البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 5 ص -231-       15- كتاب اللقيط.
ندب التقاطه, ووجب إن خيف الضياع, وهو حر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15- "كتاب اللقيط".
 لما كان في الالتقاط دفع الهلاك عن نفس اللقيط ذكره عقيب الجهاد الذي فيه دفع الهلاك عن نفس عامة المسلمين.
قال في القاموس لقطه أخذه من الأرض فهو ملقوط ولقيط واللقيط المولود الذي ينبذ كالملقوط ا هـ. وفي المغرب اللقيط ما يلقط أي يرفع عن الأرض وقد غلب على الصبي المنبوذ لأنه على عرض أن يلقط.
وهو في الشريعة اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من العيلة أو فرارا من تهمة الريبة مضيعه آثم ومحرزه غانم.
قوله: "ندب التقاطه" لما فيه من إحيائه وهو من أفضل الأعمال.
قوله: "ووجب إن خيف الضياع" أي فرض على الكفاية إن غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه بأن وجده في مفازة ونحوها من المهالك صيانة له ودفعا للهلاك عنه كمن رأى أعمى يقع في البئر افترض عليه حفظه من الوقوع وإنما افترض على الكفاية لحصول المقصود بالبعض وهو صيانته ويتعين إن لم يعلم به غيره.
وفي القاموس ضاع يضيع ضيعا ويكسر وضيعة وضياعا هلك ا هـ. فالضاد مفتوحة وليس المراد من الوجوب ما اصطلحنا عليه بل الافتراض فلا خلاف بيننا وبين باقي الأئمة كما قد توهم وينبغي أن يحرم طرحه بعد التقاطه لأنه وجب عليه بالتقاطه حفظه فلا يملك رده إلى ما كان عليه.
قوله: "وهو حر" لأن الأصل في بني آدم إنما هو الحرية وكذا الدار دار الأحرار ولأن الحكم للغالب فيترتب عليه أحكام الأحرار من أهلية الشهادة والإعتاق وتوابعه وحد قاذفه وغير ذلك من أحكام الأحرار إلا أنه لا يحد قاذف أمه لأن إحصان المقذوف شرط ولم يعرف إحصانها

 

ج / 5 ص -232-       ونفقته في بيت المال, كإرثه وجنايته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتي أنه لا يرق إلا ببينة وسنبين حكم إقراره بالرق أطلقه فشمل ما إذا كان الواجد حرا أو عبدا أو مكاتبا ولا يكون تبعا للواجد كذا في الولوالجية وفي المحيط وجد العبد المحجور عليه لقيطا ولا يعرف إلا بقوله وقال المولى كذبت بل هو عبدي فالقول للمولى لأن ما في يد العبد المحجور في يد المولى لأنه ليس له يد على نفسه ولهذا لو ادعى إنسان ما في يده لا ينتصب خصما له ولو أقر بما في يده لم يصح وإن كان مأذونا فالقول له لأن للمأذون يدا ولهذا ينتصب خصما لمن ادعى ما في يده ولو أقر بما في يده صح فصح إقراره بأنه لقيط من حيث إن ما في يده ليس له كما في مال آخر في يده لا من حيث إنه أقر بالحرية لأنه لا يملك الإقرار بالحرية وتثبت حريته باعتبار الأصل فإنها أصل في بني آدم لا بإقراره ا هـ.
قوله: "ونفقته في بيت المال" هو المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما1 ولأنه مسلم عاجز عن الكسب ولا مال له ولا قرابة فأشبه المقعد الذي لا مال له ولا قرابة وسيأتي في اللقطة أن الملتقط متبرع بالإنفاق عليهما وبإذن القاضي يكون دينا ونبينه إن شاء الله تعالى وفي الخانية وإن أمره القاضي أن ينفق عليه وشرط له الرجوع على اللقيط فادعى الملتقط عليه بعد بلوغه أنه أنفق عليه بأمر القاضي كذا إن صدقه اللقيط رجع بذلك عليه وإن كذبه في الإنفاق لا يرجع إلا ببينة ا هـ.
أطلق النفقة فشمل الكسوة كما في المحيط ولو قال وما يحتاج إليه في بيت المال لكان أولى لما في المحيط أن مهره إذا زوجه السلطان في بيت المال وإن كان له مال ففي ماله ا هـ. ولو أبى الملتقط الإنفاق عليه وسأل القاضي أخذه منه فهو مخير والأولى قبوله بالبينة إذا علم عجزه عنه فلو قبله القاضي ودفعه إلى آخر وأمره بالإنفاق ليرجع ثم طلب الأول رده خير القاضي كذا في الخانية والمحيط.
قوله: "كإرثه وجنايته" فإن إرثه لبيت المال وجنايته فيه لأن الخراج بالضمان فلو وجد اللقيط قتيلا في محلة كان على أهل تلك المحلة ديته لبيت المال وعليهم القسامة وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال ولو قتله عمدا فالخيار للإمام بين القتل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أما روايى سيدنا عمر فقد أخرجه مالك في الموطأ كتاب الأقضية باب القضاء في المنبوذ "2/738" والزيلعي في نصب الراية "3/465" وأما رواية لسيدنا علي فأخرجها عبد الرزاق في مصنفه "13841" وكذلك الزيلعي "3/465".

 

ج / 5 ص -233-       ولا يأخذه منه أحد, ويثبت نسبه من واحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصلح على الدية وليس له العفو وقال أبو يوسف تجب الدية في مال القاتل كذا في الخانية وفي البدائع أن ولاءه لبيت المال كعقله وله أن يوالي من شاء إذا بلغ إلا إذا عقل عنه بيت المال فليس له أن يوالي أحدا ووليه السلطان في ماله ونفسه للحديث "السلطان ولي من لا ولي له"1 فيزوجه ويتصرف في ماله دون الملتقط وفي الظهيرية لو جعل الإمام ولاء اللقيط للملتقط جاز له لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه.
قوله: "ولا يأخذه منه أحد" أي لا يأخذ اللقيط من الملتقط أحد بغير رضاه لأنه ثبت حق الحفظ له لسبق يده عممه فشمل الإمام الأعظم فلا يأخذه منه بالولاية العامة إلا بسبب يوجب ذلك كذا في فتح القدير وقيدنا بالجبر لأنه لو دفعه إلى غيره باختياره جاز وليس له أن يأخذه من الثاني لأنه أبطل حق نفسه عن اختيار وأفاد بأنه لا يأخذ أحد أنه لو انتزعه أحد فاختصم الأول والثاني إلى القاضي قال فإن القاضي يدفعه إلى الأول كذا في الخانية وينبغي أن ينتزع منه إذا لم يكن أهلا لحفظه كما قالوا في الحاضنة وكما أفاده في فتح القدير بقوله إلا بسبب يوجب ذلك وفي الخانية وللملتقط أن ينقله إلى حيث شاء ا هـ.
وفي فتح القدير ولو وجده مسلم وكافر فتنازعا في كونه عند أحدهما قضي به للمسلم لأنه محكوم له بالإسلام فكان المسلم أولى بحفظه ولأنه يعلمه أحكام الإسلام بخلاف الكافر ا هـ. وهو يفيد أن الملتقط إذا كان متعددا فإن أمكن الترجيح اختص به الراجح ولم أر حكم ما إذا استويا وينبغي أن يكون الرأي فيه إلى القاضي وفي روض الشافعية2 يشترط في الملتقط تكليف وحرية ورشد وإسلام وعدالة فلا يصح من عبد إلا بإذن سيده أو تقريره ويكون السيد الملتقط وإلا انتزع من العبد ولا من مكاتب إلا بإذن سيده وينزع من سفيه وفاسق وكافر وكذا من لم يختبر وظاهره الأمانة فإن تنازع فيه ملتقطان قبل أخذه اختار الحاكم ولو غيرهما أو بعد الأخذ وهما أهل للالتقاط فالسابق بالأخذ فإن استويا قدم الغني وظاهر العدالة على فقير ومستور ثم يقرع ولا يقدم مسلم على ذمي في كافر والرجل والمرأة سواء فيقرع ا هـ. ولم أر مثل هذا البيان لأصحابنا.
قوله: "ويثبت نسبه من واحد" استحسانا لاحتياجه إليه أطلقه فشمل الملتقط وغيره والقياس أن لا يقبل دعوى غيره لأنه يتضمن إبطال حق الملتقط وجه الاستحسان أنه إقراره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 وهخومختصر الروضة في الفروع للإمام النووي وهو لشرف الدين إسماعيل بتن أبي بكر المعروف بابن المقري المتوفي سنة "837 هـ" ا هـ كشف الظنون "1/919".

 

ج / 5 ص -234-       ومن اثنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للصبي بما ينفعه لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه ولو ادعاه الملتقط قيل يصح قياسا واستحسانا والأصح أنه على القياس والاستحسان لكن وجه القياس هنا غير وجه القياس في دعوى غير الملتقط فوجهه في دعوى غير الملتقط تضمن إبطال حق الملتقط ووجهه في دعوى الملتقط تناقض كلامه وتمامه في النهاية وأفاد بثبوت النسب بدعوى غير الملتقط أن يكون أحق بحفظه من الملتقط ضرورة ثبوت النسب وكم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا وهو الأصح وأطلقه عن البينة فشمل ما إذا لم يبرهن استحسانا لما فيه من النظر من الجانبين والقياس أن لا يثبت إلا ببينة وهذا إذا لم يظهر كذبه ولذا قال في الظهيرية لو انفرد رجل بالدعوى وقال هو غلام فإذا هو جارية أو قال هو جارية فإذا هو غلام لا يقضى له أصلا ا هـ. وهذا كله حالة الحياة أما بعد الموت فقال في الخانية وإذا مات اللقيط وترك مالا أو لم يترك فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة ا هـ.
قوله: "ومن اثنين" أي ويثبت نسبه من اثنين إذا ادعياه معا ولا مرجح لاستوائهما في السبب وقيده في الخانية بأن يقول كل واحد منهما هو ولدي من جارية مشتركة بينهما قيد بالاثنين لأن فيما زاد على الاثنين اختلافا فروي عن الإمام أنه جوز إلى خمسة وقال أبو يوسف يثبت من اثنين ولا يثبت من أكثر من ذلك وقال محمد أجوز الثلاثة ولا أجوز أكثر من ذلك كذا ذكره الإسبيجابي ولم أر توجيه هذه الأقوال.
وقيد بدعوى الرجل لأن المدعي لو كان امرأة ادعت أنه ابنها فإن صدقها زوجها أو شهدت لها القابلة أو قامت البينة صحت دعوتها وإلا فلا لأن فيه حمل نسب الغير على الغير وأنه لا يجوز ولو ادعت امرأتان وأقامت إحداهما البينة فهي أولى به وإن أقامتا جميعا فهو ابنهما عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يكون لواحدة منهما وعن محمد روايتان في رواية أبي حفص يجعل ابنهما وفي رواية أبي سليمان لا يجعل ابن واحدة منهما كذا في البدائع.
واعلم أن شهادة القابلة إنما يكتفى بها فيما إذا كان لها زوج منكر للولادة أما إذا لم يكن لها زوج فلا بد من شهادة رجلين كما صرح به في الخانية وفيها لو أقامت إحداهما رجلين والأخرى امرأتين يجعل ابنا للذي شهد لها رجلان ولو ادعت امرأتان اللقيط أنه ابنهما كل واحدة منهما تقيم البينة على رجل على حدة بعينه أنها ولدته منه قال أبو حنيفة يصير ولدهما من الرجلين جميعا وقالا لا يصير ولدهما ولا ولد الرجلين ا هـ.
وفي الظهيرية رجلان ادعيا نسب اللقيط وأقاما البينة وأرخت بينة كل واحدة منهما يقضى لمن يشهد له سن الصبي فإن كان سن الصبي مشتبها لم يوافق كلا من التاريخين فعلى

 

ج / 5 ص -235-       وإن وصف أحدهما علامة به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولهما يسقط اعتبار التاريخ ويقضى به بينهما باتفاق الروايات وأما على قول أبي حنيفة فقد ذكر خواهر زاده أنه يقضى به بينهما في رواية أبي حفص وفي رواية أبي سليمان يقضى لأقدمهما تاريخا ا هـ.
وفي التتارخانية أنه يقضى به بينهما في عامة الروايات وهو الصحيح وقيدنا بكونهما ادعياه معا لأنه لو سبقت دعوة أحدهما فهو ابنه لعدم النزاع ولو ادعى الآخر بعده لا يقبل منه إلا ببينة لأن البينة أقوى كذا في الهداية* ولا اعتبار بالوصف من الثاني مع سبق الأول كما في فتح القدير وقيدنا بعدم المرجح لأحدهما لأنه لو كان لأحدهما مرجح فهو أولى فيقدم الملتقط على الخارج ولو كان الملتقط ذميا والخارج مسلم لاستوائهما في الدعوى ولأحدهما يد فيحكم للذمي وبإسلام الولد ويقدم من يقيم البينة على من لم يبرهن من الخارجين والمسلم على الذمي والحر على العبد والذمي الحر على العبد المسلم ولم يذكروا من المرجح تقديم الأب على الابن وذكروه في ولد الجارية المشتركة والفرق ظاهر وأما الترجيح بالعلامة فسيأتي.
قوله: "وإن وصف أحدهما علامة به" أي بالولد "فهو أحق به" يعني إذا وافقها لأن الظاهر شاهد له لموافقة العلامة كلامه قيد باللقيط لأن صاحب العلامة في اللقطة لا يترجح عند التنازع لأن الترجيح عند وجود سبب الاستحقاق وقد وجد في اللقيط وهو الدعوة دون اللقطة وكذا لو تنازع خارجان عينا في يد ثالث وذكر أحدهما علامة فإنه لا ترجيح له وقيدنا بالموافقة لأنه لو وصف أحدهما العلامة ولم يصب فلا ترجيح وهو ابنهما وكذا لو وصف أحدهما وأصاب في البعض وأخطأ في البعض فهو ابنهما وإن وصفا ولم يصب واحد منهما فهو ابنهما ولو وصفا وأصاب أحدهما دون الآخر قضى للذي أصاب كذا في الظهيرية.
ثم اعلم أن العلامة مرجحة عند عدم مرجح أقوى منها فيقدم ذو البرهان على ذي العلامة والمسلم على الذمي ذي العلامة وظاهر ما في فتح القدير تقديم ذي اليد على الخارج ذي العلامة وينبغي تقديم الحر على العبد ذي العلامة فعلم أنها أضعف المرجحات وفي التتارخانية وإذا ادعى اللقيط رجلان ادعى أحدهما أنه ابنه والآخر أنه ابنته فإذا هو خنثى فإن كان مشكلا قضي به بينهما وإن لم يكن مشكلا حكم به لمن ادعى أنه ابنه ا هـ. وفيها عن القدوري لو شهد للمسلم. ذميان وللذمي مسلمان قضي به للمسلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الأصل "الغاية".

 

ج / 5 ص -236-       ومن ذمي وهو مسلم إن لم يكن في مكان أهل الذمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ومن ذمي وهو مسلم إن لم يكن في مكان أهل الذمة" أي يثبت النسب من ذمي عند عدم دعوى مسلم ويكون اللقيط مسلما إن لم يكن في مكان أهل الذمة وهذا استحسان لأن دعواه تضمن النسب وهو نافع للصغير وإبطال الإسلام الثابت بالدار وهو يضره فصحت دعوته فيما ينفعه دون ما يضره والمراد من مكان أهل الذمة قرية من قراهم أو بيعة أو كنيسة قال في الهداية وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة. وإن كان الواجد مسلما في هذا المكان أو ذميا في مكان المسلمين اختلفت الرواية فيه ففي كتاب اللقيط اعتبر المكان لسبقه وفي كتاب الدعوى في بعض النسخ اعتبر الواجد وهو رواية ابن سماعة عن محمد لقوة اليد ألا ترى أن تبعية الأبوين فوق تبعية الدار حتى إذا سبى مع الصغير أحدهما يعتبر كافرا وفي بعض نسخه اعتبر الإسلام نظرا للصغير.
وفي النهاية حاصلها على أربعة أوجه أحدها أن يجده مسلم في مكان المسلمين فهو مسلم ثانيها أن يجده كافر في مكانهم فهو كافر ثالثها أن يجده كافر في مكان المسلمين رابعها عكسه ففيه روايتان ففي كتاب اللقيط العبرة للمكان فيهما وفي رواية ابن سماعة العبرة للواجد فيهما وفي فتح القدير ولا ينبغي أن يعدل عما في بعض النسخ من اعتبار الإسلام أي ما يصير الولد به مسلما نظرا للصغير ا هـ. وظاهر كلام المصنف أنه إنما يعتبر مكان أهل الذمة إذا كان الواجد ذميا ومفهومه أن يكون مسلما في الصور الثلاث ذميا في صورة واحدة ولا يعدل عنه كما ذكرنا وفي كفاية البيهقي قيل يعتبر بالسيما والزي لأنه حجة قال الله تعالى {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} وقال {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} وفي المبسوط كما لو اختلط الكفار يعني موتانا بموتاهم فإنه يعتبر بالزي والعلامة ولو فتحت القسطنطينية فوجد فيها شيخ يعلم صبيانا حوله القرآن يزعم أنه مسلم يجب أن يؤخذ بقوله كذا في فتح القدير. وذكر في الخانية الروايات الأربع وصرح في المختار بأن ظاهر الرواية اعتبار المكان.
وفي الخانية ولو أدرك اللقيط كافرا فإن كان الملتقط وجده في مصر من أمصار المسلمين فإنه يحبس ويجبر على الإسلام استحسانا واختلفوا في موضع القياس والاستحسان قال بعضهم القياس والاستحسان في قتله إذا لم يسلم في القياس يقتل وفي الاستحسان لا يقتل وقال بعضهم الاستحسان والقياس في الجبر على الإسلام في القياس لا يجبر على الإسلام وترك على الكفر بالحرية وفي الاستحسان يجبر على الإسلام ولا يترك على الكفر وهو الصحيح ا هـ.
ثم اعلم أن ابن الذمي اللقيط إنما يكون مسلما إذا لم يقم بينة أنه ابنه فإن برهن بشهود

 

ج / 5 ص -237-       ومن عبد وهو حر ولا يرق إلا ببينة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسلمين قضي له به وصار تبعا له في دينه وإن أقام بينة من أهل الذمة لا يكون ذميا لأنا حكمنا بإسلامه فلا يبطل هذا الحكم بهذه البينة لأنها شهادة قامت في حكم الدين على مسلم فلا تقبل كذا في الخانية.
قوله: "ومن عبد وهو حر" أي يثبت نسبه من عبد ادعى أنه ابنه لأنه ينفعه وكان حرا لأن المملوك قد تلد له الحرة فلا تبطل الحرية الظاهر بالشك وقدمنا أن الحر في دعوته اللقيط أولى من العبد كما أن المسلم أولى من الذمي ترجيحا لما هو الأنظر في حقه.
أطلق في قوله وهو حر فشمل ما إذا قال العبد هو ابني من زوجتي وهي أمة فصدقه مولاها لأنه حر باعتبار الأصل فلا تبطل الحرية بتصادق العبد وسيدها وهذا قول محمد وقال أبو يوسف يكون عبدا لسيدها لأن الأمة أمه فإذا ثبت النسب منها ثبت ما هو من ضروراته وهو الرق إذ يستحيل أن يكون المولود بين رقيقين حرا بخلاف الذمي على ما بينا قلنا لا يستحيل ذلك لأنه يجوز عتقه قبل الانفصال وبعده فلا تبطل الحرية الثابتة بالدار بالشك كذا في التبيين وظاهره ترجيح قول محمد.
وفي آخر جامع الفصولين قيل قد يكون الولد حرا من زوجين قنين بلا تحرير ووصية وصورته أن يكون للحر ولد وهو قن لأجنبي فزوج الأب أمته من ولده برضا مولاه فولدت الأمة ولدا فهو حر لأنه ولد ولد المولى ا هـ.
وفي التبيين ولو ادعاه حران أحدهما أنه ابنه من هذه الحرة والآخر من الأمة فالذي يدعي أنه من الحرة أولى لكونه أكثر إثباتا لكونه يثبت جميع أحكام النسب ولو كانت الأمة سرية له لأنه يثبت الأحكام من جانب والآخر من جانبين فكان أولى.
قوله: "ولا يرق إلا ببينة" لأنه حر ظاهرا فإذا أقام بينة أنه عبده قبلت وكان عبده لا يقال هذه البينة ليست على خصم فلا تقبل لأن الملتقط خصم لأنه أحق بثبوت يده عليه فلا تزول إلا ببينة هنا وإنما قلنا هنا كي لا ينقض بما إذا ادعى خارج نسبه فإن يده تزول بلا بينة على الأوجه والفرق أن يده اعتبرت لمنفعة الولد وفي دعوى النسب منفعة تفوق المنفعة التي أوجبت اعتبار يد الملتقط فتزال لحصول ما يفوق المقصود من اعتبارها وهنا ليس دعوى العبدية كذلك بل هو بما يضره لتبديل صفة المالكية بالمملوكية فلا تزال إلا ببينة ويشترط في قبولها إسلامهم لأنه مسلم بالدار وباليد فلا يحكم عليه بشهادة الكفار إلا إذا اعتبر كافرا بوجوده في موضع أهل الذمة على ما بينا وفي المحيط وإن ادعى الملتقط أنه عبده إن لم يقر بأنه لقيط فالقول قوله لأن الصغير في يده وإن أقر أنه لقيط لا يصدق في دعواه إلا ببينة قيد بالبينة لأنه لا يرق بإقراره

 

ج / 5 ص -238-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمدعيه فلو صدقه اللقيط قبل البلوغ لا يسمع تصديقه لأنه يضر به نفسه بعد الحكم بالحرية بخلاف ما إذا كان صغيرا في يد رجل فادعى أنه عبده وصدقه الغلام فإنه يكون عبدا له وإن لم يدرك لأنه لم يعرف إلا في يده وإن رد لا يصح لقيام يده من وجه وإن بلغ فأقر أنه عبد فلان وفلان يدعيه إن كان قبل أن يقضي عليه بما لا يقضى به إلا على الأحرار كالحد الكامل ونحوه صح إقراره وصار عبدا لأنه غير متهم فيه وإن كان بعد القضاء بنحو ذلك لا يقبل ولا يصير به عبدا لأن فيه إبطال حكم الحاكم ولأنه مكذب في ذلك شرعا فهو كما لو كذبه الذي أقر له بالرق. ولو كان اللقيط امرأة فأقرت بالرق بعدما كبرت أو كان بعد التزوج صح وكانت أمة للمقر له ولا تصدق في إبطال النكاح لأن الرق لا ينافي النكاح ابتداء ولا بقاء فليس من ضرورة الحكم برقها انتفاء النكاح وإن بلغ فتزوج امرأة ثم أقر أنه عبد لفلان ولامرأته عليه صداق فصداقها لازم عليه لا يصدق في إبطاله لأنه دين ظهر وجوبه فهو متهم في إقراره وكذا إذا استدان دينا أو بايع إنسانا أو كفل كفالة أو وهب أو تصدق وسلم أو دبر أو كاتب أو أعتق ثم أقر أنه عبد فلان لا يصدق في إبطال شيء من ذلك لأنه متهم كذا في فتح القدير والخانية وزاد فيها فإذا أعتقها المقر له وهي تحت زوج لم يكن لها خيار العتق ولو كان الزوج طلقها واحدة فأقرت بالرق يصير طلاقها ثنتين لا يملك الزوج عليها بعد ذلك إلا طلقة واحدة ولو كان طلقها ثنتين ثم أقرت بالرق كان له أن يراجعها وكذلك حكم المعتدة إذا أقرت بالرق بعدما حاضت حيضتين كان له أن يراجعها في الحيضة الثالثة ا هـ.
وهكذا ذكر في المحيط وزاد فيه لو دبر اللقيط عبدا ثم أقر بالرق لآخر ثم مات عتق المدبر من ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته لمولاه لأن المقر بالرق بقي حرا في حق المدبر وقد مات ولا مال له غير المدبر فيسعى في ثلثي قيمته لمولاه لأنه يقر بذلك لمولاه ولو أن مولاه أعتقه كان المدبر على حاله غير أن خدمته للمولى وسعايته بعد موت اللقيط للمولى لأن المدبر يقر بالخدمة والسعاية للقيط وهو يقر بذلك لمولاه فصار كمن يقر للمقر له ا هـ.
وذكره في المحيط من كتاب الإقرار أيضا وزاد في باب الإقرار بالرق أن ما ولدت قبله أو بعده لأقل من ستة أشهر فهو حر لأنه عرف علوقه قبل الإقرار فلا يصدق في إبطال حريته فإن ولدته لأكثر فعند أبي يوسف هو عبد خلافا لمحمد لأن الزوج استحق عليها حرية الأولاد فلا يبطل هذا الاستحقاق بإقرارها وذكر في الزيادات لو طلقها الزوج تطليقتين وهو لا يعلم بإقرارها ملك عليها الرجعة ولو علم لا يملك وذكر في الجامع لا يملك علم أو لم يعلم قيل ما ذكره في الجامع قياس وما ذكره في الزيادات استحسان وهو الصحيح ولو اشترى مجهول الحرية عبدا فأعتقه ثم أقر بالرق فجحد المعتق وللمقر ابن كبير يجحد أيضا يصير المقر

 

ج / 5 ص -239-       وإن وجد معه مال فهو له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدا والمعتق حر على حاله فإن مات المعتق وترك مالا وعصبة فماله لعصبته فإن لم يكن له وارث غير الذي أعتقه فما له للمقر له فإن كان للميت بنت فالنصف لها والنصف للمقر له فإن جنى هذا العتيق فأرشه عليه وإن جنى عليه فهي كالجناية على المملوك وهو كالمملوك في الشهادة لأن حريته ثابتة بالظاهر لا بالدليل فصلح للدفع لا للاستحقاق ولو أعتق المقر له المقر ثم مات العتيق الأول ولا عصبة له كان ميراثه للمقر له ا هـ.
وفيه أيضا لو أقرت المنكوحة بالرق فإن أعطاها الزوج المهر قبل إقرارها برئ بعد إقرارها لم يبرأ لأن المهر صار للمقر له ا هـ. وهو يفيد أنها أمة في حق القسم في النكاح وينبغي أن يكون تسليمها للزوج كتسليم الحرائر فلا يملك المقر له استخدامها ومنعها من السكنى مع الزوج لما فيه من الإضرار فتستحق النفقة بلا تبوئة.
وقيد في المحيط بجحد العتيق ولم يصرح بمفهومه وصرح في تلخيص الجامع بأنه لو صدق العتيق مولاه في إقراره بالرق يبطل عتقه لأن المنع لحقه إذ الولاء يقبل البطلان بدليل العتيقة ترتد فتسبى. وفي التتارخانية إذا أقر أنه عبد لا يصدق على إبطال شيء كان فعله إلا النكاح لأنه لما أقر بالرق فقد زعم أن النكاح لم يصح لعدم إذن من يزعم أنه مولاه فيجب أن يؤاخذ بزعمه بخلاف المرأة لو أقرت بالرق لا يبطل نكاحها ا هـ.
قوله: "وإن وجد معه مال فهو له" اعتبارا للظاهر وأورد عليه أنه يكفي للدفع لا للاستحقاق فلو ثبت الملك للقيط بهذا الظاهر كان الظاهر مثبتا قلنا يدفع بهذا الظاهر دعوى الغير ثم الظاهر أن تكون الأملاك في يد الملاك وكذا الظاهر يدل على أن من وضعه معه إنما وضعه لينفق عليه أطلقه فشمل ما إذا كان المال مشدودا عليه أو دابة هو مشدود عليها وإن وجد اللقيط على دابة فهي له وحكي أن لقيطة وجدت ببغداد وعند صدرها رق منشور فيه هذه بنت شقي وشقية بنت الطباهجة1 والقلية ومعها ألف دينار جعفرية يشترى بها جارية هندية وهذا جزاء من لم يزوج بنته وهي كبيرة وفي رواية وهي صغيرة كذا في الجوهرة وفيها لو كان المال موضوعا بقربه لم يحكموا له به ويكون لقطة ا هـ. ولا يخفى أن الدراهم والدنانير الموضوعة عليه له لدخولها تحت قولهم معه مال وينبغي أن تكون الدراهم التي فوق فراشه أو تحته له كلباسه ومهاده2 ودثاره3 بخلاف ما إذا كان مدفونا تحته ولم أره كما لم أر حكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال ف اللسان الطباهجة فارس معرب: ضرب من كلي اللحم والقلية: مرقة تتخذ من لحم الجزور وأكبادها. ا هـ اللسان مادة "طبهج, قلا".
2 المهاد الفراش ا هـ. المصباح مادة "مهد".
3 هو ما يندثر بهع الإنسان وهو مكا يلقيه عليه من كساء أو غيره ا هـ المصباح مادة الدثر.

 

ج / 5 ص -240-       ولا يصح للملتقط عليه نكاح وبيع وإجارة, ويسلمه في حرفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما إذا وجد في دار فيها وحده أو بستان هل يكونان له وصرح في روض الشافعية بأن الدار له وفي البستان وجهان ولم يذكر المصنف إنفاق الملتقط عليه من ماله قال في الهداية ثم يصرفه الواجد إليه بأمر القاضي لأنه مال ضائع وللقاضي ولاية صرف مثله إليه وقيل يصرفه بغير أمر القاضي لأنه للقيط ظاهرا وله ولاية الإنفاق وشراء ما لا بد منه كالطعام والكسوة لأنه من الإنفاق ا هـ. وكذا الغير الواجد بأمر القاضي والقول قوله في نفقة مثله وينبغي أن يشترط إذن القاضي إن أمكن وإلا يكفي الإشهاد.
قوله: "ولا يصح للملتقط عليه نكاح وبيع وإجارة" أما النكاح فلانعدام سبب الولاية من القرابة والملك والسلطنة وأما تصرفه في ماله بالبيع وغيره فبالقياس على الأم لأن ولاية التصرف لتثمير المال وذلك يتحقق بالرأي الكامل والشفقة الوافرة فلا بد من اجتماعهما والموجود في كل واحد منهما أحدهما وأما الإجارة ففيها روايتان فرواية القدوري أنه يؤجره وفي رواية الجامع الصغير أنه لا يجوز أن يؤجره كذا ذكره في الكراهية وهي الأصح وجه الأول أنه يرجع إلى تثقيفه وجه الثاني أنه لا يملك إتلاف منافعه فأشبه العم بخلاف الأم فإنها تملك الاستخدام فتملك الإجارة وقدمنا أن ولاية التصرف عليه في ماله ونفسه للسلطان وأنه لو جعل الولاية للملتقط جاز وفي منظومة ابن وهبان لو قرر القاضي ولاء للملتقط صح التقرير.
قوله: "ويسلمه في حرفة" لأنه من باب تثقيفه وحفظ ماله والحرفة الصنعة والتثقيف تقويم المعوج بالثقاف وهو ما يسوى به الرماح ويستعار للتأديب والتهذيب كذا في النهاية قوله: "ويقبض هبته" لأنه نفع محض ولهذا يملكه الصغير بنفسه إذا كان عاقلا وتملكه الأم ووصيها ولم يذكر ختانه قال في الخانية فليس له أن يختنه فإن فعل ذلك وهلك كان ضامنا ا هـ. وفي الذخيرة لو أمر الملتقط الختان فختنه ضمن الملتقط لأنه ليس له ولاية ختانه فصار بهذا الأمر جانيا ولا يضمن الختان قيل هذا إذا لم يعلم الختان بكونه ملتقطا فإن علم ضمن ا هـ. وقدمنا أنه له ولاية نقله إلى حيث شاء وينبغي أن ليس له نقله من مصر إلى قرية أو بادية والله أعلم بالصواب.