن تقول شيئا بطل ثم ذكر ما نقلناه عن المحيط معزيا إلى السرخسي وإنما ذكر ما مع متى ليفيد أنها لا تفيد التكرار معها أيضا رد القول بعض النحاة أنه إذا زيد عليها ما كانت للتكرار.
قال في المصباح وهو ضعيف لأن الزائد لا يفيد غير التأكيد وهو عند بعض النحاة لا يغير ويقول قولهم إنما زيد قائم بمنزلة إن زيدا قائم فهو يحتمل العموم كما يحتمله إن زيدا قائم وعند الأكثر ينقل المعنى من احتمال العموم إلى معنى الحصر فإذا قيل إنما زيد قائم فالمعنى لا قائم إلا زيد ويقرب منه ما تقدم من أن ما يمكن استيعابه من الزمان يستعمل فيه متى وما لا يمكن استيعابه يستعمل فيه متى ما وهو القياس، وإن وقعت شرطا كانت للحال في النفي وللحال، والاستقبال في الإثبات ا هـ. وفيه "إذا "لها معان أحدها: أن تكون ظرفا لما يستقبل من الزمان، وفيها معنى الشرط نحو: إذا جئت أكرمتك. والثاني: أن تكون للوقت المجرد نحو قم إذا احمر البسر أي وقت احمراره، والثالث: أن تكون مرادفة للفاء فيجازى بها كقوله تعالى:
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] ا هـ.
"قوله: وفي كلما شئت لها أن تفرق الثلاث ولا تجمع "أي لو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها أن تباشر شرط الوقوع مرة بعد أخرى بأن تقول شئت طلاقي أو طلقت نفسي فيقع طلاقه المعلق عند تحقق الشرط وليس لها أن تقول طلقت نفسي ثلاثا جملة لأن كلما تعم الأفعال، والأزمان عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فأفاد أنها لا تشاء ثنتين أيضا، ولو شاءت ثنتين أو ثلاثا جملة لم يقع شيء عند الإمام، وعندهما تقع واحدة بناء على ما تقدم من الخلاف، وفي المبسوط: ولو قالت قد شئت أمس تطليقة وكذبها الزوج فالقول للزوج لأنها أخبرت عما لا تملك إنشاءه فإنها أخبرت بمشيئة كانت منها أمس فلا يبقى ذلك بعد مضي أمس فإن قيل أليس أنها لو شاءت في الحال يصح منها فقد أخبرت بما تملك إنشاءه قلنا لا كذلك فالمشيئة في الحال غير المشيئة في الأمس وكل مشيئة شرط تطليقة فهي لا تملك إنشاء ما أخبرت به إنما تملك إنشاء شيء آخر ا هـ.
واعلم أن كلمة "كل "إنما أفادت التكرار بدخول ما عليها، ولذا قال في المصباح: "وكل "كلمة تستعمل بمعنى الاستغراق بحسب المقام، وقد تستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الاحقاف: 25] أي كثيرا وتفيد التكرار بدخول ما عليه نحو: كلما أتاك زيد فأكرمه دون غيره من أدوات الشرط ا هـ.
"قوله: ولو قالت بعد زوج آخر لا يقع "أي لو قالت طلقت نفسي أو شئت طلاقي بعدما

 

ج / 3 ص -495-       وفي حيث شئت وأين شئت لم تطلق حتى تشاء في مجلسها، وفي كيف شئت يقع رجعية فإن شاءت بائنة أو ثلاثا ونواه وقع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلقت نفسها ثلاثا متفرقة ثم عادت إليه بعد زوج آخر لا يقع لأن التعليق إنما ينصرف إلى الملك القائم وهو الثلاث فباستغراقه ينتهي التفويض.
قيدنا بكونه بعد الطلاق الثلاث لأنها لو طلقت نفسها واحدة أو ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر فلها أن تفرق الثلاث خلافا لمحمد وهي مسألة الهدم الآتية، وفي المبسوط: لو قال لها كلما شئت فأنت طالق ثلاثا فقالت شئت واحدة فهذا باطل؛ لأن معنى كلامه كلما شئت الثلاث ا هـ.
والحاصل أنها لا تملك تكرار الإيقاع إلا في كلما ويشكل عليه ما في الخانية لو قال لها: أمرك بيدك في هذه السنة فطلقت نفسها ثم تزوجها لا يكون لها الخيار في قول أبي يوسف، وفي قياس قول أبي حنيفة لها الخيار ا هـ. ونظير مسألة المبسوط ما في المعراج لو قال لرجلين إن شئتما فهي طالق ثلاثا فشاء أحدهما واحدة، والآخر ثنتين لا يقع شيء لأنه علق الوقوع بمشيئتهما الثلاث ولم توجد. ا هـ.
"قوله: وفي حيث شئت وأين شئت لم تطلق حتى تشاء في مجلسها" يعني إذا قال أنت طالق حيث شئت إلى آخره فلو قامت منه قبل مشيئتها فلا مشيئة لها لأن حيث وأين اسمان للمكان، والطلاق لا تعلق له بالمكان فيجعل مجازا عن الشرط لأن كلا منهما يفيد ضربا من التأخير وحمل على إن دون متى وما في معناها لأنها أم الباب وحرف الشرط، وفيه يبطل بالقيام وبما قررناه اندفع سؤالان أحدهما أنه إذا لغا ذكر المكان ينبغي أن يتنجز ثانيهما أنه إذا كان مجازا عن الشرط فلم حمل على إن دون متى، وفي المصباح: حيث ظرف مكان وتضاف إلى جملة وهي مبنية على الضم وتجمع بمعنى ظرفين لأنك تقول أقوم حيث يقوم زيد فيكون المعنى أقوم في الموضع الذي يقوم فيه زيد ا هـ. وفيه وأين ظرف مكان يكون استفهاما فإذا قيل أين زيد لزم الجواب بتعيين مكانه وتكون شرطا أيضا وتزاد ما فيقال أينما تقم أقم. انتهى.
"قوله: وفي كيف شئت يقع رجعية فإن شاءت بائنة أو ثلاثا ونواه وقع "يعني تطلق في أنت طالق كيف شئت وتبقى الكيفية يعني كونه رجعيا أو بائنا خفيفة أو غليظة مفوضة إليها إن لم ينو شيئا من الكيفية، وإن نوى فإن اتفق ما نواه وما شاءته فذاك وإلا فرجعية وعندهما يتعلق بالأصل فعندهما ما لا يقبل الإشارة فحاله وأصله سواء كذا في التوضيح ويتفرع عليه أنها لو قامت عن المجلس قبل المشيئة أو ردت لا يقع شيء عندهما ويقع رجعية عنده ولا يخفى أن الكلام في المدخولة فأما غيرها فبائنة ولغت مشيئتها كقوله لعبده أنت حر كيف شئت فإنه

 

ج / 3 ص -496-       وفي كم شءت، أو ما شئت تطلق ما شاءت، وإن ردت ارتد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقع العتق ويلغو ذكر المشيئة وعندهما يتعلق بالمشيئة فيهما في المجلس فلو شاء عندهما عتقا على مال أو إلى أجل أو بشرط أو التدبير يثبت ما شاءه كما في كشف الأسرار.
والحاصل أن كيف أصلها للسؤال عن الحال ثم استعملت للحال في: انظر إلى كيف يصنع، وعلى الحالية: فرع الكل غير أنهما قالا لا انفكاك بين الأصل، والحال فتعلق الأصل لتعلق الحال ومنعه الإمام، والحق قوله: لانتقاض قاعدتهما كما بيناه في شرح المنار وبما قررناه اندفع ما قيل إنها للشرط عندهما لأن شرط شرطيتها اتفاق فعلي الشرط، والجزاء لفظا ومعنى نحو كيف تصنع أصنع بالرفع وتمامه في المغني.
وقيد بإضافة المشيئة إلى العبد لأنه لو أضافها إلى الله تعالى فإن مشيئة الكيفية تلغو وتقع واحدة رجعية لعدم الاطلاع على مشيئة الله تعالى وعلله في المحيط بأنه تحقيق وليس بتعليق ا هـ.
وينبغي أن لا يقع شيء على قولهما لأن الحال، والأصل سواء عندهما، وفي المصباح: كلمة كيف يستفهم بها عن حال الشيء، وعن صفته يقال: كيف زيد ويراد السؤال عن صحته وسقمه وعسره ويسره وغير ذلك وتأتي للتعجب، والتوبيخ، والإنكار وللحال ليس معه سؤال، وقد تتضمن معنى النفي، وكيفية الشيء حاله وصفته ا هـ.
"قوله: وفي: كم شئت أو ما شئت تطلق ما شاءت، وإن ردت ارتد "يعني فيتعلق أصل الطلاق بمشيئتها اتفاقا لأن كم اسم للعدد فكان التفويض في نفس العدد، والواحد عدد في اصطلاح الفقهاء لما تكرر من إطلاق العدد وإرادة الواحدة وقوله: ما شئت تعميم للعدد فأفاد بقوله ما شاءت أن لها أن تطلق أكثر من واحدة من غير كراهة ولا يكون بدعيا إلا ما أوقعه الزوج لأنها مضطرة إلى ذلك لأنها لو فرقت خرج الأمر من يدها.
وفي القاموس: كم اسم ناقص مبني على السكون أو مؤلفة من كاف التشبيه وما، ثم قصرت وأسكنت وهي للاستفهام ويخفض ما بعدها حينئذ كرب، وقد ترفع تقول كم رجل كريم قد أتاني، وقد تجعل اسما تاما فيصرف ويشدد تقول أكثر من الكم، والكمية ا هـ.
وفي المغني: كم خبرية بمعنى: كثير، واستفهامية بمعنى: أي عدد ويشتركان في خمسة أمور الاسمية، والإبهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء ولزوم التصدير ويفترقان في خمسة:

 

ج / 3 ص -497-       وفي طلقي من ثلاث ما شئت تطلق ما دون الثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدها أن الكلام مع الخبرية يحتمل التصديق، والتكذيب بخلافه مع الاستفهامية الثاني أن المتكلم بالخبرية لا يستدعي من مخاطبه جوابا لأنه مخبر، والمتكلم بالاستفهامية يستدعيه لأنه مستخبر الثالث أن الاسم المبدل من الخبرية لا يقترن بالهمزة بخلاف المبدل من الاستفهامية الرابع أن تمييز الخبرية مفرد أو مجموع ولا يكون تمييز الاستفهامية إلا مفردا، والخامس أن تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب ولا يجوز جره مطلقا وتمامه فيه.
"قوله: وفي طلقي من ثلاث ما شئت تطلق ما دون الثلاث "يعني ليس لها أن تطلق الثلاث عند الإمام خلافا لهما نظرا إلى أن ما للعموم ومن للبيان وله أن من للتبعيض ورجحه في التحرير بأن تقديره على البيان ما شئت مما هو الثلاث وطلقي ما شئت واف به فالتبعيض مع زيادة من الثلاث أظهر ا هـ. وفي المحيط وعلى هذا الخلاف لو قال: اختاري من الثلاث ما شئت. ا هـ.