البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 4 ص -5-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب التعليق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- باب التعليق.
لما فرغ من بيان المنجز شرع في المعلق،
والتعليق من علقه تعليقا جعله معلقا كذا في
"القاموس"، وفي
"المصباح" علقت الشيء بغيره
وأعلقته، بالتشديد والألف فتعلق ا ه.
وفي الاصطلاح ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون
جملة أخرى، وتعبيره بالتعليق أولى من تعبير
"الهداية" باليمين لشمول
التعليق الصوري، وإن لم يكن يمينا كالتعليق
بحيضها وطهرها أو بحيضها حيضة أو بما لا يمكنه
الامتناع عنه كطلوع الشمس ومجيء الغد أو بفعل
من أفعال قلبها كالمحبة والمشيئة أو بفعل من
أفعال قلبه فإنه في هذه المواضع ليس بيمين كما
في "المحيط": فلا يحنث لو كان حلف أن لا يحلف
بها مع أن بعضها مذكور في هذا الباب كالمحبة
والحيض حيضة بخلاف إن دخلت أو إن حضت.
وفي
"تلخيص الجامع" لو حلف لا
يحلف يحنث* بالتعليق لوجود الركن دون الإضافة
لعدمه إلا أن يعلق بأعمال القلب أو بمجيء
الشهر في ذوات الأشهر لأنه يستعمل في التمليك
أو بيان وقت السنة فلا يتمحض للتعليق، ولهذا
لم يحنث بتعليق الطلاق بالتطليق لاحتمال حكاية
الواقع، ولا بأن أديت فأنت حر، وإن عجزت فأنت
رقيق لأنه تفسير الكتابة، ولا بأن حضت حيضة أو
عشرين حيضة لاحتمال تفسير السنة ا ه.
وشرط صحة التعليق كون الشرط معدوما/ على خطر
الوجود فخرج ما كان محققا كقوله أنت طالق إن
كان السماء فوقنا فهو تنجيز، وخرج ما كان
مستحيلا كقوله إن دخل الجمل في سم1 الخياط
فأنت طالق فلا يقع أصلا لأن غرضه منه تحقيق
النفي حيث علقه بأمر محال، وهذا يرجع إلى
قولهما إمكان البر شرط انعقاد اليمين خلافا
لأبي يوسف، وعلى هذا ظهر ما في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السمَ وفيه ثلث لغات وهو ثقب الإبرة وجمعه
سمام اه. المصباح المنير مادة/ سم/.
..........
* العبارة في الأصل حنث.
ج / 4 ص -6-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الخانية": لو قال لها إن لم
تردي علي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت
طالق فإذا الدينار في كيسه لا تطلق امرأة، ولو
قال إن حضت، وهي حائض، أو مرضت، وهي مريضة
فعلى حيضة مستقبلة، ولو قال للصحيحة إن صححت
فأنت طالق طلقت الساعة، وكذا لو قال إن أبصرت
أو سمعت، وهي بصيرة أو سميعة لأن الصحة والسمع
أمر يمتد فكان لبقائه حكم الابتداء بخلاف
الحيض والمرض فإنهما مما لا يمتد، ولو قال
لعبده إن ملكتك فأنت حر عتق حين سكت، وتمامه
في "المحيط": من باب الشرط الذي يحتمل الحال
والاستقبال، وبهذا علم أن قولهم إن ما كان
محققا تنجيز ليس على إطلاقه بل فيما لبقائه
حكم ابتدائه ومن شرائطه وجود رابط حيث كان
الجزاء مؤخرا، وسيأتي بيانه.
ومن شرائطه أن لا يفصل بين الشرط والجزاء فاصل
أجنبي فإن كان ملائما، وذكر لإعلام المخاطبة
أو لتأكيد ما خاطبها بمعنى قائم في المنادي
فإنه لا يضر كقوله لامرأته أنت طالق يا زانية
إن دخلت الدار تعلق الطلاق بالدخول، ولا حد،
ولا لعان لأنه لتأكيد ما خاطبها به كقوله يا
زينب بخلاف ما إذا قال يا زانية أنت طالق إن
دخلت فإنه قاذف، وتمامه في
"المحيط": من باب ما يتخلل
بين الشرط والجزاء، وفي
"الخانية": لو قال إن دخلت
الدار يا عمرة فأنت طالق، ويا زينب فدخلت عمرة
الدار طلقت، ويسأل عن نيته في زينب، وإن قال
نويت طلاقها أيضا طلقت أيضا، ولو قال ذلك بغير
واو فقال نويت طلاقها مع عمرة طلقتا جميعا،
ولو قدم الطلاق فقال يا عمرة أنت طالق إن دخلت
الدار، ويا زينب فدخلت عمرة الدار طلقتا
جميعا. ولو قال لم أنو طلاق زينب لا يقبل قوله
وتمامه فيها.
وفي
"تلخيص الجامع" من باب
الاستثناء يكون على الجميع والبعض يا زانية إن
تخلل الشرط والجزاء أو الإيجاب، والاستثناء لم
يكن قذفا في الأصح، وإن تقدم أو تأخر كان قذفا
لأنه للاستحضار عنه عرفا، ولإثبات الصفة وضعا
فلاءم من وجه دون آخر فعلق خللا ونجز طرفا،
عملا بهما كيا طالق، وقد يعلق الخبر للنفي
كالإقرار ا ه.
ومن شرطه أن لا يكون الظاهر/ قصد المجازاة فلو
سبته بنحو: قرطبان وسفلة، فقال إن كنت كما
قلت فأنت طالق تنجز سواء كان الزوج كما قالت
أو لم يكن لأن الزوج في الغالب لا يريد إلا
إيذاءها بالطلاق فإن أراد التعليق يدين، وفتوى
أهل بخارى عليه كما في
"فتح القدير".
ومن شرطه الاتصال فلو ألحق شرطا بعد سكوته لم
يصح، وفي
"الظهيرية" رجل له فأفأة
ج / 4 ص -7-
إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته: إنْ زرت
فأنت طالق، أو مضافآ إلية، كإن نكحتك فأنت
طالق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو ثقل في لسانه لا يمكنه إتمام الكلام إلا
بعد مدة فحلف بالطلاق، وذكر الشرط والاستثناء
بعد تردد وتكلف إن كان معروفا بذلك جاز
استثناؤه وتعليقه اه.
وركنه: أداة شرط وفعله وجزاء صالح فلو اقتصر
على أداة الشرط لم يكن تعليقا اتفاقا،
واختلفوا في تنجيزه فلذا قال في
"الظهيرية" لو قال أنت طالق
إن، ولم يزد تطلق للحال في قول محمد، ولا تطلق
في قول أبي يوسف، والفتوى على قول أبي يوسف
لأنه ما أرسل الكلام إرسالا ذكره في
"الجامع العتابي"، وكذلك لو
قال أنت طالق ثلاثا لولا أو قال وإلا أو قال
إن كان أو قال إن لم يكن لا تطلق في قول أبي
يوسف، وبه أخذ محمد بن سلمة اه.
"قوله: إنما يصح في الملك كقوله لمنكوحته إن
زرت فأنت طالق أو مضافا إليه كأن نكحتك فأنت
طالق"أي: معلقا بسبب الملك
كقوله لأجنبية إن نكحتك أي تزوجتك فإن النكاح
سبب للملك فاستعير السبب للمسبب أي إن ملكتك
بالنكاح كقوله إن اشتريت عبدا فهو حر أي إن
ملكته بسبب الشراء بخلاف ما لو قال الوارث
لعبد مورثه إن مات سيدك فأنت حر فإنه لا يصح
التعليق لأن الموت ليس بموضوع للملك بل موضوع
لإبطاله بخلاف الشراء.
وفي
"كشف الأسرار" ولو قال لحرة
إن ارتديت فسبيت فملكتك فأنت حرة صح اه.
لأن السبي من أسباب الملك الموضوعة، ولو مثل
بقوله أنت طالق يوم أتزوجك لكان أولى، وفي
"المعراج": وتمثيله غير
مطابق لأنه تعليق محض بحرف الشرط، ولو أضافه
إلى النكاح لا يقع كما لو قال أنت طالق مع
نكاحك أو في نكاحك ذكره في
"الجامع" بخلاف أنت
طالق مع تزوجي إياك فإنه يقع، وهو مشكل، وقيل
الفرق أنه لما أضاف التزوج إلى فاعله، واستوفى
مفعوله جعل التزويج مجازا عن الملك لأنه سببه،
وحمل مع على بعد تصحيحا له، وفي نكاحك لم يذكر
الفاعل فالكلام ناقص فلا يقدر بعد النكاح فلا
يقع، ويصح النكاح ا ه.
أطلق الملك فأفاد أنه يشمل الحقيقي كالملك حال
بقاء النكاح، والحكمي كبقاء العدة، والتعليق
يصح فيهما، وقدمنا عند شرح قوله آخر الكنايات،
والصريح يلحق الصريح أن تعليق طلاق المعتدة
فيهما/ صحيح في جميع الصور إلا إذا كانت معتدة
عن بائن، وعلق بائنا كما في
"البدائع" اعتبارا للتعليق
بالتنجيز،
وفي
"المصباح" زاره يزوره زيارة،
وزورا قصده فهو زائر وزور وزوار مثل سافر وسفر
ج / 4 ص -8-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسفار، ونسوة زور أيضا وزوار وزائرات، والمزار
يكون مصدرا وموضع الزيارة، والزيارة في العرف
قصد المزور إكراما له، واستئناسا به اه.
وقدمنا في أول كتاب الحج أنه لو حلف لا يزوره
فلقيه من غير قصد فإنه لا يحنث، وينبغي
تقييدها بما قاله في
"المصباح" من الإكرام
والاستئناس للعرف فلا يحنث في مسألة الكتاب
إلا مع القصد للإكرام فلو كان الشرط زيارتها
فذهبت من غير قصد الإكرام لم يحنث، وفي
عرفنا: زيارة المرأة لا يكون إلا بطعام معها
يطبخ عند المزور، وفي
"المحيط": حلف ليزورن فلانا
غدا أو ليعودنه فأتى بابه، واستأذنه فلم يؤذن
له لا يحنث فإن أتى بابه، ولم يستأذنه يحنث
حتى يصنع في ذلك ما يصنع الزائر، والعائد من
الاستئذان، والفرق أن في الأول لم يتصور البر
فلم ينعقد اليمين، وفي الثاني يتصور، وهكذا
ذكر في العيون، وعلى قياس من قال إن لم أخرج
من هذا المنزل اليوم فمنع أو قيد حنث يجب أن
يحنث هنا في الوجهين، وهو المختار لمشايخنا،
وفي "النوازل" حلف لا يزور فلانا لا حيا ولا
ميتا فشيع جنازته لا يحنث، وإن زار قبره يحنث
هو المختار لأن زيارة الميت زيارة قبره عرفا
لا تشييع جنازته اه.
وأطلق المضاف إلى الملك فشمل ما إذا خصص أو
عمم كقوله كل امرأة خلافا لمالك في الثاني
معللا بانسداد باب النكاح عليه، وأجيب بأنه لا
مانع من انسداده إما لدينه خوفا من جوره أو
لدنياه لعدم يساره، ويمنع انسداده لإمكان أن
يزوجه فضولي، ويجيز بالفعل كسوق الواجب إليها،
وبإمكان أن يتزوجها بعدما وقع الطلاق عليها
لأن كلمة كل لا تقتضي التكرار إلا أن صحته لا
فرق فيها بين أن يعلق بأداة الشرط أو بمعناه
إن كانت المرأة منكرة فإن كانت معينة يشترط أن
يكون بصريح الشرط فلو قال هذه المرأة التي
أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق لأنه عرفها
بالإشارة فلا تؤثر فيها الصفة، وهي أتزوجها بل
الصفة فيها لغو فكأنه قال هذه طالق كقوله
لامرأته هذه المرأة التي تدخل هذه الدار طالق
فإنها تطلق للحال دخلت أو لا بخلاف قوله إن
تزوجت هذه فإنه يصح. وفي "الذخيرة" والتعريف
بالاسم والنسب كالتعريف بالإشارة فلو قال
فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق فتزوجها لم
تطلق، وأورد عليه ما ذكره في "الجامع" رجل
اسمه محمد بن عبد الله، وله غلام فقال إن كلم
غلام محمد بن عبد الله هذا أحد فامرأته طالق
أشار الحالف إلى الغلام لا إلى نفسه ثم إن
الحالف كلم الغلام بنفسه تطلق، ولو كان
التعريف بالاسم كالتعريف بالإشارة لم تطلق
امرأته كما لو أشار إلى نفسه. والجواب أن
تعريف الحاضر بالإشارة والغائب بالاسم والنسب
وفي مسألة محمد بن عبد الله الحالف حاضر
فتعريفه
ج / 4 ص -9-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالإشارة أو الإضافة، ولم يوجدا فبقي منكرا
فدخل تحت اسم النكرة، وفي مسألة الطلاق الاسم
النسب في الغائب لا في الحاضر فيحصل بهما
التعريف، وتلغو الصفة حتى أن في مسألة الطلاق
لو كانت فلانة حاضرة عند الحلف فبذكر اسمها
ونسبها لا يحصل التعريف، ولا تلغو الصفة،
ويتعلق الطلاق بالتزوج هكذا ذكره شيخ الإسلام
في "الجامع"1 وفرق بعضهم بأن التعريف بالإضافة
والإشارة لا يحتمل التنكير بوجه ما، والتعريف
بالاسم والنسب يحتمل التنكير. ولو قال كل
امرأة أتزوجها ما دامت عمرة حية أو قال حتى
تموت عمرة فهي طالق فتزوج عمرة ذكر محمد في
الكتاب أنها لا تطلق، وعامة المشايخ على أن
تأويل المسألة أن عمرة كانت مشارا إليها فلو
كانت غير مشار إليها تطلق، وتدخل تحت اسم
النكرة، وعلى قياس ما ذكره شيخ الإسلام ينبغي
أن يقال إذا كانت عمرة حاضرة تطلق، وإذا كانت
غائبة لا تطلق، وتمامه في "الذخيرة"، وقدم
التعليق في الملك لأنه لا خلاف فيه، وأخر
المعلق به لأن الشافعي قائل بعدم صحته خصص أو
عمم لحديث أبي داود والترمذي، وحسنه مرفوعا
"لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له
فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك"2
ولنا أن هذا تعليق لما يصح تعليقه، وهو الطلاق
فيلزم كالعتق والوكالة، والحاجة داعية إليه
لأن نفسه قد تدعوه إلى تزويجها مع علمه بفساد
حالها، ويخشى غلبتها عليه فيؤيسها بتعليق
طلاقها بنكاحها فطاما لها والحديث محمول على
نفي التنجيز، وما هو مأثور عن السلف رضي الله
عنهم كالشعبي والزهري وجماعة كما رواه ابن أبي
شيبة في مصنفه، وهو وإن كان ظاهرا لنا لكن لما
كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوج تنجيزا،
ويعدونه طلاقا إذا وجد النكاح نفاه صاحب
الشرع، والخلاف هنا مبني على أن المعلق بالشرط
هل هو سبب للحال أو لا نفيناه وأثبته وتحقيقه
أن اللفظ الذي ثبتت سببيته شرعا لحكم إذا جعل
جزاء الشرط هل نسلبه سببيته لذلك الحكم قبل
وجود معنى الشرط كأنت طالق، وحرة جعل شرعا
سببا لزوال الملك فإذا دخل الشرط منع الحكم
عنده، وعندنا منع سببيته فتفرعت الخلافية
فعندنا ليس بطلاق قبل وجود الشرط فلم يتناوله
الحديث، وعنده طلاق فيتناوله. والأوجه قولنا
لأن الحنث هو السبب عقلا لا اليمين، ولأن
السبب هو المفضي إلى الحكم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل المراد به شرح "الجامع" الكبير لشيخ
الإسلام أبي بكر أحمد بن منصور الإسبيجابي
المتوفى سنة خمسمائة ه تقريبا.
2 أخرجه الترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء لا
طلاق قبل النكاح "1181". وأخرجه أبو داود،
كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين في قطيعة
الرحم "3274". وابن ماجه بنحوه، كتاب
الكفارات، باب النذر في المعصية "2124".
والحاكم في المستدرك "2/205". وابن أبي شيبة
في مصنفه، كتاب الأيمان، باب من قال لا نذر في
معصية الله لا فيما لا يملك "3/469".
ج / 4 ص -10-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والتعليق مانع من الإفضاء لمنعه من الوصول إلى
المحل، والأسباب الشرعية لا تصير أسبابا قبل
الوصول إلى المحل فضعف قوله إن السبب هو قوله
أنت طالق، والشرط لم يعدمه، وإنما أخر الحكم،
وأورد بأنه يجب أن يلغو كالأجنبية، وأجيب بأنه
لو لم يرج لغا كطالق إن شاء الله، وأما غيره
فبعرضية أن يصير سببا فلا يلغى تصحيحا لكلام
العاقل، أو نقول لما توقف الحكم على الشرط صار
الشرط كجزء سببه، ولا يرد علينا البيع المؤجل
فإنه سبب قبل حلوله لأن الأجل دخل على الثمن
فقط، وكذا لا يرد البيع بشرط الخيار لأن الشرط
بعلى لتعليق ما بعده فقط لغة فآتيك على أن
تأتيني: المعلق إتيان المخاطب فكذا قوله بعتك
على أني بالخيار أي في الفسخ فالمعلق الفسخ لا
البيع، وهو منجز فتعلق الحكم دفعا للضرر لا
لأن المعلق ينعقد سببا للحال، وكذا لا يرد
المضاف كقوله أنت طالق غدا فإنه عندنا سبب في
الحال لأن التعليق يمين، وهو للبر، وهو إعدام
موجب المعلق فلا يفضي إلى الحكم أما الإضافة
فلثبوت حكم السبب في وقته لا لمنعه فيتحقق
السبب بلا مانع إذ الزمان من لوازم الوجود،
وهو معنى ما فرق به الزيلعي، وهو مردود لأنه
يرد عليه أن اليمين لا توجب الإعدام مطلقا بل
في المنع أما في الحمل فلا نحو إن بشرتني
بقدوم ولدي فأنت حر فإن المقصود إيجاد الشرط
لا إعدامه، وفرقوا بينهما أيضا بأن الشرط على
خطر الوجود بخلاف المضاف. وهو مردود لأنه
يقتضي تسوية المضاف، والمعلق في نحو يوم يقدم
زيد، وإن قدم في يوم كذا لأن كلا منهما على
خطر الوجود، وإذا استويا في عدم انعقاد
السببية للخطر استويا في الأحكام فيلزم منه
عدم جواز التعجيل فيما لو قال علي صدقة يوم
يقدم فلان لعدم جواز التقديم على السبب، وإن
كان بصورة الإضافة مع أن الحكم في المضاف جواز
التعجيل قبل الوقت بخلافه في المعلق، ويقتضي
أيضا كون إذا جاء غد فأنت حر كإذا مت فأنت حر
لأنه لا خطر فيهما فيكون الأول مضافا فيمتنع
بيعه قبل الغد كما قبل الموت لانعقاده سببا في
الحال كما عرف في التدبير لكنهم يجيزون بيعه
قبل الغد، ويفرقون بين أنت حر غدا فلا يجيزون
بيعه قبل الغد، وبين إذا جاء غد فأنت حرة
فيجيزونه مع أنه لا خطر فيهما، وقد يقال في
الفرق بينهما إن الإضافة ليست بشرط حقيقة لعدم
كلمة الشرط لكنه في معنى الشرط من حيث إن
الحكم يتوقف عليه فمن حيث إنه ليس بشرط لا
يتأخر عنه، ولا يمنع السببية، ومن حيث إنه في
معنى الشرط لا ينزل في الحال فقلنا بأنه ينعقد
سببا للحال، ويقع مقارنا ويتأخر الحكم عملا
بالشبهين.
وفي "الخانية": من أول كتاب الإجارات رجل قال
لغيره أجرتك داري هذه رأس الشهر كل شهر بكذا
جاز في قولهم، ولو قال إذا جاء رأس الشهر فقد
أجرتك هذه الدار كل شهر بكذا قال الفقيه أبو
الليث وأبو بكر الإسكاف يجوز، وقال أبو القاسم
الصفار لا يجوز لأنه تعليق
ج / 4 ص -11-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التمليك فلا يصح كما لو علقها بشرط آخر،
ويؤيده ما ذكره في "الجامع" رجل حلف أن لا
يحلف ثم قال لامرأته إذا جاء غد فأنت طالق كان
حانثا في يمينه، وهذا يؤيد قوله، والذي يؤيد
قول الفقيه أبي الليث ما ذكر في "المنتقى" رجل
له خيار الشرط في البيع فقال أبطلت خياري غدا
أو قال أبطلت خياري إذا جاء غد كان ذلك جائزا
قال وليس هذا كقوله إن لم أفعل كذا فقد أبطلت
خياري فإن ذلك لا يصح لأن هذا وقت يجيء لا
محالة، ولو أجر داره كل شهر بكذا ثم قال إذا
جاء رأس الشهر فقد أبطلت الإجارة قال الفقيه
أبو بكر كما يصح تعليق الإجارة بمجيء الشهر
يصح تعليق فسخها بمجيء الشهر، وغيره من
الأوقات، ومسألة "المنتقى" في تعليق إبطال
الخيار تؤيد قوله قال شمس الأئمة السرخسي قال
بعض أصحابنا إضافة الفسخ إلى الغد، وغيره من
الأوقات صحيح، وتعليق الفسخ بمجيء الشهر، وغير
ذلك لا يصح، والفتوى على قوله اه.
فقد تحرر [عندنا]* أن المعلق بشرط على خطر ليس
كالمضاف اتفاقا، وبما ليس فيه خطر فيه اختلاف
المشايخ فسوى بينهما الفقيهان في الإجارة،
وفرق بينهما الصفار والإفتاء بالفرق بينهما في
فسخ الإجارة إفتاء بقول الصفار بالفرق في
الإجارة فالفتوى على الفرق في الإجارة وفسخها،
ومسألة "الجامع" تؤيده، وإنما خرج عن ذلك
مسألة "المنتقى". ثم اعلم أن المراد بالصحة في
قوله إنما يصح اللزوم فإن التعليق في غير
الملك، والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة
الزوج حتى لو قال أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت
الدار فأنت طالق توقف على الإجازة فإن أجازه
لزم التعليق فتطلق بالدخول بعد الإجازة لا
قبلها، وكذا الطلاق المنجز من الأجنبي موقوف
على إجازة الزوج فإذا أجازه وقع مقتصرا على
وقت الإجازة، ولا يستند بخلاف البيع الموقوف
فإنه بالإجازة يستند إلى وقت البيع حتى ملك
المشتري الزوائد المتصلة والمنفصلة، والضابط
فيه أن ما يصح تعليقه بالشرط فإنه يقتصر، وما
لا يصح تعليقه فإنه يستند، وتمامه في "تلخيص"
"الجامع"، ودخل تحت المضاف إلى الملك ما لو
قال لمعتدته إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا فهذا،
وما لو قال لأجنبية سواء كما في "الخلاصة"،
وللحنفي أن يرفع الأمر إلى شافعي يفسخ اليمين
المضافة. فلو قال إن تزوجت فلانة فهي طالق
ثلاثا فتزوجها فخاصمته إلى قاض شافعي، وادعت
الطلاق فحكم بأنها امرأته، وأن الطلاق ليس
بشيء حل له ذلك، ولو وطئها الزوج بعد النكاح
قبل الفسخ ثم فسخ يكون الوطء حلالا إذا فسخ،
وإذا فسخ بعد التزوج لا يحتاج إلى تجديد
العقد، ولو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق
فتزوج امرأة، وفسخ
.................
*ما بين معكوفتين ساقط من الأصل.
ج / 4 ص -12-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليمين ثم تزوج امرأة أخرى لا يحتاج إلى الفسخ
في كل امرأة كذا ذكر في "الخلاصة"، وفي
"الظهيرية" أنه قول محمد، وبقوله يفتى، وكذلك
في قوله كل عبد اشتريته، وإذا عقد أيمانا على
امرأة واحدة فإذا قضي بصحة النكاح بعد ارتفعت
الأيمان كلها، وإذا عقد على كل امرأة يمينا
على حدة لا شك أنه إذا فسخ على امرأة لا ينفسخ
على الأخرى، وإذا عقد يمينه بكلمة كلما فإنه
يحتاج إلى تكرار الفسخ في كل يمين اه.
فهي أربع مسائل في شرح "المجمع" للمصنف فإن
أمضاه قاض حنفي بعد ذلك كان أحوط اه. وفي
"الخانية": حكم الحاكم كالقضاء على الصحيح
اه.
وفي "البزازية"، وعن الصدر أقول: لا يحل لأحد
أن يفعل ذلك، وقال الحلواني يعلم، ولا يفتى به
لئلا يتطرق الجهال إلى هدم المذهب، وعن
أصحابنا ما هو أوسع من ذلك، وهو أنه لو استفتى
فقيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين حل له العمل
بفتواه وإمساكها، وروي أوسع من هذا، وهو أنه
لو أفتاه مفت بالحل ثم أفتاه آخر بالحرمة
بعدما عمل بالفتوى الأولى فإنه يعمل بفتوى
الثاني في حق امرأة أخرى لا في حق الأولى،
ويعمل بكلا الفتوتين في حادثتين لكن لا يفتى
به ا ه.
وفيها قبيل الرجعة والتزوج فعلا أولى من فسخ
اليمين في زماننا، وينبغي أن يجيء إلى عالم
ويقول له ما حلف واحتياجه إلى نكاح الفضولي
فيزوجه العالم امرأة ويجيز بالفعل فلا يحنث،
وكذا إذا قال لجماعة لي حاجة إلى نكاح الفضولي
فزوجه واحد منهم أما إذا قال لرجل اعقد لي عقد
فضولي يكون توكيلا اه. وسيأتي في آخر الأيمان.
واعلم أن الفسخ من الشافعي إنما محله قبل أن
يطلقها ثلاثا لما في "الخانية": رجل قال
لامرأته إذا تزوجتك فأنت طالق فتزوجها، وطلقها
ثلاثا ثم إنها رفعت أمرها إلى القاضي ليفسخ
اليمين فإن القاضي لا يفسخ لأنه لو فسخ تطلق
ثلاثا بالتنجيز بعد النكاح فلا يفيد اه. فإن
قلت لم وسع أصحابنا في فسخ اليمين المضافة ما
لم يوسعوا في غيره مع أن دليلهم ظاهر قلت قد
اختلج هذا في خاطري كثيرا، ولم أر عنه جوابا
حتى رأيت الزاهدي في "المجتبى" قال وقد ظفرت
برواية عن محمد أنه لا يقع، وبه كان يفتي كثير
من أئمة خوارزم. اه. وشرط قاضي خان لجواز فسخ
اليمين المضافة أن لا يكون القاضي أخذ على ذلك
مالا فإن أخذ لا ينفذ فسخه عند الكل، وإن أخذ
على الكتابة فإن كان بقدر أجرة المثل نفذ، وإن
كان أزيد لا ينفذ، والأولى أن لا يأخذ مطلقا،
وتمامه فيها.
وفي "المحيط": من باب عطف الشروط بعضها على:
بعض: لو قال: إن تزوجتك، وإن
ج / 4 ص -13-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تزوجتك فأنت طالق لم يقع حتى يتزوجها مرتين،
ولو قدم الجزاء فهو على تزويج واحد، وكذا لو
وسطه، ولو قال أنت طالق إن تزوجتك فإن تزوجتك
أو وسط الجزاء لم يقع حتى يتزوجها مرتين فقد
فرق بين الفاء والواو بعده فجعله بالواو إعادة
للشرط الأول وبالفاء جعله شرطا مبتدأ، ولو قال
أنت طالق إن تزوجتك ثم تزوجتك ففي قياس قول
أبي حنيفة على التزويج الأول، ولو قال إن
تزوجتك ثم تزوجتك فأنت طالق انعقدت في الأخيرة
اه.
وفي "البزازية": إن تزوجت فلانة فهي طالق إن
تزوجت فلانة فتزوج لا يقع فإن طلقها ثم تزوجها
وقع، وفي "المحيط": من باب تعليق اليمين
بالشرط لو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق إن
كلمت فلانا فتزوج امرأة قبل الكلام، وامرأة
بعده طلقت التي تزوجها قبل الكلام، ولو قدم
الشرط بأن قال إن كلمت فلانا فكل امرأة
أتزوجها فهي طالق طلقت التي تزوجها بعد
الكلام، وكذا إذا وسطه اه. وفي باب إضافة
الطلاق إلى الملك لو قال إذا تزوجت امرأة فهي
طالق فتزوج امرأتين تطلق إحداهما، والبيان
إليه، ولو كان قال وحدها لا يقع شيء فإن تزوج
أخرى بعدهما وقع عليها، ولو قال يوم أتزوجك
فأنت طالق قال ذلك ثلاث مرات فتزوجها يقع
الثلاث لأن هذه أيمان، ولو قال إذا تزوجتك
فأنت طالق، وأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك
ثم تزوجها وقع الطلاق، ويلغو الظهار والإيلاء
عند أبي حنيفة خلافا لهما لما عرف أن عنده
ينزل الطلاق أولا فتصير مبانة عندهما ينزلن
جملة.
ولو قال إن تزوجتك فوالله لا أقربك، وأنت علي
كظهر أمي، وأنت طالق فتزوجها وقع الطلاق/ وصح
الظهار، والإيلاء لأنها بنزول الظهار والإيلاء
لا تصير مبانة، وكذا لو قال إن تزوجتك فأنت
طالق إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ثم تزوجها
صحا لأنهما يمينان ذكر لكل واحدة شرطا على
حدة، وهو التزوج فنزلا معا اه.
وفي باب الحلف على التزويج إن تزوجت امرأة
فعبدي حر فتزوج صبية حنث، ولو حلف لا يشتري
امرأة فاشترى صغيرة لم يحنث، والفرق أن اسم
المرأة مطلقا لا يتناول الصغيرة إلا أن في
الشراء اعتبر ذكر المرأة لأن الشراء قد يكون
للرجل، وقد يكون للمرأة، ولم يعتبر ذكر المرأة
في النكاح لأن النكاح لا يكون إلا للمرأة فلغا
ذكرها، ولو قال إن كلمت امرأة فكلم صبية لا
يحنث لأن الصبي مانع عن هجران الكلام فلا تراد
الصبية في اليمين المعقودة على الكلام عادة،
ولا كذلك التزوج اه.
وفي "الذخيرة" في نوع آخر في دخول شخص واحد
تحت اليمينين إذا قال إن تزوجت
ج / 4 ص -14-
فيقع بعده فلو قال لأجنبية: إن زرت فأنت طالق
فنكحها، فزارت لم تطلق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلانة فهي طالق ثم قال كل امرأة أتزوجها فهي
طالق ثم تزوج فلانة طلقت تطليقتين بحكم
اليمينين لأنها فلانة وامرأة، وكذلك لو قال إن
كلمت فلانا فأنت طالق، وإن كلمت إنسانا فأنت
طالق فكلمت فلانا تطلق تطليقتين بحكم اليمينين
اه.
"قوله فيقع بعده" أي يقع
الطلاق بعد وجود الشرط في المسألتين سواء كان
التعليق في الملك أو مضافا إليه، وفي "فتح
القدير"، وقوله وقع عقيب النكاح يفيد أن الحكم
يتأخر عنه، وهو المختار لأن الطلاق المقارن لا
يقع كقوله أنت طالق مع نكاحك إذ لا يثبت الشيء
منتفيا ثم قال: وأما قولهم إنه ينزل سببا عند
الشرط كأنه عند الشرط أوقع تنجيزا فالمراد
الإيقاع حكما، ولهذا إذا علق العاقل الطلاق ثم
جن عند الشرط تطلق، ولو كان كالملفوظ حقيقة لم
يقع لعدم أهليته اه.
وأشار بقوله بعده إلى أنه لو قال إن تزوجتك
فأنت طالق قبله ثم نكحها لم يقع، وهو قولهما
لأن المعلق كالملفوظ عند الشرط، ولو قال وقت
النكاح أنت طالق قبل أن أنكحك لا تطلق كذا
هذا، وأوقعه أبو يوسف بإلغاء الظرف لعدم قدرته
على الإيقاع فيه.
وفي "المحيط": لو قال كل امرأة أتزوجها في
قرية كذا فهي طالق ثلاثا فتزوجها في غير تلك
القرية لم يحنث لأنه لم يتزوجها في تلك
القرية، ولو قال من قرية كذا حنث حيثما
تزوجها، ولو قال إن تزوجت امرأة ما دمت
بالكوفة فهي طالق ففارق الكوفة ثم عاد إليها
فتزوج امرأة لم تطلق لانتهاء اليمين
بالمفارقة، ولو قال لامرأته إن تزوجت عليك ما
عشت فحلال الله علي حرام ثم قال لامرأته إن
تزوجت عليك فالطلاق واجب علي ثم تزوج عليها
يقع على كل واحدة منهما تطليقة على القديمة
والحديثة، ويقع تطليقة أخرى يصرفها إلى أيتهما
شاء لأن اليمين الأولى انصرفت إلى الطلاق عرفا
فينصرف إلى طلاق كل واحدة منهما، واليمين
الثانية يمين بطلاق واحدة فإذا تزوج امرأة
انحلت اليمينان جميعا اه.
وفي "المحيط": من كتاب الأيمان لو قال إن
فعلت كذا فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج ثم
فعل لا تطلق لأن المعلق بالفعل طلاق المتزوجة
بعده، ولم يوجد، وإذا نوى تقديم النكاح على
الفعل صحت نيته لأنه نوى ما يحتمله لأن يحتمل
التقديم والتأخير فصار كأنه قال كل امرأة
أتزوجها فهي طالق إن فعلت.
"قوله فلو قال: لأجنبية: إن زرت فأنت طالق
فنكحها فزارت لم تطلق" لأنه
حين صدر لا يصح جعله إيقاعا لعدم المحل، ولا
يمينا لعدم معنى اليمين، وهو ما يكون حاملا
على البر
ج / 4 ص -15-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لإخافته لأنه لم يصدر مخيفا لعدم ظهور الجزاء
عند الفعل، وهو الزيارة هنا لعدم ثبوت المحلية
عند وجود الشرط، ومعنى الإخافة هنا لزوم نصف
المهر إن تزوجها لأنه حينئذ يقع الطلاق فيجب
المال فيمتنع عن التزوج خوفا من ذلك، وقد أورد
على هذا قوله إذا حضت فأنت طالق فإنه يمين مع
أنه لا حمل فيه، ولا منع، وأجيب بأن العبرة
فيه للغالب لا للشاذ كذا في "فتح القدير".
وأشار المصنف إلى مسائل: الأولى لو قال كل
امرأة، أجتمع معها في فراش فهي طالق فتزوج
امرأة لا تطلق، ومثله كل جارية أطؤها حرة،
واشترى جارية فوطئها لا تعتق لأن العتق لم يضف
إلى الملك كذا في "المحيط": وفي "الولوالجية"
إذا قال الرجل لأجنبية، إن طلقتك فعبدي حر
يصح، ويصير كأنه قال إن تزوجتك وطلقتك فعبدي
حر، ولو، قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثا لا
يصح لأن ذكر الطلاق ذكر النكاح الذي لا يستغني
عنه الطلاق لا ذكر لما لا يستغني عنه الجزاء
اه.
الثانية لو قال لوالديه إن زوجتماني امرأة فهي
طالق ثلاثا فزوجاه امرأة بغير أمره لا تطلق
لأن التعليق لم يصح لأنه غير مضاف إلى ملك
النكاح لأن تزويج الوالدين له بغير أمره غير
صحيح لأنه غير مضاف إلى ملك النكاح لأنه لم
يأمرهما بالتزويج عند التعليق كذا في
"المحيط"، ولا فرق في حق هذا الحكم بين أن
يزوجاه بأمره أو بغير أمره لما في "المعراج"،
ولو قال لغيره إن زوجتني امرأة فهي طالق فزوجه
بأمره أو بغير أمره لا تطلق لأن التعليق لم
يصح اه.
الثالثة: لو قال إن تزوجت فلانة قبل فلانة
فهما طالقان فتزوج الأولى طلقت، واختلفوا فيما
إذا تزوج الثانية فقال في "المحيط": تطلق
أيضا، وقيل ينبغي أن لا تطلق لأن نكاح الثانية
غير مذكور صريحا ولا ضرورة، ولو قال إن تزوجت
زينب قبل عمرة بشهر فهما طالقتان فتزوج زينب
ثم عمرة بعدها بشهر طلقت زينب للحال لوجود
الشرط، ولا يستند، / ولا تطلق عمرة لأنه ما
أضاف طلاقها إلى نكاحها لأن تزوجها لم يصر
مذكورا، وتمامه في "المحيط".
الرابعة لو قال إن تزوجت امرأة أو أمرت إنسانا
بالتزوج لي امرأة فهي طالق ثم أمر غيره أن
يزوجه امرأة ففعل المأمور لا تطلق امرأة
الحالف لأنه حنث بالأمر لا إلى جزاء وهو نظير
ما روي عن أبي يوسف: لو قال "رجل إن تزوجت
فلانة أو خطبتها فهي طالق فخطب امرأة"وتزوجها
لا يحنث في يمينه لأنه حنث بالخطبة كذا في
"الخانية"، وحاصل ما ذكره في "الذخيرة" أنه
إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق، وإن أمرت من
يزوجنيها فهي طالق، فأمر
ج / 4 ص -16-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنسانا فزوجها منه طلقت لأنهما يمينان فانحلال
أحدهما لا يوجب انحلال الأخرى، ولو قال إن
تزوجت، وإن أمرت من يزوجنيها فهي طالق فأمر
رجلا فزوجها منه لم تطلق لأن اليمين واحدة،
والشرط شيئان: الأمر، والتزويج فبمجرد الأمر
لا تنحل اليمين، ولذا لو تزوجها من غير أن
يأمر أحدا بذلك لا تطلق لأنه بعض الشرط فإن
أمر بعد ذلك رجلا فقال زوجني فلانة، وهي
امرأته على حالها طلقت لأنه كل الشرط، ولو قال
إن خطبت فلانة أو تزوجتها فهي طالق فخطبها ثم
تزوجها لا تطلق لأن شرط حنثه أحد شيئين فإذا
خطبها فقد وجد شرط الحنث، والمرأة ليست في
نكاحه فانحلت اليمين لا إلى حنث فإذا تزوجها
بعد ذلك، واليمين منحلة فلا تطلق، وقوله لأنه
حنث بالخطبة يدل على أنها يمين منعقدة.
وفائدتها: لو زوجه فضولي فبلغه فأجاز طلقت،
ونظيرها إن تزوجت فلانة أو أمرت من يزوجنيها
فأمر غيره فزوجها منه لا تطلق، وتمامه فيها من
فصل التعليقات، وفي "تتمة الفتاوى" في مسألتي
الأمر، والخطبة بأو، وهذا رد على من يقول
اليمين غير منعقدة لأن الشرط أحدهما، وأحدهما
بعينه صالح، والآخر لا فإنه نص على الحنث حتى
لو تزوج قبل الأمر في المسألة الأولى، وقبل
الخطبة في المسألة الثانية لو تصور فإنها تطلق
اه.
وفي "الخانية": قال كل امرأة أتزوجها فهي
طالق، ونوى من بلد كذا أو نوى امرأة حبشية أو
غيرها لا يكون مصدقا في "ظاهر الرواية" قضاء،
ولو قال أي امرأة أتزوجها فهي طالق كانت على
امرأة واحدة إلا أن ينوي جميع النساء، ولو قال
إن تزوجت امرأة من بنات فلان فهي طالق، وليس
لفلان بنت ثم ولد له بنت فتزوجها الحالف قالوا
لا يحنث في يمينه، ويشترط قيام البنت وقت
اليمين، ولا يدخل في اليمين ما يحدث بعد
اليمين كما لو حلف أن لا يتزوج من أهل هذه
الدار، وليس لتلك الدار أهل ثم سكنها قوم
فتزوج الحالف منهم امرأة لا يحنث في يمينه،
ويشترط وجود الأهل عند اليمين إلا أن هذا
الجواب يوافق قول محمد، وأما قياس قول أبي
حنيفة وأبي يوسف يدخل في هذا اليمين من كان
موجودا وقت اليمين، ومن يحدث بعده كمن حلف أن
لا يكلم ابن فلان، وليس لفلان ابن ثم ولد له
ابن فكلمه الحالف حنث في قول أبي حنيفة وأبي
يوسف، ولا يحنث في قول محمد، ولو قال والله لا
أتزوج امرأة من أهل الكوفة فتزوج امرأة من أهل
الكوفة ولدت بعد اليمين حنث، فرق محمد بين
هذا، وبين بنت فلان. لأن أهل الكوفة قوم لا
يحصون فلم يكن الحامل على اليمين غيظ لحقه من
جهة الأهل بل الحامل على اليمين معنى في
الكوفة فيدخل الموجود، والحادث. بخلاف بنت
فلان لأن الحامل على اليمين غيظ لحقه من جهة
فلان فيدخل فيه الموجود لا الحادث.
ج / 4 ص -17-
وألفاظ الشرط: إنْ وإذا وإذما وكل، وكلما،
ومتى ومتى ما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو حلف أن لا يتزوج من نساء أهل البصرة فتزوج
جارية ولدت بالبصرة ونشأت بالكوفة واستوطنت
بها حنث الحالف في قول أبي حنيفة لأن المعتبر
عنده في هذه الولادة.
ولو حلف أن لا يتزوج من أهل بيت فلان فتزوج
بنت بنت فلان لا يحنث لأن هذا الاسم لا يتناول
أولاد البنات، ولو قال إن تزوجت امرأة إلى خمس
سنين فهي طالق فتزوج في السنة الخامسة طلقت
لأنها لا تنتهي قبل مضي السنة الخامسة كما لو
أجر داره إلى خمس سنين، ولو قال إن أكلت من
خبز والدي ما لم أتزوج فاطمة فكل امرأة
أتزوجها فهي طالق فأكل ثم تزوج فاطمة بعد
الأكل طلقت، ولو قال كل امرأة أتزوجها ما لم
أتزوج فاطمة فهي طالق فماتت فاطمة أو غابت
فتزوج غيرها طلقت في الغيبة، ولا تطلق في
الموت أما في الغيبة فلأنه ما تزوج فاطمة حال
بقاء اليمين فيحنث، وأما في الموت فلا يحنث في
قول أبي حنيفة ومحمد لأن عندهما يمينه تبطل
بالموت فلا يحنث بعده، ولو قال كل امرأة
أتزوجها فقد بعت طلاقها منك بدرهم ثم تزوج
بامرأة فقالت التي كانت عنده حين علمت بنكاح
غيرها قبلت أو قالت طلقتها أو قالت اشتريت
طلاقها طلقت التي تزوجها، وإن قالت التي كانت
عنده قبل أن يتزوج أخرى قبلت لا يصح قبولها
لأن ذلك قبول قبل الإيجاب اه.
وفي "الكافي" للحاكم: لو قال: يوم أتزوجك
فأنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق ثم تزوجها
طلقت واحدة في قول أبي حنيفة، وثلاثا عندهما،
ولو قال يوم أتزوجك فأنت طالق يوم أتزوجك فأنت
طالق يوم أتزوجك فأنت طالق ثم تزوجها طلقت
ثلاثا، وكذلك إن، وإذا، ومتى، وكلما، وإن قال
أنت طالق، وطالق، وطالق يوم أتزوجك ثم تزوجها
طلقت ثلاثا بخلاف ما إذا أخر الطلاق فإن
الأولى تقع فقط اه.
ثم قال لو قال إذا تزوجت امرأة فهي طالق فتزوج
امرأتين في عقدة واحدة فإحداهما طالق، والخيار
له، وإن نوى امرأة وحدها لم يدين في انقضاء،
ولو قال إن تزوجت امرأة وحدها لم تطلق واحدة
منهما فإن تزوج أخرى بعدها طلقت اه.
وفي "القنية" قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت
طالق من جهتي أو طلقتك صح، وصار كأنه قال إن
دخلت الدار، وتزوجتك فأنت طالق، ولو قال
لأجنبية إن ولدت فأنت طالق مني فتزوجها فولدت
طلقت اه. وهو مشكل، ولو زاد قوله من جهتي كما
لا يخفى.
"قوله وألفاظ الشرط إن، وإذا، وإذا ما، وكل،
وكلما، ومتى، ومتى ما" وهو في
اللغة كما في "القاموس" إلزام الشيء، والتزامه
في البيع ونحوه كالشريطة، والجمع شروط، وفي
المثل الشرط
ج / 4 ص -18-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أملك عليك أم لك، وبزغ الحجام بشرط، ويشرط
فيهما، والدون اللئيم السافل، والجمع أشراط،
وبالتحريك العلامة والجمع، وكل مسيل صغير يجيء
من قدر عشرة أذرع، وأول الشيء، وزال المال
وصغارها، والأشراف أشراط أيضا ضد اه.
وعند "الأصول"يين كما في "التلويح" تعليق حصول
مضمون جملة بحصول مضمون جملة، ويزاد في أن فقط
أي من غير اعتبار ظرفية ونحوها كما في إذا،
ومتى اه.
وفي "المعراج" الشروط شرعية وعقلية وعرفية
ولغوية فالشرعية كالوضوء وستر العورة واستقبال
القبلة وطهارة الثوب والمكان واليدين فيتوقف
وجود الصلاة عليها، ولا يلزم من وجودها وجود
الصلاة.
والعقلي: كالحياة مع العلم فيلزم من وجود
العلم الحياة من غير عكس.
والعرفية: ويقال لها الشرطية العادية كالسلم
مع صعود السطح فيلزم من الصعود وجوده من غير
عكس.
واللغوية: مثل التعليقات فيلزم من وجود الشرط
وجود المشروط قالوا، وهو حقيقة السبب، وبهذا
قال النحويون في الشرط، والجزاء مع السببية
للأول، والمسببية للثاني، والمعتبر من المانع
وجوده، ومن الشرط عدمه، ومن السبب وجوده وعدمه
اه. وقال قبله إنما قال ألفاظ الشرط دون حروفه
كما قال بعضهم لأن عامتها اسم كمتى، وإذا ا ه.
وليس مقصود المؤلف الحصر في الألفاظ الستة،
وقد ذكر في "جوامع الفقه" لو، ولولا، وفي "فتح
القدير": وإنما لم يذكر المصنف لو لأن مقصوده
ينافيه أعني التعليق/ على ما على خطر الوجود
لأنها أفادت تحقق عدمه فلا يحصل معنى اليمين،
ولعدم حصوله لم تذكر لما، وإن كان لو دخلت
فأنت طالق تعليق للطلاق كما ذكره التمرتاشي،
ويروى عن أبي يوسف لكنه ليس معناها الأصلي،
ولا المشهور، ولذا قال بعضهم لا يتعلق، وفي
الحاوي في فروعنا قال أنت طالق لو تزوجتك تطلق
إذا تزوجها، ولو قال أنت طالق لولا دخولك أو
لولا أبوك أو مهرك لا يقع، وكذا في الإخبار
بأن قال طلقتك أمس لولا كذا اه. ولا محل
للتردد لأن المذهب أن لو بمعنى الشرط قال في
"المحيط"، وكلمة لو بمعنى الشرط فإنها تستعمل
هذه الكلمة لأمر مترقب منتظر فصار بمعنى الشرط
الذي هو مترقب الثبوت، وعلى خطر الوجود فتوقف
عليه حتى لو قال لامرأته أنت طالق لو دخلت
الدار لم تطلق حتى تدخل، ولو قال أنت طالق لو
حسن خلقك سوف أراجعك طلقت الساعة لأن لو دخلت
على المراجعة. وكذا لو قدم أبوك راجعتك. وعن
ج / 4 ص -19-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي يوسف أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك فهذا
رجل حلف بطلاق امرأته ليطلقها إن دخلت الدار
فإذا دخلت لزمه أن يطلقها، ولا يقع إلا بموت
أحدهما كقوله إن لم آت البصرة ا ه.
وفي "المعراج"، وإنما لم يذكر المصنف كلمة لو
مع أنها للشرط وضعا ذكره في شرح "المفصل"1
باعتبار أنه يعمل عمل الشرط معنى لا لفظا،
وغيرها يعمل معنى ولفظا حتى تجزم في مواضع
الجزم، وفي غير مواضع الجزم لزم دخول الفاء في
جزائهن بخلاف لو انتهى، ولم يذكر من مع أنها
من الجوازم لفظا ومعنى، ومن مسائلها فرع غريب
في "المعراج" رجل قال لنسوة له من دخلت منكن
الدار فهي طالق فدخلت واحدة مرارا طلقت بكل
مرة لأن الدخول لما أضيف إلى جماعة فيراد به
تعميمه عرفا مرة بعد مرة كقوله تعالى{فَمَنْ
قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً} [المائدة: 95] فإنه أفاد عموم الصيد، ولهذا ذكر محمد في السير
الكبير لو قال لأمير من قتل قتيلا فله سلبه
فقتل واحد قتيلين فله سلبهما قيل لا حجة لمحمد
في الاستشهادين لأن الصيد في قوله:
{لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} [المائدة: 95] عام باعتبار اللام الاستغراقية، والقتيل عام لوقوعه
في سياق الشرط، ولو استشهد بقوله تعالى:
{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} [الأنعام: 68] الآية
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا} [الأنعام: 54] الآية فإن إذا في ذلك تفيد التكرار، وعن بعض
الحنابلة إن متى تقتضي التكرار، والصحيح أن
غير كلما لا يوجب التكرار اه.
والحاصل: أن أدوات الشرط إن، ومن، وما،
ومهما، وأي، وأين، وأنى، ومتى، ومتى ما، وحيث،
وحيثما، وإذا، وإذا ما، وأيان، وكيفما عند
الكوفيين، ولم يذكر النحاة كلا وكلما فيها
لأنهما ليسا من أدوات الشرط، وإنما ذكرهما
الفقهاء لثبوت معنى الشرط معهما، وهو التعليق
بأمر على خطر الوجود، وهو الفعل الواقع صفة
الاسم الذي أضيف إليه قالوا، وكلها جازمة إلا
لو وإذا، والمشهور إنه إنما يجزم بإذا في
الشعر، وكذا لو، والمراد بإن المكسورة فلو
فتحها تنجز، وهو قول الجمهور لأنها للتعليل،
ولا يشترط وجود العلة، وهذا مذهب البصريين،
واختاره محمد، ومذهب الكوفيين أنها بمعنى
إذاو، واختاره الكسائي، وهو منهم، وتمامه في
"المعراج".
وأشار بقوله: ألفاظ الشرط إلا أنه لا يتحقق
التعليق إلا بالفاء في الجواب في موضع وجوبها
إلا أن يتقدم الجواب فيتعلق بدونها على خلاف
في أنه حينئذ هو الجواب أو يضمر الجواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المفصل في النحو للعلامة جار الله أبي
القاسم محمود بن عنر الزمخشري المتوفى سنة
ثمان وثلاثين وخمسمائة ه جعله على أربعة أقسام
الأول: في الأسماء الثاني في الأفعال.
الثالث: في الحروف. الرابع في المشترك من
أحوالها. وله شروح كثيرة منها شرح ابن الحاجب
المسمى بالإيضاح وشرح ابن مالك وغيرهما. اه.
كشف الظنون "2/1774".
ج / 4 ص -20-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعده، والمقدم دليله، وأما الفقيه فنظره من
جهة المعنى فلا عليه من اعتبار الجواب كذا في
"فتح القدير"، وكون الأول هو الجواب مذهب
الكوفيين، وكونه دليلا عليه مذهب البصريين.
فإن قلت ما فائدة الاختلاف بين أهل البلدين
قلت يجوز عند البصريين ضربت غلامه إن ضربت
زيدا على أن ضمير غلامه لزيد لرتبة الجزاء عند
البصريين بعد الشرط، ولا يجوز عند الكوفيين
لرتبته قبل الأداة كما أشار إليه الرضي، وفي
"الألفية" لابن مالك.
واقرن بفا حتما جوابا لو جعل
شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل
وتوضيحه كما في المغني إنها واجبة في جواب لا
يصلح أن يكون شرطا قال وهو منحصر في ست مسائل
إحداها أن يكون الجواب جملة اسمية نحو:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الثانية: أن يكون فعلها جامدا نحو
{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الثالثة أن يكون فعلها إنشائيا نحو
{إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] الرابعة أن يكون فعلها ماضيا لفظا ومعنى نحو{إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] الخامسة أن يقترن بحرف الاستقبال نحو
{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ}
[المائدة: 54] ونحو
{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ
يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] السادسة أن يقترن بحرف له الصدر كرب، وإنما دخلت
في نحو
{وَمَنْ
عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}
[المائدة: 95] لتقدير الفعل خبر المحذوف
فالجملة اسمية، وقد مر أن إذا الفجائية تنوب
عن الفاء نحو
{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] وإن الفاء قد تحذف للضرورة كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها1
وعن المبرد أنه منع من ذلك حتى في الشعر، وزعم
أن الرواية من يفعل الخير فالرحمن يشكره، وعن
الأخفش أن ذلك واقع في النثر الفصيح، وإن منه
قوله تعالى
{إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] وتقدم تأويله.
وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرا، ومنه
حديث اللقط، "وإن جاء صاحبها، وإلا استمتع
بها"2 وكما تربط الفاء الجواب بشرطه كذلك تربط
شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو الذي
يأتيني فله درهم اه. ما في "المغني".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قائله: عبد الرحمان بن حسان بن ثابت
الأنصاري وقيل: هو لكعب بن مالك وهو من البحر
البسيط اه. شرح شواهد مغني اللبيب برقم "86".
2 أخرجه البخاري، كتاب اللقطة، باب إذا أخبره
رب اللقطة العلامة دفع إليه "2426". وأبو
داود، كتاب اللقطة، باب التعريف باللقطة
"1701" ومسلم، كتاب اللقطة "1723". وابن حبان
في صحيحه "4891".
ج / 4 ص -21-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر المرادي في "شرح الألفية" أحد عشر موضعا
لوجوب الاقتران بالفاء، وهي الجملة الاسمية
والفعلية الطلبية، والفعل غير المتصرف
والمقرون بالسين أو سوف أو قد أو منفيا بما أو
لن وإن، والمقرون بالقسم، والمقرون برب قال
فهذه الأجوبة تلزمها الفاء لأنها لا يصلح
جعلها شرطا، وخطب التمثيل سهل اه. وهذا لا
يخالف قول المغني إنها منحصرة في ست لأن حرف
الاستقبال شامل للسين، وسوف، ولن، وما له
الصدر شامل للقسم ورب.
والأضبط، والأخصر ما ذكره الرضي أنها واجبة في
أربعة مواضع أحدها الجملة الطلبية كالأمر،
والنهي، ضوالاستفهام، والتمني، والعرض،
والتحضيض، والدعاء. الثاني الجملة الإنشائية
كنعم وبئس، وما تضمن معنى إنشاء المدح والذم،
وكذا عسى، وفعل التعجب. والقسم الثالث الجملة
الاسمية. الرابع كل فعلية مصدرة بحرف سوى لا
ولم في المضارع سواء كان الفعل المصدر ماضيا
أو مضارعا ا ه. وظاهره أن الطلبية لا تدخل تحت
الإنشائية، ولذا صرح بعده بما يفيد التغاير
فقال إن الجملة الإنشائية متجردة عن الزمان،
والطلبية متمحضة للاستقبال، وتمامه فيه.
وفي "شرح التوضيح" من بحث الصلة الإنشائية ما
قارن لفظها معناها، والطلبية ما تأخر وجود
معناها عن وجود لفظها. ا ه. وهذا كله عند
النحاة، وأما في علم المعاني، والطلبية من
أقسام الإنشائية لأنها ما ليس لها خارج تطابقه
أو لا تطابقه، والخبرية ما لها خارج تطابقه أو
لا تطابقه، وبما قررناه ظهر أن قول الزيلعي إن
مواضعها سبع ونظمها بعضهم فقال:
طلبية واسمية وبجامد
وبما وقد ولن وبالتنفيس
قاصر عن الاستيفاء، وزيادة المحقق عليه في
"فتح القدير": ما ذكره المرادي ليس تحريرا،
والحق ما أسلفناه عن الرضي فإذا عرف ذلك تفرع
عليه أنه لو لم يأت بالفاء في موضع وجوبها
فإنه يتنجز كإن دخلت الدار أنت طالق فإن نوى
تعليقه دين، وكذا إن نوى تقديمه، وعن أبي يوسف
أنه يتعلق حملا لكلامه على الفائدة فتضمر
الفاء.
قلت الخلاف مبني على جواز حذفها اختيارا
فأجازه أهل الكوفة، وعليه فرع أبو يوسف ومنعه
أهل البصرة، وعليه تفرع المذهب، وقد حكى الرضي
خلاف الكوفيين كما ذكرناه فإن قلت يرد على
البصريين قوله تعالى
{وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ
لَمُشْرِكُونَ}
[الأنعام: 121] قلت قد أجاب عنه الرضي بأنه
بتقدير القسم، ويجوز أن يكون قوله تعالى
{وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ
حُجَّتَهُمْ}
الجاثية: 25] مثله أي بتقدير القسم، ويجوز أن
تكون إذ المجرد الوقت من دون ملاحظة الشرط كما
لم يلاحظ في قوله تعالى
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ
هُمْ يَنْتَصِرُون}،
وقوله
ج / 4 ص -22-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى
{وَإِذَا مَا
غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}
[الشورى: 37] ا ه.
ولو أجاب بالواو في موضع وجوب الفاء. تنجز،
وإن نوى تعليقه يدين. وفي "المعراج"، ولو نوى
تقديمه قيل يصح، وتحمل الواو على الابتداء،
وفيه ضعف لأن واو الابتداء لا تستعمل في أول
الكلام اه. وظاهر ما في "المحيط": أنه لو نوى
تعليقه لا يدين فإنه قال ولا تصح نية التعليق
أصلا لأنه يحتاج إلى إسقاط حرف الواو ثم إلى
إضمار حرف الفاء.، و لأن الإضمار إنما يصح متى
أظهر ما أضمر لا يختل الكلام، وهنا لو ظهر ما
أضمر اختل الكلام لأنه يصير إن دخلت الدار
فوأنت طالق، ولو لم يأت بحرف التعليق كأنت
طالق دخلت الدار تنجز لعدم التعليق، ولو قدم
الجواب، وأخر الشرط لكن ذكره بالواو، وكأنت
طالق، وإن دخلت الدار تنجز لأن الواو في مثله
عاطفة على شرط هو نقبض المذكور على ما عرف في
موضعه تقديره إن لم تدخلي، وإن دخلت، وإن هذه
هي الوصلية كذا في "فتح القدير"، وهو اختيار
لقول الجرمي، وهو ليس بمرضي عند الرضي لأنه
يلزمه إن يأتي بالفاء في "الاختيار" فتقول
زيد، وإن كان غنيا فبخيل لأن الشرط لا يلغى
بين المبتدأ والخبر اختيارا، وأما على ما
اخترنا من كون الواو اعتراضية فيجوز لأن
الاعتراضية بين أي جزأين من الكلام كانا بلا
فصل إذا لم يكن أحدهما حرفا ا ه. وقال قبله،
وشرط دخولها أن يكون ضد الشرط المذكور أولى
بذلك المقدم الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك
الشرط كقوله أكرمه، وإن شتمني فالشتم بعيد من
إكرامك الشاتم، وضده، وهو المدح أولى
بالإكرام، وكذلك اطلبوا العلم ولو بالصين،
والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في
مثله اعتراضية، ونعني بالجملة الاعتراضية ما
تتوسط بين أجزاء الكلام ومتعلقاته معنى
مستأنفا لفظا على طريق الالتفات إلى آخره.
وفي "المحيط": وذكر الكرخي أنه لو نوى بيان
الحال على معنى أنت طالق في حال دخولك تصح
نيته ديانة لا قضاء لأن الواو في مثله تذكر
للحال كقوله أنت طالق وأنت راكبة اه.
وقال الرضي، وعن الزمخشري في مثله/ الحال
فيكون الذي هو كالعوض عن الجزاء عاملا في
الشرط أيضا على أنه حال كما عمل جواب متى عند
بعضهم في متى النصب على أنه ظرفه، ومعنى
الظرفية والحال متقاربان. ولا يصح اعتراض
الجرمي عليه بأن معنى الاستقبال الذي في أن
يناقض معنى الحال الذي في الواو لأن حالية
الحال باعتبار عامله مستقبلا كان العامل أو
ماضيا نحو اضربه غدا مجردا أو ضربته أمس
مجردا، واستقبالية شرطان باعتبار زمن التكلم
فلا تناقض بينهما اه. كلام الرضي، وهو مؤيد
لقول الكرخي، ولو ذكره بالفاء كأنت طالق فإن
ج / 4 ص -23-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت الدار قال في "المعراج": لا رواية فيه.
ولقائل أن يقول تطلق لأن الفاء صارت فاصلة
ولقائل أن يقول لا تطلق لأن الفاء حرف التعليق
اه.
وفي "فتح القدير": "وقياس المذكور في حرف
الفاء في موضع وجوبها، وذكر الواو مع الجواب
أن يكون التنجيز موجب اللفظ إلا أن ينوي
التعليق لاتحاد "الجامع"، وهو عدم كون التعليق
إذ ذاك مدلول اللفظ فلا يثبت إلا بالنية،
والفاء، وإن كان حرف تعليق لكن لا يوجبه إلا
في محله فلا أثر له هنااه. وثم كالواو قال في
"المحيط": لو قال أنت طالق ثم إن دخلت الدار
طلقت للحال، ولا تصح نية التعليق أصلا لأنه لا
يحتمله لأن ثم للتعقيب مع الفصل، والتعليق
للوصل فكان بينهما مضادة اه.
ثم اعلم أن ما المذكورة بعد أداة شرط زائدة
قال الرضي وأما ما فتزاد مع الخمس كلمات
المذكورة إذا أفادت معنى الشرط نحو إذا ما
تكرمني أكرمك بغير الجزم، ومتى ما تكرمني
أكرمك بمعنى متى تكرمني، ولا تفيد ما معنى
التكرير، ولو أفادتها لم تكن زائدة فمن قال:
إن متى للتكرير فمتى ما مثله، ومن قال ليس
للتكرير فكذا متى ما، وأياما تفعل أفعل،
وأينما تكن أكن، فإما نذهبن بك وقد تدخل بعد
أيان أيضا قليلا، وليست في حيثما، وإذ ما
زائدة لأنها هي المصححة لكونهما جازمتين فهي
الكافة أيضا عن الإضافة اه. ذكره في بحث حروف
الزيادة، ولم يذكر هنا ما في كلما لكونها ليست
زائدة لإفادتها التكرار، ولذا قال: وتفيد كل
التكرار بدخول ما عليه دون غيره من أدوات
الشرط اه.
وفي "المحيط": وعن أبي يوسف لو قال أنت طالق
لدخلت الدار فهذا يخبر أنه دخل الدار، وأكده
باليمين فيصير كأنه قال إن لم أكن دخلت الدار
فإن لم يكن دخل الدار طلقت، ولو قال أنت طالق
لا دخلت الدار يتعلق بالدخول لأن لا حرف نفي،
وقد أكده بالدخول فكان الطلاق معلقا بالدخول،
ولو قال أنت طالق لدخولك الدار طلقت الساعة
لأن اللام للتعليل فقد جعل الدخول علة للوقوع
وجدت العلة أو لا.
ولو قال أنت طالق بدخولك الدار/ أو بحيضك لم
تطلق حتى تدخل أو تحيض لأن الباء للوصل
والإلصاق، وإنما يتصل الطلاق، ويلتصق بالدخول
إذا تعلق به، ولو قال أنت طالق على دخولك
الدار إن قبلت يقع، وإلا فلا لأنه استعمل
الدخول استعمال الأعواض فكان الشرط قبول العوض
لا وجوده كما لو قال أنت طالق على أن تعطيني
ألف درهم اه.
وفي "فتح القدير": ويقع في الحال بقوله أنت
طالق إن دخلت، وبقوله ادخلي الدار وأنت طالق
فيتعلق بالدخول لأن الحال شرط مثل أدي إلي
ألفا، وأنت طالق لا تطلق حتى تؤدي اه.
ج / 4 ص -24-
ففيها إن وجد الشرط انتهت اليمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتي في العتق أنه على القلب أي كوني طالقا
في حال الأداء، وكن حرا في حال الأداء، وقوله
لأن الحال شرط منقوض بأنت طالق، وأنت مريضة
فإنه يقع للحال فالتعليل الصحيح أن جواب الأمر
بالواو كجواب الشرط بالفاء كذا في "المعراج"
وفيه لو قال أدي إلي ألفا فأنت طالق بالفاء
يتنجز لأنها للتعليل كقوله افتحوا الأبواب،
وأنتم آمنون يتعلق، ولو قال فأنتم آمنون لا
يتعلق للتفسير، ولو قال أنت طالق: والله لا
أفعل كذا فهو تعليق، ويمين، ولو قال أنت طالق،
والله لا أفعل كذا طلقت في الحال ذكرهما في
"جوامع الفقه".
"قوله ففيها إن وجد الشرط انتهت اليمين" أي في
ألفاظ الشرط إن وجد المعلق عليه انحلت اليمين،
وحنث وانتهت لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار
لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط، ولا يتم بقاء
اليمين بدونه، وإذا تم وقع الحنث فلا يتصور
الحنث مرة أخرى إلا بيمين أخرى أو بعموم تلك
اليمين، ولا عموم.
وفي "المحيط": معزيا إلى "الجامع" الأصل أن
إضافة الجمع إلى الواحد يعتبر جمعا في حق
الواحد، والجمع المضاف إلى الجمع يعتبر آحادا
في حق الآحاد، ولا يعتبر جمعا في حق الآحاد
فلو قال إن دخلتما هذه الدار فلا بد من
دخولهما، وإن قال هاتين الدارين فدخلت كل
واحدة دارا على حدة طلقتا، ولو قال إن ولدتما
ولدا أو حضتما حيضة فولدت إحداهما أو حاضت
طلقتا لعدم إمكان الاجتماع بخلاف إن ولدتما أو
حضتما أو إن ولدتما ولدين أو حضتما حيضتين لا
بد من ولادة كل واحدة وحيضها، وكذا إن أكلتما
هذا الرغيف لا بد من أكلهما للإمكان، وإن قال
إن لبستما قميصين لا بد من لبسهما معا للحنث
فلا يحنث بلبسهما متفرقين بخلاف هذين القميصين
يحنث بلبسهما متفرقين كأن تغديت رغيفين يحنث
بأكلهما متفرقين بخلاف إن أكلت رغيفين لا بد
من أكلهما معا، وأفاد بإطلاقه أنه لو زاد على
إن أبدا فإنها لا تفيد التكرار كما لو قال إن
تزوجت فلانة أبدا فهي طلاق فتزوجها طلقت ثم
إذا تزوجها ثانيا لا تطلق كذا أجاب أبو نصر
الدبوسي كما في "فتح القدير": ، وعلله البزازي
في "فتاويه" بأن التأبيد ينفي التوقيت لا
التوحيد فيتأبد عدم التزوج، ولا يتكرر، ومن
مسائل أن ما في "الواقعات" "الحسامية"
و"المحيط": لو كان له أربع نسوة فقال لواحدة
منهن إن لم أبت عندك الليلة فالثلاث طوالق ثم
قال للثانية مثل ذلك ثم قال للثالثة مثل ذلك
ثم قال للرابعة مثل ذلك ثم بات عند الأولى وقع
عليها الثلاث لأنه انحل عليها ثلاثة أيمان،
ويقع على كل واحدة منهن ممن لم يبت عندهن
تطليقتان لأنه انحل على كل واحدة منها ثنتان،
ولو بات مع ثنتين وقع على كل واحدة منهما
تطليقتان، وعلى الأخريين على كل واحدة
ج / 4 ص -25-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منهما تطليقة يخرج على هذا الأصل أنه لو بات
مع الثلاث وقع على كل واحدة منهن تطليقة لأنه
انحل على كل واحدة منهن واحدة، وهي اليمين
التي عقدت على التي لم يبت عندها، ولا يقع على
هذه التي لم يبت عندها شيء لأن الأيمان التي
عقدت على الثلاث لم ينحل شيء منها على
الرابعة، وهي التي لم يبت عندها اه.
ومنها ما في "الخانية": إن دخلت الدار إن
دخلت الدار إن دخلت الدار فأنت طالق فهذه على
دخلة واحدة، ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق
إن دخلت فهذا على دخلتين، ولو قال إن قلت لك
أنت طالق فأنت طالق ثم قال قد طلقتك تطلق
ثنتين واحدة بالتطليق وواحدة باليمين اه.
والفرع الأخير يفيد أن قولهم إن التعليق يراعى
فيه اللفظ، ولا يقوم لفظ آخر مقامه يستثنى منه
المرادف له فإن قوله قد طلقتك مرادف لقوله أنت
طالق من جهة إفادة وقوع الطلاق،
ومنها ما في "الصيرفية": إن لم تمت فلانة غدا
فأنت طالق فمضى الغد، وهي حية يقع لإمكانه
بخلاف إن تكلمت الموتى حيث لا يقع لعدمه،
ومنها ما فيها أيضا قالت لزوجها لك مع فلانة
شغل، ولك معها حديث فقال إن كنت أعرف أنه رجل
أو امرأة فأنت كذا قال إن كان له معها حديث أو
شغل وقع، وإلا فلا لأن الاعتبار هنا للمعنى لا
للحقيقة، والمعنى ترك التعرض.
ومنها ما لو قال إن لم أكن اليوم في العالم أو
في هذه الدنيا فحلال الله علي حرام يحبس حتى
يمضي اليوم سواء حبسه القاضي أو الوالي أو في
بيت لأن الحبس يسمى نفيا قال تعالى
{أَوْ
يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}
[المائدة: 33] اه.
ومنها ما في "الخانية": أيضا لو قال أنت طالق
إن دخلت الدار ثلاثا ينصرف الثلاث إلى الطلاق
إلا أن ينوي الدخول، ولو قال أنت طالق إن دخلت
الدار عشرا فهي على الدخول عشر مرات لا إلى
الطلاق اه.
ومنها ما فيها أيضا قال إن لم أجامعها ألف مرة
فهي طالق قالوا هذا على المبالغة والكثرة دون
العدد، ولا تقدير في ذلك، والسبعون كثير اه.
ومنها ما فيها لو قال لامرأته إن تكوني امرأتي
فأنت طالق ثلاثا فإن لم يطلقها واحدة بائنة
متصلة بيمينه تطلق ثلاثا، ولو قال إن أنت
امرأتي فأنت طالق ثلاثا طلقت ثلاثا اه. ودل
اقتصاره على استثناء كلما أن من لا تقيد
التكرار فعلى هذا ما في "الغاية" لو قال لنسوة
له من دخلت منكن الدار فهي طالق فدخلت واحدة
منهن الدار مرارا طلقت بكل مرة تطليقة لأن
الفعل
ج / 4 ص -26-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به تعميم
الفعل عرفا مرة بعد أخرى كقوله تعالى:
{ومن قتله منكم متعمدا} [المائدة: 95] أفاد العموم، واستدل عليه بما ذكر في "السير
الكبير" إذا قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه
فقتل واحد قتيلين فله سلبهما اه. وهو مشكل لأن
عموم الصيد لكون الواجب فيه مقدرا بقيمة
المقتول، وفي السلب بدلالة الحال، وهو أن
مراده التشجيع، وكثرة القتل كذا في "التبيين"،
والحق أن ما في "الغاية" أحد القولين فقد نقل
القولين في القنية في مسألة صعود السطح، ودل
أيضا على أن إذا لا تفيد التكرار، وأما قوله
تعالى{وَإِذَا
رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] فإنما حرم القعود مع الواحد في كل مرة من العلة لا
من الصيغة كمن فيما تقدم لما فيهما من ترتيب
الحكم، وهو الجزاء في الأول، ومنع القعود على
المشتق منه، وهو القتل والخوض فيتكرر به كما
في "فتح القدير"، ودل أيضا على أن أيا لا تفيد
التكرار.
وفي "المحيط": وجوامع الفقه لو قال أي امرأة
أتزوجها فهو على امرأة واحدة بخلاف كل امرأة
أتزوجها حيث يعم بعموم الصفة اه. و استشكله في
التبيين و"فتح القدير": حيث لم يعم أي امرأة
أتزوجها بعموم الصفة، ولم يجيبا عنه. وقد ظهر
لي أنه لا إشكال فيه من حيث الحكم، وهو منقول
في "الخلاصة" و"الولوالجية" أيضا، وزاد في
"البزازية": إلا أن ينوي جميع النساء لأن
الصفة هنا ليست عامة لأن الفعل، وهو أتزوج
مسند إلى خاص، وهو المتكلم فهو نظير ما صرح به
"الأصول" يون في الفرق بين أي عبيدي ضربته لا
يتناول إلا واحدا، وبين أي عبيدي ضربك يعتق
الكل إذا ضربوا لأنه في الأول أسند إلى خاص،
وفي الثاني إلى عام بخلاف كل امرأة أتزوجها
فإن العموم إنما هو من كلمة كل لا من الوصف إذ
الوصف خاص كما قلنا، وإنما الإشكال في قوله
حيث تعم بعموم الصفة لأنها لا عموم لها فيهما
لا إن الإشكال لتسليم عمومها، وأنه ينبغي أن
يكون كذلك في أي كما فعلا فإن قلت هذا يقتضي
أنه لو قال أي امرأة زوجت نفسها مني فهي طالق
أن يتناول جميع النساء لأن الوصف هنا عام لأنه
لم يستند إلى معين فهو كقوله أي عبيدي ضربك بل
أولى لتنكير المضاف إليه قلت الحكم كذلك كما
في "الخلاصة" من الفصل الرابع في اليمين في
النكاح، ويدل على ما قررناه ما ذكره الحاكم في
"الكافي" لو قال لنسوة أيتكن أكلت من هذا
الطعام شيئا فهي طالق فأكلن جميعا منه طلقن
كلهن، وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار
فدخلنها، وكذلك لو قال أيتكن شاءت فهي طالق
فشئن جميعا. ولو قال أيتكن بشرتني بكذا[فهي
طالق]* فبشرنه جميعا طلقن، وإن بشرته واحدة
قبل الأخرى طلقت وحدها اه.
.....................
* ما بين معكوفتين ساقط من الأصل.
ج / 4 ص -27-
إلاّ في كلما لاقتضائه عموم الأفعال كاقتضاء
كل عموم الأسماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المحيط": لو قال لعبيده أيكم حمل هذه
الخشبة فهو حر فحملوها جميعا إن كانت الخشبة
بحيث يطيق حملها واحد لم يحنث لأن كلمة أي
تتناول الواحد المنكر من الجملة فكان شرط
الحنث حمل الواحد، ولم يوجد بكماله، وإن كانت
بحيث لا يحملها الواحد عتقوا لأن في العرف
يراد به حملهم على الشركة لما تعذر حملها على
الواحد فصار كأنه قال أيكم حملها مع أصحابه،
ونظيره لو قال أيكم شرب ماء هذا الوادي فشربوا
جميعا عتقوا لأن المراد منه شرب البعض عرفا
لأن شرب الكل متعذر فصار كأنه قال أيكم شرب
بعض هذا الماء فهو حر، ولو قال أيكم شرب ماء
هذا الكوز، وكان ماؤه يمكن شربه للواحد بدفعة
أو دفعتين فشربوا جميعا لم يعتق واحد منهم،
وإن حملها بعضهم يعتق لأن كلمة أي تتناول
واحدا منكرا من الجملة لكنها صارت عامة بعموم
الوصف، وهو الحمل فتتناول كل واحد على
الانفراد على سبيل البدل لا على العموم
والشمول بخلاف قوله إن حملتم هذه الخشبة فأنتم
أحرار فحملها بعضهم لم يعتق لأن اللفظ عام
بصيغته فيتناول الكل لعمومه فما لم يوجد الحمل
منهم لا يتحقق شرط الحنث اه. وبه علم أن قولهم
إنها تعم بعموم الوصف ليس على إطلاقه.
"قوله إلا في كلما لاقتضائها عموم الأفعال
كاقتضاء كل عموم الأسماء" لأن
كلمة كل موضوعة لاستغراق ما دخلت عليه كان ليس
معه غيره غير أن كلما تدخل على الأفعال، وكل
تدخل على الأسماء فيفيد كل منهما عموم ما دخلت
عليه فإذا وجد فعل واحد أو اسم واحد فقد وجد
المحلوف عليه فانحلت اليمين في حقه، وفي حق
غيره من الأفعال، والأسماء باقية على حالها
فيحنث كلما وجد المحلوف عليه غير أن المحلوف
عليه طلقات هذا الملك، وهي متناهية فالحاصل أن
كلما لعموم الأفعال، وعموم الأسماء ضروري
فيحنث بكل فعل حتى ينتهي طلقات هذا الملك، وكل
لعموم الأسماء، وعموم الأفعال ضروري، ولو قال
المصنف إلا في كل، وكلما لكان أولى لأن اليمين
في كل، وإن انتهت في حق اسم بقيت في حق غيره
من الأسماء كما سيأتي.
وفي "الولوالجية": الطلاق والعتاق متى علق
بشرط متكرر يتكرر. واليمين متى علق بشرط متكرر
لا يتكرر حتى لو قال كلما دخلت الدار فوالله
لا أكلم فلانا فدخلت الدار مرارا فكلمه بعد
ذلك لا يحنث إلا في يمين واحدة.
ولو قال كلما دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت
فلانا فدخل الدار مرارا ثم كلمه مرة يحنث في
الأيمان كلها، والفرق أن انعقاد اليمين بالله
ليس إلا ذكر اسم الله تعالى مقرونا
ج / 4 ص -28-
فلوقال: كلما تزوجت امرأة يحنث بكل امرأة،
ولو بعد زوج آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخبر وذكر اسم الله تعالى مقرون بخبر الدخول
والكلام فكما أن لانعقاد اليمين تعلقا بالدخول
كان لها تعلق بالكلام بدليل أنه لو قال إن
دخلت والله، ولم يقل لا أكلم لا ينعقد فلم
ينفسخ ليكن تصحيح اليمين بالله تعالى معلقا
بالدخول وحده، وإنما تصحيحها بالدخول والكلام
جميعا، والدخول متكرر، والكلام غير متكرر،
والمعلق بشرط متكرر، وغير متكرر لا يتكرر فأما
اليمين بالطلاق والعتاق، وغيرهما فعلق بالدخول
وحده ألا ترى أنه لو اقتصر عليه صح فلم يكن
لانعقاد اليمين تعلق بالكلام فيبقى اليمين
معلقا بالدخول وحده، والدخول يتكرر لأنه أدخل
فيه كلمة كلما، والمعلق بشرط متكرر يتكرر
فيصير قائلا عند كل دخلة إن كلمت فلانا
فامرأته طالق، ولو كرر هذه المقالة ثم كلمه
مرة يحنث في الأيمان كلها لأن الشرط الواحد
يصلح شرطا للأيمان كلها ا ه. وزاد البزازي على
الطلاق والعتاق الظهار.
وفي "المحيط": معزيا إلى "الجامع"أصله أن
الجزاء متى علق بشرط مكرر، وغير مكرر فإنه لا
يتكرر بتكرر المكرر، ولأن المعلق بشرطين لا
ينزل إلا عند وجودهما فلو قال كلما دخلت هذه
الدار فعلي حجة إن ضربتك فدخل مرارا، ولم
يضربه إلا مرة فإنه يلزمه الحج بعدد الدخلات
لأن المعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط
فكأنه قال عند كل دخلة علي حجة إن ضربتك بخلاف
ما لو ضربه، ودخل ثم دخل مرة أخرى فإنه لا
يلزمه حجة أخرى ما لم يضربه ثانيا، وكذلك لو
قال كلما دخلت الدار فامرأته طالق، وعبده حر
إن ضربت فلانا لأنه علق بشرط مكرر، وهو الدخول
عتقا أو طلاقا معلقا بالضرب ا ه.
"قوله فلو قال كلما تزوجت امرأة يحنث بكل
امرأة، ولو بعد زوج آخر "
بيان لبعض تفاريع كل، وكلما، وهي مسائل منها
مسألة الكتاب، ووجهه أن الشرط ملك يوجد في
المستقبل، وهو غير محصور، وكلما أوجد هذا
الشرط تبعه ملك الثلاث فيتبعه جزاؤه، وحاصل ما
ذهب إليه أبو يوسف أن كلما إنما توجب التكرار
في المعينة لا في غير المعينة بادعاء اتحاد
الحاصل بين كل، وكلما إذا نسب فعلها إلى منكر
متكرر لأن الحاصل كل تزوج لكل امرأة، وفي مثله
تنقسم الآحاد فلزم بالضرورة أنها إذا انحلت في
فعل انحلت في اسمه فلا يتكرر الحنث في امرأة
واحدة، وهو مردود لانقسام الآحاد على الآحاد
عند التساوي، وهو منتف لأن دائرة عموم الأفعال
أوسع لأن كثيرا من أفراده ما يتحقق بالتكرار
من شخص واحد، وقد فرض عمومه بكلما فلا يعتبر
كل اسم بفعل واحد فقط، ومنها لو قال كل امرأة
أتزوجها فهي طالق فكل امرأة تزوجها تطلق واحدة
فإن تزوجها ثانيا لا تطلق لاقتضائها عموم
الأسماء لا عموم الأفعال، ولو نوى بعض النساء
صحت نيته ديانة لا قضاء لأن نية تخصيص العام
خلاف الظاهر، وقال الخصاف تصح نيته في القضاء
أيضاً.
ج / 4 ص -29-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا مخلص لمن يحلفه ظالم فأخذ بقوله لا بأس
به لأن الحالة دلالة ظاهرة كذا في "المحيط":
والفتوى على ظاهر المذهب. وإن أخذ بقول الخصاف
إذا كان الحالف مظلوما فلا بأس به كذا في
"الولوالجية".
ومنها لو كان له أربع نسوة فقال كل امرأة تدخل
الدار فهي طالق فدخلت واحدة طلقت، ولو دخلن
طلقن فإن دخلت تلك المرأة مرة أخرى لا تطلق،
ولو قال كلما دخلت فدخلت امرأة طلقت، ولو دخلت
ثانيا تطلق، وكذا ثالثا فإن تزوجت بعد الثلاث،
وعادت إلى الأول ثم دخلت لم تطلق خلافا لزفر.
ومنها لو قال كلما تزوجت امرأة، ودخلت الدار
فهي طالق فتزوج امرأة مرتين ثم دخلت الدار لم
تطلق إلا مرة واحدة لأن قوله ودخلت عطف على
التزوج، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه، وكلمة
كلما توجب التكرار فصار الدخول مكررا أيضا
بخلاف ما لو قال كلما تزوجت امرأة فهي طالق إن
دخلت الدار فتزوجها مرارا، ودخلت مرة طلقت
ثلاثا لأنه لم يعطفه على الشرط المتكرر، وإنما
جعله شرطا بإن، وهي لا تفيد التكرار فصار
الدخول شرط الحنث في الأيمان كلها كذا في
"المحيط". ومنها لو قال كلما تزوجت امرأة فهي
طالق وعبد من عبيدي حر فتزوج امرأة طلقت، وعتق
عبد من عبيده، ولو تزوج أخرى طلقت، ولا يعتق
عبد من عبيده كذا ذكره الإسبيجابي.
وأصله أن الكلام إذا كان تاما مستقلا بنفسه
يؤخذ حكمه من نفسه لا من غيره، وإن كان ناقصا
غير مستقل بنفسه، ولا مفهوم المعنى بذاته يؤخذ
حكمه من غيره لئلا يلغو بنفسه، والكناية لا
تستقل بنفسها فأخذ حكمها من المكنى عنه،
والصريح معتبر بنفسه فلو قال كل امرأة لي تدخل
الدار فهي طالق، وعبد من عبيدي حر فدخلن طلقن،
ولم يعتق إلا عبد واحد لأن العبد صريح مستقل
بنفسه فلم ينعطف على الأول، وأنه نكرة في
الإثبات فيخص. ولو قال كلما، والمسألة بحالها
عتق أربعة عبيد لأن كلما أوجبت تعميم الفعل
فصار كل دخول شرطا على حدة، وعتق العبد معلق
بالدخول، ومن ضرورة تكرار الشرط تكرر الجزاء
حتى يفيد، ومن ضرورة تكرار الجزاء تعميم
الاسم، ولو قال كل جارية لي تدخل فهي حرة
وولدها، وعبد من عبيدي حر فدخلن جميعا عتقن
وعتق الأولاد كلهم، ولم يعتق إلا عبد واحد،
ولو قال كل دار دخلتها فعلي حجة فدخل دورا لم
يلزمه إلا حجة لأنه صرح بالحجة، وهي نكرة في
الإثبات فتخص، ولم يقترن بها ما يوجب تعميمها،
ولم يعلقها بشرط مكرر فإن الدخول غير مكرر لأن
كلمة كل تجمع الأسماء دون الأفعال، ولو قال
فعلي بها حجة لزمه بكل دار حجة، وتمامه في
"المحيط": إلا أنه يشكل
ج / 4 ص -30-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بفرع الإسبيجابي، ولعل الصواب في عبارة
الإسبيجابي كل امرأة أتزوجها دون كلما كما لا
يخفى.
ومنها ما في "الكافي" وغيره لو قال كلما نكحتك
فأنت طالق فنكحها في يوم ثلاث مرات، ووطئها في
كل مرة طلقت طلقتين، وعليه مهران ونصف، وقال
محمد بانت بثلاث، وعليه أربعة مهور ونصف. ولو
قال كلما نكحتك فأنت طالق بائن فنكحها ثلاث
مرات في يوم، ووطئ في كل مرة بانت بثلاث
إجماعا، وعليه خمسة مهور ونصف، وتوضيحه فيه.
ومنها ما لو قال كلما دخلت هذه الدار فامرأتي
طالق، وله أربع نسوة فدخلها أربع مرات، ولم
يعين واحدة منهن بعينها يقع بكل دخلة واحدة إن
شاء فرقها عليهن، وإن شاء جمعها على واحدة،
ولو قال كلما دخلت هذه الدار، وكلمت فلانا أو
فكلمت فلانا فعبد من عبيدي حر فدخلت مرارا،
وكلمت مرة لم يعتق إلا عبد واحد، ولو قال كلما
دخلت هذه الدار فإن كلمت فلانا فأنت طالق
فدخلت ثلاثا ثم كلمت فلانا طلقت ثلاثا، ولو
قال كلما دخلت هذه الدار فكلما كلمت فلانا
فأنت طالق فاليمين الثانية تصير معلقة
بالدخول، وإذا دخلت الدار انعقدت اليمين
الثانية فإذا كلمت فلانا ثلاث مرات بعد ذلك
طلقت ثلاثا كذا في "المحيط".
ومنها ما في "الخانية": و"المحيط": رجل له
أربع نسوة فقال كل امرأة لم أجامعها منكن
الليلة فالأخريات طوالق فجامع واحدة منهن،
وطلع الفجر طلقت المجامعة ثلاثا لأنها مطلقة
بترك جماعه كل واحدة منهن، وسائرهن طلقن كل
واحدة ثنتين لأن في حق سائرهن ترك جماع
امرأتين في حق كل واحدة سواها، وعلى هذا
القياس فافهم.
ومنها ما في "الخانية": قال كلما قعدت عندك
فامرأته طالق فقعد عنده ساعة طلقت ثلاثا لأن
الدوام على القعود، وعلى كل ما يستدام بمنزلة
الإنشاء، ولو قال كلما ضربتك فأنت طالق فضربها
بيديه جميعا طلقت ثنتين، وإن ضربها بكف واحد
لا تطلق إلا واحدة. وإن وقعت الأصابع متفرقة
لأن في اليدين تكرار الضرب لأن الضرب بكل يد
ضربة على حدة فكان ذلك بمنزلة الضرب بضغث واحد
أما في الوجه الثاني لم يتكرر الضرب لأن الأصل
في الضرب هو الكف، والأصابع تبع لها فلم يتعدد
الضرب فلو قال لامرأته كلما طلقتك فأنت طالق
فطلقها واحدة يقع طلاقان طلاق بالتطليق، وطلاق
بقوله كلما طلقتك فأنت طالق، ولو قال كلما وقع
عليك طلاقي فأنت طالق فطلقها واحدة طلقت ثلاثا
اه.
ومنها ما في" "المحيط": ثم المنعقد بكلمة
كلما يمين واحدة للحال. ويتجدد انعقادها مرة
بعد أخرى كلما حنث في يمينه أما أيمان منعقدة
على رواية "الجامع"أيمان منعقدة للحال انحلت
بعضها، وبقي بعضها منعقدة بعد الحنث إلى أن
يوجد شرطها، وعلى رواية "المبسوط" المنعقدة
ج / 4 ص -31-
وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحال يمين واحدة، ويتجدد انعقادها مرة بعد
أخرى كلما حنث لأن الجزاء لم يذكر إلا مرة،
وهو المعتبر. وجه رواية "الجامع" أن كلما
بمنزلة تكرار الشرط والجزاء والفتوى على رواية
"الجامع" لأنه أحوط اه.
ولم يذكر ثمرة الاختلاف، وينبغي أن تظهر
الثمرة فيما إذا حلف بالطلاق لا يحلف بأن قال
كلما حلفت فأنت طالق ثم علق بكلمة كلما فعلى
رواية "الجامع" يقع الآن الثلاث، وعلى رواية
"المبسوط" يقع الآن واحدة، وأما إذا حلف بالله
أن لا يحلف فينبغي أن تجب كفارة واحدة للحال
اتفاقا لأنه لا يعلم ما زاد على اليمين
الواحدة.
وفي "البزازية": من كتاب القضاء لو قال
لامرأة كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها
ورفع الحال إلى حاكم يرى صحة النكاح فقضى بها
ثم طلقها ثلاثا ثم تزوجها بعد دخول زوج آخر
اختلف المشايخ في أنه هل يحتاج إلى القضاء
ثانيا بناء على أن المنعقدة بكلمة كلما للحال
يمين واحدة يتجدد انعقادها كلما وقع الحنث،
وهو رواية الأصل أم المنعقدة بها في الحال
أيمان كما هو رواية "الجامع"، وهو الأصح فيحنث
في البعض لوجود الشرط، وتبقى الباقية منعقدة
فمن قال بهذا شرط القضاء ثانيا، ومن قال
بالأول لم يشترط القضاء ثانيا اه. وهذا بيان
ثمرة الاختلاف في المعلق بالتزوج لا مطلقا.
"قوله وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها"
لأنه لم يوجد الشرط، والجزاء باق لبقاء محله
فتبقى اليمين، وسيأتي1 أن زوال الملك بالثلاث
مبطل للتعليق فكان مراده هنا الزوال بما دون
الثلاث بأن طلقها بعد التعليق واحدة أو ثنتين
فانقضت عدتها ثم تزوجها ثم وجد الشرط طلقت.
أطلق الملك فشمل ملك النكاح، وملك اليمين حتى
لو قال لعبده إذا دخلت الدار فأنت حر فباعه ثم
اشتراه فدخل عتق، وقيد بزوال الملك لأن زوال
إمكان البر المصحح للتعليق مبطل له أيضا،
وتفرع على ذلك فروع.
منها ما في "البزازية": قال لها إن لم أدفع
إليك الدينار الذي علي إلى شهر فأنت كذا
فأبرأته قبل الشهر بطل اليمين اه.
ومنها ما في القنية إن لم تردي ثوبي الساعة
فأنت طالق فأخذه هو قبل أن تدفع إليه لا يحنث،
وقيل يحنث، وهكذا إن لم تجيئي بفلان فأنت طالق
فجاء فلان من جانب آخر بنفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "34".
ج / 4 ص -32-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحاصل أنه متى عجز عن الفعل المحلوف عليه،
واليمين موقتة بطلت عند أبي حنيفة ومحمد خلافا
لأبي يوسف دعا امرأته إلى الوقاع فأبت فقال
متى يكون فقالت غدا فقال إن لم تفعلي هذا
المراد غدا فأنت طالق ثم نسياه حتى مضى الغد
لا يحنث. حلف ليخرجن ساكن داره اليوم، والساكن
ظالم غالب يتكلف في إخراجه فإن لم يمكنه
فاليمين على التلفظ باللسان اه.
وذكر قبله فيها فروعا تحتاج إلى التوفيق حلف
إن لم يخرب بيت فلان غدا فقيد، ومنع فلم يخربه
حتى مضى الغد اختلف فيه، والمختار للفتوى
الحنث.
قال لها، وهي في بيت أمها إن لم أذهب بك إلى
داري فأنت طالق ثم أخرجها من دار أمها فهربت
منه فلم يقدر على أخذها وقع. حلف لا يسكن فلم
يقدر على الخروج إلا بطرح نفسه عن الحائط
بعدما أوثق لم يحنث، ولو وجد الباب مغلقا لم
يمكنه ففي حنثه قولان ولو قال: إن لم أخرج من
هذا المنزل اليوم فقيد ومنع حنث. وكذا لو قال
لها في منزل والدها إن لم تحضري في منزلي
الليلة فأنت طالق فمنعها الوالد من الحضور
تطلق هو المختار، ولو قال لأصحابه إن لم أذهب
بكم الليلة إلى منزلي فذهب بهم بعض الطريق
فأخذهم العسس فحبسهم لا يحنث. إن لم أعمل هذه
السنة في المزارعة بتمامها فمرض ولم يتم حنث،
ولو حبسه السلطان لا يحنث اه.
أقول: إن قوله إن لم أخرب، وإن لم أذهب بك،
وإن لم أخرج، وإن لم تحضري منزلي سواء في أن
القيد والمنع لا يمنع الحنث لأنه إكراه،
وللإكراه تأثير في الفعل بالإعدام كالسكنى لا
في العدم، والمعلق عليه في هذه المسائل العدم
فلم يؤثر فيه الإكراه، وإنما يشكل مسألة العسس
فإن الشرط العدم، وقد أثر فيه الحبس، وكذا
يشكل مسألة إن لم أعمل هذه السنة فإن الشرط
العدم، وقد أثر فيه حبس السلطان.
ومنها ما في "الخانية": امرأة دفعت من كيس
زوجها درهما فاشترت به لحما، وخلط اللحام
الدرهم بدراهمه، وقال لها الزوج إن لم تردي
علي ذلك الدرهم اليوم فأنت طالق فمضى اليوم
وقع الطلاق لوجود شرطه فإن أراد الحيلة للخروج
عن اليمين أن تأخذ المرأة كيس اللحام وتسلمه
إلى الزوج اه. وذكر قبله رجل دفع إلى امرأته
درهما ثم قال ما فعلت بالدرهم فقالت اشتريت به
اللحم فقال الزوج: إن لم تردي علي ذلك الدرهم
فأنت طالق وقد ضاع الدرهم من يد القصاب قالوا
ما لم يعلم أنه أذيب ذلك الدرهم أو سقط في
البحر لا يحنث اه.
ومفهومه أنه إذا لم يمكن رده فإنه يحنث، فعلم
به أن قولهم يشترط لبقاء اليمين إمكان البر
ج / 4 ص -33-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنما هو، وفي المقيدة بالوقت فعدمه مبطل لها
أما المطلقة فعدمه موجب للحنث.
والحاصل: أن إمكان البر شرط لانعقاد اليمين
مطلقا مطلقة كانت أو مقيدة، وأما في البقاء
فإن كانت مقيدة فيشترط بقاء إمكان البر
لبقائها، وإن كانت مطلقة فلا، ولذا قال في
الكتاب من باب اليمين في الأكل والشرب إن لم
أشرب ماء هذا الكوز اليوم فكذا، ولا ماء فيه
أو كان فصبت أو أطلق، ولا ماء فيه لا يحنث،
وإن كان فصبه حنث اه. وسنوضحه إن شاء الله
تعالى.
وفي "الخانية": رجل قال لأصحابه إن لم أذهب
بكم الليلة إلى منزلي فامرأته طالق فذهب بهم
بعض الطريق فأخذهم اللصوص، وحبسوهم قالوا لا
يحنث في يمينه، وهذا الجواب يوافق قول أبي
حنيفة ومحمد أصله مسألة الكوز اه. بقي ههنا
مسألتان كثر وقوعهما الأولى حلف بالطلاق
ليؤدين له اليوم كذا فعجز عن الأداء بأن لم
يكن معه شيء، ولا وجد من يقرضه الثانية: ما
يكتب في التعاليق أنه متى نقلها أو تزوج
عليها، وأبرأته من كذا مما لها عليه فدفع لها
جميع ما عليه قبل الشرط فهل تبطل اليمين
فالجواب أن قوله في "القنية" أنه متى عجز عن
المحلوف عليه، واليمين موقتة فإنها تبطل يقتضي
بطلانها في الحادثة الأولى إلا أن يوجد نقل
صريح بخلافه، وأما الثانية فقد يقال إن
الإبراء بعد الأداء ممكن فإنه لو دفع الدين*
إلى صاحبه ثم قال الدائن للمديون قد أبرأتك
براءة إسقاط. قال في "الذخيرة" صح الإبراء،
ويرجع المديون بما دفعه ذكره في كتاب البيوع
في مسألة الإبراء من الثمن، والحط منه إلا أن
يوجد نقل بخلافه فيتبع. وفي "المحيط": قبيل
القسم الخامس في الطاعات، والمحرمات من كتاب
الأيمان لو قال لامرأته إن كنت زوجتي غدا فأنت
طالق ثلاثا فجلعها في الغد إن نوى بذلك كونها
امرأة له في بعض النهار تطلق، وإن لم يكن له
نية لم تطلق لأن البر إنما يتصور في آخر
النهار، ولو خلعها قبل غروب الشمس ثم تزوجها
قبل غروب الشمس طلقت لأنها امرأته قبل الغروب،
ولو خلعها قبل الغروب ثم تزوجها بعد الغروب
كانت امرأته، وبر في يمينه لأنه لم تكن امرأته
قبل الغروب اه.
وفي "القنية": إن سكنت في هذه البلدة فامرأته
طالق، وخرج على الفور، وخلع امرأته ثم سكنها
قبل انقضاء العدة لا تطلق لأنها ليست بامرأته
وقت وجود الشرط اه. فقد بطلت اليمين بزوال
الملك هنا فعلى هذا يفرق بين كون الجزاء فأنت
طالق، وبين كونه فامرأته طالق لأنها بعد
البينونة لم تبق امرأته فليحفظ هذا فإنه حسن
جدا، وفي "القنية"/ أيضا إن فعلت كذا فحلال
الله علي حرام ثم قال: إن فعلت كذا فحلال
الله علي حرام ففعل أحد الفعلين حتى بانت
امرأته، ثم
..........
* العبارة في الأصل الدينار.
ج / 4 ص -34-
فإن وجد الشرط في الملك طلقت، وانحلت اليمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعل الآخر فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست
بامرأته عند وجود الشرط، وقيل يقع، وهو الأظهر
اه. فعلى الأظهر قوله حلال الله علي حرام مثل
أنت طالق، والأظهر عندي أنه مثل امرأتي طالق
كما لا يخفى. فإن قلت قد جعلوا زوال الملك
مبطلا لليمين فيما لو حلف لا تخرج امرأته إلا
بإذنه فخرجت بعد الطلاق وانقضاء العدة لم
يحنث، وبطلت اليمين بالبينونة حتى لو تزوجها
ثانيا ثم خرجت بلا إذن لم يحنث لا يقال إن
البطلان لتقييده بامرأته لأنها لم تبق امرأته
لأنا نقول لو كان لإضافتها إليه لم يحنث فيما
لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها
وانقضت عدتها وخرجت، وفيما لو قال إن قبلت
امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة مع
أنه يحنث فيهما كما في "المحيط": معللا بأن
الإضافة للتعريف، لا للتقييد.
قلت اليمين مقيدة بحال ولاية الإذن، والمنع
بدلالة الحال، وذلك حال قيام الزوجية فسقط
اليمين بزوال النكاح كما لو حلف لا يخرج إلا
بإذن غريمه فقضى دينه ثم خرج لم يحنث بخلاف ما
إذا حلف لا يخرج إلا بإذن فلان، وليس بينهما
معاملة لأنها مطلقة كما في "المحيط": من باب
اليمين على الفور أو التراخي.
ثم اعلم أن مما يبطل التعليق ارتداد الزوج،
ولحاقه بدار الحرب عنده خلافا لهما حتى لو
دخلت الدار بعد لحاقه، وهي في العدة لا تطلق
حتى لو جاء ثانيا مسلما فتزوجها ثانيا لا ينقص
من عدد الطلاق شيء كذا في شرح "المجمع"
للمصنف، والبطلان عنده لخروج المعلق عن
الأهلية لا لزوال الملك. فلو قال المؤلف،
وزوال الملك بغير ارتداد، وثلاث لا يبطلها
لكان أولى باليمين لأن زوال الملك بعد الأمر
باليد يبطله لما في القنية لو قال لها أمرك
بيدك ثم اختلعت منه وتفرقا ثم تزوجها ففي بقاء
الأمر بها روايتان، والصحيح أنه لا يبقى. قال
لها إن غبت عنك أربعة أشهر فأمرك بيدك ثم
طلقها، وانقضت عدتها، وتزوجت ثم عادت إلى
الأول، وغاب عنها أربعة أشهر فلها أن تطلق
نفسها اه. والفرق بينهما أن الأول تنجيز
للتخيير فيبطل بزوال الملك، والثاني تعليق
التخيير فكان يمينا فلا يبطل.
"قوله: فإن وجد الشرط في الملك طلقت وانحلت
اليمين" لأنه قد وجد الشرط،
والمحل قابل للجزاء فينزل، ولم تبق اليمين لأن
بقاءها ببقاء الشرط والجزاء، ولم يبق واحد
منهما، وفي القنية قال لها إن خرجت من الدار
إلا بإذني فأنت طالق فوقع فيها غرق أو حرق
غالب/ فخرجت لا يحنث اه.
مع كون الشرط قد وجد، ولكن الشرط الخروج بغير
إذنه لغير الغرق والحرق، وفيها قبيل "النفقة"
قال لزوجته الأمة: إن دخلت الدار فأنت طالق
ثلاثا ثم أعتقها مولاها فدخلت وقع ثنتان
ج / 4 ص -35-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "جامع الكرخي": طلقت ثنتين، وملك الزوج
الرجعة. له امرأة جنب وحائض ونفساء فقال
أخبثكن طالق طلقت النفساء، وفي أفحشكن على
الحائض لأنه نص اه.
أطلق الملك فشمل ما إذا وجد في العدة كما
قدمناه قبيل باب التفويض، وليس مراده أن يوجد
جميع الشرط في الملك بل الشرط تمامه فيه حتى
لو قال لها إذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت
الأولى في غير ملك، والثانية في ملك طلقت،
وكذلك إن تزوجها قبل أن تطهر من الحيضة
الثانية بساعة أو بعد ما انقطع عنها الدم قبل
أن تغتسل، وأيامها دون العشرة فإذا اغتسلت أو
مضى عليها وقت صلاة طلقت لأن الشرط قد تم، وهي
في نكاحه. وكذا لو قال إن أكلت هذا الرغيف
فأنت طالق فأكلت عامة الرغيف في غير ملكه ثم
تزوجها فأكلت ما بقي منه طلقت لأن الشرط تم في
ملكه، والحنث به يحصل كذا في "المبسوط"،
وسيصرح بأن الملك يشترط لآخر الشرطين، وكلامنا
هنا في الشرط الواحد، وفي "البزازية": أنت
طالق إن فعلت كذا، وكذا لا تطلق ما لم يوجد
الكل، وإن كرر حرف الشرط إن أكلت أو شربت إن
قدم الجزاء فأي شيء وجد منها يقع الطلاق،
وترتفع اليمين، وإن أخر الطلاق لا يقع ما لم
توجد الأمور على قول محمد، وعلى قول أبي يوسف
إذا وجد واحد يقع الطلاق، ويرتفع اليمين اه.
ومما يناسب قوله فإن وجد الشرط طلقت ما في
"المحيط": من باب الأيمان التي يكذب بعضها
بعضا إذا حلف المدعى عليه بالطلاق فقال امرأته
طالق إن كان لك علي ألف، وبرهن المدعي، وقضى
به حنث الحالف عند أبي يوسف، وهي رواية عن
محمد، وعنه أنه لا يحنث، ولو برهن على إقرار
المدعي بألف ذكر في "واقعات الناطفي" أنه لا
يحنث.
ولو حلف رجلان في أيديهما دار حلف كل أن الدار
داره، وبرهنا كانت بينهما ويحنثان، وإن كانت
في يد أحدهما حنث صاحب اليد لتقديم بينة
الخارج عليه. حلف بالله أنه لم يدخل هذه الدار
اليوم ثم قال عبده حر إن لم يكن دخلها اليوم
لا كفارة، ولا يعتق عبده لأنه إن كان صادقا في
اليمين بالله تعالى لم يحنث، ولا كفارة، وإن
كان كاذبا فهو يمين الغموس فلا توجب الكفارة،
واليمين بالله تعالى لا مدخل لها في القضاء
فلم يصر فيها مكذبا شرعا فلم يتحقق شرط الحنث
في اليمين بالعتق، وهو عدم الدخول حتى لو كانت
اليمين الأولى بعتق أو طلاق حنث في اليمينين
لأن لها مدخلا في القضاء. ولو ادعى على رجل
دينا فحلف المدعى عليه بالطلاق ما له عليه شيء
فأقام المدعي البينة، وقضي به له ينظر إن قال
كان له علي دين، وأوفيته لم تطلق امرأته، وإن
قال لم يكن له علي شيء قط طلقت امرأته، وتمامه
فيه.
ثم اعلم أن ههنا مسائل في الأيمان تحمل على
المعنى دون ظاهر اللفظ منها لو قال:
ج / 4 ص -36-
وإلا لا، وانحلت، وإنْ اختلفا في وجود الشرط
فالقول له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سكران لآخر: إن لم أكن عبدا لك فامرأته طالق
ثلاثا لا يحنث إن كان متواضعا له، ومنها إن
وضعت يدك على المغزل فكذا فوضعت يدها عليه،
ولم تغزل لا يحنث، ومنها إن دفعت لأخيك شيئا،
ودفع إليها أرزا لتدفع لا يحنث، ومنها خرج من
داره، وحلف لا يرجع ثم رجع لشيء نسيه في داره
لا يحنث كذا في القنية، وفيها لو قال لامرأتين
له أطولكما حياة طالق لا تطلق في الحال فلو
كانت إحداهما بنت ستين سنة، والأخرى بنت عشرين
سنة فماتت العجوز قبل الشابة طلقت الشابة في
الحال، ولا يستند خلافا لزفر قال رحمه الله،
ولو ماتتا معا لا تطلق واحدة منهما. إن لم
تخرج الفساق من النار فأنت طالق ثلاثا لا تطلق
لتعارض الأدلة اه. وفيها دعا امرأته إلى
الوقاع فأبت فقال متى يكون قالت غدا فقال إن
لم تفعلي لي هذا المراد غدا فأنت طالق ثم
نسياه حتى مضى الغد لا يحنث اه. وهذا يستثنى
من قولهم إذا فعل المحلوف عليه ناسيا يحنث،
والجواب إن الحنث شرطه أن يطلب منها غدا
وتمتنع، ولم يطلب فلا استثناء.
"قوله وإلا لا، وانحلت" أي:
إن لم يوجد الشرط في الملك لا يقع الطلاق،
وتنحل اليمين إن وجد في غير الملك، وأما بمجرد
عدم الشرط في الملك لا تنحل ثم اعلم أنه تعتبر
الأهلية وقت التعليق قال في "القنية"، وفي
"الطريقة الرضوية"1 أجمعنا أن الأهلية في
تعليق الطلاق تعتبر وقت اليمين لا وقت الشرط
حتى لو كان مفيقا وقت اليمين مجنونا وقت الشرط
يصح ويقع، وعلى العكس لا يصح اليمين اه.
"قوله وإن اختلفا في وجود الشرط فالقول له"
أي: للزوج لأنه منكر وقوع الطلاق، وهي تدعيه،
وهذا أولى من التعليل بأنه متمسك بالأصل لأن
الأصل عدم الشرط، والقول لمن يتمسك بالأصل لأن
الظاهر شاهد له اه. لأنه لا يشمل ما إذا كان
الظاهر شاهدا لها، والحكم قبول قوله مطلقا
فلذا لو قال لهما إن لم تدخلي هذه الدار اليوم
فأنت طالق فقالت لم أدخلها، وقال الزوج بل
دخلتيها فالقول له، وإن كان الظاهر شاهدا لها،
وهو أن الأصل عدم الدخول لكونه منكرا، وأقوى
منه لو قال لها إن لم أجامعك في حيضتك فالقول
له أنه جامعها مع أن الظاهر شاهد لها من وجهين
كون الأصل عدم العارض، وكون الحرمة مانعة له
من الجماع قيد بالشرط لأن الاختلاف لو كان في
وقت المضاف كان القول لها كما إذا قال لها أنت
طالق للسنة ثم قال جامعتك، وهي طاهرة لا يقبل
قوله بخلاف ما إذا كانت حائضا لأنه يمكنه
إنشاء الجماع فيه، وإن لم يجز شرعا أما إذا
كانت طاهرة فلكونه اعترف بالسبب لما قدمنا أن
المضاف ينعقد سببا للحال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي للإمام رضي الدين النيسابوري، المؤيد بن
محمد بن علي الطوسي، والكتاب ثلاث مجلدات
اختصره مسعود بن محمد المعروف بإمام زاده اه.
كشف الظنون "2/1113".
ج / 4 ص -37-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف المعلق، في "الكافي" من هذا الباب لو
قال لامرأته الموطوءة أنت طالق للسنة لا يقع
إلا في طهر خال عن الطلاق والوطء عقيب حيض خال
عن الطلاق والوطء فإذا حاضت وطهرت، وادعى
الزوج جماعها وطلاقها في الحيض لا يقبل قوله
في منع الطلاق السني لانعقاد المضاف سببا
للحال، وإنما يتراخى حكمه فقط فدعوى الطلاق أو
الجماع بعده دعوى المانع فلا يقبل قوله في منع
وقوع الطلاق في الطهر لكن يقع طلاق آخر
بإقراره بالطلاق في الحيض، وإن ادعى الطلاق أو
الجماع، وهي حائض صدق.
ولو قال إن لم أجامعك في حيضتك فأنت طالق
فادعى الجماع في الحيض لا تطلق لأنه علق
الطلاق بصريح الشرط، لمعلق بالشرط إنما ينعقد
سببا عند الشرط لما عرف فإذا أنكر الشرط فقد
أنكر السبب فيقبل قوله وكذا لو قال والله لا
أقربك أربعة أشهر فمضت المدة ثم ادعى قربانها
في المدة لا يقبل لأن الإيلاء سبب في الحال
لكن تراخى وقوع الطلاق إلى مضي المدة، وقد مضت
المدة، ووقع ظاهرا/ فدعوى القربان في المدة
دعوى المانع فلا يقبل، ولو ادعى القربان قبل
مضي المدة يقبل قوله لأنه لم يقع الطلاق بعد،
وقد أخبر عما يملك إنشاءه فيقبل قوله وإن قال
إن لم أقربك في أربعة أشهر فأنت طالق فمضت
المدة ثم ادعى القربان في المدة لا يقع لأنه
علق الطلاق بصريح الشرط فمتى أنكر الشرط فقد
أنكر السبب فيقبل قوله.
وإن قال عبده حر إن طلقتك ثم خيرها فقالت
اخترت نفسي في المجلس، وادعى أنك أخذت في عمل
آخر قبل "الاختيار"، وأنكرت وقع الطلاق والعتق
لأن سبب الطلاق وجد، والظاهر وقوعه فدعواه
الإعراض دعوى المبطل فلا يقبل، وإذا ثبت
الطلاق ثبت العتق لبنائه عليه، ولو قال عبده
حر إن لم تشتغلي بعمل آخر فادعى الاشتغال بعمل
آخر قبل "الاختيار" لا يعتق لأنه أنكر شرط
العتق، وتطلق لما مر. ولو باع عبده بالخيار
ثلاثة أيام للبائع ثم قال إن تم البيع بيننا
فعبده حر فمضت مدة الخيار ثم ادعى النقض في
المدة لا يقبل، ويثبت الملك والعتق لأن المدة
إذا مضت فالظاهر ثبوت الملك نظرا إلى السبب،
وإذا ثبت الملك ثبت العتق، ولو قال إن لم أنقض
البيع في الثلاث فعبدي حر فادعى النقض بعده لم
يعتق لإنكاره شرط العتق، والملك ثابت لما مر
اه.
وفيه من آخر كتاب الأيمان: لو قال كل أمة لي
حرة إلا أمهات أولادي ثم ادعى أمية الولد فيهن
أو بعضهن لا يصدق سواء كان معهن ولد أو لا،
والأصل أن السيد إذا أوجب العتق بلفظ عام،
واستثنى بوصف خاص ثم ادعى وجود ذلك فإن كان
الوصف عارضا لا يقبل قوله وإن كان أصليا قبل
قوله لأن القول قول من يتمسك بالأصل. وإن أوجب
العتق بلفظ خاص، ثم أنكر
ج / 4 ص -38-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجود ذلك الوصف فالقول قوله لأنه ينكر الإعتاق
أصلا، وهنا أوجب العتق بلفظ عام، واستثنى بوصف
خاص عارضي فكان مدعيا إبطال العتق الثابت أصلا
فلم يصدق، وقيام الولد لا يدل على صدق دعواه
لاحتمال أن يكون من غيره، لكن يثبت نسب الولد
منه لحصول الدعوة في ملكه، وعتق الولد، ولم
تصر الأمة أم ولده لأنها عتقت بالإيجاب العام،
ولو عرف دعوى النسب من المولى قبل الخصومة،
واختلفوا فقال المولى كنت ادعيت قبل اليمين،
ولم تعتق الأمة، وقالت الأمة ادعيت بعد
اليمين، وقد عتقت فالقول للمولى لأن أمية
الولد تثبت في الحال، والحال يدل على ما قبله
لما عرف فإن قيل للأمة ظاهر آخر، وهو أن الأصل
عدم أمية الولد قلنا هي بظاهرها تثبت
الاستحقاق، وهو يدفع، ولو قال إلا أمة خبازة
أو اشتريتها من زيد أو نكحتها البارحة أو إلا
ثيبا، وادعى ذلك لا يصدق لأن هذه صفة عارضة
لكن القاضي يريها النساء فإن قلن ثيب لا تعتق،
ويحلف السيد لأن شهادتهن ضعيفة فلا بد من
مؤيد، وهو حلف المولى، وإن قلن بكر أو أشكل
عليهن عتقت بالإيجاب العام لعدم صفة ثبوت
المستثنى، وإن كانت ثيبا وخاصم واختلفوا فقال
أصبتها قبل الحلف، وقالت أصبتني بعد الحلف
فالقول له لأن الحال يدل على ما قبله. وكذا لو
قال إلا أمة بكرا أو لم أشترها من فلان أو لم
أطأها البارحة أو إلا خراسانية ثم ادعى ذلك
فالقول قوله لأن هذه صفة أصلية إذ الأصل هي
البكارة، وعدم الولادة، وعدم الشراء من فلان،
وعدم الوطء، وكذا الخراسانية لأن الخراسانية
من يكون مولدها بخراسان فكانت صفة أصلية
مقارنة لحدوث الذات، ولو قال كل أمة لي بكر أو
ثيب أو اشتريتها من فلان أو لم اشترها منه أو
نكحتها البارحة أو ولدت مني أو لم تلد مني أو
خبازة أو غير خبازة فهي حرة ثم أنكر هذه
الأوصاف فالقول له لأنه أوجب العتق بوصف خاص
ثم أنكر وجود ذلك الوصف فكان القول قوله اه.
ويجري هذا في الطلاق أيضا فلو قال كل امرأة لي
طالق إلا امرأة خبازة أو وطئتها البارحة،
ونحوه، وادعى ذلك لا يقبل إلى آخر المسائل.
ثم اعلم أن ظاهر المتون يقتضي أنه لو علق
طلاقها بعدم وصول نفقتها شهرا ثم ادعى الوصول،
وأنكرت فالقول قوله في عدم وقوع الطلاق،
وقولها في عدم وصول المال، وقد جزم به في
"القنية" فقال إن لم تصل نفقتي إليك عشرة أيام
فأنت طالق ثم اختلفا بعد العشرة فادعى الزوج
الوصول، وأنكرت هي فالقول له اه. لكن صحح في
"الخلاصة" و"البزازية": كما قدمناه في فصل
الأمر باليد أنه لا يقبل قوله في كل موضع يدعي
إيفاء حق، وهي تنكر كما قبل قولها في عدم وصول
المال، وهو يقتضي تخصيص المتون، وكأنه ثبت في
ضمن قبول قولها في عدم وصول المال. وهذا
التقرير في هذا المحل من خواص هذا الشرح إن
شاء الله تعالى.
ج / 4 ص -39-
إلا إذا برهنت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله إلا إذا برهنت" أي:
أقامت البينة على وجود الشرط لأنها نورت
دعواها بالحجة أطلقه فشمل ما إذا كان الشرط
عدميا فإن برهانها عليه مقبول لما في جامع
الفصولين الشرط يجوز إثباته ببينة، ولو كان
نفيا كما لو قال لقنه إن لم أدخل الدار فأنت
حر فبرهن القن أنه لم يدخلها يعتق قيل فعلى
هذا لو جعل أمرها بيدها إن ضربها بغير جناية
ثم ضربها، وقال ضربتها بجناية وبرهنت أنه
ضربها بغير جناية ينبغي أن تقبل بينتها، وإن
أقامت على النفي لقيامها على الشرط حلف إن لم
تجئ/ صهرتي هذه الليلة فامرأتي كذا فشهد أنه
حلف كذا، ولم تجئ صهرته في تلك الليلة، وطلقت
امرأته تقبل لأنها على النفي صورة، وعلى إثبات
الطلاق حقيقة، والعبرة للمقاصد لا للصورة كما
لو شهدا أنه أسلم، واستثنى وشهد آخران أنه
أسلم، ولم يستثن تقبل بينة إثبات الإسلام، ولو
كان فيها نفي إذ غرضهما إثبات إسلامه ثم رقم
بعلامة "مح" قال: تقبل على الشرط، وإن كان
نفيا ا ه.
فإن قلت سيأتي في كتاب الأيمان في هذا المختصر
أنه لو قال: عبده حر إن لم يحج العام فشهدا
بنحره في الكوفة لم يعتق يعني عندهما خلافا
لمحمد. وعللوا لهما بأنها شهادة نفي معنى
لأنها بمعنى لم يحج العام فهذا يدل على أن
شهادة النفي لا تقبل على الشرط.
قلت: قد اختلفوا في بناء هذه المسألة فقيل
إنها مبنية على مسألة اشتراط الدعوى في شهادة
عتق القن. قال: في "جامع الفصولين" فعلى هذا
لو وضعت المسألة في الأمة ينبغي أن تعتق وفاقا
إذ دعواها العتق لا يشترط اه. فحينئذ لا
إشكال، وأما على ما علل به في "الهداية" من
أنها قامت على النفي لأن المقصود منها نفي
الحج لا إثبات التضحية لأنها لا مطالب بها
فصار كما إذا شهدوا أنه م يحج غاية الأمر أن
هذا النفي مما يحيط به علم الشاهد، ولكنه لا
يميز بين نفي، ونفي تيسيرا اه. فمشكل. ولذا
قال: في "فتح القدير": إن قول محمد أوجه
ظاهره تسليم أنها على الشرط مقبولة، ولو نفيا،
وقد نقله عن "المبسوط" أيضا، وسيأتي تمامه إن
شاء الله تعالى، ولو قال المصنف، ولو ادعى
عليه أن الشرط قد وجد، وأنكر فالقول له إلا
إذا شهدت البينة لكان أولى لأنه لا يشترط دعوى
المرأة للطلاق، ولا أن تبرهن لأن الشهادة على
عتق الأمة وطلاق المرأة تقبل حسبة بلا دعوى،
ولا يشترط حضور المرأة والأمة لكن يشترط حضور
الزوج والمولى صح تحضر المرأة ليشير إليها
الشهود ط لو شهدا أنه أبان امرأته فلانة فقالت
لم يطلقني، وقال الزوج ليس اسمها فلانة، وشهدا
أن اسمها فلانة فالقاضي يفرق بينهما، ويماثله
عتق الأمة فلو شهدا أنه حررها، وأن اسمها كذا،
وقالت لم يحررني فالقاضي يحكم بعتقها،
والشهادة بحرمة المصاهرة والإيلاء والظهار
بدون الدعوى تقبل، ويشترط حضور المشهود عليه،
وقيل لا تقبل بدون
ج / 4 ص -40-
ومالا يعلم إلا منها فالقول لها في حقها كإن
حضت فأنت طالق وفلانة، أوإن كنت تحبيني فأنت
طالق، وفلانة فقالت حضت، أو أحبك طلقت هي فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدعوى في الإيلاء والظهار، وفي عتق الأمة
والطلاق بدون الدعوى قيل يحلف، وقيل لا
فليتأمل عند الفتوى كذا في "جامع الفصولين"،
وفي "القنية" ادعت أنه طلقها من غير شرط،
والزوج يقول طلقتها بالشرط، ولم يوجد فالبينة
فيه بينة المرأة، ولو ادعت عليه أنه حلف لا
يضر بها، وادعى هو أنه لا يضر بها من غير ذنب،
وأقاما البينة فيثبت كلا الأمرين، وتطلق
بأيهما كان اه.
وفي "القنية" من /باب البينتين المتضادتين،
ولو قال لامرأته إن شربت مسكرا بغير إذنك
فأمرك بيدك فأقامت بينة على وجود الشرط، وأقام
الزوج بينة أنه كان بإذنها فبينة المرأة أولى
اه.
"قوله وما لا يعلم إلا منها فالقول لها في
حقها كأن حضت فأنت طالق، وفلانة أو إن كنت
تحبيني فأنت طالق وفلانة فقالت حضت أو أحبك
طلقت هي فقط"عليه الأئمة
الأربعة لأنها أمينة مأمورة بإظهار ما في
رحمها، وفائدته ترتيب أحكام الطهر، وهو فرع
قبول قولها كما قبل إخبارها بالحيض في انقضاء
العدة وحرمة جماعها وبالطهر، وبقولها طهرت في
حله، وهي متهمة في حق غيرها إن كذبها الزوج،
وإن صدقها طلقت فلانة أيضا.
والحاصل: أن المنظور إليه في حقها شرعا
الإخبار به لأنها أمينة، وفي حق ضرتها متهمة،
وشهادتها على ذلك شهادة فرد، ولا بعد في أن
يقبل قول الإنسان في حق نفسه لا في حق غيره
كأحد الورثة إذا أقر بدين على الميت اقتصر على
نصيبه إذا لم يصدقه الباقون،، والمشتري إذا
أقر بالمبيع لمستحق لا يرجع بالثمن على البائع
كذا في "فتح القدير": وقد يقال إن المقر في
المسألتين، م يتعد ضرر إقراره إلى أحد، وهنا
تعدى إلى الزوج بقطع العصمة مع كونها متهمة في
حق نفسها أيضا، ولا بد من قيام الحيض عند
الإخبار أما بعد الانقطاع فلا لأنه ضرورة
فيشترط قيام الشرط بخلاف إن حضت حيضة حيث يقبل
قولها في الطهر الذي يلي الحيضة لا قبله، ولا
بعده لأنها أخبرت عن الشرط حال عدمه، والمعنى
فيه أن الشرع جعلها أمينة فيما تخبر به عن
الحيض والطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة
بهما فما دامت الأحكام قائمة كان الاسمان
قائمين من جهة الشرع فتصدق. وإذا كانت الأحكام
منقضية كان الاسمان غير ثابتين فلا تصدق بخلاف
المودع لو قال رددتها أو هلكت يصدق، ولا يشترط
لتصديقه قيام الأمانة لأنه صار أمينا من جهة
صاحب المال صريحا، وابتداء لا لضرورة حيث
ائتمنه صاحب المال مطلقا كذا في "المعراج".
ج / 4 ص -41-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيد بقوله: إن حضت لأنه لو قال: لامرأتيه إن
حضتما فأنتما طالقان فقالتا حضنا لم تطلق
واحدة منهما إلا أن يصدقهما فإن صدق إحداهما،
وكذب الأخرى طلقت المكذبة، وإن كن ثلاثا فقال
ذلك فقلن حضنا لم تطلق واحدة منهن إلا أن
يصدقهن، وكذا إن صدق إحداهن فإن صدق ثنتين فقط
طلقت المكذبة دون المصدقات، ولو كن أربعا،
والمسألة بحالها لم يطلقن إلا أن يصدقهن، وكذا
إن صدق إحداهن أو ثنتين، وإن صدق ثلاثا فقط
طلقت المكذبة دون المصدقات، والوجه ظاهر من
الشرح/.
وفي "المحيط": قال لنسائه الأربع إذا حضتن
حيضة فأنتن طوالق فقالت واحدة حضت حيضة،
وصدقها الزوج طلقن لأن شرط وقوع الطلاق عليهن
حيضة واحدة منهن لأن اجتماعهن على حيضة واحدة
لا يتصور فيجعل ذلك مجازا عن حيضة إحداهن كما
لو قال لامرأتيه إذا حضتما حيضة، وأنتما
طالقان فحاضت إحداهما طلقتا، وإن كذبها طلقت
وحدها تطليقة لأنها مصدقة في حقها دون ضراتها.
و قالت كل واحدة حضت حيضة طلقت كل واحدة
تطليقة صدقها الزوج أو كذبها لأن كل واحدة
مصدقة شرعا فيما بينها، وبين زوجها، ولو قال
كلما حضتن حيضة فأنتن طوالق فقالت كل واحدة
حضت حيضة فإن كذبهن طلقت كل واحدة تطليقة لأنه
ثبت حيضة كل واحدة في حق نفسها خاصة دون
صواحبها فلم يوجد في حق كل واحدة إلا شرط طلاق
واحدة، وإن صدق واحدة دون الثلاث طلقت كل
واحدة من الثلاث ثنتين، والمصدقة واحدة لأنه
ثبت في حق المصدقة دون حق صواحبها، وثبت في حق
كل واحدة من المكذبات حيضتان حيضها بإخبارها،
وحيضة المصدقة بالتصديق، وإن صدق منهن اثنتين
طلقت كل مصدقة ثنتين لوجود حيضتين في حق كل
واحدة حيضتها، وحيضة صاحبتها المصدقة، وكل
مكذبة ثلاثا لوجود ثلاث حيض في حقها حيضتها،
وحيضتي المصدقتين، وإن صدق ثلاثا طلقت كل
واحدة ثلاثا لثبوت ثلاث حيض في حق المصدقات،
وأربع حيض في حق المكذبة ا ه.
ثم اعلم أن الوقوع على الضرة لم ينحصر في
تصديقه، وإنما يتوقف على تصديقه إذا لم يعلم
وجود الحيض منها أما إذا علم طلقت فلانة أيضا
كذا في "الجوهرة"، وقيد بكونه لا يعلم إلا
منها لأنه لو كان يعلم من غيرها توقف الوقوع
على تصديقه أو البينة كالدخول والكلام اتفاقا.
واختلفوا فيما لو علق طلاقها بولادتها فقالا
يقع الطلاق بشهادة القابلة. وقال الإمام
الأعظم لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين
كما في "الجوهرة"، ولا يشمل ما لو علقه على
فعل بغير إذنها لما في "البزازية": إن شربت
مسكرا بغير إذنك فأمرك بيدك، وشرب ثم اختلفا
في الإذن فالقول له، والبينة لها. اه.
ج / 4 ص -42-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الصيرفية" إن ذهبت إلى بيت أبي بغير إذنك
فأنت طالق فادعى إذنها، وأنكرت فالقول له لأنه
ينكر وقوع الطلاق ا ه. مع أن الإذن لا يستفاد
إلا منها، ولكن يطلع عليه بالقول بخلاف الحيض
والمحبة والبغض، ومن قبيل الدخول والكلام ما
لو علق بقوله إن كنت جائعة في بيتي قال قاضي
خان إن لم تكن جائعة في غير الصوم لا يكون
حانثا، ومنه ما لو علقه بقوله إن لم أشبعك من
الجماع قال القاضي إن جامعها حتى أنزلت فقد
أشبعها. اه
وفي "القنية"، والمسرة كالمحبة، وكذا الغيرة
باللسان لا بالقلب. اه. وقد سوى المصنف بين
المحبة والحيض، وليس بينهما فرق إلا من
وجهين: أحدهما أن التعليق بالمحبة يقتصر على
المجلس لكونه تخييرا حتى لو قامت، وقالت أحبك
لا تطلق، والتعليق بالحيض لا يبطل بالقيام
كسائر التعليقات، والثاني أنها إذا كانت كاذبة
في الإخبار تطلق في التعليق بالمحبة لما قلنا،
وفي التعليق بالحيض لا تطلق فيما بينه وبين
الله تعالى حتى يحل وطؤها ديانة لأن حقيقة
المحبة والبغض أمر خفي لا يوقف عليها من قبل
أحد لا من قبلها، ولا من قبل غيرها لأن القلب
يتقلب لا يستقر على شيء فلما لم يوقف عليها
تعلق الحكم بإخبارها لأنه دليل عليها لأن
أحكام الشرع لا تناط بأحكام خفية.
وفي "الفوائد الظهيرية" لو قال أنت طالق إن
كنت أنا أحب كذا ثم قال لست أحبه، وهو كاذب
فهي امرأته يسعه وطؤها ديانة قال شمس الأئمة،
وهذا مشكل لأنه يعرف ما في قلبه حقيقة، وإن
كان لا يعرف ما في قلبها لكن الطريق ما قلنا
إن الحكم يدار على الظاهر، وهو الإخبار وجودا
وعدما، وكذا الحكم لو قال إن كنت تبغضيني، ولو
قال إن كنت تحبيني بقلبك فقالت أحبك طلقت
ديانة وقضاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن
المحبة فعل القلب فكان إطلاقها، وتقييدها
بالقلب سواء، وإنما يفيد التأكيد، وقال محمد
لا تطلق ديانة لأن المحبة عمل القلب، وجعل
اللسان خلفا عنه، وعند التقييد بالقلب تبطل
الخلفية فيبقى الحكم متعلقا بالأصل كذا في
"المعراج"، والظاهر من كلام مشايخنا أنه لا
فرق بين التعليق بمحبتها إياه أو بمحبتها
فراقه، وذكره في "المعراج" عن غير أهل المذهب
فقال: وفي "التبصرة"1 للخمي قال لها إن كنت
تحبين فراقي فأنت طالق فقالت أحب ثم قالت كنت
لاعبة قال أرى أن يقع عليها ثم نقله عن
"الأنوار" للمالكية2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي لعلي بن محمد الربعي، اللخمي، المتوفى
سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ه، وأورد فيه آراء
خرج بها عن المذهب المالكي. اه. الأعلام
"4/328".
2 لعله: "أنوار البروق لي أنواء الفروق"
للشيخ شهاب الدين، أحمد بن إدريس، القرافي،
المالكي المتوفى=
= سنة اثنتين وثمانين وستمائة ه، وهو مجلد
كبير، جمع فيه خمسمائة وأربعين قاعدة من
"القواعد الفقهية". اه. كشف الظنون "1/185"
وفيه خطأ في اسم الكتاب حيث وردت كلمة "أنواع"
والصواب "أنواء" راجع الأعلام للزركلي عند
ترجمة القرافي والكتاب مطبوع في عالم الكتب
بيروت.
ج / 4 ص -43-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر في "المحيط": مسألة ما إذا قال إن كنت
تحبين الطلاق، ولا فرق بين الطلاق والفراق
فكان منقولا عن أصحابنا أيضا.
وأطلق في المحبة فشمل ما إذا قال: إن كنت
تحبين أن يعذبك الله في نار جهنم فأنت طالق،
ولا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه قد
تحب التخلص منه بالعذاب كذا في "الهداية".
وذكر قاضي خان قال لامرأته إن سررتك فأنت طالق
فضربها فقالت سرني قالوا لا تطلق امرأته لأنا
نتيقن بكذبها قال مولانا رضي الله تعالى عنه
وفيه إشكال وهو أن السرور مما لا يوقف عليه
فينبغي/ أن يتعلق الطلاق بخبرها، ويقبل قولها
في ذلك، وإن كنا نتيقن بكذبها كما لو قال إن
كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق
فقالت أحب يقع الطلاق عليها، ولو أعطي ألف
درهم فقالت لم يسرني كان القول قولها، ولا يقع
الطلاق لاحتمال أنها طلبت الألفين فلا يسرها
الألف. ا ه.
قلت: بينهما فرق، وقوله: وإن كنا نتيقن
بكذبها ممنوع لما سمعته عن "الهداية" من أنه
لا يتيقن بكذبها، وبهذا ظهر أنه لو علق بفعل
قلبي، وأخبرت به فإن تيقنا بكذبها لم يقع،
وإلا وقع، وفي "البدائع" إن كنت تكرهين الجنة
تعلق بإخبارها بالكراهة مع أنها لا تصل إلى
حالة تكره الجنة فقد تيقنا بكذبها، وقد يقال
إن لشدة محبتها للحياة الدنيا تكره الجنة
لأنها لا تتوصل إليها إلا بالموت، وهي تكرهه
فلم يتيقن بكذبها، وهل تكفر المرأة بقولها أنا
أحب عذاب جهنم، وأكره الجنة قلت ظاهر كلامهم
هنا عدمه. وفي "المحيط": لو قال لامرأتيه
أشدكما حبا للطلاق، وأشدكما بغضا له طالق
فقالت كل واحدة أنا أشد حبا في ذلك لا يقع شيء
لأن كل واحدة مخيرة في حق نفسها شاهدة على
صاحبتها بما في ضميرها لأنها تقول أنا أشد حبا
منها، وهي أقل حبا مني، وهي غير مصدقة في
الشهادة على صاحبتها فلم يتم الشرط. ا ه.
وقيد بمحبتها لأنه لو علقه بمحبة غيرها فظاهر
ما في "المحيط": أنه لا بد من تصديق الزوج
فإنه قال لو قال أنت طالق إن لم تكن أمك تهوى
ذلك فقالت الأم أنا لا أهوى، وكذبها الزوج لا
تطلق فإن صدقها طلقت لما عرف، وروى ابن رستم
عن محمد أنه لو قال إن كان فلان مؤمنا فأنت
طالق لا تطلق لأن هذا لا يعلمه إلا هو، ولا
يصدق هو على غيره، وإن كان هو بين مسلمين
يصلي، ويحج، ولو قال لآخر لي إليك حاجة فاقضها
لي فقال امرأته طالق إن لم أقض حاجتك
ج / 4 ص -44-
وبرؤية الدم لا يقع، فإن استمر ثلاتاً وقع من
حين رأت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال حاجتي أن تطلق زوجتك فله أن لا يصدقه
فيه، ولا تطلق زوجته لأنه محتمل للصدق والكذب
فلا يصدق على غيره اه.
وأطلق في المرأة فشمل ما إذا كانت مراهقة لم
تحض بعد لما في "المحيط": لو قال لامرأته
المراهقة إن حضت فأنت طالق فقالت حضت أو قال
لغلامه المراهق إن احتلمت فأنت حر فقال احتلمت
تصدق المرأة، ولا يصدق الغلام في رواية هشام
لأن الغلام ينظر إليه كيف يخرج منه المني، ولا
يستطاع ذلك في الحيض لأنها تدخل الدم في الفرج
فلا يعلم منها أو من غيرها، وفي رواية يصدق
الغلام أيضا، وهي الأصح لأن الاحتلام لا يعرفه
غيره كالحيض، ولذلك إذا قال احتلمت في حال
إشكال أمره يصدق فيما له، وفيما عليه لأنه
أخبر بخبر يحتمل الصدق والكذب فيصدق كالجارية.
اه. ولم أر صريحا أن المرأة إذا قبل قولها في
حقها في الحيض والمحبة فهل يكون بيمينها أو
بلا يمين، ووقع في الوقاية أنه قال صدقت في
حقها خاصة، وظاهره أنه لا يمين عليها، ويدل
عليه قولهم إن الطلاق معلق بإخبارها، وقد وجد.
ولا فائدة في التحليف لأنه وقع بقولها،
والتحليف لرجاء النكول، وهي لو أخبرت ثم قالت
كنت كاذبة لا يرتفع الطلاق لتناقضها كما سيأتي
نقله عن "الكافي" قريبا إن شاء الله تعالى.
"قوله وبرؤية الدم لا يقع فإن استمر ثلاثا وقع
من حين رأت" يعني لا يقع
برؤيته فيما إذا علق الطلاق بحيضها سواء كان
بان أو بقي أو مع نحو أنت طالق في حيضك أو مع
حيضك أو إن حضت لأنه لم يتحقق كونه حيضا حينئذ
فإذا استمر حينئذ ثلاثة أيام بلياليها وقع
الطلاق من حين رأت الدم لأنه بالامتداد تبين
أنه حيض من الابتداء فيجب على المفتي أن يعينه
فيقول طلقت من حين رأت الدم، وليس هذا من باب
الاستناد، وإنما هو من باب التبيين، ولذا قال
من حين رأت.
وقال المصنف في "شرح المجمع" إنه تبين
بالانتهاء أنه حيض من الابتداء. وأظهر منه ما
في "المحيط": لو قال لها عبده حر إن حضت
فقالت رأيت الدم، وصدقها الزوج لا يحكم بعتقه
حتى يستمر ثلاثة أيام فيحكم بعتقه من حين رأت
لأن الدم لا يكون حيضا حتى يستمر ثلاثة أيام،
والظاهر وإن كان فيه الاستمرار، ولكن الظاهر
يكفي للدفع فيدفع به العبد استخدام المولى عن
نفسه، ولا يكفي للاستحقاق فإذا استمر تبين أنه
كان حيضا فيعتق من حين رأت الدم حتى لو جنى أو
جني عليه كان أرشه أرش الأحرار لأنه يظهر
عتقه، ولا يستند بمنزلة قوله إن كان فلان في
الدار فأنت حر فظهر ذلك في آخر النهار يظهر
عتقه بخلاف قوله أنت حر قبل موتى بشهر فمات
بعده بشهر، وقد جنى العبد كان حكمه حكم العبيد
عند أبي حنيفة لأن ثمة العتق يثبت مستندا
ج / 4 ص -45-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاستناد لا يظهر في حق الفائت، والمتلاشي
فإن قال الزوج انقطع الدم في الثلاثة، وأنكرت
المرأة والعبد فالقول لهما لأن الزوج أقر
بوجود شرط العتق ظاهرا لأن رؤية الدم في وقته
يكون حيضا، ولهذا تؤمر بترك الصلاة والصوم ثم
ادعى عارضا يخرج المرئي من أن يكون حيضا فلا
يصدق فإن صدقته المرأة، وكذبه العبد في الأيام
الثلاثة فالقول لهما، وإن كان بعدها فالقول
للعبد. اه.
وفي/ "الكافي" في مسألة إن حضت فعبدي حر،
وضرتك طالق إذا رأت الدم فقالت حضت وصدقها أنه
قبل الاستمرار يمنع الزوج عن وطء المرأة
واستخدام العبد في الثلاثة لاحتمال الاستمرار
فلو صدقها الزوج ثم قالت كان الطهر قبل الدم
عشرة أيام لم تصدق لأنه بعد إقرارها بالحيض
رجوع بخلافه بعد إقرارها برؤية الدم، ولو ادعى
الزوج أن الدم كان قبله الطهر عشرة أيام،
وقالت بل عشرين فالقول لها، ولو قال: وهي
حائض إن طهرت فعبدي حر فقالت طهرت بعد ثلاثة
أيام، وكذبها الزوج لا يعتق، وإن صدقها أو مضت
العشرة عتق، وإن قالت بعد العشرة عاودني الدم
في العشرة، وصدقها الزوج وكذبها العبد عتق،
وكذا لو قالت ذلك بعدما أقرت بالانقطاع، وإن
كان حيضها خمسة فقال لها إن حضت هذه المرة ستة
فعبدي حر فقالت رأيت الدم في اليوم السادس إلى
آخر اليوم، وكذبها الزوج فالقول له لإنكاره
شرط العتق بخلاف ما إذا علق عتقه بأصل الحيض
فادعى الزوج الانقطاع في الثلاث، وادعت
الامتداد فالقول لها. وإن صدقها الزوج بالدم
في اليوم السادس توقف العتق فإن جاوز العشرة
تبين أنه لم يكن حيضا، ولم يعتق، وإن لم يجاوز
عتق فإن مضت فادعت الانقطاع فيها، وادعى
المجاوزة فالقول له، ولا عتق، ولو أخبرت في
العشرة بالانقطاع ثم قالت عاودني الدم لا يقبل
قولها، وإن صدقها الزوج، ولو كانت عادتها خمسة
فطلقها في مرض موته فحاضت حيضتين ثم مات الزوج
في الثالثة بعد خمسة فقالت الورثة طهرت على
رأس الخمسة، ولا ميراث لك، وقالت لم ينقطع،
وأرى الدم في الحال فالقول لها لأن الأصل في
كل ثابت دوامه فهي تتمسك بهذا الظاهر لدفع
الحرمان، وهو حجة للدفع، وتمامه في "الكافي".
ومن أحكام الوقوع من الابتداء أنها لو كانت
غير مدخولة، وتزوجت حين رأت الدم فإن النكاح
صحيح، ومن أحكامه أنها لا تحسب هذه الحيضة من
العدة لأنها بعض حيضة لأنه حين كان الشرط رؤية
الدم لزم أن يقع الطلاق بعد حيضها.
وفي "الخانية": رجل قال لامرأته قبل الدخول
إذا حضت فأنت طالق فقالت حضت
ج / 4 ص -46-
وفي إن حضت حيضة يقع حين تطهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتزوجت من ساعتها ثم ماتت قال محمد ميراثها
للزوج الأول دون الثاني، وقال لا يدري أكان
ذلك حيضا أو لا اه. ومن أحكامه أيضا أن الطلاق
بدعي، ومنها أنه لو خالعها في الثلاث بطل
الخلع لكونها مطلقة ذكرهما في "الجوهرة"، وفي
الثاني نظر لأن الخلع يلحق الطلاق الصريح كما
قدمناه في آخر باب الكنايات، وذكر المؤلف في
"المستصفى" من باب المسح على الخفين الأحكام
تثبت بطرق أربعة الاقتصار كما إذا أنشأ الطلاق
أو العتاق، وله نظائر جمة والانقلاب، وهو
انقلاب ما ليس بعلة علة كما إذا علق الطلاق أو
العتاق بالشرط فعند وجود الشرط ينقلب ما ليس
بعلة علة، والاستناد، وهو أن يثبت في الحال ثم
يستند، وهو دائر بين التبيين والاقتصار، وذلك
كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى
وقت وجود السبب، وكالنصاب فإنه يجب الزكاة عند
تمام الحول مستندا إلى وقت وجوده، وكالطهارة
في المستحاضة والتيمم ينقض عند خروج الوقت
ورؤية الماء مستندا إلى وقت الحدث، ولذا قلنا
لا يجوز المسح لهما والتبيين، وهو أن يظهر في
الحال أن الحكم كان ثابتا من قبل مثل أن يقول
في اليوم إن كان زيد في الدار فأنت طالق،
وتبين في الغد وجوده فيها فيقع الطلاق في
اليوم، ويعتبر ابتداء العدة منه.
وكما إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فرأت
الدم لا يقضي بوقوع الطلاق ما لم يمتد ثلاثة
أيام فإذا امتد ثلاثة أيام حكمنا بوقوع الطلاق
من حين حاضت، والفرق بين التبيين والاستناد أن
التبيين يمكن أن يطلع عليه العباد، وفي
الاستناد لا يمكن، وفي الحيض يمكن أن يطلع
عليه بأن يشق بطنها فيعلم أنه من الرحم، وكذا
يشترط المحلية في الاستناد دون التبيين، وكذا
الاستناد يظهر أثره في القائم دون المتلاشي،
وأثر التبيين يظهر فيهما فلو قال أنت طالق قبل
موت فلان بشهر لم تطلق حتى يموت فلان بعد
اليمين بشهر فإن مات لتمام الشهر طلقت مستندا
إلى أول الشهر فتعتبر العدة من أوله، ولو
وطئها في الشهر صار مراجعا لو كان الطلاق
رجعيا، وغرم العقر لو كان بائنا، ويرد الزوج
بدل الخلع إليها لو خالعها في خلاله ثم مات
فلان، ولو مات فلان بعد العدة بأن كانت بالوضع
أو لم تجب العدة لكونه قبل الدخول لا يقع
الطلاق لعدم المحل، وبهذا تبين أنه فيها بطريق
الاستناد لا بطريق التبيين، وهو الصحيح ولو
قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر يقع مقتصرا
على القدوم لا مستندا. اه.
"قوله وفي إن حضت حيضة يقع حين تطهر"
يعني إما بمضي العشرة مطلقا أو بانقطاع الدم
مع أخذ شيء من أحكام الطاهرات إذا انقطع لأقل
منها لأن الحيضة اسم للكاملة، وكذا إذا قال
نصف حيضة أو ثلثها أو سدسها أو أنت طالق مع
حيضتك أو في حيضتك بالتاء كقوله
ج / 4 ص -47-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن صمت يوما أو صليت صلاة لا يحنث إلا بصوم
يوم كامل، وبشفع بخلاف ما تقدم لأنه يدل على
جنس الحيض فهو كقوله إن صمت أو صليت.
وأشار بقوله حين تطهر إلى أنه ليس ببدعي،
وأشار بقوله حين رأت الدم إلى أنه بدعي، وإلى
أنها لو كانت حائضا لا تطلق ما لم تطهر ثم
تحيض كقوله لطاهرة إذا طهرت فأنت طالق لم تطلق
حتى تحيض ثم تطهر لما قدمنا أن اليمين تقتضي
شرطا مستقبلا، وفي الصحاح الحيضة بالفتح المرة
الواحدة، والحيضة بالكسر الاسم، والجمع الحيض.
ا ه.
وفي "الخانية": لو قال لها، وهي حائض إذا حضت
فأنت طالق فهو على حيض في المستقبل، ولو قال
لها إن حضت غدا فأنت طالق، وهو يعلم أنها حائض
فهو على دوام ذلك الحيض إلى الغد إن دام إلى
أن يطلع الفجر من الغد طلقت لأن الحيضة
الثانية لا يتصور حدوثها من الغد فيحمل على
الدوام إذا علم. اه.
وفي "الكافي" لو قالت بعد عشرة أيام حضت
وطهرت، وكذبها الزوج تطلق لأنها أخبرت عن
الأمانة في أوانها. ولو قالت بعد مضي شهر إني
حضت، وطهرت ثم حضت حيضة أخرى، وأنا الآن حائض
لا يقبل قولها، ولكن إذا طهرت يقع لأنها أخرت
الإخبار عن أوانه فصارت متهمة، ولو قال إذا
حضت فأنت طالق فقالت بعد خمسة أيام حضت، وأنا
حائض الساعة فالقول لها لأن الإخبار في أوانه،
ولو قالت حضت وطهرت لا تصدق حتى تحيض لأنها
أخبرت، والحال منافية لما أخبرت. اه.
وفي "تلخيص الجامع" للصدر: من ملك الإنشاء
ملك الإخبار كالوصي والمولى والمراجع والوكيل
بالبيع، ومن له الخيار قال إذا حضت حيضة فأنت
طالق فقالت بعد مدة محتملة حضت وطهرت وقع، ولو
قالت حضت وطهرت، وأنا حائض لا حتى تطهر، ولو
قال إذا حضت فقالت حضت منذ خمسة أيام وقع، ولا
تتهم في التأخير للعذر، ولو قالت وطهرت لا اه.
وذكر في باب الحنث يقع بالحيض والفعل قال أنت
طالق قبل أن تحيضي حيضة بشهر فحاضت بعده طلقت،
ولا ينتظر الطهر للبينونة، واختلفوا، والأصح
فيه أنه يقتصر، ولو قال قبل قدوم فلان أو موت
فلان بشهر، وتقدم القدوم يقع، والموت لا،
بخلاف ما إذا قدم، ومات للتعليق اه.
وفي "الجوهرة" إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق،
وإذا حضت نصفها الآخر فأنت طالق لا يقع شيء ما
لم تحض، وتطهر فإذا حاضت، وطهرت وقع تطليقتان،
ولو قال لها، وهي حائض إذا حضت فأنت طالق أو
قال وهي مريضة إذا مرضت فهذا على حيض في
المستقبل، ومرض في المستقبل فإن نوى ما يحدث
من هذا الحيض أو ما يزيد من هذا المرض فهو كما
نوى، وكذا إذا
ج / 4 ص -48-
وفي إن ولدت ذكراً فأنت طالق واحدة، وإن ولد
انثين فثنتين فولدتهما، ولم يدر الأول
تطلق واحدة قضاء وثنتين تنزهاً ومضت العدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال لصاحبة الرعاف إن رعفت، وكذا إذا قال
للحبلى إذا حبلت فهو على حبل في المستقبل، ولو
نوى الحبل الذي هي فيه لا يحنث لأنه ليس له
أجزاء متعددة، وإنما هو معنى واحد بخلاف الحيض
وأخواته لأن له أجزاء. اه.
وفي "المحيط": لو قال: إذا حضت حيضة فأنت
طالق ثم قال إن حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت
حيضة يقع واحدة باليمين الأول فإذا حاضت أخرى
يقع أخرى باليمين الثانية لأن الحيضة الأولى
كل الشرط لليمين الأولى، وشطر الشرط لليمين
الثانية فإذا حاضت أخرى فقد تم الشرط لليمين
الثانية فإن قال ثم إذا حاضت، والمسألة بحالها
لا يقع شيء حتى يوجد حيضتان بعد الأولى لأن
كلمة ثم للتعقيب مع التراخي فيقتضي وجود
الحيضتين بعد الأولى. اه.
"قوله وفي إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة، وإن
ولدت أنثى فثنتين فولدتهما، ولم يدر الأول
تطلق واحدة قضاء وثنتين تنزها، ومضت العدة"
لأنها لو ولدت الغلام وقعت واحدة، وتنقضي
عدتها بوضع الجارية ثم لا يقع أخرى به لأنه
حال انقضاء العدة، ولو ولدت الجارية أولا وقعت
تطليقتان، وانقضت عدتها بوضع الغلام ثم لا يقع
شيء آخر به لما ذكرنا أنه حال انقضاء العدة
فإذا في حال تقع واحدة، وفي حال تقع ثنتان فلا
تقع الثانية بالشك، والأولى أن يؤخذ بالثنتين
تنزها واحتياطا، والعدة منقضية بيقين لما بينا
قيد بقوله لم يدر الأول لأنه لو علم فقد
بيناه، وإن اختلفا فالقول للزوج لإنكاره.
وأشار بمضي العدة إلى أنه لا رجعة، ولا إرث
كما في "غاية البيان".
وقيد بقوله: إن ولدت لأنه لو قال إن كان حملك
غلاما فطالق واحدة أو جارية فثنتين فولدتهما
لم تطلق لأن حملك اسم جنس مضاف فيعم كله فما
لم يكن الكل غلاما أو جارية لم يقع كما في
قوله إن كان ما في بطنك غلاما، والباقي بحاله،
وقوله إن كان ما في هذا العدل حنطة فهي طالق
أو دقيقا فطالق فإذا فيه حنطة ودقيق لا تطلق
بخلاف قوله إن كان في بطنك غلام، والباقي
بحاله حيث تقع الثلاث، وقيد بقوله فولدتهما أي
الغلام والجارية لأنها لو ولدت غلاما
وجاريتين، ولم يدر الأول وقع الثلاث تنزها
وثنتين قضاء، ولو ولدت غلامين وجارية وقعت
واحدة قضاء، وثلاث تنزها، وقدمنا أن الولادة
لا تثبت بقولها اتفاقا بل لا بد من نصاب
الشهادة عنده، وامرأة عندهما. ولو علق طلاقها
بولادتها ولدا فولدت ميتا طلقت، وسيأتي تمامه
في الأيمان.
وفي "المحيط": قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق
فولدت ولدين في بطن فإن كان بينهما أقل من ستة
أشهر طلقت بالأول، وانقضت عدتها بالثاني، ولا
يقع/ طلاق آخر، ولو ولدت ثلاثة
ج / 4 ص -49-
والملك يشترط لآخر الشرطين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاد وقع ثنتان، ولو ولدت ثلاثا بين كل ولدين
ستة أشهر وقع ثلاث، وتعتد بثلاث حيض، ولو قال
لامرأته الحامل كلما ولدت فأنت طالق للسنة
فولدت ثلاثة في بطن واحد لم يقع عندهما حتى
تطهر من نفاسها فيقع في كل طهر تطليقة، وعند
محمد وزفر طلقت واحدة بالولد الأول، وتنقضي
عدتها بالأخير، ولو قال لامرأتيه كلما ولدتما
ولدا فأنتما طالقان فولدت إحداهما ثم الأخرى
آخر ثم الأولى آخر ثم الأخرى آخر في بطن واحد
حتى ولدت كل واحدة ولدين طلقت الأولى ثنتين،
وانقضت عدتها بولدها الثاني، والأخرى ثلاثا،
وانقضت عدتها بولدها الثاني، ولو كان بين ولدي
كل واحدة ستة أشهر فأكثر إلى سنتين طلقت
الأولى ثنتين، وانقضت عدتها بالولد الثاني،
وثبت نسب الولدين، وطلقت الأخرى واحدة، وانقضت
عدتها بالولد الأول، ولا يثبت نسب ولدها
الثاني، ولو قال لامرأته الحامل إذا ولدت ولدا
فأنت طالق ثنتين ثم قال إن كان الولد الذي
تلدينه غلاما فأنت طالق فولدت غلاما طلقت
ثلاثا. ولو قال إن كان الولد الذي في بطنك
غلاما، والمسألة بحالها طلقت، وتمامه في
"المحيط".
وقيد بالولادة لأنه لو علق طلاقها بحبلها
فالمستحب أن لا يطأها إلا بالاستبراء لتصور
حدوث الحبل، ولا يقع الطلاق ما لم تلد لأكثر
من سنتين من يوم اليمين لأنه علقه بحدوث الحبل
بعد اليمين، ويتوهم حدوث الحبل قبل اليمين إلى
سنتين فوقع الشك في الموقع فلا يقع بالشك كذا
في "المحيط"، وذكر "قاضييخان": أنه لو قال إن
لم تكوني حاملا فأنت طالق ثلاثا فجاءت بولد
لأقل من سنتين بيوم من وقت اليمين لا تطلق في
الحكم، وإن جاءت لأكثر من سنتين بيوم طلقت فإن
حاضت بعد اليمين لا يقربها لاحتمال أن لا تكون
حاملا، وكذا إذا لم تحض لا ينبغي له أن يقربها
حتى تضع اه.
"قوله والملك يشترط لآخر الشرطين"
لأن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك
يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود
لاستصحاب الحال فتصح اليمين، وعند تمام الشرط
لينزل الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك،
وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فيستغنى
عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله، وهو الذمة
فالمراد من اشتراطه لآخرهما بيان عدم اشتراطه
لأولهما فلا ينافي اشتراطه وقت التعليق، وأيضا
علم الاشتراط وقت التعليق من قوله أول الباب
فلو قال لأجنبية إن زرت فأنت طالق لم يصح لكن
في القنية قبيل النفقات معزيا إلى "الملتقط"
قال: حلال الله علي حرام إن فعلت كذا، وليس
له امرأة فتزوج ثم فعل ذلك الفعل لا تطلق،
"حج"1 طلقت اه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حج: والصواب خج وهو رمز من رموز القنية
ويراد به الإمام الخجندي ا ه. مخطوطة القنية.
ج / 4 ص -50-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وينبغي الاعتماد على الأول لما ذكرنا، وأراد
من الشرطين أمرين يتعلق الطلاق بهما، ولا يقع
بأحدهما سواء كانا شرطين حقيقة بتعدد أداة
الشرط أو لا أما الأول فبأن عطف شرطا على آخر،
وأخر الجزاء نحو إذا قدم فلان، وإذا قدم فلان
فأنت طالق فإنه لا يقع حتى يقدما لأنه عطف
شرطا محضا على شرط لا حكم له ثم ذكر الجزاء
فيتعلق بهما فصارا شرطا واحدا فلا يقع إلا
بوجودهما فإن نوى الوقوع بأحدهما صحت نية
تقديم الجزاء على أحدهما، وفيه تغليظ أو بأن
كرر أداة الشرط بغير عطف كقوله إن أكلت أو
لبست فأنت طالق فإنها لا تطلق ما لم تلبس ثم
تأكل فيقدم المؤخر. وكذا لو قال كل امرأة
أتزوجها إن كلمت فلانا فهي طالق يقدم المؤخر
فيصير التقدير إن كلمت فلانا فكل امرأة
أتزوجها طالق، واستغنى عن الفاء بتقدير الجزاء
فالكلام شرط الانعقاد، والتزوج شرط الانحلال،
وأصله قوله تعالى
{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ
أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ}
[هود: 34] فالمعنى إن كان الله يريد أن
يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم،
ووجه المسألة أنه لا يمكن أن يجعل الشرطان
شرطا واحدا لنزول الجزاء لعدم العطف، وإن روي
عن محمد في غير رواية "الأصول" أنه رجع عن
التقديم والتأخير، وأقر كل شرط في موضعه، وهو
رأي إمام الحرمين من الشافعية لأن الأصل عدم
التقدير إلا بدليل، والكلام في موجب اللفظ،
ولا الشرط الثاني مع ما بعده هو الجزاء للأول
لعدم الفاء الرابطة، ونية التقديم والتأخير
أحق من إضمار الحرف لأنه تصحيح للمنطوق من غير
زيادة شيء آخر فكان قوله إن أكلت مقدما من
تأخير لأنه في حيز الجواب المتأخر، والتقدير
إن لبست فإن أكلت فأنت طالق، وهذا بناء على ما
قدمناه من لزوم التنجيز في مثل إن دخلت الدار
أنت طالق، وعلى ما قدمناه عن أبي يوسف من لزوم
إضمار الفاء يجب أن لا يعكس الترتيب.
وفي "التجريد": لو قال لامرأته إن دخلت الدار
فأنت طالق إن كلمت فلانا لا بد من اعتبار
الملك عند الشرط الأول فإن طلقها بعد الدخول
بها ثم دخلت الدار، وهي في العدة ثم كلمت
فلانا، وهي في العدة طلقت. اه. وهو على الظاهر
من التقديم والتأخير فكان المتقدم شرط
الانحلال فيعتبر الملك عنده، وعلى هذا لو قال
إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتيني فأنت طالق لا
تطلق حتى تسأله أولا ثم يعدها ثم يعطيها لأنه
شرط في العطية الوعد، وفي الوعد السؤال فكأنه
قال إن سألتيني إن وعدتك إن أعطيتك كذا في
"فتح القدير": وهذا إذا لم يكن الشرط الثاني
مترتبا على الأول عادة فإن كان كذلك كان كل
شرط في موضعه نحو إن أكلت إن شربت فأنت كذا
كان الأكل مقدما والشرب مؤخرا حتى إذا شرب ثم
أكل لم يعتق وإن أكل ثم شرب عتق، ولو قال إن
شربت إن أكلت يؤخر الشرط الأول، ولو قال إن
دعوتني إن أجبتك يقر كل شرط في موضعه، ولو قال
إن أجبتك إن دعوتني تؤخر الإجابة، ولو قال إن
لبست طيلسانا إن أتيتني
ج / 4 ص -51-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقر كل في موضعه، ولو قال إن أتيتني إن لبست
طيلسانا يؤخر الإتيان، ولو قال إن ركبت الدابة
إن أتيتني يقر كل في موضعه بخلاف إن أتيتني إن
ركبت الدابة لأنهما متى كانا مرتبين عرفا
أضمرت كلمة ثم، وإذا لم يكونا مرتبين عرفا لم
يثبت العطف بينهما لا عرفا ولا ذكرا فمتى أقر
كل شرط في موضعه لا يتصل الجزاء بأحد الشرطين
اه.
كذا في "المحيط": وفي "البزازية": وفي
الفارسية المقدم مقدم، والمؤخر مؤخر، وعليه
الاعتماد، وذكر القاضي في تفسيره أن قوله
{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [هود: 34] شرط ودليل جواب، والجملة دليل جواب قوله تعالى
{إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] تقدير الكلام إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن
أنصح لكم لا ينفعكم نصحي اه. وجعل في "فتح
القدير": من هذا القبيل قوله تعالى
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ
نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ
النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا}
[الأحزاب: 50] قال فالمعنى إن أراد أن ينكح
مؤمنة وهبت نفسها فقد أحللناها ا ه. وذكر
القاضي أن قوله تعالى {إِنْ أَرَادَ
النَّبِيُّ} شرط للشرط الأول في استيجاب الحل
فإن وهبتها نفسها منه لا توجب له حلا إلا
بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول اه
فلم تكن من هذا القبيل، وفي "المعراج" أنها
محتملة للأمرين فإن إرادة النبي متأخرة فإنها
كالقبول، ويحتمل تقدم إرادة النبي فإذا فهمت
ذلك وهبت نفسها له ا ه. وذكر في "المحيط":
أنها على ثلاثة أوجه أحدها إذا أخر الجزاء عن
الشرطين، والثاني إذا قدمه، والثالث إذا وسطه
أما الأول، والثاني فعلى التقديم والتأخير،
وأما الثالث فيقر كل شرط في موضعه، ولا يكون
من المسائل المعترضة لأنه لا حاجة إلى التقديم
والتأخير لأنه تخلل الجزاء بين الشرطين بحرف
الوصل، وهو الفاء فيكون الأول شرطا لانعقاد
اليمين، والثاني شرط الحنث. ا ه. وكذا في
"البدائع" في مسألة توسط الجزاء فقال لو قال
لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت
فلانا يشترط قيام الملك عند وجود الشرط الأول،
وهو الدخول لأنه جعل الدخول شرط انعقاد اليمين
كأنه قال عند الدخول إن كلمت فلانا فأنت طالق،
واليمين لا تنعقد إلا في الملك، ومضافة إلى
الملك فإن كانت في ملكه عند دخول الدار صحت
اليمين المتعلقة بالكلام فإذا كلمت يقع، وإن
لم تكن في ملكه عند الدخول بأن طلقها، وانقضت
عدتها ثم دخلت لم يصح التعليق، وإن كلمت، وإن
طلقها بعد الدخول ثم دخلت في العدة ثم كلمت
فيها طلقت اه.
والحاصل: أن الجزاء إذا كان متوسطا فلا بد من
الملك عند الشرطين، وأن كل شرط يقر في موضعه
فلم تكن هذه المسألة داخلة تحت قوله والملك
يشترط لآخر الشرطين إلا باعتبار أن الشرط
الأول هو شرط الانعقاد، وقدمنا أن الملك لا بد
منه وقت التعليق فحينئذ ليس معلقا إلا بشرط
واحد فجعله في "فتح القدير": من قسم تقديم
المؤخر منهما من كلام "التجريد" وهم
ج / 4 ص -52-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما علمت أن كل شرط في موضعه. وهذا كله إذا
كان الشرط الثاني غير الأول فإن كان عينه فقال
في "البزازية": إن دخلت هذه الدار إن دخلت
هذه الدار فعبدي حر، وهما واحد فالقياس عدم
الحنث حتى تدخل دخلتين فيها، وفي الاستحسان
يحنث بدخول واحد، ويجعل الباقي تكرارا،
وإعادةءؤتنم، ولقائل أن يقول لو جعل الثاني
تكرارا لزم ثبوت الحرية حالا على قول الإمام،
ويصير الثاني فاصلا كما في أنت حر، وحر إن شاء
الله، ويجاب بأن يجعل الثاني تكرارا معنى لا
لفظا لأن الثاني عطف على الأول، ولا يعطف
الشيء على نفسه، والعبرة في الباب للفظ فإذا
انتفى التكرار لفظا كان الثاني حشوا فصار
فاصلا، وفيما نحن فيه الثاني غير معطوف على
الأول فأمكن جعل الثاني تكرارا فكان واحدا
معنى فلا يفصل، ونظيره حر حر إن شاء الله
تعالى اه.
وقدمنا عن "المحيط": أنه لو قال: إن تزوجتك،
وإن تزوجتك فأنت طالق لم يقع حتى يتزوجها
مرتين بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسطه اه
فعلى هذا يفرق بين ما إذا كان بالواو، وبدونه
فيما إذا أخر الجزاء، وكانا بمعنى واحد
فليحفظ، وذكر في "الخانية": هذه المسألة ثم
قال ولو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق إذا
دخلت هذه الدار لا تطلق ما لم تدخل مرتين، ولا
تطلق ما لم يتزوج مرتين اه. فعلى هذا إذا كانا
بمعنى واحد بلا عطف فإن تأخر الجزاء عنهما
فالشرط أحدهما. وإن توسط فلا بد من الفعل
مرتين.
وقيدنا بكون الأمرين تعلق الطلاق بهما لأنه لو
قدم الجزاء، وأخر الشرط ثم ذكر شرطا آخر بعطف
فإن الطلاق فيه معلق بأحدهما نحو أنت طالق إذا
قدم فلان، وإذا قدم فلان أو ذكر بكلمة إن أو
متى فأيهما قدم أولا يقع الطلاق، ولا ينتظر
قدوم الآخر، ولو قدما معا لا يقع إلا واحدة،
ولا بد من الملك عند أيهما وجد، وكذا لو وسط
الجزاء مع العطف نحو إن قدم فلان فأنت طالق،
وإذا قدم فلان فأيهما سبق وقع ثم لا يقع عند
الشرط الثاني شيء إلا أن ينوي أن يقع عند كل
واحد تطليقة فتقع أخرى عند الثاني، وأما
الثاني أعني ما ليسا شرطين حقيقة، وهو أن يكون
فعلا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما نحو
إن دخلت هذه الدار، وهذه أو إن كلمت أبا عمرو،
وأبا يوسف فكذا فإنهما شرط واحد إلا أن ينوي
الوقوع بأحدهما فاشترط للوقوع قيام الملك عند
آخرهما، وكذا إذا كان فعلا قائما باثنين من
حيث هو قائم بهما نحو إذا جاء زيد وعمرو فكذا
فإن الشرط مجيئهما فإذا عرف هذا فقصر الشارح
كلام المصنف على القسم الثاني مما لا ينبغي،
واعتراض الكمال على الشارح في جعله مسألة
الكلام من تعدد الشرط سهو لأنه إنما جعله من
قبيل الشرط المشتمل على وصفين، وعليه حمل
عبارة المصنف لا من قبيل تعدد الشرط.
ج / 4 ص -53-
ويبطل تنجيز الثلاث تعليقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل: أنه إذا كرر أداة الشرط من غير عطف
فإن الوقوع يتوقف على وجودهما سواء قدم الجزاء
عليهما أو أخره عنهما أو وسطه لكن إن قدمه أو
أخره فالملك يشترط عند آخرهما، وهو الملفوظ به
أولا على التقديم والتأخير، وإن وسطه فلا بد
من الملك عندهما، وإن كان بالعطف فإنه موقوف
على أحدهما إن قدم الجزاء أو وسطه، وأما إذا
أخره فإنه موقوف عليهما، وإن لم يكرر أداة
الشرط فإنه لا بد من وجود الشيئين قدم الجزاء
عليهما أو أخره عنهما هذا ما ظهر لي من
كلامهم.
وفي "الولوالجية": إذا قال: إن دخلت الدار
فأنت طالق وطالق وطالق إن كلمت فلانا فالطلاق
الأول، والثاني يتعلق بالشرط الأول، والثالث
بالشرط الثاني حتى لو دخلت طلقت تطليقتين، ولو
كلمه طلقت واحدة لا أن يصير الشرط الأول شرط
الانعقاد في حق الكل، والثاني شرط الانحلال في
حق الكل لأنا لو علقنا الجزاء الثاني بالدخول
كان الجزاء مؤخرا عن الشرط، ولو علقناه
بالكلام كان الجزاء مقدما على الشرط، والأصل
في الشرط هو التقديم فمهما أمكن حفظه على
الأصل لا يغير. ولو قال امرأته طالق إن دخلت
الدار، وعبدي حر، وعلى المشي إلى بيت الله
تعالى إن كلمت فلانا فالطلاق على الدخول
والعتق، والمشي على الكلام ألحق الجزاء
المتوسط بالشرط الأخير هنا بخلاف ما تقدم لأن
ثمة الكلام متفق عليه لأنه عطف الاسم على
الاسم فصار الوصل أصلا، وإنما يقطع لضرورة،
ولا ضرورة في حق المتخلل أما هنا فالكلام
منقطع لأنه عطف الاسم على الفعل فلا يلحق
بالأول إلا لضرورة لأنه أمكن إلحاقه بالثاني
انتهى، وتمام تفريعات الطلاق المعلق بالتزوج
وبالكلام مذكور في "تتمة الفتاوى" من فصل
تعليق الطلاق بالملك/.
وفي "البزازية": من الأيمان، والطلاق المضاف
إلى وقتين ينزل عند أولهما، والمعلق بالفعلين
عند آخرهما، والمضاف إلى أحد الوقتين كقوله
غدا أو بعد غد ينزل بعد غد، ولو علق بأحد
الفعلين ينزل عند أولهما، والمعلق بفعل ووقت
يقع بأيهما سبق انتهى، وقدمناه في فصل إضافة
الطلاق إلى الزمان.
وفي "الخانية": قال لها إن دخلت دار فلان،
وفلان يدخل في دارك فأنت طالق فدخلت المرأة
دار فلان، وفلان لم يدخل دارها حنث في يمينه
لأنه يراد باليمين أحدهما دون الجمع انتهى.
"قوله ويبطل تنجيز الثلاث تعليقه"
أي تعليق الثلاث على ما يشير إليه أكثر الكتب،
ج / 4 ص -54-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأولى أن يعود إلى الزوج ليشمل ما دون
الثلاث كذا في "شرح مسكين"1.
قلت: الأولى أن يعود إلى الطلاق لأن الكلام
فيه حتى لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق
ثلاثا أو قال واحدة أو قال ثنتين ثم طلقها
ثلاثا ثم عادت إليه بعد زوج آخر ثم دخلت لم
تطلق لأن الجزاء طلقات هذا الملك لأنها هي
المانع لأن الظاهر عدم ما يحدث، واليمين تعقد
للمنع أو الحمل وإذا كان الجزاء ما ذكرناه،
وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية فلا
تبقى اليمين. قيد بالثلاث لأنه لو نجز أقل
منها لا يبطل التعليق لأن الجزاء باق لبقاء
محله فلو طلقها ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج
آخر، وقد كان علق الثلاث ثم وجد المعلق طلقت
ثلاثا اتفاقا أما عندهما فلوقوع المعلق كله
لأن الزوج الثاني هدم الواقع، وأما عند محمد
فلوقوع واحدة من المعلق لأن الثاني لا يهدم
عنده، ولو كان المعلق طلقة، والمنجز ثنتين ثم
عادت إليه بعد زوج آخر ثم وجد الشرط فعند محمد
تحرم حرمة غليظة بالمنجز، والمعلق، وعندهما لا
تحرم إذ يملك بعد وقوع الطلاق المعلق ثنتين
لهدم الثاني ما نجزه الأول.
وقيد بالطلاق لأن الملك إذا زال بعد تعليق
العتق لا يبطل التعليق كما إذا قال لعبده إن
دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم دخل
عتق لأن العبد بصفة الرق محل للعتق وبالبيع لم
تفت تلك الصفة حتى لو فاتت بالعتق بطلت اليمين
حتى لو ارتد، ولحق بدار الحرب ثم سبي ثم ملكه
المولى، ودخل الدار لم يعتق كذا في "المعراج"،
وصوابه حتى لو ارتدت لأن المرتد لا يملك
بالسبي، وإنما هو في الأمة.
وقيد بتعليق الطلاق لأن تنجيز الثلاث لا يبطل
الظهار منجزا كان أو معلقا كما إذا قال إن
دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ثم طلقها ثلاثا
ثم دخلت بعدما عادت إليه بعد زوج آخر كان
مظاهرا لأن الظهار تحريم الفعل لا تحريم الحل
الأصلي لكن قيام النكاح شرط له فلا يشترط
بقاؤه لبقاء المشروط كالشهود في النكاح بخلاف
الطلاق لأنه تحريم للحل الأصلي. وفي "فتح
القدير" وأورد بعض أفاضل أصحابنا أنه يجب أن
لا يقع إلا واحدة كقول زفر لقولهم المعلق
تطليقات هذا الملك، والفرض أن الباقي من هذا
الملك ليس إلا واحدة فصار كما لو طلق امرأته
ثنتين ثم قال أنت طالق ثلاثا فإنما يقع واحدة
لأنه لم يبق في ملكه سواها. والجواب أن هذه
مشروطة، والمعنى أن المعلق طلقات هذا الملك
الثلاث ما دام ملكه لها فإذا زال بقي المعلق
ثلاثا مطلقة كما هو اللفظ لكن بشرط بقائها
محلا للطلاق فإذا نجز ثنتين زال ملك الثلاث
فبقي المعلق ثلاثا مطلقة ما بقيت محليتها،
وأمكن وقوعها، وهذا ثابت في تنجيزه الثنتين
فيقع، والله أعلم انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 والمراد به شرح كنز الدقائق لمنلا مسكين.
ج / 4 ص -55-
ولو علق الثلاث، أوالعتق بالوطء لم يجب العقر
باللبث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقدمنا أن مما يبطل التعليق لحاقه بدار الحرب
قال في "المجمع" فلحاقه مرتدا مبطل لتعليقه أي
عند الإمام، وقالا لا لأن زوال الملك لا
يبطله، وله أن إبقاء تعليقه باعتبار قيام
أهليته، وبالارتداد ارتفعت العصمة فلم يبق
تعليقه لفوات الأهلية فإذا عاد إلى الإسلام لم
يعد بعد ذلك التعليق الذي حكم بسقوطه لاستحالة
عود الساقط كذا في شرح المصنف، ومما يبطله فوت
محل الشرط كفوت محل الجزاء كما إذا قال إن
كلمت فلانا فأنت طالق فمات فلان كذا في
"النهاية"*.
ومنه ما إذا قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق
فجعلت الدار بستانا كما في "المعراج" وقدمنا
أن مما يبطله زوال إمكان البر، وذكرنا فروعا
عليه1 عند شرح قوله، وزوال الملك بعد اليمين
لا يبطلها.
وفي "القنية" حلف لا يخرج من بخارى إلا بإذن
هؤلاء الثلاثة فجن أحدهم لا يخرج لأنه إن أفاق
المجنون حنث، ولو مات أحدهم لم يحنث لبطلان
اليمين انتهى.
"قوله ولو علق الثلاث أو العتق بالوطء لم يجب
العقر باللبث" أي لم يجب مهر
المثل للمطلقة ثلاثا والمعتقة بالمكث من غير
فعل لأن الجماع هو إدخال الفرج في الفرج، وليس
له دوام حتى يكون لدوامه حكم ابتدائه كمن حلف
لا يدخل هذه الدار وهو فيها لا يحنث باللبث،
وكذا لو حلف أن لا يدخل دابته الإصطبل وهي فيه
فأمسكها فيه لم يحنث.
وفي "الفوائد الظهيرية" الجماع عبارة عن
الموافقة والمساعدة في أي شيء كان فإن محمدا
كثيرا ما يقول في كتاب الحج على أهل المدينة
ألستم جامعتمونا في كذا أي وافقتمونا، وحكي عن
الطحاوي أنه كان يملي على ابنته مسائل يقول في
إملائه ألسنا قد جامعناكم على كذا أولستم قد
جامعتمونا على كذا فتبسمت ابنته يوما من ذلك
فوقع بصره عليها فقال ما شأنك فتبسمت مرة أخرى
فأحس الطحاوي أنها ذهبت إلى الجماع المعروف
بهذا اللفظ فقال أو يفهم من هذا فاحترق غضبا،
وقطع الإملاء، ورفع يديه إلى السماء، وقال
اللهم لا أريد حياة بعد هذا فتمنى الموت فمات
بعد ذلك من نحو خمسة أيام كذا في "المعراج".
أشار بنفي العقر فقط إلى ثبوت الحرمة باللبث
فإن الواجب عليه النزع للحال، وإلى أنه لو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "31".
..........
* العبارة في الأصل الكافي.
ج / 4 ص -56-
ولم يصر به مراجعاً في الرجعي إلا إذا أولج
ثانياً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جامع في رمضان ناسيا فتذكر ودام على ذلك حتى
أنزل فعليه القضاء، وإن نزع من ساعته لا.
وقيدنا المكث بكونه من غير فعل لأنه لو تحرك
لزمه مهر به لأنه كالإيلاج، ولذا قالوا أولج
ثم قال لها إن جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع
أو لم ينزع، ولم يتحرك حتى أنزل لا تطلق، ولا
تعتق، وإن حرك نفسه طلقت وعتقت، ويصير مراجعا
بالحركة الثانية، ويجب للأمة العقر، ولا حد
عليهما، ولو جامع عامدا قبل الفجر، وطلع الفجر
وجب النزع في الحال فإن حرك نفسه قضى، وكفر
كما لو حرك بعد التذكر في الأولى كذا في
"البزازية": وغيرها من الصوم.
وفي "المعراج": ولو قال: إن وطئتك فيمينه
على الجماع، وقال ابن قدامة الحنبلي. وعن محمد
بن الحسن يمينه على الوطء بالقدم، ولو قال
أردت به الجماع، ولم يقبل، وقد غلط ابن قدامة
في النقل عن محمد فإن محمدا ذكر في أيمان
"الجامع": لو قال لها إن وطئتك فهو على
الجماع في فرجها بذكره، ولو نوى الدوس بالقدم
لا يصدق في الصرف عن الجماع، ويحنث بالدوس
بالقدم أيضا لاعترافه به على نفسه، ولو قال إن
وطئت من غير ذكر امرأة فهو على الدوس بالقدم،
وهو في اللغة والعرف باتفاق أصحابنا اه.
والعقر بالضم: مهر المرأة إذا وطئت على شبهة،
وبالفتح الجرح من عقره أي جرحه فهو عقير كذا
في "الصحاح"، وفي "القاموس" العقر بالضم دية
"الفرج المغصوب"، وصداق المرأة اه. وفي
"المصباح" العقر بالضم دية فرج المرأة إذا
غصبت على نفسها ثم. كثر ذلك حتى استعمل في
المهر انتهى.
واللبث من لبث بالمكان لبثا من باب تعب، وجاء
في المصدر السكون للتخفيف، واللبثة بالفتح
المرة، وبالكسر الهيئة والنوع، والاسم اللبث
بالضم كذا في "المصباح" وفي "القاموس" اللبث
بفتح اللام، وسكون الباء المكث من لبث كسمع،
وهو نادر لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه
التحريك إذا لم يتعد انتهى، وهو أولى مما في
"المصباح" لإيهامه أن المصدر بفتح الباء، وأن
السكون جائز.
"قوله ولم يصر به مراجعا في الرجعي إلا إذا
أولجه ثانيا" أي لم يصر
باللبث مراجعا إذا كان المعلق بالجماع طلاقا
رجعيا عند محمد لأن الدوام ليس بتعرض للبضع،
وقال أبو يوسف يصير مراجعا لوجود المساس
بشهوة، وهو القياس، وجزم المصنف بقول محمد
دليل على أنه المختار لأنه فعل واحد فليس
لآخره حكم فعل على حدة، وقيل ينبغي أن يصير
مراجعا عند الكل لوجود المساس بشهوة كذا في
"المعراج"، وينبغي تصحيح قول أبي يوسف لظهور
دليله
ج / 4 ص -57-
ولا تطلق في إن نكحتها عليكِ، فهي طالق، فنكح
عليها في عدة البائن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاستثناء في كلام المصنف راجع إلى المسألتين
فإذا أولج ثانيا وجب عليه مهر المثل، وصار
مراجعا فجعل الشارح إياه راجعا إلى الثانية
قصور.
وقيد بالمسألتين لأن الحد لا يجب بالإيلاج
ثانيا وإن كان جماعا لما فيه من شبهة أنه جماع
واحد بالنظر إلى اتحاد المقصود، وهو قضاء
الشهوة في المجلس الواحد، وقد كان أوله غير
موجب للحد فلا يكون آخره موجبا له، وإن قال
ظننت أنها علي حرام كما في "المعراج"، ووجب
المهر لأن البضع المحترم لا يخلو عن عقر أو
عقر، وفي "المعراج"، ولقائل أن يقول إذا أخرج
ثم أولج في العتق ينبغي أن يجب الحد لأنه وطئ
لا في ملك، ولا في شبهة، وهي العدة بخلاف
الطلاق لوجود العدة، وجوابه ما ذكر في الكتاب
أن هذا ليس بابتداء فعل من كل وجه لاتحاد
المجلس والمقصود اه.
وقيد بالتعليق للاحتراز عما روي عن محمد لو أن
رجلا زنى بامرأة ثم تزوجها في تلك الحالة فإن
لبث على ذلك، ولم ينزع وجب مهران مهر بالوطء،
ومهر بالعقد وإن لم يستأنف الإدخال لأن دوامه
على ذلك فوق الخلوة بعد العقد كذا نقلوا،
وتخصيص الرواية بمحمد لا يدل على خلاف بل
لأنها رويت عنه دون غيره.
وفي "البزازية": حلف لا يقربها فاستلقى وجاءت
وقضت منه حاجتها يحنث فيما عليه الفتوى، ولو
نائما لا يحنث قال لأمته إن جامعتك فأنت حرة
فالحيلة أن يبيعها من غيره ثم يتزوجها ويطأها
فتنحل لا إلى جزاء ثم يشتريها منه فيطؤها فلا
تعتق. حلف لا يغشاها، وهو عليها فاليمين على
الإخراج ثم الإدخال فإن دام عليها لا يحنث،
وذكر في أول الفصل الثالث عشر في الجماع لا
يحنث بالجماع فيما دون الفرج، وإن أنزل إلا
إذا نوى انتهى.
"قوله ولا تطلق في إن نكحتها عليك فهي طالق
فنكح عليها في عدة البائن"
يعني لا تطلق امرأته الجديدة فيما إذا قال
للتي تحته إن تزوجت عليك امرأة فهي طالق فطلق
امرأته بائنا ثم تزوج أخرى في عدتها لأن الشرط
لم يوجد لأن التزوج عليها أن يدخل عليها من
ينازعها في الفراش، ويزاحمها في القسم، ولم
يوجد. قيد بالبائن لأنه لو كان رجعيا طلقت كما
في "شرح مسكين"، وفي "البزازية": من فصل
الأمر باليد جعل أمر المرأة التي يتزوجها
عليها بأن قال إن تزوجت عليك امرأة فأمرها
بيدك أو قال ما دمت امرأتي ثم طلقها بائنا أو
خالعها وتزوج أخرى في عدتها ثم تزوج بالأولى
لا يصير الأمر بيدها لأن المراد حال المنازعة
في القسم، ولم يوجد وقت الإدخال، وإن قال إن
تزوجت امرأة فأمرها بيدك فأبانها ثم تزوج
بأخرى صار الأمر بيدها. اه.
ج / 4 ص -58-
ولا في أنت طالق إن شاء الله متصلاً، وإن ماتت
قبل قوله: إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "القنية" من باب تفويض الطلاق إن تزوجت
عليك امرأة فأمرها بيدك ثم دخلت المرأة في
نكاحه بنكاح الفضولي، وأجاز بالفعل ليس لها أن
تطلقها، ولو قال إن دخلت امرأة في نكاحي فلها
ذلك، وكذا في التوكيل بذلك انتهى، وفي آخر
الأيمان إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق،
وخرج في الفور، وخلع امرأته ثم سكنها قبل
انقضاء عدتها لا تطلق لأنها ليست بامرأته وقت
وجود الشرط قال إن فعلت كذا فحلال الله علي
حرام ثم قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام
لفعل الآخر ففعل أحد الفعلين حتى بانت امرأته
ثم فعل الآخر فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست
بامرأته عند الشرط، وقيل يقع، وهو الأظهر
انتهى.
وفي "القنية": طلقها ثم قال إن أمسكت امرأتي
إلى مماتي فهي طالق ثلاثا يتركها حتى تنقضي
عدتها ثم يتزوجها بعد يوم لا يقع لأنها بمضي
العدة خرجت عن أن تكون امرأته فبالنكاح لم
يمسك امرأته انتهى.
"قوله: ولا في أنت طالق إن شاء الله متصلا،
وإن ماتت قبل قوله إن شاء الله"
أي لا يقع الطلاق لحديث رواه الترمذي، وحسنه
مرفوعا "من حلف على يمين، وقال إن شاء الله لم
يحنث"1 وقد بحث فيه المحقق ابن الهمام في كتاب
الأيمان.
قيد بالاتصال. لأنه لو كان بينهما سكوت كثير
بلا ضرورة ثبت حكم الكلام الأول بخلاف ما إذا
كان السكوت بالجشاء أو التنفس، وإن كان له منه
بد أو بإمساك غيره فمه أو كان بلسانه ثقل فطال
في تردده، والفاصل اللغو يبطل المشيئة فلذا
طلقت ثلاثا في قوله أنت طالق ثلاثا، وثلاثا إن
شاء الله وفي قوله أنت طالق وطالق وطالق وطالق
إن شاء الله، وفي قوله أنت طالق ثلاثا واحدة
إن شاء الله كقوله عبده حر وحر إن شاء الله
بالواو بخلاف ما إذا كان بدونها للتأكيد،
وبخلاف حر وعتيق إن شاء الله لكونه تفسيرا،
وهو إنما يكون بغير لفظ الأول، وبخلاف طالق
واحدة، وثلاثا إن شاء الله لكونه أفاد التكميل
كقوله أنت طالق وطالق وطالق إن شاء الله.
وفي "المجتبى" من كتاب الأيمان لو قال أنت
طالق رجعيا إن شاء الله يقع، ولو قال بائنا لا
يقع لأن الأول لغو دون الثاني، وفي القنية
بعده، ولو قال أنت طالق رجعيا أو بائنا إن شاء
الله يسأل عن نيته فإن عنى الرجعي لا يقع، وإن
عنى البائن يقع، ولا يعمل الاستثناء. اه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي، كتاب الأيمان والنذور، باب
ما جاء في الاستثناء في اليمين "1531"، وابن
ماجه، كتاب الكفارات، باب الاستثناء في اليمين
"2105". والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب
الاستثناء "7/25" وذكره الزيلعي في نصب الراية
"3/302".
ج / 4 ص -59-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصوابه إن عنى الرجعي يقع لعدم صحة الاستثناء/
للفاصل، وإن عنى البائن لم يقع لصحة
الاستثناء. وفي "البزازية": أنت طالق ثلاثا
يا زانية إن شاء الله يقع، وصرف الاستثناء إلى
الوصف، وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله،
وكذا أنت طالق يا صبية إن شاء الله يصرف
الاستثناء إلى الكل، ولا يقع الطلاق كأنه قال
يا فلانة، والأصل عنده أن المذكور في آخر
الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزم به حد
كقوله يا طالق يا زانية فالاستثناء على الكل
انتهى.
وأطلق فشمل ما إذا أتى بالمشيئة عن قصد أو لا
فلا يقع فيهما، وكذا إذا كان لا يعلم المعنى
فلو شهدا أنه استثنى متصلا، وهو لا يذكره
قالوا إن كان بحال لا يدري ما يجري على لسانه
لغضب جاز له الاعتماد عليهما، وإلا لا.
وشمل ما إذا ادعى الاستثناء وأنكرته، وإن
القول قوله وكذا في دعوى الشرط، ولو شهدوا أنه
طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه لم
يستثن تقبل، وهذا مما تقبل فيه البينة على
النفي لأنه في المعنى أمر وجودي لأنه عبارة عن
ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب، وإن قالوا
أطلق، ولم نسمع منه غير كلمة الخلع، والزوج
يدعي الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله، ولم
يسمعوه، والشرط سماعه لا سماعهم على ما عرف في
"الجامع الصغير"، وفي "الصغرى" إذا ذكر البدل
في الخلع لا تسمع دعوى "الاستثناء" كذا في
"البزازية"، وفي "الخانية": لو قال الزوج
طلقتك أمس، وقلت إن شاء الله ففي "ظاهر
الرواية" يكون القول قول الزوج، وذكر في
النوادر خلافا بين أبي يوسف و محمد فقال على
قول أبي يوسف يقبل قول الزوج. وعلى قول محمد
لا يقبل قوله ويقع الطلاق، وعليه الاعتماد
والفتوى احتياطا في أمر الفروج في زمن غلب على
الناس الفساد انتهى.
وأشار بصحة المشيئة في الطلاق إلى صحتها في كل
ما كان من صيغ الإخبار، وإن كانت إنشاءات شرعا
فدخل البيع والاعتكاف والعتق والنذر بالصوم،
وخرج الأمر والنهي فلو قال اعتقوا عبدي من بعد
موتي إن شاء الله لا يصح الاستثناء، وكذا بع
عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يصح
الاستثناء، وكذا بع عبدي هذا إن شاء الله لم
يبعه، وخرج ما لم يختص باللسان كالنية فلو قال
نويت أن أصوم إن شاء الله صح صومه.
وأشار بإسناد المشيئة إلى الله تعالى إلى كل
من لم يوقف له على مشيئة كإن شاء الجن أو
الإنس أو الملائكة أو الحائط فلا يقع في الكل
فخرج من يوقف له عليها كإن شاء زيد فهو تمليك
له معتبر فيه مجلس علمه فإن شاء فيه طلقت،
وإلا خرج الأمر من يده، وصورة مشيئته أن يقول
شئت ما جعله إلي فلان، ولا تشترط فيه نية
الطلاق، ولا ذكره كما في "الجوهرة"، ودخل في
ج / 4 ص -60-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلامه ما إذا علقه بمشيئة الله ومشيئة من يوقف
على مشيئته كما إذا قال إن شاء الله، وشاء زيد
فلا وقوع، وإن شاء زيد كما في "البدائع".
وقدمنا عن تلخيص "الجامع" حكم ما إذا قال
أمرها بيد الله وبيدك، وأشار بكلمة إن إلى ما
كان بمعناها فدخل إلا أن يشاء الله أو ما شاء
الله أو إذا شاء الله أو بمشيئة الله
وبالمشيئة إلى ما كان بمعناها كالإرادة
والمحبة والرضا بجميع الأدوات المتقدمة لا فرق
بين إن، والباء فخرج ما لم يكن بمعناها كأمره
وحكمه وإرادته وقضائه وإذنه وعلمه وقدرته فإنه
يقع للحال إن كان بالباء، وإن أضافه إلى
العبد، وخرج أيضا ما إذا كان باللام فإنه يقع
في الوجوه كلها، وإن أضافه إلى العبد، وأما
إذا كان بقي، وأضافه إلى الله تعالى فإنه لا
يقع في الوجوه كلها إلا في قوله طالق في علم
الله، وإلا في قوله في قدرة الله إن أراد
بالقدرة ضد العجز لأن قدرة الله تعالى موجودة
قطعا كالعلم سواء بخلاف ما إذا لم ينو لأنها
بمعنى التقدير، ولا يعلم تقديره كذا في
"المحيط".
والحاصل: أنه إن أتى بإن لم يقع في الكل، وإن
أتى بالباء لم يقع في المشيئة والإرادة والرضا
والمحبة، ووقع في الباقي، وإن أتى بفي لم يقع
إلا في علم الله، وإن أتى باللام وقع في الكل،
وإن أضافه إلى العبد كان تمليكا في الأربعة
الأولى، وهي المشيئة وأخواتها، وما بمعناها
كالهوية والرؤية تعليقا في الستة، وهي الأمر،
وأخواته.
وأطلقه فشمل ما إذا كتب الطلاق، والاستثناء أو
كتب الطلاق، واستثنى بلسانه أو طلق بلسانه،
واستثنى بالكتابة يصح كما في "البزازية".
وأشار بإن بدون الواو إلى أنه لو قال أنت
طالق، وإن شاء الله فإنه لا يصح الاستثناء كما
في "الجوهرة". ولو قدم المشيئة، ولم يأت
بالفاء صحت المشيئة، ولا تطلق لكونه إبطالا،
وعليه الفتوى كما في "الخانية"، وهو الأصح كما
في "البزازية": معزيا كل منهما إلى أبي يوسف،
وقد حكى صاحب "المجمع" خلافا فيه فقال وإن شاء
الله أنت طالق يجعله تعليقا، وهما تطليقا
فأفاد أنه يقع عند أبي يوسف لكونه تعليقا
عنده، والشرط فيه الفاء في الجواب المتأخر
فإذا لم يأت به لا يتعلق فينجز، ولغت المشيئة،
ولا يقع عند أبي حنيفة ومحمد لأنه ليس بتعليق
هذا ما يقتضيه ما في المتن، وقرره الزيلعي
وابن الهمام، وغيرهما، وقد خالف شارح "المجمع"
فنسب إلى أبي يوسف القائل بالتعليق عدم
الوقوع، وإليهما الوقوع نظرا إلى ما نقله قاضي
خان في هذه المسألة من أن عدم الوقوع قول أبي
يوسف.
فالحاصل: أن ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قدم
المشيئة، ولم يأت بالفاء في الجواب، ويصدق على
القول بالوقوع ديانة أنه أراد الاستثناء كما
في "الجوهرة"، ولو أجاب بالواو فهو استثناء
ج / 4 ص -61-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إجماعا، وفي "الإسبيجابي" لا يصح الاستثناء
بذكر الواو بالإجماع قال في "الجوهرة"، وهو
الأظهر، وتظهر أيضا فيمن حلف بالطلاق إن حلف
بطلاقها ثم قال أنت طالق إن شاء الله حنث على
القول بالتعليق لا الإبطال قال في "فتح
القدير": وفي فتاوى قاضي خان الفتوى على قول
أبي يوسف إلا أنه عزي إليه الإبطال فتحصل على
أن الفتوى على أنه إبطال ا ه.
فظاهره أن الفتوى على عدم الوقوع فيما إذا قدم
المشيئة، ولم يأت بالفاء، وفيما إذا حلف
بالطلاق إن حلف بطلاقها ثم حلف مستثنيا، وليس
كذلك لما صرح به "قاضيخان" بأن الفتوى على عدم
الوقوع في الأولى، وهو قول أبي يوسف كما
قدمناه، وصرح في "البزازية": بأن الفتوى على
الوقوع في المسألة الثانية، وهو قول أبي يوسف.
وقوله إلا أنه أي قاضي خان عزا إليه أي إلى
أبي يوسف الإبطال سهوا، وإنما عزي إليه
اليمين، ولا بأس بسوق عبارته بتمامها.
قال: ولو قال إن شاء الله أنت طالق لا تطلق
في قول أبي يوسف، وتطلق في قول محمد، والفتوى
على قول أبي يوسف، وكذا لو قال إن شاء الله،
وأنت طالق ثم اختلف أبو يوسف ومحمد أن الطلاق
المقرون بالاستثناء في موضع يصح الاستثناء هل
يكون يمينا؟
قال أبو يوسف يكون يمينا حتى لو قال إن حلفت
بطلاقك فعبدي حر ثم قال لها أنت طالق إن شاء
الله حتى يصح الاستثناء حنث في قول أبي يوسف.
وقال محمد: لا يكون يمينا، ولا يحنث، وعلى
هذا لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار،
وعبده حر إن كلمت فلانا إن شاء الله تعالى على
قول محمد ينصرف الاستثناء إلى الطلاق والعتاق
جميعا، وعلى قول أبي يوسف ينصرف الاستثناء إلى
اليمين الثانية ا ه.
فقد ظهر بهذا أن أبا يوسف قائل بأنها يمين لا
إبطال، وإن على القول بالتعليق لا يقع الطلاق
فيما إذا قدم الشرط، ولم يأت بالفاء في الجزاء
كما في "شرح "المجمع" لا أنه يقع على القول
به، وإن "شارح المجمع" قد غلط كما توهمه في
"فتح القدير": وأن أبا يوسف القائل بعدم
الوقوع في الأولى قائل بالوقوع في الثانية،
وأن الفتوى على قوله في المسألتين فتحصل من
هذا أن الفتوى على أنه تعليق لا إبطال، ولكن
فيه إشكال، وهو أن مقتضى التعليق الوقوع عند
عدم الفاء لعدم الرابط، ومما يظهر فيه ثمرة
الخلاف ما لو قال كنت طلقتك أمس إن شاء الله
عندهما لا يقع، وعند أبي يوسف يقع كذا في
"المحيط": فثمرة الخلاف تظهر في هذه، وفيما
إذا أخر الجواب، ولم يأت بالفاء أو أتى
بالواو، وحلف أن لا يحلف أو تعقب جملا، وقيد
بموتها لأنه إذا مات الزوج قبل الاستثناء، وهو
يريده يقع الطلاق، وتعلم إرادته بأن ذكر لآخر
قصده قبل التلفظ بالطلاق. والفرق بين موتها
وموته أن بالاستثناء خرج الكلام من أن يكون
إيجابا، والموت ينافي الموجب دون المبطل
ج / 4 ص -62-
وفي أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة يقع ثنتان وفي
الإثنتين واحدة وفي إلا ثلاثاً ثلاث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف موته لأنه لم يتصل به الاستثناء كذا في
"الهداية".
وفي "البزازية": لو قال أنت طالق إن شاء الله
أنت طالق فالاستثناء ينصرف إلى الأول، ويقع
الثاني عندنا خلافا لزفر فإنه ينصرف إليهما
عنده، ولا يقع شيء، وكذا لو قال أنت طالق
ثلاثا إن شاء الله أنت طالق وقعت واحدة في
الحال، وينبغي أن يكون المفتى به قول زفر لأن
إن شاء الله صالح لتعليق الطلاق الأول اتفاقا،
ولتعليق الأخير أيضا، وإن لم تكن الفاء فيه
لما تقدم أن عند أبي يوسف إذا قدم الشرط، وأخر
الجزاء، ولم يأت بالفاء لا يقع شيء، وعليه
الفتوى.
وأشار بقوله إن شاء الله إلى أنه لو قال أنت
طالق إن لم يشأ الله لا يقع شيء فأفاد أنه لو
قال أنت طالق واحدة إن شاء الله، وأنت طالق
ثنتين إن لم يشأ الله لا يقع شيء أما في الأول
فللاستثناء، وأما في الثاني فلأنا لو أوقعناه
علمنا أن الله تعالى شاء لأن الوقوع دليل
المشيئة لأن كل واقع بمشيئة الله تعالى، وهو
علق في الثاني بعدم مشيئة الله تعالى لا
بمشيئته جل وعلا فيبطل الإيقاع ضرورة. ولو قال
أنت طالق اليوم واحدة إن شاء الله، وإن لم يشأ
فثنتين فمضى اليوم، ولم يطلقها طلقت ثنتين لأن
وقوع ثنتين تعلق بعدم مشيئة الله تعالى
الواحدة في اليوم، وبمضيه بلا طلاق وجد الشرط
ثم اعلم أن مذهبنا كما قدمناه عدم الوقوع في
المعلق بالمشيئة نواه، وعلم معناه أو لا، وعند
مالك يقع مطلقا، وعند الشافعي إن نواه، وعلمه
لا يقع، وإلا يقع، وعند المعتزلة كما في
"البزازية": إن كان يمسكها بمعروف لا يقع
الطلاق، وإن كان يسيء معاشرتها يقع لأن الطلاق
في الأول حرام، والقبائح لا تعلق لها بمشيئة
الله تعالى، وفي الثاني واجب، وبه تتعلق
مشيئته تعالى، وإن كان لا يحسن ولا يضر
فالطلاق مباح، وهل يتعلق بالمباح مشيئة الله
تعالى ففيه خلاف بين المعتزلة اه.
وقيد بقوله: إن شاء الله لأنه لو قال أنت
طالق كيف شاء الله فإنها تطلق رجعية كما في
"الخلاصة"، وقدمناه، وفي "المحيط"، ولو حرك
لسانه بالاستثناء يصح، وإن لم يكن مسموعا عند
الكرخي، وعند الهندواني لا يصح ما لم يكن
مسموعا على ما مر في الصلاة ا ه.
"قوله وفي أنت طالق ثلاثا إلا واحدة تقع
ثنتان، وفي الاثنتين واحدة، وفي الأثلاث ثلاث"
شروع في بيان الاستثناء، وهو في الأصل نوعان
وضعي وعرفي فالعرفي ما تقدم من التعليق
بالمشيئة والوضعي هو المراد هنا، وهو بيان
بإلا أو إحدى أخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم
الصدر. قد اتفقوا على أن ما بعد إلا لم يرد
بحكم الصدر فالمقر به ليس إلا سبعة في علي
عشرة إلا ثلاثة، وإنما اختلفوا هل أريد ما بعد
إلا بالصدر فأكثر "الأصول"يين أنه لم يرد،
وكلمة إلا قرينة عليه، وجماعة على أنه أريد ما
بعد الإثم أخرج ثم حكم على الباقي، والمراد
أنه أريد عشرة في
ج / 4 ص -63-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المثال، وحكم على سبعة فأراد العشرة باق
بعد الحكم، وما نسب إلى الشافعي من القول
بالمعارضة فمعناه أنه أسند الحكم إلى العشرة
مثلا ثم نفى الحكم عن ثلاثة فتعارضا صورة ثم
ترجح الثاني فيحكم أن المراد بالأول ما سواه،
وليس مراده حقيقة النسبة إليهما لأن حقيقة
التناقض لم يقل به عاقل فاندفع ما ذكره
الشارح، وغيره من الاستدلال عليه بقوله تعالى
{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت: 14] لأنه في غير محل النزاع، وتمامه في التحرير لابن
الهمام، ولم يقيد المصنف بالاتصال هنا اكتفاء
بما ذكره فيما قبله لما قدمنا أن كلا منهما
استثناء.
ويبطل الاستثناء بأربعة بالسكتة اختيارا،
وبالزيادة على المستثنى منه كأنت طالق ثلاثا
إلا أربعا وبالمساواة، وباستثناء بعض الطلاق
كأنت طالق إلا نصفها كذا في "البزازية"، وزاد
في "الخانية": خامسا فقال والخامس ما يؤدي
إلى تصحيح بعض الاستثناء، وإبطال البعض كما لو
قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا، ولو قال
أنت طالق ثلاثا يا فلانة إلا واحدة وقعت
ثنتان، ولا يصير النداء فاصلا لأنه للتأكيد
كما في "الولوالجية".
وأشار باستثناء الثنتين إلى جواز استثناء
الأكثر، وأفاد بقوله، وفي إلا ثلاثا ثلاث عدم
جواز استثناء الكل من الكل.
وحاصله: أنه إذا كان بلفظ المستثنى منه أو
بمساو، ولم يكن بعده استثناء آخر فإن
الاستثناء باطل فالأول كمسألة الكتاب، وكقوله
نسائي طوالق إلا نسائي، وعبيدي أحرار إلا
عبيدي، وكما إذا أوصى بثلث ماله، [إلا بثلث
ماله]* ومن المساوي أنت طالق ثلاثا إلا واحدة
وواحدة وواحدة أو إلا ثنتين وواحدة.
وفي "الولوالجية" من آخر العتق قال لعبيده
الثلاث أنتم أحرار إلا فلانا وفلانا وفلانا
يقع العتق، ولا يصح الاستثناء لأنه استثناء
الكل من الكل اه.
وفي قياسه أنتن طوالق إلا فلانة وفلانة
وفلانة، وليس له أربعة، وهو من قبيل المساوي
بخلاف ما إذا كان بغير المساوي كقوله كل امرأة
لي طالق إلا هذه، وليس له سواها لا تطلق لأن
المساواة في الوجود لا تمنع صحته إن عم وضعا
لأنه تصرف صيغي كقوله نسائي طوالق إلا زينب
وهندا وعمرة وبكرة، وأوصيت بثلث مالي إلا
ألفا، والثلث ألف فإنه يصح، وعبيدي أحرار إلا
فلانا وفلانا، وليس له إلا هما.
.....................
* ما بين معكوفتين زيادة من الأصل.
ج / 4 ص -64-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "الجوهرة": واختلفوا في استثناء الكل قال
بعضهم هو رجو، وقال بعضهم هو استثناء فاسد،
وليس برجوع، وهو الصحيح لأنهم قالوا في الموصي
إذا استثنى جميع الموصى به فإنه يبطل
الاستثناء، والوصية صحيحة، ولو كان رجوعا
لبطلت الوصية لأن الرجوع فيها جائز اه. وفي
"المحيط": لو قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا
ثنتين إن نوى الاستثناء عن إحدى الثنتين لم
يصح لأنه استثناء الكل من الكل. وإن نوى واحدة
من الأولى، وواحدة من الأخرى يصح، وإن لم تكن
له نية يصح الاستثناء، ويقع ثنتان خلافا لزفر
لأنه أمكن تصحيح الاستثناء بأن يصرف إلى كلا
العددين فيصير مستثنى من كل جملة واحدة فيصرف
إليهما تصحيحا لكلامه. وروى هشام عن محمد لو
قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا أو أنت
طالق ثنتين وأربعا إلا خمسا وقع الثلاث لأنه
تعذر تصحيح الاستثناء لأن استثناء الثلاث من
الثنتين لا يصح لأنه يزيد عليه، ولا استثناء
نصف الثلاث من كل ثنتين لأنه استثناء جميع
الثنتين لأن ذكر نصف ما لا يتجزأ كذكر كله،
ولا استثناء واحدة من إحدى الثنتين لأنه يبقى
ثنتين استثناء من الأخرى، وأنه لا يصح، ولو
قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو ثنتين، ومات
قبل البيان طلقت واحدة في راية ابن سماعة عن
أبي يوسف، وفي رواية أخرى يقع ثنتان، ولو قال
أنت طالق عشرا إلا تسعا يقع واحدة لأن
الاستثناء يرد على اللفظ فيكون العبرة للفظ لا
للحكم، وباعتبار هذا اللفظ استثناء البعض من
الكل، ولو قال إلا ثمانيا تقع ثنتان، ولو قال
إلا سبعا يقع الثلاث، ولو قال للمدخولة أنت
طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة يقع الثلاث،
وكذا لو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا
واحدة لأنه ذكر كلمات متفرقة فيعتبر كل كلام
في حق صحة الاستثناء كأنه ليس معه غيره، وكذا
لو قال أنت طالق بائن، وأنت طالق غير بائن إلا
تلك البائن لا يصح الاستثناء، وكذا لو قال هذه
طالق، وهذه، وهذه إلا هذه ولو قال أنتن طوالق
إلا هذه صح الاستثناء اه.
وقيدنا بكونه لم يكن بعده استثناء آخر لأنه لو
كان بعده ما يكون جبرا للصدر فإنه يصح كقوله
أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة/ فإنها
تطلق واحدة، والأصل أنه إذا تعدد الاستثناء
بلا واو كان كل إسقاطا مما يليه فوقع ثنتان في
قوله أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة،
ولزمه خمسة في قوله له علي عشرة إلا تسعة إلا
ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة
إلا ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة. وفي "المحيط"،
وطريقة أخرى لمعرفتها أن تأخذ الثلاث بيمينك
والثنتين بيسارك، والواحدة بيمينك ثم تسقط ما
اجتمع في يسارك مما اجتمع في يمينك فما بقي
فهو الواقع اه.
وقيد بقوله إلا واحدة لأنه لو قال أنت طالق
ثلاثا إلا نصف واحدة لا يصح الاستثناء
ج / 4 ص -65-
ووقع
الثلاث على المختار، وقد ذكر المصنف المستثنى
والمستثنى منه من غير وصف لأنه لو قال أنت
طالق ثلاثا بائنة إلا واحدة أو ثلاثا ألبتة
إلا واحدة وقع ثنتان رجعيتان، ولو قال أنت
طالق ثنتين إلا واحدة بائنة أو إلا واحدا
بائنا تطلق واحدة رجعية، ولو قال أنت طالق
ثنتين ألبتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة. وكذا
لو قال أنت طالق ثنتين إلا واحدة ألبتة تقع
واحدة بائنة، وتمامه في "البزازية".
وفي "الولوالجية": أنت طالق ثلاثا إلا واحدة
غدا أو قال إلا واحدة إن كلمت فلانا يصير
قائلا أنت طالق ثنتين غدا أو إن كلمت فلانا،
ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة للسنة كانت
طالقا اثنتين للسنة عند كل طهر تطليقة واحدة
لأنه صار كأنه قال أنت طالق ثنتين للسنة
وتمامه في "المحيط"، ولو قال أنت بائن ينوي
ثلاثا إلا واحدة طلقت ثنتين بائنتين، وقال
محمد طلقت واحدة، ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا
نصفها يقع ثنتان، ولو قال إلا أنصافهن يقع
الثلاث كذا في "الخانية"، والله سبحانه،
وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
5 - باب طلاق المريض
طلقها
رجعياً، أو بائناً في مرضه، ومات في عدتها
ورثت، وبعدها لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- باب طلاق
المريض
لما كان
المرض من العوارض أخره، ومعناه ضروري فتعريفه
تعريف بالأخفى، والمراد به هنا من عجز عن
القيام بحوائجه خارج البيت كعجز الفقيه عن
الإتيان إلى المسجد وعجز السوقي عن الإتيان
إلى دكانه فأما من يذهب ويجيء ويحم فلا، وهو
الصحيح، وهذا في حقه أما في حقها فيعتبر عجزها
عن القيام بمصالحها داخل البيت كذا في
"البزازية"، وزاد في "فتح القدير": أن لا
تقدر على الصعود إلى السطح، وفي صلاة المريض
الذي يباح له ترك القيام أن يكون بحيث يلحقه
بالقيام ضرر على الأصح كما في "الجوهرة"، وليس
الحكم هنا مقصورا على المريض بل المراد من
يخاف عليه الهلاك غالبا، وإن كان صحيحا كما
سيأتي1، وقد علم من كلامهما أنه لا يجوز للزوج
المريض التطليق لتعلق حقها بماله إلا إذا رضيت
به.
"قوله طلقها رجعيا أو بائنا في مرض موته، ومات
في عدتها ورثت وبعدها لا" لأن
الزوجية سبب إرثها في مرض موته، والزوج قصد
إبطاله فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمن
انقضاء العدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "72".
ج / 4 ص -66-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دفعا للضرر عنها، وقد أمكن لأن النكاح في
العدة يبقى في حق بعض الآثار فجاز أن يبقى في
حق إرثها عنه بخلاف ما بعد الانقضاء لأنه لا
مكان، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه
عنها فيبطل في حقه خصوصا إذا رضي به، وفي
"الظهيرية"، وإن كانت المطلقة في المرض
مستحاضة، وكان حيضها مختلفا ففي الميراث يؤخذ
بالأقل لأن المال لا يستوجب بالشك اه.
أطلق الرجعي ليفيد أنها ترث، وإن طلق في الصحة
ما دامت في العدة لبقاء الزوجية بينهما حقيقة
حتى حل الوطء، وورثها إذا ماتت فيها. ولا
يشترط أهليتها للإرث وقت الطلاق بل وقت موته
حتى لو كانت في الرجعي مملوكة أو كتابية ثم
أعتقت أو أسلمت في العدة ورثته.
وأطلق البائن فشمل الواحدة والثلاث، وترك
المصنف قيد الطواعية، ولا بد منه لأنه لو أكره
على طلاقها البائن لا ترث كما لو أكرهت على
سؤالها الطلاق فإنها ترث كما في القنية، وذكر
في "جامع الفصولين" خلافا فيه.
وقيد بأن يكون في مرضه احترازا عما إذا طلق في
الصحة ثم مرض، ومات، وهي في العدة لا ترث منه،
ولو قال صحيح لامرأتيه إحداكما طالق ثم بين في
مرضه في إحداهما صار فارا بالبيان، وترث لأنه
كالإنشاء في حق الإرث للتهمة، وتمامه في
"الكافي"، وأراد به المرض الذي اتصل به الموت
لأن حقها لا يتعلق بماله إلا به فلو طلقها في
مرضه ثم صح ثم مات، وهي في العدة لا ترث منه
كما سيأتي، ولو طلقها في مرضه ثم قتل أو مات
من غير ذلك المرض غير أنه لم يبرأ فلها
الميراث لأنه قد اتصل الموت بمرضه كذا في
"الظهيرية"، ولا بد في البائن أن تكون أهلا
للميراث وقت الطلاق، والموت، وما بينهما،
وسيأتي1، ولا يشترط علمه بأهليتها للميراث حتى
لو طلقها بائنا في مرضه، وقد كان سيدها أعتقها
قبل، ولم يعلم به الزوج كان فارا. وكذا لو كان
تحته كتابية فأسلمت فطلقها الزوج ثلاثا، وهو
لا يعلم بإسلامها كما في "الظهيرية" بخلاف ما
لو قال المولى لأمته أنت حرة غدا، وقال الزوج
أنت طالق ثلاثا بعد غد إن علم الزوج بكلام
المولى كان فارا، وإلا فلا كما في "الخانية":
لأنه وقت التعليق لم يقصد إبطال حقها حيث لم
يعلم، وإن صارت أهلا قبل نزول الطلاق، ولم تكن
حرة وقت التعليق لأن عتقها مضاف بخلاف ما إذا
كانت حرة وقته، ولم يعلم به لأنه أمر حكمي فلا
يشترط العلم به، ولو علق طلاقها البائن بعتقها
كان فارا كما في "الظهيرية"، ولو علق طلاقها
بمرضه كما إذا قال إن مرضت فأنت طالق ثلاثا
يكون فارا لأنه جعل شرط الحنث المرض مطلقا كما
في "الولوالجية"، وصححه في "الخانية"، وشمل
كلامه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "68".
ج / 4 ص -67-
ولو أبانها بأمرها، أو ختلعت منه، أو اختارت
نفسها بتفويضه لم ترث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما إذا وكل بطلاقها، وهو صحيح ثم مرض فطلق
الوكيل بشرط أن يقدر على عزله أما إذا لم
يستطع عزله حتى طلقها في مرضه لا ترث منه كما
في "الظهيرية"، وفي "الولوالجية" لو قالت بعد
موته طلقني في مرضه ثلاثا، وكذبها الورثة في
الطلاق في المرض ورثته لأنهم يدعون عليها
الحرمان بالطلاق في الصحة، وهي تنكر فيكون
القول لها كما لو قالت طلقني وهو نائم، وقالوا
في اليقظة كان القول لها.
وفي "الخانية": لو كانت المرأة أمة قد عتقت،
ومات الزوج فادعت المرأة العتق في حياة الزوج
وادعت الورثة أنه كان بعد موته فالقول للورثة،
ولا يعتبر قول مولاها كما إذا ادعت أنها أسلمت
في حياته، وقال الورثة أسلمت بعد موته فالقول
لهم، والقول لها في أنه مات قبل انقضاء عدتها
مع اليمين فإن نكلت لا إرث لها، ولو تزوجت قبل
موته ثم قالت لم تنقض عدتي لا يقبل قولها، ولو
لم تتزوج لكنها قالت أيست ثم مات بعد مضي
ثلاثة أشهر من وقت إقرارها لا ميراث لها ا ه.
وفي "المحيط": وإن لم يعلم منها كفر فقالت
الورثة كنت كتابية، وأسلمت بعد موت الزوج، وهي
تقول ما زلت مسلمة فالقول قولها لأن الورثة
يدعون بطلان حقها، وهي تنكر، ولو مات الزوج
كافرا فقالت امرأة مسلمة أسلمت بعد موت زوجي،
وقالت الورثة بل كنت مسلمة قبل موته فالقول
لهم لأنه ظهر بطلان حقها حيث كانت مسلمة للحال
فهي تدعي ثبوت حقها في ماله، والورثة ينكرونه.
ا ه.
وأشار بقوله في عدتها إلى أنها مدخولة فلو
أبانها قبل الدخول بها فلا ميراث لها لأنه
تعذر إبقاء الزوجية في غير حالة العدة كما في
"المحيط".
وقيد بموته لأنه لو ماتت المرأة لم يرثها
الزوج بحال لأن الزوج بالطلاق رضي ببطلان حقه
كذا في "المحيط"، وفي جامع الفصولين طلقها في
المرض فمات بعد مضي العدة فالمشكل من متاع
البيت لوارث الزوج إذا صارت أجنبية بمضي
العدة، ولم يبق لها يد، ولو مات قبل العدة
فالمشكل من متاع البيت للمرأة عند أبي حنيفة
لأنها ترث فلم تكن أجنبية فكأنه مات قبل
الطلاق. ا ه.
"قوله ولو أبانها بأمرها أو اختلعت منه أو
اختارت نفسها بتفويضه لم ترث"
لأنها رضيت بإبطال حقها للأمر منها بالعلة في
الأولى، ولمباشرتها العلة في الأخيرين أما في
التخيير فظاهر لأنه تمليك منها، وأما في الخلع
فلأن التزام المال علة العلة لأنه شرى الطلاق
قيد بالبائن لأنها لو سألته الرجعي فطلقها لا
يمتنع إرثها لما قدمنا أنها زوجة حقيقة.
ج / 4 ص -68-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بكونه طلق بأمرها لأنها لو طلقت نفسها
بائنا فأجاز ترث لأن المبطل للإرث أجازته كما
في "القنية"، وأراد بالأمر الرضا بالطلاق فخرج
ما لو أكرهت على سؤالها الطلاق فإنها ترث لعدم
الرضا، وشمل ما لو وقعت الفرقة بتمكين ابن
الزوج فلا ترث إلا أن يكون أبوه أمره بذلك
فقربها مكرهة لأنه بذلك ينتقل إليه فيصير
كالمباشر، وشمل ما إذا فارقته بسبب الجب أو
العنة أو خيار البلوغ والعتق فلا ترث لرضاها،
وكذا لو ارتدت، وهو مريض، وأشار باختلاعها منه
إلى مباشرتها لعلة الطلاق فدخل فيه ما لو
أبانها في مرضه ثم قال لها إذا تزوجتك فأنت
طالق ثلاثا ثم تزوجها في العدة، ومات من مرضه
حيث لا ترث لأنه موت في عدة مستقبلة فأبطل حكم
الفرار بالطلاق الأول والطلاق الثاني. وإن وقع
إلا أن شرطه، وهو التزوج حصل بفعلها فلا يكون
إقرارا خلافا لمحمد كذا في "الخانية": .
وقيد باختلاعها منه لأنه لو خلعها أجنبي من
زوجها المريض مرض الموت فلها الإرث لو مات
الزوج في مرضه ذلك، وهي في العدة لأنها لم ترض
بهذا الطلاق فيصير الزوج فارا كذا في "جامع
الفصولين"، ولم يذكر المصنف حكم ما إذا وقعت
الفرقة من قبلها في مرض موتها، ولا يخفى أنه
لما تعلق حقها بما له في مرض موته تعلق حقها
بما لها في مرض موتها فلو باشرت سبب الفرقة،
وهي مريضة، وماتت قبل انقضاء عدتها ورثها كما
إذا وقعت الفرقة باختيارها نفسها في خيار
البلوغ والعتق أو بتقبيلها ابن زوجها، وهي
مريضة لأنها من قبلها، ولذا لم يكن طلاقا،
وهذا ظاهر. وأما إذا وقعت بسبب الجب أو العنة
أو اللعان، وهي مريضة فمشى الشارح على أنها
كالأول، وفي "الخانية"، ونقله في "فتح
القدير": عن "الجامع" أنه لا يرثها لأنها
طلاق فكانت مضافة إليه، وعزاه في "المحيط":
إلى "الجامع" أيضا مقتصرا عليه، وجزم به في
"الكافي" فكان هو المذهب. وإذا ارتدت المرأة
ثم ماتت أو لحقت بدار الحرب إن كانت الردة في
الصحة لا يرثها زوجها. وإن كانت في المرض
ورثها زوجها استحسانا بخلاف ما إذا ارتد فقتل
أو لحق بدار الحرب أو مات على الردة فإنها
ترثه مطلقا، وإن ارتدا معا ثم أسلم أحدهما ثم
مات أحدهما إن مات المسلم لا يرث المرتد، وإن
كان الذي مات مرتدا هو الزوج ورثته المسلمة،
وإن كانت المرتدة قد ماتت فإن كانت ردتها في
المرض ورثها الزوج المسلم، وإن كانت في الصحة
لم ترث كذا في "الخانية"، وفي "الكافي" الأصل
أن المأمورين بالطلاق بغير بدل ينفرد كل واحد
منهما بالإيقاع، والمأمورين بالطلاق بالبدل لا
ينفرد أحدهما بالإيقاع بل يشترط اجتماعهما،
وأن التمليك يقتصر على المجلس، والتوكيل لا،
ومن عمل لنفسه فهو مالك، ومن عمل لغيره فهو
وكيل، وامرأة الفار لم ترث إن باشرت علة
الفرقة أو شرطها أو أخر وصفي العلة أو إحدى
العلتين، وإن باشرت بعض العلة أو بعض الشرط لم
يبطل حقها من الإرث قال المريض لامرأتيه بعد
الدخول طلقا
ج / 4 ص -69-
وفي طلقني رجعية فطلقها ثلاثاً ورثت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنفسكما ثلاثا فطلقت كل نفسها وصاحبتها على
التعاقب طلقتا ثلاثا بتطليق الأولى وتطليق
الأخرى نفسها بعد ذلك، وصاحبتها باطل فإذا
طلقت الأولى نفسها وصاحبتها طلقتا وورثت
الثانية دون الأولى بخلاف ما إذا ابتدأت
الأولى فطلقت صاحبتها دون نفسها حيث يقع
الطلاق على صاحبتها، ولم يقع عليها لأنها في
حق نفسها مالكة، والتمليك يقتصر على المجلس
فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الأمر من يدها،
وورثت، وكذا لو ابتدأت كل واحدة بتطليق
صاحبتها لأن كل واحدة طلقت بتطليق غيرها، وإن
طلقت كل واحدة نفسها، وصاحبتها معا طلقتا، ولم
يرثا لأن كل واحدة طلقت بتطليق نفسها. وإن
طلقت إحداهما بأن قالت إحداهما طلقت نفسي،
وقالت الأخرى طلقت صاحبتي، وخرج الكلامان معا
طلقت تلك الواحدة، ولا ترث، وإن طلقت إحداهما
نفسها ثم طلقتها صاحبتها طلقت، ولا ترث، وعلى
العكس ترث هذا كله إذا كانتا في مجلسهما ذلك
فإن قامتا عن مجلسهما ذلك ثم طلقت كل نفسها
وصاحبتها معا أو على التعاقب أو طلقت كل واحدة
صاحبتها ورثتا، ولو طلقت كل واحدة منهما نفسها
لم تطلق واحدة منهما، ولو قال طلقا أنفسكما
ثلاثا إن شئتما فطلقت إحداهما نفسها، وصاحبتها
لم تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها
وصاحبتها فلو طلقت الأخرى بعد ذلك نفسها
وصاحبتها ثلاثا طلقتا، وورثت الأولى دون
الثانية، ولو قامتا عن المجلس ثم طلقت كل
واحدة كليهما متعاقبا أو معا لا يقع، ولو قال
أمركما بأيديكما ناويا التفويض صار تمليكا حتى
لا تنفرد إحداهما بالطلاق، ويقتصر على المجلس،
وهو كالتعليق بالمشيئة إلا في حكم واحد، وهو
أنهما إذا اجتمعا على طلاق واحدة منهما يقع،
وفي قوله إن شئتما لا يقع، ولو قال طلقا
أنفسكما بألف فقالت كل واحدة طلقت نفسي
وصاحبتي بألف معا أو متعاقبا بانتا بألف،
ويقسم على مهريهما، ولم يرث، ولو طلقت إحداهما
طلقت بحصتها من الألف، وإن قامتا من المجلس
بطل الأمر اه. مختصر.
"قوله: وفي طلقني رجعية فطلقها ثلاثا ورثت"
لما قدمنا أن الرجعي لا يزيل النكاح فلم تكن
بسؤالها راضية ببطلان حقها، وأراد من ذكر
الرجعية نفي سؤالها البائن فدخل ما لو قالت
طلقني، ولم تزد عليه فطلقها بائنا فإنها ترث
لأنه ينصرف إلى الرجعي عند الإطلاق كما في
"الخانية"، وكذا ينصرف إليه في الوكالة
والتفويض والإنشاء فلم تكن بسؤالها راضية
ببطلان حقها، والمراد بالثلاث البائن فدخل ما
لو طلقها واحدة بائنة أيضا، ولم أر حكم ما إذا
سألته واحدة بائنة فطلقها ثلاثا، وظاهر
"المحيط": أنها ترث فإنه قال لو قالت له
طلقني فطلقها ثلاثا ورثت استحسانا لأنها سألته
في الواحدة، وقد طلقها ثلاثا انتهى، ولم يعلل
بالرجعي، وإنما علل بالواحدة، وينبغي أن لا
ميراث لها لرضاها بالبائن.
ج / 4 ص -70-
وإن أبانها بأمرها في مرضه أوتصادقا عليهافي
الصحة، ومضى العدة فأقرّ أو أوصى لها
فلهاالأقل منهاومن إرثها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله وإن أبانها بأمرها في مرضه أو تصادقا
عليها في الصحة، ومضى العدة فأقر أو أوصى لها
فلها الأقل منها، ومن إرثها"
أي لها الأقل من كل واحد من المقر به، والموصى
به، ومن إرثها منه لأن العدة باقية في المسألة
الأولى، وهي سبب التهمة، والحكم يدار على دليل
التهمة، وفي الثانية قال الإمام ببقاء التهمة
أيضا لأن المرأة قد تختار الطلاق لينفتح باب
الإقرار والوصية فيزيد حقها والزوجان قد
يتواضعان على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة،
وهذه التهمة في الزيادة فرددناها، ولا تهمة في
قدر الميراث فصححناه، وهما قالا في الثانية
بنفي التهمة لكونها أجنبية لعدم العدة بدليل
قبول شهادته لها، وجواز وضع الزكاة فيها
وتزوجها بزوج آخر، وأجاب الإمام الأعظم رضي
الله عنه بأنه لا مواضعة عادة في حق الزكاة
والشهادة والتزوج فلا تهمة هذا حاصل ما في
"الهداية"، وقرره الشارحون من غير تعقب، وهو
ظاهر في أنه إذا أقر بالطلاق منذ زمان، وصدقته
أن العدة تعتبر من وقت الطلاق بدليل أنهم
اتفقوا هنا أنه يجوز له دفع الزكاة إليها
وشهادته لها وتزوجها وهو خلاف ما صرحوا به في
العدة من أن الفتوى على أن العدة تعتبر من وقت
الإقرار كما في "الهداية" و"الخانية":
وغيرهما فلا يثبت شيء من هذه الأحكام، ولا
تزوجه بأختها وأربع سواها أيضا فحينئذ ظهرت
التهمة في إقراره ووصيته.
واندفع به ما ذكره السروجي في غايته من أنه
ينبغي تحكيم الحال فإن كان جرى بينهما خصومة،
وتركت خدمته في مرضه فذلك يدل على عدم
المواضعة فلا تهمة، وإلا فلا تصح للتهمة، وقد
رده في "فتح القدير": بوجه آخر بأن حقيقة
الخصومة ليست ظاهرة إذ الإيصاء لها بأكثر من
الميراث ظاهر في أن تلك الخصومة ليست على
حقيقتها كما يفعله أهل الحيل للأغراض انتهى،
وظهر بما ذكرنا سهو الشمني في "شرح النقاية"
حيث قال:
وفي "الذخيرة" لا بد من تحكيم الحال فإن كان
حال خصومة وغضب يقع الطلاق عليها بهذا
الإقرار، وإن لم يكن كذلك لا يقع انتهى فإن
صاحب "الذخيرة" إنما ذكر تحكيم الحال فيما إذا
قالت لك امرأة غيري أوتزوجت علي فقال كل امرأة
لي طالق فإنه قال قيل الأولى تحكيم الحال إن
كان قد جرى بينهما مشاجرة وخصومة تدل على غضبه
يقع الطلاق عليها أيضا، وإن لم يكن كذلك لا
يقع انتهى فقاس السروجي مسألتنا هنا على ما في
"الذخيرة" كما صرح به في "فتح القدير": ، ولا
يخفى على عاقل فساد قول من قال إن الطلاق
الصريح لا يقع إلا في الخصومة، ولم يذكر صاحب
"الذخيرة" هذه المسألة أصلا فكيف تنسب إليه،
ودلت المسألة على أن المريضة إذا اختلعت
بمهرها الذي على الزوج، ولم يكن قريبا لها
فإنه ينظر إلى المسمى في بدل الخلع، وإلى
ج / 4 ص -71-
ومن بارز رجلاً، أو قدم ليقتل بقود، أو رجم،
فأبانها ورثت إن مات في ذلك الوجه، أو قتل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلث مالها إن ماتت بعد انقضاء العدة، وإلى
المسمى في بدل الخلع، وإلى قدر ميراثه منها إن
ماتت قبل انقضاء العدة فيكون له الأقل، وتمامه
في "البزازية": من الخلع.
وأشار إلى أن ما تأخذه منه له شبه بالدين،
وشبه بالميراث فللأول لو أرادت أن تأخذ من عين
التركة ليس على الورثة ذلك بل لهم أن يعطوها
من مال آخر اعتبارا لزعمها أن ما تأخذه دين،
وللثاني لو هلك شيء من التركة قبل القسمة فهو
على الكل، ولو طلبت أن تأخذه دنانير، والتركة
عروض ليس لها ذلك، وفي" فصول العمادي"، وهذا
كله إذا كانت عدتها لم تنقض أما إذا انقضت
عدتها من وقت الإقرار ثم مات فلها جميع ما أقر
لها به أو أوصى انتهى. وفي "جامع الفصولين"
قال لها في مرضه قد كنت أبنتك في صحتي أو
جامعت أم امرأتي أو بنت امرأتي أو تزوجتها بلا
شهود أو بيننا رضاع قبل النكاح أو تزوجتك في
العدة، وأنكرت المرأة ذلك بانت منه، وترثه لا
لو صدقته انتهى.
وفيه ادعت على زوجها المريض أنه طلقها ثلاثا
فجحد، وحلفه القاضي فحلف ثم صدقته، ومات ترثه
لو صدقته قبل موته لا لو بعده انتهى.
وفي "شرح الوقاية": واعلم أن حرف من في قوله
فلها الأقل منه، ومن الإرث ليس صلة لأفعل
التفضيل إذ لو كان لوجب أن يكون الواجب أقل من
كل واحد منهما، وليس كذلك بل حرف من للبيان،
وأفعل التفضيل استعمل باللام فيجب أن يقال أو
من الإرث لأنه لما قال الأقل بينه بأحدهما،
وصلة الأقل محذوفة، وهي من الآخر أي فلها
أحدهما الذي هو أقل من الآخر فتكون الواو
بمعنى أو أو تكون الواو على معناها لكن لا
يراد بها المجموع بل الأقل الذي هو الإرث
تارة، والموصى به أخرى فتكون الواو للجمع، وهو
أن الأقلية ثابتة لكن بحسب زمانين انتهى.
"قوله: ومن بارز رجلا أو قدم ليقتل بقود أو
رجم فأبانها ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل"
بيان لحكم الصحيح الملحق بالمريض هنا، وهو من
كان غالب حاله الهلاك كما في النقاية وغيرها،
والأولى أن يقال من يخاف عليه الهلاك غالبا
على أن الغلبة تتعلق بالخوف، وإن لم يكن
الواقع غلبة الهلاك، وأن في المبارزة لا يكون
الهلاك غالبا إلا أن يبرز لمن علم أنه ليس من
أقرانه بخلاف غلبة خوف الهلاك، ودخل تحته من
كان راكب السفينة إذا انكسرت، وبقي على لوح أو
افترسه السبع، وبقي في فمه كما ذكره الشارح،
وقد يوهم أن الانكسار شرط لكونه فارا، وليس
كذلك فقد قال في "المبسوط" فإن تلاطمت
الأمواج، وخيف الغرق فهو كالمريض، وكذا في
"البدائع"، وقيده الإسبيجابي بأن يموت من ذلك
الموج أما لو سكن ثم مات لا ترث انتهى،
والحامل لا تكون فارة إلا في حال الطلق، وفي
"المجتبى" واختلف في تفسير الطلق فقيل الوجع
الذي
ج / 4 ص -72-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يسكن حتى تموت أو تلد وقيل وإن سكن لأن
الوجع يسكن تارة ويهيج أخرى، والأول أوجه اه.
والمسلول والمفلوج، والمقعد ما دام يزداد ما
به فهو غالب الهلاك، وإلا فكالصحيح، وبه كان
يفتي برهان الأئمة1 والصدر الشهيد، وذكر في
جامع الفصولين فيه أقوالا فنقل أولا أنه إن لم
يكن قديما فهو كمريض، ولو قديما فكصحيح.
وثانيا لو لم يرج برؤه بتداو فكصحيح، وإلا
فكمريض، وثالثا لو طال، وصار بحال لا يخاف منه
الموت فكصحيح، واختلف في حد التطاول فقيل سنة،
وبعضهم اعتبروا العرف فما يعده تطاولا فتطاول،
وإلا فلا، ورابعا إن لم يصر صاحب فراش فصحيح،
وإلا فمريض، وخامسا لو يزداد كل يوم فهو مريض،
ولو ينتقص مرة، ويزداد أخرى فلو مات بعد سنة
فكصحيح، ولو مات قبل سنة فكمريض اه.
وأشار بقوله إن مات في ذلك الوجه أو قتل إلى
أنه لو طلق بعدما قدم للقتل ثم خلى سبيله أو
حبس ثم قتل أو مات فهو كالمريض ترثه لأنه ظهر
فراره بذلك الطلاق ثم ترتب موته فلا يبالي
بكونه بغيره كالمريض إذا طلق ثم قتل، وفي "فتح
القدير": وأما في حال فشو الطاعون فهل يكون
لكل من الأصحاء حكم المرض فقال به الشافعية،
ولم أره لمشايخنا. ا ه.
وفي "جامع الفصولين" ثم: من له حكم المريض لو
طلقها، ومات في العدة ترثه مات بهذه الجهة أو
بجهة أخرى، ولذا قال "الأصل" مريض صاحب الفراش
لو أبانها ثم قتل ترثه طعن فيه عيسى بن أبان
فقال لا ترثه إذ مرض الموت ما هو سبب للموت،
ولم يوجد، ولكنا نقول قد اتصل الموت بمرضه حين
لم يصح حتى مات، وقد يكون للموت سببان فلا
يتبين بهذا أن مرضه لم يكن مرض موته، وأن حقها
لم يكن ثابتا في ماله. ا ه.
وفي "المصباح": برز الشيء بروزا من باب قعد
ظهر، وبارز في الحرب مبارزة وبرازا فهو مبارز
ا ه.
وفيه والسل بالكسر مرض معروف، وأسله الله
بالألف أمرضه بذلك فسل هو بالبناء للمفعول،
وهو مسلول من النوادر، ولا يكاد صاحبه يبرأ
منه، وفي كتب الطب إنه من أمراض الشباب لكثرة
الدم فيهم، وهو قروح تحدث في الرئة ا ه.
وفيه والفالج مرض يحدث في أحد شقي البدن طولا
فيبطل إحساسه وحركته، وربما كان في الشقين،
ويحدث بغتة إلى آخره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد العزيز بن مازه، برهان الأئمة،
وبرهان الدين الكبير أبو محمد، أخذ العلم عن
السرخسي والحلواني، وتفقه عليه ولداه الصدر
السعيد، والصدر الشهيد. ا ه. الفوائد البهية
"98".
ج / 4 ص -73-
ولومحصوراً، أو في صف القتال لا، ولو علق
طلاقها بفعل أجنبي، أو بمجيء الوقت، والتعليق
والشرط في مرضه، أو بفعل نفسه، وهما في مرضه،
أو الشرط فقط، أو بفعلها، ولا بدّ لها منه
وهما في المرض أو الشرط ورثت وفي غيرها لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله ولو محصورا أو في صف القتال لا"
أي لا ترث لأنه لا يغلب خوف الهلاك، وكذا راكب
السفينة قبل خوف الغرق، والحامل قبل الطلق،
والمحصور الممنوع سواء كان في حصن أو حبس لقتل
أو رجم أو قصاص أو غيره، وكذا من نزل بمسبعة
أو مخيف من عدو.
وفي "مصباح"صره العدو حصرا من باب قتل أحاطوا
به، ومنعوه من المضي لأمره.
"قوله ولو علق طلاقها بفعل أجنبي أو بمجيء
الوقت، والتعليق والشرط في مرضه أو بفعل نفسه،
وهما في مرضه أو الشرط فقط أو بفعلها، ولا بد
لها منه، وهما في المرض أو الشرط ورثت، وفي
غيرها لا" لأن في الوجه الأول
والثاني إذا كان التعليق والشرط في مرضه وجه
القصد إلى الفرار عن الميراث في حال تعلق حقها
بماله بخلاف ما إذا كان التعليق في الصحة،
والشرط في المرض لأن التعليق السابق يصير
تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا، ولا ظلم إلا
عن قصد فلا يرد تصرفه.
والمراد من الطلاق في قوله علق طلاقها البائن
لأن حكم الفرار لا يثبت إلا به، وأطلق في فعل
الأجنبي فشمل ما إذا كان له منه بد كدخول
الدار أولا كصلاة الظهر، وأما الوجه الثالث،
وهو ما إذا علقه بفعل نفسه فلوجود قصد
الإبطال/إما بالتعليق أو بمباشرة الشرط في
المرض.
وأطلقه فشمل ما إذا كان له بد منه أو لا فإنه،
وإن لم يكن له بد من فعل الشرط فله من التعليق
ألف بد فيرد تصرفه دفعا للضرر عنها، وشمل ما
إذا فوض طلاقها لرجل في صحته فطلقها الأجنبي
في المرض، وكان يقدر الزوج على عزله لأنه لما
أمكنه عزله في المرض، ولم يفعل صار كأنه أنشأ
التوكيل في المرض، ودخل في الأول ما إذا لم
يمكنه عزله، ودخل في التعليق بفعله ما إذا قال
في صحته إن لم آت البصرة فأنت طالق ثلاثا فلم
يأتها حتى مات ورثته، وإن ماتت هي، وبقي الزوج
ورثها لأنها ماتت، وهي زوجته.
فالحاصل: أن المسألة على ثمانية أوجه لأنه
إما أن يعلق بمجيء الوقت أو بفعل أجنبي أو
بفعلها أو بفعله، وكل على وجهين إما أن يكون
التعليق في الصحة والشرط في المرض أو كانا في
المرض فإن كان بفعل أجنبي أو بمجيء الوقت لا
يكون فارا إلا إذا كان في المرض، وإن كان
بفعله فإنه يكون فارا حيث يكون الشرط في المرض
فقط، وإن كان بفعلها فقط فكذلك إن كان ذلك
الفعل لا يمكنها تركه، وإن كان يمكنها تركه لا
يكون فارا، ولو قال لها إن لم أطلقك فأنت
ج / 4 ص -74-
ولو أبانها في مرضه فصحّ فمات، أو أبانها
فارتدت فأ سلمت، فمات لم ترت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طالق فلم يطلقها حتى مات ورثته، ولو ماتت هي،
وبقي الزوج لم يرثها، وكذا لو قال إن لم أتزوج
عليك فأنت طالق ثلاثا فلم يفعل حتى مات ورثته،
ولو ماتت هي، وبقي الزوج لم يرثها كذا في
"البدائع".
وفي "الخانية": جل قال لامرأته في صحته: إن
شئت أنا وفلان فأنت طالق ثلاثا ثم مرض فشاء
الزوج والأجنبي الطلاق معا أو شاء الزوج ثم
الأجنبي ثم مات الزوج لا ترث، وإن شاء الأجنبي
أولا ثم الزوج ورثت اه. وحاصله أن الطلاق معلق
على مشيئتهما فإذا شاءا معا لم يكن الزوج تمام
العلة فلا يكون فارا بخلاف ما إذا تأخرت مشيئة
الزوج لأنه حينئذ تمت العلة، وأما الوجه
الرابع، وهو ما إذا علقه بفعلها فإن كان
التعليق والشرط في المرض والفعل مما لها بد
منه ككلام زيد لم ترث لرضاها، وإن كان لا بد
لها منه طبعا كالأكل أو شرعا كصلاة الظهر فلها
الميراث لاضطرارها، وأما إذا كان التعليق في
الصحة فلا ميراث لها عند محمد مطلقا لفوات
الصنع منه في مرضه، وعندهما ترث إن كان مما لا
بد لها منه، وصححوا قول محمد.
"قوله ولو أبانها في مرضه فصح فمات أو أبانها
فارتدت فأسلمت فمات لم ترث"
لما قدمنا أنه لا بد أن يكون المرض الذي طلقها
فيه مرض الموت فإذا صح تبين أنه لم يكن مرض
الموت، وفي معراج "الدراية" قبل هذا إن كان به
حمى ربع فزالت ثم صار به حمى غب أما إذا كان
به حمى ربع فزالت ثم عادت إليه فإن الثانية
تجعل عين الأولى، ويكون لها الميراث، وفيه نظر
لأنها لما زالت لم يبق لها تعلق بماله اه وفي
"قانون شاه"1 في الطب: وأما حمى السوداوية
خارج العروق، وداخلها فهي حمى الربع فيجب أن
يراعى فيها حفظ القوة، وأما حمى الغب بكسر
الغين ففي "المصباح" هي التي تأتي يوما وتغيب
يوما. اه.
وإن في البائن لا بد أن تستمر أهليتها للإرث
من وقت الطلاق إلى وقت الموت أطلق البائن فشمل
الثلاث والواحدة. وأشار بارتدادها إلى أنها لو
كانت كتابية أو مملوكة وقت الطلاق ثم أسلمت أو
أعتقت لا ترث.
وقيد بالبائن لأن المطلقة رجعيا إنما يشترط
أهليتها للإرث وقت الموت كما قدمناه، وفي
"محيط"لو ارتد الزوجان معا ثم أسلم الزوج،
ومات لا ترث منه لأنها مرتدة، وإن أسلمت
المرأة ثم مات الزوج مرتدا ورثته لأن الفرقة
قد وقعت ببقاء الزوج عن الردة فصار بمنزلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو للمحقق محمد بن عمر الجغميني وهو متن
صغير الحجم، وجيز النظم، مأخوذ من القانون،
رتبه على عشرة مقالات. ا ه. كشف الظنون
"2/1311".
ج / 4 ص -75-
وإن طاوعت ابن الزوج أو لاَعنَ، أو آلى مريضاً
ورثت، وإن آلى في صحته، وبانت منه في مرضه لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ارتداده ابتداء، ولو ارتد المسلم فمات أو لحق
بدار الحرب، وله امرأة مسلمة في العدة ورثت،
ولو ارتدت المرأة فماتت أو لحقت بدار الحرب
معتدة لم يرث منها، وإن كانت مريضة فارتدت ثم
ماتت ورث الزوج منها استحسانا لأن الفرقة حصلت
بعدما تعلق حقه بمالها، ولو قال لامرأته الحرة
الكتابية أنت طالق ثلاثا غدا ثم أسلمت قبل
الغد أو بعده فلا ميراث لها منه لأنها ليست من
أهل الميراث منه في الحال، ولو أضاف الطلاق
إلى حالة يثبت لها الإرث فيها فلا يصير فارا،
ولو قال إن أسلمت فأنت طالق ثلاثا ورثت لأنه
أضاف الطلاق إلى ما بعد الإسلام، وهو حالة
تعلق حقها بماله، ولو أسلمت فطلقها ثلاثا، وهو
لا يعلم بإسلامها ترث، ولو أسلمت امرأة الكافر
ثم طلقها ثلاثا في مرضه ثم أسلم، ومات وهي في
العدة لا ترث لأن التطليق حصل في حالة لا
تستحق المرأة الإرث منه، وكذلك العبد إذا طلق
امرأته في مرضه ثم أعتق لا ترث. ا ه.
"قوله وإن طاوعت ابن الزوج أو لاعن أو آلى
مريضا ورثت" يعني لو أبانها
في مرضه ثم طاوعت ابن الزوج ترث لأن الأهلية
للإرث لم تبطل بالمطاوعة لأن المحرمية لا
تنافي الإرث قيد بكون المطاوعة بعد الإبانة
لأن الفرقة لو وقعت بتقبيل ابن زوجها لا ترث
مطاوعة كانت أو مكرهة أما إذا كانت مطاوعة
فلرضاها بإبطال حقها، وأما إذا كانت مكرهة فلم
يوجد من الزوج إبطال حقها المتعلق بالإرث
لوقوع الفرقة بفعل غيره كذا في "البدائع"، وبه
علم أن اقتصار الشارحين على المطاوعة لا
ينبغي، وخرج ما لو طاوعته بعد الرجعي، وأنها
لا ترث كما لو طاوعته حال قيام النكاح، وفي
"الخانية": لو طاوعت ابن زوجها، وهي مريضة ثم
ماتت في العدة ورثها الزوج استحسانا. ا ه.
وقيد بالمطاوعة لأنها لو قبلته لا ترث، وفي
المسألة الثانية إنما ورثت، وإن كانت الفرقة
بفعلها، وهو آخر اللعانين لأنه يلحق بالتعليق
بفعل لا بد لها منه إذ هي ملجأة إلى الخصومة
لدفع عار الزنا عن نفسها، وأطلقه فشمل ما إذا
كان القذف في الصحة أو في المرض. لأن العبرة
لكون اللعان في المرض، وفيه خلاف محمد، وأراد
بالإيلاء في المرض أن يكون مضى المدة في المرض
أيضا لأن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي
أربعة أشهر حالية عن الوقاع فيكون ملحقا
بالتعليق بمجيء الوقت، وقد تقدم أنه لا بد أن
يكون التعليق، والشرط في مرضه.
"قوله وإن آلى في صحته، وبانت منه في مرضه لا"
أي بانت بالإيلاء في مرضه لا ترث لما تقدم أنه
لا بد أن يكون التعليق، والشرط في مرضه، وهنا،
وإن تمكن من إبطاله بالفيء لكن بضرر
ج / 4 ص -76-
يلزمه،
وهو وجوب الكفارة عليه فلم يكن متمكنا مطلقا
كما قدمناه في مسألة الوكيل إذا لم يتمكن من
عزله.
وفي "الخانية": لو طلق المريض امرأته بعد
الدخول طلاقا بائنا ثم قال لها إذا تزوجتك
فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها في العدة طلقت
ثلاثا فإن مات، وهي في العدة فهذا موت في عدة
مستقبلة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف فيبطل حكم
ذلك الفرار بالتزوج، وإن وقع الطلاق بعد ذلك
لأن التزوج حصل بفعلهما فلا يكون فارا، وعلى
قول محمد لتمام العدة الأولى فإن كان الطلاق
الأول في المرض ورثت، وإن كان الطلاق الأول في
الصحة لم ترث. اه. والله أعلم.
6- باب الرجعة
هي: استدامه الملك القائم في العدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6 - "باب
الرجعة"
بكسر الراء وفتحها، والفتح أفصح، وفي
"المصباح" "، وأما الرجعة بعد الطلاق فبالفتح
والكسر، وبعضهم اقتصر على الفتح، وهو أفصح قال
ابن فارس، والرجعة مراجعة الرجل أهله، وقد
تكسر، وهو يملك الرجعة على زوجته، وطلاق رجعي
بالوجهين أيضا. ا ه. وقدمنا أن الطلاق الصريح،
وما في حكمه يعقب الرجعة، وضبطه في "البدائع"
بأن يكون الطلاق صريحا بعد الدخول حقيقة غير
مقرون بعوض، ولا بعدد الثلاث نصا، ولا إشارة،
ولا موصوف بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها
من غير حرف العطف، ولا مشبه بعد أو صفته تدل
عليها.
"قوله هي استدامة الملك القائم في العدة"
أي: الرجعة إبقاء النكاح على ما كان مادامت
في العدة لقوله تعالى
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] لأن الإمساك استدامة الملك القائم لا إعادة الزائل
وقوله تعالى
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}
[البقرة: 228] يدل على عدم اشتراط رضاها،
وعلى اشتراط العدة إذ لا يكون بعدها بعلا،
والرد يصدق حقيقة بعد انعقاد سبب زوال الملك،
وإن لم يكن زائلا بعد كما بعد الزوال.
وأشار المؤلف إلى أنه ليس في الرجعة مهر ولا
عوض لأنها استبقاء ملك، والمهر يقابله ثبوتا
لإبقاء، ولو قال راجعتك بألف درهم إن قبلت
المرأة صح ذلك، وإلا لا لأنه زيادة في المهر،
وفي المرغيناني، والحاوي قال راجعتك على ألف
درهم قال أبو بكر لا تجب عليه الألف، ولا تصير
زيادة في المهر كما في الإقالة كذا في
"المعراج"، ولو قال لها زدتك في مهرك لا يصح
كذا في "الولوالجية"، وأفاد به أنه لو طلق
امرأته الأمة رجعيا ثم تزوج حرة كان له أن
يراجع الأمة
ج / 4 ص -77-
وتصح في العدة إن لم يطلق ثلاثاَ، ولو لم ترض
براجعتك، أو راجعت امرأتي، وبما يوجب حرمة
المصاهرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو كانت الرجعة استحداث ملك لما كان له
مراجعتها لحرمة إدخال الأمة على الحرة، ولهذا
كان الملك باقيا في حق الإرث، والإيلاء،
والظهار، واللعان، وعدة الوفاة، ويتناولها
قوله زوجاتي طوالق، وجواز الاعتياض بالخلع،
ونحو ذلك حتى صح الخلع والطلاق بمال بعد
الطلاق الرجعي.
ومن أحكامها: أنه لا يصح إضافتها إلى وقت في
المستقبل، ولا تعليقها بالشرط كما إذا قال إذا
جاء غد فقد راجعتك أو إن دخلت الدار فقد راجعت
امرأتي، وتصح مع الإكراه والهزل واللعب والخطأ
كالنكاح كذا في "البدائع"، وفي "الخلاصة" "،
وبالطلاق يتعجل المؤجل، ولو راجعها لا يتأجل،
وصححه في "الظهيرية"، وفي "الصيرفية" لا يكون
حالا حتى تنقضي العدة.
وقيد بقيام العدة لأنه لا رجعة بعد انقضائها،
والقول في انقضاء العدة بالحيض قول المرأة،
ولا تصدق في انقضائها في أقل من شهرين كذا في
"الحاوي القدسي"، وفي "البزازية"، وإذا أسقطت
تام الخلق أو ناقص الخلق بطل حق الرجعة
لانقضاء العدة، ولو قالت ولدت لا تقبل بلا
بينة فإن طلب يمينها بالله تعالى لقد أسقطت
بهذه الصفة حلفت اتفاقا اه.
وفيها لو قال بعد الخلوة بها وطئتك، وأنكرت
فله الرجعة، وإن أنكر الزوج الوطء لا رجعة له
اه.
وأشار بالاستدامة إلى أنه لو طلقها على مال
بعد الطلاق الرجعي يصح كما في" القنية".
"قوله وتصح في العدة إن لم يطلق ثلاثا، ولو لم
ترض براجعتك أو راجعت امرأتي، وبما يوجب حرمة
المصاهرة" بيان لشرطها وركنها
فشرطها أن لا يكون الطلاق ثلاثا كما ذكره،
ومراده أن لا يكون بائنا سواء كان واحدة أو
ثنتين، وقدمنا الرجعي، والثنتان في الأمة
كالثلاث في الحرة بشرط أن لا يكون رقها ثابتا
بإقرارها، ولهذا لو كان اللقيط امرأة متزوجة،
وقد طلقها اثنتين ثم أقرت بالرق فله الرجعة
لأنها متهمة في إبطال حقه بخلاف ما لو كان
طلقها واحدة ثم أقرت بالرق فإنه يصير طلاقها
ثنتين لا يملك الزوج عليها بعد ذلك إلا طلقة
واحدة، وتمامه في "الخانية": في باب اللقيط.
وفي "القنية" قبيل النفقة قال لزوجته الأمة إن
دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم أعتقها مولاها
فدخلت وقع ثنتان، وفي "جامع الكرخي" طلقت
ثنتين، وملك الزوج الرجعة انتهى، وأطلق في
المرأة فشمل المسلمة والكتابية والحرة
والمملوكة لإطلاق الدلائل كما في "المحيط".
ج / 4 ص -78-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما ركنها: فقول أو فعل فالأول صريح، وكناية
أما الأول فراجعتك وراجعت امرأتي، وجمع بينهما
ليفيد ما إذا كانت حاضرة فخاطبها أو غائبة،
وارتجعتك ورجعتك ورددتك، وأمسكتك ومسكتك فيصير
مراجعا بلا نية، ومنه النكاح والتزوج. فلو
تزوجها في العدة كان رجعة في "ظاهر الرواية"
كذا في "البدائع"، وهو المختار كذا في
"الولوالجية"، وعليه الفتوى كذا في "الينابيع"
فقول الشارحين إنه ليس برجعة عند أبي حنيفة
خلافا لمحمد على غير "ظاهر الرواية" كما لا
يخفى فعلم أن لفظ النكاح يستعار للرجعة، وهل
يستعار لفظ الرجعة للنكاح قال في "الخلاصة"
ولو طلق امرأته ثم قال إن راجعتك فأنت طالق
فإذا انقضت عدتها فتزوجها لم تطلق، ولو كان
الطلاق بائنا تطلق، وعلل له في "المحيط":
بأنها لما لم تكن محلا انصرف إلى النكاح مجازا
انتهى.
وحاصله: أنه إذا أمكن انصراف اللفظ إلى
حقيقته وقت التعليق، وانصرف إليه لا يصير بعده
مجازا، وإلا صار مجازا، وأما الكناية فنحو:
أنت عندي كما كنت أو أنت امرأتي فيتوقف على
النية، وأما الثاني أعني الفعل فأفاد أن كل
فعل أوجب حرمة المصاهرة فإن الرجعة تصح به،
وسوى بين القول والفعل في الصحة للاحتراز عن
الكراهة فإنها مكروهة بالفعل كما في "الجوهرة"
فدخل الوطء والتقبيل بشهوة على أي موضع كان
فما أو خدا أو ذقنا أو جبهة أو رأسا أو المس
بلا حائل أو بحائل يجد الحرارة معه بشهوة،
والنظر إلى داخل الفرج بشهوة فإن كانت متكئة
والوطء في الدبر على المفتى به لأنه لا يخلو
عن مس بشهوة، ولا فرق بين كون التقبيل، والمس،
والنظر بشهوة منه أو منها بشرط أن يصدقها سواء
كان بتمكينه أو فعلته اختلاسا أو كان نائما أو
مكرها أو معتوها أما إذا ادعته وأنكره لا تثبت
الرجعة، وقدمنا1 في باب التعليق أنه لو قال
لها إن جامعتك فأنت طالق فجامعها ومكث بعدما
جامعها فهو رجعة عند محمد. وقال أبو يوسف لا
يكون رجعة إلا أن يتنحى عنها، ولا تقبل
الشهادة على فعلها لأن الشهوة لا تعرف إلا
بقولها، وخرج ما إذا كانت هذه الأفعال بغير
شهوة أو نظر إلى غير داخل الفرج بشهوة، ولو
إلى حلقة الدبر فإنه لا يكون مراجعا لكنه
مكروه كما في "الولوالجية"، وفي "الجوهرة"،
ولو صدقها الورثة بعد موته أنها لمسته بشهوة
كان ذلك رجعة انتهى.
وفي "المعراج" والأمة لو فعلت بالبائع في
الخيار كان فسخا لأن الفسخ قد يحصل بفعلها كما
لو زنت أو قتلت نفسها وأبو يوسف سوى بين
الخيار والرجعة في أنهما لا يثبتان بفعلها
ومحمد أثبت الرجعة دون الفسخ، وفي "البدائع"
أبو حنيفة سوى بينهما في الثبوت، وفي "شرح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "5".
ج / 4 ص -79-
والإشهاد مندوب عليها، ولو قال بعد العدة:
راجعتك فيها فصدقته تصح، وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطحاوي": لو قال: أبطلت رجعتي أو لا رجعة
لي عليك لا تبطل الرجعة انتهى، وفي "القنية"
أجاز مراجعة الفضولي صح، ويصير مراجعا بوقوع
بصره على فرجها بشهوة من غير قصد المراجعة
انتهى.
واختلف فيما إذا طلق رجعيا ثم جن ثم راجعها
بقول أو فعل فقيل لا يصح بهما، وقيل يصح بهما،
وقيل تصح بالفعل دون القول كما في "القنية" من
غير ترجيح، واقتصر البزازي على الأخي، ولعله
الراجح لما عرف أنه مؤاخذ بأفعاله دون أقواله،
وعلله في الصيرفية بأنه استدامة النكاح والرضا
ليس بشرط، ولهذا لو أكره على الرجعة بالفعل
يصح انتهى.
وفي "الحاوي القدسي": وإذا راجعها بقبلة أو
لمس فالأفضل أن يراجعها بالإشهاد ثانيا ا ه.
وفي "المحيط": قال أبو يوسف، ويكره التقبيل
واللمس بغير شهوة إذا لم يرد الرجعة، ويكره أن
يراها متجردة لأنه لا يأمن من أن يشتهي فيصير
به مراجعا ثم يحتاج إلى الطلاق فيؤدي إلى
تطويل العدة انتهى.
"قوله" "والإشهاد مندوب عليها"
أي: على الرجعة وفاقا لمالك والشافعي على
الأظهر خروجا من خلاف عند الشافعي ومالك، وإن
كان ضعيفا، وعملا بقوله تعالى
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} بناء
على أنه للندب بدليل أنه أمر بالإشهاد بعد
الأمر بشيئين الإمساك والمفارقة فلو كان
الإشهاد واجبا في الرجعة مندوبا في المفارقة
للزم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه،
وهو ممنوع عندنا، واحترازا عن التجاحد، وعن
الوقوف في مواضع التهم.
وأشار المصنف رحمه الله إلى أن الرجعة على
ضربين سني وبدعي فالسني أن يراجعها بالقول،
ويشهد على رجعتها، ويعلمها، ولو راجعها
بالقول، ولم يشهد أو أشهد، ولم يعلمها كان
مخالفا للسنة كما في "شرح الطحاوي".
"قوله ولو قال بعد العدة راجعتك فيها فصدقته
تصح، وإلا لا" أي، وإن لم
تصدقه لا تصح الرجعة لأنه أخبر عن شيء لا يملك
إنشاءه في الحال، وهي تنكره فكان القول لها من
غير يمين لما عرف في الأشياء الستة، وإن صدقته
صحت لأن النكاح يثبت بتصادقهما فالرجعة أولى،
ونظيره الوكيل بالبيع إذا قال قبل العزل كنت
بعته من فلان صدق بخلاف ما لو قاله بعد العزل
كذا في "الكافي"، وفي "تلخيص الجامع" للصدر:
من ملك الإنشاء ملك الإخبار كالوصي والمولى
والمراجع والوكيل بالبيع، ومن له الخيار
انتهى.
ولو أقام بينة بعد العدة أنه قال في عدتها قد
راجعتها أو أنه قال قد جامعتها كان رجعة، لأن
ج / 4 ص -80-
كراجعتك فقالت مجيبة: مضت عدتي، ولو قال زوج
الأمة بعد العدة: راجعت فيها فصدقه سيدها،
وكذبته، أو قالت: مضت عدتي، وأنكرا فالقول
لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة، وهذا من
أعجب المسائل فإنه يثبت إقرار نفسه بالبينة
بما لو أقر به في الحال لم يكن مقبولا كذا في
"المبسوط" قيد بقوله بعد العدة لأنه لو قال في
العدة كنت راجعتك أمس ثبتت، وإن كذبته لملكه
الإنشاء في الحال.
"قوله كراجعتك فقالت مجيبة مضت عدتي"
يعني لو قال لها راجعتك فأجابته بقولها مضت
عدتي لا تصح الرجعة عند أبي حنيفة لأنها صادفت
حال انقضاء العدة فلا تصح، وقالا تصح، والقول
له لأنها صادفت العدة لبقائها ظاهرا ما لم
تخبر بالانقضاء، وقد سبقت الرجعة خبرها
بالانقضاء كما لو قال طلقتك فقالت مجيبة انقضت
عدتي فإنه يقع الطلاق، وكالموكل إذا قال
للوكيل عزلتك فقال الوكيل مجيبا له بعت لا يصح
كذا في "المحيط"، وله أن قوله راجعتك إنشاء،
وهو إثبات أمر لم يكن فلا يستدعي سبق الرجعة،
وقولها انقضت عدتي إخبار، وهو إظهار أمر قد
كان فيقتضي سبق الانقضاء ضرورة، ومسألة الطلاق
قيل على الخلاف فلا يقع عنده كما لو قال أنت
طالق مع انقضاء عدتك، والأصح أنه يقع لإقرار
الزوج بالوقوع كما لو قال بعد انقضاء العدة
كنت طلقتها في العدة كان مصدقا في ذلك بخلاف
الرجعة قيد بكونها إجابته من غير سكوت لأنها
لو سكتت ساعة تصح الرجعة اتفاقا.
وأشار بكون الزوج بدأها إلى أنها لو بدأت
فقالت انقضت عدتي فقال الزوج مجيبا لها موصولا
بكلامها راجعتك لا يصح بالأولى، ولهذا لم يذكر
الإسبيجابي فيها خلافا، وإذا لم تصح الرجعة في
مسألة الكتاب لا تستحلف عنده، والفرق بينها
وبين الأولى أن اليمين فائدتها النكول، وهو
بذل عنده، وفي المسألة الأولى تحليفها على
الرجعة، وبذلها لا يجوز، وفي الثانية تحليفها
على مضي عدتها، وهو الامتناع عن التزوج،
والاحتباس في منزل الزوج، وبذله جائز، وأما
مذهبهما في المسألة الثانية فقد عرفت أنه صحة
الرجعة فلا يتصور أن يقال تستحلف المرأة
بالإجماع كما ذكره الشارح، وقلده في "فتح
القدير": " "وشرح "المجمع"، وقد اقتصر على
أنها تستحلف عند أبي حنيفة في "البدائع"،
و"غاية البيان" و"الأقطع" و"الخلاصة"
"و"الولوالجية" فكان نقل الإجماع سهوا.
"قوله ولو قال زوج الأمة بعد العدة راجعت فيها
فصدق سيدها وكذبته أو قالت مضت عدتي، وأنكرا
فالقول لها" أي أنكر الزوج،
والمولى، وقبول قولها في الأولى قول أبي حنيفة
لأن الرجعة تبتنى على قيام العدة، والقول فيها
قولها، وقالا القول للمولى لأن البضع حقه
كإقراره عليها بالنكاح قيد بتصديق السيد لأن
المولى لو كذبه، وصدقته الأمة فالقول قول
المولى على الصحيح لأن ملكه قد ظهر للحال
بخلاف الأول لاعترافه ببقاء العدة، ولا يظهر
ملكه معها.
ج / 4 ص -81-
وتنقطع الرجعة إن طهر من الحيض الأخير لعشرة،
وإن لم تغتسل ولأقل لا حتى تغتسل، أو يمضي وقت
صلاة، أو تتيمم، وتصلي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالحاصل: أنه لا فرق في الحكم بين المسألتين،
وهو عدم صحة الرجعة، وإن اختلف التصوير، وقيد
بكونها قالت مضت عدتي لأنها لو قالت ولدت يعني
انقضت عدتي بالولادة لا يقبل إلا ببينة، وكذا
لو قالت أسقطت سقطا مستبين الخلق، وللزوج أن
يطلب يمينها على أنها أسقطت بهذه الصفة
بالاتفاق، ولا فرق في هذا بين الحرة والأمة،
كذا في "فتح القدير": ، وفي "شرح النقاية" لو
قالت انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض كان له
الرجعة لأنها أخبرت بكذبها في حق عليها انتهى.
"قوله: وتنقطع إن طهرت من الحيض الأخير
لعشرة، وإن لم تغتسل، ولأقل لا حتى تغتسل أو
يمضي وقت صلاة" أي، وتنقطع
الرجعة إن حكم بخروجها من الحيضة الثالثة إن
كانت حرة أو الثانية إن كانت أمة لتمام عشرة
أيام مطلقا، وليس المراد من الطهارة هنا
الانقطاع لأنها بمضي العشرة خرجت من الحيض،
وإن لم ينقطع.
وأشار بمضي الوقت إلى أنه لا بد من خروجه
لتصير الصلاة دينا في ذمتها فإن كان الطهر في
آخر الوقت فهو ذلك الزمن اليسير الذي تقدر فيه
على الاغتسال والتحريمة لا ما دونه، وإن كان
في أوله لم يثبت هذا حتى يخرج جميعه لأن
الصلاة لا تصير دينا إلا بذلك، وعلى هذا لو
طهرت في وقت مهمل كبعد الشروق لا تنقطع الرجعة
إلى دخول وقت العصر، وأطلق الاغتسال فشمل ما
إذا اغتسلت بسؤر الحمار، ولو مع وجود الماء
المطلق فإنه تنقطع الرجعة لاحتمال طهارته، وإن
كانت لا تصلي به لاحتمال النجاسة، ولذا لا
يقربها الزوج، ولا تتزوج بآخر احتياطا كما في
"التتارخانية": ، وإنما شرط في الأقل أحد
الشيئين لأنه لما احتمل عود الدم لبقاء المدة
فلا بد من أن يتقوى الانقطاع بحقيقة الاغتسال
أو يلزم شيء من أحكام الطاهرات فخرجت الكتابية
لأنه لا يتوقع في حقها أمارة زائدة فاكتفى
بالانقطاع كذا ذكره الشارحون، وظاهره أن
القاطع للرجعة الانقطاع لكن بما كان غير محقق
اشترط معه ما يحققه فأفاد أنها لو اغتسلت ثم
عاد الدم، ولو يجاور العشرة كان له الرجعة،
وتبين أن الرجعة لم تنقطع بالغسل. ولو تزوجت
بعد الانقطاع للأقل قبل الغسل، ومضى الوقت
تبين صحة النكاح هكذا أفاد في "فتح القدير":
" بحثا، وهو إن خالف ظاهر المتون لكن المعنى
يساعده، والقواعد لا تأباه.
"قوله أو تتيمم وتصلي" أي لا
تنقطع الرجعة عند فقد الماء حتى تتيمم وتصلي
به فرضا كان أو غيره، ولا يكفي مجرد التيمم
عندهما لأنها طهارة ضرورية لم تشرع إلا عند
العجز عن الماء فلا بد لها من مؤكد فلا ينافيه
قولهما في باب الإمامة إنها طهارة مطلقة حتى
جوز اقتداء المتوضئ
ج / 4 ص -82-
ولو اغتسلت ونسيت أقل من عضو تنقطع، ولو عضواً
لا، ولو طلق ذات حمل أو ولد، وقال: لم أطأها
راجع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمتيمم لأن مرادهما بالإطلاق أنه يرفع الحدث
إلى غاية وجود الماء كالطهارة بالماء فهي
مطلقة من هذه الجهة، وإن كانت ضرورية من جهة
أخرى، وكذا لا ينافيه قول الكل في باب التيمم
أيضا إنها مطلقة لما علمت، ولا تنافي هنا أيضا
بين قول محمد هنا إنها مطلقة حتى اكتفى بمجرد
التيمم لانقطاعها وبين قوله في باب الإمامة
إنها ضرورية حتى منع اقتداء المتوضئ بالمتيمم
لما علمت أن الإطلاق من جهة، والضرورة من جهة
أخرى لكن محمدا عمل بالاحتياط فيهما، وقد رجح
في "فتح القدير": قولهما في الإمامة وقوله في
الرجعة. وتمام تحقيقه فيه قيد توقف الانقطاع
على الصلاة لأن حل قربان الزوج لها غير متوقف
عليها بل يجوز قبل الصلاة، وأجمعوا أن حلها
للأزواج متوقف على صلاتها بذلك التيمم كما
ذكره الإسبيجابي.
وأشار بقوله: حتى تصلي إلى أنها لا تنقطع حتى
تفرغ من الصلاة على الصحيح لاحتمال وجود الماء
في أثنائها فتبطل، وقيد بالصلاة لأنها لو قرأت
القرآن بعد التيمم أو مست المصحف أو دخلت
المسجد لا تنقطع الرجعة لأنها اتباع الصلاة
فلا يعطى لها حكمها، وقال الكرخي تنقطع لأنه
من أحكام الطاهرات.
"قوله: ولو اغتسلت، ونسيت أقل من عضو تنقطع،
ولو عضوا لا" لأن ما دون
العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته فلا يتيقن
بعدم وصول الماء إليه قيد بالانقطاع لأنه لا
يحل لزوجها أن يقربها، ولا يحل لها أن تتزوج
بزوج آخر ما لم تغسل تلك اللمعة أو يمضي عليها
أدنى وقت صلاة مع القدرة على الاغتسال كما
ذكره الإسبيجابي، والمراد بالعضو نحو اليد،
والرجل، وبما دونهما نحو الإصبع، والإصبعين،
وبعض العضو، والساعد، وأحد المنخرين، وترك
المضمضة أو الاستنشاق كترك عضو عند أبي يوسف،
وعنه وهو قول محمد كترك ما دون العضو، وقيد
بالنسيان لأنها لو تعمدت إخلاء ما دون العضو
لا تنقطع.
"قوله ولو طلق ذا حمل أو ولد، وقال لم أطأها
راجع" يعني: لو طلق امرأته،
وهي حامل أو بعد ما ولدت في عصمته، وقال لم
أجامعها فله الرجعة لأنها مبنية على الدخول،
وقد ثبت حكما لثبوت النسب لأنه يثبت بظهور
الحمل بأن ولدت لأقل من ستة أشهر فلم يلتفت
إلى قوله لم أطأها لأنه صار مكذبا شرعا، ومن
صار مكذبا شرعا بطل زعمه ما لم يتعلق بإقراره
حق الغير فلا يرد ما أورده في "الكافي" بأن من
أقر بعبد لآخر ثم اشتراه ثم استحق من يده ثم
وصل إليه فإنه يؤمر بالتسليم إلى المقر له،
وإن صار مكذبا شرعا لكونه تعلق بإقراره حق
الغير بخلاف مسألة الرجعة.
ج / 4 ص -83-
وإن خلا بها، وقال: لم أجامعها، ثم طلقها لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم أن من فروع الأصل المذكور ما إذا
اختلف البائع، والمشتري في ثمن العقار فقال
المشتري اشتريته بألف، وقال البائع بعته
بألفين، وأقام البينة فإن الشفيع يأخذها
بألفين لأن القاضي كذب المشتري في إقراره، ومن
فروعه أيضا أن المشتري إذا أقر بالملك للبائع
ثم استحق المبيع من يده بالبينة فإن له الرجوع
عليه بالثمن لكونه صار مكذبا في إقراره حين
قضى القاضي به للمستحق، والفرعان في
"الخلاصة".
ومنه ما في "التلخيص": لو ادعى عليه كفالة
معينة فأنكرها فبرهن المدعي، وقضي على الكفيل
فإن له الرجوع على المديون إذا كانت بأمره
عندنا لكونه صار مكذبا في إنكارها حين قضى
القاضي بها عليه، وقيد في "الخلاصة" الأصل
المذكور في كتاب القضاء من الفصل الثالث منه
بأن يكون القضاء بالبينة أما إذا قضى القاضي
باستصحاب الحال فإنه لا يصير مكذبا كما لو
اشترى عبدا، وأقر أن البائع أعتقه قبل البيع
وكذبه البائع فقضى القاضي بالثمن على المشتري
لم يبطل إقرار المشتري بالعتق حتى يعتق عليه.
وكذا المديون إذا ادعى الإيفاء أو الإبراء على
صاحب الدين، وجحد الدائن، وحلف، وقضى القاضي
له بالدين على الغريم لا يصير الغريم مكذبا
حتى لو وجدت بينة الإيفاء أو الإبراء تقبل ا
ه. فكان دلالة على الوطء، ودلالة الشرع أقوى
من صريح العبد لاحتمال الكذب من العبد دون
الشارع فعلم بما قررناه أن الحمل يثبت قبل
الوضع، ويثبت النسب به قبله لما صرحوا به في
باب خيار العيب أن حمل الجارية المبيعة يثبت
بظهوره قبل الوضع بشهادة امرأة حتى كان
للمشتري ردها بعيب الحبل قبل الوضع، وفي باب
ثبوت النسب أنه يثبت بالحبل الظاهر فاندفع ما
اعترض به صدر الشريعة على المشايخ بأن قولهم
له الرجعة تساهل لأن وجود الحمل وقت الطلاق
إنما يعرف إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت
الطلاق فإذا ولدت انقضت العدة فلا يملك الرجعة
فيكون المراد أنه راجع قبل وضع الحمل فولدت
لأقل من ستة أشهر يحكم بصحة الرجعة السابقة،
ولا يراد أنه يحل له الرجعة قبل، وضع الحمل
لأنه لما أنكر الوطء، والشرع لا يحكم بوجود
الحمل وقت الطلاق بل إنما يحكم به إذا ولدت
لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق فلم يوجد
تكذيب الشرع قبل، وضع الحمل فالصواب أن يقال
ومن طلق حاملا منكرا، وطأها فراجعها فجاءت
بولد لأقل من ستة أشهر صحت الرجعة، وأما مسألة
الولادة فصورتها أنه طلق امرأته التي ولدت قبل
الطلاق منكرا وطأها فله الرجعة اه. وقد يكون
الولادة قبل الطلاق لأنها لو ولدت بعده تنقضي
به العدة فتستحيل الرجعة.
"قوله وإن خلا بها ثم قال لم أجامعها ثم طلقها
لا" أي: لا يملك الرجعة لأن
الملك يتأكد بالوطء، وقد أقر بعدمه فيصدق في
حق نفسه، والرجعة حقه، ولم يصر مكذبا شرعا لأن
تأكيد
ج / 4 ص -84-
وإن راجعها، ثم ولدت، بعدهالأقل من عامين صحت
تلك الرجعة. إن ولدت فأنت طالق فولدت، ثم ولدت
من بطن آخر فهي رجعة. كلمّا ولدتِ فأنت طالق
فولدت ثلاثة في بطون فالولد الثاني والثالث
رجعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهر المسمى يبتنى على تسليم المبدل لا على
القبض، والعدة تجب احتياطا لاحتمال الوطء فلم
يكن القضاء بها قضاء بالدخول قيد بإنكاره
الجماع لأنه لو قال جامعتها، وأنكرت المرأة
فله الرجعة لأن الظاهر شاهد له فإن الخلوة
دلالة الدخول فإن لم يخل بها فلا رجعة له
عليها لأن الظاهر شاهد لها كذا في
"الولوالجية"، وفي "المبسوط" فإن قيل: الظاهر
حجة لدفع الاستحقاق، والزوج إنما يريد استحقاق
الرجعة بقوله قلنا ليس كذلك بل الزوج إنما
يستبقى ملكه بما يقول، ويدفع استحقاقها نفسها،
والظاهر يكفي لذلك.
"قوله: وإن راجعها ثم ولدت بعدها لأقل من
عامين صحت تلك الرجعة" يعني
راجعها، والمسألة بحالها، والمراد بالصحة ظهور
صحة الرجعة السابقة لأن العدة لما وجبت ثبت
نسب الولد منه، وظهر أن العلوق كان سابقا على
الطلاق فنزل واطئا قبل الطلاق دون ما بعده لأن
على الاعتبار الثاني يزول الملك بنفس الطلاق
لعدم الوطء قبله فيحرم الوطء، والمسلم لا يفعل
الحرام، وهو إن كان لا يكذب لكن لما لزم أحد
الاعتبارين من الزنا أو كذبه فجعله كاذبا أخف
من حمله على الزنا.
"قوله إن ولدت فأنت طالق فولدت ثم ولدت في بطن
آخر فهي رجعة" يعني: ثم ولدت
بعد ستة أشهر، وإن كان أكثر من سنتين إذا لم
تقر بانقضاء عدتها لأنه وقع الطلاق عليها
بالولد الأول، ووجبت العدة فيكون الولد الثاني
من علوق حادث منه في العدة لأنها لم تقر
بانقضاء العدة فيصير مراجعا حملا لأمرها على
الصلاح كما إذا طلقها رجعيا فجاءت بولد لأكثر
من سنتين.
قيد بكونه من بطن آخر لأنه لو كان بينهما أقل
من ستة أشهر لا يكون رجعة لأن الثاني ليس
بحادث بعد الولد الأول كما إذا طلقها رجعيا
فجاءت بولد لأقل من سنتين.
"قوله كلما ولدت فأنت طالق فولدت ثلاثا في
بطون فالولد الثاني، والثالث رجعة"،
لوقوع الطلاق بالأول، وثبتت الرجعة بالثاني
والثالث، ويقع بكل طلقة أخرى فتحرم حرمة
غليظة، ويثبت نسب الأولاد من الزوج، وعليها
العدة بالأقراء قيد بكونهم في بطون أي بين كل
واحد مدة الحمل فأكثر لو كان بين الولادتين
أقل منها لا يكون رجعة، ويقع طلقتان بالأول،
والثاني، ولا يقع بالثالث شيء لانقضاء العدة
به، ولو كان الأولان في بطن، والثالث في بطن
تقع تطليقة واحدة بالأولى لا غير، وتنقضي
العدة بالثاني، ولا يقع بالثالث شيء، ولو كان
الأول في بطن، والثاني، والثالث في بطن
ج / 4 ص -85-
والمطلقة الرجعية تتزين، وندب أن لايدخل عليها
حتى يؤذنها، ولايسافر بها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقع ثنتان بالأول والثاني وتنقضي العدة
بالثالث فلا يقع به شيء كذا في "فتح القدير":
، وفي "المحيط"، ولو ولدت ولدين في بطن وقع
بالأول، ولا يقع بالثاني لمصادفته انقضاء
العدة، والمراد من كون الولد الثاني، والثالث
رجعة أنه ظهر صحة الرجعة السابقة بهما كما
قدمناه أنه يحمل على أنه بوطء حادث.
"قوله والمطلقة الرجعية تتزين"
يعني: لزوجها إذا كانت الرجعة مرجوة لأنها
حلال للزوج، لأن النكاح قائم بينهما ثم الرجعة
مستحبة، والتزين حامل عليها فيكون مشروعا
قيدنا بكونه لزوجها لأنه لو كان غائبا فلا
تتزين لفقد العلة، وقيدنا بالرجعية لأن
المعتدة من طلاق بائن لا يجوز لها التزين
مطلقا لحرمة النظر إليها، وعدم مشروعية الرجعة
كذا في "غاية البيان"، وخرجت المعتدة عن، وفاة
فإنها تحد، وقيدنا بكونها مرجوة لأنها لو كانت
تعلم أنه لا يراجعها لشدة بغضها فإنها لا تفعل
ذلك كما ذكره في شرح مسكين، وقد صرحوا بأن
للزوج أن يضرب امرأته على تركها الزينة إذا
طلبها منها لأنها حقه، وهو شامل للمطلقة
رجعياً.
"قوله وندب أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها"،
أي يعلمها بدخوله إما بخفق النعل أو بالتنحنح
أو بالنداء أو نحو ذلك أطلقه فشمل ما إذا قصد
رجعتها أولا فإن كان الأول فإنه لا يأمن إن
برئ الفرج بشهوة فتكون رجعة بالفعل من غير
إشهاد، وهو مكروه من جهتين كما قدمناه، وإن
كان الثاني فلأنه ربما يؤدي إلى تطويل العدة
عليها بأن يصير مراجعا بالنظر من غير قصد ثم
يطلقها، وذلك إضرار بها فبهذا علم أنه لا
يحتاج إلى حمل المتون على ما إذا لم يقصد
رجعتها كما فعل في "الهداية" وغيرها، وإنما هي
على إطلاقها كما لا يخفى، وقد صرح بالإطلاق
الولوالجي في "فتاواه".
"قوله ولا يسافر بها" يعني
يحرم عليه السفر بها لقوله تعالى
{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنّ} [الطلاق: 1] ولحرمته لم يكن رجعة لأن الرجعة مندوبة، والمسافرة
بها حرام، ومرادة إذا كان يصرح بعدم رجعتها.
أما إذا سكت كانت رجعة دلالة كما أشار إليه في
"فتح القدير": "وشرح "الجامع" الصغير"
للقاضي، وفتاويه، "و"البدائع"، و"غاية البيان"
معللين بأن السفر دلالة الرجعة فانتفى به ما
ذكره الشارح من أن السفر ليس دلالة الرجعة،
وأورد أن التقبيل بشهوة يكون رجعة، وإن نادى
على نفسه بعدم الرجعة، وجوابه الفراق بالحل،
والحرمة كما نقلنا كذا في "فتح القدير": ،
وأجاب الشمني بأن التقبيل رجعة حقيقة لا دلالة
بخلاف السفر فإنه رجعة دلالة لأنه يستلزم شيئا
تثبت به الرجعة قيد بالسفر أي بإنشائه لأنه لو
طلقها في السفر لها أن تمشي معه ذكره
الإسبيجابي، ومراده من المسافرة بها إخراجها
من بيتها لا السفر الشرعي المقدر بثلاثة أيام
لأنه يحرم إخراجها إلى
ج / 4 ص -86-
والطلاق الرجعي لايحرم الوطء.
فصل
وينكح مبانته في العدة، وبعدها. لاالمبانة
بالثلاث لوحرة،، بالثنتين لوأمة، حتى يطأها
غيره، ولو مراهقاً بنكاح صحيح، وتمضني عدته
لابملك يمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما دونه أيضا للنهي المطلق لكن لا يكون رجعة
دلالة، واعلم أن "الهداية" ما يدل على أن حرمة
المسافرة بها مقيدة بما إذا لم يراجعها في
عدتها لأنه تبين أن المبطل للعصمة عمل عمله من
وقت الطلاق حتى احتسبت الأقراء الماضية من
العدة فكانت المسافرة بأجنبية أما إذا راجعها
في عدتها تبين أنه لم يعمل عمله فزالت الحرمة.
"قوله والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء"
لما قدمناه من الآيات، والمعنى أول الباب فلا
يلزم به عقر والشافعي لما حرمه أوجب له العقر،
وفي "المعراج" معزيا إلى الروضة للشافعية لو
وطئها فلا حد عليه، وإن كان عالما بالتحريم،
وفيه وجه ضعيف لا يجب التعزير إن كان جاهلا أو
يعتقد إباحته، وإلا فيجب، ولو وطئها، ولم
يراجعها يجب مهر المثل، ولو راجعها فالنص وجوب
مهر المثل، وفي "الروضة" أيضا قال الشافعي
إنها زوجته في خمس مواضع من كتاب الله في آية
الميراث، والإيلاء، والظهار، واللعان،
والطلاق، وعدة الوفاة، وكذا في عدم اشتراط
الولي في الرجعة، وعدم اشتراط لفظة النكاح،
والتزويج، ورضاها عند الكل اه.
وأشار إلى أن الخلوة بها لا تحرم لكنها مكروهة
كراهة تنزيهية إن لم يكن من قصده المراجعة،
وإلا فلا، وكذا القسم لأنه لو ثبت لها القسم
فخلا بها فربما أدى إلى المساس بشهوة فيصير
مراجعا، وهو لا يريدها فيطلقها فتطول العدة
عليها حتى لو كان من قصده المراجعة كان لها
القسم كذا في "البدائع"، والله سبحانه وتعالى
أعلم.
فصل فيما تحل به المطلقة.
"قوله: وينكح مبانته في العدة، وبعدها"
أي المبانة بما دون الثلاث لأن المحلية باقية
لأن زوالها معلق بالطلقة الثالثة فينعدم
قبلها، ومنع الغير في العدة لاشتباه النسب،
ولا اشتباه في الإطلاق له.
"قوله
لا المبانة بالثلاث لو حرة، وبالثنتين لو أمة
حتى يطأها غيره، ولو مراهقا بنكاح صحيح وتمضي
عدته لا بملك يمين" أي: لا
ينكح مبانته بالبينونة الغليظة أطلقه فشمل ما
إذا كان قبل الدخول أو بعده كما صرح به في
الأصل، وأما ما عن "مشكلات" يمن طلق امرأته
قبل
ج / 4 ص -87-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدخول بها ثلاثا فله أن يتزوجها بلا تحليل،
وأما قوله تعالى
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ
زَوْجاً غَيْرَهُ}
[البقرة: 30] ففي المدخول بها اه. فمعناه أنه
طلقها ثلاثا متفرقة فلا يقع إلا بالأولى لا
الثلاث بكلمة واحدة كما ذكره العلامة البخاري
"شارح الدرر"1 فحينئذ لا حاجة إلى ما في "فتح
القدير": من أنها زلة عظيمة إلى أن قال لا
يبعد إكفار مخالفه، وفي القنية أن سعيد بن
المسيب رضي الله عنه رجع عن مذهبه في أن
الدخول بها ليس بشرط في صيرورتها حلالا للأول،
ولو قضى به قاض لا ينفذ قضاؤه فإن شرط الدخول
ثبت بالآثار المشهورة م فع يحتال في التطليقات
الثلاث، ويأخذ الرشى بذلك، ويزوجها للأول بدون
دخول الثاني هل يصح النكاح، وما جزاء من يفعل
ذلك قالوا أن يسود وجهه، ويبعد فع فقيه يفتي
بمذهب سعيد بن المسيب، ويزوج للأول قال بقيت
مطلقة بثلاث، ويعزر الفقيه ا ه.
وشمل ما إذا طلقها أزواج كل زوج ثلاثا قبل
الدخول فتزوجت بآخر فدخل بها تحل للكل وأشار
بالوطء إلى أن الشرط الإيلاج/ بشرط كونه عن
قوة نفسه، وإن كان ملفوفا بخرقة إذا كان يجد
لذة حرارة المحل فلو أولج الشيخ الكبير الذي
لا يقدر على الجماع لا بقوته بل بمساعدة اليد
لا يحلها للأول إلا إن انتعش، وعمل بخلاف من
في آلته فتور، وأولجها فيها حتى التقى
الختانان فإنها تحل به، وخرج المجبوب الذي لم
يبق له شيء يولج في محل الختان فلا تحل بسحقه
حتى تحبل، ودخل الخصي الذي مثله يجامع فيحلها،
وأراد بالمراهق الذي مثله يجامع، وتتحرك آلته،
ويشتهي الجماع، وقدره شمس الإسلام بعشر سنين،
واحترز به عن الصغير الذي لا يجامع مثله فلا
يحلها، وأطلق الوطء فشمل ما إذا وطئها في حيض
أو نفاس أو إحرام وإن كان حراما، وشمل ما إذا
كان الزوج الثاني مسلما أو ذميا فتحل الذمية
بوطء الذمي لزوجها المسلم، وسواء كان حرا أو
عبدا، ولهذا قالوا لو خافت ظهور أمرها في
التحليل تهب لمن تثق به ثمن عبد فيشتري لها
مراهقا فيزوجها منه بشاهدين ثم يهب العبد لها
فيبطل النكاح ثم تبعث العبد إلى بلد آخر فلا
يظهر أمرها، وهذا مبني على ظاهر المذهب من أن
الكفاءة في النكاح ليست بشرط في الانعقاد،
وأما على رواية الحسن المفتى بها فلا يحلها
العبد لفقد الكفاءة لكن بشرط أن يكون لها ولي
أما إذا لم يكن لها ولي فيحلها اتفاقا،
والأولى أن يكون حرا بالغا فإن مالكا يشترط
الإنزال كما في "بزازية". وأشار بالوطء إلى أن
المرأة لا بد أن يوطأ مثلها أما إذا كانت
صغيرة لا يوطأ مثلها لا تحل للأول بهذا الوطء،
وإلى أنه لا بد من التيقن بكونه في المحل حتى
لو كانت المرأة مفضاة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو شمس الدين محمد بن محمد بن محمود
البخاري شارح "درر البحار في الفروع" وسماه
غرر الأذكار. ا ه. كشف الظنون "1/746".
ج / 4 ص -88-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تحل للأول بعد دخول الثاني إلا إذا حبلت
ليعلم أن الوطء كان في قبلها. وفي القنية
المحلل إذا أولج في مكان البكارة تحل للأول،
والموت لا يقوم مقام الدخول في حق التحليل ا
ه.
مع أنه نقل في "المحيط": من كتاب الطهارة أنه
لو أتى امرأة، وهي عذراء لا غسل عليه ما لم
ينزل لأن العذرة مانعة من مواراة الحشفة اه.
وأراد بالنكاح الصحيح النافذ فخرج النكاح
الفاسد، والموقوف كما لو تزوجها عبد بغير إذن
سيده ثم وطئها قبل الإجازة لا يحلها إلا إذا
وطئها بعد الإجازة. وأشار إلى أن الإنزال ليس
بشرط لأنه مشبع، ودخل في قوله لا بملك يمين
ثلاث صور الأولى أن الأمة لو طلقها زوجها
ثنتين، وانقضت عدتها فوطئها المولى لا تحل
لزوجها الثانية لو اشتراها الزوج بعد الثنتين
لا تحل له بوطئه حتى تتزوج بغيره الثالثة لو
كانت تحته حرة فطلقها ثلاثا ثم ارتدت، ولحقت
بدار الحرب ثم استرقها تحل له حتى تتزوج بزوج
آخر، وفي مناقب البزازي إذا كان العقد بلا ولي
بل بعبارة المرأة أو كان بلفظ الهبة أو كان
بحضرة فاسقين ثم طلقها ثلاثا ثم أراد أن تحل
له بلا زوج فإنه يرفع الأمر إلى شافعي فيفضي
ببطلان النكاح، ويزوجها له بعقد جديد، ولا
يردان القضاء بفساد النكاح يستلزم حرمة الوطء
المتقدم، وأن الأولاد متولدة من وطء حرام لأنا
نقول القضاء يعمل في القائم، والآتي لا في
الماضي اه. وفي فتاويه. وإن خافت أن لا يطلقها
المحلل تقول له حتى يقول إن تزوجتك، وجامعتك،
وأنت طالق. اه.
وأطلق فشمل ما إذا كان الزوج الأول معترفا
بالطلاق الثلاث أو منكرا بعد أن كان الواقع
الطلاق الثلاث، ولذا قالوا ولو طلقها ثلاثا،
وأنكر لها أن تتزوج بآخر، وتحلل نفسها سرا منه
إذا غاب في سفر فإذا رجع التمست منه تجديد
النكاح لشك خالج قلبها لا لإنكار الزوج
النكاح، وقد ذكر في "القنية" خلافا فرقم للأصل
بأنها إن قدرت على الهروب منه لم يسعها أن
تعتد، وتتزوج بآخر لأنها في حكم زوجية الأول
قبل القضاء بالفرقة ثم رمز شمس الأئمة
الأوزجندي، وقال قالوا هذا في القضاء، ولها
ذلك ديانة، وكذلك إن سمعته طلقها ثلاثا ثم
جحد، وحلف أنه لم يفعل، وردها القاضي عليه لم
يسعها المقام معه، ولم يسعها أن تتزوج بغيره
أيضا قال يعني "البدائع".
والحاصل: أنه جواب شمس الإسلام* الأوزجندي
ونجم الدين النسفي والسيد أبي شجاع وأبي حامد
والسرخسي يحل لها أن تتزوج بزوج آخر فيما
بينها وبين الله تعالى، وعلى جواب الباقين لا
يحل انتهى، وفي "الفتاوى السراجية" إذا أخبرها
ثقة أن الزوج طلقها، وهو غائب وسعها
.....................
* العبارة في الأصل شمس الأئمة.
ج / 4 ص -89-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تعتد وتتزوج، ولم يقيده بالديانة، والله
أعلم قال المصنف رحمه الله وقد نقل في القنية
قبل ذلك عن "شرح السرخسي" ما صورته طلق امرأته
ثلاثا، وغاب عنها فلها أن تتزوج بزوج آخر بعد
العدة ديانة ونقل آخر أنه لا يجوز في المذهب
الصحيح اه.
قلت إنما رقم لشمس الأئمة الأوزجندي، وهو
الموافق لما تقدم عنه، والقائل بأنه المذهب
الصحيح العلاء الترجماني1 ثم رقم بعده لعمر
النسفي، وقال حلف بثلاثة فظن أنه لم يحنث،
وعلمت الحنث، وظنت أنها لو أخبرته ينكر اليمين
فإذا غاب عنها بسبب من الأسباب فلها التحلل
ديانة لا قضاء قال عمر النسفي سألت عنها السيد
أبا شجاع فكتب أنه يجوز ثم سألته بعد مدة فقال
إنه لا يجوز.
والظاهر: أنه إنما أجاب في امرأة لا يوثق بها
ا ه. كذا في "شرح المنظومة"، وفي "البزازية":
شهد أن زوجها طلقها ثلاثا إن كان غائبا ساغ
لها أن تتزوج بآخر، وإن كان حاضرا لا لأن
الزوج إن أنكر احتيج إلى القضاء بالفرقة، ولا
يجوز القضاء بها إلا بحضرة الزوج. ا ه. وفيها
سمعت بطلاق زوجها إياها ثلاثا، ولا تقدر على
منعه إلا بقتله إن علمت أنه يقربها تقتله
بالدواء، ولا تقتل نفسها، وذكر الأوزجندي أنها
ترفع الأمر إلى القاضي فإن لم يكن لها بينة
تحلفه فإن حلف فالإثم عليه، وإن قتلته فلا شيء
عليها، والبائن كالثلاث. اه. وفي
"التتارخانية": . وسئل الشيخ أبو القاسم عن
امرأة سمعت من زوجها أنه طلقها ثلاثا، ولا
تقدر أن تمنعه نفسها هل يسعها أن تقتله في
الوقت الذي يريد أن يقربها، ولا تقدر على منعه
إلا بالقتل فقال لها أن تقتله، وهكذا كان فتوى
الإمام شيخ الإسلام عطاء بن حمزة أبي شجاع،
وكان القاضي الإمام الإسبيجابي يقول ليس لها
أن تقتله، وفي "الملتقط"، وعليه الفتوى في
"فتاوى الشيخ الإمام محمد بن الوليد
السمرقندي": 2 في مناقب أبي حنيفة عن عبد
الله بن المبارك عن أبي حنيفة أن لها أن
تقتله، وفي "المحيط": في مسألة النظم، وينبغي
لها أن تفتدي بمالها، وتهرب منه فإن لم تقدر
قتلته متى علمت أنه يقربها، ولكن ينبغي أن
تقتله بالدواء، وليس لها أن تقتل نفسها قلت
قال في "المنتقى"، وإن قتلته بالآلة يجب عليها
القصاص اه. وفي التتمة سئل عن امرأة حرمت على
زوجها، ولا يقدر أن تتخلص ولو غاب عنها سحرته،
وردته إليها هل يحتال في قتلها بالسم وغيره
ليتخلص منها قال لا يحل، ويبعد عنها بأي وجه
قدر والله أعلم. اه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن محمود، علاء الدين الترجماني،
المكي، الخوارزمي، كان إماما مرجعا للأنام
توفي سنة خمس وأربعين وستمائة ه. ا ه الفوائد
البهية "201".
2 واسمها "فتاوى السمرقندي" للشيخ الإمام محمد
بن الوليد السمرقندي اه. كشف الظنون "2/1224".
ج / 4 ص -90-
وكره بشرط التحليل اللأول، ويهدم الزوج الثاني
ما دون الثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وكره بشرط التحليل للأول"
أي كره التزوج للثاني بشرط أن يحلها للأول بأن
قال تزوجتك على أن أحللك له و قالت المرأة ذلك
أما لو نويا كان مأجورا لأن مجرد النية في
المعاملات غير معتبر، وقيل المحلل مأجور،
وتأويل اللعن إذا شرط الأجر كذا في
"البزازية"، والمراد بالكراهة كراهة التحريم
فينتهض سببا للعقاب لما روى النسائي،
والترمذي، وصححه مرفوعا "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل، والمحلل له"1 لأنه لو كان فاسدا لما سماه محللا، ولو كان غير مكروه لما لعنه،
وهل هذا الشرط لازم قال في "البزازية": زوجت
المطلقة نفسها من الثاني بشرط أن يجامعها،
ويطلقها لتحل للأول قال الإمام النكاح والشرط
جائزان حتى إذا أبى الثاني طلاقها أجبره
القاضي على ذلك، وحلت للأول. اه. ونقله في
"غاية البيان" عن روضة الزندوسي، ورده في "فتح
القدير": بأن هذا مما لا يعرف في "ظاهر
الرواية"، ولا ينبغي أن يعول عليه، ولا يحكم
به لأنه بعد كونه ضعيف الثبوت تنبو عنه قواعد
المذهب لأنه لا شك أنه شرط في النكاح لا
يقتضيه العقد، والعقود في مثله على قسمين منها
ما يفسد كالبيع، ونحوه، ومنها ما يبطل فيه،
ويصح الأصل، ولا شك أن النكاح مما لا يبطل
بالشروط الفاسدة بل يبطل الشرط، ويصح هو فيجب
بطلان هذا، وأن لا يجبر على الطلاق نعم يكره
الشرط كما تقدم من محمل الحديث، ويبقى ما،
وراءه، وهو قصد التحليل بلا كراهة. اه.
"قوله ويهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث"
حتى لو طلقها واحدة، وانقضت عدتها، وتزوجت
بآخر وطلقها، وانقضت عدتها منه ثم تزوجها
الأول يملك عليها ثلاثا إن كانت حرة، وثنتين
إن كانت أمة، ولا يتحقق في الأمة إلا هدم طلقة
واحدة، وعند محمد يملك عليها ثنتين في الحرة،
وواحدة في الأمة ومراده إن دخل بها، ولو لم
يدخل بها لا يهدم اتفاقا كما في القنية، وقد
أخذ أبو حنيفة وأبو يوسف فيها بقول شبان
الصحابة رضي الله عنهم كابن عباس وابن عمر،
وأخذ محمد بقول الأكابر كعمر وعلي رضي الله
عنهما، وحاصل ما استدلوا به من قوله صلى الله
عليه وسلم
"لعن الله المحلل والمحلل له"2 بطريق الدلالة أنه لما كان محللا في الغليظة ففي الخفيفة أولى أو
بالقياس بجامع كونه زوجا، ورده المحقق في "فتح
القدير": " و"التحرير" بأن التحليل إنما جعل
في حرمتها بالثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في
المحلل والمحلل له "1120"، والنسائي، كتاب
الطلاق، باب إحلال المطلقة ثلاثا وما فيه من
التغليظ "6/149". والدرمي، كتاب النكاح، باب
في النهي عن التحليل "2/158".
والبيهقي، كتاب النكاح، باب ما جاء في نكاح
المحلل "7/208" وأبو يعلى في مسنده "5054".
2 تقدم تخريجه.
ج / 4 ص -91-
ولو أخبرت مطلقه الثلاث بمضي عدته، وعدة الزوج
الثاني، والمدة تحتمله، له أن يصدقها إن غلب
على ظنه صدقها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلاحرمة قبلها فنظرأن القول ما قاله محمد،
وباقي الأئمة الثلاث.
"قوله: ولو أخبرت مطلقة الثلاث بمضي عدته
وعدة الزوج الثاني، والمدة تحتمله له أن
يصدقها إن غلب على ظنه صدقها"
يعني: للزوج الأول أن يتزوجها لأنه معاملة أو
أمر ديني لتعلق الحل به، وقول الواحد فيهما
مقبول، وهو غير مستنكر إذا كانت المدة تحتمله،
وقد اقتصر المصنف في إخبارها على ما ذكر،
وذكره في "الهداية" مبسوطا فقال قالت قد انقضت
عدتي، وتزوجت، ودخل بي الزوج وطلقني، وانقضت
عدتي وفي "النهاية" إنما ذكر إخبارها هكذا
مبسوطا لأنها لو قالت حللت لك فتزوجها ثم قالت
لم يكن الثاني دخل بي إن كانت عالمة بشرائط
الحل لم تصدق، وإلا تصدق، وفيما ذكرته مبسوطا
لا تصدق في كل حال، وعن السرخسي لا يحل له أن
يتزوجها حتى يستفسرها لاختلاف بين الناس في
حلها بمجرد العقد، وفي "التفاريق" لو تزوجها،
ولم يسألها ثم قالت ما تزوجت أو ما دخل بي
صدقت إذ لا يعلم ذلك إلا من جهتها، واستشكل
بأن إقدامها على النكاح دليل على اعتراف منها
بصحته فكانت متناقضة فينبغي أن ما يقبل منها
كما لو قالت بعد التزوج بها كنت مجوسية أو
مرتدة أو معتدة أو منكوحة الغير أو كان العقد
بغير شهود ذكره في "الجامع" الكبير"، وغيره
بخلاف قولها لم تنقض عدتي، ولو قال الزوج لها
ذلك، وكذبته تقع الفرقة كأنه طلقها، ولذا يجب
عليه نصف المهر المسمى أو كله ا ه. من قائله.
ثم رأيت في "الخلاصة" ما يوافق الإشكال
المذكور، وقال في "الفتاوى" في باب الباء لو
قالت بعدما تزوجها الأول ما تزوجت بآخر، وقال
الزوج الأول تزوجت بآخر، ودخل بك لا تصدق
المرأة اه. ولو قال الزوج الثاني النكاح وقع
فاسدا لأني جامعت أمها إن صدقته المرأة لا تحل
للزوج الأول، وإن كذبته تحل كذا أجاب القاضي
الإمام، ولو قالت دخل بي الثاني، والثاني منكر
فالمعتبر قولها، وكذا على العكس، وفي
"النهاية": ولم يمر بي لو قال المحلل بعد
الدخول كنت حلفت بطلاقها إن تزوجتها هل تحل
للأول قلت يبتنى الأمر على غالب ظنها إن كان
صادقا عندها فلا تحل له، وإن كان كاذبا تحل،
وعن الفضلي لو قالت تزوجني فإني تزوجت غيرك،
وانقضت عدتي فتزوجها ثم قالت ما تزوجت صدقت
إلا أن تكون أقرت بدخول الثاني كانه، والله
أعلم. يحمل قولها تزوجت على العقد، وقولها ما
تزوجت على معنى ما دخل بي لا على إنكار ما
اعترفت به، ولذا قال إلا أن تكون أقرت بدخول
الثاني فإنه لم يقبل قولها فإنه حينئذ تكون
مناقضة صريحة كذا في "فتح القدير": ". وأشار
بقبول قولها إلى أنه لا عبرة
ج / 4 ص -92-
بقول
الزوج الثاني حتى لو قال لم أدخل بها أو كان
النكاح فاسدا، وكذبته فالمعتبر قولها، ولو قال
الزوج الأول لها ذلك يعتبر قوله في حق الفرقة
كأنه طلقها لا في حقها حتى يجب لها نصف المسمى
أو كماله إن دخل بها. وأشار بقوله إن غلب على
ظنه صدقها إلى أن عدالتها ليست شرطا، ولهذا
قال في "البدائع"، "وكافي الحاكم"، وغيرهما لا
بأس أن يصدقها إذا كانت ثقة عنده أو وقع في
قلبه صدقها، وبقبول قول المطلقة إلى أن منكوحة
رجل قالت لآخر طلقني زوجي، وانقضت عدتي جاز
تصديقها إذا وقع في الظن صدقها عدلة كانت أم
لا، ولو قالت نكاحي الأول فاسد ليس له أن
يصدقها، وإن كانت عدلة كذا في "البزازية":
وفيها: سمع رجل من امرأة أنها مطلقة الثلاث،
والزوج يقول لا بل مطلقة الثنتين لا يسع لمن
سمع منها أن يحضر نكاحها، ويمنعها ما استطاع
أراد أن يتزوج امرأة فشهد عنده أو عند القاضي
أن لها زوجا فتزوجها لا يفرق انتهى.
وفيها: قالت: طلقني ثلاثا ثم أرادت تزويج
نفسها منه ليس لها ذلك أصرت عليه أم كذبت
نفسها انتهى.
وقيد بقوله، والمدة تحتمله لأن المدة لو لم
تحتمله فإنه لا يصدقها، واحتمالها أن يذكر لكل
عدة ما يمكن، وهو شهران عند أبي حنيفة، وتسعة،
وثلاثون يوما عندهما تمامه في "الشرح"، ولكن
في القنية برقم شب قالت المعتدة أسقطت سقطا
استبان خلقه أو بعض خلقه تصدق، وتنقضي به
العدة، وإن أخبرت بعد الطلاق بساعة أو يوم ففي
بق إذا قالت انقضت عدتي في يوم أو أقل تصدق
أيضا، وإن لم تقل سقط لاحتماله بو خلافه ا ه
فقولهم الإمكان بشهرين عند الإمام محله ما إذا
لم تقل أسقطت سقطا استبان بعض خلقه، وجزمهم
بهذه المدة دليل على ضعف قول من قال بقبول
قولها انقضت عدتي بعد يوم أو أقل لاحتمال سقوط
سقط من غير تصريح منها بذلك، والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
7 - باب الإيلاء
هوالحلف على ترك قربانها أربعة أشهر، أو أكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7 - باب الإيلاء
لما كان الإيلاء يوجب البينونة في ثاني الحال
كالطلاق الرجعي أولاه به، وهو لغة اليمين
وشرعا قوله:
"هو الحلف على ترك قربانها أربعة أشهر أو
أكثر" أي: الزوجة وهو تعريف
لأحد قسمي
ج / 4 ص -93-
كقرله: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو والله
لا أقربك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإيلاء الحقيقي، وهو ما اشتمل على القسم
كقوله آليت أن لا أقربك أو حلفت أو، والله أو
ما يئول إليه كقوله أنا منك مول قاصدا به
الإيجاب أو أنت مثل امرأة فلان، وقد كان فلان
آلى من امرأته لأن معناه أنا منك حالف، وكذا
الثاني يئول إليه فانحل إلى القسم، وأما ما
كان في معنى اليمي، وهو اليمين بتعليق ما
يستشقه على القربان فسنتكلم عليه بعده، وبهذا
سقط اعتراض ابن الهمام تبعا للشارح من أنه يرد
عليه اليمين بتعليق ما لا يستشقه.
كقوله: إن وطئتك فلله علي أن أصلي ركعتين
فإنه لا يكون موليا مع أن التعريف شامل له مع
أن في كونه موليا اختلافا فما ذكروه من عدم
كونه موليا هو قول أبي يوسف، وقال محمد يكون
موليا كما في "المجمع" فجاز أن يكون المؤلف
قصد تعريف الإيلاء المتفق عليه، وإن كان
المعتمد قول أبي يوسف كما سيأتي، والتعريف
الشامل لكل من القسمين السالم من الإيراد
قولنا اليمين على ترك قربانها أربعة أشهر
فصاعدا بالقسم أو بتعليق ما يستشقه على
القربان. وعلى هذا فقولهم المولى من لا يخلو
عن أحد المكروهين من الطلاق أو الكفارة مبني
على أحد قسمي الإيلاء الحقيقي فلا يعترض عليهم
بالمعنوي كما في "فتح القدير": " والشامل
لهما المولى من لا يخلو عن أحد المكروهين من
الطلاق أو لزوم ما يشق عليه، وأوردت عليه
إيلاء الذمي على قول أبي حنيفة فإنه إذا أقر
بها خلا عنهما كما سيأتي.
ولكن قال في "الكافي": إنه ما خلا عن حنث
لزمه بدليل أنه يحلف في الدعاوى بالله العظيم،
ولكن منع من وجوب الكفارة عليه مانع، وهو
كونها عبادة، وهو ليس من أهلها، وما إذا قال
لأربع نسوة، والله لا أقربكن صار موليا منهن،
ويمكنه قربان ثلاث من غير شيء يلزمه لأنه لا
يحنث إلا بقربان جميعهن.
وركنه: الحلف المذكور وشرطه محلية المرأة بأن
تكون منكوحة وقت تنجيز الإيلاء فلا يرد ما لو
قال إن تزوجتك فوالله لا أقربك فتزوجها فإنه
يصير موليا عندنا كما في "المبسوط"، وأهلية
الزوج للطلاق عنده، وللكفارة عندهما فيصح
إيلاء الذمي عنده بما فيه كفارة نحو، والله لا
أقربك فإن قربها تلزمه كفارة، وفائدة كونه
موليا أن المدة لو مضت بلا قربان بانت
بتطليقة، ولا يصح عندهما أما لو آلى بما هو
قربة كالحج لا يصح اتفاقا أو بما لا يلزم كونه
قربة كالعتق فإنه يصح اتفاقا فإيلاء الذمي على
ثلاثة أوجه، وعدم النقص عن أربعة أشهر في
الحرة من الشرائط فهي ثلاث، وحكمه لزوم
الكفارة أو الجزاء المعلق بتقدير الحنث
بالقربان، ووقوع طلقة بائنة بتقدير البر.
"قوله كقوله والله لا أقربك أربعة أشهر أو،
والله لا أقربك" لقوله
تعالى:
{لِلَّذِينَ
يُؤْلُونَ من
ج / 4 ص -94-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نِسَائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
[البقرة: 226] وأفاد بالمثالين أنه لا فرق
بين تعيين المدة أو الإطلاق لأنه كالتأبيد،
وبإطلاقه إلى أن هذا اللفظ صريح فيه لأنه لم
يشترط فيه النية، ومثله لا أجامعك لا أطؤك لا
أباضعك لا أغتسل منك من جنابة فلو ادعى أنه لم
يعن الجماع لا يصدق قضاء، ويصدق ديانة،
والكناية كل لفظ لا يسبق إلى الفهم معنى
الوقاع، ويحتمل غيره ما لم ينو نحو لا أمسك،
ولا آتيك، ولا أغشاك لا ألمسك لأغيظنك لأسوءنك
لا أدخل عليك لا أجمع رأسي، ورأسك لا أضاجعك
لا أدنو منك لا أبيت معك في فراش لا يمس جلدي
جلدك لا أقرب فراشك فلا يكون إيلاء بلا نية،
ويدين في القضاء، وفي "غاية البيان" معزيا إلى
الشامل حلف لا يقربها، وهي حائض لا يكون موليا
لأن الزوج ممنوع عن الوطء بالحيض فلا يصير
المنع مضافا إلى اليمين ا ه.
وبهذا اعلم أن الصريح وإن كان لا يحتاج إلى
النية لا يقع به لوجود صارف، وقيد المصنف
بالقسم لأنه لو قال لا أقربك، ولم يقل، والله
لا يكون موليا كذا ذكر الإسبيجابي، وفي
"البدائع" لو آلى من امرأته ثم قال لامرأته
الأخرى أشركتك في إيلائها لم يصح فإن كان في
مكان الإيلاء ظهار صح، والفرق أن الشركة في
الإيلاء لو صحت لثبتت الشركة في المدة فيصير
كل واحد منهما أقل من أربعة أشهر، وهذا يمنع
صحة الإيلاء انتهى، والطلاق كالظهار، وهو يفيد
أنه لو آلى منها مدة لو قسمت خص كل واحدة
منهما أربعة أشهر فأكثر فإنه يكون موليا من
الثانية بالتشريك، وذكر الكرخي لو قال لامرأته
أنت علي حرام ثم قال لامرأته الأخرى قد أشركتك
معها كان موليا من كل منهما لأن إثبات الشركة
لا يغير موجب اليمين هنا فإنه لو قال أنتما
علي حرام كان موليا من كل واحدة منهما على
حدة، وتلزمه الكفارة بوطئهما بخلاف قوله،
والله لا أقربكما لأن هذا صار إيلاء لما يلزمه
من هتك حرمة الاسم، وذلك لا يتحقق إلا
بقربانهما. وأما قوله أنتما علي حرام صار
إيلاء باعتبار معناه، وهو إثبات التحريم،
وإثبات التحريم قد وجد في كل واحدة منهما
فيثبت الإيلاء في حق كل واحدة منهما، ولو حلف
لا يقربها في زمان أو مكان معين لا يكون موليا
خلافا لابن أبي ليلى لأنه يمكنه قربانها في
مكان آخر أو زمان آخر، ولو حلف لا يقرب
امرأته، وأجنبية لا يصير موليا ما لم يقرب
الأجنبية لأنه يمكنه قربان امرأته من غير شيء
يلزمه لأن الإيلاء واحد، ولا يصح في حق
الأجنبية في حق الطلاق فكذلك في حق امرأته
فإذا قرب الأجنبية لا يمكنه قربانها إلا
بكفارة تلزمه، وصار كما لو حلف لا يقرب امرأته
وأمته، ولو حلف لا يقربها إن شاءت يتوقف على
مشيئتها لأنه طلاق مؤجل فيجوز تعليقه بمشيئتها
كالطلاق المنجز كذا في "المحيط".
ج / 4 ص -95-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن الكنايات أنت علي مثل امرأة فلان، وقد كان
فلان آلى من امرأته فإن كان نوى الإيلاء كان
موليا، وإلا فلا، ومنها ما لو قال أنت علي
كالميتة كذا في "الظهيرية" وسيأتي أنت علي
حرام1، وأراد بقوله، والله ما ينعقد به اليمين
كقوله تالله وعظمة الله وجلاله وكبريائه فخرج
ما لا ينعقد به اليمين كقوله، وعلم الله لا
أقربك، وعلي غضب الله وسخطه إن قربتك، وإن جعل
للإيلاء غاية إن كان لا يرجى وجودها في مدة
الإيلاء كان موليا كما إذا قال والله لا أقربك
حتى أصوم المحرم، وهو في رجب أو لا أقربك إلا
في مكان كذا وبينه مسيرة أربعة أشهر فصاعدا
فإنه يكون موليا، وإن كان أقل لم يكن موليا.
وكذا إذا قال حتى تفطمي طفلك وبينها وبين
الفطام أربعة أشهر فصاعدا فإنه يكون موليا،
وإن كان أقل لم يكن موليا، وإن قال لا أقربك
حتى تطلع الشمس من مغربها أو حتى تخرج الدابة
أو الدجال كان القياس أن لا يكون موليا لأنه
يرجى وجود ذلك ساعة فساعة، وفي الاستحسان يكون
موليا لأن هذا اللفظ في العرف، والعادة إنما
يكون للتأبيد، وكذا إذا قال حتى تقوم الساعة
أو قال
{حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}
فإنه يكون موليا.
فإن كان يرجى وجوده في المدة لا مع بقاء
النكاح فإنه يكون موليا أيضا مثل أن يقول،
والله لا أقربك حتى تموتي أو أقتل أو حتى
أطلقك ثلاثا فإنه يكون موليا إجماعا، وكذا إذا
كانت أمة فقال لا أقربك حتى أملكك أو أملك
شقصا منك يكون موليا، وإن قال حتى أشتريك لا
يكون موليا لأنه قد يشتريها لغيره، ولا يفسد
النكاح، ولو قال حتى أشتريك لنفسي لا يكون
موليا أيضا لأنه ربما يشتريها لنفسه شراء
فاسدا، ولو قال اشتريتك لنفسي. وأقبضك كان
موليا.
وإن كان يرجى وجوده مع بقاء النكاح كان موليا
مثل أن يقول إن. قربتك فعبدي حر كذا في
"الجوهرة".
وقيد بالقربان لأنه لو قال والله لا يمس جلدي
جلدك لا يكون موليا لأنه يحنث في يمينه بالمس
بدون الجماع في الفرج، ولو قال والله لا يمس
فرجي فرجك يكون موليا لأنه يراد بهذا الكلام
الجماع في الفرج، ولو قال لامرأته إن قربتك أو
دعوتك إلى فراشي فأنت طالق لا يكون موليا لأنه
يمكنه قربانها من غير وقوع الطلاق بأن يدعوها
إلى الفراش فيحنث ثم يقربها بعد ذلك من غير أن
يحنث بالقربان، ولو قال لامرأته إن اغتسلت من
جنابتي ما دمت امرأتي فأنت طالق ثلاثا وأعاد
هذا القول، وكانت المرأة حاملا، ولم يقربها
بعد المقالة حتى وضعت حملها بعد أربعة أشهر
فصاعدا فإنها تبين بواحدة عند انقضاء أربعة
أشهر لأنه كان موليا، وتنقضي عدتها بوضع
ج / 4 ص -96-
فإن وطىء في المدة كفرَّ، وسقط الإيلاء وإلا
بانت، وسقط اليمين لو حلف على أربعة أشهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمل فإن تزوجها بعد ذلك لا يكون موليا لو
قربها لا يحنث لأن اليمين كانت موقتة إلى بقاء
النكاح، وبعدما وقعت تطليقة بالإيلاء لا يقع
عليها طلاق آخر، وإن مضت أربعة أشهر أخرى قبل،
وضع الحمل لأن المبانة بالإيلاء لا يقع عليها
طلاق آخر بحكم ذلك الإيلاء، وإن كانت في العدة
ما لم تتزوج، وتمامه في "الخانية": . وعلم أن
القربان مصدر قرب يقرب من باب فعل بكسر العين
في الماضي وفتحها في المضارع، وله مصدران
القربان، والقرب بمعنى الدنو كذا في "ضياء
الحلوم".
"قوله فإن وطئ في المدة كفر"
بتشديد الفاء أي لزمته الكفارة إذا كانت يمينه
بالله تعالى، وبه قالت الأئمة الثلاثة، ووعد
المغفرة بسبب الفيء الذي هو مثل التوبة لا
ينافي إلزام الكفارة لأنه حكم دنيوي، وذاك
أخروي قيد بالوطء لأنه لو كفر قبله لا يكون
كفارة كذا ذكر الإسبيجابي، وأطلق في الوطء
فشمل ما إذا جن بعد الإيلاء ثم وطئها انحلت،
وسقط الإيلاء كذا في "فتح القدير": ".
"قوله وسقط الإيلاء" بإجماع
الفقهاء* حتى لو مضت أربعة أشهر لا يقع طلاق
لانحلال اليمين بالحنث، وسواء حلف على أربعة
أشهر أو أطلق أو على الأبد.
"قوله وإلا بانت" أي إن لم
يطأ في المدة، وهي أربعة أشهر وقعت عليه طلقة
بائنة لأنه قد وقع التخلص من الظلم، ولا يكون
بالرجعي لأنه بسبيل من أن يردها إلى عصمته،
ويعيد الإيلاء فتعين البائن لتملك نفسها،
وتزول سلطنته عنها جزاء لظلمه، وهو مروي عن
عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وعلي وابن مسعود
وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وتمامه في
"فتح القدير": ، وذكر الإسبيجابي أن العدة من
وقت البينونة، وبه فارق الطلاق الرجعي فإنه
وإن أوجب بينونة في ثاني الحال كالإيلاء لكن
العدة فيه من وقت الطلاق لا البينونة. وفي
"المبسوط"، وإذا ادعى أنه قد جامعها فإن ادعى
في الأربعة الأشهر فالقول قوله، وإن ادعى ذلك
بعد مضي المدة لم يقبل قوله بناء على الأصل
المعروف أنه متى أقر بما يملك إنشاءه لا يكون
متهما فلو أقام بينة على مقالته في الأربعة
الأشهر أنه قد جامعها فهي امرأته لأن الثابت
بإقراره كالثابت بالمعاينة، وهي من أعجب
المسائل أنه لا يقبل إقراره بعد مضي المدة،
ويتمكن من إثباته بالبينة. ا ه.
"قوله وسقط اليمين لو حلف على أربعة أشهر"
لأنها موقتة بوقت فلا تبقى بعد مضيه.
...........
* العبارة في الأصل العلماء.
ج / 4 ص -97-
وبقيت لو على الأبد، ولو نكحها ثانياً و
ثالثاً ومضت المدتان بلا فيء بانت بأخريين،
فإن نكحها بعد زوج آخر لم تطلق، فلو وطئها
كفرلبقاء اليمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: وبقيت لو على الأبد"
أي بقيت اليمين لو كان حلف على الأبد سواء صرح
به أو أطلق لعدم ما يبطلها من حنث أو مضي وقت.
"قوله فلو نكحها ثانيا، وثالثا، ومضت المدتان
بلا فيء بانت بأخريين" يعني
لو تزوجها بعدما بانت بالإيلاء ثم مضت المدة
بعد التزوج الثاني بانت بتطليقة أخرى، وكذا لو
تزوجها بعد ذلك ثالثا، ومضت المدة بانت
بثالثة، وتعتبر المدة من وقت التزوج لأنه به
يثبت حقها في الجماع، وبامتناعه صار ظالما
فيجازى بإزالة نعمة النكاح. وأشار إلى أنه لا
يتكرر الطلاق قبل التزوج لأنه لا حق لها في
الجماع قبله، وهو الأصح بخلاف ما لو أبانها
بتنجيز الطلاق ثم مضت مدة الإيلاء، وهي في
العدة حيث تقع أخرى بالإيلاء لأنه بمنزلة
التعليق بمضي الزمان، والمعلق لا يبطل بتنجيز
ما دون الثلاث، وفي "الظهيرية" لو قال والله
لا أقربك أبدا فمضت أربعة أشهر، ووقع الطلاق
ثم مضت أربعة أشهر أخرى، وهي في العدة تقع
أخرى، وكذلك هذا في الكرة الثالثة، ولو تزوجها
بعد انقضاء العدة تعتبر مدة الإيلاء الثاني من
وقت التزوج، ولو تزوجها في العدة تعتبر المدة
من وقت وقوع الطلاق الأول ا ه.
"قوله فإن نكحها بعد زوج آخر لم تطلق"
لتقييده بطلاق هذا الملك، وقد انتهى بالثلاث
سواء وقعت متفرقة بسبب الإيلاء المؤبد أو
نجزها بعد الإيلاء قبل مضي مدته ثم عادت إليه
بعد زوج آخر لبطلان الإيلاء فلا يعود بالتزوج.
"قوله فلو وطئها كفر لبقاء اليمين"
أي لو وطئها بعدما عادت إليه بعد زوج آخر لزمه
التكفير عن يمينه لبقائها في حقه، وإن لم يبق
في حق الطلاق، وفي "الجامع" الكبير للصدر
الشهيد الإيلاء يصح في المنكرة حلف لا يقرب
إحداهما، ومضت المدة بانت واحدة، ويخير فإن
مضت مدة أخرى قبله بانت الأخرى للتعيين، ودلت
أن الإيلاء يبطل بالبينونة، وأنه لا ينعقد على
المبانة في العدة، وهو الأصح بخلاف الإبانة
بغيره، وعلى هذا تكرار مدة الواحدة بخلاف كلما
مضت أربعة أشهر فأنت بائن ينوي الطلاق. ا ه.
ومن باب اليمين في الإيلاء الإيلاء يوجب
طلاقا، ويتعدد بتعدد المدة، وكفارة في الحنث،
وتتعدد بتعدد الاسم قال كلما دخلت واحدة من
هاتين الدارين فوالله لا أقربك، ودخلها أو قال
كلما دخلت هذه، ودخلها مرتين يتعدد في حق
الطلاق دون الكفارة، ولو قال فعلي يمين إن
قربتك تعددا قال في مجلس مرتين إذا جاء غد
فوالله لا أقربك تعدد الكفارة بالوطء لتعدد
الاسم، والطلاق بالبر لا لاتحاد المدة، وعند
زفر تتعدد، ولو علقه بوقتين تعددا لتعددهما
قال كلما دخلت فأنت طالق ثلاثا إن قربتك أو
فعبدي هذا حر يتعدد الإيلاء والجزاء متحد
لتعذره.
ج / 4 ص -98-
ولا إيلاء فيها دون أربعة أشهر، والله لا
أقربك شهرين، وشهرين بعد هذين الشهرين إبلاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال كلما دخلت فإن قربتك فعلي يمين أو نذر أو
حجة يتعدد، ويشترط مع كل دخلة قربان للعطف.
قال كلما دخلت فوالله لا أقربك أو قدم القسم
يتعدد الطلاق دون الكفارة، ولو قال إن قربتك
فأنت طالق كلما دخلت لا يكون موليا لأن به
ينعقد، ويمكنه أن لا يدخل آلى مرارا في مجلس،
ونوى التكرار يتحد الطلاق، والكفارة، وإن عطف
يتعدد الكفارة، وتطلق ثلاثا يتبع بعضها قياسا،
وهو قول محمد وزفر، وواحدة استحسانا، وهو
قولهما ا ه.
"قوله ولا إيلاء فيما دون أربعة أشهر"
يعني في الحرة بدليل أنه سيذكر حكم الأمة، وبه
قال الأئمة الأربعة، وظاهر الآية صحة الإيلاء
فيما دونها لأنه إنما خص بالأربعة مدة التربص،
وأما الحلف فمطلق، وما ذكره الشارح، وغيره من
المعنى فمصادرة كما في "فتح القدير": ، ولكن
كان مشايخنا إنما تمسكوا بفتوى ابن عباس على
أنه تفسير للآية، وتمامه في "العناية"، والله
أعلم.
"قوله والله لا أقربك شهرين وشهرين بعد هذين
الشهرين إيلاء" لأن الجمع
بحرف الجمع كالجمع بلفظه، وقوله بعد هذين
الشهرين قيد اتفاقي لأنه لو لم يذكره كان
الحكم كذلك.
قيد بالواو بدون تكرار النفي والقسم لأنه لو
كرر النفي بأن قال والله لا أقربك شهرين، ولا
شهرين أو كرر القسم بأن قال والله لا أقربك
شهرين، والله لا أقربك شهرين لا يكون موليا
لأنهما يمينان فتتداخل مدتهما حتى لو قربها
قبل مضي شهرين يجب عليه كفارتان، ولو قربها
بعد مضيهما لا تجب عليه لانقضاء مدتهما، وحكم
اليمين كحكم الإيلاء في عدم التعدد إذا كانت
بالواو فقط، والتعدد إذا تكرر حرف النفي أو
القسم، ولا فرق في تكرار القسم بين تكرار
المقسم عليه أو لا حتى لو قال والله والله لا
أفعل كذا فهو يمينان في "ظاهر الرواية" كقوله
والله لا أفعل كذا والله لا أفعل كذا.
واعلم: أنه لا تلازم بين كونه إيلاء ويمينا
فلذلك قد يتعدد البر، والحنث، وقد يتحدان، وقد
يتعدد البر، ويتحد الحنث، وقلبه.
مثال الأول: إذا جاء غد فوالله لا أقربك إذا
جاء بعد غد فوالله لا أقربك فتعدد الإيلاء
لتعدد المدة، وتعدد اليمين لتعدد الذكر فإن
تركها أربعة أشهر من اليوم الأول بر في
الأولى، وبانت، فإذا مضى يوم آخر برّفي
الثانية وطلقت أيضاً، قربها بعد الغد تجب
كفارتان وإن قربها في الغد تجب كفارة وحدة.
ومثال الثاني: والله لا أقربك أربعة أشهر،
وكذا مسألة الكتاب.
ج / 4 ص -99-
ولو مكث يوماً، ثم قال: والله لا أقربك شهرين
بعد الشهرين الأولين، أوقال: والله لا أقربك
سنة إلا يوماً، أو قال بالبصرة: والله أدخل
مكة وهي بها لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومثال الثالث كلما دخلت هذه الدار فوالله لا
أقربك فدخلتها في يوم ثم في يوم ثم في يوم آخر
فإن قربها تجب كفارة واحدة لاتحاد الحنث، وإن
تركها أربعة أشهر من اليوم الأول بانت بطلقة
فإذا مضى يوم آخر بانت بطلقة أخرى، وكذا إذا
مضى يوم آخر بانت بثالثة لتعدد البر.
وفي "فتح القدير": ": وفي المثال نظر لأن
الحلف بالله وقع جزاء لشرط متكرر فيلزم تكرره.
ولا يشكل بأنه لا حلف عند الشرط الثاني
والثالث لأنه لم يوجد فيه ذكر اسم الله تعالى،
وإلا لزم أن لا حلف عند الشرط الأول أيضا، ومع
ذلك ثبت الحلف عنده، ولعله اشتبه بوالله كلما
دخلت الدار لا أقربك أو بكلما دخلت الدار
فوالله لا أقربك. ا ه.
والجواب لا اشتباه لأن المنقول في الفتاوى
ك"الولوالجية"، و"البزازية": أن الطلاق،
والعتاق، والظهار متى علق بشرط متكرر يتكرر،
واليمين لا، وإن علق بمتكرر حتى لو قال كلما
دخلت الدار فوالله لا أكلم زيدا فدخل الدار
مرارا لا يتكرر اليمين لأنه إنشاء عقد،
والإنشاء يتكرر بلا تكرر صيغته ألا ترى أنه لا
يتعدد، وإن سمي التعدد لأن الكفارة تلزم بلا
هتك حرمة اسم الله تعالى. ا ه. وقوله وإلا لزم
أن لا حلف عند الشرط الأول ممنوع لأنه صريح
قيد كما لا يخفى.
ومثال الرابع: أعني اتحاد الإيلاء، وتعدد
اليمين إذا جاء غد فوالله لا أقربك ثم قال في
المجلس إذا جاء غد فوالله لا أقربك فهو إيلاء
واحد في حكم البر حتى لو مضت أربعة أشهر من
الغد طلقت، وإن قربها فعليه كفارتان لاتحاد
المدة، وتعدد الاسم.
"قوله ولو مكث يوما ثم قال والله لا أقربك
شهرين بعد الشهرين الأولين أو قال والله لا
أقربك سنة إلا يوما أو قال بالبصرة، والله لا
أدخل مكة، وهي بها لا" أي لا
يكون موليا في هذه المسائل الثلاث أما في
الأولى فلأن الثاني إيجاب مبتدأ وقد صار
ممنوعا بعد اليمين الأولى شهرين، وبعد الثانية
أربعة إلا يوما فلم تتكامل مدة المنع أراد
باليوم مطلق الزمان لأنه لا فرق بين مكثه يوما
أو ساعة.
وتقييده بقوله: بعد الشهرين اتفاق أيضا لأنه
لو لم يذكره لا يكون موليا أيضا لكن بينهما
فرق من وجه آخر، وهو أنه عند ذكره تتعين مدة
اليمين الثانية، وعند عدمه تصير مدتهما واحدة،
وتتأخر الثانية عن الأولى بيوم، ولكن في مسألة
الكتاب تتداخل المدتان فلو قربها في الشهرين
الأولين لزمته كفارة واحدة، وكذا في الشهرين
الأخيرين لأنه لم يجتمع على شهرين يمينان بل
على كل شهرين يمين واحدة، وقد توارد شروح
"الهداية" من "النهاية"، ومختصريها، و"غاية
البيان" على
ج / 4 ص -100-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطأ عند كلامهم على هذه المسألة فاحذره كذا
في "فتح القدير".
وأقول: وقيد بالوقت لأنه لو أطلق بأن قال:
والله لا أقربك ثم قال بعد ساعة، والله لا
أقربك ثم بعد ساعة قال والله لا أقربك فقربها
بعد اليمين الثالثة لزمه ثلاث كفارات لتداخل
المحلوف عليه، ولو لم يقربها حتى مضت أربعة
أشهر بانت، وعند تمام الثانية، وهو ساعة بعدها
تبين بأخرى إذا كانت في العدة، وعند تمام
الثالثة تبين بثالثة بلا خلاف، وفي "الجوهرة"،
ولو كرر، والله لا أقربك ثلاثا في مجلس واحد
فإن أراد التكرار، والإيلاء واحد، واليمين
واحدة، وإن لم يكن له نية فالإيلاء واحد،
واليمين ثلاث، وإن أراد التغليظ، والتشديد
فالإيلاء واحد، واليمين ثلاث في قول أبي حنيفة
وأبي يوسف. وإذا تعدد المجلس تعدد الإيلاء،
واليمين، وتمامه فيها.
وأما الثانية، وهو ما إذا قال والله لا أقربك
سنة إلا يوما، وأن المولي من لا يمكنه القربان
في المدة إلا بشيء يلزمه، ويمكنه هاهنا
القربان من غير شيء يلزمه لأن المستثنى يوم
منكر، ولو قربها في يوم صار موليا إذا غربت
الشمس من ذلك اليوم، ولا يكون موليا بمجرد
القربان بخلاف قوله سنة إلا مرة فإنه إذا
قربها صار موليا من ساعته، ولا بد فيها من كون
الباقي من السنة أربعة أشهر فأكثر ذكره
الإسبيجابي.
قيد بالإيلاء: لأن في الإجارة ينصرف إلى
اليوم الأخير من السنة لأن الصرف إلى الأخير
لتصحيحها فإنها لا تصح مع التنكير، ولا كذلك
اليمين في الإيلاء، وأما اليمين في غيره
فقالوا ينصرف إلى الأخير كقوله، والله أكلم
فلانا سنة إلا يوما فاحتاجوا إلى الفرق بين
اليمينين، وفرق صاحب "النهاية" بأن المعنى
الحامل، وهو المغايظة المقتضية لعدم كلامه في
الحال منظور فيه بأنه مشترك الإلزام إذ
الإيلاء أيضا يكون عن المغايظة كذا في "فتح
القدير": تبعا للشارح، وقد يقال لا يلزم في
الإيلاء أن يكون عن مغايظة كما إذا كان برضاها
لخوف غيل على ولدها، وعدم موافقة مزاجهما،
ونحوه فيتفقان عليه لقطع لجاج النفس كما صرح
به في "فتح القدير": أول الباب، ولم يتنبه له
هنا، وتأجيل الدين كالإجارة.
وقيد باليوم؛ لأنه لو قال إلا نقصان يوم انصرف
إلى الأخير لأن النقصان منها لا يكون إلا من
آخرها عرفا، والتقييد بالسنة اتفاقي لأنه لو
أطلق فقال لا أقربك إلا يوما لا يكون موليا
أيضا لكن إذا قربها هنا صار موليا مطلقا. وكذا
لا فرق بين الاقتصار على اليوم وبين وصفه
بقوله إلا يوما أقربك فيه في كونه لا يكون
موليا لكن هنا لا يصير موليا أبدا قربها أو لا
بخلاف ما تقدم، وقيد بالاستثناء لأنه لو قال
لا أقربك سنة كان موليا، ووقع عليه طلقتان فقط
إذا تركها السنة كلها، ولا تقع الثالثة كذا في
"الولوالجية"، وأما المسألة الثالثة، وهو ما
إذا كان في بلدة
ج / 4 ص -101-
وإن حلف بحج، أو صوم، أوصدقة، أوعتق، أو طلاق،
أوآلى من المطلقة الرجعية فهو مولٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وامرأته في أخرى فحلف لا يدخل البلدة التي هي
فيها لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه
بالإخراج من البلد بوكيله أو نائبه قبل مضي
المدة فإن كان لا يمكنه بأن كان بينهما ثمانية
أشهر صار موليا على ما في جوامع الفقه، وأما
على ما ذكره قاضي خان فالعبرة لأربعة أشهر،
والذي يظهر ضعفه لإمكان خروج كل منهما إلى
الآخر فيلتقيان في أقل من ذلك، وقدمنا بعض
مسائل الإيلاء المغيا بغاية عن "الجوهرة"، وفي
"الجامع" للصدر الشهيد الغاية كالشرط قال لا
أقربك حتى أقتل أو تقتلي أو أقتلك أو تقتليني
أو أملكك أو تملكيني أو ما دام النكاح بيننا
فهو مول، وحتى أشتريك لا خلافا لزفر دليله
التعليق، ولو قال حتى أعتق عبدي أو أطلق
امرأتي صار موليا خلافا لأبي يوسف، ولو قال
حتى أقتله أو أضربه أو يأذن لي لا لإمكان
الغاية فإن وحدت الغاية سقطت اليمين. وكذا إن
تعذرت عندهما خلافا لأبي يوسف، وهي معروفة،
ولو قال حتى أقتلك أو فلانا، وقتله بطلت، وإن
مات صار موليا بعده، ولو قال حتى تموت أو
يموت، ومات بطلت قال في رجب لا أقربك حتى أصوم
شعبان فأفطر أول يوم منه أو عمل ما لا يستطيع
معه الصوم بطلت يمينه، وعند أبي يوسف يصير
موليا من وقت التعذر، وعند محمد من وقت
اليمين، وخالف أصله، ولو قال حتى أصوم المحرم
فهو مول بالاتفاق، وكذا حتى تخرج الدابة أو
تطلع الشمس من مغربها ا ه.
"قوله وإن حلف بحج أو صوم أو عتق أو صدقة أو
طلاق أو آلى من المطلقة الرجعية فهو مول"
هذا شروع في القسم الثاني من الإيلاء، وهو
الإيلاء المعنوي، وهو اليمين بتعليق ما يستشقه
على القربان كإن قربتك فلله علي حج، وخرج
اليمين بما لا يستشقه كإن قربتك فلله علي صلاة
ركعتين أو فلله علي صلاة ركعتين في بيت المقدس
لأنه لا يلزمه بتعيين المكان شيء عندنا فله
صلاتهما في غيره كما خرج فعلي اتباع جنازة أو
سجدة تلاوة أو قراءة القرآن أو تسبيحة، ودخل
ما لو قال فلله علي مائة ركعة لأنه يشق على
النفس كما في "فتح القدير": بحثا، وإطلاق أن
الصلاة مما لا يستشقه كما فعل الشارح مما لا
ينبغي هذا إن علل الصلاة بما لا يستشق أما إذا
علل بأن الصلاة لا يحلف بها عادة كما في شرح
"المجمع" للمصنف قال فالتحق بصلاة الجنازة،
وسجدة التلاوة فلا فرق بين الركعتين ومائة
ركعة كما لا يخفى، ودخل الهدي والاعتكاف
واليمين، وكفارة اليمين، وذبح الولد لأنه
يلزمه بالنذر به ذبح شاة عندنا كما في
"البدائع"، وأراد بالصوم غير المعين كقوله
فلله علي صوم يوم أو شهر، والمعين إن كان بمدة
الإيلاء أو أكثر كقوله فلله علي صوم أربعة
أشهر أولها هذا الشهر مثلا. وأما إذا كان بأقل
منها كقوله فلله علي صوم هذا الشهر فليس بمول
لأنه يمكنه ترك القربان إلى أن يمضي ذلك ثم
يطأها بلا شيء يلزمه.
ج / 4 ص -102-
ومن المبانة والأجنبية لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلق العتق فشمل عتق العبد المعين كقوله فلله
علي عتق هذا العبد، وغيره كقوله فلله علي عتق
عبد سواء كان منجزا أو معلقا حتى لو قال فكل
مملوك اشتريته فهو حر صار موليا خلافا لأبي
يوسف كما أطلق الطلاق فشمل طلاقها وطلاق غيرها
منجزا أو معلقا حتى لو قال فكل امرأة أتزوجها
من أهل الإسلام طالق صار موليا، وفي "التلخيص"
من باب الإيلاء يكون في موطنين، وفي إن قربتك
فأنت طالق كلما دخلت فليس بمول لأن له مدفعا
بالترك أو بحمل الغير بخلاف فكل مملوك أملك
حر، أو أخر الجزاء كان موليا للإعراض ا ه.
ومن باب الفيء في اليمين قال إن قربتك فعبداي
حران فباع أحدهما ثم اشتراه، وباع الآخر أو
قدم بيعه فهو مول من وقت شرائه، وفي فأحدهما
حر من وقت اليمين. ا ه. ولو باع العبد المعين
سقط الإيلاء لأنه صار بحال يمكنه قربانها بغير
شيء يلزمه، ولو ملكه بسبب شراء أو غيره عاد
الإيلاء من وقت الملك إن لم يكن وطئها قبله
فإن كان وطئها قبل تجدد الملك لم يعد لسقوط
الإيلاء، ولو مات العبد المعين قبل البيع سقط
الإيلاء لقدرته على الوطء بغير شيء، وعلى هذا
التفصيل موت المرأة المعلق طلاقها أو إبانتها
ثم تزوجها، وفي "الجامع" للصدر قال أنت طالق
ثلاثا قبل أن أقربك بشهر أو قبل أن أقربك بشهر
إذا قربتك لا يصير موليا قبل الشهر، وبعده
يصير إلا إذا قربها فيه، والثاني تأكيد بخلاف
والله لا أقربك إن قربتك للتعليق قال أنت طالق
قبل أن أقربك يتنجز، وقيل لا، ويصير موليا ا
ه.
وفي "الخانية": قال لامرأته إن قربتك فعبدي
هذا حر فمضت أربعة أشهر، وخاصمته إلى القاضي،
وفرق بينهما ثم أقام العبد البينة أنه حر
الأصل فإن القاضي يقضي بحريته، ويبطل الإيلاء،
وترد المرأة إلى زوجها لأنه تبين أنه لم يكن
موليا ا ه. وأما صحة الإيلاء من المطلقة
رجعيا، وإن لم يكن لها حق في الوطء فباعتبار
أن وطأها مباح فإن كانت تعتد بالإقراء
فلاحتمال امتداد عدتها حتى تمضي مدة الإيلاء
فتبين، وإن كانت بالأشهر فلاحتمال أن يراجعها
قبل مضيها فإن لم يراجعها حتى مضت عدتها قبل
مضيها سقط الإيلاء لفوات محله.
"قوله ومن المبانة والأجنبية لا"
أي لا يصح الإيلاء لفوات محله، وهو الزوجة،
ولو وطئها كفر لانعقادها في حق وجوب الكفارة
عند الحنث لأن انعقاد اليمين يعتمد التصور حسا
لا شرعا ألا ترى أنها تنعقد على ما هو معصية.
وفي "الخانية": رجل آلى من امرأته ثم طلقها
تطليقة بائنة إن مضت أربعة أشهر من وقت
الإيلاء، وهي في العدة طلقت أخرى بالإيلاء،
وإن انقضت عدتها ثم تمت مدة الإيلاء لا يقع
الطلاق بالإيلاء رجل آلى من امرأته ثم طلقها
ثم تزوجها إن تزوجها قبل انقضاء العدة كان
الإيلاء على
ج / 4 ص -103-
ومدة إيلاء الأمة شهران وإن عجز المولى عن
وطئها بمرضة، أومرضها أو با لرتق بالصغر
أوبٌْعٌد مسافة ففيؤه أن يقول: فئت إليها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاله حتى لو تمت أربعة أشهر من وقت الإيلاء
يقع عليها تطليقة أخرى بحكم الإيلاء، وإن
تزوجها بعدما طلقها بعد انقضاء العدة كان
موليا تعتبر مدة الإيلاء من وقت التزوج ا ه.
"قوله ومدة إيلاء الأمة شهران"
لأن الرق منصف أطلقه فشمل ما إذا كان الزوج
حرا أو عبدا ذكره الإسبيجابي،. ولا يرد عليه
الإيلاء من أمته لأن شرطه المحلية، وهي
بالزوجية كما قدمناه، ولو طلقها زوجها بعد
الإيلاء رجعيا أو بائنا ثم أعتقت في المدة
انتقلت المدة إلى مدة إيلاء الحرائر ذكره
الإسبيجابي.
وفي "الجامع" الكبير" للصدر الشهيد: تحته
حرة، وأمة حلف لا يقرب إحداهما، ومضى شهران
بانت الأمة لسبق مدتها فلو عتقت قبلها كملت
مدتها، وكذا لو أبانها ثم عتقت بخلاف العدة
فلو مضت مدة أخرى بانت الحرة، وعند أبي يوسف
لا، وتتعين له الأمة كالحنث فإن تزوجها بعد
البينونة عاد إيلاؤها، وكذا هما لكن إن رتب
بانت الأولى عند تمام مدتها من وقت العقد،
والثانية بمدة ثانية بخلاف ما لو بانت قبلها
قال لامرأته، وأمته، والله لا أقرب إحداكما لم
يكن موليا، وكذا لو أعتق الأمة ثم تزوجها، ومن
وطئها كفر، ويمكنه تركه كالأجنبية بخلاف واحدة
منكما لعمومه، وعلى هذا لو قال لزوجتيه لا
أقرب إحداكما، أو واحدة منكما لعمومه استحسانا
قال إن قربت إحداكما فالأخرى علي كظهر أمي،
وبانت إحداهما بالإيلاء أو بغيره بطل إيلاء
الأخرى بخلاف فالأخرى طالق ما دامت في العدة،
ولو قال فإحداكما أو فواحدة أو فهي لا لتعينها
قال إن اشتريت جارية فهي حرة صح فيمن في ملكه
دون من يملكها خلافا لزفر رحمه الله.
"قوله وإن عجز المولى عن وطئها بمرضه أو مرضها
أو بالرتق أو بالصغر أو بعد مسافة ففيؤه أن
يقول فئت إليها" لأنه أذاها
بذكر المنع فيكون إرضاؤها بالوعد باللسان أراد
ببعد المسافة أن يكون بينهما مسافة لا يقدر
على قطعها في مدة الإيلاء فإن قدر لا يصح فيؤه
باللسان كما في "البدائع".
وقيد بالقول، لأن المريض لو فاء بقلبه لا
بلسانه لا يعتبر كذا في "الخانية"، وليس مراده
خصوص لفظ فئت إليها بل ما يدل عليه كقوله
رجعتك أو راجعتك أو ارتجعتك أو أبطلت الإيلاء
أو رجعت عما قلت: ونحوه، ودخل تحت العجز أن
تكون ممتنعة منه أو كانت في مكان لا يعرفه،
وهي ناشزة أو حال القاضي بينهما لشهادة الطلاق
الثلاث للتزكية أو كانت محبوسة أو محبوسا إذا
لم يقدر على مجامعتها في السجن فإن قدر عليه
ففيؤه الجماع كذا في "غاية البيان".
ج / 4 ص -104-
وإن قدر في المدة ففيؤه الوط ء. أنت عليّ حرام
إبلاء إن نوى التحريم، أو لم ينو شيئاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بما ذكره من أنواع العجز الحقيقي احترازا
عن العجز الحكمي مثل أن يكون محرما وقت
الإيلاء وبينه وبين الحج أربعة أشهر فعندنا لا
يكون فيؤه إلا بالجماع لأنه المتسبب باختياره
بطريق محظور فيما لزمه فلا يستحق تخفيفا،
وأراد بكون الفيء باللسان معتبرا مبطلا
للإيلاء في حق الطلاق أما في حق بقاء اليمين
باعتبار الحنث فلا حتى لو وطئها بعد الفيء
باللسان في مدة الإيلاء لزمته الكفارة لتحقق
الحنث.
وفي "البدائع": ومن شروط صحة الفيء بالقول
قيام ملك النكاح وقت الفيء بالقول، وهو أن
يكون في حال ما يفيء إليها زوجته غير بائنة
منه فإن كانت بائنة منه ففاء بلسانه لم يكن
ذلك فيئا، ويبقى الإيلاء لأن الفيء بالقول حال
قيام النكاح، وإنما يرفع الإيلاء في حق حكم
الطلاق بحصول إيفاء حقها به، ولا حق لها حالة
البينونة بخلاف الفيء بالجماع فإنه يصح بعد
ثبوت البينونة حتى لا يبقى الإيلاء بل يبطل
لأنه حنث بالوطء فانحلت اليمين، وبطلت، ولم
يوجد الحنث هاهنا فلا تنحل اليمين فلا يرتفع
الإيلاء ا ه.
"قوله وإن قدر في المدة ففيؤه الوطء"
لكونه خلفا عنه، فإذا قدر على الأصل قبل حصول
المقصود بالبدل بطل كالمتيمم إذا رأى الماء في
صلاته قيد بكونه في المدة لأنه لو قدر عليه
بعدها لا يبطل، وشمل كلامه ما إذا كان قادرا
وقت الإيلاء ثم عجز بشرط أن يمضي زمان يقدر
على وطئها بعد الإيلاء، وما إذا كان عاجزا
وقته ثم قدر في المدة، وأما لو آلى إيلاء
مؤبدا، وهو مريض فبانت بمضي المدة ثم صح،
وتزوجها، وهو مريض ففاء بلسانه لم يصح عندهما
خلافا لأبي يوسف، وصححوا قوله كذا في "فتح
القدير": ، وفي "الجامع" الكبير للصدر الجماع
أصل، واللسان خلفه آلى في مرضه، وفاء بلسانه
بطل إيلاؤه في حق الطلاق فإن صح قبل تمام
المدة تبطل لقدرته على الأصل كالمتيمم، ولو لم
يفئ حتى بانت فصح ثم مرض فتزوجها ففيؤه
بالجماع، وعن أبي يوسف وزفر لأنه حرام كالخلوة
لكنه بتقصيره كمن أحرم بالحج ثم آلى أو آلى،
وهو صحيح ثم بانت ثم مرض، وتزوجها بخلاف إن
تزوجتك فوالله لا أقربك آلى في مرضه ثم أعاده
بعد عشرة أيام، وصح في بعض المدة فكما مر ا ه.
"قوله أنت علي حرام إيلاء إن نوى التحريم أو
لم ينو شيئا" لأن الأصل في
تحريم الحلال إنما هو اليمين عندنا على ما
سنذكره في الأيمان إن شاء الله تعالى، ولا فرق
في الأحكام كلها بين أن يذكر كلمة علي أو لم
يذكر ما ذكره في "خزانة الأكمل" عن العيون من
أنه لو قال أنت حرام أو بائن، ولم يقل مني فهو
باطل سهو منه حيث نقله عن العيون، وفي العيون
ذكر ذلك من جانب المرأة فقال لو جعل أمر
امرأته بيدها فقالت للزوج أنت علي حرام أو أنت
مني بائن أو حرام أو أنا عليك حرام أو بائن
وقع، ولو قالت أنت بائن.
ج / 4 ص -105-
وظهار إن نواه، وكذب إن نوى الكذب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو حرام، ولم تقل مني فهو باطل، ووقع في بعض
نسخ العيون، ولو قال بغير تاء التأنيث فظن
صاحب الأكمل أنها مسألة مبتدأة، وظن أنه لو
قال ذلك الرجل لامرأته فهو باطل قال رضي الله
عنه وعند هذا ازداد سهو شيخنا نجم الدين
البخاري فزاد فيها لفظة لها فقال لو قال لها
أنت حرام أو بائن فهو باطل، والمسألة مع تاء
التأنيث مذكورة في "الواقعات" الكبرى المرتبة،
وغير المرتبة في مسائل العيون فعرف به سهوهما
كذا في القنية.
قيد بالزوج لأن الزوجة لو قالت لزوجها أنا
عليك حرام أو حرمتك صار يمينا حتى لو جامعها
طائعة أو مكرهة تحنث بخلاف ما لو حلف لا يدخل
هذه الدار فأدخل فيها مكرها لا يحنث، ومعناه
أدخل محمولا، ولو أكره على الدخول فدخل مكرها
حنث كذا في "البزازية"، وحرمتك علي أو لم يقل
علي أو أنت محرمة علي أو حرام علي أو لم يقل
علي أو أنا عليك حرام أو محرم أو حرمت نفسي
عليك بمنزلة أنت علي حرام كما في "البزازية".
وقوله أنت علي كالحمار أو الخنزير أو ما كان
محرم العين فهو كقوله أنت علي حرام كما في
"البزازية".
"قوله وظهار إن نواه" أي
الظهار، وهذا عندهما، وقال محمد ليس بظهار
لانعدام التشبيه بالمحرمة، وهو ركن فيه، ولهما
أنه أطلق الحرمة، وفي الظهار نوع حرمة،
والمطلق يحتمل المقيد كذا في "الهداية" تبعا
للقدوري وشمس الأئمة، وليس الخلاف مذكورا في
"ظاهر الرواية"، ولذا لم يذكره الحاكم الشهيد
في مختصره، ولا الطحاوي.
"قوله وكذب إن نوى الكذب"
لأنه نوى حقيقة كلامه إذ حقيقته وصفها
بالحرمة، وهي موصوفة بالحل فكان كذبا، وأورد
لو كان حقيقة كلامه لانصرف إليه بلا نية لكنكم
تقولون عند عدم النية ينصرف إلى اليمين.
والجواب أن هذه حقيقة أولى فلا تنال إلا
بالنية واليمين الحقيقة الثانية بواسطة
الاشتهار، وقيل لا يصدق قضاء، وقال شمس الأئمة
السرخسي بل فيما بينه وبين الله تعالى لكونه
يمينا ظاهرا لأن تحريم الحلال يمين بالنص فلا
يصدق قضاء في نيته خلاف الظاهر، وهذا هو
الصواب على ما عليه العمل، والفتوى كما
سنذكره1. والأول قول الحلواني، وهو "ظاهر
الرواية"، ولكن الفتوى على العرف الحادث كذا
في "فتح القدير": ، وفيه نظر لأن العمل
والفتوى إنما هو في انصرافه إلى الطلاق من غير
نية لا في كونه يمينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "106".
ج / 4 ص -106-
وبائنة إن نوى الطلاق، وثلاث إن نواه. وفي
"الفتاوى": إذا قال لامراته: أنت عليّ حرام،
والحرام عنده طلاق، ولكن لم ينوِطلاقاً وقع
الطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المصباح": الكذب بفتح الكاف، وكسر
الذال، وبكسر الكاف وسكون الذال هو الإخبار عن
الشيء بخلاف ما هو سواء فيه العمد، والخطأ،
ولا، واسطة بين الصدق، والكذب على مذهب أهل
السنة، والإثم يتبع العمد ا ه.
"قوله: وبائنة إن نوى الطلاق"
سواء نوى واحدة أو ثنتين.
"قوله وثلاث إن نواه" أي
الثلاث لأن الحرام من الكنايات، وهذا حكمها،
وقدمنا أن النية شرط في الحالة المطلقة أي
الخالية عن الغضب، والمذاكرة، وأما مع أحدهما
فليست شرطا للوقوع قضاء، وشمل قوله وبائنة إن
نوى الطلاق ما إذا طلقها واحدة ثم قال لها أنت
علي حرام ناويا ثنتين فإنه، وإن تم به الثلاث
لم يقع بالحرام إلا واحدة، وقوله في "فتح
القدير": لم يقع شيء سبق قلم، وعبارة غيره لم
تصح نيته بخلاف ما إذا نوى الثلاث به فإنه
يصح، ويقع ثنتان تكملة للثلاث كما في
"الخانية"، وقدمناه، وفي "البزازية": أنت علي
حرام ألف مرة يقع واحدة، وفي كل موضع تشترط
النية ينظر المفتي إلى سؤال السائل إن قال قلت
كذا هل يقع يقول نعم إن نويت، وإن قال كم يقع
يقول واحدة، ولا يتعرض لاشتراط النية لأن كم
عبارة عن عدد الواقع، وذلك يقتضي أصل الواقع،
وهذا حسن ا ه.
ثم قال فيها قال لها مرتين أنت علي حرام، ونوى
بالأول الطلاق، وبالثاني اليمين فعلى ما نوى
قال لامرأتيه أنتما علي حرام، ونوى الثلاث في
إحداهما، والواحدة في الأخرى صحت نيته عند
الإمام، وعليه الفتوى، ولو قال نويت الطلاق في
إحداهما، واليمين في الأخرى عند الثاني يقع
الطلاق عليهما، وعندهما كما نوى قال لثلاث
أنتن علي حرام، ونوى الثلاث في الواحدة،
واليمين في الثانية، والكذب في الثالثة طلقت
ثلاثا، وقيل هذا على قول الثاني، وعلى قولهما
ينبغي أن يكون ما نوى. ا ه.
"قوله وفي الفتاوى إذا قال لامرأته أنت علي
حرام، والحرام عنده طلاق، ولكن لم ينو طلاقا
وقع الطلاق" يعني قضاء لما
ظهر من العرف في ذلك حتى لو قال لامرأته إن
تزوجتك فحلال الله علي حرام فتزوجها تطلق،
ولهذا لا يحلف به إلا الرجال.
قيدنا بالقضاء لأنه لا يقع الطلاق ديانة بلا
نية، وذكر الإمام ظهير الدين لا نقول لا تشترط
النية لكن يجعل ناويا عرفا فإن قلت إذا وقع
الطلاق بلا نية ينبغي أن يكون كالصريح فيكون
الواقع رجعيا قلت المتعارف به إيقاع البائن
كذا في "البزازية": فلو قال المصنف: ويقع
البائن
ج / 4 ص -107-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكان أولى، وقوله أنت معي في الحرام بمنزلة
قوله أنت علي حرام، وكذا قوله حلال المسلمين
علي حرام، وفي المواضع التي يقع الطلاق بلفظ
الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمته
الكفارة والنسفي على أنه لا تلزمه، وإن كان له
أكثر من زوجة واحدة قال في الفتاوى يقع على كل
تطليقة واحدة بخلاف الصريح فإنه لا يقع إلا
واحدة فيما إذا قال امرأته طالق، وله أكثر من
واحدة.
وأجاب شيخ الإسلام الأوزجندي أنه لا يقع إلا
على واحدة، وإليه البيان، وهو الأشبه كذا في
"البزازية"، و"الخلاصة"، و"الذخيرة"، وفي "فتح
القدير": ، وعندي أن الأشبه ما في الفتاوى لأن
قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة
فإذا كان فيه عرف في الطلاق يكون بمنزلة قوله
هن طوالق لأن حلال الله يشملهن على سبيل
الاستغراق لا على سبيل البدل كما في قوله
إحداكن طالق، وحيث وقع الطلاق بهذا اللفظ وقع
بائنا ا ه. ويوجد في بعض النسخ، وفي الفتاوى،
وفي بعضها، وفي الفتوى، والأولى لا يدل على
أنه هو المفتى به مع أن هذا القول هو المفتى
به عند المتأخرين، ولذا قال في "البزازية"،
ومشايخنا أفتوا في أنه لو قال أنت علي حرام،
والحلال عليه حرام أو حلال الله عليه حرام أو
حلال المسلمين عليه حرام أن الكل بائن بلا
نية، وإذا حلف بهذه الألفاظ على فعل في
المستقبل ففعل، وليست له امرأة عليه الكفارة،
وإذا كان له امرأة وقت الحلف، وماتت قبل الشرط
أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط الصحيح أنه
لا تطلق امرأته المتزوجة، وعليه الفتوى لأن
حلفه صار حلفا بالله تعالى وقت الوجود فلا
ينقلب طلاقا خالعها ثم قال حلال الله علي حرام
إن شرب إلى سنة، وشرب لا يقع لعدم الملك،
والإضافة إليه.
ولو قال لها إن تزوجتك فحلال الله علي حرام
فتزوجها تطلق قال بعضهم، والصحيح خلافه لوقوعه
على القائمة لا على المتزوجة فلو لم تكن في
نكاحه وقت وجود الشرط امرأة لا يقع على فلانة
أيضا، وتمامه في "البزازية".
وفي قوله حلال الله عليه حرام، وله امرأتان،
ولم تكن له نية طلقتا، وإن نوى إحداهما دين لا
في القضاء، وفتوى الإمام الأوزجندي على أنه
يقع على واحدة، وعليه البيان، وقد ذكرناه.
وفي "الظهيرية" حلف بهذه الألفاظ أنه لم يفعل
كذا، وكان فعله، وله امرأتان، وأكثر بن، وإن
ليست له امرأة فلا شيء عليه لأنه إن حمل على
الطلاق فلا يراد به شيء آخر، وإن حمل على
اليمين فهو غموس.
ج / 4 ص -108-
وفي
"فوائد شيخ الإسلام"1 قال: حلال الله عليه
حرام إن فعل كذا، وفعله، وحلف بطلاق امرأته إن
فعل كذا، وفعله، وله امرأتان فأراد أن يصرف
هذين الطلاقين في واحدة منهما أشار في
"الزيادات" إلى أنه يملك ذلك، وفي "الذخيرة"
إن فعل كذا فحلال الله عليه حرام ثم حلف كذلك
على فعل آخر، وحنث في الأول، ووقع الطلاق على
امرأته ثم حنث في اليمين الثانية، وهي في
العدة قيل لا يقع، والأشبه الوقوع لالتحاق
البائن بالبائن إذا كان معلقا قالت أنا عليك
حرام لا أدري أحلال أم حرام لا يقع شيء قال
بين يدي أصحابه من كانت امرأته عليه حراما
فليفعل هذا الأمر ففعله واحد منهم قال في
"المحيط": هذا إقرار منه بحرمتها عليه في
الحكم، وقيل لا يكون إقرارا بالحرمة قال ثلاث
مرات حلال الله عليه حرام إن فعل كذا وجد
الشرط وقع الثلاث كذا في "البزازية"، والله
سبحانه وتعالى أعلم با لصواب وإليه المرجع
والمآب/.
8- باب الخلع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8 - باب الخلع
لما اشترك
مع الإيلاء في أن كلا منهما قد يكون معصية،
وقد يكون مباحا، وزاد الخلع عليه بتسمية المال
أخر عنه لأنه بمنزلة المركب من المفرد، وقدما
على الظهار واللعان لأنهما لا ينفكان عن
المعصية، وهو لغة النزع يقال خلعت النعل،
وغيره خلعا نزعته، وخالعت المرأة زوجها مخالعة
إذا افتدت منه وطلقها على الفدية فخلعها هو
خلعا، والاسم الخلع بالضم، وهو استعارة من خلع
اللباس لأن كل واحد منهما لباس للآخر فإذا
فعلا ذلك فكان كل واحد نزع لباسه عنه كذا في
"المصباح".
وشرعا على ما اخترناه إزالة ملك النكاح
المتوقفة على قبولها بلفظ الخلع أو ما في
معناه وقولي هذا أولى من قول بعض الشارحين
أخذه المال بإزالة ملك النكاح لمغايرته
المفهوم اللغوي من كل وجه، والأصل أن يتحد جنس
المفهومين، ويزاد في الشرعي قيد لإخراج
اللغوي، ولأنه يرد عليه الطلاق على مال، وليس
مساويا له في جميع أحكامه لاستقلال حكم الخلع
بإسقاط الحقوق، وإن اشتركا في البينونة، ويرد
عليه أيضا ما إذا عري عن البدل كما سنذكره.
وقولي أيضا أولى مما اختاره في "فتح القدير":
من أنه إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع لأنه
يرد عليه ما إذا قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعلها: "الفوائد في فروع الحنفية" لشيخ
الإسلام أحمد بن مرسل الاستروشني، ولشيخ
الإسلام نظام الدين ابن صاحب الهداية. ولم
يظهر لنا المراد من هذين الكتابين ا ه. انظر
كشف الظنون "2/1294".
ج / 4 ص -109-
هو الفصل من النكاح الواقع به، وبالطلاق على
مال طلاق بائن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالعتك، ولم يسم شيئا فقبلت فإنه خلع مسقط
للحقوق كما في "الخلاصة" إلا أن يقال مهرها
الذي سقط به بدل فلم يعر عن البدل فإن قلت لو
كانت قبضت جميع المهر ما حكمه قلت ذكر قاضي
خان أنها ترد عليه ما ساق إليها من الصداق كما
ذكره الحاكم الشهيد في المختصر وخواهر زاده،
وأخذ به ابن الفضل قال القاضي، وهذا يؤيد ما
ذكرنا عن أبي يوسف أن الخلع لا يكون إلا بعوض
ا ه. وسيأتي تمامه آخر الباب.
وإنما قيدنا بالمفاعلة لأنه لو قال خلعتك
ناويا وقع بائنا غير مسقط كما سيأتي، وهو خارج
عن تعريفنا بقولنا المتوقفة على قبولها لعدم
توقفه كما في "الخلاصة"، ويرد عليه أيضا ما
إذا كان بلفظ المباراة فإنه يقع به البائن،
وتسقط الحقوق كالخلع بلفظه، وما إذا كان بلفظ
البيع والشراء فإنه خلع مسقط للحقوق على ما
صححه في "الصغرى"، وإن صرح قاضي خان بخلافه
فلذا زدنا في تعريفنا أو ما في معناه.
واستفيد من قولنا إزالة ملك النكاح أنه لو
خالع المطلقة رجعيا بمال فإنه يصح، ويجب
المال، ولو خالعها بمال ثم خالعها في العدة لم
يصح كما في القنية، ولكن يحتاج إلى الفرق بين
ما إذا خالعها بعد الخلع حيث لم يصح وبين ما
إذا طلقها بمال بعد الخلع حيث يقع، ولا يجب
المال، وقد ذكرناه في آخر الكنايات، وخرج
الخلع بعد الطلاق البائن، وبعد الردة فإنه غير
صحيح فيهما فلا يسقط المهر، ويبقى له بعد
الخلع ولاية الجبر على النكاح في الردة كما في
"البزازية".
"قوله الواقع به، وبالطلاق على مال طلاق بائن"
أي بالخلع الشرعي أما الخلع فقوله عليه الصلاة
والسلام "الخلع تطليقة بائنة"1 ولأنه يحتمل
الطلاق حتى صار من الكنايات، والواقع بالكناية
بائن.
وفي "الخلاصة"، ولو قضى بكون الخلع فسخا قيل
ينفذ، وقيل لا. ا ه. والظاهر الأول لأنه قضى
في فصل مجتهد فيه، ومذهبنا قول الجمهور، ومن
العلماء من قال بعدم مشروعيته أصلا، ومنهم من
قيده بما إذا كرهته، وخاف أن لا يوفيها حقها،
وأن لا توفيه، ومنهم من قال لا يجوز إلا بإذن
السلطان.
وقالت الحنابلة: لا يقع به طلاق بل هو فسخ
بشرط عدم نية الطلاق فلا ينقص العدد، وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي، كتاب الخلع والطلاق، باب
الخلع هل هو فسخ أو طلاق "7/316". وذكره
الزيلعي في نصب الراية "3/243".
ج / 4 ص -110-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوم وقع به رجعي فإن راجعها رد البدل الذي
أخذه، وتمامه في "فتح القدير".
أطلقه فشمل ما إذا كان بغير عوض أيضا، وما
إذا وقع بلفظ الخلع أو البيع أو المباراة، وما
إذا لم ينو الطلاق به، ولكن بشرط ذكر العوض
حتى لو قال لم أعن الطلاق مع ذكره لا يصدق
قضاء، ويصدق ديانة لأن الله تعالى عالم بما في
سره لكن لا يسع المرأة أن تقيم معه لأنها
كالقاضي لا تعرف منه إلا الظاهر كذا في
"المبسوط"، وحال مذاكرة الطلاق كالنية كذا في
"الخانية".
وفي "البزازية": ادعى الاستثناء أو الشرط في
الخلع، وكذبته فيه فالقول له إلى أن قال،
والفتوى على صحة دعوى المغير والمبطل إلا إذا
ظهر ما ذكرنا من التزام البدل أو قبضه أو نحوه
ادعى الاستثناء، وقال قبضت ما قبضت منك بحق لي
عليك، وقالت بل لبدل الخلع فالقول له لأنه
أنكر وجوب البدل عليها، وأقر أن له عليها مالا
واحدا لا مالين، والمرأة مقرة أن له عليها
مالا آخر فيكون القول له بخلاف ما إذا لم يدع
الاستثناء لأنه يدعي عليها بدل الخلع، وهي
تنكر فالقول لها ا ه. وأما إذا لم يذكر العوض
فهو من الكنايات فيتوقف على النية أو مذاكرة
الطلاق إن كان بلفظ الخلع أو المباراة، وإن
كان بلفظ البيع كبعت نفسك أو طلاقك فلا لأنه
خلاف الظاهر، وقد أفاد بوقوع البائن حكمه،
وسيأتي بيان صفته أنه يمين من جانبه معاوضة من
جانبها فلا يصح رجوعه عنه، ولا يبطل بقيامه عن
المجلس، وصح مضافا منه، وانعكست الأحكام في
حقها لو بدأت كما سيأتي، ولم يذكر شرطه لأن
شرطه شرط الطلاق، ولكن لا بد من القبول منها
حيث كان على مال أو كان بلفظ خالعتك أو
اختلعي.
ولذا قال في "المحيط": لو قال لها اختلعي
فقالت اختلعت تطلق، ويسقط المهر لأن قول
اختلعي أمر بالطلاق بلفظ الخلع، والمرأة تملك
الطلاق بأمر الزوج فصار بمنزلة ما لو قال لها
طلقي نفسك طلاقا بائنا بخلاف قوله اشتري نفسك
مني فقالت اشتريت لا تطلق ما لم يقل الزوج بعت
لأنه أمر بالخلع الذي هو معاوضة لأن الشراء
معاوضة فلا يصح الأمر إذا لم يكن البدل مذكورا
معلوما، وأما إذا ذكر مالا جهولا بأن قال
اخلعي نفسك بمال فقالت اختلعت نفسي بألف درهم
لا يتم الخلع، ولا تطلق حتى يقول الزوج خلعت
لأنه لم يصح تفويض الخلع إليها لأنه إذا ذكر
المال كان خلعا حقيقة. والخلع لا يصح إلا
بتسمية البدل، والبدل هاهنا مجهول فلم يصح،
وإن ذكر مالا معلوما بأن قال اخلعي نفسك بألف
درهم فقالت اختلعت بألف درهم، ولم يقل الزوج
خلعت أو قالت المرأة خالعني بألف درهم فقال
الزوج خالعت، ولم تقل المرأة قبلت تم الخلع في
رواية، ولم يتم في أخرى.
ج / 4 ص -111-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والكتابة والصلح عن دم العمد على الروايتين،
وكذا لو قال اشتري ثلاث تطليقات بكذا فقالت
اشتريت بخلاف النكاح.
وفي "النوادر": ولو قال لها اشتريت مني ثلاث
تطليقات بكذا فقالت اشتريت لا يتم الخلع ما لم
يقل الزوج بعت، وهو الصحيح إلا إذا أراد به
التحقيق دون المساومة لأنه لم يوجد الأمر
بالخلع، والخلع معاوضة فلا يتم بركن واحد. ا
ه.
وفي "جامع الفصولين": كل طلاق وقع بشرط ليس
بمال فهو رجعي، وفيه أن القبول في المعلق إنما
يكون بعد وجود الشرط، وفي "الكافي" القبول في
المضاف إنما يكون بعد وجود الوقت، ولا يصح
القبول قبله لأن الإيجاب معلق بالشرط، والمعلق
بالشرط عدم قبل الشرط فلا يصح القبول قبل
الإيجاب. ا ه.
وفي "التجنيس" ما يفيد صحة القبول في المعلق
قبل وجود الشرط فإنه قال لو قال إن دخلت الدار
فقد خلعتك على ألف فتراضيا عليه ففعلت صح
الخلع، وفي الوجيز كما في "الكافي".
وأقول: لو قيل بصحة القبول في المضاف قبل
وجود الوقت لانعقاده سببا للحال عندنا، وبعدم
صحته في المعلق قبل وجود الشرط لعدم انعقاده
سببا للحال لكان حسنا لتخريجه على "الأصول"،
وفي "المجتبى" باع طلاقها منها بمهرها فهو
براءة من المهر، والطلاق رجعي، ويشترط في
قبولها علمها بمعناه. فلو قال لها اختلعي نفسك
بكذا ثم لقنها بالعربية حتى قالت اختلعت، وهي
لا تعلم بذلك فالصحيح أنه لا يصح الخلع ما لم
تعلم المرأة ذلك لأنه معاوضة كالبيع بخلاف
الطلاق والعتاق، والتدبير لأنه إسقاط محض،
والإسقاط يصح مع الجهل كذا في "المحيط"،
وقولها فعلت في جواب قوله خلعت نفسك مني بكذا
ليس بقبول على الصحيح المختار إلا إذا أراد به
التحقيق، ولو قالت لزوجها اخلعني على ألف درهم
فقال الزوج مجيبا لها أنت طالق صار كقوله
خلعتك لأن هذا يحتمل أن يكون جوابا فيجعل
جوابا لها، وهو المختار كما في "الخانية".
ولو قال بعت منك طلاقك بمهرك فقالت طلقت نفسي
بانت منه بمهرها بمنزلة قولها اشتريت لأنه يصح
جوابا، ويصح ابتداء فيجعل جوابا لها، وقيل يقع
رجعيا، والأول أصح، ولو قال لها اخلعي نفسك
فقالت قد طلقت لزمها المال إلا أن ينوي بغير
مال، ولو قال بعت منك تطليقة فقالت اشتريت يقع
الطلاق رجعيا مجانا لأنه صريح، ولو قال لها
بعت نفسك منك فقالت اشتريت يقع الطلاق بائنا
لأن هذا كناية، وهي بائنة، ولو قال لها بعت
منك أمرك بألف درهم إن اختارت نفسها في المجلس
وقع الطلاق، ولزمها المال لأنه ملكها الطلاق
بالمال فإذا اختارت فقد تملكت،
ج / 4 ص -112-
ولزمها المال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها فقد بعت
طلاقها منك بدرهم ثم تزوج امرأة فالقبول إليها
بعد التزوج فإن قبلت بعد التزوج طلاقها أو
طلقتها يقع، وإن قبلت قبله لا يقع لأن هذا
الكلام من الزوج خلع بعد التزوج فيشترط القبول
بعده. ولو قالت المرأة بعت منك مهري، ونفقة
عدتي فقال اشتريت فالظاهر أنها لا تطلق لأن
الزوج ما باع نفسها، ولا طلاقها منها إنما
اشترى مهرها، وهذا لا يكون طلاقا لكن الأحوط
أن يجدد النكاح كذا في "المحيط".
وفي "القنية": في باب المعقود للمسائل التي
لم يوجد فيها رواية، ولا جواب شاف للمتأخرين
آخرها قالت لزوجها أبرأتك من المهر بشرط
الطلاق الرجعي فقال لها أنت طالق طلاقا رجعيا
يقع بائنا للمقابلة في المال كمسألة
"الزيادات" أنت طالق اليوم رجعيا، وغدا أخرى
بألف فالألف مقابل بهما، وهما بائنتان أم
رجعيا، وهل يبرأ الزوج لوجود الشرط صورة أو لا
يبرأ ا ه.
وفي "الذخيرة": أنت طالق الساعة واحدة، وغدا
أخرى بألف درهم فقبلت وقعت واحدة في الحال
بنصف الألف، وأخرى غدا بغير شيء، وإن تزوجها
قبل مجيء الغد ثم جاء الغد تقع أخرى بخمسمائة
أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة، وغدا أخرى
بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بغير شيء، وفي
الغد أخرى بالألف، ولو قال أنت طالق اليوم
بائنة، وغدا أخرى بألف وقع للحال واحدة بائنة
بغير شيء، وغدا أخرى بالألف، ولو قال أنت طالق
واحدة، وأنت طالق أخرى بألف فقبلت وقعتا بألف،
ولو قال أنت طالق الساعة واحدة أملك الرجعة،
وغدا أخرى أملك الرجعة بألف فقبلت انصرف البدل
إليهما، وكذا لو قال أنت طالق الساعة ثلاثا،
وغدا أخرى بائنة بألف أو أنت طالق الساعة
واحدة بغير شيء، وغدا أخرى بغير شيء بالألف
فالبدل ينصرف إليهما ا ه.
"قوله ولزمها المال" أي في
المسألتين لأنه ما رضي بخروج بضعها عن ملكه
إلا به فلزمها المال بالقبول، ولو قال وكان
المسمى له لكان أولى ليشمل ما إذا قبله غيرها،
وسيأتي آخر الباب بيان خلع الفضولي إن شاء
الله، وليشمل الإبراء حتى لو قالت له أبرأتك
عما لي عليك على طلاقي ففعل جازت البراءة،
وكان الطلاق بائنا، وكذا لو طلقها على أن
تبرئه من الألف التي كفل بها للمرأة من فلان
صح، والطلاق بائن كما في "البزازية".
وقيد به احترازا عن التأخير فإنه ليس بمال،
وإنما تتأخر فيه المطالبة كما لو قالت له
طلقني على أن أؤخر مالي عليك فطلقها فإن كان
للتأخير غاية معلومة صح التأخير، وإن لم يكن
له غاية
ج / 4 ص -113-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومة لا يصح، والطلاق رجعي على كل حال كما
في "البزازية": أيضا، ولو قال قد خلعتك على
ألف قال ثلاث مرات فقبلت طلقت ثلاثا بثلاثة
آلاف.
لأنه لم يقع شيء إلا بقبولها لأن الطلاق يتعلق
بقبولها في الخلع فوقع الثلاث عند قبولها جملة
بثلاثة آلاف.
ولو قال بعت منك تطليقة بألف فقالت اشتريت ثم
قاله ثانيا، وثالثا كذلك، وقال إن أردت
التكرار لا يصدق، ويقع الثلاث، ولم يلزمها إلا
بألف لأنها ملكت نفسها بالأولى، وقد صرح
بالطلاق في اللفظة الثانية، والثالثة، والصريح
يلحق البائن كذا في "المحيط"، ولو اتفقا على
الخلع، وقالت بغير جعل فالقول لها لأن صحة
الخلع لا تستدعي البدل فتكون منكرة فيكون
القول لها، ولو ادعت الخلع، والزوج ينكره فشهد
أحدهما بألف، والآخر بألف، وخمسمائة لا يقبل،
ولا يثبت الخلع لأنها تحتاج إلى إثبات أن
الزوج علق الطلاق بقبول المال، والطلاق المعلق
بقبول الألف غير الطلاق المعلق بقبول الألفين
إذ هما شرطان مختلفان فكان كل واحد يشهد بغير
ما يشهد به الآخر فلا يقبل، ولو كان الزوج هو
المدعي، وقد ادعى ألفا وخمسمائة، والمسألة
بحالها تقبل على الألف لأن الطلاق وقع بإقرار
الزوج فبقي دعوى الزوج دينا مجردا، واتفق
الشاهدان على الألف، وانفرد أحدهما بزيادة
خمسمائة فيقضى بما اتفقا عليه، وإن كان يدعي
ألفا لا يقبل، وقد كذب أحد شاهديه لما عرف،
ويقع الطلاق بإقراره، وإذا شهد شاهدان أنه
طلقها قبل الخلع ثلاثا تسترد المال لأنها
بمباشرة الخلع، وإن كانت مقرة بصحة الخلع
ظاهرا فإذا ادعت الفساد بعد ذلك صارت متناقضة
في الدعوى إلا أن البينة على الطلاق تقبل من
غير دعوى فيثبت أنه أخذ المال بعد البينونة
فلزمه الرد كذا في "المحيط": أطلق في لزومها
المال فشمل المكاتبة، ولكن لا يلزمها المال
إلا بعد العتق، ولو بإذن المولى لحجرها عن
التبرع، ولو بإذن كهبتها، وشمل الأمة، وأم
الولد، ولكن بشرط إذن المولى فيلزمها للحال
لانفكاك الحجر بإذن المولى فظهر في حقه كسائر
الديون في "الجامع" لو خلع الأمة مولاها على
رقبتها، وزوجها حر فالخلع واقع بغير شيء، ولو
كان الزوج مكاتبا أو عبدا أو مدبرا جاز الخلع،
وصارت لسيد العبد، والمدبر لأنها لا تصير
مملوكة للزوج بل للمولى فلا يبطل النكاح، وفي
الحر لو ملك رقبتها بعد النكاح لبطل، ولو بطل
بطل الخلع فكان في تصحيحه إبطاله، وأما
المكاتب فإنه يثبت له فيها حق الملك، وحق
الملك لا يمنع بقاء النكاح فلا يفسد النكاح
كما لو اشترى زوجة أمة تحت عبد خلعها مولاها
على عبد في يديه ثم استحق العبد المخلوع عليه
فلا شيء على المولى لأنه لم يضف العبد المخلوع
عليه إلى نفسه، ولا ضمنه فكان العقد مضافا إلى
الأمة، وتباع الأمة في قيمة العبد المستحق لأن
المولى يملك إيجاب بدل الخلع عليها فظهر في
حقه فتعلق برقبتها فإن كان عليها دين آخر قبله
بدأ به لأنه
ج / 4 ص -114-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجب باختيار المولى فلم يظهر في حق الغريم كما
في الصلح فإن بقي شيء يؤخذ من الأمة بعد العتق
فإن كان المولى ضمن بدل الخلع أخذ به كذا في
"المحيط".
وفي "الظهيرية": امرأة قالت لزوجها اختلعت
منك بكذا، وهو ينسج كرباسا فجعل ينسج، وهو
يخاصمها ثم قال خلعت قالوا إن لم يطل ذلك فهو
جواب. ا ه.
وفي "جامع الفصولين": قال خالعتك بكذا درهما
فجعلت المرأة تعد الدراهم فلما تم العد قالت
قبلت ينبغي أن يصح ا ه. وفي "كافي الحاكم":
وإذا خلع الرجل امرأتيه على ألف درهم فإن
الألف تنقسم عليهما على قدر ما تزوجهما عليه
من المهر. ا ه.
وفي "البزازية": اختلعا، وهما يمشيان إن كان
كلام كل منهما متصلا بالآخر صح، وإن لم يكن
متصلا لا يصح، ولا يقع الطلاق أيضا، ولو
اختلعا، وزعمت تمام الخلع، وادعى القيام ثم
القبول فالقول له لأنه إنكار الخلع. ا ه. ودخل
تحت الطلاق على مال لو طلقها على إعطاء المال
لما في "الخانية": لو قال لامرأته أنت طالق
على أن تعطيني ألف درهم فقالت قبلت تطلق
للحال، وإن لم تعط ألفا كما لو قال لامرأته
أنت طالق على دخولك الدار فقبلت تطلق للحال،
وإن لم تدخل لأن كلمة على لتعليق الإيجاب
بالقبول لا للتعليق بوجود القبول. ا ه. ولو
قال ولزمها المال إن لم تكن مريضة مرض الموت،
ولا سفيهة، ولا مكرهة لكان أولى لأن المحجورة
بالسفه لو قبلت الخلع وقع، ولا يلزمها المال،
ويكون بائنا إن كان بلفظ الخلع رجعيا إن كان
بلفظ الطلاق كما في "شرح المنظومة"، وأما
المريضة فقال في جامع الفصولين مريضة اختلعت
من زوجها بمهرها ثم ماتت ينظر إلى ثلاثة أشياء
إلى ميراثه منها، وإلى بدل الخلع، وإلى ثلث
مالها فيجب أقلها لا الزيادة كذا في شحي، وفي
خل في هذه الصورة لو لم يدخل بها سقط نصف
المهر بطلاقه، والنصف الآخر، وصية، وهو لغير
الوارث فصح من الثلث فلو دخل بها، وماتت بعد
مضي العدة فكل المهر وصية، وتصح من الثلث إذ
الاختلاع تبرع، ولو ماتت في العدة هكذا عند
أبي يوسف ومحمد إذ الزوج لم يبق وارثا لرضاه
بالفرقة، وعند أبي حنيفة يعطي الأقل من ميراثه
من بدل الخلع، ومن الثلث إذ اتهما في حق سائر
الورثة، ولم يتهما في الأقل، وهو نظير ما قلنا
جميعا في طلاقها بسؤالها في مرض الموت، وحاصل
التفاوت بين مضي العدة، وعدم مضيها أنه بعد
مضيها لا ينظر إلى قدر حق الزوج في الميراث،
وإنما ينظر إلى الثلث فيسلم للزوج قدر الثلث
من بدل الخلع، ولو أكثر من ميراثه، وقبل مضيها
لا ينظر إلى الثلث، وإنما ينظر إلى ميراثه
فيسلم للزوج قدر إرثه من بدل الخلع دون ثلث
المال لو ثلثه أكثر كذا ط، ولو كان الزوج ابن
عمها فلو لم يرث منها بأن كان لها عصبات أخر
أقرب منه فهو والأجنبي سواء، ولو يرثها بقرابة
وماتت بعد مضيها
ج / 4 ص -115-
وكره له أخذ شيء إن نشز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينظر إلى بدل الخلع وإلى إرثه بالقرابة فلو
كان البدل قدر إرثه أو أقل سلم له ذلك، ولو
أكثر فالزيادة على قدر إرثه لا تسلم له إلا
بإجازة الورثة هذا لو كانت مدخولة، وإلا
فالنصف يعود إلى الزوج بطلاق قبل دخوله لا
بحكم الوصية، وفي النصف الآخر ينظر، ولو كان
الزوج أجنبيا فهو متبرع فيصح من الثلث، ولو
كان ابن عمها، ويرثها فله الأقل من إرثه، ومن
نصف المهر هذا لو ماتت في ذلك المرض، ولو برئت
منه سلم للزوج كل البدل كهبتها منه ثم يرثها،
ولا إرث بينهما بالزوجية ماتت في العدة أو
بعدها لتراضيهما ببطلان حقه هذا لو كانت مريضة
فلو اختلعت صحيحة، والزوج مريض فالخلع جائز
بالمسمى قل أو كثر، ولا إرث بينهما مات في
العدة أو بعدها، ولو خلعها أجنبي من الزوج
بمال ضمنه للزوج، وكان ذلك في مرض موت الأجنبي
جاز، ويعتبر البدل من ثلث مال الأجنبي فلو كان
الزوج مريضا حين تبرع الأجنبي بخلعها فلها
الإرث لو مات الزوج من مرضه ذلك، وهي في العدة
لأنها لم ترض بهذا الطلاق فيعتبر الزوج فارا ا
ه. ولو كانت مكرهة على القبول لم يلزمها
البدل.
وفي "القنية": ولو اختلفا في الكره بالخلع،
والطوع فالقول له مع اليمين ا ه.
وفي "الظهيرية": لو قالت طلقني ثلاثا بألف
درهم طلقني ثلاثا بمائة دينار فطلقها ثلاثا
طلقت بمائة دينار، ولو كان الإيجاب من الزوج
بالمالين لزمها المالان. ا ه.
وأشار بقوله: ولزمها المال إلى أنه لا يتصور
أن يلزمه مال في الخلع، ولذا قال في "المجتبى"
خلعتك على عبدي وقف على قبولها، ولم يجب شيء
قلنا الظاهر أنه عنى بقوله، وقف على قبولها أي
وقوع الطلاق، ومعرفة هذه المسألة من أهم
المهمات في هذا الزمان لأن الناس يعتادون
إضافة الخلع إلى مال الزوج بعد إبرائها إياه
من المهر فبهذا علم أنها إذا قبلت وقع الطلاق،
ولم يجب على الزوج شيء، وفي منية الفقهاء
خلعتك بما لي عليك من الدين فقبلت ينبغي أن
يقع الطلاق، ولا يجب شيء، ويبطل الدين، ولو
كانت اختلعت على عبد ثم تبين أنه عبد الزوج
بتصادقهما ينبغي أن لا يلزمها شيء لسلامة
البدل له ا ه. وظاهر اقتصاره على لزومها المال
أنه لو تخالعا، ولم يذكرا من المال شيئا أن لا
يصح الخلع، وهو رواية عن محمد لأنه لا يكون
إلا بالمال، ولكن الأصح أنه يصح كذا في
"المجتبى"، وفي "الخانية": الزيادة في البدل
بعد الخلع غير صحيحة.
"قوله وكره له أخذ شيء إن نشز"
أي كرهها والنشوز يكون من الزوجين، وهو كراهة
كل واحد منهما صاحبه كما في "المغرب".
وفي "المصباح" نشزت المرأة من زوجها نشوزا من
بابي قعد وضرب عصت زوجها وامتنعت
ج / 4 ص -116-
وإن نشزت لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه ونشز الرجل من امرأته نشوزا بالوجهين
تركها وجفاها، وفي التنزيل {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}
[النساء: 158] وأصله الارتفاع يقال: نشز من
مكانه نشوزا بالوجهين إذا ارتفع عنه، وفي
السبعة
{وَإِذَا
قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا}
[المجادلة: 11] بالضم والكسر، والنشز بفتحتين
المكان المرتفع من الأرض، والسكون لغة فيه. ا
ه.
وأراد بالكراهة كراهة التحريم المنتهضة سببا
للعقاب، والحق أن الأخذ في هذه الحالة حرام
قطعا لقوله تعالى
{فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً}
[[النساء: 20] ولا يعارضه الآية الأخرى
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] لأن تلك فيما إذا كان النشوز من قبله فقط، والأخرى
فيما إذا خافا أن لا يقيما حدود الله فليس من
قبله فقط نشوز على أنهما لو تعارضا كانت حرمة
الأخذ ثابتة بالعمومات القطعية فإن الإجماع
على حرمة أخذ مال المسلم بغير حق، وفي إمساكها
لا لرغبة بل إضرارا، وتضييقا ليقتطع مالها في
مقابلة خلاصها من الشدة التي هي معه فيها ذلك،
وقال تعالى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}
[البقرة: 231] فهذا دليل قطعي على حرمة أخذ
مالها كذلك فيكون حراما إلا أنه لو أخذ جاز في
الحكم أي يحكم بصحة التمليك، وإن كان بسبب
خبيث، وتمامه في "فتح القدير": ، وفي "الدر
المنثور"1 أخرج ابن أبي جرير عن ابن زيد في
الآية قال ثم رخص بعد فقال
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] قال فنسخت هذه تلك ا ه.
والحاصل: أن ما في النساء منسوخ بآية البقرة،
وهو يقتضي حل الأخذ مطلقا إذا رضيت أطلقه فشمل
القليل والكثير، ويلحق به الإبراء عما لها
عليه فإنه لا يجوز أيضا إذا كان النشوز منه
لأنه اعتداء وإضرار.
"قوله وإن نشزت لا" أي لا يكره له الأخذ إذا
كانت هي الكارهة أطلقه فشمل القليل والكثير،
وإن كان أكثر مما أعطاها، وهو المذكور في
"الجامع" الصغير، وسواء كان منه نشوز لها أيضا
أو لا فإن كانت الكراهة من الجانبين فالإباحة
ثابتة بعبارة قوله تعالى
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ} [البقرة: 229] وإن كانت من جانبها فقط فبدلالتها بالأولى،
والمذكور في الأصل كراهة الزيادة على ما
أعطاها، وينبغي حمله على خلاف الأولى كما
ينبغي حمل الحديث عليه أيضا، وهو قوله: "أما
الزيادة فلا"2؛ لأن النص نفى الجناح مطلقا
فتقييده بخبر الواحد لا يجوز لما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره السيوطي في "الدر المنثور" عند الآية
"20-21" من النساء.
2 أخرجه البيهقي، كتاب الخلع والطلاق، باب
الوجه الذي تحل به الفدية "7/314"، والدار
قطني، باب المهر "3/255". وذكره الزيلعي في
نصب الراية "3/244".
ج / 4 ص -117-
وما صلح مهراً صلح بدل الخلع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرف في "الأصول"، ولذا قال في "فتح القدير":
إن رواية "الجامع" أوجه وصحح الشمني رواية
الأصل لأحاديث ذكرها.
"قوله وما صلح مهرا صلح بدل الخلع"
لأن ما صلح عوضا للمتقوم أولى أن يصلح عوضا
لغير المتقوم فإن البضع غير متقوم حالة
الخروج، ومتقوم حالة الدخول فمنع الأب من خلع
صغيرته على مالها، وجاز له تزوج ولده بماله،
ونفذ خلع المريضة من الثلث، وجاز تزويج المريض
بمهر المثل من جميع ماله فصح الخلع على ثوب
موصوف أو مكيل أو موزون كالمهر، وكذا على
زراعة أرضها أو ركوب دابتها وخدمتها على وجه
لا يلزم خلوة بها أو خدمة أجنبي لأن هذه تجوز
مهرا، وبطل البدل فيه لو كان ثوبا أو دارا
كالمهر ووجب عليها رد المهر.
وأشار إلى أن هذا الأصل لا ينعكس كليا فلا يصح
أن يقال ما لا يصلح مهرا لا يصلح بدلا في
الخلع لأنه لو خالعها على ما في بطن جاريتها
أو غنمها صح، وله ما في بطونها، ولا يجوز مهرا
بل يجب مهر المثل، وكذا على أقل من عشرة، وكذا
على ما في يدها كذا في "التبيين" و"فتح
القدير".
وذكر في "غاية البيان": أنه مطرد منعكس كليا
لأن الغرض من طرد الكلي أن يكون مالا متقوما
ليس فيه جهالة مستتمة، وما دون العشرة بهذه
المثابة، ومن عكس الكلي أن لا يكون مالا
متقوما أو أن يكون فيه جهالة مستتمة، وما دون
العشرة مال متقوم ليس فيه جهالة فلا يرد
السؤال لا على الطرد الكلي، ولا على عكسه ا ه.
وفي "المحيط": لو اختلعت على ثوب لم يتبين
جنسه أو على دار فله المهر، وفي العبد يلزمها
الوسط، ولو اختلعت على ما تكتسبه العام أو على
ما ترثه من المال أو على أن تزوجه امرأة،
وتمهرها عنه فالشرط باطل، وترد المهر، ولو
اختلعت بحكمه أو بحكمها صح فإن حكمت، ولم يرض
الزوج رجع بالمهر، ولو خلعها على ألف إلى
الحصاد ثبت الأجل، ولو قالت إلى قدوم فلان أو
موته وجب المال حالا، ولو خالعها على دراهم
معينة فوجدها ستوقة يرجع بالجياد، وكذلك الثوب
على أنه هروي فإذا هو مروي يرجع بهروي وسط،
ولا يرد بدل الخلع إلا بعيب فاحش فإن كان حلال
الدم أو اليد فأمضى عنده رجع عليها بقيمته عند
أبي حنيفة، وعندهما بنقصان قيمته لأن كونه
حلال الدم بمنزلة الاستحقاق عنده، وعندهما
بمنزلة النقصان، ولو اختلعت على عبد بعينه
فمات في يدها أو استحق فعليها قيمته فإن ظهر
أنه كان ميتا وقت الانخلاع فله مهرها، ولو
خلعها على حيوان ثم صالحته على دراهم أو مكيل
أو موزون جاز يدا بيد، ولو خالعها على عبد
ومهرها ألفا ثم زادها ألفا ثم استحق العبد رجع
عليها بألف، وبنصف
ج / 4 ص -118-
فإن خالعها، أوطلقها بخمر، أو خنزير، أوميتة،
وقع بائن في الخلع رجعي في غيره مجاناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيمة العبد لأن المرأة بذلت العبد بإزاء
البضع، وألف درهم فانقسم العبد عليهما نصفين
نصفه بدل الخلع، ونصفه بيعا بالألف، والمبيع
متى استحق ثمنه رجع بثمنه، وبدل الخلع متى
استحق تجب قيمته فيرجع بنصف قيمة العبد. ولو
خلع امرأتيه على عبد قسمت قيمته على مسميهما
في العقد لأنه قيمة بضعيهما لا على مهر
مثليهما لأن الزيادة على المسمى مكروهة، وفي
الخلع، والزيادة في بدل الخلع باطلة لأنها
زادت بعد هلاك المعقود عليه فصار كما لو زاد
في بدل الصلح عن دم العمد فإنها لا تصح. ا ه.
وفي "التتارخانية": ": إذا قال لامرأتيه
إحداكما طالق بألف درهم، والأخرى بمائة دينار
فقبلتا طلقتا بغير شيء، وروى ابن سماعة عن
محمد إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق بألف
فقبلتا، ومات فعلى كل واحدة منهما خمسمائة،
ولا ميراث. ا ه.
وفي "القنية": اختلعت نفسها بالمهر بشرط أن
الزوج يعطيها كذا منا من الأرز الأبيض،
وخالعها به ينبغي أن يصح، ولا يشترط بيان مكان
الإيفاء عند أبي حنيفة لأن الخلع أوسع من
البيع ففي بت خالعها على ثوب بشرط أن تسلم
إليه الثوب فقبلت فهلك الثوب قبل التسليم لم
تبن لأنه يجعل نفس التسليم شرطا مخ وهبت مهرها
لأخيها فأخذ أخوها منه المهر قبالة ثم اختلعت
نفسها منه بشرط أن تسلم له القبالة غدا فقبل،
ولم تسلم إليه القبالة غدا لا تحرم، ولو
اختلعت بشرط الصك أو قالت بشرط أن يرد عليها
أقمشتها فقبل لا تحرم، ويشترط كتابة الصك، ورد
الأقمشة في المجلس خلعتك على عبدي وقف على
قبولها، ولم يجب شيء خلعتك بمالي عليك من
الدين، وقبلت ينبغي أن يقع الطلاق، ولا يجب
شيء، ويبطل الدين ادعت مهرها على زوجها فأنكره
ثم اختلعت نفسها بمهرها، وقبل ثم تبين بالشهود
أنها كانت امرأته قبل الخلع فليس له شيء. ولو
اختلعت على عبد ثم تبين أنه عبد الزوج، ولا
ذلك إلا بالتصادق فينبغي أن لا يلزمها شيء لأن
ما هو بدل الخلع يسلم له كما لو علم أنه عبده،
وسئل لو كان الخلع على دراهم أو دنانير ثم
تبين أنها للزوج لم يجب شيء. ا ه.
وفي "الخانية": ويجوز الرهن والكفالة ببدل
الخلع وفي "المجتبى" فوضت الخلع إلى زوجها أو
العبد إلى المولى ففعل بغير حضرتهما جاز،
والواحد يتولى الخلع من الجانبين، وفي عتاق
الأصل الواحد يكون وكيلا من الجانبين في
العتاق والخلع والصلح عن دم العمد إذا كان
البدل مسمى، وإلا لا يكون في "ظاهر الرواية"،
وعن محمد أنه يكون ا ه.
"قوله فإن خالعها أو طلقها بخمر أو خنزير أو
ميتة وقع بائن في الخلع رجعي في غيره مجانا"
لأن الخلع على ما لا يحل صحيح لأنه لا يبطل
بالشرط الفاسد، ولا يجب له شيء لأنها لم
ج / 4 ص -119-
كخالغني على ما في يدي، ولاشيء في يدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تغره، والبضع غير متقوم في الأصل حالة الخروج،
وإنما يتقوم بتسمية المال، وفي "المجتبى"،
وإنما يلزم المال بالالتزام أو باستهلاك المال
أو بملكه، ولم يوجد، ولما بطل العوض كان
العامل في الخلع لفظه، وهو يوجب البينونة لأنه
من الكنايات الموجبة لقطع وصلة النكاح، وفي
الثاني الصريح، وهو رجعي فقوله مجانا عائد إلى
المسألتين، وفي "المصباح" فعلته مجانا أي بغير
عوض قال ابن فارس المجان عطية الشيء بلا ثمن،
وقال الفارابي هذا الشيء لك مجانا أي بلا بدل.
ا ه.، وأوجب زفر عليها رد المهر كما في
"المحيط": قيد بكونها سمت محرما لأنها لو سمت
له حلالا كخالعني على هذا الخل فإذا هو خمر
فلها أن ترد المهر المأخوذ إن لم يعلم الزوج
بكونه خمرا، وإن علم به فلا شيء له، وفي
"المحيط": لو خلعها على عبد فإذا هو حر رجع
بالمهر عندهما، وعند أبي يوسف بقيمته لو كان
عبدا لما عرف في النكاح.
وقيد بالخلع، والطلاق لأن الكتابة على خمر أو
خنزير فاسدة، وعلى ميتة أو دم باطلة فيعتق إن
أداه في الأولى مع وجوب قيمة نفسه لأن ملك
المولى متقوم، ولا يعتق في الثانية، والنكاح
بالكل صحيح مع وجوب مهر المثل لتقوم البضع عند
الدخول ثم اعلم أن البدل، وإن لم يجب في الخلع
والطلاق فلا يقعان إلا بقبولها، ولذا قال في
"البزازية": لو قالت له خالعني بمال أو على
مال، ولم تذكر قدره لا يتم في "ظاهر الرواية"
بلا قبولها، وإذا لم يجب البدل هل يقع الطلاق
قيل يقع وبه يفتى، وقيل لا يقع، وهو الأشبه
بالدليل. ا ه.
"قوله كخالعني على ما في يدي، ولا شيء في
يدها" أي يقع الطلاق البائن
من غير شيء عليها لعدم تسمية شيء تصير به غارة
له. وأشار إلى أنه لو قال لها خالعتك على ما
في يدي، ولا شيء في يده أنه لا شيء له أيضا إذ
لا فرق بينهما فلو كان في يده جوهرة لها فقبلت
فهي له، وإن لم تكن علمت ذلك لأنها هي التي
أضرت بنفسها حين قبلت الخلع قبل أن تعلم ما في
يده، ولو اشترى منها بهذه الصفة كان جائزا،
ولا خيار لها فالخلع أولى كذا في "المبسوط".
وأشار إلى أنها لو قالت خالعني على ما في بيتي
أو ما في بيتي من شيء، ولا شيء في بيتها أنها
كمسألة الكتاب لأن الشيء يصدق على غير المال
كذا في "فتح القدير": ، وكذا لو قالت على ما
في يدي من شيء أو على ما في بطن جاريتي، ولم
تلد لأقل من ستة أشهر كذا في "المجتبى".
وفي "المحيط": لو اختلعت على ما في بطن
جاريتها أو غنمها أو ما في نخلها صح، وله ما
في بطنها، وإن لم يكن فلا شيء له، ولو حدث
بعده في بطونها فللمرأة لأن ما في بطنها اسم
ج / 4 ص -120-
وإن زادت من مال، أو دراهم ردت مهرها، أو
ثلاثة دراهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للموجود للحال، ولو اختلعت على حمل جاريتها،
وليس في بطنها حمل ترد المهر لأنها غرته حيث
أطمعته فيما له قيمة لأن الحمل مال متقوم،
ولكن في وجوده احتمال وتوهم، ويصح الخلع بعوض
موهوم بخلاف ما في البطن لأنه قد يكون مالا،
وقد لا يكون كريح أو ما يحويه البطن. ا ه.
وفي "التتارخانية": ": لو طلقها على أن
تبريه عن كفالة نفس فلان فالطلاق رجعي، ولو
طلقها على أن تبريه عن الألف التي كفلها لها
عن فلان فالطلاق بائن ا ه.
"قوله وإن زادت من مال أو من دراهم ردت مهرها
أو ثلاثة دراهم" يعني ردت
مهرها فيما إذا قالت خالعني على ما في يدي من
مال، ولم يكن في يدها شيء وردت ثلاثة دراهم
فيما إذا قالت خالعني على ما في يدي من دراهم،
ولم يكن في يدها شيء لأنها في الأولى لما سمت
مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بالعوض،
ولا وجه إلى إيجاب المسمى وقيمته للجهالة، ولا
إلى قيمة البضع أعني مهر المثل لأنه غير متقوم
حالة الخروج فتعين إيجاب ما قام به على الزوج
كذا في "الهداية".
وقيده في "الخلاصة" بعدم العلم فقال لو خالعها
على ما في هذا البيت من المتاع، وعلم أنه لا
متاع في هذا البيت وقع الطلاق، ولا يلزمها
شيء، وذكر اليد مثال والبيت والصندوق وبطن
الجارية والغنم كاليد، وقوله من مال مثال
أيضا، والمتاع، والحمل للبطن كالمال فإذا قالت
على ما في بطن جاريتي أو غنمي من حمل ردت
المهر، وفي "المحيط": لو خالعها بما لها عليه
من المهر ثم تبين أنه لم يبق عليه شيء من
المهر لزمها رد المهر لأنه طلقها بطمع ما نص
عليه فلا يقع مجانا فإن علم الزوج أنه لا مهر
لها عليه، وأن لا متاع في البيت في مسألة على
ما في البيت من متاع لا يلزمها شيء لأنها لم
تطمعه فلم يصر مغرورا. ا ه.
وفي الثانية ذكرت الجمع، ولا غاية لأقصاه،
وأدناه ثلاثة فوجب الأدنى كما لو أقر بدراهم
أو أوصى بدراهم، وأورد عليه أن من للتبعيض
فينبغي وجوب درهم أو درهمين. وأجيب بأنها هنا
للبيان لأن الأصل أن كل موضع تم الكلام بنفسه،
ولكنه اشتمل على ضرب إبهام فهي للبيان، وإلا
فللتبعيض، وقولها خالعني على ما في يدي كلام
تام بنفسه حتى جاز الاقتصار عليه، ولا فرق في
الحكم بين ذكر الجمع منكرا أو معرفا، وأورد
عليه إذا كان معرفا أنه ينبغي وجوب واحد فقط
لما عرف أن الجمع المحلى كالمفرد المحلى كما
لو حلف لا يشتري العبيد أو لا يتزوج النساء،
وأجيب بأنه إنما ينصرف إلى الجنس إذا عري عن
قرينة العهد كما في المثالين، وقد وجدت
القرينة هنا على العهد، وهو قولها على ما في
يدي كذا في "الكافي".
ج / 4 ص -121-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأوضحه في "فتح القدير": فقال لأن قولها على
ما في يدي أفاد كون المسمى مظروفا بيدها، وهو
عام يصدق على الدراهم، وغيرها فصار بالدراهم
عهد في الجملة من حيث هو ما صدقات لفظ ما، وهو
مبهم وقعت من بيانا له، ومدخولها هو المبين
لخصوص المظروف، والدراهم مثال، والمراد أنها
بينت المبهم بجمع كالدنانير، وينبغي أن يكون
قولها على ما في هذا البيت من الشياه أو الخيل
أو البغال أو الحمير كذلك يلزمها ثلاثة من
المسمى ثم رأيت في "المعراج" لكن زاد الثياب،
وفيه نظر للجهالة المتفاحشة.
وقيد بقوله، ولا شيء في يدها لأنه لو كان في
يدها مال متقوم كان له قليلا كان أو كثيرا،
ولا يلزمها رد المهر في الأولى، وأما في
الثانية فلا بد أن يكون في يدها جمع مما سمته
فلو كان في يدها درهم أو درهمان لزمها تكملة
الثلاثة كذا في "الخانية": و"المبسوط". وبهذا
علم أن في كلام المصنف مسامحة لأن عدم وجود
شيء في يدها شرط لرد المهر في الأولى، وعدم
وجود الثلاثة شرط في الثانية، وكلامه لا
يفيده، وأفاد بقوله ردت المهر أنه مقبوض فيدل
على أنه لو لم يكن مقبوضا برئ منه، ولا شيء
عليها كما ذكره العمادي في فصوله، وفي
"الجوهرة" ثم إذا وجب الرجوع بالمهر له، وكانت
قد أبرأته منه لم يرجع عليها بشيء لأن عين ما
يستحقه قد سلم له بالبراءة فلو رجع عليها يرجع
لأجل الهبة، وهي لا توجب على الواهب ضمانا. ا
ه.
وفي "البزازية": والحاصل: أنه إذا سمى ما
ليس بمتقوم لا يجب شيء، وإن سمى موجودا معلوما
يجب المسمى إن سمى مجهولا جهالة مستدركة
فكذلك، وإن فحشت الجهالة، وتمكن الخطر بأن
خالعها على ما يثمر نخلها العام أو على ما في
البيت من المتاع، ولم يكن فيه شيء بطلت
التسمية، وردت ما قبضت. ا ه.
وقيد بالخلع لأن السيد لو أعتق عبده على ما في
يده من الدراهم، وليس في يده شيء يجب عليه
قيمة نفسه لأن منافع البضع غير متقومة حالة
الخروج فلا يشترط كون المسمى معلوما بخلاف
العبد فإنه متقوم في نفسه، وبخلاف النكاح حيث
يجب مهر المثل لأنه متقوم حالة الدخول كذا في
"البدائع". ودلت المسألة الأولى على أنه لو
خالعها على عبد بعينه مثلا، وقد كان ميتا قبل
الخلع أنه يرجع عليها بالمهر الذي أخذته منه
للغرور بخلاف ما لو مات بعده حيث تجب قيمته
كما لو استحق، وظهور حريته كموته قبل الخلع
فيرجع عليها بالمهر عندهما، وعند أبي يوسف
بقيمته لو كان عبدا كالمهر، وقتله عنده بسبب
كان عندها كاستحقاقه فيرجع بقيمته، وكذا لو
قطع يده كذا في "المبسوط".
وأشار بقوله ردت المهر إلى صحة الخلع على
المهر، وقد قال في "الجوهرة": وإن وقع
ج / 4 ص -122-
فإن خالعها على عبد أبق لها على أنها بريئة من
ضمانه لم تبرأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلع على المهر صح فإن لم تقبضه المرأة سقط
عنه، وإن قبضته استرده منها. ا ه.
وفي "الولوالجية": خلعها بما لها عليه من
المهر ظنا منه أن لها عليه بقية المهر ثم تذكر
أنه لم يبق عليه شيء من المهر وقع الطلاق
بمهرها فيجب عليها أن ترد المهر لأنه طلقها
بطمع ما بقي عليه فلا يقع مجانا أما إذا علم
أن لا مهر لها عليه فلا شيء له. ا ه.
وفي "القنية": ادعت مهرها على زوجها فأنكره
ثم اختلعت نفسها بمهرها، وقبل ثم تبين بالشهود
أنها كانت أبرأته قبل الخلع فليس له شيء، ولو
اختلعت على عبد ثم تبين أنه عبد الزوج، ولا
يعلم ذلك إلا بالتصادق ينبغي أن لا يلزمها شيء
لأن ما هو بدل الخلع مسلم له كما لو علم أنه
عبده
"قوله فإن خالعها على عبد أبق لها على أنها
برية من ضمانه لم تبرأ" لأنه
عقد معاوضة فيقتضي سلامة العوض، واشتراط
البراءة شرط فاسد فبطل فكان عليها تسليم عينه
إن قدرت، وتسليم قيمته إن عجزت أشار إلى أن
الخلع لا يبطل بالشروط الفاسدة كالنكاح، ولذا
قال في العمادية لو خالعها على أن يمسك الولد
عنده صح الخلع، وبطل الشرط. اه.
وفي "الخانية": لو اختلعت من زوجها على أن
جعلت صداقها لولدها أو على أن تجعل صداقها
لفلان الأجنبي قال محمد الخلع جائز، والمهر
للزوج، ولا شيء للولد، ولا للأجنبي ا ه. ومعنى
اشتراطها البراءة أنها إن وجدته سلمته، وإلا
فلا شيء عليها، وقيد باشتراط البراءة من ضمانه
لأنها لو اشترطت البراءة من عيب في البدل صح
الشرط، وإنما صحت تسمية الآبق في الخلع لأن
مبناه على المسامحة بخلاف البيع لأن مبناه على
المضايقة فالعجز عن التسليم يفضي إلى المنازعة
فيه، ولا كذلك هنا لأن العجز عن التسليم هنا
دون العجز عن التسليم فيما إذا اختلعت على عبد
الغير أو على ما في بطن غنمها، وذلك جائز فكذا
هنا.
وقيد بالشرط الفاسد لأن الشرط لو كان ملائما
لم يبطل، ولذا قال في القنية خالعها على ثوب
بشرط أن تسلم إليه الثوب فقبلت فهلك الثوب قبل
التسليم لم تبن لأنه يجعل نفس التسليم شرطا،
وهبت مهرها لأخيها فأخذ أخوها منه المهر قبالة
ثم اختلعت نفسها منه بشرط أن تسلم إليه
القبالة غدا فقبل، ولم تسلم إليه القبالة غدا
لم تحرم، ولو اختلعت بشرط الصك أو قالت بشرط
أن يرد إليها أقمشتها فقبل لا تحرم، ويشترط
كتبه الصك، ورد الأقمشة في المجلس. ا ه.
وفي "الخانية": رجل قال لغيره طلق امرأتي على
شرط أن لا تخرج من المنزل شيئا فطلقها
ج / 4 ص -123-
قالت: طلقني ثلاثاً بألف، فطلق واحدة له ثلث
الألف وبانت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المأمور، ثم اختلفا فقال الزوج إنها قد أخرجت
من المنزل شيئا، وقالت المرأة لم أخرج ذكر في
النوادر أن القول قول الزوج، ولم يقع الطلاق.
قالوا هذا الجواب صحيح إن كان الزوج قال
للمأمور قل لها أنت طالق إن لم تخرجي من الدار
شيئا فقال لها المأمور ذلك ثم ادعى الزوج أنها
قد أخرجت من المنزل شيئا فيكون القول قوله
لأنه منكر شرط الطلاق أما إذا كان الزوج قال
للمأمور قل لامرأتي أنت طالق على أن لا تخرجي
من المنزل شيئا فقال لها المأمور ذلك فقبلت ثم
قال الزوج إنها قد أخرجت من المنزل شيئا لا
يقبل قوله لأن في هذا الوجه الطلاق يتعلق
بقبول المرأة فإذا قبلت يقع الطلاق للحال
أخرجت من المنزل شيئا أو لم تخرج كما لو قال
لامرأته أنت طالق على أن تعطيني ألف درهم
فقالت قبلت تطلق للحال، وإن لم تعطه ألفا،
وكذا لو قال لامرأته أنت طالق على دخولك الدار
فقبلت تطلق للحال، وإن لم تدخل الدار لأن كلمة
على لتعليق الإيجاب بالقبول لا للتعليق بوجود
القبول. ا ه.
واستفيد من قوله لم تبرأ أن العقد يقتضي سلامة
العوض فلذا قال في "التتارخانية": لو قال لها
أنت طالق غدا على عبدك هذا فقبلت، وباعت العبد
ثم جاء الغد يقع الطلاق، وعليها قيمة العبد. ا
ه.
"قوله قالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة له
ثلث الألف، وبانت" لأن الباء
تصحب الأعواض، وهو ينقسم على المعوض، ويشترط
أن يطلقها في المجلس حتى لو قام فطلقها لا يجب
شيء كذا في "فتح القدير": بخلاف ما إذا بدأ
هو فقال خالعتك على ألف فإنه يعتبر في القبول
مجلسها لا مجلسه حتى لو ذهب من المجلس ثم قبلت
في مجلسها ذلك صح قبولها كذا في "الجوهرة"
أشار بطلبها الثلاث إلى أنه لم يطلقها قبله إذ
لو كان طلقها ثنتين ثم قالت طلقني ثلاثا على
أن لك ألف درهم فطلقها واحدة كان عليها كل
الألف لأنها التزمت المال بإيقاع البينونة
الغليظة، وقد تم ذلك بإيقاع الثلاث كذا في
"المبسوط" و"الخانية"، وينبغي أن لا فرق فيها
بين الباء، وعلى لأن المنظور إليه حصول
المقصود لا اللفظ، ولذا قال في "الخلاصة" لو
قالت طلقني أربعا بألف فطلقها ثلاثا فهي
بالألف، ولو طلقها واحدة فبثلث الألف ا ه.
وقيد بكونه طلق واحدة إذ لو طلق الثلاث كان له
جميع الألف سواء كان بلفظ واحد أو متفرقة بعد
أن تكون في مجلس واحد كذا في "فتح القدير":
لا يقال كيف وقع الثاني مع أن البائن لا يلحق
البائن إلا إذا كان معلقا لأنا نقول قد أسلفنا
أن مرادهم من البائن ما كان بلفظ الكناية لا
مطلق البائن حتى صرحوا بوقوع أنت طالق ثلاثا
بعد البينونة.
وفي "التتارخانية": ": ثم في قولها طلقني
ثلاثا بألف إذا طلقها ثلاثا متفرقة في مجلس
واحد
ج / 4 ص -124-
وفي عليّ وقع رجعي مجاناً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القياس أن تقع تطليقة واحدة بثلث الألف، وتقع
الأخريان بغير شيء، وفي الاستحسان تقع الثلاث
بالألف، ومن مشايخنا من قال ما ذكر من جواب
الاستحسان محمول على ما إذا وصل التطليقات
بعضها ببعض أما إذا فصل بين كل تطليقة بسكوت
لا يجب جميع الألف، وإن حصل الإيقاع في مجلس
واحد، ومنهم من يقول إذا كان المجلس واحدا لا
يشترط الوصل، وهو الصحيح ا ه.
قيد بقوله ثلاثا لأنها لو قالت طلقني واحدة
بألف فقال أنت طالق ثلاثا فإن اقتصر، ولم يذكر
المال طلقت ثلاثا بغير شيء في قول أبي حنيفة،
وقال صاحباه تقع واحدة بالألف وثنتان بغير
شيء، ولو قال أنت طالق ثلاثا بألف يتوقف ذلك
على قبول المرأة إن قبلت تقع الثلاث بالألف،
وإن لم تقبل لا يقع شيء، ولو قالت طلقني واحدة
بألف فقال لها الزوج أنت طالق واحدة وواحدة
وواحدة تقع الثلاث واحدة بألف وثنتان بغير شيء
عند الكل كذا في "الخانية".
"قوله وفي على وقع رجعي مجانا"
أي في قولها طلقني ثلاثا على ألف أو على أن لك
علي ألفا فطلقها واحدة وقع رجعيا بغير شيء
عليها عند الإمام خلافا لهما فهما جعلاها
كالباء، وهو جعلها للشرط، والمشروط لا يتوزع
على أجزاء الشرط ألا ترى أنه ذكر في السير
الكبير لو أمن الإمام ثلاث سنين بألف دينار
فبدا للإمام أن ينبذ إليهم بعد سنة رد عليهم
ثلثا الألف، ولو أمن على ألف دينار رد الكل
كذا في "المحيط".
قيد بكونه طلقها واحدة لأنه لو طلقها ثلاثا
استحق الألف، وإن طلقها ثلاثا متفرقات في مجلس
واحد لزمها الألف لأن الأولى، والثانية تقع
عنده رجعية فإيقاع الثالثة وجد، وهي منكوحته
فيستوجب عليها الألف درهم، وإن طلقها ثلاثا في
ثلاث مجالس عندهما يستوجب ثلث الألف، وعنده لا
يستوجب شيئا كذا في "المحيط".
وحاصل ما حققه في "فتح القدير": أن كلمة على
مشتركة بين الاستعلاء واللزوم فإذا اتصلت
بالأجسام المحسوسة كانت للاستعلاء، وفي غيره
للزوم، وهو صادق على الشرط المحض نحو أنت طالق
على أن تدخلي الدار، وعلى المعاوضة كبعني هذا
على ألف، واحمله على درهم سواء كانت شرطا محضا
كما مثلنا أو عرفا نحو افعل كذا على أن أنصرك،
والمحل المتنازع فيه يصح فيه كل من الشرط
والمعاوضة، ولا مرجح، وكون مدخولها مالا لا
يرجع معنى الاعتياض فإن المال يصح جعله شرطا
محضا كإن طلقتني ثلاثا فلك الألف فلا يجب
المال بالشك، ولا يحتاط في اللزوم إذ الأصل
فراغ الذمة، ومنهم من جعلها للاستعلاء حقيقة،
وللزوم مجازا لأن المجاز خير من الاشتراك، ورد
بأن المعنى الحقيقي ليس إلا لتبادر ذلك المعنى
عند أهل اللسان، وهو متبادر كتبادر
ج / 4 ص -125-
طلقي نفسك ثلاثاً بألف، أوعلى ألف فطلقت واحدة
لم يقع شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستعلاء وكون المجاز خيرا من الاشتراك إنما
هو عند التردد أما عند قيام دليل الحقيقة، وهي
التبادر بمجرد الإطلاق فلا.
وذكر في "التحرير": ما يرجح قولهما بمنع قوله
في دليله، ولا مرجح بل فيه مرجح العوضية، وهو
أن الأصل فيما علمت مقابلته العوضية، ولا يرد
عليه لو قالت طلقني، وضرتي على ألف فطلقها
وحدها حيث وافقهما أنه يلزمها حصتها من الألف
لأنه لا غرض لها في طلاق ضرتها حتى يجعل
كالشرط بخلاف اشتراط الثلاث بتحصيل البينونة
الغليظة كذا ذكروا، ولا يخلو من شيء فإن لها
غرضا في أنه إذا طلقها لا تبقى ضرتها معه
بعدها فالأولى أن تكون على الاختلاف أيضا كما
في "غاية البيان" معزيا للمختلف.
ثم رأيت في "التتارخانية": " أن الأصح أنها
على الخلاف، وفيها ما لو قالت طلقني، وضرتي
على ألف علي فطلق إحداهما لا رواية فيها،
ولقائل أن يقول يلزمها حصتها من الألف، ولقائل
أن يقول لا يلزمها شيء حتى يطلقهما جميعا.
وفي "المحيط": قالت طلقني وفلانة وفلانة على
ألف فطلق واحدة، ومهورهن سواء يجب ثلث الألف
لأنها أمرته بعقود لأن طلاق كل واحدة على مال
خلع على حدة فانقسم الألف عليهن ضرورة أنه لا
بد أن يكون لكل عقد بدل على حدة لتصح
المعاوضة. ا ه. وهذا التعليل لا يرد عليه شيء.
"قوله طلقي نفسك ثلاثا بألف أو على ألف فطلقت
نفسها واحدة لم يقع شيء" لأنه
لم يرض بالبينونة إلا بسلامة الألف كلها له
بخلاف قولها له طلقني ثلاثا بألف لأنها لما
رضيت بالبينونة بألف كانت ببعضها أولى أن ترضى
فظهر الفرق بين ابتدائه، وابتدائها.
وفي "الخانية": رجل قال لغيره طلق امرأتي
ثلاثا للسنة بألف فقال لها الوكيل في وقت
السنة أنت طالق ثلاثا للسنة بألف فقبلت تقع
واحدة بثلث الألف فإن طلقها الوكيل في الطهر
الثاني تطليقة بثلث الألف فقبلت تقع أخرى بغير
شيء، وكذا لو طلقها الثالثة في الطهر الثالث،
ولو طلقها الوكيل أولا تطليقة بثلث الألف ثم
تزوجها الزوج ثم طلقها الوكيل تطليقة ثانية
بثلث الألف تقع الثانية بثلث الألف، وكذا
الثالثة على هذا الوجه. ا ه.
وفي "المحيط": قال للمدخولة طلقي نفسك ثلاثا
للسنة بألف فقالت طلقت نفسي ثلاثا للسنة بألف
فإن كانت طاهرة من غير جماع طلقت للحال واحدة،
ولا تقع الثانية، والثالثة إلا بتجديد الإيقاع
في مجلس السنة فيقعان بغير شيء هكذا ذكر
الزعفراني لأنه فوض إليها إيقاع كل
ج / 4 ص -126-
أنتِ طالق بألف، أوعلى ألف فقبلت لزم، وبانت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تطليقة في كل طهر فيكون بمنزلة المضاف إلى وقت
كل طهر لم يجامعها فيه فلا تملك إيقاعها حتى
يجيء الوقت، وقد أمرها بالإيقاع فلا بد من
التجديد. وإنما يقعان مجانا لأنها بانت
بالأولى فلا تملك نفسها بالثانية والثالثة ألا
ترى أنه لو أمرها أن تطلق نفسها ببدل بعدما
أبانها ففعلت وقع مجانا، وفي رواية محمد لا
يقع بهذا القول أبدا لأنه تعذر إيقاعهما بعوض
لما بينا، وتعذر إيقاعهما بغير عوض لأن الزوج
لم يرض بوقوعهما مجانا فلم يقعا. ا ه.
والحاصل: أنه لا يخلو إما أن تسأله الطلاق أو
يسألها على مال فإن كان الأول فإما أن يجنبها
بالموافقة أو لا فإن كان الأول فظاهر، واستحق
المسمى، وإن كان الثاني فإما أن تسأله بالباء
أو بعلى فإن كان بالباء وقع ما تلفظ به،
وانقسم المال على عدد الطلقات فكان له بحسابه
إن لم يحصل مقصودها فإن حصل فإن كانت الواحدة
مكملة للثلاث استحق الكل، وإن كان بعلى فأما
إن كانت المخالفة بنقص أو بأزيد فإن كان بأنقص
وقع بغير شيء، وإن كان الثاني كما لو سألته
واحدة بألف فطلقها ثلاثا فإن ذكر المال في
جوابه وقع الثلاث بالمسمى إن قبلت، وإلا فلا،
وإن لم يذكر المال وقع الثلاث بغير شيء، وهذا
كله إن ذكر الثلاث بكلمة واحدة، وإن ذكر
متفرقة وقعت الأولى بالمال، وثنتان بغير شيء.
"قوله أنت طالق بألف أو على ألف فقبلت لزم،
وبانت" يعني إن قبلت في
المجلس لزم المال، وبانت المرأة، وهو تكرار
لأنه علم من قوله أول الباب الواقع به،
وبالطلاق على مال طلاق بائن، ولزمها المال إلا
أنه زاد القبول هنا فقط، ولو ذكره عند قوله،
ولزمها المال لاستغنى عن التطويل.
وفي "التتارخانية": " لو قال لامرأته أنت
طالق واحدة بألف فقالت قبلت نصف هذه التطليقة
طلقت واحدة بألف بلا خلاف، ولو قالت قبلت
نصفها بخمسمائة كان باطلا، ولو قالت لزوجها
طلقني واحدة بألف فقال الزوج أنت طالق نصف
تطليقة بألف درهم طلقت تطليقة بألف درهم، ولو
قال أنت طالق نصف تطليقة بخمسمائة طلقت واحدة
بخمسمائة. ا ه.
وفي "المحيط": معزيا إلى "المنتقى": أنت
طالق أربعا بألف فقبلت طلقت ثلاثا بألف، وإن
قبلت الثلاث لم تطلق لأنه علق الطلاق بقبولها
الألف بإزاء الأربع ا ه.
وفي "المحيط": لو قال لغير المدخولة أنت طالق
ثلاثا للسنة بألف أو على ألف، ولا نية له طلقت
واحدة بثلث الألف لأن جميع الأوقات في حق غير
المدخولة وقت لطلاق السنة، وقد قابل الألف
بالثلاث فيتوزع عليها فإن تزوجها ثانيا طلقت
أخرى بثلث الألف، وكذلك ثالثا لأن الإيقاع كان
صحيحا فلا يرتفع بزوال الملك فإذا وجد الملك
وجد الشرط فوقع، ولا يحتاج إلى
ج / 4 ص -127-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبول جديد منها؛ لأن القبول يشترط في مجلس
الخطاب، وقد وجد إلا أن الوقوع تأخر لعدم
المحل كما لو قال أنت طالق غدا بألف فقبلت
فجاء غد طلقت بألف من غير قبول، وإن كانت
مدخولة وقعت واحدة في طهر لم يجامعها فيه بثلث
الألف ثم أخرى في الطهر الثاني، وأخرى في
الثالث بغير شيء لأن البدل يجب مقابلا بملك
النكاح، وقد زال بالأولى فلا تملك نفسها
بالثانية ليصح الاعتياض عنها، وإن قبلت، وهي
مجامعة لم يقع شيء حتى تحيض، وتطهر فيقع حينئذ
كما ذكرنا ا ه. ثم اعلم أن الطلاق على مال
يمين من جهته فتصح إضافته وتعليقه، ولا يصح
رجوعه، ولا يبطل بقيامه عن المجلس، ويتوقف على
البلوغ إليها إذا كانت غائبة، ومن جهتها
مبادلة فلا يصح تعليقها، ولا إضافتها، ويصح
رجوعها قبل قبول الزوج لو ابتدأت، ويبطل
بقيامها، ومثل قوله علي ألف على أن تعطيني
ألفا بخلاف إذا أعطيتني أو إذا أجبتني بألف
فلا تطلق حتى تعطيه للتصريح بجعل الإعطاء شرطا
بخلافه مع على حتى أنه إذا كان على الزوج دين
لها وقعت المقاصة في مسألة على أن تعطيني دون
إن أعطيتني إلا أن يرضى الزوج طلاقا مستقبلا
بألف له عليها، وذلك لأنه يقال على أن تعطيني
كذا، ويراد قبوله في العرف قال تعالى
{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] أي حتى يقبلوا للإجماع على أن يقبلوها ينتهي الحرب
منهم، ولكن بين أن وبين إذا ومتى فرق فإن في
أن يتوقف الطلاق على الإعطاء في المجلس بخلاف
إذا، ومتى.
وفي "جوامع الفقه": قال لأجنبية أنت طالق على
ألف إن تزوجتك فقبلت ثم تزوجها لا يعتبر
القبول إلا بعد التزوج لأنه خلع بعد التزوج
فيشترط القبول بعده كذا في "فتح القدير": ،
ولو قال لأنه طلاق على مال بعد التزوج لكان
أولى، وقد طلب مني بالمدرسة الصرغتمشية1 الفرق
بين على أن تعطيني حيث توقف على القبول وبين
أن تدخلي الدار حيث توقف على الدخول وطلب أيضا
الفرق بين أنت طالق على دخولك الدار حيث توقف
على قبولها لا على الدخول كما في "الخانية":
وبين على أن تدخلي حيث لا يكفي القبول مع أن
أن والفعل بمعنى المصدر. وهاهنا قاعدة في
الطلاق على مال الأصل أنه متى ذكر طلاقين،
وذكر عقيبهما ما لا يكون مقابلا بهما إذ ليس
أحدهما يصرف البدل إليه بأولى من الآخر إلا
إذا وصف الأول بما ينافي وجوب المال فيكون
المال حينئذ مقابلا بالثاني، ووصفه بالمنافي
كالتنصيص على أن المال بمقابلة الثاني، وأن
شرط وجوب المال على المرأة حصول البينونة لأنه
إنما يلزمها لتملك نفسها فلو قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي في مصر بجوار جامع أحمد بن طولون، بناها
الأمير سيف الدين صرغتمش النتصري سنة "756" ه
وهي مدرسة عظيمة اه. خطط المقريزي "2/403".
ج / 4 ص -128-
أنتِ طالق، وعليكِ ألف، أو أنت حر وعليك ألف
طلقت، وعتق مجاناً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لها أنت طالق الساعة واحدة، وغدا أخرى بألف أو
قال على أنك طالق غدا أخرى بألف أو قال اليوم
واحدة، وغدا أخرى رجعية بألف فقبلت تقع واحدة
بخمسمائة للحال، وغدا أخرى بغير شيء إلا أن
يعود ملكه قبله لأنه جمع بين تطليقة منجزة
وتطليقة مضافة إلى الغد، وذكر عقيبهما مالا
فانصرف إليهما ألا ترى أنه لو ذكر مكان البدل
استثناء ينصرف إليهما فيقع اليوم واحدة
بخمسمائة فإذا جاء غدا تقع أخرى لوجود الوقت
المضاف إليه، ولا يجب شيء لأن شرط وجوب المال
بالطلاق الثاني حصول البينونة، ولم تحصل
لحصولها بالأولى حتى لو نكحها قبل مجيء الغد
ثم جاء الغد فتقع أخرى بخمسمائة لوجود شرط
وجوب المال، ولو قال أنت طالق الساعة واحدة
رجعية أو بائنة أو بغير شيء على أنك طالق غدا
أخرى بألف تقع في الحال واحدة مجانا، وغدا
أخرى بألف لتعذر الصرف إليهما لأنه، وصف
الأولى بما ينافي وجوب المال إلا أن في قوله
بائنة فيشترط التزويج لوجوب المال بالثاني،
ولو قال أنت طالق ثلاثا للستة بألف فقبلت يقع
في الطهر الأول واحدة بثلث الألف وفي الطهر
الثاني بأخرى مجانا لأنها بانت بالأولى، ولا
يجب بالثانية المال إلا إذا نكحها قبل الطهر
الثاني فحينئذ تقع أخرى بثلث الألف، وفي الطهر
الثالث كذلك كذا في "فتح القدير".
وفي "التتارخانية": ": وإن طلق امرأته على
أن تفعل كذا، وقبلت لزمها الطلاق على الفعل ثم
ينظر فإن كان جعلا فهو على ما ذكرت لك، وإن
كان غير جعل فقد مضى الطلاق م عن أبي يوسف إذا
طلق امرأته على أن تهب عنه لفلان ألف درهم
أجبرها على هذه الألف، والزوج هو الواهب، وإن
لم يقل عنه لم تجبر على الهبة، وعليها أن ترد
المهر، والطلاق بائن، ولا شيء عليها غير الهبة
التي، وهبت، ولا رجوع في هذه الهبة لأحد، وعن
محمد في امرأة قالت لزوجها طلقني على أن أهب
مهري من ولدك ففعل فأبت أن تهبه فالطلاق رجعي،
ولا شيء عليها. ا ه.
"قوله أنت طالق، وعليك ألف أو أنت حر، وعليك
ألف طلقت، وعتق مجانا" يعني
قبلا أو لا عند الإمام، وعندهما وقع إن قبلا،
ولزمهما المال، وإلا لا عملا بأن الواو للحال
مجازا لتعذر حملها على العطف للانقطاع لأن
الأولى جملة إنشائية، والثانية خبرية، وعنده
الواو للعطف هنا عملا بالحقيقة، ولا انقطاع
لأن التحقيق أن الجملة الأولى خبرية لا
إنشائية كذا في "فتح القدير": ، وذكر في
تحريره أن الأوجه أن الواو للاستئناف عدة أو
غيره لا للعطف للانقطاع، ولا شك أنه مجاز لكن
ترجح على مجاز أنها للحال بالأصل، وهو براءة
الذمة، وعدم إلزام المال بلا معين، واتفقوا
على أنها للحال في أد إلي ألفا، وأنت حر،
وانزل، وأنت آمن لتعذر العطف
ج / 4 ص -129-
وصح خيار الشرط لها لا له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكمال الانقطاع بين الجملتين لكنه من باب
القلب لأن الشرط الأداء والنزول، واتفقوا على
أنها بمعنى الباء، وهو المعاوضة، وفي قوله
احمل هذا الطعام، ولك درهم لأن المعاوضة في
الإجارة أصلية، واتفقوا على تعين الأصل، وهو
العطف من غير احتمال غيره في خذه، واعمل به في
البز1 للإنشائية فلا تقيد المضاربة به، ولو
نوى، واتفقوا على احتمال الأمرين في أنت طالق،
وأنت مريضة أو مصلية لأنه لا مانع من كل
منهما، ولا معين فيتنجز الطلاق قضاء، ويتعلق
ديانة إن أراده فالضابط الاعتبار بالصلاحية،
وعدمها فإن تعين معنى الحال تقيد، وإلا فإن
احتمل فالمعين النية، وإلا كانت لعطف الجملة
كذا في التحرير والبديع. وعلى هذا الخلاف لو
قالت طلقني، ولك ألف أو اخلعني، ولك ألف ففعل
فعنده وقع، ولم يجب المال، وقالا يجب المال
كذا في "الكافي".
وفي "المحيط": لو قالت طلقني، ولك ألف فقال
طلقتك على الألف التي سميتها إن قبلت يقع
الطلاق، ويجب المال، وإن لم تقبل لا يقع
الطلاق، ولم يجب عنده لأنها التمست طلاقا بغير
عوض لأن قولها، ولك ألف لم يكن تعويضا على
الطلاق فقد أعرض الزوج عما التمست حيث أوقع
طلاقا بعوض فإن قبلت وقع، وإلا بطل، وعندهما
يقع، ويجب المال ا ه.
ثم اعلم أن الوقوع مجانا مع ذكر المال لا يختص
بمسألة الكتاب بل يكون في مسائل أخرى منها لو
قال أنت طالق على عبدي هذا فإذا هو حر فقبلت
طلقت مجانا لعدم صحة التسمية، وأوجب عليها زفر
قيمته قياسا على تسمية عبد الغير، وفرقنا
بإمكان تسليمه بإجازة مالكه في المقيس عليه،
وفي المقيس لا يتصور تسليمه، ومنها لو قالت
طلقني واحدة بألف أو على ألف فطلقها ثلاثا،
ولم يذكر الألف طلقت ثلاثا مجانا عنده
للمخالفة، وعندهما طلقت ثلاثا، وعليها الألف
بإزاء الواحدة لأنه مجيب بالواحدة مبتدئا
بالباقي، وإن ذكر الألف لا يقع شيء عنده ما لم
تقبل المرأة، وإذا قبلت الكل وقع الثلاث
بالألف، وعندهما إن لم تقبل فهي طالق واحدة
فقط، وإن قبلت طلقت ثلاثا واحدة بألف، وثنتان
بغير شيء كذا في "الكافي".
"قوله وصح خيار الشرط لها لا له"
لما قدمنا أنه معاوضة من جهتها، ويمين من
جهته، ولذا صح رجوعها قبل القبول، ولا تصح
إضافتها، وتعليقها بالشرط، ولا يتوقف على ما
وراء المجلس، وانعكست الأحكام من جانبه، وهما
منعاه من جانبها أيضا نظرا إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نوع من الثياب، وقيل: هي الثياب ا ه.
المصباح المنير مادة /بز/.
ج / 4 ص -130-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جانب اليمين، والحق ما قاله الإمام رضي الله
تعالى عنه أطلقه فشمل الخلع والطلاق على مال،
ويتفرع على هذا الأصل مسائل منها ما لو قال
أنت طالق على ألف على أني بالخيار ثلاثة أيام
فقبلت بطل الخيار، ووقع الطلاق، ومنها ما لو
قال أنت طالق على ألف على أنك بالخيار ثلاثة
أيام فقبلت إن ردت الطلاق في الأيام الثلاثة
بطل الطلاق، وإن اختارت الطلاق في الأيام
الثلاثة وقع، ووجب الألف له، وعندهما الطلاق
واقع في الوجهين، والمال لازم عليها، والخيار
باطل في الوجهين كذا في "الكافي"، وغيره.
وفي "فتاوى قاضيخان": من باب الإكراه لو قال
لامرأته أنت طالق على ألف على أنك بالخيار
ثلاثة أيام فقبلت يقع الطلاق، ولها الخيار في
قول أبي حنيفة. ا ه. وهو مشكل، والظاهر أنه
سبق قلم فإن الطلاق لا يقع قبل إسقاط الخيار
إما بالرضا أو بمضي المدة لا أنه وقع ثم يرتفع
بالفسخ بالخيار، ولذا قال في "البدائع" إن أبا
يوسف ومحمدا يقولان في مسألة الخيار إن الخيار
إنما شرع للفسخ، والخلع لا يحتمل الفسخ، وجواب
أبي حنيفة عن هذا أن محل الخيار في منع انعقاد
العقد في حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن
العقد منعقدا في حق الحكم للحال بل موقوف إلى
وقت سقوط الخيار فحينئذ يعمل على ما عرف في
البيوع ا ه.
فإن قلت هل يصح اشتراط الخيار لها بعد الخلع
قلت لم أره صريحا، ومقتضى جعله كالبيع أن يصح
لأن شرط الخيار اللاحق بعد البيع كالمقارن مع
أن فيه إشكالا لأن الطلاق وقع حيث كان بلا شرط
فكيف يرتفع بعد وقوعه، وأطلق في المدة فشمل
اشتراطه لها أكثر من ثلاثة عنده، والفرق
للإمام بينه وبين البيع أن اشتراطه في البيع
على خلاف القياس لأنه من التمليكات فيقتصر على
مورد النص، وفي الخلع على وفقه لأنه من
الإسقاطات، والمال وإن كان مقصودا فيه بالنظر
إلى العاقد لكنه تابع في الثبوت في الطلاق
الذي هو مقصود العقد كما أن الثمن تابع في
البيع، وبالنظر إلى المقصود يلزم أن لا يتقدر
بالثلاث كذا في الكشف من آخر بحث الهزل فعلى
هذا إذا قدرا وقتا، ومضى بطل الخيار سواء كان
ثلاثة أو أكثر، ووقع الطلاق، ولزم المال، وإذا
أطلقا ينبغي أن يكون لها الخيار في مجلسها فقط
فإن قامت منه بطل استنباطا مما إذا أطلقا في
البيع لما أن له شبه البيع، وذكر الشارح أن
جانب العبد في العتاق مثل جانب المرأة في
الطلاق حتى صح اشتراط الخيار له دون المولى.
ثم اعلم أنهم نقلوا هنا أنه لا يصح تعليقها
للخلع لكونه معاوضة من جهتها، وقد ذكر الحاكم
في "الكافي" أنها لو قالت إن طلقتني ثلاثا فلك
علي ألف درهم فإن قبل في المجلس فله الألف.
وإن قبل بعده فلا شيء له، وعزاه إليه في "فتح
القدير": ، ولم يتعقبه مع أنه تعليق منها له
ج / 4 ص -131-
طلقتك أمس بألف فلم تقبلي، فقالت قبلت صدق
بخلاف البيع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصريح الشرط، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين أن
يعلق القبول أو الإيجاب.
وفي "البزازية": خالعها، وقالت إن لم أؤد
البدل إلى أربعة أيام فالخلع باطل فمضت المدة،
ولم تؤد فهذه بمنزلة شرط الخيار في الخلع،
وأنه على الخلاف إذا كان من جانبها ا ه.
يعني: إذا مضت المدة قبل الأداء بطل الخلع،
وإن أدت في المدة وقع كمسألة خيار العقد في
البيع، واستفيد منه أن الخيار لا يتقيد
بالثلاث كما قدمناه صريحا، وقيد بخيار الشرط
لأن خيار الرؤية لا يثبت في الخلع، ولا في كل
عقد لا يحتمل الفسخ كما ذكره العمادي في
فصوله، وأما خيار العيب في بدل الخلع فثابت في
العيب الفاحش دون اليسير، والفاحش ما يخرجه من
الجودة إلى الوساطة، ومن الوساطة إلى الرداءة.
اه.
وفي "جامع الفصولين": الأصل أن من له الرجوع
عن خطابه قولا يبطل خطابه بقيامه، ومن لا رجوع
له لا يبطل بقيامه ثم قال: والحاصل: أن
الخلع من جانبه يبطل بقيامها لا بقيامه، ومن
جانبها يبطل بقيام كل منهما. ا ه.
"قوله: طلقتك أمس بألف فلم تقبلي، وقالت قبلت
صدق بخلاف البيع". والفرق أن
الطلاق على مال بلا قبول عقد تام، وهو عقد
يمين فلا يكون إقراره به إقرارا بقبول المرأة
أما البيع بلا قبول المشتري فليس ببيع فكان
إقراره به إقرارا بقبول المشتري فدعواه بعده
عدم قبوله تناقض، ومراده من تصديق الزوج قبول
قوله مع يمينه كما نص عليه العمادي في الفصول،
ولو قيد المسألة بالمال كما في "الهداية" لكان
أولى، ولولا ما ذكره المصنف في "الكافي" شرحا
لقوله بخلاف البيع من أن صورته ما لو قال
لغيره بعت منك هذا العبد بألف درهم أمس فلم
تقبل، وقال المشتري قبلت إلى آخره لشرحت قوله
بخلاف البيع بما لو قال بعتك طلاقك أمس فلم
تقبلي فقالت بل قبلت فقد نص في "فتح القدير":
أن القبول لها لمناسبته للطلاق، وفيه لو قال
لعبده أعتقتك أمس على ألف فلم تقبل، وبعتك أمس
نفسك منك بألف فلم تقبل على قياس قول الزوج
لها. ا ه.
وفي "التتارخانية": ": لو أقاما بينة أخذ
ببينة المرأة. ا ه. وفي "البزازية": ادعى
الخلع على مال، والمرأة تنكر يقع الطلاق
بإقراره، والدعوى في المال على حالها، وعكسه
لا يقع كيفما كان ادعت المهر أو نفقة العدة
لأنه طلقها، وادعى الخلع، وليس لها بينة ففي
حق المهر القول لها، وفي النفقة قوله ا ه.
وينبغي حمله على ما إذا كان مدعيا أن نفقة
العدة من جملة بدل الخلع، وعلى تقديره
ج / 4 ص -132-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالفرق أن المهر كان ثابتا عليه قبله فدعواه
سقوطه غير مقبول، وأما نفقة العدة فليست واجبة
قبله، وهي تدعي استحقاقها بالطلاق، وهو ينكر
فكان القول له، وهو مشكل فإنهما اتفقا على سبب
استحقاقها لأن الخلع والطلاق يوجبان نفقة
العدة فكيف تسقط.
وفي "جامع الفصولين": اختلفا في كمية الخلع
فقال مرتان، وقالت ثلاث قيل القول له، وقيل لو
اختلفا بعد التزوج فقالت لم يجز التزوج لأنه
وقع بعد الخلع الثالث، وأنكره فالقول له، ولو
اختلفا في العدة، وبعد مضيها فقال هي عدة
الخلع الثاني، وقالت هي عدة الخلع الثالث
فالقول لها فلا يحل النكاح. ا ه.
وفي "القنية": لو أقامت بينة أن زوجها
المجنون خالعها في صحته، وأقام وليه أو هو بعد
الإفاقة بينة أنه خالعها في جنونه فبينة
المرأة أولى ا ه.
وفي "كافي الحاكم": قال لها قد طلقتك واحدة
بألف فقبلت فقالت إنما سألتك ثلاثا بألف
فطلقتني واحدة فلك ثلثها فالقول للمرأة مع
يمينها فإن أقاما البينة فالبينة بينة الزوج،
وكذا لو اختلفا في مقدار الجعل بعد الاتفاق
على الخلع أو قالت اختلعت بغير شيء فالقول
قولها، والبينة بينة الزوج أما إذا اتفقا أنها
سألته أن يطلقها ثلاثا بألف، وقالت طلقتني
واحدة، وقال هو ثلاثا فالقول قوله إن كانا في
المجلس ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق أنت
طالق أنت طالق في مجلس سؤالها الثلاث بألف كان
له الألف فغاية هذا أن يكون موقعا الباقي في
المجلس فيكون مثله، وإن كان غير ذلك في المجلس
لزمها الثلاث. وإن كانت في العدة فمن المتفق
عليه، ولا يكون للزوج إلا ثلث الألف، وإن قالت
سألتك أن تطلقني ثلاثا على ألف فطلقتني واحدة
فلا شيء لك يعني على قول أبي حنيفة، وقال هو
بل سألتني واحدة على ألف فطلقتكها فالقول
قولها على قول أبي حنيفة، وإن قالت سألتك
ثلاثا بألف فطلقتني في ذلك المجلس واحدة،
والباقي في غيره، وقال بل الثلاث فيه فالقول
لها، وإن قالت سألتك أن تطلقني أنا وضرتي على
ألف فطلقتني وحدي، وقال طلقتها معك، وقد
افترقا من ذلك المجلس فالقول لها، وعليها
حصتها من الألف، والأخرى طالق بإقراره، وكذا
إذا قالت فلم تطلقني، ولا في ذلك المجلس، وفي
مسألة خلع الثنتين بسؤال واحد تنبيه، وهو أنه
إذا خلع امرأتيه على ألف كانت منقسمة على قدر
ما تزوجهما عليه من المهر حتى لو سألتاه
طلاقهما على ألف أو بألف فطلق إحداهما لزم
المطلقة حصتها من الألف على قدر ما تزوجها
عليه فإن طلق الأخرى في ذلك المجلس أيضا لزمها
حصتها لأن الألف تنقسم عليهما بالسوية، ولو
طلقها بعدما افترقوا فلا شيء له، وإذا ادعت
المرأة الخلع، والزوج ينكره فأقامت بينة فشهد
أحدهما بالألف، والآخر بألف، وخمسمائة أو
اختلفا في جنس
ج / 4 ص -133-
ويسقط الخلع، والمبارأة كل حق لكل واحد على
آلاخر مما يتعلق با لنكاح، حتى لوخالعها
أوبار أها بمال معلوم كان للزوج ماسمَّت له،
ولم يبق لأحدها قبل صاحبه دعوى في المهر
مقبوضاً كان، أو غيرمقبوض قبل الدخول بها
أوبعده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجعل فالشهادة باطلة، وإن كان الزوج هو
المدعي للخلع، والمرأة تنكره فشهد أحد شاهديه
بألف، والآخر بألف، وخمسمائة، والزوج يدعي
ألفا وخمسمائة جازت شهادتهما على الألف، وإن
ادعي ألف لم تجز شهادتهما، ولزمه الطلاق
بإقراره كذا في "فتح القدير": ، وفيه لو
اختلفا في مقدار العوض فالقول لها عندنا، وعند
الشافعي يتحالفان ا ه.
وفي "البزازية": دفعت بدل الخلع، وزعم الزوج
أنه قبضه بجهة أخرى أفتى الإمام ظهير الدين أن
القول له، وقيل لها لأنها المملكة.
"قوله ويسقط الخلع والمبارأة كل حق لكل واحد
على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو خالعها أو
بارأها بمال معلوم كان للزوج ما سمت له، ولم
يبق لأحدهما قبل صاحبه دعوى في المهر مقبوضا
كان أو غير مقبوض قبل الدخول بها أو بعده"
لأن الخلع كالبراءة يقتضي البراءة من الجانبين
لأنه ينبئ عن الخلع، وهو الفصل، ولا يتحقق ذلك
إلا لم يبق لكل واحد منهما قبل صاحبه حق، وإلا
تحققت المنازعة بعده، والمبارأة بالهمزة،
وتركها خطأ، وهي أن يقول الزوج برئت من نكاحك
بكذا كذا في "شرح الوقاية"، ولا يخفى وقوع
الطلاق البائن في هذه الصورة، وقد صورها في
"فتح القدير": بأن يقول بارأتك على ألف،
وتقبل، ولم يذكر وقوع الطلاق به، وقد صرح
بوقوع الطلاق بهذا اللفظ في "الخلاصة"،
و"البزازية": لكن قال فيها نية الطلاق في
الخلع، والمبارأة شرط الصحة إلا أن المشايخ لم
يشترطوه في الخلع لغلبة الاستعمال، ولأن
الغالب كون الخلع بعد مذاكرة الطلاق فلو كانت
المبارأة أيضا كذلك لا حاجة إلى النية، وإن
كان من الكنايات، وإن لم يكن كذلك فبقيت
مشروطة في المبارأة، وسائر الكنايات على الأصل
ا ه. وشمل أول كلامه ستة عشر وجها لأنه لا
يخلو إما أن لا يسميا شيئا أو سميا المهر أو
مالا آخر، وكل وجه على وجهين إما أن يكون
المهر مقبوضا أو لا، وكل على وجهين إما أن
يكون قبل الدخول أو بعده فإن لم يسميا شيئا
برئ كل منهما كما صححه في "الخلاصة"،
و"البزازية"، وعبارة "الخلاصة" لو خالعها، ولم
يذكر العوض عليها فهو على وجوه الأول أن يسكت
عنه ذكر شمس الأئمة السرخسي في نسخته أنه يبرأ
كل واحد منهما عن دعوى صاحبه وذكر الإمام
خواهر زاده أن هذا إحدى الروايتين عن أبي
حنيفة، وهو الصحيح، وإن لم يكن على الزوج مهر
فعليها رد ما ساق إليها من المهر لأن المال
مذكور عرفا بذكر الخلع، وفي رواية عن أبي
حنيفة، وهو قولهما أنه لا يبرأ أحدهما عن
صاحبه. ا ه.
ج / 4 ص -134-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهكذا ذكر في "البزازية": وظاهر عبارتهما
أولا أن المهر إذا كان مقبوضا فلا رجوع له
عليها وصريح كلامهما ثانيا الرجوع وقد صرح
قاضي خان في فتاويه في هذه الصورة بأنها ترد
ما ساق إليها من المهر فحينئذ يبرأ كل منهما
عن صاحبه.
وقد ظهر لي أن محل البراءة لكل منهما ما إذا
خالعها بعدما دفع لها معجل المهر وقد بقي
مؤجله فإنه يبرأ عن مؤجله وتبرأ هي عن معجله
ولذا قال في "المحيط": وهو الصحيح أنه يسقط
من المهر ما قبضت المرأة فهو لها وما كان
باقيا في ذمة الزوج يسقط ا ه.
وفي "البزازية": قال لها خالعتك فقالت قبلت
لا يسقط شيء من المهر ويقع الطلاق البائن
بقوله إذا نوى ولا دخل لقبولها حتى إذا نوى
الزوج الطلاق ولم تقبل المرأة يقع البائن وإن
قال لم أرد الطلاق لا يقع ويصدق قضاء وديانة
بخلاف قوله خالعتك فقالت قبلت يقع الطلاق
والبراءة ا ه.
وحاصله أن الفرق بين خلعتك وخالعتك من وجهين.
الأول أن خلعتك لا يتوقف على القبول بخلاف
خالعتك. الثاني لا يبرأ في الأول ويبرأ في
الثاني فلذا قال في الكتاب حتى لو خالعها
بصيغة المفاعلة.
الثاني أن يصرح بنفي العوض فيه كما لو قال لها
اخلعي نفسك مني بغير شيء ففعلت وقبل الزوج صح
بغير شيء لأنه صريح في عدم المال، ووقوع
البائن كذا في "البزازية": يعني فلا يبرأ كل
منهما عن حق صاحبه كما لا يخفى.
الثالث: أن يقع ببدل على الزوج قال في
"البزازية": قال الإمام في الأسرار يجوز
الخلع، ولا يجوز بدل المال، وقال بعضهم يجوز،
والمختار الجواز وطريقه أن يحمل على الاستثناء
من المهر لأن الخلع يوجب براءته من المهر
فكأنه قال إلا قدرا من المهر فإنه لا يسقط عني
فإن لم يكن عليه مهر يجعل كأن ذلك القدر
استثني عن نفقة العدة فإن زاد على نفقة العدة
يجعل كأنه راد على مهرها ذلك القدر قبل الخلع
ثم خالع تصحيحا للخلع بقدر الإمكان. ا ه. وبه
علم حكم ما إذا خالعها، واشترطت عليه أن يدفع
لها بعض المهر فإنه صحيح.
الرابع: أن يقع بشرط أن يكون المهر لولدها أو
لأجنبي قال في "البزازية": خالعها على أن
يجعل صداقها لولدها أو لأجنبي جاز، والمهر
للزوج لا لغيره ا ه. وإن سميا المهر فإن كان
مقبوضا رجع بجميعه، وإلا سقط عنه كله مطلقا في
الأحوال كلها، وفي "البزازية": خلع زوجته على
أن ترد عليه جميع ما قبضت منه، وكانت، وهبته
أو باعته من إنسان، ولم ترد ذلك عليه رجع
ج / 4 ص -135-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليها بقيمة ذلك إن عروضا، وبالمثل في
المكيلات، والموزونات كأنه استحق بدل الخلع
فيرجع بالقيمة. ا ه. وفيها خالعها بغير خسران
يلحق الزوج فإذا أبرأته عن مهرها يقع الطلاق،
وإلا لا لأن ارتفاع الخسران يكون بسلامة المهر
له. ا ه.
وإن سميا بعض المهر كالعشر مثلا فإن كان
مقبوضا رجع بالمسمى فقط إن كان بعد الدخول،
وسلم لها الباقي، وبنصفه فقط إن كان قبله، وإن
لم يكن مقبوضا سقط الكل مطلقا المسمى بحكم
الشرط، والباقي بحكم لفظ الخلع، وإن سميا مالا
آخر غير المهر فله المسمى، وبرئ كل منهما
مطلقا في الأحوال كلها.
وبما قررناه ظهر أن قولهم الخلع يسقط كل
الحقوق ليس في جميع الصور، ويستثنى منه ما إذا
خالعها على مهرها أو بعضه، وكان مقبوضا فإنها
ترده، ولا تبرأ، ومقتضى إطلاقهم البراءة إلا
أن يقال إن مرادهم البراءة عن سائر الحقوق ما
عدا بدل الخلع، والمهر بدل الخلع فلا تبرأ عنه
كما لو كان مالا آخر.
وبما قررناه ظهر أن الوجوه أربعة، وعشرون لأنه
إما أن يسكتا عن البدل أو ينفى أو يشترط على
الزوج أو عليها أو مهرها أو بعضه. وكل على
وجهين إما أن يكون مقبوضا أو لا، وكل على
وجهين إما أن يكون قبل الدخول أو بعده هذا إن
كان المسمى معلوما موجودا متقوما أو مجهولا
جهالة مستدركة كثوب هروي أو مروي، وإن فحشت
الجهالة كمطلق ثوب أو تمكن الخطر بأن خلعها
على ما يثمر نخلها العام أو على ما في البيت،
وليس فيه شيء بطلت التسمية، وردت ما قبضت من
المهر كذا في "البزازية"، وقدمناه.
ثم اعلم أنه بقي هنا صورة، وهي ما في
"البزازية": اختلعت مع زوجها على مهرها،
ونفقة عدتها على أن الزوج يرد عليها عشرين
درهما صح، ولزم الزوج عشرون دليله ما ذكر في
الأصل خالعت على دار على أن الزوج يرد عليها
ألفا لا شفعة فيه وفيه دليل على أن إيجاب بدل
الخلع عليه يصح، وفي صلح القدوري ادعت عليه
نكاحا، وصالحها على مال بذله لها لم يجز، وفي
بعض النسخ جاز، والرواية الأولى تخالف
المتقدم، والتوفيق أنها إذا خالعت على بدل
يجوز إيجاب البدل على الزوج أيضا، ويكون
مقابلا ببدل الخلع، وكذا إذا لم يذكر نفقة
العدة في الخلع، ويكون تقديرا لنفقة العدة أما
إذا خالعت على نفقة العدة، ولم تذكر عوضا آخر
ينبغي أن لا يجب بدل الخلع على الزوج، وقد
ذكرنا ما فيه من الوجه ا ه. قيد بالخلع،
والمبارأة لأن الطلاق على مال لا يسقط شيئا
مما يتعلق بالنكاح في ظاهر
ج / 4 ص -136-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرواية، وصححه الشارحون وقاضي خان، وفي
"البزازية"، و"الولوالجية"، وعليه الفتوى بعد
أن حكي أن فيه روايتين عن الإمام، وأن عندهما
هو كالخلع، وفي موضع منها طلقها على ألف قبل
الدخول، ولها عليه ثلاثة آلاف تسقط ألف
وخمسمائة بالطلاق قبل الدخول، وبقي عليه ألف
وخمسمائة، وتقاصا بألف، ولا ترجع عليه
بخمسمائة عند البلخي، وترجع عند غيره، وعليه
الفتوى بناء على أن صريح الطلاق بقدر من المال
هل يوجب البراءة من المهر عند الإمام أم لا
فالبلخي يوجبه، وغيره لا ا ه.
ثم اعلم أن الأولى في التعبير أن يقال إن
الطلاق على مال لا يسقط المهر فقد صرح في "شرح
الوقاية"، و"الخلاصة"، و"البزازية"،
و"الجوهرة" بأن النفقة المقتضى بها تسقط
بالطلاق، وأطلقوه فشمل الطلاق بمال، وغيره،
وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في كتاب
النفقات.
وأما الخلع بلفظ البيع والشراء فقال قاضي خان
في فتاواه إنه لا يوجب البراءة عن المهر إلا
بذكره اتفاقا، وهو الصحيح، وصحح في الفتاوى
"الصغرى" أنه يوجب البراءة كالخلع، واختاره
العمادي في الفصول.
وأطلق في الحق فشمل المهر والنفقة المفروضة
والماضية والكسوة كذلك.
وأما المتعة فقيل في "البزازية": خالعها قبل
الدخول، وكان لم يسم مهرا تسقط المتعة بلا
ذكر. اه.
وأما نفقة العدة فلم تدخل تحت العموم لأنها لم
تكن واجبة قبل الخلع لتسقط به، وإنما تسقط
بالتنصيص قال البزازي اختلعت بمهرها، ونفقة
عدتها تصح، وإن لم تجب النفقة بعد، وهي مجهولة
لدخولها تبعا كبيع الشرب تبعا للأرض، وإن كان
مجهولا، وفي شرح الطحاوي خالعها على نفقة
العدة صح، ولا تجب النفقة بخلاف ما لو أبرأت
الزوج عن النفقة في المستقبل لا يصح. وفي
"الظهيرية" إن أبرأته عن نفقة العدة بعد الخلع
لا يصح، وكذا بعد الطلاق، وقيل يصح، وهو
الأشبه ا ه. ما في "البزازية"، وفيها في موضع
آخر اختلعت بتطليقة بائنة على كل حق يجب
للنساء على الرجال قبل الخلع وبعده، ولم يذكر
الصداق ونفقة العدة تثبت البراءة عنهما لأن
المهر ثابت قبل الخلع، وبعده تثبت نفقتها. ا
ه.
وفي "الخانية": من العدة: رجل طلق امرأته ثم
صالحته من نفقة العدة على شيء إن كانت عدتها
بالأشهر جاز الصلح لأن زمان العدة معلوم، وإن
كانت عدتها بالحيض لا يجوز لأن
ج / 4 ص -137-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدة غير معلومة. ا ه. وأما السكنى فلم يصح
إسقاطها بحال لما أن سكناها في غير بيت الطلاق
معصية إلا إن أبرأته عن مؤنة السكنى بأن كانت
ساكنة في بيت نفسها أو تعطي الأجرة من مالها
فيصح التزامها ذلك كذا في "فتح القدير".
وأما إذا شرطا البراءة من نفقة الولد، وهي
مؤنة الرضاع إن وقتا لذلك وقتا كسنة مثلا صح،
ولزم، وإلا لا يصح، وفي "المنتقى" إن كان
الولد رضيعا صح، وإن لم يبين المدة، وترضعه
حولين ا ه. بخلاف الفطيم كذا في "فتح القدير":
، واقتصر في "البزازية": على ما في "المنتقى"
فإن تركته على الزوج، وهربت فللزوج أن يأخذ
قيمة النفقة منها، ولها أن تطالبه بكسوة الصبي
إلا إذا اختلعت على نفقته وكسوته فليس لها أن
تطالبه، وإن كانت الكسوة مجهولة سواء كان
الولد رضيعا أو فطيما، ولو خالعته على نفقة
ولده شهرا، وهي معسرة فطالبته بنفقته يجبر
عليها، وعليه الاعتماد لا على ما أفتى به
بعضهم من سقوط النفقة كذا في "فتح القدير": ،
وهو المذكور في القنية. وإن مات الولد قبل
تمام الوقت كان للزوج الرجوع عليها بحصة الأجر
إلى تمام المدة، والحيلة في براءتها أن يقول
الزوج خالعتك على أني بريء من نفقة الولد إلى
سنتين فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك
كذا في "الخانية": بخلاف ما لو استأجر الظئر1
للإرضاع سنة بكذا على أنه إن مات قبلها فالأجر
كله لها فالإجارة فاسدة كذا في إجارات
"الخلاصة"، ومقتضى مسألة موت الولد قبل المدة
أن نفقة العدة لو جعلت بدلا في الخلع ثم لم
تسكن في منزل الطلاق حتى صارت ناشزة، وسقطت
نفقتها أن يرجع الزوج عليها بالنفقة، وأنه إذا
شرط أنها إذا لم تكن فلا رجوع أن يصح الشرط
كما لا يخفى. فإن قلت إذا خالعها على نفقة
العدة ثم تزوجها بعد خمسة أيام مثلا فهل يرجع
عليها ببقية النفقة قلت نعم لما في القنية
اختلعت نفسها بالمهر، ونفقة العدة، ونفقة ولده
سنة ثم مات الولد بعد خمسة أيام، وتزوجها يرجع
بنفقة بقية العدة وبقية نفقة ولده سنة. ا ه.
وهو دليل لما ذكرناه في مسألة النشوز.
ثم اعلم أن موتها، وعدم وجود ولد في بطنها
كموته في أثناء المدة من كونها ترد قيمة
الرضاع كما في "المحيط"، ولو اختلعت على أن
تمسكه إلى وقت البلوغ صح في الأنثى لا الغلام،
وإذا تزوجت فللزوج أن يأخذ الولد، ولا يتركه
عندها، وإن اتفقا على ذلك لأن هذا حق الولد،
وينظر إلى مثل إمساك الولد في تلك المدة فيرجع
به عليها كذا في "فتح القدير": ، ومقتضاه أنها
لو قصرت في الإنفاق عليه أن يرجع عليها بقيمة
النفقة، وينفق هو عليه/ نظرا له.
وفي "الولوالجية" من كتاب الصلح صالحها على أن
يطلقها على أن ترضع ولده سنتين على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها. ا ه.
المصباح المنير مادة / ظئر/.
ج / 4 ص -138-
وإن خلع صغيرة بمالها لم يجز عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن زادها ثوبا بعينه، وقبضه فاستهلكته، وأرضعت
الصبي سنة ثم مات فإن الزوج يرجع عليها إذا
كانت قيمة الثوب والمهر سواء بنصف قيمة الثوب،
وبربع قيمة الرضاع. ولو زادت مع ذلك شاة
قيمتها مثل قيمة الرضاع رجع عليها بربع الثوب،
وبربع قيمة الرضاع، وسلمت له الشاة، وتوضيحه
فيها، وقد أطال في بيانه فليراجع.
قيد بقوله مما يتعلق بالنكاح لأنهما لا يوجبان
البراءة من دين آخر سوى النكاح على الصحيح
لأنه، وإن كان مطلقا فقد قيدناه بحقوق النكاح
لدلالة الغرض، وادعى في "الجوهرة" الإجماع
عليه، وليس بصحيح فقد روي عن الإمام البراءة
عن سائر الديون كما في "فتح القدير": فإن قلت
لو اختلعت على أن لا دعوى لكل على صاحبه هل
يشمل ما ليس من حقوق النكاح قلت مقتضى الإبراء
العام ذلك لكن المنقول في "البزازية": اختلعت
على أن لا دعوى لكل على صاحبه ثم ادعى أن له
عندها كذا من القطن يصح لأن البراءة تختص
بحقوق النكاح. ا ه. وكأنه لما وقع في ضمن
الخلع تخصص بما هو من حقوق النكاح، وأراد
بالنكاح ما ارتفع بهذا الخلع لأنه إذا تزوج
امرأة على مهر مسمى ثم طلقها بائنة بعد الدخول
ثم تزوجها ثانيا بمهر آخر ثم اختلعت منه على
مهرها برئ الزوج عن المهر الذي يكون في النكاح
الثاني دون الأول كذا في "الخانية"، وإنما نص
على المهر ليعلم سقوط باقي الحقوق بالأولى.
وأطلق النكاح فانصرف إلى الصحيح فالخلع في
الفاسد غير مسقط لمهر المثل كما في
"البزازية"، وقيد بقوله خالعها المفيد لكونه
خاطبها لأنه لو خالعها مع أجنبي بمال فإنه لا
يسقط المهر لأنه لا ولاية للأجنبي في إسقاط
حقها، وهو خلع الفضولي، وسنتكلم عليه مع خلع
الوكيل، والرسول إن شاء الله تعالى.
"قوله ولو خلع صغيرة بمالها لم يجز عليها"
أي لا يلزمها المال لأنه لا نظر لها فيه لعدم
تقوم البضع حالة الخروج، وإنما فسرنا عدم
الجواز في كلامه بعدم لزوم المال لأن الصحيح
وقوع الطلاق كما في "الهداية" لأنه تعليق بشرط
قبوله فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط هذا إذا
قبل الأب فإن قبلت، وهي عاقلة تعقل أن النكاح
جالب، والخلع سالب وقع الطلاق بالاتفاق، ولا
يلزمها المال، وذكر صاحب المنظومة إن خلع
الصغيرة بمال مع الزوج إن كان بلفظ الخلع يقع
البائن، وإن كان بلفظ الطلاق يقع الرجعي، وفي
جامع الفصولين لو طلق الصبية بمال يقع رجعيا،
وفي الأمة يصير بائنا إذ الطلاق بمال يصح في
الأمة لكنه مؤجل، وفي الصبية يقع بلا مال. ا
ه.
ج / 4 ص -139-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "جوامع الفقه": طلقها بمهرها، وهي صغيرة
عاقلة فقبلت وقعت طلقة، ولا يبرأ، وإن قبل
أبوها أو أجنبي روى هشام عن محمد أنه يقع،
وروى الهندواني عن محمد أنه لا يقع فلو بلغت،
وأجازت جاز كذا في "فتح القدير": ، وذكر
الشارح لو شرط الزوج البدل عليها توقف على
قبولها إن كانت أهلا فإن قبلت وقع اتفاقا، ولا
يلزم المال. وإن قبل الأب عنها صح في رواية
لأنه نفع محض لأنها تتلخص بلا مال، ولا يصح في
أخرى لأن قبولها بمعنى شرط اليمين، وهو لا
يحتمل النيابة، وهذا هو الأصح ا ه.
أطلق في مالها فشمل مهرها الذي على الزوج،
ولذا قال في "البزازية"، والخلع على مهرها
ومال آخر سواء في الصحيح. ا ه.
وقيد بالصغير ليفيد أنه لو خلع كبيرته بلا
إذنها فإنه لا يلزمها المال بالأولى لأنه
كالأجنبي في حقها، وفي "البزازية": الكبيرة
إذا خلعها أبوها أو أجنبي بإذنها جاز، والمال
عليها، وأن بلا إذنها لم يجز، وترجع بالصداق
على الزوج والزوج على الأب إن ضمن الأب، وإن
لم يضمن فالخلع يتوقف على قبولها إن قبلت ثم
الخلع في حق المال، وهذا دليل على أن الطلاق
واقع، وقيل لا يقع الطلاق هاهنا إلا بإجازتها.
ا ه.
وقيد بالأب لأنه لو جرى الخلع بين زوج
الصغيرة، وأمها فإن أضافت الأم البدل إلى مال
نفسها أو ضمنت تم الخلع كالأجنبي، وإن لم تضف،
ولم تضمن لا رواية فيه، والصحيح أنه لا يقع
الطلاق بخلاف الأب، وإن كان العاقد أجنبيا،
ولم يضمن البدل إن كانت الصغيرة تعقل العقد
والزوج والصداق أنه ما هو يتوقف على إجازتها،
وقيل لا يتوقف. ومذهب مالك أن الأب إذا علم أن
الخلع خير لها بأن كان الزوج لا يحسن عشرتها
فالخلع على صداقها صحيح فإن قضى به قاض نفذ
قضاؤه كذا في "البزازية"، وفيها، وإذا أراد أن
يصح خلع الصغيرة على وجه يسقط المهر، والمتعة
عن زوجها يخالع أجنبي مع زوجها على مال قدر
المهر، والمتعة فيجب البدل على الأجنبي للزوج
ثم يحيل الزوج بما عليه من الصداق والمتعة لمن
له ولاية قبض صداقها على ذلك الأجنبي فيبرأ
الزوج عن المهر، ويكون في ذمة ذلك الرجل. ا ه.
وفيها من موضع آخر وحيلة أخرى أن يحيل الزوج
بالصداق على الأب فيبرأ الزوج منه، وينتقل إلى
ذمة الأب، والأب يملك قبول الحوالة إذا كان
المحتال عليه أملأ من المحيل، والغالب كون
الأب أملأ من الزوج، وكذا لو كان المحتال عليه
مثل المحيل في الملاءة ذكره في "الجامع"
الصغير، وذكر إسحاق الولوالجي أنه لا يملك
قبولها لو مثله في الملاءة، ولو كان المخالع
وليا غير الأب جعله القاضي وصيا حتى يملك
قبولها، وذكر الحاكم حيلة أخرى، وهو أن يقر
الأب
ج / 4 ص -140-
ولو بألف على أنه ضامن طلقت، والألف عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقبض صداقها، ونفقة عدتها ثم يطلقها الزوج
بائنا، وهذا خاص بالأب لصحة إقراره بالقبض
بخلاف سائر الأولياء، ويبرأ الزوج في الظاهر
لإقرار الأب لا في إقرار غيره، ويكتب إقرار
الأب يقبض حقها وطلاق الزوج بائنا. ا ه.
وتعقبه في "جامع الفصولين": بأن الأب إذا كان
كاذبا في الإقرار لم يبرأ الزوج عند الله،
ويحرم عليه فلم تكن هذه الحيلة شرعية، ولذا
قال في الظاهر. ا ه. وفيها أيضا وكلت الصغيرة
بالخلع ففعل الوكيل في رواية يصح، ويتم الخلع،
وله البدل، وفي رواية لا إلا إذا ضمن الوكيل
البدل، وإن لم يضمن الوكيل البدل لا يقع
الطلاق قال لها، وهي صغيرة إن غبت عنك فأمرك
بيدك فطلقي نفسك مني متى شئت بعد أن تبرئي
ذمتي من المهر فوجد الشرط فطلقت نفسها بعدما
أبرأته لا يسقط المهر لعدم صحة إبراء الصغيرة،
ويقع الرجعي لأنه كالقائل لها عند وجود الشرط
أنت طالق على كذا، وحكمه ما ذكرنا. ا ه.
وقيد بالأنثى لأنه لو خلع ابنه الصغير لا يصح،
ولا يتوقف خلع الصغير على إجازة الولي ا ه.
وحاصله: أنه في الصغيرة لا يلزم المال مع
وقوع الطلاق، وفي الصغير لا وقوع أصلا.
"قوله ولو بألف على أنه ضامن طلقت، والألف
عليه" أي على الأب الملتزم
لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح فعلى
الأب أولى، ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل تحت
ولاية الأب فإذا بلغت تأخذ نصف الصداق إن كان
قبل الدخول، وكله إن كان بعده من الزوج، ويرجع
هو على الأب الضامن أو ترجع على الأب، ولا
يرجع هو على الزوج، ولو كان المهر عينا أخذته
من الزوج كله إن كان بعد الدخول، ونصفه إن كان
قبله، ويرجع الزوج على الأب الضامن بقيمته كذا
في "فتح القدير": ، وليس بصحيح لأن هذا حكم ما
إذا خالعها على صداقها على أنه ضامن له فحينئذ
إذا رجعت به على الزوج رجع الزوج به على الأب
لضمانه، والكلام هنا إنما هو فيما إذا خالعها
على الألف على أنه ضامن لها، وحكمه لزوم الألف
عليه للزوج، وإذا رجعت على الزوج بمهرها فلا
رجوع له على أبيها لأنه لم يضمن له الصداق مع
أن جامع الفصولين في مسألة ما إذا خالعها
أبوها على مهرها، وضمنه أنها ترجع على الأب لا
على الزوج هذا لو ضمن مهرها للزوج، وإلا فلا
شك أن المهر لا يسقط بهذا الخلع لصغرها. ا ه.
والظاهر أنها مخيرة إن شاءت على زوجها أو
أبيها، وفي "البزازية": خالعها أبوها أو
أجنبي على صداقها إن ضمن المخالع تم، ووقع
كائنا من كان العاقد، وبعد البلوغ أخذت الزوج
بنصفه لو قبل الدخول، وبكله لو بعده، وقال شمس
الأئمة ترجع به على الأب لا على الزوج. وإذا
لم يضمن الأب لا شك أن الصداق
ج / 4 ص -141-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يسقط، وهل تقع البينونة إن قبلت الصغيرة،
وهي أهل للقبول وقع اتفاقا، وإن لم تقبل إن
كان المخالع أجنبيا، ولم يضمن لا يقع اتفاقا،
وتكلموا أنه هل يتوقف على إجازتها إذا بلغت
قيل لا يتوقف، وإن كان العاقد أبا، ولم يضمن
للزوج قال بكر1 اختلفت المشايخ في الوقوع،
وقال الإمام الحلواني فيه روايتان، وفي حيل
الأصل أنه لا يقع ما لم يضمن الأب الدرك له،
وفي "كشف الغوامض"2 أن الطلاق يقع بقبول الأب
على قول محمد بن سلمة، وإن لم يضمن البدل أي
الصداق، ولا يجب البدل على الأب، ولا عليها،
وعنه أن الخلع واقع بقبول الأب، والبدل عليه،
وإن لم يضمن، وفي طلاق الأصل في خلع الأب على
صداقها قبل الدخول بها أن الخلع جائز، ولها
نصف الصداق، ويضمن الأب للزوج نصف الصداق
قالوا كيف صح الخلع على صداقها، وهو ملكها،
ولا ولاية له في إبطال ملكها، وكيف يصح ضمان
الصداق للزوج، وهو عليه، ولأي معنى يضمن الأب
نصف الصداق للزوجة، وقد ضمن الزوج ذلك لها
أجابوا عن ذلك بأن الخلع لما أضيف إلى مهرها،
وذلك ملكها كان مضافا إلى مالها، والإضافة إلى
مال الغير بأن خالع على عبد إنسان يصح كإضافة
الشراء إلى مال غيره فلما صح إضافة الشراء
فلأن يصح الخلع، وهو أقرب إلى الجواز أولى لكن
في باب الشراء يجب تسليم البدل على العاقد.
وفي الخلع لا يجب إلا بضمان لرجوع الحقوق إلى
من يقع له العقد غير أنه إذا ضمن رجع إليه
الحقوق بالضمان فإذا خلع، وضمن صح، وضمن
البدل، ووقع الطلاق بقبوله، ووجب نصف المهر،
وسقط النصف، ويجب للزوج على الأب نصفه بضمانه
تسليم كل المهر إلى الزوج، وإن كانت مدخولة
فلها جميع المهر عليه، والأب يضمن للزوج كله
لأنه ضمن تسليم الكل فلم يقدر فيضمن مثله اه.
ولا فرق في حكم ضمانه بين الصغيرة، والكبيرة
التي لم تأذن له، ولكن إذا أجازته وقع، وبرئ
من الصداق، واعتبر هذا الخلع معاوضة بين
الزوج، والمخالع وطلاقا بلا بدل في حقها فإذا
بلغ الخبر إليها فأجازت نفذ عليها، وبرئ
الزوج، وإن لم تجز رجعت عليه بمهرها، والزوج
يرجع على الأب بحكم الضمان، وتقدير هذا الخلع
كأن المخالع قال له إذا بلغها الخبر، وأجازت
كان البدل عليها، وإن لم تجزه فالبدل على ما
يجب على الأب من الضمان إنما يجب بالعقد لا
بحكم الكفالة كذا في "البزازية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله بكر بن محمد بن علي بن الفضل، الإمام
المتقن الذي يضرب به المثل في حفظ المذهب ولد
سنة سبع وعشرين وأربعمائة ه، أخذ الفقه عن شمس
الأئمة الحلواني، توفي سنة وخمسمائة ه. ا ه
الفوائد البهية "56".
2 وهو في الفروع لأبي جعفر الهندواني الفقيه،
ذكر فيه بعض ما أورده محمد في "الجامع"
الصغير، توفي سنة ثلاثة وستين وتسعمائة ه. اه.
"كشف الظنون" "2/1493".
ج / 4 ص -142-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولذا قال في "فتح القدير": ": المراد
بالضمان/ هنا التزام المال لأن اشتراط بدل
الخلع على الأجنبي صحيح بخلاف بدل العتق لا
يجوز اشتراطه على الأجنبي لأنه يحصل به للعبد
ما لم يكن حاصلا له، وهو إثبات الأهلية، وهو
القوة عن ذلك الإسقاط بخلاف إسقاط الملك في
الخلع لا يحصل عنه للمرأة ما لم يكن حاصلا
قبله فصار الأب والأجنبي مثلها فإنه لم يحصل
له شيء بخلاف العبد فإنه حصل له ما ذكرنا،
والعوض لا يجب على غير من يحصل له المعوض فصار
كثمن المبيع إلا أن البيع يفسد بالشروط
الفاسدة، والخلع لا يفسد بها ا ه. وبهذا علم
الفرق بين ما يصح التزامه، وما لا يصح، ومن
صور الالتزام أيضا ما في جامع الفصولين لو زوج
الأب بنته الكبيرة فطلبوا منه وقت الدخول أن
يهب للزوج شيئا من مهرها ينبغي أن يهب بإذنها،
وأن يضمن للزوج عنها فيقول إن أنكرت هي الإذن
بالهبة، وغرمتك ما وهبته، وأنا ضامن ما وهبته،
ويصح هذا الضمان لإضافته إلى سبب الوجوب لأن
من زعم الأب، والزوج أنها كاذبة في الإنكار،
وأن ما أخذته دين عليها للزوج فالأب ضمن بدين
واجب فصح. ا ه. والظاهر من آخر كلامه أن
الضمان هنا بمعنى الكفالة لا التزام المال
ابتداء كما لا يخفى.
وأشار بقوله لم يجز عليها إلى أن الأب فضولي
في خلع الصغيرة فيستفاد منه جواز خلع الفضولي
وحاصله كما في "المحيط": أن المتعاقدين من
يدخلان تحت حكم الإيجابين، وإن كان المخاطب في
الخلع المرأة فالمعتبر قبولها سواء كان البدل
مبهما أو معينا أضاف البدل إلى نفسه أو لم
يضفه لأنها هي العاقدة، وإن كان المخاطب هو
الأجنبي إن أضاف البدل إلى نفسه فالمعتبر
قبوله لأنه التزام تسليم ذلك من ملكه، وإن لم
يضفه إلى نفسه، ولا إلى أحد فالمعتبر قبولها
لأنها الأصل فيه فلو قال أجنبي للزوج اخلع
امرأتك على هذه الدار، وهذه الألف فالقبول إلى
المرأة، ولو قال على عبدي هذا، وألفي هذه ففعل
وقع الخلع لأنه هو العاقد لما أضاف المال إلى
نفسه. ولو قال لها الزوج خلعتك على دار فلان
فالقبول إليها، ولو قال لصاحب العبد خلعت
امرأتي بعبدك، والمرأة حاضرة فالقبول لصاحب
العبد، ولو قال رجل للزوج اخلعها على ألف فلان
هذا أو على عبد فلان أو على ألف على أن فلانا
ضامن لها فالقبول لفلان، ولو قالت اخلعني على
ألف على أن فلانا ضامن له ففعل وقع الخلع، وإن
ضمن فلان أخذ الزوج من أيهما شاء، وإلا فمنها
فقط. ا ه.
وفي "البزازية": الخلع إذا جرى بين الزوج
والمرأة فإليها القبول كان البدل مرسلا أو
مطلقا أو مضافا إلى المرأة أو الأجنبي إضافة
ملك أو ضمان، ومتى جرى بين الأجنبي والزوج
فمتى كان البدل مرسلا فالقبول إليها، وإن أضيف
إلى الأجنبي إضافة ملك أو ضمان فإلى الأجنبي/
لا إلى
ج / 4 ص -143-
المرأة
ا ه. وأما الوكيل به فقال في "الخانية": وكيل
المرأة بالخلع إذا قبل الخلع يتم الخلع، وهل
يطالب الوكيل ببدل الخلع، والمسألة على وجهين
إن كان الوكيل أرسل البدل إرسالا بأن قال
للزوج اخلع امرأتك بألف درهم أو على هذه
الألف، وأشار إلى ألف للمرأة كان البدل على
المرأة، ولا يطالب به الوكيل، وإن أضاف الوكيل
البدل إلى نفسه إضافة ملك أو ضمان بأن قال
اخلع امرأتك على ألفي هذه أو على هذه الألف،
وأشار إلى نفسه أو على ألف على أني ضامن كان
البدل على الوكيل، ولا تطالب به المرأة،
وللوكيل أن يرجع على المرأة قبل الأداء،
وبعده. وإن لم تكن المرأة أمرته بالضمان بخلاف
الوكيل بالنكاح من قبل الزوج إذا ضمن المهر
للمرأة، ولم يكن الضمان بأمر الموكل فإنه لا
يرجع على الموكل. ا ه. ولا ينفرد أحد الوكيلين
به بخلاف الطلاق، والوكيل بالطلاق لا يملك
الخلع، والطلاق على مال إن كانت مدخولة على
الصحيح لأنه خلاف إلى شر بخلاف غيرها فإنه إلى
خير، ولو زعم رجل أنه وكيلها بالخلع فخالعها
معه على ألف ثم أنكرت المرأة التوكيل فإن ضمن
في الفضولي المال للزوج وقع الطلاق، وعليه
المال، وإلا إن لم يدع الزوج التوكيل لم يقع،
وإن ادعاه وقع، ولا يجب المال كذا في
"المحيط"، ولو، وكله بأن يخالعها بعد شهر فمضت
المدة، ولم يخالعها الوكيل لا يجبر الوكيل على
الخلع، وإن طلبت المرأة، وبمضي المدة لا ينعزل
الوكيل.
وذكر الإمام محمد أن توكيل الصبي، والمعتوه عن
البالغ العاقل بالخلع صحيح الواحد لا يصلح في
الخلع وكيلا من الجانبين بأن، وكلت رجلا
بالخلع فوكله الزوج أيضا سواء كان البدل مسمى
أو لا، وعن محمد أنه يصح كذا في "البزازية"،
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
9- باب الظهار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9- باب الظهار
هو في اللغة مصدر ظاهر امرأته إذا قال لها أنت
علي كظهر أمي كذا في الصحاح و"المغرب"، وفي
"المصباح" قيل إنما خص ذلك بذكر الظهر؛ لأن
الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة
وقت الغشيان فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة
ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع
وهو استعارة لطيفة فكأنه قال: ركوبك للنكاح
حرام علي وكان الظهار طلاقا في الجاهلية فنهوا
عن الطلاق بلفظ الجاهلية وأوجب عليهم الكفارة
تغليظا في النهي ا ه.
ج / 4 ص -144-
هوتشبيه المنكوحة بمحرمة عليه على التأبتد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمذكور في كتب الشافعية أنه كان طلاقا في
الجاهلية يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه، وفي
الشريعة ما ذكره بقوله:
"هو تشبيه المنكوحة بمحرمة عليه على التأبيد"
أراد بالمنكوحة ما يصح إضافة الطلاق إليه من
الزوجة وهو أن يشبهها أو عضوا منها يعبر به
عنها أو جزءا شائعا منها لما سيأتي وأراد
بالمشبه به عضوا يحرم إليه النظر من عضو محرمة
عليه على التأبيد لما سنذكره أيضا، وأراد
بالزوج المسلم؛ لأنه لا ظهار للذمي عندنا
وأطلقه فشمل السكران والمكره والأخرس بإشارته
كما في "التتارخانية": وقيد بالمنكوحة
احترازا عن الأمة والأجنبية على ما سيصرح به
ولم يقيدها بشيء ليشمل المدخولة وغيرها
الكبيرة والصغيرة الرتقاء وغيرها العاقلة
والمجنونة المسلمة والكتابية وقيد بالتأبيد؛
لأنه لو شبهها بأخت امرأته لا يكون مظاهرا؛
لأن حرمتها مؤقتة بكون امرأته في عصمته. وكذا
المطلقة ثلاثا.
وأطلق الحرمة فشمل الحرمة نسبا وصهرية ورضاعا
وأراد بالتأبيد تأبيد الحرمة باعتبار وصف لا
يمكن زواله باعتبار وصف يمكن زواله فإن
المجوسية محرمة على التأبيد، ولو قال كظهر
مجوسية لا يكون ظهارا ذكره في جوامع الفقه؛
لأن التأبيد باعتبار دوام الوصف وهو غير لازم
لجواز إسلامها بخلاف الأمية والأختية وغيرهما
كذا في "فتح القدير".
والتحقيق أن حرمة المجوسية ليست بمؤبدة بل هي
مؤقتة بإسلامها أو بصيرورتها كتابية فلا حاجة
إلى ما ذكره كما لا يخفى، ولذا علل في
"المحيط": بأنها ليست بمحرمة على التأبيد وضم
إلى المجوسية المرتدة وشمل كلامه التشبيه
الصريح والضمني1 فدخل ما لو ظاهر من امرأته ثم
قال للأخرى: أنت علي مثل هذه ينوي الظهار
فإنه يكون مظاهرا ولو بعد موتها وبعد التكفير
باعتبار تضمن قوله لها أنت علي كظهر أمي
فالتشبيه فيها باعتبار خصوص وجه الشبه المراد
لا باعتبار نفس التشبيه بها. وكذا لو كانت
امرأة رجل آخر ظاهر زوجها منها فقال: أنت علي
مثل فلانة ينوي ذلك صح ولو كان بعد موتها،
وكذا لو ظاهر من امرأته ثم قال لأخرى: أشركتك
في ظهارها.
فالحاصل: أن حقيقة الظهار الشرعي تشبيه
الزوجة أو جزء شائع منها أو ما يعبر به عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو تشبيه لا يؤتى فيه بالمشبه والمشبه به
بصورة من صوره المعروفة وإنما يلمحان في
التركيب، وهذا النوع يؤتى به ليفيد أن الحكم
الذي أسند إلى الشبع ممكن نحو:
من يهن يسهل الهوان عليه
مالجرح بميت إيلام
اه التلاغة الواضحة "46-47".
ج / 4 ص -145-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على
التأبيد كذا قالوا، ولو قالوا من محرم دون
محرمة صفة لشخص المتناول للذكر والأنثى لكان
أولى؛ لأنه لو قال: أنت علي كفرج أبي أو
قريبي كان مظاهرا؛ إذ فرجهما في الحرمة كفرج
أمه كذا في "المحيط": وينبغي عدم التقييد
بالأب والقريب؛ لأن فرج الرجل الأجنبي محرم
على التأبيد أيضا.
وأشار بقوله بمحرمة إلى أن المشبه الرجل؛ لأنه
لو كان امرأة بأن قالت: أنت علي كظهر أمي أو
أنا عليك كظهر أمك فالصحيح كما في "المحيط":
أنه ليس بشيء فلا حرمة ولا كفارة ومنهم من
أوجب عليها الكفارة ثم اختلفوا هل هي كفارة
يمين أو ظهار ورجح ابن الشحنة أنها كفارة يمين
وذكر ابن وهبان تفريعا على القول بوجوب
الكفارة أنها تجب بالحنث إن كانت كفارة يمين
وإن كانت كفارة ظهار فإن كان تعليقا يجب متى
تزوجت به وإن كانت في نكاحه تجب للحال ما لم
يطلقها؛ لأنه لا يحل لها العزم على منعه من
الجماع. اه.
وفي "الخانية": ولو شبهها بمزنية الأب أو
الابن قال محمد لا يكون ظهارا، وقال أبو
يوسف: يكون ظهارا وهو الصحيح، ولو شبهها بأم
امرأة أو ابنة امرأة قد زنى بها يكون ظهارا. ا
ه.
ولو قبل أجنبية بشهوة ثم شبه زوجته بابنتها لم
يكن مظاهرا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي
يوسف كذا في "الولوالجية" فلذا زاد في
"النهاية" لفظة اتفاقا في التعريف وتبعه
الشارح وغيره وما في "الدراية" أنه لو شبهها
بأم امرأة زنى بها أبوه أو ابنه كان مظاهرا
مشكل؛ لأن غايته أن تكون كأم زوجة أبيه أو
ابنه وهي حلال كذا في "فتح القدير": والظاهر
أنه سبق قلم، وقد ظهر لي أنه لا حاجة إلى قيد
الاتفاق، أما في تشبيهها بمزنية الأب أو الابن
فقد علمت أنه يكون مظاهرا على الصحيح مع أنه
لا اتفاق على تحريمها لمخالفة الشافعي، وأما
في مسألة تشبيهها بابنة المقبلة بشهوة فلأن
حرمة البنت عليه ليست مؤبدة لارتفاعها بقضاء
الشافعي بحلها كما في "المحيط": فارقا بين
التقبيل والوطء بأن حرمة الوطء منصوص عليها
فلم ينفذ قضاء الشافعي بحل أصول المزنية
وفروعها بخلاف التقبيل وعلى هذا لو شبهها
بالملاعنة لا يكون مظاهرا؛ لأن حرمتها موقتة
بتكذيبه نفسه. ولو شبهها بالأخت من لبن الفحل
لا يكون مظاهرا؛ لأن حرمتها مؤقتة بقضاء
الشافعي بحلها فهي كالمقبلة وبهذا التقرير إن
شاء الله تعالى استغنى عما في "فتح القدير":
وأطلق في التشبيه فشمل المعلق ولو بمشيئتها
كالطلاق والموقت كأنت علي كظهر أمي يوما أو
شهرا فإن أراد قربانها في ذلك الوقت فإنه لا
يجوز بغير كفارة ويرتفع الظهار بمضي الوقت كما
في "الخانية".
ج / 4 ص -146-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قال لها: أنت علي كظهر أمي كل يوم فهو
ظهار واحد، ولو قال: في كل يوم، تجدد الظهار
كل يوم، فإذا مضى يوم بطل ظهار ذلك اليوم وكان
مظاهرا منها في اليوم الآخر وله أن يقربها
ليلا، ولو قال لها: أنت علي كظهر أمي اليوم
وكلما جاء يوم كان مظاهرا منها اليوم وإذا مضى
بطل هذا الظهار وله أن يقربها في الليل، فإذا
جاء غد كان مظاهرا ظهارا آخر دائما غير موقت،
وكذا كلما جاء يوم صار مظاهرا ظهارا آخر مع
بقاء الأول، وإذا قال: أنت علي كظهر أمي
رمضان كله ورجب كله فكفر في رجب سقط ظهار رجب
وظهار رمضان استحسانا والظهار واحد وإن كفر في
شعبان لم يجز أنت علي كظهر أمي إلا يوم الجمعة
ثم كفر إن كفر في يوم الاستثناء لم يجز وإلا
يجوز أنت علي كظهر أمي إلى شهر لا يكون مظاهرا
قبله كذا في "التتارخانية": وغيرها وفيها عن
أبي يوسف أنت علي كظهر أمي إذا جاء غد كان
باطلا، ولو قال: أنت علي كظهر أمي أمس كان
باطلا ا ه.
والفرعان مشكلان، لأن الأول من قبيل إضافة
الظهار أو تعليقه ا ه. وهما صحيحان كما قدمناه
وقد صرح بهما في "البدائع" والثاني ينبغي أن
يكون كالطلاق إن كان نكحها قبل أمس كان مظاهرا
الآن وإن كان نكحها اليوم كان لغوا.
والحاصل: أن هنا أربعة أركان: المشبه
والمشبه والمشبه به وأداة التشبيه. أما
الأول: وهو المشبه وهو بكسر الباء فهو الزوج
البالغ العاقل المسلم وزاد في "التتارخانية":
العالم ولا يخفى ما فيه. وأما الثاني: وهو
المشبه بفتح الباء المنكوحة أو عضو منها يعبر
به عن كلها أو جزء شائع. وأما الثالث: وهو
المشبه به عضو ولا يحل النظر إليه من محرمة
عليه تأبيدا، وأما الرابع وهو الدال عليه وهو
ركنه وهو صريح وكناية فالصريح أنت علي كظهر
أمي ومني وعندي ومعي كعلي ولم أر حكم ما إذا
قال: أنت علي كظهر أمي بدون إضافة له وينبغي
أن لا يكون مظاهرا لاحتمال أنه قصد أنها كظهر
أمه على غيره وأنا منك مظاهر وظاهرت منك من
الصريح.
وفي "التتارخانية": وعن أبي يوسف لو قال:
أنت مني مظاهرة أنه يكون باطلا وشرطه في
المرأة كونها زوجة، ولو أمة فلا يصح من أمته
ولا من مبانته ولا من أجنبية إلا إذا أضافه
إلى التزوج كما سيأتي، وفي الرجل كونه من أهل
الكفارة فلا يصح من ذمي وصبي ومجنون؛ لأن
الكافر ليس من أهل الكفارة.
في "التتارخانية": يلزم الذمي كفارة الظهار
إذا ظاهر، وفي صحته عن أبي يوسف نظر إنما
ج / 4 ص -147-
حرم الوطء ودواعيه، بأنتِ عليَّ كظهرأمي حتي
يكفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقله المشايخ عن الشافعي. والحاصل: أنه تعالى
قيد بقوله منكم في الآية الأولى وهو قوله
تعالى
{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ
نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ
أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ
وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ
الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ
غَفُورٌ} [المجادلة: 2]. ولما شرع في بيان الكفارة لم يقيده بقوله منكم
فقال
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}
[المجادلة: 3] لكن لما لم يكن أهلا للكفارة
لم يصح ظهاره قال بعضهم: والعجب من الشافعي
أنه قيد الرقبة بالإيمان ولم يجوز أن يملك
الكافر المؤمن وصحح ظهاره فكان تناقضا ورده
بعض الشافعية بأنا عينا لكفارته الإطعام ولا
يلزم من صحة الظهار أن يكون المظاهر أهلا لكل
الأنواع بدليل أن ظهار العبد صحيح عندنا مع
أنه ليس أهلا لغير الصوم، ولو ظاهر المسلم ثم
ارتد والعياذ بالله تعالى بقي ظهاره عند أبي
حنيفة حتى لو أسلم لا يحل القربان إلا
بالكفارة وعندهما لا يبقى؛ لأن المرتد ليس
أهلا لحكمه وهو الكفارة وله أن الحال حال بقاء
حكمه وهو الحرمة لا حال الانعقاد والكفر ليس
بمناف للحرمة وحكمه حرمة الوطء ودواعيه إلى
غاية الكفارة.
"قوله حرم الوطء ودواعيه بأنت علي كظهر أمي
حتى يكفر" أما حرمة الوطء
فبالكتاب والسنة، وأما حرمة الدواعي فلدخولها
تحت النص المفيد لحرمة الوطء وهو قوله تعالى
{مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}؛
لأنه لا موجب فيه للحمل على المجاز وهو الوطء
لإمكان الحقيقة ويحرم الجماع؛ لأنه من أفراد
التماس فيحرم الكل بالنص كذا في "فتح القدير":
، وقد يقال إن الموجب للحمل على المجاز موجود
وهو صدق التماس على المس بغير شهوة وليس بمحرم
اتفاقا فالتحقيق خلاف ما زعم أنه التحقيق وهو
أن الأصل أن الوطء إذا حرم حرم ما كان داعيا
إليه؛ لأن طريق المحرم محرم وقد استمر هذا في
الاستبراء والإحرام والاعتكاف وخرج في الصوم
والحيض عن هذا الأصل لنص صريح وهو أنه عليه
السلام "كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان
يقبلها وهي حائض" وحكمته لزوم الحرج لو حرمت
الدواعي في الصوم والحيض لكثرة وقوعهما بخلاف
غيرهما. وعن محمد للمظاهر تقبيلها إذ قدم من
سفره بغير شهوة للشفقة والدواعي المباشرة
والتقبيل واللمس عن شهوة والنظر إلى فرجها
بشهوة كما في "البدائع" ولا يدخل فيها النظر
إليها بشهوة.
وفي "التتارخانية": ولا يحرم النظر إلى ظهرها
وبطنها ولا إلى الشعر والصدر، وفي "الهداية"
أن اللفظ الصريح أعني أنت علي كظهر أمي لا
يكون إلا ظهارا، ولو نوى به الطلاق لا يصح؛
لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به وهو يقتضي
أن الظهار كان طلاقا في الإسلام حتى يوصف
ج / 4 ص -148-
فلو وطىء قبله استغفر ربه فقط، وعوده عزمه على
وطئها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسخ مع أنه قال أولا إنه كان طلاقا في
الجاهلية وهو يقتضي إن جعله ظهارا ليس ناسخا
ولم أر أحدا من شراحها تعرض لذلك، وذكر الإمام
فخر الدين الرازي في "التفسير الكبير" البحث
الثاني أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية؛
لأنه في التحريم أوكد ما يمكن فإن كان ذلك
الحكم مقررا في الشرع كانت الآية ناسخة له
وإلا لم يعد ناسخا في الشرع إلا في عادة
الجاهلية لكن الذي روي أنه عليه السلام قال
لها: "حرمت أو ما أراك إلا قد حرمت عليه"1
كالدلالة على أنه كان شرعا فأما ما روي أنه
توقف في الحكم فلا يدل على ذلك ا ه.
وأشار المصنف إلى أن هذه الحرمة لا ترتفع إلا
بالكفارة فلا يبطل الظهار بزوال ملك النكاح
ولا ببطلان حل المحلية حتى لو ظاهر منها ثم
طلقها بائنا ثم تزوجها لا يحل له وطؤها حتى
يكفر، وكذا إذا كانت زوجته أمة وظاهر منها ثم
اشتراها، وكذا إذا كانت حرة فارتدت والعياذ
بالله تعالى عن الإسلام ولحقت بدار الحرب
فسبيت ثم اشتراها، وفي "المحيط": أسلم زوج
المجوسية فظاهر منها قبل عرض الإسلام عليها صح
لكونه من أهل الكفارة ا ه. قالوا وللمرأة أن
تطالبه بالوطء وعليها أن تمنعه من الاستمتاع
بها حتى يكفر وعلى القاضي أن يجبره على
التكفير دفعا للضرر عنها بحبس فإن أبى ضربه
ولا يضرب في الدين، ولو قال قد كفرت صدق ما لم
يعرف بالكذب، وفي "التتارخانية": إذا أبى عن
التكفير عزره بالضرب والحبس إلى أن يكفر أو
يطلق.
ثم اعلم أن تعليقه بمشيئة الله تعالى تبطله،
ولو قال إن شاء فلان فالمشيئة إليه.
"قوله فلو وطئ قبله استغفر ربه فقط"
أي: لو وطئ قبل التكفير لا يجب عليه كفارة
لأجل الوطء والواجب الكفارة الأولى لما رواه
الترمذي في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال
"كفارة واحدة"2. وأما الاستغفار فمنقول في
الموطإ من قول مالك3 والمراد منه التوبة من
هذه المعصية وهي حرمة الوطء قبل الكفارة.
"قوله وعوده عزمه على وطئها"
أي: عود المظاهر المذكور في الآية عزمه على
وطء المظاهر منها وهو بيان لسبب وجوب الكفارة
وقد اختلف فيه أصحابنا على أقوال محكية في
"البدائع"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن سعد في طبقاته "8/276". وذكره
السيوطي في "الدر المنثور" "6/180".
2 أخرجه الترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في
المظاهر يواقع قبل أن يكفر "1198" ومالك في
الموطأ، كتاب الطلاق، باب ظهار الحر "560".
وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب المظاهر يجامع
قبل أن يكفر "2064".
3 ذكره مالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب ظهار
الحر "560".
ج / 4 ص -149-
وبطنها، وفخذها، وفرجها كظهرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالعامة على أن السبب مجموع الظهار والعود؛
لأنه المذكور قبل فاء السببية ولأن الكفارة
دائرة بين العقوبة والعبادة فلا بد أن يكون
سببها دائرا بين الحظر والإباحة حتى تتعلق
العقوبة بالمحظور وهو الظهار والعبادة بالمباح
وهو العزم على وطئها؛ لأنه نقض للمنكر وقيل
الظهار سبب للإضافة والعود شرط وقيل عكسه وقيل
هما شرطان والسبب أمر ثالث وهو كون الكفارة
طريقا متعينا لإيفاء حقها وكونه قادرا على
إيفائه قيل كل منهما شرط وسبب ومن جعل السبب
العزم أراد به العزم المؤكد حتى لو عزم ثم بدا
له أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم
المؤكد لا أنها وجبت بنفس العزم ثم سقطت كما
قال بعضهم؛ لأن الكفارة بعد سقوطها لا تعود
إلا بسبب جديد كذا في "البدائع" لكن أورد على
من جعل العود وحده سببا أن الحكم يتكرر بتكرر
سببه لا شرطه والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا
العزم وأنه لو قدمها على العزم صح، ولو كان
سببا لم يصح ولكن دفع الثاني بأنها إنما وجبت
لرفع الحرمة الثابتة في الذات فتجوز بعد
ثبوتها كما قلنا في الطهارة إنها جائزة قبل
إرادة الصلاة مع أنها سببها؛ لأنها شرعت لرفع
الحدث فتجوز بعد وجوده وأورد على من جعله
الظهار فقط أن السبب ما دار بين محظور ومباح
وهو محظور فقط فلا يصلح للسببية وسنجيب عنه في
الكفارة ولم يظهر لي ثمرة الاختلاف بين
الأقوال لاتفاقهم على جواز التكفير بعد الظهار
قبل العزم وعلى عدمه قبل الظهار وعلى تكررها
بتكرر الظهار وإن لم يتكرر العزم وعلى أنه لو
عزم ثم ترك فلا إثم وعلى عدم الكفارة لو
أبانها بعده وبعد العزم. ومراد المشايخ من
قولهم العزم على وطئها العزم على استباحة
وطئها لا العزم على نفس الوطء؛ لأنهم قالوا
المراد في الآية
{ثُمَّ يَعُودُونَ} بنقض ما قالوا ورفعه وهو إنما يكون باستباحتها بعد تحريمها لكونه
ضدا للحرمة لا نفس وطئها ولقد أبعد من قال إن
المراد تكرار الظهار؛ لأنه لو كان كذلك لقال
تعالى ثم يعيدون ما قالوا من الإعادة لا من
العود وتمام تحقيقه في "التفسير الكبير"
للإمام فخر الدين.
"قوله وبطنها وفخذها وفرجها كظهرها"
أي: الأم وهي المشبه به وقدمنا أن المعتبر
فيه عضو لا يحل النظر إليه من محرمة تأبيدا
وهذه الأعضاء كذلك فخرج عضو يحل النظر إليه
كاليد والرجل والجنب فلا يكون ظهارا.
وفي "الخانية": أنت علي كركبة أمي في القياس
يكون مظاهرا ولو قال فخذك كفخذ أمي لا يكون
مظاهرا ا ه. لفقد الشرط في الثانية من جهة
المشبه.
ج / 4 ص -150-
وأخته وعمته وأمه رضاعاً كأمه، ورأسك وفرجك
ووجهك ورقبتك ونصفك، وثلثك كأنت، وإن نوى بأنت
عليّ مثل أمي براً، أوظهاراً، طلاقاً، فكما
نوى وإلا لغا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله وأخته وعمته وأمه رضاعا كأمه"
أي: نسبا لما قدمنا أن المعتبر في المشبه به
كونها محرمة تأبيدا نسبا أو صهرا أو رضاعا
فخرج من لا تحرم تأبيدا كأخت امرأته وعمتها
وخالتها والمرتدة والمجوسية والملاعنة
والمقبلة حراما والمطلقة ثلاثا والأخت رضاعا
من لبن الفحل خاصة كأن رضع على امرأة لها لبن
من زوج له بنت من غير المرضعة فإن الرضيع بعد
بلوغه إذا شبه امرأته بهذه البنت لا يكون
مظاهرا، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم وما في
"الدراية" معزيا إلى شرح القدوري لو شبهها بأم
امرأة زنى بها أبوه أو ابنه كان مظاهرا غلط؛
لأن غايته أن تكون كأم زوجة أبيه أو ابنه وهي
حلال والتعبير بالغلط أولى من قوله في "فتح
القدير": مشكل؛ لأنه لا يقال إلا فيما يمكن
تأويله، وهذا ليس كذلك.
وفي "البزازية": من فصل الخلوة خلا بامرأة ثم
قال لزوجته أنت علي كظهر أم تلك المرأة لا
يكون مظاهرا والمراد خلا بامرأة أجنبية لا
بزوجته؛ لأن أمها حرام بالعقد تأبيدا.
"قوله ورأسك ووجهك وفرجك ورقبتك ونصفك وثلثك
كانت" يعني أن المعتبر في
المشبه أن يذكر ذاتها أو جزءا شائعا منها أو
عضوا يعبر به عن كلها وضابطه ما صح إضافة
الطلاق إليه كان مظاهرا به فخرج اليد والرجل
فلو قال: بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرا
لانتفاء الشرط من جهة المشبه، وفي "الخانية":
رأسك كرأس أمي لا يكون مظاهرا ا ه. للانتفاء
من جهة المشبه به.
"قوله وإن نوى بأنت علي مثل أمي برا أو ظهارا
أو طلاقا فكما نوى وإلا لغا"
بيان للكنايات فمنها أنت علي مثل أمي أو كأمي
فإن نوى الكرامة قبل منه؛ لأنه مستعمل فيه
فالتقدير أنت عندي في الكرامة كأمي وإن نوى
الظهار كان ظهارا بكونه كناية فيه.
وأشار إلى أن صريحه لا بد فيه من ذكر العضو
فحينئذ لا يحتاج إلى النية ولا تصح فيه نية
الطلاق والإيلاء؛ لأنها تغيير للمشروع وإذا
نوى الطلاق في مسألة الكتاب كان بائنا كلفظ
الحرام وإن لم ينو شيئا كان باطلا ولم يتعرض
لنية الإيلاء به للاختلاف فأبو يوسف جعله
إيلاء؛ لأنه أدنى من الظهار ومحمد جعله ظهارا
نظرا إلى أداة التشبيه وصحح أنه ظهار عند
الكل؛ لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه، وذكر علي ليس
بشرط في مسألة الكتاب؛ إذ أنت مثل أمي كذلك
كما في "الخانية".
ج / 4 ص -151-
وبأنت عليّ حرام كأمّي ظهاراً، أو طلاقاً فكما
نوى، وبأنت عليّ حرام كظهر أمّي طلاقاً، أو
إيلاء فظهار، ولا ظهار إلامن زوجته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بالتشبيه؛ لأنه لو خلا عنه بأن قال: أنت
أمي لا يكون مظاهرا لكنه مكروه لقربه من
التشبيه وقياسا على قوله "يا أخية"1 المنهي
عنه في حديث أبي داود المصرح بالكراهة ولولا
التصريح بها لأمكن القول بالظهار فعلم أنه لا
بد في كونه ظهارا من التصريح بأداة التشبيه
شرعا ومثله قوله يا بنتي يا أختي ونحوه.
"قوله وبأنت علي حرام كأمي ظهارا أو طلاقا
فكما نوى"؛ لأنه لما زاد على
المثال الأول لفظة التحريم امتنع إرادة
الكرامة وصحت نية الظهار والطلاق ولم يبين ما
إذا لم ينو شيئا للاختلاف فمحمد جعله ظهارا
وأبو يوسف إيلاء والأول أوجه.
"قوله وبأنت علي حرام كظهر أمي طلاقا أو إيلاء
فظهار"؛ لأنه لما زاد على
المثال الثاني لفظة الظهار كان صريحا فيه فكان
مظاهرا سواء نواه أو نوى الطلاق أو الإيلاء أو
لم تكن له نية.
"قوله ولا ظهار إلا من زوجته"
أي: ابتداء أطلقها فشملت الحرة والأمة
والمدبرة وأم الولد أو بنتها أو مكاتبة أو
مستسعاة فلا يصح من أمته موطوءة كانت أو غير
موطوءة قنة أو مدبرة أو أم ولد أو ابنتها أو
مكاتبة أو مستسعاة؛ لأن النص لم يتناولها؛ لأن
حقيقة إضافة النساء إلى رجل أو رجال إنما
تتحقق مع الزوجات؛ لأنه المتبادر حتى صح أن
يقال هؤلاء جواريه لا نساؤه ولهذا لم تدخل في
نص الإيلاء أيضا ولا في قوله
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} حتى لا تحرم عليه أم أمته قبل وطء أمته واستدل الإمام الرازي في
"تفسيره" على عدم دخول الإماء تحت نسائنا
بقوله تعالى
{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 30] والمراد منه الحرائر ولولا ذلك لما صح عطف قوله تعالى
{أو ما ملكت
أيمانهن}؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه ا ه.
قيدنا بالابتداء؛ لأنه في البقاء لا يحتاج إلى
كونها زوجة كما قدمنا أنه لو ظاهر من زوجته
الأمة ثم ملكها بقي الظهار وكما خرجت الأمة
خرجت الأجنبية والمبانة حتى لو علق الظهار
بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصير
مظاهرا بخلاف الإبانة المعلقة، والفرق في
"البدائع".
وحاصله: أن وقت وجود الشرط صادق في التشبيه
فلا ظهار، وأما في الطلاق ففائدة وقوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب في الرجل
يقول لامرأته: يا أختي "2210". البيهقي، كتاب
الخلع والطلاق، باب الرجل يقول لامرأته يا
أختي ما يكره من ذلك "7/366".
ج / 4 ص -152-
فلو نكح امرأة بعير أمرها فظاهر منها، فأجازته
بطل. أنتن عليّ كظهر أمي ظهار منهن، وكفر
لكلٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعلق بعد تقدم الإبانة تنقيص العدد وتصح
إضافته إلى الملك أو سببه كالطلاق بأن قال إن
تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فإن نكحها كان
مظاهراً.
وفي "التتارخانية": لو قال: إذا تزوجتك فأنت
طالق ثم قال: إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي
فتزوجها يكون مظاهرا ومطلقا جميعا، ولو قال:
إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي
فتزوجها يقع الطلاق ولا يلزم الظهار في قول
أبي حنيفة وقال صاحباه لزماه جميعا، ولو قال
لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة
مرة فعليه لكل مرة كفارة ا ه.
"قوله فلو نكح امرأة بغير أمرها فظاهر منها
فأجازته بطل"؛ لأنه صادق في
التشبيه في ذلك الوقت ولا يتوقف على الإجازة
كالنكاح؛ لأن الظهار ليس بحق من حقوقه حتى
يتوقف بتوقفه بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب
فإنه يتوقف لتوقف الملك وينفذ بنفاذه كما
أفاده المصنف في البيوع بقوله وصح عتق مشتر من
غاصب بإجازة بيعه؛ لأن الإعتاق حق من حقوق
الملك بمعنى أنه إذا ملك العبد ثبت له حق أن
يعتقه ما في "فتح القدير" ويرد عليه الطلاق
فإنه على هذا التفسير من حقوق النكاح بمعنى
أنه إذا نكحها ثبت له حق أن يطلقها فيقتضي أنه
لو طلقها في النكاح الموقوف توقف بتوقفه ونفذ
بنفاذه مع أن المصرح به في جامع الفصولين أنه
لو طلقها ثلاثا في النكاح الموقوف لم تحرم
عليه ولا تقبل الإجازة وصار مردودا ولهذا فسر
كون الإعتاق من حقوق الملك بكونه منهيا له في
"العناية"، وهذا لا يرد عليه الطلاق.
"قوله أنتن علي كظهر أمي ظهار منهن"؛
لأنه أضاف الظهار إليهن فكان كإضافة الطلاق
إليهن.
"قوله وكفر لكل" أي: لزمه
الكفارة لكل واحدة إذا عزم على وطئها؛ لأن
الكفارة لرفع الحرمة وهي تتعدد بتعددهن وإنما
قال وكفر لكل ولم يكتف بقوله كان مظاهرا منهن؛
لأن مالكا وأحمد قالا يكون مظاهرا من الكل
ولكن اكتفيا بكفارة واحدة قيد بالظهار؛ لأنه
لو آلى منهن كان موليا منهن وعليه كفارة
واحدة؛ لأنها في الإيلاء تجب لهتك حرمة اسم
الله تعالى وهو ليس بمتعدد وأشار إلى أنه لو
ظاهر من امرأته مرارا في مجلس أو مجالس فعليه
لكل ظهار كفارة إلا أن ينوي به الأول كما ذكره
الإسبيجابي وغيره، وفي بعض الكتب فرق بين
المجلس والمجالس والمعتمد الأول وقدمنا في باب
التعليق عن "البزازية": أن الظهار كالطلاق
والعتاق متى علق بشرط متكرر فإنه يتكرر كما لو
قال: كلما دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي
يتكرر الظهار بتكرر الدخول بخلاف اليمين والله
أعلم.
ج / 4 ص -153-
فصل في الكفارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الكفارة
من كفر الله عنه الذنب محاه ومنه الكفارة؛
لأنها تكفر الذنوب وكفر عن يمينه إذا فعل
الكفارة كذا في "المصباح"، وفي "القاموس"
الكفارة ما كفر به من صدقة وصوم ونحوهما. ا ه.
وفي "المحيط": أنها منبئة عن الستر لغة؛
لأنها مأخوذة من الكفر وهو التغطية والستر قال
الشاعر:
في ليلة كفر النجوم غمامها1. أي: سترها ا ه.
والكلام فيها يقع في مواضع في معناها وقد
قدمناه2، وفي سببها وهو قسمان: سبب
مشروعيتها، وسبب وجوبها.
فالأول: ما هو سبب لوجوب
التوبة وهو إسلامه وعهده مع الله أن لا يعصيه
وإذا عصاه تاب؛ لأنها من تمام التوبة؛ لأنها
شرعت للتكفير.
والثاني: قال في التنقيح
سببها ما نسبت إليه من أمر دائر بين الحظر
والإباحة يعني بأن يكون مباحا من وجه محظورا
من وجه آخر.
والحاصل: أن السبب يكون على وفق الحكم فالقتل
خطأ مباح باعتبار عدم التعمد محظور باعتبار
عدم التثبت، والإفطار عمدا مباح نظرا إلى أنه
يلاقي فعل نفسه الذي هو مملوك له ومحظور لكونه
جناية على العبادة، وأما كفارة اليمين فسببها
إما اليمين المعقودة للإضافة إليها وهي دائرة
بين الحظر والإباحة أو الحنث وهو دائر أيضا،
وأما كفارة الظهار فعلى القول بأن المضاف إليه
سبب وهو الظهار وهو قول "الأصول"يين فإنما كان
دائرا بين الحظر والإباحة مع أنه منكر من
القول وزور باعتبار أن التشبيه يحتمل أن يكون
للكرامة فلم يتمحض كونه جناية، وأما على قول
من جعل السبب مركبا من الظهار والعود فظاهر
لكون الظاهر محظورا والعود مباحا لكونه إمساكا
بالمعروف ونقضا للقول الزور والذي يظهر أنه لا
ثمرة للاختلاف في سببها؛ لأنهم اتفقوا على أنه
لو عجلها بعد الظهار قبل العود جاز، ولو كرر
الظهار تكررت الكفارة وإن لم يتكرر العزم، ولو
عزم ثم ترك فلا وجوب، ولو عزم ثم أبانها سقطت،
ولو عجلها قبل الظهار لم يصح. وفي الطريقة
المعينة لا استحالة في جعل المعصية سببا
للعبادة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب
السيئة خصوصا إذا صار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم اهتد إلى قائله.
2 انظر الصفحة: "146-147".
ج / 4 ص -154-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنى الزجر فيها مقصودا وإنما المحال أن تجعل
سببا للعبادة الموصلة إلى الجنة.
وأما ركنها: فالفعل المخصوص من إعتاق وصيام
وإطعام على ما سيأتي1. وأما شروطها فكل ما هو
شرط انعقاد سبب وجوبها من اليمين والظهار
والإفطار والقتل.
وأما شرائط وجوبها: القدرة عليها.
وأما شرائط الصحة فنوعان عامة وخاصة فما يعمها
النية وشرطها المقارنة لفعل التكفير وإن تأخرت
عنه لم يجز، وسيأتي2 بيان ما إذا أعتق رقبة عن
كفارتين وسيأتي3 بيان شرط صحة كل نوع من
أنواعها ومصرفها مصرف الزكاة فلا يجوز إطعام
الغني ولا مملوكه ولا الهاشمي إلا الذمي فإنه
مصرف لها دون الحربي.
وأما صفتها: فهي عقوبة وجوبا لكونها شرعت
أجزية لأفعال فيها معنى الحظر عبادة أداء
لكونها تتأدى بالصوم والإعتاق والصدقة وهي قرب
والغالب فيها معنى العبادة إلا كفارة الفطر في
رمضان فإن جهة العقوبة فيها غالبة بدليل أنها
تسقط بالشبهات كالحدود ولا تجب مع الخطأ بخلاف
كفارة اليمين لوجوبها مع الخطأ، وكذا كفارة
القتل الخطأ. وأما كفارة الظهار فقالوا: إن
معنى العبادة فيها غالب وخالفهم صدر الشريعة
في "الأصول" فجعلها ككفارة الفطر معنى العقوبة
فيها غالب لكونه
{مُنْكَراً
مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} ورده في
"التلويح" بأنه فاسد نقلا وحكما واستدلالا أما
الأول فلتصريحهم بخلافه، وأما الثاني فلأن من
حكم ما تكون العقوبة فيه غالبة أن تسقط
بالشبهة وتتداخل ككفارة الصوم حتى لو أفطر
مرارا لم تلزمه إلا كفارة واحدة ولا تداخل في
كفارة الظهار حتى لو ظاهر من امرأته مرارا
لزمه بكل ظهار كفارة وأما الثالث فلأنه لم
يتحقق كونه جناية لاحتمال أن يكون التشبيه
للكرامة وتمامه فيه.
وأما حكمها: فسقوط الواجب عن ذمته وحصول
الثواب المقتضي لتكفير الخطايا وهي واجبة على
التراخي على الصحيح لكون الأمر مطلقا حتى لا
يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ويكون
مؤديا لا قاضيا ويتضيق في آخر عمره ويأثم
بموته قبل الأداء ولا تؤخذ من تركته إن لم
يوص، ولو تبرع الورثة جاز إلا في الإعتاق
والصوم كذا في "البدائع" فإن أوصى كان من
الثلث ا ه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "164".
2 انظر الصفحة: "170".
3 انظر الصفحة: "170".
ج / 4 ص -155-
وهوتحرير رقبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما أنواعها فخمس: كفارة الظهار، وكفارة
القتل، وكفارة الفطر وهي مرتبة الإعتاق ثم
الصوم ثم الإطعام إلا كفارة القتل فإنه لا
إطعام بعد الصوم، وكفارة اليمين وهي مخير فيها
كما سيأتي1، وكفارة جزاء الصيد وقد تقدم في
جنايات الإحرام وزاد في "البدائع" كفارة الحلق
ولكن المذكور في الآية الفدية {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
"قوله وهو تحرير رقبة" أي:
التكفير المستفاد من قوله حتى يكفر والتحرير
من حرر المملوك عتق حرارا من باب ليس وحرره
صاحبه ومنه فتحرير رقبة وتحرير بمعنى حر قياس
كذا في "المغرب" فالتحرير بمعنى الإعتاق وهو
أولى من قول "الهداية" عتق رقبة فإنه لو ورث
من يعتق عليه فنوى به الكفارة مقارنا لموت
المورث لا يجزيه عنها لعدم الصنع منه بخلاف ما
إذا نوى عند العلة الموضوعة للملك كالشراء
والهبة كما سيأتي والرقبة من الحيوان معروفة
وهي في معنى المملوك من تسمية الكل باسم البعض
كذا في "المغرب"، وفي "الهداية" هي عبارة عن
الذات أي: الشيء المرقوق المملوك من كل وجه
فشمل الذكر والأنثى الصغير والكبير، ولو
رضيعا، وفي "البدائع" فإن قيل الصغير لا منافع
لأعضائه فينبغي أن لا يجوز إعتاقه عن الكفارة
كالزمن؛ ولذا لا يجوز إطعامه عن الكفارة فكذا
إعتاقه، فالجواب عن الأول أن أعضاء الصغير
سليمة لكنها ضعيفة وهي بعرض أن تصير قوية
فأشبه المريض، وأما إطعامه عن الكفارة فجائز
بطريق التمليك لا الإباحة والمسلم والكافر،
ولو مجوسيا أو مرتدا أو مرتدة أو مستأمنا، وفي
"التتارخانية": والمرتد يجوز عند بعض المشايخ
وعند بعضهم لا يجوز والمرتدة تجوز بلا خلاف ا
ه.
وأما إعتاق العبد الحربي في دار الحرب فغير
جائز عنها كذا في "فتح القدير".
وفي "التتارخانية": لو أعتق عبدا حربيا في
دار الحرب إن لم يخل سبيله لا يجوز وإن خلى
سبيله ففيه اختلاف المشايخ بعضهم قالوا لا
يجوز ا ه. وشمل الصحيح والمريض واستثنى في
"الخانية": مريضا لا يرجى برؤه فإنه لا يجوز؛
لأنه ميت حكما ا ه.
وفي "التتارخانية": وأما إعتاق حلال الدم فعن
محمد إذا قضي بدمه عن ظهاره ثم عفي عنه لم يجز
البقالي إذا أعتق عبدا حلال الدم قد قضي بدمه
ثم عفي عنه أو كان أبيض العينين فزال البياض
أو كان مرتدا فأسلم فإنه لا يجوز، وفي "جامع
الجوامع" وجاز المديون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "165".
ج / 4 ص -156-
ولم يجز الأعمى، ومقطوع اليدين، أو إبهاميهما
أو الرجلين والمجنون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمرهون ومباح الدم ويجوز إعتاق الآبق إذا
علم أنه حي ا ه.
ثم اعلم أنه لا بد أن تكون الرقبة غير المرأة
المظاهر منها لما في "الظهيرية"
و"التتارخانية": أمة تحت رجل ظاهر منها ثم
اشتراها وأعتقها عن ظهارها قيل لم تجز في قول
أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف ا ه. ولا بد
أن يكون المعتق صحيحا؛ لأنه لو كان مريضا أعتق
عبده عن كفارته وهو لا يخرج من ثلث ماله فمات
من ذلك المرض لا يجوز عن كفارته وإن أجازت
الورثة، ولو أنه برئ من مرضه جاز كذا في
"التتارخانية" وخرج بقوله من كل وجه الجنين
إذا أعتقه عنها وولدته لأقل من ستة أشهر فإنه
لا يجوز؛ لأنه رقبة من وجه جزء من أجزاء الأم
من وجه حتى يعتق بإعتاق الأم كذا في "المحيط"
وقوله من كل وجه متعلق بالمرقوق لا بالمملوك
كذا في "العناية".
وفي "المحيط": ولو أعتق عبدا قد غصبه أحد جاز
عن الكفارة إذا وصل إليه ولو ادعى الغاصب أنه
وهبه منه فأقام بينة زور حكم له الحاكم بالعبد
لم يجز عتقه عن الكفارة؛ لأنه بمعنى الهالك.
ولو أعتق عبدا مديونا عن الكفارة واختار
الغرماء استسعاء العبد جاز؛ لأن استغراق الدين
برقبته واستسعاءه لا يخل بالرق والملك فإن
السعاية لم توجب الإخراج عن الحرية فوقع
تحريرا من كل وجه بغير بدل عليه ا ه.
وفي "البدائع": وكذا لو أعتق عبدا رهنا فسعى
العبد في الدين فإنه يجوز عن الكفارة ويرجع
على المولى؛ لأن السعاية ليست ببدل عن الرق.
"قوله ولم يجز الأعمى ومقطوع اليدين أو
إبهاميهما أو الرجلين والمجنون"؛
لأن الأصل أن فوات جنس المنفعة يمنع الجواز
والاختلال والعيب لا يمنع؛ لأن بفوات جنس
المنفعة تصير الرقبة فائتة من وجه بخلاف
نقصانها فيدخل تحت عدم الجواز ساقط الأسنان؛
لأنه لا يقدر على المضغ كما في "الولوالجية"
ودخل أشل اليدين والرجلين والمفلوج اليابس
الشق والمقعد والأصم الذي لا يسمع شيئا على
المختار؛ لأنه بمنزلة العمى كما في
"الولوالجية" وشمل مقطوع اليد والرجل من جانب
واحد؛ لأن منفعة المشي فائتة، وكذا من كل يد
ثلاثة أصابع مقطوعة لفوات منفعة البطش كمقطوع
الإبهامين وجاز العنين والخصي والمجبوب خلافا
لزفر ومقطوع الأذنين والمذاكير1 والرتقاء
والقرناء والعوراء والعمشاء والبرصاء والرمداء
والخنثى وذاهب الحاجبين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مذكير: جمع ذكر: وهي الفرج من الحيوان على
غير قياس ا ه. المصباح المنير مادة / ذكر/.
ج / 4 ص -157-
والمدبر، وأم الولد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وشعر اللحية والرأس ومقطوع الأنف والشفتين إذا
كان يقدر على الأكل والأصم/ الذي يسمع إذا صيح
عليه؛ لأنه بمنزلة العور وأراد بالجنون
المطبق، وكذا المعتوه المغلوب كما في
"الكافي"، لأن منفعة العقل أصلية، وأما الذي
يجن ويفيق فإنه يجزئ عتقه كذا في "الكفاية".
وأطلقه ومراده إذا أعتقه في حال إفاقته.
واعلم أنهم اعتبروا هنا فوات جنس المنفعة ولم
يعتبروا كمال الزينة واعتبروه في الديات
فألزموا بقطع الأذنين الشاخصتين تمام الدية
وجوزوا هنا عتق مقطوعهما إذا كان السمع باقيا
ومثله فيمن حلقت لحيته فلم تنبت لفساد المنبت
والفرق بين البابين أن كمال الزينة مقصود في
الحر فباعتبار فواته يصير الحر هالكا من وجه
وزائد على ما يطلب من المماليك فباعتبار فواته
لا يصير المرقوق هالكا من وجه كذا في "فتح
القدير" فإن قلت إن جنس المنفعة فات في الخصي
والمجبوب؛ لأنه لا مني فلا نسل لهما.
قلت قال في "المحيط": إنه لم يفت خروج البول
ولأن منفعة النسل عائدة إلى العبد لا منفعة
للمولى في كون عبده فحلا بل ازدادت قيمته في
حق المولى بالخصي والجب فلم تصر الرقبة هالكة
من وجه، وفي "الولوالجية" أن منفعة النسل
زائدة على ما يطلب من المماليك وهاهنا فرع حسن
من "الخانية": من كتاب الوكالة رجل وكل رجلا
وقال اشتر لي جارية بكذا أعتقها عن ظهاري
واشترى عمياء أو مقطوعة اليدين أو الرجلين ولم
يعلم بذلك لزم الآخر وكان له أن يرد، ولو علم
الوكيل بذلك لا يلزم الآمر ا ه.
"قوله والمدبر وأم الولد" أي
لا يجوز تحريرهما عن الكفارة لاستحقاقهما
الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا والإعتاق
عن الكفارة يعتمد كمال الرق كالبيع فلذا لا
يجوز بيعهما والمكاتب لما كان الرق فيه كاملا
جاز إعتاقه عن الكفارة حيث لم يؤد شيئا ولا
عبرة هنا بكمال الملك ونقصانه وإنما لم يستلزم
نقصان الملك نقصان الرق؛ لأن محل الملك أعم من
محل الرق؛ لأن الملك يثبت في الأمتعة وغير
الآدمي دون الرق وبالبيع يزول الملك دون الرق
والإعتاق يزيلهما وإنما عتق المدبر وأم الولد
بقوله كل مملوك أملكه فهو حر دون المكاتب؛ لأن
هذه اليمين تقتضي ملكا كاملا لا رقا كاملا
والملك فيهما كامل حتى ملك أكسابهما
واستخدامهما ووطئ المدبرة وأم الولد، والملك
في المكاتب ناقص؛ لأنه ملك نفسه يدا ولذا لا
يملك المولى كسبه ويحرم عليه وطء مكاتبته.
والحاصل: أن جواز البيع والإعتاق عن الكفارة
يعتمد كمال الرق فجاز بيع المكاتب برضاه
وإعتاقه عنها وانعكس فيهما وحل الوطء يعتمد
كمال الملك فحرم في المكاتب وانعكس فيهما.
ج / 4 ص -158-
والمكاتب الذي أدى شيئاً فإن لم يؤدِ شيئاً،
أو اشترى قريبه ناوياً بالشراء الكفارة، أو
حرر
نصف عبده عن كفارته، ثم حرر باقيه عنها صح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله والمكاتب الذي أدى شيئا"
أي: لا يجوز تحريره عنها؛ لأنه تحرير بعوض
وذكر في "الاختيار" أن السيد لو أبرأه بدل
الكتابة أو وهبه عتق فلو قال: لا أقبل صح
عتقه ولم يبرأ من بدل الكتابة فينبغي أن لا
يجزئ عن الكفارة؛ لأنه عتق ببدل كما لا يخفى
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا أعتق المكاتب
عنها بعد أداء البعض صح؛ لأن عتقه معلق بأداء
كل البدل فلا يثبت شيء من العتق بأداء البعض
كذا في "المحيط": وما في الكتاب "ظاهر
الرواية"، وفي "التتارخانية": لو عجز عن أداء
بدل الكتابة ثم أعتقه يجوز سواء كان أدى شيئا
أو لم يؤد وهي الحيلة لمن أراد أن يعتق مكاتبه
بعد أداء البعض كما في "الينابيع"، وفي كافي
الحاكم، ولو أعتق عنها على جعل لم يجزه عنها
فإن وهب له الجعل بعد ذلك لم يجز أيضا ا ه.
"قوله فإن لم يؤد شيئا أو اشترى قريبه ناويا
بالشراء الكفارة أو حرر نصف عبده عن كفارته ثم
حرر باقيه عنها صح" أما الأول
فلما قدمنا أن الرق فيه كامل وإن كان الملك
فيه ناقصا وجواز الإعتاق عنها يعتمد كمال الرق
لا كمال الملك أشار إلى أن عتق المرهون
والمستأجر والموصى بخدمته عنها جائز بالأولى
لوجود ملك الرقبة وإن فاتت اليد ودل كلامه على
أن الكتابة تنفسخ بإعتاقه لرضاه بذلك لكن
قالوا إن الانفساخ ضروري فيتقدر بقدر الضرورة
وهو جواز التكفير فتنفسخ الكتابة بالنظر إلى
جوازه لا مطلقا بدليل أن الأولاد والأكساب
سالمة له.
ثم اعلم أن السيد لو مات وله مكاتب فأعتقه
وارثه عن كفارته لم يجز إجماعا كما نقله الفخر
الرازي في "التفسير الكبير" قال فدل على أن
الملك كان فيه ضعيفا ا ه.
والفرق على مذهبنا أن المكاتب لا ينتقل إلى
ملك الوارث بعد موت سيده لبقاء الكتابة بعد
موته فلا ملك للوارث فيه بخلاف سيده حال
الكتابة وإنما جاز إعتاق الوارث له لتضمنه
الإبراء من بدل الكتابة المقتضي للإعتاق، وأما
الثاني أعني ما إذا اشترى قريبه أي: محرمه
ناويا بالشراء الكفارة ومراده ما إذا دخل
محرمه في ملكه بصنع منه فنوى وقت الملك عتقه
عن كفارته أجزأه شراء كان أو هبة أو قبول صدقة
أو وصية فخرج الإرث فلو نوى وقت موت مورثه
إعتاقه عنها لم يجز عنها لعدم الصنع.
وقيد بكون النية عند الشراء؛ لأنها لو تأخرت
عن الصنع لم يجز عنها وما في "الخانية" من باب
عتق القريب لو وكل رجلا بأن يشتري أباه فيعتقه
بعد شهر عن ظهاره فاشتراه الوكيل يعتق كما
اشتراه ويجزيه عن ظهار الآمر ا ه. فمبني على
إلغاء قوله بعد شهر لمخالفته المشروع،
ج / 4 ص -159-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو عتق المحرم عند الشراء. وأشار باشتراط
النية عند الشراء إلى اشتراط قرانها بعلة
العتق لكون الشراء علة لعتق القريب فأفاد أنه
لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ناويا
كونه عن الظهار وقت التعليق أجزأه وإن تأخرت
النية عنه لم يجزه ولا فرق بين أن يصرح بقوله
عن ظهاري أو ينوي فلو نوى وقت التعليق أن يكون
حرا عن ظهاره ثم نوى أن يكون عن كفارة قتله
كان عن الظهار، وكذا لو نوى وقته أن يكون
تطوعا ثم نوى عنها لم يصح كذا في "البدائع"
معللا بأن اليمين لا تحتمل الفسخ بناء على أن
المنوي كالملفوظ به،.
وفي "التتارخانية": وعلى هذا لو قال إن
اشتريت هذا العبد فهو حر عن ظهاري ثم قال إن
اشتريته فهو حر عن ظهار فلانة ثم قال لامرأة
أخرى كذلك ثم اشتراه فهو حر عن ظهار الأولى ا
ه.
ثم اعلم أنه لو وكل في إعتاقه عبده عن كفارته
ثم نوى قبل إعتاق المأمور أن يكون عن جهة أخرى
فإنه يجوز فهما من كلام "المحيط" من باب
الإحصار: لو بعث المحصر بهدي الإحصار ثم زال
وحدث آخر فإن علم أنه يدرك الهدي ونوى أن يكون
لإحصاره الثاني جاز، وكذا لو دفع خمسة أصوع
طعام لرجل وأمره بالتصدق على عشرة مساكين عن
كفارة يمينه فلم يتصدق حتى كفر الآمر وحنث في
أخرى ثم تصدق المأمور جاز عن الثانية إذا
نواها الآمر، وكذا لو بعث هديا لجزاء صيد ثم
أحصر فنوى أن يكون للإحصار، ولو قلد بدنة
وأوجبها تطوعا ثم أحصر فنوى أن تكون لإحصاره
جاز ا ه.
ثم اعلم أنهم جعلوا المعلق هنا علة للعتق مع
قولهم إن المعلق لا ينعقد سببا للحال وإنما
ينعقد سببا عند وجود الشرط فينبغي على هذا
الأصل أن لا تصح النية وقت التعليق وإنما تصح
وقت وجود الشرط والحكم فيها بالعكس وجوابه في
"فتح القدير": من كتاب الأيمان من باب اليمين
في الطلاق والعتاق وقد ذكروا فيه أنه لو اشترى
أم ولده أي: من استولدها بنكاح ناويا عن
كفارته فإنه لا يجوز؛ لأن العلة الاستيلاد ولم
تقارنه النية وأما الثالث أعني ما إذا حرر نصف
عبده ثم حرر باقيه قبل المسيس فلكونه أعتق
رقبة كاملة بكلامين والنقصان متمكن على ملكه
بسبب التحرير عنها ومثله غير مانع كمن أضجع
شاة للأضحية فأصابت السكين عينها.
قيد بقوله حرر باقيه؛ لأنه لو حرر نصفا آخر من
رقبة أخرى لا يجوز فلا يجوز تكميل العتق
بالعتق من شخص آخر عند أبي حنيفة. وأما تكميله
بالإطعام كما لو حرر عنها نصف عبد وأطعم عن
الباقي لم يجز أيضا عند أبي حنيفة؛ لأنها إنما
تتأدى بإعتاق رقبة أو بإطعام مساكين مقدرة ولم
يوجد واحد منهما وتكميل العتق بالعتق من شخص
آخر لا يجوز فلأن لا يجوز تكميله بالتمليك من
ج / 4 ص -160-
وإن حرر نصف عبد مشترك، وضمن باقيه، أو حرر
نصف عبده، ثم وطىء التي ظاهر منها
ثم حرر باقيه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جنس آخر أولى وعندهما يجوز؛ لأن العتق عندهما
لا يتجزأ فصار معتقا للكل وكان متبرعا
بالإطعام كذا في "المحيط" ولو حرر عبدين بينه
وبين غيره لم يجزه عن الكفارة؛ لأن الواجب
تحرير رقبة واحدة وتخليصها عن الرق وهو ما حرر
رقبة واحدة ولم يصرف العتق إلى شخص بل حرر
نصفا من كل رقبة كما لو فرق طعام مسكين على
اثنين، ولو كان شاتان بين رجلين فذبحاهما عن
نسكهما أجزأهما؛ لأن الاشتراك في النسك جائز
ألا ترى أنه يجزئ البدنة عن سبعة فكان المعتبر
في باب النسك مقدار الشاة وقد وجد كذا في
"المحيط": أيضا وخرج بقوله حرر باقيه ما إذا
لم يحرر باقيه أصلا فإعتاق النصف لا يكفي عنها
عنده وعندهما لما أعتق النصف عتق الكل بلا
سعاية فأجزأ عن الكفارة كذا في "الكافي".
"قوله وإن حرر نصف عبد مشترك وضمن باقيه أو
حرر نصف عبده ثم وطئ التي ظاهر منها ثم حرر
باقيه لا" أي: لا يجزيه عن
الكفارة، أما الأول فلأن نصيب صاحبه قد انتقص
على ملكه لتعذر باقيه لاستدامة الرق فيه ثم
يتحول إليه بالضمان ومثله يمنع الكفارة
كالتدبير والمراد بضمان القيمة إعتاق النصف
الآخر بعد التضمين وإلا فمجرد الضمان لا يكفي
لوضع المسألة ودل كلامه على أنه لو كان معسرا
وسعى العبد في بقية قيمته حتى عتق كله لا
يجزيه عنها بالأولى، وهذا عند الإمام، وأما
عندهما إن كان المعتق موسرا ضمن قيمة نصيب
شريكه أجزأه عنها؛ لأنه عتق كله بإعتاق البعض
وإن كان معسرا لا يجزئه والخلاف مبني على تجزؤ
الإعتاق وعدمه وبما قررناه على أن المعتق إذا
كان معسرا لم يجز اتفاقا؛ لأنه عتق بعوض وإن
لم يكن البدل حاصلا للمعتق بل لشريكه؛ لأنه
المانع أن يلزم العبد بدل في مقابلة تحرير
رقبته.
وفي "الكافي": فإن قيل المضمونات تملك عند
أداء الضمان مستندا إلى وقت وجود السبب فصار
نصيب الساكت ملكا للمعتق زمان الإعتاق فكان
النقصان في ملكه لا في ملك شريكه قلنا الملك
في المضمون يثبت بصفة الاستناد في حق الضامن
والمضمون له لا في حق غيرهما فتمكن النقصان في
نصيب الساكت في حق غيرهما والكفارة غيرهما فلم
تجز ا ه.
والحاصل: أن النقصان إن كان على ملك المعتق
أجزأه وإن كان على ملك غيره لا يجزئه، وفي
"فتح القدير"/ أن التعييب ضرورة إقامة المأمور
به ليس كالتعييب بصنعه مختارا حتى أنه لو فقأ
عين الشاة مختارا عند الذبح نقول لا يجزئه
فكان المشترك أولى بالإجزاء من العبد المختص؛
لأن مالك النصف لا يقدر على عتقه إلا بطريق
عتق نصفه فحاله أشبه بذابح الشاة من مالكه على
الكمال، وجوابه أن المعنى أنه حصل بسبب إقامة
الواجب، وهذا القدر كاف في عدم مانعيته
ج / 4 ص -161-
فإن لم يجد ما يعتق صام شهرين متتابعين ليس
فيهما رمضان وأيام منهية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يتوقف على كونه بحيث لا يمكن إقامة الواجب
إلا كذلك فإن الشارع لما أطلق له العتق بمرة
ومرة كان لازمه أنه إذا حصل النقص بسببه مطلقا
لا يمنع وتمامه فيه.
وأما الثاني فعدم الإجزاء قول الإمام لكونه
متجزئا عنه وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس
بالنص وإعتاق النصف حصل بعده وعندهما إعتاق
النصف إعتاق للكل فحصل الكل قبل المسيس وأورد
عليه أن هذا يقتضي أن لا يجوز إعتاق رقبة
كاملة بعد المسيس مع أنه جائز وأجيب بأنه قبل
المسيس الثاني وبطل إعتاق ذلك النصف عنها كما
في "النهاية".
"قوله فإن لم يجد ما يعتق صام شهرين متتابعين
ليس فيهما رمضان وأيام منهية"
أي: إن لم يملك رقبة ولا ثمنها فاضلا عن قدر
كفايته؛ لأن قدرها مستحق الصرف فصار كالعدم
فمن له خادم يحتاج إلى خدمته لا يجزئه الصوم
بخلاف من له مسكن؛ لأنه كلباسه ولباس أهله صرح
به في "الخزانة"، وفي "الجوهرة": لو كان له
عبد للخدمة لا يجوز له الصوم إلا أن يكون زمنا
فيجوز ا ه.
والضمير في يكن يعود ظاهرا إلى المولى.
وفي "التتارخانية": ومن ملك رقبة لزمه العتق
وإن كان محتاجا إليها ا ه. وظاهره أنه يعتقها،
ولو كان السيد زمنا فحينئذ يرجع الضمير في
كلام "الجوهرة" للعبد والمعنى إلا أن يكون
العبد بحال لا يجزئ عنها ومن "الكفاية" قدر
كفايته للقوت، فإن كان محترفا فقوت يومه والذي
لا يعمل قوت شهر، وفي "المحيط": معسر له دين
على الناس أو عبد غائب يجزئه الصوم يريد
بالغائب أنه لم يكن مملوكا له فأما إذا كان في
ملكه لا يجزئه الصوم؛ لأنه قادر على إعتاقه
فأما الدين إذا لم يقدر على أخذه من مديونه
فقد عجز عن التكفير بالمال فيجزئه الصوم، أما
إذا قدر على أخذه منه لم يجزه الصوم. وكذلك
امرأة تزوجت على عبد وزوجها قادر على أدائه
إذا طالبته بذلك ووجب عليها كفارة لم يجزها
الصوم وإن كان له مال ووجب عليه دين مثله
يجزئه الصوم بعد ما قضى دينه؛ لأنه غير واجد
للمال فأما قبل قضاء الدين فقيل يجزئه؛ لأن
محمدا علل وقال بأنه تحل له الصدقة، وهذا
إشارة إلى أن ماله ملحق بالعدم حكما لكونه
مستحق الصرف إلى الدين كالماء المستحق للعطش
وقيل لا يجزئه؛ لأن محمدا ذكر ما يدل عليه؛
لأنه خص الصوم بما بعد قضاء الدين وذلك؛ لأن
ملك المديون في ماله كامل بدليل أنه يملك جميع
التصرف فيه ا ه.
وفي "البدائع": لو كان في ملكه رقبة صالحة
للتكفير يجب عليه تحريرها سواء كان عليه دين
أو لم يكن؛ لأنه واجد حقيقة ا ه.
وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة
الموجودة ويمنع وجوب شرائطها بمال على أحد
ج / 4 ص -162-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القولين فإن قلت: إذا كان عليه كفارتا ظهار
لامرأتين وفي ملكه رقبة فقط فصام عن إحداهما
ثم أعتق عن ظهار الأخرى هل يجزئه الصوم عن
الأولى قلت لم أره صريحا ولكن في "المحيط":
في نظيره ما يقتضي عدم الإجزاء قال عليه
كفارتا يمين وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن
إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه؛ لأنه
صام وهو قادر على التكفير بالمال فلا يجزئه ا
ه. وبما نقلناه عن "المحيط": من أن من له عبد
غائب في ملكه لا يجزئه الصوم ظهر أن ما ذكره
الإمام فخر الدين الرازي عن أصحاب الشافعي
استنباطا من تعبيره تعالى بعدم الوجود عند
الانتقال إلى الصوم وبعدم الاستطاعة عند
الانتقال إلى الإطعام من أنه لو كان له مال
غائب فإنه ينتظره ولا يصوم ومن كان مريضا مرضا
يرجى برؤه فإنه يطعم ولا ينتظر الصحة ليصوم
موافق لمذهبنا أيضا في الصوم لا في الإطعام
لما سيأتي1، وإن كان المال أعم من العبد؛ لأنه
لا فرق بين العبد وبين قدر ما يشتري به وأراد
بالأيام المنهية الخمسة المعروفة وهي يوما
العيد وأيام التشريق؛ لأن الصوم بسبب النهي
فيها ناقص فلا يتأدى به الكامل وشهر رمضان في
حق الصحيح المقيم لا يسع غير فرض الوقت قيدنا
بالمقيم الصحيح؛ لأن المسافر له أن يصوم عن
واجب آخر، وفي المريض روايتان كما علم في
"الأصول" في بحث الأمر، وفي اقتصاره على نفي
الأيام المنهية وشهر رمضان دلالة على أنه لا
يشترط أن لا يكون فيهما وقت نذر صومه؛ لأن
المنذور المعين إذا نوى فيه واجبا آخر وقع عما
نوى بخلاف رمضان كما علم في الصوم. وفي كلامه
إشارة إلى أن هذه الأيام لو دخلت على الصوم
انقطع التتابع صامها أو لا لإمكان وجود شهرين
يصومهما خاليين عنها فلذا قطع النفاس والمرض
التتابع وكان حيضها غير قاطع لصوم كفارتها
لعدم الإمكان وينبغي أن يكون مخصوصا بكفارة
قتلها وفطرها في الحيض؛ لأنها لا تجد شهرين
خاليين عن حيضها بخلاف كفارة اليمين فإنها تجد
ثلاثة أيام خالية عنه ثم رأيت الفرق مصرحا به
في "المحيط" وفي "البدائع" عليها أن تصل أيام
القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو لم تصل
وأفطرت يوما بعد الحيض استقبلت لتركها التتابع
بلا ضرورة بخلاف نفاسها، وهذا مما خالف فيه
النفاس الحيض فإن النفاس قاطع للتتابع في صوم
كل كفارة لها بخلاف الحيض فإنه غير قاطع في
كفارة الفطر والقتل.
وعن محمد في "المنتقى" لو صامت شهرا ثم حاضت
ثم أيست استقبلت؛ لأنها قدرت على مراعاة
التتابع فلزمها التتابع وعن أبي يوسف أنها إذا
حبلت في الشهر الثاني بنت كذا في "المحيط"
فعلى الأول قولهم حيضها غير قاطع في كفارة
الشهرين إلا إذا أيست بعده فحينئذ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "165".
ج / 4 ص -163-
فإن وطىء فيهما ليلاً، أو يوماً ناسياً، أو
أفطر استأنف الصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقطع، وأما صوم المضللة عن الكفارة فقد
استوفاه في "المحيط": من الحيض وقد أفاد
كلامه أن كل صوم شرط فيه التتابع نصا فحكمه
كالكفارة فإذا أفطر فيه يوما بطل ما قبله
ولزمه الاستقبال كالمنذور المشروط فيه التتابع
معينا أو مطلقا بخلاف المعين الخالي عن
اشتراطه فإن التتابع فيه وإن لزم لكن لا
يستقبل إذا أفطر فيه يوما كرجب مثلا؛ لأنه لا
يزيد على رمضان وحكمه ما ذكرنا كما في "فتح
القدير" من الأيمان. وأراد بعدم الوجود عدما
مستمرا إلى فراغ صوم الشهرين حتى لو قدر على
الإعتاق في اليوم الأخير قبل غروب الشمس وجب
عليه الإعتاق وكان صومه تطوعا والأفضل إتمامه
وإن أفطر لا قضاء عليه؛ لأنه شرع فيه مسقطا لا
ملتزما خلافا لزفر وقيد الصوم بعدم الوجود؛
لأنه غير جائز من القادر على التحرير لترك
الواجب في قوله تعالى
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] إذ المعنى فالواجب عليه تحرير رقبة لا عملا بمفهوم
الشرط كما لا يخفى واليسار والإعسار معتبران
وقت التكفير أي الأداء لا وقت الوجوب كمذهب
أحمد ولا أغلظ الحالين كمذهب الشافعي؛ لأن
القدرة إنما يحتاج إليها للأداء فيشترط وجودها
وعدمها عند الأداء.
وفي "المحيط": لو صام بالأهلة فاتفق تسعة
وخمسين يوما جاز، ولو صام بغير الأهلة تسعة
وخمسين يوما يصوم ثانيا؛ لأن الأصل اعتبار
الشهر بالأهلة فإن غم الهلال اعتبر كل شهر
ثلاثين يوما ا ه.
وينبغي أن يقال فاتفق ثمانية وخمسين جاز لجواز
كون كل منهما تسعة وعشرين يوما وقد أفاده في
"التتارخانية".
"قوله فإن وطئ فيهما ليلا أو يوما ناسيا أو
أفطر استأنف الصوم" أي: وطء
المظاهر منها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو
يوسف الشرط عدم فساد الصوم فلو جامعها ليلا أو
نهارا ناسيا لا يستأنف والصحيح قولهما؛ لأن
المأمور به صيام شهرين متتابعين لا مسيس فيهما
فإذا جامعها في خلالهما لم يأت بالمأمور به
وإذا أفطر في خلالهما انقطع التتابع أطلق في
الليل فشمل العمد والنسيان كما صرح به في
"البدائع" والتقييد بالعمد في أكثر الكتب
اتفاقي لا للاحتراز عنه كما في بعض شروح
"المجمع" فاحترز منه فإنه غلط وقد صرح في
"غاية البيان" و"العناية" بأنه قيد اتفاقي.
وقيد بالنسيان في اليوم؛ لأنه لو جامعها نهارا
عمدا استأنف اتفاقا لوجود المسيس عندهما
ولفساد الصوم عنده وإنما لم يعف عن النسيان في
وطء المظاهر منها كما عفي عنه في الصوم؛ لأنه
ج / 4 ص -164-
ولم يجز للعبد إلا الصوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصوم على خلاف القياس للحديث1؛ فلا يلحق
به غيره. ولو قال المصنف، ولو جامعها فيهما
مطلقا أو أفطر استأنف لكان أولى ومن التطويل
أعرى.
قيدنا بوطء المظاهر منها؛ لأنه لو وطئ غيرها
فيهما فإن بطل صومه كأن كان نهارا عامدا دخل
تحت قوله أو أفطر فيستأنف وإلا لا وهذا
بالاتفاق وقيد بكفارة الظهار؛ لأنه لو وطئ
وطئا لا يفسد الصوم في كفارة القتل لم يستأنف
كما في "الجوهرة" وأطلق في الإفطار فشمل ما
إذا كان لعذر كسفر أو مرض أو لا كما في
"العناية".
"قوله ولم يجز للعبد إلا الصوم"
أي: إلا صوم الشهرين المتتابعين؛ لأن العبد
لا يملك وإن ملك والإعتاق والإطعام شرطهما
الملك فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجز وإن
كان بأمره؛ لأنه ليس بأهل للملك فلا يصير
مالكا بتمليكه للحديث "لا يملك العبد شيئا"
ولا يملكه مولاه ولا يثبت عتقه في ضمنه2:
لأنه إنما يصح إن لو كان تبعا، والإعتاق أصل
الأهلية فلا يثبت اقتضاء كذا في "الكافي" وإذا
تعين الصوم للكفارة وقد تعلق بها حق المرأة لم
يكن للسيد أن يمنعه بخلاف صوم بقية الكفارات
له أن يمنعه عن صومها لعدم تعلق حق عبد بها،
وفي "فتح القدير": من باب جنايات الإحرام ولا
يجوز إطعام المولى عنه إلا في الإحصار فإن
المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا عتق فعليه حجة
وعمرة ا ه.
ولم يعلل لاستثناء هذه المسألة فإن قلت: لم
لم يكن الرق منصفا لصوم الكفارات مع أنه منصف
نعمة وعقوبة قلت لما فيه من معنى العبادة وهي
لم تتنصف بالرق كالصلاة وصوم رمضان وإن كان
الغالب في بعضها معنى العقوبة احتياطا ثم رأيت
تعليل مسألة دم الإحصار فقال في "البدائع" لو
أحصر العبد بعد ما أحرم بإذن المولى ذكر
القدوري في "شرح مختصر الكرخي" أنه لا يلزم
المولى إنفاذ هدي؛ لأنه لو لزمه يلزمه لحق
العبد ولا يجب للعبد على مولاه حق فإذا أعتقه
وجب عليه وذكر القاضي في "شرح مختصر
الطحاوي": أن على المولى أن يذبح عنه هديا في
الحرم فيحل؛ لأن هذا الدم وجب لبلية ابتلي بها
العبد بإذن المولى فصار بمنزلة النفقة والنفقة
على المولى فكذا دم الإحصار ا ه.
وأما كفارة الميت إذا مات وعليه كفارة وأوصى
بإخراجها من ثلث ماله فإن كانت كفارة يمين خير
الوصي بين الإطعام وبين الكسوة وبين التحرير،
وفي كفارة القتل والظهار والإفطار يتعين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ولفظه "من نسي فأكل أو شرب فليتم على صومه"
وقد تقدم تخريجه.
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/165".
ج / 4 ص -165-
فإن لم يستطع الصوم أطعم ستين فقيرآ كالفطرة،
أو قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التحرير إن بلغت قيمته الثلث وإلا تعين
الإطعام ولا دخل للصوم في الكل كذا في
"البدائع" فإن قلت: هل لنا حر ليس له كفارة
إلا بالصوم قلت المحجور عليه بالسفه على
قولهما المفتى به لا يكفر إلا بالصوم حتى لو
أعتق عنها صح العتق ولا يجزئ عنها ويلزمه
الصوم كما في "شرح المنظومة" من الحجر.
"قوله فإن لم يستطع الصوم أطعم ستين فقيرا
كالفطرة أو قيمته" أي: إن لم
يقدر على الصوم لمرض لا يرجى برؤه أو كبر أراد
بالإطعام الإعطاء تمليكا؛ لأنه سيصرح
بالإباحة؛ ولذا قال في "البدائع": إذا أراد
التمليك أطعم كالفطرة وإذا أراد الإباحة
أطعمهم غداء وعشاء.
وقيد بالفقير؛ لأن الغني لا يجوز إطعامه في
الكفارات تمليكا وإباحة ومن له مال وعليه دين
لعبد فقير في هذا كما في "البدائع" وأشار بذكر
الفقير إلى أنه المراد في الآية فالمسكين
والفقير سواء فيها وأفاد بقوله كالفطرة أي
كصدقة الفطر أنه لا يجوز إطعام أصله وفرعه
وأحد الزوجين ومملوكه والهاشمي وأنه يجوز
إطعام الذمي؛ لأن مصرفها مصرفها وهو مصرف
الزكاة إلا الذمي فإنه مصرف فيما عدا الزكاة
بخلاف الحربي فإنه ليس بمصرف لشيء، ولو كان
مستأمنا. ولو دفع بتحر فبان أنه ليس بمصرف
أجزأه عندهما خلافا لأبي يوسف كما عرف في
الزكاة كما في "البدائع" وأنه يملك نصف صاع من
بر أو صاعا من تمر أو شعير أو دقيق كل كأصله
وكذا السويق.
واختلفوا هل يعتبر الكيل أو القيمة فيهما كما
في صدقة الفطر وأنه لو دفع البعض من الحنطة
والبعض من الشعير فإنه جائز إذا كان قدر
الواجب كأن يدفع ربع صاع من بر ونصفا من شعير
وإنما جاز التكميل بالآخر لاتحاد المقصود وهو
الإطعام ولا يجوز التكميل بالقيمة كما لو أدى
نصفا من تمر جيد يساوي صاعا من الوسط وأفاد
بعطف القيمة أنه لا بد أن تكون من غير المنصوص
عليه فلو دفع منصوص عليه عن منصوص آخر بطريق
القيمة لم يجز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية
المقدرة شرعا فلو دفع نصف صاع تمر يبلغ قيمة
نصف صاع بر لا يجوز فالواجب عليه أن يتم للذين
أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه
لهم فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم
ولا يقال. لو أطعم خمسة وكسا خمسة في كفارة
اليمين حيث تجوز الكسوة عن الإطعام مع أن كلا
منهما منصوص عليه؛ لأنا نقول: قال في
"البدائع": لو أطعم خمسة على وجه الإباحة
وكسا خمسة فإن كان على وجه المنصوص عليه لا
يجوز وإن أخرجه على وجه القيمة فإن كان الطعام
أرخص من الكسوة أجزأه وإن كانت الكسوة أرخص من
الطعام لم يجزه؛ لأن الكسوة تمليك فجاز أن
تكون بدلا عن الإطعام ثم إن كانت قيمة الكسوة
مثل قيمة الطعام فقد أخرج قيمة الطعام وإن
كانت أغلى فقد أخرج قيمة الطعام وزيادة وإن
كانت قيمة الكسوة أرخص لا يكون
ج / 4 ص -166-
فلو أمر غيره، أن يطعم عنه عن ظهاره، ففعل
أجزأه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطعام بدلا عنه؛ لأن طعام الإباحة ليس بتمليك
فلا يقوم مقام التمليك وهو الكسوة؛ لأن الشيء
لا يقوم مقام ما هو فوقه، ولو أطعم خمسة وكسا
خمسة جاز وجعل أغلاهما ثمنا بدلا عن أرخصهما
ثمنا أيهما كان؛ لأن كل واحد منهما تمليك فجاز
أن يكون أحدهما بدلا عن الآخر ا ه.
وأشار بقوله كالفطرة إلى أنه لو أعطى مسكينا
أقل من نصف صاع لا يجزيه كما قدمه الشارح في
صدقة الفطر، ونقل أن الجواز قول الكرخي فما
نقله هنا من الجواز إما غفلة عما قدمه وإما
على قول الكرخي ثم اعلم أن الكفارات كلها لا
يجوز إعطاء فقير فيها أقل من نصف صاع حتى فدية
الصلاة حتى لو أعطى عن صلاة أقل من المسكين لم
يجز كما في "المحيط": وقد فرق في "العناية"
بين الكفارة وصدقة الفطر وقد علمت أنه مفرع
على الضعيف، وفي "التتارخانية": لو أعطى ستين
مسكينا كل مسكين مدا من الحنطة لم يجز وعليه
أن يعيد مدا آخر على كل مسكين فإن لم يجد
الأولين فأعطى ستين آخرين كل مسكين مدا لم يجز
ا ه.
وفي "المحيط": لو أعطى عشرة مساكين كل مسكين
مدا مدا ثم استغنى المساكين ثم افتقروا فأعاد
عليهم مدا مدا لا يجوز، وكذا لو أدى إلى
المكاتبين مدا مدا ثم ردوا إلى الرق ومواليهم
أغنياء ثم كوتبوا ثانيا ثم أعاد عليهم لم يجز؛
لأنهم صاروا بحال لا يجوز الأداء إليهم فصاروا
كجنس آخر ا ه.
"قوله لو أمر غيره أن يطعم عنه عن ظهاره ففعل
أجزأه"؛ لأنه طلب منه التمليك
معنى والفقير قابض له أولا ثم لنفسه فيتحقق
تملكه ثم تمليكه كهبة الدين من غير من عليه
الدين إذا سلطه على القبض ولما كان طلب
التمليك متنوعا إلى هبة وقرض والأصل البراءة
لا رجوع على الآمر في "ظاهر الرواية".
وفي "التتارخانية": إن قال الآمر على أن لا
رجوع للمأمور فلا رجوع وإن قال على أن ترجع
علي رجع عليه وإن سكت الآمر ففي الدين يرجع
اتفاقا، وفي الكفارة والزكاة لا يرجع عند أبي
حنيفة وعند أبي يوسف يرجع ا ه.
والحاصل: أنهم فرقوا بين الأمر بقضاء الدين
وبين الأمر بأداء الزكاة والتكفير مع أن الكل
واجب على الآمر وقد رأيت الفرق في السراج
الوهاج من كتاب الوكالة معزيا إلى الإمام
الكرخي بأنه لو رجع بلا شرط رجع بأكثر مما
أسقط عن ذمة الآمر، ألا ترى أن الوجوب كان من
أحكام الآخرة دون الدنيا، ولو ثبت الرجوع
بمطلق الآمر لرجع بحق مضمون في الدنيا والآخرة
ولا يجوز أن يرجع بأكثر مما أسقط عن ذمته ا ه.
ج / 4 ص -167-
وتصح الإباحة في الكفارات، والفدية دون
الصدقات، والعشر والشرط غداءان أو عشاءان
مشبعان، أو غداء وعشاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "البزازية": من كتاب الوكالة ذكر ضابطا
حسنا لما يرجع بلا شرط وما يرجع بشرط الرجوع
فانظره ثمة قيد بالإطعام؛ لأنه لو أمر أجنبيا
أن يعتق عنه فأعتق لا يجزئه عندهما خلافا لأبي
يوسف والفرق على قولهما أن التمليك بغير بدل
هبة ولا جواز لها بدون القبض ولم يوجد القبض
في الإعتاق ووجد في الإطعام والكسوة في كفارة
اليمين كالإطعام كذا في "البدائع" وإن كان
بجعل سماه أجزأه اتفاقا وإن أعتق عنه بغير
أمره لم يجز اتفاقا لوقوعه عن المعتق كذا في
"الولوالجية" وخرج الصوم أيضا فلو أمره أن
يصوم عنه فصام لا يجزئه كذا في "غاية البيان".
وقيد الإطعام بالأمر؛ لأنه لو أطعم عنه بلا
أمره لا يجزئه لعدم ملكه ولعدم النية، وأما
تكفير الوارث عن الميت ففي كفارة اليمين يجوز
الإطعام أو الكسوة، وفي كفارة الظهار بالإطعام
ولا يجوز التبرع عنه في كفارة القتل؛ لأن
التبرع بالإعتاق غير جائز كذا في "المحيط".
"قوله وتصح الإباحة في الكفارات"
أي: في إطعام الكفارات.
"والفدية دون الصدقات والعشر"
لورود الإطعام في الكفارات والفدية هو حقيقة
في التمكين من الطعم وإنما جاز التمليك
باعتبار أنه تمكين أما الواجب في الزكاة
الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك
حقيقة، فإن قلت: هل يجوز الجمع بين الإباحة
والتمليك لرجل واحد أو لبعض المساكين دون
البعض أو أن يعطي نوعا للبعض ونوعا للبعض.
قلت: أما الأول ففي "التتارخانية" إذا غداه
وأعطاه مدا ففيه روايتان واقتصر في "البدائع"
على الجواز؛ لأنه جمع بين شيئين جائزين على
الانفراد وإن غداهم وأعطاهم قيمة العشاء أو
عشاهم وأعطاهم قيمة الغداء يجوز.
وأما الثانية: كما إذا ملك ثلاثين وأطعم
ثلاثين غداء وعشاء فهو جائز.
وأما الثالثة: فقال في "الكافي": ويجوز
تكميل أحدهما بالآخر. فإن قلت: هل المباح له
الطعام يستهلكه على ملك المبيح أو على ملك
نفسه؟ قلت: إذا صار مأكولا زال ملك المبيح
عنه ولم يدخل في ملك أحد ذكره في "البدائع".
قيدنا بالإطعام؛ لأن الإباحة في الكسوة في
كفارة اليمين لا تجوز كما لو أعار عشرة مساكين
كل مسكين ثوبا كذا في "المحيط" وجعل الفدية
كالكفارة "ظاهر الرواية" وروى الحسن عن الإمام
أنه لا بد من التمليك؛ لأنها تنبئ عنه كفدية
العبد الجاني لا بد فيها من تمليك الأرش.
"قوله والشرط غداءان وعشاءان مشبعان أو غداء
وعشاء" أي: الشرط في طعام
الإباحة
ج / 4 ص -168-
وإن أعطى فقيراً شهرين صح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكلتان مشبعتان لكل مسكين والسحور كالغداء.
فلو غداهم يومين أو عشاهم كذلك أو غداهم
وسحرهم أو سحرهم يومين أجزأه، ولو غدى ستين
مسكينا وعشى ستين غيرهم لم يجزه إلا أن يعيد
على أحد النوعين منهم غداء أو عشاء، ولو غدى
واحدا وعشى آخر لم يجز وقيد بالشبع؛ لأنه لو
كان فيهم من هو شبعان قبل الأكل أو صبي ليس
بمراهق لا يجزئه واختلف المشايخ فيه ومال
الحلواني إلى عدم الجواز.
وفي "المصباح": الأكل معروف والأكل بضمتين
وإسكان الثاني للتخفيف المأكول والأكلة بالفتح
المرة وبالضم اللقمة والغداء بالمد طعام
الغداة والعشاء بالفتح وبالمد طعام العشاء
بالكسر والسحور بفتح السين ما يؤكل في السحر
ما قبل الصبح وبالضم الأكل وقته.
وأشار به إلى أنه لا معتبر بعد الشبع إلى
مقدار الطعام حتى روي عن أبي حنيفة في كفارة
اليمين لو قدم أربعة أرغفة إلى عشرة مساكين
وشبعوا أجزأه وإن لم يبلغ ذلك صاعا أو نصف صاع
كذا في "التتارخانية": وإلى أنه لا بد من
الإدام في خبز الشعير والذرة ليمكنهم
الاستيفاء إلى الشبع بخلاف خبز البر وقد اختلف
المشايخ في جواز إطعام خبز الشعير بالإدام
بناء على أن محمدا نص على خبز البر في
"الزيادات" فقال البعض: لا يجوز بخبز الشعير
وبعضهم جوزه مع الإدام وإليه مال الكرخي كما
في "التتارخانية".
وفي "الينابيع": لو أطعم مائة وعشرين مسكينا
في يوم واحد أكلة واحدة مشبعة لم يجز إلا عن
نصف الإطعام فإن أعاده على ستين مسكينا أجزأه
ا ه.
وفي "البدائع": أوصى بأن يكفر عنه فأطعم
الوصي الغداء للعدد المنصوص عليه ثم ماتوا قبل
العشاء يستأنف فيغدي ويعشي غيرهم؛ لأنه لا
سبيل إلى التفريق ولا يضمن الوصي شيئا؛ لأنه
غير متعد؛ إذ لا صنع له في الموت ا ه. وينبغي
أن المكفر إذا غدى العدد ثم غابوا أن ينتظر
حضورهم أو يعيد الغداء مع العشاء على عدد
غيرهم وينبغي في الوصي أن ينتظر لرجاء حضورهم.
"قوله وإن أعطى فقيرا شهرين/ صح"؛
لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد
بتجدد الأيام فتكرر المسكين بتكرر الحاجة حكما
فكان تعدادا حكما قيد بالتمليك؛ لأنه لو أطعم
مسكينا غداه وعشاه ستين يوما لا يجزئه في قول
أبي يوسف الأخير كما في "التتارخانية":
فيحتاج إلى الفرق بين الإباحة والتمليك في حق
الواحد والحق أن لا فرق على المذهب لما في
"البدائع" لو أعطى طعام عشرة مساكين في كفارة
اليمين في عشرة أيام لمسكين واحد وغداه
ج / 4 ص -169-
ولو في يوم لا إلا عن يومه، ولا يستأنف بوطئها
في خلال الإطعام، ولو أطعم عن ظهارين
ستين فقييراً كل فقير صاعاً صح عن واحد، وعن
إفطار وظهار صح عنهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعشاه عشرة أيام أجزأه عندنا، وفي "المصباح"
الخلة بالفتح الفقر والحاجة.
"قوله: ولو في يوم لا إلا عن يومه"
أي: لو أعطى فقيرا ثلاثين صاعا في يوم لا
يجزئه إلا عن واحد لفقد التعدد حقيقة وحكما
لعدم تجدد الحاجة أطلقه فشمل ما إذا أعطاه
بدفعة واحدة أو متفرقا على الصحيح كما في
"المحيط"، وفي طعام الإباحة لا يجوز في يوم
واحد وإن فرق بلا خلاف كما في "التتارخانية":
والكسوة في كفارة اليمين كالإطعام حتى لو أعطى
مسكينا واحدا عشرة أثواب في عشرة أيام يجوز في
كفارة اليمين لتجدد الحاجة حكما باعتبار تجدد
الزمان، وفي "البدائع" في كفارة اليمين لو غدى
رجلا واحدا عشرين يوما أو عشى واحدا عشرين
يوما أجزأه عندنا، وفي "المحيط": لو أعطى
مسكينا عن فدية صوم يومين عليه فعن أبي يوسف
روايتان في رواية يجزئه عنهما، وفي رواية لا
يجزئه قيل، وهذا قول أبي حنيفة كما في كفارة
اليمين.
"قوله ولا يستأنف بوطئها في خلال الإطعام"؛
لأن الله تعالى إنما شرط في التحرير والصوم أن
يكون قبل التماس ولم يشترطه في الإطعام ولا
يحمل المطلق على المقيد وإن وردا في حادثة
واحدة بعد أن يكونا حكمين كذا في "الكافي" إلا
أنه منع من الوطء قبله لجواز أن يقدر على
الصوم والإعتاق فتنتقل الكفارة إليهما فيتبين
أن الوطء كان حراما.
"قوله: ولو أطعم عن ظهارين ستين فقيرا كل
فقير صاعا صح عن واحد وعن إفطار وظهار وصح
عنهما"؛ لأنه في الأول زاد في
قدر الواجب ونقص عن المحل فلا يجوز إلا بقدر
المحل؛ لأن النية في الجنس الواحد لغو وفي
الجنسين معتبرة، وكذلك لو أطعم عشرة مساكين عن
يمينين لكل مسكين صاعا فهو على هذا الخلاف كذا
في "البدائع" أطلقه فشمل ما إذا كان الظهاران
لامرأتين أو لواحدة.
والحاصل: أن النقصان عن العدد لا يجوز
فالواجب في الظهارين إطعام مائة وعشرين فلا
يجوز صرف الواجب إلى الأقل كما لو أطعم ثلاثين
مسكينا لكل واحد صاعا فإنه لا يكفي عن ظهار
واحد والمراد بالمدفوع البر؛ إذ لو كان تمرا
أو شعيرا فموضوع المسألة أعطى لكل فقير صاعين
ولا بد من تقييد المسألة بأن يكون دفعها دفعة
واحدة أما لو كان بدفعات جاز اتفاقا كما في
"الكافي" معللا بأنه في المرة الثانية كمسكين
آخر ورجح في "فتح القدير": قول محمد بأنه كما
يحتاج إلى نية التعيين عند اختلاف الجنس يحتاج
إليها لتمييز بعض أشخاص ذلك الجنس وقد اعتبروا
ذلك في العتق فإنه لو كان عليه كفارتا ظهار
لامرأتين فأعتق عبدا ناويا عن إحداهما صح
تعيينه ولم يلغ وحل له وطؤها مع اتحاد الجنس
فليصح في الإطعام لثبوت غرضه وهو حلهما معا.
ج / 4 ص -170-
ولو حرر عبدين عن ظهارين، ولم يعين عنهما
ومثله الصيام والإطعام، وإن حرر عنهما رقبة،
أو صام شهرين صح عن واحد، وعن ظهار، وقتل لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ولو حرر عبدين عن ظهارين ولم يعين صح
عنهما ومثله الصيام والإطعام"
حتى لو صام عنهما أربعة أشهر أو أطعم عنهما
مائة وعشرين مسكينا صح عنهما من غير تعيين؛
لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى نية التعيين قيد
بقوله عن ظهارين؛ لأنه لو كان عليه كفارة يمين
وكفارة ظهار وكفارة قتل فأعتق عبيدا عن
الكفارات لا يجزئه عن الكفارة ولو أعتق كل
رقبة ناويا عن واحد منها لا بعينها جاز
بالإجماع ولا يضر جهالة المكفر عنه كذا في
"المحيط".
"قوله وإن حرر عنهما رقبة أو صام شهرين صح عن
واحد وعن ظهار وقتل لا"؛ لأن
نية التعيين في الجنس الواحد لغو، وفي المختلف
مفيد فإذا لغا له أن يعين أيهما شاء ويجامع مع
تلك المرأة التي عينها وأراد بالرقبة المؤمنة،
أما لو أعتق كافرة عن ظهار وقتل كان عن الظهار
وإن اختلف الجنس؛ لأن الكافرة لا تصلح لكفارة
القتل وجعل له في "البدائع" نظيرا حسنا هو ما
إذا جمع بين المرأة وبنتها أو أختها ونكحهما
معا فإن كانتا فارغتين لم يصح العقد على كل
منهما وإن كانت إحداهما متزوجة صح في الفارغة،
والأصل أن ما اختلف سببه فهو المختلف وما اتحد
سببه فهو المتحد فالصلوات كلها من قبيل
المختلف حتى الظهرين من يومين وصوم أيام رمضان
من قبيل المتحد إن كان في سنة واحدة وإن كان
من سنتين فهو من قبيل المختلف. ولو نوى ظهرا
أو عصرا أو صلاة جنازة لم يكن شارعا في واحدة
منهما للتنافي وعدم الرجحان، ولو نوى ظهرا
ونفلا لم يكن شارعا أصلا عند محمد للتنافي
وعند أبي يوسف يقع عن الفرض؛ لأنه أقوى، ولو
نوى صوم القضاء والنفل أو الزكاة والتطوع أو
الحج المنذور، والتطوع يكون تطوعا عند محمد
لبطلانهما بالتعارض فانصرف إلى النفل وعن أبي
يوسف يقع عن الأقوى ترجيحا له عند التعارض،
ولو نوى حجة الإسلام والتطوع فهو عن الحجة
اتفاقا للقوة عند الثاني ولبطلان الجهة
بالتعارض وهي تتأدى بالمطلق.
ثم اعلم/ أن من عليه كفارات أيمان أعتق عن
إحداهن وأطعم عن أخرى وكسا عن أخرى أو أعتق
عنها عبدا ولا ينوي كل واحدة بعينها جاز
استحسانا خلافا لزفر نظرا إلى أنهما مختلفان
ونحن نقول الجنس متحد فهو كالصوم بخلاف صلاة
الظهر؛ لأنه نية التعيين ثمة لم تشترط باعتبار
أن الواجب مختلف متعدد بل باعتبار أن مراعاة
الترتيب واجبة عليه ولا يمكنه مراعاة الترتيب
إلا بنية التعيين حتى لو سقط الترتيب بكثرة
الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير، كذا في
"المحيط": وهو تفصيل حسن في الصلوات ينبغي
حفظه. والحاصل: أنه إذا نوى شيئين فإن كانا
فرضين لم يصح اتفاقا وإن كان أحدهما فرضا
والآخر نفلا فعند أبي يوسف يقع عن الأقوى سواء
ج / 4 ص -171-
كان
الأقوى يتأدى بمطلق النية كالصوم والحج أو لا
كالصلاة وعند محمد في الأول يقع عن الفرض؛
لأنه لما بطلت النيتان للتعارض بقي مطلق النية
وفي الثاني لم يصح، وفي "فتح القدير": ومما
يعكر على الأصل الممهد ما عن أبي يوسف في
"المنتقى" لو تصدق عن يمين وظهار فله أن يجعله
عن أحدهما استحسانا، وقدمنا في باب شروط
الصلاة مسائل من هذا النوع فارجع إليه. وقولهم
هنا لو نوى ظهرا أو عصرا أو صلاة جنازة بواو
العطف في صلاة الجنازة؛ لأنها لو كانت بأو لم
يصح؛ لأنهم قالوا لو نوى ظهرا أو صلاة جنازة
كان عن الظهر كما قدمناه، ثم اعلم أن قولهم أن
نية التعيين في الجنس الواحد لغو يرد عليه ما
لو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين فأعتق عبدا
عن إحداهما صح التعيين وله أن يطأ التي كفر
عنها دون الأخرى ولم يجب عنه في "فتح
القدير": وهو بناء على ما فهمه من ظاهر
العبارة أن المراد أن نية تعيين بعض الأفراد
في الجنس المتحد لغو وقد قرر المراد في
"النهاية" بما يدفع الإيراد فقال أراد به
تعميم الجنس بالنية ألا ترى أنه إذا عين ظهار
إحداهما للتكفير صح وحل له قربانها كذا في
"الفوائد الظهيرية" والله أعلم.
10- باب اللعان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10- باب اللعان
مصدر "لاعن"
ملاعنة ولعانا يقال لاعن امرأته ملاعنة
ولعانا، وتلاعنا والتعنا لعن بعض بعضا، ولاعن
الحاكم بينهما لعانا حكم، والتلعين التعذيب
ولعنه كجعله طرده وأبعده فهو لعين وملعون
والجمع ملاعين والاسم اللعان واللعانية واللعن
بالضم من يلعنه الناس واللعنة كهمزة الكثير
اللعن لهم واللعين من يلعنه كل واحد كالملعن
والشيطان والممسوخ والمشئوم والمسيب وما يتخذ
في المزارع كهيئة الرجل والمخزى المهلك كذا في
"القاموس". والأصل فيه الآيات التي في سورة
النور وهو قوله تعالى
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ
عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ
أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ
اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 6، 7، 8، 9، 10] وقد اختلف في سبب نزولها فروى البخاري عن
ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف
امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه
وسلم:
"البينة وإلا حد في ظهرك" فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس
البينة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:
"البينة وإلا حد في ظهرك" فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله تعالى ما يبرئ
ظهري من الحد فنزل جبريل فأنزل الله
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}
ج / 4 ص -172-
هي
شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونه باللعن قائمة
مقام حد القذف في حقة، ومقام حد الزنا في حقها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى بلغ
{إن
كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما
فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول:
"الله يعلم أن
أحدكما كاذب فهل منكما تائب" ثم
قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وعظها
وقال: "إنها موجبة" فتلكأت ونكصت حتى ظننا
أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم
فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أبصروها
فإن جاءت به أكحل العينين شائع الأليتين خدلج
الساقين فهو لشريك بن سحماء" فجاءت به كذلك
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لولا ما مضى من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن"1. في "المصباح" خدلج أي: ضخم وأخرج البخاري أيضا عن سهل بن سعد
قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال سل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع
امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل
عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلقيه عويمر فقال:
ما صنعت إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فعاب السائل فقال عويمر والله
لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه
فأتاه فوجده قد أنزل عليه فدعا بها فلاعن
بينهما فقال عويمر إن انطلقت بها يا رسول الله
فقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره النبي
صلى الله عليه وسلم فصارت سنة للمتلاعنين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أبصروها فإن جاءت به أسحم العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق
وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا
كاذبا"2 فجاءت به مثل النعت المكروه. وذكر البقاعي أنه لا يمتنع أن يكون
للآية الواحدة عدة أسباب معا أو متفرقا ا ه.
وتمام الروايات باختلاف طرقها في "الدر
المنثور" للجلال الأسيوطي رحمه الله تعالى.
"قوله هي شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة
باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد
الزنا في حقها"، وهذا بيان
للركن فدل على اشتراط أهليتهما للشهادة في حق
كل منهما كما سيصرح به لا أهلية اليمين كما
ذهب إليه الشافعي ودل على أنهما لو التعنا عند
قاض فلم يفرق بينهما حتى مات أو عزل فإن
الثاني يعيد اللعان كما لو شهدا عنده فمات أو
عزل قبل القضاء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري من حديث ابن عباس في الطلاق،
باب يبدأ الرجل بالتلاعن "5307" ومسلم من حديث
أنس بن مالك في اللعان برقم "1496"، وأبو داود
في الطلاق، باب في اللعان "2256". والنسائي في
الطلاق، باب اللعان في قذف الرجل زوجته برجل
بعينه "6/172".
2 أخرجه البخاري في الطلاق، باب اللعان من طلق
بعد اللعان "5308". ومسلم في اللعان برقم
"1492". وأبو داود في الطلاق، باب اللعان
"2245". والنسائي في الطلاق، باب بدء اللعان
"6/171" وابن ماجه كتاب الطلاق "2066". وأسحم
العينين أي أسود العينين. وأحيمر تصغير أحمر.
وكأنه وحرة: بفتح الواو والحاء المهملة دويبة
تترامى على الطعام واللحم فتفسده وهي نوع من
الوزغ ا ه. فتح الباري شرح صحيح البخاري
"9/453".
ج / 4 ص -173-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كذا في "البدائع" والمراد بكونه قائما مقام حد
القذف في حقه أن يكون بالنسبة إليها لا مطلقا،
إذ لو كان مطلقا لم تقبل شهادته أبدا مع أنها
مقبولة كما ذكره الشارح في حد القذف وفي
"الاختيار" لا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا.
ولو قذف بكلمة أو بكلمات أربع زوجات له بالزنا
لا يكفيه لعان واحد لهن بل لا بد من أن يلاعن
كلا منهن على حدة بخلاف ما إذا قذفها مرارا
حيث يجب لعان واحد كما لو قذف أجنبية مرارا أو
أجنبيات بكلمة أو كلمات يجب حد واحد لحصول
المقصود وهو دفع العار عنهن ولا يحصل ذلك في
اللعان إلا بالنسبة إلى كل واحدة، ولو قذفهن
ولم يكن من أهل اللعان اكتفي بحد واحد للكل
للتداخل كذا في "البدائع" والمراد بكونه قائما
مقام حد الزنا في حقها أن يكون بالنسبة إلى
الزوج حتى لا يثبت اللعان بالشهادة على
الشهادة ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا
بشهادة النساء وإذا قذفها إنسان بعد اللعان إن
رماها زوجها بالزنا ثم قذفها هو أو غيره حد؛
لأمؤكد لعفتها، وإن قذفها بنفي الولد ثم قذفها
هو أو غيره لا يحد لوجود أمارة الزنا وإن أكذب
نفسه بعد اللعان ثم قذفها هو أو غيره حد
القاذف سواء كان اللعان بالزنا أو بنفي الولد
وسببه قذفه لزوجته يوجب الحد في الأجنبية
وأهله أهل الأداء للشهاد، وحكمه حرمة الوطء
بعد التلاعن ولو قبل التفريق بينهما، ووجوب
التفريق بينهما ووقوع البائن بالتفريق واستفيد
من كونه قائما مقام الحد سواء كان بالنسبة
إليه أو إليها أنه لا يحتمل العفو والإبراء
والصلح على مال حتى لو صالحها على الترك بمال
ردت المال ولها المطالبة بعد العفو وأنه لا
يحتمل التوكيل إلا في إثباته على قول الإمام
كالحدود، كذا في "البدائع" واعلم أنه ليس
المراد أن اللعان قائم مقام الحدين في حالة
واصادقة وقائم مقام حد الزنا في حقها إن كانت
كاذبة وهو صادق فافهم. وفي "البدائع"، وأما
شرائط وجوب اللعان فبعضها يرجع إلى القاذف
خاصة وبعضها إلى المقذوف خاصة وبعضها إليهما
جميعا وبعضها إلى المقذوف به وبعضها إلى
المقذوف فيه وبعضها إلى نفس القذف.
أما الأول فواحد وهو عدم إقامة البينة على
صدقه، وأما الثاني فإنكارها وجود الزنا منها
وعفتها عنه، وأما الثالث فالزوجية بينهما
والحرية والعقل والإسلام والبلوغ والنطق وعدم
الحد في قذف فلا لعان في قذف المنكوحة فاسدا
ولا يقذف المبانة، ولو واحدة بخلاف قذف
المطلقة رجعيا، ولو قذف زوجته بزنا كان قبل
الزوجية وجب اللعان ولا لعان بقذف زوجته
الميتة، وقال الشافعي يلاعن على قبرها.
وأما ما يرجع إلى المقذوف به فهو الزنا، وأما
المقذوف فيه فدار الإسلام، وأما نفس القذف
ج / 4 ص -174-
ولو قذف زوجته بالزنا وصَلَُحَا شاهدين، وهي
ممن يحد قاذفها، أو نفى نسب الولد،
وطالبته بموجب القذف وجب اللعان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالرمي بصريح الزنا وسيأتي في الحدود.
"قوله: ولو قذف زوجته بالزنا وصلحا شاهدين
وهي ممن يحد قاذفها أو نفى نسب الولد وطالبته
بموجب القذف وجب اللعان" أي:
بصريح الزنا الموجب للحد في الأجنبية فلو
قذفها بعمل قوم لوط فلا لعان عنده وعندهما يجب
اللعان بناء على الحد كما في "البدائع"، وفي
"التتارخانية": رجل قذف امرأة رجل فقال الزوج
صدقت هي كما قلت كان قاذفا حتى يلاعن، ولو قال
صدقت مطلقا من غير زيادة لم يكن قاذفا ا ه.
وضمير صلحا للزوجين وأطلقها فشمل غير المدخولة
والمراد صلاحيتهما لأدائها على المسلم لا
للتحمل فلا لعان بين كافرين وإن قبلت شهادة
بعضهم على بعض عندنا؛ لأن اللعان شهادات
مؤكدات بالأيمان فلا يكتفى بأهلية الشهادة بل
لا بد معها من أهلية اليمين والكافر ليس من
أهل الكفارة كذا في "البدائع" ولا بين كافرة
ومسلم ولا بين مملوكين ولا إذا كان أحدهما
مملوكا أو صبيا أو مجنونا أو محدودا في قذف
ولا يرد عليه لعان الأعمى والفاسق فإنه يجري
بين الأعميين والفاسقين مع أنهما لا تقبل
شهادتهما؛ لأنهما من أهل الأداء إلا أنه لا
تقبل للفسق في الفاسق ولعدم التمييز في الأعمى
حتى لو قضى قاض بشهادة الفاسق والأعمى صح
قضاؤه بخلاف ما إذا قضى بشهادة المملوك أو
الصبي فإنه لا يصح ولم يحتج إلى التمييز؛ لأن
المشهود عليه الزوجية وهو قادر على أن يفصل
بين نفسه وامرأته وروى ابن المبارك عن الإمام
أن الأعمى لا يلاعن.
وقيد بكونها ممن يحد قاذفها احترازا عما لو
كانت وطئت بنكاح فاسد أو كان لها ولد وليس له
أب معروف أو زنت في عمرها، ولو مرة أو وطئت
وطئا حراما، ولايجري اللعان وتفرع على هذا
الشرط لو قذفها فتزوجت غيره فادعى الأول الولد
لزمه وحد للقذف وإن ولدت من الثاني لا شيء
عليه إن كان قبل إكذاب الأول وإن كان بعد
الإكذاب لاعن كما في "التتارخانية": ولما
كانت المرأة هي المقذوفة دونه اختصت باشتراط
كونها ممن يحد قاذفها بعد اشتراط أهلية
الشهادة ولما كان الزوج ليس مقذوفا وإنما هو
شاهد اشترط في حقه كما اشترط في حقها أهلية
الشهادة ولم تشترط عفته؛ لأنه لو كان فاسقا
بالزنا جرى اللعان بينه وبينها وإن كان لا يحد
قاذفه لما قدمناه من جريانه بين الفاسقين فهذا
وجه تخصيصها بهذا الشرط كما حققه الشارح ردا
على صاحب "النهاية" وأراد بكونها ممن يحد
قاذفها أن تكون عفيفة عن الزنا فقط؛ لأن كونها
من أهل الشهادة يدل على اشتراط الحرية
والتكليف والإسلام فلم يبق من شرائط
ج / 4 ص -175-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحصان إلا العفة كما أفاده في "شرح
الوقاية". وأراد بنفي نسب الولد نفي نسب ولدها
وأطلقه فشمل ولدها منه أو من غيره بأن يقول
هذا الولد من الزنا أو هذا الولد ليس مني وما
إذا صرح معه بالزنا أو لم يصرح على مختار صاحب
"الهداية" والشارح خلافا لما في "المحيط":
والمبتغى والحق الإطلاق؛ لأن قطع النسب من كل
وجه يستلزم الزنا فلا عبرة باحتمال كون الولد
من غيره بوطء بشبهة ولهذا قال في "البدائع"
هذا الاحتمال ساقط بالإجماع للإجماع على أنه
إن نفاه عن الأب المشهور بأن قال له لست لأبيك
يكون قاذفا لأمه حتى يلزمه حد القذف مع وجود
هذا الاحتمال وقد ظهر لي أن قول من قال لا يجب
حد ولا لعان بنفي الولد عن أبيه إذا لم يصرح
بالزنا محمول على حالة الرضا وقول من أوجبه
وإن لم يصرح به محمول على حالة الغضب وبه
يندفع إلزام التناقض على صاحب "الهداية"
و"الدراية" وإنما حملناه على ذلك لتصريحهم
بالتفصيل في باب حد القذف والله الموفق بخلاف
قوله وجدت معها رجلا يجامعها فإنه ليس بقذف؛
لأن الجماع لا يستلزم الزنا وقيد بطلبها؛
لأنها لو لم تطالبه فلا لعان؛ لأنه حقها لدفع
العار عنها فيشترط طلبها ولا بد من كونه في
مجلس القاضي كذا في "البدائع" ومراده طلبها
إذا كان القذف بصريح الزنا إما بنفي الولد
فالطلب حقه أيضا لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده
عنه وأشار بعدم اشتراط الفور في الطلب إلى أن
سكوتها لا يبطل حقها وإن طالت المدة؛ لأن
تقادم الزمان لا يوجب بطلان الحق في القذف
والقصاص كما ذكره الإسبيجابي وزاد في
"الجوهرة" وحقوق العباد، وفي "خزانة الفقه"،
ولو سكتت ولم ترفع إلى الحاكم كان أفضل وينبغي
للحاكم أن يقول لها اتركي وأعرضي عن هذا؛ لأنه
دعاء إلى الستر فإن تركت مدة ثم خاصمت فلها
ذلك كما في "البدائع" ولا يخفى أن وجوب اللعان
مقيد بعجزه عن إقامة البينة على زناها وعدم
إكذاب نفسه بعده وعدم تصديقها له. فإن أقام
بينة على زناها فإن كانوا أربعة رجال رجمت لو
محصنة وجلدت لو غير محصنة وإن كانا رجلين فقط
على إقرارها بالزنا يندرئ اللعان ولا تحد
المرأة، وكذا لو كانا رجلا وامرأتين شهدوا على
تصديقها فلا حد عليهما ولا لعان، وهذا كله إذا
أقر بالقذف فإن أنكره فأقامت رجلين وجب اللعان
لا رجلا وامرأتين وإن لم يكن لها بينة لا
يستحلف الزوج ذكره الإمام الإسبيجابي رحمه
الله وتقبل شهادة الزوج على زناها مع ثلاثة إن
لم يكن قذفها وإلا فلا تقبل وتحد الثلاثة حد
القذف ويلاعن الزوج، ولو لم يقذفها وشهد مع
ثلاثة غير عدول فلا حد عليه ولا على الثلاثة
ولا لعان كذا في "المحيط": وفيه أيضا، ولو
شهدا على أبيهما أنه قذف ضرة أمهما لا تقبل؛
لأنهما بشهادتهما يشهدان لأمهما بخلوص الفراش
لها؛ لأن اللعان سبب الفرقة حتى لو كان أبوهما
محدودا في قذف تقبل؛ لأن هذا القذف موجب للحد
دون اللعان. قال ولا بد في وجوب اللعان من أن
لا يقذف أمها فلو قال لها يا زانية
ج / 4 ص -176-
فإن أبي حبس حتى يلاعن، أو يكذب نفسه، فيحد
فإن لا عن وجب عليها اللعان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنت الزانية وجب الحد لقذف أمها واللعان
لقذفها فإن اجتمعا على المطالبة بدأ بحده
ليسقط اللعان بخروجه عن أهلية الشهادة وإن لم
تطالب الأم وطالبته المرأة وجب اللعان ويحد
للأم بطلبها بعده في "ظاهر الرواية" وذكر
"الطحاوي" أنه لا يحد بعد اللعان، وهذا غير
سديد لعدم المانع من إقامته وإن كانت أمها
ميتة فلها المطالبة بهما فإن خاصمته فيهما بدأ
بالحد ليسقط اللعان وإن بدأت بالخصومة لنفسها
وجب اللعان ثم لها المطالبة بقذف أمها فيحد له
وعلى هذا التفصيل لو قذف أجنبية بالزنا ثم
نكحها ثم قذفها فلها المطالبة باللعان والحد
كذا في "البدائع".
والحاصل: أنه إذا اجتمع قذفان، وفي تقديم
موجب أحدهما إسقاط الآخر بدأ بالمسقط كما إذا
قذفها وقذفته فإنه يبدأ بحدها ليسقط اللعان
كما سيأتي في باب حد القذف.
وفي "المحيط": لو قال لها أنت طالق ثلاثا يا
زانية وجب الحد ولا لعان، ولو قال يا زانية
أنت طالق ثلاثا فلا حد ولا لعان ا ه.
ولو قال قذفتك قبل أن أتزوجك أو قد زنيت قبل
أن أتزوجك فهو قذف في الحال فيلاعن وما في
"خزانة الأكمل" من أنه يلاعن في قوله زنيت
ويحد في قوله قذفتك قبل أن أتزوجك أوجه كذا في
"فتح القدير".
"قوله فإن أبى حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه
فيحد"؛ لأنه حق مستحق عليه
وهو قادر على إيفائه فيحبس حتى يأتي بما هو
عليه أو يكذب نفسه ليرتفع السبب في اللعان وهو
التكاذب هكذا قالوا والتحقيق أن القذف هو
السبب فإن التكاذب شرط قيد وجوب الحد بالإكذاب
لعدم وجوبه بمجرد الامتناع من اللعان، وهذا هو
المذكور في "ظاهر الرواية" كما نص عليه الحاكم
في "الكافي" وبه علم أن ما ذكره الولوالجي من
وجوب الحد عليه بمجرد امتناعه سهو ليس مذهبا
لأصحابنا وحمله في "غاية البيان" على أنه قول
بعض المشايخ بعيد لتوقفه على النقل ولأن
الولوالجي ذكر أنها لو امتنعت بعد لعانه تحد
حد الزنا ولم يقل به أحد من أصحابنا كما
سنوضحه.
"قوله فإن لاعن وجب عليها اللعان"
لما قدمناه1 أفاد أن لعانها مؤخر عن لعانه؛
لأنه في حكم الشاهد عليها بقذفه وهي مسقطة
بشهادتها ما حققه عليها من الزنا فلا يصح أن
تبتدئ المرأة كما لا يصح أن يبتدئ المدعى عليه
بما يسقط الدعوى عن نفسه كذا في "شرح الأقطع"،
وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "171".
ج / 4 ص -177-
فإن أبت حبست حتى تلاعن، أو تصدقه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الاختيار": فإن التعنت المرأة أولا ثم الزوج
أعادت ليكون على الترتيب المشروع فإن فرق
بينهما قبل الإعادة جاز؛ لأن المقصود تلاعنهما
وقد وجد.
"قوله
فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه"
لما قدمناه1 ولم يقل أو تصدقه فتحد للزنا كما
وقع في بعض نسخ "القدوري" لكونه غلطا؛ لأن
الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق
مرة وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات؛ لأن
التصديق ليس بإقرار قصدا فلا يعتبر في حق وجوب
الحد ويعتبر في درئه ليندفع به اللعان ولا يجب
به الحد، ولو صدقته في نفي الولد فلا حد ولا
لعان وهو ولدهما؛ لأنهما لا يملكان إبطال حقه
قصدا والنسب إنما ينتفي باللعان ولم يوجد
وبهذا ظهر أن ما قاله في "شرح الوقاية" وتبعه
شارح النقاية من أنها إذا صدقته ينتفي نسب
ولدها منه غير صحيح كما نبه عليه في شرح الدرر
والغرر ولم يذكر المؤلف حكم ما إذا امتنعا من
اللعان بعد ما ترافعا. وصرح الإسبيجابي في شرح
الطحاوي أنهما يحبسان إذا امتنعا من اللعان
بعد الثبوت وينبغي حمله على ما إذا لم تعف
المرأة أما إذا عفت فإنه لا يحبسهما كما لو
عفا المقذوف فإنا، وإن قلنا: لا يصح العفو في
حد القذف واللعان إلا أنهما لا يقامان إلا
بطلب كما سنوضحه في باب حد القذف فإن قلت ظاهر
الآية يشهد للشافعي القائل بأنها إذا امتنعت
من اللعان تحد حد الزنا وهي قوله تعالى
{وَيَدْرَأُ
عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ}
[النور: 8] أي: الحد؛ لأن اللام للعهد
الذكري أي: العذاب المذكور السابق وهو الحد
قلنا: المراد منه الحبس كقوله تعالى في آية
الهدهد
{لأُعَذِّبَنَّهُ} [النمل: 21] ورد في التفسير لأحبسنه والاختلاف مبني على أن الأصل
في قذف الزوجات عند الشافعي الحد عملا بالآية
الأولى وهي قوله تعالى
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] الآية وبين بآية اللعان أن القاذف إذا كان زوجا له أن
يدفع الحد عنه باللعان وإذا كان المقذوف زوجة
القاذف لها أن تدفع حد الزنا عنها بلعانها
فأيهما امتنع عن اللعان وجب الأصل وهو الحد.
وعندنا آية اللعان ناسخة للأولى في حق
الزوجات؛ لأن الخاص المتأخر عن العام ينسخ
العام بقدره فلم تبق الآية الأولى متناولة
للزوجات فصار الواجب بقذف الزوجة اللعان
فأيهما امتنع عنه حبس حتى يأتي به كالمديون
إذا امتنع عن إيفاء حق عليه ولذا لما قذف هلال
زوجته قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
"البينة وإلا حد في ظهرك"2
فدل على أنه كان في الابتداء يوجب الحد كقذف
الأجنبيات ثم لما نزلت آية اللعان انتسخ في حق
الزوجات كما في "البدائع" و"العناية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "175-176".
2 انظر الصفحة: "4/121".
ج / 4 ص -178-
فإن لم يصلح شاهداً حد، وإن صلح وهي ممن لا
يحد قاذفها فلا حد، ولا لعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله فإن لم يصلح شاهدا حد"؛
لأنه لما تعذر اللعان لمعنى من جهته لا من
جهتها صير إلى الموجب الأصلي وهو حد القذف
وعدم صلاحيته للشهادة بكونه عبدا أو محدودا في
قذف أو كافرا بأن أسلمت ثم قذفها قبل عرض
الإسلام عليه قيدنا به؛ لأن الزوج لو كان صبيا
أو مجنونا فلا حد ولا لعان والأصل أن اللعان
إذا سقط لمعنى من جهته فإن كان القذف صحيحا
وجب الحد عليه وإن لم يكن القذف صحيحا فلا حد
ولا لعان كذا في "البدائع" فلو قال فإن لم
يصلح شاهدا وكان أهلا للقذف حد لكان أولى وفي
"الينابيع" زوجان كافران أسلمت المرأة ولم
يسلم الزوج ولم يعرض القاضي الإسلام عليه حتى
قذفها بالزنا وجب عليه الحد فإن أقيم بعض الحد
ثم أسلم فقذفها ثانيا. قال أبو يوسف: أقيم
عليه بقية الحد ثم يلاعنا وقال زفر: لا لعان
بينهما، وفي النافع وإن كانا ذميين فأسلمت
المرأة وقذفها قبل أن يعرض الإسلام عليه فلا
لعان ويحد الزوج كذا في "التتارخانية".
"قوله وإن صلح وهي ممن لا يحد قاذفها فلا حد
ولا لعان"؛ لأنها إن لم تكن
عفيفة فهو صادق في قوله وإن كانت صغيرة أو
مجنونة أو محدودة في قذف فلفقد أهليتها
للشهادة، أما في الصغيرة والمجنونة فظاهر،
وأما في المحدودة العفيفة فلأن قذفه مع أهلية
اللعان إنما يوجب اللعان، فإذا امتنع لعدم
أهليتها له امتنع الحد أيضا وإن كانت ممن يحد
قاذفها فلو قال وإن صلح وهي ليست أهلا للشهادة
لكان أولى ليدخل المحدودة في قذف ولم تدخل في
عبارته؛ لأنها ممن يحد قاذفها كما لا يخفى ولم
يتعرض صريحا لما إذا لم يصلحا لأداء الشهادة
وقد فهم من اشتراطه أولا أنه لا لعان، وأما
الحد فإن كانا صغيرين أو مجنونين أو كافرين أو
مملوكين فلا يجب، وأما إذا كانا محدودين في
قذف فإنه يجب الحد عليه؛ لأن امتناع اللعان
لمعنى من جهته، وكذا إذا كان هو عبد أو هي
محدودة في قذف يحد؛ لأن قذف العفيفة، ولو كانت
محدودة موجب للحد مطلقا.
قيد بنفي الحد واللعان؛ لأن التعزير واجب؛
لأنه آذاها وألحق الشين بها فيجب حسما لهذا
الباب كذا في "الاختيار" وفي "الكافي" وإن
كانا محدودين في قذف فعليه الحد؛ لأن قذفه
باعتبار حاله غير موجب للعان فيكون موجبا للحد
ولا يجوز أن يقال امتناع جريان اللعان لكونها
محدودة؛ لأن أصل القذف من الرجل وإنما يظهر
حكم المانع في حقها بعد قيام الأهلية في جانبه
فأما بدون الأهلية في جانبه معتبر بحالها ا ه.
وتحقيقه كما في "العناية" أن المانع من الشيء
إنما يعتبر مانعا إذا وجد المقتضي؛ لأنه عبارة
عما ينفى به الحكم مع وجود المقتضي وإذا لم
يكن الزوج أهلا للشهادة لم ينعقد قذفه مقتضيا
للعان فلا يعتبر المانع والقذف في نفسه موجب
للحد فيحد بخلاف ما إذا وجدت الأهلية من جانبه
فإنه ينعقد قذفه مقتضيا له فإذا ظهر عدم
أهليتها بطل
ج / 4 ص -179-
وصفته ما نطق به النص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقتضي فلا يجب الحد؛ لأنه إنما انعقد اللعان
وقد أبطله المانع ا ه.
ثم الإحصان يعتبر عند القذف حتى لو قذفها وهي
أمة أو كافرة ثم أسلمت أو أعتقت لا حد ولا
لعان كذا ذكره الشارح.
ثم اعلم أن اللعان بعد وجوبه يسقط بالطلاق ولا
يجب الحد ولا يعود اللعان بتزوجها بعده؛ لأن
الساقط لا يعود ويسقط بزناها ووطئها بشبهة
وبردتها، وإن أسلمت بعده لا يعود بإكذابه نفسه
ولا يحد بخلاف ما إذا أكذب نفسه بعد اللعان
وبموت شاهد القذف وغيبته بخلاف ما لو عميا أو
فسقا أو ارتدا كما في "فتح القدير": ، ولو
أسند الزنا بأن قال زنيت وأنت صبية أو مجنونة
وهو معهود وهي الآن أهل فلا لعان بخلاف وأنت
ذمية أو أمة أو منذ أربعين سنة وعمرها أقل
تلاعنا لاقتصاره كما في "فتح القدير": أيضا.
"قوله وصفته ما نطق به النص"
أي: صفة اللعان ما دلت عليه آية اللعان من
الابتداء بالزوج ثم بالزوجة بالألفاظ المخصوصة
وظاهره أنه متعين وقدمنا1 أن المرأة لو بدأت
ثم الزوج أعادت، ولو فرق القاضي قبل إعادتها
صح، وفي الغاية تجب الإعادة وقد أخطأ السنة
ورجحه في "فتح القدير": بأنه الوجه وهو قول
مالك؛ لأن النص أعقب الرمي بشهادة أحدهم
وشهادتها الدارئة للحد عنها بقوله ويدرأ عنها
العذاب ولأن الفاء دخلت على شهادته على وزان
ما قلنا في سقوط الترتيب في الوضوء من أنه
أعقب جملة الأفعال للقيام إلى الصلاة وإن كان
دخول الفاء على غسل الوجه فانظره ثمة ا ه.
والظاهر: أنه أراد بالصفة الركن كقولهم باب
صفة الصلاة أي: ماهيتها فيكون بيانا للشهادات
الأربع وإنما أولناه بذلك؛ لأن صفته على وجه
السنة لم ينطق به النص وإنما ورد في السنة
فالذي نقله المشايخ أن القاضي يقيمهما
متقابلين ويقول له التعن فيقول الزوج أشهد
بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من
الزنا، ويقول في الخامسة لعنة الله عليه إن
كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا يشير
إليها في كل مرة ثم تقول المرأة أربع مرات
أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من
الزنا وتقول في الخامسة غضب الله عليها إن كان
من الصادقين فيما رماني به من الزنا وإنما ذكر
الغضب في جانبها في الخامسة لأنهن يستعملن
اللعن كثيرا كما في الحديث: "يكثرن اللعن"2
فكان الغضب أردع لها هكذا ذكر المشايخ وذكر
البقاعي في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "175".
2 أخرجه النسائي، كتاب عشرة النساء "375"،
وابن حبان في صحيحه "3323"، وأبو يعلى في
مسنده "5284"، وأحمد في مسنده "1/425".
ج / 4 ص -180-
فإن التعنا بانت بتفريق الحاكم، و لا تبين
قبله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"المناسبات"1: أن الغضب أبلغ من اللعن الذي
هو الطرد؛ لأنه قد يكون بسبب غير الغضب وسبب
التغليظ عليها الحث على اعترافها بالحق لما
يعضد الزوج من القرينة من أنه لا يتجشم فضيحة
أهله المستلزم لفضيحته ألا وهو صادق ولأنها
مادة الفساد وهاتكة الحجاب وخالطة الأنساب ا
ه. وفي رواية الحسن إنه لا بد أن يقول إني لمن
الصادقين فيما رميتك به من الزنا وهي تقول إنك
لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا
بالخطاب؛ لأن في الغيبة شبهة واحتمالا، وفي
"ظاهر الرواية" لم يعتبر هذا؛ لأن كل واحد
منهما يشير إلى صاحبه والإشارة أبلغ أسباب
التعريف كذا في "الكافي". هذا كله إذا كان
القذف بالزنا وإن كان بنفي الولد ذكراه وإن
كان بهما ذكراهما وزاد بعضهم بعد القسم الذي
لا إله إلا هو والقيام ليس بشرط؛ لأنه إما
شهادة وإما يمين والقيام ليس بشرط فيهما إلا
أنه مندوب إليه لقوله صلى الله عليه وسلم
"يا عاصم قم
فاشهد"2 وللمرأة "قومي فاشهدي"3 ولأن الحدود مبناها على الشهر فإن قلت هل
يشرع الدعاء باللعن على الكاذب المعين قلت قال
في "غاية البيان" من العدة وعن ابن مسعود رضي
الله عنه أنه قال "من شاء باهلته أن سورة
النساء القصرى نزلت بعد التي في سورة البقرة"4
أي: من شاء المباهلة أي: الملاعنة باهلته
وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شيء بهلة الله
على الكاذب منا قالوا هي مشروعة في زماننا
أيضا ا ه.
وقد سئلت في درس الصرغتمشية حين قرأت باب
اللعان من "الهداية" أنهما لو تلاعنا ثم وجد
الزوج بينة على صدقه هل تقبل فأجبت بأني لم أر
فيها نقلا وينبغي أن لا تقبل؛ لأن القذف أخذ
موجبه من اللعان وكأنها حدت للزنا فلا تحد
ثانيا إلا أن يوجد نقل فيجب اتباعه.
"قوله فإن التعنا بانت بتفريق الحاكم ولا تبين
قبله" أي: الحاكم الذي وقع
اللعان عنده حتى لو لم يفرق الحاكم حتى عزل أو
مات فالحاكم الثاني يستقبل اللعان عندهما
خلافا لمحمد كذا في "الاختيار" وأفاد أنه لو
مات أحدهما قبل التفريق ورثه الآخر، وأنه لو
زالت أهلية اللعان في الحال بما لا يرجى زواله
بأن أكذب نفسه أو قذف أحدهما إنسانا فحد للقذف
أو وطئت وطئا حراما أو خرس أحدهما لم يفرق
بينهما بخلاف ما إذا جن قبل التفريق حيث يفرق
بينهما؛ لأنه يرجى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمها نظم الدرر في تناسب الآي والسور: في
التفسير للإمام إبراهيم بن عمر البقاع الشافعي
نزيل القاهرة، ثم دمشق عالم أديب مفسر محدث
ولد بقرية خربة روحا من عمل البقاعي ونشأ بها
وبوفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة ا ه. معجم
المؤلفين "1/71" شذارات الذهب "7/339".
2 تقدم تخريجه.
3 تقدم تخريجه.
4 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11714" والبيهقي
في كتاب العدد، باب عدة الحامل من الوفاة
"7/430".
ج / 4 ص -181-
وإن قذف بولد نفى نسبه، وألحقه بأمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عود الإحصان وأنه لو ظاهر منها في هذه الحالة
أو طلقها أو آلى منها صح لبقاء النكاح وأشار
إلى أن القاضي يفرق بينهما، ولو لم يرضيا
بالفرقة كما في "شرح النقاية"، وفي
"التتارخانية" ولو تلاعنا فجن أحدهما يفرق،
ولو تلاعنا فوكل أحدهما بالتفريق وغاب يفرق،
ولو زنت لا يفرق لزوال الإحصان وإنما توقفت
البينونة على التفريق؛ لأنه لما حرم الاستمتاع
بينهما باللعان فات الإمساك بالمعروف فوجب
عليه التسريح وإذا لم يسرح ناب القاضي منابه؛
لأنه نصب لدفع الظلم ويدل عليه أنه عليه
الصلاة والسلام لاعن بين عويمر وبين امرأته
فقال عويمر كذبت عليها إن أمسكتها هي طالق
ثلاثا فأوقع الثلاث بعد التلاعن ولم ينكر عليه
صلى الله عليه وسلم1، وكذا في واقعة هلال قال
الراوي فلما فرغ فرق النبي صلى الله عليه وسلم
بينهما فدل على قيام النكاح قبل التفريق وهي
تطليقة بائنة وهو خاطب إذا أكذب نفسه عندهما
وعند أبي يوسف هي حرمة مؤبدة كما سيأتي، وفي
"شرح النقاية"، وأما قول البيهقي في
"المعرفة"2 أن عويمرا حين طلقها ثلاثا كان
جاهلا بأن اللعان فرقة فصار كمن شرط الضمان في
السلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط بخلاف المظاهر
ا ه. والجواب: أن الاستدلال إنما هو بعدم
إنكاره عليه السلام عليه لا بمجرد فعله كما لا
يخفى ويقع في بعض الشروح زيادة الفاء في قوله
هي طالق ثلاثا وهي من النساخ؛ لأن الواقع أن
عويمرا نجز طلاقها لا أنه علقه بالإمساك.
وفي "التتارخانية": وإن أخطأ القاضي ففرق
بينهما بعد وجود أكثر اللعان من كل واحد منهما
وقعت الفرقة، ولو التعن كل واحد مرتين ففرق
القاضي بينهما لم تقع الفرقة، ولو فرق بينهما
بعد لعان الزوج قبل لعان المرأة نفذ حكمه
لكونه مجتهدا فيه ا ه. وينبغي أن يقيد بغير
القاضي الحنفي أما هو فلا ينفذ، وفي "فتح
القدير": وطؤها حرام بعده قبل التفريق وإن
كان النكاح قائما لقوله عليه السلام
"المتلاعنان لا يجتمعان أبدا"3، وفي
"التتارخانية": ولها النفقة والسكنى ما دامت
في العدة.
"قوله وإن قذف بولد نفى نسبه وألحقه بأمه"؛
لأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد فيوفر
عليه مقصوده ويتضمنه القضاء بالتفريق، وفي
"البدائع"، ولوجوب قطع النسب شرائط: الأول:
التفريق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 واسمه: "معرفة السنن والآثار" للإمام
الحافظ، أحمد بن الحسين، أبي بكر، البيهقي،
الشافعي المتوفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ه.
ا ه. كشف الظنون "2/1739".
3 أخرجه الدار قطني "3/276". وذكره الزيلعي في
نصب الراية "3/251".
ج / 4 ص -182-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني: أن يكون بحضرة الولادة أو بعدها بيوم
أو يومين، الثالث: أن لا يتقدم منه إقرار به
صريحا أو دلالة كسكوته عند التهنئة مع عدم
رده، الرابع: أن يكون الولد حيا وقت قطع
النسب وهو وقت التفريق فلو نفاه بعد موته لاعن
ولم ينقطع نسبه، وكذا لو جاءت بولدين أحدهما
ميت فنفاهما يلاعن ولزماه، وكذا لو نفاهما ثم
مات أحدهما أو قتل قبل اللعان لزماه. وأما
اللعان فذكر الكرخي أنه يلاعن ولم يذكر الخلاف
وذكر ابن سماعة الخلاف فقال عند أبي يوسف يبطل
وعند محمد لا يبطل، الخامس: أن لا تلد بعد
التفريق ولدا آخر من بطن واحد فلو ولدت فنفاه
ولاعن الحاكم بينهما وفرق بينهما وألزم الولد
أمه ثم ولدت آخر من الغد لزماه وبطل قطع نسب
الأول ولا يصح نفيه الآن؛ لأنها أجنبية
واللعان ماض؛ لأنه لما ثبت الثاني ثبت الأول
ضرورة وإن قال الزوج هما ابناي لا حد عليه ولا
يكون مكذبا نفسه لاحتمال الإخبار بما لزمه
شرعا. السادس: أن لا يكون محكوما بثبوته شرعا
فإن كان لا يقطع نسبه.
وقد ذكر الإمام محمد في "الجامع" الكبير خمس
مسائل مسألتان في كتاب الشهادات من "التلخيص".
إحداهما: في كتاب المعاقل: امرأة ولدت ولدا
فانقلب هذا الولد على رضيع فمات الرضيع وقضي
بديته على عاقلة الأب ثم نفى الأب نسبه يلاعن
القاضي بينهما ولا يقطع نسب الولد منه؛ لأن
القضاء بالدية على عاقلة الأب قضاء بكون الولد
منه فلا ينقطع النسب بعده.
الثانية في "الزيادات" إذا قال لامرأتيه وقد
دخل بهما إحداكما طالق ثلاثا ولم يبين حتى
ولدت إحداهما لأكثر من سنتين من وقت الطلاق
كانت الولادة بيانا لوقوعه على الأخرى؛ لأن
الولد حصل من علوق حادث بعد الطلاق وتعينت
التي ولدت للنكاح فإن نفى الولد لاعن القاضي
بينهما ولا يقطع النسب؛ لأن حكم الشرع بكون
الولد بيانا حكم بكونه منه وبعد الحكم به لا
ينقطع باللعان.
وثلاث مسائل في كتاب الدعوى الأولى امرأة ولدت
وزوجها غائب ففطمت ولدها وطلبت من القاضي أن
يفرض لها النفقة وللولد وبرهنت ثم حضر الزوج
ونفى الولد لاعن وقطع النسب مع أنه محكوم به
حيث فرض القاضي نفقته.
الثانية: لو أنكر الدخول بعد ما ولدت ثبت
النسب ووجب لها كمال المهر فلو نفاه يلاعن
ويقطع النسب مع أنه محكوم به حين قضى لها
بكمال المهر.
الثالثة: المطلقة رجعيا إذا ولدت لأكثر من
سنتين تكون رجعة، ولو نفاه لاعن وقطع
ج / 4 ص -183-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسبه مع أنه محكوم به وقد حكي أن عيسى بن أبان
كتب إلى محمد بن الحسن حين كان بالرقة يستفرقه
بين المسألتين الأولتين وبين الثلاث فكتب محمد
رحمه الله أنه متى حصل القضاء بالنسب ضرورة
القضاء بأمر ليس من حقوق النكاح فإنه يمنع قطع
النسب باللعان وتمامه في شرح تلخيص "الجامع"
من باب شهادة الملاعنة بالولد ومن المواضع
المانعة من قطع النسب أن يقذفها أجنبي بنفي
الولد ويحده القاضي لها فإنه حكم منه بثبوت
نسبه فإذا نفاه بعده أبوه لا ينتفي كما في
"فتح القدير" وسيأتي1 عن "الذخيرة". ثم إذا
قطع النسب عن الأب وألحق الولد بالأم يبقى
النسب في حق سائر الأحكام من الشهادة والزكاة
وعدم القصاص على الأب بقتله ونحو ذلك من
الأحكام إلا أنه لا يجري التوارث بينهما ولا
نفقة على الأب؛ لأن النفي باللعان ثبت شرعا
بخلاف الأصل بناء على زعمه وظنه مع كونه
مولودا على فراشه وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم "الولد
للفراش"2 فلا يظهر في حق سائر الأحكام ا ه.
ويزاد السابع أن يكون النكاح صحيحا فلا لعان
بالقذف بنفي الولد في النكاح الفاسد والوطء
بشبهة ولا ينتفي النسب وقيد بالزوجية؛ لأنه لو
نفى نسب ولد أم الولد فإنه ينتفي بمجرد قوله
بلا لعان ويزاد الثامن أن يكون العلوق في حال
يجري فيه اللعان حتى لو علق وهي كافرة لا
ينتفي. وفي شهادات "الجامع" ولدت توأمين
فنفاهما ومات أحدهما عن أمه وأخيه وأخ منها
فالسدس لها والثلث لهما والباقي يرد كأولاد
العاهرة لانقطاع النسب وفيها اختلاف يعرف في
موضعه ا ه.
وفي "تتمة الفتاوى" من الفرائض ولد الملاعنة
وولد الزنا في حكم الميراث بمنزلة ولد رشيدة
ليس له أب ولا قرابة أب فلا يرث هذا الولد من
الأب وقرابته ولا يرث الأب ولا قرابته من هذا
الولد؛ لأن قوم الأب تبع له في قطع النسب وهو
ولد الأم فيرث منها ومن قرابتها وترث الأم
وقرابتها. وأما ابن ابن الملاعنة فله أب وقوم
الأب وهم الإخوة وليس له جد صحيح ولا قومه وهم
الأعمام والعمات لأب وأم أو لأب فإذا ثبت حرمة
المصاهرة بين الزوجين ثم حدث بينهما ولد ثم
مات الأب اختلفوا في ميراث هذا الولد منه
للاختلاف في هذه الحرمة فلم يكن كولد الزنا
كما لو جاءت بولد بعد النكاح المعلق طلاقها
الثلاث به فإن النسب فيه ثابت للاختلاف ا ه.
باختصار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "188".
2 أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير
المشتبهات "3053". ومسلم, كتاب الرضاع، باب
الولد للفراش وتوقي الشبهات "1457". والنسائي،
كتاب الطلاق، باب إلحاق الولد بالفراش
"6/181"، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب الولد
للفراش "2273". وابن حبان في صحيحه "4105".
ج / 4 ص -184-
وإن أكذب نفسه حد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "تلخيص الجامع": لو ملك النافي الأم لا
يجوز بيعها، وفي شرحه وصورته رجل نفى نسب ولد
امرأته الحرة ولاعن القاضي بينهما وقطع نسب
الولد ثم ارتدت والعياذ بالله تعالى عن
الإسلام ثم سبيت وملكها الزوج النافي فإنه لا
يجوز له بيعها؛ لأن نسب الولد ثابت حكما لقيام
فراشها ولا تصح دعوة غير النافي لهذا الولد
وإن صدقه الثاني وتصح دعوة النافي مطلقا، ولو
كان المنفي كبيرا جاحدا للنسب من النافي. وفي
"التتارخانية": ولا ينتفي من أحكام النسب من
جهة الزوج سوى التوارث وإيجاب النفقة وما
عداهما من أحكام النسب من جهة الزوج قائمة،
وفي "الذخيرة" وكل نسب ثبت بإقراره أو بطريق
الحكم له ينتفي بعد ذلك وبيانه فيما روي عن
أبي يوسف في رجل جاءت امرأته بولد فنفاه فلم
يلاعنها حتى قذفها أجنبي بالولد فحد فقد ثبت
نسب الولد ولا ينتفي بعد ذلك، ولو نفى ولد
زوجته اللعان وهما مما لا لعان بينهما لا
ينتفي سواء وجب الحد أو لم يجب، وكذا إذا كانا
من أهل اللعان ولم يتلاعنا فإنه لا ينتفي،
وكذا إذا كان العلوق في حال لا لعان بينهما ثم
صارا بحال يتلاعنان نحو إن كانت المرأة أمة أو
كتابية حالة العلوق فأعتقت أو أسلمت فإنهما لا
يتلاعنان ولا ينتفي نسب الولد.
وفي "السغناقي": لو قال لامرأته ا زانية ولها
ولد منه ثبت اللعان ولا يلزم نفي الولد فإن
أكذب نفسه حده القاضي ا ه. ولذا قيد النفي
بقذف الولد احترازا عما إذا قذفها بالزنا ولها
منه ولد فإنه لا ينتفي نسبه ثم اعلم أن هذا
الولد وإن قطع القاضي نسبه عن أبيه لم تصح
دعوى أحد لنسبه وإن صدقه الولد كما في
"التتارخانية" وهو مستفاد من قولهم إن قطع
النسب لا يظهر إلا في مسألتين، وفي قوله نفى
نسبه أي: القاضي وألحقه بأمه إشارة إلى أن
التفريق بينهما لا يكفي لنفي نسب الولد فلذا
روي عن أبي يوسف إنه لا بد أن يقول قطعت نسب
هذا الولد عنه بعد ما قال فرقت بينكما وفي
"المبسوط": هذا هو الصحيح؛ لأنه ليس من ضرورة
التفريق نفي النسب كما بعد الموت يفرق بينهما
باللعان ولا ينتفي نسبه عنه كذا في "النهاية"،
وفي "المجمع"، ولو ماتت بنته المنفية عن ولد
فادعاه فنسبه غير ثابت منه أي: عند الإمام
وقالا يثبت.
قيد بموتها؛ لأنها لو كانت حية ثبت نسبها
بدعوة ولدها اتفاقا وقيد بالبنت؛ لأن الولد
المنفي لو كان ذكرا فمات وترك ولدا ثبت نسبه
من المدعي وورث الأب منه اتفاقا لحاجة الولد
الثاني إلى ثبوت النسب فبقاؤه كبقاء الأول
وقيد بدعوة الولد؛ لأنه لو ادعى البنت المنفية
حية ثبت نسبها اتفاقا وتمامه في شرحه.
وفي "الذخيرة" لا يشرع اللعان بنفي الولد في
المجبوب والخصي ومن لا يولد له ولد.
"قوله فإن أكذب نفسه حد"
لإقراره بوجوب الحد عليه أطلقه فشمل ما إذا
اعترف به وما إذا
ج / 4 ص -185-
وله أن ينكحها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أقيمت عليه بينة أنه أكذب نفسه؛ لأن الثابت
بالبينة عليه كالثابت بإقراره كما في
"الولوالجية" وشمل الإكذاب صريحا وضمنا ولهذا
لو مات الولد المنفي عن مال فادعى الملاعن لا
يثبت نسبه ويحد فإن كان قد ترك ولدا ثبت نسبه
من الأب وورثه الأب لاحتياج الحي إلى النسب،
ولو ترك بنتا ولها ابن فأكذب الملاعن نفسه
يثبت نسب الولد منه عند الإمام خلافا لهما كذا
في "فتح القدير". وظاهر ما في الكتاب أن
الإكذاب بعد اللعان ووجوب الحد عليه ليس
باعتبار قذفه الأول؛ لأنه أخذ بموجبه وهو
اللعان بل باعتبار القذف الثاني الذي تضمنه
كلمات اللعان كشهود الزنا إذا رجعوا فإنهم
يحدون باعتبار ما تضمنته شهادتهم من القذف أما
إذا أكذب نفسه قبل اللعان ينظر فإن لم يطلقها
قبل الإكذاب حد أيضا وإن أبانها ثم أكذب نفسه
فلا حد ولا لعان؛ لأن اللعان أثره التفريق
بينهما وهو لا يتأتى بعد البينونة لحصوله
بالإبانة وهو لا يصح بدون حكمه ولا يجب الحد؛
لأن قذفه وقع موجبا للعان فلا ينقلب موجبا
للحد وعلى هذا لو قال يا زانية أنت طالق ثلاثا
لا حد ولا لعان، ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا
زانية حد أطلق في الإكذاب فشمل ما إذا أنكر
الولد بعد ما ادعاه؛ ولذا قال أيضا في "فتح
القدير": لو أقامت البينة على الزوج أنه
ادعاه وهو ينكر يثبت النسب منه ويحد ا ه.
وفي "جامع الصدر الشهيد": قذفها بنفي الولد
ولاعن فتزوجت غيره فادعاه صح ويحد فإن ولدت من
الثاني فنفاه لاعن وينتفي إن علق بعد إكذابه
وقبله لا وينبغي أن لا يلاعن لاستناده نظيره
زنيت وأنت صبية بخلاف وأنت ذمية أو رقيق أو
منذ أربعين سنة وعمرها عشرون سنة وإن تردد
يقطع استحسانا وقياسا لا نظيره أسلمت زوجته أو
أعتقت ثم ولدت فنفاه ا ه.
ثم اعلم أن ولد أم الولد إذا نفاه المولى
وقلنا بصحته فإن حكمه حكم ولد المنكوحة إذا
نفي في سائر الأحكام فلا تقبل شهادة أحدهما
للآخر بعد إعتاق الولد ولا يضع أحدهما زكاته
فيه وتحرم المناكحة بينهما ولا يرث أحدهما
صاحبه بالقرابة لكن المولى يرث منه بالولاء
إذا لم يكن عصبة أقرب منه وتجب نفقة على
المولى بعد إعتاقه بحكم الملك كذا في "شرح
التلخيص" من الشهادات.
"قوله وله أن ينكحها" أي:
الملاعن بعد التفريق أن يتزوجها إذا أكذب نفسه
أطلقه فشمل ما إذا حد أو لم يحد فتقييد الشارح
الحل بالحد اتفاقي، وكذا إذا أكذبت نفسها
فصدقته.
فالحاصل: أن الفرقة باللعان يزول بها ملك
النكاح وتوجب حرمة الاجتماع والتزوج ما داما
على حال اللعان فإن أكذب أحدهما نفسه جاز
التناكح والاجتماع عند الإمام والثالث وقال
الثاني إنها توجب حرمة مؤبدة كحرمة الرضاع
والمصاهرة لقوله عليه السلام:
"المتلاعنان
ج / 4 ص -186-
وكذا إذا قذف غيرها فحد أو زنت فحدت، ولا لعان
بقذف الأخرس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجتمعان أبدا"1 ويقتضي قوله أن الفرقة لا
تتوقف على القضاء كما أشار إليه في "فتح
القدير": ولهما أن عويمرا طلق الملاعنة ثلاثا
فصار سنة المتلاعنين؛ لأنه يجب عليه أن يطلقها
فإن لم يفعل ناب القاضي منابه كما في العنين
فكانت الفرقة طلاقا، وأما الحديث فلا يمكن
العمل بحقيقته؛ لأن حقيقة المتفاعل المتشاغل
بالفعل ولما فرغا منه زالت الحقيقة فانصرف
المراد إلى الحكم وهو أن يكون حكمه باقيا وبعد
الإكذاب لم يبق حكمه لبطلانه فلم يبق حقيقة
ولا حكما فجاز اجتماعهما. ونظيره قوله تعالى
في قصة أصحاب الكهف
{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ
يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ
تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:20] أي: ما داموا في ملتهم ألا ترى إذا لم يفعلوا أفلحوا
كذا هذا في "البدائع".
وقد بحث المحقق ابن الهمام في "فتح القدير":
بأنه لما لم تمكن الحقيقة وصير إلى المجاز كان
له مجازان: أحدهما: ما ذكرتم من إرادة من
بينهما تلاعن قائم حكما، والثاني: من وجد
بينهما تلاعن في الخارج وعلى هذا التقدير لا
يجتمعان بعد الإكذاب بينهما؛ إذ ارتفاع حكمه
لا يوجب ارتفاع كونه قد تحقق له وجود في
الخارج ولكن بقي النظر في أي الاحتمالين أرجح
وأظن أن الثاني أسرع إلى الفهم ا ه.
"قوله: وكذا إذا قذف غيرها فحد أو زنت فحدت"
يعني له أن ينكحها أيضا إذا خرجا أو أحدهما عن
أهلية اللعان أطلقه فشمل ما إذا خرسا أو
أحدهما وأراد بالزنا الوطء الحرام وإن لم يكن
زنا شرعيا كما ذكره الإسبيجابي لزوال عفتها،
ولو قال: وكذا إن قذف أحدهما فحد لكان أولى
لشموله المتلاعنين، ولو أسقط فحد لكان أولى؛
لأن بمجرد زناها حلت له سواء حدت بأن وقع
اللعان قبل الدخول ثم زنت فجلدت أو لم تحد
لزوال العفة وإنما قيدنا بهذه الصورة؛ لأنه لو
كان بعد الدخول كان حدها الرجم وهو إهلاك فلا
يتصور القول بحلها بعده واستغنى بها عن تغيير
الرواية بأنها زنت بالتشديد أي: نسبت غيرها
للزنا لمخالفته للرواية؛ لأنها بتخفيف النون.
وفي "فتح القدير": واستشكل بأن زوال أهلية
الشهادة بطرو الفسق مثلا لا يوجب بطلان ما حكم
به القاضي عنها في حال قيام العدالة فلا يوجب
بطلان ذلك اللعان السابق الواقع في حال
الأهلية ليبطل أثره من الحرمة ا ه.
"قوله ولا لعان بقذف الأخرس"
لفقد الركن منه وهو التلفظ بالشهادات ولهذا لو
قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 4 ص -187-
ولا ينفى الحمل وتلاعنا بزنيت، وهذا الحمل
منه، ولم ينف الحمل، ولو نفى الولد عند
التهنئة، وابتياع آلة الولادة صح وبعده لا،
ولاعن فيهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحلف مكان أشهد لا يجوز، ولو قال ولا لعان إذا
كانا أخرسين أو أحدهما لكان أولى للعلة
المذكورة إذا كانت خرساء ولاحتمال تصديقها لو
كانت ناطقة وأشار إلى أنه لا يثبت بالكتابة
كما لا يثبت بإشارة الأخرس للشبهة وإلى أنه لو
خرس أحدهما بعد اللعان وقبل التفريق فلا تفريق
ولا حد كما لو ارتد أو أكذب نفسه.
"قوله ولا ينفي الحمل"؛ لأنه
لا يتيقن بقيامه عند القذف لاحتمال أنه
انتفاخ، ولو تيقنا بقيامه وقته بأن ولدت لأقل
من ستة أشهر صار كأنه قال إن كنت حاملا فحملك
ليس مني والقذف لا يصح تعليقه بالشرط، وهذا
قول الإمام وعندهما يجري اللعان إذا جاءت به
لأقل من ستة أشهر للتيقن بقيامه وجوابه ما مر
وأما الإرث والوصية فيتوقفان على الولادة
فيثبتان للولد لا للحمل، وأما عتقه فكذلك
لقبوله التعليق بالشرط، وأما رد المبيعة بعيب
الحمل فلأن الحمل ظاهر واحتمال الريح شبهة
والرد بالعيب لا يمتنع بالشبهة، وكذا النسب
يثبت مع الشبهة، وأما وجوب النفقة للمطلقة إذا
ادعت حملا فلقبول قولها في أمر عدتها والحق أن
قول صاحب "الهداية" أن الأحكام لا تترتب عليه
قبلها لا يراد به كل الأحكام وإنما يراد به
بعضها كما في "العناية" وقد كتبنا في "القواعد
الفقهية"1 مسائل أخرى تترتب عليه قبلها.
"قوله وتلاعنا بزنيت، وهذا الحمل منه ولم ينف
الحمل" لوجود القذف بصريح
الزنا ونفي الحمل غير صحيح؛ لأن قطع النسب حكم
عليه ولا تترتب الأحكام عليه ولا له قبل
الانفصال.
"قوله: ولو نفى الولد عند التهنئة وابتياع
آلة الولادة صح وبعده لا ولاعن فيهما"
أي: فيما إذا صح نفيه أو لم يصح لوجود القذف
فيهما والتهنئة بالهمز من هنأته بالولد
بالتثقيل والهمز كذا في "المصباح" فالتفصيل
المذكور بين أن تقوم دلالة على إقراره بالولد
أو لا إنما هو في صحة النفي وعدمه لا في
اللعان كما في المتون والشروح.
وبه علم أن ما ذكره الولوالجي من أن اللعان
إنما يجري إذا نفى بعد الولادة في مدة قصيرة
أما بعد مدة طويلة فلا يصح سهو ودل كلامه على
أنه لو أقر صريحا بالولد ثم نفاه لا يصح
بالأولى كما قدمناه ولم يقدر مدة الولادة بوقت
وهو "ظاهر الرواية". وقد قالوا إن الإقرار
بالولد الذي ليس منه حرام كالسكوت لاستلحاق
نسب من ليس منه وقد ذكر المصنف تبعا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي نفسها الأشباه والنظائر لابن نجيم رحمه
الله.
ج / 4 ص -188-
"للهداية" شيئين: قبول التهنئة وشراء آلة
الولادة وزاد في "الاختيار" ثالثا أن يقبل
هدية الأهل فهي ثلاث لا يصح نفيه بعد واحدة
منها والحق أنها أربع والرابع سكوته حتى مضى
وقت التهنئة وشراء الآلة وهي ثلاثة أيام في
رواية وسبعة في أخرى كما في "الكافي" وقبول
التهنئة ذكر ما يدل على القبول مثل أحسن الله
بارك الله جزاك الله رزقك الله مثله أو أمن
على دعاء المهنئ كذا في "فتح القدير" ولو كان
غائبا لم يعلم بالولادة تعتبر المدة بعد
قدومه.
"قوله وإن نفى أول التوأمين وأقر بالثاني حد"؛
لأنه أكذب نفسه بدعوى الثاني، التوأم فوعل
والأنثى توأمة والاثنان توأمان والجمع توائم
وتؤام كدخان كذا في "المصباح".
"قوله وإن عكس لاعن" بأن أقر
بالأول ونفى الثاني؛ لأنه قاذف بنفي الثاني
ولم يرجع عنه.
"قوله وثبت نسبهما فيهما"
أي: في المسألتين؛ لأنهما خلقا من ماء واحد
والتوأمان ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر
وفيه إشارة إلى أنه لو نفاهما ثم مات أحدهما
قبل اللعان لزماه وقدمنا تفاريعه، ولو جاءت
بثلاثة في بطن واحد فنفى الثاني وأقر بالأول
والثالث يلاعن وهم بنوه، ولو نفى الأول
والثالث وأقر بالثاني يحدوهم بنوه كذا في "شرح
النقاية" اعلم أنه في صورة ما إذا أقر بالأول
ونفى الثاني إذا قال بعده هما ابناي أو ليسا
بابني فلا حد فيهما كذا في "فتح القدير". وفي
شهادات "الجامع" للصدر الشهيد من باب شهادة
ولد الملاعنة باع أحد التوأمين وقد ولدا في
ملكه وأعتقه المشتري فشهد لبائعه تقبل فإن
ادعى الباقي ثبت نسبهما وانتقض البيع والعتق
والقضاء ويرد ما قبض أو مثله إن هلك للاستناد
كتحويل العقد وإن كان القضاء قصاصا في طرف أو
نفس فأرشه عليه دون العاقلة؛ لأنه بدعواه.
ثم اعلم أنه إذا نفى نسب التوأمين ثم مات
أحدهما عن توأمه وأمه وأخ لأمه فالإرث أثلاث
فرضا وردا للأم السدس والأخوين الثلث والنصف
يرد عليهم، وهذا يبين أن قطع النسب يجري في
التوأم؛ لأنه لو لم يقطع نسبه عن أخته التوأم
لكان عصبة يأخذ الثلثين وقطع النسب عن الأخ
التوأم بالتبعية لأبيهما وقد قدمناه عن
"الجامع" وتمامه في شرح "التلخيص" من باب
شهادة ولد الملاعنة والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب.
11- باب العنين وغيره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11- باب العنين
وغيره
يقال: رجل
عنين لا يقدر على إتيان النساء أو لا يشتهي
النساء وامرأة عنينة لا تشتهي
ج / 4 ص -189-
هو من لا يصل النساء، أو يصل إلى الثيب دون
الأبكار وجدت زوجها مجبوبا فرق في الحال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجال والفقهاء يقولون به عنة، وفي كلام
الجوهري ما يشبهه ولم أجده لغيره ولفظه عن. عن
امرأته تعنينا بالبناء للمفعول إذا حكم عليه
القاضي بذلك أو منع عنها بالسحر والاسم منه
العنة وصرح بعضهم بأنه لا يقال عنين به عنة
كما يقوله الفقهاء فإنه كلام ساقط قال
والمشهور في هذا المعنى كما قال ثعلب وغيره
رجل عنين بين التعنين والعنية وقال في
"البارع"1 بين العنانة بالفتح قال الأزهري
وسمي عنينا؛ لأن ذكره يعن بقبل المرأة عن يمين
وشمال يعترض إذا أراد إيلاجه كذا في "المصباح"
وجمعه عنن.
وأما عند الفقهاء فهو من لا يصل إلى النساء مع
قيام الآلة لمرض به وإن كان يصل إلى الثيب دون
البكر أو إلى بعض النساء دون بعض سواء كانت
آلته تقوم أو لا كما في "العناية". ولذا قال
في "شرح المنظومة" الشكاز بفتح المعجمة وكاف
مشددة وبعد الألف زاي هو الذي إذا جذب المرأة
أنزل قبل أن يخالطها ثم لا تنتشر آلته بعد ذلك
لجماعها وهو من قبيل العنين لها المطالبة
بالتفريق وإن كان يصل إلى الثيب دون البكر أو
إلى بعض النساء دون بعض لضعف طبيعته أو لكبر
سنه أو سحر فهو عنين في حق من لا يصل إليها
لفوات المقصود في حقها فإن السحر عندنا حق
وجوده وتصوره ويكون أثره كما في "المحيط" ولا
يخرج عن العنة بإدخاله في دبرها خلافا لابن
عقيل2 فإنه يقول الدبر أشد من القبل كذا في
"المعراج" وفيه إذا أولج الحشفة فقط فليس
بعنين وإن كان مقطوعها فلا بد من إيلاج بقية
الذكر وينبغي أن يقال يكفي الإيلاج بقدر
الحشفة من مقطوعها ولم أر حكم ما إذا قطعت
ذكره وإطلاق المجبوب يشمله وهو في "تحرير
الشافعية"3 لكن قولهم لو رضيت به فلا خيار لها
ينافيه وله نظيران أحدهما لو خرب المستأجر
الدار الثاني لو أتلف البائع المبيع قبل
القبض.
"قوله وجدت زوجها مجبوبا فرق في الحال"
وهو من استؤصل ذكره وخصيتاه يقال جببته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه: "البارع في اللغة" للشيخ أبي طالب
مفضل بن عاصم اللغوي الآخذ عن ابن السكيت،
توفي سنة تسعين ومائتين ه. ا ه. كشف الظنون
"216".
2 هو علي بن عقيل بن محمد، الإمام، العلامة،
البحر، صاحب التصانيف توفي سنة ست وخمسين
وخمسمائة ه، كان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف
من آثاره: "كتاب الفنون" اه. سير أعلام
النبلاء "19/443". شذرات الذهب "4/35" هدية
العارفين "1/695".
3 وهو في فروع الشافعية لأبي العباس أحمد محمد
الجرجاني الشافعي المتوفى سنة اثنتين وثمانين
وأربعمائة ه وهو مجلد كبير مشتمل على احكام
كثيرة مجردة عن الاستدلال، اه. كشف الظنون
"1/358".
ج / 4 ص -190-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جبا من باب قتل قطعته وهو مجبوب بين الجباب
بالفتح والكسر كذا في "المصباح" وإنما لم يؤجل
لعدم الفائدة ولما كان التفريق لفوات حقها
توقف على طلبها ولم يذكره هنا اكتفاء بما ذكره
في العنين وأشار إلى أنه لو جب بعد الوصول
إليها مرة لا خيار لها كما إذا صار عنينا بعده
ويلحق بالمجبوب من كان ذكره صغيرا جدا كالزر
لا من كانت آلته قصيرة لا يمكن إدخالها داخل
الفرج فإنها لا حق لها في المطالبة بالتفريق
كذا في "المحيط": وظاهره أنه إذا كان لا يمكن
إدخالها أصلا فإنه كالمجبوب لتقييده بالداخل.
وأطلق الزوج المجبوب فشمل الصغير والمريض
بخلاف العنين حيث ينتظر بلوغه أو برؤه لاحتمال
الزوال وأراد بالمرأة من لها حق المطالبة
بالجماع؛ لأنها لو كانت صغيرة انتظر بلوغها في
المجبوب والعنين لاحتمال رضاها بخلاف ما لو
كان أحدهما مجنونا فإنه لا يؤخر إلى عقله في
الجب والعنة لعدم الفائدة. ويفرق بينهما للحال
في الجب وبعد التأجيل في العنين؛ لأن الجنون
لا يعدم الشهوة، بخصومة ولي إن كان وإلا فمن
ينصبه القاضي، ولو جاء الولي ببينة في
المسألتين على رضاها بعنته أو جبه أو على
علمها بحاله عند العقد لم يفرق ولو طلب يمينها
على ذلك تحلف وإن نكلت لم يفرق وإن حلفت فرق
كذا في "فتح القدير": وقالوا لو جاءت امرأة
المجبوب بولد بعد التفريق إلى سنتين يثبت نسبه
ولا يبطل التفريق بخلاف العنين حيث يبطل
التفريق؛ لأنه لما ثبت نسبه لم يبق عنينا ونظر
فيه الشارح بأن الطلاق وقع بتفريقه وهو بائن
فكيف يبطل ألا ترى أنها لو أقرت بعد التفريق
أنه كان قد وصل إليها لا يبطل التفريق وجوابه
أن ثبوت النسب من المجبوب باعتبار الإنزال
بالسحق والتفريق بينهما باعتبار الجب وهو
موجود بخلاف ثبوته من العنين فإنه يظهر به أنه
ليس بعنين والتفريق باعتباره بخلاف ما استشهد
به من إقرارها فإنها متهمة في إبطال القضاء
لاحتمال كذبها فظهر أن البحث بعيد كما في "فتح
القدير".
وفي "الخانية": من فصل العنين إذا شهد شاهدان
بعد تفريق القاضي على إقرار المرأة قبل
التفريق أنه وصل إليها يبطل تفريق القاضي، ولو
أقرت بعد التفريق أنه قد وصل إليها لم تصدق
على إبطال تفريق القاضي ا ه.
والحاصل: أن تفريق القاضي في العنين يبطل
بمجيء الولد وإقامة البينة على إقرارها
بالوصول وفي "التتارخانية": كان الزوج مجبوبا
ولم تعلم بحاله فجاءت بولد فادعاه وأثبت
القاضي نسبه ثم علمت بحاله وطلبت الفرقة فلها
ذلك ا ه.
وأطلق في المرأة ولا بد من تقييدها بأن لا
تكون رتقاء فإن الرتقاء إذا وجدته مجبوبا لا
خيار لها كما في "الخانية" وأن تكون حرة؛ لأن
زوج الأمة إذا كان مجبوبا أو عنينا فالخيار
إلى المولى
ج / 4 ص -191-
و أجل سنة لو عنينا، أو خصيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في قول أبي حنيفة فإن رضي المولى لا حق للأمة
وإن لم يرض كانت الخصومة له كما في العزل،
وقال أبو يوسف الخيار إلى الأمة كقوله في
العزل واختلفوا في قول محمد فقيل مع أبي يوسف
ما في العزل وقيل مع الإمام هنا كذا في
"الخانية": ولم يقيد التفريق بالطلب للحال؛
لأنها لو وجدته مجبوبا فأقامت معه زمانا وهو
يضاجعها كانت على خيارها ولم يذكر حكم ما إذا
اختلفا في كونه مجبوبا.
وحكمه أنه إذا كان يعرف حقيقة حاله بالمس من
غير نظر يمس من وراء الثياب ولا تكشف عورته
وإن كان لا يعرف إلا بالنظر أمر القاضي أمينا
لينظر إلى عورته فيخبر بحاله؛ لأن النظر إلى
العورة يباح عند الضرورة كذا في "الخانية" ولم
يذكر المصنف صفة الفرقة هنا اكتفاء بما ذكره
في العنين وهو طلاق بائن كفرقة العنين كما في
"الخانية".
والحاصل: أن المجبوب كالعنين إلا في خصلة
واحدة وهي أن العنين يؤجل والمجبوب لا كذا في
"التتارخانية": ويزاد مسألة بطلان التفريق
بمجيء الولد كما قد علمت والثالثة لا ينتظر
بلوغه والرابعة لا تشترط صحته، وفي "فتح
القدير": وما نقل عن الهندواني أنه يؤتى بطست
فيه ماء بارد فيجلس فيه العنين فإن تقلص ذكره
وانزوى علم أنه لا عنة به وإلا علم أنه عنين
لو اعتبر هذا لزم أن لا يؤجل سنة؛ لأن التأجيل
ليس إلا ليعرف أنه عنين على ما قالوا؛ إذ لا
فائدة فيه إن أجل مع ذلك لكن التأجيل لا بد
منه؛ لأنه حكمه ا ه.
والحاصل: أن طلبها التفريق في العنين له
شرائط مختصة بهما فالمختص به أن يكون الزوج
بالغا صحيحا لم يصل إليها مرة فالصبي لا يؤجل
إلا بعد بلوغه والمريض بعد صحته والمختص بها
أن تكون حرة بالغة غير رتقاء وقرناء غير عالمة
بحاله قبل النكاح وغير راضية به بعده.
"قوله وأجل سنة لو عنينا أو خصيا"
وهو من نزع خصيتاه وبقي ذكره وهو بفتح الخاء
فعيل بمعنى مفعول مثل جريح وقتيل والجمع خصيان
والخصيتان بالتاء البيضتان الواحدة خصية وبدون
التاء الخصيان الجلدتان وجمع الخصية خصى كمدية
ومدى وخصيت العبد أخصيه خصاء بالكسر والمد
سللت خصيته وخصيت الفرس قطعت ذكره فهو مخصي
ويجوز استعمال فعيل ومفعول فيهما كذا في
"المصباح" ولا فرق هنا بين سلهما وقطعهما إذا
كان ذكره لا ينتشر.
قيدنا به؛ لأن آلته لو كانت تنتشر لا خيار لها
كما في "المحيط" وعلى هذا لا حاجة إلى عطفه
على العنين؛ لأنه إن لم يكن عنينا فلا تأجيل
وإلا فهو داخل فيه ولذا لم يصرح بالخنثى الذي
يبول من مبال الرجال والصبي الذي بلغ أربع
عشرة سنة والشيخ الكبير وحكم الثلاثة
ج / 4 ص -192-
..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التأجيل كالعنين كما في "الخانية" لدخول الكل
تحت اسم العنين قال في "الخانية": يؤجل الشيخ
الكبير إن كان لا يصل إليها ا ه. والمراد من
المؤجل الحاكم ولا عبرة بتأجيل غيره قال في
"الخانية": أيضا وتأجيل العنين لا يكون إلا
عند قاضي مصر أو مدينة فلا يعتبر تأجيل المرأة
ولا تأجيل غيرها ا ه. وأما رضاها به عند غير
الحاكم فمسقط لحقها كما في "الخلاصة"، ولو عزل
القاضي بعد ما أجله بنى المتولي على تأجيل
الأول.
وابتدأ السنة من وقت الخصومة واستفيد من وضع
المسألة أن نكاح العنين صحيح فإن علمت بعنته
وقت النكاح فلا خيار لها كما لو علم المشتري
بعيب المبيع وإن لم تعلم به وقته وعلمت بعده
كان لها الخصومة وإن طال الزمان كما في
"الخانية".
وفي "المحيط": والإمام المتبع في أحكام
العنين عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي
الله عنهم ولم ينقل عن أقرانهم خلافه فحل محل
الإجماع ولأن عدم الوصول قد يكون لعلة معترضة
وقد يكون لآفة أصلية فلا بد من ضرب مدة
لاستبانة العلة من العنة فقدر بسنة لاشتمالها
على الفصول الأربع ا ه.
وقد كتبنا في "القواعد الفقهية" في مذهب
الحنفية أن قاضيا لو قضى بعدم تأجيل العنين لم
ينفد قضاؤه ولم يقيد المرأة بشيء ولا بد من
كونها حرة وغير رتقاء كما قدمناه1 في زوجة
المجبوب وعلله في "الاختيار" بأن الرتقاء لا
حق لها في الوطء فلا تملك الطلب، ولو اختلفا
في كونها رتقاء يريها النساء كما في
"التتارخانية": وأطلق الزوج فشمل المعتوه لما
في "الخانية".
والمعتوه إذا زوجه وليه امرأة فلم يصل إليها
أجله القاضي سنة بحضرة الخصم عنه ولا بد من
تقييد الزوج بكونه صحيحا كما سيأتي أن المريض
لا يؤجل حتى يصح ولم يذكره محمد واختلفوا في
تلك السنة فقيل شمسية وهي تزيد على القمرية
بأحد عشر يوما قال في "الخلاصة" وعليه الفتوى
وقيل قمرية وهي ثلثمائة وأربعة وخمسون يوما
وصححه في "الواقعات" و"الولوالجية" وهو "ظاهر
الرواية" كما في "الهداية" فكان هو المعتمد؛
لأنه الثابت عن صاحب المذهب، وفي "الخانية":
إذا ثبت عدم الوصول أجله القاضي طلب أو لم
يطلب ويكتب التأجيل ويشهد على التاريخ وفي
"المجتبى" إذا كان التأجيل في أثناء الشهر
يعتبر بالأيام إجماعا كما ذكره في "العدة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفة: "188".
ج / 4 ص -193-
فإن وطئ، وإلا بانت بالتفريق إن طلبت فلو قال
وطئت، وأنكرت وقلن: بكر خيرت، وإن كانت ثيبا
صدق بحلفه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله فإن وطئ وإلا بانت بالتفريق إن طلبت"
أي: طلبا ثانيا فالأول للتأجيل والثاني
للتفريق وذكر خجا مسكين1 أن قوله إن طلبت
متعلق بالجميع وهو حسن وطلب وكيلها بالتفريق
عند غيبتها كطلبها على خلاف فيه ولم يذكره
محمد.
وأطلقه فشمل ما إذا طلبت على التراخي أولا
وثانيا؛ ولذا لو خاصمته ثم تركت مدة فلها
المطالبة، ولو طاوعته في المضاجعة تلك الأيام
كما في "الخانية": ولما كانت هذه فرقة قبل
الدخول حقيقة كانت بائنة ولها كمال المهر
وعليها العدة لوجود الخلوة الصحيحة. وأشار إلى
أنه لو وطئها مرة لا حق لها في المطالبة لسقوط
حقها بالمرة قضاء وما زاد عليها فهو مستحق
ديانة لا قضاء كما في جامع قاضي خان، وفي
فتاواه لو كان يأتيها فيما دون الفرج حتى ينزل
وتنزل ولا يصل إليها في فرجها وقامت معه على
ذلك زمانا وهي بكر أو ثيب ثم خاصمته إلى
القاضي أجله القاضي سنة، ولو وطئها بعد
التأجيل سقط حقها ولو حائضا أو نفساء أو صائمة
أو محرمة كذا في "المعراج" وإلى أن الزوج لو
طلب أن يؤجل بعد السنة، ولو يوما لا يجيبه
القاضي إلا برضاها ولها الرجوع واختيار الفرقة
كذا في "الاختيار" وقدمنا أن المراد بالزوجة
الحرة أما الأمة فالخيار لمولاها لا لها
كالإذن في العزل، وفي "المحيط": فرق بينهما
ثم تزوجها ثانيا لا خيار لها لرضاها بالمقام
معه، ولو تزوج أخرى عالمة بحاله لا خيار لها
وعليه الفتوى، ولو كان له امرأة يصل إليها
وولدت منه أولادا ثم أبانها ثم تزوجها ولم يصل
في النكاح الثاني فهو عنين؛ لأنها باعتبار كل
عقد يتجدد لها حق المطالبة ا ه.
وفي "المعراج" ويؤهل الصبي هنا للطلاق في
مسألة الجب؛ لأنه مستحق عليه كما يؤهل بعتق
القريب ومنهم من جعله فرقة بغير طلاق والأول
أصح ا ه.
"قوله فلو قال وطئت وأنكرت وقلن بكر خيرت وإن
كانت ثيبا صدق بحلفه" أطلقه
فشمل ما إذا وقع الاختلاف في الابتداء بأن
ادعى الوصول إليها وأنكرت أو في الانتهاء فإن
قوله خيرت شامل لتخيير تأجيله سنة في الابتداء
أو لاختيار الفرقة بعد التأجيل.
وحاصله: أنه إن كانت ثيبا فالقول قوله في
الوطء ابتداء وانتهاء مع يمينه فإن نكل في
الابتداء يؤجل سنة ولا يؤجله إلا إذا ثبت عدم
الوصول إليها وإن نكل في الانتهاء تخير للفرقة
وإن كانت بكرا ثبت عدم الوصول إليها بقولهن
فيؤجل في الابتداء ويفرق في الانتهاء وبهذا
ظهر أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله منلا مسكين.
ج / 4 ص -194-
وإن اختارته بطل حقها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما ذكره الشارح من أن المصنف لم يذكر كيفية
ثبوت العنة في الابتداء وذكره في الانتهاء
غفلة عما فهمته من كلامه لما قررنا أن التخيير
شامل لهما والتقييد بقوله وقلن المفيد للجماعة
اتفاقي أو لبيان الأولى للاكتفاء بقول الواحدة
والاثنتان أحوط، وفي "البدائع" أوثق وفي
الإسبيجابي أفضل وشرط الحاكم الشهيد في
"الكافي" عدالتها وطريق معرفة أنها بكر أن
تبول على جدار فإن وصل إليه فبكر وإلا فلا أو
يرسل في فرجها ما في بيضة فإن دخل فثيب وإلا
فبكر أو يرسل في فرجها أصغر بيضة للدجاجة فإن
دخلت من غير عنف فهي ثيب وإلا فبكر، وفي
"الخانية": وإن شهد البعض بالبكارة والبعض
بالثيابة يريها غيرهن ا ه.
وفي/ "المعراج" لو وجدت ثيبا وزعمت أن عذرتها
زالت بسبب آخر من غير وطئه كأصبعه وغيرها
فالقول قوله؛ لأنه الظاهر والأصل عدم أسباب
أخر، وفي "المحيط": عنين أجله القاضي سنة
وامرأته ثيب فوطئها وادعت بعد الحول أنه لم
يطأها وقالت حلفه فأبى أن يحلف ففرق القاضي
بينهما لم يسعها أن تتزوج بآخر ولم يسعه أن
يتزوج بأختها ا ه.
"قوله وإن اختارته بطل حقها"
أطلقه فشمل "الاختيار" حقيقة وحكما كما إذا
قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضي قبل أن
تختار شيئا أو قام القاضي قبل أن تختار لإمكان
أن تختار مع القيام وعليه الفتوى كذا في
"المحيط": و"الواقعات"، وفي "البدائع" "ظاهر
الرواية" أنه لا يتوقف على المجلس وقيد بقوله
بانت بالتفريق؛ لأن الفرقة لا تقع باختيارها
نفسها بل لا بد من تطليق الزوج بائنة أو تفريق
القاضي إن امتنع وقيل تقع باختيارها وجعله في
"الخلاصة" "ظاهر الرواية" والأول رواية الحسن.
وأشار ببطلانه باختيارها إلى أنه لو فرق
بينهما ثم تزوجها ثانيا لم يكن لها خيار
لرضاها بحاله كما لو تزوجته عالمة بحاله على
المفتى به كما في "المحيط"، وفي "الخانية":
فرق بين العنين وبين امرأته ثم تزوج أخرى تعلم
بحاله اختلفت الروايات والصحيح أن للثانية حق
الخصومة؛ لأن الإنسان قد يعجز عن امرأة ولا
يعجز عن غيرها ويحتسب من السنة أيام حيضها
ورمضان وحجه وغيبته لا بمرض أحدهما على المفتى
به مطلقا كما في "الولوالجية" وصحح في
"الخانية": أن الشهر لا يحتسب وما دونه
يحتسب.
وفي "المحيط": أصح الروايات عن أبي يوسف أن
نصف الشهر وما دونه يحتسب وما زاد على النصف
لا يحتسب ولا بحجها وغيبتها وحبسها وامتناعها
من المجيء إلى السجن بعد حبسه بعد أن يكون فيه
موضع خلوة، ولو على مهرها، وفي "الخلاصة" لو
كان محرما
ج / 4 ص -195-
ولم يخير أحدهما بعيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقت الخصومة أجله بعد الإحرام، وفي
"الخانية": لو وجد زوجها مريضا لا يقدر على
الجماع لا يؤجل ما لم يصح وإن طال المرض ا ه.
وفيها وإن كان الزوج مظاهرا منها إن كان قادرا
على الإعتاق أجله القاضي وإن كان عاجزا عنه
أمهله القاضي شهرين للكفارة ثم يؤجل وإن ظاهر
بعد التأجيل لا يلتفت إليه ويحتسب ذلك عليه. ا
ه.
وفي "المحيط": الجامع أصله أن كل موضع تجري
الوكالة فيه ينتصب الولي فيه خصما فالتفريق
بسبب الجب وخيار البلوغ وعدم الكفاءة تجري
الوكالة فيه فانتصب الولي فيه خصما وكل موضع
لا تجري الوكالة فيه لا ينتصب الولي خصما فيه
كالفرقة بالإباء عن الإسلام واللعان ا ه.
"قوله لم يخير أحدهما بعيب"
أي: لا خيار لأحد الزوجين بعيب في الآخر؛ لأن
المستحق بالعقد هو الوطء والعيب لا يفوته بل
يوجب فيه خللا ففواته بالموت قبل التسليم لا
يوجب الخيار فاختلاله أولى، وفي "الهداية" أن
اختلاله بالموت لا يوجب الفسخ فبالعيب أولى
واعترض عليه جميع الشارحين بأن النكاح مؤقت
بحياتهما ولم يجيبوا وأجبت عنه بجوابين.
الأول: أن النكاح ينتهي بالموت لا أنه ينفسخ
قالوا والشيء بانتهائه يتقرر ولا ينفسخ.
والثاني: وهو الأحسن أنه على حذف مضاف تقديره
لا يوجب خيار الفسخ حتى لا يسقط بالموت شيء من
مهرها أطلق العيب فشمل الجذام والبرص والجنون
والرتق والقرن وخالف الشافعي ومالك وأحمد في
هذه الخمسة وخالف محمد في الثلاثة الأول إذا
كانت بالزوج فتخير المرأة بخلاف ما إذا كانت
بها فلا يخير لقدرته على دفع الضرر عن نفسه
بالطلاق دونها ويرد عليه تخيير الغلام إذا بلغ
عند محمد فإنه قادر بالطلاق ويمكن أن يجاب بأن
خيار البلوغ لدفع ضرر فعل الغير بخلافه هنا؛
لأن الزوج فعله كما لا يخفى، الجذام من الجذم
بفتح الجيم القطع وهو مصدر من باب ضرب ومنه
يقال جذم بالبناء للمفعول إذا أصابه الجذام؛
لأنه يقطع اللحم ويسقطه وهو مجذوم قالوا ولا
يقال فيه من هذا المعنى أجذم وزان أحمر كذا في
"المصباح". وفي "القاموس" والجذام كالغراب علة
تحدث من انتشار السوداء في الجسد كله فيفسد
مزاج الأعضاء وهيئاتها وربما انتهى إلى تآكل
الأعضاء وسقوطها عن تقرح جذم فهو مجذوم ومجذم
وأجذم ووهم الجوهري في منعه ا ه.
ج / 4 ص -196-
والبرص
محركة: بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج
برص كفرح فهو أبرص وأبرصه الله ثم قال في موضع
آخر وجن بالضم جنا وجنونا واستجن مبنيا
للمفعول وتجنن وتجان وأجنه الله فهو مجنون،
وأما الرتق ضد الفتق ومحركه جمع رتقة ومصدر
قولك امرأة رتقاء بينة الرتق لا يستطاع جماعها
أو لا خرق لها إلا المبال خاصة.
وفي "المصباح": رتقت المرأة رتقا من باب تعب
فهي رتقاء إذا استد مدخل الذكر من فرجها فلا
يستطاع جماعها والقرن مثل فلس العفلة وهو لحم
ينبت في الفرج في مدخل الذكر كالغدة الغليظة
وقد يكون عظما ويحكى أنه اختصم إلى القاضي
شريح في جارية بها قرن فقال أقعدوها فإن أصاب
الأرض فهو عيب وإلا فلا وقال القلعي1: القرن
بفتح الراء بمنزلة العفلة فأوقع المصدر موقع
الاسم وهو سائغ كذا في "المصباح" والرتق بفتح
التاء كما في "العناية" وقد كتبنا في "القواعد
الفقهية" في مذهب الحنفية أن القاضي لو قضى
برد أحد الزوجين بعيب نفذ قضاؤه، وفي القنية
من الكراهية جراح اشترى جارية رتقاء فله شق
الرتق وإن تألمت ا ه.
ولم أر حكم شق الرتقاء المنكوحة وقالوا في
تعليل عدم ردها لإمكان شقه ولكن ما رأيت هل
يشق جبرا أم لا، وفي "المعراج" لو تراضى
العنين وزوجته على النكاح بعد التفريق فله أن
يتزوجها إلا رواية عن أحمد حيث قال لا يجتمعان
أبدا كفرقة اللعان، وهذا باطل لا أصل له والله
أعلم بالصواب.
12- باب العدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12- باب العدة
لما ترتبت في الوجود على الفرقة بجميع أنواعها
أوردها عقيب الكل وهي لغة الإحصاء عددت الشيء
أحصيته إحصاء، وفي شرح "المجمع" للمصنف العدة
مصدر عد الشيء يعده وسئل عليه السلام متى تكون
القيامة قال
"إذا تكاملت العدتان"2 أي:
عدة أهل الجنة وعدة أهل النار أي: عددهم وسمي
زمان التربص عدة؛ لأنها تعده ويقال على
المعدود، وفي "الدر المنثور"3 أي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن علي بن الحسن القلعي، فقيه،
باحث، توفي سنة ثلاثين وستمائة ه، من آثاره:
"كنز الحفاظ في غرائب الألفاظ في المهذب،
تهذيب الرياسة في ترتيب السياسة". ا ه. معجم
المؤلفين "10/317" الأعلام "6/281".
2 لم أعثر عليه.
3 واسمه: "الدر المنثور في التفسير بالمأثور"
للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر
السيوطي، المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة ه،
وهو في مجلدات ا ه. كشف الظنون "1/733".
ج / 4 ص -197-
هي تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح، أو
شبهته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا تكاملت عند الله برجوعهم إليه، وفي
"المصباح" وعدة المرأة قيل أيام أقرائها مأخوذ
من العد والحساب وقيل تربصها المدة الواجبة
عليها والجمع عدد مثل سدرة وسدر وقوله تعالى
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
[الطلاق: 1] قال النحاة اللام بمعنى في أي:
في عدتهن ا ه.
وفي الشريعة ما ذكره بقوله.
"هي تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح أو
شبهته" أي: لزوم انتظار
انقضاء مدة والتربص التثبت والانتظار قال الله
تعالى
{فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 25] وقال تعالى
{وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} [التوبة: 98] وقال تعالى
{فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52] كذا في "البدائع" وإنما قدرنا اللزوم؛ لأن التربص
فعلها.
وقد قالوا إن ركنها حرمات أي: لزومات كحرمة
تزوجها على الغير ونقلوا عن الشافعي أن ركنها
التربص عنده وفرعوا على الاختلاف تداخل
العدتين فعندنا يتداخلان خلافا له وانقضاؤه
بدون علمها عندنا خلافا له، وهذا أولى مما في
"البدائع" من جعلها في الشرع عندنا اسما لأجل
ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح وعند
الشافعي اسما لفعل التربص؛ لأنه على هذا
التقدير يكون ركنها نفس الأجل وقد صرحوا
بخلافه إلا أنه لو صح اندفع الإشكال الوارد
على عدة الصغيرة؛ إذ ليس في العدة وجوب شيء بل
هي مجرد انقضاء الأجل. والثابت في هذه المدة
عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم
الصحة لو فعل ويرد على ما في الكتاب عدة
الصغيرة؛ إذ لا لزوم في حقها ولا تربص واجب
وأجيب بأنها ليست هي المخاطبة بل الولي هو
المخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة
ولهذا لم يطلق أكثر المشايخ لفظ الوجوب على
عدة الصغيرة لعدم خطابها وإنما يقولون تعتد
وقيد بقوله يلزم المرأة؛ لأن ما يلزم الرجل من
التربص عن التزوج إلى مضي عدة امرأته في نكاح
أختها ونحوه لا يسمى عدة اصطلاحا لاختصاصه
بتربصها وإن وجد معنى العدة فيه ويجوز إطلاق
العدة عليه شرعا كما أفهمه ما في "فتح
القدير": فعلى هذا ما في الكتاب معناها
الاصطلاحي.
وأما في الشريعة: فهي تربص يلزم المرأة أو
الرجل عند وجود سببه وقد ضبط الفقيه أبو الليث
رحمه الله في "خزانة الفقه" المواضع التي
يمتنع الإنسان من الوطء فيها حتى تمضي مدة في
عشرين موضعا نكاح أخت امرأته وعمتها وخالتها
وبنت أختها وبنت أخيها والخامسة وإدخال الأمة
على الحرة ونكاح أخت الموطوءة في نكاح فاسد أو
في شبهة عقد ونكاح الرابعة كذلك ونكاح المعتدة
للأجنبي ونكاح المطلقة ثلاثا ووطء الأمة
المشتراة والحامل من الزنا إذا تزوجها
والحربية إذا أسلمت في دار الحرب وهاجرت إلينا
وكانت حاملا فتزوجها رجل
ج / 4 ص -198-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمسبية لا توطأ حتى تحيض أو يمضي شهران كانت
لا تحيض لصغر أو كبر ونكاح المكاتبة ووطؤها
لمولاها حتى تعتق أو تعجز نفسها ونكاح الوثنية
والمرتدة والمجوسية لا يجوز حتى تسلم ودخل تحت
شبهة النكاح الفاسد ومن زفت إليه غير امرأته
فوطئها ولكن خرج عن التعريف عدة أم الولد إذا
مات مولاها أو أعتقها فإنها واجبة عندنا مع
أنها لم تكن عند زوال النكاح أو شبهته هذا ما
أوردته قبل الاطلاع على الاصطلاح ثم رأيته
عرفها فيه بما يدخل عدة أم الولد فقال هي اسم
لأجل ضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح أو
الفراش وقال في إيضاح الإصلاح لا بد منه
لتنتظم عدة أم الولد ا ه.
وفي بعض النسخ أو شبهه بإضافة الشبه إلى ضمير
النكاح وعلى النسخة الأولى بإضافة الشبهة إليه
فعلى النسخة الثانية تدخل عدة أم الولد؛ لأنها
تربص يلزمها عند زوال شبه النكاح لما أن لها
فراشا كالحرة وإن كان أضعف من فراشها وقد زال
بالعتق ولكن لا يدخل من زفت إليه غير امرأته
وقلن امرأتك إلا على النسخة الأولى وعليها
فينبغي أن يقال قوله أو شبهته معطوف على
الزوال لا على النكاح؛ لأنه لو عطف عليه
لاقتضى أنها لا تجب إلا عند زوال الشبهة وليس
كذلك/.
وأما سبب وجوبها فلكل نوع منها سبب فعدة
الأقراء لوجوبها أسباب منها الفرقة في النكاح
الصحيح سواء كانت بطلاق أو بغير طلاق بعد وطء
أو خلوة ومنها عدة النكاح الفاسد سببها تفريق
القاضي أو المشاركة وشرطها أن تكون بعد الوطء
حقيقة ومنها عدة الوطء عن شبهة فسببها الوطء
ومنها عدة أم الولد وسببها عتق المولى بإعتاقه
أو موته.
وأما عدة من لم تحض لصغر أو كبر سببها الطلاق
وشرط وجوبها إما الصغر أو الكبر أو عدم الحيض
رأسا والثاني الدخول حقيقة أو حكما، وأما عدة
الحمل فسببها الفرقة أو الوفاة كذا في
"البدائع" مختصرا وهو مخالف لما في "فتح
القدير": من أن سبب وجوبها عقد النكاح
المتأكد بالتسليم أو ما يجري مجراه من الخلوة
والموت، ولو فاسدا.
وأما الفرقة فشرطها، فالإضافة في قولهم عدة
الطلاق إلى الشرط ا ه. والظاهر ما في "فتح
القدير": لعدم صلاحية الطلاق والموت للسببية
لما في المصفى كان القياس أن لا تجب العدة
بالطلاق والموت؛ لأنهما مزيلان للنكاح والشيء
إذا زال يزول بجميع آثاره وإنما وجبت بالنص
على خلاف القياس ا ه.
وحكمها حرمة نكاحها على غيره وحرمة نكاح أختها
وأربع سواها كذا قالوا: وينبغي الاقتصار على
الثاني؛ لأن حرمة نكاحها على غيره من المحرمات
التي قدمنا أنها الركن
ج / 4 ص -199-
عدة الحرة الطلاق، او الفسخ ثلاثة أقراء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومحظوراتها حرمة التزين والتطيب خصوصا في
المبانة والخروج من المنزل عموما كما سيأتي في
الحداد وأنواعها حيض وأشهر ووضع حمل لتعرف
براءة رحم وللتعبد ولإظهار حزن على زوج وإلى
هنا ظهر أن الكلام فيها في عشرة مواضع معناها
لغة وشرعا واصطلاحا وركنها وشرطها وسببها
وحكمها ومحظوراتها وأنواعها ودليلها.
"قوله: عدة الحرة للطلاق أو الفسخ ثلاثة
أقراء" أي: حيض ظاهر في أن
العدة اسم للأجل المضروب كما في "البدائع" على
إرادة مدة ثلاثة أقراء؛ لأنه أوقع ثلاثة خبرا
للعدة على تقدير الرفع فهو مخالف لما قدمناه
من التحقيق، وأما على تقدير نصب ثلاثة فالمراد
كون عدتها في مدة ثلاثة أقراء؛ لأن الحرمات
تتعلق في مدة الأقراء فكان ظرف زمان معربا
واقعا خبرا عن اسم معنى نحو السفر غدا لكنه
على تقدير الرفع اعتبر فيه الإطلاق المجازي
أعني إطلاق العدة على نفس المدة.
أطلق الطلاق فشمل البائن والرجعي ولم يقيد
بالدخول بناء على أن الأصل في النكاح الدخول
ولا بد منه حقيقة أو حكما حتى تجب على مطلقة
بعد الخلوة ولو فاسدة كما بيناه فيها ولم أر
حكم ما إذا وطئها في دبرها أو أدخلت منيه في
فرجها ثم طلقها من غير إيلاج في قبلها وفي
"تحرير الشافعية" وجوبها فيهما ولا بعد أن
يحكم على المذهب بالثاني؛ لأن إدخال المني
محتاج إلى تعرف البراءة أكثر من مجرد الإيلاج
والأصل في هذا النوع قوله تعالى
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] والمراد بهن المدخولات اللاتي يحضن وهو خبر بمعنى
الأمر. وأصل الكلام ليتربصن ولام الأمر محذوفة
فاستغني عن ذكره وإخراج الأمر في صورة الخبر
تأكيد له وللإشعار بأنه مما يتلقى بالمسارعة
إلى امتثاله نحو قولهم في الدعاء رحمك الله
أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كأن الرحمة
وجدت فهو يخبر عنها وبناؤه على المبتدأ يدل
على زيادة التأكيد، ولو قيل يتربص المطلقات لم
يكن بتلك الوكادة؛ لأن الجملة الاسمية تدل على
الدوام والثبات بخلاف الفعلية، وفي ذكر الأنفس
تهييج لهن على التربص وزيادة تعب؛ إذ نفوسهن
طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن
ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص
وانتصب ثلاثة على الظرف أي: مدة ثلاثة قروء
وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي
الإقراء لجواز استعمال أحد الجمعين مكان الآخر
لاشتراكهما في الجمعية ولعل القروء أكثر في
جمع القرء من الأقراء فأوثر عليه تنزيلا لقليل
الاستعمال منزلة المهمل كذا في "المعراج".
ج / 4 ص -200-
..........................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقرء مشترك بين الحيض والطهر وأوله أصحابنا
في الآية بالحيض والشافعي بالطهر وموضعه
"الأصول".
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا طلقها في الطهر
فإنه تنقضي العدة برؤية قطرة من الدم من
الحيضة الثالثة عنده وعندنا لا تنقضي العدة ما
لم تطهر منها كذا في "غاية البيان"، وفي
"المبسوط" الحيضة الأولى لتعرف براءة الرحم
والثانية لحرمة النكاح والثالثة لفضيلة الحرية
وشمل جميع أسبابه من الفسخ بخيار البلوغ
والعتق وملك أحد الزوجين صاحبه وردة أحدهما،
وقدمنا في نكاح الأولياء جملة الفرق والإيراد
على قولهم إنه لا يحتمل الفسخ بعد التمام، ثم
رأيت في إيضاح الإصلاح هنا أنه لا فرق بين
الطلاق أو الفسخ أو الرفع.
ثم قال: اعلم أن النكاح بعد التمام لا يحتمل
الفسخ فكل فرقة بغير طلاق قبل تمام النكاح
كالفرقة بخيار البلوغ والفرقة بخيار العتق
والفرقة بعدم الكفاءة فسخ وكل فرقة بغير طلاق
بعد تمام النكاح كالفرقة بملك أحد الزوجين
الآخر والفرقة بتقبيل ابن الزوج ونحوه رفع
وهذا واضح عند من له خبرة في هذا الفن ا ه.
وعدم الكفاءة ومن هذا النوع ما إذا تزوج
المكاتب بنت مولاه بإذنه ثم مات المكاتب بعد
موت المولى لا عن وفاء فإن النكاح يفسد وتعتد
بثلاث حيض إن كانت مدخولا بها وسقط مهرها بقدر
ما ملكت منه وإلا فلا عدة وإن مات عن وفاء
تعتد عدة الوفاة دخل بها أو لم يدخل ولها
الصداق والإرث؛ لأنا حكمنا بعتقه في آخر جزء
من أجزاء حياته.
وقدمنا1 في فصل التحليل أن العدة لا تظهر في
حق المطلق حيث كان دون الثلاث وهكذا في الفسخ
فلو اشترى زوجته بعد الدخول لا عدة عليها له
وتعتد لغيره حتى لا يزوجها من الغير ما لم تحض
حيضتين ولهذا لو طلقها السيد في هذه العدة لم
يقع طلاقه؛ لأنها معتدة بالنسبة إلى غيره
ولهذا تحل له بملك اليمين بخلاف ما إذا اشترت
الحرة زوجها بعد الدخول وقد كان قال لها: أنت
طالق للسنة وهي حائض ثم طهرت من حيضها وقع
الطلاق لعدم ارتفاع عدة الطلاق بدليل حرمة
وطئها ولا بد في انقضاء عدتها من الإقرار
بالطلاق؛ لأنه لو طلقها وأقام معها زمانا
منكرا طلاقها لم تنقض عدتها هكذا اختاره
المشايخ كذا في "المحيط": وسيأتي زيادة بيان
له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "153".
ج / 4 ص -201-
وثلاثة أشهر إن لم تحض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو اشترى المكاتب زوجته ثم مات فإن ترك وفاء
فهو حر في آخر حياته وفسد نكاحه فإن لم يكن
دخل بها فلا عدة لوقوع الفرقة قبل الدخول وهي
أمة فإن كانت ولدت منه تعتد بثلاث حيض حيضتان
بالفرقة وثلاث بالوفاة إلا أنها تتداخل وتحد
في الأوليين دون الثالثة كذا في "المحيط".
وأطلق الحرة فشمل المسلمة والكتابية تحت مسلم
فالكتابية تحت المسلم كالمسلمة حرتها كحرتها
وأمتها كأمتها. وأما إذا كانت تحت ذمي فلا عدة
عليها إذا كانوا لا يدينون ذلك إلا إذا كانت
حاملا عند الإمام خلافا لهما وقد مرت وذكرها
في "البدائع" هنا، وفي "الولوالجية" قال: إلا
أن تكون حاملا فتمنع من التزوج إن كان ذلك في
دينهم ا ه. فقيد الحامل بأن تكون في دينهم
العدة لها، وفي "البزازية": شهدا أن زوجها
طلقها ثلاثا إن كان غائبا ساغ لها أن تتزوج
بآخر وإن كان حاضرا لا؛ لأن الزوج إذا أنكر
احتيج إلى القضاء بالفرقة ولا يجوز القضاء بها
إلا بحضرة الزوج.
وفيها لو شهد عندها رجلان أنه طلقها ليس لها
أن تمكن من نفسها وإن أخبرها واحد ليس لها
الامتناع ا ه. فقد قبل خبر الواحد العدل بموته
عندها ولم يقبل بطلاقه وذكر في الاستحسان لو
أخبر الابن رجلان أن فلانا قتل أباه ليس له أن
يقتله حتى يحكم القاضي بشهادتهما بخلاف المرأة
إذا أخبرها عدلان بالطلاق فإنه يحرم عليها
التمكين من غير حكم بشهادتهما، ولو برهن
القاتل عند ابن المقتول أنه قتله للردة أو
للقصاص إن كان الشاهدان ممن لو شهدا عند
الحاكم تقبل شهادتهما ليس للابن قتله وإلا فله
ا ه.
"قوله وثلاثة أشهر إن لم تحض"
أي: عدة الحرة إن لم تكن من ذوات الحيض لصغر
أو كبر مدة ثلاثة أشهر لقوله تعالى
{وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ
أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]في حق الآيسة وقوله تعالى
{وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]في حق الصغيرة ومن بلغت بالسن ولم تحض وشمل قوله إن لم
تحض أيضا البالغة إذا لم تر دما أو رأت وانقطع
قبل التمام ومن بلغت مستحاضة والمستحاضة التي
نسيت عادتها وهو مما يلغز به فيقال شابة ترى
ما يصلح حيضا في كل شهر وعدتها بالأشهر لكن في
التحقيق لما نسيت عادتها جاز كونها أول كل شهر
وآخره فإذا قدرت بثلاثة أشهر علم أنها حاضت
ثلاث حيض بيقين بخلاف ما لم تنس فإنها ترد إلى
أيام عادتها فجاز كون عدتها أول الشهر فتخرج
من العدة بخمسة أو ستة من الثالث.
وفي "فتح القدير": أخذا من الزيلعي في الحيض
واعلم أن إطلاقهم الانقضاء بثلاثة أشهر في
ج / 4 ص -202-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستحاضة الناسية لعادتها لا يصح إلا فيما
إذا طلقها أول الشهر أما إذا طلقها بعدما مضى
من الشهر قدر ما يصلح حيضة فينبغي أن يعتبر
ثلاثة أشهر غير باقي هذا الشهر ا ه.
اعلم أن ما ذكره في "فتح القدير": أن تقدير
عدتها بثلاثة أشهر قول المرغيناني وذكر هو في
الحيض اختلافا قال والفتوى على قول الحاكم من
أن طهرها مقدر بشهرين فعلى هذا لا بد من ستة
أشهر للأطهار وثلاث حيض بشهر احتياطا والمراد
بالصغيرة من لم تبلغ سن الحيض والمختار المصحح
أنه تسع وعن الإمام الفضلي أنها إذا كانت
مراهقة لا تنقضي عدتها بالأشهر بل يوقف حالها
حتى يظهر هل حبلت من ذلك الوطء أم لا فإن ظهر
حبلها اعتدت بالوضع وإن لم يظهر فبالأشهر ا ه.
وفي "فتح القدير": ويعتد بزمن التوقف من
عدتها؛ لأنه كان ليظهر حبلها فإذا لم يظهر كان
من عدتها ا ه.
وفي "التتارخانية": امرأة رأت الدم وهي بنت
ثلاثين سنة مثلا رأت يوما دما لا غير ثم طلقها
زوجها قال ليست هي آيسة وقال أبو جعفر تعتد
بالشهور؛ لأنها من اللائي لم يحضن وبه تأخذ ا
ه.
وفي "الصغرى": واعتبار الشهور في العدة
بالأيام دون الأهلة بالإجماع إنما الخلاف بين
أبي حنيفة وصاحبيه في الإجارة ا ه. وفي
"المجتبى" جعله على الخلاف كالإجارة والدين
وإنما تعتبر بالأيام إجماعا مدة العنين.
وفي "التتارخانية": امرأة بلغت فرأت يوما دما
ثم انقطع عنها الدم حتى مضت سنة ثم طلقها
زوجها فعدتها بالأشهر ا ه.
وخرج بقوله إن لم تحض الشابة الممتد طهرها فلا
تعتد بالأشهر وصورتها إذا رأت ثلاثة أيام
وانقطع ومضى سنة أو أكثر ثم طلقت فعدتها
بالحيض إلى أن تبلغ إلى حد الإياس وهو خمس
وخمسون سنة في المختار كذا في "البزازية":
ومن الغريب ما في "البزازية": قال العلامة
والفتوى في زماننا على قول مالك في عدة الآيسة
ا ه. ولو قضى قاض بانقضاء عدة الممتد طهرها
بعد مضي تسعة أشهر نفذ كما في جامع الفصولين
ونقل في "المجمع" أن مالكا يقول إن عدتها
تنقضي بمضي حول وفي "شرح المنظومة" أن عدة
الممتد طهرها تنقضي بتسعة أشهر كما في
"الذخيرة" معزيا إلى حيض "منهاج الشريعة"1،
ونقل مثله عن ابن عمر قال وهذه المسألة يجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو في شرح "منار في الأصول" لجلال الدين
رسولا أحمد بن يوسف التباني الحلبي، الحنفي،
المتوفى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ه. ا ه كشف
الظنون "2/1872".
ج / 4 ص -203-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حفظها؛ لأنها كثيرة الوقوع وذكر الزاهدي وقد
كان بعض أصحابنا يفتون بقول مالك في هذه
المسألة للضرورة خصوصا الإمام والدي1 ا ه.
قلت: لكنه مخالف لجميع الروايات فلا يفتى به
نعم لو قضى مالكي به نفذ، وفي "فتح القدير":
ثم أكثر المشايخ لا يطلقون لفظ الوجوب على هذه
الصغيرة؛ لأنها غير مخاطبة بل يقولون تعتد،
وفي "المبسوط" قال بعض علمائنا: هي لا تخاطب
بالاعتداد لكن الولي يخاطب بأن لا يزوجها حتى
تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضي المدة
فثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجيه خطاب الشرع
عليها ولا يخفى أن القائل الأول قوله مبني على
أنه يراها الحرمات أو التربص الواجب فإن قلت
على تقدير كونها مضي المدة أليس أن فيها يجب
أن لا تتزوج فلا بد أن يتعلق خطاب نهي التزوج
بالولي فجعلها المدة كما قال شمس الأئمة لا
يستلزم انتفاء قول الأول ويخاطب الولي بأن لا
يزوجها فالجواب لا يلزم فإنا إذا قلنا: إنها
المدة فالثابت فيها عدم صحة التزوج لا خطاب
أحد بل وضع الشارع عدم الصحة لو فعل ا ه.
والحاصل: أن الصغيرة أهل لخطاب الوضع، وهذا
منه كما خوطب الصغير والصغيرة بضمان المتلفات،
ولو حاضت الصغيرة في الأشهر الثلاثة تستأنف
العدة بالحيض، ولو حاضت الكبيرة حيضة ثم أيست
استأنفت بالشهور تحرزا عن الجمع بين الأصل
والخلف وقد فسر القاضي قوله تعالى
{إِنْ ارْتَبْتُمْ}
[الطلاق: 4] شككتم وجهلتم ا ه. وإذا كان هذا
مع الارتياب ففي غيره بالأولى كذا في "غاية
البيان"، وفي الفخر الرازي إن ارتبتم في دم
البالغات مبلغ الإياس أهو دم حيض أو استحاضة
وروي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال يا رسول
الله قد عرفنا عدة التي تحيض فما عدة التي لم
تحض فنزلت
{وَاللاَّئِي يَئِسْنَ} [الطلاق: 4] فقام رجل فقال ما عدة الصغيرة فنزل
{وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: هي بمنزلة الكبيرة فقام آخر فقال ما عدة الحوامل فنزل
{وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}2 [الطلاق: 4] ا ه. وذكر في "الدر المنثور" للأسيوطي أن السائل عن
المسائل الثلاث أعني عن الكبرى و"الصغرى"
والحامل أبي بن كعب رضي الله عنه وأخرج عن
مجاهد في قوله تعالى
{إِنْ ارْتَبْتُمْ} إن لم تعلموا الحيض أم لا فإن قلت لم لم يكتف بقوله {وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} عما قبلها قلت الآيسة يصدق عليها أنها حاضت فلم تدخل تحت قوله
{وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ}؛ لأن المعنى لا حيض لهن أصلا إما للصغر أو بلغت ولم تحض فلذا
أفردها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمود بن محمد والد الإمام الزاهدي مختار
بن محمود.
2 ذكره القرطبي في تفسيره "18/163".
ج / 4 ص -204-
وللموت أربعة أشهر وعشر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله وللموت أربعة أشهر وعشر"
أي: عدة المتوفى عنها زوجها بعد نكاح صحيح
إذا كانت حرة أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله
تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] أي عشرة أيام بناء على أنه إذا ذكر عدد الأيام أو
الليالي فإنه يدخل ما بإزائه من الآخر وبه
اندفع قول الأوزاعي إن العدة أربعة أشهر وعشر
ليال أخذا من تذكير العدد أعني العشر في
الكتاب كما سمعت، وفي السنة في حديث
"لا حداد إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا"1.
والحاصل: أن الأوزاعي يقول بتسعة أيام وعشر
ليال حتى لو تزوجت في اليوم العاشر جاز هكذا
فرعه في "معراج الدراية" على قول الأوزاعي
وتبعه في "فتح القدير": لكن في فتاوى قاضي
خان حكي عن الفضلي كقول الأوزاعي فقال وحكي عن
الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل أنه قال
تعتد أربعة أشهر وعشر ليال؛ لأن الله تعالى
ذكر العشر مذكرا وجمع الليالي بذكر لفظ
التذكير وجمع الأيام بلفظ التأنيث فعلى قوله
تزيد العدة بليلة واحدة، وهذا أقرب إلى
الاحتياط ا ه. فظاهره أن من اعتبر الليالي
إنما زاد لا أنه نقص فإذا تزوجت في اليوم
العاشر لم يجز اتفاقا وإنما يظهر الاختلاف
فيما إذا مات قبل طلوع الفجر وتربصت الأهلة
الأربعة فإن عدتها لا تنقضي بمضي اليوم العاشر
من الخامس بل لا بد من مضي الليلة التي بعد
العاشر على قول الفضلي والأوزاعي وعلى قول
العامة تنقضي بغروب الشمس ولا يخفى أن الأول
أحوط.
وفي "المجتبى": أن العشر عشرة أيام وعشر ليال
من الشهر الخامس عندنا وقال ابن عمر عشر ليال
وتسعة أيام ا ه. وأكثر أهل العربية أن العدد
إنما يكون عكس المعدود تذكيرا وتأنيثا حيث كان
المعدود مذكورا، وأما إذا كان محذوفا فإنه
يجوز ترك التاء في العدد الذي معدوده مذكر
كقوله عليه السلام
"من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال"2 كذا في بعض "شروح الألفية" وذكره الكرماني في شرح حديث "بني الإسلام على خمس"3 والنكتة في عدم الإتيان بالتاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد
في عدة الوفاة "149" بلفظ "لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث
ليال، إلاّ على زوج أربعة أشهر وعشرا".
والنسائي، كتاب الطلاق، باب عدة المتوفى عنها
زوجها "6/189" ومالك في الموطأ، كتاب الطلاق،
باب ما جاء في الإحداد "2/598" وابن حبان في
صحيحه "4302".
2 أخرجه ابن ماجه كتاب الصيام، باب صيام ستة
أيام من شوال "1715". والدارمي في سننه
"2/21". وأحمد في مسنده "5/280". وابن حبان في
صحيحه "3635".
3 تقدم تخريجه.
ج / 4 ص -205-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما ذكره الرازي أن هذه أيام الحزن والمكروه
ومثل هذه الأيام تسمى بالليالي استعارة كقولهم
خرجنا ليالي الفتنة وتمامه فيه.
وفي "المحيط": إذا اتفق عدة الطلاق والموت في
غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلة وإن أنقصت عن
العدد وإن اتفق في وسط الشهر فعند الإمام
تعتبر بالأيام فتعتد في الطلاق بتسعين يوما،
وفي الوفاة بمائة وثلاثين يوما وعندهما يكمل
الأول من الأخير وما بينهما بالأهلة ومدة
الإيلاء واليمين أن لا يكلم فلانا أربعة أشهر
والإجارة سنة في وسط الشهر وسن الرجل متى ولد
في أثنائه وصوم الكفارة إذا شرع فيه من وسط
الشهر على هذا الاختلاف ا ه.
وقدمنا عن "المجتبى" تأجيل العنين إذا كان في
أثناء الشهر فإنه يعتبر بالأيام إجماعا
ويستثنى أيضا من الخلاف لو طلق الحامل في وسط
الشهر فإنه يفصل بين كل طلاقين بثلاثين يوما
فإذا طلقها الثالثة فقد بانت منه بثلاث وبقي
من عدتها ثلاثون يوما وهو قول الكل وهو
الصحيح؛ لأن عندهما تعذر اعتبار الأهلة في
جميع العدة لأنا لو اعتبرنا الشهر الثاني
والثالث بالهلال في حق انقضاء العدة فربما
ينقصان يومين فمتى اعتبرنا الفاصل بين
الطلاقين ثلاثين يوما يبقى بعد الطلقة الثالثة
ثمانية وعشرون يوما وذلك أقل من شهر ولا يجوز
انقضاء العدة به كذا في "المحيط" وفي "الصغرى"
واعتبار العدة بالأيام إجماعا إنما الخلاف في
الإجارة ا ه. ونقله عنها في "التتارخانية": .
وفي "التتارخانية": امرأة الغائب إذا أخبرها
رجل بموت زوجها وأخبرها رجلان بحياته فإن كان
الذي أخبر بموته شهد أنه عاين موته أو جنازته
وكان عدلا وسعها أن تعتد وتتزوج هذا إذا لم
يؤرخا فإن أرخا وتاريخ شهود الحياة متأخر
فشهادتهما أولى.
وفي النسفية سئل عن امرأة لها زوج غائب أخبرها
رجل بموته فاعتدت وتزوجت ودخل بها فجاء آخر
وأخبرها أنه حي في بلد كذا وأنا رأيته فهل يحل
لها المقام مع الثاني؟ فقال: إن كانت صدقت
المخبر الأول لا يمكنها أن تصدق المخبر الثاني
ولا يبطل النكاح الثاني ولهما أن يقرا على ذلك
النكاح، وفي شهادات "البزازية": قال رجل
لامرأة سمعت أن زوجك مات لها أن تتزوج إن كان
المخبر عدلا فإن تزوجت آخر وأخبرها جماعة بأنه
حي إن صدقت الأول صح النكاح كذا في فتاوى
النسفي، وفي "المنتقى" شرط عدالة المخبر ولا
يشترط تصديقها، وفي النوازل لو عدلا لكن أعمى
أو محدودا في قذف جاز. ولو شهد عندها عدل أن
زوجها ارتد هل لها أن تتزوج؟ فيه روايتان في
رواية للسير لا يجوز، وفي الاستحسان يجوز
وأطلق في عدة الحرة للموت فشمل المسلمة
والكتابية تحت المسلم صغيرة كانت أو كبيرة أو
آيسة سواء كان زوجها حرا
ج / 4 ص -206-
والأمة قرءان ونصف المقدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو عبدا قبل الدخول أو بعده ولم يخرج عنها إلا
الحامل فإنها تعتد بالوضع في الوفاة أيضا ولذا
أخر عدة الحامل عن المتوفى عنها زوجها للإشارة
إلى أنها باقية على عمومها كما سترى، وفي
"البدائع" أن سببها الموت وشرط وجوبها النكاح
الصحيح فلا تجب في النكاح الفاسد ا ه.
وسيأتي1 أن مبدأها من وقت الوفاة لا من وقت
العلم بها ولا بد من بقاء النكاح صحيحا إلى
الموت فلو فسد قبله لم تجب عدة الوفاة ولهذا
قدمنا أن المكاتب لو اشترى زوجته ثم مات عن
وفاء لم تجب عدة الوفاة فإن لم يدخل بها فلا
عدة أصلا وإن دخل بها فولدت منه صارت أم ولد
له فعدتها ثلاث حيض وإن لم تكن ولدت منه
فعليها أن تعتد بحيضتين لفساد النكاح قبل
الموت وإن لم يترك وفاء تعتد بشهرين وخمسة
أيام عدة الوفاة؛ لأنهما مملوكان للمولى كما
في "الخانية": ولكن ذكر في "المحيط": أنها
إذا ولدت منه وقلنا عدتها ثلاث حيض تحد في
الأوليين دون الثالثة، ولو تزوج المكاتب بنت
مولاه فإن مات عن وفاء فعدتها عدة الحرة عن
وفاة دخل بها أم لا وإلا لم تعتد للوفاة فإن
لم يدخل فلا عدة وإن دخل بها تعتد بثلاث حيض.
"قوله وللأمة قرآن ونصف المقدر"
أي: وعدة الأمة حيضتان في الطلاق بعد الدخول
إن كانت ممن تحيض وإلا فشهر ونصف في الطلاق
وشهران وخمسة أيام في الوفاة أطلقها فشمل
القنة وأم الولد والمدبرة والمكاتبة
والمستسعاة على قول الإمام سواء كانت معتقة
البعض أو لا كالمعتقة في مرض الموت إذا كانت
لا تخرج من الثلث والمدبرة بعد موت مولاها في
زمن السعاية فإن المستسعى كالمكاتب عنده وحر
مديون عندهما ولا بد من قيد الدخول في الأمة
إلا في المتوفى عنها زوجها.
والحاصل: أن الرق منصف نعمة وعقوبة لكن في
الصلاة والصوم والطهارة هما سواء، وفي صوم
الكفارات هما سواء، وفي أجل العنين هما سواء
بخلاف إيلاء الأمة فإنها على النصف كما
قدمناه، وفي الحدود على النصف، وفي النكاح على
النصف، وفي الطلاق على النصف واعتباره
بالمرأة، وفي القصاص هما سواء بخلاف الأطراف
فهو منصف إلا في العبادات وما فيه معنى
العبادة والإيلاء والقصاص. ودليل التنصيف في
عدة الأمة الحديث
"وعدتها
حيضتان"2 وأورد عليه في "الكافي" أنه معارض بعموم القطعي وتخصيص العام
ابتداء لا يجوز بخبر الواحد والقياس ولهذا قال
أبو بكر الأصم بأن عدتها ثلاثة أقراء وأجاب
عنه بأنه من المشاهير تلقته الأمة بالقبول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "223".
2 تقدم تخريجه.
ج / 4 ص -207-
وللحامل وضعه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو لأن الآية إنما هي في الحرائر بدليل السياق {مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ} [البقرة: 229]
{حَتَّى تَنكِحَ}
[البقرة: 230]
{فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وفي كافي الحاكم توفي عن امرأة وهي مملوكة واعتدت
بشهرين وخمسة أيام وأقرت بانقضاء عدتها ثم
ولدت لأكثر من ستة أشهر من يوم الإقرار لم
يلزم الزوج وإن لم تقر لزمه الولد إلى سنتين،
وفي "الخانية": امرأة قالت في عدة الوفاة:
لست بحامل، ثم قالت من الغد: أنا حامل كان
القول قولها، وإن قالت بعد أربعة أشهر وعشرة
أيام: لست بحامل، ثم قالت: أنا حامل لا يقبل
قولها وسيأتي في آخر الباب.
"قوله وللحامل وضعه" أي:
وعدة الحامل وضع الحمل لقوله تعالى
{وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] أطلقها فشمل الحرة والأمة المسلمة والكتابية مطلقة أو
متاركة في النكاح الفاسد أو وطء بشبهة
والمتوفى عنها زوجها لإطلاق الآية وقال ابن
مسعود رضي الله عنه من شاء باهلته أن سورة
النساء القصرى نزلت بعد التي في البقرة1 يريد
بالقصرى
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ
النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وبالطولى
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الآية.
والمباهلة الملاعنة، وفي رواية من شاء لاعنته،
وفي رواية حالفته وكانوا إذا اختلفوا في أمر
يقولون لعنة الله على الكاذب منا قالوا وهي
مشروعة في زماننا كما في "غاية البيان" و"فتح
القدير". وقال عمر رضي الله عنه: لو وضعت
وزوجها على سريره لانقضت عدتها ويحل لها أن
تتزوج2 وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم "تعتد
الحامل المتوفى عنها زوجها بأبعد الأجلين"3
يعني لا بد من وضع الحمل ومضي أربعة أشهر وعشر
هذا معنى أبعد الأجلين.
وفي "التفسير الكبير" للإمام الرازي أن
الشافعي لم يقل إن آية القصرى مخصصة لآية
الطولى لوجهين الأول أن كل واحدة من هاتين
الآيتين أعم من الأخرى من وجه وأخص منها من
وجه فإن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا
يتوفى والمتوفى عنها زوجها قد تكون حاملا وقد
لا تكون فامتنع أن تكون إحداهما مخصصة للأخرى
الثاني أن قوله تعالى
{وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ}
[الطلاق: 4] إنما ورد بعد ذكر المطلقات فربما
كانت في المطلقة فلهذين السببين لم يعول
الشافعي رحمه الله على القرآن وإنما عول على
السنة وهو حديث سبيعة الأسلمية ا ه.
وحاصل ما في "التلويح" أنهما متعارضان في حق
الحامل والمتوفى عنها زوجها فعلى رأي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثر: تقدم.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11719".
والبيهقي، كتاب العدد، باب عدة الحامل من
الوفاة "7/430".
3 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11712".
والبيهقي، كتاب العدد، باب عدة الحامل من
الوفاة "7/429".
ج / 4 ص -208-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علي من عدم معرفة التاريخ يثبت حكم التعارض
بقدر ما تعارضا فيه فرجعنا إلى السنة وعلى رأي
ابن مسعود القائل بتأخر القصرى كانت القصرى
ناسخة للطولى فيما تعارضا فيه وهي الحامل
المتوفى عنها زوجها فقط ا ه. ما في "التلويح"
هنا وليس معناه كما قلناه في زوجة الفار وقد
سها صاحب "المعراج" ففسر أبعد الأجلين المروي
عن علي رضي الله عنه بأربعة أشهر وعشر فيها
ثلاث حيض ونقله عن فتاوى قاضي خان وإنما هذا
في عدة امرأة الفار وإنه لا دخل للحيض في عدة
الحامل أصلا ولهذا قال في "المحيط": عن علي
تعتد بأبعد الأجلين وهما الأشهر ووضع الحمل
وهكذا في "فتح القدير": وإنما قالا بذلك لعدم
علمهما بالتاريخ فكان ذلك أحوط وعامة الصحابة
رضي الله عنهم لما علموا التاريخ قالوا بوضع
الحمل لتأخر آيته قال القاضي في تفسيره وهو
حكم يعم المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن
والمحافظة على عمومه أولى من المحافظة على
عموم قوله تعالى
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234]؛ لأن عموم
{أُوْلاَتُ الأَحْمَالِ} بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم يتعلل هاهنا بخلافه ثم ولأنه صح
أن {سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها
بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال
"قد حللت
فتزوجي"1 ولأنه متأخر النزول فتقديمه تخصيص وتقديم الآخر بناء العام على
الخاص والأول أرجح للوفاق عليه ا ه.
وفي "الدر المنثور" عن ابن مسعود رضي الله عنه
مرفوعا "نسخت سورة النساء القصرى" كل عدة2
{وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ}
أجل كل حامل مطلقة أو متوفى عنها زوجها أن تضع
حملها وأخرج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أنها نزلت بعد سبع سنين3، ونقل عن أبي بن كعب
وأبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعمر وابنه
وأبي هريرة وعائشة والمسور بن مخرمة رضي الله
عنهم كقول ابن مسعود4 ومعنى قول القاضي إن
عموم أولات بالذات أن الموصول من صيغ العموم
ومعنى قوله إن عموم أزواجا بالعرض أن عمومه
بدلي لا يصلح لتناول جميع الأزواج في حال واحد
ومعنى قوله إن الحكم يتعلل هنا أن الحكم هنا
معلل بوصف الحملية بخلاف ذلك وقوله والأول
أرجح أي التخصيص أولى من النسخ؛ لأنا إذا
أخرنا آية الحمل عن آية الوفاة كانت مخصصة
لآية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة
المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل "1485".
والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الحامل
المتوفى عنها زوجها تضع "1194" والنسائي، كتاب
الطلاق، باب عدة الحامل المتوفى عنها "6/193".
وابن حبان في صحيحه "4296".
2 تقدم تخريجه.
3 لم أعثر عليه.
4 أخرجه البيهقي في كتاب العدد، باب عدة
الحامل من الوفاة "7/428".
ج / 4 ص -209-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوفاة وإذا قدمنا آية الحمل على آية الوفاة
كانت رافعة لما في الخاص من الحكم وهو نسخ،
وفي "المعراج" حمل أهل العلم آية البقرة على
الحوامل تخصيصا بآية القصرى والتخصيص أولى من
دعوى النسخ ا ه.
وفي "البدائع" إن كان بين نزول الآيتين زمان
يصلح للنسخ فينسخ الخاص المتقدم بالعام
المتأخر كما هو مذهب مشايخنا بالعراق ولا يبنى
العام على الخاص أو يعمل بالنص العام على
عمومه ويتوقف في حق الاعتقاد كما هو مذهب
مشايخ سمرقند ولا يبنى العام على الخاص ا ه.
وذكر البقاعي في المناسبات لما كان توحيد
الحمل لا ينشأ عنه لبس وكان الجمع ربما أوهم
أنها لا تحل واحدة منهما* حتى تضع جمعا قال
{حَمْلَهُنَّ}
ا ه. وذكر الفخر الرازي أنه قرئ أحمالهن ثم
قال: إنما قال
{أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولم يقل أن يلدن؛ لأنه لو قاله لانقضت بولادة أحد الولدين ا ه.
يعني وهو بعض الحمل فلا تنقضي حتى تضع جميع ما
في البطن؛ لأن الحمل اسم لجميع ما في البطن
ولهذا قال "الأصول"يون لو قال إن كان حملك
ذكرا فأنت حرة فولدت ذكرا وأنثى لا تعتق؛ لأنه
اسم لجميع ما في البطن كقوله إن كان ما في
بطنك ذكر.
وفي "البدائع": وشرط وجوبها أن يكون الحمل من
نكاح صحيحا كان أو فاسدا ولا تجب على الحامل
من الزنا؛ لأن الزنا لا يوجب العدة إلا أنه
إذا تزوج امرأة وهي حامل من الزنا جاز النكاح،
وفي "فتح القدير": لو تزوجت بعد الأشهر ثم
جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من المدة ظهر فساد
النكاح وألحق بالميت ا ه. فعند أبي حنيفة
ومحمد لا يجوز له أن يطأها ما لم تضع كي لا
يكون ساقيا ماءه زرع غيره فظهر** أن الحامل من
الزنا لا عدة عليها أصلا، وأما الموطوءة بشبهة
فعدتها بالأقراء كما سيأتي إلا إذا كانت حاملا
فعدتها بوضع الحمل كما في تزوج الحامل التي من
الزنا ثم طلقها فولدت انقضت عدتها عندهما
بالوضع، وفي "البدائع" وقد تنقضي العدة بوضع
الحمل من الزنا بأن تزوجت الحامل من الزنا ثم
طلقها فولدت انقضت عدتها عندهما بالوضع، ولدت،
وفي بطنها آخر تنقضي العدة بوضع الآخر؛ لأن
الحمل اسم لجميع ما في البطن وإذا أسقطت سقطا
استبان بعض خلقه انقضت به العدة؛ لأنه ولد وإن
لم يستبن بعض خلقه لم تنقض؛ لأن الحمل اسم
لنطفة متغيرة بدليل أن الساقط إذا كان علقة أو
مضغة لم تنقض به العدة؛ لأنها لم تتغير فلا
يعرف كونها متغيرة بيقين إلا باستبانة بعض
الخلق كذا في "المحيط".
وفي "التتارخانية": قال: إذا ولدت ولدا فأنت
طالق فولدت ولدا ثم ولدت لستة أشهر ثبت
..............
* العبارة في الأصل منهن.
** العبارة في الأصل فقد ظهر.
ج / 4 ص -210-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نسب الثاني أيضا وانقضت به العدة ولا يجب به
العقر، وفي "الكافي" للحاكم قال لها: كلما
ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد
طلقت بالأول وانقضت العدة بالآخر ولا يقع به
طلاق ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت طلقتان
وانقضت العدة بالثالث، ولو كان بين الولدين
ستة أشهر ولم تقربا بانقضاء العدة طلقت ثلاثا
وتعتد بالأقراء بعد الثالث ا ه.
وفي "الخانية": طلقها رجعيا فتزوجت في العدة
ثم طلقها الثاني فجاءت بولد لأكثر من سنتين من
طلاق الأول ولستة أشهر من طلاق الثاني فإن
الولد للثاني، ولو تزوجت المنعي إليها زوجها
ثم ولدت أولادا ثم جاء الزوج الأول حيا كان
الإمام أبو حنيفة يقول الأولاد للأول ثم رجع
عنه وقال للثاني وعليه الفتوى ا ه. "منتقى".
قال محمد في نوادر ابن رستم لو خرج من قبل
الرأس نصف البدن غير الرأس أو خرج من قبل
الرجلين نصف البدن غير الرجلين انقضت به العدة
وفسر فقال: النصف من البدن هو من أليتيه إلى
منكبيه ولا يعتد بالرأس ولا بالرجلين وقال في
الهارونيات لو خرج أكثر الولد لم تصح الرجعة
وحلت للأزواج وقال مشايخنا لا تحل للأزواج
أيضا؛ لأنه قام مقام الكل في حق انقطاع الرجعة
احتياطا ولا يقوم مقامه في حق حلها للأزواج
احتياطا، وفي نوادر ابن سماعة لو جاءت المبانة
المدخولة بولد فخرج رأسه لأقل من سنتين وخرج
الباقي لأكثر من سنتين لم يلزمه حتى يخرج
الرأس ونصف البدن لأقل من سنتين ويخرج الباقي
لأكثر من سنتين أو يخرج من قبل الرجلين الأكثر
من البدن لأقل من سنتين ويخرج ما بقي لأكثره،
ولو خرج الرأس فقتله إنسان وجبت الدية ولا يجب
القصاص وكذلك في أذنيه، ولو قطع الرجلين قبل
الرأس وجبت الدية، وفي نوادر ابن هشام قال
لجاريته أنت حرة وقد خرج رأس الولد مع نصف
البدن لا تعتق حتى يخرج النصف سوى الرأس ا ه.
ما في "المحيط".
والحاصل: أن خروج الأكثر كالكل في جميع
الأحكام إلا في حلها للأزواج على قول المشايخ
وخروج الرأس فقط أو مع الأقل لا اعتبار به فلا
تنقضي به العدة ولا يثبت نسب من المبانة إذا
كان لأقل من سنتين والباقي للأكثر ولا قصاص
بقطعهما ودليل مسألة العتق في "المحيط":
محرفة من الكاتب.
وحاصلها أن الحمل يتبع الأم في العتق فإذا
أعتقت بعد خروج بعضه فإن خرج الأكثر أو النصف
لا يتبعها وإن خرج الأقل يتبعها.
وفي "المحيط" أيضا: تزوج بامرأة فجاء بسقط
بعد أربعة أشهر إلا يوما لم يجز النكاح إن كان
قد استبان خلقه؛ لأنه لا يستبين خلقه إلا في
مائة وعشرين يوما أربعين يوما نطفة وأربعين
ج / 4 ص -211-
وزوجة الفار أبعد الأجلين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
علقة وأربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح وإن سقط
لأربعة أشهر تامة فهو من الزوج والعمل على
مائة وعشرين يوما وإن تزوجها في عشر من الشهر
فخمسة أشهر بالأهلة وعشرين يوما من السادس في
لزوم الولد ا ه.
وفي "الخانية": المتوفى عنها زوجها إذا ولدت
لأكثر من سنتين من وقت الموت يحكم بانقضاء
عدتها قبل الولادة بستة أشهر وزيادة فتجعل
كأنها تزوجت بزوج آخر بعد انقضاء عدتها وحبلت
من الثاني ا ه.
والحاصل: أن السقط الذي استبان بعض خلقه
يعتبر فيه أربعة أشهر وتام الخلق ستة أشهر كذا
في "المجتبى"، وفي "التتارخانية": المعتدة عن
وطء بشبهة إذا حبلت في العدة ثم وضعت انقضت
عدتها، وفي "البزازية": لو قالت المعتدة:
ولدت لا يقبل قولها بلا بينة فإن طلب يمينها
بالله لقد أسقطت سقطا مستبين الخلق حلفت
اتفاقا ا ه.
"قوله وزوجة الفار أبعد الأجلين" أي: وعدة
المطلقة بائنا في مرض موته بغير رضاها عدة
الوفاة وعدة الطلاق فالمراد بأبعد الأجلين مضي
أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض حتى لو مضت هذه
المدة ولم تحض ثلاثا كانت في العدة حتى تحيض
ثلاثا، ولو حاضت ثلاثا قبل تمام هذه المدة لم
تنقض حتى تتم كما ذكره في "الخانية":
و"العناية" واعترضه في "فتح القدير": بأنه
مقصر؛ لأنه لا يصدق إلا إذا كانت الأربعة
الأشهر وعشر أبعد من الثلاث حيض وحقيقة الحال
أنها لا بد أن تتربص الأجلين ا ه. وجوابه أنه
لا بأس بعد التصريح بالمراد فلا تقصير، وفي
"المجتبى" يعني بأبعد الأجلين عدة الوفاة إن
كانت أطول وعدة الطلاق إن كانت أطول.
قلت ويعتبر الحيض من وقت الطلاق لا الوفاة ا
ه. فعلى هذا قول من فسره بالأربعة الأشهر
والعشر فيها ثلاث حيض مشكل؛ لأنه يقتضي أنه لا
بد أن تكون الحيض كلها في عدة الوفاة وعلى ما
في "المجتبى" لو حاضت حيضتين قبل وفاته ولم
تحض بعد وفاته إلا واحدة ومضت عدة الوفاة كفى
بخلاف ما في "الخانية": قيدنا بكونه بائنا؛
لأنه لو طلقها رجعيا فعدتها عدة الوفاة سواء
طلقها في الصحة أو في المرض بطريق انتقال عدة
الطلاق إلى عدة الوفاة وترث منه.
وقيدنا بكونه في مرض موته؛ لأنه لو طلقها
بائنا في صحته لم تنتقل ولا ترث وما ذكره
المصنف قولهما وقال أبو يوسف: عدتها ثلاث
حيض؛ لأن النكاح قد انقطع قبل الموت بالطلاق
ولزمها ثلاث حيض وإنما تجب عدة الوفاة إذا زال
النكاح بالوفاة إلا أنه بقي في حق الإرث لا في
حق تغيير العدة بخلاف الرجعي؛ لأن النكاح باق
من كل وجه ولهما أنه لما بقي في حق
ج / 4 ص -212-
ومن عتقت في عدة الرجعي لا البائن، والموت
كالحرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإرث يجعل باقيا في حق العدة احتياطا فيجمع
بينهما كذا في "الهداية" وأورد على قولهما لو
ارتد زوج المسلمة فمات أو قتل على ردته ترثه
زوجته المسلمة وعدتها بالحيض فقد بقي في حق
الإرث ولم يبق في حق العدة فكذا في زوجة الفار
والجواب منع حكم المسلمة بل يلزمها عدة الوفاة
على ما أشار إليه الكرخي فهو على الاختلاف.
وقيل عدتها بالحيض إجماعا؛ لأن النكاح ما
اعتبر باقيا إلى وقت الموت في حق الإرث؛ لأن
المسلمة لا ترث الكافر فيستند استحقاقه إلى
وقت الردة وقد استفيد بما ذكرناه أن وضع
المسألة فيما إذا لم تحض ثلاثا قبل موته أما
إذا حاضت ثلاثا قبل موته فقد انقضت عدتها ولم
تدخل تحت المسألة؛ لأنه لا ميراث لها إلا إذا
مات قبل انقضاء العدة وقد أشكل ذلك على بعض
حنفية العصر لعدم التأمل، وفي "فتح القدير": ،
وهذا الحكم ثابت في صور: إحداها: هذه.
والثانية: إذا قال لزوجتيه أو زوجاته:
إحداكن طالق بائن ومات قبل البيان فعلى كل
واحدة الاعتداد بأبعد الأجلين، ولو بين في
إحداهما كان ابتداء العدة من وقت البيان.
والثالثة: إذا مات زوجها وسيدها ولم يدر
أيهما مات أولا وعلم أن بينهما شهرين وخمسة
أيام فصاعدا ا ه. ولا بد من تقييد المسألة
الأولى بأن يكون قد دخل بهما فلو لم يدخل بهما
اعتدتا بعدة الوفاة فقط، ولو دخل بإحداهما دون
الأخرى ينبغي أن تعتد المدخولة بأبعد الأجلين
وغيرها بعدة الوفاة ولا بد من كونهما من ذوات
الأقراء؛ لأنهما لو كانتا لا تحيض فعدة الوفاة
وإن كانت إحداهما تحيض والأخرى لا فعلى التي
تحيض أبعد الأجلين والأخرى عدة الوفاة هذا ما
فهمته ولم أره صريحا.
والحاصل: أن المرأة لا تعتد بأبعد الأجلين
إلا في ثلاث مسائل وينبغي أن يزاد رابعة على
قول محمد ذمي أسلم وتحته أختان أو أكثر من
أربع أو أم وبنتها ومات بلا بيان فإن محمدا
يخيره وهما أبطلا نكاح الكل حيث لم يعلم الآخر
كما في "المجمع" ولم أر من نبه عليه.
"قوله ومن عتقت في عدة الرجعي لا البائن
والموت كالحرة" أي: وعدة
الأمة إذا أعتقت وهي معتدة عن طلاق رجعي كعدة
الحرة في الابتداء فتتغير عدتها إلى عدة
الوفاة فإن كانت من ذوات الأقراء صارت عدتها
ثلاث حيض وإلا فثلاثة أشهر بخلاف ما إذا كانت
معتدة عن بائن أو وفاة فإن عدتها لا تتغير
لبقاء النكاح في الرجعي من كل وجه وزواله في
البائن، والموت.
قيد بالعدة؛ لأن الأمة لو آلى منها ثم أعتقت
انتقل مدة إيلائها إلى مدة الحرائر؛ لأن
البينونة ليست من أحكام الإيلاء في الابتداء؛
لأنها لا تثبت إلا بعد المدة فكانت الزوجية
قائمة للحال فأشبه الطلاق الرجعي.
وفي "فتح القدير": وقد صور الانتقال إلى جميع
كميات العدة البسيطة وهي أربعة صورتها:
ج / 4 ص -213-
ومن عاد دمها بعد الأشهر الحيض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمة صغيرة منكوحة طلقت رجعيا فعدتها شهر ونصف
فلو حاضت في أثنائها انتقلت إلى حيضتين فلو
أعتقت قبل مضيهما صارت ثلاث حيض فلو مات زوجها
انتقلت إلى أربعة أشهر وعشر ا ه.
وفيه نظر؛ لأن هذه الصورة لم يجتمع فيها جميع
كميات العدة أي: عددها البسيطة؛ لأن عدة
الآيسة من جملة كميات العدة البسيطة ولم
يذكرها ولذا قال في "الخانية": وقد يجب على
المرأة أربع عدد، ولو ذكر كذلك لسلم.
وحاصل مسائل انتقال العدة مسائل: الأولى:
صغيرة اعتدت فبلغت في خلالها تستقبل بالحيض
مبتوتة كانت أو رجعية. الثانية: آيسة حاضت في
أثناء الشهور أو حبلت تستقبل بالحيض أو
بالوضع. الثالثة: اعتدت بحيضة أو حيضتين ثم
ارتفع حيضها لا تخرج من العدة ما لم تيأس فإذا
أيست استقبلتها بالأشهر. الرابعة: آيسة اعتدت
بالأشهر ثم حاضت وستأتي1. الخامسة: أعتقت
الأمة بعد الطلاق أو الموت وقد قدمناها2.
السادسة: مات زوج الحرة المطلقة في عدتها وقد
قدمناها3 في زوجة الفار.
"قوله ومن عاد دمها بعد الأشهر الحيض"
أي: وعدة من اعتدت بالأشهر لإياسها ثم رأت
دما الحيض فينتقض ما مضى من عدتها وعليها أن
تستأنف العدة بالحيض ومعناه إذا رأت الدم على
العادة؛ لأن عوده يبطل إياسها وهو الصحيح فظهر
أنه لم يكن خلفا، وهذا؛ لأن شرط الخلفية تحقق
اليأس وذلك باستدامة العجز إلى الممات كالفدية
في حق الشيخ الفاني كذا في "الهداية" وظاهره
فساد الأنكحة المباشرة قبل رؤية الدم وبعده
وهو لازم الانتقاض كما في "فتح القدير":
واختلفوا في معنى قوله إذا رأت الدم على
العادة فقيل معناه إذا كان سائلا كثيرا
احترازا عما إذا رأت بلة يسيرة وقيل معناه ما
ذكر وأن يكون أحمر أو أسود فلو كان أصفر أو
أخضر أو تربية لا يكون حيضا وقيل معناه أن
يكون على العادة الجارية حتى لو كان عادتها
قبل الإياس أصفر فرأته كذلك انتقض. هكذا حكى
الأقوال في "فتح القدير": من غير ترجيح وصرح
في "المعراج" بأن الفتوى على القول الأول،
وشمل إطلاق المصنف ك"الهداية" ما إذا رأت قبل
الحكم بإياسها أو بعده وهذا الإطلاق بجملته
مختار صاحب "الهداية" وهو أحد الأقوال وحاصله
ينتقض مطلقا وسواء كان بعد الشهور أو في
أثنائها ولكن عبارة المصنف فيما إذا كان بعد
الأشهر، الثاني: لا ينتقض مطلقا واختاره
الإسبيجابي، الثالث: تنتقض إن رأته قبل تمام
الأشهر وإن كان بعدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "213-214".
2 انظر الصفحة: "206".
3 انظر الصفحة: "211".
ج / 4 ص -214-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا، وبه أفتى الصدر الشهيد، وفي "المجتبى":
وهو الصحيح المختار للفتوى، الرابع: تنتقض
على رواية عدم التقدير للإياس التي هي "ظاهر
الرواية" فإنما ثبت الأمر على ظنها فلما حاضت
تبين خطؤها ولا ينتقض على رواية التقدير له
واختاره في الإيضاح واقتصر عليه في
"الخانية": وجزم به القدوري والجصاص ونصره في
"البدائع". الخامس: تنتقض إن لم يكن حكم
بإياسها وإن حكم به فلا كأن يدعي أحدهما فساد
النكاح فيقضى بصحته وهو قول محمد بن مقاتل
وصححه في "الاختيار"، السادس: تنتقض في
المستقبل فلا تعتد إلا بالحيض للطلاق بعده لا
للماضي فلا تفسد الأنكحة المباشرة بعد
الاعتداد بالأشهر وصححه في النوازل فقد تحرر
أن فيها ستة أقوال مصححة فيجب النظر فيما ثبت
عن صاحب المذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه
وقد صرح الأقطع وتبعه في "غاية البيان" بأن
"ظاهر الرواية" القول بالانتقاض مطلقا وهو
مختار صاحب "الهداية" فتعين المصير إليه ولكنه
مبني على اشتراط تحقق اليأس في خلفية الأشهر
بالنص وأن تحقق اليأس لا يكون إلا باستدامة
الانقطاع إلى الممات وضعفه في "فتح القدير":
بمنع قوله وذلك باستدامة العجز إلى الممات إلى
آخره بناء على أن اليأس حقيقة اعتقاد عدم
الوقوع أبدا لا العلم بعدم وجوده، وفي
"القاموس" اليأس القنوط وهو ضد الرجاء وقطع
الأمل ا ه.
ويمكن أن يقال إن في المسألة ثمانية أقوال
الخمسة الأخيرة والثلاثة المذكورة في تفسير
قول صاحب "الهداية" إن رأت الدم على العادة،
ثم اعلم أنه لا تقدير لسن الإياس في "ظاهر
الرواية" وإياسها على هذا أن تبلغ من السن ما
لا يحيض فيه مثلها وذلك يعرف بالاجتهاد
والمماثلة في تركيب البدن والسمن والهزال، وفي
رواية فيه تقدير قال الصدر الشهيد المختار خمس
وخمسون سنة وعليه أكثر المشايخ، وفي
"المنافع"1: وعليه "الفتوى" كذا في "المعراج"
ثم قال بعده: قال ابن مقاتل: حده خمسون سنة
وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها وعليه الفتوى
وقيل ستون وقيل لا تلد لستين إلا قرشية وقال
الصفار سبعون سنة وقدر محمد في الروميات خمسا
وخمسين سنة، وفي غيرهن ستين وعنه سبعين، وفي
"الخانية": لا فرق بين الرومية وغيرها وهو
خمس وخمسون سنة وعليه الفتوى، وفي "الاختيار"
المرأة إذا لم تحض أبدا حتى بلغت مبلغا لا
يحيض فيه أمثالها غالبا حكم بإياسها وذكر في
"الجامع" الصغير إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض
حكم بإياسها، وفي القنية طلق المدخول بها
وعمرها خمس وخمسون سنة ثم مضى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو للإمام أحمد بن عمر بن محمد النسفي،
واسمه: "المنافع في فوائد النافع" والنافع في
الفروع للإمام محمد بن يوسف السمرقندي المتوفى
سنة ست وخمسين وستمائة ه. ا ه كشف الظنون
"2/1921-1922".
ج / 4 ص -215-
والمنكوحة نكاحا فاسدا، والموطوءة بشبهة، وأم
الولد الحيض للموت وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليها أربعة أشهر لا تحيض ليس له أن يتزوج بنت
أخيها حتى تنقضي مدة الحبل ثم ثلاثة أشهر
للاحتياط ا ه.
"قوله والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة
وأم الولد الحيض للموت وغيره"
أي: عدة هؤلاء ثلاث حيض في الحرة التي تحيض
وحيضتان في الأمة ووضع الحمل إن كانت حاملا
والأشهر إن كانت آيسة وتركه لظهوره وفهمه مما
قدمه، ولو صرح به لكان أولى وإنما كان كذلك؛
لأنها وجبت لتعرف براءة الرحم لا لقضاء حق
النكاح؛ إذ لا نكاح صحيح والحيض هو المعرف
وإنما لم يكتف بحيضة كالاستبراء؛ لأن الفاسد
ملحق بالصحيح وعدة الوفاة إنما وجبت لإظهار
الحزن على فوات زوج عاشرها إلى الموت ولا
زوجية وشمل قوله: "وغيره" الفرقة في النكاح
الفاسد وهي إما بتفريق القاضي أو بالمتاركة
وابتداؤها من وقت الفرقة، وفي الموت من وقت
الموت ودخل تحت النكاح الفاسد النكاح بغير
شهود ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل عند
الإمام خلافا لهما وقد مرت المسألة في كتاب
النكاح ومثال الموطوءة بشبهة أن تزف إليه غير
امرأته والموجودة ليلا على فراشه إذا دعاها
فأجابته. وفي كتب الشافعية إذا أدخلت منيا
فرجها ظنته مني زوج أو سيد وجبت العدة عليها
كالموطوءة بشبهة ولم أره لأصحابنا والقواعد لا
تأباه؛ لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم كما
سيأتي1 في الحدود ووجوبها بسبب أن الشبهة تقام
مقام الحقيقة في موضع الاحتياط وإيجاب العدة
من باب الاحتياط ولا حداد عليها في هذه العدة
لما سيأتي، وللموطوءة بشبهة أن تقيم مع زوجها
الأول ونفقتها وسكناها على زوجها الأول؛ لأن
النكاح بينهما قائم إنما حرم الوطء وليس لها
أن تخرج إلا بإذن زوجها الأول فإن أذن لها
فلها أن تخرج وإن لم تنقض عدتها ذكره القاضي
الإسبيجابي ومراده إذا لم تكن راضية بالوطء
أما إذا كانت راضية عالمة فلا نفقة لها ولهذا
قال في "الخانية": المنكوحة إذا تزوجت رجلا
ودخل بها الثاني ثم فرق بينهما لا يجب على
الزوج الأول نفقتها ما دامت في العدة؛ لأنها
لما وجبت العدة عليها صارت ناشزة ا ه.
وقيد الوطء بشبهة؛ لأنه لو تزوج امرأة الغير
عالما بذلك ودخل بها لا تجب العدة عليها حتى
لا يحرم على الزوج وطؤها وبه يفتى؛ لأنه زنا
والمزني بها لا تحرم على زوجها، وفي "شرح
المنظومة" إذا زنت المرأة لا يقربها زوجها حتى
تحيض لاحتمال علوقها من الزنا فلا يسقي ماءه
زرع غيره ا ه. ويجب حفظه لغرابته بخلاف ما إذا
لم يعلم كما في "الذخيرة" و"الخانية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.
ج / 4 ص -216-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "فتح القدير": أول الباب فرع تنقضي عدة
الطلاق البائن والثلاث بالوطء المحرم بأن
وطئها وهي معتدة عالما بحرمتها بخلاف ما لو
ادعى الشبهة أو كان منكرا طلاقها فإنها تستقبل
العدة ا ه.
والباء في قوله بالوطء المحرم بمعنى مع أي:
مع الوطء المحرم كقولك اشتريت الفرس بسرجه هذا
هو المراد وليس الوطء المحرم سببا لانقضاء ولا
آلة له.
وقيد بالنكاح الفاسد؛ لأن المنكوحة نكاحا
موقوفا كنكاح الفضولي لا تجب فيه العدة قبل
الإجازة؛ لأن النسب لا يثبت فيه؛ لأنه موقوف
فلم ينعقد في حق حكمه فلا يؤثر شبهة الملك
والحل والعدة وجبت صيانة للماء المحترم عن
الخلط واحترازا عن اشتباه الأنساب كذا في
"الاختيار" و"المحيط": وهو مشكل مخالف
للرواية فقد نقل الزيلعي في النكاح الفاسد ما
نصه وذكر في كتاب الدعوى من الأصل إذا تزوجت
الأمة بغير إذن مولاها ودخل بها الزوج وولدت
لستة أشهر منذ تزوجها فادعاه المولى والزوج
فهو ابن الزوج فقد اعتبره من وقت النكاح لا من
وقت الدخول ولم يحك خلافا قال الحلواني هذه
المسألة دليل على أن الفراش ينعقد بنفس العقد
في النكاح الفاسد خلافا لما يقوله البعض أنه
لا ينعقد إلا بالدخول ا ه. فهو صريح في ثبوت
النسب فيه ويتبعه وجوب العدة فكان ما في
"المحيط": و"الاختيار" سهوا.
وفي "الخانية": أم ولد تزوجت بغير إذن المولى
فولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح فادعاه
المولى والزوج فإن الولد يكون للزوج في قولهم
جميعا ا ه.
وأما عدة أم الولد فلأنها وجبت بزوال الفراش
فأشبه عدة النكاح وفراش أم الولد وإن كان أضعف
من فراش المنكوحة إلا أنهما يشتركان في أصل
الفراش والمحل محل الاحتياط فألحق القاصر
بالكامل احتياطا، وفي كافي الحاكم لو أعتق أم
ولده لا نفقة لها في عدته وإمامنا فيه عمر رضي
الله عنه فإنه قال عدة أم الولد ثلاث حيض ودخل
تحت قوله وغيره عتقها وهو مقيد بأن تكون من
ذوات الحيض فإن كانت من ذوات الأشهر ومات
مولاها أو أعتقها فعدتها ثلاثة أشهر كما
ذكرناه وإن كانت حاملا فوضع الحمل كما في
"الخانية": وبأن لا تكون منكوحة ولا معتدة
لزوج فإن كانت لا عدة عليها من المولى إجماعا؛
لأنه لا فراش لها من المولى ووجوب العدة
بزواله والتحقيق أن يقال الشرط في وجوب عدة
المولى أن لا تحرم عليه بسبب من الأسباب،
وأسباب الحرمة عليه ثلاثة نكاح الغير وعدته،
والثالث: تقبيل ابن المولى فلا عدة عليها
بموت المولى أو
ج / 4 ص -217-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعتاقه بعد تقبيل ابنه كما في "الخانية": قال
ولذا لو أتت بولد بعد حرمتها لستة أشهر لا
يثبت نسبه ما لم يدعه ا ه.
فلو طلقها بعد الإعتاق عليها عدة الحرائر
وبانقضاء عدة النكاح* تعود عدة المولى ثلاث
حيض، ولو مات المولى والزوج ولا يدرى الأول
فهي على ثلاثة أوجه.
الأول: أن يعلم أن بين موتهما أقل من شهرين
وخمسة أيام فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر؛
لأن المولى إن كان مات أولا ثم مات الزوج وهي
حرة فلا يجب بموت المولى شيء وتعتد للوفاة عدة
الحرة وإن كان الزوج مات أولا وهي أمة لزمها
شهران وخمسة أيام ولا يلزمها بموت المولى شيء؛
لأنها معتدة الزوج ففي حال يلزمها أربعة أشهر
وعشر، وفي حال نصفها فلزمها الأكثر احتياطا
ولا تنتقل عدتها على الاحتمال الثاني لما
قدمنا أنها لا تنتقل في الموت.
الثاني: أن يعلم أن بين موتيهما شهرين وخمسة
أيام فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر فيها
ثلاث حيض احتياطا؛ لأن المولى إن كان مات أولا
لم تلزمها عدته؛ لأنها منكوحة وبعد موت الزوج
يلزمها أربعة أشهر وعشر؛ لأنها حرة وإن مات
الزوج أولا لزمها شهران وخمسة أيام وقد انقضت
عدتها منه؛ لأنها مصورة أن بينهما هذه أو أكثر
فموت المولى بعده يوجب عليها ثلاث حيض فتجمع
بينهما احتياطا.
الثالث: أن لا يعلم كم بين موتيهما ولا الأول
منهما فكالأول عنده وكالثاني عندهما كذا في
"المعراج" وغيره وقيد بأم الولد؛ لأن المدبرة
والأمة إذا أعتقت أو مات سيدها لا عدة عليهما
بالإجماع كما ذكره الإسبيجابي، وفي "فروق
الكرابيسي": 1 المعتدة في عدة الزوج تغسل
زوجها ولا تغسل مولاها في عدته إذا كانت أم
ولد؛ لأنها ليست عدة النكاح بل هي استبراء ا
ه.
ومما يتعلق بأم الولد حكاية لطيفة ذكرها في
"المعراج" لما أخرج شمس الأئمة من السجن زوج
السلطان أمهات الأولاد من خدامه الأحرار فسأل
العلماء عن هذه فقالوا نعم ما فعلت فقال شمس
الأئمة له أخطأت؛ لأن تحت كل خادم حرة وهذا
تزوج الأمة على الحرة فقال السلطان أعتقهن
وأجدد العقد فسأل العلماء فقالوا: نعم ما
فعلت فقال شمس الأئمة له: أخطأت؛ لأن العدة
تجب عليهن بعد الإعتاق فكان تزويج المعتدة من
الغير فأنسى الله تعالى العلماء الجواب في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "4/118".
............
* العبارة في الأصل الزوج.
ج / 4 ص -218-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاتين المسألتين ليظهر فضل شمس الأئمة ا ه.
ولكن حكاها محب الدين ابن الشحنة1 فيما كتبه
على "الهداية" على غير هذا الوجه وهو أنه لما
خطأه في الثانية أغراه عليه القاضي فحبسه وأن
هذا كان سبب حبسه وأن القاضي حينئذ كان فخر
الإسلام البزدوي وإن طلبته وعلماء عصره لا
ينقطعون عنه ولا يتركون الاشتغال عليه فمنعوا
عنه كتبه فأملى "المبسوط" من حفظه. وقيل: كان
سبب حبسه أن السلطان أراد أن يأخذ من الرعية
مظلمة كبيرة ثم ترك بعضها فمدحه القاضي فأنكر
عليه شمس الأئمة فقال لا يمدح إذا ترك جميعه
فكيف بترك بعضه فحبسه وحكى شمس الأئمة في
"المبسوط" واقعة مناسبة للموطوءة بشبهة دالة
على أفضلية الإمام رضي الله تعالى عنه على
علماء زمانه هي رجل زوج ابنيه بنتين وعمل
الوليمة وجمع العلماء وفيهم أبو حنيفة رضي
الله عنه لكنه لم يكن حينئذ من المشهورين ففي
أثناء الليل سمعوا ولولة النساء فسألوا
فأخبروا أنهن غلطن فأدخلت زوجة كل أخ على أخيه
فسألوا العلماء فأجابوا بأن كل واحد يجتنبها
حتى تنقضي عدتها فتعود إلى زوجها فعسر ذلك
الجواب فقال الإمام رضي الله عنه: يطلق كل
زوجته ويعقد على موطوءته ويدخل عليها للحال؛
لأنه صاحب العدة بعد ما سأل كل واحد من
الأخوين عن مراده فقال كل مرادي موطوءتي لا
المعقود عليها فرجع العلماء إلى جوابه. ثم
رأيت بعد ذلك أن أعود إلى شرح المسألة
الخلافية في أم الولد إذا لم تعلم كم بين
موتهما توضيحا للطلاب.
فقال في "شرح المجمع" وقالا يجمع بين العدتين
احتياطا وجواز أن يكون المولى مات أولا فعتقت
ثم مات الزوج فوجب عليها عدة الوفاة لجواز أن
يكون الزوج مات أولا وانقضت شهران وخمسة أيام
ثم مات المولى فيجب ثلاث حيض، وهذا؛ لأن موت
المولى سبب للاعتداد بثلاث حيض وقيام حق الزوج
مانع وقد وقع الشك في بقاء المانع فوجب حكم
السبب احتياطا لها كما لو تزوج بنتين في عقدة
وثلاثا في عقدة وأربعا في عقدة ومات مجهلا فإن
العدة تجب على الجميع لوجود السبب ووقوع الشك
في المانع في حق التفريق وهو تقديم نكاح فريق
آخر بخلاف ما إذا وقع الشك في السبب فإنه لا
يحتاط لإثبات الحكم لتعذر ثبوت الحكم بدون
السبب كما إذا قال إن لم أفعل كذا فأنت طالق
ثم مات ولا يعلم وجد الشرط أم لا فإنها لا
تعتد عدة الطلاق لوقوع الشك في السبب؛ لأنه
ينعقد عند وجود الشرط ووجوده مشكوك فيه وله أن
الواقع ليس إلا للاحتمال إلا أن أحد
الاحتمالين ثابت والاحتمال الآخر محتمل. بيان
هذا أن موت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو في فروع الحنفية لجمال الإسلام أبي
المظفر أسعد بن محمد الكرابيسي النيسابوري
المتوفى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ه. كشف
الظنون "2/1257". الجواهر المضية "1/386".
ج / 4 ص -219-
وزوجة الصغير الحامل عند موته وضعه، والحامل
بعدة الشهور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزوج بعد المولى يوجب الاعتداد بعدة الوفاة
قطعا، وهذا الاحتمال ثابت واحتمال موت الزوج
قبل موت المولى ليس بموجب للاعتداد بثلاث حيض
قطعا لجواز أن يكون موت المولى بعد الزوج قبل
انقضاء شهرين وخمسة أيام فلا يجب وجواز أن
يكون بعد انقضاء هذه المدة فتجب فيها
فالاحتمال ثابت على أحد التقديرين دون الآخر
فكان الاحتمال الثابت قطعا قائما مقام الحقيقة
عملا بالاحتياط ولا يقام احتمال وجوب العدة عن
المولى؛ لأن شبهة الشبهة ساقطة الاعتبار
بالإجماع بخلاف وجوب العدة على أولئك النساء
لثبوت احتمال وجوب العدة عليهن؛ لأن نكاح كل
فريق إما أن يكون متقدما أو لم يكن فإن تقدم
وجبت العدة قطعا وإلا لا تجب قطعا فيكون
الاحتمال ثابتا فيلحق بالحقيقة ا ه.
وقال في "فتح القدير": بعد الدليلين: ولا
يخفى أنه مشترك الإلزام، وفي "الكافي" للحاكم
الشهيد قولهما احتياط، وفي "فتح القدير": أن
الاحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب؛ لأنه
العمل بأقوى الدليلين ثم قال في "الكافي" ولا
ميراث لها من زوجها؛ لأني لم أعلم أنها كانت
حرة يوم موته ا ه وفيه ولا فرق بين كون طلاقها
رجعيا أو بائنا في الوجوه كلها وفيه أيضا لو
مات عن أم ولده أو أعتقها فجاءت بولد ما بينها
وبين سنتين لزمه وإن جاءت به لأكثر من سنتين
لم يلزمه إلا أن يدعيه فإن ادعاه لزمه ا ه.
وفي "الخانية": أم ولد أعتقها مولاها أو مات
ولزمتها العدة ثم تزوجت في العدة فجاءت بولد
لسنتين من حين مات المولى أو أعتق ولستة أشهر
منذ تزوجت وادعياه معا كان للمولى في قولهم
لمكان العدة التي كانت.
"قوله وزوجة الصغير الحامل عند موته وضعه
والحامل بعده الشهور" أي:
عدتها وضع الحمل إذا أتت به لأقل من ستة أشهر
من وقت موته وعدتها الشهور إذا أتت به لستة
أشهر فأكثر أي: عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر
والحامل صفة زوجة وهو نعت مخصوص بالإناث كحائض
ولهذا لم يؤنث، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد
وأوجب أبو يوسف عدة الوفاة في الحالين؛ لأن
الحمل ليس ثابت النسب منه فاستوى الموجود عند
الموت والحادث بعده ولهما إطلاق قوله تعالى:
{وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ولأنها مقدرة بمدة وضع الحمل في أولات الأحمال قصرت
المدة أو طالت لا للتعرف عن فراغ الرحم لشرعها
بالأشهر مع وجود الأقراء لكن لقضاء حق النكاح.
وهذا المعنى يتحقق في حق الصبي وإن لم يكن
الحمل منه بخلاف الحمل الحادث؛ لأنه وجبت
العدة بالشهور فلا يتغير بحدوث الحمل الحادث
بعده وفيما نحن فيه كما وجبت وجبت مقدرة بمدة
الحمل فافترقا كذا في "الهداية" واختلفوا في
ج / 4 ص -220-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموجود والحادث، فالصحيح في تفسيرهما ما
قدمناه من أن الحادث أن تأتي به بعد موته لستة
أشهر من يوم الموت وهو قول عامة المشايخ، وقال
بعضهم أن تضعه لأكثر من سنتين والأول أصح كذا
في "العناية" معزيا إلى "النهاية" وأما تفسير
قيامه عند الموت أن تلده لأقل من ستة أشهر من
وقت الموت كذا في "الفوائد الظهيرية". ولم أر
صريحا حكم دخول الصبي في النكاح الصحيح
والفاسد في وجوب العدة وقد صرحوا بفساد خلوته
وبوجوب العدة"بالخلوة الفاسدة الشاملة لخلوة
الصبي وإنما الكلام فيما إذا أولج فيها في
مكان ليس بخلوة هل تجب به العدة لو بلغ وطلقها
ثم رأيت في شرح النكاح الفاسد من هذا الكتاب
أني نقلت وجوب العدة عليها إذا وطئها الصبي
بنكاح فاسد، وفي وجوب المهر عليه بالوطء تفصيل
فليرجع إليه فعلم به أن دخوله في الصحيح موجب
للعدة عليها بالأولى وخلوته كدخوله فيها
فحاصله أن الزوج الصبي كالبالغ في الصحيح
والفاسد وفي الوطء بشبهة في الوفاة والطلاق
والتفريق ووضع الحمل كما لا يخفى فليحفظ.
ثم رأيت في القنية ما نصه تجب العدة بدخول
زوجها الصبي المراهق وفي "آحاد الجرجاني" في
قول أبي حنيفة وأبي يوسف إن المهر والعدة
واجبان بوطء الصبي، وفي قول محمد تجب العدة
دون المهر ثم قال ولا خلاف بينهم؛ لأنهما
أجابا في مراهق يتصور منه الإعلاق ومحمد أجاب
فيمن لا يتصور منه الإعلاق؛ لأن ذكره في حكم
إصبعه، وفي نظم الزندوستي زنت العاقلة البالغة
بصبي أو مجنون لا حد عليهما وعليها العدة ولا
مهر لها ا ه.
ولهذا صور المسألة الحاكم الشهيد في "الكافي"
فيما إذا كان رضيعا قال في "الهداية": ولا
يلزم امرأة الكبير إذا حدث لها الحمل بعد
الموت؛ لأن النسب يثبت منه فكان كالقائم عند
الموت حكما ا ه. ومراده بقوله إذا حدث ظهوره
بعد الموت فهو كالظاهر عنده تبعا لثبوت النسب
منه ولذا قيدناه بأن تلده لأقل من سنتين أما
إذا ولدته لسنتين فأكثر من موته كانت عدتها
بالشهور للتيقن بحدوثه عند الموت حقيقة وحكما؛
لأنه غير ثابت النسب وعند التأمل لا معنى
للإيراد المجاب عنه بما ذكر أصلا كذا في "فتح
القدير": ، وفي "المجتبى" حبلت المطلقة فعدتها
بالوضع، وكذا لو تزوجت في عدة الوفاة وحبلت
وعنه خلافه بخلاف عدة الطلاق، وفي الإيضاح
حبلت في عدة الوفاة فعدتها بالشهور وإن حبلت
معتدة عن ثلاث فعدتها بالوضع ا ه.
وفي "كافي" الحاكم: إن مات المجنون عن امرأته
كان حكمه في العدة والولد حكم الرجل الصحيح،
وفي "الخانية": قبيل المهر زوج أمته من رضيع
ثم جاءت بولد فادعاه المولى ثبت نسبه لأنه أقر
بنسب من يملكه وليس له نسب معروف، ولو كان
الزوج مجبوبا لم يثبت النسب من
ج / 4 ص -221-
والنسب منتف فيهما، ولم تعتد بحيض طلقت فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المولى؛ لأنه ثابت النسب من الزوج وعلى الزوج
كل المهر لمكان الدخول حكما ا ه.
والحق أن قول أبي يوسف موافق لقولهما وإنما هي
رواية شاذة عنه موافقة للشافعي وهو رواية عن
الإمام أيضا كما حققه في "فتح القدير": وفيه
وعلى هذا الخلاف إذا طلق الكبير امرأته فأتت
بولد غير سقط لأقل من ستة أشهر من وقت العقد
بأن تزوجها حاملا من الزنا ولا يعلم الحال
وإنما وضعت كذلك بعد الطلاق تعتد بالوضع
عندهما خلافا له وإنما قلنا ولا يعلم ليصح
كونه على هذا الخلاف؛ لأنه لو علم لا يصح
العقد عند أبي يوسف؛ لأنه يمنع العقد على
الحبلى من الزنا بخلاف ما إذا لم يعلم فإنه
وإن لم يصححه لكن يوجب من الوطء فيه العدة؛
لأنه شبهة فيقع الخلاف في أنها بالوضع أو
بالأشهر ا ه.
وفي "البدائع" وقال أبو يوسف ومحمد في زوجة
الكبير تأتي بولد بعد موته لأكثر من سنتين وقد
تزوجت بعد مضي أربعة أشهر وعشر إن النكاح
جائز؛ لأن إقدامها على النكاح إقرار منها
بالانقضاء ولم يرد ما يبطل ذلك.
"قوله والنسب منتف فيهما"
أي: في الموجود وقت الموت والحادث بعده؛ لأن
الصبي لا ماء له فلا يتصور منه العلوق ولا يرد
ثبوت نسب ولد امرأة المشرقي من "المغرب"ية؛
لأن النكاح إنما أقمناه مقام العلوق لتصوره
حقيقة وهو غير متصور هنا حقيقة فافترقا وظاهر
إطلاقهم دخول المراهق وينبغي أن يثبت النسب
احتياطا إلا أن لا يمكن بأن جاءت به لأقل من
ستة أشهر من وقت العقد كما في "فتح القدير":
ولهذا صور المسألة الحاكم الشهيد في "الكافي"
بما إذا كان رضيعا. ودل كلامهم في زوجة الصغير
أن الحامل من الزنا إذا تزوجت ثم مات عنها
زوجها فعدتها بوضع الحمل كما صرح به في
"المعراج" معزيا إلى قاضي خان وقدمنا1 أن
الحامل من الزنا لا عدة عليها عندهما ولذا
صححا نكاحها لغير الزاني وإن حرما الوطء وإنما
الكلام فيما إذا تزوجت على قول أبي حنيفة
ومحمد وهي حامل من الزنا ثم طلقها أو مات عنها
فإنها تعتد بوضع الحمل، وفي كافي الحاكم
الشهيد في عدة امرأة الصغير إذا مات وهي حامل
فإن عدتها بوضع الحمل قال؛ لأنه مات وهي حامل
وإن كان من فجور والخصي كالصحيح في الولد
والعدة وكذلك المجبوب إذا كان ينزل وإن لم
ينزل لم يلزمه الولد فكان بمنزلة الصبي في
الولد والعدة.
"قوله ولم تعتد بحيض طلقت فيه"
للزوم النقص عن المقدر شرعا لو اعتد بها،
وهذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "215".
ج / 4 ص -222-
وتجب عدة أخرى بوطء المعتدة بشبهة، وتداخلتا
والمرئي منهما، وتتم الثانية إن تمت الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالإجماع بخلاف الطهر الذي وقع فيه الطلاق
فإنه محسوب عند مالك والشافعي وقد أورد عليهما
لزوم النقصان عن الثلاثة فأورد علينا لزوم
الزيادة عليها والخاص كما لا يحتمل النقصان لا
يحتمل الزيادة وأجيب عنه بأنا لم نعتبر ذلك
الزائد أصلا فلا زيادة على الخاص والحاصل: لا
اعتبار بالناقص لا ابتداء ولا انتهاء.
"قوله وتجب عدة أخرى بوطء المعتدة بشبهة
وتداخلتا والمرئي منهما وتتم الثانية إن تمت
الأولى"؛ لأن المقصود التعرف
عن فراغ الرحم وقد حصل بالواحدة فيتداخلان
ومعنى العبادة فيها تابع، ألا ترى أنها تنقضي
بدون علمها ومن غير تركها الكف أطلق الوطء
بشبهة فشمل المطلق وغيره حتى لو حاضت المطلقة
حيضة ثم تزوجت بآخر ووطئها وفرق بينهما ثم
حاضت حيضتين بعد التفريق فقد انقضت عدة الأول
وحل للثاني أن يتزوجها وليس لغيره أن يتزوجها
حتى تحيض ثلاثا من وقت التفريق وإن كان طلاق
الأول رجعيا كان له أن يراجعها قبل أن تحيض
حيضتين لبقاء عدتها ولا يطؤها حتى تنقضي عدة
الثاني فإن حاضت ثلاثا من وقت التفريق فقد
انقضت العدتان كذا في "الخانية": والوطء
بشبهة يتحقق في صور منها: من زفت إلى غير
زوجها، ومنها الموطوءة للزوج بعد الثلاث في
العدة بنكاح قبل زوج آخر وفي العدة إذا قال:
ظننت أنها تحل لي، ومنها المبانة في الكناية
إذا وطئها في العدة ومنها المعتدة إذا وطئها
آخر في العدة بشبهة أو في عصمة فوطئها آخر
بشبهة ثم طلقها الزوج ففي هذه تجب عدتان
فيتداخلان كذا في "فتح القدير": أخذا من
"المعراج" أخذا من "الينابيع" ولكنه نظر في
مسألة "المعراج" وهي الموطوءة للزوج بعد
الثلاث إذا ادعى ظن الحل بأنه من قبيل شبهة
الفعل والنسب لا يثبت فيها بالوطء وإن قال:
ظننت أنها تحل لي وإذا لم يثبت النسب لم تجب
العدة لكن الأخيرة لم تدخل تحت كلام المصنف؛
لأن كلامه في وطء المعتدة وتلك وطء المنكوحة
وإن اشتركتا في وجوب عدتين. قوله: " والمرئي
منهما " بيان لمعنى التداخل ولكنه قاصر على من
تحيض بعد أن كان قوله وتداخلتا شاملا لما إذا
كانتا من جنس واحد كوطء المعتدة عن طلاق أو
جنسين كوطء المعتدة عن وفاة، وأما من لم تحض
إذا وجبت عليها عدتان فالأشهر لهما يتأديان
بمدة واحدة حياة ووفاة، وكذا المعتدة عن وفاة
إذا وطئت بشبهة تعتد بالشهور وتحتسب بما تراه
من الحيض فلو لم تر فيها دما يجب أن تعتد بعد
الأشهر بثلاث حيض كما في "فتح القدير". بقي
صورتان: لو كانت حائلا في عدة الطلاق أو
الموت فوطئت بشبهة فحبلت فظاهر ما في
"المعراج" التداخل فتنقضي بوضع الحمل؛ لأن
الحامل لا تحيض عندنا فينبغي أن يكتفى بوضع
الحمل وقد قدمنا في بيان عدة امرأة الصغير
معزيا إلى "المجتبى" فارجع إليه، وفي كافي
الحاكم لو تزوجت المعتدة برجل ودخل بها وفرق
بينهما فإن كانت
ج / 4 ص -223-
ومبدأ العدة بعد الطلاق والموت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاملا فوضعت انقضت العدتان منهما جميعا وفيه
أيضا لو تزوجت في عدتها من طلاق بائن ودخل بها
فولدت لأقل من سنتين منذ طلق الأول ولأقل من
ستة أشهر منذ دخل الثاني لزم الأول وإن كان
لأكثر من سنتين منذ طلقها الأول ولأقل من ستة
أشهر منذ دخل الثاني لم يلزم الأول ولا الثاني
ا ه.
بقي ما لو جاءت به لأقل من سنتين من طلاق
الأول ولستة أشهر من دخول الثاني وينبغي
إلحاقه بالأول وبقي ما لو جاءت به لأكثر من
سنتين من طلاق الأول ولستة أشهر من دخول
الثاني ولا شك بإلحاقه بالثاني فهي رباعية،
وفي نسختي "الكافي" للحاكم الشهيد سقط وتغيير
في هذا المحل، وفي "الجوهرة" ثم إذا تداخلتا
عندنا وكانت العدة من طلاق رجعي فلا نفقة على
واحد منهما لها وإن كانت من بائن فنفقتها على
الأول والزوجة إذا تزوجت بآخر وفرق بينهما بعد
الدخول ووجبت عليها العدة فلا نفقة لها في هذه
العدة على زوجها؛ لأنها منعت نفسها في العدة ا
ه. فعلى هذا فالمنع الشرعي أقوى من المنع
الحسي؛ لأنها لو منعته عن جماعها لها النفقة،
وفي "المجتبى" كل نكاح اختلف العلماء في جوازه
كالنكاح بلا شهود فالدخول فيه يوجب العدة أما
نكاح منكوحة الغير ومعتدته فالدخول فيه لا
يوجب العدة إن علم أنها للغير؛ لأنه لم يقل
أحد بجوازه فلم ينعقد أصلا فعلى هذا يفرق بين
فاسده وباطله في العدة ولهذا يجب الحد مع
العلم بالحرمة لكونه زنا كما في القنية
وغيرها، ولو كان الواطئ في العدة والمطلق هو
فلا نفقة لها بعد عدة الطلاق كذا في
"المجتبى". ثم اعلم أن المرئي إنما يكون منهما
إذا كان بعد التفريق بينها وبين الواطئ الثاني
أما إذا حاضت حيضة بعد وطء الثاني قبل التفريق
فإنها من عدة الأول خاصة وبقي عليها من تمام
عدة الأول حيضتان، وللثاني ثلاث حيض، فإذا
حاضت حيضتين كانت منهما جميعا وبقيت من عدة
الثاني حيضة كذا في "الجوهرة"، فإن قيل: إذا
كان الواطئ المطلق فهل يشترط أن يكون بعد
التفريق أيضا.
قلت لم أره صريحا، وفي "الولوالجية": رجل طلق
امرأته ثلاثا فلما اعتدت بحيضتين أكرهها على
الجماع، فإن جامعها منكرا طلاقها تستقبل العدة
وإن كان مقرا بطلاقها لكن جامعها على وجه
الزنا لا تستقبل وكذلك من طلق امرأته ثم أقام
معها زمانا فعلى التفصيل ا ه.
وشمل قوله المعتدة عن وطء بشبهة لو وطئت بشبهة
ثانيا والمعتدة عن فاسد لو وطئت بشبهة للأول
لكن ذكر في القنية خلافا في الثانية.
"قوله ومبدأ العدة بعد الطلاق والموت"
يعني ابتداء عدة الطلاق من وقته وابتداء عدة
الوفاة من وقتها سواء علمت بالطلاق والموت أو
لم تعلم حتى لو لم تعلم ومضت مدة العدة،
ج / 4 ص -224-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد انقضت؛ لأن سبب وجوبها الطلاق أو الوفاة
فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب كذا في
"الهداية" وشرح عليه في "العناية" و"غاية
البيان" و"المعراج" من غير تعقيب، وهذا صريح
فيما نقلناه عن "البدائع" من بيان سببها مخالف
لما في "فتح القدير": من أن الفرقة شرطها
والنكاح سببها وقوله هنا أن في عبارة
"الهداية" تساهلا فقد قدموا أن سببها النكاح
والطلاق شرط وأن الإضافة في قولنا عدة الطلاق
إلى الشرط فالأولى أن يقال؛ لأن عند الطلاق
والموت يتم السبب فيستعقبهما من غير فصل فيكون
مبدأ العدة من غير فصل بالضرورة، وذكر الشارح
الزيلعي كما في "فتح القدير": فقال وجعل صاحب
"الهداية" السبب إنما هو الطلاق أو الموت وهو
تجوز لكونه معملا للعلة ا ه.
وفي "الكافي" شرح "الوافي": وقال صاحب
"الهداية": سبب وجوبها الطلاق أو الموت وقد
نص الأسرار أن سبب وجوبها نكاح متأكد بالدخول
أو ما يقوم مقامه مما يكمل المهر عند ثبوت ما
يوجب الفرقة لا الفرقة فإنها شرط ا ه. وقدمنا
أن ابتداء العدة في الطلاق المبهم من وقت
البيان يعني لكونه إنشاء من وجه، وفي "الكافي"
للحاكم و"غاية البيان" إذا أتاها خبر موت
زوجها وشكت في وقت الموت تعتد من الوقت الذي
تستيقن فيه بموته؛ لأن العدة يؤخذ فيها
بالاحتياط وذلك في العمل بيقين ا ه. وظاهر
كلام محمد في "المبسوط" كالمختصر أن العدة
تعتبر من وقت الطلاق في إقراره بالطلاق من
زمان مضى إلا أن المتأخرين اختاروا وجوب العدة
من وقت الإقرار حتى لا يحل له التزوج بأختها
وأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها ولكن لا
نفقة لها ولا كسوة إن صدقته في الإسناد؛ لأن
قولها مقبول على نفسها، وفي "الهداية"
ومشايخنا يفتون في الطلاق أن ابتداءها من وقت
الإقرار نفيا لتهمة المواضعة ا ه. وهو المختار
كما في الفتاوى "الصغرى".
وفي "غاية البيان" أراد بالمشايخ علماء بخارى
وسمرقند لا جماعة التصوف الذين هم أهل البدعة
ا ه. وهو عجيب منه والحاصل: أنها إن كذبته في
الإسناد أو قالت لا أدري فمن وقت الإقرار وإن
صدقته ففي حقها من وقت الطلاق، وفي حق الله من
وقت الإقرار، وأما حكم وطئها في هذه المدة
فقال في "الاختيار" لها أن تأخذ منه مهرا
ثانيا؛ لأنه أقر به وقد صدقته ا ه.
وفي "الخانية": رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم
قال كنت حلفت إن تزوجت ثيبا قط فهي طالق ثلاثا
ولم أعلم أنها ثيب يقع الطلاق بإقراره ثم إن
صدقته المرأة كان لها نصف المهر بالطلاق قبل
الدخول ومهر المثل بالدخول وعليها العدة لهذا
الوطء ولا نفقة لها؛ لأنها صدقته في وقوع
الطلاق قبل الدخول وإن كذبته المرأة في اليمين
فلها مهر واحد ولها النفقة والسكنى؛ لأنها
تزعم أن الطلاق وقع عليها بإقراره بعد الدخول
ا ه.
ج / 4 ص -225-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء
ويوم القتل يدخل وقد وقعت حادثة في عدة الوفاة
استخرجنا حكمها من هذه القاعدة وأوضحناها في
"القواعد الفقهية"، وفي القنية طلقها ثلاثا ثم
قال بعده كان قبلها طلقة وانقضت عدتها فلم تقع
الثلاث وصدقته في ذلك فقد ذكر في "الجامع"
أنهما يصدقان وذكر علي البزدوي أنهما لا
يصدقان وعليه الفتوى وإن لم تصدقه هي لا يصدق
ا ه. وفيها طلقها ثلاثا ويقول كنت طلقتها قبل
ذلك واحدة وانقضت عدتها، فإن كان انقضاء العدة
معلوما عند الناس لا يقع الثلاث وإلا يقع، ولو
حكم عليه بوقوع الثلاث بالبينة بعد إنكاره فلو
أقام بينة إني كنت طلقتها قبل ذلك طلقة بمدة
مديدة لا يلتفت إليه ا ه. وفي "فتح القدير":
وعرف أن تقييده بالإقرار يفيد أن الطلاق
المتقدم إذا ثبت بالبينة ينبغي أن تعتبر العدة
من وقت قامت لعدم التهمة؛ لأن ثبوته بالبينة
لا بالإقرار ا ه. وهو مقيد بما إذا كان تأخير
الشهادة لعذر أما إذا كان لغير عذر لم تقبل
الشهادة كما في القنية، وفي "الخانية":
الفتوى على أن العدة من وقت الإقرار صدقته أو
كذبته ولا يظهر أثر تصديقها إلا في إسقاط
النفقة ووفق السغدي فحمل كلام محمد على ما إذا
كانا متفرقين وكلام المشايخ على ما إذا كانا
مجتمعين؛ لأن الكذب في كلامهما ظاهر، وهذا هو
التوفيق إن شاء الله تعالى، وفي "فتح
القدير": إن فتوى المتأخرين مخالفة للأئمة
الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين رضي الله
عنهم فينبغي أن يقيد بمحل التهمة ولذا قيده
السغدي بأن يكونا مجتمعين.
وفي "الجوهرة": ولو أن امرأة أخبرها ثقة أن
زوجها الغائب مات أو طلقها ثلاثا أو أتاها
كتاب من زوجها على يد ثقة بالطلاق ولا تدري
أنه كتابه أم لا إلا أن أكبر رأيها أنه حق فلا
بأس أن تعتد وتتزوج، وكذا لو قالت امرأة لرجل
طلقني زوجي وانقضت عدتي لا بأس أن يتزوجها ا
ه.
وفي "الذخيرة": وإن شهد شاهدان على رجل أنه
طلق امرأته ثلاثا بعدما دخل بها فلم يعدلا حتى
مضى أيام ثم عدلا وقضى القاضي بالفرقة بينهما
تعتبر العدة من يوم الشهادة لا من يوم القضاء
ا ه. وهل يحال بينه وبينها بعد الشهادة قبل
التزكية كتبناها في "القواعد الفقهية" في
السابع عشر بعد الثلثمائة وكتبنا فيها ما تسمع
فيها الشهادة بدون الدعوى وهي اثنتا عشرة
مسألة، وفي "فتح القدير": ولو جعل أمر امرأته
بيدها إن ضربها فضربها فطلقت نفسها فأنكر
الزوج الضرب فأقامت البينة عليه وقضى القاضي
بالفرقة فالعدة من وقت القضاء أو من وقت الضرب
ينبغي أن يكون من وقت الضرب، ولو طلقها فأنكر
فأقيمت البينة فقضي بالطلاق فالعدة من وقت
الطلاق لا القضاء ا ه.
ج / 4 ص -226-
وفي النكاح الفاسد بعد التفريق، أو العزم على
ترك وطئها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "المجتبى": قال: إن فعلت كذا فأنت طالق
ثلاثا ثم فعلت ذلك ولم يعلم الزوج به ومضى
عليه ثلاثة أقراء وتزوجت بآخر ودخل بها ثم
طلقها واعتدت ثم أخبرت زوجها بما صنعت وصدقها
لم تحل له؛ لأن عدة المطلقة ثلاثا من وقت
الفراق عندنا لا من وقت الطلاق وعند زفر تحل؛
لأنها من وقت الطلاق عنده ولا محل لقول المحقق
ابن الهمام ينبغي أن تكون العدة من وقت الضرب
بل يتعين الجزم بكونها من وقت طلاقها نفسها لا
من وقت القضاء ولا من وقت الضرب كما جزم به في
"البزازية": كما لو ادعت الطلاق في شوال وقضي
بالفرقة في المحرم فالعدة من وقت الطلاق لا من
وقت القضاء ا ه.
وفي "الخانية": طلقها بائنا أو ثلاثا ثم أقام
معها زمانا إن أقام وهو ينكر طلاقها لا تنقضي
عدتها وإن أقام وهو يقر بالطلاق تنقضي عدتها ا
ه. فعلى هذا مبدأ العدة من وقت ثبوت الطلاق في
هذه المسألة وفيها أيضا قال لامرأته
المدخولة: كلما حضت وطهرت فأنت طالق فحاضت
ثلاثا كانت العدة عليها من وقت الطلاق الأول ا
ه. فعلى هذا إذا حاضت ثلاثا بانت بثلاث وبقي
عليها حيضة من عدتها لكن الثالثة لا تقع إلا
بالطهر، وفي القنية تزوجها نكاحا فاسدا وأنكر
الدخول وهي تزعم أنها غير بالغة وأنه دخل بها
لزمتها العدة حتى يحرم نكاحها على غيره ا ه.
فعلى هذا القول قوله في الدخول وعدمه في حق
المهر وقولها في وجوب العدة.
"قوله: وفي النكاح الفاسد بعد التفريق أو
العزم على ترك وطئها" أي:
مبدأ العدة وقال زفر من آخر الوطآت؛ لأن الوطء
هو السبب الموجب ولنا أن كل وطء وجد في العقد
الفاسد يجري مجرى الوطأة الواحدة لاستناد الكل
إلى حكم عقد واحد ولهذا يكتفى في الكل بمهر
واحد فقبل المتاركة أو العزم لا تثبت العدة مع
جواز وجود غيره ولأن التمكن على وجه الشبهة
أقيم مقام حقيقة الوطء لخفائه ومساس الحاجة
إلى معرفة الحكم في حق غيره.
وفي "الخلاصة" المتاركة في النكاح الفاسد بعد
الدخول لا تكون إلا بالقول كقوله تركتك أو ما
يقوم مقامه كتركتها أو خليت سبيلها أما عدم
المجيء فلا؛ لأن الغيبة لا تكون متاركة؛ لأنه
لو عاد تعود، ولو أنكر نكاحها لا تكون متاركة
ا ه. وقدمنا في النكاح الفاسد أنهما لو اختلفا
في الدخول فالقول له في المهر فلا يجب المهر
وأن المراد بهذه العدة عدة المتاركة فلا عدة
عليها بموته إلا الحيض بعد الدخول وأنه لا
حداد ولا نفقة فيها وإن تزوج أخت امرأته فاسدا
تحرم عليه إلى انقضاء عدتها وأن وجوبها فيه
إنما هو في القضاء أما في الديانة لو علمت
أنها حاضت بعد آخر
ج / 4 ص -227-
ولو قالت: مضت عدتي، وكذبها الزوج، فالقول
لها مع الحلف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وطء ثلاثا حل لها التزوج من غير تفريق ونحوه
وأن الطلاق فيه متاركة وأن إنكار النكاح إن
كان بحضرتها فمتاركة وإلا فلا وإن علم غير
المتاركة بالمتاركة شرط على قول وصحح وقيل لا
وصحح ورجحنا الثاني وأن المتاركة لا تختص
بالزوج بل تكون من المرأة أيضا ولذا ذكر مسكين
في شرحه من صورها أن تقول له تركتك وقدمنا
كثيرا من أحكامه هناك فارجع إليه. وبما قررناه
علم أن مجرد العزم لا يكفي بل لا بد من
الإخبار بما يدل عليه.
ولذا قال في "العناية" العزم أمر باطن لا يطلع
عليه وله دليل ظاهر وهو الإخبار به فلو قال
كما في الإصلاح أو إظهار عزمه لكان أولى
والمراد بالتفريق أن يحكم القاضي بالتفريق
بينهما كما في "العناية"، وفي "الجوهرة"
و"غاية البيان" لو فرق بينهما ثم وطئها وجب
الحد عليه ا ه. وينبغي أن يقيده بما إذا وطئها
بعد انقضاء العدة وإلا فوطء المعتدة لا يوجب
الحد وجعل في التتمة قول زفر قول أبي القاسم
الصفار البلخي وأن الإمام أبا بكر البلخي يقول
من وقت الفرقة، وفي "البزازية": في النكاح
الفاسد لا تعتد في بيت الزوج ا ه.
وفي "القنية": تزوجها فاسدا فأحبلها فولدت لا
تنقضي به العدة إن كان قبل المتاركة وإن كان
بعدها انقضت، ا ه.
"قوله: ولو قالت مضت عدتي وكذبها الزوج
فالقول لها مع الحلف"؛ لأنها
أمينة في ذلك وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع
إذا ادعى الرد والهلاك وقد ذكرنا في "القواعد
الفقهية" عشر مسائل لا يحلف فيها الأمين وقد
ذكرنا فيها مسألة لا يقبل فيها قول الأمين في
الدفع وترك المصنف قيدا لا بد منه وهو كون
المدة تحتمل الانقضاء على الخلاف الذي قدمناه
وهو شهران عنده وتسعة وثلاثون يوما عندهما؛
لأنه إذا لم تحتمله المدة لا يقبل قولها أصلا؛
لأن الأمين إنما يصدق فيما لا يخالفه الظاهر
أما إذا خالفه فلا كالوصي إذا قال: أنفقت على
اليتيم في يوم واحد ألف دينار كذا في
"البدائع" والخلاف المذكور في الحرة أما الأمة
فأقل مدة تصدق فيها أربعون يوما على رواية
محمد وثلاثون يوما على رواية الحسن مع
اتفاقهما في الحرة على الستين عن الإمام. ومحل
الخلاف أيضا فيما إذا لم يكن طلاقها معلقا
بولادتها أما إذا طلقها عقيب الولادة فلا تصدق
الحرة في رواية محمد في أقل من خمسة وثمانين
يوما ويجعل النفاس خمسة وعشرين يوما وعلى
رواية الحسن أقلها مائة يوم بزيادة أكثر
النفاس وقال أبو يوسف لا تصدق في أقل من خمسة
وستين يوما وقال محمد لا تصدق في أقل من أربعة
وخمسين يوما وساعة وإن كانت أمة فعلى رواية
محمد عن الإمام لا تصدق في أقل من خمسة وستين
يوما بزيادة خمسة وعشرين على الأربعين وعلى
رواية الحسن لا تصدق في أقل من خمسة وسبعين
يوما بزيادة أربعين على
ج / 4 ص -228-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خمسة وثلاثين وقال أبو يوسف: لا تصدق في أقل
من سبعة وأربعين وقال محمد لا تصدق في أقل من
ستة وثلاثين وساعة، وتوجيه الروايات المذكورة
في "البدائع" وأطلق في قولها مضت عدتي فشمل
ذات الأقراء والشهور، والخلاف المذكور في ذات
الأقراء وأما المعتدة بالشهور فلا بد من مضي
المقدر شرعا.
وفي "الخلاصة" المطلقة بالثلاث إذا جاءت بعد
أربعة أشهر وقالت طلقني الثاني وانقضت عدتي
أفتى النسفي أنه لا بد من مدة أخرى للنكاح
والوطء وأفتى الإسبيجابي وأبو نصر أنها تصدق ا
ه.
ثم اعلم أنه إذا كذبها الظاهر بالنسبة إلى
المدة لا يقبل قولها عند عدم التفسير أما لو
فسرت بأن قالت أسقطت سقطا مستبين الخلق أو
بعضه قبل قولها؛ لأن الظاهر لا يكذبها كذا في
"البدائع" فعلم أن انقضاءها لا ينحصر في
إخبارها بل يكون به وبالفعل بأن تزوجت بزوج
آخر بعدما مضت مدة تنقضي في مثلها العدة حتى
لو قالت بعده لم تنقض لم تصدق لا في حق الزوج
الأول ولا في حق الثاني؛ لأن الإقدام عليه
دليل الإقرار كذا في "البدائع"، وفي "فتح
القدير": وعكس هذه المسألة إذا قال الزوج
أخبرتني بأن عدتها قد انقضت، فإن كانت في مدة
لا تنقضي في مثلها لا يقبل قوله ولا قولها إلا
أن تبين ما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين
الخلق فحينئذ يقبل قولها، ولو كان في مدة
تحتمله فكذبته لم تسقط نفقتها وله أن يتزوج
بأختها؛ لأنه أمر ديني يقبل قوله فيه ا ه.
فالحاصل أنه يعمل بخبريهما بقدر الإمكان بخبره
فيما هو حقه وحق الشرع وبخبرها في حقها من
وجوب النفقة والسكنى، ولو جاءت بولد لأكثر من
ستة أشهر يثبت نسبه منه؛ لأنه في النسب حقها
أصلي كحق الولد؛ لأنها تعير بولد ليس له أب
معروف فلم يقبل.
قوله ولا ينفذ نكاح أختها؛ لأنه لا يتصور
استحقاق النسب إلا ببقاء الفراش فصار الزوج
مكذبا في خبره شرعا بخلاف القضاء بالنفقة؛
لأنه يتصور استحقاق النفقة لغير العدة فكأنه
وجبت في حقها بسبب العدة، وفي حقه بسبب آخر،
فإن تزوج أختها ومات فالميراث للأخرى هكذا ذكر
محمد في النكاح وقيل إن قال هذا في الصحة ثم
مات فالميراث للأخرى لا للمعتدة وإن قال في
المرض فالميراث للمعتدة، فإذا قضي بالميراث
للمعتدة قيل يفسد نكاح أختها والأصح أنه لا
يفسد؛ لأنه يتصور استحقاق الميراث بغير
الزوجية فنزل منزلة استحقاق النفقة كذا في
"المحيط". وفي "الخانية": امرأة قالت في عدة
الوفاة: لست بحامل، ثم قالت من الغد: أنا
حامل كان القول قولها وإن قالت بعد أربعة أشهر
وعشرة أيام: لست بحامل، ثم قالت: أنا حامل
لا يقبل قولها إلا أن تأتي بولد لأقل من ستة
أشهر من موت زوجها فيقبل قولها ويبطل إقرارها
بانقضاء العدة
ج / 4 ص -229-
ولو نكح معتدته، وطلقها قبل الوطء وجب مهر
تام، وعدة مبتدأة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجل خلع امرأته فأقرت وقته وقالت: أنا حائض
غير حامل من زوجي ثم أقرت في الشهرين قبل أن
تقر بانقضاء العدة وقالت: أنا حامل من زوجي
فأنكر الزوج الحمل لا تصح دعواها ا ه.
وفي "القنية": إذا قالت المعتدة: انقضت عدتي
في يوم أو أقل تصدق أيضا وإن لم تقر بسقط
لاحتماله ثم نقل خلافه عن بعض الكتب ا ه. فعلى
الأول معنى قولهم لا تصدق في أقل من ستين يوما
فيما إذا قالت انقضت بالحيض لا مطلقا وفيها
أيضا ولدت ثم طلقها زوجها ومضى سبعة أشهر
وتزوجت بآخر لا تصح إذا لم تحض فيها ثلاث حيض
قيل له، فإن لم تكن حاضت قبل الولادة قال
الجواب كذلك؛ لأن ولادتها كالحيض؛ لأن من لا
تحيض لا تحبل ا ه.
فرع: في "الخلاصة" قال جاءت امرأة إلى رجل
وقالت طلقني زوجي وانقضت عدتي ووقع في قلبه
أنها صادقة وهي عدلة أولا حل له أن يتزوجها
وإن قالت وقع نكاح الأول فاسدا لم تحل له وإن
كانت عدلة، وفي "البزازية": قالت ولدت لم
تقبل إلا ببينة، ولو قالت أسقطت سقطا وقع
مستبين الخلق قبل قولها وله أن يحلفها ا ه.
وفي المسألة الأولى نظر فقد صرحوا في باب ثبوت
النسب أن عدتها تنقضي بإقرارها بوضع الحمل وأن
توقف الولادة على البينة إنما هو لأجل ثبوت
النسب.
"قوله: ولو نكح معتدته وطلقها قبل الوطء وجب
مهر تام وعدة مبتدأة"، وهذا
عندهما وقال محمد عليه نصف المهر وعليها إتمام
العدة الأولى؛ لأنه طلاق قبل المسيس فلا يوجب
كمال المهر ولا استئناف العدة وإكمال العدة
الأولى إنما وجبت بالطلاق الثاني فظهر حكمه
كما لو اشترى أم ولده ثم أعتقها ولهما أنها
مقبوضة في يده حقيقة بالوطأة الأولى وبقي أثره
وهو العدة، فإذا جدد النكاح وهي مقبوضة ناب
ذلك عن القبض المستحق في هذا النكاح كالغاصب
يشتري المغصوب الذي في يده يصير قابضا بمجرد
العقد فوضح بهذا أنه طلاق بعد الدخول، وقال
زفر: لا عدة عليها أصلا؛ لأن الأولى قد سقطت
بالتزوج فلا تعود والثانية لم تجب وجوابه ما
قلناه وما قاله زفر فاسد؛ لأنه يستلزم إبطال
المقصود من شرعها وهو عدم اشتباه الأنساب كذا
في "فتح القدير". ومع ذلك هو مجتهد فيه صرح به
في جامع الفصولين لو قضى به قاض نفذ قضاؤه؛
لأن للاجتهاد فيه مساغا وهو موافق لصريح
القرآن
{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا
لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ا ه. وهذه إحدى المسائل المبنية على هذا الأصل وهو
أن الدخول في النكاح الأول دخول في الثاني
أولا ويتفرع عليه لو قال كلما تزوجتك فأنت
طالق فتزوجها في يوم ثلاثا ودخل بها في كل مرة
ألزمه أربعة مهور ونصف وأبانها بثلاث وحكما
بتطليقتين ومهرين ونصف أو بائنا ألزمه بتلك
المهور وهما بخمسة ونصف نصف مهر بالطلاق
ج / 4 ص -230-
ولو
طلق ذميّ ذمية لم تعتد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول قبل الدخول ومهران
بالتطليقتين لكونهما بعد الدخول حكما وثلاث
مهور بالدخول ثلاثا وتمامه في "شرح المجمع" من
التعليق.
ثم اعلم أن الدخول في الأول دخول في الثاني في
حق المهر ووجوب العدة، وأما في حق الرجعة لو
كان الطلاق رجعيا لا يملكها كما في "فتح
القدير".
ثانيها: لو تزوجها نكاحا
فاسدا ودخل بها ففرق بينهما ثم تزوجها صحيحا
وهي في العدة عن ذلك الفاسد ثم طلقها قبل
الدخول يجب عليه مهر كامل وعليها عدة مستقبلة
عندهما، ولو كان على القلب بأن تزوجها أولا
صحيحا ثم طلقها بعد الدخول ثم تزوجها في العدة
فاسدا لا يجب عليه مهر ولا عليها عدة مستقبلة
ويجب عليه إتمام العدة الأولى بالاتفاق والفرق
لهما أنه لا يتمكن من الوطء الفاسد فلا يجعل
واطئا حكما لعدم الإمكان حقيقة ولهذا لا يجعل
واطئا بالخلوة في الفاسد حتى لا تجب العدة بها
ولا عليه المهر.
وثالثها: أنه لو دخل بها في
الصحة وطلقها بائنا ثم تزوجها في المرض في
عدتها وطلقها بائنا قبل الدخول هل يكون فارا
أم لا؟
ورابعها: لو تزوجت بغير كفء
ودخل بها ففرق القاضي بينهما بطلب الولي ثم
تزوجها هذا الرجل في العدة بمهر وفرق القاضي
بينهما قبل أن يدخل بها كان عليه المهر الثاني
كاملا وعدة مستقبلة عندهما استحسانا وعند محمد
نصف المهر الثاني وعليها تمام العدة الأولى.
وخامسها: تزوجها صغيرة ودخل
بها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة ثم
ارتدت والعياذ بالله تعالى ثم أسلمت فتزوجها
في العدة ثم طلقها قبل الدخول هكذا ذكر في
"فتح القدير": بتكرار التزوج ثلاثا ولا حاجة
إليه في التصوير ويكفي فيه أنه تزوجها مرتين
وأن الردة حصلت مرة واحدة فليتأمل.
وسابعها: تزوجها ودخل بها ثم
طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة ثم ارتدت ثم
أسلمت فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول.
وثامنها: تزوجها ودخل بها ثم
طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة ثم ارتدت قبل
الدخول.
وتاسعها: تزوج أمة ودخل بها
ثم أعتقت فاختارت نفسها ثم تزوجها في العدة ثم
طلقها قبل الدخول وعاشرها تزوج أمة ودخل بها
ثم طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة فأعتقت
فاختارت نفسها قبل الدخول كذا في "فتح
القدير": و"المعراج".
"قوله: ولو طلق ذمي ذمية لم تعتد"
عند الإمام وقالا عليها العدة والخلاف فيما
إذا كانوا
ج / 4 ص -231-
فصل في الإحداد
تحد معتدة البت والموت بترك الزينة، والطيب
والكحل، والدهن، إلا بعذر والحناء، ولبس
المعصفر والمزعفر إن كانت مسلمة بالغة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يعتقدونها: أما إذا اعتقدوها فعليها العدة
اتفاقا وفيما إذا كانت حائلا أما الحامل
فعليها العدة اتفاقا وقيده الولوالجي وغيره
بما إذا كانوا يدينونها وأطلقه في "الهداية"
معللا بأن في بطنها ولدا ثابت النسب وعن
الإمام يصح العقد عليها ولا يطؤها كالحامل من
الزنا والأول أصح ا ه.
وفي "المعراج": وقع في بعض النسخ التقييد،
وفي بعضها يمنع من التزوج ولم يذكر الزيادة ا
ه. ولا فرق بين الطلاق والموت فلو تزوجها مسلم
أو ذمي في فور طلاقها جاز كما في "فتح
القدير": وقيد بالذمي؛ لأن المسلم إذا طلق
الذمية أو مات عنها فعليها العدة اتفاقا؛
لأنها حقه ومعتقده كذا في "فتح القدير": وعلى
هذا الخلاف المهاجرة إذا خرجت إلينا مسلمة أو
ذمية أو مستأمنة ثم أسلمت أو صارت ذمية فعنده
إن تزوجت جاز إلا أن تكون حاملا وعنه لا يطؤها
الزوج حتى يستبرئها بحيضة وعنه لا يتزوجها إلا
بعد الاستبراء وقالا عليها العدة، وأما إذا
هاجر الزوج مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم صار
مسلما أو ذميا فإنه لا عدة عليها حتى جاز له
التزوج بأختها وأربع سواها كما دخل دارنا لعدم
تبليغ أحكامنا إليها لا؛ لأنها غير مخاطبة
بالعدة كذا في "فتح القدير": والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب.
فصل في الإحداد
فيه لغتان: أحدت إحدادا فهي محد ومحدة إذا
تركت الزينة لموته، وحدت المرأة على زوجها تحد
وتحد حدادا بالكسر فهي حاد بغيرها وأنكر
الأصمعي الثلاثي واقتصر على الرباعي كذا في
"المصباح"، وفي "القاموس" والحاد والمحد تاركة
الزينة للعدة حدت تحد وتحد حدادا وأحدت ا ه.
وفي الشريعة: ترك الزينة ونحوها من معتدة
بطلاق بائن أو موت.
"قوله تحد معتدة البت والموت بترك الزينة
والطيب والكحل والدهن إلا بعذر والحناء ولبس
المزعفر والمعصفر إن كانت مسلمة بالغة"
أي: تحد المبانة والمتوفى عنها زوجها بترك ما
ذكر أطلقه فشمل الطلاق واحدة أو أكثر والفرقة
كما في "الخانية": وعبر بالإخبار عن فعلها
لإفادة أنه واجب عليها للحديث الصحيح
"لا يحل لامرأة
تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق
ج / 4 ص -232-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر1 وعشرا" وتعقب
بأنه لا دليل فيه على الإيجاب؛ لأن حاصله
استثناؤه من نفي الحل فيفيد ثبوت الحل ولا
كلام فيه فالأولى الاستدلال بالرواية الأخرى
{إلا على زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا
ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل
ولا تمس طيبا} فصرح بالنهي في تفصيل معنى ترك
الإحداد ولا خلاف في عدم وجوبه على المرأة
بسبب غير الزوج من الأقارب وهل يباح. قال محمد
في النوادر لا يحل الإحداد لمن مات أبوها أو
ابنها أو أخوها أو أمها وإنما هو في الزوج
خاصة قيل: أراد بذلك فيما زاد على الثلاث لما
في الحديث من إباحته للمسلمات على غير أزواجهن
ثلاثة أيام كذا في "فتح القدير".
وفي "التتارخانية": سئل أبو الفضل عن المرأة
يموت زوجها أو أبوها أو غيرهما من الأقارب
فتصبغ ثوبها أسود فتلبسه شهرين أو ثلاثة أو
أربعة تأسفا على الميت أتعذر في ذلك؟ فقال:
لا وسئل عنها علي بن أحمد2 فقال لا تعذر وهي
آثمة إلا الزوجة في حق زوجها فإنها تعذر إلى
ثلاثة أيام ا ه. وظاهره منعها من لبس السواد
تأسفا على موت زوجها أكثر من الثلاث وقيد
بالبت؛ لأن المطلقة رجعيا لا حداد عليها
وينبغي أنها لو أرادت أن تحد على قرابة ثلاثة
أيام ولها زوج له أن يمنعها؛ لأن الزينة حقه
حتى كان له أن يضربها على تركها إذا امتنعت
وهو يريدها، وهذا الإحداد مباح لها لا واجب
وبه يفوت حقه كذا في "فتح القدير": وفي
"التتارخانية": ويستحب لها تركه ولما وجب في
الموت إظهارا للتأسف على فوات نعمة النكاح
فوجب على المبتوتة إلحاقا لها بالمتوفى عنها
زوجها بالأولى؛ لأن الموت أقطع من الإبانة
ولهذا تغسله ميتا قبل الإبانة لا بعدها وأطلق
في ترك الطيب فلا تحضر عمله ولا تتجر فيه وإن
لم يكن لها كسب إلا فيه ودخل في الزينة
الامتشاط بمشط أسنانه ضيقة لا الواسعة كما في
"المبسوط" وشمل لبس الحرير بجميع أنواعه
وألوانه، ولو أسود وجميع أنواع الحلي من ذهب
وفضة وجواهر زاد في "التتارخانية": القصب.
وقوله: " إلا بعذر " متعلق بالجميع لا بالدهن
وحده فلها لبس الحرير للحكة والقمل ولها
الاكتحال للضرورة، ولو أخر الاستثناء عن
الجميع لكان أولى لجواز لبس المعصفر والمزعفر
إذا لم تجد غيره لوجوب ستر العورة وذكر الدهن
بعد الطيب ليفيد حرمته وإن لم يكن مطيبا
كالزيت الخالص منه والشيرج والسمن.
وفي "المجتبى" ولو اعتادت الدهن فخافت وجعا،
فإن كان أمرا ظاهرا يباح لها ا ه.
ويستثنى من المعصفر والمزعفر الخلق الذي لا
رائحة له فإنه جائز كما في "الهداية".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 لعل المراد به علي بن أحمد الطحاوي وتقدمت
ترجمته.
ج / 4 ص -233-
لا معتدة العتق، والنكاح الفاسد، ولا تختطب
معتدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بإسلامها مع بلوغها؛ لأنه لا حداد على
كافرة ولا صغيرة وقدمنا معنى وجوب العدة
عليهما ولم يقيد بالعقل مع أنه لا حداد على
مجنونة للاكتفاء بما يخرج الصغيرة؛ لأن عدمه
عليها ليس إلا لعدم تكليفها والمجنونة مثلها
في ذلك ولهذا قال الإسبيجابي رحمه الله تعالى
الأصل أن كل معتدة مخاطبة فارقت فراش زوج حلال
يجب عليها الإحداد وإلا فلا ا ه.
ولم يقيد بالحرية لوجوبه على الأمة المنكوحة
لكونها مكلفة بحقوق الشرع ما لم يفت به حق
العبد ولهذا لا يحرم عليها الخروج إلا إذا
كانت في بيت الزوج وقت الطلاق ولم يخرجها
المولى ويحل إن أخرجها والمدبرة والمكاتبة
والمستسعاة كالقنة، ولو أسلمت الكافرة في
العدة لزمها الإحداد فيما بقي من العدة كذا في
"الجوهرة" وينبغي كذلك لو بلغت الصغيرة أو
أفاقت المجنونة؛ إذ لا فرق واقتصاره على ترك
ما ذكر يفيد جواز دخول الحمام لها ونقل في
"المعراج" أن عندهم لها أن تدخل الحمام وتغسل
رأسها بالخطمي والسدر وفيه أن الحداد حق الشرع
حتى لو أمرها الزوج بتركه لم يحل لها.
"قوله لا معتدة/ العتق والنكاح الفاسد"
أي: لا حداد على أم الولد إذا أعتقت بإعتاق
سيدها أو موته ولا على المعتدة من نكاح فاسد
وهو مفهوم من اقتصاره على البت والموت، وفي
"الخانية": لو تزوج أمة وملكها بعد الدخول
وقد ولدت منه فسد النكاح بينهما ولا حداد
عليها ولا يجوز لغيره أن يتزوجها حتى تحيض
حيضتين، فإن أعتقها كان عليها عدتان عدة فساد
النكاح وفيها الحداد وعدة العتق ولا حداد فيها
فتحد في حيضتين دون الثالثة، ولو أعتقها بعد
حيضتين كان عليها أن تعتد بثلاث ا ه. وبهذا
ظهر أن النكاح إذا فسد بعد صحته يوجب الحداد
بخلاف ما إذا كان فاسدا من أصله؛ لأنه إنما
وجب إظهارا للتأسف على فوات نعمة النكاح وسببه
النكاح الصحيح فلا يتأسف على الفاسد واستفيد
عدم وجوبه على المعتدة من وطء بشبهة بالأولى
كما في "المعراج".
فالحاصل لا إحداد على كافرة ولا صغيرة ولا
مجنونة ولا معتدة عن عتق ولا معتدة عن نكاح
فاسد ولا على معتدة عن وطء بشبهة ولا معتدة عن
طلاق رجعي فهن سبع لا حداد عليهن، فإن قلت إن
العلة لوجوبه أعني إظهار التأسف على فوات نعمة
النكاح وإن فاتت في مسألتي الكتاب بقيت أخرى
أعني عدم إظهار الرغبة فيما هو ممنوع فيها
وهذه الأشياء للرغبة أجيب بأن هذه حكمة فلا
تطرد وتلك علة يزول الحكم بزوالها كما في
"المعراج".
"قوله ولا تخطب معتدة" أي:
تحرم خطبتها وهي بكسر الخاء مصدر بمنزلة الخطب
مثل قولك إنه لحسن القعدة والجلسة تريد القعود
والجلوس وفي اشتقاقه وجهان.
ج / 4 ص -234-
وصح التعريض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول: أن الخطب هو الأمر والشأن يقال ما
خطبك أي: ما شأنك فقولهم خطب فلان فلانة أي:
سألها أمرا وشأنا في نفسها والثاني أن أصل
الخطبة من الخطاب الذي هو الكلام يقال خطب
المرأة خطبة؛ لأنه خاطب في عقد النكاح وخطب
خطبة أي: خاطب بالزجر والوعظ والخطب الأمر
العظيم؛ لأنه يحتاج فيه إلى خطاب كثير كذا ذكر
الإمام الرازي أطلقها فشمل المعتدة عن طلاق
بنوعيه وعن وفاة وعن عتق وعن غير ذلك ولم أره
صريحا وعلم منه حرمة خطبة المنكوحة بالأولى
وتحرم تصريحا وتعريضا كما في "البدائع".
وقيد بالمعتدة؛ لأن الخالية عن نكاح وعدة تحل
خطبتها تصريحا وتعريضا لجواز نكاحها لكن بشرط
أن لا يخطبها غيره قبله، فإن خطبها فعلى ثلاثة
أوجه: إما أن تصرح بالرضا فتحرم أو بالرد
فتحل أو تسكت فقولان للعلماء ولم أر هذا
التفصيل لأصحابنا وأصله الحديث الصحيح
"لا يخطب
أحدكم على خطبة أخيه"1 وقيدوه
بأن لا يأذن له واستفيد من حرمة خطبة المعتدة
حرمة نكاحها على غير المطلق بالأولى وهو ظاهر
ولكن جعلوا دليله قوله تعالى
{وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى
يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] ووجهه أن المراد لا تعقدوا وعبر عنه بالعزم؛ لأنه
سببه مبالغة في المنع عنه، وقيل هو باق على
حقيقته والمراد به الإيجاب يقال عزمت عليك أي
أوجبت عليك والإيجاب سبب للوجود ظاهرا فكان
مجازا عنه أي: لا توجدوا عقد النكاح، وهذا
القول هو اختيار أكثر المحققين، وفي الكتاب
وجهان أحدهما المكتوب والمعنى حتى تبلغ العدة
المفروضة آخرها. الثاني: أن الكتاب بمعنى
الفرض أي: حتى يبلغ هذا الكتاب آخره ونهايته
وتمامه في "التفسير الكبير".
"قوله وصح التعريض" وهو لغة
خلاف التصريح والفرق بينه وبين الكناية أن
التعريض تضمين الكلام دلالة ليس فيها ذكر
كقولك ما أقبح البخل تعريض بأنه بخيل والكناية
ذكر الرديف وإرادة المردوف كقولك فلان طويل
النجاد وكثير رماد القدر يعني أنه طويل القامة
ومضياف كذا في "المغرب" والمراد به هنا أن
يذكر شيئا يدل على شيء لم يذكره نحو أن يقول
إني أريد أن أتزوج امرأة من أمرها كذا أو من
أمرها كذا كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما
وما قيل: إن منه أن يقول لها إنك لجميلة وإني
فيك لراغب وإنك لتعجبيني أو إني لأرجو أن
أجتمع أنا وإياك وإنك لدينة فهو غير سديد ولا
يحل لأحد أن يشافه امرأة أجنبية لا يحل له
نكاحها للحال بمثل هذه الكلمات؛ لأن بعضها
صريح في الخطبة وبعضها صريح في إظهار الرغبة
فلا يجوز شيء من ذلك كذا في "البدائع".
ج / 4 ص -235-
ولا تخرج معتدة الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وظاهره أن التعريض جائز لكل معتدة وليس كذلك
بل لا يجوز إلا للمتوفى عنها زوجها بالإجماع
كذا في "المعراج". وأما المطلقة فغير جائز لما
فيه من إيراث العداوة بين المطلق والخاطب
بخلاف الميت فإن النكاح قد انقطع فلا عداوة من
الميت ولا ورثته والأصل في ذلك قوله تعالى
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ
النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ
وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ
أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قال الرازي في تفسيره أراد به المتوفى عنها زوجها
بدليل سياق الآية والمعنى لا إثم عليكم فيما
ذكرتم لهن من الألفاظ الموهمة لإرادة نكاحهن
أو أضمرتم في أنفسكم فلم تنطقوا به تعريضا ولا
تصريحا علم الله أنكم ستذكرونهن فاذكروهن ولكن
لا تواعدوهن نكاحا والاستثناء من لا تواعدوهن
وهو منقطع؛ لأن القول المعروف ليس داخلا في
السر والاستدراك مما قدرناه وتمامه في
"التفسير الكبير".
"قوله ولا تخرج معتدة الطلاق"
لقوله تعالى {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] أي: لا تخرجوا المعتدات من المساكن التي كنتم تسكنون
فيها قبل الطلاق، فإن كانت المساكن عارية
فارتجعت من الساكن كان على الأزواج أن يعينوا
مساكن أخرى بطريق الشراء أو الكراء وعلى
الزوجات أيضا أن لا يخرجن حقا لله تعالى إلا
لضرورة ظاهرة، فإن خرجن ليلا أو نهارا كان
حراما وقال ابن عباس رضي الله عنهما الفاحشة
الزنا فيخرجن لإقامة الحد وبه قال الأكثرون
وقال ابن عمر رضي الله عنهما خروجها قبل
انقضاء العدة. وقال بعضهم: العصيان الظاهر
وهو النشوز عن المجاورة وجمع بين النهي عن
الإخراج والخروج؛ لأن الإخراج إخراج الزوج لها
غصبا وكراهة أو حاجة إلى المسكن وأن لا يأذن
لها في الخروج إذا طلبت والخروج خروجهن
بأنفسهن إذا أردن ذلك وقرئ {مبينة} بالكسر
والفتح وتمامه في "التفسير الكبير" وأخذ أبو
حنيفة بتفسير ابن عمر رضي الله عنهما كذا ذكره
الإسبيجابي وذكر في "الجوهرة" أن أصحابنا
قالوا: الصحيح تفسيرها بالزنا كما فسره ابن
مسعود رضي الله عنه أطلقه فشمل الرجعي والبائن
بنوعيه والمراد معتدة الفرقة سواء كانت بطلاق
أو بغيره ولو كانت بمعصية كتقبيلها ابن الزوج
كما في "البدائع" وما إذا خرجت بإذن المطلق
وبغير إذنه حتى إن المطلقة رجعيا وإن كانت
منكوحة حكما لا تخرج من بيت العدة، ولو أذن
الزوج بخلاف ما قبل الطلاق؛ لأن الحرمة بعده
للعدة وهي حق الله تعالى فلا يملكان إبطاله
بخلاف ما قبله؛ لأن الحرمة لحق الزوج فيملك
إبطاله بالإذن. وسيأتي1 أنها تخرج حالة
الضرورة كما إذا أخرجت أو انهدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "237".
ج / 4 ص -236-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيت فهو مقيد بحالة "الاختيار" ولا بد من
تقييدها بالحرية والتكليف؛ لأن الأمة والمدبرة
وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة يجوز لها
الخروج في عدة الطلاق والوفاة؛ لأن حالة العدة
مبنية على حال النكاح ولا يلزمها المقام في
منزل زوجها حال النكاح فكذا بعده ولأن الخدمة
حق المولى فلا يجوز إبطاله إلا إذا بوأها
منزلا فحينئذ لا تخرج وله الرجوع، ولو بوأها
في النكاح ثم طلقت فللزوج منعها من الخروج حتى
يطلبها المولى، وأما الصغيرة والمجنونة فلا
يتعلق بهما شيء من أحكام التكليف كما قدمناه
في الحداد ولكن للزوج أن يمنع المجنونة تحصينا
لمائه من الخروج ويمنع الصغيرة إذا كانت مطلقة
رجعيا كما في "البدائع"، وفي "المعراج" و"شرح
النقاية" المراهقة كالبالغة في المنع من
الخروج وكالكتابية في عدم وجوب الإحداد، وأما
الكتابية فلا يحرم عليها الخروج؛ لأنها غير
مخاطبة بحق الشرع إلا إن منعها الزوج صيانة
لمائه، وكذا إذا أسلم زوج المجنونة وأبت
الإسلام كذا في "البدائع".
وفي "الظهيرية": الكتابية لا تخرج إلا بإذن
الزوج بخلاف المسلمة فإنها لا تخرج لا بإذن
الزوج ولا بعدم الإذن ا ه.
وبين العبارتين فرق للمتأمل وقيد بمعتدة
الطلاق؛ لأن معتدة الوطء لا يحرم عليها الخروج
كالمعتدة عن عتق كأم الولد إذا أعتقها سيدها
أو مات عنها والمعتدة عن نكاح فاسد أو وطء
بشبهة؛ لأنه لا يفيد المنع عن الخروج قبل
التفريق فكذا في عدته إلا إن منعها الزوج
لتحصين مائه فله ذلك كذا في "البدائع" وينبغي
أن يلحق به أم الولد إذا أعتقها سيدها فله
منعها لتحصين مائه، فإن أعتقت الأمة في العدة
أو أسلمت الكتابية حرم الخروج كما في
"البدائع" وينبغي أن يكون كذلك في الصغيرة إذا
بلغت والمجنونة إذا أفاقت، وفي "الظهيرية"
وسائر وجوه الفرق التي توجب العدة من النكاح
الصحيح والفاسد سواء يعني في حق حرمة الخروج.
من بيتها في العدة فهذا تنصيص على أن المنكوحة
نكاحا فاسدا تعتد في بيت الزوج وحكي فتوى شمس
الإسلام الأوزجندي أنها لا تعتد في منزل
الزوج؛ لأنه لا ملك له عليها ا ه. وفي
"المجتبى" لا تمنع المعتدة عن نكاح فاسد من
الخروج.
وفي "التتارخانية": إذا قبلت ابن زوجها فلا
نفقة لها ولها السكنى، والنصراني إذا طلق
النصرانية فلها النفقة لا السكنى وشمل أيضا
المنزل المملوك للزوج وغيره حتى لو كان غائبا
وهي في دار بأجرة قادرة على دفعها فليس لها أن
تخرج بل تدفع وترجع إن كان بإذن الحاكم وشمل
خروجها إلى صحن دار فيها منازل لغيره بخلاف ما
إذا كانت المنازل له وشمل أيضا المختلعة على
نفقة عدتها فالصحيح المختار أنه لا يباح لها
الخروج وبه أفتى الصدر الشهيد كما لو
ج / 4 ص -237-
من بيتها ومعتدة الموت تخرج يوما، وبعض الليل،
وتعتدان في بيت وجبت فيه إلا أن تخرج، أو
ينهدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلعت على أن لا سكنى لها ويلزمها أن تكتري
بيت الزوج كما في "المعراج"، ولو زارت أهلها
والزوج معها أو لا فطلقها كان عليها أن تعود
إلى منزلها ذلك فتعتد كما في "فتح القدير": ،
وفي "المجتبى" لو طلقت في غير مسكنها تعود إلى
مسكنها بغير تأخير.
"قوله ومعتدة الموت تخرج يوما وبعض الليل"
لتكتسب لأجل قيام المعيشة؛ لأنه لا نفقة لها
حتى لو كان عندها كفايتها صارت كالمطلقة فلا
يحل لها أن تخرج لزيارة ولا لغيرها ليلا ولا
نهارا. والحاصل: أن مدار الحل كون خروجها
بسبب قيام شغل المعيشة فيتقدر بقدره فمتى
انقضت حاجتها لا يحل لها بعد ذلك صرف الزمان
خارج بيتها كذا في "فتح القدير".
وأقول: لو صح هذا عمم أصحابنا الحكم فقالوا
لا تخرج المعتدة عن طلاق أو موت إلا لضرورة؛
لأن المطلقة تخرج للضرورة بحسبها ليلا كان أو
نهارا والمعتدة عن موت كذلك فأين الفرق؟
فالظاهر من كلامهم جواز خروج المعتدة عن وفاة
نهارا، ولو كانت قادرة على النفقة ولهذا استدل
أصحابنا بحديث فريعة بنت أبي سعيد الخدري رحمه
الله تعالى أن زوجها لما قتل أتت النبي صلى
الله عليه وسلم فاستأذنته في الانتقال إلى بني
خدرة فقال لها: "امكثي في بيتك حتى يبلغ
الكتاب أجله"1، فدل على حكمين إباحة الخروج
بالنهار وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها
ومنعها من الانتقال وروى علقمة أن نسوة من
همدان نعي إليهن أزواجهن فسألن ابن مسعود رضي
الله عنه فقلن إنا نستوحش فأمرهن أن يجتمعن
بالنهار، فإذا كان بالليل فلترجع كل امرأة
إلى2 بيتها كذا في "البدائع"، وفي "المحيط":
عزاء الثاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي
"الجوهرة" يعني ببعض الليل مقدار ما تستكمل به
حوائجها، وفي "الظهيرية" والمتوفى عنها زوجها
لا بأس بأن تتغيب عن بيتها أقل من نصف الليل
قال شمس الأئمة الحلواني وهذه الرواية صحيحة ا
ه.
ولكن في "الخانية": والمتوفى عنها زوجها تخرج
بالنهار لحاجتها إلى نفقتها ولا تبيت إلا في
بيت زوجها ا ه. فظاهره أنها لو لم تكن محتاجة
إلى النفقة لا يباح لها الخروج نهارا كما فهمه
المحقق.
"قوله وتعتدان في بيت وجبت فيه إلا أن تخرج أو
ينهدم" أي معتدة الطلاق
والموت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود، في الطلاق: باب في المتوفى
عنها تنتقل "2300"، والترمذي، في الطلاق: باب
ماجاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها "1204"،
والنسائي في التفسير كما "التحفة" "12/475"
وابن ماجه في الطلاق: باب أين تعتد المتوفى
عنها زوجها "2031"، وابن حبان في صحيحه برقم
"4292".
2 أخرجه البيهقي في سننه كتاب العدد، باب
كيفية سكنى المطلقة والمتوفى عنها "7/436".
ج / 4 ص -238-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتدان في المنزل المضاف إليهما بالسكنى وقت
الطلاق والموت ولا يخرجان منه إلا لضرورة لما
تلوناه من الآية والبيت المضاف إليها في الآية
ما تسكنه كما قدمناه سواء كان الزوج ساكنا
معها أو لم يكن كذا في "البدائع" ولهذا قدمنا
أنها لو زارت أهلها فطلقها زوجها كان عليها أن
تعود إلى منزلها فتعتد فيه واستفيد من كلامه
أن أجر المنزل بعد وفاة الزوج من مالها إن كان
لها مال وبعد الطلاق على الزوج، فإن كان الزوج
غائبا فطولبت بالكراء فعليها إعطاؤه من مالها
حيث كانت قادرة وترجع به عليه إن دفعت بإذن
القاضي هكذا في "البدائع" وغيرها هكذا أطلقه
الشيخان خواهر زاده وشمس الأئمة السرخسي
وظاهره أنها لا تخرج منها قبل العدة وإن لم
تكن مستأجرة ولا زوجها مستأجرا. وذكر شمس
الأئمة الحلواني أن المنزل إذا كان بإجارة
ينظر إن كانت مشاهرة فلها التحول وإن كانت
إجارة إلى مدة طويلة فليس لها التحول كذا في
"الظهيرية". واستفيد أيضا أن المطلق لو طلب من
القاضي أن يسكنها بجواره لا يجيبه إلى ذلك
وإنما تعتد في مسكن كانت تسكنه قبل المفارقة
كذا في "الظهيرية".
وأطلق في الإخراج فشمل ما إذا أخرجها المطلق
ظلما وتعديا وما إذا أخرجها صاحب الدار لعدم
قدرتهما على الكراء ووجدت منزلا بغير كراء وما
إذا أخرجها الوارث وكان نصيبها من البيت لا
يكفيها وفي "المجتبى" كان نصيبها من دار الميت
لا يكفيها اشترت من الأجانب وأولاده الكبار،
وكذا في الطلاق البائن ا ه.
وظاهره وجوب الشراء عليها إن كانت قادرة ويقال
يجب الكراء والشراء إن أمكن وحكم ما انتقلت
إليه حكم المسكن الأصلي فلا تخرج منه على ما
أسلفناه وتعيين المنزل الثاني للزوج في معتدة
الطلاق ولها في الوفاة كما في "فتح القدير": ،
وكذا إذا كان زوجها غائبا وطلقها فالتعيين لها
كذا في "المعراج" وفي "المعراج" أيضا عين
انتقالها إلى أقرب المواضع مما انهدم في
الوفاة وإلى حيث شاءت في الطلاق والمراد
بالانهدام خوفه كما في "الظهيرية" فلها الخروج
إذا خافت الانهدام عليها والمراد إذا خافت على
نفسها أو متاعها من اللصوص فلها التحول
للضرورة وليس المراد حصر الأعذار فيما ذكر
فمنها ما في "الظهيرية" لو لم يكن معها أحد في
البيت وهي تخاف بالليل بالقلب من أمر الميت
والموت إن كان الخوف شديدا كان لها التحول وإن
لم يكن شديدا فليس لها التحول كذا في
"الظهيرية".
وفي "القنية": خرجت المعتدة لإصلاح ما لا بد
لها كالزراعة وطلب النفقة وإخراج الكرم ولا
وكيل لها فلها ذلك ا ه. ومنها طلقها بالبادية
وهي معه في محفة1 أو خيمة والزوج ينتقل من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بكسر الميم مركب من مراكب النساء كالهودج ا
ه المصباح.
ج / 4 ص -239-
بانت، أو مات عنها في سفر، وبينها وبين مصرها
أقل من ثلاثة أيام رجعت إليه، ولو ثلاثة أيام
رجعت إليه، ولو ثلاثة أيام رجعت، أو مضت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضع إلى آخر للكلأ والماء، فإن كان يدخل
عليها ضرر بين في نفسها ومالها بتركها في ذلك
الموضع فله أن يتحول بها وإلا فلا كذا في
"الظهيرية" أيضا وليس منها سفرها للحج أو
للعمرة فلا تخرج المعتدة لسفر حج أو عمرة كذا
في "المعراج" وليس للزوج المسافرة بالمعتدة،
ولو عن رجعي وقدمناه في بابها ولم يبين المصنف
حكم إقامته معها في منزل الطلاق.
قال في "المجتبى" وإذا وجب الاعتداد في منزل
الزوج فلا بأس بأن يسكنا في بيت واحد إذا كان
عدلا سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا أو ثلاثا
والأفضل أن يحال بينهما في البيتوتة بستر إلا
أن يكون الزوج فاسقا فيحال بامرأة ثقة تقدر
على الحيلولة بينهما وإن تعذر فلتخرج هي وتعتد
في منزل آخر، وكذا لو ضاق البيت وإن خرج هو
كان أولى ولهما أن يسكنا بعد الثلاث في بيت
إذا لم يلتقيا التقاء الأزواج ولم يكن فيه خوف
فتنة ا ه.
وهكذا صرح في "الهداية" بأن خروجه أولى من
خروجها عند العذر ولعل المراد أنه أرجح فيجب
الحكم به كما يقال إذا تعارض محرم ومبيح ترجح
المحرم أو فالمحرم أولى ويراد ما قلنا في هذا؛
لأنهم عللوا أولوية خروجه بأن مكثها واجب لا
مكثه كذا في "فتح القدير".
وقد استفيد من كلامهم أن الحائل يمنع الخلوة
المحرمة قال في "الظهيرية": يجعل بينهما حجاب
حتى لا يكون بينه وبين امرأة أجنبية خلوة
وإنما اكتفي بالحائل؛ لأن الزوج معترف بالحرمة
ا ه. فيمكن أن يقال في الأجنبية كذلك وإن لم
تكن معتدته إلا أن يوجد نقل بخلافه، وكذا حكم
السترة إذا مات زوجها وله أولاد كبار أجانب
كما في "المعراج"، وأما نفقة هذه المرأة
الحائلة بينهما فقال في تلخيص "الجامع" الكبير
للصدر الشهيد من باب ما يوضع عند العدل شهدا
أو واحد عدل أنه طلقها ثلاثا وقد دخل يمنع من
الخلوة بها مدة المسألة بأمينة نفقتها في بيت
المال؛ لأنه يعتقد الحل والعدل كغيره وبخلاف
المعتدة، فإن طلبت النفقة تفرض نفقة العدة
مدتها؛ لأنها زوجة أو معتدة بخلاف ما قبل
الدخول ا ه. وتمام مسائل الحيلولة في كتاب
القضاء من "البزازية": وغيرها.
"قوله بانت أو مات عنها في سفر وبينها وبين
مصرها أقل من ثلاثة أيام رجعت إليه"
أي إلى مصرها مطلقا سواء كانت في المصر أو
غيره هذا إذا كان المقصد ثلاثة أيام أما إذا
كان المقصد أقل فهي مخيرة.
"قوله: ولو ثلاثة أيام رجعت أو مضت"
أي: لو كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام خيرت
إذا
ج / 4 ص -240-
كان المقصد كذلك وهي في المفازة ولكن الرجوع أولى أما إذا كان
المقصد أقل من ثلاثة أيام تختار الأدنى.
"قوله معها ولي أو لا" متعلق
بالصورتين.
"قوله: ولو كانت في مصر تعتد ثمة فتخرج
بمحرم" فلا تخرج قبل انقضائها
مطلقا سواء كان لها محرم أو لا قيد بالبائن؛
لأن المطلقة رجعيا تابعة للزوج ولا تفارقه.
وحاصل الوجوه كما في "فتح القدير": إما أن
يكون بينها وبين مصرها ومقصدها أقل من السفر
فتتخير والأولى الرجوع على ما في "الكافي"
وعلى ما في "النهاية" وغيرها يتعين الرجوع وإن
كان أحدهما سفرا والآخر دونه فتختار ما دونه،
فإن كان كل منهما سفرا فلا يخلو إما أن يكون
في مفازة أو مصر، فإن كانت في مفازة تخيرت
والأولى الرجوع وإن كانت في مصر لم تخرج بغير
محرم، وفي "البدائع" لو كانت الجهتان مدة سفر
فمضت أو رجعت وبلغت أدنى المواضع التي تصلح
للإقامة أقامت فيه واعتدت إن لم تجد محرما بلا
خلاف، وكذا إن وجدت عند أبي حنيفة ومثله في
"المحيط": والله أعلم بالصواب
13- باب ثبوت النسب
ومن قال: إن نكحتها فهي طالق، فولدت لستة
أشهر منذ نكحها لزمه نسبه، ومهرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
13- باب ثبوت
النسب.
لما كان من آثار الحمل
ذكره عقيب العدة.
"قوله ومن قال إن نكحتها فهي طالق فولدت لستة
أشهر منذ نكحها لزمه نسبه ومهرها"
أما النسب فلأنها فراشه؛ لأنها لما جاءت
بالولد لستة أشهر من وقت النكاح فقد جاءت به
لأقل منها من وقت الطلاق فكان العلوق قبله في
حالة النكاح والتصور ثابت بأن تزوجها وهو
مخالطها فوافق الإنزال النكاح والنسب مما
يحتاط في إثباته والتزوج في هذه الحالة إما
بتكلمهما وسماع الشهود أو بأنهما وكلا في
التزويج فزوجهما الوكيل وهما في هذه الحالة
والثاني أحسن كما لا يخفى ولقائل أن يقول إن
الحمل على ما إذا تزوجها وهو مخالط لها حمل
المسلم على الحرام وهو لا يجوز ولذا فر بعض
المشايخ عن إثبات هذا التصور، وقال لا حاجة
إلى هذا التكلف بل قيام الفراش كاف ولا يعتبر
إمكان الدخول؛ لأن النكاح قائم مقامه كما في
تزوج المشرقي بمغربية
ج / 4 ص -241-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبينهما مسيرة سنة فجاءت بولد لستة أشهر من
يوم تزوجها لكن في "فتح القدير": والحق أن
التصور شرط ولذا لو جاءت امرأة الصبي بولد لا
يثبت نسبه والتصوير ثابت في "المغرب"ية لثبوت
كرامات الأولياء والاستخدامات فيكون صاحب خطوة
أو جني ا ه.
ولم يجب عما ذكرناه قيد بأن تلده لستة أشهر من
غير زيادة ولا نقصان؛ لأنها لو ولدته لأقل
منها لم يثبت نسبه؛ لأن العلوق حينئذ من زوج
قبل النكاح، ولو ولدته لأكثر منها لم يثبت
أيضا لاحتمال حدوثه بعد الطلاق وقد حكمنا به
حيث حكمنا بعدم وجوب العدة لكونه قبل الدخول
والخلوة ولم يتبين بطلان هذا الحكم وتعقبه في
"فتح القدير": بأن نفيهم النسب هنا في مدة
يتصور أن يكون منه وهو سنتان ينافي الاحتياط
في إثباته والاحتمال المذكور في غاية البعد
فإن العادة المستمرة كون الحمل أكثر من ستة
أشهر وربما يمضي دهور لم تسمع فيها الولادة
لستة أشهر فكان الظاهر عدم حدوثه وحدوثه
احتمال فأي احتياط في إثبات النسب إذا نفيناه
لاحتمال ضعيف يقتضي نفيه وتركنا ظاهرا يقتضي
ثبوته وليت شعري أي الاحتمالين أبعد الاحتمال
الذي فرضوه لتصور العلوق منه ليثبتوا النسب
وهو كونه تزوجها وهو يطؤها وسمع كلامهما الناس
وهما على تلك الحالة ثم وافق الإنزال العقد أو
احتمال كون الحمل إذا زاد على ستة أشهر بيوم
يكون من غيره ا ه.
وأما المهر فلأنه لما ثبت النسب منه جعل واطئا
حكما فتأكد المهر به وقال أبو يوسف في الإملاء
القياس أنه يجب مهر ونصف بالوطء بعد وقوع
الطلاق وقبله والجواب أنا إذا قدرنا أنه
تزوجها حالة المواقعة لم تكن المواقعة بعد
الطلاق فلا يلزمه إلا مهر واحد ذكره ابن
بندار1 في "شرح الجامع الصغير" وبه اندفع ما
قيل لا يلزم من ثبوت النسب منه وطؤه؛ لأن
الحمل قد يكون بإدخال الماء الفرج بدون جماع
مع أنه نادر والوجه الظاهر هو المعتاد.
وفي "فتح القدير": واعلم أنه إذا كان الأصح
في ثبوت هذا النسب إمكان الدخول وتصوره ليس
إلا بما ذكر من تزويجها حال وطئها المبتدأ به
قبل التزوج وقد حكم فيه بمهر واحد في صريح
الرواية يلزم كون ما ذكر مطلقا ومنسوبا
وقدمناه في باب المهر من أنه لو تزوجها في حال
ما يطؤها كان عليه مهران مهر بالزنا لسقوط
الحد بالتزوج قبل تمامه ومهر بالنكاح؛ لأن هذا
أكثر من الخلوة مشكلا لمخالفته لصريح المذهب
وأيضا الفعل واحد وقد اتصف بشبهة الحل فيجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو لأبي القاسم علي بن بندار الرازي الحنفي
المتوفى سنة أربع وسبعين وأربعمائة ه. شرح فيه
الجامع الصغير في فروع الحنفية للإمام محمد بن
الحسن الشيباني، ا ه. كشف الظنون "1/562".
ج / 4 ص -242-
ويثبت نسب ولد معتدة الرجعي، وإن ولدته، لأكثر
من سنتين ما لم تقر بمضي العدة، وكانت رجعة في
الأكثر منهما، لا في الأقل منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مهر واحد بخلاف ما لو قال إن تزوجتها فهي طالق
ونسي فتزوجها ووطئها حيث يجب مهر ونصف؛ لأن
الطلاق قبل الوطء أما هنا الطلاق مع الوطء
الحلال في فعل متحد فصار الفعل كله له شبهة
الحل وقد وجب المهر فلا يجب مهر آخر ا ه.
وقد دل كلام المصنف على مسألتين إحداهما أن من
طلق امرأته قبل الدخول بها فجاءت بولد لأقل من
ستة أشهر منذ طلقها أنه يلزمه لتيقننا بالعلوق
حال قيام النكاح وإن جاءت به لستة أشهر أو
أكثر لا يلزمه لعدم التيقن بذلك ويستوي في هذا
الحكم ذوات الأقراء وذوات الأشهر.
ثانيهما: أن من تزوج امرأة فولدت لأقل من ستة
أشهر من وقت النكاح لا يثبت نسبه وستأتي
صريحة1، وذكر في "النهاية" أنه لا يكون محصنا
بالوطء في مسألة الكتاب.
"قوله ويثبت نسب ولد معتدة الرجعي وإن ولدته
لأكثر من سنتين ما لم تقر بمضي العدة وكانت
رجعة في الأكثر منهما لا في الأقل منهما"
أي: من السنتين لاحتمال العلوق في حالة العدة
لجواز أنها تكون ممتدة الطهر، فإن جاءت به
لأقل من سنتين بانت من زوجها لانقضاء العدة
وثبت نسبه لوجود العلوق في النكاح أو في العدة
ولا يصير مراجعا؛ لأنه يحتمل العلوق قبل
الطلاق ويحتمل بعده فلا يصير مراجعا بالشك وإن
جاءت به لأكثر من سنتين كانت رجعة؛ لأن العلوق
بعد الطلاق والظاهر أنه منه لانتفاء الزنا
منها فيصير بالوطء مراجعا.
والأصل أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها
سنتان ففي كل موضع يباح الوطء فيه فهي مقدرة
بالأقل وهو أقرب الأوقات إلا أن يلزم إثبات
رجعة بالشك أو إيقاع طلاق بالشك أو استحقاق
مال بالشك فحينئذ يستند العلوق إلى أبعد
الأوقات وهو ما قبل الطلاق؛ لأن هذه الأشياء
لا تثبت بالشك. وفي كل موضع لا يباح الوطء فيه
فمدة الحمل سنتان ويكون العلوق مستندا إلى
أبعد الأوقات للحاجة إلى إثبات النسب وأمره
مبني على الاحتياط كذا في "غاية البيان".
أطلق في الأكثر منهما فشمل عشرين سنة أو أكثر
وقيد بعدم إقرارها؛ لأنها لو أقرت بانقضائها
والمدة محتملة بأن يكون ستين يوما على قول أبي
حنيفة وتسعة وثلاثين يوما على قولهما ثم جاءت
بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من
ستة أشهر من وقت الإقرار فإنه يثبت نسبه
للتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار فيظهر كذبها
وإنما نفى الأقل بقوله لا في الأقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "247".
ج / 4 ص -243-
والبيت لأقل منهما وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منهما مع فهمه من التقييد بالأكثر لبيان أن
حكم السنتين حكم الأكثر ولذا قال في
"الاختيار" وإذا جاءت به لسنتين أو أكثر كان
رجعة ا ه.
وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة بالحيض أو
بالأشهر ليأسها ولا فرق بينهما كما في
"البدائع" إلا إذا أقرت بانقضائها بالأشهر
لإياسها مفسرا بثلاثة أشهر فإنه يثبت نسب
ولدها إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت
الطلاق بائنا كان أو رجعيا؛ لأنها لما ولدت
تبين أنها لم تكن آيسة فتبين أن عدتها لم تكن
بالأشهر فلم يصح إقرارها بانقضاء عدتها
بالأشهر فصار كأنها لم تقر أصلا.
"قوله والبت لأقل منهما" أي:
ويثبت نسب ولد معتدة الطلاق البائن إذا ولدته
لأقل من سنتين من وقت الطلاق؛ لأنه يحتمل أن
يكون الولد قائما وقت الطلاق فلا يتيقن بزوال
الفراش فيثبت النسب احتياطا.
"قوله وإلا لا" صادق بصورتين
بما إذا أتت به لسنتين فقط وبما إذا أتت به
لأكثر منهما واقتصر الشارح على الثاني وصرح في
"المجتبى" والنقاية بأن حكم السنتين كالأكثر
وهو ظاهر المختصر أما إذا أتت به لأكثر منهما
فظاهر؛ لأن الحمل حادث بعد الطلاق فلا يكون
منه لحرمة وطئها في العدة بخلاف الرجعي. وأما
إذا أتت به لتمام السنتين فمشكل فإنهم اتفقوا
على أن أكثر مدة الحمل سنتان وألحقوا السنتين
بالأقل منهما حتى أنهم أثبتوا النسب إذا جاءت
به لتمام سنتين وجوابه بالفرق فإن في مسألة
البيتوتة إذا جاءت به لسنتين من وقت الطلاق لو
أثبتنا النسب منه للزم أن يكون العلوق سابقا
على الطلاق حتى يحل الوطء فحينئذ يلزم كون
الولد في بطن أمه أكثر من سنتين، وفي الحديث
"لا يمكث الولد أكثر من سنتين في بطن أمه"1 بخلاف غير المبتوتة لحل الوطء بعد الطلاق ولم يذكر المصنف في
مسألة المبتوتة القيد الذي ذكره في الرجعية
وهو عدم الإقرار بانقضاء عدتها مع أنه قيد
فيهما كما صرح به في "البدائع".
وقوله وإلا لا مقيد بما إذا لم تلد ولدا قبله
لأقل من سنتين وبينهما أقل من ستة أشهر حتى لو
ولدت توأمين أحدهما لأقل من سنتين والآخر
لأكثر منهما ثبت نسبهما منه عند أبي حنيفة
وأبي يوسف كالجارية إذا ولدت ولدين بعد بيعها
ثم ادعى البائع الأول ثبت نسبهما منه؛ لأنهما
خلقا من ماء واحد وقال محمد لا يثبت نسبهما؛
لأن الثاني من علوق حادث فمن ضرورته أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارقطني موقوفا على السيدة عائشة
رضي الله عنها بلفظ "لا يكون الحمل أكثر من
سنتين" في كتاب النكاح، باب المهر "3/322".
وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/264".
ج / 4 ص -244-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكون الأول كذلك بخلاف مسألة الجارية؛ لأنه
يحتمل أن يكون الأول علق به وهو في ملكه لعدم
الاستحالة حتى لو ولدت أحدهما لأقل من سنتين
والآخر لأكثر ينبغي أن يكون الحكم كذلك أو
نقول يمكن أن يفرق بينهما بأن البائع التزمه
قصدا بالدعوة والزوج لم يدع حتى لو ادعى الزوج
الأول كان مثله، ولو خرج بعضه لأقل من سنتين
وباقيه لأكثر من سنتين لا يلزمه حتى يكون
الخارج لأقل من سنتين نصف بدنه أو يخرج من قبل
الرجلين أكثر البدن لأقل والباقي لأكثر ذكره
محمد ولم يذكر المصنف رحمه الله أن عدتها
انقضت بوضع الحمل أو قبله قالوا فيما إذا
ولدته لأكثر يحكم بانقضاء عدتها قبل ولادتها
بستة أشهر عند أبي حنيفة ومحمد فيجب أن ترد
نفقة ستة أشهر حملا على أنه من غيره بنكاح
صحيح وأقل مدة الحمل ستة أشهر فقد أخذت مالا
لا تستحقه في هذه الستة أشهر فترده. وقال أبو
يوسف لا تنقضي إلا بوضع الحمل بدليل جواز عدم
تزوجها بالغير قبل وضعه فيحمل على الوطء
بشبهة.
وذكر القاضي الإسبيجابي وكذلك إذا طلق الرجل
امرأته في حال المرض فامتد مرضه إلى سنتين
وامتدت عدتها إلى سنتين ثم مات ثم ولدت المرأة
بعد الموت بشهر وقد كان أعطاها النفقة إلى وقت
الوفاة فإنها لا ترثه ويسترد منها نفقة خمسة
أشهر عند أبي حنيفة ومحمد قاله وقال أبو يوسف
ترث ولا يسترد منها شيئا ا ه.
وأطلق في البت فشمل الواحدة والثلاث كما في
"البدائع" وشمل الحرة والأمة لكن بشرط أن لا
يملكها بعد الطلاق فلو تزوج أمة ثم دخل بها ثم
طلقها واحدة ثم ملكها يلزمه ولدها إن جاءت به
لأقل من ستة أشهر من يوم الملك ولا يلزمه إذا
جاءت به لستة أشهر فصاعدا كما سيأتي في آخر
الباب1 مفصلا.
واعلم أن ثبوت النسب فيما ذكر من ولد المطلقة
الرجعية والبائنة مقيد بما سيأتي من الشهادة
بالولادة أو اعتراف من الزوج بالحبل أو حبل
ظاهر، وفي "الخانية": المعتدة عن طلاق بائن
إذا تزوجت بزوج آخر في العدة وولدت بعد ذلك إن
ولدت لأقل من سنتين من وقت طلاق الأول ولأقل
من ستة أشهر من وقت نكاح الثاني كان الولد
للأول وإن ولدت لأكثر من سنتين من وقت طلاق
الأول لا يلزم الأول ثم ينظر إن ولدت لستة
أشهر من وقت نكاح الثاني فالولد للثاني وإلا
فلا ا ه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "247".
ج / 4 ص -245-
إلا أن
يدعيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبه علم أن ما في المختصر شامل لما إذا تزوجت
المبتوتة في العدة أو لم تتزوج ولم يبين في
"الخانية": فيما إذا أتت به لأقل من وقت طلاق
الأول ولستة أشهر من وقت نكاح الثاني، وفي
"البدائع". أنه للثاني والنكاح جائز؛ لأن
إقدامها على التزوج دليل انقضاء عدتها من
الأول وكذلك إذا أتت به للأكثر من وقت الطلاق
ولأقل من ستة أشهر من وقت النكاح ولم يثبت من
الأول ولا من الثاني فإن النكاح صحيح عندهما
خلافا لأبي يوسف بناء على تزوج الحامل من
الزنا هذا إذا لم يعلم أنها كانت معتدة وقت
النكاح، فإن علم وقع الثاني فاسدا، فإن جاءت
بولد فإن النسب يثبت من الأول إن أمكن إثباته
منه بأن جاءت به لأقل من سنتين منذ طلقها
الأول أو مات ولستة أشهر فأكثر منذ تزوجها
الثاني، فإن جاءت به لأكثر من سنتين من وقت
الطلاق ولستة أشهر من وقت التزوج فهو للثاني
كذا في "البدائع".
"قوله إلا أن يدعيه" استثناء
من النفي يعني إذا جاءت به المبتوتة لأكثر
وادعاء الزوج يثبت نسبه منه؛ لأنه التزمه وله
وجه بأن وطئها بشبهة في العدة كذا في
"الهداية" وغيرها وتعقبه في التبيين بأن
المبتوتة بالثلاث إذا وطئها الزوج بشبهة كانت
شبهة في الفعل وفيها لا يثبت النسب وإن ادعاه
نص عليه في كتاب الحدود فكيف أثبت به النسب
هنا ا ه.
وجوابه تسليم أن شبهة الفعل لا يثبت النسب
فيها وإن ادعاه إذا كانت متمحضة وإلا فلا كما
في المطلقة ثلاثا أو على مال فإنه لا يثبت
النسب فيهما بالدعوة؛ لأن الشبهة فيهما لم
تتمحض للفعل بل هي شبهة عقد أيضا فلا يكون بين
النصين تناقض، وهذا أولى من حمل بعضهم المذكور
هنا على المبانة بالكنايات فإن الشبهة فيها
شبهة المحل، وأما المطلقة ثلاثا أو على مال
فلا يثبت فيها النسب بالدعوة؛ لأن المنصوص
عليه هنا أعم من المبتوتة بالكنايات أو
بالثلاث أو على مال.
وقد صرح ابن الملك في شرح "المجمع" أن من وطئ
امرأة أجنبية زفت إليه وقيل له إنها امرأتك
فهي شبهة في الفعل وأن النسب يثبت إذا ادعاه
فعلم أنه ليس كل شبهة في الفعل تمنع دعوى
النسب.
وأطلق في المختصر فأفاد أنه لا يشترط تصديق
المرأة وفيه روايتان كما في "البدائع" والأوجه
أنه لا يشترط؛ لأنه ممكن منه وقد ادعاه ولا
معارض ولذا لم يشترطه السرخسي والبيهقي فدل
على ضعف رواية الاشتراط وغرابتها كغرابة ما
نقله في "المجتبى" أن توقف ثبوت النسب فيما
إذا جاءت به للأكثر على الدعوى إنما هو قول
أبي يوسف، وأما عندهما فيثبت النسب بلا دعوة
لاحتمال الوطء بشبهة في العدة ا ه.
ج / 4 ص -246-
والمراهقة لأقل من تسعة أشهر، وإلا لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "البدائع": وكل جواب عرفته في المعتدة عن
طلاق فهو الجواب في المعتدة من غير طلاق من
أسباب الفرقة ا ه.
"قوله والمراهقة لأقل من تسعة أشهر وإلا لا"
أي: ويثبت نسب ولد المطلقة المراهقة إذا أتت
به لأقل من تسعة أشهر وقد كان دخل بها ولم تقر
بانقضاء عدتها ولم تدع حبلا وإن جاءت به لتسعة
أشهر فأكثر لا يثبت، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد
سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا كما أطلقه
المصنف، وقال أبو يوسف: يثبت النسب إلى سنتين
في الطلاق البائن كالكبيرة وإلى سبعة وعشرين
شهرا في الطلاق الرجعي؛ لأنه يجعل واطئا في
آخر العدة وهي الثلاثة الأشهر ثم تأتي به
لأكثر مدة الحمل وهي سنتان ولهما أن لانقضاء
عدة الصغيرة جهة متعينة وهي الأشهر فبمضيها
يحكم الشرع بالانقضاء وهو في الدلالة فوق
إقرارها؛ لأنه لا يحتمل الخلاف والإقرار
يحتمله، فإذا ولدت قبل مضي تسعة أشهر من وقت
الطلاق تبين أن الحمل كان قبل انقضاء العدة
وإن ولدته لتسعة أشهر فأكثر فهو حمل حادث بعد
انقضاء عدتها بالأشهر وقد وقع في "البدائع"
هذا غلط فاجتنبه فإنه قال: إذا لم تقر
بانقضاء عدتها، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر
من وقت الطلاق يثبت النسب وإن جاءت به لستة
أشهر أو لأكثر لا يثبت وصوابه إبدال الستة
بالتسعة كما في المختصر أو إبدال قوله من وقت
الطلاق بقوله من وقت انقضاء العدة بالأشهر
الثلاثة والعبارتان سواء.
قيد المصنف بكونها مطلقة؛ لأنها لو مات عنها
زوجها ولم تقر بالحبل ولا بانقضاء العدة
فعندهما إن ولدت لأقل من عشرة أشهر وعشرة أيام
يثبت النسب؛ لأنه تبين أنه كان موجودا قبل مضي
عدة الوفاة وإلا لم يثبت؛ لأنه حادث بعد مضيها
وعند أبي يوسف يثبت إلى سنتين كالكبيرة. وإن
أقرت بانقضاء العدة بعد أربعة أشهر وعشر ثم
ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يثبت النسب منه.
وقيدنا بكونه دخل بها؛ لأنه لو لم يدخل بها
وجاءت بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت
الطلاق يثبت نسبه وإن جاءت به لأكثر منها لا
يثبت لحصول العلوق وهي أجنبية كما في "غاية
البيان".
وقيدنا بكونها لم تقر بانقضائها؛ لأنها لو
أقرت به بعد ثلاثة أشهر ولم تدع حبلا ثم جاءت
بولد، فإن كان لأقل من ستة أشهر من وقت
الإقرار يثبت النسب وإن جاءت به لستة أشهر أو
أكثر لم يثبت النسب لانقضاء العدة ومجيء الولد
لمدة حبل تام بعده.
ج / 4 ص -247-
وقيد، والموت لأقل منهما والمقرة بمضيها، لأقل
من ستة أشهر من وقت الإقرار وإلاّ، لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نا بكونها لم تدع حبلا؛ لأنها لو أقرت بالحبل
فهو إقرار منها بالبلوغ فيقبل قولها فصارت
كالكبيرة في حق ثبوت نسبه من حيث إنها لا
يقتصر انقضاء عدتها على أقل من تسعة، فإن كان
الطلاق بائنا يثبت نسب ولدها لأقل من سنتين
وإن كان رجعيا يثبت نسبه إذا أتت به لأقل من
سبعة وعشرين شهرا كما في "غاية البيان" لا
مطلقا فإن الكبيرة يثبت نسب ولدها في الطلاق
الرجعي لأكثر من سنتين وإن طال إلى سن الإياس
لجواز امتداد طهرها ووطئه إياها في آخر الطهر
وتعبير المصنف بالمراهقة أولى من تعبير كثير
بالصغيرة؛ لأن المراهقة هي التي تلد لا ما
دونها ومن تعبير "الهداية" بالصغيرة التي
يجامع مثلها كما لا يخفى.
"قوله والموت لأقل منهما"
معطوف على الرجعي أي: ويثبت نسب ولد معتدة
الموت إذا جاءت به لأقل من سنتين من وقت الموت
وقال زفر إذا جاءت به بعد انقضاء عدة الوفاة
لستة أشهر لا يثبت النسب؛ لأن الشرع حكم
بانقضاء عدتها بالشهور لتعين الجهة فصار كما
إذا أقرت بالانقضاء كما بينا في الصغيرة إلا
أنا نقول لانقضاء عدتها جهة أخرى وهو وضع
الحمل بخلاف الصغيرة؛ لأن الأصل فيها عدم
الحمل؛ لأنها ليست بمحل له قبل البلوغ وفيه شك
أطلق في معتدة الموت وهو مقيد بالكبيرة، وأما
الصغيرة فقدمنا حكمها ومقيد بما إذا لم تقر
بانقضاء عدتها وأما إذا أقرت فهي داخلة في
عموم المسألة الآتية عقيب هذه وشمل كلامه
المدخول بها وغيرها كما في "البدائع" وشمل ما
إذا كانت من ذوات الأقراء أو من ذوات الأشهر
لكن قيده في "البدائع" بأن تكون من ذوات
الأقراء. قال: وأما إذا كانت من ذوات الأشهر،
فإن كانت آيسة أو صغيرة فحكمها في الوفاة ما
هو حكمها في الطلاق وقد ذكرناه ا ه.
وقيد بالأقل؛ لأنها لو جاءت بولد لأكثر من
سنتين من وقت الموت لا يثبت نسبه كذا في
"البدائع" ولم أر من صرح بالسنتين وينبغي أن
يكون كالأكثر كما تقدم في نظيره.
"قوله والمقرة بمضيها لأقل من ستة أشهر من وقت
الإقرار وإلا لا" أي: ويثبت
نسب ولد المعتدة المقرة بمضيها إذا جاءت
بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار؛ لأنه
ظهر كذبها بيقين فيبطل الإقرار، ولو جاءت به
لستة أشهر أو أكثر من وقت الإقرار لم يثبت؛
لأنا لم نعلم بطلان الإقرار لاحتمال الحدوث
بعده وهو المراد بقوله وإلا لا.
وذكر في التبيين أن هذا إذا جاءت به لأقل من
سنتين من وقت الفراق بالموت أو بالطلاق وإن
جاءت به لأكثر منهما لا يثبت وإن كان لأقل من
ستة أشهر من وقت الإقرار كما إذا أقرت بعدما
مضى من عدتها سنتان إلا شهرين فجاءت بولد بعد
ثلاثة أشهر من وقت الإقرار لم يثبت نسبه منه؛
لأن شرط ثبوته أن يكون لأقل من سنتين من وقت
الفراق بالموت أو بالطلاق
ج / 4 ص -248-
والمعتدة إن جحدت، ولادتها بشهادة رجلين، أو
رجل، وامرأتين، أو حبل ظاهر، أو إقرار به، أو
تصديق الورثة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعده لا يثبت وإن لم تقر بالانقضاء فمع
الإقرار أولى إلا إذا كان الطلاق رجعيا فحينئذ
يثبت ويكون مراجعا على ما بينا من قبل. بقي
فيه إشكال وهو ما إذا أقرت بانقضاء عدتها ثم
جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار
ولأقل من سنتين من وقت الفراق ينبغي أن لا
يثبت نسبه إذا كانت المدة تحتمل ذلك بأن أقرت
بعد ما مضى سنة مثلا ثم جاءت بولد لأقل من ستة
أشهر من وقت الإقرار؛ لأنه يحتمل أن عدتها
انقضت في شهرين أو ثلاثة أشهر ثم أقرت بعد ذلك
بزمان طويل ولا يلزم من إقرارها بانقضاء العدة
أن تنقضي في ذلك الوقت فلم يظهر كذبها بيقين
إلا إذا قالت انقضت عدتي الساعة ثم جاءت بولد
لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت ا ه. وهذا
الإشكال ظاهر ويجب أن يكون كلامهم محمولا على
ما إذا أقرت بالانقضاء الساعة كما يفهم من
"غاية البيان".
أطلق المعتدة فشمل المعتدة عن طلاق بنوعيه وعن
وفاة كما في "الهداية" لكن في "الخانية":
والآيسة تعتد بالأشهر، فإذا ولدت ثبت نسب
ولدها في الطلاق إلى سنتين أقرت بانقضاء العدة
أو لم تقر ا ه. وقدمناه عن "البدائع" فارجع
إليه.
"قوله والمعتدة إن جحدت ولادتها بشهادة رجلين
أو رجل وامرأتين أو حبل ظاهر أو إقرار به أو
تصديق الورثة" أي: ويثبت نسب
ولد المعتدة إن جحدت ولادتها بأحد أمور أربعة
فلا يثبت بشهادة امرأة واحدة عند أبي حنيفة
خلافا لهما؛ لأن الفراش قائم بقيام العدة وهو
ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد فيه
فيتعين بشهادتها وله أن العدة تنقضي بإقرارها
بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى
إثبات النسب ابتداء فيشترط كمال الحجة وإنما
اكتفي بظهور الحبل أو الاعتراف به؛ لأن النسب
ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت بشهادتها
وإنما اكتفي بتصديق الورثة إذا كانت معتدة عن
وفاة فصدقها الورثة في الولادة ولم يشهد أحد
عليها في قولهم جميعا؛ لأن الإرث خالص حقهم
فيقبل فيه تصديقهم. وأما في النسب فظاهر
المختصر أنه يثبت في حق غيرهم أيضا؛ لأن
الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم ولذا
كان الأصح أنه لا يشترط في تصديقهم لفظ
الشهادة في مجلس الحكم ولذا عبر في المختصر
بلفظ التصديق دون الشهادة؛ لأن ما ثبت تبعا لا
تراعى فيه الشرائط وقيل يشترط ليتعدى إلى غير
المصدق وقيد بأن يكون المصدق جمعا من الورثة؛
لأن المصدق لو كان رجلا أو امرأة لم يشارك
جميع الورثة ولو صدقها رجل وامرأتان منهم شارك
المصدقين والمكذبين فكان ذلك كشهادة غيرهم إلا
أنهم لم يعتبروا لفظ الشهادة والخصومة بين يدي
القاضي؛ لأنه يشبه الإقرار؛ لأنه يشاركهم
بإقرارهم
ج / 4 ص -249-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمن حيث إنه يشبه الشهادة اعتبر العدد ومن حيث
إنه يشبه الإقرار ما اعتبرنا الخصومة وإتيان
لفظ الشهادة توفيرا على الشبهين حظهما كذا في
شرح "الجامع" الصغير لابن بندار.
وحاصله: أنه يشترط أحد شرطي الشهادة في
تصديقهم وهو العدد نظرا إلى أنه شهادة ولم
يشترط لفظ الشهادة وينبغي أن لا تشترط العدالة
أيضا وعلى هذا لو قال المصنف وتصديق ورثة
بالتنكير لكان أولى؛ لأن الألف واللام أبطلت
معنى الجمعية كما في قوله لا أشتري العبيد ولا
أتزوج النساء.
لكن ذكر في "البدائع" أن العدد إنما اشترطه من
جعلها شهادة كما اشترط لفظها ومن جعل التصديق
إقرارا فلم يشترط لفظها ولم يشترط العدد أيضا.
وعبارة "فتاوى قاضيخان" امرأة ولدت بعد موت
زوجها ما بينها وبين سنتين إن صدقها الورثة في
الولادة يثبت نسب الولد من الميت في حق من
صدقها وهل يثبت النسب في حق غيرهم إن كان يتم
نصاب الشهادة بهم يثبت واختلفوا في اشتراط لفظ
الشهادة ا ه.
وظاهره أن العدد لا بد منه ليتعدى في حق الكل.
عند الكل.
وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة عن طلاق رجعي
أو بائن والمعتدة عن وفاة كما صرح به في "غاية
البيان" معزيا إلى فخر الإسلام وقيدها الإمام
السرخسي بالطلاق البائن والحق التفصيل في
المعتدة عن طلاق رجعي إن أتت به لأقل من سنتين
فكالمعتدة عن طلاق بائن لانقضاء فراشها
بالولادة وإن أتت به لأكثر من سنتين يثبت نسب
ولدها بشهادة القابلة من غير زيادة شيء اتفاقا
كما في المنكوحة؛ لأن الفراش ليس بمنتقض في
حقها؛ لأنها تكون رجعة كما قدمناه.
وصرح في "البدائع" بأنه لا فرق بين الرجعي
والبائن إلا أنه علل بما يخص الأول بقوله؛
لأنها بعد انقضاء العدة أجنبية في الفصلين
جميعا.
وقيد المصنف بقوله إن جحدت ولادتها؛ لأنه لو
اعترف بولادتها وأنكر تعيين الولد فإنه يثبت
تعيينه بشهادة القابلة إجماعا ولا يثبت نسب
الولد إلا بشهادتها إجماعا لاحتمال أن يكون هو
غير هذا المعين وظاهر كلام المصنف أنه لا
يحتاج إلى شهادة القابلة مع ظهور الحبل أو
اعتراف الزوج بالحبل وقد صرح به في "البدائع"
فقال: وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان
الحبل ظاهرا فالقول قولها في الولادة وإن لم
تشهد لها قابلة في قول أبي حنيفة وعندهما لا
تثبت الولادة بدون شهادة القابلة. وهكذا صرح
في الغاية وأنكر على صاحب ملتقى البحار في
اشتراطه
ج / 4 ص -250-
والمنكوحة لستة أشهر فصاعدا إن سكت وإن جحد،
فبشهادة امرأة على الولادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهادة القابلة لتعيين الولد عند أبي حنيفة
ورده في التبيين بأنه سهو فإن شهادة القابلة
لا بد منها لتعيين الولد إجماعا في جميع هذه
الصور وإنما الخلاف في ثبوت نفس الولادة، وأما
نسب الولد فلا يثبت بالإجماع إلا بشهادة
القابلة لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين.
وثمرة الاختلاف لا تظهر إلا في حق حكم آخر
كالطلاق والعتاق بأن علقهما بولادتها حتى يقع
عند أبي حنيفة بقولها ولدت؛ لأنها أمينة
لاعترافه بالحبل أو لظهوره فيقبل قولها
وعندهما لا يقع حتى تشهد قابلة ا ه.
وذكر ابن بندار أنه بعد الثبوت بقيت مؤتمنة
فكان القول قولها إلا أن القابلة جعلت شرطا
للعادة؛ لأنها لا تلد إلا بالقابلة وإني
أقول: إن القابلة شرط زوال التهمة كاليمين في
رد الوديعة واليمين في دعوى انقضاء العدة،
فإذا لم تشهد قابلة بقيت متهمة فلا يقبل قولها
فيه ا ه. كلامه وهو يصلح توفيقا لكلامهم فمن
نفى اشتراط شهادة القابلة أفاد أنها ليست شرطا
حقيقة لثبوت النسب ومن أثبته أراد به أنها شرط
لزوال التهمة عن نفسها وهو كلام حسن يجب قبوله
وأفاد بقوله شهادة رجلين قبول شهادة الرجال
على الولادة من الأجنبية وأنهم لا يفسقون
بالنظر إلى عورتها إما لكونه قد يتفق ذلك من
غير قصد نظر ولا تعمد أو لضرورة كما في شهود
الزنا ولا يخفى أنها إذا ولدت وجحد الزوج
ولادتها وادعت أن حبلها كان ظاهرا وأنكر ظهوره
فلا بد من إقامة البينة عليه إما رجلين أو رجل
وامرأتين فظهور الحبل عند الإنكار إنما يكون
بإقامة البينة؛ لأن الحبل وقت المنازعة لم يكن
موجودا حتى يكفي ظهوره؛ لأنها بعد الولادة ولم
أر من صرح به.
"قوله والمنكوحة لستة أشهر فصاعدا إن سكت وإن
جحد بشهادة امرأة على الولادة"
أي: يثبت نسب ولد المنكوحة حقيقة إذا جاءت به
لستة أشهر أو أكثر من وقت التزوج بأحد الشيئين
إما بالسكوت من غير اعتراف ولا نفي له وإما
بشهادة القابلة عند إنكار الولادة؛ لأن الفراش
قائم والمدة تامة فوجب القول بثبوته اعترف به
أو سكت أو أنكر حتى لو نفاه لا ينتفي إلا
باللعان.
وفي التحقيق شهادة القابلة لم يثبت بها النسب؛
لأنه ثابت بقيام الفراش وإنما يثبت بها تعيين
الولد، قيد بستة أشهر؛ لأنها لو ولدته لأقل
منها لم يثبت نسبه؛ لأن العلوق سابق على
النكاح فلا يكون منه ويفسد النكاح لاحتمال أنه
من زوج آخر بنكاح صحيح أو بشبهة وأفاد أنها لو
جاءت به لتمام ستة أشهر بلا زيادة أنها
كالأكثر قالوا لاحتمال أنه تزوجها واطئا لها
فوافق الإنزال النكاح. والنسب يحتاط في إثباته
ويرد عليه ما تقدم في المبتوتة حيث نفى نسب ما
أتت به لتمام سنتين مع تصحيحه بأنه طلقها حال
جماعها، وصادف الإنزال الطلاق.
ج / 4 ص -251-
فإن ولدت ثم اختلفا، فقالت: نكحتني منذ ستة
أشهر وادعى الأقل فالقول لها، وهو ابنه ولو
علق طلاقها بولادتها، وشهدت امرأة على الولادة
لم تطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأجيب عنه بأن ثبوت النسب هنا لحمل أمرها على
الصلاح؛ إذ لو لم يثبت هنا لزم كونه من زنا أو
من زوج فتزوجت به وهي في العدة، وأما عدم
الثبوت هناك للشك فلا يستلزم نسبة فساد إليها
لجواز كون عدتها قد انقضت وتزوجت بزوج آخر
فعلقت منه أطلق المصنف في المرأة هنا وقيدها
في الشهادات بالعدالة وقيدها في "المبسوط"
بالحرية والإسلام ولم يشترط العدالة والظاهر
الأول.
وفي "الولوالجية" رجل تزوج بامرأة فجاءت بسقط
قد استبان خلقه، فإن جاءت به لأربعة أشهر جاز
النكاح ويثبت النسب من الزوج الثاني وإن جاءت
به لأربعة أشهر إلا يوما لم يجز النكاح؛ لأن
في الوجه الأول الولد للزوج الثاني، وفي الوجه
الثاني من الزوج الأول؛ لأن خلقه لا يستبين
إلا في مائة وعشرين يوما فيكون أربعين يوما
نطفة وأربعين علقة وأربعين مضغة ا ه.
"قوله: فإن ولدت ثم اختلفا فقالت نكحتني منذ
ستة أشهر وادعى الأقل فالقول لها وهو ابنه"؛
لأن الظاهر شاهد لها فإنها تلد ظاهرا من نكاح
لا من سفاح ولا من زوج تزوجت بهذا الزوج في
عدته وهو مقدم على الظاهر الذي يشهد له وهو
إضافة الحادث وهو النكاح إلى أقرب الأوقات؛
لأنه إذا تعارض ظاهران في ثبوت نسب قدم المثبت
له لوجوب الاحتياط فيه حتى إنه يثبت بالإيماء
مع القدرة على النطق بخلاف سائر التصرفات مع
أن ظاهرها متأيد بظاهره وهو عدم مباشرته
النكاح الفاسد إن كان الولد من زوج أو حبل من
الزنا على الخلاف فيه ولم يذكر المصنف حرمتها
عليه بهذا النفي؛ لأنه لا يلزم من تزوجها
حاملا إثبات النسب فيكون إقرارا بالفساد كما
إذا تزوجها بلا شهود لجوازه وهي حامل من زنا
فإنه صحيح على الصحيح ولأن الشرع كذبه حيث
أثبت النسب والشرع إذا كذب الإقرار يبطل كذا
في "فتح القدير": وذكر في "الخلاصة" في كتاب
القضاء من الفصل الثالث فيمن يكون خصما ومن لا
يكون أن الإقرار إنما يبطل بتكذيب الشرع إذا
كان التكذيب بالبينة، وأما إذا قضي باستصحاب
الحال فلا يبطل كما لو اشترى عبدا وأقر أن
البائع أعتقه قبل البيع وكذبه البائع فقضى
القاضي بالثمن على المشتري لم يبطل إقرار
المشتري بالعتق حتى يعتق عليه إلى آخر ما فيها
ولم يذكر المصنف يمينها؛ لأنه لا تحليف عند
الإمام؛ لأنه راجع إلى الاختلاف في النسب
والنكاح وعندهما يستحلف وسيأتي أن الفتوى على
قولهما في الأشياء الستة.
"قوله: ولو علق طلاقها بولادتها وشهدت امرأة
على الولادة لم تطلق" يعني لم
يقع
ج / 4 ص -252-
وإن كان أقر بالحبل طلقت بلا شهادة، وأكثر مدة
الحمل سنتان, وأقلها ستة أشهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند أبي
حنيفة وقالا تطلق؛ لأن شهادتها حجة في ذلك قال
عليه السلام "شهادة النساء جائزة فيما لا يطلع
عليه الرجال"1 ولأنها لما قبلت على الولادة
تقبل فيما يبتنى عليها وهو الطلاق ولأبي حنيفة
أنها ادعت الحنث فلا يثبت إلا بحجة تامة،
وهذا؛ لأن شهادتهن ضرورية في الولادة فلا تظهر
في حق الطلاق؛ لأنه ينفك عنها وشرط في
"البدائع" على قولهما أن تكون المرأة عدلة،
قيد بالطلاق؛ لأن النسب يثبت بشهادتها، وكذا
ما هو من لوازمه من أمومية الولد لو كانت أمة
وثبوت اللعان فيما إذا نفاه ووجوب الحد بنفيه
إن لم يكن أهلا للعان وليس مراده خصوص الطلاق
بل كل ما لم يكن من لوازم الولادة فالعتاق
كذلك.
"قوله وإن كان أقر بالحبل طلقت بلا شهادة"
أي: بلا شهادة أحد أصلا عند أبي حنيفة
وعندهما تشترط شهادة القابلة؛ لأنه لا بد من
حجة لدعواها الحنث وشهادتها حجة فيه على ما
بينا وله أن الإقرار بالحبل إقرار بما يفضي
إليه وهو الولادة ولأنه أقر بكونها مؤتمنة
فيقبل قولها في رد الأمانة وعلى هذا الخلاف لو
كان الحبل ظاهرا أما عندهما فظاهر؛ لأنها
مدعية فلا بد من إقامة البينة، وأما عنده فإن
الطلاق تعلق بأمر كائن لا محالة فيقبل قولها
فيه.
والحاصل: أن التعليق إن كان بما هو معلوم
الوقوع بعده وعلمه من جهتها كما بحيضها
وولادتها بعد الإقرار بحبلها أو ظهور حملها
كان التزاما لتصديقها عند إخبارها به واعترافا
بأنها مؤتمنة فيه وإن لم يكن كذلك وهو التعليق
بولادتها قبل الاعتراف بحبل سابق ولا ظهور حبل
حال التعليق لم يلتزم ذلك فيحتاج عند إنكاره
إلى الحجة ولا خلاف أن النسب لا يثبت بدون
شهادة القابلة كذا في "البدائع".
"قوله وأكثر مدة الحمل سنتان"
لقول عائشة رضي الله عنها "الولد لا يبقى في
البطن أكثر من سنتين، ولو بظل مغزل"2 رواه
الدارقطني والبيهقي وهو لا يعرف إلا سماعا وظل
المغزل مثل لقلته؛ لأن ظله حالة الدوران أسرع
زوالا من سائر الظلال وهو على حذف المضاف
تقديره، ولو بقدر ظل مغزل ويروى ولو بفلكة
مغزل أي، ولو بقدر دوران فلكة مغزل.
"قوله وأقلها ستة أشهر" لقوله
تعالى
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثم قال
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فيبقى للحمل ستة أشهر كذا في "الهداية" وقد نقل في
"فتح القدير" أنه لا خلاف للعلماء فيه وأورد
على ما في "الهداية" أنه مخالف لما قرره لأبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/264".
2 تقدم تخريجه.
ج / 4 ص -253-
فلو نكح أمة فطلقها فاشتراها فولدت لأقل من
ستة أشهر منه لزمه وإلا لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حنيفة في الرضاع من أن هذه المدة مضروبة
بتمامها لكل من الحمل والفصال غير أن المنقص
قام في أحدهما وهو الحمل وهو حديث عائشة رضي
الله عنها قلنا قدمنا هناك أنه غير صحيح لما
يلزم من أنه يراد بلفظ الثلاثين في إطلاق واحد
حقيقة ثلاثين وأربعة وعشرين باعتبار إضافتين
فلعله رجع إلى الصحيح.
"قوله فلو نكح أمة فطلقها فاشتراها فولدت لأقل
من ستة أشهر منه" أي: من وقت
الشراء "لزمه وإلا لا" أي: وإن ولدت لتمام
ستة أشهر أو لأكثر منها لا يلزمه؛ لأن في
الوجه الأول ولد المعتدة فإن العلوق سابق على
الشراء وفي الوجه الثاني ولد المملوكة؛ لأنه
يضاف الحادث إلى أقرب وقته حيث لم يتضمن إبطال
ما كان ثابتا بالدليل أو ترك العمل بالمقتضي
وبه اندفع ما أورد عليه كما علم في "فتح
القدير": فلا بد من دعوته.
واقتصار الشارح على الأكثر في قوله وإلا لا لا
ينبغي وقد صرح في "فتح القدير": بما ذكرناه.
أطلق في الأمة فشمل المدخول بها وغيرها كما
أطلق في الطلاق فشمل الرجعي والبائن الواحدة
والثنتين وكل من الإطلاقين غير صحيح، فإن كان
بعد الدخول فلا فرق بين الرجعي والبائن إذا
كان واحدة وإن كان قبل الدخول فإنه لا يلزمه
الولد إلا أن تجيء بالولد لأقل من ستة أشهر من
وقت الطلاق إذا ولدت لتمام ستة أشهر أو أكثر
من وقت التزوج.
وفي "غاية البيان" ولنا فيه نظر؛ لأن الطلاق
قبل الدخول بائن والحكم في المبانة أن نسب
ولدها يثبت إلى سنتين من وقت الطلاق نعم إن
محمدا وضع المسألة في "الجامع" الصغير في
المدخول بها ا ه.
وجوابه أن هذا حكم المبانة إذا كانت معتدة
وغير المدخول بها لا عدة عليها، وأما إذا كان
الطلاق ثنتين فإنه يمتد نسب الولد إلى سنتين
من وقت الطلاق وإن لم يدع، فإن ولدت لأكثر من
ذلك لا يثبت إلا إذا ادعاه لحرمتها حرمة غليظة
فيضاف العلوق إلى أبعد الأوقات وهو ما قبل
الطلاق حملا لأمرهما على الصلاح.
وذكر في "غاية البيان" أن في التقييد بالثنتين
لهذا الحكم إيهاما؛ لأنه ربما يظن ظان أن
الطلاق إذا كان واحدا بائنا لا يثبت النسب فيه
إلى سنتين وليس كذلك؛ لأن النسب في البائن
يثبت إلى سنتين من وقت الطلاق وإن لم يدع ا ه.
وجوابه بالفرق بين البينونة الخفيفة وبين
الغليظة فإن في الخفيفة يعتبر وقت الشراء
أيضا،
ج / 4 ص -254-
ومن قال لأمته: إن كان في بطنك ولد فهو مني،
فشهدت امرأة بالولادة فهي أم ولده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو أن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الشراء
وإذا كان لسنتين من وقت الطلاق، وفي الغليظة
لا يعتبر ذلك حتى لو ولدت لأكثر من ستة أشهر
من وقت الشراء ولسنتين من وقت الطلاق ثبت نسبه
بلا دعوة فظهر الفرق والإيهام في فهمه لا في
كلام المشايخ.
فالحاصل: أنه يستثنى من حكم المسألة المذكورة
في المختصر المطلقة قبل الدخول والمبانة
بالثنتين فإن فيهما لا اعتبار لوقت الشراء
وإنما يعتبر وقت الطلاق ففي الأولى يشترط
لثبوت نسبه ولادته لأقل من ستة أشهر، وفي
الثانية لسنتين فأقل. وقد علم مما قدمه المصنف
أن هذه الأمة لو كان طلاقها رجعيا فإنه يثبت
نسب ولدها وإن جاءت به لعشر سنين بعد الطلاق
أو أكثر وإن كان بائنا فلا بد أن تأتي به
لتمام سنتين أو أقل بعد أن يكون لأقل من ستة
أشهر من وقت الشراء في المسألتين فلا يرد عليه
ما إذا أتت به المبتوتة لأكثر من سنتين من وقت
الطلاق ولأقل من ستة أشهر من وقت الشراء وإن
كان داخلا في عبارته هنا لما قدمه سابقا.
والتقييد بالطلاق اتفاقي؛ لأن الحكم فيما إذا
لم يطلقها واشتراها كذلك أي: كحكم المطلقة،
فإن ولدته لستة أشهر أو أكثر من وقت الشراء لا
يلزمه وإلا لزمه وتقييده في "فتح القدير":
بالرجعي لا يفيد؛ لأن البائن هنا كالرجعي إلا
إذا كان غليظا. والمراد من الشراء الملك أعم
من أن يكون بشراء أو هبة أو إرث أو نحو ذلك؛
لأن المفسد للنكاح الملك لا خصوص سبب له.
وأشار باقتصاره على الشراء إلى أنه لا فرق في
هذا الحكم بين أن يعتقها بعد الشراء أو لا
وعند محمد يثبت النسب إلى سنتين بلا دعوة من
يوم الشراء؛ لأنه بالشراء بطل النكاح ووجبت
العدة لكنها لا تظهر في حقه للملك وبالعتق
ظهرت وحكم معتدة لم تقر بانقضاء عدتها كذلك،
ولو لم يعتقها ولكن باعها فولدت لأكثر من ستة
أشهر منذ باعها فعند أبي يوسف لا يثبت النسب
وإن ادعاه إلا بتصديق المشتري لما مر أن
النكاح بطل وعند محمد يثبت بلا تصديق كما قال
في العتق إلا أنه لا يثبت بلا دعوة؛ لأن العدة
ظهرت ثم ولم تظهر هنا.
وقيد في "فتح القدير": حكم المسألة المذكورة
في المختصر بما إذا اشتراها قبل أن تقر
بانقضاء عدتها ولم يبين مفهومه.
"قوله ومن قال لأمته إن كان في بطنك ولد فهو
مني فشهدت امرأة بالولادة فهي أم ولده"؛
لأن الحاجة إلى تعيين الولد ويثبت ذلك بشهادة
القابلة بالإجماع وقد ذكر في المختصر المرأة
دون القابلة وكثيرا ما يذكرون القابلة والظاهر
أن كونها القابلة ليس بشرط أطلقه وقيدوه بأن
تلده لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار وإن
ولدته لستة أشهر أو أكثر لا يلزمه لاحتمال
أنها حبلت بعد مقالة المولى فلم يكن المولى
مدعيا هذا الولد بخلاف الأول لتيقننا بقيامه
في البطن وقت
ج / 4 ص -255-
ومن قال لغلام: هو ابني، ومات فقالت أمه:
أنا امرأته، وهو ابنه يرثانه وإن جهلت حريتها،
فقال وارثه أنت أم ولد أبي فلا ميراث لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول فتيقناه بالدعوى وما في "غاية البيان"
من أن هذا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت
الطلاق سبق قلم؛ إذ لا طلاق هنا؛ لأن الكلام
في الأمة المملوكة له وإنما الاعتبار لوقت
الإقرار. ومثله لو قال: إن كان في بطنك ولد
فهو حر فولدت بعد ذلك لستة أشهر لم يعتق وإن
ولدته لأقل منها عتق ولا فرق بين أن يقول في
مسألة المختصر إن كان في بطنك ولد أو إن كان
بها حبل فهو مني وقيد بالتعليق؛ لأنه لو قال
هذه حامل مني يلزمه الولد وإن جاءت به لأكثر
من ستة أشهر إلى سنتين حتى ينفيه كما في
"الغاية".
"قوله ومن قال لغلام هو ابني ومات فقالت أمه
أنا امرأته وهو ابنه يرثانه"
والقياس أن لا ميراث لها؛ لأن النسب كما يثبت
بالنكاح الصحيح يثبت بالنكاح الفاسد وبالوطء
عن شبهته وبملك اليمين فلم يكن قوله إقرارا
بالنكاح وجه الاستحسان أن المسألة فيما إذا
كانت معروفة بالحرية وبكونها أم الغلام
والنكاح الصحيح هو المتعين لذلك وضعا وعادة؛
لأنه الموضوع لحصول الأولاد دون غيره فهما
احتمالان لا يعتبران في مقابلة الظاهر القوي،
وكذا احتمال كونه طلقها في صحته وانقضت عدتها؛
لأنه لما ثبت النكاح وجب الحكم بقيامه ما لم
يتحقق زواله. فإن قيل: إن النكاح يثبت بمقتضى
ثبوت النسب وهو لا عموم له فيتقدر بقدر الحاجة
قلنا النكاح غير متنوع إلى نكاح موجب للإرث
والنسب وإلى غير موجب لهما، فإذا تعين النكاح
الصحيح لزم بلوازمه وفي "غاية البيان" أنه ليس
من الاقتضاء في شيء؛ لأن المقتضى وهو النسب
يصح بلا ثبوت المقتضي وهو النكاح بأن يكون
الوطء عن شبهة أو تكون أم ولده فلم يفتقر ثبوت
النسب إلى النكاح لا محالة.
"قوله وإن جهلت حريتها فقال وارثه أنت أم ولد
أبي فلا ميراث لها"؛ لأن ظهور
الحرية باعتبار الدار حجة في دفع الرق لا في
استحقاق الإرث وتقييده بقول الوارث اتفاقي؛
لأن الجهل بحريتها كاف لعدم ميراثها قال
الوارث أنت أم ولد أبي أو لم يقل كما أطلقه في
"غاية البيان" معللا أن للوارث أن يقول ذلك
ولعل فائدته أن الوارث لو كان صغيرا فإنه لا
ميراث لها أيضا وإن لم يقل شيئا ولم يذكر
المصنف رحمه الله أن لها مهرا عند إقرار
الوارث أنها أم ولد أبيه وذكر التمرتاشي أن
لها مهر مثلها؛ لأنهم أقروا بالدخول ولم يثبت
كونها أم ولد بقولهم ورده في "غاية البيان"
بأن الدخول إنما يوجب مهر المثل في غير صورة
النكاح إذا كان الوطء عن شبهة ولم يثبت النكاح
هنا والأصل عدم الشبهة فبأي دليل يحمل على ذلك
فلا يجب مهر المثل وأيضا إنما لم نوجب الإرث؛
لأن الاستصحاب لا يصلح للإثبات فلو وجب مهر
المثل لكان صالحا للإثبات فلا يجوز ا ه. والله
سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ج / 4 ص -256-
14- باب الحضانة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14- باب
الحضانة
بيان لمن يحضن الولد الذي ثبت نسبه وهي بكسر
الحاء وفتحها تربية الولد، والحاضنة المرأة
توكل بالصبي فترفعه وتربيه وقد حضنت ولدها
حضانة من باب طلب وحضن الطائر بيضه حضنا إذا
جثم عليه بكنفه يحضنه كذا في "المغرب" وفي
ضياء الحلوم حضنت المرأة ولدها حضانة وحضنت
الحمامة بيضها حضونا أي: جعلته في حضنها
وحضنه عن حاجته أي: حبسه وحضنه عن الأمر إذا
نحاه عنه والحضن ما دون الإبط.
ثم اعلم أن الحضانة حق الصغير لاحتياجه إلى من
يمسكه فتارة يحتاج إلى من يقوم بمنفعة بدنه في
حضانته وتارة إلى من يقوم بماله حتى لا يلحقه
الضرر وجعل كل واحد منهما إلى من أقوم به
وأبصر فالولاية في المال جعلت إلى الأب والجد؛
لأنهم أبصر وأقوم في التجارة من النساء وحق
الحضانة جعل إلى النساء؛ لأنهن أبصر وأقوم على
حفظ الصبيان من الرجال لزيادة شفقتهن
وملازمتهن للبيوت واتفقوا على أن الأب يجبر
على نفقته مطلقا ويجب عليه إمساكه وحفظه
وصيانته إذا استغنى عن النساء؛ لأن ذلك حق
للصغير عليه واختلفوا في وجوب حضانته على الأم
ونحوها من النساء، وفي جبرها إذا امتنعت فصرح
في "الهداية" بأنها لا تجبر؛ لأنها عست أن
تعجز عن الحضانة وصححه في التبيين، وفي
"الولوالجية" وعليه الفتوى.
وفي "الواقعات": والفتوى على عدم الجبر
لوجهين: أحدهما: أنها ربما لا تقدر على
الحضانة، والثاني: أن الحضانة حق الأم
والمولى ولا يجبر على استيفاء حقه ا ه.
وفي "الخلاصة": وقال مشايخنا ولا تجبر الأم
عليها وكذلك الخالة إذا لم يكن لها زوج؛ لأنها
ربما تعجز عن ذلك ا ه. فأفاد أن غير الأم
كالأم في عدم الجبر بل هو بالأولى كما في
"الولوالجية" وذكر الفقهاء الثلاثة أبو الليث
والهندواني وخواهر زاده أنها تجبر على الحضانة
وتمسك لهم في "فتح القدير": بما في كافي
الحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد لو
اختلعت على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع
جائز والشرط باطل؛ لأن هذا حق الولد أن يكون
عند أمه ما كان إليها محتاجا.
زاد في "المبسوط" فليس لها أن تبطله بالشرط
فهذا يدل على أن قول الفقهاء الثلاثة هو جواب
"ظاهر الرواية"، وأما قوله تعالى
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] فليس الكلام في الإرضاع بل في الحضانة.
قال في التحفة ثم الأم وإن كانت أحق بالحضانة
فإنه لا يجب عليها الرضاعة؛ لأن ذلك
ج / 4 ص -257-
أحق بالولد أمة قبل الفرقة، وبعدها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمنزلة النفقة ونفقة الولد على الوالد إلا أن
لا يوجد من ترضعه فتجبر. فالحاصل أن الترجيح
قد اختلف في هذه المسألة والأولى الإفتاء بقول
الفقهاء الثلاثة لكن قيده في "الظهيرية" بأن
لا يكون للصغير ذو رحم محرم فحينئذ تجبر الأم
كي لا يضيع الولد أما إذا كان له جدة مثلا
وامتنعت الأم من إمساكه ورضيت الجدة بإمساكه
فإنه يدفع إلى الجدة؛ لأن الحضانة كانت حقا
لها، فإذا أسقطت حقها صح الإسقاط منها وعزا
هذا التفصيل إلى الفقهاء الثلاثة وعلله في
"المحيط": بأن الأم لما أسقطت حقها بقي حق
الولد فصارت الأم بمنزلة الميتة أو المتزوجة
فتكون الجدة أولى وظاهر كلامهم أن الأم إذا
امتنعت وعرض على من دونها من الحاضنات فامتنعت
أجبرت الأم لا من دونها ولذا قيدوا جواب
المسألة بأن رضيت الجدة بإمساكه وذكر في
السراجية أن الأم تستحق أجرة على الحضانة إذا
لم تكن منكوحة ولا معتدة لأبيه وتلك الأجرة
غير أجرة إرضاعه كما سيأتي في النفقات.
"قوله أحق بالولد أمه قبل الفرقة وبعدها"
أي: في التربية والإمساك لما قدمناه ولما روي
أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان
بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء
وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال عليه السلام
"أنت أحق1 به" ولأن الأم أشفق وإليه أشار
الصديق رضي الله عنه بقوله "ريقها خير له من
شهد وعسل عندك يا عمر"2 قاله حين وقعت الفرقة
بينه وبين امرأته والصحابة رضي الله عنهم
حاضرون متوافرون أطلق في الأم وقيدوه بأن تكون
أهلا للحضانة فلا حضانة لمرتدة سواء لحقت بدار
الحرب أو لا؛ لأنها تحبس وتجبر على الإسلام،
فإن تابت فهي أحق به ولا للفاسقة كما في "فتح
القدير": وغيره، وفي القنية الأم أحق
بالصغيرة وإن كانت سيئة السيرة معروفة بالفجور
ما لم تعقل ذلك ا ه. وينبغي أن يراد بالفسق في
كلامهم هنا الزنا المقتضي لاشتغال الأم عن
الولد به بالخروج من المنزل ونحوه لا مطلقه
الصادق بترك الصلوات لما يأتي أن الذمية أحق
بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان فالفاسقة
المسلمة بالأولى ولا لمن تخرج كل وقت وتترك
البنت ضائعة ولا للأمة وأم الولد والمدبرة
والمكاتبة إذا ولدت قبل الكتابة ولا للمتزوجة
بغير محرم، وكذلك لو كان الأب معسرا وأبت الأم
أن تربي إلا بأجر وقالت العمة أنا أربي بغير
أجر فإنه لا حضانة للأم وتكون العمة أولى في
الصحيح كما سيأتي3 وسنذكر أن الكتابية أحق
بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الطلاق، باب من أحق
بالولد. "2276" من حديث عبد الله بن عمرو.
والحاكم في المستدرك "2/207". وذكره الزيلعي
في نصب الراية "3/265".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/265" وقال
غريب بهذا اللفظ.
3 انظر الصفحة: "258".
ج / 4 ص -258-
ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الأخت لأب وأم، ثم
لأم، ثم لأب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله ثم أم الأم" يعني بعد
الأم الأحق أمها وهو شامل لما إذا كانت الأم
ميتة أو ليست أهلا للحضانة ففي كل منهما ينتقل
الحق إلى أم الأم؛ لأن هذه الولاية مستفادة من
قبل الأمهات فكانت التي هي من قبلها أولى وإن
علت فالجدة من قبل الأم أولى من أم الأب ومن
الخالة وصححه الولوالجي وذكر الخصاف في
النفقات، فإن كان للصغير جدة الأم من قبل
أبيها وهي أم أبي أمه فهذه ليست بمنزلة من
كانت من قرابة الأم من قبل أمها، وكذلك كل من
كان من قبل أبي الأم فليس بمنزلة قرابة الأم
من قبل أمها ا ه.
وفي "الولوالجية" جدة الأم من قبل الأب وهي أم
أبي الأم لا تكون بمنزلة من كانت من قرابة
الأم؛ لأن هذا الحق لقرابة الأم ا ه. وظاهره
تأخير أم أبي الأم عن أم الأب بل عن الخالة
أيضا وقد صارت حادثة للفتوى في زماننا.
"قوله ثم أم الأب وإن علت"
فهي مقدمة على الأخوات والخالات؛ لأنها من
الأمهات ولهذا تحرز من ميراثهن السدس ولأنها
أوفر شفقة للأولاد، وأما قوله عليه الصلاة
والسلام في حديث أبي داود "إنما الخالة أم"1
فيحتمل كونه في ثبوت الحضانة أو غيره إلا أن
السياق أفاد إرادة الأول فيبقى أعم من كونه في
ثبوت أصل الحضانة أو كونها أحق بالولد من كل
من سواها ولا دلالة على الثاني والأول متيقن
فيثبت فلا يفيد الحكم بكونها أحق من أحد
بخصوصه أصلا ممن له حق في الحضانة فيبقى
المعنى الذي عيناه بلا معارض من أن الجدة أم
كذا في "فتح القدير": ، وفي القنية صغيرة عند
جدة تخون حقها فلعمها أن يأخذها منها إذا ظهرت
خيانتها.
"قوله ثم الأخت لأب وأم ثم لأم ثم لأب"
يعني فهن أولى من العمات والخالات؛ لأنهن بنات
الأبوين ولهذا قدمن في الميراث وتقدم الأخت
الشقيقة؛ لأنها أشفق ثم يليها الأخت من الأم؛
لأن الحق لهن من قبل الأم، وأما الأخت لأب
فذكر المصنف أنها مقدمة على الخالة اعتبارا
لقرب القرابة وتقديم المدلي بالأم على المدلي
بالأب عند اتحاد مرتبتهما قربا وهذه رواية
كتاب النكاح، وفي رواية كتاب الطلاق الخالة
أولى؛ لأنها تدلي بالأم وتلك بالأب ولم يذكر
المصنف أولاد الأخوات؛ لأن فيهم تفصيلا فأولاد
الأخوات لأب وأم أو لأم أحق من الخالات
والعمات باتفاق الروايات، وأما أولاد الأخوات
لأب ففي أحد الروايتين أحق من الخالات اعتبارا
بالأصل. والصحيح أن الخالات أولى من أولاد
الأخوات لأب والأخت لأم أولى من ولد الأخت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الطلاق: باب من أحق
بالولد "2277". وذكره الزيلعي في نصب الراية
"3/367". والبخاري في المغازي: باب عمرة
القضاء "4251" بلفظ "الخالة بمنزلة الأم" وابن
حبان في صحيحه "4873".
ج / 4 ص -259-
ثم الخالات كذلك، ثم العمات كذلك. ومن نكحت
غير محرم سقط حقها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأب وأم وبنات الأخت أولى من بنات الأخ؛ لأن
الأخت لها حق في الحضانة دون الأخ فكان المدلي
بها أولى وإذا اجتمع من له حق الحضانة في درجة
فأورعهم أولى ثم أكبرهم.
"قوله ثم الخالات كذلك" أي:
فهن أولى من العمات ترجيحا لقرابة الأم وينزلن
كما نزلت الأخوات فترجح الخالات لأب وأم ثم
لأم ثم لأب وهو المراد بقوله كذلك والخالة هي
أخت أم الصغير لا مطلق الخالة؛ لأن خالة الأم
مؤخرة عن عمة الصغير وكذلك خالة الأب كما
سنبينه وأفاد كلامه أن الخالة أولى من بنت
الأخ؛ لأنها تدلى بالأم وتلك بالأخ.
"قوله ثم العمات كذلك" أي
تقدم العمة لأب وأم ثم لأم ثم لأب ولم يذكر
المصنف بعد العمات أحدا من النساء والمذكور في
"غاية البيان" و"فتح القدير": وغيرهما أن بعد
العمات خالة الأم لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم
بعدهن خالة الأب لأب وأم ثم لأم ثم لأب ثم
بعدهن عمات الأمهات والآباء على هذا التفصيل
والترتيب ولم يذكر المصنف أيضا بنات الأخ.
وفي "التبيين": أن بنات الأخ أولى من العمات
ولم يذكر أيضا أولاد الخالة والعمة في
الحضانة؛ لأنه لا حق لبنات العمة والخالة في
الحضانة؛ لأنهن غير محرم وكذلك بنات الأعمام
والأخوال بالأولى كذا في كثير من الكتب، وفي
"غاية البيان" والعمة أحق من ولد الخالة وهو
تسامح؛ لأنه لا حق لولد الخالة أصلا كما
نقلناه.
"قوله ومن نكحت غير محرم سقط حقها"
أي: غير محرم من الصغير كالأم إذا تزوجت
بأجنبي منه لقوله عليه الصلاة والسلام "أنت
أحق به ما لم تتزوجي"1 ولأن زوج الأم إذا كان
أجنبيا يعطيه نزرا وينظر إليه شزرا فلا نظر له
والنزر الشيء القليل والشزر نظر البغض ولذا
قال في القنية الأم إذا تزوجت بزوج آخر وتمسك
الصغير معها أم الأم في بيت الراب فللأب أن
يأخذه منها ا ه. فعلى هذا تسقط الحضانة إما
بتزوج غير المحرم أو بسكناها عند المبغض له
لكن وقع لي تردد في أن الخالة ونحوها إذا سكنت
عند أجنبي من الصغير ولم تكن متزوجة هل تسقط
حضانتها قياسا على الجدة إذا سكنت في بيت
بنتها المتزوجة أو هذا خاص ببيت زوج الأم
باعتبار بغضه له كما هو العادة والذي يظهر
الأول؛ لأنه يتضرر بالسكنى في بيت أجنبي عنه،
وكذا اختلف في أجرة المسكن الذي يحضن فيه
الصبي فقيل يجب في ماله إن كان له مال وإلا
فعلى من تجب عليه نفقته وفي التفاريق لا تجب
كذا في خزانة الفتاوى قيد بغير المحرم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي نوادر داود بن رشيد رواية محمد بن
الخوارزمي وعلي بن يزيد الطبري عن محمد من
أصحاب محمد بن الحسن. ا ه. كشف الظنون
"2/1981".
ج / 4 ص -260-
ثم تعود بالفرقة ثم العصبات بترتيبهم، والأم
والجدة أحق بالغلام حتى يستغنى، وقدر بسبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الزوج لو كان ذا رحم محرم للصغير كالجدة
إذا كان زوجها الجد أو الأم إذا كان زوجها عم
الصغير أو الخالة إذا كان زوجها عمه لا يسقط
حقها لانتفاء الضرر عن الصغير ودخل تحت غير
المحرم الرحم الذي ليس بمحرم كابن العم فهو
كالأجنبي هنا ولو ادعى أن الأم تزوجت وأنكرت
فالقول لها وينبغي أن يكون مع اليمين.
"قوله ثم تعود بالفرقة" أي:
تعود الحضانة لزوال المانع فقولهم سقط حقها
معناه منع مانع منه؛ لأنه من باب زوال المانع
لا من عود الساقط كالناشزة لا نفقة لها ثم
تعود بالعود إلى منزل الزوج وأراد بالفرقة
الطلاق البائن وأما الطلاق الرجعي فإنه لا
يعود حقها به حتى تنقضي عدتها لقيام الزوجية،
وفي "الظهيرية" وغيرها لو أقرت بالتزوج وادعت
أنه طلقها وعاد حقها فيها، فإن أبهمت الزوج
كان القول قولها وإن عينت لا يقبل قولها في
دعوى الطلاق.
"قوله ثم العصبات بترتيبهم"
يعني إن لم يكن للصغير أحد من محارمه من
النساء واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم
تعصيبا؛ لأن الولاية للأقرب فيقدم الأب ثم
الجد أب الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ
لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب، وكذا
كل من سفل من أولادهم ثم العم شقيق الأب ثم
لأب، وأما أولاد الأعمام فإنه يدفع إليهم
الغلام فيبدأ بابن العم لأب وأم ثم ابن العم
لأب ولا تدفع إليهم الصغيرة؛ لأنهم غير محارم،
وكذا لا تدفع إلى الأم التي ليست بمأمونة
وللعصبة الفاسق ولا إلى مولى العتاقة تحرزا عن
الفتنة وبهذا علم أن إطلاق المصنف في محل
التقييد لكن ينبغي أن يكون محل عدم الدفع إلى
ابن العم ما إذا كانت الصغيرة تشتهى وهو غير
مأمون أما إذا كانت لا تشتهى كبنت سنة مثلا
فلا منع؛ لأنه لا فتنة، وكذا إذا كانت تشتهى
وكان مأمونا قال في "غاية البيان" معزيا إلى
تحفة الفقهاء: وإن لم يكن للجارية من عصباتها
غير ابن العم ف"الاختيار" إلى القاضي إن رآه
أصلح تضم إليه وإلا توضع على يد أمينة ا ه.
ولم يذكر المصنف الدفع إلى ذوي الأرحام قالوا
إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى الأخ لأم ثم
إلى ولده ثم إلى العم لأم ثم إلى الخال لأب
وأم ثم لأب ثم لأم؛ لأن لهؤلاء ولاية عند أبي
حنيفة في النكاح وبهذا علم أن مرادهم بذوي
الأرحام هنا، وفي باب ولاية الإنكاح قرابة
ليست بعصبة لا المذكور في الفرائض أنه قريب
ليس بذي سهم ولا عصبة؛ لأن بعض أقارب الفروض
داخل في ذوي الأرحام هنا كالأخ لأم وإذا اجتمع
مستحقو الحضانة في درجة كالإخوة والأعمام
فأصلحهم أولى، فإن تساووا فأورعهم، فإن تساووا
فأسنهم، وفي "البدائع" لا حق للرجال من قبل
الأم وهو محمول على ما إذا كان من قبل الأب من
هو موجود.
"قوله والأم والجدة أحق بالغلام حتى يستغني
وقدر بسبع"؛ لأنه إذا استغنى
يحتاج إلى
ج / 4 ص -261-
وبها حتى تحيض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التأديب، والتخلق بآداب الرجال وأخلاقهم والأب
أقدر على التأديب والتعنيف وما ذكره المصنف من
التقدير بسبع قول الخصاف اعتبارا للغالب؛ لأن
الظاهر أن الصغير إذا بلغ السبع يهتدي بنفسه
إلى الأكل والشرب واللبس والاستنجاء وحده فلا
حاجة إلى الحضانة فلا مخالفة بين تقدير
الاستغناء بالسن وبين أن يقدره على الأشياء
الأربعة وحده كما هو المذكور في الأصل ولم
يذكر الاستنجاء في "المبسوط" وذكره في السير
الكبير وزاد في "نوادر ابن رشيد"1: ويتوضأ
وحده ثم من المشايخ من قال المراد من
الاستنجاء تمام الطهارة بأن يطهر وجهه وحده
بلا معين ومنهم من قال بل من النجاسة وإن لم
يقدر على تمام الطهارة وهو المفهوم من ظاهر
كلام الخصاف.
وفي "غاية البيان" والتبيين و"الكافي" أن
الفتوى على قول الخصاف من التقدير بالسبع؛ لأن
الأب مأمور بأن يأمره بالصلاة إذا بلغها وإنما
يكون ذلك إذا كان الولد عنده ولو اختلفا فقال
ابن سبع وقالت ابن ست لا يحلف القاضي أحدهما
ولكن ينظر إن كان يأكل وحده ويلبس وحده
ويستنجي وحده دفع وإلا فلا كذا في "الظهيرية"
واستغنى بذكر الأكل عن الشرب ولذا ذكر الشرب
في "الخلاصة" وجمع بين الأربعة في التبيين،
وأما ما في "فتح القدير": و"الخلاصة" من عدم
ذكر الاستنجاء فسهو وأشار المصنف رحمه الله
بذكر الأم والجدة إلى أن غيرهما أولى فلو قال
والحاضنة أحق به حتى يستغني لكان أصرح.
"قوله وبها حتى تحيض" أي:
الأم والجدة أحق بالصغيرة حتى تحيض؛ لأن بعد
الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء
والمرأة على ذلك أقدر وبعد البلوغ تحتاج إلى
التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى وبه علم
أنه لو قال حتى تبلغ لكان أولى وعن محمد أنها
تدفع إلى الأب إذا بلغت حد الشهوة لتحقق
الحاجة إلى الصيانة قال في النقاية وهو
المعتبر لفساد الزمان، وفي نفقات الخصاف وعن
أبي يوسف مثله، وفي التبيين وبه يفتى في
زماننا لكثرة الفساد، وفي "الخلاصة" وغياث
المفتي والاعتماد على هذه الروايات لفساد
الزمان.
فالحاصل: أن الفتوى على خلاف "ظاهر الرواية"
فقد صرح في التجنيس بأن "ظاهر الرواية" أنها
أحق بها حتى تحيض واختلف في حد الشهوة، وفي
"الولوالجية" وليس لها حد مقدر؛ لأنه يختلف
باختلاف حال المرأة، وفي التبيين وغيره وبنت
إحدى عشرة سنة مشتهاة في قولهم جميعا وقدره
أبو الليث بتسع سنين وعليه الفتوى ا ه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل المراد به الفتاوى الغياثية وقد تقدمت.
ج / 4 ص -262-
وغيرهما أحق بها حتى تشتهي، ولا حق للأمة، وأم
الولد ما لم تعتقا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار المصنف إلى أنها لو زوجت قبل أن تبلغ لا
تسقط حضانتها وقال في القنية الصغيرة إذا لم
تكن مشتهاة ولها زوج لا يسقط حق الأم في
حضانتها ما دامت لا تصلح للرجال إلا في رواية
عن أبي يوسف إذا كانت يستأنس بها ا ه.
وظاهره أنها إذا صلحت للرجال قبل البلوغ وقد
زوجها أبوها فإنه لا حضانة لأمها اتفاقا
فيحتاج إطلاق المختصر إلى تقييد نعم على
المفتى به فهو ظاهر ولم أر حكم ما إذا اختلف
الأب والأم في حيضها فقالت الأم لم تحض وقال
الأب حاضت أو في البلوغ بالسن وينبغي أن يكون
القول قول الأم كما لو ادعى تزوجها وأنكرت
بجامع أنه يدعي سقوط حقها وهي تنكر.
"قوله وغيرهما أحق بها حتى تشتهى"
أي: غير الأم والجدة أحق بالصغيرة حتى تشتهى
فيأخذها الأب، وفي "الجامع" الصغير حتى
تستغني؛ لأنها لا تقدر على استخدامها ولهذا لا
تؤجرها للخدمة فلا يحصل المقصود بخلاف الأم
والجدة لقدرتهما عليه شرعا وأطلق في الجدة
فشمل جدته من أمه ومن أبيه كما في "فتح
القدير": ، وفي "الظهيرية"، ولو أن امرأة جاءت
بالصبي تطلب النفقة من أبيه فقالت هذا ابن
ابنتي منك وقد ماتت أمه فأعطني نفقته فقال
الأب صدقت هذا ابني من ابنتك فأما أمه فلم تمت
وهي في منزلي وأراد أخذ الصبي منها لم يكن له
ذلك حتى يعلم القاضي أمه وتحضر هي فتأخذه؛
لأنه لما أقر أنها جدة الصبي فقد أقر أن لها
حق الحضانة ثم يدعي قيام من هو أولى منها وذا
محتمل، فإن أحضر الأب امرأة فقال هذه ابنتك،
وهذا ابني منها وقالت الجدة ما هذه ابنتي وقد
ماتت ابنتي أم هذا الصبي فالقول في هذا قول
الرجل والمرأة التي معه ويدفع الصبي إليه؛ لأن
الفراش لهما فيكون الولد لهما. وصار هذا
كالزوجين إذا كان بينهما ولد فقالت المرأة:
هو ابني من زوج آخر وقال الرجل: هو ابني من
امرأة أخرى فإنه يحكم بكونه ابنا لهما؛ لأن
الفراش لهما فيكون الولد لهما وكذلك الجدة لو
حضرت وقالت: هذا ابن ابنتي من هذا الرجل وقد
ماتت أمه فقال الرجل هذا ابني من غير ابنتك من
امرأة لي فالقول قوله ويأخذ الصبي منها، ولو
أحضر الرجل امرأة وقال هذا ابني من هذه لا من
ابنتك وقالت الجدة ما هذه أمه بل أمه ابنتي
وقالت التي أحضرها الرجل صدقت ما أنا بأمه وقد
كذب هذا الرجل ولكني امرأته فإن الأب أولى به
فيأخذه، وعلل الخصاف رحمه الله في الكتاب
فقال: لأنه لما قال هذا ابني من هذه المرأة
فقد أنكر كونها جدة له فيكون منكرا الحق لها
في الحضانة أصلا وهي أقرت له بالحق ا ه.
"قوله ولا حق للأمة وأم الولد ما لم يعتقا"
لعجزهما عن الحضانة بالاشتغال بخدمة المولى
وإذا أعتقتا صارتا حرتين أوان ثبوت الحق ودخل
تحت الأمة المدبرة لوجود الرق فيها،
ج / 4 ص -263-
والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل
الأديان، ولا خيار للولد ذكرا كان أو أنثى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا المكاتبة داخلة تحت الأمة بالنسبة إلى
الولد المولود قبل الكتابة، وأما إذا ولدته
بعد الكتابة فهي أولى بحضانته من غيرها؛ لأنه
صار داخلا في كتابتها وأراد بالحق المنفي حق
الحضانة قالوا ولا يفرق بينه وبين أمه للنهي
عن ذلك ولم يذكر المصنف أن الحق في حضانة ولد
الأمة للمولى أو لغيره والحق التفصيل، فإن كان
الصغير رقيقا فمولاه أحق به حرا كان أبوه أو
عبدا، وكذا لو عتقت أمه بعد وضعه فلا حق لها
في حضانته إنما الحق للمولى سواء كانت منكوحة
أبيه أو فارقها؛ لأنه مملوكه، وأما إذا كان
حرا فالحضانة لأقربائه الأحرار إن كانت أمه
أمة لا لمولاها ولا لمولاه الذي أعتقه وإن
أعتقت كانت الحضانة لها.
"قوله والذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل
الأديان"؛ لأن الحضانة تبتنى
على الشفقة وهي أشفق عليه فيكون الدفع إليها
أنظر له، فإذا عقل الأديان ينزع منها لاحتمال
الضرر وأطلق الذمية فشمل الكتابية والمجوسية
كما في "غاية البيان" وغيره وقيد بها للاحتراز
عن المرتدة؛ لأنه لا حق لها فيها؛ لأنها تحبس
وتضرب فلا تتفرغ له ولا في دفعه إليها نظر،
فإذا أسلمت وتابت يسلم الولد إليها وقد جمع في
"الهداية" بين شيئين فقال: ما لم يعقل
الأديان أو يخف أن يألف الكفر فظاهره أنه إذا
خيف أن يألف الكفر نزع منها وإن لم يعقل دينا
وهي واردة على المصنف المقتصر على الأول، وفي
"شرح النقاية" لو خيف أن تغذيه بلحم خنزير أو
خمر لم ينزع منها بل يضم إلى ناس من المسلمين،
والتقييد بالأم اتفاقي؛ إذ كل حاضنة ذمية كذلك
كما صرح في "خزانة الأكمل" وأم الأم بمنزلة
الأم مسلمة كانت أو كتابية أو مجوسية، وكذا كل
كافرة من نساء القرابة فهي بمنزلة الأم ا ه.
"قوله ولا خيار للولد عندنا ذكرا كان أو أنثى"
وقال الشافعي لهما الخيار؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم خير1، ولنا أنه لقصور عقله يختار من
عنده الدعة والراحة لتخليته بينه وبين اللعب
فلا يتحقق النظر وقد صح أن الصحابة رضي الله
عنهم لم يخيروا، وأما الحديث قلنا قد قال عليه
الصلاة والسلام
"اللهم اهده"2،
فوفق لاختيار الأنظر بدعائه عليه السلام أو
يحمل على ما إذا كان بالغا والمراد بعدم
تخييره عندنا أنه إذا بلغ السن الذي ينزع من
الأم يأخذه الأب ولا خيار للصغير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب تخيير
الصبي بين أبويه "2351". وأبو داود، كتاب
الطلاق، باب من أحق بالولد "2277". والترمذي،
كتاب الأحكام، باب ما جاء في تخيير الغلام بين
أبويه إذا افترقا "1357" والنسائي، كتاب
الطلاق، باب: إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد
"6/185".
2 أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب إذا أسلم
أحد الأبوين مع من يكون الولد "2244"، وابن
ماجه، كتاب الأحكام، باب تخيير الصبي بين
أبويه "2352" والنسائي، كتاب الطلاق، باب
إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد "6/185".
ج / 4 ص -264-
ولا تسافر مطلقة بولدها إلا إلى وطنها وقد
نكحها ثمّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "فتح القدير": والمعتوه لا يخير ويكون
عند الأم وينبغي أن يكون عند من يقول بتخيير
الولد، وأما عندنا والمعتوه إذا بلغ السن
المذكور يكون عند الأب ولم يذكر المصنف رحمه
الله حكم الولد إذا بلغ هل ينفرد بالسكنى أو
يستمر عند الأب.
وفي "الظهيرية": فإذا بلغت الجارية مبلغ
النساء، فإن كانت بكرا كان للأب أن يضمها إلى
نفسه وإن كانت ثيبا فليس له ذلك إلا إذا لم
تكن مأمونة على نفسها والغلام إذا عقل واجتمع
رأيه واستغنى عن الأب ليس للأب أن يضمه إلى
نفسه إلا إذا لم يكن مأمونا على نفسه كان له
أن يضمه إلى نفسه وليس عليه نفقته إلا أن
يتبرع، ومتى كانت الجارية بكرا يضمها إلى نفسه
وإن كان لا يخاف عليها الفساد إذا كانت حديثة
السن أما إذا دخلت في السن واجتمع لها رأي
وعقلت فليس للأولياء حق الضم ولها أن تنزل حيث
أحبت حيث لا يتخوف عليها، وإن كانت ثيبا مخوفا
عليها وليس لها أب ولا جد ولكن لها أخ أو عم
ليس له ولاية الضم إلى نفسه بخلاف الأب والجد،
والفرق أن الأب والجد كان لهما ولاية الضم في
الابتداء فجاز أن يعيداها إلى حجرهما إذا لم
تكن مأمونة أما غير الأب والجد فلم يكن له
ولاية الضم في الابتداء فلا يكون له ولاية
الإعادة أيضا ا ه.
وإن لم يكن لها أب ولا جد ولا عصبة أو كان لها
عصبة مفسد فللقاضي أن ينظر في حالها، فإن كانت
مأمونة خلاها تنفرد بالسكنى سواء كانت بكرا أو
ثيبا وإلا وضعها عند امرأة أمينة ثقة تقدر على
الحفظ؛ لأنه جعل ناظرا للمسلمين كذا في
التبيين وذكر الإسبيجابي أن للأب أن يؤدب ولده
البالغ إذا وقع منه شيء، وفي "الولوالجية"
الابن إذا بلغ يتخير بين الأبوين، فإن كان
فاسقا يخشى عليه شيء فالأب أولى من الأم، وفي
"الخلاصة" امرأة خرجت من منزلها وتركت صبيا
لها في المهد فسقط المهد ومات الصغير لا شيء
عليها؛ لأنها لم تضيع فلا تضمن كما لو خرجت من
منزلها فجاء طرار فطر في البيت فلا ضمان
عليها.
"قوله ولا تسافر مطلقة بولدها إلا إلى وطنها
وقد نكحها ثم"؛ لأن في السفر
به إضرارا بأبيه، فإذا خرجت به إلى وطنها وقد
كان تزوجها الزوج فيه فلها ذلك؛ لأنه التزم
المقام فيه عرفا وشرعا قال عليه السلام
"من تأهل ببلدة فهو منهم"1 ولهذا يصير الحربي به ذميا كذا في "الهداية" ودفعه في "الكافي"
بأن المصرح به أن الحربي لا يصير بتأهله في
دار الإسلام ذميا لإمكان أن يطلقها ثم يعود
إلى دار الحرب وإنما ذلك في الحربية إذا تزوجت
فإنها تصير ذمية وما في التبيين من إبدال
الحربي بالحربية لا يناسب المقام؛ لأن الكلام
في الرجل. وشرط المصنف لجواز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/271".
والهيثمي في مجمع الزوائد "2/156".
ج / 4 ص -265-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سفرها به أمرين واتفقوا أنه ليس لها السفر به
إلى مصر لم يتزوجها فيه واختلفوا فيما إذا
أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها وقد كان
التزوج فيه أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها
ذلك، وهذا رواية كتاب الطلاق.
وذكر في "الجامع الصغير": أن لها ذلك؛ لأن
العقد متى وجد في مكان يوجب أحكامه فيه كما
يوجب البيع التسليم في مكانه، ومن جملة ذلك حق
إمساك الأولاد وجه الأول أن التزوج في دار
الغربة ليس التزاما للمكث فيه عرفا وهذا أصح
كذا في "الهداية"، وفي "شرح النقاية" وإنما
قال المصنف تسافر دون أن تخرج؛ لأنه لو كان
بين الموضعين تقارب بحيث يتمكن الأب من مطالعة
ولده والرجوع إليه في نهاره جاز لها أن تنتقل
إليه سواء كان وطنا لها أو لم يكن وقع العقد
فيه أو لم يقع؛ لأن الانتقال إلى قريب بمنزلة
الانتقال من محلة إلى محلة في بلدة واحدة ا ه.
والذي يظهر عدم صحة التعبير بالسفر أو بالخروج
على الإطلاق؛ لأن السفر إن كان المراد به
الشرعي لم يصح؛ إذ لا يشترط في منعها عن
الخروج به أن يكون بين الوطنين ثلاثة أيام وإن
كان المراد به السفر اللغوي لم يصح أيضا؛ لأنه
إذا كان بين المكانين تقارب لا تمنع مطلقا فهو
كالانتقال من محلة إلى أخرى، وكذا التعبير
بمطلق الخروج لا يصح والعبارة الصحيحة ليس لها
الخروج بالولد من بلدة إلى أخرى بينهما تفاوت
كما ذكرناه إلا إذا انتقلت من القرية إلى
المصر فإن لها ذلك؛ لأن فيه نظرا للصغير حيث
يتخلق بأخلاق أهل المصر وليس فيه ضرر بالأب
وهي واردة على المصنف، وفي عكسه ضرر بالصغير
لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك مطلقا.
ويستثنى من جواز نقله إذا وجد الأمران في دار
الحرب فليس لها أن تنقله إليها إذا كان وطئها
ونكحها فيه لما فيه من الإضرار بالولد والوالد
المسلم أو الذمي حتى لو كان الوالد والوالدة
حربيين لها ذلك وقيد بالمطلقة؛ لأن المنكوحة
ليس لها الخروج به من بلد إلى آخر مطلقا؛ لأن
حق السكنى للزوج بعد إيفاء المعجل خصوصا بعدما
خرجت معه وأراد بالمطلقة المبانة بعد انقضاء
عدتها؛ لأن المطلقة رجعيا حكمها حكم المنكوحة،
ومعتدة البائن ليس لها الخروج قبل انقضاء
العدة مطلقا وقيد بالأم؛ لأن الأم لو ماتت
وصارت الحضانة للجدة فليس لها أن تنتقل إلى
مصرها بالولد؛ لأنه لم يكن بينهما عقد، وكذا
أم الولد إذا أعتقت لا تخرج الولد من المصر
الذي فيه الغلام؛ لأنه لا عقد بين الأب وأم
الولد كذا في "فتح القدير": وغير الجدة
كالجدة بالأولى.
وأطلق في الوطن فشمل القرية فلها أن تنقله من
مصر إلى قرية وقع العقد بها وهي قريتها كما في
شرح الطحاوي وهو المنصوص عليه في "الكافي"
للحاكم الشهيد فما في "شرح البقالي" من
ج / 4 ص -266-
أنه
ليس لها ذلك ضعيف وقيد بالمرأة؛ لأن الأب ليس
له إخراج الولد من بلد أمه حيث كان لها حق في
الحضانة قال في "الظهيرية". وفي "المنتقى" ابن
سماعة عن أبي يوسف رجل تزوج امرأة بالبصرة
فولدت له ولدا ثم إن هذا الرجل أخرج ولده
الصغير إلى الكوفة وطلقها وخاصمته في ولدها
وأرادت رده عليها قال إن كان الزوج أخرجه
إليها بأمرها فليس عليه أن يرده ويقال لها
اذهبي إليه وخذيه قال وإن كان إخراجه بغير
أمرها فعليه أن يجيء به إليها ابن سماعة عن
أبي يوسف في رجل خرج مع المرأة وولدها من
البصرة إلى الكوفة ثم رد المرأة إلى البصرة ثم
طلقها فعليه أن يرد ولدها فيؤخذ بذلك لها ا ه.
وفي "الحاوي القدسي": وإذا تزوجها في قرية من
رستاق لها قرى قريبة بعضها من بعض فأرادت أن
تخرج بولدها من قرية إلى قرية لها ذلك ما لم
تقطعه من أبيه إذا أراد أن يبصر ولده كل يوم،
وكذا الأب إذا أراد أن يخرجه إلى مثل ذلك وليس
له أن يخرجه من المصر إلى القرى بغير رضا أمه
إذا كان صغيرا ا ه. وفي "المجمع" ولا يخرج
الأب بولده قبل الاستغناء ا ه. وعلله في الشرح
بأنه لما فيه من الإضرار بالأم بإبطال حقها في
الحضانة وهو يدل على أن حضانتها إذا سقطت جاز
له السفر به، وفي الفتاوى السراجية سئل إذا
أخذ المطلق ولده من حاضنته لزواجها هل له أن
يسافر به فأجاب بأنه له أن يسافر به إلى أن
يعود حق أمه ا ه. وهو صريح فيما قلنا وهي
حادثة الفتوى في زماننا والله أعلم
15- باب النفقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15- باب النفقة
هي في اللغة: ما ينفق الإنسان على عياله ونحو
ذلك قال تعالى
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} [التوبة: 54]، ويقال أنفق الرجل من النفقة قال تعالى
{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وأنفق القوم إذا أنفقت سوقهم وأنفق الرجل إذا ذهب
ماله، ويقال منه قوله تعالى
{إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ} [الإسراء: 100] أي خشية الفقر، ويقال نفقت السلعة نفاقا نقيض كسدت
ونفقت الدابة نفوقا إذا ماتت كذا في "ضياء
الحلوم"، وبه علم أن النفقة المرادة هنا ليست
مشتقة من النفوق بمعنى الهلاك ولا من النفق
ولا من النفاق، بل هي اسم للشيء الذي ينفقه
الرجل على عياله.
وأما في الشريعة فذكر في "الخلاصة"، قال هشام
سألت محمدا عن النفقة، قال النفقة هي الطعام
والكسوة والسكنى ا ه.
قالوا ونفقة الغير تجب على الغير بأسباب ثلاثة
بالزوجية والقرابة والملك فبدأ بالأول
ج / 4 ص -267-
تجب النفقة للزوجة على زوجها والكسوة بقدر
حالهما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمناسبة ما تقدم من النكاح والطلاق والعدة.
"قوله تجب النفقة للزوجة على زوجها والكسوة
بقدر حالهما" أي الطعام
والشراب بقرينة عطف الكسوة والسكنى عليها
والأصل في ذلك قوله تعالى
{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقوله تعالى
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ}
[البقرة: 233]، وقوله عليه الصلاة والسلام في
حجة الوداع
{ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف}1 وعليه إجماع الأمة؛ ولأن النفقة جزاء الاحتباس فكل من كان محبوسا
بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه أصله القاضي
والعامل في الصدقات والمفتي والوالي والمضارب
إذا سافر بمال المضاربة، والمقاتلة إذا أقاموا
لدفع عدو المسلمين واعترض بأن الرهن محبوس لحق
المرتهن وهو الاستيفاء؛ ولذا كان أحق به من
سائر الغرماء مع أن نفقته على الراهن وأجيب
بأنه محبوس بحق الراهن أيضا وهو وفاء دينه عنه
عند الهلاك مع كونه ملكا له.
أطلق في الزوجة فشمل المسلمة والكافرة الغنية
والفقيرة وأطلق في الزوج فشمل الغني والفقير
والصغير والكبير بشرط أن يكون للصغير مال وإلا
فلا شيء على أبيه لها كما قدمناه في مهرها،
ولم يذكر المصنف طريق إيصال النفقة إليها وهو
نوعان: تمكين، وتمليك فالتمكين متعين فيما
إذا كان له طعام كثير وهو صاحب مائدة فتمكين
المرأة من تناول مقدار كفايتها، فليس لها أن
تطالبه بفرض النفقة وإن لم يكن بهذه الصفة فإن
رضيت أن تأكل معه فبها ونعمت وإن خاصمته في
فرض النفقة يفرض لها بالمعروف وهو التمليك كذا
في "غاية البيان" وظاهر ما في "الذخيرة" أن
المراد بصاحب الطعام الكثير أن ينفق على من لا
تجب عليه نفقته فحينئذ هي متعنتة في طلب
الفرض؛ لأنه إذا كان ينفق على من لا تجب عليه
نفقته فلا يمتنع من الإنفاق على من عليه نفقته
إلا إذا ظهر للقاضي أنه يضربها ولا ينفق عليها
فحينئذ يفرض لها النفقة ا ه.
وظاهر ما في "غاية البيان" أن النفقة المفروضة
تصير ملكا للمرأة إذا دفعها إليها فلها التصرف
فيها من بيع وهبة وصدقة وادخار ويدل على ذلك
ما في "الخلاصة" لو سرقت الكسوة أو هلكت
النفقة لا يفرض لها أخرى بخلاف المحارم، ولو
فرض لها دراهم وبقي منها شيء يفرض بخلاف
المحارم ا ه. وفي "الذخيرة" لو فرض لها القاضي
عشرة دراهم نفقة شهر فمضى الشهر، وقد بقي من
العشرة شيء يفرض لها القاضي عشرة أخرى وفرق
بين النفقة وبين الكسوة كما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى
الله عليه وسلم "1218". وابن حبان في صحيحه
"3944"، وقد تقدمت تتمة تخريجه من حديث جابر.
ج / 4 ص -268-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سنبينه في الكسوة ويدل عليه أيضا ما فيها
أنهما لو اصطلحا بعد فرض النفقة على شيء لا
يصلح تقديرا للنفقة كان معاوضة كالعبد فلولا
أنها ملكت النفقة المفروضة لما كان معاوضة،
وفي القنية قال لها خذي هذه الدنانير الخمسة
لنفقتك ولم يعين الوقت فهو تمليك لا إباحة ا
ه.
فيفيد أنها تملك النفقة بفرض القاضي أو بدفع
شيء بالرضا لكن في "الخلاصة" و"الذخيرة" إذا
فرض القاضي النفقة فالزوج هو الذي يلي الإنفاق
إلا إذا ظهر عند القاضي مطله فحينئذ يفرض
النفقة ويأمره ليعطيها لتنفق على نفسها نظرا
لها فإن لم يعط حبسه ولا تسقط عنه النفقة ا ه.
فهي وإن ملكتها بالفرض لم تتصرف فيها بالإنفاق
وتفرع على هذا ما لو قرر لها كل يوم مثلا قدرا
معينا من النفقة فأمرته بإنفاق البعض وأرادت
أن تمسك الباقي فمقتضى التمليك أن لها ذلك كما
تقدم التصريح به عن "الخلاصة" و"الذخيرة" في
نفقة الشهر ولا فرق بين نفقة شهر أو يوم، فليس
فائدة أنه يلي الإنفاق مع فرض القاضي إلا
لكونه قواما عليها لا لأنه يأخذ ما فضل وعلى
هذا لو أمرته امرأته بشراء طعام واشترى لها
فأكلت وفضل شيء واستغنت عنه في يومها، فليس له
أكله والتصرف فيه إليها كما هو مقتضى التمليك
ويدل عليه أيضا أنها لو أسرفت في نفقة الشهر
فأكلتها قبل مضيه واحتاجت لا يفرض لها أخرى
كما لو هلكت كما في "الذخيرة".
فالحاصل أن المفروضة أو المدفوعة إليها ملك
لها فلها الإطعام منها والتصدق وفي
"الخانية": المرأة إذا فرضت لها النفقة فأكلت
من مال نفسها أو من مسألة الناس كان لها أن
ترجع بالمفروض على زوجها ا ه. وفي "البدائع"
وإذا طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة قبل
النقلة وهي بحيث لا تمتنع من التسليم لو
طالبها بالتسليم أو كان امتناعها لحق فرض
القاضي لها إعانة لها على الوصول إلى حقها
الواجب وإن كان بعدما حولها إلى منزله فزعمت
عدم الإنفاق أو التضييق فلا ينبغي له أن يعجل
بالفرض، ولكن يأمره بالنفقة والتوسيع إلى أن
يظهر ظلمه فحينئذ يفرض عليه النفقة ويأمره أن
يدفعها إليها لتنفق على نفسها، ولو طلبت كفيلا
بها خوفا من غيبته لا يجبره القاضي على إعطاء
الكفيل عند أبي حنيفة واستحسن أبو يوسف أخذ
كفيل بنفقة شهر ويشترط لوجوب الفرض على القاضي
وجوازه منه شرطان، أحدهما طلب المرأة، والثاني
حضرة الزوج حتى لو كان الزوج غائبا فطلبت
المرأة من القاضي فرض نفقة عليه لم يفرض وإن
كان عالما بالزوجية عند أبي حنيفة في قوله
الأخير؛ لأن الفرض من القاضي قضاء، وقد صح من
أصلنا أن القضاء على الغائب لا يجوز من غير
خصم.، وقوله عليه السلام لامرأة
ج / 4 ص -269-
أبي
سفيان1 إنما كان على سبيل الفتوى لا على طريق
القضاء بدليل أنه لم يقدر لها ما تأخذه وفرض
النفقة من القاضي تقديرها فإذا لم تقدر لم تكن
فرضا فلم تكن قضاء وسيأتي تمامه فيما إذا غاب
وله مال عند مودعه.
وفي "الولوالجية": الفتوى على قول أبي يوسف
في أخذ الكفيل بنفقة شهر ولم يذكر المصنف
تقديرا للنفقة لما في "الذخيرة" وغيرها من أنه
ليس في النفقة عندنا تقدير لازم؛ لأن المقصود
من النفقة الكفاية وذلك مما يختلف فيه طباع
الناس وأحوالهم ويختلف باختلاف الأوقات أيضا
ففي التقدير بمقدار إضرار بأحدهما والذي قال
في الكتاب إن كان الزوج معسرا فرض القاضي لها
النفقة أربعة دراهم فهذا ليس بتقدير لازم، بل
إنما قدره محمد لما شاهد في زمانه فالذي يحق
على القاضي في زماننا اعتبار الكفاية بالمعروف
وأصله حديث هند2 حيث اعتبر الكفاية.
وفي "البدائع": وإذا كان وجوبها على الكفاية
فيجب على الزوج ما يكفيها من الطعام والإدام
والدهن؛ لأن الخبز لا يؤكل عادة إلا مأدوما،
وأما الدهن فلا بد منه للنساء وفي "الذخيرة"
قالوا واللحم ليس من الإدام خصوصا على أصل أبي
حنيفة في اليمين، فينظر إن كانت المرأة مفرطة
اليسار تأكل الحلواء وما أشبه ذلك والزوج كذلك
يفرض عليه مثل ذلك وإن كان من أوساط الناس
فعلى ما يأتدمون به في عاداتهم يفرض على الزوج
ا ه.
وفي الأقضية يفرض الإدام أيضا أعلاه اللحم
وأدناه الزيت وأوسطه اللبن، وقيل في الفقيرة
لا يفرض الإدام إلا إذا كان خبز شعير وفي "فتح
القدير": والحق الرجوع في ذلك إلى عرفهم ا ه.
وفي "المجتبى": والنفقة هي الخبز واللحم ودهن
الرأس ودهن السراج وثمن الماء، ولون من
الفاكهة وعلى المعسر من الطعام خبز الشعير إذا
كان ذلك طعام فقرائهم وعشرة أساتير3 من اللحم
وخمسة أساتير من الشحم والألية ولا شيء لها من
الفاكهة ا ه.
فصار الحاصل أنه ينبغي للقاضي إذا أراد فرض
النفقة أن ينظر في سعر البلد وينظر ما يكفيها
بحسب عرف تلك البلدة ويقوم الأصناف بالدراهم،
ثم يقدر بالدرهم كما في "المحيط" إما باعتبار
حاله أو باعتبار حالهما، واختار المصنف الثاني
وهو قول الخصاف وفي "الهداية" وعليه الفتوى،
وفي "الولوالجية" وهو الصحيح وعليه الفتوى
و"ظاهر الرواية" اعتبار حاله فقط وهو قول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تم تخريجه في نفس الصفحة من المنحة.
2 تم تخريجه في الصفحة من المنحة.
3 واحده إستار وهو وزن أربعة مثاقيل ونصف ا ه.
لسان العرب مادة ستر.
ج / 4 ص -270-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكرخي وبه قال جمع كثير من المشايخ ونص عليه
محمد، وقال في "التحفة" و"البدائع" إنه الصحيح
نظرا إلى قوله تعالى
{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا
آتَاهَا}
[الطلاق: 7].
واستدل في "الهداية" لاعتبار حالهما بحديث هند
فإنه اعتبر حالهما، وأما النص فنقول بموجبه
أنه مخاطب بقدر وسعه والباقي دين في ذمته،
وحاصله أنه عمل بالآية والحديث واتفقوا على
وجوب نفقة الموسرين إذا كانا موسرين وعلى نفقة
المعسرين إذا كانا معسرين، وإنما الاختلاف
فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فعلى
"ظاهر الرواية" الاعتبار لحال الرجل فإن كان
موسرا وهي معسرة تجب عليه نفقة الموسرين ولا
يجب عليه أن يطعمها مما يأكل، لكن قال مشايخنا
يستحب له أن يؤاكلها؛ لأنه مأمور بحسن العشرة
معها وذا في أن يؤاكلها لتكون نفقتها ونفقته
سواء وإن كان معسرا وهي موسرة وجب عليه نفقة
المعسرين؛ لأنها لما تزوجت معسرا فقد رضيت
بنفقة المعسرين، وأما على المفتى به فتجب نفقة
الوسط في المسألتين وهي فوق نفقة المعسرة ودون
نفقة الموسرة فإذا كان الزوج مفرطا في اليسار
يأكل الحلواء واللحم المشوي والباجات، والمرأة
فقيرة تأكل في بيتها خبز الشعير لا يجب عليه
أن يطعمها مما يأكل في بيته بنفسه ولا ما كانت
تأكل في بيت أهلها، ولكن يطعمها الوسط وهو خبز
البر وباجة أو باجتين، كذا في "الذخيرة". وفي
"غاية البيان" أنه إذا كان معسرا وهي موسرة
وأوجبنا الوسط فقد كلفناه بما ليس في وسعه فلا
يجوز وهو غفلة عما في "الهداية" كما قدمناه من
أنه مخاطب بقدر وسعه والباقي دين إلى الميسرة،
فليس تكليفا بما ليس في وسعه.
وفي "المجتبى" إن شاء فرض لها أصنافا وإن شاء
قومها وفرض لها بالقيمة ولم يذكر المصنف في أي
وقت يدفع لها النفقة؛ لأنه يختلف باختلاف
الناس قالوا يعتبر في الفرض الأصلح والأيسر
ففي المحترف يوما بيوم أي عليه أن يدفع نفقة
يوم بيوم؛ لأنه قد لا يقدر على تحصيل نفقة شهر
مثلا دفعة، وهذا بناء على أن يعطيها معجلا
ويعطيها كل يوم عند المساء عن اليوم الذي يلي
ذلك المساء لتتمكن من الصرف في حاجتها في ذلك
اليوم وإن كان تاجرا يفرض عليه نفقة شهر بشهر
أو من الدهاقين فنفقة سنة بسنة أو من الصناع
الذين لا ينقضي عملهم إلا بانقضاء الأسبوع
كذلك، كذا في "فتح القدير": وغيره وينبغي أن
يكون محله ما إذا رضي الزوج وإلا لو قال
التاجر والدهقان أو الصناع أنا أدفع نفقة كل
يوم معجلا لا يجبر على غيره؛ لأنه إنما اعتبر
ما ذكر تخفيفا عليه فإذا كان يضره لا يفعل
وظاهر كلامهم أن كل مدة ناسبت حال الزوج فإنه
يعجل نفقتها كما صرحوا به اليوم وصرح به في
التجنيس في نفقة الشهر أنها تفرض عليه وتدفع
لها، ثم قال لو فرض لها نفقة كل شهر فطلبتها
كل يوم كان لها أن تطلب عند المساء لأن
ج / 4 ص -271-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حصة كل يوم معلوم فيمكنهم المطالبة ولا كذلك
ما دون اليوم ا ه.
فإن قلت إذا شرط عليها وقت العقد أن النفقة
تموين من غير تقدير والكسوة كسوة الشتاء
والصيف فهل لها بعد ذلك طلب التقدير فيهما؟
قلت لم أره صريحا والقواعد تقتضي أن لها ذلك؛
لأن هذا الشرط ليس بلازم إذ هو شرط فيما لم
يكن واجبا بعد ولهذا قالوا الإبراء عن النفقة
لا يصح إلا إذا وجبت بالقضاء أو الرضا ومضت
مدة فحينئذ يصح الإبراء، كذا في "البدائع".
وفي "البزازية": أنت بريء من نفقتي ما دمت
امرأتك فإن لم يفرض القاضي النفقة فالإبراء
باطل وإن فرض لها القاضي النفقة كل شهر عشرة
دراهم صح الإبراء من نفقة الشهر الأول دون ما
سواها ا ه.
وهذا يدل على أن التقدير في مثل هذا يقع على
الشهر الأول دون ما عداه فإن قلت إذا حكم
مالكي في أصل العقد وفي شروطه وكتب وحكم
بموجبه كما يفعل الآن، ثم بعد ذلك شكت المرأة
وطلبت التقرير عند قاض حنفي فهل له تقريرها
قلت لم أره صريحا أيضا وما نقلوه في كتاب
القضاء كما في فصول العمادي و"البزازية": من
أن الحكم لا يرفع الخلاف إلا إذا كان بعد دعوى
صحيحة في حادثة من خصم على خصم وما نقل الكل
من أن شرط صحة الحكم تقدم الدعوى والحادثة
يقتضي أن للحنفي ذلك، وقد كثر وقوعها في
زماننا خصوصا أن النفقة تتجدد في كل يوم وما
يتجدد لم يقع فيه حكم.
وفي "القنية": قول القاضي استديني عليه كل
شهر كذا فرض منه كحبس المدعى عليه قضاء به.
وأشار المصنف بوجوب النفقة عليه إلى أنه إذا
لم يعط الزوج لها نفقة ولا كسوة فلها أن تنفق
من طعامه وتتخذ ثوبا من كرباسه بغير إذنه كما
في "الذخيرة" والقنية ومن النفقة التي على
الزوج الحطب والصابون والأشنان والدهن
للاستصباح وغيره وثمن ماء الاغتسال؛ لأنه مؤنة
الجماع وفي كتاب رزين جعله عليها وفصل في ماء
الطهر من الحيض بين أن يكون حيضها عشرة أيام
فعليها أو أقل فعليه، وأجرة القابلة على من
استأجرها من الزوجة والزوج فإن جاءت بغير
استئجار فلقائل أن يقول عليه؛ لأنه مؤنة
الجماع ولقائل أن يقول عليها كأجرة الطبيب،
وأما ثمن ماء الوضوء فعليها فإن كانت غنية
تستأجر من ينقله ولا تنقله بنفسها وإن كانت
فقيرة فإما أن ينقله الزوج لها أو يدعها تنقله
بنفسها، كذا في "الخلاصة" وبه علم أن أجرة
الحمام عليه؛ لأنه ثمن ماء الاغتسال لكن له
منعها من الحمام حيث لم تكن نفساء كما سيأتي
بيانه وسوى في
ج / 4 ص -272-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"الظهيرية" بين ثمن ماء الاغتسال وماء الوضوء
في الوجوب عليه وهو الظاهر وفي "الواقعات" ماء
وضوئها عليه غنية كانت أو فقيرة؛ لأنها لا بد
لها منه فصار كالشرب ا ه.
فظهر ضعف ما في "الخلاصة" وفي "الذخيرة" لو
طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة وكان للزوج
عليها دين فقال احسبوا لها نفقتها منه كان له
ذلك؛ لأن الدينين من جنس واحد فتقع المقاصة
كما في سائر الديون إلا أن في سائر الديون تقع
المقاصة تقاصا أو لم يتقاصا وهنا يحتاج إلى
رضا الزوج لوقوع المقاصة؛ لأن دين النفقة أنقص
من سائر الديون لسقوطه بالموت بخلاف سائر
الديون فكان دين الزوج أقوى فيشترط رضاه
بالمقاصة كما لو كان أحد الدينين جيدا والآخر
رديئا ا ه.
وفي نفقات الخصاف لو كفل رجل لها بالنفقة كل
شهر عشرة دراهم لزم شهر واحد عند أبي حنيفة،
وعند أبي يوسف يقع على الأبد وهو أرفق بالناس
وعليه الفتوى وأجمعوا أنه لو قال: كفلت لك
بنفقتك كل شهر كذا أبدا أو ما دمتما زوجين
فإنه يقع على الأبد ما داما زوجين، وأما
الكسوة فقال في "الظهيرية" قدر محمد الكسوة
بدرعين وخمارين وملحفة في كل سنة واختلفوا في
تفسير الملحفة قال بعضهم الملاءة التي تلبسها
المرأة عند الخروج، وقال بعضهم هي غطاء الليل
تلبسه في الليل وذكر درعين وخمارين أراد بهما
صيفيا وشتويا ولم يذكر السراويل في الصيف ولا
بد منه في الشتاء، وهذا في عرفهم أما في عرفنا
فتجب السراويل وثياب أخر كالجبة والفراش التي
تنام عليه واللحاف وما تدفع به أذى الحر
والبرد في الشتاء درع خز وجبة قز وخمار إبريسم
ولم يذكر الخف والمكعب في النفقة؛ لأن ذلك
إنما يحتاج إليه للخروج وليس للزوج تهيئة
أسباب الخروج ا ه. وفي "المجتبى" أن ذلك يختلف
باختلاف الأماكن والعادات فيجب على القاضي
اعتبار "الكفاية" بالمعروف في كل وقت ومكان
فإن شاء القاضي فرضها أصنافا وإن شاء قومها
وقضى بالقيمة.
وفي "الخلاصة" وتفرض الكسوة كل ستة أشهر إلا
إذا تزوج وبنى بها ولم يبعث إليها الكسوة لها
أن تطالبه بالكسوة قبل مضي ستة أشهر والكسوة
كالنفقة في أنه لا يشترط مضي المدة وللزوج أن
يرفعها إلى القاضي حتى يأمرها بلبس الثوب؛ لأن
الزينة حقه ا ه. وهو يدل على أن المرأة لو
أمسكت النفقة وأكلت قليلا وقترت على نفسها فله
أن يرفعها إلى القاضي لتأكل بما فرض لها خوفا
عليها من الهزال فإنه يضره.
وفي "غاية البيان" معزيا إلى الخصاف ويجعل لها
أن تنام عليه مثل الفراش ومضربة ومرقعة في
الشتاء ولحافا تتغطى به قال شمس الأئمة في
"شرح كتاب النفقات" ذكر لها فراشا على حدة،
ج / 4 ص -273-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يكتف بفراش واحد؛ لأنها ربما تعتزل عنه في
أيام الحيض أو في زمان مرضها ا ه.
وفي "فتح القدير": ذكر في "الأصل" الدرع من
الكسوة والخصاف ذكر القميص وهما سواء إلا أن
القميص يكون مجيبا من قبل الكتف والدرع من قبل
الصدر، وفي "البدائع" الكسوة على الاختلاف
كالنفقة من اعتبار حاله فقط أو حالهما على قول
الخصاف.
وفي "الذخيرة" إذا فرض لها القاضي الكسوة
فهلكت أو سرقت منها أو خرقتها قبل الوقت، فليس
عليه أن يكسوها حتى يمضي الوقت الذي لا تبقى
إليه الكسوة والأصل أن القاضي متى ظهر له
الخطأ في التقدير يرده فإذا لم يظهر له ذلك لا
يرده فإن تخرقت الكسوة بالاستعمال قبل مضي
الوقت ينظر فإن تخرقت بخرق استعمالها لم يتبين
الخطأ في التقدير فلا يقضي بكسوة أخرى ما لم
يمضي ذلك الوقت وإن تخرقت بالاستعمال المعتاد
تبين الخطأ في التقدير فيقضي بكسوة أخرى، وكذا
الجواب في النفقة إذا ضاعت أو سرقت أو أكلت أو
أسرفت أو لم تسرف وكان ذلك قبل مضي الوقت فهو
كما قلنا في الكسوة. ولو مضت المدة والكسوة
باقية فإن لم تستعمل تلك الكسوة أصلا حتى مضى
الوقت يفرض القاضي لها كسوة أخرى؛ لأنه لم
يظهر خطأ القاضي في التقدير وإن استعملت تلك
الكسوة فإن استعملت معها كسوة أخرى في تلك
المدة يفرض لها القاضي كسوة أخرى في تلك المدة
وإن لم تستعمل مع هذه الكسوة كسوة أخرى لا
يفرض لها أخرى؛ لأنه ظهر خطؤه في التقدير حيث
وقت وقتا تبقى الكسوة وراء ذلك الوقت فرق بين
هذا وبين ما إذا فرض لها القاضي عشرة دراهم
نفقة شهر فمضى الشهر، وقد بقي من العشرة شيء
حيث يفرض لها القاضي في النفقة عشرة أخرى،
والفرق أن في باب النفقة لم يظهر خطأ القاضي
في التقدير بيقين لجواز أنه إنما بقي من
العشرة شيء لتقتير وجد منها في الإنفاق على
نفسها فبقي التقدير معتبرا فيقضي القاضي لها
بعشرة أخرى.
أما في باب الكسوة إذا لبست جميع المدة ولم
تتخرق فقد ظهر خطأ القاضي في التقدير بيقين؛
لأنا تيقنا أنه لم يوجد منها التقتير في اللبس
فرق بين نفقة الزوجات وكسوتهن وبين نفقة
المحارم وكسوتهم فإن في الأقارب إذا مضى الوقت
وبقي شيء من الدراهم أو الكسوة فإن القاضي لا
يقضي بأخرى في الأحوال كلها؛ لأنها باعتبار
الحاجة في حقهم وفي حق المرأة معاوضة عن
الاحتباس ولهذا إذا ضاعت النفقة أو الكسوة من
أيديهم يفرض لهم أخرى لما ذكرنا ا ه.
وقد استفيد من هذه المنقولات أشياء منها أن
جميع ما تحتاج إليه المرأة من لباس بدنها وفرش
بيتها مما تنام عليه وتتغطى به فإنه لازم على
الرجل إما أن يأتي به وإما أن يفرضه القاضي
ج / 4 ص -274-
ولو
مانعة نفسها للمهر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه أصنافا أو دراهم كل ستة أشهر ويعجلها لها
وينبغي أن يلي الزوج شراء الأمتعة لها كما
قدمناه في الإنفاق إلا إذا ظهر مطله أو خيانته
في الشراء لها فحينئذ هي التي تلي ذلك بنفسها
أو بوكيلها ومنها أنها لو كان لها أمتعة من
فرش ونحوها لا يسقط عن الزوج ذلك، بل يجب عليه
ما ذكرناه وإن كان لها أمتعة فلا يلزمها أن
تلبس متاعها ولا أن تنام على فراشها فبالأولى
أن لا يلزمها أن تفرش متاعها لينام عليه أو
يجلس عليه ومنها أنه إذا دفع لها نفقتها
وأنفقت منها قليلا وأمسكت الباقي فإن لها ذلك
كما قدمناه ومنها أن أدوات البيت كالأواني
ونحوها على الرجل.
والحاصل: أن المرأة ليس عليها إلا تسليم
نفسها في بيته وعليه جميع ما يكفيها بحسب
حالهما من أكل وشرب ولبس وفرش ولا يلزمها أن
تستمتع بما هو ملكها ولا أن تفرش له شيئا من
فراشها وإنما أكثرنا من هذه المسائل تنبيها
للأزواج لما نراه في زماننا من تقصيرهم في
حقوقهن حتى أنه يأمرها بفرش أمتعتها جبرا
عليها، وكذلك لأضيافه وبعضهم لا يعطي لها كسوة
حتى كانت عند الدخول غنية صارت فقيرة، وهذا
كله حرام لا يجوز، نعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا وأراد بالزوجة في قوله تجب
للزوجة الزوجة في نفس الأمر بنكاح صحيح؛ لأنه
لا نفقة للزوجة بنكاح فاسد لا قبل التفريق ولا
بعده ولا نفقة للزوجة ظاهرا إلا في نفس الأمر.
ولهذا قال في "الظهيرية": لو أن امرأة أخذت
نفقتها من زوجها أشهرا، ثم شهد شاهدان أنها
أخته من الرضاع يفرق بينهما ويرجع عليها الزوج
بما أخذت وذكر قبله أختان ادعت كل واحدة منهما
أن هذا زوجها وهو يجحد فأقامتا البينة على
النكاح والدخول فلهما نفقة امرأة واحدة في مدة
المسألة عن الشهود نص عليه الخصاف
"قوله: ولو مانعة نفسها للمهر"
أي يجب عليه النفقة، ولو كانت المرأة مانعة
نفسها بحق كالمنع لقبض مهرها والمراد منه
المعجل إما نصا أو عرفا كما أسلفناه؛ لأنه منع
بحق فكان فوت الاحتباس لمعنى من قبله فيجعل
كلا فائت أطلقه فشمل المنع بعد الدخول وهو قول
الإمام، وقالا لا نفقة لها إلا إذا كانت دون
البلوغ لعدم صحة تسليم الأب، وقد قدمناه قيدنا
المهر بالمعجل؛ لأنه لو كان كله مؤجلا فامتنعت
فلا نفقة لها؛ لأنه نشوز كما في "غاية البيان"
وقدمنا أن الفتوى على قول أبي يوسف من أن لها
المنع فعلى هذا لا تسقط نفقتها؛ لأنه بحق.
وأشار المصنف إلى أن شرط وجوب النفقة تسليم
المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم،
ج / 4 ص -275-
لا ناشزة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونعني بالتسليم/ التخلية وهي أن تخلي بين
نفسها وبين زوجها برفع المانع من وطئها أو
الاستمتاع بها إذا كان المانع من قبلها أو من
قبل غير الزوج فلو تزوج بالغة حرة صحيحة سليمة
ونقلها إلى بيته فلها النفقة كذلك إذا لم
ينقلها وهي بحيث لا تمنع نفسها وطلبت هي
النفقة ولم يطالبها هو بالنقلة فلها النفقة
فإن طالبها بالنقلة وامتنعت فإن كان امتناعها
بحق بأن امتنعت لاستيفاء مهرها المعجل فلها
النفقة، وكذا لو طالبها بالنقلة بعدما أوفاها
المهر إلى دار مغصوبة فامتنعت فلها النفقة؛
لأنه بحق، ولو كانت ساكنة في منزلها فمنعته من
الدخول عليها لا على سبيل النشوز، بل قالت له
حولني إلى منزلك أو اكتر لي منزلا أنزله فإني
محتاجة إلى منزلي هذا آخذ كراه فلها النفقة.
كذا في "البدائع" وفي "الذخيرة"، وقال بعض
المتأخرين من أئمة بلخ لا تستحق النفقة إذا لم
تزف إلى بيت الزوج والفتوى على جواب الكتاب
وهو وجوب النفقة إذا لم يطالبها بالنقلة.
"قوله لا ناشزة" بالجر عطف
على الزوجة أي لا تجب النفقة للناشزة وهي في
اللغة العصابة على الزوج المبغضة له، يقال
نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة، وعن الزجاج
النشوز يكون بين الزوجين وهي كراهة كل واحد
منهما صاحبه، كذا في "المغرب" وفي الشرع كما
قال الإمام الخصاف الخارجة عن منزل زوجها
المانعة نفسها منه والمراد بالخروج كونها في
غير منزله بغير إذنه ليشمل ما إذا امتنعت عن
المجيء إلى منزله ابتداء بغير إيفاء معجل
مهرها وما إذا خرجت من منزله بعد الانتقال
إليه.
وأطلق الخروج فشمل الحقيقي والحكمي وهو عدم
تمكينها له من الدخول في منزلها الذي يسكنان
فيه قبل أن تسأله النقلة؛ لأنها كالخارجة،
وعلله في "الذخيرة" بأنها صارت كأنها نشزت إلى
موضع آخر فدل أنه خروج من منزله حكما بخلاف ما
إذا منعته بعد ما سألته النقلة كما قدمناه
وخرج ما إذا خرجت من بيت الغصب أو امتنعت من
الانتقال إليه فإنها تكون ناشزة كما قدمناه؛
لأنه ليس منزلا له أصلا بخلاف البيت الذي فيه
شبهة كبيت السلطان ليس لها أن تمتنع وتصير
ناشزة كما في "الخانية": لعدم اعتبار الشبهة
في زماننا كما في "التجنيس".
وقيد بالخروج؛ لأنها لو كانت مقيمة معه في
منزله ولم تمكنه من الوطء فإنها لا تكون
ناشزة؛ لأن الظاهر أن الزوج يقدر على تحصيل
المقصود منها بدليل أن البكر لا توطأ إلا
كرها، وقد علم مما قدمناه أن المراد بمنعها
نفسها منه بغير حق.
فلذا قال في "الخلاصة" لو كان الزوج بسمرقند
وكانت زوجته بنسف فبعث إليها أجنبيا
ج / 4 ص -276-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليحملها إلى سمرقند ولم تذهب معه لعدم المحرم
فإن لها النفقة وشمل الخروج الحكمي ما إذا طلب
أن يسافر بها من بلدها وامتنعت فإنه لا نفقة
لها على "ظاهر الرواية" من أن له السفر بها،
وأما على المفتى به فإنها لا تكون ناشزة كما
قدمناه.
وأشار إليه في "الذخيرة" هنا وأطلق في عدم
وجوب النفقة للناشزة فشمل ما إذا كانت النفقة
مفروضة فإن النشوز يسقطها أيضا إلا إذا
استدانت فإن المستدانة لا يسقطها النشوز على
أصح الروايتين كالموت لا يسقطها أيضا كما في
"الذخيرة" وهو مما ينبغي حفظه ولم يذكر ما إذا
تركت النشوز وهو بعودها إلى منزله لظهور أن
النفقة تعود؛ لأنه من باب زوال المانع.
وفي "الخلاصة" الناشزة إذا عادت إلى بيت الزوج
بعدما سافر زوجها أجابوا أنها خرجت على أن
تكون ناشزة ا ه. وشمل تعريف الناشزة المنكرة
للنكاح فإذا ادعى عليها النكاح فجحدت، ثم أقام
البينة فلا نفقة لها زاد في "فتح القدير": ،
وكذا إذا كان الزوج هو المنكر، ثم قال ولقائل
أن يقول وينبغي أن يجب؛ لأنها صارت مكذبة
شرعا، وكذا الزوج وإلا فلا يخفى ما فيه من
الإضرار وفتح باب الفساد خصوصا عند اضطرارها
للنفقة مع حبسها ا ه.
ولا يخفى أنهم إنما نفوا وجوب النفقة ما دامت
جاحدة أما إذا عادت إلى التصديق وطلبت النفقة
فإن لها النفقة، وأما إذا كان الزوج هو المنكر
فإنما نفوا وجوب النفقة عنه في مدة المسألة عن
الشهود لا مطلقا كما سنبينه بعد ذلك عن
"الظهيرية" وخرج عنه ما إذا أجرت نفسها لإرضاع
صبي وزوجها شريف ولم تخرج من منزله، وذكر في
الفوائد التاجية نقلين فيها الثاني منهما كما
ذكرنا والأول هو نشوز وإن لم تخرج ولا يخفى
ضعفه، وفي "الخلاصة" إن قال الزوج هي ناشزة
فلا نفقة لها علي فإن شهدوا أنه أوفاها المعجل
وهي لم تكن في بيت الزوج سقطت النفقة، ولو
شهدوا أنها ليست في طاعة الزوج للجماع لا
تقبل؛ لأنه يحتمل أنها تكون في بيته ولا تكون
في طاعته وبه لا تسقط النفقة؛ لأن الزوج يغلب
عليها ا ه.
وبه علم أن الزوج إذا ادعى نشوزها في مدة
وأنكرت فالقول قولها مع يمينها فإن حلفت أخذت
النفقة وإن نكلت سقطت والبينة عليه وسيأتي أن
لها الخروج من منزله بغير إذنه في مواضع حينئذ
لا تكون ناشزة فعلى هذا المراد بالخروج خروجها
بغير حق لا بغير إذنه فقط لكن ذكر في
"المجتبى"، وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل
أو على عكسه لا تستحق النفقة؛ لأن التسليم
ناقص.
ج / 4 ص -277-
وصغيرة لا توطأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت وبهذا عرف جواب واقعة في زماننا بأنه إذا
تزوج من المحترفات التي تكون عامة النهار في
الكرخانة والليل مع الزوج لا نفقة لها ا ه. مع
أنه سيأتي أن القابلة لها الخروج.
"قوله وصغيرة لا توطأ" أي لا
نفقة للصغيرة إذا كانت لا تطيق الجماع؛ لأن
امتناع الاستمتاع لمعنى فيها والاحتباس الموجب
هو الذي يكون وسيلة إلى المقصود المستحق
بالنكاح ولم يوجد بخلاف المريضة كما سيأتي1،
وقال الشافعي لها النفقة؛ لأنها عوض عن الملك
عنده كما في المملوكة بملك اليمين ولنا أن
المهر عوض عن الملك ولا يجتمع العوضان عن معوض
واحد فلها المهر دون النفقة أطلق في عدم
وجوبها لها فشمل ما إذا كانت في بيت الزوج أو
في بيت أبيها وقيد بالنفقة؛ لأن للأب مطالبة
الزوج بمهر الصغيرة التي لا توطأ وإن كانت
صغيرة جدا ويجبر الزوج على دفع المهر إليه؛
لأنه يجب كله بنفس العقد وحق القبض للأب، كذا
في "الخانية".
وقيد بالصغيرة؛ لأنها تجب كالمهر للكبيرة وإن
كان الزوج صغيرا جدا في ماله؛ لأن العجز من
قبله كالمجبوب والعنين فإن لم يكن له مال لا
تجب على الأب نفقة امرأة ولده ويستدين الأب
عليه، ثم يرجع بذلك على الابن إذا أيسر، كذا
في "الخانية".
وفي "الخلاصة" لا يجب على أبيه إلا إذا ضمنها
كما في المهر ا ه. فلو أنفق عليها أبوه، ثم
ولدت واعترفت أنها حبلت من الزنا فإنها لا ترد
شيئا من النفقة؛ لأن الحبل من الزنا وإن منع
من الوطء لا يمنع من دواعيه ومن وطئ فيما دون
الفرج، وهذا كاف لوجوب النفقة بخلاف ما إذا
أقرت أنها حين تزوجت كانت حبلى فإنها ترد نفقة
ستة أشهر؛ لأنه لا نفقة في النكاح الفاسد حملا
لأمرها على أن الحبل من زوج آخر سابق فتصدق في
حق نفسها إلا في حق الزوج، كذا في "الذخيرة".
والحاصل: أن الصغيرة التي لا توطأ لا يجب لها
نفقة صغيرا كان الزوج أو كبيرا والمطيقة للوطء
تجب نفقتها صغيرا كان الزوج أو كبيرا واختلف
في حد المطيقة له والصحيح أنه غير مقدر بالسن
وإنما العبرة للاحتمال والقدرة على الجماع،
فإن السمينة الضخمة تحتمل الجماع وإن كانت
صغيرة السن، كذا في التبيين وذكر العتابي أنها
بنت تسع واختاره مشايخنا ا ه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلق في التي لا تطيق الجماع فشمل ما إذا
كانت تصلح للخدمة أو الاستئناس فإنه لا نفقة
1 انظر الصفحة: "280".
ج / 4 ص -278-
ومحبوسة بدين، ومغصوبة وحاجة مع غير الزوج،
ومريضة لم تزف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لها خلافا لأبي يوسف فيما إذا أسكنها في بيته
فإن لها النفقة واختار صاحب الإيضاح والتحفة
كما في "غاية البيان" وله أن يردها على قول
أبي يوسف.
وقيد بالصغيرة؛ لأن النفقة واجبة للقرناء
والرتقاء والتي أصابها مرض يمنع الجماع
والكبيرة التي لا يمكن وطؤها لكبرها سواء
أصابتها هذه العوارض بعدما انتقلت إلى بيت
الزوج أو قبل ذلك مع أنه لا احتباس للوطء فيهن
كالصغيرة التي لا توطأ فأجبت بأن المعتبر في
إيجاب النفقة احتباس ينتفع به الزوج انتفاعا
مقصودا بالنكاح وهو الجماع أو الدواعي
والانتفاع من حيث الدواعي موجود في هؤلاء بأن
يجامع فيما دون الفرج بخلاف الصغيرة فإنها لا
تكون مشتهاة أصلا قالوا فعلى هذا التعليل إذا
كانت الصغيرة مشتهاة يمكن جماعها فيما دون
الفرج تجب النفقة كذا في "الذخيرة" والظاهر أن
من كانت بحيث تشتهى للجماع فيما دون الفرج فهي
مطيقة للجماع في الجملة إلى آخر ما في "فتح
القدير": وفي "الخلاصة" معزيا إلى الأقضية
أبو الصغيرة التي لا نفقة لها إذا طلب من
القاضي فرض النفقة لها على الزوج وظن الزوج أن
ذلك عليه ففرض لها النفقة لا يجب شيء والفرض
باطل ا ه. ونظيره ما قدمناه عن "الظهيرية" لو
فرض لها القاضي النفقة فأخذتها أشهرا، ثم شهد
الشهود أنها أخته من الرضاع وفرق القاضي
بينهما رجع الزوج عليها بما أخذته من النفقة.
"قوله ومحبوسة بدين ومغصوبة وحاجة مع غير
الزوج ومريضة لم تزف" أي لا
تجب النفقة لهؤلاء؛ لأن فوات الاحتباس ليس منه
أما في المحبوسة بدين فلأن فوات الاحتباس منها
بالمماطلة وإن لم يكن منها بأن كانت عاجزة،
فليس منه؛ ولذا أطلقه المصنف ليشمل ما إذا
كانت قادرة على أدائه أو لا وما إذا حبست قبل
النقلة أو بعدها وهو المذكور في "الجامع"
الكبير واستشهد له محمد رحمه الله بغصب العين
المستأجرة من يد المستأجر حيث تسقط الأجرة
لفوات الانتفاع لا من جهته وعليه الاعتماد،
كذا في التبيين وفي "فتح القدير": وعليه
الفتوى، وفي "غاية البيان" أن محمدا وضع
المسألة في النفقة المفروضة؛ لأنه بدونه لا
تتصور المسألة لسقوطها، ولو حذف المصنف قوله
بدين لكان أولى؛ لأن المحبوسة ظلما بغير حق لا
نفقة لها؛ لأن المعتبر في سقوط نفقتها فوات
الاحتباس لا من جهة الزوج، وقد فات الاحتباس
هنا لا من جهته، وهذا هو الصحيح؛ لأنه إذا كان
الفوات من جهته أمكن القول ببقائه تقديرا،
وأما إذا كان لا من جهته فلم يكن الاحتباس
باقيا تقديرا وبدونه لا يمكن إيجاب النفقة،
كذا في "الذخيرة".
وقيد بحبسها؛ لأن الزوج لو حبس وهو يقدر على
الأداء أو لا يقدر أو حبس ظلما أو هرب أو نشز
كانت لها النفقة؛ لأن الاحتباس هنا فات لمعنى
من جهة الزوج، كذا في "الذخيرة" ولا فرق بين
أن تحبسه هي لدين لها عليه أو يحبسه أجنبي.
وفي "الخلاصة" أنها إذا حبسته وطلب أن تحبس
معه فإنها لا تحبس، وذكر في مآل الفتاوى أنه
إذا خيف عليها الفساد تحبس معه عند
ج / 4 ص -279-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتأخرين، وأما إذا غصبها رجل كرها وذهب بها
فما في المختصر هو "ظاهر الرواية"، وعن أبي
يوسف أن لها النفقة والفتوى على الأول؛ لأن
فوت الاحتباس ليس منه ليجعل باقيا تقديرا، كذا
في "الهداية". وأما إذا حجت مع غير الزوج فلأن
فوات الاحتباس منها، وعن أبي يوسف أن لها
النفقة؛ لأن إقامة الفرض عذر فيكون لها نفقة
الحضر وفي رواية عنه يؤمر الزوج بالخروج معها
والإنفاق عليها إذا أرادت حجة الإسلام، كذا في
"الذخيرة".
أطلق الحج فشمل الفرض والنفل وما إذا حجت قبل
أن تسلم نفسها أو بعده، وهذا هو "ظاهر
الرواية"؛ لأن الامتناع من جهتها فأوجب
سقوطها، سواء كانت عاصية في الخروج أو طائعة
بخلاف الصلاة والصوم لوجود الاحتباس فلا يمنع
اشتغالها بهما من وجوب النفقة كذا في
"الذخيرة".
وقيد بكون الحج مع غير الزوج الشامل لحجها
وحدها أو مع محرم للاحتراز عما إذا حج معها
فإن لها النفقة اتفاقا وهي نفقة الحضر لا
السفر فينظر إلى قيمة الطعام في الحضر ولا
ينظر إلى قيمته في السفر ولا يلزمه الكراء
ومؤنة السفر، وأما المريضة التي لم تزف
فالمراد بها المريضة التي لم تنتقل إلى بيت
الزوج، وقد اختلفت عبارات الكتب في هذه
المسألة فظاهر المختصر أنها إذا مرضت قبل
الدخول وهي في غير بيت الزوج فإنه لا نفقة لها
ومفهومه أنها إن كانت في بيته فلها النفقة
وعلى هذا فالفرق بينها وبين الصحيحة إنما هو
من جهة أن الصحيحة إذا لم تمنع نفسها من
الانتقال مع الزوج فلها النفقة طلبها الزوج أو
لا بخلاف المريضة فإنه لا نفقة لها وهي في
بيتها مطلقا.
وفي "البدائع" ما يخالفه فإنه قال: لو كانت
المرأة مريضة قبل النقلة مرضا يمنع من الجماع
فنقلت وهي مريضة فلها النفقة بعد النقلة
وقبلها أيضا إذا طلبت النفقة فلم ينقلها الزوج
وهي لا تمتنع من النقلة لو طالبها الزوج وإن
كانت تمتنع فلا نفقة لها كالصحيحة كذا ذكره في
"ظاهر الرواية" وروي عن أبي يوسف أنه لا نفقة
لها قبل النقلة فإذا نقلت وهي مريضة فله أن
يردها، وجه "ظاهر الرواية" أن التسليم في حق
التمكين من الوطء إن لم يوجد فقد وجد في حق
التمكين من الاستمتاع، وهذا يكفي لوجوب النفقة
كما في الحائض والنفساء والصائمة صوم رمضان،
وإذا امتنعت لم يوجد التسليم شرعا ا ه.
فحاصله أن "ظاهر الرواية" أن المريضة كالصحيحة
فلا ينبغي إدخالها في النساء اللاتي لا نفقة
لهن وفي التجنيس المرأة قبل الدخول بها إذا
مرضت وطلبت النفقة يفرض لها النفقة إن لم يكن
يحول بينه وبين أن يضمها إليه؛ لأنها ما
امتنعت من تسليم النفس وإن امتنعت من ذاك فلا
نفقة عليه ا ه.
ج / 4 ص -280-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وظاهره أنه إذا كان مرضها مانعا من النقلة فلا
نفقة لها وإن لم تمنع نفسها وعليه يحمل ما في
المختصر وحاصله أن المنقول في "ظاهر الرواية"
وجوب النفقة للمريضة، سواء كان قبل النقلة أو
بعدها وسواء كان يمكنه جماعها أو لا كان معها
زوجها أو لا حيث لم تمنع نفسها كما صرح به في
"البدائع" و"الخلاصة" و"الذخيرة" و"غاية
البيان" معزيا إلى كافي الحاكم و"المبسوط"
والشامل وشرح الطحاوي فكان هو المذهب وصححه في
"فتح القدير": ، وقال إن الفتوى عليه وذكر أن
القائلين بعدمه فرعوه على اشتراط التسليم
حقيقة وهو مروي عن أبي يوسف وليس هو المختار
والذي ظهر لي أن ما ذكره المشايخ إنما هو
"ظاهر الرواية" إلا أنه مفرع على رواية أبي
يوسف فإن النفقة وإن كانت واجبة للمريضة في
"ظاهر الرواية" قبل الانتقال حيث لم تمنع
نفسها لكن بشرط أن يمكنها الانتقال فلو كانت
بحيث لا يمكنها الانتقال أصلا فلا نفقة لها
لعدم التسليم تقديرا بدليل قولهم في توجيه
"ظاهر الرواية" إن التسليم حاصل في حق التمكين
من الاستمتاع وإن لم يمكن انتقالها فات
التسليم بالكلية فهذا هو مراد الفارقين بين
المريضة والصحيحة فالمريضة التي لم تزف لا
نفقة لها إن كانت بحيث لا تقدر على الانتقال
معه سواء منعت نفسها بالقول أو لا.
وقيد بكونها لم تزف؛ لأنها لو مرضت في بيت
الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل
نفقتها بلا خلاف؛ لأن التسليم المطلق هو
التسليم الممكن من الوطء والاستمتاع، وقد حصل
بالانتقال؛ لأنها كانت صحيحة، كذا في
"البدائع".
وبه ظهر أن ما في "الخانية" من التفصيل لا أصل
له وعبارتها إذا زفت المرأة إلى زوجها وهي
صحيحة فمرضت في بيت الزوج مرضا لا تحتمل
الجماع إن كان بنى بها كان لها النفقة؛ لأن
المرأة لا تسلم عن المرض في عمرها وإن كان لم
يدخل بها فمرضت مرضا لا تحتمل الجماع لا نفقة
لها وإن أغمي عليها إغماء كثير فهو بمنزلة
المرض ا ه.
وفيها أيضا: لو مرضت في بيت الزوج بعد الدخول
فانتقلت إلى دار أبيها قالوا إن كانت بحال
يمكن النقل إلى منزل الزوج بمحفة أو نحوها فلم
تنتقل فلا نفقة لها وإن كان لا يمكن نقلها
فلها النفقة ا ه.
وقيد بالنفقة؛ لأن المداواة لا تجب عليه أصلا،
كذا في التبيين من باب صدقة الفطر، وقد ذكر
المصنف ستا من النساء لا نفقة لهن.
وفي "خزانة الفقه" لأبي الليث عشر من النساء
لا نفقة لهن ولم يذكر المريضة وذكر/
ج / 4 ص -281-
ولخادم موسرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خمسة والأمة إذا لم يبوئها مولاها والمنكوحة
نكاحا فاسدا والمرتدة والمتوفى عنها زوجها
والمرأة إذا قبلت ابن زوجها بشهوة وسيأتي حكم
نفقة الأمة والمتوفى عنها زوجها والمقبلة
والمرتدة فلم يفت المصنف إلا المنكوحة نكاحا
فاسدا ولا حاجة إلى بيانه.
"قوله ولخادم لو موسرا" أي
تجب النفقة والكسوة لخادم المرأة؛ لأن كفايتها
واجبة عليه، وهذا من تمامه إذ لا بد منه
فيلزمه للخادم أدنى "الكفاية" لا تبلغ نفقة
المرأة، وكذا كسوته بأرخص ما يكون ويفرض
للخادم خف؛ لأنها تحتاج إلى الخروج بخلاف
المرأة، كذا في "الخانية": وفسر في "الهداية"
نفقة الخادم بما يلزم المعسر من نفقة امرأته
وشرط في "البدائع" وشرح الطحاوي في وجوب نفقة
خادمها أن لا يكون له شغل غير خدمتها بأن يكون
متفرغا لها.
وأطلق المصنف في الخادم ولم يضفه إليها
للاختلاف في تفسيره فقيل هو كل من يخدمها حرا
كان أو عبدا ملكا لها أو له أو لهما أو
لغيرهما و "ظاهر الرواية" عن أصحابنا الثلاثة
كما في "الذخيرة" أنه مملوكها فلو لم يكن لها
خادم لا يفرض عليه نفقة خادم؛ لأنها بسبب
ملكها له فإذا لم يكن في ملكها لا يلزمه نفقته
كالقاضي إذا لم يكن له خادم لا يستحق نفقة
الخادم في بيت المال وظاهر كلامهم أن خادمها
هو المملوك لها سواء كان عبدا أو جارية ولهذا
ذكر في "غاية البيان" أن الخادم واحد الخدام
غلاما كان أو جارية وبه تبين أن تفسير الزيلعي
خادمها بالجارية المملوكة لها في "ظاهر
الرواية" فيه نظر وينبغي أن يدخل المدبر
والمدبرة تحته وبهذا علم أنه إذا لم يكن لها
خادم مملوك لا يلزم الزوج كراء غلام يخدمها
لكن يلزمه أن يشتري لها ما تحتاج إليه من
السوق كما صرح به في الفتاوى السراجية.
وقيد بالخادم؛ لأنه لا يلزمه نفقة أكثر من
خادم واحد لها وهذا عندهما، وقال أبو يوسف
يفرض لخادمين؛ لأنها تحتاج إلى أحدهما لمصالح
الداخل وإلى الآخر لمصالح الخارج ولهما أن
الواحد يقوم بالأمرين فلا ضرورة إلى اثنين قال
الطحاوي وروى صاحب الإملاء عن أبي يوسف أن
المرأة إذا كانت ممن يجل مقدارها عن خدمة خادم
واحد أنفق على من لا بد لها منه من الخدام ممن
هو أكثر من الخادم الواحد أو الاثنين أو أكثر
من ذلك قال وبه نأخذ في "غاية البيان" وفي
"الظهيرية" و"الولوالجية" المرأة إذا كانت من
بنات الأشراف ولها خدم يجبر الزوج على أجرة
خادمين ا ه.
فالحاصل أن المذهب الاقتصار على واحد مطلقا
والمأخوذ به عند المشايخ قول أبي يوسف وفي
"فتح القدير": و"الذخيرة" لو كان له أولاد لا
يكفيهم خادم واحد فرض عليه لخادمين أو أكثر
مقدار ما يكفيهم اتفاقا وفي التجنيس امرأة لها
مماليك قالت لزوجها أنفق عليه من
ج / 4 ص -282-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مهري فأنفق فقالت لا أجعلها من المهر؛ لأنك
استخدمتهم فما أنفق بالمعروف فهو محسوب عليها؛
لأنه بأمرها ا ه.
وأطلق في وجوب نفقة الخادم فشمل ما إذا أراد
الزوج أن يخدمها أو يخدمها خادمه ولا ينفق على
خادمها قال في "الخانية": وإن قال الزوج أنا
أخدمك أو تخدمك جارية من جواري، الصحيح أن
الزوج لا يملك إخراج خادم المرأة من بيته
وعلله الولوالجي بأن المرأة عسى لا تتهيأ لها
الخدمة بخدم الزوج وظاهره أنه يملك إخراج ما
عدا خادم واحد من بيته؛ لأنه زائد على قولهما
وأطلق في المرأة فشمل الأمة والحرة الشريفة
والوضيعة لكن في "الخلاصة" معزيا إلى الفتاوى
"الصغرى" المنكوحة إذا كانت أمة لا تستحق نفقة
الخادم ونفقة الخادم لبنات الأشراف ا ه. ولا
يتصور أن يكون للأمة خادم على "ظاهر الرواية"؛
لأنه المملوك للمرأة ولا مالك للأمة وإنما هو
على قول من فسر الخادم بكل خادم مملوكا لها أو
لا، وقد أخذ بعضهم بما في "الخلاصة" أنها إذا
كانت من الأرذال لا تستحق نفقة الخادم وإن
كانت حرة؛ لأنه قيدها ببنات الأشراف.
قال في "فتح القدير": ويوافقه ما قيد به
الفقيه أبو الليث كلام الخصاف حيث قال في أدب
القاضي: لو فرض ما يحتاج إليه من الدقيق
والدهن واللحم والإدام فقالت لا أعجن ولا أخبز
ولا أعالج شيئا من ذلك لا تجبر عليه وعلى
الزوج أن يأتيها بمن يكفيها عمل ذلك قال
الفقيه أبو الليث هذا إذا كان بها علة لا تقدر
على الطبخ والخبز أو كانت ممن لا تباشر ذلك
فإن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك عليه
أن يأتيها بمن يفعله وفي بعض المواضع تجبر على
ذلك قال السرخسي لا تجبر، ولكن إذا لم تطبخ لا
يعطيها الإدام وهو الصحيح وقالوا إن هذه
الأعمال واجبة عليها ديانة وإن كان لا يجبرها
القاضي ا ه. ولذا قال في "البدائع" لو
استأجرها للطبخ والخبز لم يجز ولا يجوز لها
أخذ الأجرة على ذلك؛ لأنها لو أخذت لأخذت على
عمل واجب عليها في الفتوى فكان في معنى الرشوة
فلا يحل لها الأخذ ا ه. وهو شامل لبنات
الأشراف أيضا؛ ولذا استدل في "البدائع" لوجوبه
ديانة بأنه عليه السلام "قسم الأعمال بين علي
وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي وأعمال
الداخل على فاطمة" ا ه. مع أنها سيدة نساء
العالمين رضي الله تعالى عنها وأبوها صلى الله
عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين.
وقيد بيسار الزوج؛ لأنه لا يجب عليه نفقة
الخادم عند إعساره وهو رواية الحسن عن أبي
حنيفة وهو الأصح خلافا لما قاله محمد؛ لأن
الواجب على المعسر أدنى "الكفاية" وهي قد
تكتفي بخدمة نفسها، كذا في "الهداية" وتعقبه
في "فتح القدير": بأنه مخالف لما ذكره أولا
من لزوم
ج / 4 ص -283-
ولا يفرق بعجزه عن النفقة وتؤمر بالاستدانة
عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتبار حالهما وأنه عند إعساره دونها ينفق
بقدر حاله والباقي دين عليه وقياسه أن تجب
النفقة للخادم دينا عليه ا ه.
وقد يقال إنما قيل في نفقتها ذلك للجمع بين
الدليلين الآية وحديث هند وليس ذلك في الخادم
فبقي على الأصل من اعتبار حاله.
وفي "الذخيرة" ولا تقدر نفقة الخادم بالدراهم
على ما ذكرنا في نفقة المرأة، بل يفرض لها ما
يكفيها بالمعروف، ولكن لا تبلغ نفقة خادمها
نفقتها؛ لأن الخادم تبع للمرأة فتنقص نفقة
الخادم عن نفقتها ولم يرد بالنقصان النقصان في
الخبز؛ لأن النفقة بقدر الكفاية وعسى أن
تستوفي الخادم من الخبز في الأكل أكثر مما
تستوفي المرأة وإنما أراد به النقصان في
الإدام ا ه.
وفيها أيضا والكسوة للخادم على المعسر قميص
كرباس في الشتاء وإزار ورداء كأرخص ما يكون
وفي الصيف قميص مثل ذلك وإزار وعلى الموسر في
الشتاء قميص وطيء وإزار كرباس وكساء رخيص وفي
الصيف قميص مثل ذلك وإزار، ثم لم يفرض للخادمة
الخمار وفرضها للمرأة؛ لأن الخمار لستر الرأس،
ورأس المرأة عورة ورأس الخادم ليس بعورة وفرض
لها الإزار؛ لأن الخادم تحتاج إلى الخروج قال
مشايخنا ما ذكره محمد في الكتاب من ثياب
الخادم فهو بناء على عاداتهم وذلك يختلف
باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد باختلاف
العادات في كل وقت فعلى القاضي اعتبار
"الكفاية" في نفقة الخادم فيما يفرض في كل وقت
ومكان ا ه.
وما ذكره من كسوة الخادم على المعسر إنما هو
على قول محمد كما لا يخفى.
وفي "غاية البيان"، واليسار مقدر بنصاب حرمان
الصدقة لا بنصاب وجوب الزكاة ا ه. وإن اختلفا
في اليسار والإعسار فالقول قوله إلا أن تقيم
المرأة البينة ويشترط العدد والعدالة في هذا
الخبر ولا يشترط لفظة الشهادة وإن أقاما
البينة فبينتها أولى، كذا في "الخانية"، ثم
اعلم أن نفقة الخادم إنما تجب على الزوج بإزاء
الخدمة فإن امتنعت من الطبخ والخبز وأعمال
البيت لم تستحق النفقة؛ لأنه لم يوجد ما تستحق
النفقة بمقابلتها بخلاف نفقة المرأة فإنها في
مقابلة الاحتباس فإذا لم تعمل تستحق النفقة،
وهذا هو "ظاهر الرواية"، كذا في "الذخيرة".
"قوله ولا يفرق بعجزه عن النفقة وتؤمر
بالاستدانة عليه"؛ لأنه لو
فرق بينهما لبطل حقه، ولو لم يفرق لتأخر حقها
والأول أقوى في الضرر؛ لأن النفقة تصير دينا
بفرض القاضي فيستوفي في الثاني وفوت المال وهو
تابع في النكاح فلا يلحق بما هو المقصود وهو
التوالد فلا يقاس العجز عن الإنفاق على العجز
عن الجماع في المجبوب والعنين.
ج / 4 ص -284-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلق في النفقة فشمل الأنواع الثلاثة فلا
يفرق بعجزه عن كلها أو بعضها وقيد بالنفقة
ليعلم حكم المهر بالأولى وفي "غاية البيان"
معزيا إلى الفصول إذا ثبت العجز بشهادة الشهود
فإن كان القاضي شافعي المذهب وفرق بينهما نفذ
قضاؤه بالتفريق وإن كان حنفيا لا ينبغي له أن
يقضي بالتفريق بخلاف مذهبه إلا إذا كان مجتهدا
ووقع اجتهاده على ذلك فإن قضى مخالفا لرأيه من
غير اجتهاد فعن أبي حنيفة روايتان، ولو لم يقض
ولكن أمر شافعي المذهب ليقضي بينهما في هذه
الحادثة فقضى بالتفريق نفذ إذا لم يرتش الآمر
والمأمور فإن كان الزوج غائبا فرفعت المرأة
الأمر إلى القاضي وأقامت المرأة البينة أن
زوجها الغائب عاجز عن النفقة وطلبت من القاضي
أن يفرق بينهما فإن كان القاضي حنفيا فقد
ذكرنا وإن كان شافعيا ففرق بينهما قال مشايخ
سمرقند جاز تفريعه؛ لأنه قضى في فصلين مختلف
فيهما التفريق بسبب العجز عن النفقة والقضاء
على الغائب وكل واحد منهما مجتهد فيه، وقال
ظهير الدين المرغيناني لا يصح التفريق؛ لأن
القضاء على الغائب إنما يصح عند الشافعي وينفذ
في إحدى الروايتين عن أبي حنيفة إذا ثبت
المشهود به وهنا لم يثبت المشهود به عند
القاضي وهو العجز؛ لأن المال غاد ورائح ومن
الجائز أن الغائب صار غنيا ولم يعلم به الشاهد
لما بينهما من المسافة فكان الشاهد مجازفا في
هذه الشهادة.
وقال صاحب "الذخيرة" الصحيح أنه لا يصح قضاؤه؛
لأن العجز لا يعرف حالة الغيبة لجواز أن يكون
قادرا فيكون هذا ترك الإنفاق لا للعجز عن
الإنفاق فإن رفع هذا القضاء إلى قاض آخر وأجاز
قضاءه فالصحيح أنه لا ينفذ؛ لأن هذا القضاء
ليس بمجتهد فيه لما ذكرنا أن العجز لم يثبت ا
ه.
وتعقبه في "فتح القدير": بقوله واعلم أن
الفسخ إذا غاب ولم يترك لها نفقة يمكن بغير
طريق إثبات عجزه بمعنى فقره وهو أن تتعذر
النفقة عليها قال القاضي أبو الطيب من
الشافعية إذا تعذرت النفقة عليها بغيبته ثبت
لها الفسخ قال في الحلية وله وجه وجيه فلا
يلزم مجيء ما قال ظهير الدين ا ه.
وهذا لا يرد ما قاله ظهير الدين لوجهين، الأول
أنه ليس مذهب الشافعي والثاني أن كلامه في
التفريق بسبب العجز لا في غيره وفي "الذخيرة"
فرق بين النفقة وبين سائر الديون في الأمر
بالاستدانة فإن في سائر الديون عليه الدين إذا
عجز عن قضاء الدين لا يؤمر صاحب الدين
بالاستدانة عليه وهنا بعدما فرض القاضي لها
تؤمر بالاستدانة على الزوج والفرق بينهما أن
المرأة لو لم تؤمر بالاستدانة عسى تموت جوعا
أو يموت الزوج فتسقط نفقتها فكان الأمر بها
ج / 4 ص -285-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتأكيد حقها، وهذا المعنى معدوم في سائر
الديون قال مشايخنا ليس فائدة الأمر
بالاستدانة بعد فرض القاضي النفقة إثبات حق
للمرأة عليه؛ لأن حق رجوعها ثابت بالفرض سواء
أكلت من مال نفسها أو استدانت بأمر القاضي أو
بغير أمره، ولكن فائدته أن يرجع الغريم على
الزوج وبدون الأمر ليس له الرجوع عليه وإنما
يرجع رب الدين على المرأة وهي ترجع بالمفروض
على الزوج.
وفي "تجريد القدوري" أن فائدته أن تحيل المرأة
الغريم على الزوج وإن لم يرض الزوج وبدونه ليس
لها ذلك وذكر الحاكم في "المختصر" أن فائدته
الرجوع على الزوج بعد موت أحدهما وبدونه لا
رجوع ا ه. أما في "الذخيرة".
فقد ذكروا للأمر بالاستدانة ثلاثة فوائد لكن
من جعل فائدتها إمكان الإحالة عليه بدون رضاه
ظاهره أنه ليس لرب الدين الأخذ من الزوج بدون
الحوالة وعلى الأول له ذلك كما لا يخفى ولم أر
من ذكر الوجه في أمرها بالاستدانة دون أمره
بذلك مع أنه المديون فكان ينبغي أن يأمره
القاضي بالاستدانة، وقد ظهر لي وجهه بأنه لو
أمر ربما تراخى في ذلك فيحصل لها الضرر فأمرت
هي بالاستدانة لدفع الضرر؛ ولأن الغريم يطمئن
لاستدانتها أكثر من استدانته باعتبار أنه يصير
له المطالبة على شخصين الزوج والمرأة بخلاف
استدانة الزوج فإنه لا يطالب إلا الزوج فلو
أمره القاضي بالاستدانة لنفقتها قبل أن يأمره
لم يكن بعيدا ولم أره منقولا واختلف في معنى
الاستدانة فذكر الخصاف وتبعه الشارحون أنها
الشراء بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الزوج.
وفي "المجتبى": معزيا إلى ركن الأئمة الصباغي
أنها الاستقراض فإذا استدانت هل تصرح بأني
أستدين على زوجي أو تنوي أما إذا صرحت فظاهر،
وكذا إذا نوت، وإذا لم تصرح ولم تنو لا يكون
استدانة عليه، ولو ادعت أنها نوت الاستدانة
عليه وأنكر الزوج فالقول له ا ه. وأطلق في
الاستدانة فشمل قريب المرأة والأجنبي، ولكن
ذكر في شرح المختار أن المرأة المعسرة إذا كان
زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر
فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن أو الأخ
بالإنفاق عليها ويرجع به على الزوج إذا أيسر
ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع؛ لأن هذا من
المعروف قال الزيلعي فتبين بهذا أن الإدانة
لنفقتها إذا كان الزوج معسرا وهي معسرة تجب
على من كانت تجب عليه نفقتها لولا الزوج وعلى
هذا لو كان للمعسر أولاد صغار ولم يقدر على
إنفاقهم تجب نفقتهم على من تجب عليه لولا الأب
كالأم والأخ والعم، ثم ترجع به على الأب إذا
أيسر بخلاف نفقة أولاد الكبار حيث لا يرجع
عليه بعد اليسار؛ لأنها لا تجب مع الإعسار
فكان كالميت ا ه. وأقره عليه في "فتح
القدير": وينبغي أن يكون محله إذا لم تجد
أجنبيا يبيعها بالنسيئة أو يقرضها فحينئذ
يتعين على ولدها ونحوها، وأما إذا وجدت فلا.
ج / 4 ص -286-
وتمم نفقة اليسار بطروه، وإن قضى بنفقة
الإعسار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "فتح القدير": ، ولو امتنع من الإنفاق
عليها مع اليسر لم يفرق ويبيع الحاكم ماله
عليه ويصرفه في نفقتها فإن لم يجد ماله يحبسه
حتى ينفق عليها ولا يفسخ ا ه.
وفي "المجتبى" و"الذخيرة" قال الزوج في مجلس
أبي يوسف ليس عندي نفقة فقال خذي عمامته
وأنفقيها على نفسك فيحتمل أنه علم أبو يوسف أن
له عمامة أخرى وإلا لا تباع العمامة في النفقة
وسائر الديون قال الخصاف ولا يبيع مسكنه
وخادمه ويبيع ما سوى ذلك، وقيل يبيع ما سوى
الإزار، وقيل يترك لنفسه دستا1 من الثياب
ويبيع ما سوى ذلك، وقيل دستين وبه قال
السرخسي، ولو كان له ثياب يمكنه الاكتفاء بما
دونها يبيعها ويشتري ذلك ببعضها ويصرف الباقي
إلى الديون والنفقة ا ه. وسيأتي تمامه في
الحبس وفي باب الحجر إن شاء الله تعالى.
"قوله وتمم نفقة اليسار بطروه وإن قضى بنفقة
الإعسار"؛ لأن النفقة تختلف
بحسب اليسار والإعسار وما قضى به تقدير لنفقة
لم تجب فإذا تبدل حاله فلها المطالبة بتمام
حقها وزعم الشارح الزيلعي أن هذه المسألة
تستقيم على قول الكرخي حيث اعتبر حال الرجل
فقط ولم يعتبر حال المرأة أصلا وهو "ظاهر
الرواية" ولا يستقيم على ما ذكر الخصاف من
اعتبار حالهما على ما علمه الاعتماد فيكون فيه
نوع تناقض من الشيخ؛ لأن ما ذكره أول الباب هو
قول الخصاف، ثم ثنى الحكم على قول الكرخي ا ه.
وأقره عليه في "فتح القدير": وهو مردود، بل
هو مستقيم على قول الكل؛ لأن الخلاف إنما يظهر
فيما إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا وكلام
المصنف هنا أعم من ذلك فلو كانا معسرين وقضي
بنفقة الإعسار، ثم أيسرا فإنه يتم نفقة اليسار
اتفاقا، وإذا أيسر الرجل وحده فإنه يقضي بنفقة
يساره، ونفقة يساره في حال إعسارها عند الخصاف
هي الوسط، وكذا إذا أيسرت المرأة وحدها قضي
بنفقة يسارها وهي الوسط عنده فصار كلامه شاملا
للصور الثلاث بهذا الاعتبار؛ لأنه لم يقيد
بيسار الزوج وإن قلنا إنه المراد كما وقع
التصريح به في "الهداية" فهو محمول على يسارها
أيضا ومتى أمكن الحمل فلا تناقض.
وأشار المصنف إلى أن القاضي إذا فرض النفقة
للمرأة فغلا الطعام أو رخص فإن القاضي يغير
ذلك الحكم هذا في "الظهيرية" وفي "الذخيرة"،
وإذا فرض القاضي لها ما لا يكفيها فلها أن
ترجع عن ذلك؛ لأنه ظهر خطأ القاضي حيث قضى بما
لا يكفيها فعليه أن يتدارك الخطأ بالقضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدست من الثياب ما يلبسه الإنسان ويكفيه
لتردده في حوائجه ا ه. المصباح المنير مادة/
دست/.
ج / 4 ص -287-
ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء، أو الرضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لها بما يكفيها، وكذلك إذا فرض على الزوج
زيادة على ما يكفيها فله أن يمتنع عن الزيادة
ا ه.
وفي "الخلاصة": لو صالحته على أكثر من حقوقها
في النفقة والكسوة إن كان قدر ما يتغابن الناس
في مثله جاز وإن كان قدر ما لا يتغابن الناس
فالزيادة مردودة ويلزمه نفقة مثلها ولا يبطل
القضاء فلو أن القاضي فرض لها النفقة والسعر
غال، ثم رخص تسقط الزيادة، وهذا يدل على أنه
لا يبطل القضاء وتبطل الزيادة ا ه.
يعني لا يبطل أصل التقدير بزيادة السعر أو
نقصانه حتى لو مضت مدة لا تسقط النفقة إذ لو
بطل أصله لسقطت بمضي الزمان وسيأتي في مسائل
الصلح عن النفقة قريبا إن شاء الله تعالى.
"قوله ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا"؛
لأن النفقة صلة وليست بعوض عندنا فلم يستحكم
الوجوب فيها إلا بالقضاء كالهبة لا توجب الملك
فيها إلا بمؤكد وهو القبض والصلح بمنزلة
القضاء؛ لأن ولايته على نفسه أقوى من ولاية
القاضي بخلاف المهر؛ لأنه عوض البضع والمراد
بعدم وجوبها عدم كونها دينا عليه فلا تكون
دينا عليه يطالب به ويحبس عليه إلا بإحدى هذين
الشيئين فحينئذ تصير دينا عليه فتأخذه منه
جبرا سواء كان غائبا أو حاضرا سواء أكلت من
مال نفسها أو استدانت وأطلق المصنف فشمل المدة
القليلة لكن ذكر في الغاية أن نفقة ما دون
الشهر لا تسقط وعزاه إلى "الذخيرة" فكأنه جعل
القليل مما لا يمكن التحرز عنه إذ لو سقطت
بمضي اليسير من المدة لما تمكنت من الأخذ أصلا
ا ه.
والمراد بالرضا اصطلاحهما على قدر معين للنفقة
إما أصنافا أو دراهم؛ ولذا عبر الحدادي بالفرض
والتقدير فإذا فرض لها الزوج شيئا معينا كل
يوم، ثم مضت مدة فإنها لا تسقط فهذا هو المراد
بقولهم أو الرضا، وأما ما توهمه بعض حنفية
العصر من أن المراد بالرضا أنه إذا مضت مدة
بغير فرض ولا رضا، ثم رضي الزوج بشيء فإنه
يلزمه فخطأ ظاهر لا يفهمه من له أدنى تأمل،
وأما ما سيأتي من مسائل الصلح بلا قضاء ولا
رضا فالمراد أنهما اصطلحا على شيء، ثم مضت مدة
بعده كما لا يخفى وظاهر المتون والشروح أن
المرأة ترجع بالنفقة المقبوضة سواء شرط الرجوع
لها أو لا.
ويشكل عليه ما في "الخانية" و"الظهيرية"
القاضي إذا فرض للمرأة النفقة فقال الزوج
استقرضي كل شهر كذا وأنفقي على نفسك ففعلت ليس
لها أن ترجع على الزوج إلا أن يقول وترجعين
بذلك علي ا ه.
ج / 4 ص -288-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم أر جوابا عنها ولعل المراد أنها لا ترجع
بما استقرضت وإنما ترجع بما فرض لها؛ لأن
المأمور باستقراضه قد يكون أزيد أو من خلاف
الجنس وإن لم يؤول بذلك فهو غلط محض كما لا
يخفى.
وفي "الظهيرية" إذا قال الرجل لآخر استدن علي
لامرأتي وأنفق عليها كل شهر عشرة دراهم، وقال
أنفقت، وقالت المرأة صدق لم يصدق على ذلك إلا
أن يكون القاضي فرض لها النفقة فحينئذ يصدق؛
لأنها أخذت بإذن القاضي كذا هذا في الأولاد
الصغار ا ه.
وأشار المصنف إلى أن الإبراء عن النفقة قبل
القضاء والصلح باطل لما في "الواقعات" وغيرها
المرأة إذا أبرأت الزوج عن النفقة بأن قالت
أنت بريء من نفقتي أبدا ما كنت امرأتك فإن لم
يفرض القاضي لها النفقة فالبراءة باطلة؛ لأنها
أبرأته قبل الوجوب وإن كان فرض لها القاضي
النفقة كل شهر عشرة دراهم صح الإبراء عن نفقة
الشهر الأول ولم يصح عن نفقة ما سوى ذلك من
الشهور، وكذا لو قالت أبرأتك عن نفقة سنة لم
يبرأ إلا من نفقة شهر واحد؛ لأن القاضي لما
فرض نفقة كل شهر فإنما فرض لمعنى يتجدد بتجدد
الشهر فما لم يتجدد الشهر لا يتجدد الفرض وما
لم يتجدد الفرض لا تصير نفقة الشهر الثاني
واجبا، ولو قالت بعدما مكثت أشهرا أبرأتك من
نفقة ما مضى وما يستقبل يبرأ من نفقة ما مضى
ويبرأ من نفقة ما يستقبل بقدر نفقة شهر ولا
يبرأ زيادة على ذلك وهو نظير من أجر عبده من
رجل كل شهر بعشرة دراهم، ثم أبرأه من أجرة
الغلام أبدا لا يبرأ إلا من أجرة شهر ا ه.
وأشار المصنف إلى أن الكفالة بالنفقة قبل
الفرض أو التراضي على معين لا تصح وبعد أحدهما
تصح كما في "الذخيرة"، ولو أن المرأة قالت
للقاضي إن زوجي يريد أن يغيب وأرادت أن تأخذ
منه كفيلا بالنفقة فإنه ليس لها ذلك؛ لأن
النفقة لم تجب، وقال أبو يوسف أستحسن ذلك وآخذ
منه كفيلا بالنفقة شهرا وعليه الفتوى؛ لأن
النفقة إن لم تجب للحال تجب بعده فتصير كأنه
كفل بما ذاب لها على الزوج فيجبر استحسانا
رفقا بالناس، كذا في "الواقعات".
زاد في "الذخيرة" أنه لا فرق في هذا الحكم بين
أن تكون النفقة مفروضة أو لا وفي "الذخيرة"
أيضا، ولو اختلفا فيما مضى من المدة من وقت
القضاء أو من وقت الصلح فالقول قول الزوج
والبينة بينة المرأة؛ لأنها تدعي زيادة دين
والزوج ينكر فالقول قوله مع يمينه، وإذا ادعى
الزوج الإنفاق وأنكرت المرأة فالقول قولها مع
اليمين كما في سائر الديون ا ه.
وفي "الظهيرية" امرأة أقامت على رجل بينة
بالنكاح فلا نفقة لها في مدة المسألة عن
الشهود، ولو أراد القاضي أن يفرض لها النفقة
لما رأى من المصلحة ينبغي أن يقول لها إن كنت
ج / 4 ص -289-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
امرأته فقد فرضت ذلك عليه في كل شهر كذا، وكذا
ويشهد على ذلك فإذا مضى شهر، وقد استدانت
وعدلت البينة أخذته بنفقتها منذ فرض لها ا ه.
وهو يدل على ما قلنا من أن الفرض من القاضي
يصيرها دينا فلا تسقط بالمضي وإن فرض القاضي
النفقة قضاء لا يقال إنه ليس بقضاء لعدم
الدعوى؛ لأنا نقول طلبها التقدير دعوى ومسألة
الإبراء تدل على أن الفرض في الشهر الأول تنجز
وفيما بعده مضاف فتنجز بدخول الشهر وهكذا فلا
يصح الرجوع عنه لما في "الخانية": من الصلح،
ولو صالحت المرأة زوجها عن نفقة كل شهر على
دراهم، ثم قال الزوج لا أطيق ذلك فهو لازم لا
يلتفت إليه إلا إذا تغير سعر الطعام ويعلم أن
ما دون ذلك يكفيها ا ه.
فإذا كان هذا في الصلح ففي فرض القاضي أولى؛
لأن له ولاية عامة فإذا قرر القاضي لها نفقة
كل يوم أو كل شهر أو كل سنة لزم التقرير ما
دامت في عصمته حيث لم يوجد مسقط وكان بقدر
حالهما.
وفي "خزانة المفتين": وإذا أراد القاضي أن
يفرض النفقة يقول فرضت عليك نفقة امرأتك كذا
وكذا في مدة كذا وكذا أو يقول قضيت عليك
بالنفقة لمدة كذا يصح وتجب على الزوج حتى لا
تسقط بمضي المدة؛ لأن نفقة زمان مستقبل تصير
واجبة بقضاء القاضي حتى لو أبرأت بعد الفرض صح
ا ه. وهو دليل على ما قلنا من أن فرضها قضاء
وأنه إذا فرضها، ثم مضت مدة لم تسقط، وقد نقل
في "فتح القدير": أنه لا نفقة لها فيما إذا
ادعى الزوج النكاح وهي تجحد أو عكسه واستشكله
بأن فيه إضرارا بها وهو سهو؛ لأنه إذا كان
منكرا إنما نفوا النفقة في مدة المسألة عن
الشهود لا مطلقا مع أن القاضي إذا فرض لها
جاز، وأما بعد قضاء القاضي بالنكاح بالبينة
فلا شك في وجوبها، وقد علم من عطف المصنف
الرضا على القضاء أن فرض القاضي بطريق الجبر
وقدمنا أنه إذا فرض عليه أكثر من حاله فإن له
أن يمتنع عن الزيادة، وكذا إذا اصطلحا على
أزيد من نفقة المثل لما في "الظهيرية"، وإذا
صالح الرجل امرأته عن نفقة كل شهر على مائة
درهم والزوج محتاج لا يلزمه إلا نفقة مثلها،
وإذا صالحها على دانق كل شهر جاز ولها أن تنقض
إن لم يكفها ا ه.
وفي "الذخيرة": وإذا صالحت المرأة زوجها من
نفقتها على ثلاثة دراهم كل شهر فهو جائز وكان
ذلك تقديرا لنفقتها والأصل أن الصلح بينهما
متى حصل بشيء يجوز للقاضي أن يفرضه في نفقتها
بحال فالصلح بينهما تقدير للنفقة ولا تعتبر
معاوضة سواء كان هذا الصلح قبل فرض القاضي أو
التراضي على شيء أو كان بعد أحدهما، وإذا وقع
الصلح على شيء لا يجوز للقاضي أن يفرضه على
الزوج في نفقتها بحال كالثوب والعبد ينظر إن
كان الصلح بينهما قبل
ج / 4 ص -290-
وبموت أحدهما تسقط المقضية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قضاء القاضي لها بالنفقة وقبل تراضيهما على
شيء لكل شهر يعتبر الصلح منهما تقديرا وبعد
أحدهما يعتبر معاوضة.
وفائدة اعتبار التقدير أن تجوز الزيادة عليه
والنقصان عنه.
وفائدة اعتبار المعاوضة أن لا تجوز الزيادة
على ذلك ولا النقصان، وإذا صالحها على دراهم
كل شهر، ثم قالت لا تكفيني زيدت، ولو قال
الرجل لا أطيقه فإنه لا يصدق في ذلك فإنه
التزمه باختياره وذلك دليل على كونه قادرا على
أداء ما التزم فيلزمه جميع ذلك إلا أن يتعرف
القاضي على حاله بالسؤال من الناس فإذا أخبروه
أنه لا يطيق ذلك نقص عنه وأوجب على قدر طاقته
فإن لم يمض شيء من الشهر حتى صالحها من هذه
الدراهم عن شيء إن كان شيئا يجوز للقاضي أن
يفرضه كما إذا صالح عن الدراهم على ثلاث
مخاتيم دقيق بعينه أو بغير عينه فهو تقدير
للنفقة وإن كان ثوبا أو نحوه فهو معاوضة ولا
يشبه هذا الديون كما إذا كان لرجل على آخر
ثلاثة دراهم فصالحه من الدراهم على ثلاثة
مخاتيم دقيق بغير عينه فإن الصلح لا يجوز؛ لأن
الصلح فيه معاوضة لوجوب الدين قبل الصلح فكان
بيع دين بدين فلا يجوز إلا أن يدفع الدقيق في
المجلس، وأما هنا فقبل مضي الشهر فالنفقة لا
تصير دينا فلم يكن معاوضة وإنما هو تقدير
للنفقة حتى لو مضى الشهر وصارت الدراهم دينا،
ثم صالحها على دقيق بغير عينه لا يجوز أيضا
لما قلنا ا ه.
وقد علم منه أن رضاهما وصلحهما على شيء صالح
للنفقة بعد فرض القاضي النفقة مبطل لتقدير
القاضي حتى لا يلزمه إلا ما تراضيا عليه بعد
فرض القاضي فيستفاد منه أنهما لو اتفقا على أن
تأكل معه تموينا بعد فرض النفقة أو الاتفاق
على قدر معين فإنه يبطل التقدير السابق لرضاها
بذلك وهي كثيرة الوقوع في زماننا وفي
"الذخيرة" أيضا، ولو صالحها من نفقة سنة على
ثوب جاز فإن استحق الثوب فإن وقع الصلح عليه
بعد الفرض أو الرضا فإنها ترجع بما فرض لها أو
تراضيا عليه؛ لأن أخذها الثوب شراء، وقد انفسخ
بالاستحقاق فعاد دينها وإن كان قبل الفرض
والتراضي رجعت بقيمة الثوب، ولو صالحها على
وصف وسط ولم يجعل له أجلا أو أجله فإن كان قبل
الفرض أو التراضي جاز وإن كان بعد أحدهما لا
يجوز وصلح المكاتبة على نفقتها جائز كالصلح عن
مهرها؛ لأنه حقها، وكذلك العبد المحجور إذا
صالح عن نفقة امرأته، وقد تزوج بإذن المولى،
وكذا صلح المكاتب عن نفقة امرأته كل شهر جائز
بالأولى ا ه.
"قوله وبموت أحدهما تسقط المقضية"
أي بموت أحد الزوجين تسقط النفقة المقضي بها؛
لأن النفقة صلة والصلات تسقط بالموت كالهبة
والدية والجزية وضمان العتق أطلقه فشمل ما إذا
استدانت أو لا، فإن كانت استدانة بغير إذن
القاضي فإنها تسقط بموت أحدهما كما لو أنفقت
من مال
ج / 4 ص -291-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفسها وإن كانت الاستدانة بأمر القاضي جزم في
"الظهيرية" بعدم السقوط وصححه في "الذخيرة"
ونسبه إلى "الكافي" للحاكم الشهيد؛ لأن للقاضي
ولاية عامة بمنزلة استدانة الزوج بنفسه، ولو
استدان الزوج بنفسه لا يسقط ذلك الدين بموت
أحدهما كذا هذا ا ه. قيد بالموت؛ لأن سقوط
النفقة المقضي بها بالطلاق مختلف فيه فجزم في
النقاية بسقوطها به كالموت مسويا بينهما، وكذا
في "الجوهرة".
وذكر في "الخانية": و"الظهيرية" وكما تسقط
المفروضة بموت أحد الزوجين هل تسقط بالطلاق
اختلفوا فيه فقال بعضهم لا تسقط، وقال القاضي
الإمام أبو علي النسفي وجدت رواية في السقوط
وذكر البقالي أن على قول محمد تسقط ولا رواية
عن أبي يوسف وذكر شمس الأئمة الحلواني زاد في
الخصاف لسقوط النفقة المفروضة سببا آخر فقال
تسقط بموته وموتها وتسقط إذا طلقها أو أبانها
ا ه. هذه عبارتها باللفظ.
وفي "الخلاصة" و"البزازية": وهل تسقط النفقة
المفروضة بالطلاق حكي عن القاضي الإمام أبي
علي النسفي أنها تسقط وفي فتاوى البقالي1 ذكر
الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد ا ه.
وفي "الذخيرة" لو طلقها الزوج في هذا الوجه
يسقط ما اجتمع عليه من النفقات بعد فرض القاضي
كذا حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي وكان
يقول وجدنا رواية هذه المسألة في كتاب القاضي
وبه كان يفتي الصدر الشهيد والشيخ الإمام ظهير
الدين المرغيناني وشبهه بالذمي إذا اجتمع عليه
خراج رأسه، ثم أسلم يسقط عنه ما كان اجتمع
عليه ووجه التشبيه به أن الذمي إنما كان يؤخذ
منه خراج النفس لإصراره على الدين الباطل، وقد
زال ذلك المعنى بالإسلام فتسقط الجزية كذا ها
هنا المرأة إنما تستحق النفقة بالوصلة التي
كانت بينهما وتلك الوصلة قد انقطعت بالطلاق
فأما إذا كانت النفقة مستدانة بأمر القاضي
فإنها لا تسقط بالطلاق وهو الصحيح لما ذكرنا
أنه كاستدانة الزوج بنفسه ا ه. ما في
"الذخيرة" وفي "المجتبى"، ولو طلقها الزوج في
هذه الوجوه فإنه يسقط ما اجتمع عليه من
النفقات بعد فرض القاضي ا ه. فقد ظهر من هذا
أن الراجح عندهم سقوطها بالطلاق كالموت خصوصا
قد أفتى به الشيخان كما في "الذخيرة" وظاهر
كلامهم أنه لا فرق فيه بين الطلاق الرجعي
والبائن؛ لأنه في عبارة "الخانية":
و"الظهيرية" قد عطف البائن على الطلاق فعلم أن
الطلاق رجعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في كشف الظنون: فتاوى البقالي ذكره في
التتارخانية "2/1221".
ج / 4 ص -292-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال العبد الضعيف: ينبغي ضعف القول بسقوطها
بالطلاق، ولو بائنا لأمور، الأول أنهم اتفقوا
على أنه يحبس في النفقة المفروضة إذا امتنع من
دفعها، ولو كانت تسقط بالطلاق لأمكنه أن
يطلقها فتسقط ثم يراجعها.
الثاني: أنهم صرحوا بجواز أخذ الكفيل بالنفقة
المفروضة بقدر المدة التي فرضها القاضي مع أن
الكفالة لا تصح إلا بدين صحيح قالوا وهو الذي
لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء فلو كان دين
النفقة يسقط بالطلاق لم يكن صحيحا فلم تصح
الكفالة به ولا يضرنا سقوطه بموت أحدهما؛ لأنه
لعارض أن أصله صلة والصلات تسقط بالموت قبل
القبض.
الثالث: وهو أقواها ما ذكروه في باب الخلع
فإن الكل قد ذكروا أن الطلاق على مال لا يسقط
شيئا من حقوق النكاح بخلاف الخلع على مال ولا
بأس بذكر عباراتهم قال في "البدائع" ولا خلاف
بينهم في الطلاق على مال أنه لا يبرأ به من
سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح ا ه.
فقد أفاد عدم سقوط النفقة والكسوة المفروضتين
بالطلاق على مال؛ لأنه صرح بسائر الحقوق وهي
ثلاثة المهر والنفقة والكسوة ولا يمكن حمله
على المهر فقط؛ لأنه يبطل به قوله سائر
الحقوق، وقال قبله، وأما حكم الخلع فإن كان
بغير بدل بأن قال خالعتك ونوى به الطلاق فحكمه
أن يقع الطلاق ولا يسقط شيء من المهر والنفقة
الماضية وإن كان ببدل إلى آخره فهذا صريح في
المسألة أيضا.
وفي "غاية البيان": أما إذا كان العقد بلفظ
الطلاق على مال فهل تقع البراءة عن الحقوق
المتعلقة بالنكاح ففي "ظاهر الرواية" تقع؛ لأن
لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب
بالنكاح وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة تقع
البراءة عنها لإتمام المقصود ا ه.
وظاهره أن الطلاق إذا لم يكن على مال لا يسقط
شيئا من الحقوق الواجبة اتفاقا فهذا كله يدل
على ضعف الرواية السابقة خصوصا أن مفهوم الكتب
حجة، وقد قيدوا سقوطها بموت أحدهما، وظاهر ما
في "الخانية": و"الظهيرية" أن الخصاف زاد
الطلاق من عنده وليس له أصل في المذهب فالذي
يتعين المصير إليه على كل مفت وقاض اعتماد عدم
السقوط خصوصا ما تضمنه القول بالسقوط من
الإضرار بالنساء حتى استفتيت وقت تأليف هذا
المحل عن امرأة لها كسوة مفروضة تجمد لها عشر
سنين ولم يدفع لها الزوج، ثم إنها رفعته إلى
قاض وحكم عليه بالدفع فاستمهلها يوما، ثم ذهب
إلى قاض رومي وخلعها عنده بغير علمها فحكم له
القاضي الحنفي
ج / 4 ص -293-
ولا ترد المعجلة، وبيان القن في نفقة زوجته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسقوط الكسوة الماضية ولا يخفى ما في ذلك من
الضرر فإن قلت لم لم تعتمد على تصحيح الزيلعي
بقوله: وكذا لا تسقط بالطلاق في الصحيح لما
ذكرنا قلت: لأن كلامه في النفقة المستدانة
بأمر القاضي وكلامنا في المفروضة فقط.
"قوله ولا ترد المعجلة" أي لا
ترد النفقة المعجلة بموت أحدهما ونحوه بأن عجل
لها نفقة شهر بعد فرض القاضي أو التراضي، ثم
مات أحدهما أطلقه فشمل ما إذا كانت قائمة أو
هالكة فإن كانت هالكة فلا ترد شيئا اتفاقا وإن
كانت قائمة أو مستهلكة فكذلك عندهما، وقال
محمد يحتسب لها نفقة ما مضى وما بقي فهو للزوج
وعلى هذا الخلاف الكسوة؛ لأنها استعجلت عوضا
عما تستحقه بالاحتباس، وقد بطل الاستحقاق
بالموت فبطل العوض بقدره كرزق القاضي ورزق
المقاتلة ولهما أنها صلة، وقد اتصل بها القبض
ولا رجوع في الصلات بعد الموت لانتهاء حكمها
كما في الهبة و"فتح القدير": والفتوى على
قولهما وجعله الولوالجي وأصحاب الفتاوى قول
أبي يوسف قالوا والفتوى عليه وشمل ما إذا كان
المعجل الزوج أو أباه لما في "الولوالجية"
وغيرها أبو الزوج إذا دفع نفقة امرأة ابنه
مائة، ثم طلقها الزوج ليس للأب أن يسترد ما
دفع؛ لأنه لو أعطاها الزوج والمسألة بحالها لم
يكن له ذلك عند أبي يوسف وعليه الفتوى فكذا
إذا أعطاها أبو الزوج ا ه.
وشمل الموت والطلاق لما ذكرنا، وكذا في
"الخانية"، ولو عجل لها، ثم طلقها لم يكن له
أن يسترد وفي "فتح القدير": والموت والطلاق
قبل الدخول سواء وفي نفقة المطلقة إذا مات
زوجها اختلفوا قيل ترد، وقيل لا تسترد
بالاتفاق؛ لأن العدة قائمة في موته، كذا في
الأقضية.
فعلى هذا لا ينبغي أن يقيد كلام المصنف بموت
أحدهما كما فعله الزيلعي، بل تجعل مستقلة
ووجهه أنها صلة لزوجته ولا رجوع فيما يهبه
لزوجته والعبرة لوقت الهبة لا لوقت الرجوع
فالزوجية من الموانع من الرجوع كالموت ودفع
الأب كدفع ابنه فلا إشكال.
"قوله ويباع القن في نفقة زوجته"
يعني إذا كان تزوجه بإذن المولى؛ لأنه دين وجب
في ذمته لوجود سببه، وقد ظهر وجوبه في حق
المولى فيتعلق برقبته كدين التجارة في العبد
التاجر ومراده عند عدم الفداء فإن للمولى أن
يفديه؛ لأن حقها في النفقة لا في عين الرقبة
فلو مات العبد سقطت، وكذا إذا قتل في الصحيح؛
لأنه صلة، وكذا المهر ولم أرهم صرحوا هنا بأن
المرأة إذا اختارت استسعاءه في النفقة دون
بيعه أن لها ذلك أم لا لكن صرحوا في المأذون
له للتجارة إذا لحقه دين واختار الغرماء
استسعاءه دون بيعه أن لهم ذلك ذكره الزيلعي في
المأذون فينبغي أن يكون هنا كذلك وينبغي أن
المرأة إذا اختارت استسعاءه لنفقتها كل يوم أن
يكون لها ذلك أيضا
ج / 4 ص -294-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيدنا بإذن المولى؛ لأنه لو تزوج بغير إذن
المولى لا يباع في النفقة لعدم وجوبها لعدم
صحة النكاح؛ ولذا لم يقيد المصنف بالإذن؛ لأن
عند عدمه لم تكن زوجة لتجب لها النفقة. وكذا
المهر لا يباع فيه، ولو دخل بها لعدم ظهوره في
حق المولى وإنما يطالب به بعد عتقه.
وقيد بالقن وهو العبد الذي لا حرية فيه بوجه
عند الفقهاء وفي اللغة العبد إذا ملك هو
وأبواه يستوي فيه الاثنان والجمع المذكر
والمؤنث كما في "شرح النقاية"؛ لأن المكاتب
والمدبر وأم الولد لا يباعون فيها لعدم جواز
البيع وإنما عليهم السعاية إلا إذا عجز
المكاتب فإنه يباع لزوال المانع وقيد نفقة
زوجته؛ لأن نفقة أولاده لا تجب عليه سواء كانت
الزوجة حرة أو أمة أما إذا كانت حرة فلأن
الأولاد أحرار تبعا لها والحر لا يستوجب
النفقة على العبد إلا الزوجة وإن كانت المرأة
أمة فنفقة الأولاد على مولى الأمة وإن كانت
نفقة الأم على العبد؛ لأن الأولاد تبع للأم في
الملك فتكون نفقة الأولاد على المالك لا على
الزوج، كذا في "الولوالجية" زاد في "الكافي"
للحاكم وشرحه للسرخسي وشرح الطحاوي والشامل،
وكذلك المكاتب لا تجب نفقة ولده سواء كانت
امرأته حرة أو قنة لهذا المعنى، وإذا كانت
امرأة المكاتب مكاتبة وهما لمولى واحد فنفقة
الولد على الأم؛ لأن الولد تابع للأم في
كتابتها ولهذا كان كسب الولد لها وأرش الجناية
عليه لها وميراثه لها فكذلك النفقة تكون عليها
بخلاف ما إذا وطئ المكاتب أمته فولدت حيث تجب
نفقة الولد على المكاتب؛ لأنه داخل في كتابته
ولهذا يكون كسبه له، وكذا أرش الجناية عليه
له؛ ولأنه جزؤه فإذا اتبعه في العقد كانت
نفقته عليه كنفقة نفسه ا ه.
ولم أر متى يباع القن في النفقة فإن القاضي
إذا قرر لها نفقة كل شهر كذا وطالبت بالنفقة
هل يباع لأجل النفقة اليسيرة أو تصير المرأة
حتى يجتمع لها من النفقة قدر قيمته إن قلنا
بالأول ففيه إضرار بالمولى ويقتضي أن يباع في
نفقة يوم إذا طلبتها ولم يفده السيد وإن قلنا
بالثاني ففيه إضرار بها خصوصا إذا كانت فقيرة
وذكر في "الذخيرة" ما يدل على المراد ولفظها
فإذا اجتمع عليه من النفقة ما يعجز عن الأداء
يباع فيه إلا أن يفديه المولى ا ه.
فإذا فرض القاضي لها نفقة شهر مثلا فطالبته
وعجز عن أدائه باعه القاضي إن لم يفده والله
الموفق للصواب وأطلق في بيعه لها فشمل سيده
المزوج له وغيره فإذا بيع فيها فاشتراه من علم
به أو لم يعلم، ثم علم فرضي ظهر السبب في حقه
أيضا فإذا اجتمعت عليه النفقة مرة أخرى يباع
ثانيا، وكذا حاله عند المشتري الثالث وهلم جرا
ولا يباع مرة بعد أخرى إلا في دين النفقة؛
لأنها تتجدد شيئا فشيئا على حسب تجدد الزمان
على وجه يظهر في حق السيد فهو في الحقيقة دين
حادث عند المشتري، وأما إذا لم يعلم المشتري
بحاله أو علم بعد الشراء ولم يرض فله رده؛
لأنه عيب اطلع عليه، كذا في "فتح القدير".
ج / 4 ص -295-
ونفقة الأمة المنكوحة إنما تجب بالتبوئة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد فرق الولوالجي وغيره أيضا بين دين النفقة
وبين دين المهر بأن العبد إنما بيع في جميع
المهر وأن المهر جميعه واجب فإذا بيع في جميع
المهر مرة لا يباع مرة أخرى وإن بقي شيء من
ذلك المهر فأما النفقة فإنما تجب شيئا فشيئا
فإذا بيع فيها فإنما بيع فيما اجتمع من النفقة
وصارت واجبة، وأما فيما لم يجتمع ولم يصر
واجبا لا يتصور البيع فيه فإذا وجبت نفقة أخرى
فهذا دين حادث لم يبع العبد فيه مرة أخرى فجاز
بيعه ا ه.
وهذا يدل على أنه لو بيع في النفقة المجتمعة
فلم يف بكلها فاشتراه من هو عالم به فإنه لا
يباع لبقية النفقة الماضية؛ لأنها حينئذ
كالمهر وإنما يباع لما يجتمع من النفقة عند
المشتري وبهذا ظهر أن ما ذكره صدر الشريعة في
"شرح الوقاية" من قوله صورته عبد تزوج امرأة
بإذن المولى ففرض القاضي النفقة عليه فاجتمع
عليه ألف درهم فبيع بخمسمائة وهي قيمته
والمشتري عالم أن عليه دين النفقة يباع مرة
أخرى بخلاف ما إذا كان الألف عليه بسبب آخر
فبيع بخمسمائة لا يباع مرة أخرى ا ه. سهو فاحش
ظاهر لتصريحهم بأن دين النفقة في الحقيقة دين
حادث عند المشتري؛ ولأنه يلزم عليه أن يكون
دين النفقة أقوى من سائر الديون والأمر
بالعكس.
وأطلق المصنف في الزوجة فشمل الحرة والأمة
ويستثني من الأمة أمة سيد العبد فإنه لا نفقة
لها على العبد بوأها العبد بيتا أو لا وإنما
هي على المولى؛ لأنهما جميعا ملك المولى ونفقة
المملوك على المالك، كذا في "الذخيرة" وشمل
بنت المولى فإن لها النفقة على عبد أبيها؛ لأن
النفقة في معنى سائر الديون من وجه والبنت
تستحق الدين على الأب، وكذلك على عبد الأب،
كذا في "الذخيرة" أيضا، وقد سئلت عن كفن امرأة
العبد وتجهيزها على القول المفتى به من أنه
على الزوج وإن تركت مالا فأجبت بأني إلى الآن
لم أرها صريحة لكن تعليلهم لأبي يوسف بأن
الكفن كالكسوة حال الحياة يقتضي أن يكون على
العبد ومقتضاه أن يباع فيه كما يباع في
كسوتها.
"قوله ونفقة الأمة المنكوحة إنما تجب
بالتبوئة"؛ لأنه لا احتباس
إلا بها فإن بوأها المولى معه منزلا فعليه
النفقة لتحقق الاحتباس وإلا فلا لعدمه أطلق في
الزوج فشمل الحر والقن والمدبر والمكاتب وأطلق
في الأمة فشمل القنة والمدبرة وأم الولد، وأما
المكاتبة فهي كالحرة ولا يحتاج إلى التبوئة
لاستحقاق النفقة؛ لأن منافعها على حكم ملكها
بصيرورتها أحق بنفسها ومنافعها بعقد الكتابة
ولهذا لم يبق للمولى ولاية الاستخدام فكانت
كالحرة والتبوئة أن يخلي المولى بين الأمة
وزوجها في منزل الزوج ولا يستخدمها، كذا في
كافي الحاكم الشهيد وهو يفيد أنه لو جاءت
الأمة من منزل زوجها بعد التبوأة وخدمت المولى
في بعض الأوقات من غير أن يستخدمها لم يسقط
كما صرح به في "الذخيرة" وفيها لو جاءت إلى
بيت المولى في وقت،
ج / 4 ص -296-
والسكنى في بيت خال عن أهله وأهلها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمولى ليس في البيت فاستخدمها أهله ومنعوها
من الرجوع إلى بيته فلا نفقة لها؛ لأن استخدام
أهل المولى إياها بمنزلة استخدام المولى وفيه
تفويت التبوأة ا ه.
وظاهر قوله ولا يستخدمها أنه لو استخدمها وهي
في منزل الزوج فلا نفقة لها؛ لأن للتبوئة
شرطين فإذا فقد أحدهما فقدت ويدل عليه قولهم،
ولو استخدمها بعد التبوئة سقطت النفقة لكن
علله في "الهداية" بقوله؛ لأنه فات الاحتباس
وهو يدل على أنها خدمته في بيت المولى وتعليل
الزيلعي بقوله لزوال الموجب أولى وقيد بالأمة؛
لأن نفقة الحرة واجبة مطلقا، ولو كان زوجها
عبدا وما في الكتاب من تقييد زوجة العبد إذا
كانت حرة بالتبوئة فقال في "الذخيرة" إنه ليس
بصحيح؛ لأن الحرة لا تحتاج إليها مطلقا.
وقيد بالمنكوحة؛ لأن نفقة المملوكة على سيدها
مطلقا، وقد تقدم أن التبوئة من السيد ليست
بلازمة تقديما لحقه على الزوج، ولو بوأ الأمة
بعد الطلاق ولم يكن بوأها قبله فلا نفقة لها؛
لأنها لم تستحق بهذا الطلاق فلا تستحق بعده
وإن فاتت التبوئة بعد الطلاق، ثم عادت تعود
النفقة كما في "الولوالجية" ولا يشكل على
التعليل الحرة إذا كانت ناشزة فطلقها زوجها
فلها أن تعود إلى بيت الزوج وتأخذ النفقة
والسكنى كما ذكره الإسبيجابي للفرق المذكور في
"الولوالجية" من أن في الأمة النكاح حالة
الطلاق لم يكن سببا لوجوب النفقة؛ لأنه لم يكن
سببا لوجوب الاحتباس إذ لا يجب التبوئة وفي
الحرة النكاح حالة الطلاق سبب لوجوب النفقة
إلا أنها فوتت بالنشوز فإذا عادت وجبت ا ه.
وظاهره أن تقدير النفقة من القاضي قبل التبوئة
لا يصح؛ لأنه قبل السبب ولم أره صريحا.
وفي "الذخيرة" و"الولوالجية": وإن كان للرجل
نسوة بعضهن حرائر مسلمات وبعضهن إماء ذميات
فهن في النفقة سواء؛ لأن النفقة مشروعة
للكفاية وذلك لا يختلف باختلاف الدين والرق
والحرية إلا أن الأمة لا تستحق نفقة الخادم ا
ه.
وينبغي أن يكون هذا مفرعا على "ظاهر الرواية"
من اعتبار حاله، وأما على المفتى به فلسن في
النفقة سواء لاختلاف حالهن يسارا وعسرا، فليست
نفقة الموسرة كنفقة المعسرة وليست نفقة الحرة
كالأمة كما لا يخفى ولم أر من نبه عليه.
"قوله والسكنى في بيت خال عن أهله وأهلها"
معطوف على النفقة أي تجب السكنى في بيت أي
الإسكان للزوجة على زوجها؛ لأن السكنى من
كفايتها فتجب لها كالنفقة، وقد أوجبها الله
تعالى كما أوجب النفقة بقوله تعالى
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]
ج / 4 ص -297-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: من طاقتكم أي مما تطيقونه ملكا أو إجارة
أو عارية إجماعا، وإذا وجبت حقا لها ليس له أن
يشرك غيرها فيه؛ لأنها تتضرر به فإنها لا تأمن
على متاعها ويمنعها ذلك من المعاشرة مع زوجها
ومن الاستمتاع إلا أن تختار؛ لأنها رضيت
بانتقاص حقها ودخل في الأهل الولد من غيرها
لما بينا من قبل إلا أن يكون صغيرا لا يفهم
الجماع فله إسكانه معها كما في "فتح القدير":
وخرج عنه أمته وأم ولده، فليس للمرأة الامتناع
من إسكانهما معها على المختار كما سيذكر
المصنف آخر الكتاب؛ لأنه يحتاج إلى الاستخدام
فلا يستغني عنها.
وإنما ذكر البيت دون الدار؛ لأنه لو أسكنها في
بيت من الدار مفردا وله غلق كفاها لأن المقصود
حصل. كذا في "الهداية"، وقد اقتصر على الغلق
فأفاد أنه، ولو كان الخلاء مشتركا بعد أن يكون
له غلق يخصه وليس له أن تطالبه بمسكن آخر وبه
قال الإمام؛ لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم
التمكن من الاستمتاع قد زال ولا بد من كون
المراد كون الخلاء مشتركا بينهم وبين غير
الأجانب والذي في شرح المختار، ولو كان في
الدار بيوت وأبت أن تسكن مع ضرتها أو مع أحد
من أهله إن أخلى لها بيتا وجعل له مرافق وغلقا
على حدة ليس لها أن تطلب بيتا، كذا في "فتح
القدير": وهو يفيد أنه لا بد للبيت من بيت
الخلاء ومن مطبخ بخلاف ما في "الهداية" وينبغي
الإفتاء بما في شرح المختار ويشترط أن لا يكون
في الدار أحد من أحماء الزوج يؤذيها كما في
"الخانية"، قالوا للزوج أن يسكنها حيث أحب،
ولكن بين جيران صالحين.
ولو قالت إنه يضربني ويؤذيني فمره أن يسكنني
بين قوم صالحين فإن علم القاضي ذلك زجره عن
التعدي في حقها وإلا يسأل الجيران عن صنيعه
فإن صدقوها منعه عن التعدي في حقها ولا يتركها
ثمة وإن لم يكن في جوارها من يوثق به أو كانوا
يميلون إلى الزوج أمره بإسكانها بين قوم
صالحين ا ه.
ولم يصرحوا بأنه يضرب وإنما قالوا زجره ولعله؛
لأنها لم تطلب تعزيره وإنما طلبت الإسكان بين
قوم صالحين، وقد علم من كلامهم أن البيت الذي
ليس له جيران، فليس بمسكن شرعي، ثم اعلم أن
المسكن أيضا لا بد أن يكون بقدر حالهما كما
تقدم في الطعام والكسوة، فليس مسكن الأغنياء
كمسكن الفقراء فلو أخر قوله بقدر حالهما عن
المسكن لكان أولى وقدمنا1 أن النفقة إذا أطلقت
فإنها تنصرف إلى الطعام والكسوة والسكنى كما
في "الخلاصة" فقولهم يعتبر في النفقة حالهما
يشمل الثلاثة كما لا يخفى وفي "البزازية": من
الإجارات تزوج بها وبنى بها في منزل كانت فيه
بأجر ومضى عليه سنة فطالب المؤجر المرأة
بالأجرة فقالت له أخبرتك أن المنزل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "266".
ج / 4 ص -298-
ولهم النظر، والكلام معها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالكراء فعليك الأجر لا يلتفت إلى مقالتها
والأجرة عليها لا على الزوج؛ لأنها العاقدة ا
ه.
ومفهومه أنها لو سكنت بغير إجارة في وقف أو
مال يتيم أو ما كان معدا للاستغلال فالأجرة
عليه في "البزازية": أجرت دارها من زوجها
وهما يسكنان فيه لا أجرة عليه ا ه.
ولم يذكر المصنف المؤنسة؛ لأنها ليست بواجبة
عليه كما في الفتاوى السراجية يعني ليس عليه
أن يأتي لها بامرأة تؤنسها في البيت إذا خرج
إذا لم يكن عندها أحد.
"قوله ولهم النظر والكلام معها"
يعني في أي وقت اختار أهلها ذلك فلهم ذلك لما
في عدمه من قطيعة الرحم وليس له في ذلك ضرر،
وقد أفاد كلامه أن له أن يمنع أهلها من الدخول
في بيته ولو والدة أو ولدا؛ لأن المنزل ملكه
وله حق المنع من الدخول في ملكه، وأما القيام
على باب الدار، فليس له منعهم منه كالكلام كما
في "الخانية": واختاره القدوري، وقيل لا
يمنعهم من الدخول وإنما يمنعهم من القرار؛ لأن
الفتنة في المكث وطول الكلام، والصحيح خلاف كل
من القولين قالوا الصحيح أنه لا يمنعها من
الخروج إلى الوالدين ولا يمنعهما من الدخول
عليها في كل جمعة وفي غيرهما من المحارم في كل
سنة وإنما يمنعهم من الكينونة عندها وعليه
الفتوى كما في "الخانية"، وعن أبي يوسف في
النوادر تقييد خروجها بأن لا يقدر على إتيانها
فإن كانا يقدران على إتيانها لا تذهب وهو حسن
فإن بعض النساء لا يشق عليها مع الأب الخروج،
وقد يشق على الزوج فتمتنع، وقد اختار بعض
المشايخ منعها من الخروج إليهما، وقد أشار إلى
نقله في "شرح المختار".
والحق الأخذ بقول أبي يوسف إذا كان الأبوان
بالصفة التي ذكرت وإن لم يكونا كذلك ينبغي أن
يؤذن لها في زيارتهما الحين بعد الحين على قدر
متعارف أما في كل جمعة فبعيد فإن في كثرة
الخروج فتح باب الفتنة خصوصا إذا كانت شابة
والزوج من ذوي الهيئات بخلاف خروج الأبوين
فإنه أيسر، ولو كان أبوها زمنا مثلا وهو يحتاج
إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده فعليها أن
تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا، كذا في "فتح
القدير".
وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى
زيارة الأبوين والمحارم فعلى الصحيح المفتى به
تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه
ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير
إذنه، وأما الخروج للأهل زائدا على ذلك فلها
ذلك بإذنه قال في "الظهيرية" ويجوز للرجل أن
يأذن لها في الخروج إلى زيارة الوالدين
وتعزيتهما وعيادتهما وزيارة المحارم.
وفي "الخلاصة" معزيا إلى مجموع النوازل يجوز
للرجل أن يأذن لها بالخروج إلى سبعة
ج / 4 ص -299-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضع زيارة الأبوين وعيادتهما أو أحدهما
وزيارة المحارم فإن كانت قابلة أو غسالة أو
كان لها على آخر حق تخرج بالإذن وبغير الإذن
والحج على هذا وفيما عدا ذلك من زيارة الأجانب
وعيادتهم والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج. ولو
أذن وخرجت كانا عاصيين وتمنع من الحمام فإن
أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم بغير رضا الزوج
ليس لها ذلك فإن وقعت لها نازلة إن سأل الزوج
من العالم أو أخبرها بذلك لا يسعها الخروج وإن
امتنع من السؤال يسعها من غير رضا الزوج وإن
لم تقع لها نازلة.
وفي "الفتاوى" في باب المهر: والمرأة قبل أن
تقبض مهرها لها الخروج في حوائجها وتزور
الأقارب بغير إذن الزوج فإن أعطاها المهر ليس
لها الخروج إلا بإذن الزوج ا ه.
وهكذا في "الخانية": إلا أنه زاد أنها تخرج
بغير الإذن أيضا إذا كانت في منزل يخاف السقوط
عليها.
وقيد الحج بالفرض مع وجود المحرم وقيد خروج
القابلة والغاسلة بإذن الزوج وفسر الغاسلة بمن
تغسل الموتى وينبغي أن للزوج أن يمنع القابلة
والغاسلة من الخروج؛ لأن في الخروج إضرارا به
وهي محبوسة لحقه، وحقه مقدم على فرض "الكفاية"
بخلاف الحج الفرض؛ لأن حقه لا يقدم على فرض
العين وينبغي أن يحمل كلامهم هنا على المرأة
التي لم تكن مخدرة في مسألة خروجها للخصومة
عند القاضي؛ لأنه حينئذ لا يقبل منها التوكيل،
وأما إذا كانت مخدرة، فليس لها الخروج بغير
إذن الزوج لقبول التوكيل منها بغير رضا الخصم
أما الزوج أو غيره ولم أر من نبه على هذا
وسيأتي في باب التعزير المواضع التي يجوز
للزوج أن يضرب امرأته فيها.
وقالوا هنا له أن يمنع امرأته من الغزل ولا
تتطوع للصلاة والصوم بغير إذن الزوج، كذا في
"الظهيرية" وينبغي عدم تخصيص الغزل، بل له أن
يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب؛ لأنها
مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه، وكذا من
العمل تبرعا لأجنبي بالأولى.
وفي "فتح القدير": حيث أبحنا لها الخروج
فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى
ما لا يكون داعية لنظر الرجال والاستمالة قال
الله تعالى {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وقول الفقيه وتمنع من الحمام خالفه قاضي خان قال في
فصل الحمام في فتاويه حيث قال دخول الحمام
مشروع للرجال والنساء جميعا خلافا لما قاله
بعض الناس إلى آخره.
ج / 4 ص -300-
وفرض لزوجه الغائب، وطلقه، وأبويه في مال له
عند من يقربه، وبالزوجية ويؤخذ منها كفيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"قوله وفرض لزوجة الغائب وطفله وأبويه في مال
له عند من يقربه وبالزوجية ويؤخذ منها كفيل"
بيان نفقة الزوجة إذا كان زوجها غائبا ولم
يعطها نفقتها واستتبع نفقة الفروع و"الأصول"
عند غيبته ولا يخلو إما أن يكون له مال حاضر
عند غيره أو لا فصرح بالأول وأشار إلى الثاني
أما الأول فشرط لفرض القاضي شيئين أن يكون من
عنده المال مقرا به وأن يكون مقرا بالزوجية؛
لأنه لما أقر بهما فقد أقر بأن حق الأخذ لها؛
لأن لها أن تأخذ من مال الزوج حقها من غير
رضاه، وإقرار صاحب اليد مقبول في حق نفسه لا
سيما هنا، وكذا الولد الصغير والأبوان؛ لأن
لهم أن يأخذوا نفقتهم من ماله بغير قضاء ولا
رضا وكان القضاء في حقهم إعانة وفتوى من
القاضي وحكم الولد الكبير الزمن أو الأنثى
مطلقا كالصغير لما سيأتي.
وقيد بالطفل والأبوين للاحتراز عن غيرهم من
الأقرباء كالأخ والعم فإن نفقتهم إنما تجب
بالقضاء؛ لأنه مجتهد فيه والقضاء على الغائب
لا يجوز وللاحتراز عن نفقة مملوكة وأطلق فيمن
عنده المال فشمل مودعه ومضاربه قالوا وكذا
مديونه فلو قال المصنف عنده أو عليه لكان
أولى؛ لأن عنده للأمانة فلو استعملت هنا
للأمانة والدين لكان جمعا بين الحقيقة والمجاز
بلفظ واحد وهو لا يجوز. وقوله بالزوجية اكتفاء
وإلا فكان ينبغي أن يقول وبالزوجية والنسب؛
لأنه لا تفرض النفقة لطفله وأبويه حتى يكون
مقرا بالنسب كما في التبيين قالوا وعلم القاضي
بهما كإقراره وإن علم القاضي أحدهما يحتاج إلى
الإقرار بالآخر على الصحيح.
وأطلق في المال وهو في محل التقييد قالوا هذا
إذا كان المال من جنس حقها دراهم أو دنانير أو
تبرا أو طعاما أو كسوة من جنس حقها أما إذا
كان من خلاف جنس حقها لا تفرض النفقة فيه؛
لأنه يحتاج إلى البيع ولا يباع مال الغائب
بالاتفاق، أما عند أبي حنيفة فلأنه لا يباع
على الحاضر فكذا على الغائب، وأما عندهما
فلأنه إن كان يقضي على الحاضر؛ لأنه يعرف
امتناعه لا يقضي على الغائب؛ لأنه لا يعرف
امتناعه وقيد بإقراره بهما؛ لأنه لو جحد كون
المال للغائب أو جحد النكاح أو جحدهما لم تقبل
بينتهما على شيء من ذلك أما على المال فلأنها
بهذه البينة تثبت الملك للغائب وهي ليست بخصم
في إثبات الملك للغائب، وأما على الزوجية
فلأنها بهذه البينة تثبت النكاح على الغائب
والمودع والمديون ليسا بخصم في إثبات النكاح
على الغائب ولا يمين للمرأة عليه؛ لأنه لا
يستحلف إلا من كان خصما، كذا في "الخانية" من
كتاب الوديعة وهي
ج / 4 ص -301-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما يستثنى من قولهم كل من أقر بشيء لزمه فإذا
أنكره يحلف عليه ولم يذكر المصنف استحلاف
المرأة قبل الفرض.
وفي "الذخيرة": فإن القاضي يسأل المرأة هل
عجل لها النفقة فإن قالت لا يستحلفها فإذا
حلفت أمرهما القاضي بإعطاء النفقة من ذلك وفي
"الخانية": أنه يحلفها أنه ما أعطاها نفقة
ولا كانت ناشزة.
وقيد بنفقة من ذكر للاحتراز عن دين على الغائب
فإن صاحب الدين لو أحضر غريما أو مودعا للغائب
لم يأمره القاضي بقضاء الدين وإن كان مقرا
بالمال وبدينه؛ لأن القاضي إنما يأمر في حق
الغائب بما يكون نظرا له وحفظا لملكه وفي
الإنفاق على زوجته من ماله حفظ ملكه وفي وفاء
دينه قضاء عليه بقول الغير وهو لا يجوز، كذا
في "الذخيرة" وأطلق فرض النفقة فشمل ما إذا
قال المودع إن الزوج أمرني أن لا أدفع إليها
شيئا فإن القاضي لا يلتفت إليه ويأمره
بالإنفاق ولا ضمان عليه، كذا في "الذخيرة".
والضمير في قول المصنف فرض يعود إلى ما ذكر
أولا وهو الثلاثة أي فرض النفقة والكسوة
والسكنى كما في "الذخيرة" وإنما يأخذ منها
كفيلا لجواز أنه قد عجل لها النفقة أو كانت
ناشزة أو مطلقة قد انقضت عدتها فكان النظر له
في التكفيل بخلاف أخذ الكفيل عند قسمة التركة
بين الورثة فإنه ليس بحسن لجهالة المكفول له
كما سيأتي.
واختلف أخذ الكفيل هل هو واجب على القاضي أو
حسن ذهب السرخسي إلى الأول والخصاف إلى الثاني
وصحح الصدر الشهيد الأول؛ لأنه نصب ناظرا
للعاجز فيجب عليه النظر إليه وهو في أخذ
الكفيل وفي كتاب الأقضية أن القاضي لو لم يأخذ
منها كفيلا دفع إليها النفقة فهذا إشارة إلى
أن أخذ الكفيل نوع احتياط لا أن يكون لازما
كذا في "الذخيرة".
وذكر في المستصفى قوله ويؤخذ منها أي من
المرأة وفي بعض النسخ ويؤخذ منه أي من آخذ
النفقة أو من كل واحد من الأصناف المذكورين ا
ه.
وهذا يدل على أنه يؤخذ الكفيل من الوالدين
أيضا وهو الظاهر؛ لأنه أنظر للغائب، وقد يقال
إنه إنما يؤخذ منها لما تقدم، وأما من
الوالدين فإنما هو لاحتمال التعجيل وقدمنا أن
النفقة المعجلة للقريب إذا هلكت أو سرقت فإنه
يقضي له بأخرى بخلاف الزوجة، فليس في أخذ
الكفيل احتياط للغائب؛ لأنه لو كان عجل ثم
ادعى الوالد هلاكها قبل منه.
ج / 4 ص -302-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بكون المال عند شخص؛ لأنه لو كان له مال
في بيته فطلبت من القاضي فرض النفقة فإن علم
بالنكاح بينهما فرض لها في ذلك المال؛ لأنه
إيفاء لحق المرأة وليس بقضاء على الزوج
بالنفقة كما لو أقر بدين، ثم غاب وله مال حاضر
من جنس الدين وطلب صاحب الدين من ذلك قضى له
به أصله حديث هند كما عرف وينبغي للقاضي أن
يحلفها أنه لم يعطها النفقة ويأخذ منها كفيلا
كما قدمناه، كذا في "الذخيرة"، ولو لم يكن له
مال أصلا فطلبت من القاضي فرض النفقة فعندنا
لا يسمع البينة؛ لأنه قضاء على الغائب، وعند
زفر يسمع القاضي البينة ولا يقضي بالنكاح
ويعطيها النفقة من مال الزوج وإن لم يكن له
مال أمرها القاضي بالاستدانة فإن حضر الزوج
وأقر بالنكاح أمره بقضاء الدين وإن أنكر ذلك
كلفها القاضي إعادة البينة فإن لم تعدها أمرها
القاضي برد ما أخذت وما يفعله القضاء في
زماننا من قبول البينة من المرأة وفرض النفقة
على الغائب إنما ينفذ لا لأنه قول علمائنا
الثلاثة في "ظاهر الرواية" وإنما ينفذ لكونه
مختلفا فيه إما مع زفر أو مع أبي يوسف كما
ذكره الخصاف وهو أرفق بالناس، ثم على قول من
يقول تفرض النفقة في هذه المسألة لا تحتاج
المرأة إلى إقامة البينة على أنه لم يخلف
نفقة، كذا في "الذخيرة" و"الخانية".
والحاصل: أن القاضي إذا لم يعلم النكاح، فليس
له فرض النفقة على الغائب، ولو أقامت المرأة
البينة على "ظاهر الرواية" لكن لو سمع البينة
وفرضها وأمرها بالاستدانة جاز ونفذ كما هو قول
زفر وأبي يوسف وعليه العمل وهي من إحدى
المسائل الست التي يفتى فيها بقول زفر لحاجة
الناس.
وفي "فتح القدير": ونقل مثل قول زفر عن أبي
يوسف فقوي عمل القضاة لحاجة الناس إلى ذلك،
وإذا كان للمرأة أولاد صغار وغاب الأب ولم
يترك لهم نفقة تجبر الأم على الإنفاق إن كان
لها مال، ثم ترجع بذلك على الأب، كذا في
"الخانية": وبهذا علم أن الرجل إذا غاب وله
زوجة وأولاد صغار ولم يترك شيئا فإن القاضي
يسمع البينة منها على النكاح إن لم يكن عالما
به على ما عليه العمل، ثم يفرض لها ولأولادها
نفقة، ثم يأمرها بالاستدانة فإذا جاء رجعت
عليه بالمفروض لها ولأولادها.
وأشار بقوله فرض إلى أن المودع والمديون لو
أنفقا بغير أمر القاضي فإن المودع ضامن ولا
يبرأ المديون ولا رجوع للمنفق على من أنفق
عليه كما في "الذخيرة" وجعله في "الخانية":
نظير المودع لو قضى الوديعة دين المودع بغير
أمر القاضي فإنه يكون ضامنا ا ه.
مع أنه في هذه المسألة لا فرق بين أمر القاضي
وعدمه فإنه ليس للقاضي أن يقضي دين
ج / 4 ص -303-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغائب من وديعته كما قدمناه ولم يذكر المصنف
الحكم بعد حضور الزوج قال في "الذخيرة" فإن
حضر الزوج، وقال كنت أوفيت النفقة أو أرسلت
إليها النفقة فالقاضي يقول له أقم البينة فإن
أقامها أمرها القاضي برد ما أخذت؛ لأنه ظهر
عند القاضي أنها أخذت بغير حق وللزوج الخيار
إن شاء أخذها بذلك وإن شاء أخذ الكفيل، فإن لم
يكن للزوج بينة وحلفت المرأة على ذلك فلا شيء
على الكفيل وإن نكلت عن اليمين ونكل الكفيل
لزمهما المال وللزوج الخيار فقد ذكر في هذه
المسألة نكولهما ونكول المرأة أمر لازم، وأما
نكول الكفيل، فليس بلازم، بل إذا نكلت المرأة
فذلك يكفي لثبوت الخيار للزوج وإن لم ينكل
الكفيل؛ لأن النكول إقرار والأصيل إذا أقر
بالمال لزم الكفيل وإن جحد الكفيل ولا ضمان
على المودع؛ لأن أمر القاضي بالدفع إليها قد
صح فصار كأمره بنفسه ا ه.
ويخالفه ما في "المبسوط" وشرح الطحاوي من أنها
لو أقرت أنها تعجلت نفقتها فالزوج يأخذ من
المرأة ولا يأخذ من الكفيل ا ه. وسيأتي في باب
الكفالة الفرق بين الكفالة بدين قائم في الحال
كقوله كفلت بما لك عليه فلا يلزم الكفيل ما
أقر به الأصيل وبين الكفالة بدين يجب كقوله ما
ثبت لك عليه أو ذاب فيلزم الكفيل ما أقر به
كما في "فتح القدير": ولا يخفى أن الكفيل
إنما ضمن الدين القائم للحال؛ لأنها لما أخذت
ثانيا ضمنها فكان وقت الضمان الدين قائم في
ذمتها للحال وهو ما أخذته ثانيا فظهر بهذا أنه
من القسم الأول فالحق ما في "المبسوط" كما في
"المجتبى" ولم يذكر أنه يأخذ منها كفيلا
بنفسها أو بما أعطاها.
وذكر في شس فإذا حلفت فأعطاها النفقة أخذ منها
كفيلا بذلك "بط" وهو الصحيح ا ه.
فقد صرح بأن الكفالة إنما هو بما أخذته قبل
الكفالة فهو نظير قوله كفلت بما لك عليه وفي
"الخانية": وبعدما أمر القاضي المودع أو
المديون إذا قال المودع دفعت المال إليها لأجل
النفقة قبل قبوله ولا يقبل قول المديون إلا
ببينة ا ه. ولم يذكر قولها وينبغي أن يكون
كالبينة؛ لأنها مقرة على نفسها.
وفي "الخانية": الوديعة أولى من الدين في
البداءة بالإنفاق منها عليها وفي "الذخيرة"
وينفق القاضي عليها من غلة الدار والعبد الذي
هو للغائب؛ لأنه من جنس حقها.
وأطلق المصنف في الغائب فشمل المفقود وغيره
كما في شرح الطحاوي ولم يقيد فيما عندي من
الكتب الغيبة بشيء إلا في الفتاوى الصيرفية
فإنه قال إيجاب النفقة في مال الغائب
ج / 4 ص -304-
ولمعتدة الطلاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشترط أن يكون مدة سفر ا ه. وهو قيد حسن يجب
حفظه فإنه فيما دونه يسهل إحصاره ومراجعته.
"قوله ولمعتدة الطلاق" أي تجب
النفقة والكسوة والسكنى لمعتدة الطلاق هذا هو
ظاهر المختصر وذكر الزيلعي النفقة والسكنى ولم
يذكر الكسوة، والمنقول في "الذخيرة"
و"الخانية": و"العناية" و"المجتبى" أن
المعتدة تستحق الكسوة قالوا وإنما لم يذكرها
محمد في الكتاب؛ لأن العدة لا تطول غالبا
فتستغني عنها حتى لو احتاجت إليها يفرض لها
ذلك ا ه.
فظهر بهذا أن كسوة المعتدة على التفصيل إذا
استغنت عنها لقصر المدة كما إذا كانت عدتها
بالحيض وحاضت أو بالأشهر فإنه لا كسوة لها وإن
احتاجت إليها لطول المدة كما إذا كانت ممتدة
الطهر ولم تحض فإن القاضي يفرض لها، وهذا هو
الذي حرره الطرسوسي في أنفع الوسائل وهو تحرير
حسن مفهومه من كلامهم.
أطلق الطلاق فشمل البائن والرجعي؛ لأنها جزاء
الاحتباس وهي محبوسة فيهما في حق حكم مقصود
وهو الولد إذ العدة واجبة لصيانة الولد فتجب
النفقة.
وفي "المجتبى": ونفقة العدة كنفقة النكاح
وتسقط بمضي المدة إلا بفرض أو صلح وإن استدانت
عليه وهو غائب فإن كان بقضاء ترجع عليه وبغير
قضاء اختلاف الروايات والمشايخ ا ه.
وفي "الذخيرة" والنفقة واجبة للمعتدة طالت
المدة أو قصرت ويكون القول قولها في عدم
انقضائها مع يمينها فإن أقام الزوج بينة على
إقرارها بانقضائها برئ منها وإن ادعت حبلا
أنفق عليها ما بينها وبين سنتين منذ يوم طلقها
فإن قالت كنت أظن أني حامل ولم أحض وأنا ممتدة
الطهر إلى هذه الغاية وأظن أن هذا الذي بي ريح
وأنا أريد النفقة حتى تنقضي عدتي، وقال الزوج
قد ادعيت الحبل وأكثره سنتان فالقاضي لا يلتفت
إلى قوله وتلزمه النفقة ما لم تنقض العدة إما
بثلاث حيض أو بدخولها في حد الإياس ومضي ثلاثة
أشهر بعده فإن حاضت في هذه الأشهر الثلاثة
استقبلت العدة بالحيض والنفقة واجبة لها في
جميع ذلك ما لم يحكم بانقضاء العدة وهكذا في
"الخلاصة".
وقد وقعت حادثة في زماننا هي أنها ادعت الحبل
ولم يصدقها فقرر لها نفقة على أنها إن لم تكن
حاملا ردت ما أخذته ولا يخفى أنه شرط باطل وفي
"الخلاصة" المعتدة إذا لم تأخذ النفقة حتى
انقضت عدتها سقطت نفقتها هذا إذا لم تكن
مفروضة أما إذا كانت مفروضة ذكر الصدر
ج / 4 ص -305-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهيد في "الفتاوى الصغرى" عن شمس الأئمة
الحلواني أنه قال في المختار عندي أنها لا
تسقط ا ه. وذكر الخلاف في "الخانية": أيضا
وفي "الذخيرة" إن كان القاضي أمرها بالاستدانة
واستدانت فلها الرجوع على الزوج؛ لأنه
كاستدانته بنفسه وإن لم يأمرها القاضي
بالاستدانة ففيه خلاف وأشار السرخسي إلى أنها
تسقط حيث علل فقال سبب استحقاق هذه النفقة
العدة والمستحق بهذا السبب في حكم العلة فلا
بد من قيام السبب لاستحقاق المطالبة ألا ترى
الذمي إذا أسلم وعليه خراج رأسه لم يطالب بشيء
منه فكذا هنا وهو الصحيح ا ه.
فعلى هذا لا بد من إصلاح المتون فإنهم صرحوا
أنها تجب بالقضاء أو الرضا وتصير دينا وهنا لا
تصير دينا بالقضاء إلا إذا لم تنقض العدة وهو
يرجح أن المقضي بها تسقط بالطلاق؛ لأنه يشترط
للمطالبة بها قيام السبب وفي "الذخيرة" على
الزوج مؤنة سكنى المعتدة فإن لم يكن له منزل
مملوك يكتري منزلا لها ويكون الكراء عليه فإن
كان معسرا تؤمر المرأة أن تستدين الكراء، ثم
ترجع على الزوج إذا أيسر كما هو الحكم في
النفقة حال قيام النكاح وإن كان الطلاق بائنا
فإن كان المنزل ملكا للزوج ينبغي أن يخرج
الزوج من المنزل ويعتزل عنها ويتركها في ذلك
المنزل إلى انقضاء عدتها، وكذلك إن كان المنزل
بالكراء وإن استكرى لها منزلا آخر يجوز لكن
الأفضل أن يتركها في المنزل الذي كانا يسكنان
فيه قبل الطلاق وإن كان الطلاق رجعيا فقد ذكر
الخصاف أنه يسكنها في المنزل الذي كانا يسكنان
فيه قبل الطلاق لكن الزوج يخرج أو يعتزل عنها
في ناحية منه ا ه.
وفيها أيضا المعتدة إذا خرجت من بيت العدة
تسقط نفقتها ما دامت على النشوز فإن عادت إلى
بيت الزوج كان لها النفقة والسكنى، ثم الخروج
عن بيت العدة على سبيل الدوام ليس بشرط لسقوط
نفقتها فإنها إذا خرجت زمانا وسكنت زمانا لا
تستحق النفقة.
وفي فتاوى النسفي المعتدة عن طلاق بائن إذا
تزوجت في العدة ووجد الدخول وفرق بينهما ووجبت
العدة منهما لا نفقة على الزوج الثاني لفساد
نكاحه وهي على الأول إذا لم تخرج من بيت العدة
فإن خرجت فلا ولا توصف بالنشوز بمنعها نفسها
منه هنا؛ لأن الطلاق بائن والحل زائل ا ه.
وفي "الذخيرة" أيضا، وإذا صالح الرجل امرأته
عن نفقتها ما دامت في العدة على دراهم مسماة
لا يزيدها عليها حتى تنقضي العدة ينظر إن كان
عدتها بالحيض لا يجوز الصلح للجهالة وإن كانت
بالأشهر جاز لعدمها، وإذا خلعها أو أبانها، ثم
صالحها عن السكنى على دراهم لا يجوز؛ لأنه
يؤدي إلى إبطال حق الله تعالى في السكنى وفي
"المحيط": خالعها على أن لا نفقة لها ولا
ج / 4 ص -306-
لا الموت والمعصية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سكنى فلها السكنى دون النفقة؛ لأن النفقة حقها
فيصح الإبراء عنها دون السكنى وفي
"الولوالجية" المختلعة بنفقة عدتها هل تخرج في
حوائجها بالنهار تكلموا فيه، والمختار أنها لا
تخرج؛ لأنها هي التي أبطلت حقها في النفقة فلم
يصح الإبطال فيما يؤدي إلى إبطال حق الشرع. ا
ه.
"قوله لا الموت والمعصية" أي
لا تجب النفقة لمعتدة الموت ولا لمعتدة وقعت
الفرقة بينها وبين زوجها بمعصية من جهتها
كالردة وتقبيل ابن الزوج أما المتوفى عنها
زوجها فلأن احتباسها ليس لحق الزوج، بل لحق
الشرع فإن التربص عبادة منها ألا ترى أن معنى
التعريف عن براءة الرحم ليس بمراعى فيه حتى لا
يشترط فيه الحيض فلا تجب نفقتها عليه؛ ولأن
النفقة تجب شيئا فشيئا ولا ملك له بعد الموت
فلا يمكن إيجابها في ملك الورثة.
أطلقه فشمل ما إذا كانت حاملا لكن قال في
"الظهيرية": وإذا أنفق الوصي على الحامل
للحمل فضمنوه يرجع على المرأة بما أنفق إلا أن
يكون ذلك بإذن القاضي؛ لأن عليا وشريحا كانا
يريان ذلك للحمل من جميع المال ا ه. وشمل
السكنى والنفقة فلا سكنى لها أيضا، كذا في
"المبسوط"، وأما الفرقة بمعصية من جهتها
فلأنها صارت حابسة نفسها بغير حق فصارت كما
إذا كانت ناشزة بخلاف المهر بعد الدخول؛ لأنه
وجد التسليم في حق المهر بالوطء قيد بالمعصية
أي بمعصيتها؛ لأن الفرقة من قبلها بغير معصية
كخيار العتق وخيار البلوغ والتفريق لعدم
الكفاءة لا تسقط نفقتها؛ لأنها حبست نفسها بحق
كما إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر، فالحاصل
أن الفرقة إما من قبله أو من قبلها فإن كانت
من قبله فلها النفقة مطلقا سواء كانت بمعصية
أو بغير معصية طلاقا كانت أو فسخا كطلاقه
ولعانه وعنته أو تقبيله بنت زوجته أو إيلائه
مع عدم فيئه حتى مضت أربعة أشهر أو إبائه عن
الإسلام إذا أسلمت هي أو ارتد هو فعرض عليه
الإسلام فلم يسلم وإن كانت من قبلها فإن كانت
بمعصية فلا نفقة لها، وأما السكنى فقالوا
بوجوبها كما في "الخانية": وشرح الطحاوي وفي
"فتح القدير": لها السكنى في جميع الصور؛ لأن
القرار في منزل الزوج حق عليها ولا تسقط
بمعصيتها، أما النفقة فحق لها فتجازى بسقوطها
لمعصيتها وبما قررناه علم أن المصنف لو قال
ولمعتدة الطلاق أو الفسخ إلا إذا وقعت الفرقة
في معصيتها فلا نفقة لها إلا السكنى لكان أولى
فإن كلامه خال عن معتدة الفسخ، والمعصية شاملة
لمعصيتها وفي "الذخيرة" وفرق بين النفقة وبين
المهر فإن الفرقة إذا جاءت من قبل المرأة قبل
الدخول يسقط المهر سواء كانت عاصية أو محقة؛
لأن المهر عوض من كل وجه ولهذا لا يسقط بموت
أحدهما فإذا فات العوض بمعنى من جهة من له
العوض سقط فأما النفقة فعوض من وجه صلة من
ج / 4 ص -307-
وردتها بعد البت تسقط نفقتها لا تمكين ابنه،
ولطفله الفقير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجه فإذا كان بينهما اعتبر عوضا متى جاء بسبب
هو معصية وصلة متى جاءت بحق.
"قوله وردتها بعد البت تسقط نفقتها لا تمكين
ابنه" يعني لو طلقها بائنا،
ثم ارتدت سقطت نفقتها، ولو مكنت ابن زوجها بعد
البينونة لا تسقط مع أن الفرقة فيهما بالطلاق
لا من جهتها بمعصية؛ لأن المرتدة تحبس حتى
تتوب ولا نفقة للمحبوسة والممكنة لا تحبس
فلهذا تقع الفرقة وفي الحقيقة لا فرق بين
المسألتين؛ لأن المرتدة بعد البينونة لو لم
تحبس تجب لها النفقة كما في "غاية البيان"
و"المحيط": كالممكنة، والممكنة إذا لم تلزم
بيت العدة لا نفقة لها، فليس للردة أو التمكين
دخل في الإسقاط وعدمه، بل إن وجد الاحتباس في
بيت العدة وجبت وإلا فلا، ولو حبست المعتدة
للردة، ثم تابت ورجعت تجب النفقة لعود
الاحتباس كالناشزة إذا عادت لزوال المانع
بخلاف المبانة بالردة إذا أسلمت لا تعود
نفقتها لسقوط نفقتها أصلا بمعصيتها والساقط لا
يعود، ولو لحقت بدار الحرب، ثم عادت وتابت فلا
نفقة لها لسقوط العدة بالالتحاق حكما لتباين
الدارين؛ لأنه بمنزلة الموت فانعدم السبب
الموجب، قيد بالطلاق البائن؛ لأن المعتدة عن
رجعي إذا طاوعت ابن زوجها أو قبلها بشهوة فلا
نفقة لها؛ لأن الفرقة لم تقع بالطلاق وإنما
وقعت بسبب وجد منها وهو معصيتها وأطلقه فشمل
البائن بالواحدة أو بالثلاث وما في "الهداية"
من تقييده بالثلاث اتفاقي، وفي "المحيط":
الأصل أن كل امرأة لا نفقة لها يوم الطلاق،
فليس لها النفقة أبدا إلا الناشزة كالمعتدة عن
النكاح الفاسد والأمة المزوجة إذا لم يبوئها
المولى بيتا ا ه.
ثم قال بعده: ولو طلقها وهي مبوأة فلها
النفقة فإن أخرجها المولى بطلت فإن أعادها
عادت النفقة فلو بوأها بعد الطلاق الرجعي وجبت
النفقة؛ لأنها منكوحة بخلاف المبانة
"قوله ولطفله الفقير" أي تجب
النفقة والسكنى والكسوة لولده الصغير الفقير
لقوله تعالى
{وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [الأحزاب: 33] فهي عبارة في إيجاب نفقة المنكوحات إشارة إلى أن
نفقة الأولاد على الأب وأن النسب له وأنه لا
يعاقب بسببه فلا يقتل قصاصا بقتله ولا يحد
بوطء جاريته وإن علم بحرمتها وأن الأب ينفرد
بتحمل نفقة الولد ولا يشاركه فيها أحد وأن
الولد إذا كان غنيا والأب محتاجا لم يشارك
الولد أحد في نفقة الوالد ذكره المصنف في "شرح
المنار".
قيد بالطفل وهو الصبي حين يسقط من البطن إلى
أن يحتلم، ويقال جارية طفل وطفلة، كذا في
"المغرب" وبه علم أن الطفل يقع على الذكر
والأنثى؛ ولذا عبر به؛ لأن البالغ لا تجب
نفقته على أبيه إلا بشروط نذكرها.
وقيد بالفقير؛ لأن الصغير إذا كان له مال
فنفقته في ماله ولا بد من التقييد بالحرية لما
ج / 4 ص -308-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسلفناه أن الولد المملوك نفقته على مالكه لا
على أبيه حرا كان الأب أو عبدا.
والحاصل: أن الأب لا يخلو إما أن يكون غنيا
أو فقيرا والصغير كذلك فإن كان الأب والصغير
غنيين فإن الأب ينفق عليه من مال نفسه إن كان
حاضرا وإن كان مال الصغير غائبا وجبت على الأب
فإذا أراد الرجوع أنفق عليه بإذن القاضي فلو
أنفق بلا أمره ليس له الرجوع في الحكم إلا أن
يكون أشهد أنه أنفق ليرجع، ولو لم يشهد لكنه
أنفق بنية الرجوع لم يكن له رجوع في الحكم
وفيما بينه وبين الله تعالى يحل له الرجوع وإن
كان للصغير عقار أو أردية أو ثياب واحتيج إلى
النفقة كان للأب أن يبيع ذلك كله وينفق عليه؛
لأنه غني بهذه الأشياء وإن كانا فقيرين فعند
الخصاف أن الأب يتكفف الناس وينفق على أولاده
الصغار. وقيل نفقتهم في بيت المال هذا إذا كان
عاجزا عن الكسب وإن كان قادرا على الكسب اكتسب
وأنفق فإن امتنع عن الكسب حبس بخلاف سائر
الديون ولا يحبس والد وإن علا في دين ولده وإن
سفل إلا في النفقة؛ لأن في الامتناع عن
الإنفاق إتلاف النفس، وإذا لم يف كسبه بحاجته
أو لم يكتسب لعدم تيسره أنفق عليهم القريب
ورجع على الأب إذا أيسر وإن كان الأب غنيا
والولد الصغير فقيرا فالنفقة على الأب إلى أن
يبلغ الذكر حد الكسب وإن لم يبلغ الحلم فإذا
كان هذا كان للأب أن يؤاجره وينفق عليه من
أجرته وليس له في الأنثى ذلك فلو كان الأب
مبذرا يدفع كسب الابن إلى أمين كما في سائر
أملاكه وإن كان الأب فقيرا والصغير غنيا لا
تجب نفقته على أبيه، بل نفقة أبيه عليه، كذا
في "الذخيرة".
وذكر الولوالجي أن في كل موضع أوجبنا نفقة
الولد فإنه يدخل فيه أولاده وأولاد البنات
والبنين وفي "الذخيرة" أن الأم إذا خاصمت في
نفقة الأولاد فإن القاضي يفرض على الأب نفقة
الصغار الفقراء ويدفع النفقة إليها؛ لأنها
أرفق بالأولاد فإن قال الأب إنها لا تنفق
وتضيق عليهم لا يقبل قوله؛ لأنها أمينة ودعوى
الخيانة على الأمين لا تسمع من غير حجة فإن
قال للقاضي سل جيرانها فالقاضي يسأل جيرانها
احتياطا. وإنما يسأل من كان يداخلها فإن أخبر
جيرانها بما قال الأب زجرها القاضي ومنعها عن
ذلك نظرا لهم ومن مشايخنا من قال إذا وقعت
المنازعة بين الزوجين كذلك وظهر قدر النفقة
فالقاضي بالخيار إن شاء دفعها إلى ثقة يدفعها
إليها صباحا ومساء ولا يدفع إليها جملة وإن
شاء أمر غيرها أن ينفق على الأولاد، وإذا
صالحت المرأة زوجها على نفقة الأولاد الصغار
موسرا كان الزوج أو معسرا جاز واختلف المشايخ
في طريق جواز هذا الصلح فقال بعضهم: لأن الأب
هو العاقد من الجانبين كبيعه مال ولده الصغير
من نفسه وشرائه كذلك، وقال بعضهم: لأن العاقد
الأب من جانب نفسه والأم من جانب الصغار؛ لأن
نفقتهم من أسباب التربية والحضانة وهي للأم،
ثم ينظر إن كان ما وقع عليه الصلح أكثر من
نفقتهم بزيادة
ج / 4 ص -309-
ولا تجبر أمه لترضع، ويستأجر من يرضعه عندها
لا أمه لو منكوحة أو معتدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسيرة فهو عفو وهي ما تدخل تحت تقدير القدير
وإن كان لا تدخل طرحت عنه وإن كان المصالح
عليه أقل بأن كان لا يكفيهم يزاد إلى مقدار
كفايتهم.
"قوله ولا تجبر أمه لترضع"؛
لأنه كالنفقة وهي على الأب وعسى لا تقدر فلا
تجبر عليه قضاء وتؤمر به ديانة؛ لأنه من باب
الاستخدام وهو واجب عليها ديانة كما قدمناه.
أطلقه فشمل ما إذا كان الأب لا يجد من يرضعه
أو كان الولد لا يأخذ ثدي غيرها ونقل الزيلعي
والأتقاني أنه "ظاهر الرواية"؛ لأنه يتغذى
بالدهن وغيره من المائعات فلا يؤدي إلى ضياعه
ونقل عدم الإجبار في هذه الحالة في "المجتبى"
عن البعض، ثم قال والأصح أنها تجبر عند الكل ا
ه. وجزم به في "الهداية" وفي "الخانية":
وعليه الفتوى وذكر في "فتح القدير": أنه
الأصوب؛ لأن قصر الرضيع الذي لم يأنس الطعام
على الدهن والشراب سبب تمريضه وموته ا ه.
وفي "الخانية": وإن لم يكن للأب ولا للولد
الصغير مال تجبر الأم على الإرضاع عند الكل ا
ه. فمحل الخلاف عند قدرة الأب بالمال وفي
"غاية البيان" معزيا إلى التتمة عن إجارة
العيون عن محمد فيمن استأجر ظئرا لصبي شهرا
فلما انقضى الشهر أبت أن ترضعه والصبي لا يقبل
ثدي غيرها قال أجبرها أن ترضع.
"قوله ويستأجر من يرضعه عندها"
أي ويستأجر الأب من يرضع الطفل عند الأم؛ لأن
الحضانة لها والنفقة عليه أطلقه هنا وقيده في
"الهداية" بإرادة الأم للحضانة وهو مبني على
ما صححه من أن الأم لا تجبر عليها؛ لأنها حقها
وعلى ما اختاره الفقهاء الثلاثة من الجبر،
فليس معلقا بإرادتها؛ لأنها حق الصبي عليها
وفي "الذخيرة" لا يجب على الظئر أن تمكث في
بيت الأم إذا لم يشترط عليها ذلك وقت العقد
وكان الولد يستغني عن الظئر في تلك الحالة، بل
لها أن ترضع وتعود إلى منزلها كما لها أن تحمل
الصبي إلى منزلها أو تقول أخرجوه فترضعه عند
فناء الدار، ثم ندخل الولد على الوالدة إلا أن
يشترط عند العقد أن الظئر تكون عند الأم
فحينئذ يلزمها الوفاء بذلك الشرط ا ه.
وفي "الخزانة" عن التفاريق لا تجب في الحضانة
أجرة المسكن الذي يحضن فيه الصبي، وقال آخرون
تجب إن كان للصبي مال وإلا فعلى من يجب عليه
نفقته. ا ه.
"قوله لا أمه لو منكوحة أو معتدة"
أي لا يستأجر أمه لو منكوحته أو معتدته؛ لأن
الإرضاع مستحق عليها ديانة قال الله تعالى:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233].
ج / 4 ص -310-
وهي أحق بعدها مالم تطلب زيادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا أنها عذرت لاحتمال عجزها فإذا أقدمت عليه
بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها
فلا يجوز أخذ الأجرة عليه أطلق في المعتدة
فشمل المعتدة عن رجعي أو بائن وهو في الرجعي
رواية واحدة وفي البائن في رواية وفي رواية
أخرى جاز استئجارها؛ لأن النكاح قد زال وجه
الأول أنه باق في حق بعض الأحكام، كذا في
"الهداية" من غير ترجيح صريح وإن كان تأخير
وجه المنع يدل على أنه المختار عنده كما هو
عادته وصحح في "الجوهرة" الجواز فكان الأولى
للمصنف أن يقيد المعتدة بالرجعي.
وذكر في "فتح القدير" عن بعضهم أن "ظاهر
الرواية" الجواز وقيد بالأم؛ لأنه لو استأجر
منكوحته لترضع ولده من غيرها جاز؛ لأنه لم يجب
عليها إرضاعه بخلاف الأم؛ لأنه وجب عليها
إرضاعه ديانة كما قدمناه عن "الهداية" وظاهره
أنه لا يجوز لها أخذ الأجر من مال الصغير لو
كان له مال، لكن في "الذخيرة" هذا إذا لم يكن
للصغير مال أما إذا كان له هل يجوز أن يفرض
أجرة الرضاع في ماله ذكر الصدر الشهيد أنه روي
عن محمد أنه يفرض في مال الصبي وهكذا ذكر في
إجارات القدوري وليس فيه اختلاف الروايتين،
ولكن ما روي عن محمد أنه يفرض في مال الصبي
تأويله إذا لم يكن للأب مال وما ذكر أن الزوج
إذا استأجرها لا يجوز تأويله إذا فرض أجرة
الرضاع من مال نفسه فلا تستحق ذلك كي لا يؤدي
إلى اجتماع أجرة الرضاع مع نفقة النكاح في مال
واحد، وهذا المعنى لا يتحقق إذا فرض لها في
مال الصغير فقلنا إنها تستحق ذلك ا ه.
فالحاصل أن على تعليل صاحب "الهداية" لا تأخذ
شيئا في مقابلة الإرضاع لا من الزوج ولا من
مال الصغير لوجوبه عليها وعلى ما علل به في
"الذخيرة" من أن المنع إنما هو لاجتماع واجبين
في مال وفي "المجتبى" لو استأجر زوجته من مال
الصبي لإرضاعه جاز وفي ماله لا يجوز حتى لا
يجتمع عليه نفقة النكاح والإرضاع ا ه.
"قوله وهي أحق بعدها ما لم تطلب زيادة"
أي الأم أحق بإرضاع ولدها من الأجنبية بعد
انقضاء العدة ما لم تطلب أجرة زائدة على أجرة
الأجنبية للإرضاع، فحينئذ لا تكون أحق وإنما
جاز لها أخذ الأجرة بعد انقضاء عدتها؛ لأن
النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية فإن
قلت إن وجوب الإرضاع عليها هو المانع من أخذ
الأجرة وهو بعينه موجود بعد انقضائها، فليست
كالأجنبية قلت إن الوجوب عليها مقيد بإيجاب
رزقها على الأب بقوله تعالى:
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
ج / 4 ص -311-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233]. ففي حال الزوجية والعدة هو قائم برزقها وفيما بعد
العدة لا يقوم بشيء فتقوم الأجرة مقامه كما في
"فتح القدير": وإنما كانت أحق؛ لأنها أشفق
فكان نظرا للصبي في الدفع إليها وإن التمست
زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه
وإليه الإشارة بقوله تعالى:
{لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ
بِوَلَدِهِ}
[البقرة: 233]. أي بإلزامه لها أكثر من أجرة
الأجنبية وفي "الذخيرة" لو صالحت المرأة زوجها
عن أجر الرضاع على شيء إن كان الصلح حال قيام
النكاح أو في العدة عن طلاق رجعي لا يجوز وإن
كان عن طلاق بائن واحدة أو ثلاثا جاز على إحدى
الروايتين؛ لأن الصلح على أن يعطيها شيئا
لترضع ولدها استئجار لها، وإذا جاز الصلح فهو
كما لو استأجرها على عمل آخر من الأعمال على
دراهم وصالحها عن تلك الدراهم على شيء بعينه
جاز وإن صالح عنها على شيء بغير عينه لا يجوز
إلا أن يدفع ذلك في المجلس حتى لا يكون بيع
دين بدين وفي كل موضع جاز الاستئجار ووجبت
النفقة لا تسقط بموت الزوج؛ لأنها أجرة وليست
بنفقة ا ه. وكذا ذكر في "الولوالجية" لا تسقط
هذه الأجرة بموته، بل تكون أسوة الغرماء ا ه.
فالحاصل: أنه أجرة فلذا لا تتوقف على القضاء
وظاهر المتون أن الأم لو طلبت الأجرة أي أجرة
المثل، والأجنبية متبرعة بالإرضاع فالأم أولى؛
لأنهم جعلوا الأم أحق في سائر الأحوال إلا في
حالة طلب الزيادة على أجرة الأجنبية والمصرح
به بخلافه كما في التبيين وغيره أن الأجنبية
أولى لكن هي أولى في الإرضاع أما في الحضانة
ففي "الولوالجية" وغيرها رجل طلق امرأته
وبينهما صبي وللصبي عمة أرادت أن تربيه وتمسكه
من غير أجر من غير أن تمنع الأم عنه، والأم
تأبى ذلك وتطالب الأب بالأجر ونفقة الولد
فالأم أحق بالولد وإنما يبطل حق الأم إذا
تحكمت الأم في أجرة الإرضاع بأكثر من أجرة
مثلها والصحيح أنه يقال للوالدة إما أن تمسكي
الولد بغير أجر وإما أن تدفعيه إلى العمة ا ه.
ولم أر من صرح بأن الأجنبية كالعمة في أن
الصغير يدفع إليها إذا كانت متبرعة والأم تريد
الأجرة على الحضانة ولا تقاس على العمة؛ لأنها
حاضنة في الجملة، وقد كثر السؤال عن هذه
المسألة في زماننا وهو أن الأب يأتي بأجنبية
متبرعة بالحضانة فهل يقال للأم كما يقال لو
تبرعت العمة وظاهر المتون أن الأم تأخذ بأجرة
المثل ولا تكون الأجنبية أولى بخلاف العمة على
الصحيح إلا أن يوجد نقل صريح في أن الأجنبية
كالعمة والظاهر أن العمة ليست قيدا، بل كل
حاضنة كذلك، بل الخالة كذلك بالأولى؛ لأنها من
قرابة الأم.
ثم اعلم أن ظاهر "الولوالجية" أن أجرة الرضاع
غير نفقة الولد للعطف، وهو للمغايرة فإذا
ج / 4 ص -312-
ولأبويه، وأجداده وجداته لو فقراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استأجر الأم للإرضاع لا يكفي عن نفقة الولد؛
لأن الولد لا يكفيه اللبن، بل يحتاج معه إلى
شيء آخر كما هو المشاهد خصوصا الكسوة فيقرر
القاضي له نفقة غير أجرة الإرضاع وغير أجرة
الحضانة فعلى هذا تجب على الأب ثلاثة أجرة
الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد أما أجرة
الرضاع فقد صرحوا بها هنا، وأما أجرة الحضانة
فصرح به قارئ "الهداية" في فتاواه، وأما نفقة
الولد فقد صرحوا بها في الإجارات في إجارة
الظئر قال الزيلعي فيها والطعام والثياب على
الوالد وما ذكره محمد في الدهن والريحان على
الظئر فهو على عادة أهل الكوفة ا ه.
فالحاصل: أن الأم ليس عليها إلا الإرضاع
وإصلاح طعامه وغسل ثيابه لكن في "الخانية":
وبعد الفطام يفرض القاضي نفقة الصغير على طاقة
الأب ويدفع إلى الأم حتى تنفق على الأولاد ا
ه. إلا أن يقال إن مراده النفقة الكاملة
بخلافها في زمن الرضاع فإنها قليلة.
وفي "المجتبى": وإذا كان للصبي مال فمؤنة
الرضاع ونفقته بعد الفطام في مال الصغير ومدة
الرضاع ثلاثة أوقات أدنى وهو حول ونصف وأوسط
وهو حولان ونصف حتى لو نقص عن الحولين لا يكون
شططا، ولو زاد لا يكون تعديا فلو استغنى الولد
دون الحولين ففطمته في حول ونصف بالإجماع ولا
تأثم، ولو لم يستغن بحولين حل لها أن ترضعه
بعدهما عند عامة المشايخ إلا عند خلف بن أيوب.
وأما الكلام في استحقاق الأجرة فمنهم من قال
إنه على الخلاف حتى أن المبانة تستحق إلى
الحولين ونصف عنده، وعندهما إلى حولين فقط
وأكثر المشايخ على أن مدة الرضاع في حق الأجرة
حولان عند الكل حتى لا تستحق بعد الحولين
إجماعا وتستحق في الحولين إجماعا.
وظاهر كلامهم أن وجوب أجرة الرضاع لا تتوقف
على عقد إجارة مع الأم، بل تستحقه بالإرضاع
مطلقا في المدة المذكورة، وقد قدمنا أنه ليس
بفقه وفي "الظهيرية"، وإذا أقرت المعتدة أنها
قبضت نفقة أولادها الصغار لخمسة أشهر، ثم قالت
إنها قبضت عشرين درهما، ونفقة خمسة أشهر مائة
درهم لم تصدق على ذلك وإن قالت ضاعت النفقة
فإنها ترجع على أبيهم بنفقتهم دون حصتها ا ه.
"قوله ولأبويه وأجداده وجداته لو فقراء"
أي تجب النفقة لهؤلاء أما الأبوان فلقوله
تعالى:
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}
[لقمان: 15]، أنزلت في الأبوين الكافرين وليس
من المعروف أن الابن يعيش في نعم الله تعالى
ويتركهما يموتان جوعا، وأما الأجداد والجدات
فلأنهما من الآباء
ج / 4 ص -313-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأمهات ولهذا يقوم الجد مقام الأب عند عدمه؛
ولأنهم تسببوا لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء
بمنزلة الأبوين وشرط الفقر؛ لأنه لو كان ذا
مال فإيجاب النفقة في ماله أولى من إيجابها في
مال غيره بخلاف نفقة الزوجة حيث تجب مع الغنى؛
لأنها تجب لأجل الحبس الدائم كرزق القاضي، ولو
ادعى الولد غنى الأب وأنكر الأب فالقول للأب
والبينة للابن.
وفي "المبتغى" بالمعجمة: إذا كان الأب محتاجا
وأبى الابن أن ينفق عليه وليس ثمة قاض يرفع
الأمر إليه له أن يسرق من مال ابنه وبوجود قاض
ثمة يأثم بسرقة ماله وبإعطاء الابن ما لا
يكفيه يجوز له أن يأخذ إلى أن تقع "الكفاية"
وبسرقته ما فوق "الكفاية" يأثم، وكذا إذا لم
يكن محتاجا ولم تكن نفقته عليه لا يجوز له أن
يسرق مال ابنه ا ه.
وأطلق في الابن ولم يقيده بالغنى مع أنه مقيد
به لما في شرح الطحاوي ولا يجبر الابن على
نفقة أبويه المعسرين إذا كان معسرا إلا إذا
كان بهما زمانة أو بهما فقر فقط فإنهما يدخلان
مع الابن ويأكلان معه ولا يفرض لهما نفقة على
حدة ا ه. وفي "الخانية": ولا يجب على الابن
الفقير نفقة والده الفقير حكما إذا كان الوالد
يقدر على العمل وإن كان الوالد لا يقدر على
عمل أو كان زمنا وللابن عيال كان على الابن أن
يضم الأب إلى عياله وينفق على الكل والموسر في
هذا الباب من يملك مالا فاضلا عن نفقة عياله
ويبلغ الفاضل مقدارا تجب فيه الزكاة ا ه. وفي
"الخلاصة" المختار في الفقير الكسوب أن يدخل
الأبوين في النفقة.
وقيد بفقرهم فقط؛ لأنه لو كان فقيرا وله قدرة
على الكسب فإن الابن يجبر على نفقته وهو قول
السرخسي، وقال الحلواني لا يجبر إذا كان الأب
كسوبا؛ لأنه غني باعتبار الكسب فلا ضرورة في
إيجاب النفقة على الغير، وإذا كان الابن قادرا
على الكسب لا تجب نفقته على الأب فلو كان كل
منهما كسوبا يجب أن يكتسب الابن وينفق على
الأب فالمعتبر في إيجاب نفقة الوالدين مجرد
الفقر قيل هو "ظاهر الرواية"؛ لأن معنى الأذى
في إيكاله إلى الكد والتعب أكثر منه في
التأفيف المحرم بقوله تعالى: {فَلاَ
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}
[الإسراء: 23]، كذا في "فتح القدير": والقائل
بأنه "ظاهر الرواية" صاحب "الذخيرة".
والضمير في قوله ولأبويه يعود إلى الإنسان
المفهوم فأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين الذكر
والأنثى وفي "الهداية" وهي على الذكور والإناث
بالسوية في "ظاهر الرواية" وهو الصحيح؛ لأن
المعنى يشملهما ا ه. وفي "الخلاصة" وبه يفتى
وفي "فتح القدير": وهو الحق لتعلق الوجوب
بالولاد وهو يشملهما بالسوية بخلاف غير
الولاد؛ لأن الوجوب علق فيه بالإرث ا ه.
وفي "الخانية": فإن كان للفقير ابنان أحدهما
فائق في الغنى والآخر يملك نصابا كانت النفقة
ج / 4 ص -314-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليهما على السواء، وكذا لو كان أحدهما مسلما
والآخر ذميا فهي عليهما على السواء ا ه.
وذكر في "الذخيرة" فيه اختلافا وعزا ما في
"الخانية": إلى مبسوط محمد ونقل عن الحلواني
أنه قال قال مشايخنا هذا إذا تفاوتا في اليسار
تفاوتا يسيرا أما إذا تفاوتا فيه تفاوتا فاحشا
يجب أن يتفاوتا في قدر النفقة.
وأشار بقوله ولأبويه إلى أن جميع ما وجب
للمرأة يجب للأب والأم على الولد من طعام
وشراب وكسوة وسكنى حتى الخادم قال في
"الخانية": وكما يجب على الابن الموسر نفقة
والده الفقير تجب عليه نفقة خادم الأب امرأة
كانت الخادم أو جارية إذا كان الأب محتاجا إلى
من يخدمه ا ه.
وفي "الخلاصة": يجبر الابن على نفقة زوجة
أبيه ولا يجبر الأب على نفقة زوجة ابنه وفي
نفقات الحلواني قال فيه روايتان في رواية كما
قلناه، وفي رواية إنما تجب نفقة زوجة الأب إذا
كان الأب مريضا أو به زمانة يحتاج إلى الخدمة
أما إذا كان صحيحا فلا.
قال في "المحيط": فعلى هذا لا فرق بين الأب
والابن فإن الابن إذا كان بهذه المثابة يجبر
الأب على نفقة خادمه ا ه. وظاهر ما في
"الذخيرة" أن المذهب عدم وجوب نفقة امرأة الأب
أو جاريته أو أم ولده حيث لم يكن بالأب علة
وأن القول بالوجوب مطلقا إنما هو رواية عن أبي
يوسف وفي "الذخيرة" أيضا، ثم إذا قضى القاضي
بالنفقة على الولدين للأب فأبى أحدهما أن يعطي
للأب ما يجب عليه فالقاضي يأمر الآخر بأن يعطي
كل النفقة، ثم يرجع على الأخ بحصته ا ه.
ومراد المصنف من إيجاب نفقة الأم على الولد إذ
لم تكن متزوجة؛ لأنها على الزوج كبنته
المراهقة إذا زوجها صارت نفقتها على زوجها
وقدمنا أن الزوج لو كان معسرا فإن الابن يؤمر
بأن يقرضها، ثم يرجع عليه إذا أيسر، وقد صرح
به في "الذخيرة" هنا أيضا قال فإن أبى الابن
أن يقرضها النفقة فرض لها عليه النفقة وتؤخذ
منه وتدفع إليها؛ لأن الزوج المعسر بمنزلة
الميت.
وأشار المصنف بقوله ولأبويه إلى أن الاعتبار
في وجوب نفقة الوالدين والمولدين إنما هو
القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث، قالوا وإذا
استويا في القرب تجب على من له نوع رجحان،
وإذا لم يكن لأحدهما رجحان فحينئذ تجب النفقة
بقدر الميراث فإن كان للفقير ولد وابن ابن
موسرين فالنفقة على الولد؛ لأنه أقرب. وإذا
كانت له بنت وابن ابن فالنفقة على البنت خاصة،
ج / 4 ص -315-
ولا تجب مع اختلاف الدين إلا بالزوجية والولاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان الميراث بينهما؛ لأن البنت أقرب، وإذا
كانت له بنت أو ابن بنت وأخ لأب وأم فالنفقة
على ولد البنت ذكرا كان أو أنثى وإن كان
الميراث للأخ لا لولد البنت، ولو كان له والد
وولد موسران فالنفقة على ولده وإن استويا في
القرب لترجح الولد بتأويل "أنت ومالك لأبيك"،
ولو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على
قدر ميراثهما على الجد السدس والباقي على ابن
الابن والدليل على عدم اعتبار الميراث في هذه
النفقة أنه لو كان أحدهما ذميا فالنفقة عليهما
وإن كان الميراث للمسلم منهما.
ولو كان للمسلم الفقير ابن نصراني وأخ مسلم
فالنفقة - على الابن والميراث للأخ، ولو كان
للفقير بنت ومولى عتاقة موسران فالنفقة على
البنت وإن استويا في الميراث، كذا في
"الذخيرة".
وأطلق المصنف في الجد فشمل أب الأب وأب الأم
جزم به في "الذخيرة" وغيرها، نقل الاختلاف في
أب الأم.
وأطلق في الجدة فشمل الجدة من قبل الأب والجدة
من قبل الأم وفي "الولوالجية" الأب إذا أخذ
النفقة والكسوة المفروضتين معجلة فضاع ذلك
يفرض له أخرى فلو مضت المدة وهي باقية لا يفرض
له أخرى بخلاف الزوجة فيهما، وقد ذكرنا1 الفرق
فيها في أول باب النفقات.
"قوله ولا تجب مع اختلاف الدين إلا بالزوجية
والولاد" أما الزوجية فلما
ذكرنا أنها واجبة لها بالعقد لاحتباسها بحق
مقصود له، وهذا لا يتعلق باتحاد الملة، وأما
غيرها فلأن الجزئية ثابتة وجزء المرء في معنى
نفسه فكما لا تمتنع نفقة نفسه بكفره لا تمتنع
نفقة جزئه إلا أنهم إذا كانوا حربيين لا تجب
نفقتهم على المسلم وإن كانوا متساويين؛ لأنا
نهينا عن البر في حق من يقاتلنا في الدين.
أطلق في الولاد فشمل الأبوين والأجداد والجدات
والولد وولد الولد وفي المستصفى صورته تزوج
ذمي ذمية وحصل لهما ولد، ثم أسلمت الذمية حكم
بإسلام الولد تبعا لها والنفقة على الأب، وهذا
قبل عروض الإسلام ويحتمل أن يعتقد الكفر في
صغره، وكفره صحيح عند أبي حنيفة ومحمد ا ه.
وقيد بالزوجية والولاد؛ لأن فيما عدا ذلك لا
تجب مع اختلاف الدين فلا يجب على المسلم نفقة
أخيه النصراني وعكسه؛ لأن النفقة متعلقة
بالإرث بالنص بخلاف العتق عند الملك؛ لأنه
متعلق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "266".
ج / 4 ص -316-
ولا يشارك الأب والولد في نفقة ولده وأبويه
أحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالقرابة والمحرمية بالحديث1؛ ولأن القرابة
موجبة للصلة ومع الاتفاق في الدين آكد ودوام
ملك اليمين أعلى في القطية من حرمان النفقة
فاعتبرنا في الأصل أصل العلة وفي الأدنى العلة
المؤكدة فلهذا افترقا.
"قوله ولا يشارك الأب والولد في نفقة ولده
وأبويه أحد" أما نفقة الولد
فقدمناها2، وأما نفقة الوالدين فلأن لهما
تأويلا في مال الولد بالنص ولا تأويل لهما في
مال غيره؛ ولأنه أقرب الناس إليهما فكان
الأولى باستحقاق نفقتهما عليه.
أطلق في الأب فشمل الموسر والمعسر لكن في
"الذخيرة" إن كان الأب معسرا والأم موسرة أمرت
أن تنفق من مالها على الولد فيكون دينا ترجع
عليه إذا أيسر؛ لأن نفقة الصغير على الأب وإن
كان معسرا كنفقة نفسه فكانت الأم قاضية حقا
واجبا عليه بأمر القاضي فترجع عليه إذا أيسر،
ثم جعل الأم أولى بالتحمل من سائر الأقارب حتى
لو كان الأب معسرا والأم موسرة وللصغير جد
موسر تؤمر الأم بالإنفاق من مال نفسها، ثم
ترجع على الأب ولا يؤمر الجد بذلك؛ لأنها أقرب
إلى الغير، ولو كان الأب واجدا للنفقة لكن
امتنع من النفقة على الصغير ففرض القاضي
النفقة على الأب فامتنع عن الأداء فالقاضي
يأمرها أن تستدين عليه وتنفق على الغير لترجع
بذلك على الأب، وكذلك لو غاب الأب بعد فرض
نفقة الأولاد وتركهم بلا نفقة فاستدانت بأمر
القاضي وأنفقت عليهم رجعت عليه، وكذلك هذا
الحكم في مؤنة الرضاع إذا كان الأب معسرا
فالقاضي يأمر الأم بالاستدانة فإذا أيسر رجعت
عليه بالقدر الذي أمرها القاضي بالاستدانة وإن
لم تستدن بعد الفرض لكن كانوا يأكلون من مسألة
الناس فلا رجوع لها لوقوع الاستغناء فإن كانوا
أعطوا مقدار نصف "الكفاية" سقط نصف النفقة عن
الأب وتصح الاستدانة في النصف الباقي وعلى هذا
القياس، وكذا في نفقة المحارم وسيأتي3 تمامه.
ولو كان للفقير أولاد صغار وجد موسر لم تفرض
النفقة على الجد، ولكن يؤمر الجد بالإنفاق
صيانة لولد الولد ويكون ذلك دينا على والد
الصغار وهكذا ذكر القدوري فلم يجعل النفقة على
الجد حال عسرة الأب.
وقد ذكرنا في أول هذا الفصل4 أن الأب الفقير
يلحق بالميت في استحقاق النفقة على الجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "من ملك ذا
رحم محرم عتق عليه" وقد تقدم تخريجه.
2 انظر الصفحة: "315".
3 انظر الصفحة: "317".
4 انظر الصفحة: "266".
ج / 4 ص -317-
ولقريب
محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر الإرث لو موسرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو الصحيح من المذهب وما ذكره القدوري
قول الحسن بن صالح هكذا ذكر الصدر الشهيد في
أدب القاضي للخصاف وإن كان الأب زمنا قضي
بنفقة الصغار على الجد ولم يرجع على أحد
بالإنفاق؛ لأن نفقة الأب في هذه الحالة على
الجد فكذا نفقة الصغار، وعن أبي يوسف في صغير
له والد محتاج وهو زمن فرضت نفقته على قرابته
من قبل أبيه دون أمه وكل من يجبر على نفقة
الأب يجبر على نفقة الغلام فإن لم يكن له
قرابة من قبل أبيه قضيت بالنفقة على أبيه
وأمرت قرابة الأم بالإنفاق فيكون دينا على
الأب، وهذا الجواب إنما يستقيم إذا لم يكن في
قرابة الأم من يكون محرما للصغير ويكون أهلا
للإرث؛ لأن شرط وجوب النفقة في غير قرابة
الولاد المحرمية وأهلية الإرث فأما إذا كان في
قرابة الأم من كان محرما للصغير وهو أهل للإرث
تجب عليه النفقة ويلحق الأب المعسر بالميت لما
ذكرناه ا ه.
وحاصله: أن الوجوب على الأب المعسر إنما هو
إذا أنفقت الأم الموسرة وإلا فالأب كالميت
والوجوب على غيره لو كان ميتا ولا رجوع عليه
في الصحيح وعلى هذا فلا بد من إصلاح المتون
والشروح كما لا يخفى.
وأطلق في قوله في نفقة ولده فشمل الصغير
والكبير الزمن وفي رواية أن نفقة الكبير تجب
على الأبوين أثلاثا باعتبار الإرث بخلاف
الصغير والظاهر الأول.
"قوله ولقريب محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر
الإرث لو موسرا" أي تجب
النفقة للقريب إلى آخره؛ لأن الصلة في القرابة
القريبة واجبة دون البعيدة والفاصل أن يكون ذو
رحم محرم، وقد قال تعالى
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}
[البقرة: 233]، وفي قراءة عبد الله بن مسعود
وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك.
قيد بالقريب؛ لأن المحرم الذي ليس بقريب كالأخ
من الرضاع تجب نفقته وقيد بالمحرم؛ لأن الرحم
غير المحرم لا تجب نفقته كابن العم وإن كان
وارثا ولا بد أن تكون المحرمية بجهة القرابة؛
لأنه لو كان قريبا محرما لا من جهتها كابن
العم إذا كان أخا من الرضاع فإنه لا نفقة له،
كذا في "شرح الطحاوي". فلو كان له خال وابن عم
فالنفقة على الخال لمحرميته لا على ابن العم
وإن كان وارثا؛ لأن المراد من الوارث في الآية
من هو أهل للميراث لا كونه وارثا حقيقة إذ لا
يتحقق ذلك إلا بعد الموت والخال في الجملة
سواء كان وارثا في هذه الحالة أو لم يكن، وعند
الاستواء في المحرمية وأهلية الإرث يرجح من
كان وارثا حقيقة في هذه الحالة حتى إذا كان له
عم وخال فالنفقة على العم؛ لأنهما استويا في
المحرمية ويترجح العم على الخال لكونه وارثا
حقيقة، وكذلك إذا كان له عم وعمة وخالة
فالنفقة على العم لا غير إن كان
ج / 4 ص -318-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موسرا وإن كان معسرا فالنفقة على العمة
والخالة أثلاثا على قدر ميراثهما ويجعل العم
كالميت وفي القنية يجبر الأبعد إذا غاب
الأقرب.
وقيد بالفقر؛ لأن الغني نفقته على نفسه وقيدنا
بالعجز عن الكسب وهو بالأنوثة مطلقا وبالزمانة
والعمى ونحوها في الذكر فنفقة المرأة الصحيحة
الفقيرة على محرمها فلا يعتبر في الأنثى إلا
الفقر، وأما البالغ الفقير فلا بد من عجزه
بزمانة أو عمى أو فقء العينين أو شلل اليدين
أو مقطوع الرجلين أو معتوه أو مفلوج زاد في
التبيين أن يكون من أعيان الناس يلحقه العار
من التكسب أو طالب علم لا يتفرغ لذلك.
وفي "المجتبى": البالغ إذا كان عاجزا عن
الكسب وهو صحيح فنفقته على الأب وهكذا قالوا
في طالب العلم إذا كان لا يهتدي إلى الكسب لا
تسقط نفقته عن الأب بمنزلة الزمن والأنثى ا ه.
وفي "القنية": والظاهر أنه لم يخف على أبي
حامد قول السلف بوجوب نفقة طالب العلم على
الأب لكن أفتى بعدم وجوبها لفساد أحوال أكثر
طلبة العلم فإن من كان منهم حسن السير مشتغلا
بالعلوم النافعة يجبر الآباء على الإنفاق
عليهم وإنما يطالبهم فساق المبتدعة الذين شرهم
أكثر من خيرهم يحضرون الدرس ساعة بخلافيات
ركيكة ضررها في الدين أكثر من نفعها، ثم
يشتغلون طول النهار بالسخرية والغيبة والوقوع
في الناس مما يستحقون به لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين فيقذف الله البغض في قلوب
آبائهم وينزغ عنهم الشفقة فلا يعطون مناهم في
الملابس والمطاعم فيطالبونهم بالنفقة ويؤذونهم
مع حرمة التأفيف، ولو علموا بسيرتهم السلف
لحرموا الإنفاق عليهم ومن كان بخلافهم نادر في
هذا الزمان فلا يفرد بالحكم دفعا لحرج التمييز
بين المصلح والمفسد.
قلت: لكن نرى طلبة العلم بعد الفتنة العامة
المشتغلين بالفقه والأدب اللذين هما قواعد
الدين وأصول كلام العرب والاشتغال بالكسب
يمنعهم عن التحصيل ويؤدي إلى ضياع العلم
والتعطيل فكان المختار الآن قول السلف وهفوات
البعض لا تمنع وجوب النفقة كالأولاد والأقارب
ا ه.
واختلفوا في حد المعسر الذي يستحق هذه النفقة
فقيل هو الذي تحل له هذه الصدقة، وقيل هو
المحتاج والذي له منزل وخادم هل يستحق النفقة
على قريبه الموسر فيه اختلاف الرواية في رواية
لا يستحق حتى لو كانت أختا لا يؤمر الأخ
بالإنفاق عليها، وكذا لو كانت بنتا أو أما في
رواية
ج / 4 ص -319-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تستحق وهو الصواب، كذا في "البدائع"
وأطلق المصنف فيما تجب عليه النفقة فشمل
الصغير الغني والصغيرة الغنية فيؤمر الوصي
بدفع نفقة قريبهما المحرم بشرطه، كذا في أنفع
الوسائل أيضا وقدمناه.
وأفاد بقوله بقدر الميراث أنه لو تعدد من تجب
عليه النفقة فإنها تقسم عليهم بقدر ميراثهم؛
لأن الله أوجب النفقة باسم الوارث فوجب
التقدير به فإذا كان للصغير أم وعم أو أم وأخ
لأب وأم فالنفقة عليهما على قدر الميراث،
وكذلك الرضاع عليهما أثلاثا؛ لأن الرضاع نفقة
الولد فتكون عليهما كنفقته بعد الفطام وروى
الحسن عن أبي حنيفة أن في النفقة بعد الفطام
الجواب هكذا، وأما ما يحتاج إليه من النفقة
قبل الفطام الرضاع كله على الأم؛ لأنها موسرة
باللبن والعم معسر في ذلك، ولكن في "ظاهر
الرواية" قدرة العم على تحصيل ذلك بما له
يجعله موسرا فيه فلهذا كان بينهما أثلاثا فإن
كان العم فقيرا والأم غنية فالكل على الأم وإن
كان له أم وأخ لأم وأب أو أخ لأب وعم أغنياء
فالرضاع على الأم والأخ أثلاثا بحسب الميراث؛
لأن العم ليس بوارث في هذه الحالة فيترجح الأخ
على العم. وإذا كان للفقير الزمن ابن صغير
معسر وليس بزمن ولهذا المعسر ثلاثة إخوة
متفرقين أهل يسار فنفقة الرجل على الأخ من
الأب والأم والأخ من الأم أسداسا؛ لأن الابن
الصغير المعسر يجعل كالمعدوم في حق إيجاب
النفقة على الغير وما لم يجعل الابن كالمعدوم
لا تصير الإخوة ورثة فيتعذر إيجاب النفقة
عليهم حال قيام الابن فيجعل الابن كالمعدوم
ويجعل الميراث بين الأخ لأب وأم وبين الأخ لأم
أسداسا، ولو كان مكان الابن بنت فنفقة الأب
على الأخ لأب وأم خاصة؛ لأنا لا نحتاج أن
نجعلها كالمعدوم؛ لأنه يرث مع البنت، وقد تعذر
إيجاب النفقة على البنت فيجب على الأخ لأب وأم
ونفقة الصغير على العم والأم خاصة؛ لأن الأب
المعسر كالمعدوم، وبعد الأب ميراث الولد للعم
للأب والأم خاصة فكذا نفقة الولد عليهما فإن
كان مكان الإخوة أخوات متفرقات فإن كان الولد
ذكرا فنفقة الأب على الأخوات أخماسا؛ لأن أحدا
من الأخوات لا يرث مع الابن فلا بد أن يجعل
الابن كالمعدوم ليمكن إيجاب النفقة على
الأخوات وبعد الابن ميراث الأب بين الأخوات
أخماسا ثلاثة أخماسه للأخت لأب وأم وخمسه
للأخت لأب وخمسه للأخت لأم فرضا وردا فالنفقة
عليهم بحساب ذلك ونفقة الولد على الأخت لأب
وأم خاصة عندنا؛ لأن الوالد المعسر نجعله
كالمعدوم، وعند عدم الوالد ميراث الولد للعمة
لأب وأم خاصة عندنا فالنفقة تكون عليها أيضا.
وإذا كان الولد بنتا فنفقة الأب على الأخت لأب
وأم خاصة؛ لأنها وارثة مع البنت فإن الأخوات
مع البنات عصبة فلا تجعل البنت كالمعدوم، ولكن
لو مات الأب كان نصف ميراثه للبنت والباقي
للأخت لأب وأم، فكذا النفقة على الأخت لأب وأم
ونفقة البنت على العمة لأب وأم خاصة عندنا؛
لأن الأب المحتاج جعل كالمعدوم، وعند انعدام
الولد فميراث البنت يكون للعمة لأب وأم خاصة
عندنا فكذا النفقة عليها وتمامه في "الذخيرة"
وعلم مما ذكرناه أن الولد الكبير داخل تحت
القريب المحرم فتجب نفقته على الأب بشرط العجز
على رواية "المبسوط" وعلى ما ذكره الخصاف في
نفقاته فهي على الأب والأم أثلاثا ثلثاها على
الأب والثلث على الأم.
ج / 4 ص -320-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال في "الذخيرة"، وإذا طلب الابن الكبير
العاجز أو الأنثى أن يفرض له القاضي النفقة
على الأب أجابه القاضي ويدفع ما فرض لهم
إليهم؛ لأن ذلك حقهم ولهم ولاية الاستيفاء ا
ه.
فعلى هذا لو قال الأب للولد الكبير أنا أطعمك
ولا أدفع إليك شيئا لا يلتفت إليه، وكذا الحكم
في نفقة كل محرم لكن لا يشترط يسار الأب لنفقة
الولد الكبير العاجز؛ لأنه كالصغير كما في
"البدائع".
وشرط المصنف اليسار؛ لأن الفقير لا تجب عليه
نفقة غير "الأصول" والفروع والزوجة واختلف في
حد اليسار على أربعة أقوال مروية الأصح منها
قولان.
أحدهما: أنه مقدر بنصاب الزكاة قال في
"الخلاصة" حتى لو انتقص منه درهم لا تجب وبه
يفتى واختاره الولوالجي معللا بأن النفقة تجب
على الموسر ونهاية اليسار لا حد لها وبدايته
النصاب فيقدر به ا ه.
وثانيهما: أنه نصاب حرمان الصدقة وهو النصاب
الذي ليس بنام قال في "الهداية" وعليه الفتوى
وصححه في "الذخيرة"؛ لأنه لم يشترط لوجوب صدقة
الفطر غنى موجب الزكاة وإنما شرط غنى محرم
للصدقة فكذا في حق إيجاب النفقة؛ لأن النفقة
بصدقة الفطر أشبه منها بالزكاة؛ لأن في صدقة
الفطر معنى المؤنة ومعنى الصدقة فإذا لم يشترط
لوجوب صدقة الفطر غنى موجب للزكاة وهي صدقة من
وجه مؤنة من وجه فلأن لا يشترط لوجوب النفقة
موجب للزكاة وأنها مؤنة من كل وجه كان أولى ا
ه.
ورجح الزيلعي رواية محمد التي قدرت اليسار بما
يفضل عن نفقة نفسه وعياله شهرا إن كان من أهل
الغلة وإن كان من أهل الحرف فهو مقدر بما يفضل
عن نفقته ونفقة عياله كل يوم؛ لأن المعتبر في
حقوق العباد القدرة دون النصاب وهو مستغن عما
زاد على ذلك فيصرفه إلى أقاربه إذ المعتبر في
حقوق العباد القدرة دون النصاب، وهذا أوجه ا
ه.
وفي "التحفة": وقول محمد أرفق وفي "غاية
البيان" ومال شمس الأئمة السرخسي إلى قول محمد
ا ه. ولم أر من أفتى به من مشايخنا فالاعتماد
على القولين الأولين، والأرجح الثاني كما لا
يخفى وقدمنا أن القول لمنكر اليسار والبينة
لمدعيه.
وفي "القنية": له عم وجد أبو الأم فنفقته على
أبي الأم وإن كان الميراث للعم، ولو كان له أم
وأب لأم موسران فعلى الأم وفيه إشكال قوي؛
لأنه ذكر في الكتاب إذا كان له أم وعم موسران
فالنفقة عليهما أثلاثا فلم يجعل الأم أقرب من
العم وجعل في المسألة المتقدمة أب الأم أقرب
من
ج / 4 ص -321-
وصح بيع عرض ابنه لا عقاره للنفقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العم ولزم منه أن تكون النفقة على أب الأم مع
الأم.
ويتفرع من هذه الجملة فرع أشكل الجواب فيه وهو
ما إذا كانت له أم وعم وأب لأم موسرون فيحتمل
أن تجب على الأم لا غير؛ لأن أبا الأم لما كان
أولى من العم والأم أولى من أبي الأم كانت
الأم أولى من العم لكن بترك جواب الكتاب
ويحتمل أن يكون على الأم والعم أثلاثا ا ه.
وفي "الخانية": صغير مات أبوه وله أم وجد أب
الأب كانت النفقة عليهما أثلاثا الثلث على
الأم والثلثان على جد الأب ا ه. وبه علم أن
الجد ليس كالأب فيها.
"قوله وصح بيع عرض ابنه لا عقاره للنفقة"
والقياس أن لا يجوز له بيع شيء وهو قولهما؛
لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ ولهذا لا
يملك حال حضرته ولا يملك البيع في دين له سوى
النفقة، والمذكور في المختصر هو الاستحسان وهو
قول الإمام رحمه الله؛ لأن للأب ولاية الحفظ
في مال الغائب ألا ترى أن للوصي ذلك فللأب
أولى لوفور شفقته وبيع المنقول من باب الحفظ
ولا كذلك العقار؛ لأنها مختصة بنفسها قيد
بالأب؛ لأن الأم وسائر الأقارب ليس لهم بيع
شيء اتفاقا؛ لأنهم لا ولاية لهم أصلا في
التصرف حالة الصغر ولا في الحفظ بعد الكبر،
وإذا جاز بيع الأب فالثمن من جنس حقه وهو
النفقة فله الاستيفاء منه كما لو باع العقار
والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له
أن يأخذ منه نفقته؛ لأنه جنس حقه ومحل الخلاف
في الابن الكبير أما الصغير فللأب بيع عرضه
للنفقة إجماعا كما في شرح الطحاوي وله بيع
عقاره، وكذا المجنون بخلاف غير الأب لا يجوز
له بيع العقار مطلقا كما في "فتح القدير".
وقيد بالنفقة؛ لأنه ليس للأب بيع عرض ابنه
لدين له عليه سوى النفقة اتفاقا واستشكله
الزيلعي بأنه إذا كان البيع من باب الحفظ وله
ذلك فما المانع منه لأجل دين آخر وأجاب عنه في
"غاية البيان" بأن النفقة لا تشبه سائر
الديون؛ لأنه حينئذ يلزم القضاء على الغائب
فلا يجوز بخلاف النفقة فإنها واجبة قبل القضاء
وإنما قضى القاضي إعانة فجاز بيع الأب لعدم
القضاء على الغائب ا ه.
وأشار بقوله للنفقة إلى أنه لا يجوز بيعه إلا
بقدر ما يحتاج إليه من النفقة ولا يجوز له أن
يبيع الزيادة على ذلك كما في "غاية البيان".
وأطلق المصنف في بيع العرض وهو مقيد بغيبته؛
لأن الابن لو كان حاضرا ليس للأب البيع إجماعا
كما في "الذخيرة" وإنما قال المصنف للنفقة ولم
يقل لنفقته للإشارة إلى أنه يبيع لنفقته.
ج / 4 ص -322-
ولو أنفق مودعه على أبويه بلا أمر ضمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونفقة أم الغائب وإن كانت الأم لا تملك البيع
قال في "الذخيرة" الظاهر أن الأب يملك البيع
والأم لا تملك، ولكن بعد ما باع فالثمن يصرف
إليهما في نفقتهما ا ه.
واحترز بالأب أيضا عن القاضي؛ لأنه ليس له
البيع عند الكل لا في العروض ولا في العقار
ولا في النفقة ولا في سائر الديون، يريد به
إذا لم يكن السبب معلوما للحاكم وإن كان
معلوما، ولكن حاجة الأب لم تكن معلومة أو إن
كانت معلومة إلا أنه يحتمل أن الابن أعطاها
النفقة وفي هذه الوجوه كلها لا يبيع؛ لأنه لو
باع القاضي وصرف الثمن إليه لا يكون ذلك الثمن
مضمونا عليه؛ لأنه قبض بأمر القاضي فيتضرر به
الغائب فلذا لا يبيعه القاضي، ولكن يفوض الأمر
إلى الأب ويقول له إن كنت صادقا فيما تدعي
وإلا فلا آمرك بشيء وهو على هذا الوجه لا
يتضرر الغائب ا ه.
"قوله: ولو أنفق مودعه على أبويه بلا أمر
ضمن" أي المودع ما أنفقه؛
لأنه تصرف في مال الغير بلا ولاية ولا نيابة؛
لأنه نائب عنه في الحفظ لا غير والمودع ليس
بقيد؛ لأن مديون الغائب كذلك كما في
"الولوالجية" والأبوان ليسا بقيد، بل الإنفاق
على الزوجة بلا أمر كذلك كما في "الخانية":
من كتاب الوديعة، وكذا على الأولاد/.
وقيد بكونه بلا أمر؛ لأنه لو كان بأمر الغائب
فلا إشكال، وكذا إذا كان بأمر القاضي؛ لأن
أمره ملزم لعموم ولايته ولا يقال إنه قضاء على
الغائب ولا يجوز؛ لأنا نقول نفقة هؤلاء واجبة
قبل القضاء وقضاؤه إعانة لهم فحسب، كذا في
"غاية البيان"، وعند أمر القاضي لا فرق بين
الأبوين والأولاد الصغار والزوجة كما تقدم في
قوله وفرض لزوجة الغائب إلى آخره.
وأشار المصنف إلى أن المودع لو قضى دين المودع
الوديعة فإنه يكون ضامنا ولم يضمنه الحاكم أبو
إسحاق1، والصحيح الضمان كما أشار إليه محمد في
كتاب الوديعة، كذا في "الذخيرة" وأطلقه فظاهره
أنه ولو كان بأمر القاضي؛ لأن الأمر هنا بقضاء
الدين قضاء على الغائب وهو لا يجوز بخلاف
الأمر بالإنفاق كما قدمنا الفرق وإنما عبر
المصنف بالضمان دون الحرمة؛ لأنه إنما يضمن في
القضاء، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا
ضمان عليه، ولو مات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن منصور بن مخلص أبو إسحاق الحاكم
النوقدي نسبته إلى نوقد قربة من قرى نسف كان
مدرسا ومفتيا توفي بسمرقند سنة أربع وثلاثين
وأربعمائة ه/ ا. ه الفوائد البهية "201"،
الجواهر المضية "3/373".
ج / 4 ص -323-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغائب حل له أن يحلف لورثته أنهم ليس لهم
عليه حق؛ لأنه لم يرد بذلك غير الإصلاح، وكذا
في "فتح القدير".
وأطلق المصنف في الضمان فشمل ما إذا أمكن
استطلاع رأي القاضي أو لا لكن نقلوا عن
النوادر أنه مقيد بما إذا أمكن أما إذا لم
يمكن فلا ضمان استحسانا قال في "الذخيرة"،
وكذلك قال مشايخنا في رجلين كانا في سفر فأغمي
على أحدهما فأنفق الآخر على المغمى عليه من
مال المغمى عليه لم يضمن استحسانا، وكذا إذا
مات فجهزه صاحبه من ماله لم يضمن استحسانا،
وكذا العبد المأذون في التجارة إذا مات مولاه
فأنفق في الطريق لم يضمن، وكذا روي عن مشايخ
بلخ إذا كان للمسجد أوقاف ولم يكن لها متول
فقام واحد من أهل المحلة في جميع الأوقات
وأنفق على المسجد فيما يحتاج إليه من الحصر
والحشيش لا يضمن استحسانا فيما بينه وبين الله
تعالى وحكي عن محمد أنه مات واحد من تلامذته
فباع محمد كتبه وأنفق في تجهيزه فقيل له إنه
لم يوص بذلك إلى أحد فتلا محمد قوله تعالى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فما كان على قياس هذا الأصل لا ضمان عليه فيما بينه
وبين الله تعالى استحسانا أما في الحكم فهو
ضامن.
وكذا الورثة الكبار إذا أنفقوا على الصغار ولم
يكن هناك وصي فإنهم متطوعون حكما، وأما ديانة
فإنهم محسنون ويسعهم أن يقروا بما فضل من نصيب
الصغار فقط، ولو حلفوا فلا شيء عليهم ونظيره
إذا عرف الوصي الدين على الميت فقضاه ولم يقر
بذلك ولم يعرفه القاضي ولا الورثة ولا يأثم.
وكذا إذا كان لرجل عند رجل وديعة وعلى صاحب
الوديعة مثلها دين والمودع يعلم أنه مات ولم
يقبض دينه وسع المودع أن يقضي ذلك الدين بماله
ولا يقربه، وكذا إذا كان لعمرو على زيد دين
وعلى عمرو مثل ذلك الدين لرجل آخر فمات عمرو
وزيد يعرف أن عمرا لم يقض دينه يسع لزيد أن
يقضي دين عمرو بما لعمرو على زيد ولا يخبر
ورثته بذلك ا ه. والأصل في ذلك أن خالد بن
الوليد أخذ الراية وتأمر من غير تأمير لأجل
الإصلاح1 ذكره الكرماني في شرح البخاري من
الجنائز.
ولم يذكر المصنف أنه هل يرجع بما أنفقه على من
أنفق عليه عند ضمانه وقالوا لا رجوع له لأن
المودع ملك المدفوع بالضمان فكان متبرعا بملك
نفسه وظاهره أنه لا فرق بين أن ينفق عليهم
وبين أن يدفع الوديعة إليهم في وجوب الضمان
وعدم الرجوع عليهم لوجود العلة فيهما ولم أر
أنه إذا أنفق عليهم بلا أمر، ثم أجاز المالك
لظهور أنه لا ضمان؛ لأن الإجازة إبراء له من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وذلك في غزوة مؤتة بعد استشهاد القواد
الثلاثة زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي
الله عنهم.
ج / 4 ص -324-
ولو أنفق ما عند هما لا، فلو قضى بنفقة
الولاد، والقريب، ومضت مدة سقطت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الضمان، ولقولهم إن الإجازة اللاحقة كالوكالة
السابقة.
"قوله: ولو أنفقا ما عندهما لا"
أي لا ضمان عليهما؛ لأنهما استوفيا حقهما؛ لأن
نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا
جنس الحق وفي "الخلاصة"، ولو أنفق على نفسه من
مال الابن، ثم خاصمه الابن فقال أنفقته وأنت
موسر، وقال الأب أنفقته وأنا معسر قال انظر
إلى حال الأب يوم الخصومة إن كان معسرا فالقول
قوله استحسانا في نفقة مثله وإن كان موسرا
فالقول قول الابن، ولو أقاما البينة فالبينة
بينة الابن ا ه. وحكم الزوجة والولد كالأبوين
إذا أنفقا ما عندهما لا ضمان عليهما بخلاف
غيرهم من القريب المحرم العاجز فإنه يضمن
بالإنفاق بغير قضاء ولا رضا.
قال في "الذخيرة" إن نفقة الوالدين والمولودين
والزوجة واجبة قبل القضاء حتى إذا ظفر أحد من
هؤلاء بجنس حقهم كان له الأخذ بغير قضاء ولا
رضا فأما نفقة سائر الأقارب لا تجب إلا
بالقضاء أو الرضا حتى لو ظفر واحد من الأقارب
بجنس حقه لم يكن له الأخذ إلا بقضاء أو رضا؛
ولذا يفرض القاضي في مال الغائب نفقة الأولين
فقط ا ه.
"قوله: ولو قضى بنفقة الولاد والقريب ومضت
مدة سقطت" لأن نفقة هؤلاء تجب
كفاية للحاجة حتى تجب مع اليسار، وقد حصلت
"الكفاية" بمضي المدة بخلاف نفقة الزوجة إذا
قضى بها القاضي؛ لأنها تجب مع يسارها فلا تسقط
بحصول الاستغناء فيما مضى ولم أر من صرح بأنه
يأثم ومقتضى وجوبها أنه يأثم بتركها إذا طلبها
صاحبها وامتنع مع أنهم قالوا إنها لا تجب إلا
بالقضاء أو الرضا كما قدمناه عن "الذخيرة"؛
ولذا ليس لمن هي له أن يأخذها بغير قضاء ولا
رضا وصرح الخصاف في أدب القاضي بأنها لا تجب
إلا بالقضاء للاختلاف فيها واستشكله السروجي
في الغاية من حيث إنهم جعلوا القاضي نفسه هو
الذي أوجب هذه النفقة والقاضي ليس بمشرع وما
ذاك إلا للنبي صلى الله عليه وسلم وانقطع من
بعده فهو مشكل جدا وتبعه على ذلك الطرسوسي في
أنفع الوسائل، وقال لم قيل إن الوجوب يثبت
بقوله تعالى:
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فقضاء القاضي إعانة له كما في نفقة الأولاد كيف
وأنهم قد استدلوا في أصل المسألة بهذه الآية
على وجوب نفقة القريب وكلمة على للإيجاب ولا
يعكر على هذا اختلاف العلماء؛ لأن المسائل
الاختلافية يعمل فيها على الاختلاف ولا يكون
الاختلاف مؤثرا في عدم القبول فإن ذلك كان
واجبا قبل القضاء كما قلنا في نفقة المبتوتة
إنه يقضي بها باعتبار أنها ثابتة قبل القضاء
والقضاء إعانة لا أن تعيين القاضي مثبت لها،
وكذا بقية المسائل الخلافية ولم يظهر لي
الموجب لفرارهم من هذا ا ه.
ج / 4 ص -325-
إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "البدائع" أن شرط وجوب نفقة القريب الطلب
والخصومة بين يدي القاضي في نفقة غير الولاد
فلا تجب بدونه؛ لأنها لا تجب بدون قضاء القاضي
والقضاء لا بد له من الطلب والخصومة ا ه. وهو
صريح في أن الطلب من غير أن يكون بين يدي
القاضي لا يكون موجبا وأطلق المصنف في المدة
وهي مقيدة بالكثيرة أما القليلة فلا تسقط وهي
ما دون الشهر كما ذكره في "الذخيرة" وتبعها
الشارحون؛ لأنها لو سقطت بالمدة اليسيرة لما
أمكنهم استيفاؤها.
وفي "فتح القدير": وكيف لا تصير القصيرة دينا
والقاضي مأمور بالقضاء، ولو لم تصر دينا لم
يكن بالأمر بالقضاء فائدة، ولو كان كلما مضى
سقط لم يمكن استيفاء شيء ومثل هذا قدمناه في
غير المفروضة من نفقات الزوجات ا ه.
وأطلق في نفقة الولاد فشمل "الأصول" والفروع
الصغار والكبار واستثنى في "الذخيرة" معزيا
إلى الحاوي وأقره عليه الزيلعي نفقة الصغير
فإنها تصير دينا على الأب بقضاء القاضي بخلاف
نفقة سائر الأقارب.
وفي "الواقعات": وإذا فرض نفقة الأب أو الابن
فلم يقبض سنين، ثم أيسر أو مات تبطل؛ لأن هذا
صلة من وجه فلا يصير دينا من كل وجه ا ه. ولا
يخفى أن تعليق البطلان على اليسار أو الموت
ليس بقيد لما ذكرناه والله أعلم.
"قوله إلا أن يأذن القاضي بالاستدانة"
يعني فلا تسقط بمضي المدة؛ لأن القاضي له
ولاية عامة فصار إذنه كأمر الغائب فتصير دينا
في ذمته، وقد أخل المصنف بقيد لا بد منه وهو
الاستدانة والإنفاق مما استدانه كما قيده في
"المبسوط" و"النهاية" وغيرهما حتى قال
الطرسوسي ولقد غلط بعض الفقهاء هنا في مفهوم
كلام صاحب "الهداية"، وقال إذا أذن القاضي في
الاستدانة ولم يستدن فإنها لا تسقط، وهذا غلط،
بل معنى الكلام أذن القاضي في الاستدانة
واستدان ا ه.
قال في "المبسوط" فلو أنفق بعد الإذن
بالاستدانة من ماله أو من صدقة تصدق بها عليه
فلا رجوع له عليه لعدم الحاجة ا ه.
وصرح في "الذخيرة" في نفقة الأولاد الصغار
أنهم إذا أكلوا من مسألة الناس فلا رجوع لأمهم
على الأب بشيء فلو أعطوا نصف "الكفاية"
واستدانت الأم لهم النصف رجعت بما
ج / 4 ص -326-
ولمملوكه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استدانت، وقد قدمناه وأفاد المصنف بعدم سقوطها
بعد الاستدانة المأذون فيها أنه لو مات من
عليه النفقة بعد ذلك لا تسقط على الصحيح، بل
تؤخذ من تركته وأن دينها حينئذ مانع من وجوب
الزكاة؛ لأنه دين له مطالب من جهة العباد.
وفي "الخانية": رجل غاب ولم يترك لأولاده
الصغار نفقة ولأمهم مال تجبر الأم على
الإنفاق، ثم ترجع بذلك على الزوج ا ه. ولم
يشترط الاستدانة ولا الإذن بها فيفرق بين ما
إذا أنفقت عليهم من مالها وبين ما إذا أكلوا
من المسألة وفي "البزازية": قالت الأم للقاضي
افرض نفقة هذا الصغير على أبيه ومرني حتى
أستدين عليه ففعله القاضي فإذا استدانت عليه
وأيسر رجعت عليه فإن لم ترجع عليه حتى مات لا
تأخذه من تركته في الصحيح وإن أنفقت عليه من
مالها أو من المسألة من الناس لا ترجع على
الأب، وكذا في نفقة المحارم ا ه.
ثم اعلم أن الممتنع من نفقة القريب المحرم
بشروطه يضرب ولا يحبس بخلاف الممتنع من سائر
الحقوق؛ لأنه لا يمكن استدراك هذا الحق
بالحبس؛ لأنه يفوت بمضي الزمان فيستدرك بالضرب
بخلاف سائر الحقوق، كذا في "البدائع".
"قوله ولمملوكه" أي: تجب
النفقة والكسوة والسكنى لمملوكه على سيده
للأمر في قوله: صلى الله عليه وسلم "أطعموهم
ما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون"1 وعليه إجماع
العلماء قال الطحاوي ذهب قوم إلى أن الرجل
عليه أن يسوي بين مملوكه وبين نفسه في الطعام
والكسوة احتجاجا بما روينا وخالفهم آخرون
احتجاجا بما حدث الطحاوي بإسناده إلى أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"للمملوك طعامه
وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق"2
فدل على أن للموالي أن يفضلوا أنفسهم على
عبيدهم ويدل عليه أيضا حديث البخاري مرفوعا
"إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه
فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين
فإنه ولي علاجه"/3 والجواب عن الأول أنه ذكر
بلفظ من وهي للتبعيض فإذا أطعمهم الموالي من
بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في الزهد والرقائق "3014" وابن
ماجه في الأدب "3690" والمقتي الهندي في كنز
العمال "25062".
2 أخرجه مسلم، كتاب الأيمان، باب إطعام
المملوك من يأكل "1662". مالك في الموطأ، كتاب
الأستئذان، باب الأمر بالرفق بالمملوك
"2/980"، وابن حبان في صحيحه "4313"،
والبيهقي، كتاب النفقات، باب ماعلى مالك
المملوك من طعام المملوك وكسوته " 8/6".
3 أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب الأكل مع
الخادم "5460"، ومسلم، كتاب الأيمان، باب:
إطعام المملوك مما يأكل "1663" وأبو داود،
كتاب الأطعمة، باب في الخادم يأكل مع المولى
"3846". =
= والترمذي، كتاب الأطعمة، باب ما جاء في
الأكل مع المملوك "1854". وابن ماجه، كتاب
الأطعمة، باب إذا أتاه خادمه بطعامه فليناوله
منه "3289".
ج / 4 ص -327-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يأكلون أو كسوهم من بعض ما يلبسون يحصل
الغرض فلو كان المراد التسوية في الأكل
والكسوة لقال مثل ما تأكلون ومثل ما تلبسون،
كذا في "غاية البيان" وأجاب عنه في "فتح
القدير": بأن المراد من جنس ما تأكلون
وتلبسون لا مثله فإذا ألبسه من الكتان والقطن
وهو يلبس منهما الفائق كفى بخلاف إلباسه نحو
الجوالق والله أعلم، ولم يتوارث عن الصحابة
أنهم كانوا يلبسون مثلهم إلا الأفراد ا ه.
والمراد بالمملوك من كانت منافعه مملوكة لشخص
سواء كانت رقبته مملوكة له أو لا فدخل المدبر
وأم الولد وخرج المكاتب؛ لأنه مالك لمنافعه،
ولو أوصى بعبد لرجل وبخدمته لآخر فالنفقة على
من له الخدمة فإن مرض في يد صاحب الخدمة إن
كان مرضا لا يمنعه من الخدمة كانت نفقته على
صاحب الخدمة وإن كان مرضا يمنعه من الخدمة
كانت نفقته على صاحب الرقبة وإن تطاول المرض
ورأى القاضي أن يبيعه فباعه يشتري بثمنه عبدا
يقوم مقام الأول في الخدمة كذا في "الخانية":
وزاد في "المحيط": أنه إن كان صغيرا لم يبلغ
الخدمة فنفقته على صاحب الرقبة حتى يبلغ
الخدمة، ثم على المخدوم؛ لأنه ملك المنافع
بغير عوض فصار كالمستعير، وكذا النفقة على
الراهن والمودع، وأما عبد العارية فعلى
المستعير، وأما كسوته فعلى المعير، كذا في
"الواقعات"، ولو أوصى بجارية لإنسان وبما في
بطنها لآخر فالنفقة على من له الجارية ومثله
أوصى بدار لرجل وسكناها لآخر فالنفقة على صاحب
السكنى؛ لأن المنفعة له فإن انهدمت فقال صاحب
السكنى أنا أبنيها وأسكنها كان له ذلك ولا
يكون كتبرع؛ لأنه مضطر فيه؛ لأنه لا يصل إلى
حقه إلا به فصار كصاحب العلو مع صاحب السفل
إذا انهدم السفل وامتنع صاحبه من البناء لصاحب
العلو أن يبنيه ويمنع صاحبه عنه حتى يعطي ما
غرم فيه ولا يكون متبرعا.
وأطلق في المملوك فشمل ما إذا كان له أب موجود
حاضر أو لا وشمل الأمة المتزوجة حيث لم يبوئها
منزلا للزوج وشمل الصغير والكبير والذكر
والأنثى الصحيح والمريض والزمن والأعمى. وأما
العبد الآبق إذا أخذه رجل ليرده على مولاه
وأنفق عليه إن أنفق بغير أمر القاضي كان كتطوع
لا يرجع وإن رفع الأمر إلى القاضي فسأل من
القاضي أن يأمره بالإنفاق عليه نظر القاضي في
ذلك فإن رأى الإنفاق أصلح أمره بالإنفاق وإن
خاف أن تأكله النفقة أمره القاضي بالبيع
وإمساك الثمن، وكذا إذا وجد به ضالة في المصر
أو في غير المصر، وأما العبد المغصوب فإن
نفقته على الغاصب إلى أن يرده إلى المولى فإن
طلب من القاضي أن يأمره بالنفقة أو بالبيع لا
يجيبه؛
ج / 4 ص -328-
فإن أبي ففي كسبه، وإلا أمره ببيعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن المغصوب مضمون على الغاصب إلا أن يكون
الغاصب مخوفا منه على العبد فحينئذ يأخذ
القاضي ويبيعه ويمسك الثمن، وأما العبد
الوديعة إذا غاب صاحبه فجاء المودع إلى القاضي
وطلب منه أن يأمره بالنفقة أو بالبيع فإن
القاضي يأمره بأن يؤاجر العبد وينفق عليه من
أجره وإن رأى أن يبيعه فعل.
وأما العبد إذا كان بين رجلين فغاب أحدهما
وتركه عند الشريك فرفع الشريك الأمر إلى
القاضي وأقام البينة على ذلك كان القاضي
بالخيار إن شاء قبل هذه البينة وإن شاء لم
يقبل وإن قبل يأمره بالنفقة ويكون الحكم ما هو
الحكم في الوديعة والكل من "الخانية". وفي
"الخلاصة" الشريك إذا أنفق على العبد في غيبة
شريكه بغير إذن القاضي وبغير إذن صاحبه، وكذا
النخل والزرع، وكذا المودع والملتقط إذا أنفق
على الوديعة واللقطة، وكذا في الدار المشتركة
إذا اشتريت فأنفق أحدهما بغير إذن صاحبه وبغير
إذن أمر القاضي فهو متطوع.
وفي "القنية": ونفقة المبيع على البائع ما
دام في يده هو الصحيح، ثم رقم برقم آخر أنه
يرفع البائع الأمر إلى الحاكم فيأذن له في
بيعه أو إجارته، ثم رقم بأن نفقة العبد المبيع
بشرط الخيار على من له الملك في العبد وقت
الوجوب، وقيل على البائع، وقيل يستدان فيرجع
على من يصير له الملك كصدقة الفطر ا ه.
وفي وجوب نفقة البيع على البائع قبل تسليمه
إشكال؛ لأنه لا ملك له لا رقبة ولا منفعة
فينبغي أن تكون على المشتري وتكون تابعة للملك
كالمرهون كما بحثه بعضهم كما في القنية وشمل
كلام المصنف أيضا المملوك ظاهرا فلو شهد عليه
بحرية أمته فوضعها القاضي على يد عدل لأجل
المسألة على الشهود فالنفقة على من هي في يده
سواء ادعت الأمة الحرية أو جحدت لوجوب نفقة
المملوك على مولاه وإن كان ممنوعا منه ولا
رجوع للمولى بما أنفقه سواء زكيت الشهود أو لا
إلا إذا أجبره القاضي على الإنفاق أو أكلت في
بيته بغير إذنه فيرجع بما أنفقه؛ لأنه تبين أن
لا ملك له وإن كان عبدا أمره أن يكتسب وينفق
على نفسه إن كان قادرا عليه. وإلا فعلى المدعى
عليه وتمامه في "الذخيرة".
"قوله فإن أبى ففي كسبه وإلا أمره ببيعه"
أي إن امتنع المولى عن الإنفاق فإن نفقته في
كسبه إن كان له كسب؛ لأن فيه نظرا لهما حتى
يبقى المملوك فيه حيا ويبقى فيه ملك المالك
وإن لم يكن لهما كسب بأن كان عبدا زمنا أو
جارية لا يؤجر مثلها أجبر المولى على بيعهما؛
لأنهما من أهل الاستحقاق وفي البيع إيفاء
حقهما وإيفاء حق المولى بالخلف بخلاف نفقة
الزوجة؛ لأنها تصير دينا فكان إبطالا.
ج / 4 ص -329-
..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي "غاية البيان" أن كل ما لا يصلح للإجارة
يجبر المولى على الإنفاق أو يبيع القاضي إذا
رأى ذلك إلا المدبر وأم الولد فإنه يجبر على
الإنفاق لا غير؛ لأنه لا يمكن بيعهما ا ه. فلو
قال المصنف كذلك لكان أولى وعلم مما في الغاية
أن الأمر بالبيع معناه بيع القاضي عليه.
وفي "شرح الأقطع" ما ذكر من البيع ينبغي أن
يكون على قول أبي يوسف ومحمد؛ لأنهما يريان
البيع على الحر لأجل حق الغير فأما أبو حنيفة
فإنه لا يرى جواز البيع على الحر، ولكنه يحبسه
حتى يبيعه إذا استحق عليه البيع ا ه. ولذا قال
المصنف أمر ببيعه ولم يقل باعه القاضي قيد
بالمملوك أي الرقيق؛ لأن ما عداه من أملاكه
إذا امتنع من الإنفاق فإنه لا يجبر عليه، ولو
كان حيوانا؛ لأنها ليست من أهل الاستحقاق إلا
أنه يفتى فيما بينه وبين الله تعالى في
الإنفاق على الحيوانات؛ لأنه عليه السلام نهى
عن تعذيب الحيوان وفيه ذلك ونهى عن إضاعة
المال وفيه إضاعته، وعن أبي يوسف أنه يجبر
والأصح ما قلنا، كذا في "الهداية" ورجح
الطحاوي رواية أبي يوسف قال وبه نأخذ قال في
"فتح القدير": وبه قالت الأئمة الثلاثة وغاية
ما فيه أن يتصور فيه دعوى حسبة فيجبره القاضي
على ترك الواجب ولا بدع فيه وظاهر المذهب
الأول والحق ما عليه الجماعة ا ه.
وأما في غير الحيوانات كالدور والعقار لا يفتي
به أيضا إلا إذا كان فيه تضييع المال فيكون
مكروها، وهذا كله إذا لم يكن له شريك فإن كانت
دابة بين شريكين فامتنع أحدهما من الإنفاق
أجبره القاضي؛ لأنه لو لم يجبره لتضرر الشريك
كما في "المحيط": وذكر الخصاف أن القاضي يقول
للآبي إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق
عليها رعاية لجانب الشريك وفي "الذخيرة" لو
أوصى بنخل لواحد وبثمرة لآخر فالنفقة على صاحب
الثمرة وفي التبن والحنطة أن ما بقي من ثلث
ماله شيء فالنفقة في ذلك المال وإن لم يبق
فالتخليص عليهما؛ لأن المنفعة لهما ا ه.
وفي "فتح القدير": وأقول: ينبغي أن يكون على
قدر قيمة ما يحصل لكل منهما وإلا يلزم ضرر
صاحب القليل ألا ترى إلى قولهم في السمسم إذا
أوصى بدهنه لواحد وبثجيره1 لآخر أن النفقة على
من له الدهن لعده عدما وإن كان قد يباع وينبغي
أن يجعل كالحنطة والتبن في ديارنا؛ لأن الثجير
يباع لعلف البقر وغيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الثجير: تفل كل شيء يعصر وهو معرب. وقال
الأصمعي: عصارة التمر. اه المصباح المنير
مادة/ ثجير/.
ج / 4 ص -330-
وكذا
أقول: فيما روي عن محمد/ ذبح شاة فأوصى
بلحمها لواحد وبجلدها لآخر فالتخليص عليهما
كالحنطة والتبن أنه يكون على قدر الحاصل لهما
وقبل الذبح أجرة الذبح على صاحب اللحم لا
الجلد ا ه.
وفي "المجتبى": العبد إذا أقتر عليه مولاه في
نفقته ليس له أن يأكل من مال مولاه لكن يكتسب
ويأكل إلا إذا كان صغيرا أو جارية أو عاجزا عن
الكسب فله أن يأكل وإن لم يأذن له في الكسب
فله أن يأكل من مال مولاه وللعبد أن يأخذ من
مال سيده قدر كفايته، ولو تنازعا في عبد أو
أمة في أيديهما يجبران على نفقته ونفقة الدابة
المستأجرة على الآجر، وإذا شرط العلف على
المستأجر لم يضمن إن لم يعلفها حتى ماتت؛ لأن
بدل المنافع تعود إلى مالك الرقبة ومن ركب
فرسا حبيسا في سبيل الله تعالى فنفقته عليه
حتى يرده عليه والأصل أن من كانت له المنفعة
أو بدلها فالنفقة عليه سواء كان مالكا أو لا ا
ه. وفي "فتح القدير": ويجوز وضع الضريبة على
العبد ولا يجبر عليها، بل إن اتفقا على ذلك ا
ه.
وقيدنا الذي لا كسب له بأن يكون زمنا إلى آخره
تبعا لما في "الهداية" للاحتراز عملا إذا كان
صحيحا غير عارف بصناعة فإنه لا يكون عاجزا عن
الكسب؛ لأنه يمكن أن يؤاجر نفسه في بعض
الأعمال كحمل شيء وتحويل شيء كمعين البناء وما
قدمناه1 نقلا عن "الكافي" في نفقة ذوي الأرحام
ثبوته هنا أولى، كذا في "فتح القدير": وفي
"الخلاصة"، ولو أعتق عبدا زمنا أو مقعدا سقطت
نفقته عن المولى وينفق عليه من بيت المال ا ه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الصفحة: "329". |