البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 5 ص -257-
17- كتاب الإباق.
أخذه أحب إن يقو عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17- "كتاب الإباق"
كل من الإباق واللقيط واللقطة متحقق فيه عرضة
الزوال والتلف إلا أن التعرض له بفعل فاعل
مختار في الإباق, فكان الأنسب تعقيب الجهاد به
بخلاف اللقطة واللقيط, وكذا الأولى فيه وفي
اللقطة الترجمة بالباب لا بالكتاب, كذا في فتح
القدير وفيه نظر; لأن خوف التلف من حيث الذات
في اللقيط أكثر من اللقطة فناسب ذكره عقيب
الجهاد, وأما التلف في الآبق فإنما هو من حيث
الانتفاع للمولى لا من حيث الذات; لأنه لو لم
يعد إلى مولاه لا يموت بخلاف اللقيط فإنه
لصغره إن لم يرفع يموت, فالأنسب ترتيب المشايخ
كما لا يخفى, وكذا تعبيرهم بالكتاب لكل من
الثلاثة أنسب من الباب لما أن مسائل كل منها
مستقلة لم تدخل في شيء قبلها ولا بعدها.
وفي القاموس أبق العبد كسمع وضرب ومنع أبقا
ويحرك وإباقا ككتاب ذهب بلا خوف ولا كد عمل أو
استخفى, ثم ذهب فهو آبق وأبوق, وجمعه ككفار
وركع. ا هـ.
وفي المصباح الأكثر أنه من باب ضرب. ا هـ.
ولما كان الهرب لا يتحقق إلا بالقصد لم يحتج
إلى زيادته كما في العناية, وأما الضال فليس
فيه قصد التغيب, بل هو المنقطع عن مولاه لجهله
بالطريق إليه كذا في فتح القدير.
قوله: "أخذه أحب إن يقو عليه" أي يقدر عليه
لما فيه من إحيائه; لأنه هالك في حق المولى
فيكون الرد إحياء له قيد بقدرته على أخذه;
لأنه لو لم يقدر فلا استحباب ولم يذكر ما إذا
خاف هلاكه لو لم يأخذه, وصرح في البدائع بأن
حكم أخذه حكم أخذ اللقطة فعلى هذا يفترض أخذه
إن خاف ضياعه ويندب إن لم يخف ويحرم أخذه
لنفسه ويستحب تركه إن لم يأمن على نفسه, ولم
يذكر المصنف كثيرا من أحكامه بعد أخذه, قال في
البدائع إن شاء الآخذ أمسكه حتى يجيء صاحبه
وإن شاء ذهب به إلى صاحبه فإن ادعى إنسان أنه
عبده وبرهن دفعه إليه واستوثق بكفيل إن شاء
لجواز أن يدعيه آخر, وإن لم يبرهن وأقر العبد
لمدعيه دفعه إليه أيضا لعدم المنازع ويأخذ
كفيلا فإن طالت المدة باعه القاضي وحفظ ثمنه
لصاحبه فإن جاء صاحبه بعده وبرهن دفع الثمن
إليه وليس له نقض البيع; لأن بيع القاضي
بولاية شرعية, ولو زعم المدعي أنه
ج / 5 ص -258-
ومن
رده من مدة سفر فله أربعون درهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دبره وكاتبه لم يصدق في نقض البيع. ا هـ.
وسيأتي حكم نفقته آخرا. ويستحلف القاضي مدعيه
مع البرهان بالله أنه باق إلى الآن في ملكك لم
يخرج ببيع ولا هبة كما في فتح القدير.
وفي الظهيرية ينبغي للراد أن يأتي به إلى
الإمام عند السرخسي وخيره الحلواني, وإذا جاء
به إلى القاضي هل يصدقه القاضي بلا بينة ؟
اختلف المشايخ فيه كما اختلفوا في نصب القاضي
خصما لمدعيه حتى تقبل بينته ولم يذكره محمد
كما اختلفوا في أخذ الكفيل من مدعيه بعد
البرهان كما اختلفوا في أخذ الضال, وإذا أبق
العبد وذهب بمال المولى فجاء به رجل, وقال لم
أجد معه شيئا فالقول قوله ولا شيء عليه ولا
يكون وصول يده إلى العبد دليلا على وصول يده
إلى المالية. ا هـ.
قوله: "ومن رده من مدة سفر فله أربعون درهما"
جعلا له استحسانا يستحقها على مولاه بلا شرط;
لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على أصل
وجوب الجعل1 إلا أن منهم من جعله أربعين ومنهم
من أوجب دونه فأوجب الأربعين في مسيرة السفر
وما دونها فيما دونه توفيقا وتلفيقا فلو جاء
بالآبق رجل فأنكر مولاه إباقه فالقول له فإن
برهن أنه أبق أو أن مولاه أقر بذلك قبلت. كذا
في الجوهرة.
قيد بالآبق; لأنه لا جعل لراد الضال; لأنه
بالسمع ولا سمع في الضال فامتنع; ولأن الحاجة
إلى صيانة الضال دونها في الآبق; لأنه لا
يتوارى والآبق يختفي, وهذا مما فارق فيه الآبق
فيه, وكذا في حبسه فإن الآبق إذا رفع إلى
الإمام يحبسه ولا يحبس الضال; لأنه لا يؤمن
على الآبق من الإباق ثانيا بخلاف الضال, وكذا
لا يأخذه الواجد, بل تركه أفضل على أحد
القولين; لأنه لا يبرح من مكانه فيجده المالك
بخلاف الآبق, وكذا لا جعل لراد الصبي الحر.
أطلق الراد فشمل ما إذا كان اثنين فيشتركان في
الأربعين إذا رداه لمولاه كما في الحاوي وشمل
ما إذا رده محرمه إليه فهو كالأجنبي لكن يرد
عليه ما إذا رده من في عيال سيده إليه وأنه لا
جعل له, وكذا يرد عليه ما إذا رده الأبوان أو
أحدهما ولم يكن في عياله لا جعل له, وكذا يرد
عليه لو رده الابن إلى أبيه وليس في عياله أو
أحد الزوجين إلى الآخر, وكذا يرد عليه لو رده
الوصي إلى اليتيم, وكذا من يعول اليتيم إذا رد
آبقه وليس بوصي, وكذا يرد عليه لو كان مالكه
قد استعان به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجعل وهو الأجر كما في المصباح مادة جعل.
وذكر هذا الإجماع الزيلعي في نصب الراية
"30/470".
ج / 5 ص -259-
ولو
قيمته أقل منه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما لو قال لرجل إن عبدي قد أبق فإذا وجدته
فخذه كما في فتح القدير, وشرط في التتارخانية
أن يقول له نعم معللا بأنه قد وعد له الإعانة,
وكذا يرد عليه لو رده السلطان أو الشحنة أو
الخفير لوجوب الفعل عليهم فالوارد إحدى عشرة
فلو قال إذا كان الراد يحفظ مال السيد أو
يخدمه أو استعان به لسلم من الإيراد كما لا
يخفى.
وشمل ما إذا كان الراد بالغا أو صبيا حرا أو
عبدا; لأن الصبي من أهل استحقاق الأجر بالعمل.
وكذا العبد إلا أن الجعل لمولاه; لأنه ليس من
أهل ملك المال, كذا في البدائع وشمل ما إذا
رده بنفسه أو نائبه. قال في المحيط أخذ آبقا
من مسيرة سفر فدفعه إلى رجل وأمره أن يأتي به
إلى مولاه وأن يأخذ منه الجعل جاز وذكر في آخر
الباب لو أخذ عبدا آبقا فاغتصبه منه رجل وجاء
به لمولاه فدفعه إليه وأخذ جعله, ثم جاء الذي
أخذه فأقام البينة أنه أخذه من مسيرة ثلاثة
أيام فإنه يأخذ من مولاه الجعل ثانيا ويرجع
المولى على الغاصب بما دفع إليه; لأنه أخذه
بغير حق. ا هـ.
وأطلق في السيد فشمل البالغ والصبي فيجعل
الجعل في ماله وشمل ما إذا كان متعددا فالجعل
على قدر النصيب فلو كان البعض غائبا فليس
للحاضر أن يأخذه حتى يعطي تمام الجعل ولا يكون
متبرعا بنصيب الغائب فيرجع عليه وأطلق في
المردود فشمل ما إذا كان صغيرا فهو كالكبير,
ذكره الحاكم في الكافي لكن ذكر بعده, وإذا
أبقت الأمة ولها صبي رضيع فردهما رجل كان له
جعل واحد فإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم
فله الجعل ثمانون درهما. ا هـ.
قيد ولد الآبقة بالمراهق ولم يقيد أولا
فالظاهر أن الصغير إن لم يكن تبعا لأحد أبويه
لا يشترط أن يكون مراهقا وإلا فهو شرط لكن لا
بد من تقييده بالعقل, قال في التتارخانية وما
ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان
يعقل الإباق أما إذا كان لا يعقل فهو ضال لا
يستحق له الجعل. ا هـ. وفي المصباح الجعل
بالضم الأجر يقال جعلت له جعلك والجعالة بكسر
الجيم وبعضهم يحكي التثليث والجعيلة مثل
الكريمة لغات في الجعل. ا هـ.
قوله: "ولو قيمته أقل منه" أي ولو كانت قيمة
المردود أقل من الأربعين فالواجب الأربعون عند
أبي يوسف; لأن التقدير بها ثبت بالنص فلا ينقص
عنها ولذا لا يجوز الصلح على الزيادة بخلاف
الصلح على الأقل; لأنه حط منه, وقال محمد يقضي
بقيمته إلا درهما; لأن المقصود إحياء مال
المالك فلا بد أن يسلم له شيء تحقيقا للفائدة
ولم يذكر في الهداية فيه قولا للإمام وذكره
صاحب البدائع والإسبيجابي مع محمد فكان هو
المذهب ولذا ذكره القدوري,
ج / 5 ص -260-
وإن
رده لأقل منها فبحسابه, وأم الولد والمدبر
كالقن,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي التتارخانية لو مات العبد بعد الرد لم
يبطل حقه في الجعل.
قوله: "وإن رده لأقل منها فبحسابه" إلخ أي لو
رد الآبق لأقل من ثلاثة أيام تقسم الأربعون
على الأيام الثلاثة لكل يوم ثلاثة عشر وثلث إذ
هي أقل مدة السفر, وقد استفيد منه أن ما زاد
على الثلاث كالثلاثة بخلاف ما نقص عنها, وظاهر
ما في الهداية وغيرها تضعيف ما في الكتاب وأن
المذهب الرضخ له باصطلاحهما أو يفوض إلى رأي
القاضي وفي الينابيع العرض إلى رأي الإمام وهو
الأشبه بالاعتبار وفي الإبانة وهو الصحيح وفي
الغياثية وعليه الفتوى, كذا في التتارخانية.
وفي المحيط رجلان أتيا به فبرهن أحدهما أنه
أخذه من مسيرة ثلاثة أيام, والثاني أنه من
مسيرة يومين فعلى المولى جعل تام ويكون للأول
جعل يوم خاصة ويكون جعل يومين بينهما نصفين,
ولو أقام أحدهما البينة أنه أخذه بالكوفة
وأقام آخر أنه أخذه في طريق البصرة على مسيرة
يومين فقد علمت أن إحدى البينتين كاذبة فعلى
المولى جعل تام ويكون للذي أقام البينة أنه
أخذه بالكوفة ثلث الجعل ويكون الباقي بينهما
نصفين ا هـ.
وفي القاموس رضخ له كمنع وضرب أعطاه عطاء غير
كثير ا هـ. أطلق في الأقل فشمل ما إذا رده في
المصر فإنه يرضخ له كما لو رده من خارج وهو
المذكور في الأصل, وعن أبي حنيفة لا شيء له في
المصر والأول هو الصحيح كذا في التتارخانية
قوله: "وأم الولد والمدبر كالقن" لما فيه من
إحياء ملكه وقيده في الهداية بأن يكون الرد في
حياة المولى ولا حاجة إليه; لأنهما يعتقان
بموته ولا شيء في رد الحر, وهذا ظاهر في أم
الولد; لأنه لا سعاية عليها بعد موته, وكذا في
المدبر الذي لا سعاية عليه بأن يكون للمولى
مال سواه, وأما إذا لم يكن له غيره فكذلك لا
جعل للراد; لأنه حر عندهما مستسعى عنده وهو
كالمكاتب ولا جعل لراد المكاتب ولذا قيد بأم
الولد والمدبر للاحتراز عنه; لأن المكاتب أحق
بمكاسبه فلا يوجد فيه إحياء مال المولى, ولو
رد القن بعد موت مولاه وجب الجعل إن كان الراد
أجنبيا وإن كان وارثا ينظر فإن أخذه بعد موت
المولى لا يستحق شيئا; لأن العمل يقع في محل
مشترك بينه وبين بقية الورثة وإن أخذه في
حياته, ثم مات استحقه في حصة غيره عندهما
خلافا لأبي حنيفة, والراد أحق بالعبد من سائر
الغرماء حتى يعطى الجعل فيقدم على سائر الديون
ويعطى من ثمنه, ثم يقسم الباقي بين الغرماء
كذا في البدائع, وكذا لو كان الآبق مأذونا في
التجارة وعليه دين محيط فالجعل على مولاه فإن
امتنع بيع في الجعل وما فضل يصرف للغرماء كذا
في التتارخانية.
ج / 5 ص -261-
وإن
أبق من الراد لا يضمن, ويشهد أنه أخذه ليرده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإن أبق من الراد لا يضمن"; لأنه أمانة
في يده إذا أشهد أنه أخذه ليرده كما سيأتي ولم
يذكر سقوط الجعل قالوا ولا جعل له; لأنه في
معنى البائع من المالك ولهذا كان له أن يحبس
الآبق حتى يستوفي الجعل بمنزلة البائع يحبس
المبيع لاستيفاء الثمن, وكذا إذا مات في يده
لا شيء له ولا عليه, ولو أعتقه المولى كما
لقيه صار قابضا بالاتفاق كما في العبد
المشترى, وكذا إذا باعه من الراد لسلامة البدل
له. والرد وإن كان له حكم البيع لكنه بيع من
وجه فلا يدخل تحت النهي الوارد عن بيع ما لم
يقبض فجاز كذا في الهداية.
وقوله كما لقيه ليس بقيد, بل لو أعتقه بعدما
سار به الراد ثلاثة أيام أو أكثر ليرده, ثم
أبق بعده فإن الجعل لا يسقط كما صرح به في
المحيط, بخلاف ما إذا سار به أقل من ثلاثة
أيام, وقال أبو حنيفة إن كان المولى دبره, ثم
هرب فلا جعل له; لأن بالتدبير لم يزل الرق
وسبب الاستحقاق هو الرد إلى المولى في حالة
الرق ولم يرده. ا هـ. ولم يذكر المصنف حكم ما
إذا رده آخر بعدما أبق من الأول, وذكر في
المحيط أن الأول إذا أدخله المصر فهرب منه
فأخذه آخر ورده إلى مولاه فلا جعل لواحد منهما
وإن خرج من المصر ورده الثاني من مسيرة سفر
فله الجعل, ولو أخذ الآبق من مسيرة سفر فسار
به يوما, ثم أبق منه متوجها إلى بلد مولاه ولا
يريد أن يرجع إلى مولاه فإن أخذه الذي كان
أخذه ثانيا فسار به اليوم الثالث فرده فله
ثلثا الجعل جعل اليوم الأول والثالث فإن أخذه
مولاه أو رجع العبد إلى مولاه فلا جعل للآخذ;
لأنه لم يدفعه إلى مولاه, ولو كان العبد لم
يأبق من الآخذ ولكن فارقه وجاء إلى مولاه
متوجها لا يريد الإباق فللآخذ جعل يوم; لأنه
لم يتمرد من الآخذ, بل منقاد له فلم تنقطع يده
عنه فصار كأنه رده إلى مولاه, ولو أخذ عبدا
آبقا من مسيرة سفر فسار به يوما, ثم دفعه إلى
آخر أو باعه منه أو وهبه وسلمه وأمر أن يدفعه
إلى مولاه فدفعه أو سار العبد بنفسه فللآخذ
جعل اليوم الأول ولا شيء للمدفوع إليه. ا هـ..
قوله: "ويشهد أنه أخذه ليرده" أي يشهد الآخذ
للآبق, ولو قال أن أشهد أنه أخذه ليرده لكان
أولى ليكون شرطا لعدم ضمانه بإباقه من يده فإن
الإشهاد لنفي الضمان عن آخذه شرط عندهما خلافا
لأبي يوسف كما تقدم في اللقطة لكن لم يعلقه به
ليفيد أن الإشهاد شرط لاستحقاق الجعل أيضا حتى
لو رده من لم يشهد وقت الأخذ لا جعل له
عندهما; لأن تركه الإشهاد أمارة أنه أخذه
لنفسه فصار كما إذا اشتراه من الآخذ أو اتهبه
أو ورثه فرده على مولاه لا جعل
ج / 5 ص -262-
وجعل
الرهن على المرتهن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
له; لأنه أخذه لنفسه إلا إذا أشهد أنه اشتراه
ليرده فيكون له الجعل وهو متبرع في أداء الثمن
واتفقوا أنه لو أقر أنه أخذه لنفسه فلا جعل
له.
والحاصل أنه إن أشهد أنه أخذه ليرده استحق
الجعل وانتفى الضمان عنه بموته وإباقه وإلا لا
لكن ينبغي أن يكون الإشهاد شرطا لهما عند
التمكن أما إذا لم يتمكن منه فلا اتفاقا كما
تقدم نظيره في اللقطة وأن القول قوله في أنه
لم يتمكن منه, ثم رأيت التصريح به في
التتارخانية.
قوله: "وجعل الرهن على المرتهن" لأنه أحيا
ماليته بالرد وهي حق المرتهن إذ الاستيفاء
منها والجعل في مقابلة إحياء المالية فيكون
عليه أطلقه فأفاد أن الرد في حياة الراهن
وبعده سواء; لأن الرهن لا يبطل بالموت لكن يرد
على إطلاقه ما إذا كانت قيمته أكثر من الدين
فليس الكل عليه فإنما عليه بقدر دينه والباقي
على الراهن; لأن حقه في القدر المضمون فصار
كثمن الدواء وتخليصه من الجناية بالفداء وأشار
بوجوبه على المرتهن الذي ليس بمالك للرقبة
لكون المنفعة عائدة إليه لكونه مضمونا عليه
إلى أن العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته
لآخر إذا أبق فالجعل على صاحب الخدمة; لأن
المنفعة له فإذا انقضت الخدمة رجع صاحب الخدمة
على صاحب الرقبة أو بيع العبد فيه وإلى أن
المأذون المديون لو أبق فأداء الجعل على من
يقع الرد له وهو من يستقر الملك له فإن اختار
المولى قضاء دينه كان الجعل عليه وإن اختار
بيعه كان الجعل في الثمن يبتدأ به كما أسلفناه
ولا شيء على المشتري وإلى أن الآبق لو كان جنى
خطأ لا في يد الآخذ فإنه على من سيصير له إن
اختار المولى فداءه فهو عليه لعود منفعته إليه
وإن اختار دفعه إلى الأولياء فعليهم لعودها
إليهم فلو دفع المولى الجعل وأخذه, ثم قضى
عليه بدفعه إلى الأولياء فله الرجوع على
المدفوع إليه بالجعل كما لو باعه القاضي في
الدين فإن المولى يأخذ جعله الذي دفعه من
ثمنه, كذا في المحيط.
قيدنا بكونه خطأ; لأنه لو كان قتل عمدا, ثم
رده فلا جعل له على أحد وقيد بكون الجناية لم
تكن وهي في يده إذ لو جنى الآبق في يد الآخذ
فلا جعل له على أحد, ولو جنى إباقه قبل أن
يأخذه فإن قتل فلا شيء له وإن دفع إلى الولي
فعليه الجعل, كذا في المحيط. فجنايته على
ثلاثة أوجه كما علمت وإلى أن العبد المغصوب لو
أبق من غاصبه فالجعل على الغاصب ودل بمفهومه
أنه لو رد الموهوب فالجعل على الموهوب له سواء
رجع الواهب في الهبة بعد الرد أو لم يرجع; لأن
المالك له وقت الرد المنتفع به إنما هو
الموهوب له, ولو وهبه للآخذ فإن كان قبل قبض
المولى فلا جعل وإلا فعلى المولى بخلاف ما إذا
باعه منه فإن الجعل له مطلقا كذا في المحيط.
ج / 5 ص -263-
وأمر
نفقته كاللقطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأمر نفقته كاللقطة" أي وحكم نفقة
الآبق كحكم نفقة اللقطة; لأنه لقطة حقيقة فلو
أنفق عليه الآخذ بلا أمر القاضي كان متبرعا
وبإذنه كان له الرجوع بشرط أن يقول على أن
يرجع على الأصح وله أن يحبسه للنفقة الدين فإن
طالت المدة ولم يجئ صاحبه باعه القاضي وحفظ
ثمنه كما قدمناه وأسلفنا أن القاضي لا يؤجره
بخلاف اللقطة وأنه يحبسه تعزيرا له بخلاف
الضال وقدر التتارخانية مدة حبسه بستة أشهر,
ثم يبيعه بعدها قال وينفق عليه مدة الحبس من
بيت المال, وسيأتي حكم بيع الآبق وهبته في
البيوع الفاسدة وإعتاقه جائز, ولو عن كفارة
ظهار ولا تقطع يده بسرقة تثبت عليه حتى يحضر
مولاه خلافا لأبي يوسف وإن أجره رجل فالأجر له
ويتصدق به وإن دفعه إلى المولى كان له حلالا
استحسانا, كذا في التتارخانية والله سبحانه
وتعالى أعلم. |