البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 5 ص -115-       14- كتاب السير.
الجهاد فرض كفاية ابتداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14- "كتاب السير"
مناسبته للحدود من حيث إن المقصود منهما إخلاء العالم عن الفساد فكان كل منهما حسنا لمعنى في غيره وقدمها عليه; لأنها معاملة مع المسلمين, والجهاد معاملة مع الكفار وهذا الكتاب يعبر عنه بالسير, والجهاد, والمغازي.
فالسير جمع سيرة وهي فعلة بكسر الفاء من السير فتكون لبيان هيئة السير وحالته إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج وقالوا: السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر وسير الكبير خطا كجامع الصغير وجامع الكبير والجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق, والقتال مع من امتنع عن القبول بالنفس, والمال, والمغازي جمع المغزاة من غزوت العدو وقصدته للقتال غزوا وهي الغزوة, والغزاة, والمغزاة وسبب الجهاد عندنا كونهم حربا علينا وعند الشافعي هو كفرهم كذا في النهاية.
قوله: "الجهاد فرض كفاية ابتداء" مفيد لثلاثة أحكام الأول كونه فرضا ودليله الأوامر القطعية كقوله تعالى
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: من الآية:5] وتعقب بأنها عمومات مخصوصة, والمخصوص ظني الدلالة وبه لا يثبت الفرض وأجيب بأن خروج الصبي, والمجنون منها بالعقل لا يصيره ظنا, وأما غيرهما فنفس النص ابتداء لم يتعلق به; لأنه مقيد بمن بحيث يحارب كقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36] الآية فلم تدخل المرأة.
وأما الأحاديث الواردة فيه فظنية لا تفيد الافتراض وقول صاحب الإيضاح إذا تأيد خبر الواحد بالكتاب, والإجماع يفيد الفرضية ممنوع بل المفيد حينئذ الكتاب, والإجماع وجاء الخبر على وفقهما, وأما قوله عليه السلام "الجهاد ماض إلى يوم القيامة"1 فدليل على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ج / 5 ص -116-       فإن قام به قوم سقط عن الكل وإلا أثموا بتركه, ولا يجب على صبي وامرأة وعبد وأعمى ومقعد وأقطع,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوبه وأنه لا ينسخ وهو من مضى في الأرض مضاء نفذ. الثاني: كونه على الكفاية; لأنه ما فرض لعينه إذ هو إفساد في نفسه, وإنما فرض لإعزاز دين الله تعالى ودفع الشر عن العباد, فإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين كصلاة الجنازة ورد السلام, والأدلة المذكورة, وإن كانت تفيد فرض العين لكن قوله تعالى
{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} إلى قوله {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] وعد القاعدين الحسنى فلو كان فرض عين لاستحقوا الإثم, وقد صح خروجه عليه السلام في بعض الغزوات وقعوده في البعض, وقد ظن بعض المشايخ من جواز القعود إذا لم يكن النفير عاما أنه تطوع في هذه الحالة وأكثرهم على أنه فرض كفاية فيها وليس بتطوع أصلا كما في الذخيرة وهو الصحيح كما في التتارخانية هذا وفضله عظيم كما نطقت به الأحاديث النبوية وفي الخانية الحراسة بالليل عند الحاجة إليها أفضل من صلاة الليل وفي فتح القدير ومن توابع الجهاد الرباط وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفعه لله تعالى, والأحاديث في فضله كثيرة واختلف في محله, فإنه لا يتحقق في كل مكان, والمختار أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام وجزم به في التجنيس الثالث افتراضه, وإن لم يبدؤنا للعمومات. وأما قوله تعالى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] فمنسوخ كما في العناية أطلقه فأفاد أنه لا يتقيد بزمان, وتحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بالعمومات.
قوله: "فإن قام به قوم سقط عن الكل وإلا أثموا بتركه" بيان لحكم فرض الكفاية وفي الولوالجية ولا ينبغي أن يخلو ثغر المسلمين ممن يقاوم الأعداء, فإن ضعف أهل الثغر من المقاومة وخيف عليهم فعلى من وراءهم من المسلمين أن يعينوهم بأنفسهم, والسلاح, والكراع ليكون الجهاد قائما, والدعاء إلى الإسلام دائما.
قوله: "ولا يجب على صبي وامرأة وعبد وأعمى ومقعد وأقطع"; لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون, والعبد, والمرأة مشغولان بحق الزوج, والمولى وحقهما مقدم على فرض الكفاية, والأعمى ونحوه عاجزون, وقد قال تعالى
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: 61].
أطلق في المرأة, والعبد وقيده في فتح القدير بعدم الإذن أما لو أمر السيد, والزوج العبد, والمرأة بالقتال يجب أن يكون فرض كفاية ولا نقول صار فرض عين لوجوب طاعة المولى, والزوج حتى إذا لم يقاتل في غير النفير العام يأثم; لأن طاعتهما المفروضة عليهما في غير ما فيه المخاطرة بالروح, وإنما يجب ذلك على المكلفين لخطاب الرب جل جلاله بذلك, والغرض انتفاؤه عنهم قبل النفير العام ا هـ.

 

ج / 5 ص -117-       ...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه نظر; لأن المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصا إذا كان في أمره إضرار بها, فإنها تأثم على تقدير فرض الكفاية وترك الناس كلهم الجهاد نعم هو في العبد ظاهر لعموم وجوب الطاعة عليه وفي الذخيرة ويجوز للأب أن يأذن للصبي المراهق إذا طاق القتال بالخروج له, وإن كان يخاف عليه القتل; لأن قصده تهذيبه لا إتلافه فهو كتعليمه السباحة وكختنه وقيده ركن الإسلام السغدي بأن لا يخاف عليه نحو أن يرمي بالحجر فوق الحصن أو بالنشاب أما إذا كان يخاف عليه بأن كان يخرج للبراز فليس له أن يأذن له في القتال. ا هـ.
وأشار بالمرأة, والعبد إلى أن المديون لا يخرج إلى الجهاد ما لم يقض دينه, فإن لم يكن عنده وفاء لا يخرج إلا بإذن الغريم; لأنه تعلق به حق الغريم, فإن كان للمال كفيل كفل بإذنه لا يخرج إلا بإذنهما, وإن كفل بغير إذنه لا يخرج إلا بإذن الطالب خاصة كذا في التجنيس وهو يفيد أن له أن يأذن له أن يخرج بغير إذن الكفيل بالنفس; لأنه لا ضرر على الكفيل إذا تعذر إحضاره عليه.
وفي الذخيرة إن أذن له الدائن ولم يبرئه فالمحتسب له الإقامة لقضاء الدين; لأن الأولى أن يبدأ بما هو الأوجب, فإن غزا فلا بأس وهذا إذا كان الدين حالا, فإن كان مؤجلا وهو يعلم بطريق الظاهر أنه يرجع قبل أن يحل الأجل فالأفضل الإقامة لقضاء الدين, فإن خرج بغير إذن لم يكن به بأس لعدم توجه المطالبة بقضائه. ا هـ. وإلى أنه لا يخرج إلى الجهاد إلا بإذن الوالدين, فإن أذن له أحدهما ولم يأذن له الآخر فلا ينبغي له أن يخرج وهما في سعة من أن يمنعاه إذا دخل عليهما مشقة; لأن مراعاة حقهما فرض عين, والجهاد فرض كفاية فكان مراعاة فرض العين أولى, فإن لم يكن له أبوان وله جدان أو جدتان فأذن له أب الأب وأم الأم ولم يأذن له الآخران فلا بأس بالخروج; لأن أب الأب قائم مقام الأب وأم الأم قائمة مقام الأم فكانا بمنزلة الأبوين, وأما سفر التجارة, والحج فلا بأس بأن يخرج بغير إذن, والديه; لأنه ليس فيه خوف هلاكه حتى لو كان السفر في البحر لا يخرج بغير إذنهما ثم إنما يخرج بغير إذنهما للتجارة إذا كانا مستغنيين عن خدمته أما إذا كان محتاجين فلا كذا في التجنيس. وتعبيره في فتح القدير بالحرمة تسامح, وإنما الثابت الكراهة.
وفي البزازية دلت العلة على التحاق الخروج إلى العلم بالحج, والتجارة ولأن الخروج إلى التجارة لما جاز لأن يجوز للعلم أولى. ا هـ.
وهذا كله إذا كان أبواه مسلمين, وأما إذا كانا كافرين أو أحدهما فكرها خروجه إلى الجهاد أو كره الكافر ذلك فعليه أن يتحرى, فإن وقع تحريه على أن الكراهة لما يلحقهما من التفجيع,

 

ج / 5 ص -118-       وفرض عين إن هجم العدو فتخرج المرأة, والعبد بلا إذن زوجها وسيده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمشقة لأجل الخوف عليه من القتل لا يخرج, وإن كان لأجل كراهة قتال الكفار يخرج, فإن شك ينبغي أن لا يخرج كذا في الذخيرة وفيها أن من سوى الأصول إذا كرهوا أخرجوه للجهاد, فإن كان يخاف عليهم الضياع, فإنه لا يخرج بغير إذنهم وألا يخرج وكذا امرأته ا هـ.
وفي التتارخانية, وإن كان عند الرجل ودائع وأربابها غيب, فإن أوصى إلى رجل أن يدفع الودائع إلى أربابها كان له أن يخرج إلى الجهاد, والعالم الذي ليس في البلدة أحد أفقه منه ليس له أن يغزو لما يدخل عليهم من الضياع.
قوله: "وفرض عين إن هجم العدو فتخرج المرأة, والعبد بلا إذن زوجها وسيده"; لأن المقصود عند ذلك لا يحصل إلا بالإقامة الكل فيفترض على الكل فرض عين فلا يظهر ملك اليمين ورق النكاح في حقه كما في الصلاة, والصوم بخلاف ما قبل ذلك; لأن بغيرهما مقنعا ولا ضرورة إلى إبطال حق المولى, والزوج وأفاد خروج الولد بغير إذن, والديه بالأولى وكذا الغريم يخرج إذا صار فرض عين بغير إذن دائنه وأن الزوج, والمولى إذا منعا أثما كذا في الذخيرة ولا بد من قيد آخر وهو الاستطاعة في كونه فرض عين فخرج المريض المدنف أما الذي يقدر على الخروج دون الدفع ينبغي أن يخرج لتكثير السواد; لأن فيه إرهابا كذا في فتح القدير. والهجوم الإتيان بغتة, والدخول من غير استئذان كذا في المغرب, والمراد هجومه على بلدة معينة من بلاد المسلمين.
فيجب على جميع أهل تلك البلدة وكذا من يقرب منهم إن لم يكن بأهلها كفاية وكذا من يقرب ممن يقرب إن لم يكن ممن يقرب كفاية أو تكاسلوا وعصوا وهكذا إلى أن يجب على جميع أهل الإسلام شرقا وغربا كتجهيز الميت, والصلاة عليه يجب أولا على أهل محلته, فإن لم يفعلوا عجزا وجب على من ببلدتهم على ما ذكرنا هكذا ذكروا وكان معناه إذا دام الحرب بقدر ما يصل الأبعدون وبلغهم الخبر وإلا فهو تكليف ما لا يطاق بخلاف إنقاذ الأسير وجوبه على كل متجه من أهل المشرق, والمغرب ممن علم ويجب أن لا يأثم من عزم على الخروج وقعوده لعدم خروج الناس وتكاسلهم أو قعود السلطان أو منعه كذا في فتح القدير.
وفي الذخيرة إذا دخل المشركون أرضا فأخذوا الأموال وسبوا الذراري, والنساء فعلم المسلمون بذلك وكان لهم عليهم قوة كان عليهم أن يتبعوهم حتى يستنقذوهم من أيديهم ما داموا في دار الإسلام فإذا دخلوا أرض الحرب فكذلك في حق النساء, والذراري ما لم يبلغوا حصونهم وجدرهم ويسعهم أن لا يتبعوهم في حق المال وذراري أهل الذمة وأموالهم في ذلك بمنزلة ذراري المسلمين وأموالهم. ا هـ.

 

ج / 5 ص -119-       وكره الجعل إن وجد فيء وإلا لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البزازية امرأة مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر ما لم تدخل دار الحرب; لأن دار الإسلام كمكان واحد. ا هـ. ومقتضى ما في الذخيرة أنه يجب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وجدرهم وفي الذخيرة ويستوي أن يكون المستنفر عدلا أو فاسقا يقبل خبره في ذلك; لأنه خبر يشتهر بين المسلمين في الحال وكذلك الجواب في منادي السلطان يقبل خبره عدلا كان أو فاسقا. ا هـ.
قوله: "وكره الجعل إن وجد فيء وإلا لا" أي إن لم يوجد فلا كراهة; لأنه يشبه الأجر ولا ضرورة إليه; لأن مال بيت المال معد لنوائب المسلمين, وإن دعت الضرورة فلا بأس أن يقوي المسلمون بعضهم بعضا; لأن فيه دفع الضرر الأعلى بإلحاق الأدنى يؤيده أنه عليه السلام أخذ دروعا من صفوان1 وعمر رضي الله عنه كان يغزي الأعزب عن ذي الحليلة ويعطي الشاخص فرس القاعد2, والجعل بضم الجيم ما يجعل للإنسان في مقابلة شيء يفعله, والمراد به هنا أن يكلف الإمام الناس بأن يقوي بعضهم بعضا بالكراع, والسلاح وغير ذلك من النفقة, والزاد, والفيء المال المأخوذ من الكفار بغير قتال كالخراج, والجزية, وأما المأخوذ بقتال, فإنه يسمى غنيمة كذا في فتح القدير. وظاهره أنه إذا لم يكن في بيت المال فيء وكان فيه غيره من بقية الأنواع, فإنه لا يكره الجعل ولا يخفى ما فيه, فإنه لا ضرورة لجواز الاستقراض من بقية الأنواع ولذا لم يذكر الفيء في الذخيرة, والولوالجية إنما ذكر مال بيت المال وهو الحق.
وفي الذخيرة ثم من كان قادرا على الجهاد بنفسه وماله فعليه أن يجاهد بنفسه وماله قال الله تعالى
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] وحق الجهاد أن يجاهد بنفسه وماله ولا ينبغي له في هذه الحالة أن يأخذ من غيره جعلا ومن عجز عن الخروج وله مال ينبغي أن يبعث غيره عن نفسه بماله ومن قدر بنفسه ولا مال له, فإن كان في بيت المال مال يعطيه الإمام كفايته من بيت المال, فإن أعطاه كفايته لا ينبغي أن يأخذ من غيره جعلا وإلا فله أن يأخذ الجعل من غيره قال ركن الإسلام علي السغدي: إذا قال القاعد للشاخص خذ هذا المال فاغز به, فإنه ليس باستئجار على الجهاد فأما إذا قال خذه لتغزو به عني فهذا استئجار على الجهاد فلا يجوز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في البيوع باب في تضمين العارية "3562" من حجديث صفواان بن امية عن أبيه, والحاكم فس المستدرك "2/47" وقال له شاهد من حديث ابن عباس وأحمد في المسند "3/401" والزيلعي في نصب الراية "3/377".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/378" وابن أبي شيبة في مصنفه "7/644".

 

ج / 5 ص -120-       فإن حاصرناهم ندعوهم إلى الإسلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وينبغي أن تكون مسألة الحج على هذا التفصيل, وإذا دفع الرجل إلى غيره جعلا ليغزو به عنه هل له أن يصرفه في غير الغزو فهو على وجهين إن قال له اغز بهذا المال عني فليس له صرفه في غيره كقضاء دينه ونفقة أهله كمن دفع إلى آخر مالا وقال حج به عني, وإن قال اغز به فله صرفه إلى غيره كمن دفع مالا وقال حج به; لأنه ملكه المال وأشار إليه إشارة فله أن لا يأخذ بإشارته كقوله هذه الدار لك فاسكنها وهذا الثوب لك فالبسه كان له أن لا يسكنها ولا يلبسه وفي شرح السير أن للمدفوع إليه أن يترك بعض الجعل لنفقة عياله على كل حال; لأنه لا يتهيأ له الخروج إلا بهذا فكان من أعمال الجهاد معنى وتفرع على الوجهين ما إذا عرض له عارض من مرض أو غيره فأراد أن يدفع إلى غيره أقل مما أخذ ليغزو به, فإن كان مراده إمساك الفضل لرب المال فلا بأس به, وإن كان مراده الإمساك لنفسه ففي الوجه الأول لا يملك ذلك; لأنه ما ملكه بل أباح له الإنفاق على نفسه في الغزو وفي الثاني يملكه; لأن له أن لا يغزو أصلا كذا في الذخيرة مختصرا.
وفي الظهيرية وينبغي أن تكون ألوية المسلمين بيضاء, والرايات سوداء, واللواء للإمام, والرايات للقواد وينبغي أن يتخذ لكل قوم شعارا حتى إذا ضل رجل عن رايته نادى بشعاره وليس ذلك بواجب, والشعار العلامة, والخيار إلى إمام المسلمين إلا أنه ينبغي له أن يختار كلمة دالة على ظفرهم بالعدو بطريق التفول ويكره للغزاة اتخاذ الأجراس في دار الحرب; لأنه يدلهم على المسلمين أما في بلاد الإسلام فلا بأس به ولا بأس بهذه الطبول التي تضرب في الحرب لاجتماع الناس واستعدادهم للقتال; لأنها ليست بطبلة لهو وينبغي أن يكون أمير الجيش بصيرا بأمر الحرب حسن التدبير لذلك ليس ممن يقتحم بهم المهالك ولا مما يمنعهم عن الفرصة وينبغي للإمام أن يستقبل الصفوف ويطوف عليهم يحضهم على القتال ويبشرهم بالفتح إن صدقوا أو صبروا كذا في الظهيرية مختصرا.
قوله: "فإن حاصرناهم ندعوهم إلى الإسلام" أي ضيقنا بالكفار وأحطنا بهم يقال حاصره العدو محاصرة وحصارا إذا ضيقوا عليه وأحاطوا به فطلب منهم الدخول في دين الإسلام لما روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم1. وفي الصحيح
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فإذا قالوها عصموا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس "1/15" وقال: هذا حديث صحيح. والبيهقي في سننه كتاب السير, باب دعاء من لم تبلغه الدعة من المشركين "9/107" وابن أبي شيبة في مصنفه "7/646". والهيثمي في مجمع الزوائد "5/304".

 

ج / 5 ص -121-       ...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"1. ولم يذكر المصنف ما يصير به الكافر مسلما وهو نوعان قول وفعل.
والكفار أقسام: قسم يجحدون الباري جل وعلا وإسلامهم إقرارهم بوجوده, وقسم يقرون به ولكن ينكرون وحدانيته وإسلامهم إقرارهم بوحدانيته, وقسم أقروا بوحدانيته وجحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وإسلامهم إقرارهم برسالته صلى الله عليه وسلم فالأصل أن كل من أقر بخلاف ما كان معلوما من اعتقاده أنه يحكم بإسلامه وهذا في غير الكتابي أما اليهودي, والنصراني فكان إسلامهم في زمنه عليه السلام بالشهادتين; لأنهم كانوا ينكرون رسالة النبي عليه الصلاة والسلام أما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الإسلام; لأنهم يقولون: إنه أرسل إلى العرب, والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد رحمه الله, وإنما شرط مع التبري إقرارهم بالدخول في الإسلام; لأنه قد تبرأ من اليهودية ويدخل في النصرانية أو في المجوسية ولو قيل لنصراني: أمحمد رسول الله حق ؟ فقال نعم لا يصير مسلما وهو الصحيح ولو قال رسول إلى العرب, والعجم لا يصير مسلما; لأنه يمكنه أن يقول: هو رسول إلى العرب, والعجم إلا أنه لم يبع بعد, فإن قيل يجب أن لا يحكم بإسلام اليهودي, والنصراني, وإن أقر برسالة محمد عليه السلام وتبرأ عن دينه ودخل في دين الإسلام ما لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ويقر بالبعث وبالقدر خيره وشره من الله تعالى; لأنها من شرائط الإسلام كما في حديث جبريل عليه السلام قلنا الإقرار بهذه الأشياء, وإن لم يوجد نصا فقد وجد دلالة; لأنه لما أقر بدخوله في الإسلام فقد التزم جميع ما كان شرط صحته ولو قال الكتابي أنا مسلم أو أسلمت لا يحكم بإسلامه; لأنهم يدعون ذلك; لأنفسهم وكذا لو قال أنا على دين الحنيفية ولو قال الذمي لمسلم أنا مسلم مثلك يصير مسلما كذا في الذخيرة, والفتاوى.
فالحاصل أن الكتابي اليوم إذا أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه وفي الفتاوى السراجية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللله من حديث أبي هريرة "21". وأبو داود في الجهاد باب على ما يقات المشركين "2640" والترمذي في الإيمان باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "2606". وابن ماجة في صحيحه "174".

 

ج / 5 ص -122-       فإن قبلوا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سئل إذا قال الذمي أنا مسلم أو إن فعلت كذا فأنا مسلم ثم فعله أو تلفظ بالشهادتين لا غير هل يصير مسلما أجاب لا يحكم بإسلامه في شيء من ذلك كذا أفتى علماؤنا والذي أفتى به إذا تلفظ بالشهادتين يحكم بإسلامه, وإن لم يتبرأ عن دينه الذي كان عليه; لأن التلفظ بهما صار علامة على الإسلام فيحكم بإسلامه, وإذا رجع إلى ما كان عليه يقتل إلا أن يعود إلى الإسلام فيترك. ا هـ. وهذا يجب المصير إليه في ديار مصر بالقاهرة لأنه لا يسمع من أهل الكتاب فيها الشهادتان ولذا قيده محمد بالعراق وأما بالفعل, فإن صلى بالجماعة صار مسلما بخلاف ما إذا صلى وحده إلا إذا قال الشهود صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا, وأما إذا صام أو أدى الزكاة أو حج لم يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية وعن محمد أنه إذا حج على الوجه الذي يفعله المسلمون يحكم بإسلامه كذا في الذخيرة.
وفي التتارخانية, وإن صلى خلف إمام ثم أفسد لم يكن مسلما وكذا إذا قرأ القرآن أو صلى على محمد لم يكن مسلما أيضا, وأما الآذان, فإن شهدوا أنه كان يؤذن ويقيم كان مسلما سواء كان الآذان في السفر أو في الحضر, وإن قالوا سمعناه يؤذن في المسجد فليس بشيء حتى يقولوا هو مؤذن, فإذا قالوا ذلك فهو مسلم; لأنهم إذا قالوا: إنه مؤذن كان ذلك عادة له فيكون مسلما كذا في البزازية وينبغي أن يكون ذلك في حق الكتابي بناء على أن لا يكون مسلما بمجرد الشهادتين.
قوله: "فإن أسلموا وإلا إلى الجزية" أي وإن لم يسلموا ندعوهم إلى أداء الجزية للحديث المعروف وسيأتي التصريح من المصنف أن مشركي العرب, والمرتدين لا تقبل منهم الجزية بل إما الإسلام أو السيف فلا يدعوا إليها ابتداء لعدم الفائدة فلا يرد على إطلاقه هنا وفي شرح الطحاوي إذا أسلموا نترك أموالهم ونجعل أراضيهم عشرية ونأمرهم بالتحول من دارهم إلى دار الإسلام; لأن المقام للمسلم في دار الحرب مكروه, فإن أبوا أخبرهم أنهم كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيء ولا في الغنيمة ولا في الخمس ولا في بيت المال نصيب هذا إذا كان مكانهم بدار الحرب ليس متصلا بدار الإسلام, فإن كان متصلا لا يؤمرون بالتحول وفي التتارخانية وينبغي للإمام أن يبين لهم مقدار الجزية ووقت وجوبها ويعلمهم أنه إنما يأخذها منهم في كل سنة مرة وأن الغني يؤخذ منه كذا ومن الفقير كذا ومن الوسط كذا. ا هـ.
قوله: "فإن قبلوا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا" أي قبلوا إعطاء الجزية صاروا ذمة لنا قال علي رضي الله عنه "إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا"1 وسيأتي في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/38".

 

ج / 5 ص -123-       ولا نقاتل من لا تبلغه الدعوة إلى الإسلام, وندعو ندبا من بلغته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيوع استثناء عقدهم على الخمر, والخنزير وأن عقدهم على الخمر كعقدنا على العصير وعقدهم على الخنزير كعقدنا على الشاة وقدمنا أن الذمي مؤاخذ بالحدود, والقصاص إلا حد شرب الخمر وتقدم في كتاب النكاح أنهم إذا اعتقدوا جوازه بغير مهر أو شهود أو في عدة نتركهم وما يدينون بخلاف الربا, فإنه مستثنى من عقودهم.
قوله: "ولا نقاتل من لا تبلغه الدعوة إلى الإسلام" أي لا يجوز القتال لقوله عليه السلام في وصية أمراء الأجناد
"فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله"1 ولأنهم بالدعوة يعلمون أنا نقاتلهم على الدين لا على سلب الأموال وسبي الذراري فلعلهم يجيبون فنكفى مؤنة القتال ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الإحراز بالدار فصار كقتل النسوان والصبيان.
أطلق الدعوة فشمل الحقيقية, والحكمية فالحقيقية باللسان, والحكمية انتشار الدعوة شرقا وغربا أنهم إلى ماذا يدعون وعلى ماذا يقاتلون فأقيم ظهورها مقامها, وقد نص محمد عليه في السير الكبير فقال: وإذا لقي المسلمون المشركين, فإن كان المشركون قوما لم يبلغهم الإسلام لا حقيقة ولا حكما فلا ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الإسلام وفي فتح القدير ولا شك أن في بلاد الله تعالى من لا شعور له بهذا الأمر فيجب أن المراد غلبة ظن أن هؤلاء لم تبلغهم الدعوة وفي التتارخانية, وإن كانوا قوما قد بلغهم الإسلام إلا أنهم لا يدرون أيقبل المسلمون الجزية أم لا فلا ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الجزية. ا هـ.
قوله: "وندعو ندبا من بلغته" أي الدعوة مبالغة في الإنذار ولا يجب ذلك; لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون2 وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا ثم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم من حديث بريدة في الجهاد باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث "1731" زأبو داود في الجهاد باب داء المشركين "2612" وابن ماجة في الجهاد باب وصية الإمام "2858" والترمذي في السير باب نا جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم في القتال "1617".
2 أخرجه البخاري في العتق باب من ملك من العرب رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية, من حديث ابن عون "2541" ومسلم في الجهاد باب جواز الإغارة على الكافر الذين بلغتهم دعوة الإسلام "1730". وأبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين "2633" قوله: "وهم غارون" بالغين المعجمة وتشديد الراء أي غافل أي أخذهم على غرة ا هـ فتح الباري "5/171".==

 

ج / 5 ص -124-       وإلا فنستعين عليهم بالله تعالى بنصب المجانيق وحرقهم وغرقهم وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم ورميهم, وإن تترسوا ببعضنا ونقصدهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحرق1, والغارة لا تكون بدعوة وأبنى بوزن حبلى موضع بالشام أطلق في الاستحباب وهو مقيد بأن لا يتضمن ضررا بأن يعلم أنهم بالدعوة يستعدون أو يحتالون أو يتحصنون وغلبة الظن في ذلك بما يظهر من أحوالهم كالعلم كذا في فتح القدير.
قوله: "وإلا فنستعين عليهم بالله تعالى بنصب المجانيق وحرقهم وغرقهم وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم ورميهم, وإن تترسوا ببعضنا ونقصدهم" أي إن لم يقبلوا الجزية إلى آخره أما الاستعانة فلأنه تعالى هو الناصر لأوليائه, والمدمر على أعدائه فيستعان به في كل الأمور.
وأما نصب المجانيق فلأنه عليه السلام نصبها على الطائف2, وأما التحريق ونحوه فلأنه عليه السلام أحرق البويرة وأرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم3; لأن في جميع ذلك إلحاق الغيظ, والكبت بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا أطلق في الأشجار فشمل المثمرة وغيرها كما في البدائع. وأطلق في جواز فعل هذه الأشياء وقيده في فتح القدير بما إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك, فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك; لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها.
وفي الظهيرية ولا يستحب رفع الصوت في الحرب من غير أن يكون ذلك مكروها من وجه الدين ولكنه فشل, والفشل الجبن, فإن كان فيه منفعة وتحريض للمسلمين فلا بأس به وعن قيس بن عبادة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكرهون الصوت عند ثلاث: الجنائز, والقتال, والذكر"4, والمراد بالذكر الوعظ وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي ففي هذا الحديث بيان كراهة رفع الصوت عند سماع القرآن, والوعظ فتبين به أن ما يفعله الذين يدعون الوجد, والمحبة مكروه ولا أصل له في الدين وتبين به أنه يمنع المتقشفة وحمقى أهل التصوف مما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الجهاد باب في الحرق في بلاد العدو "2616" وابن ماجة في الجهاد باب التحريق بأرض العدو "2843" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/382".
2 أخرجه البيهقي في سننه من حديث أبي عبيدة كتاب السير باب قطع الشجر وحرق المنازل "9/84" والترمذي في الأدب باب ما جاء في الأخذ من اللحية بعد الحديث "2762" لكنه معضل لم يصل سنده.
3 أخرجه البخاري في المغازي باب حديث بني نضير "4031" من حديث ابن عمر ومسلم في الجهاد باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها "1746" وأبو داود في الجهاد باب في الحرق في بلاد العدو "2615" وابن ماجة في الجهاد باب التحرريق بأرض العدو "2844"
4 أخرجه البيهقي في سننه كتاب الجنائز باب كراهية رفع الصوت في الجنائز "4/74" ولكن نسبه لقيس بن عباد وليلس عبادة.

 

ج / 5 ص -125-       ونهينا عن إخراج مصحف وامرأة في سرية يخاف عليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعتادونه من رفع الصوت وتمزيق الثياب عند السماع; لأن ذلك مكروه في الدين عند سماع القرآن, والوعظ فما ظنك عند سماع الغناء ويندب للمجاهد في دار الحرب توفير الأظفار, وإن كان قصها من الفطرة; لأنه إذا سقط السلاح من يده ودنا منه العدو ربما يتمكن من دفعه بأظافيره وهو نظير قص الشوارب, فإنه سنة ثم الغازي في دار الحرب مندوب إلى توفيرها وتطويلها ليكون أهيب في عين من يبارزه.
والحاصل أن ما يعين المرء على الجهاد فهو مندوب إلى اكتسابه لما فيه من إعزاز المسلمين وقهر المشركين. ا هـ. وأما جواز رميهم, وإن تترسوا ببعضنا فلأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام وقتل المسلم ضرر خاص ولأنه قل ما يخلو حصن عن مسلم فلو امتنع عن اعتباره لانسد بابه.
أطلق في بعضنا فشمل الأسير, والتاجر, والصبيان لكن نقصد الكفار بالرمي دون المسلمين; لأنه إن تعذر التمييز فعلا فقد أمكن قصدا, والطاعة بحسب الطاقة, وأما ما أصابوه منهم لا دية عليهم ولا كفارة; لأن الجهاد فرض, والغرامات لا تقترن بالفروض بخلاف حالة المخمصة; لأنه لا يمتنع مخافة الضمان لما فيه من إحياء نفسه أما الجهاد بني على إتلاف النفس فيمتنع حذار الضمان, وأما قوله عليه السلام "
ليس في الإسلام دم مفرج"1 أي مهدر فمعناه ليس في دار الإسلام وكلا منا في دار الحرب كذا في العناية قيد بالتترس عند المحاربة; لأن الإمام إذا فتح بلدة ومعلوم أن فيها مسلما أو ذميا لا يحل قتل أحد منهم لاحتمال كونه ذلك المسلم أو الذمي ولو أخرج واحدا من عرض الناس حل إذا قتل الباقي لجواز كون المخرج هو ذلك فصار في كون المسلم في الباقين شك بخلاف الحالة الأولى, فإن كون المسلم أو الذمي فيهم معلوم بالفرض فوقع الفرق كذا في فتح القدير وفي الولوالجية وغيرها, فإن كان المسلمون في سفينة فاحترقت السفينة, فإن كان غلبة ظنهم أنهم لو ألقوا أنفسهم في البحر تخلصوا بالسباحة يجب عليهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر ليتخلصوا من الهلاك القطعي, وإن استوى الجانبان إن أقاموا احترقوا, وإن أوقعوا أنفسهم غرقوا فهم بالخيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستواء الجانبين وقال محمد لا يجوز أن يلقوا أنفسهم في الماء; لأنه يكون إهلاكا بفعلهم ا هـ.
قوله: "ونهينا عن إخراج مصحف وامرأة في سرية يخاف عليها"; لأن فيه تعريضهن على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد بلفظ "لال يترك مفرج في الإسلام حتى يضم إلى فبيلة "263/6" وقال ابن الأثير في النهاية ولا يترك مفرج في الإسلام قيل: هو القتيل يوجد بأرض فلاة لا يكون قريبا من قريية فإنه يؤدي من بيت المال ولا يطل دمه.

 

ج / 5 ص -126-       ...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الضياع, والفضيحة وتعريض المصاحف على الاستخفاف, فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين وهو التأويل الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم
"لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو"1 وما في الكتاب هو الأصح, والأحوط خلافا لما ذكره الطحاوي من أنه لا كراهة في إخراج المصحف مطلقا أطلق المرأة فشمل الشابة, والعجوز للمداواة أو غيرها كذا في الذخيرة وقيد بالسرية; لأنه لا كراهة في الإخراج إذا كان جيشا يؤمن عليه; لأن الغالب هو السلامة, والغالب كالمتحقق وفي المغرب ولم يرد في تحديد السرية نص ومحصول ما ذكره محمد في السير أن التسعة وما فوقها سرية, وأما الأربعة, والثلاثة ونحو ذلك طليعة لا سرية. ا هـ.
وفي الخانية قال أبو حنيفة أقل السرية مائتان وأقل الجيش أربعمائة وقال الحسن بن زياد أقل السرية أربعمائة وأقل الجيش أربعة آلاف وفي المبسوط السرية عدد قليل يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار. ا هـ.
وفي فتح القدير وينبغي كون العسكر العظيم اثني عشر ألفا لما روي أنه عليه السلام قال
"لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة"2 وهو أكثر ما روي فيه ا هـ. وظاهر مفهوم المختصر أن في الجيش لا يكره إخراج المرأة مطلقا وخصوه بالعجائز للطب, والمداواة, والسقي ويكره إخراج الشواب لو احتيج إلى المباضعة فالأولى إخراج الإماء دون الحرائر, والأولى عدم إخراجهن أصلا خوفا من الفتن ولا تباشر المرأة القتال إلا عند الضرورة; لأنه يستدل به على ضعفهم وأراد بالمصحف ما يجب تعظيمه ويحرم الاستخفاف به فيكره إخراج كتب الفقه, والحديث في سرية كما في فتح القدير.
وقيد بالإخراج في السرية; لأنه إذا دخل رجل مسلم إليهم بأمان لا بأس أن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوما يوفون بالعهد; لأن الظاهر عدم التعرض وفي الذخيرة قال محمد في أهل الثغور التي تلي أرض العدو ولا بأس أن يتخذوا فيها النساء وأن يكون فيها الذراري,

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الجهاد لباب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو من حديث ابن عمر بلفظ "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو" "1990" ومسلم في الإمارة باب النهي أن يسافر بالمصخف إلى أرض العدو "1869" وأبو داود في الجهاد باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو "2610".وابن ماجة في الجهاد باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو "2879".
2 هو جزء مكن حديث أخرجه أبو داود في الجهاد باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا وقال والصحيح أنه مرسل "2611" وهو من حديث ابن عباس, والترمذي في السير باب ما جاء في السرايا "1555" وقال هذا حديث غريب. والطحاوي في مشكل الأثار "2/45" برقم "572".

 

ج / 5 ص -127-       وغدر وغلول ومثلة, وقتل امرأة وغير مكلف وشيخ فان وأعمى ومقعدا إلا أن يكون أحدهم ذا رأي في الحرب أو ملكا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يكن بين تلك الثغور وبين أرض العدو أرض المسلمين إذا كان الرجال يقدرون على الدفع عنهم وإلا فلا ينبغي.
قوله: "وغدر وغلول ومثلة" أي نهينا عنها لقوله عليه السلام
"لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا"1 وهذه الثلاثة محرمة كما في فتح القدير والغدر, والخيانة ونقض العهد, والغلول السرقة من المغنم, والمثلة المروية في قصة العرنيين2 منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول يقال: مثلت بالرجل بوزن ضربت أمثل به بوزن أنصر مثلا إذا سودت وجهه وقطعت أنفه ونحوه ذكره في الفائق وفي فتح القدير, وأما من جنى على جماعة جنايات متعددة ليس فيها قتل بأن قطع أنف رجل وأذني رجل وفقأ عيني آخر وقطع يدي آخر ورجلي آخر فلا شك في أنه يجب القصاص لكل واحد أداء لحقه لكن يجب أن يتأتى لكل قصاص بعد الذي قبله إلى أن يبرأ منه وحينئذ يصير هذا الرجل ممثلا به أي مثلة ضمنا لا قصدا, وإنما يظهر أثر النهي, والنسخ فيمن مثل بشخص حتى قتله فمقتضى النسخ أن يقتل به ابتداء ولا يمثل به ثم لا يخفى أن هذا بعد الظفر, والنصر أما قبل ذلك فلا بأس به إذا وقع قتال كمبارز ضرب فقطع أذنه ثم ضربه ففقأ عينه فلم ينته فضربه فقطع يده وأنفه ونحو ذلك. ا هـ.
وفي الظهيرية ولا بأس بحمل الرءوس إذا كان فيه غيظ للمشركين أو إفراغ قلب للمسلمين بأن يكون المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين ألا ترى أن عبد الله بن مسعود حمل رأس أبي جهل لعنه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر حتى ألقاه بين يديه فقال "هذا رأس عدوك أبي جهل لعنه الله" فقال النبي صلى الله عليه وسلم
"الله أكبر هذا فرعوني وفرعون أمتي كان شره علي وعلى أمتي أعظم من شر فرعون على موسى وأمته"3 ولم ينكر عليه ذلك ا هـ.
قوله: "وقتل امرأة وغير مكلف وشيخ فان وأعمى ومقعدا إلا أن يكون أحدهم ذا رأي في الحرب أو ملكا" أي نهينا عن قتل هؤلاء; لأن المبيح للقتل عندنا هو الحراب ولا يتحقق منهم ولهذا لا يقتل يابس الشق, والمقطوع اليمين, والمقطوع يده ورجله من خلاف, والراهب الذي لم يقاتل وأهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس, وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الصبيان, والنساء4 وحين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو جزء من حديث بريدة وتقدم تخريجه.
2 تقدم تخريجه.
3 ورد من حيث طويل "هذا فرعون هذه الأمة" انظر المعجم الكبير "9/82" رقم "8469".
4 أخرجه البخاري في الجهاد باب تحريم

 

ج / 5 ص -128-       وقتل أب مشرك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة قال
"هاه ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت"1, وأما إذا كان لأحدهم رأي في الحرب أو كان ملكا فقد يتعدى ضرره إلى العباد ولا يقتل من قاتل دفعا لشره ولأن القتال مبيح حقيقة وغير المكلف شامل للصبي, والمجنون غير أنهما يقتلان ما داما يقاتلان وغيرهما لا بأس بقتله بعد الأسر; لأنه من أهل العقاب لتوجه الخطاب نحوه, وإن أمكن السبي, وإن كان يجن ويفيق فهو في حالة إفاقته كالصحيح.
وفي التتارخانية لا يقتل المعتوه وفي فتح القدير ثم المراد بالشيخ الفاني الذي لا يقتل, من لا يقدر على القتال ولا الصياح عند التقاء الصفين ولا على الإحبال; لأنه يجيء منه الولد فيكثر محارب المسلمين ذكره في الذخيرة وزاد الشيخ أبو بكر الرازي في كتاب المرتد من شرح الطحاوي أنه إذا كان كامل العقل نقتله ومثله نقتله إذا ارتدوا الذي لا نقتله الشيخ الفاني الذي خرف وزال عقله وخرج عن حدود العقلاء, والمميزين فحينئذ يكون بمنزلة المجنون فلا نقتله ولا إذا ارتد قال: وأما الزمنى فهم بمنزلة الشيوخ فيجوز قتلهم إذا رأى الإمام ذلك بعد أن يكونوا عقلاء ونقتلهم أيضا إذا ارتدوا ا هـ.
وفي الذخيرة ونقتل الأخرس, والأصم, والمقطوع اليسرى وفي التتارخانية ولا نقتل من في بلوغه شك ولا بأس بنبش قبورهم طلبا للمال, وإذا كان بالمسلمين قوة على حمل من لا يقتل وإخراجهم إلى دار الإسلام لا ينبغي لهم أن يتركوا في دار الحرب امرأة ولا صبيا ولا معتوها ولا أعمى ولا مقعدا ولا مقطوع اليد, والرجل من خلاف ولا مقطوع اليد اليمنى; لأن هؤلاء يولد لهم ففي تركهم عون على المسلمين, وأما الشيخ الفاني الذي لا يلقح, فإن شاء أخرجه, وإن شاء تركه وكذلك الرهبان وأصحاب الصوامع إذا ما كانوا ممن لا يصيبون النساء كذلك العجوز الذي لا يرجى ولدها, فإن شاء الإمام أخرجهم, وإن شاء تركهم. ا هـ.
وفي البدائع لو قتل من لا يحل له قتله ممن ذكرنا فلا شيء فيه من دية ولا كفارة إلا التوبة, والاستغفار; لأن دم الكافر لا يتقوم إلا بالأمان ولم يوجد.
قوله: "وقتل أب مشرك" أي نهينا عن ابتداء أبيه بالقتل لقوله تعالى
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] ولأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق فيناقضه الإطلاق في إفنائه ولو قتله لا شيء عليه لعدم العاصم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الجهاد باب في قتل النساء والصبيان "2842" من حديث حنظلة والزيلعي في نصب الراية "3/387".

 

ج / 5 ص -129-       وليأب الابن ليقتله غيره,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وليأب الابن ليقتله غيره" أي ليمتنع الابن من إطلاقه وقتله ليقتله غيره; لأن المقصود يحصل بغيره من غير اقتحامه المأثم, فإذا أدركه في الصف يشغله بالمحاولة بأن يعرقب فرسه أو يطرحه من فرسه ويلجئه إلى مكان ولا ينبغي أن ينصرف عنه ويتركه; لأنه يصير حربا علينا ولو قال المصنف وقتل أصله المشرك لكان أولى; لأن هذا الحكم لا يخص الأب; لأن أمه وأجداده وجداته من قبل الأب والأم كالأب فلا يبتدئهم بالقتل وخرج فرعه, وإن سفل فللأب أن يبتدئ بقتل ابنه الكافر; لأنه لا يجب عليه إحياؤه وكذا أخوه وخاله وعمه, والمشركون ولذا لم يجب عليه الإنفاق عليهم إلا بشرط الإسلام.
وقيدنا بالابتداء; لأنه لو قصد الأب قتله بحيث لا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس به; لأن مقصوده الدفع ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس بقتله لما بينا فهذا أولى.
وقيد بالمشرك; لأن الباغي يكره ابتداء القريب سواء كان أبا أو أخا أو غيرهما; لأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق عليه لاتحاد الدين فكذا بترك القتل وأما في الرجم إذا كان الابن أحد الشهود فيبتدئ بالرجم ولا يقصد قتله بأن يرميه مثلا بحصاة.
قوله: "ونصالحهم ولو بمال لو خيرا" لقوله تعالى
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين1 ولأن الموادعة جهاد معنى إذا كان خيرا للمسلمين; لأن المقصود وهو دفع الشر حاصل به, فإذا وقع الصلح أمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم وأمن من أمنوه وصار في حكمهم كما في الولوالجية أراد بالصلح العهد على ترك الجهاد مدة معينة أي مدة كانت ولا يقتصر الحكم على المدة المذكورة في المروي لتعدي المعنى إلى ما زاد عليها.
وقيد بالخير; لأنه لا يجوز بالإجماع إذا لم يكن فيه مصلحة وأطلق في قوله ولو بمال فشمل المال المدفوع منهم إلينا وعكسه, والأول ظاهر إذا كان بالمسلمين حاجة إليه; لأنه جهاد معنى ولأنه إذا جاز بغير المال فبالمال أولى, وإن لم يكن إليهم حاجة به لا يجوز; لأنه ترك للجهاد صورة ومعنى, والمأخوذ منهم يصرف مصارف الجزية; لأنه مأخوذ بقوة المسلمين كالجزية إلا إذا نزلوا بدارهم للحرب فحينئذ يكون غنيمة لكونه مأخوذا بالقهر, والثاني لا يفعله الإمام لما فيه من إعطاء الدنية ولحوق المذلة إلا إذا خاف على المسلمين; لأن دفع الهلاك بأي طريق أمكن واجب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الجهاد باب من صالح العدو "2766" والزيلعي في نصب الراية "3/388". والبيهقي في سننه كتاب الجزية باب ما جاء في مدة الهدنة "9/222".

 

ج / 5 ص -130-       وننبذ لو خيرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكر الولوالجي لو دخل الموادعون بلدة أخرى لا موادعة معهم فغزا المسلمون في تلك البلدة فهؤلاء آمنون لبقاء الأمان ولو أسر من الموادعين أهل دار أخرى فاستولى عليه المسلمون كان فيئا; لأن حكم الموادعة بطل في حق الأسير. ا هـ.
وفي المحيط ولو وقع الصلح ثم سرق مسلم منهم شيئا لا يملكه وكذا إن أغار المسلمون عليهم وسبوا قوما منهم لم يسع المسلمين الشراء من ذلك السبي ويرد المبيع ومن دخل منهم دارنا بغير أمان لا نتعرض له; لأن الموادعة السابقة كافية في إفادة الأمان والعصمة ا هـ.
وأطلق في المصالح ولم يقيده بالإمام; لأن موادعة المسلم أهل الحرب جائزة كإعطائه الأمان, فإن كان على مال ولم يعلم الإمام ذلك, فإن مضت المدة أخذه وجعله في بيت المال, وإن علم بها قبل مضيها, فإن كان فيها خير أمضاها وأخذ المال وإلا أبطلها ورد المال ونبذ إليهم, وإن كان بعد مضي البعض رد كل المال استحسانا بخلاف ما إذا وادعهم ثلاث سنين كل سنة بكذا وقبض المال كله ثم أراد الإمام نقضها بعد مضي سنة, فإنه يرد الثلثين لتفريق العقود هنا بتفريق التسمية بخلاف الأول, فإن العقد واحد ولو وادع المسلمون أهل الحرب على أن يؤدوا كل سنة مائة رأس إلينا وفيها خير, فإن كانت من أنفسهم وأهليهم وذراريهم لم يصح; لأن الكل دخلوا تحت الأمان فلا يجوز استرقاقهم وتمليكهم, وإن صالحوا على مائة رأس بأعيانهم أول سنة على أن يكون أولئك لهم ثم يعطوهم كل سنة مائة رأس من رقيقهم جاز لعدم دخولهم تحت الأمان وتمامه في المحيط. وذكر الولوالجي وهذا كله إذا وقع الصلح على أن يكونوا مبقين على أحكام الكفر, فإن وقع الصلح على أن تجري عليهم أحكام الإسلام فقد صاروا ذمة ولا يسع للمسلمين أن لا يقبلوا ذلك منهم; لأنهم لما قبلوا حكم الإسلام صاروا من جملة أهلها.
قوله: "وننبذ لو خيرا"; لأنه عليه السلام نبذ الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة1 ولأن المصلحة لما تبدلت كان النبذ جهارا وإبقاء العهد ترك الجهاد صورة ومعنى فلا بد من النبذ تحرزا عن الغدر ولا بد من اعتبار مدة يبلغ خبر النبذ إلى جميعهم ويكتفى في ذلك بمضي مدة يتمكن ملكهم بعد عمله بالنبذ من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته; لأن بذلك ينتفي الغدر, فإن كانوا خرجوا من حصونهم وتفرقوا في البلاد أو خربوا حصونهم بسبب الأمان فحتى يعودوا كلهم إلى مأمنهم ويعمروا حصونهم مثل ما كانت توقيا عن الغدر وفي المغرب نبذ الشيء من يده طرحه ورمى به نبذا ونبذ العهد نقضه وهو من ذلك; لأنه طرح له.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الييهقي من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة في الجزية باب نقض أهل العهد أو بعضهم العهد "9/233" والزيلعي في نصب الراية "3/389".

 

ج / 5 ص -131-       ونقاتل بلا نبذ لو خان ملكهم. والمرتدين بلا مال, وإن أخذ لم يرد, ولم نبع سلاحا منهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي النهاية, والمراد هنا من قوله فلا بد من النبذ إعلام نقض العهد. وذكر الشارح أن النبذ يكون على الوجه الذي كان الأمان, فإن كان منتشرا يجب أن يكون النبذ كذلك, وإن كان غير منتشر بأن أمنهم واحد من المسلمين سرا يكتفى بنبذ ذلك الواحد كالحجر بعد الإذن وهذا إذا صالحهم مدة فرأى نقضه قبل مضي المدة, وأما إذا مضت المدة, فإنه يبطل الصلح بمضيها فلا ينبذ إليهم ومن كان منهم في دارنا فهو آمن حتى يبلغ مأمنه; لأنه في يدنا بأمان كذا ذكره الولوالجي.
قوله: "ونقاتل بلا نبذ لو خان ملكهم"; لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه أطلق في خيانة ملكهم فشمل ما إذا كان باتفاق الكل أو بفعل بعضهم بإذنه حتى لو دخل جماعة منهم ذو منعة دار الإسلام بإذنه وقاتلوا المسلمين كان نقضا وقيد بملكهم; لأنه لو دخل جماعة بغير إذنه لم ينتقض في حق الكل, وإنما ينتقض في حق الخائنين حتى يجوز قتلهم واسترقاقهم, وإن لم يكن لهم منعة لم يكن نقضا للعهد.
قوله: "والمرتدين بلا مال, وإن أخذ لم يرد" أي نصالح المرتدين حتى ننظر في أمورهم; لأن الإسلام مرجو منهم فجاز تأخير قتالهم طمعا في إسلامهم ولا نأخذ عليه مالا; لأنه لا يجوز أخذ الجزية منهم, وإن أخذه لم يرده; لأنه مال غير معصوم وأشار إلى أنه يجوز الصلح مع أهل البغي بالأولى ولا يؤخذ منهم شيء وصرح الشارح بأن أموالهم معصومة فظاهره أنه إذا أخذ شيء لأجل الصلح يرد عليهم وفي فتح القدير ويرد عليهم بعدما وضعت الحرب أوزارها ولا يردها حال الحرب; لأنه إعانة لهم. ا هـ.
وأطلق في جواز صلح المرتدين وهو مقيد بما إذا غلبوا على بلدة وصار دارهم دار الحرب وإلا فلا; لأن فيه تقرير المرتد على الردة وذلك لا يجوز ولذا قيده الفقيه أبو الليث بما ذكرنا كذا في الفتح.
قوله: "ولم نبع سلاحا منهم"; لأن النبي عليه السلام نهى عن بيع السلاح من أهل الحرب وحمله إليهم1 ولأن فيه تقويتهم على قتال المسلمين فيمنع من ذلك وصرح الشارح بحرمته أراد من السلاح ما يكون سببا لتقويتهم على الحرب فدخل الكراع, والحديد; لأنه أصل السلاح وهو ظاهر الرواية, والكراع الخيل ودخل الرقيق; لأنهم يتوالدون عندهم فيعودون حربا علينا مسلما كان الرقيق أو كافرا وخرج الطعام والقماش, والقياس المنع إلا أنا عرفناه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية وقال غريب بهذا اللفظ "3/391" والبيهقي في سننه كتاب البيوع باب كراهية بيع العصر ممن يعصر الخمر والسيف ممن يعصي الله عز وجل بلفظ "نهى عن بيع السلاح في الفتنة" من حديث عمران بن الحصين "5/327".

 

ج / 5 ص -132-       ولا يقتل من أمنه حر أو حرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنص; لأنه عليه السلام أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه1 وشمل كلامه ما قبل الموادعة وما بعدها; لأنها على شرف الانقضاء أو النقض قال الفقيه أبو الليث وليس هذا كما قالوا في بيع العصير ممن يجعله خمرا; لأن العصير ليس بآلة للمعصية, وإنما يصير آلة لها بعدما يصير خمرا وأما هنا فالسلاح آلة للفتنة في الحال. ا هـ.
وفي كافي الحاكم, فإن كان الحربي جاء بسيف فاشترى مكانه قوسا أو رمحا أو فرسا لم يترك أن يخرج به مكان سيفه وكذا إذا استبدل بسيفه سيفا خيرا منه, وإن كان مثله أو شرا منه لم يمنع. ا هـ. فما يمنع المسلم منه يمنع المستأمن منهم أن يدخل به دارهم, وإن خرج هو بشيء مما ذكرنا فلا يمنع من الرجوع به إلا إذا أسلم العبد.
قوله: "ولا يقتل من أمنه حر أو حرة" لقوله عليه السلام
"المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم"2 أي أقلهم وهو الواحد ولأنه من أهل القتال فيخافونه إذ هو من أهل المنعة فيتحقق الأمان منه لملاقاته محله ثم يتعدى إلى غيره ولأن سببه لا يتجزأ وهو الإيمان وكذا الأمان لا يتجزأ فيتكامل كولاية الإنكاح وأجاز عليه السلام أمان أم هانئ رجالا من المشركين يوم فتح مكة3 كما رواه الشيخان.
وركنه صريح وكناية وإشارة فالصريح كقوله أمنت أو وادعت أو لا تخافوا منا ولا تذهلوا لا بأس عليكم لكم عهد الله أو ذمته تعالوا فاسمعوا الكلام ويصح بأي لسان, وإن كانوا لا يعرفونه بعد أن عرفه المسلمون بشرط سماعهم له فلا أمان لو كان بالبعد منهم ومن الكنايات قول المسلم للمشرك تعال إذا ظن أنه أمان كان أمانا وكذا إذا أشار بأصبعه إلى السماء فيه بيان أعطيتك ذمة إله السماء, والمشرك إذا نادى الأمان فهو أمن إذا كان ممتنعا, وإن كان في موضع ليس بممتنع وهو ماد سيفه ورمحه فهو فيء ولو طلب الأمان لأهله لا يكون هو آمنا بخلاف ما إذا طلب لذراريه, فإنه يدخل تحت الأمان وفي دخول أولاد البنات روايتان. ولو طلبه لأولاده دخل فيه أولاد الأبناء دون أولاد البنات ولو طلبه لإخوته دخل الأخوات تبعا دون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/292" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة.
2 أخرجه أبو داود في الجهاد باب في السرية ترد على أهل العسكر "2751" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, والبيهقي في سننه كتاب الجنايات باب فيمن لا قصاص بينهم باختلاف الدينين "8/29" والحاكم في المستدرك "2/141" والزيلعي في نصب الراية "3/393".
3 أخرجه البيهقي قي سننه كتاب السير باب أمان المرأة "9/95" وذكره الترمذي في السير باب ما جاء في أمان العهد والمرأة "1579".

 

ج / 5 ص -133-       وننبذ لو شرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأخوات المفردات وكذا لو طلبه لأبنائه دخلت بناته كالآباء يدخل فيه الآباء, والأمهات ولا يدخل الأجداد لعدم صلاحيتهم للتبعية كذا في المحيط ولو طلبه لقرابته دخل الوالدان استحسانا وشرائطه العقل فلا يجوز أمان المجنون, والصبي الذي لا يعقل, والبلوغ فلا يصح أمان الصبي العاقل, والإسلام فلا يصح أمان الذمي, وإن كان مقاتلا, وأما الحرية فليست بشرط وكذا السلامة عن العمى, والزمانة, والمرض.
وأما حكمه فهو ثبوت الأمن للكفرة عن القتل, والسبي, والاستغنام, وأما إذا وجد في أيديهم مسلم أو ذمي أسير, فإنه يؤخذ منهم كما في التتارخانية.
وقال محمد: وإذا أمن رجل من المسلمين ناسا من المشركين فأغار عليهم قوم آخرون من المسلمين قتلوا الرجال وسبوا النساء, والأموال واقتسموا ذلك وولد لهم منهن أولاد ثم علموا بالأمان فعلى الذين قتلوا دية من قتلوا وترد النساء, والأموال إلى أهلها وتغرم للنساء أصدقتهن لما أصابوا من فروجهن, والأولاد أحرار مسلمون تبعا لأبيهم لكن إنما ترد النساء بعد ثلاث حيض وفي زمان الاعتداد يوضعن على يدي عدل, والعدل امرأة عجوز ثقة لا الرجل ويكون الأولاد أحرارا بغير قيمة كذا في التتارخانية. ا هـ.
وأما صفته فهو عقد غير لازم حتى لو رأى الإمام المصلحة في نقضه نقضه كذا في البدائع.
قوله: "وننبذ لو شرا" أي نقض الإمام الأمان لو كان بقاؤه شرا; لأن جوازه كان للمصلحة مع أنه يتضمن ترك القتال المفروض, فإذا صارت المصلحة في نقضه نقض وعبارة المصنف شاملة لما إذا أعطى الإمام الأمان لمصلحة ثم رأى في نقضه ولما إذا أمنهم مسلم بغير إذن الإمام ولا مصلحة فيه فاقتصار الشارح على الثاني مما لا ينبغي, وإذا فعله الواحد ولا مصلحة فيه أدبه الإمام لانفراده برأيه بخلاف ما إذا كان فيه مصلحة; لأنه ربما تفوت بالتأخير فيعذر.
وفي البدائع أن الأمان على وجهين مطلق ومؤقت فالأول ينتقض بأمرين إما بنقض الإمام وينبغي أن يخبرهم به ثم يقاتلهم خوفا من الغدر وإما بمجيء أهل الحصن إلى الإمام بالأمان ثم امتناعهم عن الإسلام وقبول الجزية, فإنه ينتقض لكن يردهم إلى مأمنهم ثم يقاتلهم احترازا عن التغرير, فإن امتنعوا أن يلحقوا بمأمنهم أجلهم على ما يرى, فإن لم يرجعوا حتى مضى الأجل صاروا ذمة.
والثاني ينتهي بمضي الوقت من غير توقف على النقض ولهم أن يقاتلوهم إلا إذا دخل واحد منهم دار الإسلام فمضي الوقت وهو فيه فهو آمن حتى يرجع إلى مأمنه.

 

ج / 5 ص -134-       وبطل أمان ذمي وأسير وتاجر وعبد ومحجور عن القتال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وبطل أمان ذمي وأسير وتاجر وعبد ومحجور عن القتال"; لأن الذمي لا ولاية له على المسلمين وهو متهم, والأسير, والتاجر مقهوران تحت أيديهم فلا يخافونهم, والأمان يختص بمحل الخوف, والعبد المحجور عن القتال لا يخافونه فلا يلاقي الأمان محله بخلاف المأذون في القتال; لأن الخوف منه متحقق وصحح محمد أمانه قيد بكون الأمان من الذمي; لأن الأمير لو أمر الذمي بأن يؤمنهم فأمنهم فهو جائز, والمسألة على وجهين إما أن يقول له قل لهم: إن فلانا أمنكم أو قال له أمنهم وكل على وجهين أما إن قال الذمي قد أمنتكم أو أن فلانا المسلم قد أمنكم ففي الثاني يصح أمانه في الوجهين وفي الأول إن قال لهم الذمي إن فلانا أمنكم صح, وإن قال أمنتكم فهو باطل وأراد بالأسير, والتاجر المسلم الذي في دار الحرب فلو دخل مسلم دار الحرب وأمن جندا عظيما فخرجوا معه إلى دار الإسلام وظفر بهم المسلمون فهم فيء بخلاف ما إذا خرج واحد منهم أو عشرون مع المسلم بأمان فهو آمن; لأنه في الأول مقهور معهم دون الثاني.
وفي الذخيرة أراد بقوله لا يصح أمان الأسير لا يصح أمانه في حق باقي المسلمين حتى كان لهم أن يغيروا عليهم أما أمانه في حقه صحيح, وإذا صح أمانه في حق نفسه صار حكمه وحكم الداخل فيهم بأمان سواء فلا يأخذ شيئا من أموالهم بغير رضاهم وكذلك لا يأخذ ما كان للمسلمين وصار ملكا لهم بالاستيلاء, والإحراز بدارهم وما كان للمسلمين ولم يصر ملكا لهم بالاستيلاء لا بأس بأن يأخذه ويخرجه إلى دار الإسلام وكذا قال في الذخيرة ومعنى عدم صحة أمان العبد المحجور في حق باقي المسلمين أما أمان العبد المحجور في حق نفسه صحيح بلا خلاف, والجواب في الأمة كالجواب في العبد إن كانت تقاتل بإذن المولى فأمانها صحيح وإلا فلا. ا هـ.
أطلق في أمان الذمي فشمل ما إذا أذنه الإمام بالقتال بخلاف ما إذا أذنه الإمام بالأمان كما قدمنا وبخلاف العبد المأذون بالقتال, والفرق هو الصحيح وفي السراجية, والفاسق يصح أمانه وفي الخانية من فصل إعتاق الحربي العبد المسلم إذا خدم مولاه الحربي في دار الحرب كانت خدمته له أمانا له والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 5 ص -135-       1- باب الغنائم وقسمتها.
 ما فتح الإمام عنوة قسم بيننا أو أقر أهلها ووضع الجزية والخراج. وقتل الأسرى أو استرق أو تركهم أحرار ذمة لنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-"باب الغنائم وقسمتها".
 الغنائم جمع غنيمة قال في القاموس المغنم والغنيم والغنيمة والغنم بالضم الفيء, غنم بالكسر غنما بالضم وبالفتح وبالتحريك وغنيمة وغنمانا بالضم الفوز بالشيء بلا مشقة ا هـ.
وفي المغرب الغنيمة ما نيل من أهل الشرك عن أبي عبيدة عنوة والحرب قائمة.
وحكمها أن تخمس وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة والفيء ما نيل منهم بعد ما تضع الحرب أوزارها وتصير الدار دار سلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس ا هـ.
قوله: "ما فتح الإمام عنوة قسم بيننا أو أقر أهلها ووضع الجزية والخراج" أي الجزية على رءوسهم والخراج على أراضيهم والعنوة القهر كما في القاموس وبه اندفع ما في شروح الهداية فالقسمة اتباع لفعله عليه السلام بخيبر1 وعدمها اتباع لفعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة من الصحابة2 ولم يجد من خالفه وفي كل من ذلك قدوة فيتخير وقيل الأول وهو الأولى عند حاجة الغانمين والثاني عند عدم الحاجة ليكون عدة في الزمان الثاني ولا يخفى أن القسمة بعد إخراج الخمس قيد بالأراضي لأن في المنقول المجرد لا يجوز المن بالرد عليهم لأنه لم يرد به الشرع فيه وفي العقار خلاف الشافعي لأن في المن إبطال حق الغانمين أو ملكهم فلا يجوز من غير بدل يعادله والخراج غير معادل لقلته بخلاف الرقاب لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا إما بالعوض القليل وإما بالقتل. والحجة عليه ما روينا ولأن فيه نظرا لهم لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة, والمؤن مرتفعة مع أنه يخطئ به الذين يأتون من بعد, والخراج وإن قل حالا فقد جل مآلا وهو المن عليهم برقابهم وأراضيهم فقط وقسمة الباقي لدوامه وإن من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات قدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة.
قوله: "وقتل الأسرى أو استرق أو تركهم أحرار ذمة لنا" يعني أن الإمام بالخيار إن شاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الخراج والفيء والإمارة باب ما جاء في حكم أرض خيبر "3010" من حديث سهل بن أبي حثمة.
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/400"..3

 

ج / 5 ص -136-       وحرم ردهم إلى دار الحرب والفداء والمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قتلهم لأنه عليه السلام قد قتل ولأن فيه حسم مادة الفساد وإن شاء استرقهم لأن فيه دفع شرهم مع وفور المنفعة لأهل الإسلام وإن شاء تركهم أحرارا ذمة للمسلمين لما بينا إلا مشركي العرب والمرتدين فإنهم لا يسترقون ولا يكونون ذمة على ما نبين إن شاء الله تعالى وليس له فيمن أسلم منهم إلا الاسترقاق لأن قتله أو وضع الجزية عليه بعد إسلامه لا يجوز. قيد بكون الخيار للإمام لأنه ليس لواحد من الغزاة أن يقتل أسيرا بنفسه لأن الرأي فيه إلى الإمام فقد يرى مصلحة المسلمين في استرقاقه فليس له أن يفتات عليه. وعلى هذا فلو قتل بلا ملجئ بأن خاف القاتل شر الأسير كان له أن يعزره إذا وقع على خلاف مقصوده ولكن لا يضمن بقتله شيئا كذا في فتح القدير وفي القاموس الأسير الأخيذ والمقيد والمسجون, والجمع أسراء وأسارى وأسارى وأسرى.
قوله: "وحرم ردهم إلى دار الحرب والفداء والمن" لأن في ردهم تقويتهم على المسلمين وفي الفداء بهم معونة الكفرة لأنه يعود حربا علينا, ودفع شر حرابه خير من استخلاص الأسير المسلم لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه غير مضاف إلينا, والإعانة بدفع أسيرهم إليهم مضاف إلينا فلا يجوز عند الإمام أبي حنيفة وجوزا أن يفادي أسرى المسلمين تخليصا للمسلم وجوابه ما مر.
أطلق في منع الفداء فشمل الشيخ الكبير الذي لا يرجى له نسل وعن محمد جوازه كما في الولوالجية وشمل إطلاق الحربي وأخذ المسلم الأسير عوضا عنه واستنقاذه منا بمال نأخذه منه قال في المغرب فداه من الأسر فداء وفدى: استنقذه منه بمال. والفدية اسم ذلك المال. والمفاداة بين اثنين يقال فاداه إذا أطلقه وأخذ فديته وعن المبرد المفاداة أن تدفع رجلا وتأخذ رجلا والفداء أن تشتريه وقيل هما بمعنى ا هـ.
وفي الثاني خلاف ففي المشهور من المذهب لا يجوز وفي السير الكبير لا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالا بأسرى بدر ولو كان أسلم الأسير في أيدينا لا يفادى بمسلم أسر في أيديهم لأنه لا يفيد إلا إذا طابت نفسه به وهو مأمون على إسلامه.
وأما المن فقال في القاموس من عليه منا أنعم واصطنع عنده صنيعة ا هـ. واختلفت

 

ج / 5 ص -137-       وعقر مواش شق إخراجها فتذبح وتحرق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبارات في المراد به هنا ففي فتح القدير هو أن يطلقهم إلى دار الحرب بغير شيء وفي غاية البيان والنهاية هو الإنعام عليهم بأن يتركهم مجانا بدون إجراء الأحكام عليهم من القتل والاسترقاق أو تركهم ذمة للمسلمين ا هـ. ولا يصح الأول في كلام المختصر لأنه هو عين قوله وحرم ردهم إلى دار الحرب وإنما حرم لأن بالأسر ثبت حق الغانمين فلا يجوز إبطال ذلك بغير عوض كسائر الأموال المغنومة.
وقيد بفداء الكفار لأنه يجوز فداء أسرى المسلمين به الذين في دار الحرب بالدراهم والدنانير وما ليس فيه قوة للحرب كالثياب وغيرها ولا يفادون بالسلاح كذا في غاية البيان وظاهر الولوالجية أنه يجوز مفاداة أسرى المسلمين بالسلاح والكراع اتفاقا.
قوله: "وعقر مواش شق إخراجها فتذبح وتحرق" أي وحرم عقر المواشي لأنه مثلة فيذبحها لأن ذبح الحيوان يجوز لغرض صحيح ولا غرض أصح من كسر شوكة الأعداء ثم تحرق بالنار لتنقطع منفعته عن الكفار وصار كتخريب البنيان بخلاف التحريق قبل الذبح لأنه منهي عنه1.
قال في المحيط وأشار إلى أنه يحرق الأسلحة والأمتعة إذا تعذر نقلها وما لا يحترق منها يدفن في موضع لا يقف عليه الكفار إبطالا للمنفعة عليهم قال في المغرب عقره عقرا جرحه وعقر الناقة بالسيف ضرب قوائمها, والمواشي جمع ماشية وهي الإبل والبقر والغنم وقيد بالمواشي احترازا عن النساء والصبيان التي يشق إخراجها فإنها تترك في أرض خربة حتى يموتوا جوعا كي لا يعودوا حربا علينا لأن النساء يقع بهن النسل وأما الصبيان فإنهم يبلغون فيصيرون حربا علينا كذا في فتاوى الولوالجي وتعقبه في فتح القدير بأنه أقوى من القتل المنهي عنه في قتل النساء والصبيان اللهم إلا أن يضطروا إلى ذلك بسبب عدم الحمل فيتركوا ضرورة وهو عجيب منه لأن الولوالجي صرح بأنه يفعل بالنساء والصبيان ذلك عند عدم إمكان الإخراج لا مطلقا فلا إشكال أصلا والمسألة مذكورة في المحيط أيضا وذكر بعده ولهذا قال علماؤنا إذا وجد المسلمون حية
أو عقربا في دار الحرب في رحالهم ينزعون ذنب العقرب وأنياب الحية قطعا للضرر عن أنفسهم ولا يقتلونها لأن فيه منفعة الكفار وقد أمرنا بضده ا هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النهي أحاديث: منها ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي اله عنه أنه قال: "بعثنا رسول الله في بعث فقال "إن لقيتم فالانا وفلانا من قريش – لرجلين من قريش سماهما – فحرقوهمت بالنار, قال: ثم أتيناه نودعه حين أردنا الخروج فقال:
"إني كنت أمرتكم أن تحرقوافلانا وفلانا بالنار, وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما" كتاب الجهاد باب التوديع "2954".

 

ج / 5 ص -138-       وقسمة غنيمة في دارهم لا للإيداع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي التتارخانية نساء من أهل الإسلام متن في دار الحرب فيطأ أهل الحرب النساء الأموات قال يسعنا أن نحرقهن بالنار ا هـ.
قوله: "وقسمة غنيمة في دارهم لا للإيداع" أي حرم قسمة الغنائم في دار الحرب لغير إيداع لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم في دار الحرب, والقسمة بيع معنى فتدخل تحته ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والناقلة, والثاني منعدم لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرا, والأصل عندنا أنه لا ملك قبل الإحراز بدار الإسلام فتحرم القسمة والبيع قبله ويشارك المدد العسكر قبله ولو من أهل الحرب إذا أسلموا بدارهم قبل الاستيلاء عليهم ولا يثبت نسب ولد أمة من السبي ادعاه بعض الغانمين قبله ويجب عقرها وتقسم الأمة والولد والعقر بين الغانمين ولا يورث نصيب من مات قبله ولا ضمان على من أتلف شيئا من الغنيمة قبله كذا ذكره الشارح وغيره وظاهره أن جميع تلك الأحكام إنما هي قبله أما بعده فالأحكام مختلفة, وليس كذلك فإنه لا ملك بعد الإحراز بدار الإسلام أيضا إلا بالقسم بدار الإسلام فلا يثبت بالإحراز ملك لأحد بل يتأكد الحق ولهذا لو أعتق واحد من الغانمين عبدا بعد الإحراز لا يعتق ولو كان هناك ملك مشترك عتق بعتق الشريك ويجري فيه ما عرف في عتق الشريك فحكم استيلاد الجارية بعد الإحراز قبل القسمة وقبله سواء نعم لو قسمت تلك الغنيمة على الرايات أو العرافة فوقعت جارية بين أهل راية صح استيلاد أحدهم لها فإنه يصح عتقه لها لأنها مشتركة بينه وبين أهل تلك الراية والعرافة شركة ملك لكن هذا إذا قلوا حتى تكون الشركة خاصة أما إذا كثروا فلا لأن بالشركة العامة لا تثبت ولاية الإعتاق والقليل مائة أو أقل وقيل أربعون. قال في المبسوط والأولى أن لا يوقت ويجعل موكولا إلى اجتهاد الإمام كذا في فتح القدير وفي التتارخانية قال المتأخرون وأحسن ما قيل فيه أن الجند إذا كان بحيث تقع بهم الشركة في الأغلب كانت الشركة فيما بينهم عامة وإن كانت بحيث لا تقع بهم الشركة في الغالب تكون شركة خاصة ا هـ. وفيها وفي المنتقى قال أبو يوسف إذا أعتق الإمام عبدا من الخمس جاز عتقه وولاؤه لجماعة المسلمين وليس له أن يوالي أحدا ا هـ.
وفي المحيط ولو وطئ جارية لا يحد ويؤخذ منه العقر إن وطئها في دار الإسلام دون دار الحرب لأنه أتلف منافع بضعها ا هـ. وهذا هو الظاهر لأن الوطء في دار الحرب لا يجب فيه شيء وقد نقله في التتارخانية بصيغة قال محمد فكان هو المذهب قال وكذا إذا قتل واحدا من السبي أو استهلك شيئا من الغنيمة في دار الحرب فلا ضمان عليه لا فرق بين أن يكون المستهلك من الغانمين أو غيرهم وعبر بالحرمة دون الصحة. لأنه إذا قسم في دار الحرب

 

ج / 5 ص -139-       وبيعها قبلها, وشرك الردء والمدد فيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجتهدا أو قسم لحاجة الغانمين فصحيحة وإن قسم بلا اجتهاد أو اجتهد فوقع على عدم صحتها فغير صحيحة.
وقيد بغير الإيداع لأنها للإيداع جائزة وصورتها أن لا يكون للإمام من بيت المال حمولة يحمل عليها الغنائم فيقسمها بين الغانمين قسمة إيداع ليحملها إلى دار الإسلام ثم يرتجعها منهم فيها فإن أبوا أن يحملوها أجبرهم على ذلك بأجر المثل في رواية السير الكبير لأنه دفع ضرر عام بتحميل ضرر خاص كما لو استأجر دابة شهرا فمضت المدة في المفازة أو استأجر سفينة فمضت المدة في وسط البحر فإنه ينعقد عليها إجارة أخرى بأجر المثل ولا يجبرهم في رواية السير الصغير لأنه لا يجبر على عقد الإجارة ابتداء كما إذا نفقت دابته في المفازة ومع رفيقه دابة لا يجبر على الإجارة بخلاف ما استشهد به فإنه بناء وليس بابتداء وهو أسهل منه ولو كان في بيت المال أو في الغنيمة حمولة حمل عليها لأن الكل مالهم.
وفي الخانية ولو أن الإمام أودع الغنيمة إلى بعض الجند قبل القسمة ولا يبين ما فعل حتى مات لا يضمن شيئا وفي السير الكبير وإذا أراد أمير العسكر أن يرسل رسولا من دار الحرب إلى دار الإسلام بشيء من أموال المسلمين ولم يقدر الرسول أن يخرج إلا فارسا ولبعض العسكر فضل فرس فلا بأس بأخذ فرسه على كره منه ا هـ.
قوله: "وبيعها قبلها" أي حرم بيع الغنائم قبل القسمة أطلقه فشمل ما قبل الإحراز وما بعده أما قبله لم يملكه وأما بعده فنصيبه مجهول فلا يمكنه أن يبيع وقد ورد النهي عن البيع قبل القسمة كما قدمناه.
قوله: "وشرك الردء والمدد فيها" أي في الغنيمة لاستوائهم في السبب وهو المجاوزة أو شهود الوقعة وإذا لحقهم المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركوهم فيها على ما قدمناه من الأصل وإنما ينقطع حق المشاركة عندنا بالإحراز أو بقسمة الإمام في دار الحرب أو ببيعه المغانم فيها لأن بكل منها يتم الملك فتنقطع شركة المدد والردء بكسر الراء وسكون الدال المهملة بعدها همزة بمعنى العون والمدد الجماعة الناصرون للجند.
وأفاد المصنف أن المقاتل وغيره سواء حتى يستحق الجندي الذي لم يقاتل لمرض أو غيره وأنه لا يتميز واحد على آخر بشيء حتى أمير العسكر, وهذا بلا خلاف لاستواء الكل في سبب الاستحقاق كذا في فتح القدير وفي المحيط المتطوع في الغزو وصاحب الديوان في الغنيمة سواء ا هـ.

 

ج / 5 ص -140-       لا لسوقي بلا قتال ولا من مات فيها وبعد الإحراز بدارنا يورث نصيبه, وينتفع فيها بعلف وطعام وحطب وسلاح ودهن بلا قسمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي التتارخانية إذا قسم الإمام الغنيمة ثم جاء رجل وادعى أنه شهد الوقعة وأقام عدلين فالقياس أن ينقض القسمة وفي الاستحسان لا ينقض ويعوض من بيت المال قيمة نصيبه ا هـ.
قوله: "لا لسوقي بلا قتال" أي لا شركة للسوقي في الغنيمة إذا لم يقاتل لا سهما ولا رضخا لأنه لم توجد المجاوزة على قصد القتال فانعدم السبب الظاهر فيعتبر السبب الحقيقي وهو القتال فيقيد الاستحقاق على حسب حاله فارسا أو راجلا عند القتال وأشار المصنف إلى أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب أو المرتد إذا أسلم ولحق بالجيش لا يستحق شيئا إن لم يقاتل صرح به في المحيط. وذكر الشارح أن السوقي إذا قاتل ظهر أن قصده القتال والتجارة تبع له فلا يضره كالحاج إذا اتجر في طريق الحج ولا ينقص أجره ا هـ.
قوله: "ولا من مات فيها وبعد الإحراز بدارنا يورث نصيبه" لأن الإرث يجري في الملك ولا ملك قبل الإحراز وإنما الملك بعده كما قدمناه صرحوا في كتاب الوقف أن معلوم المستحق لا يورث بعد موته على أحد القولين وفي قول يورث ولم أر ترجيحا وينبغي أن يفصل فإن كان مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيب المستحق لتأكد الحق فيه فإن الغنيمة بعد الإحراز بدارنا يتأكد الحق فيها للغانمين ولا ملك لواحد بعينه في شيء قبل القسمة مع أن النصيب يورث فكذا في الوظيفة وإن مات قبل الإحراز في يد المتولي لا يورث نصيبه قياسا على مسألة الغنيمة وسيأتي أن من مات من أهل الديوان قبل خروج العطاء لا يورث نصيبه سواء مات في نصف السنة أو آخرها ثم اعلم أن من مات في دار الحرب إنما لا يورث نصيبه إذا مات قبل القسمة أو قبل البيع أما إن مات بعد القسمة أو البيع في دار الحرب فإنه يورث نصيبه كما صرح به في التتارخانية.
قوله: "وينتفع فيها بعلف وطعام وحطب وسلاح ودهن بلا قسمة" لما رواه البخاري عن ابن عمر أنه قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكل ولا نرفعه1 أطلقه ولم يقيده بالحاجة وقد شرطها في رواية ولم يشترطها في الأخرى وهو الاستحسان فيجوز للغني والفقير. وجه الأولى أنه مشترك فلا يباح الانتفاع به إلا لحاجة كما في الثياب والدواب. ووجه الأخرى قوله عليه السلام في طعام خيبر
"كلوها واعلفوها ولا تحملوها"2 ولأن الحكم يدار على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره ابن عبد البر في التمهيد "2/20".
2 أخرجه البيهقي في سننه كتاب السير باب ما فضل في يده من الطعام والعلف في دار الحرب "9/61" من.............==

 

ج / 5 ص -141-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دليل الحاجة وهو كونه في دار الحرب وظاهر كلامهم أن السلاح لا يجوز له إلا بشرط الحاجة اتفاقا وقد صرح به في الظهيرية مع أن المصنف سوى بين الكل.
وأطلق الطعام فشمل المهيأ للأكل وغيره حتى يجوز لهم ذبح المواشي ويردون جلودها في الغنيمة وقيد جواز الانتفاع بما ذكر في الظهيرية بما إذا لم ينههم الإمام عن الانتفاع بالمأكول والمشروب أما إذا نهاهم عنه فلا يباح لهم الانتفاع به ا هـ. وينبغي أن يقيد بما إذا لم تكن حاجتهم إليه أما إذا احتاجوا إلى المأكول والمشروب لا يعمل نهيه.
وقيد بالمذكورات لأن ما لا يؤكل عادة لا يجوز لهم تناوله مثل الأدوية والطيب ودهن البنفسج وما أشبه ذلك للحديث
"ردوا الخيط والمخيط"1 كذا في الشرح ولا شك أنه لو تحقق بأحدهم مرض يحوجه إلى استعمالها كان له ذلك كلبس الثوب فالمعتبر حقيقة الحاجة ذكره في فتح القدير بحثا وقد صرح به في المحيط.
والضمير في قوله ينتفع عائد إلى الغانمين فخرج التاجر والداخل لخدمة الجندي بأجر لا يحل لهم إلا أن يكون خبزا لحنطة أو طبخ اللحم فلا بأس به حينئذ لأنه ملكه بالاستهلاك ولو فعلوا لا ضمان عليهم ويأخذ الجندي ما يكفيه ومن معه من عبيده ونسائه وصبيانه الذي دخلوا معه قالوا ولو احتاج الكل إلى الثياب والسلاح قسمها حينئذ ولم يذكر محمد قسمة السلاح ولا فرق كما ذكر المصنف لأن الحاجة في الثياب والسلاح واحد بخلاف السبي لا يقسم إذا احتيج إليه لأنه من فضول الحوائج لا أصولها.
وفي المحيط وجد مسلم جارية مأسورة له في دار الحرب في أيديهم وقد دخل بأمان كرهت له غصبها ووطأها إلا إذا كانت مدبرة أو أم ولد له فلا يكره لأن المدبرة وأم الولد لا يملكونها بخلاف القنة لأنه بعقد الأمان ضمن أن لا يسرق ولا يغصب شيئا من أموالهم فإذا فعل ذلك كان نقضا فإن وطئ مدبرته أو أم ولده أهل الحرب لا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها لأنهم باشروا الوطء على تأويل الملك فتجب العدة ويثبت النسب, والمأسور فيهم لا يكره له أن يسرق أمته وسائر أمواله ولا يقتلهم لأنه لا عهد بينه وبينهم وأموالهم وأنفسهم مباحة في حقنا ا هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 == حديث عبد اله بن عمرو وأيضا في المعرفة في السير باب السرية يأخذ العلف والطعام برقم "17877" "13/189" بلفظ "كلوا واعلفوا ولا تحملوا".
1 أخرجه النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في الهبة, باب هبة المشاع "6/264" بلفظ "أدوا الخياط والمخيط" ومالك في الموطأ في الجهاد باب ما جاء في الغلول "2/458" وابن ماجة في الجهاد باب الغلول "2850" من حديث عبادة بن الصامت بلفظ "أدوا الخيط والمخيط".

 

ج / 5 ص -142-       ولا نبيعها, وبعد الخروج منها لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولا نبيعها" لأنه لا ملك لهم ولا ضرورة إلى ذلك وأفاد أنهم لا يتمولونها كالمباح له الطعام أطلقه فشمل البيع بالدراهم والدنانير والعروض فإن باعه أحدهم قبل القسمة رد الثمن إلى الغنيمة لأنه بدل عين كان للجماعة وإن كان بعدها يتصدق به على الفقراء إن كان غنيا ويأكل إن كان فقيرا كذا في المحيط.
وفي التتارخانية إذا دخل العسكر دار الحرب فصاد رجل منهم شيئا من الصيد بازيا أو صقرا أو ظبيا أو صاد سمكة كبيرة من البحر أو أصاب عسلا في جبال لا يملكه أهل الحرب أو أصاب جواهر من ياقوت وفيروزج وزمرد من معدن لا يملكه أهل الحرب أو أصاب معدن ذهب أو فضة أو رصاص أو حديد مما لا يملكه أهل الحرب سوى الحشيش والماء فإن جميع ذلك يكون مشتركا بينه وبين أهل العسكر فلا يختص به الآخذ فإن كان الآخذ باعه من التجار يقف على إجازة الأمير ثم الإمام ينظر في ذلك فإن كان المبيع قائما والثمن أنفع للعسكر من المبيع أجاز البيع وأخذ الثمن ورده في الغنيمة وقسمه بين الغانمين وإن كان المبيع أنفع لهم من الثمن فسخ البيع واسترد المبيع وجعله في الغنيمة وإن لم يكن المبيع قائما يجيز بيعه ويأخذ ثمنه ويرده في الغنيمة وهذا كله استحسان والقياس أن لا تعمل الإجازة بعد الهلاك.
ولو أن رجلا من الجند حش الحشيش في دار الحرب أو استسقى الماء ويبيعه من العسكر أو التجار كان بيعه جائزا وكان الثمن طيبا له ولو أخذ جندي خشبا فعمل منه قصاعا ثم أخرجها إلى دار الإسلام فإن الإمام يأخذ ذلك منه ثم يعطيه قيمة ما زاد من الصنعة فيه إن شاء وإن شاء باعه وقسم الثمن على قيمة هذا الخشب غير معمول وعلى قيمته معمولا فما أصاب غير المعمول كان في الغنيمة وما أصاب المعمول من ذلك يكون للعامل ولا يصير المصنوع ملكا للعامل بهذه الصنعة, وإن كانت الصنعة على هذا الوجه في ملك خاص لغيره يجعل المصنوع ملكا للصانع فينقطع حق صاحب الخشب, فأما إذا كان لا يضمن بالغصب فالصنعة لا توجب انقطاع حق المالك ألا ترى أن من غصب من آخر جلد ميتة وخاطها فروا ثم دبغها فإنه لا ينقطع حق صاحب الجلد عن الجلد بهذه الصنعة ولو أخرجت الغنيمة إلى دار الإسلام فأخذ آخر منها خشبا وجعله قصاعا أو غيرها فإنه يضمن قيمة الخشب وكان المصنوع للذي عمل لا سبيل للإمام عليه ا هـ.
قوله: "وبعد الخروج منها لا" أي لا ينتفعون بشيء مما ذكر لزوال المبيح ولأن حقهم قد

 

ج / 5 ص -143-       وما فضل رد إلى الغنيمة, ومن أسلم منهم أحرز نفسه وطفله وكل مال معه أو وديعة عند مسلم أو ذمي دون ولده الكبير وزوجته وحملها وعقاره وعبده المقاتل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأكد حتى يورث نصيبه فلا يجوز الانتفاع به بدون رضاهم.
قوله: "وما فضل رد إلى الغنيمة" لزوال حاجته, والإباحة باعتبارها أطلقه وقيده في المحيط بأن يكون غنيا وإن كان فقيرا يأكل بالضمان لأنه ليس له أخذ الطعام بعد الإحراز فكذلك الإمساك لأن الحاجة قد ارتفعت وهذا إذا كان قبل القسمة وأما إذا كان بعدها باعها وتصدق بثمنها لأنه لا يمكنه القسمة لقلته فتعذر إيصاله إلى المستحق فيتصدق به كاللقطة ا هـ.
قوله: "ومن أسلم منهم أحرز نفسه وطفله وكل مال معه أو وديعة عند مسلم أو ذمي دون ولده الكبير وزوجته وحملها وعقاره وعبده المقاتل" أي ومن أسلم من أهل الحرب في دار الحرب قبل أخذه ولم يخرج إلينا حتى ظهرنا على الدار إلى آخره وإنما يحرز نفسه لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق وأولاده الصغار لأنهم مسلمون بإسلامه تبعا وكل مال هو في يده لقوله عليه السلام
"من أسلم على مال فهو له"1 ولأنه سبقت يده الحقيقة إليه يد الظاهرين عليه والوديعة لما كانت في يد صحيحة محترمة صارت كيده وخرج عنه عقاره لأنه في يد أهل الدار وسلطانها إذ هو من جملة دار الحرب فلم يكن في يده حقيقة فكان فيئا وقيل إن محمدا جعله كسائر أمواله وكذا عبده المقاتل لأنه لما تمرد على مولاه خرج من يده وصار تبعا لأهل داره وكذا أمته المقاتلة ولو كانت حبلى فهي والجنين فيء, كذا في المحيط.
وأما ولده الكبير فهو فيء لأنه كافر حربي ولا تبعية وكذا زوجته وحملها جزء فيرق برقها والمسلم محل للتمليك تبعا لغيره بخلاف المنفصل لأنه حر لانعدام الجزئية عند ذلك قيد الوديعة لأن ما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند الإمام خلافا لهما لأن المال تابع للنفس وقد صارت معصومة بإسلامه فيتبعها ماله فيها وله أنه مال مباح فيملك بالاستيلاء والنفس لم تصر معصومة بالإسلام ألا ترى أنها ليست بمتقومة إلا أنه محرم التعرض في الأصل لكونه مكلفا, وإباحة التعرض بعارض شره وقد اندفع بالإسلام بخلاف المال لأنه خلق عرضة للامتهان فكان محلا للتملك وليس في يده حكما فلم تثبت العصمة وقيد بالمسلم والذمي لأنها لو كانت وديعة عند حربي فهي فيء لأن يده ليست بمحترمة وقيدنا كون إسلامه قبل أخذه لأنه لو كان بعده فهو عبد لأنه أسلم بعد انعقاد سبب الملك فيه وكذا لو أسلم بعدما أخذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/410" وأخرجه أبو يعلى في مسنده بلفظ "من أسلم على شيء فهو له" من حديث أبي هريرة "5847". والبيهقي في سننه السير, باب من أسلم على شيء فهو له "9/113". والهيثمي في مجمع الزوائد "5/335".

 

ج / 5 ص -144-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاده الصغار وماله ولم يؤخذ هو حتى لو أسلم أحرز بإسلامه نفسه فقط وقيدنا بكونه خرج إلينا بعد الظهور لأنه لو أسلم في دار الحرب ثم خرج إلينا ثم ظهر على الدار فجميع ماله هناك فيء إلا أولاده الصغار لإسلامهم تبعا له وماله لم يكن في يده للتباين وما أودع مسلما أو ذميا ليس فيئا لأن يدهما يد صحيحة عليه بخلاف وديعته عند الحربي فإنها فيء في ظاهر الرواية.
وقيدنا بكونه في دار الحرب لأن المستأمن إذا أسلم في دار الإسلام ثم ظهرنا على داره فجميع ما خلفه فيها من الأولاد الصغار والمال فيء لأن التباين قاطع للعصمة وللتبعية وقيد بالحربي إذا أسلم لأن المسلم أو الذمي إذا دخل دار الحرب بأمان واشترى منهم أموالا وأولادا ثم ظهرنا على الدار فالكل له إلا الدور والأرضين فإنها فيء لأن يده صحيحة وما كان له وديعة عند حربي فهو له في رواية أبي سليمان وهي الأصح.
وأشار المصنف بكون العقار فيئا إلى أن الزرع المتصل بالأرض قبل حصاده فيء تبعا للأرض كذا في فتح القدير.
قيدنا بالظهور على الدار لأنهم إذا أغاروا عليها ولم يظهروا فكذلك عند محمد وعند أبي حنيفة يصير ماله فيئا وإنما يحرز نفسه وولده الصغير وفي المحيط حربي دخل دارنا بغير أمان فهو فيء لجماعة المسلمين أخذ قبل الإسلام أو بعده عند أبي حنيفة والله أعلم.

فصل في كيفية القسمة,
للراجل سهم وللفارس سهمان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فصل في كيفية القسمة"
أفردها بفصل على حدة لكثرة شعبها والقسمة جمع نصيب شائع في معين قال الشارح يجب على الإمام أن يقسم الغنيمة ويخرج خمسها لقوله تعالى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ويقسم الأربعة الأخماس على الغانمين للنصوص الواردة فيه وعليه إجماع المسلمين ا هـ. وفي التتارخانية ينبغي للإمام إذا أراد الدخول بدار الحرب أن يعرض العسكر ليعرف عددهم راجلهم وفارسهم ويكتب أسماءهم فمن كتب اسمه فارسا ثم مات فرسه بعدما جاوز الدرب استحق سهم الفارس ولو باعها لا يستحق إلا أن يستبدل فرسا آخر.
قوله: "للراجل سهم وللفارس سهمان" يعني عند أبي حنيفة وقالا للفارس ثلاثة أسهم

 

ج / 5 ص -145-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما
"أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما"1 ولأن الاستحقاق بالكفاية وهي على ثلاثة أمثال الراجل لأنه للكر والفر والثبات والراجل للثبات لا غير.
ولأبي حنيفة ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى للفارس سهمين وللراجل سهما فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله وقد قال عليه السلام
"للفارس سهمان وللراجل سهم" كيف وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم للفارس سهمين2 وإذا تعارضت روايتاه ترجحت رواية غيره ولأن الكر والفر من جنس واحد فيكون غناؤه مثل غناء الراجل فيفضل عليه بسهم ولأنه تعذر اعتبار مقدار الزيادة لتعذر معرفته فيدار الحكم على سبب ظاهر وللفارس سببان النفس والفرس وللراجل سبب واحد فكان استحقاقه على ضعفه, كذا في الهداية وتعقبه في العناية بأن طريقة استدلاله مخالفة لقواعد الأصول فإن الأصل أن الدليلين إذا تعارضا وتعذر التوفيق والترجيح يصار إلى ما بعده لا إلى ما قبله وهو قال فتعارض فعلاه فيرجع إلى قوله والمسلك المعهود في مثله أن يستدل بقوله ويقول فعله لا يعارض قوله لأن القول أولى بالاتفاق ا هـ. وقد تقدم نظيره في باب سجود السهو.
وفي المحيط والفارس في السفينة في البحر يستحق سهمين وإن لم يمكنه القتال على الفرس في السفينة لأنه إن لم يباشر القتال على الفرس فقد تأهب للقتال على الفرس والمتأهب للشيء كالمباشر ا هـ.
أطلق في الفارس وهو من معه فرس فشمل الفرس المملوك والمستأجر والمستعار والمغصوب إذا لم يسترده فإن استرده صاحبه قبل المقاتلة فسيأتي.
وفي التتارخانية وهل يتصدق الغاصب بالسهم الذي كان لفرسه حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه قال على قياس قول أبي حنيفة ومحمد يتصدق وعلى قياس قول أبي يوسف لا يتصدق وسئل الخجندي عمن استأجر أجيرا للخدمة في سفره ولحرس ماله فذهب على الشرط إلى دار الحرب ثم غزا هذا الأجير بفرس المستأجر وسلاحه مع الكفار وأخذ منهم غنائم كثيرة لمن تكون قال إن شرط هذا المستأجر أن ما أصاب الأجير يكون للمستأجر يكون له وإن استأجره للخدمة فحسب فالمصاب يكون بينهما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراسة "3/413" وقال أخرجه الجماعة.
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/417".

 

ج / 5 ص -146-       ولو له فرسان, والبراذين كالعتاق, لا الراحلة والبغل. والعبرة للفارس والراجل عند المجاوزة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولو له فرسان" يعني لو كان له فرسان لا يستحق إلا سهمين فلا يسهم إلا لفرس واحدة وقال أبو يوسف يسهم لفرسين لما روي أنه عليه السلام أسهم لفرسين1 ولأن الواحدة قد يعي فيحتاج إلى الآخر ولهما أن البراء بن أوس قاد فرسين فلم يسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لفرس2 ولأن القتال لا يتحقق بفرسين دفعة واحدة فلا يكون السبب الظاهر مفضيا إلى القتال عليهما فيسهم لواحد ولهذا لا يسهم لثلاثة أفراس وما رواه محمول على التنفيل كما أعطى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه سهمين وهو راجل3 وفي النهاية وهذه المسألة نظير ما بينا في النكاح أن المرأة لا تستحق النفقة إلا لخادم واحد عن أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف تستحق النفقة لخادمين.
قوله: "والبراذين كالعتاق" لأن الإرهاب مضاف إلى جنس الخيل في الكتاب قال الله تعالى
{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] واسم الخيل ينطلق على البراذين والعراب والهجين والمقرف إطلاقا واحدا ولأن العربي إن كان في الطلب والهرب أقوى فالبرذون أصبر وألين عطفا ففي كل منهما منفعة معتبرة فاستويا والبرذون التركي من الخيل والجمع البراذين وخلافها العراب, والأنثى برذونة وعتاق الخيل والطير كرائمها كذا في المغرب وفي شرح النقاية العتاق بكسر العين كرام الخيل العربية والبراذين خيل العجم والهجين الذي أبوه عربي وأمه عجمية والمقرف عكسه.
قوله: "لا الراحلة والبغل" أي لا يكونان كالعتاق فلا يسهم لهما لأن الإرهاب لا يقع بهما إذ لا يقاتل عليهما.
قوله: "والعبرة للفارس والراجل عند المجاوزة" لأن المجاوزة نفسها قتال لأنهم يلحقون الخوف بها والحالة بعدها حالة الدوام ولا معتبر بها ولأن الوقوف على حقيقة القتال متعسر وكذا على شهود الوقعة لأنه حالة التقاء الصفين فتقام المجاوزة مقامه إذ هو السبب المفضي إليه ظاهرا إذا كان على قصد القتال فيعتبر حال الشخص حالة المجاوزة فارسا أو راجلا فلو دخل دار الحرب فارسا فنفق فرسه استحق سهم الفرسان ولو كان بقتل رجل وأخذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدار قطني في سننه من حديث عمرو بن محصن كتاب السير "4/104" والزيلعي في نصب الراية "3/418".
2 ذكره الزيلعي في نسب الراية "3/419" وقال غريب بل جاء عنه عكسه.
3 أخرجه مسلم في الجهاد باب غزوة ذي قرد وغيرها برقم "1807" وابن جبان في صحيحه "7175".

 

ج / 5 ص -147-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القيمة منه فإذا بقي فرسه وقاتل راجلا لضيق المكان يستحقه بالطريق الأولى وإن دخلها راجلا فاشترى فرسا استحق سهم راجل, وهذا إذا هلك فرسه فإن دخلها فارسا ثم باعه أو رهنه أو أجره أو وهبه فإنه لا يستحق سهم الفارس في ظاهر الرواية لأن الإقدام على هذه التصرفات يدل على أنه لم يكن من قصده بالمجاوزة القتال فارسا وكذا إذا باعه حال القتال على الأصح لدلالته على غرض التجارة إلا إذا باعه مكرها كما في التتارخانية بخلاف ما إذا باعه بعد انقضاء الحرب فإنه يستحق سهم الفارس.
وفي الخلاصة ولو أعاره ففيه روايتان وأما إذا دخل على فرس مغصوب أو مستعار أو مستأجر ثم استرده المالك فقاتل راجلا ففيه روايتان ولم أر ترجيحا وينبغي ترجيح استحقاق سهم الفارس لحصول الإرهاب ولا صنع له في الاسترداد فصار كالهلاك بخلاف البيع وقد كتبته قبل مراجعة ما في فتح القدير ثم رأيته قال بعد ذكر الروايتين ومقتضى كونه جاوز بفرس لقصد القتال عليه ترجيح الاستحقاق إلا أن يزاد في أجزاء السبب بفرس مملوك وهو ممنوع فإنه لو لم يسترد المعير وغيره حتى قاتل عليه كان فارسا ا هـ. قالوا ويشترط أن يكون الفرس صالحا للقتال بأن يكون صحيحا كبيرا حتى لو دخل بمهر أو مريض لا يستحق سهم الفرسان لأنه لا يقصد به القتال.
وفي التتارخانية لو زال المرض وصار بحال يقاتل عليه قبل الغنيمة فالقياس أن لا يسهم له وفي الاستحسان يسهم له بخلاف ما إذا طال المكث في دار الحرب حتى بلغ المهر وصار صالحا للركوب فقاتل عليه لا يستحق سهم الفرسان ا هـ. وكان الفرق هو أن الإرهاب حاصل بالكبير المريض في الجملة بخلافه في المهر وفيها لو غصب فرسه منه قبل الدخول فدخل راجلا ثم استرده فيها سهم الفارس, وكذا لو ركب رجل عليه ودخل دار الحرب وكذا لو نفر الفرس فاتبعه ودخل راجلا وكذا إذا ضل منه فدخل راجلا ثم وجده فيها فإن صاحبه لا يحرم سهم الفرس ولو وهبها ودخل راجلا ودخل الموهوب له فارسا ثم رجع فيها استحق الموهوب له في الغنيمة سهم الفارس فيما أصابه قبل الرجوع وسهم الراجل فيما أصيب بعده والراجع راجل مطلقا كالبائع فاسدا في دار الإسلام إذا استرده في دار الحرب للفساد وكالمستحق للفرس في دار الحرب وكالراهن إذا افتكها فيها ولو باعها ثم وهب له أخرى وسلمت كان فارسا ولو استردها المؤجر أو المعير فملك غيرها بشراء أو هبة فالثانية تقوم مقام الأولى ولو كان الأول بإجارة والثاني كذلك أو بعارية والثاني كذلك فالثاني يقوم مقام الأول ولو كان الأول بإجارة والثاني عارية فإنه لا يقوم مقامه. ولو اشتراها في دار الإسلام وتقابضا في دار الحرب فهما راجلان, ولو نقده قبل الدخول وقبضها بعده فالمشتري فارس والفرس المشترك بين رجلين يقاتل هذا

 

ج / 5 ص -148-       وللمملوك والمرأة والصبي والذمي الرضخ لا السهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرة وهذا أخرى لا سهم له إلا إذا أجر أحدهما نصيبه من شريكه قبل الدخول فالسهم للمستأجر ا هـ.
قوله: "وللمملوك والمرأة والصبي والذمي الرضخ لا السهم" لأنه عليه السلام كان لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد وكان يرضخ لهم1 ولما استعان النبي صلى الله عليه وسلم باليهود على اليهود لم يعطهم شيئا من الغنيمة2 يعني لم يسهم لهم ولأن الجهاد عبادة والذمي ليس من أهلها والرضخ في اللغة إعطاء القليل وهنا إعطاء القليل من سهم الغنيمة وظاهر ما في المختصر أنه يرضخ لهم مطلقا وليس كذلك بل إنما يرضخ للعبد إذا قاتل لأنه دخل لخدمة المولى فصار كالتاجر والمرأة وكذا الصبي لأنه مفروض بأن يكون له قدرة عليه والمرأة إنما يرضخ لها إذا كانت تداوي الجرحى وتقوم على المرضى لأنها عاجزة عن حقيقة القتال فيقام هذا النوع من الإعانة مقام القتال بخلاف العبد لأنه قادر على حقيقة القتال كذا في الهداية وظاهره تخصيص هذا النوع من الإعانة وليس كذلك فقد قال الولوالجي إن الإعانة منها قائمة مقام القتال كخدمة الغانمين وحفظ متاعهم ا هـ. وهو الحق كما لا يخفى.
والذمي إنما يرضخ له إذا قاتل أو دل على الطريق لأنه فيه منفعة للمسلمين إلا أنه يزاد على السهم في الدلالة إذا كانت فيه منفعة عظيمة ولا يبلغ فيه السهم إذا قاتل لأنه جهاد, والأول ليس من عمله فلا يسوى بينه وبين المسلم في حكم الجهاد ودل كلامهم على أنه يجوز الاستعانة بالكافر على القتال إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما قدمناه.
وأطلق العبد فشمل المكاتب لقيام الرق وتوهم عجزه فيمنعه المولى عن القتال وقيد بالمذكورين لأن الأجير لا يسهم له ولا يرضخ لعدم اجتماع الأجر والنصيب من الغنيمة إلا إذا قاتل فإنه يسهم له كما قدمناه.
وفي التتارخانية لو أعتق العبد يرضخ له فيما أصيب من الغنيمة قبل عتقه والذمي المقاتل مع الإمام إذا أسلم يضرب له بسهم كامل فيما أصيب بعد إسلامه ا هـ. وظاهر ما في الولوالجية أن العبد يرضخ له بشرطين أذن المولى بالقتال له وأن يقاتل فعليه لو قاتل بلا إذن لا يرضخ له ولم يذكر المصنف المجنون وفي الولوالجية ويرضخ للصبي والمجنون لأن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/420" وأخرجه أبو داود في سننه بنحوه من حديث ابن عباس كتاب الجهاد باب في المرأة والعبد من الغنيمة "2728"
2 أخرجه البيهقي في المعرفة من حديث ابن عباس "17831" والشافعي في الأم "7/342" والبيهقي في سننه كتاب السيير "9/53".

 

ج / 5 ص -149-       والخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل وقدم ذوو القربى الفقراء منهم عليهم ولا حق لأغنيائهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السبب وجد في حقهما وهو القتال إلا أنهما تبع فصارا كالعبد مع المولى ا هـ.
قوله: "والخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل وقدم ذوو القربى الفقراء منهم عليهم ولا حق لأغنيائهم" لأن الخلفاء الأربعة الراشدين رضي الله عنهم أجمعين قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلنا وكفى بهم قدوة وقال عليه السلام
"يا معشر بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس"1 والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض وهم الفقراء والنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم للنصرة ألا ترى أنه عليه السلام علل فقال "إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه2 "لأن المراد من النصر قرب النصرة لا قرب القرابة واليتيم صغير لا أب له فيدخل فقراء اليتامى من ذوي القربى في سهم اليتامى المذكورين دون أغنيائهم, والمسكين منهم في سهم المساكين وفقراء أبناء السبيل. فإن قيل فلا فائدة حينئذ في ذكر اسم اليتيم حيث كان استحقاقه بالفقر والمسكنة لا باليتم أجيب بأن فائدته دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا لأن استحقاقها بالجهاد واليتيم صغير فلا يستحقها ومثله ما ذكر في التأويلات3 للشيخ أبي منصور لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر فلا فائدة في ذكرهم في القرآن أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تقتضي إلى أن الفقير منهم لا يستحق لأنه من قبيل الصدقة ولا تحل لهم وفي الحاوي القدسي وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ ا هـ. فهذا يقتضي أن الفتوى على الصرف إلى الأقرباء الأغنياء فليحفظ وفي التحفة هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف إلى صنف واحد منهم جاز كما في الصدقات كذا في فتح القدير.
وأطلق في ذوي القربى وهو مقيد ببني هاشم وبني المطلب دون غيرهم لأنه عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس مع أن قرابتهم واحدة لأن عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم وأولاد هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/425".
2 أخرجه النسائي في الفيء الباب الأول "4148" "7/130" وأبو داود في الخراج والفيء والإمارة باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى "2980" زكليهما من حديث جبير بن مطعم.
3 واسمه تأويلات أهل السنة للإمام أبي منصور الماتردي المتوفي سنة "333هـ" ه هـ كشف الظنون "1/335".

 

ج / 5 ص -150-       وذكره تعالى للتبرك, وسهم النبي عليه السلام سقط بموته كالصفي, وإن دخل جمع ذوو منعة دارهم بلا إذن خمس ما أخذوا وإلا لا, وللإمام أن ينفل بقوله من قتل قتيلا فله سلبه وبقوله للسرية جعلت لكم الربع بعد الخمس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وذكره تعالى للتبرك" أي للتبرك باسمه تعالى في افتتاح الكلام بقوله تعالى
{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} لأن جميع الأشياء له إذ هو الغني على الإطلاق لأن السلف رضي الله عنهم فسروه بما ذكر و به اندفع ما ذكره أبو العالية بأن سهم الله تعالى ثابت يصرف إلى بناء بيت الكعبة إن كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس.
قوله: "وسهم النبي عليه السلام سقط بموته كالصفي" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده والصفي شيء كان النبي عليه السلام يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية وقال الشافعي رضي الله عنه يصرف سهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخليفة والحجة عليه ما قدمناه.
قوله: "وإن دخل جمع ذوو منعة دارهم بلا إذن خمس ما أخذوا وإلا لا" أي وإن لم يكونوا ذوي منعة لا يخمس لأن الغنيمة هو المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة والخمس وظيفتها والقهر موجود في الأول والاختلاس في الثاني ولا يضر كونه بغير إذن الإمام لأنه يجب عليه أن ينصرهم إذ لو خذلهم كان فيه وهن بالمسلمين بخلاف الواحدة والاثنين لا يجب عليه نصرتهم والتقييد بغير إذن الإمام ليس احترازيا لأنه لو كان بإذن الإمام ولهم منعة فإنه يخمس بالأولى ولو لم يكن له منعة كواحد أو اثنين دخل بإذن الإمام ففيه روايتان والمشهور أنه يخمس لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد فصار كالمنعة.
فالحاصل أن الداخل بإذن الإمام يخمس ما أخذه مطلقا وبغير إذنه فإن كان ذا منعة خمس وإلا لا وفي المحيط لو قال الإمام ما أصبتم فهو لكم لا خمس فيه فإن كانوا لا منعة لهم جاز وإن كان لهم منعة لا يجوز لأن الخمس في الأول واجب بقول الإمام فله أن يبطله بقوله بخلافه في الثاني ولذا لو دخلوا بغير إذنه خمس ما أخذوه.
قوله: "وللإمام أن ينفل بقوله من قتل قتيلا فله سلبه وبقوله للسرية جعلت لكم الربع بعد الخمس" أي بعدما دفع الخمس للفقراء لأن التحريض مندوب إليه قال الله تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [لأنفال: 5] وهذا نوع تحريض فلو قال المصنف: ويستحب للإمام لكان أولى. وقول من قال لا بأس للإمام لا يخالفه لأنها تستعمل في المندوب أيضا كما تقدم في الجنائز فلم تكن مطردة لما تركه أولى ثم قد يكون التنفيل بما ذكر وقد يكون بغيره

 

ج / 5 ص -151-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كالدراهم والدنانير أو بقول من أخذ شيئا فهو له فما ذكر في المختصر مثال لا قيد لكن قالوا لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية لم يجز لأن فيه إبطال السهمان الذي أوجبها الشرع إذ فيه تسوية الفارس بالراجل وكذا لو قال ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس لأن فيه إبطال الخمس الثابت بالنص ذكره في السير الكبير.
قال في فتح القدير وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله من أصاب شيئا فهو له لاتحاد اللازم فيهما وهو بطلان السهمان المنصوصة بالتسوية بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه فهو أولى بالبطلان والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر من قوله أنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة ا هـ.
ويدخل الإمام نفسه في قوله من قتل قتيلا استحسانا لأنه ليس من باب القضاء ولا تهمة بخلاف ما إذا خصص نفسه بقوله من قتلته للتهمة إلا إذا عمم بعده كما في الظهيرية وبخلاف ما إذا خصهم بقوله من قتل قتيلا منكم فإن الإمام لا يستحق كما في التتارخانية. وإذا اشترك رجلان في قتل حربي اشتركا في سلبه.
وقيده في شرح الطحاوي بأن يكون المقتول مبارزا يقاوم الكل فإن كان عاجزا لا يستحقون سلبه ويكون غنيمة وإن قيده الإمام بقوله وحده لا يستحقان سلبه ولو كان الخطاب لواحد فشاركه آخر استحق المخاطب وحده ولو خاطب واحدا فقتل المخاطب رجلين فله سلب الأول خاصة إلا إذا قتلهما معا فله واحدة والخيار في تعيينه للمقاتل لا للإمام ولو كان على العموم فقتل رجل اثنين فأكثر استحق سلبهما ويستحق السلب من يستحق السهم أو الرضخ فيشتمل الذمي والتاجر والمرأة والعبد ولا بد أن يكون المقتول منهم مباح القتل حتى لا يستحق السلب بقتل النساء والمجانين والصبيان الذين لم يقاتلوا ولا يشترط في استحقاق السلب سماع القاتل مقالة الإمام حتى لو قتل من لم يسمع فله السلب لأنه ليس في وسع الإمام إسماع الأفراد وإنما وسعه إشاعة الخطاب وقد وجد. ولو نفل السرية بالربع وسمع العسكر دونها فلهم النفل استحسانا كذا في الظهيرية.
وفي التتارخانية من قتل قتيلا فله سلبه يقع على كل قتال في تلك السفر ما لم يرجعوا وإن مات الوالي أو عزل ما لم يمنعه الثاني وإن قال حالة القتال يتعين ذلك ولو قال من دخل دار الحرب بدرع فله كذا, جاز, وكذا بدرعين ولا يجوز ما زاد إلا إذا كان فيه منفعة للمسلمين بخلاف ما إذا قال من دخل بفرس كذا فإنه لا يجوز والرماح والأقواس كالدرع.
وقيد المصنف بالإمام لأن أمير السرية إذا نهاه الإمام عن التنفيل فليس له أن ينفل إلا إذا

 

ج / 5 ص -152-       وينفل بعد الإحراز من الخمس فقط, والسلب للكل إن لم ينفل,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي العسكر بنفله فيجوز من الأربعة الأخماس وإن لم ينهه له ذلك لأنه قائم مقام الإمام ولو نفل الإمام السرية بالثلث بعد الخمس ثم أن أميرها نفل لفتح الحصن أو للمبارزة بغير أمر الإمام فإن نفل من حصة السرية يجوز ولا يجوز من سهام العسكر إلا إذا رجعت السرية إلى دار الإسلام قبل لحاق العسكر فإن نفل أميرهم جائز من جميع ما أصابوا لأنه لا شركة للعسكر معهم فجاز نفل أمير السرية وبطل نفل أمير العسكر ولا فرق في النفل بين أن يكون معلوما أو مجهولا فلو قال من جاء منكم بشيء فله منه طائفة فجاء رجل بمتاع وآخر بثياب وآخر برءوس فالرأي للأمير ولو قال له منه قليل أو يسير أو شيء أعطاه أقل من النصف والجزء النصف وما دونه وسهم رجل من القوم يعطيه سهم الراجل ولو قال من جاء بألف فله ألفان فجاء بألف لا يعطى إلا الألف ولو قال من جاء بالأسير فله الأسير وألف درهم فإنه يعطى ذلك والفرق وتمام التفريعات في المحيط.
والتنفيل إعطاء الإمام الفارس فوق سهمه وهو من النفل وهو الزائد ومنه النافلة الزائد على الفرض ويقال لولد الولد كذلك أيضا ويقال نفله تنفيلا ونفله بالتخفيف نفلا لغتان فصيحتان.
قوله: "وينفل بعد الإحراز من الخمس فقط" لأن حق الغير تأكد فيه بالإحراز ولا حق للغانمين في الخمس والمعطى من المصارف له والتنفيل منه إنما هو باعتبار الصرف إلى أحد الأصناف الثلاثة, ولذا قال في الذخيرة لا ينبغي للإمام أن يضعه في الغني ويجعله نفلا له بعد الإصابة لأن الخمس حق المحتاجين لا الأغنياء فجعله للأغنياء إبطال حقهم ا هـ. لكن تصريحهم بأنه تنفيل يدل على جوازه للغني ومن العجيب قول الزيلعي لا يجوز للغني فإن ظاهر ما في الذخيرة عدم الحرمة.
قوله: "والسلب للكل إن لم ينفل" أي لا يختص به القاتل عندنا لأنه مأخوذ بقوة الجيش فيكون غنيمة فيقسم بينهم قسمة الغنائم كما نطق به النص وقال عليه السلام لحبيب بن أبي سلمة
"ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك"1 وأما قوله عليه السلام "من قتل قتيلا فله سلبه"2 فيحتمل نصب الشرع ويحتمل التنفيل فنحمله على الثاني لما روينا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/430" وقال هكذا وقع في الهداية "حبييب بن أبي سلمة" وصوابه حبيب بن مسلمة وأخرجه الطبراني في الأوسط "إنما للمرء ما طابت به النفس إمامة" برقم "6739" وفي الكبرى أيضا برقم "3533".
2 أخرجه مسلم في الجهاد باب استحقاق القاتل سلب القتيل "1751" والترمذي في السير باب ما جاء في......==

 

ج / 5 ص -153-       وينفل بعد الإحراز من الخمس فقط, والسلب للكل إن لم ينفل,
وهو مركبه وثيابه وسلاحه وما معه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وهو مركبه وثيابه وسلاحه وما معه" أي السلب ما ذكر للعرف وفي المغرب السلب المسلوب وعن الليث والأزهري كل ما على الإنسان من اللباس فهو سلب وللفقهاء فيه كلام ا هـ.
وفي القاموس السلب بالتحريك ما يسلب وجمعه أسلاب ودخل في مركبه ما كان عليه من سرج وآلة وما مع المقتول شامل لما كان في وسطه أو على دابته وما عدا ذلك مما هو مع غلامه أو في بيته أو في خيمته فليس بسلب أطلقه فشمل ما إذا كان السلب عند المشرك عارية من صبي أو امرأة لأنه يستغنم مالهما كمال البالغ وما إذا كان السلب ملكا لمسلم دخل دارهم بأمان فغصبه المشرك المقتول لأنه ملكه بالاستيلاء فانقطع ملك المسلم عنه ولو أخذ المشركون سلب المقتول ثم انهزموا فهو غنيمة ولا شيء للقاتل لأنهم ملكوه بالاستيلاء فبطل ملك القاتل ثم ملكه الغزاة وإن لم يدر أنهم أخذوه فإن كان منزوعا عنه فهو فيء لإثبات يدهم عليه بالنزع وإلا فهو للقاتل وإن جره المشركون أو حملوه على دابته وعليها سلاحه بخلاف ما إذا حملوا أسلحتهم وأمتعتهم عليها فإنه فيء.
ولو وجد على دابة بعدما سار العسكر مرحلة أو مرحلتين ولا يدري أكان في يد أحد أو لا فهو للقاتل قياسا لا استحسانا ولو قال من قتل قتيلا فله فرسه فقتل راجل راجلا ومع غلامه فرسه قائم بجنبه بين الصفين يكون للقاتل فرسه إذا كان فرسه مع غلامه بقرب منه لأن مقصود الإمام قتل من كان متمكنا من القتال فارسا, وهذا كذلك وإن لم يكن بجنبه في الصف فلا يكون له ولو قتل مشركا على برذون كان له لأنه يسمى فارسا ولو كان على حمار أو بغل أو حمل لا يستحق السلب لأن راكب هذه الأشياء لا يسمى فارسا ولذا لا يستحق سهم الفارس كذا في المحيط. وبه علم أن ما ذكره الشارح عن المحيط بأنه قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه سبق قلم وإنما المذكور في المحيط فله فرسه والدليل عليه أنه قال آخرا لو كان راكبا على بغل ونحوه لا يكون له ولو كان التنفيل بلفظ السلب لاستحقه لأن المركب أعم منه ومن الفرس قال في القاموس المركب كمقعد واحد مراكب البر والبحر ا هـ.
وفي الهداية ثم حكم التنفيل قطع حق الباقين فأما الملك فإنما يثبت بعد الإحراز بدار الإسلام لما مر من قبل حتى لو قال الأمير من أصاب جارية فهي له فأصابها مسلم فاستبرأها لم يجز له وطؤها وكذا لا يبيعها هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد له أن يطأها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
==من قتل قتيلا فله سلبه "1562" وأبو داود في الجهاد باب في السلب يعطى القاتل "2717".

 

ج / 5 ص -154-       ..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويبيعها لأن التنفيل يثبت به الملك عنده كما يثبت بالقسمة في دار الحرب والشراء من الحربي ووجوب الضمان بالإتلاف قد قيل على هذا الاختلاف ا هـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

2- باب استيلاء الكفار
سبي الترك الروم وأخذوا أموالهم ملكوها, وملكنا ما نجده من ذلك إن غلبنا عليهم, وإن غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- "باب استيلاء الكفار".
شامل لشيئين استيلاء بعضهم على بعض واستيلائهم على أموالنا فقدم الأول.
قوله: "سبي الترك الروم وأخذوا أموالهم ملكوها" لأن الاستيلاء قد تحقق في مال مباح وهو السبب لأن الكلام فيما إذا كان الكل في دار الحرب لأن الكافر يملك بمباشرة سبب الملك كالاحتطاب فكذا بهذا السبب.
وفي القاموس الروم بالضم جيل من ولد الروم بن عيصو رجل رومي والجمع روم والترك بالضم جيل من الناس والجمع أتراك ا هـ. فما في النهاية من أن الترك جمع التركي والروم جمع الرومي ففيه نظر لا يخفى.
قوله: "وملكنا ما نجده من ذلك إن غلبنا عليهم" اعتبارا بسائر أملاكهم أطلقه فشمل ما إذا كان بيننا وبين الروم موادعة لأنا لم نغدرهم إنما أخذنا مالا خرج عن ملكهم ولذا حل لنا أن نشتري ما غنمه إحدى الطائفتين من الأخرى لما ذكرنا.
وفي الخلاصة والإحراز بدار الحرب شرط أما بدارهم فلا, ولو كان بيننا وبين كل من الطائفتين موادعة واقتتلوا في دارنا لا نشتري من الغالبين شيئا لأنهم لم يملكوه لعدم الإحراز فيكون شراؤنا غدرا بالآخرين فإنه على ملكهم وأما لو اقتتلت طائفتان في بلدة واحدة فهل يجوز شراء المسلم المستأمن من الغالبين نفسا أو مالا ينبغي أن يقال إن كان بين المأخوذ والآخذ قرابة محرمية كالأمية أو كان المأخوذ لا يجوز بيعه للآخذ لم يجز إلا إن دانوا بذلك عند الكرخي وإن لم يكن فإن دانوا بأن من قهر آخر ملكه جاز الشراء وإلا فلا, كذا في فتح القدير.
قوله: "وإن غلبوا على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها" وقال الشافعي لا يملكونها لأن الاستيلاء محظور ابتداء وانتهاء والمحظور لا ينتهض سببا للملك على ما عرف من قاعدة الخصم ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح فينعقد سببا للملك دفعا لحاجة المكلف كاستيلائنا

 

ج / 5 ص -155-       وإن غلبنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه مجانا وبعدها بالقيمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على ما لهم, وهذا لأن العصمة ثبتت على منافاة الدليل ضرورة تمكن المالك من الانتفاع, وإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان, غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار لأنه عبارة عن الاقتدار على المحل حالا ومآلا والمحظور لغيره إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك وهو الثواب الآجل فما ظنك بالملك العاجل.
قيد بالإحراز لأنهم لو استولوا عليها فظهرنا عليهم قبل الإحراز فإنها تكون لملاكها بغير شيء ولو اقتسموها في دارنا لم يملكوا وفي المحيط يفرض علينا اتباعهم ومقاتلتهم لاستنقاذ الأموال من أيديهم ما داموا في دار الإسلام وإن دخلوا بها دار الحرب لا يفترض علينا اتباعهم والأولى اتباعهم بخلاف الذراري يفترض اتباعهم مطلقا.
وأفاد المصنف رحمه الله أنهم لو أسلموا فلا سبيل لأربابها عليها كذا في شرح الطحاوي.
قوله: "وإن غلبنا عليهم فمن وجد ملكه قبل القسمة أخذه مجانا وبعدها بالقيمة" لقوله عليه السلام فيه إن
"وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة1 "ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه فكان له حق الأخذ نظرا له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص فيأخذه بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين والشركة قبل القسمة عامة فيقل الضرر فيأخذه بغير قيمته.
أطلقه فشمل ما إذا ترك أخذه بعد العلم به زمانا طويلا بعد الإخراج من دار الحرب كما سيأتي.
وأشار بقوله بقيمته إلى أن الكلام في القيمي لأن النقدين والمكيل والموزون لا سبيل له عليه بعد القسمة لأنه لو أخذه أخذه بمثله وذلك لا يفيد وقبل القسمة يأخذه مجانا كذا في المحيط.
وفي التتارخانية عبد لمسلم سباه أهل الحرب فأعتقه سيده ثم غلب عليه المسلمون أخذه مولاه بغير شيء وذلك العتق باطل ولو أعتقه بعدما أخرجه المسلمون قبل القسمة جاز عتقه عبد لمسلم أسره العدو وأحرزه بدارهم ثم انفلت منهم وأخذ شيئا من أموالهم وخرج هاربا إلى دار الإسلام فأخذه مسلم ثم جاء مولاه لم يأخذه منه إلا بالقيمة في قول محمد وما في يده من المال فهو لمن أخذه ولا سبيل للمولى عليه وأما في قياس قول أبي حنيفة فإن المولى يأخذ العبد بغير شيء لأنه لما دخل دار الإسلام صار فيئا لجماعة المسلمين يأخذه الإمام ويرفع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/434" وأخرجه بنحوه الدارقطمني في سننه "4/114".

 

ج / 5 ص -156-       وبالثمن لو اشتراه تاجر منهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خمسه ويقسم أربعة أخماسه بين الغانمين ثم رجع محمد عن قوله وقال إذا أخذه مسلم فهو غنيمة آخذه وأخمسه إذا لم يحضر المولى وأجعل أربعة أخماس العبد والمال الذي معه للآخذ فإن جاء مولاه بعد ذلك أخذه بالقيمة وإن جاء مولاه قبل أن يخمس أخذه بغير شيء ا هـ. وفي الملتقط عبد أسره أهل الحرب وألحقوه بدارهم ثم أبق منهم يرد إلى سيده وفي رواية يعتق ا هـ.
قوله: "وبالثمن لو اشتراه تاجر منهم" أي لو اشترى ما أخذه العدو منهم تاجر وأخرجه إلى دار الإسلام أخذه مالكه القديم بثمنه الذي اشترى به التاجر من العدو لأنه يتضرر بالأخذ مجانا ألا ترى أنه وقع العوض بمقابلته فكان اعتدال النظر فيما قلنا ولو اختلف المولى والمشتري منهم في قدر الثمن فالقول قول المشتري بيمينه إلا أن يقيم المالك البينة كذا في المحيط.
وفي التتارخانية وإن أقام أحدهما بينة قبلت وإن أقاما فعلى قولهما البينة بينة المولى القديم وقال أبو يوسف بينة المشتري أراد بالثمن البدل فشمل ما إذا اشتراه بعرض فإنه يأخذه بقيمة العرض ولو كان البيع فاسدا يأخذه بقيمة نفسه ويرد على المصنف ما لو اشتراه التاجر بمثله قدرا ووصفا فإنه لا يأخذه المالك القديم لعدم الفائدة سواء كان البيع صحيحا أو فاسدا بخلاف ما إذا كان بأقل منه قدرا أو بأردأ منه وصفا فإن له أن يأخذه لأنه مفيد ولا يكون ربا لأنه يستخلص ملكه فهو في الحقيقة فداء لا عوض فلو كان اشتراه بمثله نسيئة فليس للمالك أخذه ولو كان اشتراه بخمر أو خنزير لم يكن للمالك أخذه باتفاق الروايات ولو أخذ المشركون ألف درهم نقدا ببيت المال لرجل وأحرزوها فاشتراها التاجر بألف درهم غلة وتفرقوا عن قبض لم يكن للمالك أن يأخذها على الروايات كلها بمثل الغلة التي نقدها كذا في التتارخانية مع أنه في الأخيرة مشكل لأنه بأردأ منه وصفا فينبغي أن يكون للمالك الأخذ. وهاهنا مسائل لا بأس بأبرادها تكثيرا للفوائد.
منها أن العين المحرزة لو كانت في يد مستأجر أو مودع أو مستعير هل له المخاصمة والاسترداد أم لا ؟ قالوا للمستأجر أن يخاصم في المغنوم ويأخذه قبل القسمة بغير شيء, وكذا المستعير والمستودع وإذا أخذه المستأجر عاد العبد إلى الإجارة وسقط عنه الأجر في مدة أسره وإن كان بعد القسمة فللمستأجر أخذه بالقيمة فإن أنكر الذي وقع في سهمه الإجارة فأقام المستأجر البينة قبلت بينته وثبتت الإجارة وليس للمستعير والمستودع المخاصمة بعد القسمة فكانا بمنزلة الأجنبي.
ومنها لو وهبها العدو لمسلم فأخرجها إلى دار الإسلام أخذها المالك بقيمتها لأنه ثبت له

 

ج / 5 ص -157-       وإن فقأ عينيه وأخذ أرشه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة ومنها لو أسر العدو الجارية المبيعة قبل القبض ونقد الثمن ثم اشتراها رجل منهم يأخذها البائع بالثمن ولا يكون متطوعا لأنه يحيي به حقه فيرجع به على المشتري والثمن الثاني واجب على المشتري الثاني بعقده.
ومنها إذا وقع العبد المأسور في سهم رجل فدبره أو أعتقه جاز ولا يبقى للمولى عليه سبيل لأن المأسور منه لا يملك نقض تصرف المالك في المأسور ولو زوجها وولدت من الزوج له أخذها وولدها لأن التزويج لا يمنع النفل ولا يفسخ النكاح وإن أخذ عقرها أو أرش جناية عليها ليس للمولى عليها سبيل لأن الولد من أجزائها وهي كانت ملكا له, والعقر والأرش لم يكن من أجزائها وإنما وجب في ملك مستأنف للمشتري ولأنهما من ذوات الأمثال فلا تجري فيهما المفاداة لأنها لا تفيد. ومنها أن للوصي أن يأخذ المأسور لليتيم من مشتريه بالثمن ولا يأخذه لنفسه بشرط أن يكون الثمن مثل قيمته.
ومنها لو رهنه المشتري فليس لمولاه عليه سبيل حتى يفتكه ولا يجبر على الافتكاك إلا أن يتطوع بأداء الدين ثم يعطي الثمن فله ذلك بخلاف ما إذا آجره المشتري فللمولى أخذه وإبطال الإجارة لأنها تنفسخ بالأعذار وهذا عذر بخلاف الرهن.
ومنها لو أسروا عبدا في عنقه جناية أو دين فرجع إلى مولاه القديم فالكل في رقبته وإن لم يرجع إليه أو رجع بملك مبتدأ فجناية العمد والدين بحاله وسقطت جناية الخطأ لأن العمد متعلق بروحه والدين بذمته وأما الخطأ فمتعلق بماليته ابتداء فإذا خرج عن ملك المولى إلى ملك من لا يخلفه بطل الكل كما في المحيط.
قوله: "وإن فقأ عينيه وأخذ أرشه" وصلية أي للمالك أن يأخذه بالثمن من التاجر وإن كانت عينه فقئت وأخذ التاجر أرشها يعني لا يحط شيئا من الثمن ولا يأخذ المالك الأرش أما الأول فلأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن بخلاف الشفعة لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشتري في يد المشتري بمنزلة المشتري شراء فاسدا والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب أما هنا الملك صحيح فافترقا, وأما الثاني فلأن الملك فيه صحيح فلو أخذه أخذه بمثله وهو لا يفيد وظاهر ما في فتح القدير أن الفاقئ غير التاجر فإنه قال ولو أنه فقأ عينه عند الغازي المقسوم له فأخذ قيمته وسلمه للفاقئ فللمالك الأول أخذه من الفاقئ بقيمته أعمى عند أبي حنيفة وقالا بقيمته سليما وهي التي أعطاها الفاقئ للمولى والفرق لأبي حنيفة أن فوات الطرف هنا بفعل الذي ملكه باختياره فكان بمنزلة ما لو اشتراه سليما ثم قطع طرفه باختياره فكان راضيا بتنقيصه بخلاف مسألة الكتاب لأن الفاقئ غيره بغير رضاه ا هـ. وصرح في

 

ج / 5 ص -158-       فإن تكرر الأسر والشراء أخذ الأول من الثاني بثمنه ثم القديم بالثمنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحيط بأن المشتري إذا فقأ عينها فالحكم كذلك وعن محمد أنه تسقط حصته من الثمن وهذا بمنزلة الشفعة إذا هدم المشتري البناء سقط عن الشفيع حصة البناء فكذا هذا ا هـ. فعلى رواية محمد لا فرق بين مسألة الكتاب والشفعة إذ الوصف لا يقابله شيء إلا إذا صار مقصودا بالإتلاف وهو موافق لما ذكروه في البيوع لكن ظاهر الهداية الفرق بين مسألة الكتاب والشفعة وهو الحق ولا فرق في الفاقئ بين أن يكون التاجر أو غيره ولهذا قال الشارح الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في ملك صحيح بعد القبض وإن كانت مقصودة بالإتلاف بخلاف المشفوع لأن شراءه من غير رضا الشفيع مكروه وملكه ينتقض من غير رضاه فأشبه البيع الفاسد ا هـ.
ولو أخرجه المشتري من العدو عن ملكه بعوض يأخذه المالك القديم بذلك العوض إن كان مالا وإن كان غير مال كالصلح عن دم أو هبة أخذه بقيمته ولا ينتقض تصرفه بخلاف الشفيع لأن حقه قبل حق المشتري فينتقض تصرف المشتري لأجله والتقييد بالعين اتفاقي لأن اليد لو قطعت فالحكم كذلك ولو ولدت الجارية عند المشتري فأعتق المشتري أحدهما أخذ الباقي منهما بجميع الثمن لأن الفداء لا يتوزع ما بقي شيء من الأصل أو ما تولد منه وعن محمد إن أعتق الأم أخذ الولد بحصته من الثمن وليس الولد كالأرش كذا في المحيط وفي المغرب فقأ العين غارها بأن شق حدقتها والقلع أن ينزع حدقتها بعروقها والأرش دية الجراحات والجمع أروش ا هـ.
قوله: "فإن تكرر الأسر والشراء أخذ الأول من الثاني بثمنه ثم القديم بالثمنين" يعني لو أسر العبد مرتين واشتراه في المرة الأولى رجل وفي الثانية رجل آخر كان حق الأخذ من المشتري الثاني للمشتري الأول بما اشترى لأن الأسر ورد على ملكه وأفاد أنه ليس للمالك القديم أن يأخذه من المشتري الثاني ولو كان المشتري الأول غائبا أو كان حاضرا إلا أنه أبى عن أخذه لأن الأسر ما ورد على ملكه فإذا أخذه المشتري الأول من الثاني بثمنه فقد قام عليه بالثمنين فكان للمالك القديم أن يأخذ بالثمنين إن شاء من المشتري الأول لأنه قام عليه بهما وأفاد بتعبيره بالأخذ المفيد للتخليص أن المشتري الأول لو اشتراه من الثاني ليس للقديم أخذه لأن حق الأخذ ثبت للمالك القديم في ضمن عود ملك المشتري الأول ولم يعد ملكه القديم وإنما ملكه بالشراء الجديد منه وقيد بتكرر الشراء لأن المشتري الأول ولو كان وهبه له أخذه مولاه من الموهوب له بقيمته كما لو وهب الكافر لمسلم وقيد بتكرر الأسر لأنه لو لم يتكرر كما إذا باع المشتري من العدو والعبد* من غيره أخذه المالك القديم من الثاني بالثمن الذي اشتراه به إن مثليا فبمثله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الأصل العدو.

 

ج / 5 ص -159-       ولا يملكون حرنا ومدبرنا وأم ولدنا ومكاتبنا ونملك عليهم جميع ذلك, وإن ند إليهم جمل فأخذوه وملكوه, وإن أبق إليهم قن لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن قيميا بأن كان اشتراه مقايضة فبقيمته لأن المشتري الثاني قائم مقام المشتري الأول وليس للقديم أن ينقض العقد الثاني فيأخذه من المشتري الأول بالثمن للمولى إلا رواية ابن سماعة عن محمد وظاهر الرواية الأولى والوجه في المبسوط.
قوله: "ولا يملكون حرنا ومدبرنا وأم ولدنا ومكاتبنا ونملك عليهم جميع ذلك" يعني بالغلبة لأن السبب إنما يفيد الملك في محله والمحل المال المباح والحر معصوم بنفسه وكذا من سواه لأنه ثبتت الحرية فيه ومن وجه بخلاف رقابهم لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعلهم أرقاء ولا جناية من هؤلاء ويتفرع على عدم ملكهم هؤلاء أنهم لو أسروا أم ولد لمسلم أو مكاتبا أو مدبرا ثم ظهر على دراهم أخذه مالكه بعد القسمة بغير شيء وعوض الإمام من وقع في قسمة من بيت المال قيمته ولو اشترى ذلك تاجر منهم أخذه منه بغير ثمن ولا عوض.
قوله: "وإن ند إليهم جمل فأخذوه وملكوه" لتحقق الاستيلاء إذ لا يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا والتقييد بالجمل اتفاقي وإنما المقصود الدابة كما عبر بها في المحيط وفي المغرب ند البعير نفر ندودا من باب ضرب.
قوله: "وإن أبق إليهم قن لا" أي لا يملكونه بالأخذ عند أبي حنيفة وقالا يملكونه لأن العصمة لحق المالك لقيام يده وقد زالت ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه وله أنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا لأن سقوط اعتباره لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه وصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للملك بخلاف المتردد في دار الإسلام لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار فمنع ظهور يده وإذا لم يثبت الملك لهم عنده يأخذه المالك القديم بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة وبعد القسمة يؤدي عوضه من بيت المال لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم وليس له على المالك جعل الآبق لأنه عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه.
أطلق في المالك للقن فشمل المسلم والذمي وأطلق القن وهو مقيد بكونه مسلما لأنه لو ارتد فأبق إليهم فأخذوه ملكوه اتفاقا ولو كان كافرا من الأصل فهو ذمي تبع لمولاه وفي العبد الذمي إذا أبق قولان ذكره مجد الأئمة كذا في فتح القدير وفي شرح الوقاية الخلاف فيما إذا أخذوه قهرا وقيدوه وأما إذا لم يكن قهرا فلا يملكونه اتفاقا ا هـ.

 

ج / 5 ص -160-       ولو أبق بفرس أو متاع فاشترى رجل كله منهم أخذ العبد مجانا وغيره بالثمن, وإن ابتاع مستأمن عبدا مؤمنا وأدخله دارهم أو أمن عبد ثمة فجاءنا أو ظهرنا عليهم عتق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولو أبق بفرس أو متاع فاشترى رجل كله منهم أخذ العبد مجانا وغيره بالثمن" يعني عند الإمام رضي الله عنه وقالا يأخذ العبد وما معه بالثمن اعتبارا لحالة الاجتماع بحالة الانفراد وقد بينا الحكم في كل فرد ولا تكون يده على نفسه مانعة من استيلاء الكفار على ما معه لقيام الرق المانع للملك بالاستيلاء كغيره.
وفي القاموس المتاع المنفعة والسلعة والأداة وما تمتعت به من الحوائج ا هـ. والمراد الثاني هنا.
قوله: "وإن ابتاع مستأمن عبدا مؤمنا وأدخله دارهم أو أمن عبد ثمة فجاءنا أو ظهرنا عليهم عتق" بيان لمسألتين.
الأولى أن الحربي إذا دخل دارنا بأمان واشترى عبدا مسلما وأدخله دار الحرب عتق عند أبي حنيفة وقالا لا يعتق لأن الإزالة كانت مستحقة بطريق معين وهو البيع وقد انقطعت ولاية الجبر عليه فبقي في يده عبدا ولأبي حنيفة رحمه الله أن تخليص المسلم عن ذل الكافر واجب فيقام الشرط وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الإعتاق تخليصا له كما يقام مضي ثلاث حيض مقام التفريق فيما إذا أسلمت المرأة في دار الحرب قيد بكون الحربي ملكه في دار الإسلام لأن العبد المسلم إذا أسره الحربي من دار الإسلام وأدخله داره لا يعتق عليه اتفاقا أما عندهما فظاهر وأما عنده فللمانع من عمل المقتضى عمله وهو حق استرداد المسلم. وعلى الخلاف السابق لو أسلم عبد الحربي ولم يهرب إلى دار الإسلام حتى اشتراه مسلم أو ذمي أو حربي في دار الحرب يعتق عنده خلافا لهما لأن العتق في دار الحرب يعتمد زوال القهر الخاص وقد عدم إذ زال قهره إلى المشتري فصار كما لو كان في يده وله وأن قهره زال حقيقة بالبيع وكان إسلامه يوجب إزالة قهره عنه إلا أنه تعذر الخطاب بالإزالة فأقيم ماله أثر في زوال الملك مقام الإزالة وهو البيع والتقييد بإيمان العبد اتفاقي إذ لو كان ذميا فالحكم كذلك لأنه يجير على بيعه ولا يمكن من إدخاله دار الحرب كما في النهاية.
الثانية لو أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو ظهر على الدار فهو حر وكذا إذا خرج عبيدهم إلى عسكر المسلمين فهم أحرار لما روي أن عبيدا من عبيد الطائف أسلموا وخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بعتقهم وقال
"هم عتقاء الله تعالى1" وقيد بخروجه أو ظهورنا لأنه


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3" وأخرجه البيهقي في سننه كتاب الجزية باب من جاء من 9/229".

 

ج / 5 ص -161-       ..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذا أسلم ولم يوجدا فهو رقيق إلى أن يشتريه مسلم أو ذمي فيعتق وفي شرح الطحاوي إذا لم يوجد لم يعتق إلا إذا عرضه المولى على البيع من مسلم أو كافر فحينئذ يعتق العبد قبل المشتري البيع أو لم يقبل لأنه لما عرضه فقد رضي بزوال ملكه والتقييد بإيمانه في دار الحرب اتفاقي إذ لو خرج مراغما لمولاه فآمن في دار الإسلام فالحكم كذلك بخلاف ما إذا خرج بإذن مولاه أو بأمره لحاجته فأسلم في دارنا فإن حكمه أن يبيعه الإمام ويحفظ ثمنه لمولاه الحربي لأنه لما دخل بأمان صارت رقبته داخلة فيه كما لو دخل سيده به وبما معه من المال وفي شرح الطحاوي ولا يثبت ولاء العبد الخارج إلينا مسلما لأحد لأن هذا عتق حكمي والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

3- باب المستأمن.
دخل تاجرنا ثم حرم تعرضه لشيء منهم,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- "باب المستأمن"

أخره عن الاستيلاء لأن الاستيلاء يكون بالقهر والاستئمان يكون بعد القهر.
قوله: "دخل تاجرنا ثم حرم تعرضه لشيء منهم" أي دخل المسلم دار الحرب بأمان وعبر عنه بالتاجر لأنه لا يدخل دارهم إلا بأمان حفظا لما له وإنما حرم عليه لأنه ضمن بالاستئمان أن لا يتعرض لهم فالتعرض بعد ذلك يكون غدرا والغدر حرام إلا إذا غدر به ملكهم فأخذ ماله أو حبسه أو فعل غيره بعلم الملك ولم يمنعه لأنهم هم الذين نقضوا العهد قيد بالتاجر لأن الأسير يباح له التعرض وإن أطلقوه طوعا لأنه غير مستأمن فهو كالمتلصص فيجوز له أخذ المال وقتل النفس دون استباحة الفرج لأنه لا يحل إلا بالملك ولا ملك قبل الإحراز بدارنا إلا إذا وجد من لم يملكه أهل الحرب ومن امرأته وأم ولده ومدبرته فيباح له وطؤهن إلا إذا وطئهن أهل الحرب فتجب العدة للشبهة فلا يجوز وطؤهن حتى تنقضي عدتهن بخلاف أمته المأسورة لا يحل وطؤها مطلقا لأنها مملوكة لهم وأطلق الشيء فشمل النفوس والأموال حتى أمة التاجر المأسورة لأنها من أملاكهم ولا يدخل تحته زوجته وأم ولده ومدبرته لأنهن غير مملوكات لهم فيجوز للتاجر التعرض لهن.
وكذا لو أغار أهل الحرب الذين فيهم مسلمون مستأمنون على طائفة من المسلمين فأسروا ذراريهم فمروا بهم على أولئك المستأمنين وجب عليهم أن ينقضوا عهودهم ويقاتلوهم إذا كانوا يقدرون عليه لأنهم لا يملكون رقابهم فتقريرهم في أيديهم تقرير على الظلم ولم يضمنوا ذلك

 

ج / 5 ص -162-       فلو أخرج شيئا ملكه ملكا محظورا فيتصدق به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهم بخلاف الأموال لأنهم ملكوها بالإحراز وقد ضمنوا لهم أن لا يتعرضوا لأموالهم, وكذا لو كان المأخوذ ذراري الخوارج لأنهم مسلمون.
ومن الفروع النفيسة ما في المبسوط لو أغار قوم من أهل الحرب على أهل الدار التي فيهم المسلم المستأمن لا يحل له قتال هؤلاء الكفار إلا إن خاف على نفسه لأن القتال لما كان تعريضا لنفسه على الهلاك لا يحل إلا لذلك أو لإعلاء كلمة الله وهو إذا لم يخف على نفسه ليس قتال هؤلاء إلا إعلاء كلمة الكفر ا هـ.
وفي المحيط مسلم دخل دار الحرب بأمان فجاء رجل من أهل الحرب بأمه أو بأم ولده أو بعمته أو بخالته قد قهرها ببيعها من المسلم المستأمن لا يشتريها منه لأن الحربي إن ملكها بالقهر فقد صارت حرة فإذا باعها فقد باع الحرة ولو قهر حربي بعض أحرارهم ثم جاء بهم إلى المسلم المستأمن فباعهم منه ينظر إن كان الحكم عندهم أن من قهر منهم صاحبه فقد صار ملكه جاز الشراء لأنه باع المملوك وإن لم يملكه لا يجوز لأنه باع الحرة.
قوله: "فلو أخرج شيئا ملكه ملكا محظورا فيتصدق به" لورود الاستيلاء على مال مباح إلا أنه حصل بسبب الغدر فأوجب ذلك خبثا فيه فيؤمر بالتصدق به وهذا لأن الحظر فيه لا يمنع انعقاد السبب على ما بيناه أفاد بالخطر مع وجوب التصدق أنه لو كان المأخوذ غدرا جارية لا يحل له وطؤها ولا للمشتري منه بخلاف المشتراة شراء فاسدا فإن حرمة وطئها على المشتري خاصة وتحل للمشترى منه لأن المنع منه لثبوت حق البائع في حق الاسترداد وببيع المشتري انقطع حقه ذلك لأنه باع بيعا صحيا فلم يثبت له حق الاسترداد وهناك الكراهة للغدر والمشتري الثاني كالأول فيه. وفي الولوالجية مسلم تزوج امرأة في دار الحرب وكانت كافرة فأعطى للأب صداقها فأضمر في قلبه أنه يبيعها فخرج بها إلى دار الإسلام فأراد بيعها فالبيع باطل وهي حرة يريد به إذا خرجت معه طوعا لأن أهل الحرب إنما يملكون بالقهر في دار الحرب فإذا لم يقهر في دار الحرب وخرجت معه إلى دار الإسلام بغير قهر لا تصير ملكا له ا هـ. وفي فتح القدير واعلم أنهم أخذوا في تصويرها ما إذا أضمر في نفسه أنه يخرجها ليبيعها ولا بد منه لأنه لو أخرجها كرها لا لهذا الغرض بل لاعتقاده أن له أن يذهب زوجته حيث شاء إذا أوفاها معجل مهرها ينبغي أن لا يملكها ا هـ.
وقيد بالإخراج لأنه إذا غصب شيئا في دار الحرب وجب عليه التوبة وهي لا تحصل إلا بالرد عليهم فأشبه المشتري شراء فاسدا كذا في المحيط

 

ج / 5 ص -163-       فإن أدانه حربي أو أدان حربيا أو غصب أحدهما صاحبه وخرج إلينا لم يقض بشيء, وكذلك لو كانا حربيين وفعلا ذلك ثم استأمنا, وإن خرجا مسلمين قضي بالدين بينهما لا بالغصب, مسلمان مستأمنان قتل أحدهما صاحبه تجب الدية في ماله والكفارة في الخطأ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فإن أدانه حربي أو أدان حربيا أو غصب أحدهما صاحبه وخرج إلينا لم يقض بشيء" أما الإدانة فلأن القضاء يعتمد الولاية ولا ولاية وقت الإدانة أصلا ولا وقت القضاء على المستأمن لأنه ما التزم حكم الإسلام فيما مضى من أفعاله وإنما التزم ذلك في المستقبل وأما الغصب فلأنه صار ملكا للذي غصبه واستولى عليه لمصادفته مالا غير معصوم على ما بينا قيد بالقضاء لأن المسلم يفتي برد المغصوب وإن كان لا يحكم عليه به لأنه غدر كذا ذكره الشارح وسكت عن الإفتاء بقضاء الدين. وفي فتح القدير يفتي بأنه يجب عليه قضاء الدين فيما بينه وبين الله تعالى وذكر الشارحون أن الإدانة البيع بالدين والاستدانة الابتياع بالدين والظاهر عدم تخصيصه بالبيع وأنه لا يشمل القرض لما في القاموس أدان واستدان وتدين أخذ دينا والدين ما له أجل وما لا أجل له فقرض وأدان اشترى بالدين أو باع بالدين ضد ا هـ. مع أنه في الحكم هنا لا فرق بينهما لأن أحدهما لو أقرض الآخر في دار الحرب شيئا ثم خرجا لم يقض بشيء.
قوله: "وكذلك لو كانا حربيين وفعلا ذلك ثم استأمنا" أي الإدانة والغصب ثم دخلا دارنا بأمان لم يقض بشيء لما بيناه وفي المحيط خرج حربي مع مسلم إلى العسكر وادعى المسلم أنه أسير وقال كنت مستأمنا فالقول للحربي إلا إذا قامت قرينة ككونه مكتوفا أو مغلولا أو كان مع عدد من المسلمين.
قوله: "وإن خرجا مسلمين قضي بالدين بينهما لا بالغصب" أي أسلم الحربيان في دار الحرب ثم خرجا مسلمين بعد الإدانة أو الغصب لأن المداينة وقعت صحيحة لوقوعها بالتراضي والولاية ثانية حالة القضاء لالتزامهما الأحكام بالإسلام وأما الغصب فلما بيناه أنه ملكه ولا خبث في ملك الحربي حتى يؤمر بالرد وقد قدمنا أن المسلم إذا دخل دراهم بأمان فأدانه حربي أو غصب منهم شيئا يفتي بالرد وإن لم يقض عليه.
قوله: "مسلمان مستأمنان قتل أحدهما صاحبه تجب الدية في ماله والكفارة في الخطأ" أي تجب الدية في مال القاتل لا على العاقلة سواء كان القتل عمدا أو خطأ أما الكفارة فلإطلاق الكتاب به والدية لأن العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام لا تبطل بعارض الدخول بالأمان وإنما لا يجب القصاص لأنه لا يمكنه استيفاؤه إلا بمنعة ولا منعة بدون الإمام وجماعة المسلمين ولم يوجد ذلك في دار الحرب وإنما تجب الدية في ماله في العمد لأن العواقل

 

ج / 5 ص -164-       ولا شيء في الأسيرين سوى الكفارة في الخطأ كقتل مسلم مسلما أسلم ثمة.
فصل.
لا يمكن مستأمن أن يقيم فينا سنة وقيل له إن أقمت سنة وضع عليك الجزية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تعقل العمد وفي الخطأ لأنه لا قدرة لهم على الصيانة مع تباين الدارين والوجوب عليهم على اعتبار تركها.
قوله: "ولا شيء في الأسيرين سوى الكفارة في الخطأ كقتل مسلم مسلما أسلم ثمة" وهذا عند أبي حنيفة وقالا في الأسيرين الدية في الخطأ والعمد لأن العصمة لا تبطل بعارض الأسر كما لا تبطل بعارض الاستئمان وامتناع القصاص لعدم المنعة وتجب الدية في ماله لما قلنا ولأبي حنيفة أن بالأسر صار تبعا لهم لصيرورته مقهورا في أيديهم ولهذا يصير مقيما بإقامتهم ومسافرا بسفرهم فبطل الإحراز أصلا كالمسلم الذي لم يهاجر إلينا وهو المشبه به في المختصر وخص الخطأ بالكفارة لأنه لا كفارة في العمد عندنا والله أعلم.
"فصل"
تأخير استئمان الكافر عن المسلم ظاهر.
قوله: "لا يمكن مستأمن أن يقيم فينا سنة وقيل له إن أقمت سنة وضع عليك الجزية" لأن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا باسترقاق أو جزية لأنه يصير عينا لهم وعونا علينا تلتحق الضمرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة لأن في منعها قطع الميرة والجلب وسد باب التجارة ففصلنا بينهما بسنة لأنها مدة تجب فيها الجزية فتكون الإقامة لمصلحة الجزية قيد بالمستأمن لأنه لو دخل دارنا بلا أمان فهو وما معه فيء فإن قال دخلت بأمان لم يصدق وأخذ ولو قال أنا رسول فإن وجد معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم بعلامة تعرف ذلك كان آمنا فإن الرسول لا يحتاج إلى أمان خاص بل بكونه رسولا يأمن وإن لم يعرف فهو زور فيكون هو وما معه فيئا. وإن دخل دار الإسلام بلا أمان فأخذه واحد من المسلمين لا يختص به عند أبي حنيفة بل يكون فيئا لجماعة المسلمين وظاهر قولهما أنه يختص به ولو دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعند أبي حنيفة يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين وعلى قولهما لا ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذى ولا يخرج كذا في فتح القدير وفي المحيط إذا دخل دارنا بلا أمان فهو فيء عند الإمام أخذ قبل الإسلام أو بعده وعندهما إن أسلم قبل الأخذ فهو حر ولو رجع هذا الحربي إلى دار الحرب خرج من أن يكون فيئا وعاد حرا ولو قال رجل من المسلمين أنا أمنته لم يصدق إلا أن يشهد رجلان غيره أنه أمنه.

 

ج / 5 ص -165-       فإن مكث سنة فهو ذمي, فلم يترك أن يرجع إليهم, كما لو وضع عليه الخراج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فإن مكث سنة فهو ذمي" إن مكث المدة المضروبة فهو ذمي لأنه لما أقامها بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزما للجزية فيصير ذميا فمراده من السنة وما وقته الإمام له سواء كانت سنة أو أقل كالشهر والشهرين وظاهر ما في الكتاب أن قول الإمام له ما ذكر شرط لكونه ذميا فلو مكث سنة قبل مقال الإمام له لا يكون ذميا.
وبه صرح العتابي فقال لو أقام سنين من غير أن يتقدم الإمام إليه فله الرجوع وقيل ولفظ المبسوط يدل على خلافه والأوجه الأول كما في فتح القدير ودل كلامه على أنه لا جزية عليه في حول المكث لأنه إنما صار ذميا بعده فتجب في الحول الثاني إلا أن يكون شرط عليه أنه إن مكث سنة أخذها منه وقد ذكروا أن من أحكام الذمي جريان القصاص بينه وبين المسلم وضمان المسلم قيمة خمره وخنزيره إذا أتلفه ووجوب الدية عليه إذا قتله خطأ ووجوب كف الأذى عنه حتى قال في فتح القدير تحرم غيبته كما تحرم غيبة المسلم.
وفي فتح القدير وإذا رجع إلى دار الحرب لا يمكن أن يرجع معه بسلاح اشتراه من دار الإسلام بل بالذي دخل به فإن باع سيفه واشترى به قوسا ونشابا أو رمحا لا يمكن منه وكذا لو اشترى سيفا أحسن منه فإن كان مثل الأول أو دونه يمكن ولو مات المستأمن في دارنا وقف ماله لورثته فإذا قدموا وبرهنوا أخذوه ولو كان الشهود أهل ذمة أخذ منهم كفيلا ولا يقبل كتاب ملكهم.
قوله: "فلم يترك أن يرجع إليهم" أي لا يمكن المستأمن بعد الحول من الرجوع إلى أهل الحرب لأن عقد الذمة لا ينقض لكونه خلفا عن الإسلام كيف وإن فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين وظاهره أنه لا يمكن من العود إلى دار الحرب للتجارة أو لقضاء حاجة ولو بعدت المدة وهو يقتضي منع الذمي من دخول دار الحرب.
قوله: "كما لو وضع عليه الخراج" أي فلا يمكن من العود إلى دار الحرب لأن خراج الأرض بمنزلة خراج الرأس فإذا التزمه صار ملتزما المقام في دارنا قيد بوضعه لأن بمجرد الشراء لا يصير ذميا لأنه قد يشتريها للتجارة وصححه الشارح وهو ظاهر الراوية كما في السراج الوهاج وفسر في البناية وضعه بالتوظيف عليه.
وفي فتح القدير والمراد بوضعه إلزامه به وأخذه منه عند حلول وقته وهو بمباشرة السبب وهو زراعتها أو تعطيلها مع التمكن منها إذا كانت في ملكه أو زراعتها بالإجارة وهي في ملك غيره إذا كان خراج مقاسمة فإنه يؤخذ منه لا من المالك فيصير به ذميا بخلاف ما إذا كان على المالك ولا يظن بوضع الإمام وتوظيفه أن يقول وظفت على هذه الأرض الخراج ونحوه

 

ج / 5 ص -166-       أو نكحت ذميا. لا عكسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الإمام قط لا يقوله بل الخراج من حين استقر وظيفة للأرض استمر على كل من صارت إليه واستمرت في يده ا هـ.
وأطلق في وضع الخراج فشمل جميع أسباب التزامه فلو استعارها المستأمن من ذمي صار المستعير ذميا وفي التتارخانية إذا اشترى المستأمن أرض خراج فغصبت منه فإن زرعها الغاصب لا يصير المستأمن ذميا وإلا فهو ذمي لوجوبه عليه والصحيح أنه يصير ذميا في الوجهين.
وفي السراج لو زرع الحربي أرضه الخراجية فأصاب الزرع آفة لا يصير ذميا لعدم وجوب الخراج وفي الهداية وإذا لزمه خراج الأرض فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة لأنه يصير ذميا بلزوم الخراج فتعتبر المدة من وقت وجوبه.
قوله: "أو نكحت ذميا" يعني فلا تمكن من الرجوع إليهم لأنها التزمت المقام تبعا للزوج فتكون ذمية فيوضع الخراج على أرضها وتقييد الزوج بالذمي ليفيد أنها تصير ذمية إذا نكحت مسلما بالأولى كما في فتح القدير لأن الكلام فيما إذا كانت كتابية كما في التتارخانية.
وأفاد بإضافة النكاح إليها أنه بمعنى العقد فتصير ذمية بمجرده من غير توقف على الدخول كما أشار إليه الشارح وظاهر كلام المصنف أن النكاح حادث بعد دخولها دارنا وهو ليس بشرط فلو قال أو صار لها زوج مسلم أو ذمي لكان أولى ليشمل ما إذا دخل المستأمن بامرأته دارنا ثم صار الزوج ذميا فليس لها الرجوع وكذا لو أسلم وهي كتابية بخلاف ما إذا أسلم وهي مجوسية وليشمل ما إذا تزوج مستأمن مستأمنة في دارنا ثم صار الرجل ذميا ولو أسلم وهي كتابية ثم أنكرت أصل النكاح فأقام الزوج بينة من المسلمين أو من أهل الذمة على أصل النكاح أو إقرارها به في دار الحرب لم يلتفت القاضي إلى هذه البينة وإن برهن على إقرارها به في دارنا قبلت ومنعت من اللحاق كما لو أقرت بين يدي القاضي كذا ذكره السرخسي وذكر الهندواني أنها تقبل مطلقا كذا في التتارخانية.
قوله: "لا عكسه" أي لا يصير المستأمن ذميا إذا نكح ذمية لأنه يمكنه أن يطلقها فيرجع إلى بلده فلم يكن ملتزما المقام وكذا لو دخلا إلينا بأمان فأسلمت فله أن يرجع إلى دار الحرب وفي التتارخانية لو طالبته بصداقها فإن كان تزوجها في دار الإسلام فلها أن تمنعه الرجوع حتى يوفيها مهرها وإن كان تزوجها في دار الحرب فليس لها ذلك ا هـ.
ويعلم منه حكم الدين الحادث في دارنا الأولى وظاهره أنها إذا منعته للمهر فلم يقدر على وفائه حتى مضى حول كان ذميا وفي التتارخانية لو أن جندا من أهل الشرك أو قوما من

 

ج / 5 ص -167-       فإن رجع إليهم وله وديعة عند مسلم أو ذمي أو دين حل دمه, فإن أسر أو ظهر عليهم سقط دينه وصارت وديعته فيئا وإن قتل ولم يظهر أو مات فقرضه ووديعته لورثته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهل الحصن استأمنوا وهم في معمعة القتال فأمنوهم وصاروا في أيدي المسلمين فأرادوا أن ينصرفوا إلى مأمنهم في دار الحرب لم يتركوا وصاروا ذمة ا هـ. وقد تقدم في الهداية في آخر كتاب الطلاق أنه جعل الحربي بالتزوج في دار الإسلام ذميا فهو مناقض لما ذكره هنا وقدمنا جوابه.
قوله: "فإن رجع إليهم وله وديعة عند مسلم أو ذمي أو دين حل دمه" أي فإن رجع المستأمن إلى دار الحرب فقد جاز قتله لأنه أبطل أمانه بالعود إليها وظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم بكونه ذميا أو بعده لأن الذمي إذا لحق بدار الحرب صار حربيا كما سيأتي وجواز قتله بعوده ليس موقوفا على كونه له دين أو وديعة فلو أسقطه لكان أولى.
قوله: "فإن أسر أو ظهر عليهم سقط دينه وصارت وديعته فيئا وإن قتل ولم يظهر أو مات فقرضه ووديعته لورثته" بيان الحكم أمواله المتروكة في دار الإسلام إذا رجع إلى دار الحرب فإن أمانه بطل في حق نفسه فقط وأما في حق أمواله التي في دارنا فباق ولهذا يرد عليه ماله وعلى ورثته من بعده.
وفي السراج لو بعث من يأخذ الوديعة والقرض وجب التسليم إليه.
وحاصل المسألة خمسة أوجه ففي ثلاثة يسقط دينه وتصير وديعته غنيمة الأول أن يظهروا على الدار ويأخذوه, الثاني أن يظهروا ويقتلوه, الثالث أن يأخذوه مسببا من غير ظهور فقوله فإن أسر بيان للثالث وقوله أو ظهر عليهم بيان للأولين لأنه أعم من أن يقتلوه أولا لكن شامل لما إذا ظهر عليهم وهرب وأن ماله يبقى له كما سيأتي فلا بد من التقييد في الظهور عليهم بأن يأخذوه أو يقتلوه وإنما صارت وديعته غنيمة لأنها في يده تقديرا لأن يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه وإنما سقط الدين لأن إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة وقد سقطت ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فتختص به فيسقط وينبغي أن تكون العين المغصوبة منه كدينه لعدم المطالبة وليست يد الغاصب كيده.
ولم يذكره المصنف حكم الرهن قالوا والرهن للمرتهن بدينه عند أبي يوسف وعند محمد يباع ويستوفى دينه والزيادة فيء للمسلمين وينبغي ترجيحه لأن ما زاد على قدر الدين في

 

ج / 5 ص -168-       وإن جاءنا حربي بأمان وله زوجة ثم وولد ومال عند مسلم أو ذمي أو حربي فأسلم هنا ثم ظهر عليهم فالكل فيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم الوديعة وهي فيء فلو قال المصنف وصار ماله فيئا لكان أولى لأنه يخص الوديعة لأن ما عند شريكه ومضاربه وما في بيته في دارنا كذلك وفي وجهين يبقى ماله على حاله فيأخذه إن كان حيا أو ورثته إن مات الأول أن يظهروا على الدار فيهرب الثاني أن يقتلوه ولم يظهروا على الدار أو يموت لأن نفسه لم تصر مغنومة فكذلك ماله ولو عبر بالدين بدل القرض لكان أولى ليشمل سائر الديون ثم اعلم أن ماله وإن كان غنيمة لا خمس فيه وإنما يصرف كما يصرف الخراج والجزية لأنه مأخوذ بقوة المسلمين. من غير قتال بخلاف الغنيمة لأنه مملوك بمباشرة الغانمين وبقوة المسلمين.
وفي التتارخانية وديعته فيء لجماعة المسلمين عند أبي يوسف وقال محمد تكون فيئا للسرية التي أسرت الرجل ويعتق مدبره الذي دبره في دارنا وأم ولده بأسره وفي المغرب ظهر عليه غلب وظهر على اللص غلب ا هـ.
فينبغي ضبط المختصر بالبناء للمجهول كما لا يخفى ولم أر حكم ما إذا كان على المستأمن دين لمسلم أو ذمي أدانه في دارنا ثم رجع ولا يخفى أنه باق لبقاء المطالبة وينبغي أو يوفي من ماله المتروك ولو صارت وديعته فيئا ا هـ.
قوله: "وإن جاءنا حربي بأمان وله زوجة ثم وولد ومال عند مسلم أو ذمي أو حربي فأسلم هنا ثم ظهر عليهم فالكل فيء" بيان لحكم ما تركه المستأمن في دار الحرب ثم صار من أهل دارنا إما بإسلامه أو بصيرورته ذميا فتقييده بإسلامه في المختصر ليفهم منه حكم الآخر بالأولى أما المرأة وأولاده الكبار فلأنهم حربيون كبار وليسوا بأتباع وكذلك ما في بطنها لو كانت حاملا لما قلنا أنه جزؤها وأما أولاده الصغار فلأن الصغير إنما يتبع أباه في الإسلام عند اتحاد الدار ومع تباين الدارين لا يتحقق ولذا أطلق في الولد ليشمل الكبير والصغير والجنين ولو سبي الصبي في هذه المسألة وصار في دار الإسلام فهو مسلم تبعا لأبيه لأنهما اجتمعا في دار واحدة بخلاف ما قبل إخراجه وهو فيء على كل حال وأما أمواله فإنها لا تصير محرزة بإحراز نفسه لاختلاف الدارين فبقي الكل غنيمة وعمم المودع لعدم الفرق فإن قلت قوله عليه السلام
"عصموا مني دماءهم وأموالهم"1 يخالفه قلت هذا باعتبار الغلبة يعني المال الذي في يده وما هو في معناه بالعرف لأن من دأب الشرع بناء الحكم على الغلبة كذا في البناية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

ج / 5 ص -169-       وإن أسلم ثمة فجاءنا فظهر عليهم فولده الصغير حر مسلم وما أودعه عند مسلم أو ذمي فهو له وغيره فيء, ومن قتل مؤمنا خطأ الأولى له أو حربيا جاءنا بأمان فأسلم فديته على عاقلته للإمام, وفي العمد القتل أو الدية لا العفو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإن أسلم ثمة فجاءنا فظهر عليهم فولده الصغير حر مسلم وما أودعه عند مسلم أو ذمي فهو له وغيره فيء" بيان لحكم متروك الحربي إذا أسلم في دار الحرب وجاء إلينا مسلما وترك أمواله وأولاده ثم ظهرنا على أهل الحرب أما الولد الصغير فهو تبع لأبيه حين أسلم إذ الدار واحدة فكان حرا ملما وما كان من وديعة له عند مسلم أو ذمي فهو له لأنه في يد محترمة ويده كيده وما سوى ذلك فهو فيء فأما المرأة وأولاده الكبار فلما قلنا وأما المال الذي في يد الحربي فلأنه لم يصر معصوما لأن يد الحربي ليست يدا محترمة وشمل غيره العين المغصوبة في يد المسلم أو الذمي فيكون فيئا لعدم النيابة كذا في فتح القدير.
قوله: "ومن قتل مؤمنا خطأ الأولى له أو حربيا جاءنا بأمان فأسلم فديته على عاقلته للإمام" لأنه قتل نفسا معصومة خطأ فيعتبر بسائر النفوس المعصومة ومعنى قوله للإمام أن حق الأخذ له لأنه لا وارث له لا أنه يملكه الإمام بل يوضع في بيت المال وهو المقصود من ذكره هاهنا وإلا فحكم القتل الخطأ معلوم ولذا لم ينص على الكفارة لما سيأتي في الجنايات فإنه لا ولي له ولو اقتصر على المسألة الأولى لشملت الثانية لأن الحربي إذا أسلم في دارنا ولم يكن معه وارث فإنه لا ولي له وإن كان له أولاد في دار الحرب.
قوله: "وفي العمد القتل أو الدية لا العفو" أي لو قتل من لا ولي له عمدا خير الإمام إن شاء قتله وإن شاء أخذ الدية لبيت المال لأن النفس معصومة والقتل عمد والولي معلوم وهو السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما في الحديث1 وأخذه الدية بطريق الصلح برضا القاتل لأن موجب العمد هو القود عينا وهذا لأن الدية وإن كانت أنفع للمسلمين من قتله لكن قد يعود عليهم من قتله منفعة أخرى هو أن ينزجر أمثاله عن قتل المسلمين وليس للإمام العفو لأن الحق للعامة وولايته نظرية وليس من النظر إسقاط حقهم من غير عوض وشمل كلامه اللقيط فإن قتل خطأ فالدية للإمام قتله الملتقط أو غيره وإن قتل عمدا خير كما في الكتاب وهو قولهما وقال أبو يوسف ليس له القصاص لأنه لا يخلو عن الوارث غالبا أو هو محتمل فكان فيه شبهة وهو يسقط بها ولهما أن المجهول الذي لا يمكن الوصول إليه ليس بولي لأن الميت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهوة قوله عليه السلام
"السلطان ولي من لا ولي له" وأخرجه الترمذي في النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي "1102" وابن ما جة في لا نكاح إلا بولي "1879".

 

ج / 5 ص -170-       ..................................
______________
لا ينتفع به فصار كالعدم فتنتقل الولاية إلى السلطان كما في الإرث كذا ذكره الشارح وهو يفيد أن من لا وارث له معلوم فإرثه لبيت المال وإن احتمل أن يكون له وارث وكذا من لا وارث له ظاهرا إذا أوصى بجميع ماله لأجنبي فإنه يعطي كل ماله وإن احتمل مجيء وارث لكن بعد التأني كما لا يخفى والله أعلم.
 

4- باب العشر والخراج والجزية.
 أرض العرب وما أسلم أهله أو فتح عنوة وقسم بين الغانمين عشرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- "باب العشر والخراج والجزية"
بيان لما يؤخذ من الذمي بعد بيان ما يصير به ذميا وذكر العشر تتميم للوظائف المالية وقدمه لما فيه من معنى العبادة.
والعشر بضم العين واحد العشرة والخراج اسم لما يخرج من غسلة الأرض أو الغلام ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجا يقال فلان أدى خراج أرضه.
قوله: "أرض العرب وما أسلم أهله أو فتح عنوة وقسم بين الغانمين عشرية" أما أرض العرب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين لم يأخذوا الخراج من أرض العرب وتعقبه في البناية* بأنه ليس له أصل في كتب الحديث ولم يجب عنه وجوابه أن العدم لا يحتاج إلى أصل لأنه لو أخذ منهم الخراج لنقل ولما لم ينقل دل على عدمه ولأنه بمنزلة الفيء فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد العراق ومشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.
وذكر في المغرب معزيا إلى كتاب العشر والخراج أبو يوسف في الأمالي حدود أرض العرب ما وراء حدود أرض الكوفة إلى أقصى صخر باليمن وعن محمد من عدن أبين إلى الشام وما والاها. وفي شرح القدوري قال الكرخي هي أرض الحجاز وتهامة واليمن ومكة والطائف والبرية يعني البادية قال وقال محمد أرض العرب من العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بهمزة وهذه العبارات مما لم أجده في كتب اللغة وقد ظهر أن من روى إلى أقصى حجر بالسكون وفسره بالجانب فقد حرف لوقوع صخر موقعه وكأنهما ذكرا ذلك تأكيدا للتحديد وإلا فهو عنه مندوحة ا هـ. ما في المغرب وجزيرة العرب بمعنى أرضها ومحلتها.
وفي البناية العذيب بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة وبالباء الموحدة ماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الأصل العناية.

 

ج / 5 ص -171-       والسواد وما فتح عنوة وأقر أهله عليه أو فتح صلحا خراجية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتميم والحجر بفتحتين بمعنى الصخرة ومهرة بفتح الهاء والسكون اسم رجل وقيل اسم قبيلة ينسب إليها الإبل المهرية وسمي ذلك المقام به فيكون بمهرة بدلا من قوله باليمن ا هـ.
وأما إذا أسلم أهلها أو فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين فلأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم والعشر أليق به لما فيه من معنى العبادة وكذا هو أحق حيث يتعلق بنفس الخارج والعنوة بالفتح القهر كذا في المغرب.
قوله: "والسواد وما فتح عنوة وأقر أهله عليه أو فتح صلحا خراجية" أما السواد فالمراد به سواد العراق فلأن عمر رضي الله عنه وضع عليه الخراج بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم1 وهو أشهر من أن يتنقل فيه أثر معين.
وفي البناية المراد بالسواد القرى وبه صرح التمرتاشي وسمي السواد لخضرة أشجاره وزروعه وقال الإترازي2 المراد من السواد المذكور سواد الكوفة وهو سواد العراق وحده من العذيب إلى عقبة حلوان عرضا ومن العلث إلى عبادان طولا وأما سواد البصرة فالأهواز وفارس ا هـ. وتقدم ضبط العذيب وحلوان بضم الحاء اسم بلد والعلث بفتح العين المهملة وسكون اللام بالثاء المثلثة قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة وهو أول العراق وعبادان بتشديد الباء الموحدة حصن صغير على شط البحر وفي المثل ما وراء عبادان قرية.
وفي شرح الوجيز طول سواد العراق مائة وستون فرسخا وعرضه ثمانون فرسخا ومساحته ستة وثلاثون ألف ألف جريب كذا في البناية وأما ما أقر أهلها عليها سواء فتحت قهرا أو صلحا فلأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به ويلحق بما أقر أهله عليه ما نقل إليها غير أهلها من الكفار فإنها خراجية كما ذكره الإسبيجابي.
وأطلق المصنف فيما أقر أهله عليه تبعا للقدوري وقيده في الجامع الصغير على ما في الهداية بأن يصل إليها ماء الأنهار لتكون خراجية وما لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر لأن العشر يتعلق بالأراضي النامية ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج ا هـ. وهو مشكل لأنا نقطع بأن الأرض التي أقر أهلها عليها لو كانت تسقى بعين أو بماء السماء لم تكن الإخراجية لأن أهلها كفار والكفارة ولو انتقلت إليهم أرض عشرية ومعلوم أن العشرية قد تسقى بعين أو بماء السماء لا تبقى على العشرية بل تصير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/438".
2 لم أعثر على ترجمته.

 

ج / 5 ص -172-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خراجية في قول أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد فكيف بدأ الكافر بتوظيف العشر ثم كونها عشرية عند محمد إذا انتقلت إليه كذلك أما في الابتداء فهو أيضا يمنعه والعبارة التي نقلها عن الجامع في غاية البيان ليست كما في الهداية.
وقد أطال المحقق في فتح القدير في تقريره ثم قال. والحاصل أن التي فتحت عنوة وإن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ولو سقيت بماء المطر وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر وإن سقيت بماء الأنهار وإذا كان كذلك فالتفصيل في الأرض المحياة التي لم تقسم ولم يقر أهلها عليها بأن أحياها مسلم فإن وصل إليها ماء الأنهار فهي خراجية أو ماء عين ونحوه فعشرية ا هـ.
وفي التبيين أن التفصيل في حق المسلم أما الكافر فيجب عليه الخراج من أي ماء سقى لأن الكافر لا يبتدأ بالعشر فلا يتأتى فيه التفصيل في حالة الابتداء إجماعا إلى آخره ومعنى قوله وأقر أهلها عليها أن الإمام أقرهم على ملكهم للأراضي قال في الهداية وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها.
وفي التتارخانية فإن أسلموا سقطت الجزية عن رءوسهم ولا يسقط الخراج عن أراضيهم ا هـ. وإذا باعها انتقلت بوظيفتها من الخراج وكذا إذا مات انتقلت إلى ورثته كذلك وإذا وقفها مالكها بقي الخراج على حاله كما صرحوا بوجوبه في أرض الوقف وأرض الصبي والمجنون.
وفي الهداية أن عمر رضي الله عنه وضع على مصر الخراج حين افتتحها عمرو بن العاص رضي الله عنه1 وكذا أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على وضع الخراج على الشام2 ا هـ.
وفي فتح القدير المأخوذ الآن من أراضي مصر إنما هو بدل إجارة لا خراج ألا ترى أن الأراضي ليست مملوكة للزراع وهو بعدما قلنا إن أرض مصر خراجية والله أعلم كأنه لموت المالكين شيئا فشيئا من غير اختلاف ورثة فصارت لبيت المال وينبغي على هذا أن لا يصح بيع الإمام ولا شراؤه من وكيل بيت المال لشيء منها لأن نظره في مال المسلمين كنظره في مال اليتيم فلا يجوز له بيع عقاره إلا لضرورة عدم وجود ما ينفقه سواه فلذا كتبت في فتوى رفعت إلي في شراء السلطان الأشرف برسباي3 الأرض ممن ولاه نظر بيت المال هل يجوز شراؤه منه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكرع الزيلعي في نصب الراية "3/438".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/438".
3 هو برسباي الدقماقي الظاهري أبو النصر صاحب مصر جركسي لأصل كان من ممالك الأمير "دقماقٍ" المحمدي ولقب بالملك "الأشرفٍ" سنة أربع وعشرين وثمانمائة, فأطاعه الأمراء وه0دأت البلاد...................==

 

ج / 5 ص -173-       ولو أحيا أرضا مواتا يعتبر قربه, والبصرة عشرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو الذي ولاه فكتبت إذا كان بالمسلمين حاجة والعياذ بالله تعالى جاز ذلك ا هـ. كأنه أجاب لا يجوز كما لا يخفى وهو مبني على قول المتقدمين. أما على قول المتأخرين المفتى به لا ينحصر جواز بيع عقار اليتيم فيما ذكر بل فيه وفيما إذا كان على الميت دين لا وفاء له إلا منه أو رغب فيه بضعف قيمته فكذلك نقول للإمام بيع العقار لغير حاجة إذا رغب فيه بضعف قيمته على المفتى به وهذه مسألة مهمة وقع النزاع فيها في زماننا في تفتيش وقع من نائب مصر على الرزق في سنة ثمان وخمسين وتسعمائة حتى ادعى بعضهم بأن المبايعات للأراضي من بيت المال غير صحيحة ليتوصل بذلك إلى إبطال الأوقاف والخيرات وهو مردود بما ذكرناه ثم قدم بعد ذلك بيسير شخص ولاه السلطان أمر الأوقاف فطلب أن يحدث على أراضي الأوقاف خراجا متمسكا بأن الخراج واجب في أرض الوقف وهو مردود عليه بما نقلناه عن المحقق ابن الهمام من أن الخراج ارتفع عن أراضي مصر إنما المأخوذ منها أجرة فصارت الأراضي بمنزلة دور السكنى لعدم من يجب عليه الخراج فإذا اشتراها إنسان من الإمام بشرطه شراء صحيحا ملكها ولا خراج عليها فلا يجب عليه الخراج لأن الإمام قد أخذ البدل للمسلمين فإذا وقفها سالمة من المؤن فلا يجب الخراج فيها وتمامه فيما كتبناه في تلك السنة المسمى بالتحفة المرضية في الأراضي المصرية1. ا هـ.
قوله: "ولو أحيا أرضا مواتا يعتبر قربه" أي لو أحيا المسلم والمراد بالقرب أنها إن كانت بقرب أرض الخراج فهي خراجية وإن كانت بقرب أرض العشر فهي عشرية وهذا عند أبي يوسف لأن ما قرب من الشيء أخذ حكمه كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به وإن لم تكن ملكا له ولذا يجوز إحياء ما قرب من العامر واعتبر محمد الماء فإن أحياها بماء الخراج فهي خراجية وإلا فعشرية. قيدنا بالمسلم لأن الكافر يجب عليه الخراج مطلقا كذا في الشرح وقدمناه ا هـ.
قوله: "والبصرة عشرية" نص عليها لأن مقتضى ما سبق أن تكون خراجية لأنها من حيز أرض الخراج لكن ترك القياس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على توظيف العشر عليها كذا في غاية البيان وفيه نظر لأن الحيز إنما يعتبر في الأرض المحياة والبصرة لم تكن محياة وإنما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
== في أيامه, زأنشأ مدارس بمصر وعمارات نافعة قال ابن إياس في جملة وصفة له: "كان ملكا جليلا مبجلا منقادا للشريعة يحب أهل العلم..." كانت وفاته بالقاهرة سنة إحدى وأربعين وثمنمائة هجرية. ا هـ.
1 ازظر كشف الظنون "1/374".

 

ج / 5 ص -174-       وخراج جريب صلح للزارعة صاع ودرهم وفي جريب الرطبة خمسة دراهم وفي جريب الكرم والنخل المتصل عشرة دراهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عنوة فقياس ما مضى أن تكون خراجية كما أشار إليه في التبيين كما خرج عن القياس مكة المشرفة فإن القياس وضع الخراج عليها لكونها فتحت عنوة ومع ذلك لم يوظف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الخراج تعظيما لها ولأهلها فكما لا رق على العرب فكذلك لا خراج على أراضيهم كذا في البناية.
قوله: "وخراج جريب صلح للزارعة صاع ودرهم وفي جريب الرطبة خمسة دراهم وفي جريب الكرم والنخل المتصل عشرة دراهم" بيان للخراج الموظف وهذا هو المنقول عن عمر رضي الله عنه فإنه بعث عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق وجعل حذيفة مشرفا فمسح فبلغ ستا وثلاثين ألف ألف جريب1 ووضع على ذلك ما قلناه وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير فكان إجماعا منهم ولأن المؤن متفاوتة فالكرم أخفها مؤنة والمزارع أكثرها مؤنة والرطاب بينهما والوظيفة تتفاوت بتفاوتها فجعل الواجب في الكرم أعلاها وفي الزرع أدناها وفي الرطبة أوسطها.
والجريب أرض طولها ستون ذراعا وعرضها كذلك لكن اختلف في الذراع ففي كتب الفقه أنه سبع قبضات وهو ذراع كسرى يزيد على ذراع العامة بقبضة. وفي المغرب أنه ست قبضان والقبضة أربع أصابع ا هـ.
وفي الكافي ما قيل الجريب ستون في ستين حكاية عن جريبهم في أراضيهم وليس بتقدير لازم في الأراضي كلها بل جريب الأرض يختلف باختلاف البلدان فيعتبر في كل بلد متعارف أهله ا هـ.
وهذا يقتضي أن يعتبر في مصر الفدان فإنهم لا يعرفون غيره لكن ما في الكافي مردود والمعول عليه ما ذكرنا من التقدير كما في فتح القدير.
وقيد بصلاحيته لأنه لا شيء في غير الصالح لها وأطلقه فشمل ما زرعه صاحبه في السنة مرة أو مرارا أو لم يزرعه ولم يذكرها تقدير الصاع للاكتفاء بما قدمه في صدقة الفطر من أنه ثمانية أرطال وأطلقه فشمل كل مزروع فيه فيؤخذ قفيز مما زرع حنطة أو شعير أو عدسا أو ذرة وهو الصحيح ولم يقدر الدرهم للاكتفاء بما ذكره في الزكاة من أن العشرة منها بوزن سبعة مثاقيل وذكر العيني أنه يعطي الدرهم من أجود النقود الرطبة بفتح الراء الأسفست الرطب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/440" والتهانوي في إعلاء السنن "12/419".

 

ج / 5 ص -175-       وإن لم تطق ما وظف نقص بخلاف الزيادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجمع رطاب وفي كتاب العشر البقول غير الرطاب وإنما البقول مثل الكراث والرطاب هو القثاء والبطيخ والباذنجان وما يجري مجراه والأول هو المذكور فيما عندي من كتب اللغة فحسب كذا في المغرب وفي العيني الرطبة البرسيم ا هـ. وينبغي أن يفسر بما في كتاب العشر كما لا يخفى وأفاد المصنف رحمه الله أنه يؤخذ من الرطبة شيء من الخارج وقيد بالاتصال لأنها لو كانت متفرقة في جوانب الأرض ووسطها مزروعة فلا شيء فيها وكذا لو غرس أشجارا غير مثمرة ولو كانت الأشجار ملتفة لا يمكن زراعة أرضها فهي كرم ذكره في الظهيرية.
وفي شرح الطحاوي ولو أنبت أرضه كرما فعليه خراجها إلى أن تطعم فإذا أطعمت فإن كان ضعف وظيفة الكرم ففيه وظيفة الكرم وإن كان أقل فنصفه إلى أن ينقص عن قفيز ودرهم فإن نقص فعليه درهم وقفيز ا هـ.
وفي البناية المتصل ما يتصل بعضه ببعض على وجه تكون كل الأرض مشغولة بها وفي الهداية وفي ديارنا وظفوا من الدراهم في الأراضي كلها وترك كذلك لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان ا هـ.
قلت وكذا في غالب أراضي مصر لا يؤخذ خراجها إلا دراهم بخلاف أراضي الصعيد فإن غالب خراجها القمح ولم يذكر المصنف ما سوى ذلك من الأصناف كالزعفران والبستان وغيره لأنه يوضع عليها بحسب الطاقة لأنه ليس فيه توظيف عمر رضي الله عنه وقد اعتبر في ذلك الطاقة فنعتبرها فيما لا توظيف فيه قالوا أو نهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج لا يزاد عليه لأن التنصيف عين الإنصاف لما كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين.
والبستان كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل متفرقة وأشجار ولم يذكر المصنف خراج المقاسة لظهوره فإذا من الإمام عليهم جعل على أراضيهم نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه. قال في السراج الوهاج لا يزاد على النصف ولا ينقص عن الخمس.
قوله: "وإن لم تطق ما وظف نقص بخلاف الزيادة" أي وإن لم تطق الأرض ما جعل عليها من الخراج الموظف السابق نقض عنها ما لا تطيقه وجعل عليها ما تطيقه بخلاف الزيادة على ما وظفه عمر رضي الله عنه فإنها لا تجوز وإن طاقتها الأرض لقول عمر رضي الله عنه لعامليه لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق فقالا بل حملناها ما تطيق ولو زدنا لأطاقت1 وهو دال على ما ذكرناه من الأمرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضئل الصحاية, باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه "3700" وذكره التهانوي في إعلاء السنن "12/425" والزيلعي في نصب الراية "3/441".

 

ج / 5 ص -176-       ولا خراج إن غلب على أرضه الماء أو انقطع أو أصاب الزرع آفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلقه فشمل الأراضي التي صدر التوظيف فيها من عمر رضي الله عنه أو من إمام بمثل وظيفة عمر وهو مجمع عليه وأما إذا أراد الإمام توظيف الخراج على أرض ابتداء وزاد على وظيفة عمر رضي الله عنه فإنه لا يجوز عند أبي حنيفة وهو الصحيح لأن عمر رضي الله عنه لم يزد لما أخبراه بزيادة الطاقة كذا في الكافي ومعناه أن الأرض التي فتحت بعد عمر رضي الله عنه لو كانت تزرع الحنطة فأراد أن يضع عليها درهمين وقفيزا وهي تطيقه ليس له ذلك ومعنى عدم الإطاقة أن الخارج منها لم يبلغ ضعف الخراج الموظف فينقص منه إلى نصف الخارج كذا أفاده في الخلاصة وظاهر ما في الكتاب أن النقصان عند الإطاقة لا يجوز وليس كذلك فقد نقل في البناية عن الكاكي أنه إذا جاز النقصان عند قيام الطاقة فعند عدم الطاقة بالطريق الأولى.
قوله: "ولا خراج إن غلب على أرضه الماء أو انقطع أو أصاب الزرع آفة" لأنه فات التمكن من الزراعة وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج وفيما إذا اصطلم الزرع آفة فات النماء التقديري بري في بعض الحول وكونه ناميا في جميع الحول شرط كما في الزكاة أو يدار الحكم على الحقيقة عند خروج الخارج.
أطلقه فشمل ذهاب كل الخارج أو بعضه وهو مقيد بالأول أما في الثاني قال محمد إن بقي مقدار الخراج ومثله بأن بقي مقدار درهمين وقفيزين يجب الخراج وإن بقي أقل من مقدار الخراج يجب نصفه قال مشايخنا والصواب في هذا أن ينظر أولا إلى ما أنفق هذا الرجل في هذه الأرض ثم ينظر إلى الخارج فيحسب ما أنفق أولا من الخارج فإن فضل منه شيء أخذ منه مقدار ما بينا وما ذكر في الكتاب أن الخراج يسقط بالاصطلام محمول على ما إذا لم يبق من السنة مقدار ما يمكنه أن يزرع الأرض أما إذا بقي ذلك لا يسقط الخراج كذا في الفوائد.
وأطلق الآفة وهو مقيد بالآفة السماوية التي لا يمكن الاحتراز عنها كالغرق والاحتراق وشدة البرد أما إذا كانت غير سماوية ويمكن الاحتراز عنها كأكل القردة والسباع والأنعام ونحو ذلك لا يسقط الخراج وقال بعضهم يسقط والأول أصح وذكر شيخ الإسلام أن هلاك الخارج قبل الحصاد يسقط كذا في السراج الوهاج ومنه يعلم أن الدودة والفأرة إذا أكلا الزرع لا يقسط الخراج.
وقيد بالزرع وهو اسم للقائم لأنه لو هلك بعد الحصاد لا يسقط كما أشار إليه شيخ الإسلام. وقيد بالخراج لأن الأجرة تسقط بالأوليين وأما بالثالث فذكر الولوالجي في فتاواه إذا استأجر أرضا للزراعة سنة ثم اصطلم الزرع آفة قبل مضي السنة فما وجب من الأجر قبيل

 

ج / 5 ص -177-       وإن عطلها صاحبها أو أسلم أو اشترى مسلم أرض خراج يجب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاصطلام لا يسقط وما وجب بعد الاصطلام يسقط لأن الأجر إنما يجب بإزاء المنفعة شيئا فشيئا فما استوفى من المنفعة وجب عليه الأجر وما لم يستوف انفسخ العقد في حقه وفي بعض الروايات لا يسقط شيء والاعتماد على ما ذكرنا فرق بين هذا وبين الخراج فإنه يسقط ا هـ.
قال شمس الأئمة ومما حمد من سير الأكاسرة أنهم إذا أصاب بعض زرع الرعية آفة غرموا له ما أنفق في الزراعة من بيت مالهم وقال: التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فإذا لم يعطه الإمام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج ا هـ.
قوله: "وإن عطلها صاحبها أو أسلم أو اشترى مسلم أرض خراج يجب" أي الخراج أما الأول فلأن التمكن كان ثابتا وهو الذي فوته قالوا من انتقل إلى أحسن الأمرين من غير عذر فعليه خراج الأعلى لأنه هو الذي ضيع الزيادة كما إذا كانت صالحة للزعفران فزرع الشعير وهذا يعرف ولا يفنى به كي لا يتجرأ الظلمة على أخذ أموال الناس لأنا لو أفتينا بذلك يدعي كل ظالم في أرض ليس هذا شأنها أنها كانت تزرع الزعفران فيأخذ خراجه فيكون ظلما وعدوانا.
قيد بكونه المعطل لأنه لو منعه إنسان من الزراعة لا يجب عليه الخراج لعدم التمكن.
وقيد بالخراج الموظف لأن كلامه فيه لأنه لو كان خراج مقاسمة فلا شيء عليه بالتعطيل كذا في السراج الوهاج وأشار بنسبة التعطيل إليه إلى أنه كان متمكنا من الزراعة ولم يزرع فلو عجز المالك عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه فللإمام أن يدفعها إلى غيره مزارعة ويأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي للمالك وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة وإن شاء زرعها بنفقة من بيت المال فإن لم يتمكن من ذلك ولم يجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها الخراج وهذا بلا خلاف وعن أبي يوسف يدفع للعاجز كفايته من بيت المال فيعمل فيها قرضا وفي جمع الشهيد باع أرضا خراجية فإن بقي من السنة مقدار ما يتمكن المشتري من الزراعة فالخراج عليه وإلا فعلى البائع كذا في البناية وقد قدمناه أن أرض مصر الآن ليست خراجية إنما هي بالأجرة فلا شيء على الفلاح لو عطلها ولم يكن مستأجرا لها ولا جبر عليه بسببها وبه علم أن بعض المزارعين إذا ترك الزراعة وسكن في مصر فلا شيء عليه فما يفعله الظلمة من الأضرار به فحرام خصوصا إذا أراد الاشتغال بالقرآن والعلم كمجاوري الجامع الأزهر وأما الثاني وهو أن من أسلم من أهل الخراج فإنه يؤخذ منه الخراج على حاله لأن فيه معنى المؤنة فيعتبر مؤنة في حالة البقاء فأمكن إبقاؤه على المسلم وأما الثالث وهو إذا اشترى

 

ج / 5 ص -178-       ولا عشر في خارج أرض الخراج. فصل. الجزية لو وضعت بتراض لا يعدل عنها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسلم من ذمي أرض خراج فلما قلنا وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها فدل على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه للمسلم من غير كراهية.
قوله: "ولا عشر في خارج أرض الخراج" لقوله عليه السلام
"لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم"1 كما رواه أبو حنيفة في مسنده ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما وكفى بإجماعهم حجة ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا والعشر يجب في أرض أسلم أهلها طوعا والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة وسبب الحقين واحد وهو الأرض النامية إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا وفي الخراج تقديرا ولهذا يضافان إلى الأرض وعلى هذا الخلاف الزكاة مع أحدهما والحد والعقر والجلد والنفي والرجم وزكاة التجارة وصدقة الفطر والقطع والضمان كذا في السراج الوهاج وكذا التيمم مع الوضوء وكذا الحبل مع الحيض والحيض مع النفاس.
"فروع"
لا يتكرر الخراج بتكرر الخارج في سنة إذا كان موظفا وإن كان خراج مقاسمة تكرر لتعلقه بالخارج حقيقة كالعشر ولو وهب السلطان لإنسان خراج أرضه ليس له أن يقبل وأن كان مصرفا له أن يقبل ولو ترك السلطان لإنسان خراج أرضه جاز عند أبي يوسف وقال محمد لا يجوز والفتوى على قول أبي يوسف إن كان صاحب الأرض مصرفا له ولو ترك له عشر أرضه لا يجوز بالإجماع ويخرجه بنفسه ويعطيه للفقراء والله أعلم.
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عدي في الكامل "7/255" وذكره الزيلعي في نصب الراية "3/442" والتهانوي في إعلاء السنن "12/447" وفي جامع مسانيد أبي حنيفة "1/462".
 

 فصل. الجزية لو وضعت بتراض لا يعدل عنها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فصل" في الجزية. "
الجزية لو وضعت بتراض لا يعدل عنها" لأن الموجب هو التراضي فلا يجوز التعدي إلى غير ما وقع عليه التراضي وقد صالح عليه السلام بني نجران على ألف ومائتي2 حلة والجزية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 أخرجه أبو داود في سننه من حديث ابن عباس كتاب الخراج باب في أخذ الجزية بلفظ "ألفي حلة" "3041" وذكره الزيلعي في نصب الراية بلفظ "ألف ومائتي حلة".

 

ج / 5 ص -179-       وإلا توضع على الفقير في كل سنة اثنا عشر درهما وعلى وسط الحال ضعفه وعلى المكثر ضعفه. وتوضع على كتابي ومجوسي ووثني عجمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم لما يؤخذ من أهل الذمة والجمع جزى كلحية ولحى لأنها تجزئ عن القتل أي تقضي وتكفي فإذا قبلها سقط عنه القتل.
قوله: "وإلا توضع على الفقير في كل سنة اثنا عشر درهما وعلى وسط الحال ضعفه وعلى المكثر ضعفه" أي إن لم توضع بالتراضي وإنما وضعت قهرا بأن غلب الإمام على الكفار وأقرهم على أملاكهم ومذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار ولأنه وجب نصرة للمقاتلة فيجب على التفاوت بمنزلة خراج الأرض وهذا لأنه وجب بدلا عن النصرة بالنفس والمال وذلك يتفاوت بكثرة الوفد وقتله فكذا ما هو بدله وظاهر كلامهم أن حد الغنى والمتوسط والفقر لم يذكر في ظاهر الرواية ولذا اختلف المشايخ فيه وأحسن الأقوال ما اختاره في شرح الطحاوي من أن من ملك عشرة آلاف درهم فصاعدا فهو غني والمتوسط من يملك مائتي درهم فصاعدا والفقير الذي يملك ما دون المائتين أو لا يملك شيئا.
وأشار بقوله في كل سنة إلى أن وجوبها في أول الحول وإنما الحول تخفيف وتسهيل وفي الهداية أنه يؤخذ من الغني في كل شهر أربعة دراهم ومن المتوسط درهمان ومن الفقير درهم وهذا الأجل التسهيل عليه لا بيان للوجوب لأنه بأول الحول كما ذكرنا كذا في البناية. وأطلق الفقير هنا اكتفاء بما ذكره بعده من أن الفقير غير المعتمل لا جزية عليه والمعتمل هو القادر على العمل وإن لم يحسن حرفة وفي السراج المعتمل القادر على تحصيل الدراهم والدنانير بأي وجه كان وإن لم يحسن الحرفة.
وقال الكاكي والمعتمل هو المكتسب والاعتمال الاضطراب في العمل وهو الاكتساب فلو كان مريضا في السنة كلها أو نصفها أو أكثرها لا تجب عليه ولو ترك العمل مع القدرة عليه فهو كالمعتمل كمن قدر على الزراعة ولم يزرع وظاهر كلام المختصر أن القدرة على العمل شرط في حق الفقير فقط لقوله وفقير غير معتمل وليس كذلك بل هو شرط في حق الكل ولذا قال في البناية وغيرها لا يلزم الزمن منهم وإن كان مفرطا في اليسار وكذا لو مرض نصفها كما في الشرح فلو حذف الفقير لكان أولى وفي فتح القدير ويعتبر وجود هذه الصفات في آخر السنة ا هـ. وينبغي اعتبارها في أولها لأنه وقت الوجوب.
قوله: "وتوضع على كتابي ومجوسي ووثني عجمي" لقوله تعالى
{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] الآية ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على

 

ج / 5 ص -180-       لا عربي ومرتد وصبي وامرأة وعبد ومكاتب وزمن وأعمى وفقير غير معتمل وراهب لا يخالط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجوس1 وأما عبدة الأوثان من العجم فلأنه يجوز استرقاقهم فيجوز ضرب الجزية عليهم إذ كل واحد منهما يشتمل على سلب النفس منهم فإنه يكتسب ويؤدي إلى المسلمين ونفقته في كسبه وإن ظهر عليهم قبل وضع الجزية فهم ونساؤهم وصبيانهم فيء لجواز استرقاقهم لا فرق في ذلك بين الأنواع الثلاثة كما في العناية.
وأشار بتقييد الوثني بالعجمي دون الأولين إلى أن الكتابي والمجوسي لا فرق فيهما بين العرب والعجم كما في العناية أيضا.
والكتابي شامل لليهود والنصارى. ويدخل في اليهود السامرة لأنهم يدينون بشريعة موسى صلوات الله وسلامه عليه إلا أنهم يخالفونهم في فروع ويدخل في النصارى الفرنج والأرمن وفي الخانية وتؤخذ الجزية من الصابئة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما والمجوس عبدة النار والوثن ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت والجمع أوثان وكانت العرب تنصبها وتعبدها والعجم جمع العجمي وهو خلاف العربي وإن كان فصيحا والأعجمي الذي في لسانه عجمة أي عدم إفصاح بالعربية وإن كان عربيا كذا في المغرب.
وفي السراج الوثن ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له والصنم اسم لما كان على صورة الإنسان والصليب ما لا نقش فيه ولا صورة تعبد.
قوله: "لا عربي ومرتد وصبي وامرأة وعبد ومكاتب وزمن وأعمى وفقير غير معتمل وراهب لا يخالط" أي لا توضع الجزية على هؤلاء أما مشركو العرب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم أظهر والمراد بالعربي في عبارته عربي الأصل وهم عبدة الأوثان وأنهم أميون كما وصفهم الله تبارك وتعالى في كتابه فخرج الكتابي كما قدمناه فأهل الكتاب وإن سكنوا فيما بين العرب وتوالدوا فهم ليسوا بعربي الأصل.
وأما المرتد عربيا كان أو أعجميا فلأنه كفر بربه بعدما هدي إلى الإسلام ووقف على محاسنه فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام أو السيف زيادة في العقوبة وإذا ظهر عليهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية على المجوسس وفيه أحاديث منها ما في البخاري عن بجالة قال: "أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس حتى أشهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر" كتاب الجزية والموادعة, باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب "32156" وأبو داود في الخراج باب في أخذ الجزية من المجوس "3043".

 

ج / 5 ص -181-       وتسقط بالإسلام والموت والتكرر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنساؤهم وصبيانهم فيء لأن أبا بكر رضي الله عنه استرق نساء بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين1 إلا أن نساءهم وذراريهم يجبرون على الإسلام بخلاف ذراري عبدة الأوثان ونسائهم ومن لم يسلم من رجالهم قتل لما ذكرنا.
وأما عدم وضعها على الصبي والمرأة فلأنها وجبت بدلا عن القتل أو القتال وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية.
وأما عدم وضعها على المملوك فلأنها بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا وعلى اعتبار الثاني لا يجب فلا يجب بالشك وشمل العبد المدبر وأم الولد وقد وقع في الهداية ذكر أم الولد ولا ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الأحرار فكيف بأم الولد وإنما المراد ابن أم الولد وأفاد أنه لا يؤدي عنهم المولى لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم لأنهم صاروا أغنياء به فلو أدوا عنهم لكان وجوبها مرتين بسبب شيء واحد.
وأما عدمها على العاجز فلأنها وجبت بدلا عن القتال كما ذكرنا فدخل المفلوج والشيخ الكبير ولو كان له مال ولذا لم تجب على الراهب الذي لا يخالط الناس ولو كان قادرا على العمل لأنه لا يقتل والجزية لإسقاطه.
وفي البناية الزمن من زمن الرجل يزمن زمانة وهو عدم بعض أعضائه أو تعطيل قواه ا هـ.
وأما عدم وضعها عن الفقير الذي لا يعمل فلأن عثمان رضي الله عنه لم يوظفها عليه2 وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم كالأرض التي لا طاقة لها فإن الخراج ساقط عنها وغير المعتمل هو الذي لا يقدر على العمل والمعتمل المكتسب الذي يقدر على العمل وإن لم يحسن حرفة ويكتفي بصحته في أكثر السنة فإن مرض نصفها فلا جزية عليه ولو أدرك الصبي أو أفاق المجنون أو عتق العبد أو برئ المريض قبل وضع الإمام الجزية وضع عليهم وبعد وضع الجزية لا يوضع عليهم لأن المعتبر أهليتهم وقت الوضع بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث توضع عليه لأنه أهل للجزية وإنما سقطت عنه لعجزه وقد زال كذا في الاختيار.
قوله: "وتسقط بالإسلام والموت والتكرر" لأنها عقوبة على الكفر وعقوبة الكفر تسقط


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/450".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/453" وبنحوه التهانوي في إعلاء السنن "12/495" والمراد بقوله عثمان هخو عثمان بن حنيف.

 

ج / 5 ص -182-       ولا تحدث بيعة ولا كنيسة في دارنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالإسلام ولا تقام بعد الموت ولا فرق في المسقط بين أن يكون بعد تمام السنة أو في بعضها وكذا تسقط إذا عمي أو زمن أو أقعد أو صار شيخا كبيرا لا يستطيع العمل أو افتقر بحيث لا يقدر على شيء والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت كالحدود فلذا إذا اجتمعت عليه حولان تداخلت واختلف في معنى التكرار والأصح أنه إذا دخلت السنة الثانية سقطت جزية السنة الأولى لأن الوجوب بابتداء الحول بخلاف خراج الأرض فإنه بآخره لسلامة الانتفاع وفي الجوهرة الجزية تجب في أول الحول عند الإمام إلا أنها تؤخذ في آخره قبل تمامه بحيث يبقى منه يوم أو يومان وقال أبو يوسف تؤخذ الجزية حين تدخل السنة ويمضي شهران منها.
قيد بالجزية لأن الديون والأجرة والخراج لا يسقط بإسلام الذمي وموته اتفاقا واختلف في الخراج هل يسقط بالتداخل فقيل على الخلاف فعند الإمام يسقط وعندهما لا وقيل لا تداخل فيه بالاتفاق كالعشر لأنها مؤنة الأرض وينبغي ترجيح الأول لأن الخراج عقوبة بخلاف العشر.
"فروع في الجزية"
صرح في الهداية بأنها لا تقبل من الذمي لو بعثها على يد نائبه في أصح الروايات بل يكلف أن يأتي بنفسه فيعطي قائما والقابض منه قاعدا وفي رواية يأخذ بتلبيبه ويهزه هزا ويقول أعط الجزية يا ذمي ا هـ. أو يقول يا يهودي أو يا نصراني أو يا عدو الله كما في غاية البيان ولا يقال له يا كافر ويأثم القائل إن آذاه به كما في القنية وفي بعض الكتب أنه يصفع في عنقه حين أداء الجزية.
قوله: "ولا تحدث بيعة ولا كنيسة في دارنا" أي لا يجوز إحداثهما في دار الإسلام لقوله عليه السلام "لا إخصاء في الإسلام ولا كنيسة"1 والمراد إحداثهما.
وفي البناية يقال كنيسة اليهود والنصارى لمتعبدهم وكذلك البيعة كان مطلقا في الأصل ثم غلب استعمال الكنيسة لمتعبد اليهود والبيعة لمتعبد النصارى وفي فتح القدير وفي ديار مصر لا يستعمل لفظ البيعة بل الكنيسة لمتعبد الفريقين ولفظ الدير للنصارى خاصة والبيع بكسر الباء أطلق عموم دار الإسلام فشمل الأمصار والقرى وهو المختار كما في فتح القدير وقيده في الهداية بالأمصار دون القرى لأن الأمصار هي التي تقام فيها الشعائر فلا يعارض بإظهار ما يخالفها وقيل في ديارنا يمنعون من ذلك في القرى أيضا لأن فيها بعض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سننه من حديث ابن عباس كتاب السبق والرمي باب كراهية خصاء البهائم "10/24".

 

ج / 5 ص -183-       ويعاد المنهدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشعائر والمروي عن صاحب المذهب في قرى الكوفة لأن أكثر أهلها أهل الذمة وفي أرض العرب يمنعون من ذلك في أمصارها وقراها لقوله عليه السلام:
"لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"1 ا هـ. وشمل كلامه المواضع كلها.
وفي البناية قبل أمصار المسلمين ثلاثة:
أحدها ما مصره المسلمون منها كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط فلا يجوز فيها إحداث بيعة ولا كنيسة ولا مجتمع لصلاتهم ولا صومعة بإجماع العلماء ولا يمكنون فيه من شرب الخمر واتخاذ الخنزير وضرب الناقوس.
وثانيها ما فتحه المسلمون عنوة فلا يجوز إحداث شيء فيها بالإجماع.
وثالثها ما فتح صلحا فإن صالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج جاز إحداثهم وإن صالحهم على أن الدار لنا ويؤدون الجزية فالحكم في الكنائس على ما يوقع عليه الصلح فإن صالحهم على شرط تمكين الإحداث لا نمنعهم والأولى أن لا يصالحهم عليه وإن وقع الصلح مطلقا لا يجوز الإحداث ولا يتعرض للقديمة ا هـ. والحاصل أنهم يمنعون من الإحداث مطلقا إلا إذا وقع الصلح على الإحداث أو على أن الأرض لهم على هذا القول ولا استثناء في ظاهر الرواية.
وأشار إلى أنهم يمنعون من إحداث بيت النار بالأولى والصومعة كالكنيسة لأنها تبتنى للتخلي للعبادة بخلاف موضع الصلاة في البيت لأنه تبع للسكنى والصومعة بيت مبني برأس طويل ليتعبد فيها بالانقطاع عن الناس.
قوله: "ويعاد المنهدم" مفيد لشيئين الأول عدم التعرض للقديمة لأنه قد جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بترك البيع والكنائس في دارنا والمراد بالقديمة ما كانت قبل فتح الإمام بلدهم ومصالحتهم على إقرارهم على بلدهم وأراضيهم ولا يشترط أن تكون في زمن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لا محالة كذا في البناية.
وفي المحيط لو ضربوا الناقوس في جوف كنائسهم لا يمنعون.
الثاني جواز بناء ما انهدم من القديمة لأن الأبنية لا تبقى دائما ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة وأشار إلى أنه لا تجوز الزيادة على البناء الأول كما في الخانية وإلى أنهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مالك في الموطأ كتاب الجامع باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة "2/208" وعبد الرزاق في مصنفه "19359".

 

ج / 5 ص -184-       ويميز الذمي في الزي والمركب والسرج فلا يركب خيلا ولا يعمل بالسلاح ويظهر الكستيج ويركب سرجا كالأكف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة.
وفي فتح القدير. واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الراويات كلها وأما في الأمصار فاختلف كلام محمد فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة وذكر في الإجارة أنها لا تهدم وعمل الناس عن هذا فإنا رأينا كثيرا منها تولت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها فكان متوارثا من عهد الصحابة رضي الله عنهم وعلى هذا لو مصرنا برية فيها دير أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك فإنها كانت فضاء فأدار العبيديون عليها السور ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا في جوف المدن الإسلامية فالظاهر أنها كانت في الضواحي فأدير السور فأحاط بها وعلى هذا أيضا فالكنائس الموجودة الآن في دار الإسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لأنها إن كانت في الأمصار قديمة فلا شك أن الصحابة أو التابعين رضي الله عنهم أجمعين حين فتحوا المدينة علموا بها وبقوها وبعد ذلك ينظر فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم بقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب وإن عرف أنها فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الإظهار وانظر إلى قول الكرخي إذا حضر لهم عيد يخرجون فيه صلبانهم وغير ذلك فليصنعوا في كنائسهم القديمة من ذلك ما أحبوا فأما أن يخرجوا ذلك من الكنائس حتى يظهر في المصر فليس لهم ذلك ولكن ليخرجوا خفية من كنائسهم ا هـ. وصحح في التتارخانية رواية كتاب الإجازة من عدم هدم القديمة.
قوله: "ويميز الذمي في الزي والمركب والسرج فلا يركب خيلا ولا يعمل بالسلاح ويظهر الكستيج ويركب سرجا كالأكف" إظهارا للصغار عليهم وصيانة لضعفة المسلمين ولأن المسلم يكرم والذمي يهان فلا يبتدأ بالسلام ويضيق عليه في الطريق فلو لم تكن علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين وذلك لا يجوز بخلاف يهود المدينة لم يأمرهم عليه الصلاة والسلام بذلك لأنهم كانوا معروفين بأعيانهم لجميع أهل المدينة ولم يكن لهم زي عال عن المسلمين وإذا وجب التمييز وجب بما فيه صغار لا إعزاز لأن إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة.
والزي بالكسر اللباس والهيئة وأصله زوي كذا في الصحاح وفي الديوان الزي الزينة والكستيج عن أبي يوسف خيط غليظ بقدر الأصبع يشده الذمي فوق ثيابه دون ما يتزينون به

 

ج / 5 ص -185-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الزنانير المتخذة من الإبريسم كذا في المغرب.
وقيده في المجمع بالصوف وقيد بالخيل لأن لهم أن يركبوا الحمر عند المتقدمين على سروج كهيئة الأكف وهو جمع إكاف وهو معروف والسرج الذي على هيئته هو ما يجعل على مقدمه شبه الرمانة والوكاف لغة ومنه أوكف الحمار كذا في المغرب والإكاف البرذعة ذكره العيني واختار المتأخرون أن لا يركبوا أصلا إلا إذا خرجوا إلى قرية ونحوها أو كان مريضا وحاصله أنه لا يركب إلا لضرورة فيركب ثم ينزل في مجامع المسلمين إذا مر بهم كذا في فتح القدير وفيه وإذا عرف أن المقصود العلامة فلا يتعين ما ذكر بل يعتبر في كل بلدة ما يتعارفه أهله. وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزموا النصارى العمامة الزرقاء واليهود بالعمامة الصفراء واختص المسلمون بالبيضاء ا هـ.
لكن في الظهيرية ما يفيد منع العمامة لهم فإنه قال وكستيجان النصارى قلنسوة سوداء من اللبد مضربة وزنار من الصوف وأما لبس العمامة وزنار الإبريسم فجفاء في حق أهل الإسلام ومكسرة لقلوبهم ا هـ.
أطلق الذمي فشمل الذكر والأنثى ولذا قال في الهداية ويجب أن تتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات ويجعل على دورهم علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة ويمنعون عن لباس يختص به أهل العلم والزهد والشرف ا هـ. وصرح في فتح القدير بمنعهم من الثياب الفاخرة حريرا أو غيره كالصوف المربع والجوخ الرفيع والأبراد الرفيعة قال ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار ولا شك في منع استكتابهم وإدخالهم في المباشرة التي يكون بها معظما عند المسلمين بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة له خوفا من أن يتغير خاطره منه فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر ا هـ.
وفي الحاوي القدسي وينبغي أن يلازم الذمي الصغار فيما يكون بينه وبين المسلم في كل شيء ا هـ. فعلى هذا يمنع من القعود حال قيام المسلم عنده واختار في فتح القدير بحثا أنه إذا استعلى على المسلمين حل للإمام قتله واستثنى في الذخيرة من منع الخيل ما إذا وقعت الحاجة إلى ذلك بأن استعان بهم الإمام في المحاربة والذب عن المسلمين وألحق في التتارخانية البغل بالحمار في جواز ركوبه لهم وصرح بمنعهم من القلانس الصغار وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة ويجب تمييزهم في النعال أيضا فيلبسون المكاعب الخشنة الفاسدة اللون تحقيرا لهم وشرط في الخيط الذي يعقده على وسطه أن يكون غليظا غير منقوش وأن لا يجعل له حلقة وإنما يعقده على اليمين أو الشمال وشرط في

 

ج / 5 ص -186-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القميص أيضا أن يكون ذيله قصيرا وأن يكون جيبه على صدره كما يكون للنساء.
وفي الخانية لا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجان وفي التتارخانية وهذا كله إذا وقع الظهور عليهم. فأما إذا وقع معهم الصلح للمسلمين على بعض هذه الأشياء فإنهم يتركون على ذلك واختلف المشايخ بعد هذا أن المخالفة بيننا وبينهم تشترط بعلامة واحدة أو بعلامتين أو بالثلاث.
قال بعضهم بعلامة واحدة أما على الرأس كالقلنسوة الطويلة المضربة أو على الوسط كالكستيج أو على الرجل كالنعل والمكعب على خلاف نعالنا أو مكاعبنا.
وقال بعضهم لا بد من الثلاث ومنهم من قال في النصراني يكتفي بعلامة واحدة وفي اليهودي بعلامتين وفي المجوس بالثلاث وإليه مال الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل وفي الذخيرة وبه كان يفتي بعضهم.
قال شيخ الإسلام والأحسن أن يكون في الكل ثلاث علامات وكان الحاكم الإمام أبو محمد1 يقول إن صالحهم الإمام وأعطاهم الذمة بعلامة واحدة لا يزاد عليها وأما إذا فتح بلدا عنوة وقهرا كان للإمام أن يلزمهم العلامات وهو الصحيح ا هـ. وإذا وجب عليهم إظهار الذل والصغار مع المسلمين وجب على المسلمين عدم تعظيمهم.
لكن قال في الذخيرة إذا دخل يهودي الحمام هل يباح للخادم المسلم أن يخدمه إن خدمه طمعا في فلوسه فلا بأس به وإن فعل ذلك تعظيما له إن كان لميل قلبه إلى الإسلام فلا بأس به وإن فعل ذلك تعظيما له من غير أن ينوي شيئا مما ذكرناه كره له ذلك وكذا أدخل ذمي على مسلم فقام له إن قام طمعا في ميله إلى الإسلام فلا بأس وبه وإن فعل ذلك تعظيما له من غير أن ينوي ما ذكرنا أو قام تعظيما لغناه كره له ذلك ا هـ.
قال الطرسوسي إن قام تعظيما لذاته وما هو عليه كفر لأن الرضا بالكفر كفر فكيف يتعظم الكفر ا هـ كذا في شرح المنظومة وفي الخانية الذمي إذا اشترى دارا في المصر ذكر في العشر والخراج أنه لا ينبغي أن يباع منه وإن اشتراها يجبر على بيعها من المسلم وذكر في الإجارات أنه يجوز الشراء ولا يجبر على البيع ولا يترك الذمي أن يتخذ بيته صومعة في المصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الجهاد باب الجاسوس "3007" من حديث حاطب بن أبي بلتعة ومسلم في فضائل الصحابة باب فضئل حاطب بن أبي بلتعة "2494" وأبو داود في سننه كتاب الجهاد باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما "2650" وابن حبان في صحيحه "4797".

 

ج / 5 ص -187-       ولا ينتقض عهده بالإباء عن الجزية والزنا بمسلمة وقتل مسلم وسب النبي صلى الله عليه وسلم, بل باللحاق ثمة أو بالغلبة على موضع للحراب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يصلي فيه ا هـ. وفي الصغرى وذكر في الإجارات أنه لا يجبر على البيع إلا إذا كثر فحينئذ يجبر ا هـ. وفي التتارخانية يمكنون من المقام في دار الإسلام على رواية عامة الكتب إلا أن يكون من أمصار العرب كأرض الحجاز وعلى رواية العشر كما يجبر على بيع داره يخرجون من المصر وبه أخذ الحسن بن زياد.
وفي الذخيرة وإذا تكارى أهل الذمة دورا فيما بين المسلمين ليسكنوا فيها جاز لأنهم إذا أسكنوا بين المسلمين رأوا معالم الإسلام ومحاسنه وشرط الحلواني قلتهم بحيث يمكنون من المقام في دار الإسلام إلا في أمصار العرب كأرض الحجاز أما إذا كثروا بحيث تعطل بسبب سكناهم بعض المسلمين أو تقللوا يمنعون من السكنى فيما بين المسلمين ويأمرون بأن يسكنوا ناحية ليس فيها المسلمون وهو محفوظ عن أبي يوسف ا هـ. وفي المحيط يمكنون أن يسكنوا في أمصار المسلمين يبيعون ويشترون وفي أسواقهم لأن منفعة ذلك تعود إلى المسلمين ا هـ.
قوله: "ولا ينتقض عهده بالإباء عن الجزية والزنا بمسلمة وقتل مسلم وسب النبي صلى الله عليه وسلم" لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها والالتزام باق فيأخذها الإمام منه جبرا والإباء الامتناع وأما الزنا فيقيم الحد عليه وفي القتل يستوفى القصاص منه وأما السب فكفر والمقارن له لا يمنعه فالطارئ لا يرفعه وأشار إلى أنه لا ينتقض إذا نكح مسلمة ولو وقع ذلك فالنكاح باطل ويعزران وكذا الساعي بينهما ولو أسلم بعد ذلك لا يجوز النكاح لوقوعه باطلا كذا في المعراج من باب نكاح الكافر وذكر العيني وفي رواية مذكورة وفي واقعات حسام أن أهل الذمة امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد ويقاتلون وهو قول الثلاثة ا هـ. ولا يخفى ضعفها رواية ودراية كما أن قول العيني واختياري أن يقتل بسب النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له في الرواية وكذا وقع لابن الهمام بحث هنا خالف فيه أهل المذهب وقد أفاد العلامة قاسم في فتاويه أنه لا يعمل بأبحاث شيخه ابن الهمام المخالفة للمذهب نعم نفس المؤمن تميل إلى قول المخالف في مسألة السب لكن اتباعنا للمذهب واجب وفي الحاوي القدسي ويؤدب الذمي ويعاقب على سبه دين الإسلام أو النبي أو القرآن ا هـ.
قوله: "بل باللحاق ثمة أو بالغلبة على موضع للحراب" أي بل ينتقض عهده باللحاق بدار الحرب ونحوه لأنهم صاروا حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الفائدة وهو دفع شر الحراب وظاهر كلامهم أنه لا ينتقض إلا بأحد الأمرين وقد ذكر في فتح القدير من باب نكاح المشرك أن الذمي لو جعل نفسه طليعة للمشركين فإنه يقتل لأنه محارب معنى فحينئذ هي ثلاث لكن في

 

ج / 5 ص -188-       وصاروا كالمرتدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحيط هنا الذمي إذا وقف منه على أنه يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين فيقتله لا يكون نقضا للعهد لما روي أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى مكة أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد حربكم فخذوا حذركم وجعل الكتاب في قرن امرأة لتذهب به إلى مكة فنزل قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: من الآية1]فبعث عليا رضي الله عنه فأخذه وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب ما حملك على هذا فقال إن لي عيالات وقرابات بمكة فأردت أن يكون لي عندهم عهد وإني أعلم أن الله تعالى ناصرك وممكنك ولا يضرك ما صنعت فقال عمر رضي الله عنه ائذن لي حتى أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني غفرت لكم} لأنه لو فعله المسلم لا يكون نقضا للإسلام فكذلك إذا فعله الذمي غير أنه يعاقب ويحبس لأنه ارتكب محظورا ا هـ. إلا أن يفرق بين الطليعة وبين ما في المحيط لما في المغرب الطليعة واحدة الطلائع في الحرب وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو ويتعرفونها قال صاحب العين وقد يسمى الرجل الواحد في ذلك طليعة والجميع أيضا إذا كانوا معا وفي كلام محمد الطليعة الثلاثة والأربعة وهي فوق السرية ا هـ. فيحمل ما في المحيط على أنه لم يبعثه أهل الحرب ليطلع على أخبار المسلمين وما في الفتح ظاهر فيما إذا بعثوه لذلك واستدلاله في المحيط بواقعة حاطب بعيد لأن كلامه في الذمي وحاطب كان مؤمنا ولذا قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلخ وقال تعالى {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] ولذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت وأفاد المصنف رحمه الله أن العهد لا ينقض بالقول ولذا قال في المحيط عقد الذمة ينتقض بالفعل وهو الالتحاق ولا ينتقض بالقول وأمان الحربي ينتقض بالقول ا هـ.
قوله: "وصاروا كالمرتدين" أي صار أهل الذمة بالالتحاق أو بالغلبة كالمرتدين في قتلهم ودفع ما لهم لورثتهم لأنه التحق بالأموات لتباين الدار قيدنا التشبيه في الشين لأن بينهما فرقا من جهة أخرى وهو أن الذمي بعد الالتحاق يسترق ولا يجبر على قبول الذمة ذكرا كان أو أنثى كما في المحيط بخلاف المرتد حيث لا يسترق ويجبر على الإسلام لأن كفر المرتد أغلظ وسيأتي أن المرتدة تسترق بعد اللحاق رواية واحدة وقبله في رواية وأفاد بالتشبيه أن المال الذي ألحق به بدار الحرب فيء كالمرتد ليس لورثتهما أخذه بخلاف ما إذا رجع إلى دار الإسلام بعد اللحاق وأخذ شيئا من ماله ولحق بدار الحرب فإنه يكون لورثته لأنه ما لهم باللحاق

 

ج / 5 ص -189-       ويؤخذ من تغلبي وتغلبية ضعف زكاتنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول والأحسن أن لا يقيد التشبيه بالشين فقط كما فعل الشارحون وإنما يبقى على إطلاقه ويستثنى منه مسألة الاسترقاق وعدم الجبر لما علمت من مسألة المال الذي لحق به دار الحرب ولما في المحيط أن أهل الذمة إذا انتقض عهدهم ثم عادوا إلى الذمة أخذوا بحقوق كانت قبل النقض من القصاص والمال لأنه حق التزمه بعقد الذمة فلا يسقط بصيرورته حربا علينا ولم يؤخذوا بما أصابوا في المحاربة وكذلك المرتدون لأنهم بنقض العهد والردة التحقوا بسائر أهل الحرب وما أصاب أهل الحرب من دمائنا وأموالنا لا يؤاخذون بذلك متى أسلموا كذا هذا ا هـ. ولما في فتح القدير أنه كالمرتد في الحكم بموته باللحاق وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الإسلام إجماعا ويقسم ماله بين ورثته ا هـ.
والحاصل أنه إذا أخذ أسيرا بعد الظهور فقد استرق ولا يتصور منه جزية كما صرح به في فتح القدير آخرا وإذا جاء من نفسه نائبا عادت ذمته كما أفاده أولا وفي فتح القدير أيضا فإن عاد بعد الحكم باللحاق ففي رواية يكون فيئا وفي رواية لا ا هـ. ويحمل على ما إذا لم يعد تائبا فقد علمت أن التشبيه في سبعة أشياء كما لا يخفى.
قوله: "ويؤخذ من تغلبي وتغلبية ضعف زكاتنا" أي المسلمين وتغلب بن وائل من العرب ومن ربيعة تنصروا في الجاهلية فلما جاء الإسلام ثم زمن عمر رضي الله عنه دعاهم عمر إلى الجزية فأبوا وأنفوا وقالوا نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقة فقال لا آخذ من مشرك صدقة فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس شديد وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوا بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة فبعث عمر رضي الله عنه في طلبهم وضعف عليهم1 فأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على ذلك ثم الفقهاء ففي كل أربعين شاة شاتان ولا زيادة حتى تبلغ مائة وعشرين ففيها أربع شياه وعلى هذا في البقر والإبل كذا في فتح القدير أفاد بتسويته بين الذكر والأنثى إلى أن المأخوذ وإن كان جزية في المعنى فهو واجب بشرائط الزكاة وأسبابها إذ الصلح وقع على ذلك فلا يراعى فيه شرائط الجزية من وصف اللقطات فتقبل من النائب ويعطي جالسا إن شاء ولا يؤخذ بتلبيبه ولا يهز والمصرف مصالح المسلمين لأنه مال بيت المال وذلك لا يخص الجزية وخرج الصبي والمجنون لا يؤخذ من مواشيهم وأموالهم لعدم وجوب الزكاة عليهم عندنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سننه كتاب الجزية باب نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة "9/216" والزيلعي في نصب الراية "1/363".

 

ج / 5 ص -190-       ومولاه كمولى القرشي, والجزية والخراج ومال التغلبي وهدية أهل الحرب وما أخذنا منهم بلا قتال يصرف في مصالحنا كسد الثغور وبناء القناطر والجسور وكفاية القضاة والعلماء والعمال والمقاتلة وذراريهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف أرضهم فيؤخذ خراجها لأنها وظيفة الأرض وليست عبادة. وفي التتارخانية معزيا إلى الحجة لو حدث ولد ذكر بين نجراني وبين تغلبي من جارية بينهما وادعياه جميعا معا فمات الأبوان وكبر الولد لم تؤخذ منه الجزية وذكر في السير إن مات التغلبي أولا تؤخذ منه جزية أهل نجران وإن مات النجراني أولا تؤخذ منه جزية بني تغلب وإن ماتا معا يؤخذ النصف من هذا والنصف من ذاك ا هـ. واقتصر في الخانية على ما في السير والتغلبي بالتاء المثناة الفوقية والغين المعجمة وفي كتاب الخراج لأبي يوسف أن عمر رضي الله عنه حين صالحهم شرط عليهم أن لا يغمسوا أحدا من أولادهم في النصرانية1.
قوله: "ومولاه كمولى القرشي" أي ومعتق التغلبي ومعتق القرشي واحد في عدم التبعية للأصل فيوضع الخراج والجزية على معتقهما لأن الصدقة لمضاعفة تخفيف والمعتق لا يلحق بالأصل فيه ألا ترى أن الإسلام أعلى أسباب التخفيف ولا تبعية فيه. قيد بهما لأن مولى الهاشمي كالهاشمي في حرمة الصدقة عليه لأنه ليس تخفيفا بل تحريم والحرمات تثبت بالشبهات فالحق مولى الهاشمي به وبه بطل قياس زفر مولى التغلبي على مولى الهاشمي لكن نقض بمولى الغني تحرم الصدقة عليه ولم تنفذ إلى مولاه الفقير ودفع بأن الغني أهل للصدقة في الجملة وإنما الغني مانع عن الإسقاط عن المعطي ولم يتحقق المانع في حق مولاه فخص السيد أما الهاشمي فليس أهلا لهذه الصدقة أصلا لشرفه ولذا لا يعطى لو كان عاملا بخلاف الغني فالحق مولاه به لأن التكريم أن لا تنسب إليه الأوساخ بنسبة وأما قوله عليه السلام
"مولى القوم منهم"2 فإنما هو في حكم خاص وهو عدم الزكاة إليه بدليل الإجماع على أن مولى الهاشمي لا ينزل منزله في الكفاءة للهاشمية والإمامة.
قوله: "والجزية والخراج ومال التغلبي وهدية أهل الحرب وما أخذنا منهم بلا قتال يصرف في مصالحنا كسد الثغور وبناء القناطر والجسور وكفاية القضاة والعلماء والعمال والمقاتلة وذراريهم" لأنه مال بيت المال فإنه وصل للمسلمين بغير قتال وهو معد لمصالح المسلمين وهؤلاء عملتهم ونفقة الذراري على الآباء فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب وفائدة ذلك أنه لا يخمس ولا يقسم بين الغانمين كذا في الجوهرة وفيها معزيا إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو جزء من الأثر السابق.
2 تقدم تخريجه.

 

ج / 5 ص -191-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذخيرة إنما يقبل الإمام هدية أهل الحرب إذا غلب على ظنه أن المشرك وقع عنده أن المسلمين يقاتلون لإعلاء كلمة الله وإعزاز الدين لا لطلب الدنيا أما من كان من المشركين يغلب على الظن أنه يظن أن المسلمين يقاتلون طمعا لا يقبل هديته وإنما يقبل من شخص لا يطمع في إيمانه لو ردت هديته أما من طمع في إيمانه إذا ردت هديته لا يقبل منه ا هـ. ثم اعلم أن ظاهر المتون أن الذراري يعطون بعد موت آبائهم كما يعطون في حياتهم وتعليل المشايخ يدل على أنه مخصوص بحياة آبائهم ولم أر نقلا صريحا في الإعطاء بعد موت آبائهم حالة الصغر. والثغور جمع ثغر وهو موضع بحافة البلدان والقنطرة ما لا يرفع والجسر ما يرفع كذا في العناية.
والضمير في قوله منهم يعود إلى الكفار فيشمل ما يأخذه العاشر من أهل الحرب وأهل الذمة إذا مروا عليه ومال نجران وما صولح عليه أهل الحرب على ترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم وأفاد بالتمثيل إلى أنه يصرف أيضا هذا النوع لنحو الكراع والسلاح والعدة للعدو وحفر أنهار العامة وبناء المساجد والنفقة عليها ذكره قاضي خان في فتاويه من كتاب الزكاة فقد أفاد من أن المصالح بناء المساجد والنفقة عليها فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الإمامة والأذان ونحوهما وفي المحيط أن هذا النوع يصرف إلى أرزاق الولاة وأعوانهم وأرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمسلمين وكل من تقلد شيئا من أمور المسلمين وإلى ما فيه صلاح المسلمين ا هـ. وفي التجنيس ذكر من المصارف المعلمين والمتعلمين فقال في فتح القدير وبهذا يدخل طلبة العلم بخلاف المذكورين هنا لأنه قبل أن يتأهل عامل لنفسه لكن ليعمل بعده للمسلمين ا هـ. وفي فتاوى قاضي خان من الخطر والإباحة سئل علي الرازي عن بيت المال هل للأغنياء فيه نصيب قال لا إلا أن يكون عاملا أو قاضيا وليس للفقهاء فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن ا هـ. فيحمل ما في التجنيس على ما إذا فرغ نفسه لذلك بأن صرف غالب أوقاته في العلم وليس مراد الرازي الاقتصار على العامل أو القاضي بل أشار بهما إلى كل من فرغ نفسه لعمل المسلمين فيدخل الجندي والمفتي فيستحقان الكفاية مع الغني وفي الظهيرية من كتاب الزكاة ويبدأ من الخراج بأرزاق المقاتلة وأرزاق عيالهم فإذا فضل شيء يجوز أن يصرف إلى الفقراء ويجوز صرف الخراج إلى نفقة الكعبة وفي المنتقى أن تركة أهل الذمة كالخراج ا هـ. والضمير في قوله وذراريهم يعود إلى الكل من القضاة والعلماء والمقاتلة لأن العلة تشمل الكل كما ذكره مسكين وفي عبارة الهداية ما يوهم اختصاصه بالمقاتلة وليس كذلك وفي المحيط من الزكاة والرأي إلى الإمام من تفضيل وتسوية من غير أن يميل في ذلك إلى هوى ولا يحل لهم إلا ما يكفيهم ويكفي أعوانهم بالمعروف وإن فضل من المال شيء بعد إيصال الحقوق إلى أربابها

 

ج / 5 ص -192-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قسموه بين المسلمين فإن قصروا في ذلك وقعدوا عنه كان الله حسيبا عليهم ا هـ.
وفي مآل الفتاوى لكل قارئ في كل سنة مائتا دينار أو ألفا درهم إن أخذها في الدنيا وإلا يأخذها في الآخرة ا هـ. والمراد بالقارئ المفتي لما في الحاوي القدسي ولم يقدر في ظاهر الرواية قدر الأرزاق والأعطية سوى قوله ما يكفيهم وذراريهم وسلاحهم وأهاليهم وما ذكر في الحديث لحافظ القرآن وهو المفتي اليوم مائتا دينار وعن عمر رضي الله عنه أنه زاد فيه دليل على قدر الكفاية ا هـ. وفي القنية ومن كتاب الوقف كان أبو بكر رضي الله عنه يسوي في العطاء من بيت المال وكان عمر رضي الله عنه يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل والأخذ بما فعله عمر رضي الله عنه في زماننا أحسن فتعتبر الأمور الثلاثة ا هـ. وفي موضع آخر منها له حظ في بيت المال ظفر بما هو وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة وللإمام الخيار في المنع والإعطاء في الحكم ا هـ. وفي الظهيرية السلطان إذا جعل خراج الأرض لصاحب الأرض وتركه له جاز في قول أبي يوسف خلافا لمحمد والفتوى على قول أبي يوسف إذا كان صاحب الأرض من أهل الخراج وعلى هذا التسويغ للقضاة والفقهاء ولو جعل العشر لصاحب الأرض لم يجز في قولهم وفي الحاوي القدسي ما يخالفه وأنه قال وإذا ترك الإمام خراج أرض رجل أو كرمه أو بستانه ولم يكن أهلا لصرف الخراج إليه عند أبي يوسف يحل له وعليه الفتوى وعند محمد لا يحل له وعليه رده وهذا يدل على أن الجاهل إذا أخذ من الجوالي شيئا يجب عليه رده لقول محمد رحمه الله لا يحل وعليه أن يرده إلى بيت المال أو إلى من هو لذلك كالمفتي والقاضي والجندي وإن لم يفعل إثم ا هـ. ومن هنا يعلم حكم الإقطاعات من أراضي بيت المال فإن حاصلها أن الرقبة لبيت المال والخراج لمن أقطع له فلا ملك للمقطع فلا يصح بيعه ووقفه وإخراجه عن الملك وقد صرح به العلامة قاسم في فتاويه وأن له الإجارة تخريجا على إجارة المستأجر وإجارة العبد الذي صولح على خدمته مدة معلومة وإجارة الموقوف عليه الغلة وإجارة العبد المأذون وإن لم يملكوا الرقبة لملك المنفعة وصرح بأنه إذا مات الجندي أو أخرج السلطان الإقطاع عنه تنفسخ الإجارة ا هـ. ثم اعلم أن أموال بيت المال أربعة أحدها ما ذكرناه الثاني والعشر ومصرفهما ما بين في باب المصرف من الزكاة الثالث خمس الغنائم وقد تقدم مصرفه في كتاب السير والرابع اللقطات والتركات التي لا وارث لها وديات مقتول لا ولي له ولم يذكره المصنف قالوا مصرفه اللقيط الفقير والفقراء الذين لا أولياء لهم يعطون منه نفقتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم ويعقل به جنايتهم وعلى الإمام أن يجعل لكل نوع من هذه الأنواع بيتا يخصه فلا يخلط بعضه ببعض لأن لكل نوع حكما يختص به فإن لم يكن في بعضها شيء فللإمام أن يستقرض عليه من النوع الآخر ويصرفه إلى أهل ذلك ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده إلى المستقرض منه إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو

 

ج / 5 ص -193-       ومن مات في نصف السنة حرم عن العطاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خمس الغنيمة على أهل الخراج وهم فقراء فإنه لا يرد فيه شيئا لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر وكذا في غيره إذا صرفه للمستحق ويجب على الإمام أن يتقي الله تعالى ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة فإن قصر في ذلك كان الله عليه حسيبا كذا في التبيين وفي الحاوي القدسي والمحيط ولا شيء لأهل الذمة في بيت مال المسلمين إلا أن يكون ذميا يهلك لضعفه فيعطيه الإمام منه قدر ما يسد جوعته ا هـ.
قوله: "ومن مات في نصف السنة حرم عن العطاء" لأنه نوع صلة وليس بدين فلهذا يسمى عطاء فلا يملك قبل القبض ويسقط بالموت وأهل العطاء في زماننا مثل القاضي والمدرس والمفتي والمراد بالحرمان عدم الإعطاء له وجوبا واستحبابا وقيد بنصف السنة لأنه لو مات في آخرها يستحب الصرف إلى قريبه لأنه قد أوفى تعبه فيستحب له الوفاء ثم قيل رزق القاضي ومن في معناه يعطى في آخر السنة واختلفوا فيما إذا أخذه أولها ثم مات أو عزل قبل مضيها قيل يجب رد ما بقي وقيل لا يجب عند هما كالنفقة المعجلة إلا عند محمد والله تعالى أعلم.
 

 5- باب أحكام المرتدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- "باب أحكام المرتدين"
شروع في بيان الكفر الطارئ بعد الأصلي والمرتد في اللغة الراجع مطلقا وفي الشريعة الراجع عن دين الإسلام كما في فتح القدير وفي البدائع ركن الردة إجراء كلمة الكفر على اللسان والعياذ بالله بعد وجود الإيمان وشرائط صحتها العقل فلا تصح ردة المجنون ولا الصبي الذي لا يعقل وأما من جنونه متقطع فإن ارتد حال الجنون لم يصح وإن ارتد حال إفاقته صحت وكذا لا تصح ردة السكران الذاهب العقل والبلوغ ليس بشرط لصحتها من الصبي عندهما خلافا لأبي يوسف وكذا الذكورة ليست شرطا ومنها الطوع فلا تصح ردة المكره عليها ا هـ. والإيمان التصديق بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى مما علم مجيئه به ضرورة وهل هو فقط أو هو مع الإقرار قولان فأكثر الحنفية على الثاني والمحققون على الأول والإقرار شرط إجراء أحكام الدنيا بعد الاتفاق على أنه يعتقد متى طولب به أتى به فإن طولب به فلم يقر فهو كفر عناد والكفر لغة الستر وشرعا تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم في شيء مما يثبت عنه ادعاؤه ضرورة وفي المسايرة ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفر الحنفية بألفاظ كثيرة وأفعال تصدر من المتهتكين لدلالتها على الاستخفاف بالدين كالصلاة بلا وضوء عمدا بل بالمواظبة على

 

ج / 5 ص -194-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترك سنة استخفافا بها بسبب أنه إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم زيادة أو استقباحها كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه أو إحفاء شاربه ا هـ. وفي فتح القدير ومن هزل بلفظ كفر ارتد وإن لم يعتقده للاستخفاف فهو ككفر العناد والألفاظ التي يكفر بها تعرف في الفتاوى ا هـ. فهذا وما قبله صريح في أن ألفاظ التكفير المعروفة في الفتاوى موجبة للردة عن الإسلام حقيقة وفي البزازية ويحكى عن بعض من لا سلف له أنه كان يقول ما ذكر في الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا فذاك للتخويف والتهويل لا لحقيقة الكفر وهذا كلام باطل إلى آخره. والحق أن ما صح عن المجتهد فهو على حقيقته وأما ما ثبت عن غيره فلا يفتى به في مثل التكفير ولذا قال في فتح القدير من باب البغاة أن الذي صح عن المجتهدين في الخوارج عدم تكفيرهم ويقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء ا هـ. فيكفر إذا وصف الله تعالى بما لا يليق به أو سخر باسم من أسمائه أو بأمر من أوامره وأنكر وعده أو وعيده أو جعل له شريكا أو ولدا أو زوجة أو نسبه إلى الجهل أو العجز أو النقص واختلفوا في قوله فلان في عيني كاليهودي في عين الله فكفره الجمهور وقيل لا إن عنى به استقباح فعله وقيل يكفر إن عنى الجارحة لا القدرة والأصح مذهب المتقدمين في المتشابه كاليد واختلفوا في جواز أن يقال بين يدي الله ويكفر بقول يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه وبإثبات المكان لله تعالى فإن قال الله في السماء فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر وإن أراد المكان كفر وإن لم يكن له نية كفر عند الأكثر وهو الأصح وعليه الفتوى.
ويكفر إن اعتقد أن الله تعالى يرضى بالكفر وبقوله لو أنصفني الله تعالى يوم القيامة انتصفت منك أو إن قضى الله يوم القيامة أو إذا أنصف وبقوله بارك الله في كذبك وبقوله الله جلس للإنصاف أو قام له وبقوله هذا لا يمرض هذا ممن نسيه الله أو منسى الله على الأصح وبوصفه تعالى بالفوق أو بالتحت وبظنه أن الجنة وما فيها للفناء عند البعض وبقوله لامرأته أنت أحب إلي من الله وقيل لا وبقوله لا أخاف الله أو لا أخشاه عند البعض. ومحل الاختلاف عند عدم قصد الاستهزاء وبقولها لا جوابا لقوله أما تعرفين الله على الظاهر وبقوله لا أريد اليمين بالله وإنما أريد اليمين بالطلاق أو بالعتاق عند البعض خلافا للعامة وهو الأصح وبقوله رأيت الله في المنام وبقوله المعدوم ليس بمعلوم الله تعالى وبقول الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى وبإدخاله الكاف في آخر الله عند ندائه من اسمه عبد الله وإن كان عالما على الأصح وبتصغير الخالق عمدا عالما وبقوله ليتني لم أسلم إلى هذا الوقت حتى أرث أبي وبقوله إن كنت فعلت كذا أمس فهو كافر وهو يعلم أنه قد فعله إذا كان عنده أنه يكفر به وعليه الفتوى وبقوله الله

 

ج / 5 ص -195-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعلم أني فعلت كذا وهو يعلم أنه ما فعل عند العامة إن كان اختيارا لا مخافة وبقوله إن كنت قلته فأنا كافر وهو يعلم أنه قاله وبقوله أنا بريء من الله لولا ولم يتم تعليقه خلافا للبعض قياسا على أنت طالق ثلاثا لولا لم يقع وبقولها نعم جوابا لقوله أتعلمين الغيب وبتزوجه بشهادة الله ورسوله وبقوله فلان يموت بهذا المرض عند البعض وبقوله عند رقاء الهامة يموت أحد عند البعض والأصح عدمه وبقوله عند رؤية الدائرة التي تكون حول القمر يكون مطر مدعيا علم الغيب وبرجوعه من سفره عند سماع صياح العقعق عند البعض وبإتيان الكاهن وتصديقه وبقوله أنا أعلم المسروقات وبقوله أنا أخبر عن إخبار الجن إياي وبعدم الإقرار ببعض الأنبياء عليهم السلام أو عيبه نبيا بشيء أو عدم الرضا بسنة من سنن المرسلين وبقوله لا أعلم أن آدم عليه السلام نبي أو لا. ولو قال آمنت بجميع الأنبياء عليهم السلام وبعدم معرفة أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء عند البعض وبنسبته نبيا إلى الفواحش كعزمه على الزنا وقيل لا وبقوله إن الأنبياء عصوا وإن كل معصية كفر وبقوله لم تعص الأنبياء حال النبوة وقبلها لرده النصوص لا بقوله لا أقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الإمهال فكيف أقبلها منك ولا بإنكاره نبوة الخضر وذي الكفل عليهما السلام لعدم الإجماع على نبوتهما.
ويكفر من أراد بغض النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه وبقوله لو كان فلان نبيا لا أؤمن به لا بقوله لو كان صهري رسول الله لا أأتمر بأمره ويكفر بقوله إن كان ما قال الأنبياء حقا أو صدقا وبقوله أنا رسول الله وبطلبه المعجزة حين ادعى رجل الرسالة وقيل إذا أراد إظهار عجزه لا يكفر واختلف في تصغيره شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا أراد الإهانة فيكفر أما إذا أراد التعظيم فلا وبقوله لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم إنسيا أو جنيا وبشتمه رجلا اسمه محمد وكنيته أبو القاسم ذاكرا للنبي صلى الله عليه وسلم عند البعض وبشتمه محمدا صلى الله عليه وسلم حين أكره على شتمه قائلا قصدته وبقوله جن النبي صلى الله عليه وسلم ساعة لا بقوله أغمي عليه.
واختلفوا فيمن قال لو لم يأكل آدم عليه الصلاة والسلام الحنطة ما صرنا أشقياء وبرده حديثا مرويا إن كان متواترا أو قال على وجه الاستخفاف سمعناه كثيرا وبتمنيه أن لا يكون بعض الأنبياء نبيا مريدا به الاستخفاف به أو عداوته لا بقوله لو لم يبعث الله نبيا لم يكن خارجا عن الحكمة. وبقوله أنا لا أحبه حين قيل له إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب القرع1 وقيل إن كان على وجه الإهانة وبقولها نعم حين قال لها لو شهد عندك الأنبياء والملائكة لا تصدقيهم حين قالت له لا تكذب وباستخفافه بسنة من السنن وبقوله لا أدري أن النبي في القبر مؤمن أم كافر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجة في سننه م حديث أنس كتاب الأطعمة باب الدماء "3302" وذكره ابن حجر في فتح الباري "9/535" وأحمد في مسنده "3/290".

 

ج / 5 ص -196-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبقوله ما كان علينا نعمة من النبي عليه السلام لأن البعثة من أعظم النعم وبقذفه عائشة رضي الله عنها من نسائه صلى الله عليه وسلم فقط وبإنكاره صحبة أبي بكر رضي الله عنه بخلاف غيره وبإنكاره إمامة أبي بكر رضي الله عنه على الأصح كإنكاره خلافة عمر رضي الله عنه على الأصح لا بقوله لولا نبينا لم يخلق آدم عليه السلام وهو خطأ ويكفر بقوله لو أمرني الله بكذا لم أفعل ولو صارت القبلة إلى هذه الجهة ما صليت أو لو أعطاني الله الجنة لا أريدها دونك أو لا أدخلها مع فلان أو لو أعطاني الله الجنة لأجلك أو لأجل هذا العمل لا أريدها وأريد رؤيته وبقوله لا أترك النقد لأجل النسيئة جوابا لقوله دع الدنيا للآخرة وبقوله لو أمرني الله بالزكاة أكثر من خمسة دراهم أو بالصوم أكثر من شهر لا أفعل وبقوله الإيمان يزيد وينقص وبقوله لا أدري الكافر في الجنة أو في النار أو لا أدري أين يصير الكافر.
ويقتل بقوله أنا ألعن المذهبين جوابا لقوله على أي المذهبين أنت أبي حنيفة أو الشافعي وإن تاب عزر.
ويكفر بإنكاره أصل الوتر والأضحية وباستحلال وطء الحائض لا بقوله ليس لي موضع شبر في الجنة لاستقلاله العمل ولا بقوله لا تكتب الحفظة على هذا الرجل ولا بقوله هذا مكان لا إله فيه ولا رسول إلا إذا قصد به إنكار الدين ولا بقول المرأة لا أتعلم ولا أصلي جوابا لقول الزوج تعلمي ولا بإنكار العشر أو الخراج ولا يفسق خصوصا في هذا الزمان ولا بقوله من أكل حراما فقد أكل ما رزقه الله لكنه أثم ويكفر باستحلاله حراما علمت حرمته من الدين من غير ضرورة لا بفعله من غير استحلال خلافا لما عن محمد رحمه الله في أكل الخنزير ولما عن أبي حفص في الخمر والفتوى على الأول ويكفر بقوله للقبيح إنه حسن وبقوله لغيره رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت عند البعض خلافا للأكثر وقيل به إن قاله لعداوته لا لكراهة الموت وبقوله لا أسمع شهادة فلان وإن كان جبريل أو ميكائيل عليهما السلام وبعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به لا بقوله أنا أظن أن ملك الموت توفي ولا يقبض روحي مجازا عن طول عمره إلا أن يعني به العجز عن توفيه.
ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف. والصحيح كفره وقيل لا وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالما لا وبوضع رجله على المصحف عند الحلف مستخفا وبقراءة القرآن على ضرب الدف أو القضيب وباعتقاد أن القرآن مخلوق حقيقة والمزاح بالقرآن كقوله
{الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [لقيامة: 29] أو ملأ قدحا وجاء به وقال {وَكَأْساً دِهَاقاً} [النبأ:34] أو قال عند الكيل أو الوزن {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ

 

ج / 5 ص -197-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُخْسِرُونَ} [المطففين:3] وقيل إن كان جاهلا لا يكفر وبقوله القرآن أعجمي ولو قال فيه كلمة أعجمية ففي أمره نظر وفي تسميته آلة الفساد كراسته وبقراءة القارئ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174] مريدا مدرسا اسمه إبراهيم وبنظمه القرآن بالفارسية وببراءته من القرآن لأمر خافه لكن قال الوبري أخاف كفره وبإنكاره القراءة في الصلاة وقيل لا وبقول المريض لا أصلي أبدا جوابا لمن قال له صلي وقيل لا وكذا قوله لا أصلي حين أمر بها وقيل إنما يكفر إذا قصد نفي الوجوب وبقول العبد لا أصلي فإن الثواب يكون للمولى وبقوله جوابا لصل إن الله نقص من مالي فأنا أنقص من حقه وبقول مصلي رمضان فقط إن الصلاة في رمضان تساوي سبعين صلاة وبترك الصلاة متعمدا غير ناو للقضاء وغير خائف من العقاب وبصلاته لغير القبلة متعمدا أو في ثوب نجس أو بغير وضوء عمدا. والمأخوذ به الكفر في الأخيرة فقط وقيل لا في الكل ومحل الاختلاف إذا لم يكن استخفافا بالدين لا بسجوده بغير طهارة.
ويكفر بإتيانه عيد المشركين مع ترك الصلاة تعظيما لهم وبقوله لا أؤدي الزكاة بعد الأمر بأدائها على قول ولو تمنى أن لا يفرض رمضان فالصواب أنه على نيته.
ويكفر بقوله جاء الشهر الثقيل إلا إذا أراد التعب لنفسه وباستهانته للشهور المفضلة وبقوله إن هذه الطاعات جعلها الله تعالى عذابا علينا بلا تأويل أو قال لو لم يفرض الله هذه الطاعات لكان خيرا لنا وبالاستهزاء بالأذكار وبتسميته عند أكل الحرام أو فعل حرام كالزنا واختلف في تحميده عند الفراغ منه وبقوله لا أقول: عند أمره بقوله لا إله إلا الله وقيل لا إن عنى أني لا أقول: بأمرك ولا يكفر المريض إذا قيل له قل لا إله إلا الله فقال لا أقول: ويكفر بالاستهزاء بالأذان لا بالمؤذن وبإنكاره القيامة أو البعث أو الجنة أو النار أو الميزان أو الحساب أو الصراط أو الصحائف المكتوب فيها أعمال العباد لا إذا أنكر بعث رجل بعينه.
واختلف في تكفير امرأة لا تعرف أن اليهود يبعثون. وسئل أبو يوسف رحمه الله عن امرأة لا تعرف أن الكفار يدخلون النار فقال تعلم ولا تكفر.
ويكفر بإنكاره رؤية الله عز وجل بعد دخول الجنة وبإنكاره عذاب القبر وبقوله لا أعلم أن اليهود والنصارى إذا بعثوا هل يعذبون بالنار وبإنكار حشر بني آدم أو غيرهم ولا بقوله أن المثاب والمعاقب الروح فقط ولا بقوله سلمتها إلى من لا يمنع السارق جوابا لمن وضع ثيابه وقال سلمتها إلى الله ويخاف الكفر على من قال للآمر بالمعروف غوغا على وجه الرد والإنكار ويكفر بقوله له فضولي ويخاف عليه بقوله أيهما أسرع وصولا جوابا لمن قال له

 

ج / 5 ص -198-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حلال واحد أحب إليك أم حرامان ويكفر بتصدقه على فقير بشيء حرام يرجو الثواب وبدعاء الفقير له عالما به وبتأمين المعطى وبقوله الحرام أحب إلي جوابا بالقول القائل له كل من الحلال لا بقوله إني أحتاج إلى كثرة المال والحلال والحرام عندي سواء ولا بقوله لحرام هذا حلال من غير أن يعتقده فلا يكفر السوقي بقوله هذا حلال للحرام ترويجا لشرائه والأصل أن من اعتقد الحرام حلالا فإن كان حراما لغيره كمال الغير لا يكفر. وإن كان لعينه فإن كان دليله قطعيا كفر وإلا فلا وقيل التفصيل في العالم أما الجاهل فلا يفرق بين الحلال والحرام لعينه ولغيره وإنما الفرق في حقه إنما كان قطعيا كفر به وإلا فلا فيكفر إذا قال الخمر ليس بحرام وقيده بعضهم بما إذا كان يعلم حرمتها لا بقوله حرام ولكن ليست هذه التي تزعمون أنها حرام.
ويكفر من قال إن حرمة الخمر لم تثبت بالقرآن ومن زعم أن الصغائر والكبائر حلال وباستحلاله الجماع للحائض لا في الاستبراء وقيل لا في الأول وهو الصحيح ولا باستحلال سؤر كلب أو ربع أرض غصب وباستحلال اللواطة إن علم حرمته من الدين وبقوله هي لي حلال حين نهي عن تقبيله أجنبية وبقوله الشريعة كلها تلبيس أو حيل إن قال في كل الشرائع لا فيما يرجع إلى المعاملات مما تصح فيه الحيل الشرعية وقيل يكفر في الأول مطلقا ويخاف عليه الكفر إذا شتم عالما أو فقيها من غير سبب ويكفر بقوله لعالم ذكر الحمار في إست علمك مريدا به علم الدين وبجلوسه على مكان مرتفع والتشبه بالمذكرين ومعه جماعة يسألون منه المسائل ويضحكون منه ثم يضربونه بالمحراق وكذا يكفر الجميع لاستخفافهم بالشرع. وكذا لو لم يجلس على مكان مرتفع ولكن يستهزئ بالمذكرين ويتمشى والقوم يضحكون وبإلقاء الفتوى على الأرض حين أتى بها خصمه وبقوله لا تذهب وإن ذهبت تطلق امرأتك استهزاء بالعلم والعلماء جوابا لمن قال إلى مجلس العلم جوابا لقوله أين تذهب وبقوله قصعة من ثريد خير من العلم لا بقوله خير من الله لإرادته أنها نعمة من الله والأول لا تأويل له سوى الاستخفاف بالعلم وبقول المريض المشتد مرضه إن شئت توفني مسلما وإن شئت كافرا وبقول المبتلى أخذت مالي وأخذت ولدي وأخذت كذا وكذا فماذا تفعل وماذا بقي وبقوله عمدا لا جوابا لمن قال له ألست مسلما حين ضرب عبده أو ولده ضربا شديدا لا إن غلط أو قصد الجواب وبقول الزوج ليس لي حمية ولا دين الإسلام حين قالت له امرأته ذلك وبقوله لمسلم يا كافر عند البعض ولو أحد الزوجين للآخر والمختار للفتوى أن يكفر إن اعتقده كافرا لا إن أراد شتمه وبقوله لبيك جوابا لمن قال يا كافر يا يهودي يا مجوسي وبقوله أنا ملحد لأن الملحد كافر ولو قال ما علمته لا يعذر وبقوله المعتذر لغيره كنت كافرا فأسلمت عند بعضهم وقيل لا وبقوله

 

ج / 5 ص -199-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت مجوسيا أسلمت الآن وبنسيان العاصي التوبة وتحقير الذنب وعدم رؤية العقوبة بالذنب وعدم رؤية المعاصي قبيحة وبعدم رؤية الطاعة حسنا وبعدم رؤيته الثواب على الطاعة وبعدم رؤيته وجوب الطاعات وبقوله كفرت حين تكلم بكلمة زعم القوم أنها كفر وليست بكفر فقيل له كفرت وطلقت زوجتك.
وتكفر المرأة إذا تكلمت بالكفر لقصد أن تحرم على زوجها والإيمان مستقر في قلبها وقولها أصير كافرة حتى أتخلص من الزوج ومن قصد الكفر ساعة أو يوما فهو كافر في جميع العمر وبتمنيه الكفر أن لو كان كافرا فأسلم حين أسلم كافرا فأعطي شيئا وبتمنيه أن لم يحرم الظلم والزنا والقتل بغير حق وكل حرام لا يكون حلالا في وقت بخلاف الخمر ومناكحة المحارم وبتمنيه أن لو كان نصرانيا حتى يتزوج نصرانية سمينة رآها وبوضع قلنسوة المجوسي على رأسه على الصحيح إلا لضرورة دفع الحر أو البرد وبشد الزنار في وسطه إلا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين وبقوله معلم صبيان اليهود خير من المسلمين بكثير فإنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم وبقوله المجوسية خير مما أنا فيه يعني فعله وبقوله النصرانية خير من المجوسية لا بقوله المجوسية شر من النصرانية وبقوله النصرانية خير من اليهودية وينبغي أن يقول النصرانية شر من اليهودية وبقوله لمعاملة الكفر خير مما أنت تفعل عند بعضهم مطلقا. وقيده الفقيه أبو الليث بأن يقصد تحسين الكفر لا تقبيح معاملته وبخروجه إلى نيروز1 المجوس والموافقة معهم فيما يفعلون في ذلك اليوم وبشرائه يوم النيروز شيئا لم يكن يشتريه قبل ذلك تعظيما للنيروز لا للأكل والشرب وبإهدائه ذلك اليوم للمشركين ولو بيضة تعظيما لذلك اليوم لا بإجابته دعوة مجوسي حلق رأس ولده وبتحسين أمر الكفار اتفاقا حتى قالوا لو قال ترك الكلام عند أكل الطعام من المجوسي حسن أو ترك المضاجعة حالة الحيض منهم حسن فهو كافر وبذبحه شيئا في وجه إنسان وقت الخلعة أو للقادم من الحج أو الغزو والمذبوح ميتة وقيل لا يكفر وقوله لسلطان زماننا عادل وقيل لا وعلى هذا الاختلاف قول الخطباء في ألقاب السلطان العادل الأعظم مالك رقاب الأمم سلطان أرض الله مالك بلاد الله وبقوله لا تقل للسلطان هذا حين عطس السلطان فقال له رجل يرحمك الله ويسقي ولده الخمر فجاء أقرباؤه ونثروا الدراهم والسكر كفر الكل وكذا لو لم ينثروا الدراهم ولكنهم قالوا مبارك واختلفوا فيما إذا قال أحب الخمر فلا أصبر عنها ويكفر بتلقين كلمة الكفر ليتكلم بها ولو على وجه اللعب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تعنى الفارسية اليم الجديد وهو أول يوم من الشمسية الإيرانية ويوافق اليوم الحادى والعشرين من شهر مارس من السنة الميلادية وعيد النيروز من أكبر الأعياد القومية للفرس ا هـ المعجم الوسيصط "نور".

 

ج / 5 ص -200-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبأمره امرأة بالارتداد لتبين من زوجها وبالإفتاء بذلك وإن لم تكفر المرأة بناء على أن الرضا بكفر غيره كفر وقيل لا وبعزمه على أن يأمر بالكفر وبقوله لمن ينازعه أفعل كل يوم عشرة أمثالك من الطين أو لم يقل من الطين قاصدا من حيث الخلقة لا من حيث بيان صنعته ولا بقوله قد خلقت هذه الشجرة لأنه يراد به عادة الفرس حتى لو عنى به حقيقة الخلق يكفر ولا بقوله لغيره ينبغي لك أن تسجد لي سجدة لأن المراد منه الشكر والمنة.
ويكفر بقوله أي شيء أصنع إذا لزمني الكفر جوابا لمن قال له أي شيء تصنع قد لزمك الكفر وبإبداله حرفا أو آية من القرآن عمدا وباعتقاد أن الخراج ملك السلطان لا بقوله أنا فرعون أو إبليس إلا إذا قال اعتقادي كاعتقاد فرعون ومن حسن كلام أهل الأهواء وقال معنوي أو كلام له معنى صحيح إن كان ذلك كفرا من القائل كفر المحسن وكذا من حسن رسوم الكفرة.
واختلفوا في تكفير من قال إن إبراهيم بن أدهم1 رأوه بالبصرة يوم التروية وفي ذلك اليوم بمكة ومسألة ثبوت النسب بين المشرقي وبين المغربية تؤيد القائل بعدمه ويخاف الكفر على من قال بحياتي وحياتك وأجمعوا على أن من شك في إيمانه فهو كافر وهو أن يكون مصدقا لكن يشك أن هذا التصديق إيمان أو كفر.
واختلفوا في أنا مؤمن إن شاء الله هذا كله حاصل ما في التتارخانية من الفصول من باب ألفاظ التكفير سوى الفارسي.
وفي الخلاصة يكفر بقوله أنا بريء من الثواب والعقاب وبقوله لو عاقبني الله مع ما بي من المرض ومشقة الولد فقد ظلمني وبشد المرأة حبلا في وسطها وقالت هذا زنار ومن أبغض عالما من غير سبب ظاهر خيف عليه الكفر ولو صغر الفقيه أو العلوي قاصدا الاستخفاف بالدين كفر لا إن لم يقصده والسجود للجبابرة كفر إن أراد به العبادة لإن أراد به التحية على قول الأكثر.
وفي البزازية قال علماؤنا من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر ومن قال بخلق القرآن فهو كافر. ومن قال إن الإيمان مخلوق فهو كافر كذا في كثير من الفتاوى وهو محمول على أنه بمعنى هداية الرب وأما فعل العبد فهو مخلوق وإذا أخذ أحد المكس مقاطعة فقالوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو إبراهيم بن أدهم بن منصور التميمي البلخي أبو إسحاق الزاهد المشهور كان أبوه من أهل الغنى توفي سنة إحدى وستين ومائة هـ. ا هـ الأعلام "1/32".

 

 

ج / 5 ص -201-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له مبارك كفروا ووقعت بسراي الجديدة واقعة وهي أن واحدا قاطع على مال معلوم احتسابا بها أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضربوا على بابه طبولات وبوقات ونادوا مبارك باد لمقاطعته الاحتساب وكان إمام الجامع فامتنعنا من الصلاة خلفه حتى عرض على نفسه الإسلام أخذا من هذه المسألة قال لرجل يا أحمر قال خلقني الله من سويق التفاح وخلقك من طين كفر قال واحد من الفسقة لو وضعت هذه الخمرة بين يدي جبريل عليه السلام لرفعها على جناحه يكفر ولا يكفر بقوله يا حاضر يا ناظر ولا بقوله درويش درويشان والقول بالكفر بكل منهما باطل وفي جامع الفصولين روى الطحاوي عن أصحابنا لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه ما تيقن أنه ردة يحكم بها به وما يشك أنه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك مع أن الإسلام يعلو وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المكره.
أقول: قدمت هذه لتصير ميزانا فيما نقلته في هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر في بعضها أنه كفر مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة فليتأمل ا هـ.
وفي الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر ا هـ. وقال قبله وفي الجامع الأصغر إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر قال بعض أصحابنا لا يكفر لأن الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر وقال بعضهم يكفر وهو الصحيح عندي لأنه استخف بدينه ا هـ.
وفي الخلاصة وغيرها إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم زاد في البزازية إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل حينئذ وفي التتارخانية لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية ا هـ.
والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده كما صرح به قاضي خان في فتاويه ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل ومن تكلم بها اختيارا جاهلا بأنها كفر ففيه اختلاف والذي تحرر أنه لا يفتى بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير بها ولقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها.
وأما مسألة تكفير أهل البدع المذكورة في الفتاوى فقد تركتها عمدا لأن محلها أصول

 

ج / 5 ص -202-       بعرض الإسلام على المرتد, وتكشف شبهته, ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قتل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدين وقد أوضحها المحقق في المسايرة.
قوله: "بعرض الإسلام على المرتد" أي يعرضه الإمام والقاضي وهو مروي عن عمر رضي الله عنه1 لأن رجاء العود إلى الإسلام ثابت لاحتمال أن الردة كانت باعتراض شبهة لم يبين صفته وظاهر المذهب استحبابه فقط ولا يجب لأن الدعوة قد بلغته وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوى غير واجبة ولم يذكر تكرار العرض عليه وفي الخانية يعرض عليه الإسلام في كل يوم من أيام التأجيل.
قوله: "وتكشف شبهته" بيان لفائدة العرض أي فإن كان له شبهة أبداها كشفت عنه لأنه عساه اعترضت له شبهة فتزاح عنه.
قوله: "ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قتل" لأنها مدة ضربت لإبداء الأعذار وهو مروي عن عمر رضي الله عنه2 أطلقه فأفاد أنه يمهل وإن لم يطلبه وهو رواية وظاهر الرواية أنه لا يمهل بدون استمهال بل يقتل من ساعته كما في الجامع الصغير إلا إذا كان الإمام يرجو إسلامه كما في البدائع وإذا استمهل فظاهر المبسوط الوجوب فإنه قال إذا طلب التأجيل كان على الإمام أن يمهله وعن الإمام الاستحباب مطلقا وأفاد بإطلاقه أنه يفعل به ذلك إذا ارتد ثانيا إلا أنه إذا تاب ضربه الإمام وخلى سبيله وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه الإمام ضربا وجيعا وحبسه حتى تظهر عليه التوبة ويرى أنه مسلم مخلص ثم خلى سبيله فإن عاد فعل به هكذا كذا في التتارخانية.
وأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين ردة وردة من أنه إذا أسلم ويستثنى منه مسائل الأولى الردة بسبه صلى الله عليه وسلم قال في فتح القدير كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه كان مرتدا فالساب بطريق أولى ثم يقتل حدا عندنا فلا تقبل توبته في إسقاطه القتل قالوا هذا مذهب أهل الكوفة ومالك ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولا فرق بين أن يجيء تائبا من نفسه أو شهد عليه بذلك بخلاف غيره من المكفرات فإن الإنكار فيها توبة فلا تعمل الشهادة معه حتى قالوا يقتل وإن سب سكران ولا يعفى عنه ولا بد من تقييده بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره مختارا بلا إكراه وإلا فهو كالمجنون قال الخطابي لا أعلم أحدا خالف في وجوب قتله وأما مثله في حقه تعالى فتقبل توبته في إسقاط قتله ا هـ. وعلله البزازي بأنه حق تعلق به حق العبد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره التهانوي في إعلان السنن "12/602" والبيهقي في سننه كتاب المرتد باب من قال محيي ثلاثة أيام "8/207".
2 أخرجه البيهقي في سننه كتاب المرتد باب من قال يحبس ثلاثة أيام "8/207".

 

ج / 5 ص -203-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين وكحد القذف لا يزول بالتوبة وصرح بأن سب واحد من الأنبياء كذلك وقوله في فتح القدير في إسقاط القتل يفيد أن توبته مقبولة عند الله تعالى وهو مصرح به.
الثانية الردة بسب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد صرح في الخلاصة والبزازية بأن الرافضي إذا سب الشيخين وطعن فيهما كفر وإن فضل عليا عليهما فمبتدع ولم يتكلما على عدم قبول توبته وفي الجوهرة من سب الشيخين أو طعن فيهما كفر ويجب قتله ثم إن رجع وتاب وجدد الإسلام هل تقبل توبته أم لا قال الصدر الشهيد لا تقبل توبته وإسلامه ونقتله وبه أخذ الفقيه أبو الليث السمرقندي وأبو نصر الدبوسي وهو المختار للفتوى ا هـ. وحيث لا تقبل توبته علم أن سب الشيخين كسب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يفيد الإنكار مع البينة كما تقدم عن فتح القدير لأنا نجعل إنكار الردة توبة إن كانت مقبولة كما لا يخفى.
الثالثة لا تقبل توبة الزنديق في ظاهر المذهب وهو من لا يتدين بدين وأما من يبطن الكفر والعياذ بالله تعالى ويظهر الإسلام فهو المنافق ويجب أن يكون حكمه في عدم قبولنا توبته كالزنديق لأن ذلك في الزنديق لعدم الاطمئنان إلى ما يظهر من التوبة إذا كان قد يخفي كفره الذي هو عدم اعتقاده دينا والمنافق مثله في الإخفاء وعلى هذا فطريق العلم بحياله إما بأن يعثر بعض الناس عليه أو يسره إلى من أمن إليه والحق أن الذي يقتل ولا تقبل توبته هو المنافق فالزنديق إن كان حكمه ذلك فيجب أن يكون مبطنا كفره الذي هو عدم التدين بدين ويظهر تدينه بالإسلام أو غيره إلى أن ظفرنا به وهو عربي وإلا لو فرضناه مظهرا لذلك حتى تاب يجب أن لا يقتل وتقبل توبته كسائر الكفار المظهرين لكفرهم إذا أظهروا التوبة وكذا من علم أنه ينكر في الباطن بعض الضروريات كحرمة الخمر ويظهر اعتقاد حرمته كذا في فتح القدير وفي الخانية قالوا إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقر أنه زنديق فتاب عن ذلك تقبل توبته وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل ا هـ.
وتفصيل حسن موافق لما بحثه في فتح القدير هو الرابعة توبة الساحر جعله في فتح القدير كالزنديق لا تقبل توبته وفي الخانية من كتاب الحظر والإباحة الساحر إذا تاب فهو على وجوه إن كان يعتقد نفسه خالقا لما يفعل فإن تاب عن ذلك فقال خالق كل شيء هو الله تعالى وتبرأ عما كان يقول تقبل توبته ولا يقتل وإن كان الساحر يستعمل السحر بالتجربة والامتحان ولا يعتقد لذلك أثرا لا يقتل لأنه ليس بكافر وساحر يجحد السحر ولا يدري كيف يفعل ولا يقربه قالوا

 

ج / 5 ص -204-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يستتاب بل يقتل إذا ثبت أنه يستعمل السحر وفي بعض المواضع ذكر أن الاستتابة أحوط وقال الفقيه أبو الليث إذا تاب الساحر قبل أن يؤخذ تقبل توبته ولا يقتل وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل وكذا الزنديق المعروف الداعي والفتوى على هذا القول ا هـ.
وفي فتح القدير وتقبل الشهادة بالردة من عدلين ولا يعلم مخالف إلا الحسن قال لا يقبل في القتل إلا أربعة قياسا على الزنا وإذا شهدوا على مسلم بالردة وهو منكر لا يتعرض له لا لتكذيب الشهود العدول بل لأن إنكاره توبة ورجوع ا هـ. وهذا معنى قوله فيما نقلناه آنفا عنه أن الشهادة لا تعمل مع الإنكار وليس المراد أن ردته لا تثبت بالشهادة مع الإنكار بل تثبت ويحكم بها حتى تبين زوجته منه ويجب تجديد النكاح وإنما يمتنع القتل فقط للتوبة بالإنكار وقد رأيت من يغلط في هذا المحل.
وقد ذكر المصنف للردة أحكاما أربعة العرض والكشف والحبس والقتل إن لم يسلم وقد بقي لها أحكام كثيرة منها حبط العمل عندنا بنفس الردة وعند الشافعي بشرط الموت عليها كذا في البدائع أي إبطال العبادات وفي الخلاصة من ارتد ثم أسلم وهو قد حج مرة فعليه أن يحج ثانيا وليس عليه إعادة الصلوات والزكوات والصيامات لأن بالردة كأنه لم يزل كافرا فإذا أسلم وهو غني فعليه الحج وليس عليه قضاء سائر العبادات ا هـ.
وفي التتارخانية معزيا إلى اليتيمة1 قيل له لو تاب أتعود حسناته قال هذه المسألة مختلفة فعند أبي علي وأبي هاشم وأصحابنا أنها تعود وعند أبي قاسم الكعبي2 أنها لا تعود ونحن نقول أنه لا يعود ما بطل من ثوابه لكنه تعود طاعاته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد ا هـ. وفيها معزيا إلى السراجية من ارتد ثم أسلم ثم ارتد ومات فإنه يؤاخذ بعقوبة الكفر الأول والثاني وهو قول الفقيه أبي الليث ومن العبادات التي بطلت بردته وقفه الذي وقفه حال إسلامه سواء كان على قربة ابتداء أو على ذريته ثم على المساكين لأنه قربة ولا بقاء لها مع وجود الردة وإذا عاد مسلما لا يعود وقفه إلا بتجديد منه وإذا مات أو قتل أو لحق كان الوقف ميراثا بين ورثته كما أوضحه الخصاف في آخر أوقافه ومنها بقاء المعصية مع الردة ولذا قال في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في كشف الظنون: يتيمة الفتاوى صرح به بدر الرشيد في كتابه "ألفلظ الكفر" ووضع علامته في التتارخانية "2/2050".
2 هو عبد الله بن أحمد بن محمود أبو قاسم البلخي الكعبيب صاحب التصانيف في علم الكلام وهو من متكلمي المعتزلو البغداديين تفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة ÷أ ا هـ تاج التراجم "1/178" الجواهر المضية "2/693".

 

ج / 5 ص -205-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخانية إذا كان على المرتد قضاء صلوات أو صيامات تركها في الإسلام ثم أسلم قال شمس الأئمة الحلواني عليه قضاء ما ترك في الإسلام لأن ترك الصلاة والصيام معصية والمعصية تبقى بعد الردة ا هـ. ومنها أنه لا يجب عليه شيء من العبادات عندنا لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه.
ومنها ما في الخانية مسلم أصاب مالا أو شيئا يجب به القصاص أو حد قذف ثم ارتد وأصاب ذلك وهو مرتد في دار الإسلام ثم لحق بدار الحرب وحارب المسلمين زمانا ثم جاء مسلما فهو مأخوذ بجميع ذلك ولو أصاب ذلك بعدما لحق بدار الحرب مرتدا وأسلم فذلك كله موضوع عنه لأنه أصابه وهو حربي في دار الحرب والحربي لا يؤاخذ بعد الإسلام بما كان أصابه حال كونه محاربا وما أصاب المسلم من حدود الله تعالى كالزنا والسرقة وقطع الطريق ثم ارتد أو أصاب ذلك بعد الردة ثم لحق بدار الحرب ثم جاء مسلما فكل ذلك يكون موضوعا عنه إلا أنه يضمن المال في السرقة وإذا أصاب دما في الطريق كان عليه القصاص لأن ما كان من حقوق العباد كان المرتد مأخوذا بذلك وما أصاب في قطع الطريق من القتل خطأ ففيه الدية على عاقلته إن أصابه قبل الردة وفي ماله إن أصابه بعد الردة. وإن وجب على المسلم حد الشرب من الخمر أو المسكر ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحوق بدار الحرب فإنه لا يؤاخذ بذلك لأن الكفر يمنع وجوب هذا الحد ابتداء حتى لا يجب على الذمي والمستأمن فإذا اعترض الكفر بعد الوجوب يمنع البقاء وإن أصاب ذلك والمرتد محبوس في يد الإمام فإنه لا يؤاخذ بحد الخمر والسكر وهو مؤاخذ بما سوى ذلك من حدود الله تعالى ويتمكن الإمام من إقامة هذا الحد إذا كان في يده فإن لم يكن في يده حين أصاب ذلك ثم أسلم قبل اللحوق بدار الحرب فذلك موضوع عنه أيضا ا هـ. وسيأتي حكم تصرفاته وأملاكه وجنايته وأولاده في الكتاب.
وأشار بقوله وإلا قتل إلى أنه لا يجوز استرقاقه وإن لحق بدار الحرب لأنه لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف وفي الخانية لا يترك على ردته بإعطاء الجزية ولا بأمان موقت ولا بأمان مؤبد ولا يجوز استرقاقه بعد اللحاق مرتدا إذا أخذه المسلمون أسيرا ويجوز استرقاق المرتدة بعد اللحاق ا هـ. ومن أحكامه أنه لا عاقلة له لأنها للمعونة وهو لا يعاون كذا في البدائع وقد مضى في باب نكاح الكافر وقوع الفرقة بردة أحد الزوجين وفي المحرمات أنه لا ينكح ولا ينكح وسيأتي أنه لا يرث من أحد لانعدام الملة والولاية فقد ظهر أن الردة أفحش

 

ج / 5 ص -206-       وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان كلها أو عما انتقل إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الكفر الأصلي في الدنيا والآخرة وأطلق في القتل فشمل الحر والعبد فولاية قتل العبد المرتد للإمام لا للمولى لإطلاق النصوص.
وفي الولوالجية إذا باع عبده المرتد أو أمته المرتدة جاز والردة عيب لأنه مملوك له فيجوز بيعه وفي حق العبد يوجب استحقاق القتل عليه فيكون عيبا وردة الأمة تفوت على المشتري منفعة الوطء فيكون عيبا أيضا ا هـ. وفي شرح المجمع معزيا إلى الحقائق ولا تجالس ولا تواكل ولا تباع ا هـ. ويشترط في جواز قتل المرتد أن لا يكون إسلامه بطريق التبعية ولذا قال في البدائع صبي أبويه مسلمان حتى حكم بإسلامه تبعا لأبويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه إقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ حتى لو أقر بالإسلام ثم ارتد يقتل ولكنه في الأولى يحبس لأنه كان له حكم الإسلام قبل البلوغ تبعا والحكم في إكسابه كالحكم في إكساب المرتد لأنه مرتد حكما ا هـ. وأن لا يكون في إسلامه شبهة لأن السكران لو أسلم صح إسلامه فإن رجع مرتدا لا يقتل كالصبي العاقل إذا ارتد كذا في التتارخانية..
قوله: "وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان كلها أو عما انتقل إليه" أي إسلام المرتد بذلك ومراده أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام وتركه لظهوره ولم يذكر الشهادتين وصرح في العناية بأن التبرؤ بعد الإتيان بالشهادتين وفي شرح الطحاوي سأل أبو يوسف كيف يسلم فقال أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقر بما جاء من عند الله ويتبرأ من الذي انتحله وقال لم أدخل في هذا الدين قط وأنا بريء منه وقوله قط يريد منه معنى أبدا لأن قط ظرف لما مضى لا لما يستقبل كذا في فتح القدير والإقرار بالبعث والنشور مستحب وقوله عما انتحله أي ادعاه لنفسه كاليهود والنصارى كذا في الظهيرية وأفاد باشتراط التبري أنه لو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال إذ لا يرتفع بهما كفره كذا في البزازية وجامع الفصولين.
وقيد بإسلام المرتد لأن في إسلام غيره من الكفار تفصيلا فإن كان الكافر جاحدا للباري سبحانه وتعالى كعبدة الأوثان أو مقرا بالباري مشركا غيره معه كالثنوية فإنه يكون مسلما بإحدى الشهادتين وكذا إذا قال أنا على دين الإسلام أو على الحنيفية وإن كان موحدا جاحدا للرسالة فلا يصير مسلما بكلمة التوحيد حتى يقول محمد رسول الله وفي مجموع النوازل قال مجوسي صلى الله على محمد لا يكون مسلما ولو قال أسلمت فهو إسلام وفي الروضة لو قال الكافر آمنت بما آمن به الرسل صار مسلما وفي مجموع النوازل إذا قال الكافر الله واحد

 

ج / 5 ص -207-       وكره قتله قبله, ولا تقتل المرتدة بل تحبس حتى تسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يصير مسلما ولو قال لمسلم دينك حق لا يصير مسلما وقيل يصير مسلما إلا إذا قال حق ولكن لا أؤمن به ولو قال برئت من اليهودية ولم يقل دخلت في دين الإسلام لا يكون مسلما وفي التجريد لو قال اليهودي أو النصراني لا إله إلا الله وتبرأ من النصرانية فليس بإسلام ولو قال مع ذلك ودخلت في دين الإسلام أو دين محمد صلى الله عليه وسلم كان مسلما الكل من الخلاصة وفي المحيط من يقر من اليهود والنصارى برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم يزعمون أنه رسول إلى العرب لا إلى بني إسرائيل كما في بلاد العراق فإنه لا يكون مسلما بإقراره أن محمدا رسول الله حتى يتبرأ من دينه ذلك أو يقر بأنه دخل في دين الإسلام ا هـ.
ثم اعلم أن الإسلام يكون بالفعل أيضا كالصلاة بجماعة أو الإقرار بها أو الأذان في بعض المساجد أو الحج وشهود المناسك لا الصلاة وحده ومجرد الإحرام.
قوله: "وكره قتله قبله" أي قبل عرض الإسلام لأن إسلامه مرجو قال في الهداية ومعنى الكراهة هنا ترك المستحب ا هـ. يعني: فهي كراهة تنزيه وهو مبني على القول باستحباب العرض وأما من قال بوجوبه فهي كراهة تحريم كما في فتح القدير أطلقه فشمل قتل الإمام وغيره لكن إن قتله غيره أو قطع عضوا منه بغير إذن الإمام أدبه الإمام كما في شرح الطحاوي قوله: "ولم يضمن قاتله لأن الكفر مبيح للقتل" وكل جناية على المرتد فهي هدر.
قوله: "ولا تقتل المرتدة بل تحبس حتى تسلم" لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء1 ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء وإنما عدل عنه دفعا لشر ناجز وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال فصارت كالمرتدة الأصلية أطلقها فشمل الحرة والأمة ويستثنى منه المرتدة بالسحر لما في المحيط والساحرة تقتل إذا كانت تعتقد أنها هي الخالقة لذلك لتصير مرتدة وإن كانت المرتدة لا تقتل لما جاء من الأثر من أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله أن اقتلوا الساحر والساحرة2 وذكر في المنتقى أن الساحرة لا تقتل ولكنها تحبس وتضرب كالمرتدة والأول أصح لأن ضرر كفرها وهو سحرها يتعدى إلى الحي المعصوم بفوات حياته فتقتل كالرجل ا هـ. وفي التتارخانية الخنثى المشكل إذا ارتد لم يقتل ويحبس ويجبر على الإسلام ا هـ. ولم يذكر المصنف حكم قاتلها قال في فتح القدير ولو قتلها قاتل لا شيء عليه حرة كانت أو أمة ذكره في المبسوط ا هـ. وفي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو جزء من حديث بريدة وتقدم تخريجه.
2 أخرجه الشافعي في مسنده "290" والبيهقي في سننه "8/136" كتاب القسامة باب تكفير الساحر وقتله وفي المعرفة أيضا "6/276".

 

ج / 5 ص -208-       ويزول ملك المرتد عن ماله زوالا موقوفا فإن أسلم عاد ملكه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التتارخانية معزيا إلى العتابية وفي الأمة يضمن لمولاها ا هـ. وفي الولوالجية وإن قتلها قاتل لم يضمن شيئا لأن قيمة الدم بالإسلام وقد زال ويؤدب على ذلك لارتكابه ما لا يحل ا هـ. وظاهر كلامه أنه لا فرق بين الحرة والأمة في عدم الضمان فإنه قال أولا ومن قتل حرة مرتدة لم يضمن ثم قال وكذا الأمة وأطلق في حبسها فشمل الأمة لكن الأمة تدفع إلى مولاها فيجعل حبسها بيت السيد سواء طلب هو ذلك أم لا في الصحيح ويتولى هو جبرها جمعا بين حق الله وحق السيد في الاستخدام فإنه لا منافاة بخلاف العبد المرتد لأنه لا فائدة في دفعه إليه لأنه يقتل. ويستثنى من خدمته لها وطؤها فقد صرح الإسبيجابي بأنه لا يطؤها وقدمنا عن الولوالجي ما يفيده.
وأفاد بقوله تحبس أنها لا تسترق في دار الإسلام وقدمنا فيه رواية في باب نكاح الكافر مع بقية أحكام ردتها فارجع إليه ولم يذكر المصنف أنها تضرب لأنه لم يذكر في الجامع الكبير ولا في ظاهر الرواية وقد نقل الشارحون في باب نكاح الكافر أنها إذا ارتدت تضرب خمسة وسبعين وهو اختيار لقول أبي يوسف في نهاية التعزير وهو المأخوذ به في كل تعزير بالضرب كما في الحاوي القدسي وذكر في فتح القدير هنا ويروى عن أبي حنيفة أنها تضرب في كل يوم وقدرها بعضهم بثلاثة وعن الحسن تضرب في كل يوم تسعة وثلاثين سوطا إلى أن تموت أو تسلم ولم يخصه بحرة ولا أمة وهذا قتل معنى لأن موالاة الضرب تفضي إليه ا هـ.
وأطلق في حبسها فشمل ما إذا لحقت بدار الحرب ثم سبيت واسترقت فإنها تجبر على الإسلام بالضرب والحبس ولا تقتل كما صرح به في البدائع ولا يكون استرقاقها مسقطا عنها الجبر على الإسلام كما لو ارتدت الأمة ابتداء فإنها تجبر على الإسلام وشمل ما إذا كانت صغيرة عاقلة لما في المحيط من باب ما يجب للمطلقة قبل الدخول ما يجب جزاء على الردة يجوز أن تؤاخذ الصغيرة به ألا ترى أنها تحبس على الردة كما تحبس الكبيرة والحبس جزاء الردة ا هـ.
قوله: "ويزول ملك المرتد عن ماله زوالا موقوفا فإن أسلم عاد ملكه" قالوا وهذا عند أبي حنيفة وعندهما لا يزول ملكه لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا يقتل إلا بالحراب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم فصار كأن لم يزل مسلما ولم يعمل

 

ج / 5 ص -209-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالسبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر أمره فعمل السبب عمله وزال ملكه ثم اختلف الشيخان في حكم تبرعاته فقال أبو يوسف من جميع المال كتصرف من وجب عليه القصاص وقال محمد هو بمنزلة المريض فتكون من الثلث لكونه على شرف التلف وفي البدائع لا خلاف أنه إذا أسلم أن أمواله باقية على حكم ملكه وأنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب أنها تزول عن ملكه وإنما الخلاف في زوالها بهذه الأشياء الثلاثة مقصورا على الحال وهو قولهما أو مستندا إلى وقت وجود الردة وهو قوله وثمرته تظهر في تصرفاته فعندهما نافذة قبل الإسلام وعنده موقوفة لوقوف أملاكه ا هـ.
قيد بالملك لأنه لا توقف في إحباط طاعاته ووقوع الفرقة بينه وبين امرأته وتجديد الإيمان فإن الارتداد بالنسبة إليها قد عمل عمله كذا في العناية وذكر في الخانية إذا استأجر المسلم دارا أو عقارا أو منقولا ثم ارتد والعياذ بالله تعالى ولحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه تبطل إجارته كأنه مات وكذا إذا استأجر ثم ارتد. ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطلت وصيته وكذا لو أوصى إلى رجل وجعله قيما في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطل إيصاؤه وإن وكل رجلا ثم ارتد الموكل ولحق بدار الحرب ينعزل وكيله في قولهم وإن عاد إلينا مسلما هل يعود وكيلا ذكر في الوكالة أنه لا يعود وذكر في السير أنه يعود ولو ارتد الوكيل ولحق وقضى به ثم عاد مسلما قال أبو يوسف لا يعود وكيلا وقال محمد يعود ا هـ.
والحاصل أنه لا توقف في إبطال عباداته وبينونة امرأته وإيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه وتوكيله ووكالته وقدمنا أن من عباداته التي يطلب بردته وقفه وأنه لا يعود بإسلامه وقيد بالمرتد لأن المرتدة لا يزول ملكها عن مالها بلا خلاف فيجوز تصرفاتها في مالها بالإجماع لأنها لا تقتل فلم تكن ردتها سببا لزوال ملكها كذا في البدائع وينبغي أن يلحق بها المرتد إذا لم يقتل وهو من كان في إسلامه شبهة كما قدمناه بجامع عدم القتل ولم أره صريحا.
وفي الزيادات المرتدة إذا تصرفت إن كان تصرفا ينفذ من المسلم ينفذ منها وإن كان تصرفا لا ينفذ من المسلم لكن يصح ممن هو على ملة انتحلت إليها كاليهود والنصارى نفذ تصرفاتها عندهما وعنده اختلف المشايخ قال بعضهم يصح وقال بعضهم لا يصح منها إلا ما يصح من المسلم كذا في التتارخانية وثمرته في بيعها الخمر والخنزير وأفاد بقوله ملك المرتد عن ماله أن الكلام في الحر فلا يزول ما ملكه المكاتب من اليد بردته ولذا قال في الخانية وتصرفات المكاتب في ردته نافذة في قولهم ا هـ.

 

ج / 5 ص -210-       وإن مات أو قتل على ردته ورث كسب إسلامه وارثه المسلم بعد قضاء دين إسلامه وكسب ردته فيء بعد قضاء دين ردته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإن مات أو قتل على ردته ورث كسب إسلامه وارثه المسلم بعد قضاء دين إسلامه وكسب ردته فيء بعد قضاء دين ردته" بيان لميراث المرتد بعد موته حقيقة وحاصله أن ما كان كسبا له زمن إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين اتفاقا ولا يكون فيئا عندنا خلافا للأئمة الثلاثة لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر وهو مال حربي لا أمان له فكان فيئا ولنا أن ملكه بعد الردة باق فينتقل بموته إلى ورثته مستندا إلى ما قبيل ردته إذ الردة سبب للموت فيكون توريث المسلم من المسلم والاستناد لازم له على قول الأئمة الثلاثة أيضا لأن أخذ المسلمين له إذا لم يكن له وارث بطريق الوراثة وهو يوجب الحكم باستناده شرعا إلى ما قبيل ردته وإلا كان توريثا للكافر من المسلم ومحمل الحديث الكافر الأصلي الذي لم يسبق له إسلام فساوت قرابته المسلمين في ذلك فترجحت قرابته بجهة القرابة وتمامه في فتح القدير واستدل في البدائع بأن عليا رضي الله عنه لما قتل المستورد العجلي1 بالردة قسم ماله بين ورثته للمسلمين وكان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم2 من غير إنكار فكان إجماعا.
وأشار بقوله وارثه إلى أن المعتبر وجود الوارث عند الموت أو القتل أو الحكم باللحاق وهو رواية محمد عن الإمام وهو الأصح كما في النهاية وفتح القدير لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده بمنزلة الولد الحادث من المبيع قبل القبض وذكر في الهداية فيه ثلاث روايات.
وحاصله كما في النهاية أن على رواية الحسن يشترط الوصفان وهما كونه وارثا وقت الردة وكونه باقيا إلى وقت الموت أو القتل حتى لو كان وارثا وقت الردة ثم مات قبل موت المرتد أو حدث وارث بعد الردة فإنهما لا يرثان وعلى رواية أبي يوسف يشترط الوصف الأول دون الثاني وعلى رواية محمد يشترط الوصف الثاني دون الأول ا هـ. فعلى الأصح لو كان من بحيث يرثه كافرا أو عبدا يوم ارتد فعتق بعد الردة قبل أن يموت أو يلحق أو أسلم ورثه كذا في فتح القدير وكذا لو ولد له ولد من علوق حادث بعد الردة إذا كان مسلما تبعا لأمه بأن علق من أمة مسلمة له.
وفي الخانية مسلم ارتد أبوه فمات الابن وله معتق ثم مات الأب وله معتق مسلم فإن ميراث الأب لمعتقه لا لمعتق ابنه لأن الابن إنما يرث من أبيه المرتد عند موت المرتد فإذا مات الابن قبل موت الأب لم يرثه الابن ا هـ. وهو مفرع على غير رواية أبي يوسف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.
2 ذكره التهانوي في إعلاء السنن "12/625" ورواه أبو يوسف في كتابه الخراج "216".

 

ج / 5 ص -211-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما عليها فالمال لمعتق الابن كما لا يخفى وأطلق الوارث فشمل المرأة فترثه امرأته المسلمة إذا مات أو قتل وهي في العدة لأنه يصير فارا إن كان صحيحا وقت الردة كذا في الهداية والتحقيق أن يقال أنه بالردة كأنه مرض مرض الموت باختياره بسبب المرض ثم هو بإصراره على الكفر مختارا في الإصرار الذي هو سبب القتل حتى قتل بمنزلة المطلق في مرض موته ثم يموت قتلا أو حتف أنفه أو بلحاقه فيثبت حكم الفرار كذا في فتح القدير.
ثم اعلم أن اشتراط قيام العدة لإرثها إنما هو على غير رواية أبي يوسف أما عليها فترثه وإن كانت منقضية العدة لكونها وارثة وقت الردة وهو مروي أيضا ثم اعلم أن اشتراط قيام العدة يقتضي أنها موطوءة فلا ترث غير المدخولة وهو كذلك وذلك لأن بمجرد الردة تبين غير المدخولة لا إلى عدة فتصير أجنبية ولما لم تكن الردة موتا حقيقيا حتى أن المدخولة إنما تعتد فيها بالحيض لا بالأشهر لم تنتهض سببا للإرث إذا لم يكن عند موت الزوج أو لحاقه أثر من آثار النكاح لأن الإرث وإن استند إلى الردة لكن يتقرر عند الموت وبهذا أيضا لا ترث المنقضية عدتها كذا في فتح القدير وينبغي أن يكون مفرعا أيضا على غير رواية أبي يوسف أما عليها فلا فرق بين المدخولة وغيرها وقيد الوارث بالإسلام لأن الكافر لا يرث المرتد.
وفي البدائع ولو ارتد الزوجان معا ثم جاءت بولد ثم قتل الأب على ردته فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الردة يرثه لأنه علم أن العلوق حصل في حالة الإسلام قطعا وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا من وقت الردة لم يرثه لأنه يحتمل أنه علق في حالة الردة فلا يرث مع الشك ولو ارتد الزوج دون المرأة أو كانت له أم ولد مسلمة ورثه مع ورثته المسلمين. وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لأن الأم مسلمة فكان الولد على حكم الإسلام تبعا لأمه فيرث أباه ا هـ. وأما ما كان كسبا له زمن ردته ففيه اختلاف فقالا هو كالأول ميراث لأن ملكه باق بعد الردة فينتقل بموته إلى ورثته مستندا إلى ما قبيل ردته وقال الإمام أنه فيء يوضع في بيت مال المسلمين كاللقطة لأنه إنما يمكن الاستناد في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة ولا يمكن الاستناد في كسب الردة لعدمه قبلها ومن شرط استناد التوريث وجوده قبلها وحاصله أنه لا ملك له فيما اكتسبه زمن ردته حيث مات أو قتل وما ليس بمملوك له لا يورث عنه وهما لما قالا بأن أملاكه لا تزول بردته قالا بأن كسبه زمنها مملوك له فيورث عنه فالخلاف هنا مبني على الخلاف السابق في زوال أملاكه بالردة.
وفي القاموس الفيء ما كان شمسا فينسخه الظل والغنيمة والخراج والقطعة من الطير والرجوع ا هـ. فله خمسة معان لغة.
وأما اصطلاحا فما يوضع في بيت مال المسلمين. وأما حكم ديونه فأفاد أن ديون إسلامه

 

ج / 5 ص -212-       وإن حكم بلحاقه عتق مدبروه وأم ولده وحل دينه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقضى من كسب إسلامه وأن دين ردته يقضى من كسب ردته وحاصله أن على قولهما تقضى ديونه من الكسبين لأنهما جميعا ملكه حتى يجري الإرث فيهما وأما على قول الإمام ففيه روايتان ففي رواية أبي يوسف عنه أنه في كسب الردة إلا أن لا يفي به فيقضي الباقي من كسب الإسلام وفي رواية الحسن عنه أنه في كسب الإسلام إلا أن لا يفي به فيقضي الباقي من كسب الردة وهو الصحيح لأن دين الإنسان يقضى من ماله لا من مال غيره وكذا دين الميت يقضى من ماله لا من مال وارثه وماله كسب الإسلام فأما كسب الردة فمال جماعة المسلمين فلا يقضى منه الدين إلا لضرورة فإذا لم يف به كسب الإسلام تحققت الضرورة فيقضى الباقي منه كذا في البدائع وهكذا صحح الولوالجي فقد علمت أن ما في المتن ليس على قول من الأقوال الثلاثة وإنما ذكره في البدائع قولا للحسن وزفر فقال وقال الحسن دين الإسلام في كسب الإسلام ودين الردة في كسب الردة وهو قول زفر ا هـ.
والحق أنها رواية زفر عن الإمام أيضا كما في النهاية وقوله في الهداية أنها رواية عن أبي حنيفة أي رواية زفر عنه لكنها ضعيفة كما علمت وظاهر الولوالجية أنه لو لم يكن له إلا أحد النوعين يقضي الدينان منه اتفاقا وسنوضحه من بعد إن شاء الله تعالى وقدمنا أن الكلام إنما هو في الحر. وأن المكاتب خارج عن هذه الأحكام فلذا قال في الجوهرة أن ما اكتسبه المكاتب في حال ردته لا يكون فيئا وإنما يكون لمولاه لتعلق حقه به وسنوضحه من بعد إن شاء الله تعالى.
وقيد بالمرتد لأن المرتدة كسباها لورثتها لأنه لا حراب منها فلم يوجد سبب الفيء بخلاف المرتد عند أبي حنيفة ويرثها زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة لقصدها إبطال حقه وإن كانت صحيحة لا يرثها لأنها لا تقتل فلم يتعلق حقه بما لها بالردة بخلاف المرتد.
والحاصل أن زوجة المرتد ترث منه مطلقا وزوج المرتدة لا يرثها إلا إذا ارتدت مريضة والكسب بفتح الكاف وكسرها الجمع كسبة جمعه كذا في القاموس وقد قدمنا حكم المرتدة في النكاح والعدة بأن نكاح الكافر.
قوله: "وإن حكم بلحاقه عتق مدبروه وأم ولده وحل دينه" لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء

 

ج / 5 ص -213-       وتوقف مبايعته وعتقه وهبته فإن آمن نفذ وإن هلك بطل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو باتفاق الإمام وصاحبيه كما في الجوهرة وإذا تقرر موته تثبت الأحكام المتعلقة به من عتق المدبر وأم الولد وسقوط الأجل كما في الموت الحقيقي والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا من عتق مدبريها وحلول دين عليها ولم يذكر قسمة ماله بين ورثته لظهوره ولما سيشير إليه عند قوله فما وجده في يد وارثه ولم يذكر حكم مكاتبه وحكمه كما في البدائع أنه يؤدي إلى الورثة فيعتق وإذا عتق فولاؤه للمرتد لأنه المعتق ا هـ.
وفي المجتبى بعلامة حس ظ القضاء باللحاق ليس بشرط وإنما يشترط قضاؤه بشيء من أحكام الموتى وعامتهم على أنه يشترط القضاء باللحاق سابقا على قضائه بهذه الأحكام وإليه أشار محمد في كثير من المواضع ا هـ. وفي فتح القدير وإذا صار اللحاق كالموت لا أنه حقيقة الموت لا يستقر حتى يقضي به سابقا على القضاء بشيء من هذه الأحكام المذكورة في الصحيح لا أن القضاء بشيء منها يكفي بل يسبق القضاء باللحاق ثم تثبت الأحكام المذكورة ا هـ.
وظاهرهما أن القضاء باللحاق قصدا صحيح وينبغي أن لا يصح إلا في ضمن دعوى حق للعبد وقد قالوا أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل كما في جامع الفصولين والبزازية واللحاق موت حكما فينبغي أن لا يدخل تحت القضاء قصدا فينبغي أنه لو حكم بعتق مدبره لثبوت لحاقه مرتدا ببينة عادلة فإنه صحيح ولا يشترط له تقدم الحكم بلحاقه ولم أر إلى الآن من أوضح هذا المحل وقوله عتق مدبروه معناه من ثلث ماله وإنما لم يصرح به لما تقدم في باب التدبير وقوله في الجوهرة بعد عتق المدبر وأم الولد يعني من الثلث تسامح لأن أم الولد تعتق من جميع المال كما علم في بابها ثم اختلف الشيخان في الوقت الذي يعتبر فيه كونه وارثا له فقال أبو يوسف يقضى به لمن كان وارثا وقت القضاء بلحاقه لأنه حينئذ يصير موتا وقال محمد يعتبر وقت لحاقه لأنه السبب كذا في المجتبى وفي التتارخانية وإذا ارتد الأب مع بعض أولاده ولحقوا بدار الحرب فرفع ميراث المرتد إلى الإمام فإنه يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين ولا شيء من ميراثه للذي ارتد من أولاده هذا في كسب الإسلام وأما كسب الردة ففيء عند الإمام وأما ما اكتسبه في دار الحرب فهو للابن الذي ارتد ولحق معه إذا مات مرتدا فإن لحق أحد من أولاده مسلما معه فإنه يرث كسب إسلامه فقط ا هـ.
قوله: "وتوقف مبايعته وعتقه وهبته فإن آمن نفذ وإن هلك بطل" بيان لتصرفه حال ردته بعد بيان حكم إملاكه قبل ردته وهذا عند الإمام وقالا هو جائز مطلقا لأن الصحة تعتمد

 

ج / 5 ص -214-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأهلية وهي موجودة لكونه مخاطبا والنفاذ يعتمد الملك وهو موجود لقيامه قبل موته إلا أن عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح لأن الظاهر عوده إلى الإسلام وعند محمد كما تصح من المريض لأنه يفضي إلى القتل ظاهرا وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقف الملك وتوقف التصرفات بناء عليه فصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤسر فتتوقف تصرفاته لتوقف حاله حيث كان للإمام الخيار بين استرقاقه وقتله فإن قتل أو أسر لم تنفذ منه هذه أو أسلم لم يؤخذ له مال فكذا هذا وفي الأهلية خلل لاستحقاقه القتل لبطلان سبب العصمة بخلاف الزاني وقاتل العمد لأن استحقاق القتل جزاء على الجناية قال أبو اليسر ما قالاه أحسن لأن المرتد لا يقبل الرق والقهر يكون حقيقيا لا حكميا والملك يبطل بالقهر الحكمي لا الحقيقي ولهذا المعنى لا يبطل ملك المقضي عليه بالرجم.
وحاصل مراده أن المنافي للملك الاسترقاق ليس غير لكنه ممنوع عند أبي حنيفة بل نقول إنما أوجب استرقاق ذلك في الأصل للقهر الكائن بسبب حرابته وهو موجود في المرتد فيثبت فيه ذلك بطريق الأولى لأن الرق يتصور معه ملك النكاح بخلاف قهر المرتد كذا في فتح القدير.
أطلق المبايعة فشملت البيع والشراء والإجارة لأنها بيع المنافع وأشار بالعتق إلى ما هو من حقوقه كالتدبير والكتابة فهما موقوفان أيضا لكن لا يدخل الاستيلاد لأنه منه نافذ اتفاقا لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك حتى صح في جارية الابن.
وأشار بالهبة إلى كل تمليك هو تبرع فدخلت الوصية فإنها موقوفة أيضا. ولما كان الرهن من المعاوضات في المال كالبيع كان داخلا فتوقف رهنه أيضا ولما كان قبض الدين مبادلة حكما دخل تحت المبايعة فتوقف قبضه الدين أيضا.
والحاصل أن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقا وهي خمسة النكاح والذبيحة والصيد بالكلب والبازي والرمي والإرث والشهادة وما لا يعتمد الملة ولاية ولا حقيقة ملك فإنه صحيح منه اتفاقا وهي خمس أيضا الاستيلاد والطلاق وقبول الهبة وتسليم الشفعة والحجر على عبده المأذون وصورة الاستيلاد ما في الخانية إذا جاءت جاريته بولد فادعى الولد يثبت نسبه منه ويرث ذلك الولد مع ورثته وتصير الجارية أم ولد له ا هـ. وأورد كيف يقع طلاقه وقد بانت بردته وأجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع الطلاق وقد سلف أن المبانة يلحقها الصريح في العدة وأورد طلب الفرق بين طلاقه وعتقه والفرق أن الطلاق لا يعتمد كمال الولاية بخلاف العتق بدليل وقوع طلاق العبد دون عتقه.

 

ج / 5 ص -215-       وإن عاد مسلما بعد الحكم بلحاقه فما وجده في يد وارثه أخذه وإلا لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الخانية وإذا أعتق المرتد عبده ثم أعتقه ابنه المسلم وليس له وارث سواه لا يجوز عتق واحد منهما لأن الابن إنما يرث بعد الموت لا قبله وإعتاقه سابق على ملكه فلا يعتق وهو بخلاف ما إذا مات الرجل وترك عبدا وتركته مستغرقة بالدين فأعتقه الوارث ثم سقط دين الغرماء فإنه ينفذ إعتاق الوارث لأن ثمة سبب الملك للوارث تام وإنما توقف الملك لحق الغرماء فإذا سقط حق الغرماء فإن إعتاق الوارث ينفذ وأما في المرتد سبب الملك للوارث إنما يتم بعد موت المرتد ا هـ. ولا يمكن توقف التسليم لأنها بطلت به مطلقا وأما الحجر فيصح بحق الملك فبحقيقة الملك الموقوف أولى وفي المحيط في مسألة عتقه وإعتاق ابنه أنه على الرواية التي عند أبي حنيفة يعتبر كونه وارثا وقت الردة فيجب أن ينفذ عتقه لأنه يملكه من وقت الردة ا هـ.
وقد يقال أنه إنما يملكه من وقت الردة على تلك الرواية إذا مات أو قتل والكلام هنا قبله وأما ما يعتبر المساواة من التصرف أو ولاية متعدية فإنه لا ينفذ منه اتفاقا فالأول المفاوضة فإذا فاوض مسلما توقفت اتفاقا إن أسلم نفذت وإن هلك بطلت وتصير عنانا من الأصل عندهما وتبطل عنده كذا في الخانية والثاني التصرف على ولده الصغير وفي مال ولده موقوف اتفاقا فقد ظهر أن تصرفاته على أربعة أقسام ولم أر حكم التقاطه لقيطا أو لقطة.
وفي غاية البيان من باب الاستيلاد الجد إذا وطئ جارية ابن ابنه والأب مرتد فادعاه الجد بعد الولادة لم تصلح دعوى الجد عندهما وعند أبي حنيفة موقوفة فإن أسلم الأب لم تصح دعوى الجد وإن مات على الردة أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه تصح ا هـ. وهذه لا ترد على ما في الكتاب لأنها تصرف المسلم وهو الجد لا تصرف المرتد وقيد بالمرتد لأن تصرفات المرتدة نافذة عند الكل لأنها لا تقتل وقد قدمناه مع بيان تصرفات المكاتب المرتد وأطلق الهلاك فشمل الحقيقي بالموت أو القتل والحكمي بالقضاء بلحاقه بدار الحرب كما في الخانية وعبر بالإيمان في قوله فإن آمن وأراد الإسلام فإنه المراد هنا كما عبر به في الهداية والخانية فإنه الانقياد الظاهر الذي تبتنى عليه الأحكام.
قوله: "وإن عاد مسلما بعد الحكم بلحاقه فما وجده في يد وارثه أخذه وإلا لا" أي وإن لم يجده قائما في يده فليس له أخذ بدله منه لأن الوارث إنما يخلفه فيه لاستغنائه وإذا عاد مسلما يحتاج إليه فيقدم عليه وعلى هذا لو أحيا الله ميتا حقيقة وأعاده إلى دار الدنيا كان له أخذ ما في يد ورثته.
وأطلق في قوله وإلا لا فشمل ما إذا كان هالكا أو أزاله الوارث عن ملكه وهو قائم سواء

 

ج / 5 ص -216-       ولو ولدت أمة له نصرانية لستة أشهر منذ ارتد فادعاه فهي أم ولده وهو ابنه حر ولا يرثه ولو مسلمة ورثه الابن إن مات على الردة أو لحق بدار الحرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان بسبب يقبل الفسخ كبيع أو هبة أو يقبله كعتق وتدبير واستيلاد فإنه يمضي ولا عود له فيه ولا يضمنه وشمل ما لم يدخل في يد وارثه أصلا كمدبريه وأمهات أولاده المحكوم بعتقهم بسبب الحكم بلحاقه فإنهم لا يعودون في الرق لأن القضاء بعتقهم قد صح بدليل مصحح له والعتق بعد نفاذه لا يقبل البطلان وولاؤهم لمولاهم أعني المرتد الذي عاد مسلما وكذلك مكاتبه إذا كان أدى المال إلى الورثة لا سبيل عليه أيضا لأنه عتق بأداء المال والعتق لا يحتمل الفسخ وما أدى إلى الورثة إن كان قائما أخذه وإن زال ملكهم عنه لا ضمان عليه كسائر أمواله وإن كان لم يؤد بدل الكتابة يأخذها منه وإن عجز عاد رقيقا له كذا في البدائع وفي الخانية إذا عاد مسلما بعد الحكم بحل ديونه وعتق مدبريه وأم ولده لا يملك أن يبطل شيئا إلا شيئان الأول الميراث يبطله ويسترد ماله إن كان قائما والثاني إذا كاتب ورثته عبدا من ماله ثم رجع فإن رجع بعدما أدى بدل الكتابة لا يملك إبطالها فإن رجع قبل أن يؤدي جميع بدل الكتابة كان له أن يبطل الكتابة ا هـ. وظاهر الكتاب أنه يأخذ ما في يد الوارث بغير قضاء ولا رضا والمنقول لأنه قال في التتارخانية وما كان قائما في يد الورثة إنما يعود إلى ملكه بقضاء أو رضا فإنه ذكر في السير الكبير أن وارث المرتد إذا تصرف في المال الذي ورثه بعدما عاد المرتد مسلما نفذ تصرفه ا هـ. وجزم به الزيلعي معللا بأنه دخل في ملكه بحكم شرعي فلا يخرج عن ملكه إلا بطريقه ا هـ. وقد يقال طريقه عوده مسلما فإن الحكم الشرعي على الموجب لدخول الحكم بخلافته عنه بعد موته حكما وقد بطلت فبطل ما ابتنى عليه وقد قدمنا عن التتارخانية أن كسب ردته فيء بعد الحكم بلحاقه كموته حقيقة لكن لم أر حكم ما إذا عاد مسلما ووجد كسب ردته قائما عند الإمام فهل يسترده كما يسترد من وارثه كسب إسلامه الظاهر أنه لا يسترده لأن أخذه ليس بطريق الخلافة بل لكونه مال حربي كما قدمناه فصار لبيت المال فلا يسترده كما أن الحربي الحقيقي لا يسترد ماله بعد إسلامه وقيد بقوله بعد الحكم بلحاقه لأنه لو عاد مسلما قبله فحكمه كما إذا لم يرتد فلا يعتق مدبره وأم ولده ولا تحل ديونه وله إبطال ما تصرف فيه الوارث لكونه فضوليا.
قوله: "ولو ولدت أمة له نصرانية لستة أشهر منذ ارتد فادعاه فهي أم ولده وهو ابنه حر ولا يرثه ولو مسلمة ورثه الابن إن مات على الردة أو لحق بدار الحرب" أما صحة الاستيلاد

 

ج / 5 ص -217-       وإن لحق المرتد بماله فظهر عليه فهو فيء فإن رجع وذهب بماله وظهر عليه فلوارثه,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلما قدمنا أنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وأما الإرث فلأن الأم إذا كانت نصرانية فالولد تبع له لقربه إلى الإسلام للجبر عليه فصار في حكم المرتد والمرتد لا يرث أحدا ولم يجعل مسلما تبعا للدار لأنها عند عدم الأبوين فقط أما إذا كانت مسلمة فالولد مسلم تبعا لها لأنها خيرهما دينا والمسلم يرث المرتد أراد بالنصرانية الكتابية ولو يهودية والتقييد بالستة لنفي الأقل فإنها إذا جاءت به لأقل منها فالولد يرث من أبيه المرتد للتيقن بوجوده في البطن قبل الردة فيكون مسلما تبعا للأب بخلافه للستة لعدم التيقن كما في النهاية لا لنفي الأكثر ولذا عبر في الهداية بالأكثر زاد في فتح القدير ولو إلى عشر سنين.
قوله: "وإن لحق المرتد بماله فظهر عليه فهو فيء" أي ماله غنيمة يوضع في بيت المال بالإجماع لا لورثته لسقوط عصمة ماله تبعا لعصمة نفسه وقيد بالمال لأن المرتد بعد الظهور لا يسترق وإنما يقتل إن لم يسلم ولا يشكل كون ماله فيئا دون نفسه لأن مشركي العرب كذلك وفي المغرب ظهر عليه غلب وظهر على اللص غلب وهو من قولهم ظهر فلان السطح إذا علاه وحقيقته صار على ظهره ا هـ. فعلى هذا ظهر في كلام المصنف بالبناء للمفعول.
قوله: "فإن رجع وذهب بماله وظهر عليه فلوارثه" لأنه انتقل إليهم بقضاء القاضي بلحاقه فكان الوارث مالكا قديما وحكمه أنه إن وجده قبل القسمة أخذه بغير بدل وإن وجده بعدها أخذه بقيمته إن شاء وإن كان مثليا فقد تقدم أنه لا يؤخذ لعدم الفائدة كذا في فتح القدير والمثلي وارد على المصنف مع أن في عبارته إيهاما أن يأخذه بغير شيء مطلقا ولم يقيد المصنف أن يكون رجوعه بعد الحكم بلحاقه تبعا للجامع الصغير فأفاد أنه لا فرق بين أن يكون بعده أو قبله أما إذا كان بعده فظاهر لتقرر الملك للوارث بالقضاء بلحاقه وأما قبله فلأن عوده وأخذه ولحاقه ثانيا يرجح جانب عدم العود ويؤكده فيتقرر موته وما احتيج للقضاء باللحاق لصيرورته ميراثا إلا ليترجح عدم عوده فيتقرر إقامته ثمة فيتقرر موته فكان رجوعه ثم عوده ثانيا بمنزلة القضاء وفي بعض روايات السير جعله فيئا لأن بمجرد اللحاق لا يصير المال ملكا للورثة والوجه ظاهر الرواية كذا في فتح القدير تبعا لما في النهاية والعناية وهما تبعا فخر الإسلام البزدوي في شرح الجامع الصغير من أن ظاهر الرواية الإطلاق وقيد الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير بأن يكون الرجوع بعد القضاء أما قبله ففيء وحمل في غاية البيان إطلاق الكتاب على مذهب محمد وما في بعض روايات السير على مذهب أبي يوسف وبما قررناه سقط إشكال الزيلعي على النهاية لأنه حيث كان ظاهر الرواية الإطلاق وكان له وجه ظاهر

 

ج / 5 ص -218-       وإن لحق وقضى بعبده لابنه فكاتبه فجاء مسلما فالمكاتبة والولاء لمورثه,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا محل للإشكال فلذا قال في الفتح والوجه ظاهر الرواية واعتمده المصنف في الكافي.
قوله: "وإن لحق وقضى بعبده لابنه فكاتبه فجاء مسلما فالمكاتبة والولاء لمورثه" وهو المرتد الذي عاد مسلما لأنه لا وجه إلى إبطال الكتابة لنفوذها بدليل منفذ وهو القضاء بلحاقه فجعلنا الوارث الذي هو خلفه كالوكيل من جهته وحقوق العقد فيه ترجع إلى الموكل والولاء لمن يقع العتق عنه نظيره المكاتب إذا كاتب عبده ثم عجز وفسخت الكتابة الأولى تبقى الثانية على حالها ويكون بدل الكتابة وولاؤه لمولاه وليس انتقال الكتابة إلى المرتد الذي أسلم بسبب انتقال المكاتب من ملك الابن إليه وإنما هو لسقوط ولاية الخلف عند ظهور ولاية الأصل وأشار بفاء التعقيب في قوله فجاء مسلما إلى أن مجيئه عقيب كتابته يعني من غير أداء بدل الكتابة إلى الابن فلو أداها إليه ثم جاء مسلما فإنه عتق على الابن حين أدى وكان الولاء له فلا ينتقل بعده إلى أبيه كما لو أعتق الابن عبده ثم جاء مسلما والمكاتبة بدل الكتابة وقيد بالكتابة لأن الابن إذا دبره ثم جاء الأب مسلما فإن الولاء لا يكون للأب كما في التتارخانية.
وأشار بكون البدل والولاء فقط للأب إلى أنه لا يمكن فسخ الكتابة لصدورها عن ولاية شرعية وقد صرح به الشارح وقدمنا عن الخانية أنه يملك إبطال كتابة الوارث قبل أداء جميع البدل إلا أن يقال أن مرادهم أنه لا يمكن فسخها بمجرد مجيئه من غير أن يفسخها أما إذا فسخها انفسخت إلا أن جعلهم الوارث كالوكيل من جهته يأباه وقدمنا حكم ما إذا كاتب ثم ارتد ثم لحق.
قوله: "فإن قتل مرتد رجلا خطأ ولحق أو قتل فالدية في كسب الإسلام خاصة" بيان لحكم جنايته وهذا عند الإمام وقالا الدية فيما اكتسبه في الإسلام والردة لأن الكسبين ماله لنفوذ تصرفه في المالين ولذا يجري الإرث فيهما عندهما وعنده ماله هو المكتسب في الإسلام لنفوذ تصرفه فيه دون المكسوب في الردة لتوقف تصرفه ولذا كان الأول ميراثا عنه والثاني فيئا واتفقوا أنه لا عاقلة له لانعدام النصرة فتكون الدية في ماله قيد بلحاقه أو قتله يعني على الردة لأنه لو أسلم تكون الدية في الكسبين جميعا مات أو لم يمت.
وأشار بقوله خاصة إلى أنه لو لم يكن له كسب إسلام وإنما له كسب الردة فإن الجناية هدر عنده خلافا لهما كذا في فتح القدير وفيه نظر.
والصواب أن الدية في كسب الردة لأنها كالدين وقدمنا عن أبي حنيفة في الدين ثلاث روايات في رواية يقضي دين الإسلام من كسبه ودين الردة من كسبها وفي رواية يقضي من

 

ج / 5 ص -219-       ولو ارتد بعد القطع عمدا أو مات أو لحق وجاء مسلما فمات منه ضمن القاطع نصف الدية في ماله لورثته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كسب الردة إلا أن لا يفي فمن كسب الإسلام وفي رواية عكسه وهي الصحيحة فلم يرد أن دين الردة هدر فكيف يقال في جنايته مع وجود كسب الردة أنها هدر والظاهر أنه سهو ولذا قال في التتارخانية والولوالجية فإن لم يكن له إلا كسب الإسلام أو إلا كسب الردة تستوفى الدية منه وإن كان له الكسبان قالا يستوفي منهما وقال الإمام تستوفى من كسب الإسلام أولا فإن فضل شيء استوفى الفضل من كسب الردة ا هـ.
وفي فتح القدير وعلى هذا لو غصب مالا فأفسده يجب ضمانه في مال الإسلام وعندهما في الكل ا هـ وفي غاية البيان أن حكم ما اغتصبه أو أتلفه كذلك عنده في كسب الإسلام فإن فضل شيء كان في كسب الردة وفي التتارخانية هذا إذا ثبت الغصب والإتلاف بالمعاينة فإن ثبت بإقرار المرتد فعندهما يستوفي من الكسبين وعنده من كسب الردة كذا ذكر شيخ الإسلام ا هـ. وينبغي أن يكون القتل خطأ كذلك لكونه منهما في إقراره لحق الورثة.
وفي فتح القدير والولوالجية وجناية العبد والأمة والمكاتب المرتدين كجنايتهم في غير الردة لأن الملك فيهما قائم بعد الردة والمكاتب يملك أكسابه في الردة فيكون موجب جنايته في كسبه والجناية على المماليك المرتدين هدر ا هـ. ولم يذكر المصنف حكم الجناية على المرتد بقطع يده أو رجله لكونه قد علم من قوله أولا لا يضمن قاتله بالأولى وذكر محمد في الأصل أن الجاني لا يضمن سواء مات المرتد من ذلك القطع على الردة أو مات مسلما حيث كان القطع وهو مرتد وأما إذا كان القطع وهو مسلم والسراية إلى النفس وهو مرتد فهي المسألة الآتية والواو في قوله ولحق بمعنى ثم وقيد به لأنه لو قتل في دار الحرب ثم جاء تائبا فلا شيء عليه وكذا لو غصب أو قذف لأن فعله لم ينعقد موجبا لصيرورته في حكم أهل الحرب وأما إذا فعل شيئا قبل اللحاق ثم لحق فما كان من حقوق العباد كالقتل والغصب والقذف يؤخذ به وما كان من حقوق الله تعالى كبقية الحدود فإنه يسقط لأن اللحاق كالموت يورث شبهة كذا في البدائع.
قوله: "ولو ارتد بعد القطع عمدا أو مات أو لحق وجاء مسلما فمات منه ضمن القاطع نصف الدية في ماله لورثته" بيان المسألتين إحداهما إذا قطعت يد المسلم عمدا ثم ارتد المقطوعة يده ثم سرى القطع إلى النفس ثانيهما إذا لحق المقطوع يده بدار الحرب ثم عاد مسلما ثم سرى القطع إلى النفس والحكم فيهما ضمان دية اليد فقط ولا يضمن القاطع بالسراية إلى النفس شيئا أما في الأولى فلأن السراية حلت محلا غير معصوم فانهدرت بخلاف

 

ج / 5 ص -220-       وإن لم يلحق وأسلم ومات ضمن الدية, ولو ارتد مكاتب ولحق وأخذ بماله وقتل فمكاتبته لمولاه وما بقي لورثته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما إذا قطع يد المرتد ثم أسلم فمات من ذلك فإنه يضمن شيئا لأن الإهدار لا يلحقه الاعتبار أما المعتبر قد يهدر بالإبراء وبالإعتاق وبالبيع كما لو قطع يد عبد ثم باعه مولاه ثم رد عليه بالعيب ثم مات العبد من القطع فإن الجاني لا يضمن للبائع ضمان النفس فلذا يهدر بالردة وأما الثانية فقال في الهداية معناه إذا قضى بلحاقه لأنه صار ميتا تقديرا والموت يقطع السراية وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى وإن لم يقض بلحاقه حتى عاد مسلما فهو على الخلاف الآتي في الآتية على الصحيح فعند محمد يجب نصف الدية وعندهما دية. وحاصله أنه بعد اللحاق قبل القضاء كما قبل اللحاق قيد بقوله عمدا ليكون ضمان دية اليد في ماله لأنه لو كان خطأ فهو على العاقلة كما في الولوالجية.
قوله: "وإن لم يلحق وأسلم ومات ضمن الدية" أي كاملة عندهما وقال محمد النصف لأن اعتراض الردة أهدر السراية فلا ينقلب بالإسلام إلى الضمان كما إذا قطع يد مرتد فأسلم ولهما أن الجناية وردت على محل معصوم وتمت فيه فيجب ضمان النفس كما إذا لم تتخلل الردة وهذا لأنه لا معتبر لقيام العصمة في حال بقاء الجناية وإنما المعتبر قيامها في حال انعقاد السبب وفي حال ثبوت الحكم وحالة البقاء بمعزل من ذلك وصار كقيام الملك في حال بقاء اليمين قيد بكون المقطوع هو المرتد لأنه لو لم يرتد وإنما ارتد القاطع بعد القطع ثم قتل القاطع أو مات ثم سرى القطع إلى النفس فإن كان القطع عمدا فلا شيء على أحد لفوت محل القصاص وإن كان خطأ وجبت الدية بتمامها على عاقلة القاطع في ثلاث سنين من يوم قضاء القاضي عليهم كذا في الخانية لأنه حين القطع كان مسلما وتبين أن الجناية قتل بخلاف ما إذا قطعها وهو مرتد فإنه لا شيء على العاقلة لأن المرتد لا عاقلة له وأشار بإضافة الضمان إليه إلى أنه في ماله لأنه عمد والعاقلة لا تعقله فلو كان القطع خطأ وجبت الدية على العاقلة كذا في الولوالجية
قوله: "ولو ارتد مكاتب ولحق وأخذ بماله وقتل فمكاتبته لمولاه وما بقي لورثته" أما على أصلهما فظاهر لأن كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكاتبا وأما عند أبي حنيفة فلأن المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة فكذا أكسابه ألا ترى أنه لا يتوقف تصرفه بالأقوى وهو الرق فكذا بالأدنى وهو الردة ومعنى قوله أخذ بماله بالبناء للمفعول أنه أسر مع ماله وأبى أن يسلم فقتل وأورد عليه أنه إذا وفيت كتابته حكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته فيتبين أن كسبه كسب مرتد حر فيكون فيئا عنده وأجيب بأن الحكم

 

ج / 5 ص -221-       ولو ارتد الزوجان ولحقا فولدت ولدا وولد له ولد فظهر عليهم فالولدان فيء ويجبر الولد على الإسلام لا ولد الولد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحريته إنما هو في الحقوق المستحقة بالكتابة وهي حرية نفسه وأولاده وملك كسبه رقبة وفيما عدا ذلك من الأحكام يعتبر عبدا ألا ترى أنه لا تصح وصيته وإن ترك وفاء لأن الوصية ليست من الحقوق المستحقة بالكتابة فكذا كسبه لا يكون فيئا لأن كسب العبد المرتد لا يكون فيئا فلا يجعل حرا في حقه والمكاتبة بدل الكتابة وفي القاموس المكاتبة التكاتب وأن يكاتبك عبدك على نفسه بثمنه فإذا أداه عتق ا هـ. فإطلاق المكاتبة على البدل مجاز كما لا يخفى.
قوله: "ولو ارتد الزوجان ولحقا فولدت ولدا وولد له ولد فظهر عليهم فالولدان فيء ويجبر الولد على الإسلام لا ولد الولد" بيان لحكم ولد المرتدة وحاصله أنه إما أن يكون موجودا منفصلا حين الردة أو لا فإن كان الأول فإنه لا يكون مرتدا بردتهما معا لأنه ثبت له حكم الإسلام بالتبعية فلا تزول بردتهما إلا إذا لحقا به أو أحدهما إلى دار الحرب فإنه خرج عن الإسلام لأنه كان بالتبعية لهما أو للدار وقد انعدم الكل فيكون الولد فيئا ويجبر على الإسلام إذا بلغ كما تجبر الأم عليه فإن كان الأب ذهب به وحده والأم مسلمة في دار الإسلام لم يكن الولد فيئا لأنه بقي مسلما تبعا لأمه وإن كان الثاني بأن ولد لهما ولد بعد لحوقهما فحكمه حكمهما من كونه فيئا ومن الجبر على الإسلام سواء كان الحبل في دار الحرب أو في دار الإسلام ولذا أطلقه المصنف وتقييده في الهداية بكون الحبل في دار الحرب اتفاقي ليعلم حكم ما إذا حبلت به في دار الإسلام بالأولى لأنه إذا أجبر على الإسلام مع بعده عنه ببعده عن داره فمع كونه أقرب إليه أولى كما في النهاية لكن ليس حكم هذا الولد كحكمهما من جهة القتل ولذا قال الولوالجي لا يقتل لو أبى كولد المسلم إذا بلغ ولم يصف الإسلام يجبر عليه ولا يقتل وإنما لم يجبر ولد الولد لأنه إما بالتبعية لجده أو لأبيه لا سبيل إلى الأول مع وجود أبيه ولا إلى الثاني لأن ردة أبيه كانت تبعا والتبع لا يستتبع خصوصا وأصل التبعية ثابتة على خلاف القياس لأنه لم يرتد حقيقة ولذا يجبر بالحبس لا بالقتل بخلاف أبيه وإذا لم يتبع الجد فيسترق أو توضع عليه الجزية أو يقتل لأن حكمه حينئذ حكم سائر أهل الحرب إذا أسروا وأما الجد فيقتل لا محالة لأنه المرتد بالأصالة أو يسلم كذا في فتح القدير.
واعلم أن الجد ليس كالأب في ظاهر الرواية في ثمان مسائل أربعة في الفرائض وأربعة في غيرها أما الثاني فالأولى أنه لا يكون مسلما بإسلام جده في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن يتبعه وهذه وهو أن ولد الولد لا يجبر كجده مبنية عليها والثانية صدقة الفطر للولد الصغير إذا كان جده موسرا أو لا أب له أو له أب معسر أو عبد لا تجب على الجد في ظاهر الرواية وفي

 

ج / 5 ص -222-       وارتداد الصبي العاقل صحيح كإسلامه ويجبر عليه ولا يقتل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية الحسن تجب عليه والثالثة جر الولاء صورتها معتقة تزوجت بعبد وله أب عبد فولدت منه فالولد حر تبعا لأمه وولاؤه لمولى أمه فإذا عتق جده لا يجر ولاء حافده إلى مواليه عن موالي أمه في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن يجره كما لو أعتق أبوه والرابعة الوصية للقرابة لا يدخل الولدان ويدخل الجد في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن لا يدخل كالأب.
وأما الأربعة التي في الفرائض فرد الأم إلى ثلث ما بقي وحجب أم الأب والإخوة لا تسقط بالجد عندهما وتسقط بالأب اتفاقا والرابعة ابن المعتق يحجب الجد عن ميراث المعتق اتفاقا ولا يحجب الأب عند أبي يوسف فله السدس والباقي للابن ذكر هذه الأربعة الأكمل في شرح السراجية1 وذكروا هنا الأربعة الأولى وينبغي أن يزاد مسألتنا مذكورتان في النفقات الأولى الأم تشارك الجد في نفقة الصغير أثلاثا بخلاف الأب, الثانية لا تفرض النفقة على الجد المعسر بخلاف الأب فصارت المسائل عشرا وقد يزاد أخرى هي أن الصغير لا يتصف بعدم اليتم بحياة جده ويتصف به بحياة أبيه كما في الخانية من الوقف. قيد بردتهما لما في البدائع لو مات مسلم عن امرأته وهي حامل فارتدت ولحقت بدار الحرب فولدت هناك ثم ظهر على الدار فإنه لا يسترق ويرث أباه لأنه مسلم تبعا لأبيه ولو لم تكن ولدته حتى سبيت ثم ولدته في دار الإسلام فهو مسلم تبعا لأبيه مرقوق تبعا لأمه ولا يرث أباه لأن الرق من أسباب الحرمان ا هـ.
قوله: "وارتداد الصبي العاقل صحيح كإسلامه ويجبر عليه ولا يقتل" بيان لإسلام الصبي وردته أما الأول ففيه خلاف زفر والشافعي نظرا إلى أنه في الإسلام تبع لأبويه فيه فلا يجعل أصلا ولا نلزمه أحكاما يشوبها المضرة فلا يؤهل له ولنا أن عليا رضي الله عنه أسلم في صباه وصحح النبي صلى الله عليه وسلم إسلامه2 وافتخاره بذلك مشهور ولأنه أتى بحقيقة الإسلام وهو التصديق والإقرار معه لأن الإقرار عن طوع دليل على الاعتقاد على ما عرف والحقائق لا ترد وما يتعلق به سعادة أبدية ونجاة عقباوية وهو من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي ثم يبتنى عليه غيرها فلا يبالي بما يشوبه وفي فتح القدير مقتضى الدليل أن يجب عليه بعد البلوغ فيجب القصد إلى تصديق وإقرار يسقط به ولا يكفيه استصحاب ما كان عليه من التصديق والإقرار غير المنوي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي لأكمل الدين محمدج بن محمود البابرتي المصري الحنفي المتوفي سنة ست وثمانين وسبعمائة شرح فيه الفرائض السراجية وهو لسراج الدين محمد بن محمود السجاوندي وتعرف باسم فرائض السجاوندي أيضا. ا هـ كشف الظنون "3/11".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/459" وقال اختلفت الرواية في إسلام علي رضي لله عن وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إسحاق أن أسلم وهو ابن عشر سنين ومن طريق قتادة عن الحسن أنه أسلم وهو ابن عشر أو ابن ست عشرة سنة انظر الحاكم "3/11".

 

ج / 5 ص -223-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
به إسقاط الفرض كما أنه لو كان يواظب على الصلاة قبل بلوغه لا يكون كما كان يفعله بل لا يكفيه بعد بلوغه منها إلا ما قرنه بنية أداء الواجب امتثالا لكنهم اتفقوا على أنه لا يجب بل يقع فرضا قبل البلوغ أما عند فخر الإسلام فلأنه يثبت أصل الوجوب على الصبي بالسبب وهو حدث العالم وعقلية دلالته دون وجوب الأداء لأنه بالخطاب وهو غير مخاطب فإذا وجد بعد السبب وقع الفرض كتعجيل الزكاة. وأما عند شمس الأئمة لا وجوب أصلا لعدم حكمه وهو وجوب الأداء فإذا وجد كالمسافر يصلي الجمعة فيسقط فرضه وليست الجمعة فرضا عليه لكن ذلك للترفية عليه بعد سببها فإذا فعلها تم ولا نعلم خلافا بين المسلمين في عدم وجوب نية فرض الإيمان بعد البلوغ على قول من حكم بصحة إسلامه صبيا تبعا لأبويه المسلمين أو لإسلامه وأبواه كافران ولو كان ذلك فرضا لم ينقله أهل الإجماع عن آخرهم ا هـ. ولم يذكر القول الثالث المختار عند أبي منصور الماتريدي وهو أن الصبي العاقل مخاطب بأداء الإيمان كالبالغ حتى لو مات بعده بلا إيمان خلد في النار ذكره في التجريد.
وأما الثاني أعني ردته ففيها خلاف أبي يوسف نظرا إلى أنها مضرة محضة ولهما أنها موجودة حقيقة ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام والخلاف في أحكام الدنيا ولا خلاف أنه مرتد في أحكام الآخرة كما بيناه في شرح المنار المسمى بتعليق الأنوار في أصول المنار معزيا إلى التلويح وبه ظهر ما في النهاية والعناية وفتح القدير بأنه إذا ارتد كان معذبا في الآخرة مخلدا ونقلوه عن الأسرار والمبسوط وجامع التمرتاشي وأحال التمرتاشي هذه الرواية إلى التبصرة. وإنما لا يقتل إذا أبى عن الإسلام لاختلاف العلماء في صحة إسلامه لكنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع المتيقن.
وهنا مسائل لا يقتل فيها المرتد الأولى هذه والثانية الذي إسلامه بالتبعية لأبويه إذا بلغ مرتدا استحسانا لأن إسلامه لما كان بطريق التبعية صار شبهة في إسقاط القتل الثالثة إذا أسلم في صغره ثم بلغ مرتدا استحسانا لقيام الشبهة باختلاف العلماء في إسلامه الرابعة المكره على الإسلام إذا ارتد لا يقتل استحسانا لأن الشبهة بالإكراه مسقطة للقتل وفي الكل يجبر على الإسلام ولو قتله قاتل قبل أن يسلم لا يلزمه شيء كذا في المبسوط وزاد في فتح القدير خامسة اللقيط في دار الإسلام محكوم بإسلامه ولو بلغ كافرا أجبر على الإسلام ولا يقتل كالمولود بين المسلمين إذا بلغ كافرا ا هـ. وقد قدمنا أن السكران إذا أسلم ثم ارتد لا يقتل قيد بالعاقل لأن ارتداد الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كإسلامه لأن إقراره لا يدل على تغيير

 

ج / 5 ص -224-       .................................
________
العقيدة وكذا المجنون والسكران الذي لا يعقل وقدمنا حكم* من جنونه متقطع وخرج عن هذا إسلام السكران فإنه صحيح كما ذكره الشارح والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين معكوفين ساقط من الأصل.

6- باب البغاة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6- "باب البغاة"
أخره لقلة وجوده ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار والبغاة جمع باغ من بغى على الناس ظلم واعتدى وبغى سعى بالفساد ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن القصد وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد وبغت المرأة تبغي بغاء بالكسر والمد فجرت فهي بغي والجمع البغايا وهو وصف يختص بالمرأة ولا يقال للرجل بغي قاله الأزهري كذا في المصباح وفي القاموس الباغي الطالب والجمع بغاة وبغيان وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل ا هـ.
فقوله في فتح القدير الباغي في عرف الفقهاء الخارج عن الإمام الحق تساهل لما علمت أنه في اللغة أيضا والخارجون عن طاعته ثلاثة قطاع الطريق وقد علم حكمهم وخوارج وبغاة وفرق بينهما في فتح القدير بأن الخوارج قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتاله بتأويلهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمهم عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم قال ابن المنذر لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع وبعضهم يكفرون بعض أهل البدع وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة والنقل الأول أثبت نعم يقع في كلام أهل المذاهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين وما ذكره محمد بن الحسن من حديث الحضرمي يدل على عدم تكفير الخوارج وأما البغاة فقوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم ا هـ.
فما في البدائع من تفسير البغاة بالخوارج فيه قصور وإنما لا نكفر الخوارج باستحلال

 

ج / 5 ص -225-       خرج قوم مسلمون عن طاعة الإمام وغلبوا على بلد دعاهم إليه وكشف شبهتهم, وبدأ بقتالهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدماء والأموال لتأويلهم وإن كان باطلا بخلاف المستحل بلا تأويل.
قوله: "خرج قوم مسلمون عن طاعة الإمام وغلبوا على بلد دعاهم إليه وكشف شبهتهم" بأن يسألهم عن سبب خروجهم فإن كان لظلم منه أزاله وإن قالوا الحق معنا والولاية لنا فهم بغاة لأن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بأهل حروراء قبل قتالهم1 ولأنه أهون الأمرين ولعل الشر يندفع به فيبدأ به استحبابا لا وجوبا فإن أهل العدل لو قاتلوهم من غير دعوة إلى العود إلى الجماعة لم يكن عليهم شيء لأنهم علموا ما يقاتلون عليه فحالهم كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة كذا في العناية فلو أبدوا ما يجوز لهم القتال كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه لا يكونون بغاة ولا يجوز معاونة الإمام عليهم حتى يجب على المسلمين أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جورهم بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه كذا في فتح القدير.
قيد بإسلامهم لأن أهل الذمة إذا غلبوا على موضع للحراب صاروا أهل حرب كما قدمناه لكن لو استعان أهل البغي بأهل الذمة فقاتلوا معهم لم يكن ذلك منهم نقضا للعهد كما أن هذا الفعل من أهل البغي ليس نقضا للإيمان فحكمهم حكم البغاة كذا في فتح القدير. يعني بالتبعية للمسلمين فلا يرد على التقييد بالإسلام والمراد بالإمام السلطان أو نائبه قال في الخانية من السير قال علماؤنا السلطان من يصير سلطانا بأمرين بالمبايعة معه ويعتبر في المبايعة أشرافهم وأعيانهم والثاني أن ينفذ حكمه في رعيته خوفا من قهره وجبروته فإن بايع الناس ولم ينفذ حكمه فيهم لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا فإذا صار سلطانا بالمبايعة فجاز إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل ا هـ.
وقيد بغلبتهم على بلد لأنه لا يثبت حكم البغي ما لم يتغلبوا ويجتمعوا ويصير لهم منعة كذا في المحيط ولم يقيد المصنف الإمام بالعادل وقيده في فتح القدير بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة.
قوله: "وبدأ بقتالهم" يعني إذا تعسكروا واجتمعوا وهو اختيار لما نقله خواهر زاده عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/461" وأخرجه النسائي في سننه الكبرى في خصائص سيدنا علي "6/165" برلاقم "8575" والتهانوي في إعلاء السنن "12/666".

 

ج / 5 ص -226-       ولو لهم فئة أجهز على جريحهم وأتبع موليهم وإلا لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤنا لأن الحكم يدار على الدليل وهو الاجتماع والامتناع وهذا لأنه لو انتظر الإمام حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤه فإن بدؤه قاتلهم حتى يفرق جمعهم وظاهر كلامهم أن المذهب الأول وفي البدائع يجب على كل من دعاهم الإمام إلى قتالهم أن يجيب ولا يسعهم التخلف إذا كان له غنى وقدرة لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة وما عن أبي حنيفة من الاعتزال في الفتنة ولزوم البيت محمول على ما إذا لم يدعه أما إذا دعاه الإمام فالإجابة فرض ا هـ.
وأما تخلف بعض الصحابة رضي الله عنهم عنها فمحمول على أنه لم يكن لهم قدرة وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال وما روي
"إذا التقى المؤمنان بسيوفهما فالقاتل والمقتول في النار"1 محمول على اقتتالهما حمية وعصبة كما يتفق بين أهل قريتين* أو محلتين أو لأجل الدنيا والمملكة كذا في فتح القدير وفي المحيط طلب أهل البغي الموادعة أجيبوا إن كان خيرا للمسلمين كما في أهل الحرب ولا يؤخذ منهم شيء فلو أخذنا منهم رهونا وأخذوا منا رهونا ثم غدروا بنا وقتلوا رهوننا لا ينبغي لنا أن نقتل رهونهم لأن الرهون صاروا آمنين في أيدينا وشرط إباحة دمهم باطل ولكنهم يحبسون إلى أن يهلك أهل البغي أو يتوبوا وكذلك أهل الشرك إذا فعلوا برهوننا لا نفعل برهونهم فيجبرون على الإسلام أو يصيروا ذمة وفي الهداية وإذا بلغه أنهم يشترون السلاح ويتأهبون للقتال ينبغي أن يأخذهم ويحبسهم حتى يقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة دفعا للشر بقدر الإمكان.
قوله: "ولو لهم فئة أجهز على جريحهم وأتبع موليهم وإلا لا" أي وإن لم يكن لهم فئة لا يجهز على الجريح ولا يتبع المولى لدفع شرهم بالأول كي لا يلحقوا بهم ولاندفاع الشر دونه في الثاني والفئة الطائفة والجمع فئون وفئات وجهز على الجريح كمنع وأجهز ثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وموت مجهز وجهيز سريع كذا في القاموس وأتبع على البناء للمفعول للقتل والأسر وموليهم بالنصب مفعول ثان وهو اسم فاعل من ولى تولية أدبر كتولى ولم يذكر حكم أسيرهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في الفتن باب إذا توجه مسلمان بسيفهما "2888" من حديث أبي بكرة والبخاري في الإيمان باب
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} "31", وابن ماجة في الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما "3965".
* العبارة في الأصل "فرقتين".

 

ج / 5 ص -227-       ولم تسب ذريتهم وحبس أموالهم حتى يتوبوا, وإن احتاج قاتل بسلاحهم وخيلهم, وإن قتل باغ مثله فظهر عليهم لم يجب شيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البدائع إن شاء الإمام قتله وإن شاء حبسه لاندفاع شره به ويقاتل أهل البغي بالمنجنيق والغرق وغير ذلك كأهل الحرب وكل من لا يجوز قتله من أهل الحرب من النساء والصبيان والشيوخ والعميان لا يجوز قتله من أهل البغي إلا إذا قاتلوا فيقتلون حال القتال وبعد الفراغ إلا الصبيان والمجانين ولا يجوز للعادل أن يبتدئ بقتل محرمه من أهل البغي مباشرة إلا إذا أراد قتله فله أن يدفعه ولو بقتله وله أن يتسبب ليقتله غيره كعقر دابته بخلاف أهل الحرب فإن له أن يقتل محرمه منهم مباشرة إلا الوالدين ا هـ.
قوله: "ولم تسب ذريتهم وحبس أموالهم حتى يتوبوا" لقول علي رضي الله عنه يوم الجمل ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال1 وهو القدوة في هذا الباب وقوله في الأسير مؤول بما إذا لم يكن لهم فئة ومعنى لا يكشف لهم ستر لا تسبى نساؤهم.
أطلق المال فشمل العبيد فلذا قال في البدائع وأما العبد المأسور من أهل البغي فإن كان قاتل مع مولاه يجوز قتله وإن كان يخدم مولاه لا يجوز قتله ولكن يحبس حتى يتوب ا هـ.
وظاهر ما في الكتاب حبس عين الكراع وليس كذلك لما في الهداية وأما الكراع فلا يمسك ولكنه يباع ويحبس ثمنه لمالكه لأنه أنفع له وذكر في المحيط الدواب بدل الكراع وفي فتح القدير ولا ينفق عليه من بيت المال لتتوفر مؤنتها عليه وهذا إذا لم يكن للإمام بها حاجة ا هـ.
قوله: "وإن احتاج قاتل بسلاحهم وخيلهم" لأن عليا رضي الله عنه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة2 وكانت قسمته للحاجة لا للتمليك ولأن للإمام أن يفعل ذلك في مال العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الأعلى قيد بالسلاح والخيل لأن غيرهما من الأموال ينتفع به مطلقا كذا في البدائع.
وفي المحيط قال الباغي تبت وألقى السلاح كف عنه لأن توبة الباغي بمنزلة الإسلام من الحربي في إفادة العصمة والحرمة ولو قال كف عني لأنظر في أمري لعلي ألقي السلاح يكف عنه ولو قال أنا على دينك ومعه السلاح لم يكف عنه لأن ذلك ليس بتوبة ا هـ.
قوله: "وإن قتل باغ مثله فظهر عليهم لم يجب شيء" لأنه لا ولاية لإمام العدل حين القتل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره التهانوي في إعلان السنن "2/670" والزيلعي في نصب الراية "3/464", وابن أبي شيبة في مصنفه "8/718".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "8/718", والزيلعي في نصب الراية "3/464".

 

ج / 5 ص -228-       وإن غلبوا على مصر فقتل مصري مثله فظهر على المصر قتل به, وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وقال أنا على حق ورثه وإن قال أنا على باطل لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلم ينعقد موجبا كالقتل في دار الحرب فلا قصاص ولا دية ولذا عبر بالشيء المنكر في النفي فظاهره أنه لا يأثم أيضا وهو ظاهر ما في فتح القدير فإنه علل بأنه قتل نفسا يباح قتلها ألا ترى أن العادل إذا قتله لا يجب عليه شيء فلما كان مباح القتل لم يجب به شيء ا هـ. وفي البدائع يصنع بقتلى أهل العدل ما يصنع بسائر الشهداء لأنهم شهداء وأما قتلى أهل البغي فلا يصلى عليهم ولكنهم يغسلون ويكفنون ويدفنون ويكره أن تؤخذ رءوسهم وتبعث إلى الآفاق وكذلك رءوس أهل الحرب لأنه مثلة ا هـ.
وفي فتح القدير وجوزه بعض المتأخرين إذا كان فيه طمأنينة قلوب أهل العدل أو كسر شوكتهم ا هـ. ومنعه في المحيط في رءوس البغاة وجوزه في رءوس أهل الحرب.
قوله: "وإن غلبوا على مصر فقتل مصري مثله فظهر على المصر قتل به" يعني بشرطين الأول إن كان عمدا الثاني أن لا يجري على أهله أحكام أهل البغي وأزعجوا من المصر قبل ذلك لأنه حينئذ لم تنقطع ولاية الإمام وبعد إجراء أحكامهم تنقطع فلا يجب.
قوله: "وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وقال أنا على حق ورثه وإن قال أنا على باطل لا" أي لا يرثه بيان لمسألتين الأولى إذا قتل عادل باغيا فإنه يرثه ولا تفصيل فيه لأنه قتل بحق فلا يمنع الإرث وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم لأنه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم كذا في الهداية وصرح في البدائع بأن العادل لا يضمن ما أصاب من أهل البغي من دم أو جراحة أو مال استهلكه وفي شرح المختار قال محمد إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا ولا أجبرهم.
وفي المحيط العادل لو أتلف مال الباغي يؤخذ بالضمان لأن مال الباغي معصوم في حقنا وأمكن إلزام الضمان له فكان في إيجابه فائدة ووفق الشارح فحمل عدم وجوب الضمان على ما إذا أتلفه حال القتال بسبب القتال إذ لا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شيء من أموالهم كالخيل وأما إذا أتلفوها في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان لعصمة أموالهم.
وفي فتح القدير ولو دخل باغ بأمان فقتله عادل كان عليه الدية كما لو قتل المسلم مستأمنا في دارنا وهذا لبقاء شبهة الإباحة في دمه الثانية إذا قتل باغ عادلا فمنع أبو يوسف إرثه لأنه قتل بغير حق وكذا إذا أتلف ماله ضمنه لعصمة دمه وماله وقالا إن قال الباغي كنت على حق وأنا الآن على حق ورثه وإن قال قتلته وأنا أعلم أني على الباطل لم يرثه لأنه أتلف عن تأويل فاسد والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم.

 

ج / 5 ص -229-       وكره بيع السلاح من أهل الفتنة لأنه إعانة على المعصية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحاصل أن نفي الضمان منوط بالمنعة مع التأويل فإن تجردت المنعة عن التأويل كقوم تغلبوا على بلدة فقتلوا واستهلكوا الأموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك ولو انفرد التأويل عن المنعة بأن انفرد واحد أو اثنان فقتلوا وأخذوا عن تأويل ضمنوا إذا تابوا أو قدر عليهم كذا في فتح القدير وفي الهداية وعلى هذا الخلاف إذا مات المرتد وقد أتلف نفسا أو مالا ا هـ.
وبما قررناه ظهر أن الضمير في قوله وقال أنا على حق عائد إلى الباغي لا إلى القاتل الشامل للعادل والباغي وفي الهداية الباغي إذا قتل العادل لا يجب الضمان ويأثم في البدائع لا يضمن ما أصاب من دم أو جراحة أو مال ولو فعل شيئا من ذلك قبل الخروج وظهور المنعة أو بعد الانهزام وتفرق الجمع يؤخذ به ا هـ.
والحاصل أن المسألة رباعية لأن الجاني والمجني عليه إما أن يكونا عادلين أو باغيين أو مختلفين فإن كانا باغيين بينه بقوله وإن قتل باغ مثله وإن كانا مختلفين فقد بينه بقوله وإن قتل عادل باغيا أو قتله باغ وإن كانا عادلين فإن كانا في معسكر أهل البغي فلا قصاص لأن دار البغي كدار الحرب وإن كانا في مصر فيها البغاة لكن لم تجر أحكامها فيها فقد بينه بقوله وإن غلبوا على مصر.
وفي فتح القدير وإن كان رجل من أهل العدل في صف أهل البغي فقتله رجل من أهل العدل لم تكن عليه دية كما لو كان في صف أهل الحرب. ثم اعلم أن المصنف سكت عن أحكام منها حكم قضاتهم وفي البدائع الخوارج لو ولوا قاضيا فإن كان باغيا وقضى بقضاء ثم رفعت إلى أهل العدل لا ينفذها لأنه لا يعلم كونها حقا لأنهم يستحلون دماءنا وأموالنا ولو كتب القاضي الباغي إلى القاضي العادل كتابا فإن علم أنه قضى بشهادة أهل العدل نفذه وإلا فلا وإن كان قاضيهم عادلا نفذنا قضاءه لصحة توليته والظاهر قضاؤه على رأي أهل العدل ومنها أن أمان الباغي لأهل الحرب صحيح لإسلامه فإن غدر بهم البغاة فسبوا لا يحل لأحد من أهل العدل أن يشتري منهم ومنها أنه لا يجوز لنا الاستعانة بأهل الشرك على أهل البغي إذا كان حكم أهل الشرك هو الظاهر ولا بأس أن يستعين أهل العدل بالبغاة والذميين على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل هو الظاهر كذا في فتح القدير.
قوله: "وكره بيع السلاح من أهل الفتنة لأنه إعانة على المعصية" قيد بالسلاح لأن بيع ما يتخذ منه السلاح كالحديد ونحوه لا يكره لأنه لا يصير سلاحا إلا بالصنعة نظيره بيع المزامير يكره ولا يكره بيع ما يتخذ منه المزامير وهو القصب والخشب وكذا بيع الخمر باطل

 

ج / 5 ص -230-       وإن لم يدر أنه منهم لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يبطل بيع ما يتخذ منه وهو العنب كذا في البدائع وذكر الشارح أن بيع الحديد لا يجوز من أهل الحرب ويجوز من أهل البغي والفرق أن أهل البغي لا يتفرغون لعمله سلاحا لأن فسادهم على شرف الزوال بخلاف أهل الحرب ا هـ. وقد استفيد من كلامهم هنا أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه وما لا فلا ولذا قال الشارح إنه لا يكره بيع الجارية المغنية والكبش النطوح والديك المقاتل والحمامة الطيارة ا هـ. وذكر الشارح من الحظر والإباحة أنه لا يكره بيع جارية لمن لا يستبرئها أو يأتيها من دبرها أو بيع غلام من لوطي ا هـ. وفي الخانية من البيوع ويكره بيع الأمرد من فاسق يعلم أنه يعصي به لأنه إعانة على المعصية ا هـ. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحظر والإباحة تمامه أطلق في أهل الفتنة فشمل البغاة وقطاع الطريق واللصوص.
قوله: "وإن لم يدر أنه منهم لا" أي لا يكره البيع لأن الغلبة في الأمصار لأهل الصلاح وظاهر كلامهم في الأول أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالإعانة على المعصية والله أعلم بالصواب.