البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 5 ص -300-
20- كتاب الوقف
حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20- "كتاب الوقف".
مناسبته للشركة باعتبار أن المقصود بكل منهما
الانتفاع بما يزيد على أصل المال وله معنى
لغوي وشرعي وسبب ومحل وشرائط وركن وأحكام
ومحاسن وصفة فمعناه في اللغة الحبس قال في
القاموس وقف الدار حبسه كأوقفه وهذه لغة
رديئة. ا هـ. وأما معناه شرعا فما أفاده.
قوله: "حبس العين على ملك الواقف والتصدق
بالمنفعة" يعني عند أبي حنيفة رضي الله عنه
وعندهما هو حبس العين على حكم ملك الله تعالى
وزاد في فتح القدير على كلام المصنف أو صرف
منفعتها على من أحب قال لأن الوقف يصح لمن يحب
من الأغنياء بلا قصد القربة وهو وإن كان لا بد
في آخره من القربة كشرط التأبيد وهو بذلك
كالفقراء ومصالح المسجد لكنه يكون وقفا قبل
انقراض الأغنياء بلا تصدق ا هـ. وقد يقال إن
الوقف على الغني تصدق بالمنفعة لأن الصدقة كما
تكون على الفقراء تكون على الأغنياء وإن كان
التصدق على الغني مجازا عن الهبة عند بعضهم.
وصرح في الذخيرة بأن في التصدق على الغني نوع
قربة دون قربة الفقير وعرفه شمس الأئمة
السرخسي بأنه حبس المملوك عن التمليك من الغير
وسببه إرادة محبوب النفس في الدنيا ببر
الأحباب وفي الآخرة بالتقرب إلى رب الأرباب جل
وعز ومحله المال المتقوم وشرائطه أهلية الواقف
للتبرع من كونه حرا عاقلا بالغا وأن يكون
منجزا غير معلق فإنه مما لا يصلح تعليقه
بالشرط فلو قال إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة
على المساكين فجاء ولده لا تصير وقفا.
وذكر في جامع الفصولين الوقف فيما لا يصح
تعليقه بالشرط في رواية فأشار أن فيه روايتين
وجزم بصحة إضافته وفي البزازية وتعليق الوقف
بالشرط باطل. وفي الخانية ولو قال إذا جاء غد
فأرضي صدقة موقوفة أو قال إذا ملكت هذه الأرض
فهي صدقة موقوفة لا يجوز لأنه تعليق والوقف لا
يحتمل التعليق بالخطر لأنه لا يحلف به فلا يصح
تعليقه كما لا يصح تعليق الهبة بخلاف النذر
لأنه يحلف به ويحتمل التعليق ا هـ. فإذا جاء
غد تعليق ووقفته غدا
ج / 5 ص -301-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إضافة وقد بينا الفرق بينهما في شرحنا على
المنار وفي لب الأصول ولو قال وقفته إن شئت ثم
قال شئت كان باطلا للتعليق أما لو قال شئت
وجعلتها صدقة صح هذا الكلام المتصل بخلاف ما
لو قال إن كانت هذه الدار في ملكي فهي صدقة
موقوفة فظهر أنها كانت في ملكه وقت التكلم
فإنها تصير وقفا لأنه تعليق على أمر كائن وهو
تنجيز كذا في فتح القدير وسيأتي تعليقه
بالموت.
الخامس من شرائطه الملك وقت الوقف حتى لو غصب
أرضا فوقفها ثم اشتراها من مالكها ودفع الثمن
إليه أو صالح على مال دفعه إليه لا تكون وقفا
لأنه إنما ملكها بعد أن وقفها هذا على أنه هو
الواقف أما لو وقف ضيعة غيره على جهات فبلغ
الغير فأجازه جاز بشرط الحكم والتسليم أو عدمه
على الخلاف الذي سنذكره وهذا هو المراد بجواز
وقف الفضولي فلو استحق الوقف بطل وكذا لو جاء
شفيعها بعد وقف المشتري وكذا لو وقف المريض
المديون الذي أحاط الدين بماله فإنه يباع
وينقض الوقف ولو وقف المبيع فاسدا بعد القبض
صح وعليه القيمة للبائع وكذا لو اتخذها مسجدا
وكذا لو جعلها مسجدا وجاء شفيعها نقض المسجدية
ولو وقفها المشتري قبل القبض إن نقد الثمن جاز
الوقف وإلا فهو موقوف ولو اشترى أرضا فوقفها
ثم جاء مستحق فاستحقها وأجاز البيع بطل الوقف
في قول محمد ولو ضمن المستحق البائع جاز الوقف
في قول محمد الكل في الخانية ولو وهبت له أرض
هبة فاسدة فقبضها ثم وقفها صح وعليه قيمتها.
ولو اشترى أرضا فوقفها ثم اطلع على عيب رجع
بالنقصان ولا يلزمه أن يشتري به بدلا لعدم
دخول نقصان العيب في الوقف كذا في الإسعاف.
وفي الذخيرة لو اشترى على أن البائع بالخيار
فيها فوقفها ثم أجاز البائع البيع لم يجز
الوقف. ا هـ. ويتفرع على اشتراط الملك أنه لا
يجوز وقف الإقطاعات إلا إذا كان الأرض مواتا
فأقطعها الإمام رجلا أو كانت ملكا للإمام
فأقطعها رجلا وأنه لا يجوز وقف أرض الحوز
للإمام لأنه ليس بمالك لها زاد في التتارخانية
ولا لمالكها قال وتفسير أرض الحوز أرض عجز
صاحبها عن زراعتها وأداء خراجها فدفعها إلى
الإمام لتكون منافعها جبرا للخراج. ا هـ.
وتمامه في الخصاف وذكر أيضا أن الموهوب له لا
يصح وقفه قبل القبض ولو قبض بعد هو الموصى له
كذلك قبل الموت.
السادس عدم الجهالة فلو وقف من أرضه شيئا ولم
يسمه كان باطلا لأن الشيء يتناول القليل
والكثير ولو بين بعد ذلك ربما يبين شيئا قليلا
لا يوقف عادة فلو وقف جميع حصته من
ج / 5 ص -302-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الدار والأرض ولم يسم السهام جاز استحسانا
كذا في الإسعاف ولو وقف هذه الأرض أو هذه
الأرض وبين وجه الصرف كان باطلا لمكان
الجهالة. ولو قال جعلت نصيبي من هذه الدار
وقفا وهو ثلث جميع الدار فإذا هي النصف كان
الكل وقفا وتمامه في الخانية.
السابع عدم الحجر على الواقف لسفه أو دين كذا
أطلقه الخصاف وينبغي أنه إذا وقفها في الحجر
للسفه على نفسه ثم لجهة لا تنقطع أن يصح على
قول أبي يوسف وهو الصحيح عند المحققين وعند
الكل إذا حكم به حاكم كذا في فتح القدير وهو
مدفوع بأن الوقف تبرع وهو ليس من أهله1.
الثامن أن لا يذكر مع الوقف اشتراط بيعه فلو
وقف بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها إلى حاجته لا
يصح الوقف في المختار كذا في البزازية وهو قول
هلال2 والخصاف وجوزه يوسف بن خالد السمتي
إلحاقا للوقف بالعتق. وأما اشتراط الاستبدال
فلا يبطله كما سيأتي في محله.
التاسع أن لا يلحق به خيار شرط فلو وقف على
أنه بالخيار لم يصح عند محمد معلوما كان الوقت
أو مجهولا واختاره هلال وقال أبو يوسف إن كان
الوقت معلوما جاز الوقف والشرط كالبيع وإلا
بطل الوقف وصححه السمتي مطلقا وأبطل الشرط
وظاهر ما في الخانية أنه لو جعل داره مسجدا
على أنه بالخيار صح الوقف وبطل الشرط بلا خلاف
وقال الفقيه أبو جعفر ينبغي على قول أبي يوسف
فيما إذا كان الوقت مجهولا أن يصح الوقف ويبطل
الشرط.
العاشر أن لا يكون مؤقتا قال الخصاف لو وقف
داره يوما أو شهرا لا يجوز لأنه لم يجعله
مؤبدا وكذا لو قال على فلان منه كان باطلا
وفصل هلال بين أن يشترط رجوعها إليه بعد الوقت
فيبطل الوقف أو لا فلا وظاهر ما في الخانية
اعتماده.
الحادي عشر أن يكون للواقف ملة فلا يصح وقف
المرتد إن قتل أو مات على ردته وإن أسلم صح
ويبطل وقف المسلم إن ارتد ويصير ميراثا سواء
قتل على ردته أو مات أو عاد إلى الإسلام إلا
إن أعاد الوقف بعد عوده إلى الإسلام كما أوضحه
الخصاف آخر الكتاب ويصح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه "الإسعاف في أحكام الأوقاف" للشيخ
برهان الدين إبراهيم بن موسى الطرابلسي الحنفي
المتوفي سنة ثنتين وتسعمائة هـ جحمع فيه وقفي
الهلابل و الخصاف. ا هـ كشف الظنون "1/85".
2 واسمه "هلال بن يحي البصري الحنفي المتوفى
سنة خمس وأربعين ومائتين آثاره "أحكام الوقف"
ا هـ كشف الظنون "1/21".
ج / 5 ص -303-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف المرتدة لأنها لا تقتل وأما الإسلام فليس
من شرطه فصح وقف الذمي بشرط كونه قربة عندنا
وعندهم كما لو وقف على أولاده أو على الفقراء
أو على فقراء أهل الذمة فإن عمم جاز الصرف إلى
كل فقير مسلم أو كافر وإن خصص فقراء أهل الذمة
اعتبر شرطه كما نص عليه الخصاف كالمعتزلي إذا
خص أهل الاعتزال ولو شرط أن من أسلم من ولده
أخرج اعتبر شرطه أيضا كشرط المعتزلي أن من صار
سنيا أخرج وليس هذا من قبيل اشتراط المعصية
لأن التصدق على الكافر غير الحربي قربة ولو
وقف على بيعة فإذا خربت كان للفقراء لم يصح
وكان ميراثا لأنه ليس بقربة عندنا كالوقف على
الحج أو العمرة لأنه ليس بقربة عندهم بخلاف ما
لو وقف على مسجد بيت المقدس فإنه صحيح لأنه
قربة عندنا وعندهم.
وفي القنية وقف المجوسي ضيعة على فقراء المجوس
لا يجوز ثم رقم بعده بحرف الطاء1 مجوسي وقف
أرضه على أولاده وأولاد ما تناسلوا ومن بعده
على فقراء اليهود أو المجوس يجوز قال رضي الله
عنه فينبغي أن يجوز على فقراء المجوس ابتداء ا
هـ.
وفي الحاوي وقف المجوسي على بيت النار
واليهودي والنصراني على البيعة والكنيسة باطل
إذا كان في عهد الإسلام وما كان منها في أيام
الجاهلية مختلف فيه والأصح أنه إذا دخل في عهد
عقد الذمة لا يتعرض ا هـ.
ثم اعلم أنه لا يشترط لصحته عدم تعلق حق الغير
به فلو وقف ما في إجارة الغير صح ولا تبطل
الإجارة فإذا انقضت أو مات أحدهما صرفت إلى
جهات الوقف وأما وقف المرهون فإن افتكه أو مات
عن وفاء عاد إلى الجهة وإن مات عن غير وفاء
بيع وبطل الوقف كذا في فتح القدير وسكت عن
حكمه حال الحياة لو كان معسرا.
وفي الإسعاف لو وقف المرهون بعد تسليمه صح
وأجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا
فإن كان معسرا. أبطل الوقف وباعه فيما عليه. ا
هـ. وهكذا في الذخيرة والمحيط.
وأما شرطه الخاص لخروجه عن الملك عند الإمام
فالإضافة إلى ما بعد الموت وهو الوصية به أو
يلحقه حكم به وعند أبي يوسف لا يشترط سوى كون
المحل قابلا له من كونه عقارا أو دارا وعند
محمد ذلك مع كونه مؤبدا مقسوما غير مشاح فيما
يحتمل القسمة ومسلما إلى متول وسيأتي أن
أكثرهم أفتى بقول محمد وإن بعضهم أفتى بقول
أبي يوسف وما أفتى أحد بقول الإمام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد به المحيط كما في مقدمة مخطوطة
القنية.
ج / 5 ص -304-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما ركنه فالألفاظ الخاصة الدالة عليه وهي
ستة وعشرون لفظا الأول أرضي هذه صدقة موقوفة
مؤبدة على المساكين ولا خلاف فيه الثاني صدقة
موقوفة فهلال وأبو يوسف وغيرهما على صحته لأنه
لما ذكر صدقة عرف مصرفه وانتفى بقوله موقوفة
احتمال كونه نذرا الثالث حبس صدقة الرابع صدقة
محرمة وهما كالثاني الخامس موقوفة فقط لا يصح
إلا عند أبي يوسف فإنه يجعلها بمجرد هذا اللفظ
موقوفة على الفقراء وإذا كان مفيدا لخصوص
المصرف أعني الفقراء لزم كونه مؤبدا لأن جهة
الفقراء لا تنقطع قال الصدر الشهيد ومشايخ بلخ
يفتون بقول أبي يوسف ونحن نفتي بقوله أيضا
لمكان العرف وبهذا يندفع رد هلال قول أبي يوسف
بأن الوقف يكون على الغني والفقير ولم يبين
فيبطل لأن العرف إذا كان يصرفه إلى الفقراء
كان كالتنصيص عليهم. السادس موقوفة على
الفقراء صح عند هلال أيضا لزوال الاحتمال
بالتنصيص على الفقراء السابع محبوسة الثامن
حبس وهما باطلان ولو كان في حبس مثل هذا العرف
يجب أن يكون كقوله موقوفة التاسع لو قال هي
للسبيل إن تعارفوه وقفا مؤبدا للفقراء كان
كذلك وإلا سئل فإن قال أردت الوقف صار وقفا
لأنه محتمل لفظه أو قال أردت معنى صدقة فهو
نذر فيتصدق بها أو بثمنها وإن لم ينو كانت
ميراثا ذكره في النوازل العاشر جعلتها للفقراء
إن تعارفوه وقفا عمل به وإلا سئل فإن أراد
الوقف فهي وقف أو الصدقة فهي نذر وهذا عند عدم
النية لأنه أدنى فإثباته به عند الاحتمال أولى
واعترضه في فتاوى الخاصي بأنه لا فرق بينهما
وذكر في إحداهما إذا لم تكن نية يكون ميراثا
ولا يخفى أن كونه ميراثا لا ينافي كونه نذرا
لأن المنذور به إذا مات الناذر ولم يوف بنذره
يكون ميراثا إلا أنه اقتصر على تمام التفصيل
في إحداهما وإلا فلا شك أن في كل منهما إذا لم
تكن له نية يكون نذرا فإن مات ولم يتصدق به
ولا يقيمه يكون ميراثا الحادي عشر محرمة
الثاني عشر وقف وهو صحيح وهي معروفة عند أهل
الحجاز الثالث عشر حبس موقوفة وهو كالاقتصار
على "موقوفة" الرابع عشر جعلت نزل كرمي وقفا
صار وقفا فيه ثمرة أو لا الخامس عشر جعلت غلته
وقفا كذلك الخامس عشر موقوفة لله بمنزلة صدقة
موقوفة الكل في فتح القدير وجزم به في
البزازية بصحة الوقف بقوله وقف أو موقوفة
السادس عشر صدقة فقط كانت صدقة فإن لم يتصدق
حتى مات كانت ميراثا كذا في الخصاف. السابع
عشر هذه موقوفة على وجه الخير أو على وجه البر
تكون وقفا على الفقراء الثامن عشر صدقة موقوفة
في الحج عني والعمرة عني يصح الوقف ولو لم يقل
عني لا يصح الوقف التاسع عشر صدقة لا تباع
تكون نذرا بالصدقة لا وقفا ولو زاد ولا توهب
ولا تورث صارت وقفا على المساكين والثلاثة في
الإسعاف العشرون اشتروا من غلة داري هذه كل
شهر بعشرة دراهم خبزا وفرقوه على المساكين
صارت الدار وقفا الحادي
ج / 5 ص -305-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعشرون هذه بعد وفاتي صدقة يتصدق بعينها أو
تباع ويتصدق بثمنها ذكرهما في الذخيرة الثاني
والعشرون أوصى أن يوقف ثلث ماله جاز عند أبي
يوسف ويكون للفقراء وعندهما لا يجوز إلا أن
يقول لله أبدا كذا في التتارخانية. الثالث
والعشرون قال هذا الدكان موقوف بعد موتي ومسبل
ولم يعين مصرفا لا يصح الرابع والعشرون داري
هذه مسبلة إلى المسجد بعد موتي يصح إن خرجت من
الثلث وعين المسجد وإلا فلا. الخامس والعشرون
سبلت هذه الدار في وجه إمام مسجد كذا عن جهة
صلواتي وصياماتي تصير وقفا وإن لم تقع عنهما
والثلاثة في القنية السادس والعشرون جعلت
حجرتي لدهن سراج المسجد ولم يزد عليه صارت
الحجرة وقفا على المسجد كما قال وليس للمتولي
أن يصرف إلى غير الدهن كذا في المحيط. السابع
والعشرون ذكر قاضي خان من كتاب الوصايا رجل
قال ثلث مالي وقف ولم يزد على ذلك قال أبو نصر
إن كان ماله نقدا فهذا القول باطل بمنزلة قوله
هذه الدراهم وقف وإن كان ماله ضياعا تصير وقفا
على الفقراء ا هـ.
وأما حكمه فما ذكره في تعريفه من أنه حبس
العين عن التمليك والتصدق بالمنفعة وسيأتي
بقية أحكامه ومحاسنه ظاهرة وهي الانتفاع
بالدار, الباقي على طبقات المحبوبين من الذرية
والمحتاجين من الأحياء والأموات لما فيه من
إدامة العمل الصالح كما في الحديث المعروف
"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"1.
وفي فتاوى قاضي خان رجل
جاء إلى فقيه وقال إني أريد أن أصرف مالي إلى
خير عتق العبيد أفضل أم اتخاذ الرباط للعامة
قال بعضهم الرباط أفضل وقال الفقيه أبو الليث
إن جعل للرباط مستغلا يصرف إلى عمارة الرباط
فالرباط أفضل وإن لم يجعل إلا رباطا فالإعتاق
أفضل ولو تصدق بهذا المال على المحتاجين فذاك
أفضل من الإعتاق. ا هـ. وفي البزازية وقف
الضيعة أولى من بيعها والتصدق بثمنها ا هـ.
وصفته أن يكون مباحا وقربة وفرضا فالأول بلا
قصد القربة ولذا يصح من الذمي ولا ثواب له
والثاني مع قصدها من المسلم والثالث المنذور
كما لو قال إن قدم ولدي فعلي أن أقف هذه الدار
على ابن السبيل فقدم فهو نذر يجب الوفاء به
فإن وقفه على ولده وغيره ممن لا يجوز دفع
زكاته إليهم جاز في الحكم ونذره باق وإن وقف
على غيرهم سقط وإنما صح النذر به لأن من جنسه
واجبا فإنه يجب أن يتخذ الإمام للمسلمين وقفا
مسجدا من بيت المال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 5 ص -306-
والملك
يزول بالقضاء لا إلى مالك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو من مالهم إن لم يكن لهم بيت مال كما في فتح
القدير.
قوله "والملك يزول بالقضاء لا إلى مالك" أي
ملك العين الموقوفة يزول عن ملك المالك بقضاء
القاضي بلزوم الوقف من غير أن ينتقل إلى ملك
أحد وهذا أعني اللزوم بالقضاء متفق عليه لأنه
قضاء في محل الاجتهاد فينفذ وفي الخانية وطريق
القضاء أن يسلم الواقف ما وقفه للمتولي ثم
يريد أن يرجع عنه فينازعه بعلة عدم اللزوم
ويختصمان إلى القاضي يقضي القاضي بلزومه ا هـ.
وإنما يحتاج إلى الدعوى عند البعض والصحيح أن
الشهادة بالوقف بدون الدعوى مقبولة ولذا قالوا
لو باع ثم ادعى الوقفية لا تسمع دعواه للتناقض
ولا يحلف فإن برهن تقبل.
قال في البزازية لا لصحة الدعوى بل لأن
البرهان يقبل عليه بلا دعوى كالشهادة على عتق
الأمة في المختار ولا تسمع الدعوى من غير
المتولي وعليه الفتوى. ا هـ. ولذا قال في
المحيط ولو قضى بالوقفية بالشهادة القائمة على
الوقف من غير دعوى يصح لأن حكمه هو التصدق
بالغلة وهو حق الله تعالى وفي حقوق الله تعالى
يصح القضاء بالشهادة من غير دعوى. ا هـ.
وقيد بالقضاء لأنهما لو حكما رجلا ليحكم
بينهما بلزوم الوقف اختلفوا فيه والصحيح أن
بحكم المحكم لا يرتفع الخلاف وللقاضي أن يبطله
كذا في الخانية وهل القضاء به قضاء على الناس
كافة كالحرية أو لا قال قاضي خان أرض في يد
رجل ادعى رجل أنها وقف وبين شرائط الوقف وقضى
القاضي بالوقف ثم جاء آخر وادعى أنه ملك قالوا
تقبل بينة المدعي لأن القضاء بالوقف بمنزلة
استحقاق الملك وليس بتحرير ألا ترى أنه لو جمع
بين وقف وملك وباعهما صفقة واحدة جاز بيع
الملك ولو جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة
لا يجوز بيع العبد دل أن القضاء بالوقف بمنزلة
القضاء بالملك وفي الملك القضاء يقتصر على
المقضي عليه وعلى من يلتقي الملك منه ولا
يتعدى إلى الغير فكذلك في الوقف. ا هـ.
ذكره في باب ما يبطل دعوى المدعي وعزاه في
الخلاصة إلى الفتاوى الصغرى ثم قال بخلاف
العبد إذا ادعى العتق على إنسان وقضى القاضي
بالعتق ثم ادعى رجل أن هذا العبد ملكه لا تسمع
لأن القضاء بالعتق قضاء على جميع الناس بخلاف
الوقف قال الصدر الشهيد لم نر لهذا رواية لكن
سمعت أن فتوى السيد الإمام أبي شجاع على هذا.
وفي فوائد شمس الأئمة الحلواني1 وركن الإسلام
علي السعدي أن الوقف كالعتق في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي لشمس الأئمة الحلواني ذكرها في كشف
الظنون "2/1295".
ج / 5 ص -307-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عدم سماع الدعوى بعد قضاء القاضي بالوقفية لأن
الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل إلا في مواضع
مخصوصة وهكذا في النوازل. ا هـ.
وذكر القولين في جامع الفصولين وهل يقدم
الخارج على ذي اليد ولا ترجيح للوقف على الملك
أو لا قال في جامع الفصولين ومتول ذو يد لو
برهن على الوقف فبرهن الخارج على الملك يحكم
بالملك للخارج فلو برهن المتولي بعده على
الوقف لا تسمع لأن المتولي صار مقضيا عليه مع
من يدعي تلقي الوقف من جهته وعند أبي يوسف
تقبل بينة ذي اليد على الوقف ولا تقبل بينة
الخارج على الملك كمن ادعى قنا وقال ذو اليد
هو ملكي وحررته فإنه يقضي ببينة ذي اليد وفاقا
بقولهما يفتى. ا هـ. فقد علمت أن المفتى به
تقديم الخارج.
وفيه ادعى ملكا في دار بيد متول يقول وقفه زيد
على مسجد كذا وحكم به للمدعي فلو ادعى متول
آخر على هذا المدعي أنه وقف على مسجد كذا من
جهة بكر تقبل إذ المقضي عليه هو زيد الواقف لا
مطلق الواقف. ا هـ.
والحاصل أن القضاء بالوقفية ليس قضاء على
الكافة على المعتمد فتسمع الدعوى من غير
المقضي عليه وأما القضاء بالحرية فقضاء على
الكافة فلا تسمع الدعوى بعده بالملك لأحد ولا
فرق بين الحرية الأصلية والعارضية بالإعتاق
بأن شهدوا بإعتاقه وهو يملكه صرح به قاضي خان.
وأما القضاء بالملك فليس على الكافة بلا شبهة
وفي الفتاوى الصغرى من فصل دعوى النكاح إذا
قضى القاضي لإنسان بنكاح امرأة أو بنسب أو
بولاء عتاقة ثم ادعاه الآخر لا تسمع. ا هـ.
فعلى هذا القضاء الذي يكن على الكافة في أربعة
أشياء وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في
الدعوى.
وفي القنية دار في يد رجل أقام رجل بينة أنها
وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف على
المسجد فإن أرخا فهي للسابق منهما وإن لم
يؤرخا فهي بينهما نصفان. ا هـ.
وقد ذكر المصنف رحمه الله للزومه طريقا واحدة
وهي القضاء فظاهره أنه لا يلزم لو علقه بموته
قال في الهداية قال في الكتاب لا يزول ملك
الواقف عن الوقف حتى يحكم به الحاكم أو يعلقه
بموته وهذا في حكم الحاكم صحيح لأنه قضاء في
فصل مجتهد فيه أما في تعليقه بالموت فالصحيح
أنه لا يزول ملكه إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبدا
فيصير بمنزلة الوصية
ج / 5 ص -308-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمنافع مؤبدا فيلزمه ا هـ.
والحاصل أنه إذا علقه بموته كما إذا قال إذا
مت فقد وقفت داري على كذا فالصحيح أنه وصية
لازمة لكن لم تخرج عن ملكه فلا يتصور التصرف
فيه ببيع ونحوه بعد موته لما يلزم من إبطال
الوصية وله أن يرجع قبل موته كسائر الوصايا
وإنما يلزم بعد موته وإنما لم يكن وقفا لما
قدمنا من أنه لا يقبل التعليق بالشرط وكذا إذا
قال إذا مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي على كذا
فمات لم تصر وقفا وله أن يبيعها قبل الموت
بخلاف ما إذا قال إذا مت فاجعلوها وقفا فإنه
يجوز لأنه تعليق التوكيل لا تعليق الوقف نفسه
وهذا لأن الوقف بمنزلة تمليك الهبة من الموقوف
عليه والتمليك غير الوصية لا تتعلق بالخطر ونص
محمد في السير الكبير أن الوقف إذا أضيف إلى
ما بعد الموت يكون باطلا أيضا عند أبي حنيفة
وعلى ما عرفت بأن صحته إذا أضيف إلى ما بعد
الموت يكون باعتباره وصية وفي المحيط لو قال
إن مت من مرضي هذا فقد وقفت أرضي هذه لا يصح
الوقف برئ أو مات لأنه تعليق.
وفي الخانية لو قال أرضي بعد موتي موقوفة سنة
جاز وتصير الأرض موقوفة أبدا لأنه في معنى
الوصية بخلاف ما إذا لم يضف إلى ما بعد الموت
بأن قال أرضي موقوفة سنة لأن ذاك ليس بوصية بل
هو محض تعليق أو إضافة فالحاصل أن على قول
هلال إذا شرط في الوقف شرطا يمنع التأبيد لا
يصح الوقف ا هـ.
وفي التبيين لو علق الوقف بموته ثم مات صح
ولزم إذا خرج من الثلث لأن الوصية بالمعدوم
جائزة كالوصية بالمنافع ويكون ملك الواقف
باقيا فيه حكما يتصدق منه دائما وإن لم يخرج
من الثلث يجوز بقدر الثلث ويبقى الباقي إلى أن
يظهر له مال أو تجيز الورثة فإن لم يظهر له
مال ولم تجز الورثة تقسم الغلة بينهما أثلاثا
ثلثه للوقف وثلثاه للورثة. ا هـ.
قال الإمام السرخسي إذا خاف الواقف إبطال وقفه
فللتحرز عنه طريقان إحداهما القضاء والثاني أن
يذكر الواقف بعد الوقف والتسليم فإن أبطله قاض
بوجه من الوجوه فهذه الأرض بأصلها وجميع ما
فيها وصية من فلان الواقف تباع ويتصدق بثمنها
على الفقراء ومتى فعل ينبرم الوقف لأن أحدا من
الورثة لا يسعى في إبطاله لأن سعيه حينئذ يعرى
عن الفائدة للزوم التصدق بها أو بثمنها قال
شمس الأئمة والذي جرى به الرسم في زماننا أنهم
يكتبون إقرارا لواقف أن قاضيا من قضاة
المسلمين قضى بلزوم هذا الوقف فذاك ليس بشيء
ولا يحصل به المقصود لأن إقراره لا يصير حجة
على القاضي الذي يريد إبطاله ولو لم يكن
القاضي قضى
ج / 5 ص -309-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلزوم الوقف فإقراره يكون كذبا محضا ولا رخصة
في الكذب وبه لا يتم المقصود ومن المتأخرين من
مشايخنا من قال إذا كتب في آخر الصك وقد قضى
بصحة هذا الوقف ولزومه قاض من قضاة المسلمين
ولم يسم القاضي يجوز. وتمسك هذا القائل بقول
محمد في الكتاب إذا خاف الواقف أن يبطله
القاضي فإنه يكتب في صك الوقف إن حاكما من
حكام المسلمين قضى بلزوم هذا الوقف ولم يذكر
الكاتب اسم القاضي ونسبه ومتى علم بتاريخ
الوقف يصير القاضي في ذلك الزمان معلوما كذا
في الظهيرية وقد وسع في ذلك قاضي خان أيضا.
وقيد زوال الملك بالقضاء ليفيد عدمه قبله وهو
قول الإمام لكن قيل لا يجوز الوقف عنده أصلا
كما صرح به في الأصل لأن المنفعة معدومة
والتصدق بالمعدوم لا يصح والأصح أنه جائز عنده
إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية كذا في
الهداية وغيرها. وفي فتح القدير وإذا لم يزل
عند أبي حنيفة قبل الحكم يكون موجب القول
المذكور حبس العين على ملك الواقف والتصدق
بالمنفعة ولفظ حبس إلى آخره لا معنى له لأن له
بيعه متى شاء وملكه مستمر فيه كما لو لم يتصدق
بالمنفعة فلم يحدث الواقف إلا مشيئة التصدق
بمنفعته وله أن يترك ذلك متى شاء وهذا القدر
كان ثابتا قبل الوقف بلا ذكر لفظ الوقف فلم
يفد الوقف شيئا وهذا معنى ما ذكر في المبسوط
من قوله كان أبو حنيفة لا يجيز الوقف وحينئذ
فقول من أخذ بظاهر هذا اللفظ فقال الوقف عند
أبي حنيفة لا يجوز صحيح لأنه ظهر أنه لم يثبت
به قبل الحكم حكم لم يكن وإذا لم يكن له أثر
زائد على ما كان قبله كان كالمعدوم والجواز
والنفاذ والصحة فرع اعتبار الوجود ومعلوم أن
قوله لا يجوز ولا يجيز ليس المراد التلفظ بلفظ
الوقف بل لا يجيز الأحكام التي ذكر غيره أنها
أحكام ذكر الوقف فلا خلاف إذا فأبو حنيفة قال
لا يجوز الوقف أي لا تثبت الأحكام التي ذكرت
له إلا أن يحكم به حاكم.
وقوله بمنزلة العارية لأنه ليس له حقيقة
العارية لأنه إن لم يسلمه إلى غيره فظاهر وإن
أخرجه إلى غيره فذلك الغير ليس هو المستوفي
لمنافعه ا هـ.
وفيه نظر لأن قوله لم يفد الوقف شيئا غير صحيح
لأنه يصح الحكم به ولولا صحة الوقف لم يصح
الحكم به ويحل للفقير أن يأكل منه ولولا صحته
لم يحل ويثاب الواقف عليه ولولا صحته ما أثيب
فكيف يقال لم يفد شيئا وفي البزازية معنى
الجواز جواز صرف الغلة إلى تلك الجهة ويتبع
شرطه ويصح نصب المتولي عليه فإذا ثبتت هذه
الأحكام كيف يقال لم يفد شيئا أو أنه لم يثبت
به حكم لم يكن وقوله من أخذ بظاهر اللفظ إلى
آخره ليس بصحيح لأن ظاهره عدم الصحة ولم يقل
به أحد وإلا لزم أن لا يصح الحكم به ولذا رد
شمس
ج / 5 ص -310-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأئمة على من ظن أنه غير جائز عنده أخذا من
ظاهر المبسوط. قال وإنما المراد أنه غير لازم
كما في الظهيرية.
والحاصل أنه لا خلاف في صحته وإنما الخلاف في
لزومه فقال بعدمه وقالا به فلا يباع ولا يورث
ولفظ الواقف ينتظمهما والترجيح بالدليل وقد
أكثر الخصاف من الاستدلال لهما بوقوف النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وقد
كان أبو يوسف مع الإمام حتى حج مع الرشيد ورأى
وقوف الصحابة رضي الله عنهم بالمدينة ونواحيها
رجع وأفتى بلزومه ولقد استبعد محمد قول أبي
حنيفة في الكتاب لهذا وسماه تحكما على الناس
من غير حجة وقال ما أخذ الناس بقول أبي حنيفة
وأصحابه إلا لتركهم التحكم على الناس ولو جاز
تقليد أبي حنيفة في هذا لكان من مضى قبيل أبي
حنيفة مثل الحسن البصري وإبراهيم النخعي أحرى
أن يقلدوا ولم يحمد محمد على ما قاله بسبب
أستاذه وقيل بسبب ذلك انقطع خاطره فلم يتمكن
من تفريع مسائل الوقف كالخصاف وهلال ولو كان
أبو حنيفة في الأحياء حين ما قال لزأم عليه
فإنه كما قال مالك في أبي حنيفة رأيت رجلا لو
قال هذه الأسطوانة من ذهب لدل عليه ولكن كل
مجر بالخلا يسر كذا في الظهيرية. والحاصل أن
المشايخ رجحوا قولهما وقال الفتوى عليه وفي
فتح القدير أنه الحق ولا يبعد أن يكون إجماع
الصحابة ومن مر بعدهم رضي الله عنهم متوارثا
على خلاف قوله. وفي الهداية ولو وقف في مرض
موته قال الطحاوي هو بمنزلة الوصية بعد الموت
والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة وعندهما
يلزم إلا أنه يعتبر من الثلث والوقف في الصحة
من جميع المال. ا هـ.
وفي الظهيرية امرأة وقفت منزلا في مرضها على
بناتها ثم من بعدهن على أولادهن وأولاد
أولادهن أبدا ما تناسلوا فإذا انقرضوا
فللفقراء ثم ماتت من مرضها وخلفت من الورثة
بنتين وأختا لأب والأخت لا ترضى بما صنعت ولا
مال لها سوى المنزل جاز الوقف في الثلث ولم
يجز في الثلثين فيقسم الثلثان بين الورثة على
قدر سهامهم ويوقف الثلث فما خرج من غلته قسم
بين الورثة كلهم على قدر سهامهم ما عاشت
البنتان فإذا ماتتا صرفت الغلة إلى أولادهما
وأولاد أولادهما كما شرطت الواقفة لا حق
للورثة في ذلك. رجل وقف دارا له في مرضه على
ثلاث بنات له وليس له وارث غيرهن. قال الثلث
من الدار وقف والثلثان مطلق له يصنعن بهما ما
شئن قال الفقيه أبو الليث هذا إذا لم يجزن أما
إذا أجزن صار الكل وقفا عليهن. ا هـ.
والحاصل أن المريض إذا وقف على بعض ورثته ثم
من بعدهم على أولادهم ثم على الفقراء. فإن
أجاز الوارث الآخر كان الكل وقفا واتبع الشرط
وإلا كان الثلثان ملكا بين الورثة
ج / 5 ص -311-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثلث وقفا مع أن الوصية للبعض لا تنفذ في
شيء لأنه لم يتمحض للوارث لأنه بعده لغيره
فاعتبر الغير بالنظر إلى الثلث واعتبر الوارث
بالنظر إلى غلة الثلث الذي صار وقفا فلا يتبع
الشرط ما دام الوارث حيا وإنما تقسم غلة هذا
الثلث بين الورثة على فرائض الله تعالى فإذا
انقرض الوارث الموقوف عليه اعتبر شرطه في غلة
الثلث وإن وقف على غير الورثة ولم يجيزوا كان
الثلث وقفا واعتبر شرطه فيه والثلثان ملك فلو
باع الوارث الثلثين قبل ظهور مال آخر ثم ظهر
لم يبطل البيع ويغرم القيمة فيشتري بذلك أرضا
وتجعل وقفا على جهة الأول كذا في البزازية.
وفيها قال أرضي هذه صدقة موقوفة على ابني فلان
فإن مات فعلى ولدي وولد ولدي ونسلي ولم تجز
الورثة فهي إرث بين كل الورثة ما دام الابن
الموقوف عليه حيا فإن مات صار كلها للنسل. ا
هـ. وهي عبارة غير صحيحة لما قدمنا عن
الظهيرية أن الثلثين ملك والثلث وقف وأن غلة
الثلث تقسم على الورثة ما دام الوارث الموقوف
عليه حيا ويدل عليه أيضا ما ذكره في البزازية
بعده وقف أرضه في مرضه على ولده وولد ولده ولا
مال له سواه فثلثها وقف على ولد الولد بلا
توقف على إجازة الورثة والثلثان للورثة إن لم
يجيزوا وإن أجازوا كان بين الصلبي وولد الولد
على السواء.
وقف أرضه في مرضه وهي تخرج من الثلث فتلف
المال قبل موته وصار لا يخرج من الثلث أو تلف
المال بعد موته قبل أن يصل إلى الورثة فثلثها
وقف وثلثاها للورثة وقف أرضه في مرضه على بعض
ورثته فإن أجازوا الورثة فهو كما قالوا في
الوصية لبعض ورثته وإلا فإن كانت تخرج من
الثلث صارت الأرض وقفا وإن لم تخرج فمقدار ما
يخرج من الثلث يصير وقفا ثم تقسم جميع غلة
الأرض ما جاز فيه الوقف وما لم يجز على فرائض
الله تعالى ما دام الموقوف عليه أو أحدهم في
الأحياء فإذا انقرضوا كلهم تصرف غلة الأرض إلى
الفقراء إن لم يوص الواقف إلى واحد من الورثة
ولو مات أحد منهم من الموقوف عليهم من الورثة
وبقي الآخر فإن الميت في قسمة الغلة ما دام
الموقوف عليهم أحياء يجعل كأنه حي فيقسم ثم
يجعل سهمه ميراثا لورثته الذين لا حصة لهم من
الوقف. ا هـ. ثم اعلم أنه لو وقفها في مرض
موته ولا وارث له إلا زوجته ولم تجز ينبغي أن
يكون لها من السدس والخمسة الأسداس تكون وقفا
لما في البزازية من كتاب الوصايا مات ولم يدع
إلا امرأة واحدة وأوصى بكل ماله لرجل إن أجازت
فكل المال له وإلا فالسدس لها وخمسة الأسداس
له لأن الموصى له يأخذ الثلث أولا بقي أربعة
تأخذ الربع والثلاثة الباقية للموصى له فحصل
له خمسة من ستة. ا هـ. ولا شك أن الوقف في مرض
الموت وصية.
وفي المحيط وقف المريض على أربعة أوجه الأول
أن يقف على الفقراء فإن خرج من
ج / 5 ص -312-
ولا
يتم حتى يقبض ويفرز ويجعل آخره لجهة لا تنقطع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثلث جاز في الجميع وإلا فإن أجاز الورثة جاز
في الكل وإلا جاز في الثلث.
الثاني لو وقف على وارث بعينه ولم يخرج من
الثلث فإن لم يجيزوا جاز في الثلث وذكر هلال
والخصاف تقسم جميع غلة الأرض بين الورثة على
فرائض الله تعالى ولا يعطى للفقراء شيء ما دام
الموقوف عليه حيا فإذا مات صرف للفقراء فإن
كان يخرج من الثلث يكون الكل للفقراء وإلا
فلهم بقدر ما يخرج من الثلث لأن هذا وقف على
الفقراء بعد موت الوارث لا قبله فما دام
الوارث حيا لا يكون وقفا على الفقراء فلا يكون
لهم حق في تلك الغلة والوصية للوارث قد بطلت
فيقسم الكل بينهم بالسوية وقال بعضهم يعطي حصة
الوقف من الغلة للفقراء للحال ولا يكون للورثة
منها شيء لأن الوقف حصل على الفقراء للحال لأن
هذا الوقف وصية بالغلة للوارث فإذا لم يجز
الباقون بطلت الوصية للوارث فبقي هذا وقفا على
الفقراء. فأما إذا أجاز الورثة قيل تكون حصة
الوقف للفقراء للحال وقيل مقدار الثلث للفقراء
وما وراء الثلث للموقوف عليه ما دام حيا فإذا
مات رجع إلى الورثة.
والثالث لو وقف على المحتاجين من ولده ونسله
ثم على الفقراء فإن كان الأولاد والنسل كلهم
أغنياء فالغلة للفقراء وإن كانوا كلهم فقراء
أو كان في كل فريق بعضهم فقراء فإنه تقسم
الغلة بينهم وبين فقراء الفريقين بالسوية فما
أصاب الفقراء من أولاد الصلب قسم بين الأغنياء
والفقراء على فرائض الله تعالى وما أصاب
الفقراء من النسل قسم بينهم بالسوية دون
الأغنياء منهم وإن كان أولاد الصلب كلهم
أغنياء ونسله فقراء فالغلة كلها للنسل بينهم
بالسوية. وإن كان ذلك على العكس أو بعض أولاد
الصلب فقراء فالغلة كلها لأولاد الصلب تقسم
بينهم على فرائض الله تعالى لأن ما أصاب النسل
أصابوه على سبيل الوصية لأنهم لا يكونوا ورثة
فيكون بينهم بالسوية وما أصاب الأولاد بطريق
الإرث إذ "لا وصية للوارث" فيكون بينهم على
قدر مواريثهم.
والرابع لو أوصى بأن توقف أرضه بعد موته على
فقراء المسلمين فإن خرجت من الثلث أو لم تخرج
ولكن أجازت الورثة فإنها توقف كلها وإن لم
يجيزوا فمقدار الثلث يوقف اعتبارا للبعض بالكل
وإن خرجت كله من ثلثه وفيها نخل فأثمرت بعد
الموت قبل وقف الأرض دخلت الثمرة في الوقف
لأنها خرجت من أصل مشغول بحق الموقوف عليهم
وإن أثمرت قبل الموت فتلك الثمرة تكون ميراثا.
ا هـ. وتمامه في الإسعاف مع بيان حكم إقرار
المريض بالوقف.
قوله "ولا يتم حتى يقبض ويفرز ويجعل آخره لجهة
لا تنقطع" بيان لشرائطه الخاصة على قول محمد
وقد مشى المؤلف أولا على قول أبي حنيفة من عدم
لزومه إلا بالقضاء وثانيا
ج / 5 ص -313-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الشرائط على قول محمد وهو مما لا ينبغي لأن
الفتوى على قولهما في لزومه بلا قضاء كما
قدمنا وإذا لزم عندهما فإنه يلزم بمجرد القول
عند أبي يوسف بمنزلة الإعتاق بجامع إسقاط
الملك وعند محمد لا بد من التسليم إلى المتولي
والإفراز والتأبيد.
أما الأول فلأن حق الله تعالى إنما يثبت فيه
في ضمن التسليم إلى العبد لأن التمليك إلى
الله تعالى وهو مالك الأشياء لا يتحقق مقصودا
وقد يكون تبعا لغيره فيأخذ حكمه فينزل منزلة
الزكاة والصدقة فلو قال هذه الشجرة للمسجد لا
تكون له ما لم يسلمها إلى قيم المسجد عند محمد
خلافا لأبي يوسف وفي الخلاصة ومشايخ بلخ يفتون
بقول أبي يوسف. وقال الصدر الشهيد والفتوى على
قول محمد وفي شرح المجمع أكثر فقهاء الأمصار
أخذوا بقول محمد والفتوى عليه وفي فتح القدير
وقول أبي يوسف أوجه عند المحققين وفي المنية
الفتوى على قول أبي يوسف وهذا قول مشايخ بلخ
وأما البخاريون فأخذوا بقول محمد وفي المبسوط
كان القاضي أبو عاصم يقول قول أبي يوسف من حيث
المعنى أقوى إلا أنه قال وقول محمد أقرب إلى
موافقة الآثار يعني ما روي أن عمر رضي الله
عنه جعل وقفه في يد حفصة وغير ذلك ورده في
المبسوط بأنه لا يلزم كونه ليتم الوقف بل
لشغله وخوف التقصير إلى آخره وفي البزازية
والإمام الثاني في قوله الأول ضيق ثم وسع كل
التوسع حتى قال يتم بقوله وقفت ومشايخ خوارزم
أخذوا بقوله على ما حكاه نجم الزاهد في شرحه
للمختصر1 ومحمد توسط وبقوله أخذ عامة المشايخ
على ما حكاه في الفتاوى ا هـ.
فالحاصل أن الترجيح قد اختلف والأخذ بقول أبي
يوسف أحوط وأسهل ولذا قال في المحيط ومشايخنا
أخذوا بقول أبي يوسف ترغيبا للناس في الوقف
ويبتني على هذا الخلاف مسائل:
الأولى لو عزل الواقف القيم وأخرجه إلى غيره
بلا شرط أن له ذلك قال محمد لا ينعزل والولاية
للقيم.
الثانية لو مات وله وصي فلا ولاية لوصيه
والولاية للقيم.
الثالثة لو تولاه الواقف بنفسه لا يملك ذلك
وقال أبو يوسف الولاية للواقف وله أن يعزل
القيم في حياته ويولي غيره أو يرد النظر إلى
نفسه وإذا مات الواقف بطل ولاية القيم عنده
لأنه بمنزلة وكيله وأما إذا جعله قيما في
حياته وبعد موته فإنه لا ينعزل بموته اتفاقا
وكذا لو شرط الولاية في عزل القوام والاستبدال
بهم لنفسه أو لأولاده وأخرجه من يده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو نجم الديين مختار بن محمود الزاهدي
وتقدمت ترجمته.
ج / 5 ص -314-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسلمه إلى المتولي فإنه جائز اتفاقا نص عليه
في السير الكبير لأن هذا شرط لا يخل بشرائط
الواقف.
وفي الخلاصة إذا شرط الواقف أن يكون هو
المتولي فعند أبي يوسف الوقف والشرط كلاهما
صحيحان وعند محمد وهلال الوقف والشرط باطلان.
ا هـ. وسيأتي آخر الباب ما يتعلق بالمتولي
نصبا وتصرفا.
وأما الثاني أعني اشتراط الإفراز فقد علمت أنه
قول محمد فلا يجوز وقف المشاع وقال أبو يوسف
هو جائز وهو مبني على الشرط الأول لأن القسمة
من تمام القبض فمن شرطه لم يجوز وقف المشاع
ومن لم يشترطه جوزه والخلاف فيما يحتمل القسمة
أما ما لا يحتمل القسمة فهو جائز اتفاقا
اعتبارا عند محمد بالهبة والصدقة المنفذة إلا
في المسجد والمقبرة فإنه لا يتم الشيوع فيما
لا يحتمل القسمة عند أبي يوسف أيضا لأن بقاء
الشركة يمنع الخلوص لله تعالى ولأن المهايأة
في هذا في غاية القبح بأن يقبر فيها الموتى
سنة وتزرع سنة ويصلى لله فيه في وقت ويتخذ
إصطبلا في وقت بخلاف الوقف لإمكان الاستغلال.
والحاصل أن وقف المشاع مسجدا أو مقبرة غير
جائز مطلقا اتفاقا وفي غيرهما إن كان مما لا
يحتمل القسمة جاز اتفاقا. والخلاف فيما
يحتملها ومن أخذ بقول أبي يوسف في خروجه بمجرد
اللفظ وهم مشايخ بلخ أخذ بقوله في هذه ومن أخذ
بقول محمد في القبض وهم مشايخ بخارى أخذ بقوله
في وقف المشاع وصرح في الخلاصة من الإجارة
والوقف بأن الفتوى على قول محمد في وقف المشاع
وكذا في البزازية والولوالجية وشرح المجمع
لابن الملك وفي التجنيس وبقوله يفتى وتبعه في
غاية البيان وسيأتي بيان ما إذا قضى بجواره.
وفي الخلاصة وإذا وقف أحد الشريكين نصيبه
المشاع على قول أبي يوسف ثم اقتسما فوقع نصيب
الواقف في موضع لا يجب عليه أن يقفه ثانيا لأن
القسمة تعين الموقوف وإذا أراد الاجتناب عن
الخلاف يقف المقسوم ثانيا ولو كان الأرض له
فوقف نصفها ثم أراد القسمة فالوجه في ذلك أن
يبيع ما بقي ثم يقتسمان وإن لم يبع ورفع إلى
القاضي ليأمر إنسانا بالقسمة معه جاز. كذا في
الخلاصة أيضا وفيها حانوت بين اثنين وقف
أحدهما نصيبه وأراد أن يضرب لوح الوقف على
بابه فمنعه الشريك الآخر ليس له الضرب إلا إذا
أمره القاضي بذلك وهذا قول أبي يوسف أما على
قول محمد فلا يتأتى هذا.
ج / 5 ص -315-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية ولو كانت له أرضون ودور بينه
وبين آخر فوقف نصيبه ثم أراد أن يقاسم شريكه
ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة فإنه
جائز في قياس قول أبي يوسف وهلال وإذا قاسم
الواقف شريكه وبينهما دراهم فإن كان الواقف هو
الذي أعطى الدراهم جاز لأنه في حصة الوقف قاسم
شريكه واشترى أيضا ما لم يقف من نصيب شريكه
فجاز ذلك كله ثم حصة الوقف للواقف وما اشتراه
بالدراهم فذلك له وليس بوقف. ا هـ. ولو وقف
جميع أرضه ثم استحق جزء منه بطل في الباقي عند
محمد لأن الشيوع مقارن كما في الهبة بخلاف ما
إذا رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في
الثلثين بعد موت المريض وقد وهب أو وقف في
مرضه وفي المال ضيق لأن الشيوع في ذلك طارئ
ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي
لعدم الشيوع ولهذا جاز في الابتداء. وعلى هذا
الهبة والصدقة المملوكة كذا في الهداية ولو
كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه
ودفعاها إلى وال يقوم عليها كان ذلك جائزا عند
محمد لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل
المتصدق به ولا شيوع هنا لأن الكل صدقة غاية
الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين والقبض من
الوالي في الكل وجد جملة واحدة فهو كما لو
تصدق بها رجل واحد بخلاف ما لو وقف كل منهما
نصفها شائعا على حدة وجعل لها واليا على حدة
لا يجوز لأنهما صدقتان ولو وقف كل منهما نصيبه
وجعلا الوالي فسلماها إليه جميعا جاز لأن
تمامها بالقبض والقبض يجتمع. كذا في فتح
القدير.
والمشاع غير المقسوم من شاع يشيع شيعا وشيوعا
ومشاعا كذا في القاموس.
وأما الثالث وهو أن يجعل آخره لجهة لا تنقطع
فهو قولهما وقال أبو يوسف إذا سمى فيه جهة
تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء ولو لم يسمهم
لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك
وأنه يتأبد كالعتق وإذا كانت الجهة يتوهم
انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ولهذا كان
التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع و لأبي
يوسف أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وهو
موفر عليه لأن التقرب تارة يكون بالصرف إلى
جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد فصح في
الوجهين وقيل التأبيد شرط بالإجماع إلا عند
أبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد لأن لفظة الوقف
والصدقة منبئة عنه لما بينا أنه إزالة الملك
بدون التمليك كالعتق. ولهذا قال في الكتاب في
بيان قوله وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم
وهذا هو الصحيح وعند محمد ذكر التأبيد شرط لأن
هذا صدقة بالمنفعة وبالغلة وذلك قد يكون موقتا
فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من
التنصيص كذا في الهداية.
والحاصل أن عن أبي يوسف في التأبيد روايتين في
رواية لا بد منه وذكره ليس بشرط
ج / 5 ص -316-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية ولو كانت له أرضون ودور بينه
وبين آخر فوقف نصيبه ثم أراد أن يقاسم شريكه
ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة فإنه
جائز في قياس قول أبي يوسف وهلال وإذا قاسم
الواقف شريكه وبينهما دراهم فإن كان الواقف هو
الذي أعطى الدراهم جاز لأنه في حصة الوقف قاسم
شريكه واشترى أيضا ما لم يقف من نصيب شريكه
فجاز ذلك كله ثم حصة الوقف للواقف وما اشتراه
بالدراهم فذلك له وليس بوقف. ا هـ. ولو وقف
جميع أرضه ثم استحق جزء منه بطل في الباقي عند
محمد لأن الشيوع مقارن كما في الهبة بخلاف ما
إذا رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في
الثلثين بعد موت المريض وقد وهب أو وقف في
مرضه وفي المال ضيق لأن الشيوع في ذلك طارئ
ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي
لعدم الشيوع ولهذا جاز في الابتداء. وعلى هذا
الهبة والصدقة المملوكة كذا في الهداية ولو
كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه
ودفعاها إلى وال يقوم عليها كان ذلك جائزا عند
محمد لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل
المتصدق به ولا شيوع هنا لأن الكل صدقة غاية
الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين والقبض من
الوالي في الكل وجد جملة واحدة فهو كما لو
تصدق بها رجل واحد بخلاف ما لو وقف كل منهما
نصفها شائعا على حدة وجعل لها واليا على حدة
لا يجوز لأنهما صدقتان ولو وقف كل منهما نصيبه
وجعلا الوالي فسلماها إليه جميعا جاز لأن
تمامها بالقبض والقبض يجتمع. كذا في فتح
القدير.
والمشاع غير المقسوم من شاع يشيع شيعا وشيوعا
ومشاعا كذا في القاموس.
وأما الثالث وهو أن يجعل آخره لجهة لا تنقطع
فهو قولهما وقال أبو يوسف إذا سمى فيه جهة
تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء ولو لم يسمهم
لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك
وأنه يتأبد كالعتق وإذا كانت الجهة يتوهم
انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ولهذا كان
التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع و لأبي
يوسف أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وهو
موفر عليه لأن التقرب تارة يكون بالصرف إلى
جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد فصح في
الوجهين وقيل التأبيد شرط بالإجماع إلا عند
أبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد لأن لفظة الوقف
والصدقة منبئة عنه لما بينا أنه إزالة الملك
بدون التمليك كالعتق. ولهذا قال في الكتاب في
بيان قوله وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم
وهذا هو الصحيح وعند محمد ذكر التأبيد شرط لأن
هذا صدقة بالمنفعة وبالغلة وذلك قد يكون موقتا
فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من
التنصيص كذا في الهداية.
والحاصل أن عن أبي يوسف في التأبيد روايتين في
رواية لا بد منه وذكره ليس بشرط
ج / 5 ص -317-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الفتاوى لو وقف على الجهاد والغزو أو في
أكفان الموتى أو حفر القبور يفتى بالجواز وهذا
على خلاف ما تقدم ولو وقف على أبناء السبيل
يجوز ويصرف إلى فقرائهم وقف على أصحاب الحديث
لا يدخل فيه شفعوي المذهب إذا لم يكن في طلب
الحديث ويدخل الحنفي إذا كان في طلبه. وذكر
بكر أن الوقف على أقرباء سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين يجوز وإن
كان لا يجوز الصدقة عليهم وفي الفتاوى أنه لا
يجوز ولا يصير وقفا لعدم جواز صرف الصدقة لبني
هاشم لكن في جواز الوقف وصدقة النفل عليهم
روايتان الوقف على الصوفية وصوفي خانه لا يجوز
قال شمس الأئمة يجوز على الصوفية. ا هـ.
وفي الإسعاف روي عن محمد أن ما لا يحصى عشرة
وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ عند البعض وقيل
أربعون وقيل ثمانون والفتوى على أنه مفوض إلى
رأي الحاكم ا هـ.
وفي الظهيرية لو وقف على كل مؤذن وإمام في
مسجد معين قال الشيخ إسماعيل الزاهد لا تجوز
لأنها قربة وقعت لغير معين وقد يكونان غنيين
أو فقيرين وإن كان المؤذن فقيرا لا يجوز أيضا
والحيلة أن يقول على كل مؤذن فقير بهذا المسجد
أو المحلة فإذا خرب كان على الفقراء ولو قال
على كل مؤذن فقير لا يجوز للجهالة ولو وقفه
على ولد عبد الله ونسله فلم يقبلوا كانت الغلة
للفقراء ولو حدثت الغلة بعد ذلك فقبلوا كانت
الغلة لهم فإن أخذوها سنة ثم قالوا لا نقبل
فليس لهم ذلك. قال الفقيه أبو جعفر هذا الجواب
يستقيم في حق الغلة المأخوذة لأنها صارت لهم
فلا يملكون الرد أما التي تحدث فلهم الرد لأنه
لا ملك لهم فيها إنما الثابت لهم مجرد الحق
ومجرد الحق يقبل الرد وإن قال أقبل سنة ولا
أقبل فيما سوى ذلك أو على العكس كان الأمر كما
قال ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على عبد
الله فقال عبد الله لا أقبل فالوقف جائز
والغلة للفقراء.
ولو قال صدقة على ولد عبد الله ونسله فأبى رجل
من ولده أن يقبل فالغلة لمن قبل منهم ويجعل من
لم يقبل بمنزلة الميت. هكذا ذكر هلال والخصاف
ولو قال على زيد وعمر ما عاشا ومن بعدهم على
المساكين فقال زيد قبلت وقال عمرو لا أقبل
فلزيد نصف الغلة والنصف الآخر للمساكين وعلى
قياس ما قدمنا ذكره ينبغي أن تكون كل الغلة
لزيد ولكن الفرق
ج / 5 ص -318-
وصح
وقف العقار ببقره وأكرته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهما أن نقول إن فيما تقدم أوجب الوقف باسم
الولد واسم الولد ينتظم الواحد فصاعدا فحاز
الفرد الواحد استحقاق الكل ولا كذلك ما نحن
فيه لأن اسم زيد لا ينتظم المذكورين واسم
المذكورين لا ينتظم زيدا فلا يكون لهذا
استحقاق الكل وتمامه فيها. وفي المحيط لا يجوز
الوقف على الأغنياء وحدهم ولو شرط بعدهم
للفقراء جاز ولو وقف على معين ولم يذكر آخره
للفقراء فهو على ستة الأول هذه صدقة لله أو
موقوفة لله أو صدقة موقوفة لله تعالى صار وقفا
على الفقراء ذكر الأبد أو لا الثاني موقوفة
صدقة على وجوه البر أو الخير أو اليتامى جاز
مؤبدا كالفقراء. والثالث موقوفة على فلان
بعينه أو على ولدي أو فقراء قرابتي لا يصير
وقفا عند محمد ويصح عند أبي يوسف والرابع صدقة
موقوفة على فلان جاز عند الكل الخامس وقف على
المساكين جاز بلا ذكر الأبد السادس على
العمارة لمسجد بعينه ولم يذكر آخره للمساكين
قيل عند محمد لا يجوز وعند أبي يوسف يجوز وقيل
يجوز اتفاقا وهو المختار لمكان العرف ا هـ.
قوله: "وصح وقف العقار ببقره وأكرته" أما
العقار منفردا فلأن جماعة من الصحابة رضي الله
عنهم وقفوه وأما جواز وقف المنقول تبعا للعقار
فإطلاق قول الإمام أنه لا يجوز وقف المنقول
يمنعه كوقفه قصدا وقال أبو يوسف إذا وقف ضيعة
ببقرها وأكرتها وهم عبيده وكذلك في سائر آلات
الحراثة لأنها تبع للأرض في تحصيل ما هو
المقصود. وقد يثبت من الحكم تبعا ما لا يحصل
مقصودا كالشرب في البيع والبناء في الوقف
ومحمد معه فيه لأنه لما جاز إفراد بعض المنقول
بالوقف عنده فلأن يجوز الوقف فيه تبعا أولى
والعقار الأرض مبنية كانت أو غير مبنية. كذا
في فتح القدير.
وفي القاموس العقار الضيعة كالعقرى بالضم
ويدخل الشرب والطريق والمسيل والشجر والبناء
في وقف الأرض بلا ذكر ولا يدخل الزرع
والرياحين والخلاف والآس والثمر والبقل
والطرفاء وما في الأجمة من حطب والورد
والياسمين وورق الحناء والقطن والباذنجان.
وأما الأصول التي تبقى والشجر الذي لا يقطع
إلا بعد عامين أو أكثر فإنها تدخل تبعا والبقر
والعبيد بلا ذكر ولا تدخل الأشجار العظام
والأبنية فيما إذا جعل أرضه أو داره مقبرة
وتكون له ولورثته من بعده ولد وقف أرضه
بحقوقها وجميع ما فيها ومنها وعلى الشجرة ثمرة
قائمة يوم الوقف. قال هلال في القياس تكون
الثمرة له ولا تدخل في الوقف وفي الاستحسان
يلزمه التصدق بها على الفقراء على وجه النذر
لا على وجه الوقف ولو وقف دارا بجميع ما فيها
وفيها حمامات يطرن أو بيتا وفيها كورات عسل
يدخل الحمام والنحل تبعا
ج / 5 ص -319-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للدار والعسل كذا في الإسعاف. والحاصل أن
الوقف كالبيع لا يدخل فيهما الزرع والثمر إلا
بالذكر وفي الإقرار بأرض في يده لرجل وفيها
ثمرة قائمة كانت الثمرة للمقر له بالأرض إذا
كانت متصلة بالأرض وفي الهبة قال هلال لا تدخل
الثمرة في الهبة والهبة باطلة لمكان الشيوع.
وقال أبو جعفر هذا الحكم في الهبة إنما عرف
بقول هلال ليس فيها رواية ظاهرة عن أصحابنا
وفي رهن الأرض يدخل الشجر والكرم والبناء
والزرع والثمر في قول أصحابنا ويجوز الرهن كذا
في الخانية وفيها لو وقفها بحقوقها فالثمرة
التي تكون على الأشجار تدخل في الوقف وفي
البيع لا تدخل ولو قال بكل قليل وكثير تدخل في
البيع ا هـ.
وفي الظهيرية وقصب السكر لا يدخل وشجر الورد
والياسمين يدخل والرحى تدخل في وقف الضيعة
ورحى الماء ورحى اليد في ذلك سواء وكذلك
الدواليب تدخل والدوالي لا تدخل وفي وقف
الحمام تدخل قدور الحمام وفي وقف الحانوت يدخل
ما كان يدخل في بيعها وخوابي الدباسين وقدور
الدباغين لا تدخل سواء كانت في البناء أو لم
تكن ا هـ. وفي المحيط وقف أرضا فيها أشجار
واستثنى الأشجار لا يجوز الوقف لأنه صار
مستثنيا للأشجار بمواضعها فيصير الداخل تحت
الوقف مجهولا. ا هـ. والأكرة بفتح الهمزة
والكاف الحراثون من أكرت الأرض حرثتها واسم
الفاعل أكار للمبالغة والجمع أكرة كأنه جمع
آكر وزان كفرة جمع كافر كذا في المصباح وفي
العناية الأكرة جمع أكار وهو الزراع كأنها جمع
آكر تقديرا ولم يشترط المصنف لصحة وقف العقار
تحديده وإنما الشرط كون الموقوف معلوما ولذا
قال في الخلاصة ولو قالا أشهدنا على أرضه أنه
وقفها وهو فيها ولم يذكر لنا حدودها جازت
شهادتهما لأنهما شهدا على وقف أرض بعينها إلا
أنهما لا يعرفان جيران الحدود فلم يتمكن الخلل
في شهادتهما ولو شهدا على أن الواقف وقف أرضه
وذكر حدودها ولكنا لا نعرف تلك الأرض في أنها
في أي مكان جازت شهادتهما ويكلف المدعي إقامة
البينة أن الأرض التي يدعيها هذه الأرض ولو
شهدا أنه وقف أرضه ولم يحددها لنا ولكنا نعرف
أرضه لا تقبل شهادتهما لعل للواقف أرضا أخرى
وكذا لو قالا لا نعرف له أرضا أخرى لا تقبل
شهادتهما لعل للواقف أرضا أخرى وهما لا
يعلمان. ا هـ. وظاهر ما في فتح القدير اشتراط
تحديدها فإنه قال إذا كانت الدار مشهورة
معروفة صح وقفها وإن لم تحدد استغناء بشهرتها
عن تحديدها. ا هـ. ولا يخفى ما فيه إنما ذلك
الشرط لقبول
ج / 5 ص -320-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهادة بوقفيتها كما قدمناه وفي القنية وقف
ضيعة يذكر حدود المستثنيات من المقابر
والطرقات والمساجد والحياض العامة ثم رقم أنه
لا بد من ذكر الحدود إن أمكن ثم رقم بأنه لا
يصح الوقف بدون التحديد ا هـ.
وفي فتح القدير وقف عقارا على مسجد أو مدرسة
هيأ مكانا لبنائها قبل أن يبنيها اختلف
المتأخرون والصحيح الجواز وتصرف غلتها إلى
الفقراء إلى أن تبنى فإذا بنيت ردت إليها
الغلة أخذا من الوقف على أولاد فلان ولا أولاد
له حكموا بصحته وتصرف غلته إلى الفقراء إلى أن
يولد لفلان ا هـ. وقد أفاد المصنف أن العبيد
يصح وقفهم تبعا للضيعة ولم يذكر أحكامهم في
البقاء من التزويج والجناية وغيرهما وحكمهم
على العموم حكم الأرقاء فليس له أن يزوج بنته
بلا إذن وفي البزازية ولو زوج الحاكم جارية
الوقف جاز وعبده لا يجوز ولو من أمة الوقف
لأنه يلزمه المهر والنفقة ا هـ. وظاهره أن
المتولي لا يملكه إلا بإذن القاضي ولا فرق بين
القاضي والسلطان كما في الخلاصة وفي الإسعاف
وإن جنى أحد منهم جناية فعلى المتولي ما هو
الأصلح من الدفع أو الفداء ولو فداه بأكثر من
أرش الجناية كان متطوعا في الزائد فيضمنه من
ماله وإن فداه أهل الوقف كانوا متطوعين ويبقى
العبد على ما كان عليه من العمل في الصدقة. ا
هـ. وفي البزازية وجناية عبد الوقف في مال
الوقف وأما حكم الجناية عليه ففي البزازية قتل
عبد الوقف عمدا لا قصاص عليه. ا هـ. ولا يخفى
أنه إذا لم يجب القصاص تجب قيمته كما لو قتل
خطأ ويشتري به المتولي عبدا ويصير وقفا كما لو
قتل المدبر خطأ وأخذ المولى قيمته فإنه يشتري
بها عبدا ويصير مدبرا وقد صرح به في الذخيرة
معزيا إلى الخصاف وأما نفقته فمن مال الوقف
وإن لم يشترطه الواقف وفي الإسعاف لو شرط
نفقتهم من غلتها ثم مرض بعضهم يستحق النفقة إن
قال على أن يجري عليهم نفقاتهم من غلتها أبدا
ما كانوا أحياء وإن قال لعملهم فيها لا يجري
شيء من الغلة على من تعطل منهم عن العمل ولو
باع العاجز واشترى بثمنه عبدا مكانه جاز. ا
هـ. وقول المصنف أكرته دون عبيده فيه دليل على
أن العبيد إنما يصح وقفهم تبعا لضيعة لأجل
زراعتها وكذا قوله في الهداية لأنه تبع للأرض
في تحصيل ما هو المقصود يدل على أنه لو وقف
دارا فيها عبد وجعل العبد تبعا لها لا يصح
لأنه لا يصلح للتبعية لأن المقصود من الدار
سكناها وهو يحصل بدون العبد بخلاف زراعة الأرض
لا يحصل إلا بالحراثة وأما وقف العبيد تبعا
للمدرسة والرباط فسيأتي أن بعض
ج / 5 ص -321-
ومشاع
قضى بجوازه. ومنقول فيه تعامل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشايخ جوزه وفي الولوالجية رباط كثرت دوابه
وعظمت مؤناتها هل للقيم أن يبيع شيئا منها
وينفق ثمنها في علفها أو مرمة الرباط فهذا على
وجهين إن صارت البعض منها إلى حد لا يصلح لما
ربط له كذلك لأنه لا يمكنه إمساكها وحفظها وإن
لم تصر بهذه الحالة ليس له ذلك إلا أنه يمسك
في هذا الرباط مقدار ما يحتاج إليها ويربط ما
زاد على ذلك في أدنى الرباط. ا هـ.
قوله "ومشاع قضى بجوازه" أي وصح وقف المشاع
إذا قضى بصحته لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه ولا
خلاف فيه وإنما الخلاف فيما يحتمل القسمة قبل
القضاء أطلق القاضي فشمل الحنفي وغيره فإن
للحنفي المقلد أن يحكم بصحة وقف المشاع
وببطلانه لاختلاف الترجيح وإذا كان في المسألة
قولان مصححان فإنه يجوز القضاء والإفتاء
بأحدهما كما صرحوا به.
قوله "ومنقول فيه تعامل" أي وصح وقف المنقول
مقصودا إذا تعامل الناس وقفه وأما الكراع
والسلاح فلا خلاف فيه بين الشيخين وهو استحسان
والقياس أن لا يجوز لما بينا من قبل من أن
التأبيد شرط وهو لا يتحقق فيه وجه الاستحسان
الآثار المشهورة فيه منها قوله عليه السلام
"فأما خالد فقد حبس أدرعا له في سبيل الله
تعالى1" وطلحة حبس
أدرعا له في سبيل الله تعالى"2
ويروى
"كراعه"
وفي المجتبى والمراد من الكراع الخيل والحمير
والبغال والإبل والثيران التي يحمل عليها
والمراد من السلاح ما يستعمل في الحرب ويكون
معدا للقتال. ا هـ. وفي المصباح درع الحديد
مؤنثة في الأكثر ويصغر على دريع بغير هاء على
قياس ويجوز أن يكون التصغير على لغة من ذكر
وربما قيل دريعة بالهاء وجمعها أدرع ودروع
وأدراع قال ابن الأثير هي الزردية ذكره في
الدال المهملة وأما ما سوى الكراع والسلاح
فعند أبي يوسف لا يجوز وقفه لأن القياس إنما
يترك بالنص والنص ورد فيهما فيقتصر عليه وقال
محمد يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات
واختاره أكثر فقهاء الأمصار وهو الصحيح كما في
الإسعاف وهو قول عامة المشايخ كما في الظهيرية
لأن القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع
وقد حكى في المجتبى هذا الخلاف في المنقول على
خلاف هذا وعزاه إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب قوله تعالى
{وَفِي الرِّقَابِ} "1468" ومسلم كتاب الزكاة
باب تعجيل الزكاة "983" وأبو داود كتاب
الزكتاة باب في تعجيل الزكاة "1623" وابن حبان
في صحيحه "3273".
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/479" وقال:
غريب جدا.
ج / 5 ص -322-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السير فنقل قول محمد بجوازه مطلقا جرى التعارف
به أو لا وقول أبي يوسف بجوازه إن جرى فيه
تعامل ا هـ. ومثل في الهداية ما فيه تعامل
بالفأس والمر والمنشار والجنازة وثيابها
والقدور والمراجل والمصاحف قال وعن نصير بن
يحيى أنه وقف كتبه إلحاقا لها بالمصاحف وهذا
صحيح لأن كل واحد يمسك للدين تعليما وتعلما
وقراءة. ا هـ. وجوز الفقيه أبو الليث وقف
الكتب وعليه الفتوى كذا في النهاية ولم يجوزه
محمد بن سلمة وهو ضعيف.
وفي الخلاصة إذا وقف مصحفا على أهل مسجد
لقراءة القرآن إن كانوا يحصون جاز وإن وقف على
المسجد جاز ويقرأ في ذلك المسجد وفي موضع آخر
ولا يكون مقصورا على هذا المسجد. ا هـ. وذكر
في التحرير في بحث الحقيقة التعامل هو الأكثر
استعمالا فلذا اقتصر الإمام محمد على هذه
الأشياء فخرج ما لا تعامل فيه كالثياب
والحيوان والذهب والفضة ولو حليا لأن الوقف
فيه لا يتأبد ولا بد منه بخلاف الكراع والسلاح
لورود النص بهما وما ذكرناه للتعامل فبقي ما
عدا ذلك على أصل القياس. وقد زاد بعض المشايخ
أشياء من المنقول على ما قاله محمد لما رأوا
من جريان التعامل بها ففي الخلاصة وقف بقرة
على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء
السبيل قال إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في
أوقافهم رجوت أن يكون ذلك جائزا وعن الأنصاري
وكان من أصحاب زفر في من وقف الدراهم أو
الدنانير أو الطعام أو ما يكال أو يوزن أيجوز
قال نعم قيل وكيف قال تدفع الدراهم مضاربة ثم
يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال
وما يوزن يباع ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة قال
فعلى هذا القياس إذا وقف هذا الكر من الحنطة
على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم
ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر
القرض ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبدا على هذا
السبيل يجب أن يكون جائزا قال ومثل هذا كثير
في الري1 وناحية دوبناوند2 والأكسية أسترة
الموتى إذا وقفت صدقة أبدا جاز وتدفع الأكسية
للفقراء فينتفعون بها في أوقات لبسها ولو وقف
ثورا لإنزاء بقرهم لا يصح ثم إذا عرف جواز وقف
الفرس والجمل في سبيل الله تعالى. فلو وقفه
على أن يمسكه ما دام حيا إن أمسكه للجهاد له
ذلك لأنه لو لم يشترط كان له ذلك لأن لجاعل
فرس السبيل أن يجاهد عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الري: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام
المدن, كثيرة الفواكه والخيرات بينها وبين
نيسابور مائة وستون فرسسخا وهي مدينة طولها
خمس وثمانون درجة, وعرضها سبع وثلاثون درجة
وست وثلاثون دقسقة ا هـ معجم البلدان "3/116".
2 وهي كور الري بينها وبين طبرستان فيها فواكه
وبساتين وعدة قرى عامرة وعيون كثيرة وهي بين
جبال ا هـ معجم البلدان "2/436".
ج / 5 ص -323-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا أراد أن ينتفع به في غير ذلك ليس له ذلك
وصح جعله للسبيل يعني يبطل الشرط ويصح وقفه
ولا يؤاجر فرس السبيل إلا إذا احتيج إلى نفقته
فيؤاجر بقدر ما ينفق عليه قال في الخلاصة وهذا
دليل على أن المسجد إذا احتاج إلى نفقته تؤاجر
قطعة منه بقدر ما ينفق عليه ا هـ. وهذا عندي
غير صحيح لأنه يعود إلى القبح الذي لأجله
استثنى أبو يوسف المسجد من وقف المشاع وهو أن
يتخذ مسجدا يصلى فيه عاما وإصطبلا تربط فيه
الدواب عاما ولو قال إنما يؤجر لغير ذلك فنقول
غاية ما يكون للسكنى ويستلزم جواز المجامعة
فيه وإقامة الحائض والجنب فيه ولو قال لا
يؤاجر لذلك فكل عمل يؤاجر له تغيير أحكامه
الشرعية ولا شك أن باحتياجه إلى النفقة لا
تتغير أحكامه الشرعية ولا يخرج به عن أن يكون
مسجدا نعم إن خرب ما حوله واستغنى عنه فحينئذ
لا يصير مسجدا عند محمد خلافا لأبي يوسف وأما
إذا لم يكن كذلك فتجب عمارته في بيت المال
لأنه من حاجة المسلمين وفي الخلاصة أيضا يجوز
وقف الغلمان والجواري على مصالح الرباط كذا في
فتح القدير ولم يذكر وقف السفينة ولم أر من
صرح بها ولا شك في دخولها تحت المنقول الذي لا
تعامل فيه فلا يجوز وقفها وقد وقف بعضهم سفينة
على مقام الشافعي فسألني عنه فأجبت بعدم الصحة
بناء على هذا وفي الظهيرية وقف بستانا بما فيه
من البقر والغنم والرقيق يجوز ولو وقف دابة
على رباط فخرب الرباط واستغنى الناس عنه فإنها
تربط في أقرب الرباطات إليه. وفي القنية وقف
الأدوية بالتيمارخانة1 لا يجوز إذ لم يذكر
الفقراء بقي مسألتان الأولى وقف البناء بدون
الأرض فجزم هلال بعدم الجواز ونقله في الخانية
عن الأصل ثم قال ولا يجوز وقف البناء في أرض
هي عارية أو إجارة وإن كانت ملكا لواقف البناء
جاز عند البعض وعن محمد إذا كان البناء في أرض
وقف جاز على الجهة التي تكون الأرض وقفا
عليها. ا هـ. ويستثنى من الإجارة ما ذكر
الخصاف من أن الأرض إذا كانت متقررة للاحتكار
فإنه يجوز.
والحاصل أن في وقف البناء وحده اختلافا إذا لم
يكن موقوفا على الجهة التي وقفت الأرض عليها
لما في الظهيرية إذا كان أصل البقعة وقفا على
جهة قربة فبنى عليها بناء ووقفه على جهة أخرى
اختلفوا فيه وأما إذا وقفه على الجهة التي
كانت البقعة وقفا عليها جاز اتفاقا تبعا
للبقعة. ا هـ. وفي الذخيرة وقف البناء من غير
وقف الأصل لم يجز وهو الصحيح لأنه منقول وقفه
غير متعارف وإذا كان أصل البقعة موقوفا على
جهة قربة فبنى عليها بناء ووقف بناءها على جهة
قربة أخرى اختلفوا فيه ا هـ. وظاهره أن الصحيح
عدم الجواز مطلقا وقد نقلنا الاتفاق فيما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي كلمة تركية عثمانية ولعل المراد بها
الصيدلية. والله أعلم.
ج / 5 ص -324-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كانت الأرض وقفا ووقف البناء على تلك
الجهة فبقي ما عدا هذه الصورة داخلا تحت
الصحيح وهو شامل لما إذا كانت الأرض وقفا على
جهة أخرى وقصره الطرسوسي في أنفع الوسائل على
ما إذا كانت الأرض ملكا وليس بظاهر واستخرج
الطرسوسي جواز وقف بناء وضعه صاحبه على أرض
وقف استأجرها ولو كان على جهة أخرى وكذا لو
بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجدا ووقفه
لله تعالى أنه يجوز قال وإذا جاز فعلى من يكون
حكره الظاهر أنه يكون على المستأجر ما دامت
المدة باقية فإذا انقضت ينبغي أن يكون في بيت
المال. ا هـ. وفي البزازية وقف البناء بدون
الأرض لم يجوزه هلال وهو الصحيح وعمل أئمة
خوارزم على خلافه. ا هـ. وفي المجتبى لا يجوز
وقف البناء بدون الأصل وهو المختار. ا هـ. وفي
الفتاوى السراجية سئل هل يجوز وقف البناء
والغرس دون الأرض أجاب الفتوى على صحة ذلك. ا
هـ. وظاهره أنه لا فرق بين أن تكون الأرض ملكا
أو وقفا وفي القنية من كتاب الإجارات يفتى
برواية جواز استئجار البناء إذا كان منتفعا به
كالجدران مع السقف وفي ظاهر الرواية لا يجوز
لأنه لا ينتفع بالبناء وحده ا هـ. وأما الحكر
فقال المقريزي في الخطط1 أن أصله المنع فقول
أهل مصر حكر فلان يعنون به منع غيره من البناء
ا هـ. الثانية: وقف الشجر قال في الظهيرية
وإذا غرس شجرة ووقفها إن غرسها في أرض غير
موقوفة لا يخلو إما أن يقفها بموضعها من الأرض
أو لا فإن وقفها بموضعها من الأرض صح تبعا
للأرض بحكم الاتصال وإن وقفها دون أصلها لا
يصح وإن كانت في أرض موقوفة فوقفها على تلك
الجهة جاز كما في البناء وإن وقفها على جهة
أخرى فعلى الاختلاف الذي ذكرناه آنفا. ا هـ.
وفي المحيط رجل غرس في المسجد يكون للمسجد
لأنه بمنزلة البناء بالمسجد وكذا لو بنى في
أرض الوقف أو نصب فيها بابا فإن نوى عند
البناء أنه بنى للوقف يصير وقفا لأنه جعله
وقفا ووقف البناء تبعا لغيره يجوز وإن لم ينو
ذلك لا يصير وقفا لأنه لم يجعله وقفا ولو غرس
في أرض موقوفة على الرباط ينظر إن تولى الغارس
تعاهد الأرض الموقوفة فالأشجار للوقف لأن هذا
من جملة التعاهد وإن لم يتول فهي للغارس وعليه
قلعها لأنه ليس له هذه الولاية ولو غرس على
طريق العامة أو على شط نهر العامة أو على شط
حوض القرية فالشجرة للغارس وله قلعها لأنه ليس
له ولاية على العامة. ا هـ. وفي الخانية لو
غرس الواقف للأرض شجرا فيها قالوا إن غرس من
غلة الوقف أو من مال نفسه لكن ذكر أنه غرس
للوقف يكون للوقف وإن لم يذكر شيئا وقد غرس من
مال نفسه يكون له ولورثته من بعده ولا يكون
وقفا وإذا صح وقف الشجرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو لتقي الدين أحمد بن القادر المقريزي,
المتوفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة, واسمه
"المواعظ والاعتبار ذكر الخطط والآثار" ا هـ
كشف الظنون "1/716".
ج / 5 ص -325-
ولا يملك الوقف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبعا لأصلها فإن كان ينتفع بأوراقها وأثمارها
فإنه لا يقطع أصلها إلا أن تفسد أغصانها ولو
كان لا ينتفع بأوراقها ولا بأثمارها فإنه يقطع
ويتصدق بها مسجد فيه شجرة التفاح قال بعضهم
يباح للقوم أن يفطروا بهذا التفاح والصحيح أنه
لا يباح لأن ذلك صار وقفا للمسجد يصرف إلى
عمارته.
شجرة على طريق المارة جعلت وقفا على المارة
يباح تناول ثمرها للمارة ويستوي فيه الفقير
والغني ولو كانت الثمار على أشجار رباط المارة
قال أبو القاسم أرجو أن يكون النزال في سعة من
تناولها إلا أن يعلم أن غارسها جعلها للفقراء
قال الفقيه أبو الليث إذا لم يكن الرجل من
ساكني الرباط فالأحوط له أن يحترز من تناولها
إلا أن تكون ثمارا لا قيمة لها كالتوت. ا هـ.
وقد وقعت حادثة هي أن المستأجر للدار الموقوفة
المشتملة على الأشجار هل له أن يأكل من ثمارها
إذا لم يعلم شرط الواقف فيها وفي الحاوي وما
غرس في المساجد من الأشجار المثمرة إن غرس
للسبيل وهو الوقف على العامة كان لكل من دخل
المسجد من المسلمين أن يأكل منها وإن غرس
للمسجد لا يجوز صرفها إلا إلى مصالح المسجد
الأهم فالأهم كسائر الوقف وكذا إن لم يعلم غرض
الغارس. ا هـ. ومقتضاه في البيت الموقوف إذا
لم يعرف الشرط أن يأخذها المتولي ليبيعها
ويصرفها في مصالح الوقف ولا يجوز للمستأجر
الأكل منها وفي القنية يجوز للمستأجرين غرس
الأشجار والكروم في الأراضي الموقوفة إذا لم
يضر بالأرض بدون صريح الإذن من المتولي دون
حفر الحياض وإنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد
الوقف به خيرا قال مصنفها قلت: وهذا إذا لم
يكن لهم حق قرار العمارة فيها أما إذا كان لا
يحرم الحفر والغرس لوجود الإذن في مثلها. ا
هـ.
وفي فتح القدير وسئل أبو القاسم الصفار عن
شجرة وقف يبس بعضها وبقي بعضها فقال ما يبس
منها فسبيله سبيل غلتها وما بقي متروك على
حالها. ا هـ. وفي البزازية وقال الفضلي وبيع
الأشجار الموقوفة مع الأرض لا يجوز قبل القلع
كبيع الأرض وقال أيضا إن لم تكن مثمرة يجوز
بيعها قبل القلع أيضا لأنه غلتها والمثمرة لا
تباع إلا بعد القلع كبناء الوقف ا هـ.
قوله "ولا يملك الوقف" بإجماع الفقهاء كما
نقله في فتح القدير ولقوله عليه السلام لعمر
رضي الله عنه
"تصدق بأصلها
لا تباع ولا تورث"1 ولأنه باللزوم خرج عن ملك الواقف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب ما للوصي أن
يعمل في مال اليتيم زما يأكل منه بقدر عمالته
"2763" من حديث ابن
عمر.............................==
ج / 5 ص -326-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبلا ملك لا يتمكن من البيع أفاد بمنع تمليكه
وتملكه منع رهنه فلا يجوز للمتولي رهنه قال في
الخانية المتولي إذا رهن أرض الوقف بدين لا
يصح وكذلك أهل الجماعة إذا رهنوا فإن سكن
المرتهن الدار قال بعضهم عليه أجر المثل سواء
كانت الدار معدة للاستغلال أو لم تكن نظرا
للوقف وكذلك متولي المسجد إذا باع منزلا
موقوفا على المسجد فسكنها المشتري ثم عزل هذا
المتولي وولي غيره فادعى الثاني المنزل على
المشتري وأبطل القاضي بيع المتولي وسلم الدار
إلى المتولي الثاني فعلى المشتري أجر المثل. ا
هـ. ولا فرق بين أن يكون البائع المتولي أو
غيره بل وجوب أجر المثل فيما إذا باعه غير
المتولي بالأولى وذكر في القنية أنه لا يجب
وهو ضعيف لأنه وإن سكن بتأويل الملك يجب أجر
المثل مراعاة للوقف وفي القنية سكنها ثم بان
أنها وقف أو لصغير يجب أجر المثل بخلاف ما مر.
وفي المحيط فإن هدم المشتري البناء فالقاضي
بالخيار إن شاء ضمن البائع قيمة البناء وإن
شاء ضمن المشتري فإن ضمن البائع نفذ بيعه لأنه
ملكه بالضمان فصار كأنه باع ملك نفسه وإن ضمن
المشتري لا ينفذ البيع ويملك المشتري البناء
بالضمان ويكون الضمان للوقف لا للموقوف عليهم.
ا هـ. فإن قلت: قال في الخلاصة وفي فوائد شمس
الإسلام1 الواقف إذا افتقر واحتاج إلى الوقف
يرفع الأمر إلى القاضي حتى يفسخ إن لم يكن
مسجلا. ا هـ.
وفي البزازية والخلاصة ولو وقف محدودا ثم باعه
وكتب القاضي شهادته في صك البيع وكتب في الصك
باع فلان منزل كذا أو كان كتب وأقر البائع
بالبيع لا يكون حكما بصحة البيع ونقض الوقف
ولو كتب باع بيعا جائزا صحيحا كان حكما بصحة
البيع وبطلان الوقف وإذا أطلق الحاكم وأجاز
بيع وقف غير مسجل إن أطلق ذلك للوارث كان حكما
بصحة بيع الوقف وإن أطلقه لغير الوارث لا يكون
ذلك نقضا للوقف أما إذا بيع الوقف وحكم بصحته
قاض كان حكما ببطلان الوقف. ا هـ.
وفي القنية وقف قديم لا يعرف صحته ولا فساده
باعه الموقوف عليه لضرورة وقضى القاضي بصحة
البيع ينفذ إذا كان وارث الواقف ثم رقم: باعه
الوارث لضرورة فالبيع باطل ولو قضى القاضي
بصحته ولا يفتح هذا الباب. ا هـ.
قلت: إنه في وقف لم يحكم بصحته ولزومه بدليل
قوله في الخلاصة إن لم يكن مسجلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ومسلم كتاب الوصية باب الوقف "1632" وأبو
داود كتاب الوصايا باب ما جاء في الرجل يوقف
الوقف "2878" وابن حبان في صحيحه "1901".
1 وهي فوائد شمس الإسلام الأوزجندي ا هـ كشف
الظنون "2/1298".
ج / 5 ص -327-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي محكوما به ومع ذلك الحمل أيضا فهو على قول
الإمام المرجوح وعلى قولهما الراجح المفتى به
لا يجوز بيعه قبل الحكم بلزومه لا للوارث ولا
لغيره ولو قضى قاض بصحة بيعه فإن كان حنفيا
مقلدا فحكمه باطل لأنه لا يصح إلا بالصحيح
المفتى به فهو معزول بالنسبة إلى القول الضعيف
ولذا قال في القنية تفريعا على الصحيح فالبيع
باطل ولو قضى القاضي بصحته وقد أفتى به
العلامة قاسم وأما ما أفتى به العلامة سراج
الدين قارئ الهداية من صحة الحكم ببيعه قبل
الحكم بوقفه فمحمول على أن القاضي مجتهد أو
سهو منه وظاهر قول المصنف وأصحاب المتون
والهداية أنه لا يجوز استبداله ولو خرب وأنه
لا يعود ملكا للواقف ولا لورثته لعدم
استثنائهم شيئا من قولهم لا يملك وظاهر قولهم
أن الوقف لا يملك ولا يباع يقتضي أن الوقفية
لا تبطل بالخراب ولا تعود إلى ملك الواقف
ووارثه وأنه لا يجوز الاستبدال ولذا قال
الإمام قاضي خان ولو كان الوقف مرسلا لم يذكر
فيه شرط الاستبدال لم يكن له أن يبيعها
ويستبدل بها وإن كانت أرض الوقف سبخة لا ينتفع
بها لأن سبيل الوقف أن يكون مؤبدا لا يباع
وإنما تثبت ولاية الاستبدال بالشرط وبدون
الشرط لا تثبت فهو كالبيع المطلق عن شرط
الخيار لا يملك المشتري رده وإن لحقه في ذلك
غبن ا هـ.
وفي الخلاصة وفي فتاوى النسفي بيع عقار المسجد
لمصلحة المسجد لا يجوز وإن كان بأمر القاضي
وإن كان خرابا فأما بيع النقض فيصح ونقل عن
شمس الأئمة الحلواني أنه يجوز للقاضي وللمتولي
أن يبيعه ويشتري مكانه آخر وإن لم ينقطع ولكن
يؤخذ بثمنه ما هو خير منه للمسجد لا يباع وقد
روي عن محمد إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن
الاستغلال والقيم يجد بثمنها أخرى هي أكثر
ريعا. كان له أن يبيعها ويشتري بثمنها ما هو
أكثر ريعا.
وفي الفتاوى قيم وقف خاف من السلطان أو من
وارث يغلب على أرض وقف يبيعها ويتصدق بثمنها
وكذا كل قيم إذا خاف شيئا من ذلك له أن يبيع
ويتصدق بثمنها قال الصدر الشهيد والفتوى على
أنه لا يبيع وما يوافق هذا ما روى الإمام
السرخسي في السير الكبير في بابي الأسير في
الدفتر الثاني ذكر مسألة ثم قال وبهذا تبين
خطأ من يجوز استبدال الوقف والشيخ الإمام ظهير
الدين كان يفتي بجواز الاستبدال ثم رجع ا هـ.
ما في الخلاصة وفي شرح الوقاية أن أبا يوسف
يجوز الاستبدال في الوقف من غير شرط إذا ضعفت
الأرض من الريع ونحن لا نفتي به وقد شاهدنا في
الاستبدال من الفساد ما لا يعد ولا يحصى فإن
ظلمة القضاة جعلوه حيلة إلى إبطال أكثر أوقاف
المسلمين وفعلوا ما فعلوا. ا هـ.
وفي الذخيرة سئل شمس الأئمة الحلواني عن أوقاف
المسجد إذا تعطلت وتعذر
ج / 5 ص -328-
ولا
يقسم وإن وقفه على أولاده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استغلالها هل للمتولي أن يبيعها ويشتري مكانها
أخرى قال نعم قيل إن لم تتعطل ولكن يؤخذ
بثمنها ما هو خير منها هل له أن يبيعها قال لا
ومن المشايخ من لم يجوز بيعه تعطل أو لم يتعطل
وكذا لم يجوز الاستبدال بالوقف وهكذا فتوى شمس
الأئمة السرخسي وقد روينا عن محمد في فصل
العمارة إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال
والقيم يجد بثمنها أرضا أخرى أكثر ريعا له أن
يبيع هذه الأرض ويشتري وفي المنتقى قال هشام
سمعت محمدا يقول الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع
به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه
غيره وليس ذلك إلا للقاضي وذكر محمد في السير
الكبير مسألة تدل على عدم جواز الاستبدال
بالوقف وصورتها الكفار إذا استولوا على بلدة
من بلاد المسلمين ثم ظهر عليها المسلمون
وقسموها فيما بينهم فأصاب رجل من الغانمين
أرضا فجعلها صدقة موقوفة للمساكين ودفعه ا إلى
قيم يقوم عليها ثم حضر المالك القديم فليس له
أن يأخذها قالوا وهذا لأنه زال عن ملك الواقف
وصار بحال لا يقبل النقل من ملك إلى ملك فلا
يكون للمالك القديم حق الملك أما على قول أبي
حنيفة الوقف باطل حتى كان للواقف أن يبيع
الوقف حال حياته فإذا مات يصير ميراثا عنه
فكان للمالك القديم حق الأخذ إلا في المسجد
خاصة فإن اتخاذ المسجد عنده صحيح ويزول عن
مليكة متخذه فلا يكون للمالك القديم حق الأخذ
فيه. ا هـ.
وأما ما في الذخيرة وغيرها حانوت احترق في
السوق وصار بحيث لا ينتفع به ولا يستأجر ألبتة
وحوض محلة خرب وصار بحال لا يمكن عمارته فهو
للواقف ولورثته فإن كان واقفه وورثته لا تعرف
فهو لقطة زاد في فتاوى الخاصي إذا كان كاللقطة
يتصدقون به على فقير ثم يبيعه الفقير فينتفع
بثمنه فقال الصدر الشهيد في جنس هذه المسائل
نظر يعني لأن الوقف بعدما خرج إلى الله تعالى
لا يعود إلى ملك الواقف وسيأتي تمامه في بيان
شروط الواقف عند قوله وإن شرط الولاية لنفسه
وفي الخانية المتولي إذا اشترى من غلة المسجد
حانوتا أو دارا أو مستغلا آخر جاز لأن هذا من
مصالح المسجد فإن أراد المتولي أن يبيع ما
اشترى أو باع اختلفوا فيه قال بعضهم لا يجوز
هذا البيع لأن هذا صار من أوقاف المسجد وقال
بعضهم يجوز هذا البيع وهو الصحيح لأن المشتري
لم يذكر شيئا من شرائط الوقف فلا يكون ما
اشترى من جملة أوقاف المسجد. ا هـ. وفي القنية
إنما يجوز الشراء بإذن القاضي لأنه لا يستفاد
الشراء من مجرد تفويض القوامة إليه فلو استدان
في ثمنه وقع الشراء له ا هـ.
قوله "ولا يقسم وإن وقفه على أولاده" أي لا
يقسم الموقوف بين مستحقيه ولو كانوا
ج / 5 ص -329-
ويبدأ
من غلته بعمارته بلا شرط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاد الواقف لأنه لا حق لهم في العين وإنما
حقهم في الغلة وفي فتح القدير وأجمعوا أن الكل
لو كان وقفا على الأرباب وأرادوا القسمة لا
يجوز التهايؤ وعليه فرع ما لو وقف داره على
سكنى قوم بأعيانهم أو ولده ونسله أبدا ما
تناسلوا فإذا انقرضوا كانت غلتها للمساكين فإن
هذا الوقف جائز على هذا الشرط وإذا انقرضوا
تكرى وتوضع غلتها للمساكين وليس لأحد من
الموقوف عليهم السكنى أن يكتريها ولو زادت على
قدر حاجة سكناه نعم له الإعارة لا غير ولو كثر
أولاد هذا الواقف وولد ولده ونسله حتى ضاقت
الدار عليهم ليس لهم إلا سكناها تقسط على
عددهم ولو كانوا ذكورا وإناثا إن كان فيها حجر
ومقاصير كان للذكور أن يسكنوا نساءهم معهم
وللنساء أن يسكن أزواجهن معهن وإن لم يكن فيها
حجر لا يستقيم أن تقسم بينهم ولا يقع فيها
مهايأة إنما سكناها لمن جعل الواقف له ذلك لا
لغيرهم وعن هذا يعرف أنه لو سكن بعضهم فلم يجد
الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب الآخر أجرة حصته
على الساكنين بل إن أحب أن يسكن معه في بقعة
من تلك الدار بلا زوجة أو زوج إن كان لأحدهم
ذلك وإلا ترك المتضيق وخرج أو جلسوا معا كل في
بقعة إلى جنب الآخر والأصل المذكور في الشروح
والفرع في أوقاف الخصاف ولم يخالفه أحد فيما
علمت وكيف يخالف وقد نقلوا إجماعهم على الأصل
المذكور. ا هـ. وفي الإسعاف ولو قسمه الواقف
بين أربابه ليزرع كل واحد منهم نصيبه وليكون
المزروع له دون شركائه توقف على رضاهم ولو فعل
أهل الوقف ذلك فيما بينهم جاز ولمن أبى منهم
بعد ذلك إبطاله ا هـ. قيدنا بقسمته بين
مستحقيه لأن القسمة ليتميز الوقف عن الملك
جائزة كما قدمناه في قوله ولا يتم حتى يقبض
ويفرز وفي القنية ضيعة موقوفة على الموالي
فلهم قسمتها قسمة حفظ وعمارة لا قسمة تملك. ا
هـ. وفي القنية أحد الشريكين إذا استعمل الوقف
بالغلبة بدون إذن الآخر فعليه أجر حصة الشريك
سواء كانت وقفا على سكناهما أو موقوفة
للاستغلال وفي الملك المشترك لا يلزم الأجر
على الشريك إذا استعمل كله وإن كان معدا
للإجارة وليس للشريك الذي لم يستعمل الوقف أن
يقول للآخر أنا أستعمله بقدر ما استعملت لأن
المهايأة إنما تكون بعد الخصومة ا هـ. فعلى
هذا قول الخصاف لا يستوجب الآخر أجرة معناه
قبل السكنى لو طلب أن يجعل عليه شيئا أما بعد
السكنى فالأجرة واجبة عليه وأفاد المصنف من
عدم جواز القسمة أن أرض الوقف لو كانت بين
اثنين فاقتسماها فلأحدهما إبطالها وأنه لو أجر
أحدهما حصته فالأجر بينهما وقيل للمؤجر
والمسألتان في القنية.
قوله "ويبدأ من غلته بعمارته بلا شرط" لأن قصد
الواقف صرف الغلة مؤبدا ولا تبقى دائما إلا
بالعمارة ثبت شرط العمارة اقتضاء ولأن الخراج
بالضمان وصار كنفقة العبد الموصى
ج / 5 ص -330-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخدمته فإنها على الموصى له بها ثم إن كان
الوقف على الفقراء لا يؤخذون به لعدم تعينهم
وأقرب أموالهم هذه الغلة فتجب العمارة فيها
ولو كان الوقف على رجل بعينه وآجره للفقراء
فهي في ماله أي مال شاء إذا كان حيا ولا يؤخذ
من الغلة لأنه معين يمكن مطالبته وإنما تستحق
العمارة عليه بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة
التي وقفه فإن خرب يبنى على ذلك الوصف لأنها
بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليه.
فأما الزيادة على ذلك فليست بمستحقة فتقلع
والغلة مستحقة فلا يجوز صرفه إلى شيء آخر إلا
برضاه ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك عند
البعض وعند الآخرين يجوز ذلك والأول أصح لأن
الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء مقصود الواقف
ولا ضرورة في الزيادة كذا في الهداية وبهذا
علم أن عمارة الأوقاف زيادة على ما كانت العين
عليه زمن الواقف لا يجوز إلا برضا المستحقين
وظاهر قوله بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة
منع البياض والحمرة على الحيطان من مال الوقف
إن لم يكن فعله الواقف وإن فعله فلا منع.
ثم اعلم أن التعمير إنما يكون من غلة الوقف
إذا لم يكن الخراب بصنع أحد ولذا قال في
الولوالجية رجل أجر دارا موقوفة فجعل المستأجر
رواقها مربطا يربط فيه الدواب وخربها يضمن
لأنه فعل بغير الإذن ا هـ. ومما اتفق عليه
أصحاب الفتاوى أن القيم إذا استأجر أجيرا
للعمارة بدرهم ودانق وأجر مثله درهم فاستعمله
في العمارة ونقد الأجرة من مال الوقف يضمن
جميع ما نقد لأن الإجارة وقعت له لا للوقف. ا
هـ. وصرحوا في نقش المسجد بالجص وماء الذهب أن
المتولي لو فعله من مال الوقف ضمن وقدمناه.
وها هنا مسائل مهمة في العمارة الأولى قال في
فتح القدير ولا تؤخر العمارة إذا احتيج إليها
وفي الخانية إذا اجتمع من غلة الأرض في يد
القيم فظهر له وجه من وجوه البر والوقف محتاج
إلى الإصلاح والعمارة أيضا ويخاف القيم أنه لو
صرف الغلة إلى العمارة يفوت ذلك البر فإنه
ينظر إنه لم يكن في تأخير إصلاح الأرض ومرمته
إلى الغلة.
الثانية ضرر بين يخاف خراب الوقف فإنه يصرف
الغلة إلى ذلك البر وتؤخر المرمة إلى الغلة
الثانية وإن كان في تأخير المرمة ضرر بين فإنه
يصرف الغلة إلى المرمة فإن فضل شيء يصرف إلى
ذلك البر. والمراد من وجه البر هاهنا وجه فيه
تصدق بالغلة على نوع من الفقراء نحو فك أسارى
المسلمين أو إعانة الغازي المنقطع لأن هؤلاء
من أهل التصدق عليهم فجاز صرف الغلة إليهم
فأما عمارة مسجد أو رباط أو نحو ذلك مما هو
ليس بأهل للتمليك لا يجوز
ج / 5 ص -331-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صرف الغلة إليه لأن التصدق عبارة عن التمليك
فلا يصح إلا ممن هو من أهل التمليك ا هـ.
وظاهر أنه يجوز الصرف على المستحقين وتأخير
العمارة إلى الغلة الثانية إذا لم يخف ضرر بين
الثانية لو صرف المتولي على المستحقين وهناك
عمارة لا يجوز تأخيرها فإنه يكون ضامنا لما في
الذخيرة إذا كانت في تلك السنة غلة ففرق القيم
الغلة على المساكين ولم يمسك للخراج شيئا فإنه
يضمن حصة الخراج لأن بقدر الخراج وما يحتاج
إليه الوقف من العمارة والمؤنة مستثنى عن حق
الفقراء فإذا دفع إليهم ذلك ضمن. ا هـ. وإذا
ضمن ينبغي أن لا يرجع على المستحقين بما دفعه
إليهم في هذه الحالة قياسا على مودع الابن إذا
أنفق على الأبوين بغير إذنه وبغير إذن القاضي
فإنهم قالوا يضمن ولا رجوع له على الأبوين
قالوا لأنه ملكه بالضمان فتبين أنه دفع مال
نفسه وأنه متبرع ولا رجوع فيه ذكروه في آخر
النفقات وعلى هذا فينبغي أنه إذا صرف على
المستحقين وهناك تعمير واجب فعمر من ماله أن
لا يكون متبرعا بالتعمير ويكون عوضا عما لزمه
بالضمان.
الثالثة في قطع معاليم المستحقين لأجل العمارة
قال في فتح القدير وتقطع الجهات الموقوف عليها
للعمارة إن لم يخف ضرر بين فإن خيف قدم.
وأما الناظر فإن كان المشروط له من الواقف فهو
كأحد المستحقين فإذا قطعوا للعمارة قطع إلا أن
يعمل فيأخذ قدر أجرته وإن لم يعمل لا يأخذ
شيئا قال الإمام فخر الدين قاضي خان وقف ضيعة
على مواليه ومات فجعل القاضي الوقف في يد قيم
وجعل له عشر الغلات مثلا وفي الوقف طاحونة في
يد رجل بالمقاطعة لا حاجة فيها إلى القيم
وأصحاب هذه الطاحونة يقسمون غلتها لا يجب
للقيم فيها ذلك العشر لأن القيم لا يأخذ ما
يأخذه إلا بطريق الأجر فلا يستوجب الأجر بلا
عمل ا هـ. فهذا عندنا فيمن لم يشرط له الواقف
أما إذا شرط كان من جملة الموقوف عليهم ا هـ.
فظاهره أن من عمل من المستحقين زمن العمارة
فإنه يأخذ قدر أجرته لكن إذا كان مما لا يمكن
ترك عمله إلا بضرر بين كالإمام والخطيب ولا
يراعي المعلوم المشروط زمن العمارة فعلى هذا
إذا عمل المباشر والشاد زمن العمارة يعطيان
بقدر أجرة عملهما فقط وأما ما ليس في قطعه ضرر
بين فإنه لا يعطى شيئا أصلا زمن العمارة.
الرابعة في الاستدانة لأجل العمارة حيث لم يكن
غلة قال في الذخيرة قال هلال إذا احتاجت
الصدقة إلى العمارة وليس في يد القيم ما
يعمرها فليس له أن يستدين عليها لأن الدين لا
يجب ابتداء إلا في الذمة وليس للوقف ذمة
والفقراء وإن كانت لهم ذمة إلا أنهم لكثرتهم
لا تتصور مطالبتهم فلا يثبت الدين باستدانة
القيم إلا عليه ودين يجب عليه لا يملك قضاءه
من
ج / 5 ص -332-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غلة هي على الفقراء وعن الفقيه أبي جعفر أن
القياس هذا لكن يترك القياس فيما فيه ضرورة
نحو أن يكون في أرض الوقف زرع يأكله الجراد
ويحتاج إلى النفقة لجمع الزرع أو طالبه
السلطان بالخراج جاز له الاستدانة لأن القياس
يترك للضرورة. قال والأحوط في هذه الصورة
كونها بأمر الحاكم لأن ولاية الحاكم أعم في
مصالح المسلمين من ولايته إلا أن يكون بعيدا
عن الحاكم ولا يمكنه الحضور فلا بأس بأن
يستدين بنفسه وهذا الذي روي عن الفقيه أبي
جعفر مشكل لأنه جمع بين أكل الجراد والزرع
وبين الخراج وتتصور الاستدانة في أكل الجراد
الزرع لأن الزرع مال للفقراء وهذا الدين إنما
يستدان لحاجتهم فأمكن إيجاب الدين في مالهم
وأما باب الخراج فلا يتصور لأنه إن كان في
الأرض غلة فلا ضرورة إلى الاستدانة لأن الغلة
تباع ويؤدى منها الخراج وإن لم يكن في الأرض
غلة فليس هنا إلا رقبة الوقف ورقبة الوقف ليست
للفقراء. ولا يستقيم إيجاب دين يحتاج إليه
الفقراء في مال ليس لهم فهذا الفصل مشكل من
هذا الوجه إلا أن يكون تصوير المسألة فيما إذا
كان في الأرض غلة وكان بيعها متعذرا في الحال
وقد طولب بالخراج قالوا ليس قيم الوقف في
الاستدانة على الوقف كالوصي في الاستدانة على
اليتيم لأن اليتيم له ذمة صحيحة وهو معلوم
فتتصور مطالبته. ألا ترى أن للوصي أن يشتري
لليتيم شيئا بنسيئة من غير ضرورة.
وفي فتاوى أبي الليث قيم وقف طلب منه الجبايات
والخراج وليس في يده من مال الواقف شيء وأراد
أن يستدين فهذا على وجهين إن أمر الواقف
بالاستدانة فله ذلك وإن لم يأمره بالاستدانة
فقد اختلف المشايخ فيه قال الصدر الشهيد
والمختار ما قاله الفقيه أبو الليث إذا لم يكن
للاستدانة بد يرفع الأمر إلى القاضي حتى يأمره
بالاستدانة ثم يرجع في الغلة لأن للقاضي هذه
الولاية وإن كان لها بد ليس للقاضي هذه
الولاية.
وفي واقعات الناطفي المتولي إذا أراد أن
يستدين على الوقف ليجعل ذلك في ثمن البذر إن
أراد ذلك بأمر القاضي فله ذلك بلا خلاف لأن
القاضي يملك الاستدانة على الوقف فيملك
المتولي ذلك بإذن القاضي وإن أراد ذلك بغير
أمر القاضي ففيه روايتان. وصرح في الخلاصة بأن
الأصح ما قاله الفقيه أبو الليث.
وفي الخانية قيم الوقف إذا اشترى شيئا لمرمة
المسجد بدون إذن القاضي قالوا لا يرجع بذلك في
مال المسجد وله أن ينفق على المرمة من ماله
كالوصي في مال الصغير وإن أدخل المتولي جذعا
من ماله في الوقف جاز وله أن يرجع في غلة
الوقف. ا هـ.
وفي الخلاصة في مسألة الجذع والاحتياط أن يبيع
الجذع من آخر ثم يشتريه لأجل
ج / 5 ص -333-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقف ثم يدخله في دار الوقف ا هـ. وفسر قاضي
خان الاستدانة على الوقف بتفسيرين فقال في
الثاني وتفسير الاستدانة بما ذكر إنما هو فيما
إذا لم يكن في يده شيء من الغلة وأما إذا كان
في يده شيء منها واشترى شيئا للوقف ونقد الثمن
من ماله جاز له أن يرجع بذلك من غلته وإن لم
يكن بأمر القاضي كالوكيل بالشراء إذا نقد
الثمن من ماله فإنه يجوز له الرجوع به على
موكله وقال في الأول أن لا يكون للوقف غلة
فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان
للوقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف فإن
له أن يرجع في غلة الوقف. ا هـ.
وفي القنية برقم "يو"1 قيم أنفق في عمارة
المسجد من مال نفسه ثم رجع بمثله في غلة الوقف
جاز سواء كانت غلته مستوفاة أو غير مستوفاة. ا
هـ. ثم قال وللقيم الاستدانة على الوقف لضرورة
العمارة لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم ثم
رقم "بنك"2 استقرض القيم لمصالح المساجد فهو
على نفسه وبرقم "عك"3 لا أصدقه في زماننا
وبرقم "حم"4 له ذلك وبرقم "بق"5 لا يستدين إلا
بأمر القاضي ثم ذكر ما اختاره الفقيه أبو
الليث. ا هـ. وفي جامع الفصولين من الفصل
السابع والعشرين ولو أخذ المتولي دراهم الوقف
وصرف دنانير إلى عمارة الوقف صح لو خيرا ولو
أنفق عليه من مال نفسه يرجع ولو لم يشترط كوصي
ثم رقم "مق"6 يرجع لو شرط وإلا لا ثم قال وذكر
في العدة الاستدانة لضرورة مصالح الوقف تجوز
لو أمر الواقف وإلا فالمختار أن يرفع إلى
القاضي ليأمر بها ثم رقم "فط"7 الأحوط أن يرفع
الأمر إليه إلا إذا تعذر الحضور لبعده فيستدين
بنفسه وقيل يصح بلا رفع ولو أمكن ا هـ.
وفي الرابع والثلاثين قيم الوقف لو أنفق من
ماله في عمارة الوقف فلو أشهد أنه أنفق ليرجع
فله الرجوع وإلا فلا ا هـ. وفي الحاوي ويجوز
للمتولي إذا احتاج إلى العمارة أن يستدين على
الوقف ويصرف ذلك فيها والأولى أن يكون بإذن
الحاكم. ا هـ. والحاصل أن هلالا مانع من
الاستدانة مطلقا وحمله ابن وهبان على ما إذا
كان بغير أمر القاضي وادعى أنه إذا كان بأمر
القاضي فلا خلاف فيه والظاهر كما ذكره
الطرسوسي خلافه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يو: لم أعثر على هذا الرمز ضمن رموز القنية.
ولعله محرف والله أعلم.
2 بنك: أعلم أنه لا يوجد ضمن رموز هذا والصواب
بك والمراد به برهان الدين كاتي.
3 المراد به عين الأئمة الكرابيسي.
4 حم: المراد به أبو حامد.
5 بق: المراد به البقالي.
6 مق: النراد به كتاب المتلقط كما في مقدمة
جامع الفصولين.
7 فط: أعلم أنه لا يوجد رموز جامع الفصولين
هذا إنما يوجد فص والمراد به فتاوى صدر
الإسلام طاهر بن محمود وفض والمرد به فتاوى
الفضلي وفظ والنراد به فوائد ظهير الدين.
ج / 5 ص -334-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما علمت من تعليله وأما غير هلال فمنهم من
جوز الاستدانة مطلقا للعمارة كما في جامع
الفصولين والمعتمد في المذهب إن كان له منه بد
لا يستدين مطلقا وإن كان لا بد له فإن كان
بأمر القاضي جاز وإلا فلا والعمارة لا بد لها
فيستدين لها بأمر القاضي وأما غير العمارة فإن
كان للصرف على المستحقين لا تجوز الاستدانة
ولو بإذن القاضي لأن له منه بدا كما صرح به في
القنية بقوله لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم
وأن الاستدانة أعم من القرض والشراء بالنسيئة
وفي البزازية من كتاب الوصايا لو استقرض
المتولي إن شرط الواقف له له ذلك وإلا رفع إلى
الحاكم إن احتاج ا هـ.
لكن وقع الاشتباه في مسائل منها هل يستدين
للإمام والخطيب والمؤذن باعتبار أنه لا بد له
من ذلك فيكون بإذن القاضي فقط أو لا الظاهر
أنه لا يستدين لهم إلا بإذن القاضي لقوله في
جامع الفصولين لضرورة مصالح المسجد وقال في
خزانة الأكمل لو وقف على مصالح المسجد يجوز
دفع غلته إلى الإمام والمؤذن والقيم. ا هـ.
ولم يذكر الخطيب قال في شرح المنظومة ولا شك
أنه في الجامع نظير من ذكر في المسجد. ا هـ.
فعلى هذا تخرج الأربعة من قول القنية الموقوف
عليهم ومنها هل يستدين بإذن القاضي للحصر
والزيت بالمسجد أم لا فعلى أنهما من المصالح
له ذلك وإلا فلا وقد اختلف في كونهما من
المصالح ففي القنية رقم لركن الدين الصباغي1
وقال كتبت إلى المشايخ ورمز للقاضي عبد
الجبار2 وشهاب الدين الإمامي3 هل للقيم شراء
المرواح من مصالح المسجد فقالا لا ثم رمز
للعلاء الترجماني فقال الدهن والحصير والمراوح
ليس من مصالح المسجد وإنما مصالحه عمارته ثم
رمز لأبي حامد4 وقال الدهن والحصير من مصالحه
دون المراوح قال يعني مولانا بديع الدين وهو
أشبه للصواب وأقرب إلى غرض الواقف. ا هـ. فقد
تحرر أن الراجح كونهما من المصالح فيستدين
بإذن القاضي ومنها أن المتولي لو ادعى أنه
استدان بإذن القاضي هل يقبل قوله بلا بينة
الظاهر أنه لا يقبل وإن كان المتولي مقبول
القول لما أنه يريد الرجوع في الغلة وهو إنما
قبل قوله فيما بيده وعلى هذا لو كان الواقع
أنه لم يستأذن القاضي يحرم عليه أن يأخذ من
الغلة لما أنه بغير الإذن متبرع. ا هـ. وقد
علمت مما نقلناه عن قاضي خان أنه لو أنفق من
ماله أو أدخل جذعا له في الوقف لا يكون من باب
الاستدانة لأنها محصورة في القرض والشراء
بالنسيئة وعلى هذا فلو صرف المتولي للمستحقين
من ماله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله هو نفسه ركن الأئمة الصباغي.
2 ذكره أبو الوفاء القرشي في الجواهر المضية
"4/425" من غير ترجمة.
3 ذكره أبو الوفاء القرشي في الجواهر المضية
"4/403" و4قال لا أدري أهو شهاب الأئمة أم لا.
4 وهو أبو حامد السرخسي تفقه على عبد الرحيم
بن عبد السلام الغياثي. ا هـ الجواهر المضية
"4/33".
ج / 5 ص -335-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكون من الاستدانة وله الرجوع ولكن قاضي
خان قيده بالإنفاق على المرمة وقيده في جامع
الفصولين بأن يشهد أنه أنفق ليرجع فوقع
الاشتباه في الصرف على المستحقين وعلى هذا وقع
الاشتباه في زماننا في ناظر أذن إنسانا في
الصرف على المستحقين من ماله قبل مجيء الغلة
ليرجع به إذا جاءت الغلة هل يكون من باب
الاستدانة للموقوف عليهم فلا تجوز ولا رجوع له
أو أنه كصرف الناظر عليهم من مال نفسه فله
الرجوع إن قلنا برجوعه فإن قلت إنه دفع لهم
بشرط أن يأخذ معاليمهم فقام مقامهم.
قلت قال في جامع الفصولين من السابع والعشرين
الوكيل لو لم يقبض ثمنه حتى لقي الآمر فقال
بعت ثوبك من فلان فأنا أقضيك عنه ثمنه فهو
متطوع ولا يرجع على المشتري ولو قال أنا
أقضيكه عنه على أن يكون المال الذي على
المشتري لي لم يجز ورجع الوكيل على موكله بما
دفع وفي العدة يباع عنده بضائع للناس أمروه
ببيعها فباعها بثمن مسمى فعجل الثمن من ماله
إلى أصحابها على أن أثمانها له إذا قبضها
فأفلس المشتري فللبائع أن يسترد ما دفع إلى
أصحاب البضائع ا هـ.
قال في القنية إذا قال القيم أو المالك
لمستأجرها أذنت لك في عمارتها فعمرها بإذنه
يرجع على القيم والمالك وهذا إذا كان يرجع
معظم منفعته إلى المالك أما إذا رجع إلى
المستأجر وفيه ضرر بالدار كالبالوعة أو شغل
بعضها كالتنور فلا ما لم يشترط الرجوع. ا هـ.
ويدل له بالأولى ما في جامع الفصولين المتولي
صرف العمارة من خشب مملوك له ودفع قيمته من
مال الوقف كان له إذ يملك المعاوضة من مال
نفسه كوصي يملك صرف ثوب مملوك إلى الصبي ودفع
ثمنه من مال الصبي ولكن لو ادعى لا يقبل قوله
وهذا يشير إلى أنه لو أنفق ليرجع له الرجوع في
مال الوقف واليتيم من غير أن يدعي عند القاضي
أما لو ادعى عند القاضي وقال أنفقت من مالي
كذا في الوقف واليتيم لا يقبل قوله ثم رقم
بعلامة "بق"1 ادعى وصي أو قيم أنه أنفق من مال
نفسه وأراد الرجوع في مال اليتيم والوقف ليس
له ذلك إذ يدعي دينا لنفسه على اليتيم والوقف
فلا يصح بمجرد الدعوى ذكره في أحكام العمارة.
وفي البزازية قيم الوقف أنفق من ماله في الوقف
ليرجع في غلته له الرجوع وكذا الوصي مع مال
الميت ولكن لو ادعى لا يكون القول قوله
المتولي إذا أنفق من مال نفسه ليرجع في مال
الوقف له ذلك فإن شرط الرجوع يرجع وإلا فلا. ا
هـ. وفيها أيضا قيم المسجد اشترى شيئا لمؤنة
المسجد بلا إذن الحاكم بماله لا يرجع على
الوقف. ا هـ. وظاهره أنه لا رجوع له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بق: المراد به البقالي.
ج / 5 ص -336-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مطلقا إلا بإذن القاضي سواء كان أنفق ليرجع أو
لا سواء رفع إلى القاضي أو لا سواء برهن على
ذلك أو لا الخامسة يستثنى من قولهم لا يقدم
على العمارة أحد ما في المحيط لو شرط العمارة
في الوقف فإنه تقدم العمارة على صاحب الغلة
إلا إذا جعلت غلتها لفلان سنة أو سنتين ثم
بعده للفقراء أو شرط العمارة من الغلة فإنه
يؤخر العمارة عن حق صاحب الغلة لأنا لو صرفنا
الغلة إلى العمارة أولا أدى إلى إبطال حق صاحب
الغلة لأن حقه في الغلة في مدة مخصوصة فتنتهي
بمضيها ولو صرفناها إليه أولا لا يؤدي إلى
فوات عمارة الوقف لأنه يمكن عمارته في السنة
الثانية إلا إذا كان في تأخير العمارة ضرر بين
بالوقف فحينئذ تقدم العمارة لئلا يؤدي إلى
إبطال مقصود الواقف. ا هـ.
وقيد بالسنتين لما في التتارخانية وأما
المشروط له الغلة في ثلاث سنين يؤخذ بالعمارة
ا هـ.
السادسة في بيان من يقدم مع العمارة وهو
المسمى في زماننا بالشعائر ولم أره إلا في
الحاوي القدسي قال والذي يبتدأ به من ارتفاع
الوقف عمارته شرط الواقف أو لا ثم ما هو أقرب
إلى العمارة وأعم للمصلحة كالإمام للمسجد
والمدرس للمدرسة يصرف إليهم إلى قدر كفايتهم
ثم السراج والبساط كذلك إلى آخر المصالح. ا
هـ.
وظاهره تقديم الإمام والمدرس على جميع
المستحقين بلا شرط والتسوية بالعمارة يقتضي
تقديمهما عند شرط الواقف أنه إذا ضاق ريع
الوقف قسم الريع عليهم بالحصة وأن هذا الشرط
لا يعتبر ولكن تقديم المدرس إنما يكون بشرط
ملازمته للمدرسة للتدريس الأيام المشروطة في
كل جمعة ولذا قال للمدرسة لأن مدرسها إذا غاب
تعطلت بخلاف مدرس الجامع.
وفي القنية يدرس بعض النهار في مدرسة وبعض
النهار في مدرسة أخرى ولا يعلم شرط الواقف
يستحق غلة المدرس في المدرستين ولو كان يدرس
بعض الأيام في هذه المدرسة وبعضها في الأخرى
لا يستحق غلتهما بتمامها وحكم المتعلم والمدرس
في المسألتين سواء. ا هـ.
واستفيد من قوله لا يستحق غلتهما بتمامها أنه
يستحق بقدر عمله وهي كثيرة الوقوع في أصحاب
الوظائف في زماننا وحاصله أنه ينظر إلى ما
شرطه الواقف له وعليه من العمل ويقسم المشروط
على عمله خلافا لبعض الشافعية فإنه يقول إذا
لم يعلم المشروط لا يستحق شيئا من المشروط كما
ذكره ابن السبكي وقوله ثم السراج بكسر السين
أي القناديل ومراده مع زيتها والبساط بكسر
الباء أي الحصير ويلحق بهما معلوم خادمها وهو
الوقاد والفراش فيقدمان وتعبيره بثم دون الواو
يدل على أنهما مؤخران عن الإمام والمدرس.
ج / 5 ص -337-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية لو اشترى بساطا نفيسا من غلته جاز
إذا استغنى المسجد عن العمارة. ا هـ. وقوله
إلى آخر المصالح أي مصالح المسجد فيدخل المؤذن
والناظر لأنا قدمنا أنهم من المصالح وقدمنا أن
الخطيب داخل تحت الإمام لأنه إمام الجامع
فتحصل أن الشعائر التي تقدم في الصرف مطلقا
بعد العمارة الإمام والخطيب والمدرس والوقاد
والفراش والمؤذن والناظر وثمن القناديل والزيت
والحصر ويلحق بثمن الزيت والحصر ثمن ماء
الوضوء أو أجرة حمله أو كلفة نقله من البئر
إلى الميضأة فليس المباشر والشاهد والجابي
والشاد و خازن الكتب من الشعائر وقد جرت
العادة بمصر في ديوان المحاسبة بتقديمهم مع
المذكورين أولا وليس شرعيا ويقع الاشتباه في
البواب والمزملاتي وفي الخانية لو جعل حجرته
لدهن سراج المسجد ولم يزد صارت وقفا على
المسجد إذا سلمها إلى المتولي وعليه الفتوى
وليس للمتولي أن يصرف الغلة إلى غير الدهن ا
هـ. فعلى هذا الموقوف على إمام المسجد لا يصرف
لغيره.
وفي الخانية رجل أوصى بثلث ماله لأعمال البر
هل يجوز أن يسرج المسجد منه قال الفقيه أبو
بكر يجوز ولا يجوز أن يزاد على سراج المسجد
لأن ذلك إسراف سواء كان ذلك في رمضان أو غيره
ولا يزين المسجد بهذه الوصية. ا هـ. ومقتضاه
منع الكثرة الواقعة في رمضان في مساجد القاهرة
ولو شرط الواقف لأن شرطه لا يعتبر في المعصية.
وفي القنية وإسراج السرج الكثيرة في السكك
والأسواق ليلة البراءة1 بدعة وكذا في المساجد
ويضمن القيم وكذا يضمن إذا أسرف في السرج في
رمضان وليلة القدر ويجوز الإسراج على باب
المسجد في السكة أو السوق ولو اشترى من مال
المسجد شمعا في رمضان يضمن قلت: وهذا إذا لم
ينص الواقف عليه ولو أوصى بثلث ماله أن ينفق
على بيت المقدس جاز وينفق في سراجه ونحوه قال
هشام فدل هذا على أنه يجوز أن ينفق من مال
المسجد على قناديله وسرجه والنفط والزيت ا هـ.
السابعة إذا احتاج الوقف إلى العمارة وليس
عنده غلة ولم يتيسر له القرض إلا بربح.
قال في القنية رامزا ليوسف الترجماني الصغير
قال البصراء للقيم إن لم تهدم المسجد العام
يكون ضرره في القابل أعظم فله هدمه وإن خالفه
بعض أهل محلته وليس له التأخير إذا أمكنه
العمارة فلو هدمه ولم يكن فيه غلة للعمارة في
الحال فاستقرض العشرة بثلاثة عشر في السنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي ليلة نصف شعبان.
ج / 5 ص -338-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واشترى من المقرض شيئا يسيرا بثلاثة دنانير
يرجع في غلته بالعشرة وعليه الزيادة ا هـ. وبه
اندفع ما ذكره ابن وهبان من أنه لا جواب
للمشايخ فيها
الثامنة في وقف المسجد أيجوز أن يبنى من غلته
منارة قال في الخانية معزيا إلى أبي بكر
البلخي إن كان ذلك من مصلحة المسجد بأن كان
أسمع لهم فلا بأس به وإن كان بحال يسمع
الجيران الأذان بغير منارة فلا أرى لهم أن
يفعلوا ذلك.
التاسعة وقف على عمارة المسجد على أن ما فضل
من عمارته فهو للفقراء فاجتمعت الغلة والمسجد
غير محتاج إلى العمارة قال الفقيه أبو بكر
تحبس الغلة لأنه ربما يحدث بالمسجد حدث وتصير
الأرض بحال لا تغل وقال الفقيه أبو جعفر
الجواب كما قال وعندي لو علم أنه لو اجتمع من
الغلة مقدار ما يحتاج الأرض والمسجد إلى
العمارة يمكن العمارة بها ويفضل تصرف الزيادة
على الفقراء على ما شرط الواقف وفي القنية ليس
للقيم أن يأخذ ما فضل من وجه عمارة المدرسة
دينا ليصرفها إلى الفقراء وإن احتاجوا إليه
وفي الخانية والصحيح ما قال الفقيه أبو الليث
أنه ينظر إن اجتمع من الغلة مقدار ما لو احتاج
الضيعة والمسجد إلى العمارة بعد ذلك يمكن
العمارة منها ويبقى شيء تصرف تلك الزيادة إلى
الفقراء وريع غلة الوقف للعمارة وثلاثة
أرباعها للفقراء لم يجز للقيم أن يصرف ريع
العمارة إذا استغنى عنها إلى الفقراء ليسترد
ذلك من حصتهم في السنة الثانية. ا هـ.
العاشرة مسجد تهدم وقد اجتمع من غلته ما يحصل
به البناء قال الخصاف لا ينفق الغلة في البناء
لأن الواقف وقف على مرمتها ولم يأمر بأن يبنى
هذا المسجد والفتوى على أنه يجوز البناء بتلك
الغلة ولو كان الوقف على عمارة المسجد هل
للقيم أن يشتري سلما ليرتقي على السطح لكنس
السطح وتطيينه أو يعطى من غلة المسجد أجر من
يكنس السطح ويطرح الثلج ويخرج التراب المجتمع
من المسجد. قال أبو نصر للقيم أن يفعل ما في
تركه خراب المسجد كذا في الخانية الحادية عشرة
حوانيت مال بعضها إلى بعض والأول منها وقف
والباقي ملك والمتولي لا يعمر الوقف قال أبو
قاسم إن كان للوقف غلة كان لأصحاب الحوانيت أن
يأخذوا القيم ليسوي الحائط المائل من غلة
الوقف وإن لم يكن للوقف غلة في يد القيم رفعوا
الأمر إلى القاضي ليأمر القاضي القيم
بالاستدانة على الوقف في إصلاح الوقف وليس له
أن يستدين بغير أمر القاضي. كذا في الخانية.
الثانية عشرة لو وقف على المساكين ولم يذكر
العمارة يبدأ من الغلة بالعمارة وبما يصلحها
وبخراجها ومؤنها ثم يقسم الباقي على المساكين
فإن كان في الأرض نخل وخاف
ج / 5 ص -339-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القيم هلاكها كان للقيم أن يشتري من غلة الوقف
فسيلا فيغرسه كي لا ينقطع فلو كانت قطعة منها
سبخة تحتاج إلى رفع وجهها وإصلاحها حتى تنبت
كان للقيم أن يبدأ من جملة غلة الأرض في ذلك
ويصلح القطعة. ولو أراد القيم أن يبني في
الأرض الموقوفة قرية لأكرتها وحفاظها ليحفظ
فيها الغلة ويجمعها كان له أن يفعل ذلك وكذا
لو كان الوقف خانا على الفقراء واحتاج إلى
خادم يكسح الخان ويقوم به ويفتح بابه ويسده
فسلم بعض البيوت إلى رجل أجرة له ليقوم بذلك
كان له ذلك وإن أراد قيم الوقف أن يبني في
الأرض الموقوفة بيوتا يستغلها بالإجارة لا
يكون له ذلك لأن استغلال أرض الوقف يكون
بالزرع ولو كانت الأرض متصلة ببيوت المصر يرغب
الناس في استئجار بيوتها وتكون غلة ذلك فوق
غلة الزرع والنخل كان للقيم أن يبني فيها
بيوتا فيؤاجرها لأن الاستغلال بهذا الوجه يكون
أنفع للفقراء. كذا في الخانية.
الثالثة عشرة لو بنى خانا واحتاج إلى المرمة
روي عن محمد أنه يعزل منه بيت أو بيتان فتؤاجر
وينفق من غلتها عليه وعنه رواية أخرى إجارة
الكل سنة ويسترم منها قال الناطفي قياسه في
المسجد أن يجوز إجارة سطحه لمرمته كذا في
الظهيرية.
الرابعة عشرة في فتاوى سمرقند شجرة وقف في دار
وقف خربت ليس للمتولي أن يبيع الشجرة ويعمر
الدار ولكن يكري الدار ويستعين بالكراء على
عمارة الدار لا بالشجرة كذا في الظهيرية.
الخامسة عشرة هل يجوز الأكل من طعام العملة
يوم العمارة قالوا إن حضروا للإرشاد والحث على
العمل جاز الأكل وإلا فإن كانوا قليلا جاز
وإلا فلا ذكره في الظهيرية في قوم جمعوا
الدراهم لعمارة القنطرة وبهذا يعلم جواز أكل
الشاد والمهندس معهم.
السادسة عشرة في البزازية وقد تقرر في فتاوى
خوارزم أن الواقف ومحل الوقف أعني الجهة إن
اتحدت بأن كان وقفا على المسجد أحدهما إلى
العمارة والآخر إلى إمامه أو مؤذنه و الإمام
والمؤذن لا يستقر لقلة المرسوم للحاكم الدين
أن يصرف من فاضل وقف المصالح والعمارة إلى
الإمام والمؤذن باستصواب أهل الصلاح من أهل
المحلة إن كان الواقف متحدا لأن غرض الواقف
إحياء وقفه وذلك يحصل بما قلنا أما إذا اختلف
الواقف أو اتحد الواقف واختلفت الجهة بأن بنى
مدرسة ومسجدا وعين لكل وقفا وفضل من غلة
أحدهما لا يبدل شرط الواقف. وكذا إذا اختلف
الواقف لا الجهة يتبع شرط الواقف وقد علم بهذا
التقرير إعمال الغلتين إحياء للوقف ورعاية
لشرط الواقف هذا هو الحاصل من الفتاوى. ا هـ.
وقد علم منه أنه لا يجوز لمتولي الشيخونية
بالقاهرة صرف أحد الوقفين للآخر وفي
الولوالجية مسجد له أوقاف مختلفة
ج / 5 ص -340-
ولو
دارا فعمارته على من له السكنى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا بأس للقيم أن يخلط غلتها كلها وإن خرب
حانوت منها فلا بأس بعمارته من غلة حانوت آخر
لأن الكل للمسجد هذا إذا كان الواقف واحدا وإن
كان الواقف مختلفا فكذلك الجواب لأن المعنى
يجمعهما ا هـ.
السابعة عشرة في البزازية وإذا انهدم رباط
المختلفة وبنى بناء جديدا من كل وجه لا يكون
الأولون أولى من غيرهم وإن لم يغير ترتيبه
الأول إلا أنه إن زيد أو نقص فالأولون أولى ا
هـ.
الثامنة عشرة بنى المتولي في عرصة الوقف من
مال الوقف أو من ماله للوقف أو لم يذكر شيئا
كان وقفا بخلاف الأجنبي وإن أشهد أنه بناه
لنفسه كان ملكا له وإن متوليا كذا في البزازية
وغيرها وبه يعلم أن قول الناس العمارة في
الوقف وقف ليس على إطلاقه.
التاسعة عشرة إذا عمل القيم في عمارة المسجد
والوقف كعمل الأجير لا يستحق أجرا لأنه لا
يجتمع له أجر القوامة وأجر العمل كذا في
القنية وسيأتي أيضا العشرون لو انكشف سقف
السوق فغلب الحر على المسجد الصيفي لوقوع
الشمس فيه فللقيم ستر سقف السوق من مال المسجد
بقدر ما يندفع به هذا القدر كذا في القنية.
قوله "ولو دارا فعمارته على من له السكنى" أي
لو كان الموقوف دارا فعمارة الموقوف على من له
سكناه لأن الخراج بالضمان وصار كنفقة العبد
الموصى بخدمته وفي الظهيرية فإن كان المشروط
له السكنى رم حيطان الدار الموقوفة بالآجر
وجصصها أو أدخل فيها أجذاعا ثم مات ولا يمكن
نزع شيء من ذلك إلا بتضرر بالبناء فليس للورثة
أخذ شيء من ذلك ولكن يقال للمشروط له السكنى
بعده اضمن لورثته قيمة البناء ولك السكنى فإن
أبى أوجرت الدار وصرفت الغلة إلى ورثة الميت
بقدر قيمة البناء فإذا وفت غلته بقيمة البناء
أعيد السكنى إلى من له السكنى وليس لصاحب
السكنى أن يرضى بقلع ذلك وهدمه وإن كان ما رم
الأول مثل تجصيص الحيطان أو تطيين السطوح أو
ما أشبه ذلك ثم مات الأول فليس للورثة أن
يرجعوا بشيء من ذلك ألا ترى أن رجلا لو اشترى
دارا وجصصها وطين سطوحها ثم استحقت الدار لا
يكون للمشتري أن يرجع على البائع بقيمة الجص
والطين وإنما يكون له أن يرجع بقيمة ما يمكنه
أن ينقضه ويسلم نقضه إليه. ا هـ. وجعل في
المجتبى مسألة ما إذا عمرها ومات نظير ما إذا
عمر دار غيره بغير إذنه ثم قال مستأجر حانوت
الوقف بنى فيه بغير إذن القيم لا يرجع عليه
ويرفع بناءه إن لم يضر بالوقف وإلا يتملكه
القيم بأقل القيمتين منزوعا وغير منزوع فإن
أبى يتربص إلى أن يخلص ماله ثم قال مستأجر
الوقف بنى غرفة على الحانوت إن لم يضر بأصله
ويزيد في أجرته أو لا يستأجر إلا بالغرفة يجوز
وإلا فلا. ا هـ.
ج / 5 ص -341-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية لو وقف دارا على رجل وأولاده
وأولاد أولاده أبدا ما تناسلوا فإذا انقطعوا
فإلى الفقراء ثم بنى واحد من أولاد أولاد
الموقوف عليهم بعض الدار الموقوفة وطين البعض
وجصص البعض وبسط فيه الآجر فطلب الآخر منه
حصته ليسكن فيها فمنعه منها حتى يدفع له حصة
ما أنفق فيها ليس له ذلك والتطيين والجص صار
تبعا للوقف وله أن ينقض الآجر قال رضي الله
عنه وإنما ينقض الآجر إذا لم يكن في نقضه ضرر
بالوقف كمن بنى في الحانوت المسبل فله رفعه
إذا لم يضر بالبناء القديم وإلا فلا. ا هـ.
وظاهر كلام المصنف وغيره أن من له الاستغلال
لا تكون العمارة عليه بناء على أن من له
الاستغلال لا يملك السكنى ومن له السكنى لا
يملك الاستغلال كما صرح به في البزازية وفي
فتح القدير بقوله وليس للموقوف عليهم الدار
سكناها بل الاستغلال كما ليس للموقوف عليهم
السكنى الاستغلال. ا هـ. ويدل عليه قولهم
إجارة العين للموقوف عليه صحيحة ومعلوم أن
استئجار دار ممن له حق السكنى لا يجوز فجوازها
دل على ما ذكرنا كذا في البزازية ولم أر حكم
ما إذا سكن من له الاستغلال وفعل ما لا يجوز
هل تجب الأجرة عليه ويأخذها المتولي ثم يدفعها
إليه والذي يظهر أن الوقف إن كان محتاجا إلى
العمارة وجبت الأجرة عليه فيأخذها المتولي
ليعمر بها وإلا فلا فائدة في وجوبها حيث لم
يكن له شريك في الغلة وإنما لم تكن عليه لأن
المتولي عليها يؤجرها ويعمرها بأجرتها كما لو
أبى من له السكنى لكن في الظهيرية وإذا صح
الوقف واحتاج إلى العمارة فالعمارة على من
يستحق الغلة ا هـ. ويحمل على أن المعنى
فالعمارة في غلتها ولما كانت غلتها له صار كأن
العمارة عليه.
قال في الظهيرية وإن كان المشروط له غلة الأرض
جماعة رضي بعضهم بأن يرمه المتولي من مال
الوقف وأبى البعض فمن أراد العمارة عمر
المتولي حصته بحصته ومن أبى تؤجر حصته وتصرف
غلتها إلى العمارة إلى أن تحصل العمارة ثم
تعاد إليه. ا هـ.
وفي التتارخانية ولو كان الواقف حين شرط الغلة
لفلان ما عاش شرط على فلان مرمتها وإصلاحها
فيما لا بد لها منه فالوقف جائز مع هذا الشرط.
ا هـ. وظاهره أنه يجبر على عمارتها وقياسه أن
الموقوف عليه السكنى كذلك.
فإن قلت هل يصح بيع العمارة في الأرض الموقوفة
قلت قال في القنية من الوقف ويجوز شراء عمارة
أرض أو دار للمسجد إذا كانت الرقبة وقفا وإلا
فلا ا هـ. ومن البيوع ويشترط لجواز بيع
العمارة في الحانوت والأشجار في الأرض أن لا
يلحقها ضرر بالقلع لأملاك الباعة وفي الوقف لا
يشترط ولو باع بناء واستثنى ما فيه من الخشب
أو استثنى ما فيه من
ج / 5 ص -342-
ولو
أبى أو عجز عمر الحاكم بأجرتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللبن والتراب يجوز إذا اشتراه للنقض. ا هـ.
وفي القنية دار لسكنى الإمام هدمها وبناها
لنفسه وسقفها من الخشب القديم لم يكن له بيع
البناء إن بناها كما كانت وفيها أيضا وقف دارا
على إمام مسجد ليسكنه بشرائطه ثم أخذ يؤم
بنفسه ليس له أن يأخذ أجرتها ا هـ.
قوله: "ولو أبى أو عجز عمر الحاكم بأجرتها"
يعني أجرها الحاكم من الموقوف عليه أو غيره
وعمرها بأجرتها ثم يردها بعد التعمير إلى من
له السكنى لأن في ذلك رعاية للحقين حق الوقف
وحق صاحب السكنى لأنه لو لم يعمرها تفوت
السكنى أصلا أفاد أنه لا يجبر الممتنع على
العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع
صاحب البذر في المزارعة ولا يكون امتناعه رضا
منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد. وأفاد
بقوله عمر الحاكم بأجرتها أن من له السكنى لا
تصح إجارته لأنه غير مالك كذا في الهداية
وأورد عليه أنه إن أراد أنه ليس بمالك للمنفعة
وإنما أبيح له الانتفاع كما اختاره في العناية
وغاية البيان لزم أن لا يملك الإعارة والمنقول
في الخصاف أنه يملكها فلولا أنه مالك للمنفعة
لما ملكها لأنها تمليك المنافع وإن أراد أنه
ليس بمالك للعين. والإجارة تتوقف على ملك
العين لزم أن لا تصح إجارة المستأجر فيما لا
يختلف باختلاف المستعمل وأن لا تصح إعارته
وهما صحيحان فالأولى أن يقال كما في فتح
القدير لأنه يملك المنافع بلا بدل فلا يملك
تمليكها ببدل وهو الإجارة وإلا لملك أكثر مما
ملك بخلاف الإعارة ولا فرق في هذا الحكم أعني
عدم الإجارة بين الموقوف عليه السكنى وغيره
فلا يملكها المستحق للغلة أيضا. ونص الأسروشني
أن إجارة الموقوف عليه لا تجوز وإنما يملك
الإجارة المتولي أو القاضي ونقل عن الفقيه أبي
جعفر إن كان الأجر كله للموقوف عليه فإن كان
الوقف لا يسترم تجوز إجارته وهذا في الدور
والحوانيت وأما الأراضي فإن كان الواقف شرط
تقديم العشر والخراج وسائر المؤن فليس للموقوف
عليه أن يؤاجر وإن لم يشترط ذلك يجب أن يجوز
ويكون الخراج والمؤنة عليه والدعوى من الموقوف
عليه غير مسموعة على الصحيح وبه يفتى كذا في
جامع الفصولين فإن قلت إذا لم يصح إيجاره ما
حكم الأجرة التي آجرها قلت ينبغي أن تكون
للوقف ولم أره صريحا ولو قالوا عمرها المتولي
أو القاضي لكان أولى. فظاهر قولهم إنما يملك
الإجارة المتولي أو القاضي أن للقاضي
الاستقلال بالإجارة ولو أبى المتولي إلا أن
يكون المراد التوزيع فالقاضي يؤجرها إن لم يكن
لها متول أو كان لها وأبى الأصلح وأما مع حضور
المتولي فليس للقاضي ذلك وستزداد وضوحا إن شاء
الله تعالى بعد ولم يذكر الشارحون حكم العمارة
من المتولي أو القاضي هل هي مملوكة لمن له
السكنى أو لا وفي المحيط فإن
ج / 5 ص -343-
ويصرف
نقضه إلى عمارته إن احتاج وإلا حفظه للاحتياج
ولا يقسمه بين مستحقي الوقف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجر القيم وأنفق الأجرة في العمارة فتلك
العمارة المحدثة تكون لصاحب السكنى لأن الأجرة
بدل المنفعة وملك المنفعة كانت مستحقة لصاحب
السكنى. فكذا بدل المنفعة تكون له والقيم إنما
أجر لأجله ا هـ. ومقتضاه أنه لو مات تكون
ميراثا كما لو عمرها بنفسه وفي فتح القدير ولو
لم يرض الموقوف عليه السكنى بالعمارة ولم يجد
من يستأجرها لم أر حكم هذه في المنقول من
المذهب والحال فيها يؤدي إلى أن تصير نقضا على
الأرض كوما تسفوه الرياح وخطر لي أنه يخيره
القاضي بين أن يعمرها ليستوفي منفعتها وبين أن
يردها إلى ورثة الواقف ا هـ. وهو عجيب لأنهم
صرحوا باستبدال الوقف إذا خرب وصار لا ينتفع
به وهو شامل للأرض والدار.
قال في الذخيرة وفي المنتقى قال هشام سمعت
محمدا يقول الوقف إذا صار بحيث لا ينتفع به
المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره
وليس ذلك إلا للقاضي. ا هـ. وأما عود الوقف
بعد خرابه إلى ملك الواقف أو ورثته فقد قدمنا
ضعفه. والحاصل أن الموقوف عليه السكنى إذا
امتنع من العمارة ولم يوجد مستأجر باعها
القاضي واشترى بثمنها ما يكون وقفا.
وفي الولوالجية خان أو رباط سبيل أراد أن يخرب
يؤاجره المتولي وينفق عليه فإذا صار معمورا لا
يؤاجره لأنه لو لم يؤاجره يندرس. ا هـ. لكن
ظاهر كلام المشايخ أن محل الاستبدال عند
التعذر إنما هو الأرض لا البيت وقد حققناه في
رسالة في الاستبدال1.
قوله "ويصرف نقضه إلى عمارته إن احتاج وإلا
حفظه للاحتياج ولا يقسمه بين مستحقي الوقف"
بيان لما انهدم من بناء الوقف وخشبه والنقض
بالضم البناء المنقوض والجمع نقوض وعن الوبري
النقض بالكسر لا غير كذا في المغرب.
وذكر في القاموس أولا أن النقض بالكسر المنقوض
وثانيا أنه بالضم ما انتقض من البنيان وذكر أن
الجمع أنقاض ونقوض وفاعل يصرف الحاكم كما صرح
به في الهداية لأنه المحدث عنه بقوله عمرها
الحاكم وقدمنا أنه لا فرق بين المتولي والحاكم
في الإجارة والتعمير فكذا في النقض وقد سوى
بين القاضي والمتولي في الحاوي القدسي فإن
احتاج الوقف إلى عود النقض أعاده لحصول
المقصود به وإن استغنى عنه أمسكه إلى أن يحتاج
إلى عمارته ولا يجوز قسمته بين مستحقي الوقف
لأنه جزء من العين ولا حق للموقوف عليهم فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمها: تحرير المقال في حكم الاستدلال ا هـ
هدية العارية "1/378" وفهرس مخطوطات دار الكتب
الظاهرية الفقه الحنفي "1/369".
ج / 5 ص -344-
وإن
جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية
إليه صح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما حقهم في المنافع والعين حق الله تعالى
فلا يصرف لهم غير حقهم ولم يذكر المصنف بيعه
قال في الهداية وإن تعذر إعادة عينه إلى موضعه
بيع وصرف ثمنه إلى المرمة صرفا للبدل إلى مصرف
المبدل. ا هـ. وظاهره أنه لا يجوز بيعه حيث
أمكن إعادته وهل يفسد البيع أو يصح مع إثم
المتولي لم أره صريحا وينبغي الفساد وقدمنا
أنه لا يجوز بيع بعض الموقوف لمرمة الباقي
بثمن ما باع زاد في التتارخانية أن المشتري لو
هدم البناء ينبغي عزل الناظر ولا ينبغي للقاضي
أن يأتمن الخائن وسبيله أن يعزله. ا هـ.
وفي الحاوي فإن خيف هلاك النقض باعه الحاكم
وأمسك ثمنه لعمارته عند الحاجة. ا هـ. فعلى
هذا يباع النقض في موضعين عند تعذر عوده وعند
خوف هلاكه والمراد ما انهدم من الوقف فلو
انهدم الوقف كله فقد سئل عنه قارئ الهداية
بقوله سئل عن وقف تهدم ولم يكن له شيء يعمر
منه ولا أمكن إجارته ولا تعميره هل تباع
أنقاضه من حجر وطوب وخشب أجاب إن كان الأمر
كذلك صح بيعه بأمر الحاكم أو يشترى بثمنه وقف
مكانه فإذا لم يمكن رده إلى ورثة الواقف إن
وجدوا وإلا صرف إلى الفقراء ا هـ.
قوله "وإن جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل
الولاية إليه صح" أي لو شرط عند الإيقاف ذلك
اعتبر شرطه أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف
ولا يجوز على قياس قول محمد من اشتراط التسليم
إلى المتولي عنده وقيل إن الاختلاف بينهما
بناء على اشتراط القبض والإفراز وقيل هي مسألة
مبتدأة فالخلاف فيما إذا شرط البعض لنفسه في
حياته وبعد موته للفقراء وفيما إذا شرط الكل
لنفسه في حياته وبعده للفقراء. وجه قول محمد
إن الوقف شرع على وجه التمليك بالطريق الذي
قدمناه فاشتراطه الكل أو البعض لنفسه يبطله
لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة
المنفذة وشرط بعض بقعة المسجد لنفسه ولأبي
يوسف ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يأكل من صدقته1 والمراد منها صدقته الموقوفة
ولا يحل الأكل منه إلا بالشرط فدل على صحته
ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على
وجه القربة على ما بيناه فإذا شرط البعض أو
الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكا لله تعالى
لنفسه لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه وهذا جائز
كما إذا بنى خانا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة
وشرط أن ينزله أو يشرب منه أو يدفن فيه ولأن
مقصوده القربة وفي الصرف إلى نفسه ذلك قال
عليه السلام "نفقة الرجل على نفسه صدقة"2. وفي
فتح القدير فقد ترجح قول أبي يوسف قال الصدر
الشهيد والفتوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/479" وقال
غريب.
2 ذكره الزيلعي في نضب الراية "3/479" وذكره
الهيثمي في مجمع الزوائد "3/120" وأخرجه
الطبراني في الأزوسط "3911".
ج / 5 ص -345-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على قول أبي يوسف ونحن أيضا نفتي بقوله ترغيبا
للناس في الوقف واختاره مشايخ بلخ وكذا ظاهر
الهداية حيث أخر وجهه ولم يدفعه ومن صور
الاشتراط لنفسه ما لو قال أن يقضي دينه من
غلته وكذا إذا قال إذا حدث علي الموت وعلي دين
يبدأ من غلة هذا الوقف بقضاء ما علي فما فضل
فعلى سبيله كل ذلك جائز وفي وقف الخصاف فإذا
شرط أن ينفق على نفسه وولده وحشمه وعياله من
غلة هذا الوقف فجاءت غلته فباعها وقبض ثمنها
ثم مات قبل أن ينفق ذلك هل يكون ذلك لورثته أو
لأهل الوقف قال يكون لورثته لأنه قد حصل ذلك
وكان له فقد عرف أن شرط بعض الغلة لا يلزم
كونه بعضا معينا كالنصف والربع. وكذلك إذا قال
إن حدث على فلان الموت يعني الواقف نفسه أخرج
من غلة هذا الوقف في كل سنة من عشرة أسهم مثلا
سهم يجعل في الحج عنه أو في كفارة أيمانه وفي
كذا وكذا وسمى أشياء أو قال أخرج من هذه
الصدقة في كل سنة كذا وكذا درهما ليصرف في هذه
الوجوه ويصرف الباقي في كذا وكذا على ما سبله.
ا هـ.
وفي الحاوي القدسي المختار للفتوى قول أبي
يوسف ترغيبا للناس في الوقف وتكثيرا للخير
ويتفرع على هذا الاختلاف أيضا ما لو وقف على
عبيده وإمائه فعند محمد لا يجوز وعند أبي يوسف
يجوز كشرطه لنفسه وفرع بعضهم عليه أيضا اشتراط
الغلة لمدبريه وأمهات أولاده وهو ضعيف والأصح
أنه صحيح اتفاقا والفرق لمحمد أن حريتهم ثبتت
بموته فيكون الوقف عليهم كالوقف على الأجانب
ويكون ثبوته لهم حال حياته تبعا لما بعد موته
فما في الهداية والمجتبى من تصحيح أنها على
الخلاف ضعيف قيد بجعل الغلة لنفسه لأنه لو وقف
على نفسه قال أبو بكر الإسكاف لا يجوز وعن أبي
يوسف جوازه وإذا مات صار إلى المساكين ولو قال
أرضي صدقة موقوفة على أن لي غلتها ما عشت قال
هلال لا يجوز هذا الوقف وذكر الأنصاري جوازه
وإذا مات يكون للفقراء كذا في الخانية وفيها
لو وقف وقفا واستثنى لنفسه أن يأكل منه ما دام
حيا ثم مات وعنده من هذا الوقف معاليق عنب أو
زبيب فذلك كله مردود إلى الوقف ولو كان عنده
خبز من بر ذلك الوقف يكون ميراثا لأن ذلك ليس
من الوقف حقيقة. ا هـ.
وحاصله أن المعتمد صحة الوقف على النفس
واشتراط أن تكون الغلة له فما في الخانية من
أنه لو وقف على نفسه وعلى فلان صح نصفه وهو
حصة فلان وبطل حصة نفسه ولو قال على نفسي ثم
على فلان أو قال على فلان ثم على نفسي لا يصح
شيء منه ولو قال على عبدي وعلى فلان صح في
النصف وبطل في النصف ولو قال على نفسي وولدي
ونسلي فالوقف كله باطل لأن حصة النسل مجهولة ا
هـ. مبني على القول الضعيف والعجب منه كيف جزم
به وساقه على طريقة الاتفاق أو الصحيح
ج / 5 ص -346-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم أن الاعتبار في الشروط لما تكلم به
الواقف لا لما كتب في مكتوب الوقف فلو أقيمت
بينة بشرط تكلم به الواقف ولم يوجد في المكتوب
عمل به لما في البزازية وقد أشرنا أن الوقف
على ما تكلم به لا على ما كتب الكاتب فيدخل في
الوقف المذكور وغير المذكور في الصك أعني كل
ما تكلم به ا هـ. ولا خلاف في اشتراط الغلة
لولده فإذا وقف على ولده شمل الذكر و الأنثى
وإن قيده بالذكر لا تدخل الأنثى كالابن ولا
شيء لولد الولد مع وجود الولد فإن لم يوجد له
ولد كانت لولد الابن ولا يدخل ولد البنت في
الوقف على الولد مفردا وجمعا في ظاهر الرواية
وهو الصحيح المفتى به ولو وقف على ولده وولد
ولده اشترك ولده وولد ابنه وصحح قاضي خان دخول
أولاد البنات فيما إذا وقف على أولاده وأولاد
أولاده وصحح عدمه في ولدي ولو قال على ولدي
فمات كانت للفقراء ولا تصرف إلى ولد ولده في
كل بطن إلا بالشرط إلا إذا ذكر البطون الثلاثة
فإنها لا تصرف إلى الفقراء ما بقي أحد من
أولاده وإن سفل ولو وقف على ولديه ثم على
أولادهما فمات أحدهما كان للآخر النصف ونصف
الميت للفقراء لا لولده فإذا مات الآخر صرف
الكل إلى أولاد الأولاد ولو وقف على ولده وليس
له إلا ولد ابن كانت له فإن حدث له ولد كانت
له ولو وقف على محتاجي ولده وليس له إلا ولد
محتاج كان النصف له والآخر للفقراء ولو وقف
على أولاده فماتوا إلا واحدا كان الكل له لا
للفقراء إلا بعد موته. ولو عين الأولاد فكل من
مات كان نصيبه للفقراء لا لأخواته بغير شرط
ولو وقف على أولاده وليس له إلا واحدا أو على
بنيه وليس له إلا ابن واحد كان النصف له
والنصف للفقراء هكذا سوى بين الأولاد والأبناء
في الخانية.
وفرق بينهما في فتح القدير فقال في الأولاد
يستحق الواحد الكل وفي البنين لا يستحق الكل
وقال كأنه مبني على العرف وقد علمت أن المنقول
خلافه ولو وقف على بنيه لا تستحق البنات كعكسه
وبقية التفاريع المتعلقة بالوقف على الأولاد
والأقارب معلومة في الخصاف وغيره. وفرع في
الهداية على الاختلاف بين الشيخين شرط
الاستبدال لنفسه فجوزه أبو يوسف وأبطل محمد
الشرط وصحح الوقف.
وفي الخانية الصحيح قول أبي يوسف لأنه شرط لا
يبطل حكم الوقف لأن الوقف يحتمل الانتقال من
أرض إلى أرض أخرى ويكون الثاني قائما مقام
الأولى فإن أرض الوقف إذا غصبها غاصب وأجرى
عليها الماء حتى صارت بحرا لا تصلح للزراعة
يضمن قيمتها ويشتري بقيمتها أرضا أخرى فتكون
الثانية وقفا على وجه الأولى وكذلك أرض الوقف
إذا قل نزلها لآفة وصارت بحيث لا تصلح للزراعة
أو لا تفضل غلتها عن مؤنها ويكون صلاح الوقف
في
ج / 5 ص -347-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستبدال بأرض أخرى فيصح شرط ولاية الاستبدال
وإن لم يكن للحال ضرورة داعية إلى الاستبدال.
ولو شرط بيعها بما بدا له من الثمن أو أن
يشتري بثمنها عبدا أو يبيعها ولم يزد فسد
الوقف لأنه شرط ولاية الإبطال بخلاف شرط
الاستبدال لأنه نقل وتحويل وأجمعوا أنه إذا
شرط الاستبدال لنفسه في أصل الوقف أن الشرط
والوقف صحيحان ويملك الاستبدال أما بدون الشرط
أشار في السير أنه لا يملك الاستبدال إلا
القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك.
ولو شرط أن يبيعها ويشتري بثمنها أرضا أخرى
ولم يزد صح استحسانا وصارت الثانية وقفا
بشرائط الأولى ولا يحتاج إلى إيقافها كالعبد
الموصى بخدمته إذا قتل خطأ واشترى المولى
بقيمته عبدا آخر ثبت حق الموصى له في خدمته
والمدبر إذا قتل خطأ فاشترى المولى بقيمته آخر
صار مدبرا وليس له أن يستبدل الثانية بأرض
ثالثة لأن الشرط وجد في الأولى فقط ولو شرط
استبدالها بدار لم يكن له استبدالها بأرض فليس
له الاستبدال بدار لأنه لا يملك تغيير الشرط
وله أن يشتري أرض الخراج لأن أرض الوقف لا
تخلو عن وظيفة إما العشر وإما الخراج ولو شرط
استبدالها بدار فليس له استبدالها بأرض ولو
قيد بأرض البصرة تقيد وليس له استبدالها بأرض
الحوز لأن من في يده أرض الحوز بمنزلة الأكار
لا يملك البيع.
ولو أطلق الاستبدال فباعها بثمن ملك الاستبدال
بجنس العقار من دار أو أرض في أي بلد شاء ولو
باعها بغبن فاحش لا يجوز بيعه في قول أبي يوسف
وهلال لأن القيم بمنزلة الوكيل فلا يملك البيع
بغبن فاحش. ولو كان أبو حنيفة يجيز الوقف بشرط
الاستبدال لأجاز بيع القيم بغبن فاحش كالوكيل
بالبيع ولو باعه بثمن مقبوض ومات مجهلا كان
دينا في تركته ولو وهب الثمن صحت وضمن في قول
الإمام وقال أبو يوسف لا تصح الهبة ولو باعها
بعروض ففي قياس قول الإمام يصح ثم يبيعها بنقد
ثم يشتري عقارا أو يبيعها بعقار وقال أبو يوسف
وهلال لا يملكه إلا بالنقد كالوكيل بالبيع ولو
عادت إليه بعد بيعها إن عادت إليه بما هو عقد
جديد لا يملك بيعها ثانيا وإن بما هو فسخ من
كل وجه ملك بيعها ثانيا. ولو باع واشترى
بثمنها أخرى ثم ردت الأولى عليه بعيب بالقضاء
كان له أن يصنع بالأخرى ما شاء والأولى تعود
وقفا ولو بغير قضاء لم ينفسخ البيع في الأولى
ولا تبطل الوقفية في الثانية ويصير مشتريا
بالأولى لنفسه ولو اشترى بثمنها أرضا أخرى
فاستحقت الأولى لا تبقى الثانية وقفا استحسانا
لبطلان المبادلة ولو شرط الاستبدال لنفسه ثم
أوصى به إلى وصيه لا يملك وصيه الاستبدال ولو
وكل وكيلا في حياته صح ولو شرطه لكل متول صح
وملكه كل متول ولو شرط أن لفلان ولاية
الاستبدال فمات الواقف لا يكون لفلان ولايته
بعد موت الواقف إلا أن يشترطه له بعد وفاته
وهذا كله قول أبي يوسف وهلال بناء على جواز
عزل الواقف المتولي فكان وكيله فانعزل بموته
ج / 5 ص -348-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعند محمد لا تبطل ولايته بوفاته لأنه وكيل
الفقراء لا الواقف ولو شرط الاستبدال لرجل آخر
مع نفسه ملك الواقف الاستبدال وحده ولا يملكه
فلان وحده الكل من الخانية. وقد اختلف كلام
قاضي خان في موضع جوزه للقاضي بلا شرط الواقف
حيث رأى المصلحة فيه وفي موضع منه ولو صارت
الأرض بحال لا ينتفع بها والمعتمد أنه بلا شرط
يجوز للقاضي بشرط أن يخرج عن الانتفاع بالكلية
وأن لا يكون هناك ريع للوقف يعمر به وأن لا
يكون البيع بغبن فاحش.
وشرط في الإسعاف أن يكون المستبدل قاضي الجنة
المفسر بذي العلم والعمل كي لا يحصل التطرق
إلى إبطال أوقاف المسلمين كما هو الغالب في
زماننا. ا هـ.
ويجب أن يزاد آخر في زماننا وهو أن يستدل
بعقار لا بالدراهم والدنانير فإنا قد شاهدنا
النظار يأكلونها وقل أن يشترى بها بدل ولم نر
أحدا من القضاة يفتش على ذلك مع كثرة
الاستبدال في زماننا مع أني نبهت بعض القضاة
على ذلك وهم بالتفتيش ثم ترك فإن قلت كيف زدت
هذا الشرط والمنقول السابق عن قاضي خان يرده
قلت لما في السراجية سئل عن مسألة استبدال
الوقف ما صورته وهل هو على قول أبي حنيفة
وأصحابه أجاب الاستبدال إذا تعين بأن كان
الموقوف لا ينتفع به وثم من يرغب فيه ويعطي
بدله أرضا أو دارا لها ريع يعود نفعه على جهة
الوقف فالاستبدال في هذه الصورة قول أبي يوسف
ومحمد وإن كان للوقف ريع ولكن يرغب شخص في
استبداله إن أعطى مكانه بدلا أكثر ريعا منه في
صقع أحسن من صقع الوقف جاز عند القاضي أبي
يوسف والعمل عليه وإلا فلا يجوز ا هـ. فقد عين
العقار للبدل فدل على منع الاستبدال بالدراهم
والدنانير.
وفي القنية مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما
يجوز إذا كانتا في محلة واحدة أو تكون المحلة
مملوكة خيرا من المحلة الموقوفة وعلى عكسه لا
يجوز وإن كانت المملوكة أكثر مساحة وقيمة
وأجرة لاحتمال خرابها في أدون المحلتين
لدناءتها وقلة رغبات الناس فيها ا هـ.
وفي المحيط لو ضاع الثمن من المستبدل لا ضمان
عليه لكونه أمينا كالوكيل بالبيع. ا هـ. وفي
شرح منظومة ابن وهبان لو شرط الواقف أن لا
يستبدل أو يكون الناظر معزولا قبل الاستبدال
أو إذا هم بالاستبدال انعزل هل يجوز استبداله
قال الطرسوسي إنه لا نقل فيه ومقتضى قواعد
المذهب أن للقاضي أن يستبدل إذا رأى المصلحة
في الاستبدال لأنهم قالوا إذا شرط الواقف أن
لا يكون للقاضي أو السلطان كلام في الوقف أنه
شرط باطل وللقاضي الكلام
ج / 5 ص -349-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن نظره أعلى وهذا شرط فيه تفويت المصلحة
للموقوف عليهم وتعطيل للوقف فيكون شرطا لا
فائدة فيه للوقف ولا مصلحة فلا يقبل. ا هـ.
وفيه أيضا فرع مهم وقع السؤال بالقاهرة بعد
سنة سبعين أن الواقف إذا جعل لنفسه التبديل
والتغيير والإخراج والإدخال والزيادة والنقصان
ثم فسر التبديل باستبدال الوقف هل يكون صحيحا
وهل تكون له ولاية الاستبدال والشيخ الإمام
الوالد سقى الله عهده صوب الرضوان أفتى بصحة
ذلك وأنه يكون له ولاية الاستبدال لأن الكلام
ما أمكن حمله على التأسيس لا يحمل على التأكيد
ولفظ التبديل محتمل للمعنى المذكور وحمله على
معنى يغايره فيه ما بعده أولى من جعله مؤكدا
به وبلغني موافقة بعض أصحابنا من الحنفية على
ذلك ومخالفة البعض ثم رفع سؤال آخر عن الواقف
إذا شرط لنفسه ما ذكرنا ثم اشترط بمقتضى ذلك
الشرط أنه شرط لنفسه أن يستبدل بوقفه إذا رأى
ما هو أنفع منه لجهة الوقف فهل يصح الاشتراط
الثاني ويعمل به لأنه من مقتضى الشرط الأول أم
لا فاضطرب فيه إفتاء أصحابنا وكنت ممن أفتى
بصحته وكونه من مقتضى الشرط الأول وأظن أن
الشيخ الإمام وافقني على ذلك وقضى به في
التاريخ المذكور سيما إذا قال الواقف في كتاب
الوقف وأن يشترط لنفسه ما شاء من الشروط
المخالفة لذلك. ا هـ.
وفي فتح القدير لو باع وقبض الثمن ثم مات
مجهلا فإنه يكون ضامنا. ا هـ. وقد وقعت
حادثتان للفتوى إحداهما باع الوقف من ابنه
الصغير فأجبت بأنه لا يجوز اتفاقا كالوكيل
بالبيع باع من ابنه الصغير ولو باع من ابنه
الكبير فكذلك عند الإمام خلافا لهما كما عرف
في الوكالة ثانيتهما باع من رجل له دين على
المستبدل وباعه الوقف بالدين ولم أر فيهما
نقلا وينبغي أن لا يجوز على قول أبي يوسف
وهلال لأنهما لا يجوزان البيع بالعروض فالدين
أولى.
وفي فتح القدير على وزان شرط الاستبدال لو شرط
لنفسه أن ينقص من المعاليم إذا شاء ويزيد
ويخرج من شاء ويستبدل به كان له ذلك وليس
لقيمه إلا أن يجعل له وإذا أدخل وأخرج مرة ليس
له ثانيا إلا بشرطه وفي وقف الخصاف لو شرط أن
لا تباع ثم قال في آخره على أن له الاستبدال
كان له الاستبدال لأن الآخر ناسخ للأول وكذا
لو شرط الاستبدال أولا ثم قال لا تباع امتنع
الاستبدال وإذا شرط الزيادة والنقصان والإدخال
والإخراج كلما بدا له كان ذلك مطلقا له غير
محظور عليه ويستقر الوقف على الحال الذي كان
عليها يوم موته وما شرطه لغيره من ذلك فهو له
ولو شرط لنفسه ما دام حيا ثم للمتولي من بعده
صح ولو جعله للمتولي ما دام الواقف حيا ملكاه
مدة حياته فإذا مات الواقف بطل وليس للمشروط
له ذلك أن يجعله لغيره أو يوصي به له ولو شرط
لنفسه الاستبدال والزيادة والنقصان والإدخال
والإخراج ليس له
ج / 5 ص -350-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يجعل ذلك للمتولي وإنما له ذلك ما دام حيا
ا هـ. ملخصا.
وفي المحيط لو شرط أن يعطي غلتها من شاء له
المشيئة في صرفها إلى من شاء وإذا مات انقطعت
وإن شاء نفسه ليس له ذلك على قول مانعي الوقف
على النفس وإن شاء غنيا معينا جاز كفقير معين
وامتنع التحويل إلى غيره وإن شاء الصرف على
الأغنياء دون الفقراء بطلت المشيئة وإن شاء
صرفها إلى الفقراء دون الأغنياء جازت ولو شرط
أن يعطيها من شاء من بني فلان فشاء واحدا منهم
جاز ولو شاء كلهم بطلت وتكون للفقراء عند أبي
حنيفة قياسا وعندهما جازت وتكون لبني فلان
استحسانا بناء على أن كلمة من للتبعيض عنده
وللبيان عندهما ولو شرط أن يفضل من شاء فله
مشيئة التفضيل دون مشيئة التخصيص ولو وقف على
بني فلان على أن لي إخراج من شئت منهم فإن
أخرج معينا صح ثم إن كان في الوقف غلة وقت
الإخراج ذكر هلال أنه يخرج منها خاصة وعلى
قياس ما ذكر في وصايا الأصل والجامع الصغير
أنه يخرج عن الغلة أبدا فإنه لو أوصى بغلة
بستانه وفي البستان غلة يوم موت الموصي فله
الغلة الموجودة وما يحدث في المستقبل أبدا
وعلى رواية هلال له الموجود فقط وهو المحكي عن
أصحابنا وإن أخرج واحدا مبهما بأن قال أخرجت
فلانا أو فلانا جاز والبيان إليه فإن لم يبين
حتى مات فالغلة تقسم على رءوس الباقين ويضرب
لهذين بسهم فإن اصطلحا أخذاه بينهما وإن أبيا
أو أبى أحدهما وقف الأمر حتى يصطلحا وإن
أخرجهم جميعا فإن كان من غلة هذه السنة صح
وكانت للفقراء وبعدها للموقوف عليهم وإن
أخرجهم من الغلة مطلقا لم يصح قياسا لأن الشرط
للبعض ويصح استحسانا لأنه يراد به الإيثار في
المستأنف وما يبدو له في المستقبل وتكون
للفقراء ا هـ.
وقد وقعت حوادث الفتوى في مسألة الإدخال
والإخراج إلى آخره منها لو قال من له ذلك
بعدما أدخل إنسانا أسقطت حقي من إخراجه ثم
أخرجه هل يخرج ومنها لو قال من له ذلك أسقطت
حقي منه هل يسقط وليس له فعل شيء ومنها لو شرط
الواقف لنفسه الإدخال إلى آخره كلما بدا له
وشرط أن يشترطه لمن شاء فشرطه لغيره وشرط له
ما شرطه لنفسه فشرطه المشروط له لآخر فأراد من
شرطه الواقف له أن يخرج من جعل هذا الشرط له
وأراد المجعول له أن يخرج الجاعل فهل هو للأول
أو للثاني بناء على أن المشروط له ذلك إذا
جعله لغيره هل يبطل ما كان له أو يبقى له ولمن
جعله له ومنها أنه لو شرط ذلك له ولفلان فهل
لأحدهما الانفراد أو لا ولم أر نقلا صريحا
فيها وظاهر ما في الخانية من الشرب أن الحق
يقبل الإسقاط أنه يسقط حقه فإنه صرح بأن حق
الغانم قبل القسمة وحق المسيل المجرد وحق
الموصى له بالسكنى وحق الموصى له بالثلث قبل
القسمة وحق الوارث قبل القسمة يسقط وصرح في
ج / 5 ص -351-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جامع الفصولين من الفصل الثامن والعشرين لو
قال وارث تركت حقي لا يبطل حقه إذ الملك لا
يبطل بالترك والحق يبطل به حتى لو أن أحد
الغانمين قال قبل القسمة تركت حقي بطل حقه
وكذا لو قال المرتهن تركت حقي في حبس الرهن
يبطل ا هـ. فقوله والحق يبطل به يدل على ما
ذكرنا فإن قلت ذكر في الخانية من كتاب
الشهادات من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون
مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله فإنه
لو قال أبطلت حقي كان له أن يطلب ويأخذ بعد
ذلك ا هـ.
قلت بينهما فرق لأن كلامنا فيما إذا كان الحق
لمعين أسقطه وأما ما في الخانية من الشهادات
فالحق لغير معين فإنه وقف مطلق على فقراء
المدرسة وغير معين لا يصح إبطاله وإنما خرج عن
هذا الأصل ما إذا لم يكن الحق لمعين ومثله في
الهبة قال في البزازية لو قال الواهب أسقطت
حقي في الرجوع في الهبة لا يسقط ا هـ.
فإن قلت إذا قال من له الشرط لا حق لي فيها
ولا استحقاق ولا دعوى فهل له ولاية الإدخال
والإخراج مع شرط الواقف قلت ليس له ذلك لكونه
مقرا بأنه لا حق له وهو مؤاخذ بإقراره ولذا
قال الخصاف لو وقف على ولده فأقر بأنه عليه
وعلى زيد عمل بإقراره ما دام حيا حملا على أن
الواقف رجع عن اختصاصه وأشرك معه زيدا إلى
آخره وعلى هذا سئلت فيمن له الإدخال والإخراج
كلما بدا له فأدخل إنسانا فما الحيلة في عدم
جواز إخراجه فأجبت بأنه يقر بأنه لا حق له في
إخراجه ولا تمسك له بما في شرط الواقف فلا
يقدر على إخراجه بعده هذا ما ظهر لي والله
سبحانه وتعالى أعلم وظاهر قوله في فتح القدير
أن مسألة شرط الإدخال والإخراج إلى آخره على
وزان مسألة الاستبدال أن للواقف الانفراد وليس
للآخر الانفراد لما ذكرناه عن الخانية في
مسألة ما إذا شرط الاستبدال لنفسه ولفلان
معللا بأن الواقف هو الذي شرط لذلك الرجل وما
شرط لغيره فهو مشروط لنفسه. ا هـ. وقد يقال لا
فائدة حينئذ في اشتراطه معه لأن الواقف يصح
انفراده فكان كالعدم وظاهر ما في الخانية أنه
مفرع على قول أبي يوسف بجواز عزل المتولي بلا
شرط وأما على قول محمد فالواقف كالأجنبي
فينبغي أن لا يملك الواقف الاستبدال وحده وكذا
الإدخال والإخراج ولم يظهر لي وجه الثالثة.
وأما الثانية أعني اشتراط الولاية للواقف
فالمذكور قول أبي يوسف وهو قول هلال وهو ظاهر
المذهب وذكر هلال في وقفه وقال أقوام إن شرط
الواقف الولاية لنفسه كانت له وإن لم يشترط لم
تكن له ولاية قال مشايخنا والأشبه أن يكون هذا
قول محمد لأن من أصله أن التسليم للقيم شرط
لصحة الوقف فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه ولنا
أن المتولي إنما يستفيد فيه
ج / 5 ص -352-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الولاية من جهته بشرطه فيستحيل أن لا تكون له
الولاية وغيره يستفيد الولاية منه ولأنه أقرب
الناس إلى هذا الوقف فيكون أولى بولايته كمن
اتخذ مسجدا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه
وكمن أعتق عبدا كان الولاء له لأنه أقرب الناس
إليه كذا في الهداية.
وفي الخلاصة إذا شرط الواقف أن يكون هو
المتولي فعند أبي يوسف الوقف والشرط كلاهما
صحيحان وعند محمد وهلال الوقف والشرط كلاهما
باطلان ا هـ. فقد اختلف النقل عن هلال.
وفي الخلاصة إذا شرط في الوقف الولاية لنفسه
وأولاده في عزل القيم واستبداله لهم وما هو من
نوع الولاية وأخرجه من يد المتولي جاز ولو لم
يشترط الولاية لنفسه وأخرجه من يده قال محمد
لا ولاية للواقف والولاية للقيم وكذا لو مات
وله وصي لا ولاية لوصيه والولاية للقيم وقال
أبو يوسف الولاية للواقف وله أن يعزل القيم في
حياته وإذا مات الواقف بطلت ولاية القيم
ومشايخ بلخ يفتون بقول أبي يوسف وقال الصدر
الشهيد والفتوى على قول محمد. ا هـ.
والحاصل أن أبا يوسف لما لم يشترط التسليم إلى
المتولي جاز عنده ابتداء شرط التولية إلى نفسه
وإذا ولى غيره كان وكيلا عنه فله عزله وإذا
مات الواقف بطلت ولايته و محمد لما شرطه
انعكست الأحكام عنده كما قدمناه. والكلام هنا
في الناظر يقع في مواضع الأول في أهله وفيه
بيان عزله وعزل أرباب الوظائف الثاني في
الناظر بالشرط الثالث في الناظر من القاضي
الرابع في تصرفاته وفيه بيان ما عليه من العمل
وماله من الأجرة أما الأول فقال في فتح القدير
الصالح للنظر من لم يسأل الولاية للوقف وليس
فيه فسق يعرف قال وصرح بأنه مما يخرج به
الناظر ما إذا ظهر به فسق كشربه الخمر ونحوه.
ا هـ.
وفي الإسعاف لا يولى إلا أمين قادر بنفسه أو
بنائبه لأن الولاية مقيدة بشرط النظر وليس من
النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود وكذا
تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به ويستوي
فيه الذكر والأنثى وكذا الأعمى والبصير وكذا
المحدود في قذف إذا تاب لأنه أمين. رجل طلب
التولية على الوقف قالوا لا يعطى له وهو كمن
طلب القضاء لا يقلد ا هـ.
والظاهر أنها شرائط الأولوية لا شرائط الصحة
وأن الناظر إذا فسق استحق العزل ولا ينعزل لأن
القضاء أشرف من التولية ويحتاط فيه أكثر من
التولية والعدالة فيه شرط الأولوية حتى يصح
تقليد الفاسق وإذا فسق القاضي لا ينعزل على
الصحيح المفتى به فكذا الناظر ويقر أيخرج في
عبارة ابن الهمام بالبناء للمجهول أي يجب
إخراجه ولا ينعزل ويشترط للصحة
ج / 5 ص -353-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلوغه وعقله لما في الإسعاف ولو أوصى إلى صبي
تبطل في القياس مطلقا وفي الاستحسان هي باطلة
ما دام صغيرا فإذا كبر تكون الولاية له وحكم
من لم يخلق من ولده ونسله في الولاية كحكم
الصغير قياسا واستحسانا. ا هـ. ولا تشترط
الحرية والإسلام للصحة لما في الإسعاف ولو كان
ولده عبدا يجوز قياسا واستحسانا لأهليته في
ذاته بدليل أن تصرفه الموقوف لحق المولى ينفذ
عليه بعد العتق لزوال المانع بخلاف الصبي
والذمي في الحكم كالعبد فلو أخرجهما القاضي ثم
أعتق العبد وأسلم الذمي لا تعود الولاية
إليهما ا هـ. وأما عزله فقدمنا أن أبا يوسف
جوز عزله للواقف بغير جنحة وشرط لأنه وكيله
وخالفه محمد وأما عزل القاضي له فشرطه أن يكون
بجنحة قال في الإسعاف ولو جعلها للموقوف عليه
ولم يكن أهلا أخرجه القاضي وإن كانت الغلة له
وولي عينه مأمونا لأن مرجع الوقف للمساكين
وغير المأمون لا يؤمن عليه من تخريب أو بيع
فيمتنع وصوله إليهم ولو أوصى الواقف إلى جماعة
وكان بعضهم غير مأمون بدله القاضي بمأمون وإن
رأى إقامة واحد منهم مقامه فلا بأس به. ا هـ.
وفي جامع الفصولين من الثالث عشر القاضي لا
يملك نصب وصي وقيم مع بقاء وصي الميت وقيمه
إلا عند ظهور الخيانة منهما ومن الفصل الأول
معزيا إلى فوائد شيخ الإسلام برهان الدين1 شرط
الواقف أن يكون المتولي من أولاده وأولاد
أولاده هل للقاضي أن يولي غيره بلا خيانة ولو
ولاه هل يصير متوليا قال لا. ا هـ. فقد أفاد
حرمة تولية غيره وعدم صحتها لو فعل.
وفي القنية نصب القاضي قيما آخر لا ينعزل
الأول إن كان منصوب الواقف. ا هـ. والحاصل أن
تصرف القاضي في الأوقاف مقيد بالمصلحة لا أنه
يتصرف كيف شاء فلو فعل ما يخالف شرط الواقف
فإنه لا يصح إلا لمصلحة ظاهرة ولذا قال في
الذخيرة وغيرها القاضي إذا قرر فراشا في
المسجد بغير شرط الواقف وجعل له معلوما فإنه
لا يحل للقاضي ذلك ولا يحل للفراش تناول
المعلوم. ا هـ. فإن قلت: في تقرير الفراش
مصلحة قلت: يمكن خدمة المسجد بدون تقريره بأن
يستأجر المتولي فراشا له والممنوع تقريره في
وظيفة تكون حقا له ولذا صرح قاضي خان بأن
للمتولي أن يستأجر خادما للمسجد بأجرة المثل
واستفيد منه عدم صحة تقرير القاضي في بقية
الوظائف بغير شرط الواقف كشهادة ومباشرة وطلب
بالأولى وحرمة المرتبات بالأوقاف بالأولى
واستفيد من عدم صحة عزل الناظر بغير جنحة
عدمها لصاحب وظيفة في وقف ويدل عليه أيضا ما
في البزازية وغيرها غاب المتولي المتعلم عن
البلد أياما ثم رجع وطلب وظيفته فإن خرج مسيرة
سفر ليس له طلب ما مضى وكذا إذا خرج وأقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو لبرهان الدين صاحب المحيط ذكرها في كشف
الظنون "2/1296".
ج / 5 ص -354-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خمسة عشر يوما وإن أقل من ذلك لأمر لا بد له
منه كطلب القوت والرزق فهو عفو ولا يحل لغيره
أن يأخذ حجرته وتبقى حجرته ووظيفته على حالها
إذا كانت غيبته مقدار شهر إلى ثلاثة أشهر فإذا
زاد كان لغيره أخذ حجرته ووظيفته وإن كان في
المصر ولا يختلف للتعلم فإن اشتغل بشيء من
الكتابة المحتاج إليها كالعلوم الشرعية تحل له
الوظيفة وإن لعمل آخر لا تحل له ويجوز أن تؤخذ
حجرته ووظيفته. ا هـ. لقوله ولا يحل لغيره أن
يأخذ حجرته ووظيفته فإذا حرم الأخذ مع الغيبة
فكيف مع الحضرة والمباشرة فلا يحل عزل القاضي
لصاحب وظيفة بغير جنحة وعدم أهلية ولو فعل لم
يصح واستفيد من البزازية جواز إخراج الوظائف
بحكم الشغور لقوله وإن لعمل آخر لا تحل ويجوز
أخذ وظيفته وحجرته وإن الشغور إنما هو بخروجه
عن المصر وإقامته زائدا على ثلاثة أشهر أو
بتركه المباشر وهو في المصر بشرط أن يشتغل
بعمل آخر وذكر ابن وهبان في شرح المنظومة أن
في قوله ليس له أن يطلب الوظيفة إشارة إلى أنه
لا ينعزل عنها وفي قوله لا يؤخذ بيته إن غاب
أقل من ثلاثة أشهر إشارة إلى أنه يؤخذ إذا كان
أكثر وكذا ينبغي أن تؤخذ الوظيفة أيضا لا سيما
إذا كان مدرسا إذ المقصود يقوم به بخلاف
الطالب فإن الدرس يقوم بغيره.
قال ابن الشحنة في شرح المنظومة وهذا يدل على
أنه فهم من الوظيفة ما هو المتعارف في زماننا
وليس هو المراد بل المراد بالوظيفة ما يخصه من
ريع وقف المدرسة فإن أصل المسألة في قاضي خان
في الوقف على ساكني دار المختلفة فالمراد سقوط
سهمه فيعطى لذلك ثم إنه قال ينبغي أن تكون
الغيبة المسقطة للمعلوم المقتضية للعزل في غير
فرض كالحج وصلة الرحم وأما فيهما فلا يستحق
العزل ولا يأخذ المعلوم وهذا كله مفهوم من
عبارة قاضي خان لا يقال فيه ينبغي بل هو مفهوم
عبارة الأصحاب وهذا كله فيما إذا كان الوقف
على ساكني دار المختلفة أما إذا شرط الواقف في
ذلك كله شروطا اتبعت ا هـ. والله أعلم وبهذا
ظهر غلط من يستدل من المدرسين أو الطلبة بما
في الفتاوى على استحقاقه المعلوم بلا حضور
الدرس لاشتغاله بالعلم في غير تلك المدرسة فإن
الواقف إذا شرط على المدرسين والطلبة حضور
الدرس في المدرسة أياما معلومة في كل جمعة
فإنه لا يستحق المعلوم إلا من باشر خصوصا إذا
قال الواقف إن من غاب عن المدرسة يقطع معلومه
فإنه يجب اتباعه ولا يجوز للناظر الصرف إليه
زمن غيبته. وعلى هذا لو شرط الواقف أن من زادت
غيبته على كذا أخرجه الناظر وقرر غيره اتبع
شرطه فلو لم يعزله الناظر وباشر لا يستحق
المعلوم فإن قلت: إذا كان له درس في جامع
ولازمه بنية أن يكون عما عليه في مدرسة هل
يستحق معلوم المدرسة قلت: لا يستحق إلا إذا
باشر في المكان المعين بكتاب الوقف لقوله في
شرح المنظومة.
ج / 5 ص -355-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما لو شرط الواقف في ذلك شروطا اتبعت فإن
قلت: قال في القنية وقف وشرط أن يقرأ عند قبره
التعيين باطل وصرحوا في الوصايا بأنه لو أوصى
بشيء لمن يقرأ عند قبره فالوصية باطلة فدل على
أن المكان لا يتعين وبه تمسك بعض الحنفية من
أهل العصر. قلت: لا يدل لأن صاحب الاختيار
علله بأن أخذ شيء للقراءة لا يجوز لأنه
كالأجرة فأفاد أنه مبني على غير المفتى به فإن
المفتى به جواز الأخذ على القراءة فيتعين
المكان والذي ظهر لي أنه مبني على قول أبي
حنيفة بكراهة القراءة عند القبر فلذا يبطل
التعيين والفتوى على قول محمد من عدم كراهة
القراءة عنده كما في الخلاصة فيلزم التعيين
وقد سمعت بعض المدرسين من الحنفية يتمسك على
عدم تعيين المكان بقولهم لو نذر الصلاة في
الحرم لا يتعين المكان فكذا إذا عينه الواقف
وهذه غفلة عظيمة لأن الناذر لو عين فقيرا لا
يتعين والواقف لو عين إنسانا للصرف تعين حتى
لو صرف الناظر لغيره كان ضامنا فكيف يقاس
الوقف على النذر. فإن قلت قد قدمت عن الخلاصة
أنه لو وقف مصحفا على المسجد جاز ويقرأ في ذلك
المسجد وفي موضع آخر ولا يكون مقصورا على هذا
المسجد فهذا يدل على عدم تعيين المكان قلت ليس
فيه أنه شرط أن يقرأ فيه في ذلك المسجد وإنما
أطلق وكلامنا عند الاشتراط.
وفي القنية سبل مصحفا في مسجد بعينه للقراءة
ليس له بعد ذلك أن يدفعه إلى آخر من غير أهل
تلك المحلة للقراءة ا هـ. فهذا يدل على تعيين
المحلة وأهلها فإن قلت ما يأخذه صاحب الوظيفة
أجرة أو صدقة أو صلة قلت قال الطرسوسي في أنفع
الوسائل إن فيه شوب الأجرة والصلة والصدقة
فاعتبرنا شائبة الأجرة في اعتبار زمن المباشرة
وما يقابله من المعلوم واعتبرنا شائبة الصلة
بالنظر إلى المدرس إذا قبض معلومه ومات أو عزل
في أنه لا يسترد منه حصة ما بقي من السنة
وأعملنا شائبة الصدقة في تصحيح أصل الوقف فإن
الوقف لا يصح على الأغنياء ابتداء لأنه لا بد
فيه من ابتداء قربة ولا يكون إلا ملاحظة جانب
الصدقة ثم قال قبله إن المأخوذ في معنى الأجرة
وإلا لما جاز للغني فإذا مات المدرس في أثناء
السنة قبل مجيء الغلة وقبل ظهورها من الأرض
وقد باشر مدة ثم مات أو عزل ينبغي أن ينظر وقت
قسمة الغلة إلى مدة مباشرته وإلى مباشرة من
جاء بعده ويبسط المعلوم على المدرسين وينظر كم
يكون منه للمدرس المنفصل والمتصل فيعطى بحسابه
مدته ولا يعتبر في حقه ما قدمناه في اعتبار
زمن مجيء الغلة وإدراكها كما اعتبر في حق
الأولاد في الوقف عليهم بل يفترق الحكم بينهم
وبين المدرس والفقيه وصاحب وظيفة ما في جهات
البر. وهذا هو الأشبه بالفقه والأعدل إلى آخره
وقد كثر وقوع هذه الحادثة بالقاهرة فأفتى بعض
الحنفية بما قالوه في حق الأولاد من اعتبار
مجيء الغلة حتى إن بعضهم يفرغ عن وظيفته قبل
مجيء الغلة بشهر أو
ج / 5 ص -356-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمعة وقد كان باشر غالب السنة فينازعه المنزول
له ويتمسك بما ذكرنا وليس بصحيح لما علمته من
كلام الطرسوسي من قسمته المعلوم بينهما بقدر
المباشرة ولكن بالقاهرة إنما تعتبر الأقساط
فإنهم يؤجرون الأوقاف بأجرة تستحق على ثلاثة
أقساط كما نبه عليه في فتح القدير فيقسم القسط
بينهما بقدر المباشرة. فإن قلت قال ابن الشحنة
معزيا إلى التعليقة في المسائل الدقيقة لابن
الصائغ1 وهو بخطه قال وما يأخذه الفقهاء من
المدارس ليس بأجرة لعدم شروط الإجارة ولا صدقة
لأن الغني يأخذها بل إعانة لهم على حبس أنفسهم
للاشتغال حتى لو لم يحضروا الدرس بسبب اشتغال
وتعليق جاز أخذهم الجامكية ولم يعزها إلى كتاب
لكن فيما تقدم قريبا عن قاضي خان ما يشهد له
حيث علل بأن الكتابة من جملة التعليم.
قلت هو محمول على الأوقاف على الفقهاء من غير
اشتراط حضور درس أياما معينة على ما قدمناه عن
ابن الشحنة ولذا قال في القنية الأوقاف ببخارى
على العلماء لا يعرف من الواقف شيء غير ذلك
فللقيم أن يفضل البعض ويحرم البعض إذا لم يكن
الوقف على قوم يحصون وكذا الوقف على الذين
يختلفون إلى هذه المدرسة أو على متعلمي هذه
المدرسة أو على علمائها يجوز للقيم أن يفضل
البعض ويحرم البعض إن لم يبين الواقف ما يعطي
كل واحد منهم ثم رقم الأوقاف المطلقة على
الفقهاء قيل الترجيح بالحاجة وقيل بالفضل. ا
هـ.
فإن قلت كيف فرق الطرسوسي بين الأولاد وبين
أرباب الوظائف وصريح ما في الفتاوى يخالفه قال
في البزازية إمام المسجد رفع الغلة وذهب قبل
مضي السنة لا يسترد منه غلة بعض السنة والعبرة
لوقت الحصاد فإن كان يؤم في المسجد وقت الحصاد
يستحقه وصار كالجزية وموت الحاكم في خلال
السنة وكذا حكم الطلبة في المدارس. ا هـ.
قلت إن قوله والعبرة لوقت الحصاد إنما هو فيما
إذا قبض معلوم السنة بتمامها وذهب قبل مضيها
لا لاستحقاقه من غير قبض مع أنه في القنية نقل
عن بعض الكتب أنه ينبغي أن يسترد من الإمام
حصة ما لم يؤم فيه. ا هـ.
فإن قلت: هل تجوز النيابة في الوظائف مطلقا أو
بعذر أم لا مطلقا قلت لم أر فيها نقلا عن
أصحابنا إلا ما ذكره الطرسوسي في أنفع الوسائل
فهما من كلام الخصاف فإنه قال قلت أرأيت إن
حلت بهذا القيم آفة من الآفات مثل الخرس
والعمى وذهاب العقل والفالج وأشباه ذلك هل
يكون له الأجر القيم على الوقف قائما أم لا
قال إذا حل به من ذلك شيء يمكنه معه الكلام
والأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو محمد بن عبد الرحمن بن علي المعروف بشمس
الدين بن الصائغ ولد سنة عشر وسبعمائة ا هـ.
من آثاره "التعليقية في المسائل الدقيقة –
مجمع الضرائب ا هـ. الفوائد البهية "175"
الأعلام "6/192".
ج / 5 ص -357-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنهي فالأجر له قائم وإن كان لا يمكنه معه
الكلام والأمر والنهي والأخذ والإعطاء لم يكن
له من هذا الأجر شيء. ا هـ.
قال الطرسوسي فاستنبطنا منه جواب مسألة واقعة
وهي أن المدرس أو الفقيه أو المعيد أو الإمام
أو من كان مباشرا شيئا من وظائف المدارس إذا
مرض أو حج وحصل له ما يسمونه الناس عذرا شرعيا
على اصطلاحهم المتعارف بين الفقهاء أنه لا
يحرم مرسومه المعين بل يصرف إليه ولا تكتب
عليه غيبة ومقتضى ما ذكره الخصاف أنه لا يستحق
شيئا من المعلوم مدة ذلك العذر. فالمدرس إذا
مرض أو الفقيه أو أحد من أرباب الوظائف فإنه
على ما قال الخصاف إن أمكنه أن يباشر ذلك
استحق وإن كان لا يمكنه أن يباشر ذلك لا يستحق
شيئا من المعلوم وما جعل هذه العوارض عذرا في
عدم منعه عن معلومه المقرر له بل أدار الحكم
في المعلوم على نفس المباشر فإن وجدت استحق
المعلوم وإن لم توجد لا يكون له معلوم وهذا هو
الفقه واستخرجنا أيضا من هذا البحث والتقرير
جواب مسألة أخرى وهي أن الاستنابة لا تجوز
سواء كان لعذر أو لغير عذر فإن الخصاف لم يجعل
له أن يستنيب مع قيام الأعذار التي ذكرها ولو
كانت الاستنابة تجوز كأن قال ويجعل له من يقوم
مقامه إلى أن يزول عذره وهذا أيضا ظاهر الدليل
وهو فقه حسن ا هـ.
وقدمنا عن ابن وهبان أنه إذا سافر للحج أو صلة
الرحم لا ينعزل ولا يستحق المعلوم مع أنهما
فرضان عليه وإلا ما ذكر في القنية استخلف
الإمام خليفة في المسجد ليؤم فيه زمان غيبته
لا يستحق الخليفة من أوقاف الإمامة شيئا إن
كان الإمام أم أكثر السنة. ا هـ.
وحاصله أن النائب لا يستحق من الوقف شيئا لأن
الاستحقاق بالتقرير لم يوجد ويستحق الأصيل
الكل إن عمل أكثر السنة وسكت عما يعينه الأصيل
للنائب كل شهر في مقابلة عمله هل يستحقه
النائب عليه أو لا والظاهر أنه يستحقه لأنها
إجارة وقد وفى العمل بناء على قول المتأخرين
المفتى به من جواز الاستئجار على الإمامة
والتدريس وتعليم القرآن وعلى هذا إذا لم يعمل
الأصيل وعمل النائب كانت الوظيفة شاغرة ولا
يجوز للناظر الصرف إلى واحد منهما ويجوز
للقاضي عزله وعمل الناس بالقاهرة على جواز
الاستنابات في الوظائف وعدم اعتبارها شاغرة مع
وجود النيابة.
ثم رأيت في الخلاصة من كتاب القضاء أن الإمام
يجوز استخلافه بلا إذن بخلاف القاضي وعلى هذا
لا تكون وظيفته شاغرة وتصح النيابة ومما يرد
على الطرسوسي أن الخصاف صرح بأن للقيم أن يوكل
وكيلا يقوم مقامه وله أن يجعل له من معلومه
شيئا وكذا في الإسعاف وهذا
ج / 5 ص -358-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصريح بجواز الاستنابة لأن النائب وكيل
بالأجرة كما لا يخفى فالذي تحرر جواز
الاستنابة في الوظائف فإن قلت: هل للناظر قطع
معلوم صاحب الوظيفة بقول كاتب الغيبة وحده مع
دعوى المستحق حضوره.
قلت: لم أر فيها نقلا لأصحابنا وإنما ذكره
الإمام السبكي في فتاواه1 أنه لا يجوز القطع
بقول كاتب الغيبة وحده وصرح بأنه لا يحل لكاتب
الغيبة أن يكتب عليه حتى يعلم أن غيبته كانت
لغير عذر لكن هذا مبني على مذهبه من أن الغيبة
لعذر لا توجب الحرمان وأما على ما قدمناه من
عدم الاستحقاق فلا وسيأتي شيء من أحكام
الوظائف في بيان تصرفات الناظر إن شاء الله
تعالى.
الموضع الثاني في الناظر بالشرط قدمنا أن
الولاية للواقف ثابتة مدة حياته وإن لم
يشترطها وأن له عزل المتولي وأن من ولاه لا
يكون له النظر بعد موته إلا بالشرط على قول
أبي يوسف ولو نصب الواقف عند موته وصيا ولم
يذكر من أمور الواقف شيئا تكون ولاية الوقف
إلى الوصي ولو جعله وصيا في أمر الوقف فقط كان
وصيا في الأشياء كلها عند أبي حنيفة و محمد
خلافا لأبي يوسف وهلال. وليس لأحد الناظرين
التصرف بغير رأي الآخر وعلى قياس قول أبي يوسف
يجوز.
ولو أوصى أحدهما الآخر عند موته وكان للباقي
الانفراد ولو شرط أن لا يوصي به المتولي عند
موته امتنع الإيصاء ولو جعلها الرجلين فقبل
أحدهما ورد الآخر ضم القاضي إلى من قبل رجلا
أو فوض للقابل بمفرده ولو جعلها لفلان إلى أن
يدرك ولدي فإذا أدرك كان شريكا له لا يجوز ما
جعله لابنه في رواية الحسن وقال أبو يوسف يجوز
ولو أوصى إلى رجل بأن يشتري بمال سماه أرضا
ويجعلها وقفا سماها له وأشهد على وصيته جاز
ويكون متوليا وله الإيصاء به لغيره ولو نصب
متوليا على وقفه ثم وقف وقفا آخر ولم يجعل له
متوليا لا يكون متولي الأول متوليا على الثاني
إلا بأن يقول أنت وصيي ولو وقف أرضين وجعل لكل
متوليا لا يشارك أحدهما الآخر. ولو جعل ولاية
وقفه لرجل ثم جعل رجلا آخر وصيه يكون شريكا
للمتولي في أمر الوقف إلا أن يقول وقفت أرضي
على كذا وكذا وجعلت ولايتها لفلان وجعلت فلانا
وصيا في تركاتي وجميع أموري فحينئذ ينفرد كل
منهما بما فوض إليه كذا في الإسعاف ومنه يعلم
جواب حادثة وجد مكتوبان شهد أحدهما بأن
المتولي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي "فتاوى السبكي" للشيخ تقي الدين علي بن
عبد الكافي السبكي جمعها ولده تاج الدين عبد
الوهاب في ثلاث مجلدات ا هـ كشف الظنون
"2/1223".
ج / 5 ص -359-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلان وشهد الآخر بأن المتولي رجل غيره والثاني
متأخر التاريخ فأجبت بأنهما يشتركان ولا يقال
إن الثاني ناسخ كما تقدم عن الخصاف في الشرائط
لأنا نقول إن التولية من الواقف خارجة عن حكم
سائر الشرائط لأن له فيها التغيير والتبديل
كلما بدا له من غير شرط في عقدة الوقف على قول
أبي يوسف وأما باقي الشرائط فلا بد من ذكرها
في أصل الوقف. ثم قال في الإسعاف ولو جعل
الولاية لأفضل أولاده وكانوا في الفضل سواء
تكون لأكبرهم سنا ذكرا كان أو أنثى ولو قال
الأفضل فالأفضل من أولادي فأبى أفضلهم القبول
أو مات يكون لمن يليه فيه وهكذا على الترتيب
كذا ذكر الخصاف وقال هلال القياس أن يدخل
القاضي بدله رجلا ما كان حيا فإذا مات صارت
الولاية إلى الذي يليه في الفضل ولو كان
الأفضل غير موضع أقام القاضي رجلا يقوم بأمر
الوقف ما دام الأفضل حيا فإذا مات ينتقل إلى
من يليه فيه فإذا صار أهلا بعد ذلك ترد
الولاية إليه وهكذا الحكم لو لم يكن فيهم أحد
أهلا لها. فإن القاضي يقيم أجنبيا إلى أن يصير
منهم أحد أهلا فترد إليه ولو صار المفضول من
أولاده أفضل ممن كان أفضلهم تنتقل الولاية
إليه بشرطه إياها لأفضلهم فينظر في كل وقت إلى
أفضلهم كالوقف على الأفقر فالأفقر من ولده
فإنه يعطى الأفقر منهم. وإذا صار غيره أفقر
منه يعطى الثاني ويحرم الأول ولو جعلها لاثنين
من أولاده وكان فيهم ذكر وأنثى صالحين للولاية
تشاركه فيها لصدق الولد عليها أيضا بخلاف ما
لو قال الرجلين من أولادي فإنه لا حق لها
حينئذ ولو جعلها الرجل ثم عند وفاته قال قد
أوصيت إلى فلان ورجعت عن كل وصية لي بطلت
ولاية المتولي وصارت للوصي ولو قال رجعت عما
أوصيت به ولم يوص إلى أحد ينبغي للقاضي أن
يولي غيره من يوثق به لبطلان الوصية برجوعه. ا
هـ. ما في الإسعاف وفي الظهيرية إذا شرطها
لأفضلهم واستوى اثنان في الديانة والسداد
والفضل والرشاد فالأعلم بأمر الوقف أولى ولو
كان أحدهما أكثر ورعا وصلاحا والآخر أوفر علما
بأمور الوقف فالأوفر علما أولى بعد أن يكون
بحال تؤمن خيانته وغائلته ولو جعل الولاية إلى
عبد الله حتى يقدم زيد فهو كما قال فإذا قدم
زيد فكلاهما واليان عند أبي حنيفة المتولي إذا
أراد أن يفوض إلى غيره عند الموت إن كان
الولاية بالإيصاء يجوز وإذا أراد أن يقيم غيره
مقام نفسه في حياته وصحته لا يجوز إلا إذا كان
التفويض إليه على سبيل التعميم ا هـ. فإن قلت:
لو شرطه للرشيد الصالح من ولده فمن يستحقه قلت
فسر الخصاف الصالح بمن كان مستورا ليس بمهتوك
ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطريقة سليم
الناحية كامن الأذى قليل السوء ليس بمعاقر
للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال وليس بقذاف
المحصنات ولا معروفا بالكذب فهذا عندنا من أهل
الصلاح وكذا إذا قال من أهل العفاف أو الفضل
ج / 5 ص -360-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو الخير فالكل سواء. ا هـ. والظاهر أن الرشد
صلاح المال وهو حسن التصرف. الموضع الثالث في
الناظر المولى من القاضي ينصبه القاضي في
مواضع:
الأول إذا مات الواقف ولم يجعل ولايته إلى أحد
ولا يجعله من الأجانب ما دام يجد من أهل بيت
الواقف من يصلح لذلك إما لأنه أشفق أو لأن من
قصد الواقف نسبة الوقف إليه وذلك فيما ذكرنا
فإن لم يجد فمن يصلح من الأجانب فإن أقام
أجنبيا ثم صار من ولده من يصلح صرفه إليه كذا
في الإسعاف.
الثاني إذا مات المتولي المشروط له بعد الواقف
فإن القاضي ينصب غيره وشرط في المجتبى أن لا
يكون المتولي أوصى به إلى رجل عند موته فإن
كان أوصى لا ينصب القاضي وقيدنا بموته بعد
الواقف لأنه لو مات قبل الواقف قال في المجتبى
ولاية النصب إلى الواقف وفي السير الكبير قال
محمد النصب إلى القاضي. ا هـ. وفي الفتاوى
الصغرى إذا مات المتولي والواقف حي فالرأي في
نصب قيم آخر إلى الواقف لا إلى القاضي فإن كان
الواقف ميتا فوصيه أولى من القاضي فإن لم يكن
أوصى إلى أحد فالرأي في ذلك إلى القاضي ا هـ.
فأفاد أن ولاية القاضي متأخرة عن المشروط له
ووصيه فيستفاد منه عدم صحة تقرير القاضي في
الوظائف في الأوقاف إذا كان الواقف شرط
التقرير للمتولي وهو خلاف الواقع في القاهرة
في زماننا وقبله بيسير وفي فتح القدير وغيره
وأما نصب المؤذن والإمام فقال أبو نصر لأهل
المحلة وليس الباني للمسجد أحق منهم بذلك وقال
أبو بكر الإسكاف الباني أحق بنصبهما من غيره
كالعمارة قال أبو الليث وبه نأخذ إلا أن يريد
إماما ومؤذنا والقوم يريدون الأصلح فلهم أن
يفعلوا ذلك ا هـ. وفي التتارخانية الوقف إذا
كان على أرباب معلومين يحصى عددهم إذا نصبوا
متوليا بدون استطلاع رأي القاضي يصح إذا كانوا
من أهل الصلاح والمتقدمون قالوا الأولى أن
يرفعوا إلى القاضي ومشايخنا المتأخرون قالوا
الأولى أن لا يرفعوا إلى القاضي ثم قال فيها
أيضا سئل شيخ الإسلام عن أهل مسجد اتفقوا على
نصب رجل متوليا لمصالح المسجد فتولى ذلك
باتفاقهم هل يصير متوليا ويطلق له التصرف في
مال المسجد كما لو قلده القاضي قال نعم قال
ومشايخنا المتقدمون يجيبون عن هذه المسألة
ويقولون نعم والأفضل أن يكون ذلك بإذن القاضي
ثم اتفق المشايخ المتأخرون وأستاذونا أن
الأفضل أن ينصبوا متوليا ولا يعلموا القاضي في
زماننا لما عرف من طمع القضاة في أموال
الأوقاف. ا هـ. وهاهنا تنبيه لا بد منه وهو
المراد بالقاضي الذي يملك نصب الوصي والمتولي
ويكون له النظر على الأوقاف قلت وهو قاضي
القضاة لا كل قاض لما في جامع الفصولين من
الفصل السابع والعشرين لو كان الوصي أو
المتولي من جهة الحاكم فالأوثق أن يكتب في
الصكوك والسجلات وهو الوصي من جهة
ج / 5 ص -361-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاكم له ولاية نصب الوصي والتولية لأنه لو
اقتصر على قوله وهو الوصي من جهة الحاكم ربما
يكون من حاكم ليس له ولاية نصب الوصي فإن
القاضي لا يملك نصب الوصي والمتولي إلا إذا
كان ذكر التصرف في الأوقاف والأيتام منصوصا
عليه في منشوره فصار كحكم نائب القاضي فإنه لا
بد فيه أن يذكروا أن فلانا القاضي مأذون
بالإنابة تحرزا عن هذا الوهم. ا هـ. ولا شك أن
قول السلطان جعلتك قاضي القضاة كالتنصيص على
هذه الأشياء في المنشور كما صرح به في الخلاصة
في مسألة استخلاف القاضي وعلى هذا فقولهم في
الاستدانة بأمر القاضي المراد به قاضي القضاة
وفي كل موضع ذكر والقاضي في أمور الأوقاف
بخلاف قولهم وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه فإنه
أعم كما لا يخفى الثالث إذا ظهرت خيانته فإن
القاضي يعزله وينصب أمينا قال في آخر أوقاف
الخصاف ما تقول إن طعن عليه في الأمانة فرأى
الحاكم أن يدخل معه آخر أو يخرجه من يده
ويصيره إلى غيره قال أما إخراجه فليس ينبغي أن
يكون إلا بخيانة ظاهرة مبينة فإذا جاء من ذلك
ما يصح واستحق إخراج الوقف من يده قطع عنه ما
كان أجرى له الواقف. وأما إذا أدخل معه رجلا
في القيام بذلك فالأجر له قائم فإن رأى الحاكم
أن يجعل للرجل الذي أدخل معه شيئا من هذا
المال فلا بأس بذلك وإن كان المال الذي سمي له
قليلا ضيقا فرأى الحاكم أن يجعل للرجل الذي
أدخله معه رزقا من غلة الوقف فلا بأس بذلك
وينبغي للحاكم أن يقتصد فيما يجريه من ذلك ثم
قال ما تقول إن كان الحاكم أخرجه من القيام
بأمر هذا الوقف وقطع عنه ما كان أجراه له
الواقف ثم جاء حاكم آخر فتقدم إليه هذا الرجل
وقال إن الحاكم الذي كان قبلك إنما أخرجني من
القيام بأمر هذا الوقف بتحامل من قوم سعوا به
إليه ولم يصح علي شيء استحق به إخراجي من
القيام بأمر هذا الوقف قال أمور الحاكم عندنا
إنما تجري على الصحة والاستقامة ولا ينبغي
للحاكم أن يقبل قول هذا الرجل فيما ادعاه على
الحاكم المتقدم ولكن يقول صحح أنك موضع للقيام
بأمر هذا الوقف أردك إلى القيام بذلك فإن صح
عند هذا الحاكم أنه موضع لذلك رده وأجرى ذلك
المال له وكذلك لو أن الحاكم الذي كان أخرجه
صح عنده أنه بعد ذلك أناب ورجع عما كان عليه
وصار موضعا للقيام به وجب أن يرده إلى ذلك
ويرد عليه المال الذي كان الواقف جعله له ا
هـ. وقد علمت فيما سبق أنه لو عزله بغير جنحة
لا ينعزل فإن قلت كيف يعيد الطالب للتولية بعد
عزله إذا أناب ورجع مع قولهم طالب التولية لا
يولى قلت محمول على طلبها ابتداء وأما طلب
العود بعد العزل فلا جمعا بين كلامهم ومن
الخيانة امتناعه من العمارة قال في الخصاف إذا
امتنع من العمارة وله غلة أجبر عليها فإن فعل
فيها وإلا أخرجه من يده ومن الخيانة المجوزة
لعزله أن يبيع الوقف أو بعضه لكن ظاهر ما في
الذخيرة أنه لا بد من هدم المشتري البناء فإنه
قال وإذا خربت أرض الوقف وأراد القيم أن يبيع
بعضها منها ليرم الباقي ليس له ذلك فإن باعه
فهو باطل فإن هدم المشتري البناء أو صرم
ج / 5 ص -362-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النخل فينبغي للقاضي أن يخرج القيم عن هذا
الوقف لأنه صار خائنا ولا ينبغي للقاضي أن
يأمن الخائن بل سبيله أن يعزله ا هـ. ثم قال
بعده قرية وقف على أرباب مسمين في يد المتولي
باع المتولي ورق أشجار التوت جاز لأنه بمنزلة
الغلة فلو أراد المشتري قطع قوائم الشجر يمنع
لأنها ليست بمبيعة ولو امتنع المتولي من منع
المشتري عن قطع القوائم كان ذلك خيانة منه
واستفيد منه أنه إذا لم يمنع من يتلف شيئا
للوقف كان خائنا ويعزل وفي القنية قيم يخلط
غلة الدهن بغلة البواري فهو سارق خائن ا هـ.
فاستفيد منه إذا تصرف بما لا يجوز كان خائنا
يستحق العزل وليقس ما لم يقل فإن قلت إذا ثبتت
خيانته هل للقاضي أن يضم إليه ثقة من غير أن
يعزله قلت نعم لأن المقصود حصل بضم الثقة إليه
قال في القنية متولي الوقف باع شيئا منه أو
أرضه فهو خيانة فيعزل أو يضم إليه ثقة. ا هـ.
ومن أحكام المتولي من القاضي ما في القنية
للمتولي أن يوكل فيما فوض إليه إن عمم القاضي
التفويض إليه وإلا فلا ولو مات القاضي أو عزل
يبقى ما نصبه على حاله. ا هـ. فإن قلت ما حكم
تولية القاضي الناظر حسبة مع وجود الناظر
المشروط له قلت صحيحة إذا شك الناظر أو ارتاب
القاضي في أمانته لقول الخصاف كما نقلناه عنه
وأما إذا أدخل معه رجلا إلخ لا يأخذ من معلوم
المتولي ولا من الوقف شيئا لأنه إنما ولاه
القاضي حسبة أي بغير معلوم الرابع إذا عزل
نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره وهل ينعزل
بعزل نفسه في غيبة القاضي الجواب لا ينعزل حتى
يبلغ القاضي كما صرحوا به في الوصي والقاضي
وظاهر كلامهم في كتاب القضاء أنه ينعزل إذا
علم القاضي سواء عزله القاضي أو لم يعزله وفي
القنية لو قال المتولي من جهة الواقف عزلت
نفسي لا ينعزل إلا أن يقول له أو للقاضي
فيخرجه. ا هـ. ومن عزل نفسه الفراغ عن وظيفة
النظر لرجل عند القاضي وهل يجب على القاضي أن
يقرر المنزول له وهكذا في سائر الوظائف فإن لم
يكن المنزول له أهلا لا شك أنه لا يقرره وإن
كان أهلا فكذلك لا يجب عليه وأفتى العلامة
قاسم بأن من فرغ لإنسان عن وظيفته سقط حقه
منها سواء قرر الناظر المنزول له أو لا ا هـ.
فالقاضي بالأولى وقد جرى التعارف بمصر الفراغ
بالدراهم ولا يخفى ما فيه وينبغي الإبراء
العام بعده وفي البزازية المتولي من جهة
الحاكم امتنع من العمل ولم يرفع الأمر بعزل
نفسه إلى الحاكم لا يخرج عن التولية. ا هـ.
فإن قلت هل للقاضي عزل من ولاه بغير جنحة. قلت
نعم قال في القنية نصب القاضي قيما آخر لا
ينعزل الأول إن كان منصوب الواقف وإن كان
منصوبه ويعلمه وقت نصب الثاني ينعزل بخلاف ما
إذا نصب السلطان قاضيا في بلدة لا ينعزل الأول
على أحد القولين لأنه قد تكثر القضاة في بلدة
دون القوام في الوقف في مسجد واحد. ا هـ.
ج / 5 ص -363-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتي عن الخانية أنه مقيد بما إذا رأى
المصلحة.
الموضع الرابع في تصرفات الناظر وفيه بيان ما
عليه وله من المعلوم أول ما يفعله القيم في
غلة الوقف البداءة بالعمارة وأجرة القوام وإن
لم يشترطها الواقف ويتحرى في تصرفاته النظر
للوقف والغبطة حتى لو آجر الوقف من نفسه أو
سكنه بأجرة المثل لا يجوز وكذا إذا آجره من
ابنه أو أبيه أو عبده أو مكاتبه للتهمة ولا
نظر معها كذا في الإسعاف وفي جامع الفصولين
المتولي لو آجر دار الوقف من ابنه البالغ أو
أبيه لم يجز عند أبي حنيفة إلا بأكثر من أجر
المثل كبيع الوصي لو بقيمته صح عندهما ولو
خيرا لليتيم صح عند أبي حنيفة وكذا متول أجر
من نفسه لو خير صح وإلا لا ومعنى الخيرية مر
في بيع الوصي من نفسه وبه يفتى. ا هـ. فعلم أن
ما في الإسعاف ضعيف ولا تجوز إجارته لأجنبي
إلا بأجرة المثل لأن ما نقص يكون إضرارا
بالفقراء كذا في المحيط وفي القنية في الدور
والحوانيت المسبلة في يد المستأجر يمسكها بغبن
فاحش نصف المثل أو نحوه لا يعذر أهل المحلة في
السكوت عنه إذا أمكنهم دفعه ويجب على الحاكم
أن يأمره بالاستئجار بأجرة المثل ويجب عليه
أجر المثل بالغا ما بلغ وعليه الفتوى وما لم
يفسخ كان على المستأجر الأجر المسمى. ا هـ.
وشرط الزيادة أن تكون عند الكل أما لو زادها
واحد أو اثنان تعنتا فإنها غير مقبولة كما صرح
به الإسبيجابي وحاصل كلامهم في الزيادة أن
الساكن لو كان غير مستأجر أو مستأجرا إجارة
فاسدة فإنه لا حق له وتقبل الزيادة ويخرج
ويسلم المتولي العين إلى المستأجر وإن كان
مستأجرا صحيحة فإن كان تعنتا فهي غير مقبولة
أصلا وإن كانت لزيادة أجر المثل عند الكل عرض
المتولي الزيادة على المستأجر فإن قبلها فهو
الأحق وإلا آجرها من الثاني فإن كانت أرضا فهي
كغيرها لكن إن كانت الأرض خالية عن الزراعة
أجرها للثاني وإلا وجبت الزيادة على المستأجر
الأول من وقتها. ووجب تسليم السنين الماضية
والمسمى بحسابه قبلها لأن الزرع مانع من صحة
الإجارة حيث كان مزروعا بحق وهذا كذلك وإن لم
يكن مزروعا بحق كالغاصب والمستأجر إجارة فاسدة
فإنه لا يمنع صحة الإجارة كما في الظهيرية
والسراجية لكونه لا يمنع التسليم فإن كان
المتولي ساكنا مع قدرته على الرفع لا غرامة
عليه وقد وقعت حوادث الفتوى منها استأجر أرض
الوقف بأجر المثل ثم آجرها لآخر بأقل بنقصان
فاحش فأجبت بالصحة لأن المنافع المملوكة
للمستأجر ليست كالوقف وإنما هي كالملك. ولذا
ملك الإعارة ومنها لو زاد أجر المثل بعدما أجر
المستأجر هل يعرض الأمر على الأول أم الثاني
فأجبت على الأول لأنه المستأجر من المتولي
ومنها لو لم يقبل ونقضت وأجرها المتولي ممن
زاد هل تنتقض الثانية فأجبت
ج / 5 ص -364-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنتقض لكونها مبنية على الأولى فإذا انتقض
الأصل انتقض ما ابتنى عليه كما في الفتاوى
الصغرى من الإجارة الطويلة وعلى هذا لو فسخت
الأولى بخيار رؤية أو عيب بقضاء بطلت الثانية
ومنها لو أجر المتولي جميع جهات الوقف الخراجي
والهلالي بأجرة المثل فزاد أجر مثل بعضها وزاد
فيها غيره هل تؤجر من الآخر بعد العرض على
الأول أو لا فأجبت ينبغي أن لا تقبل الزيادة
لأنه حيث استأجر الجميع إجارة واحدة إنما ينظر
إلى زيادة أجرة الجميع لا كل واحدة ومنها أنه
كيف يعلم القاضي أن الزيادة بسبب زيادة أجر
المثل وهل يحتاج إلى إثبات ذلك. قلت: نعم لما
في الخانية من كتاب الوصايا وصي باع شيئا من
مال اليتيم ثم طلب منه بأكثر مما باع فإن
القاضي يرجع إلى أهل البصر إن أخبره اثنان من
أهل البصر والأمانة أنه باع بقيمته وأن قيمته
ذلك فإن القاضي لا يلتفت إلى من يزيد وإن كان
في المزايدة يشتري بأكثر وفي السوق بأقل لا
ينتقض بيع الوصي لأجل تلك الزيادة بل يرجع إلى
أهل البصر والأمانة وإن اجتمع رجلان منهم على
شيء يؤخذ بقولهما معا وهذا قول محمد أما على
قولهما قول الواحد يكفي كما في التزكية ونحوها
وعلى هذا قيم الوقف إذا أجر مستغل الوقف وجاء
آخر يزيد في الأجرة. ا هـ. وصرح قاضي خان من
كتاب الإجارة بأنه إذا أجر بأقل من أجرة المثل
فإن كان بنقصان يتغابن الناس فيه فهي صحيحة
وليس للمتولي فسخها وإن كان بنقصان لا يتغابن
الناس فيه فهي فاسدة وله أن يؤاجرها إجارة
صحيحة إما من الأول أو من غيره بأجر المثل
وبالزيادة على قدر ما يرضى به المستأجر فإن
سكن المستأجر الأول وجب أجر المثل بالغا ما
بلغ وعليه الفتوى وإن كانت الإجارة الأولى
بأجرة المثل ثم ازداد أجر مثله كان للمتولي أن
يفسخ الإجارة وما لم يفسخ كان على المستأجر
الأجر المسمى ا هـ. وفي الحاوي ويفتى بالضمان
في غصب عقار الوقف وغصب منافعه وكذا كل ما هو
أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه حتى نقضت
الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف
وصيانة لحق الله تعالى وإبقاء للخيرات ا هـ.
وتقييده بالفاحشة يدل على عدم نقضها باليسير
ولعل المراد بالفاحشة ما لا يتغابن الناس فيها
كما في طرف النقصان فإنه جائز عن أجر المثل
إذا كان يسيرا والواحد في العشرة يتغابن الناس
فيه كما ذكروه في كتاب الوكالة وهذا قيد حسن
يجب حفظه فإذا كانت أجرة دار عشرة مثلا وزاد
أجر مثلها واحدا فإنها لا تنقض كما لو أجرها
المتولي بتسعة فإنها لا تنقض بخلاف الدرهمين
في الطرفين ويجوز النقصان عن أجر المثل نقصا
فاحشا للضرورة. قال في المحيط وغيره حانوت وقف
وعمارته ملك لرجل أبى صاحب العمارة أن يستأجر
بأجر مثله ينظر إن كانت العمارة لو رفعت
يستأجر بأكثر مما يستأجر صاحب العمارة كلف رفع
العمارة ويؤجر من غيره لأن النقصان عن أجر
المثل لا يجوز من غير ضرورة وإن كان لا يستأجر
بأكثر مما يستأجره لا يكلف ويترك
ج / 5 ص -365-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في يده بذلك الأجر لأن فيه ضرورة. ا هـ. فإن
قلت: إذا استأجر أرض الوقف سنين على عقود
كثيرة للبناء وحكم بصحتها ثم بنى فزاد إنسان
عليه هل تنتقض الإجارة قلت: قال في المحيط
وغيره ولو استأجر أرضا موقوفة وبنى فيها
حانوتا وسكنها فأراد غيره أن يزيد في الغلة
ويخرجه من الحانوت ينظر إن كانت أجرته مشاهرة
إذا جاء رأس الشهر كان للقيم فسخ الإجارة لأن
الإجارة إذا كانت مشاهرة تنعقد في رأس كل شهر
ثم ينظر إن كان رفع البناء لا يضر بالوقف فله
رفعه لأنه ملكه وإن كان يضر به فليس له رفعه
لأنه وإن كان ملكه فليس له أن يضر بالوقف. ثم
إن رضي المستأجر أن يتملكه القيم للوقف
بالقيمة مبنيا أو منزوعا أيهما ما كان أخف
يتملكه القيم وإن لم يرض لا يتملك لأن التملك
بغير رضاه لا يجوز فيبقى إلى أن يخلص ملكه. ا
هـ. ولم يذكر ما إذا كان استأجره مسانهة أو
مدة طويلة والظاهر أنه لا تقبل الزيادة عليه
دفعا للضرر عنه ولا ضرر على الوقف لأن الزيادة
إنما كانت بسبب البناء لا لزيادة في نفس الأرض
وإذا علم حرمة إيجار الوقف بأقل من أجر المثل
علم حرمة إعارته بالأولى ويجب أجر المثل كما
قدمناه وينبغي أن يكون خيانة من الناظر وكذا
إجارته بالأقل عالما بذلك وذكر الخصاف أن
الواقف أيضا إذا أجر بالأقل مما لا يتغابن
الناس في مثله فإنها غير جائزة ويبطلها القاضي
فإن كان الواقف مأمونا وفعل ذلك على طريق
السهو والغفلة أقره القاضي في يده وأمره
بإجارتها بالأصلح وإن كان غير مأمون أخرجها من
يده وجعلها في يد من يثق بدينه وكذا إذا أجرها
الواقف سنين كثيرة ممن يخاف أن تتلف في يده
قال يبطل القاضي الإجارة ويخرجها من يد
المستأجر ا هـ. فإذا كان هذا في الواقف
فالمتولي أولى وفي الإسعاف لو شرط الواقف أن
لا يؤجر المتولي الوقف ولا شيئا منه وأن لا
يدفعه مزارعة أو على أن لا يعمل على ما فيه من
الأشجار أو شرط أن لا يؤجر إلا ثلاث سنين ثم
لا يعقد عليه إلا بعد انقضاء العقد الأول كان
شرطه معتبرا ولا تجوز مخالفته ا هـ. وسيأتي في
بيان الشروط ما لا يعتبر منها إن شاء الله
تعالى وسيأتي في كتاب الإجارات بيان مدتها في
الأوقاف وحكم الإجارة الطويلة إن شاء الله
تعالى وذكر الخصاف أنه لو تبين أن المستأجر
يخاف منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الإجارة
ويخرجه من يده ولو كان المستأجر أمين القاضي
ثم اعلم أن المتولي إذا آجر بأقل من أجرة
المثل بنقصان فاحش حتى فسدت لا ضمان عليه
وإنما يلزم المستأجر أجرة المثل وقد توهم بعض
من لا خبرة له ولا دربة أنه يكون ضامنا ما نقص
وهو
ج / 5 ص -366-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غلط صرح به العلامة قاسم في فتاواه مستندا إلى
النقول الصريحة.
وفي جامع الفصولين ولو استباع مال اليتيم بألف
وآخر بألف ومائة والأول أملأ يبيع الوصي من
الأول وكذا الإجارة تؤجر بثمانية للأملأ لا
بعشرة لغيره وكذا متولي الوقف. ا هـ. فإن قلت:
هل للقاضي ولاية الإيجار مع وجود المتولي قلت:
نعم على ما قدمناه عند قوله أجرها الحاكم
وسيأتي في كتاب الإجارات أن التمكن في الفاسدة
لا يكفي وهو بعمومه يتناول الوقف وقد صرح
الخصاف بأن المتولي إذا أجره إجارة فاسدة
وتمكن المستأجر ولم ينتفع حقيقة فإنه لا أجر
عليه.
وفي الظهيرية وتجوز إجارة القيم الوقف بعرض
عند أبي حنيفة خلافا لهما والأب والوصي إذا
أجر دارا لليتيم بعرض جاز بلا خلاف وفي القنية
ولا يجوز للقيم شراء شيء من مال المسجد لنفسه
ولا البيع له وإن كان فيه منفعة ظاهرة للمسجد.
ا هـ. فإن قلت: إذا أمر القاضي بشيء ففعله ثم
تبين أنه ليس بشرعي أو فيه ضرر على الوقف هل
يكون القيم ضامنا قلت: قال في القنية طالب
القيم أهل المحلة أن يقرض من مال المسجد
للإمام فأبى فأمره القاضي به فأقرضه ثم مات
الإمام مفلسا لا يضمن القيم. ا هـ. مع أن
القيم ليس له إقراض مال المسجد.
قال في جامع الفصولين ليس للمتولي إيداع مال
الوقف والمسجد إلا ممن في عياله ولا إقراضه
فلو أقرضه ضمن وكذا المستقرض وذكر أن القيم لو
أقرض مال المسجد ليأخذه عند الحاجة وهو أحرز
من إمساكه فلا بأس به وفي العدة يسع المتولي
إقراض ما فضل من غلة الوقف لو أحرز. ا هـ. فإن
قلت: إذا قصر المتولي في شيء من مصالح الوقف
هل يضمن قلت: إن كان في عين ضمنها وإن كان
فيما في الذمة لا يضمن.
قال في القنية انهدم المسجد فلم يحفظه القيم
حتى ضاعت خشبة يضمن اشترى القيم من الدهان
دهنا ودفع الثمن ثم أفلس الدهان بعد لم يضمن.
ا هـ. وفي البزازية امتنع المتولي عن تقاضي ما
على المتقبلين لا يأثم فإن هرب بعض المتقبلين
بعدما اجتمع عليه مال كثير بحق القبالة لا
يضمن المتولي. ا هـ. وفي القنية أجر القيم ثم
عزل ونصب قيم آخر فقيل أخذ الأجر للمعزول
والأصح أنه للمنصوب لأن المعزول أجرها للوقف
لا لنفسه ولو باع القيم دارا اشتراها بمال
الوقف فله أن يقيل البيع مع المشتري إذا لم
يكن البيع بأكثر من ثمن المثل وكذا إذا عزل
ونصب غيره فللمنصوب إقالته بلا خلاف ولو أذن
القاضي للقيم في خلط مال الوقف بماله تخفيفا
عليه جاز ولا يضمن وكذا القاضي إذا خلط مال
الصغير بماله وعن أبي يوسف
ج / 5 ص -367-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصي إذا خلط مال الصغير بماله لا يضمن
وللقيم فسخ الإجارة مع المستأجر قبل قبض الأجر
وينفذ فسخه على الوقف وبعد القبض لا ولو أبرأ
القيم المستأجر عن الأجرة بعد تمام المدة تصح
البراءة عند أبي حنيفة ومحمد ويضمن للقيم صرف
شيء من مال الوقف إلى كتبة الفتوى ومحاضر
الدعوى لاستخلاص الوقف والمتولي إذا أجر نفسه
في عمل المسجد وأخذ الأجرة لم يجز في ظاهر
الرواية وبه يفتى. ا هـ.
وفي جامع الفصولين إذ لا يصلح مؤاجرا ومستأجرا
وصح لو أمره الحاكم بعمل فيه ثم قال وفي
القنية القيم ضمن مال الوقف بالاستهلاك ثم صرف
قدر الضمان إلى المصرف بدون إذن القاضي يخرج
عن العهدة. ا هـ.
وفي الولوالجية للمتولي أن يحتال بمال الوقف
على إنسان إذا كان مليا وإن أخذ كفيلا كان أحب
إلي وفي جامع الفصولين المتولي يملك الإجارة
لو خيرا للوقف فإن قلت: حل للمتولي أن يصرف
غلة سنة عن سنة قبلها قلت: لا لما في الحاوي
الحصيري وغيره سئل أبو جعفر عن قيم جمع الغلة
فقسمها على أهل الوقف وحرم واحدا منهم فلم
يعطه وصرف نصيبه إلى حاجة نفسه فلما خرجت
الغلة الثانية طلب المحروم نصيبه هل له ذلك
قال إن شاء ضمن القيم وإن شاء اتبع شركاءه
فشاركهم فيما أخذوا فإن اختار تضمين القيم سلم
لهم ما أخذوا وليس له أن يأخذ من غلة هذا
العام أكثر من نصيبه ا هـ. وظاهره أنه إذا
اختار اتباع الشركاء فإنه لا مطالبة له على
المتولي وإن المتولي لا يدفع للمحروم من غلة
الثانية شيئا سواء اختار تضمينه أو اتباع
الشركاء لكن في الذخيرة وإن اختار اتباع
الشركاء والشركة فيما أخذوا كان له أن يأخذ
ذلك من نصيب الشركاء من الغلة الثانية لأنه
لما اختار اتباع الشركاء تبين أنهم أخذوا
نصيبه فله أن يأخذ من أنصبائهم مثل ذلك لأنه
جنس حقه فمتى أخذ رجعوا جميعا على القيم بما
استهلك القيم من حصة المحروم في السنة الأولى
لأنه بقي ذلك حقا للجميع ا هـ. فظاهره أن
المتولي يدفع له من غلة الثانية شاءوا أو أبوا
حيث اختار اتباعهم ومفهومه أنه لو لم يصرف حصة
المحروم إلى نفسه وإنما صرف الغلة إليهم وحرم
واحدا إما لعدم حضوره وقت القسمة أو عنادا أنه
يشاركهم ولا يضمن المتولي وإنه يدفع إليه من
غلة الثانية من أنصبائهم وظاهر ما في الحاوي
أنه يتبعهم فيما أخذوا ولا يعطى من الثانية
أكثر من حصته وهو الظاهر لأن حقه صار في ذمتهم
والمتولي ليس له ولاية قضاء ديونهم ومقتضى
القواعد أن المحروم في صورة صرف الجميع إليهم
له أن يضمن المتولي لكونه متعديا كما له أن
يرجع على المستحقين فإن قلت: هل للمتولي تفضيل
البعض على البعض قدرا وتعجيلا قلت: فيه تفصيل
فالتفضيل في القدر راجع إلى شرط الواقف.
ج / 5 ص -368-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال في البزازية وقف ضيعة على فقراء قرابته أو
فقراء قريته وجعل آخره للمساكين جاز يحصون أو
لا وإن أراد القيم تفضيل البعض على البعض
فالمسألة على وجوه إن الوقف على فقراء قرابته
وقريته وهم يحصون أو لا يحصون أو أحد الفريقين
يحصون والآخر لا ففي الوجه الأول للقيم أن
يجعل نصف الغلة لفقراء القرابة ونصفها لفقراء
القرية ثم يعطى كل فريق من شاء منهم ويفضل
البعض على البعض كما شاء لأن قصده القربة وفي
الصدقة الحكم كذلك وفي الوجه الثاني تصرف
الغلة إلى الفريقين بعددهم وليس له أن يفضل
البعض على البعض لأن قصده الوصية وفي الوصية
الحكم كذلك وفي الثالث تجعل الغلة بين
الفريقين أولا فتصرف إلى الذين يحصون بعددهم
وإلى الذين لا يحصون سهم واحد لأن من يحصى لهم
وصية ولمن لا يحصى صدقة والمستحق للصدقة واحد
ثم يعطي هذا السهم من الذين لا يحصون من شاء
ويفضل البعض على البعض في هذا السهم. ا هـ.
وقدمنا أن الأوقاف المطلقة على الفقهاء
للمتولي التفضيل واختلفوا هل هو بالحاجة أو
بالفضيلة وكل منهما صحيح وأما التعجيل للبعض
فلم أر فيه نقلا صريحا وينبغي أن يجوز
استنباطا مما في البزازية المصدق إذا أخذ
عمالته قبل الوجوب أو القاضي استوفى رزقه قبل
المدة جاز والأفضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا
يعيش إلى المدة. ا هـ. فإن قيل لا يقاس عليه
لأن مال الوقف حق المستحقين على الخصوص فليس
له أن يخصص أحدا ومال بيت المال حق العامة
قلت: غايته أن يكون كدين مشترك بين اثنين وجب
لهما بسبب واحد والدائن إذا دفع لأحدهما نصيبه
جاز له ذلك غايته أن الشريك الغائب إذا حضر
خير إن شاء اتبعه شريكه وشاركه وإن شاء أخذ من
المديون فكذلك يمكن أن يقال يخير المستحق كذلك
كما قدمناه في مسألة المحروم.
ثم رأيت في القنية لم يكن في المسجد إمام ولا
مؤذن واجتمعت غلات الإمامة والتأذين سنين ثم
نصب إمام ومؤذن لا يجوز صرف شيء من تلك الغلات
إليهما وقال برهان الدين صاحب المحيط لو عجلوه
للمستقبل كان حسنا إلى آخر ما ذكره وفي
البزازية المتولي لو أميا فاستأجر الكاتب
لحسابه لا يجوز له إعطاء الأجرة من مال الوقف
ولو استأجر لكنس المسجد وفتحه وإغلاقه بمال
المسجد يجوز ا هـ. وليس لأحد الناظرين التصرف
دون الآخر عندهما خلافا لأبي يوسف.
وفي الخانية ولو أن قيمين في وقف أقام كل قيم
قاضي بلدة غير قاضي بلدة أخرى هل يجوز لكل
واحد منهما أن يتصرف بدون الآخر قال الشيخ
الإمام إسماعيل الزاهد ينبغي أن يجوز تصرف كل
واحد منهما ولو أن واحدا من هذين القاضيين
أراد أن يعزل القيم الذي أقامه القاضي الآخر
فإن رأى القاضي المصلحة في عزل الآخر كان له
ذلك وإلا فلا. ا هـ. وفيه دليل
ج / 5 ص -369-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أن للقاضي عزل منصوب قاض آخر بغير خيانة
إذا رأى المصلحة. ا هـ. فإن قلت: هل لأحد
الناظرين أن يؤجر الآخر قلت: لا يجوز لما في
الخانية من كتاب الوصايا لو باع أحد الوصيين
لصاحبه شيئا من التركة لا يجوز عند أبي حنيفة
ومحمد لأن عندهما لا ينفرد أحد الوصيين
بالتصرف. ا هـ. والناظر إما وصي أو وكيل.
وفي جامع الفصولين ليس للوصي في هذا الزمان
أخذ مال اليتيم مضاربة ولا للقيم أن يزرع في
أرض الوقف. ا هـ. فإذا ثبت عند القاضي أنه زرع
ينبغي أن يكون خيانة يستحق بها العزل وفي جامع
الفصولين ولو أذن قيم مؤذنا ليخدم مسجدا وقطع
له الأجر وجعل ذلك أجرة المنزل وهو أجر المثل
جاز وفي الخانية المتولي إذا استأجر رجلا في
عمارة المسجد بدرهم ودانق وأجر مثله درهم
فاستعمله في عمارة المسجد ونقد الأجر من مال
الوقف قالوا يكون ضامنا جميع ما نقد لأنه لما
زاد في الأجر أكثر مما يتغابن فيه الناس يصير
مستأجرا لنفسه دون المسجد فإذا نقد الأجر من
مال المسجد كان ضامنا المتولي إذا أمر المؤذن
أن يخدم المسجد وسمى له أجرا معلوما لكل سنة
قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه
الله تصح الإجارة لأنه يملك الاستئجار لخدمة
المسجد ثم ينظر إن كان ذلك أجر عمله أو زيادة
يتغابن فيه الناس كانت الإجارة للمسجد فإذا
نقد الأجر من مال المسجد حل للمؤذن أخذه وإن
كان في الأجر زيادة على ما يتغابن فيه الناس
كانت الإجارة للمتولي لأنه لا يملك الاستئجار
للمسجد بغبن فاحش فإذا أدى الأجر من مال
المسجد كان ضامنا وإن علم المؤذن بذلك لا يحل
له أن يأخذ من مال المسجد ا هـ. ثم قال فقير
سكن دارا موقوفة على الفقراء بأجر وترك
المتولي ما عليه من الأجر بحصته من الوقف على
الفقراء جاز كما لو ترك الإمام خراج الأرض لمن
له حق في بيت المال بحصته. ا هـ.
وذكر فيها ثلاث مسائل في غصب الوقف مناسبة
لتصرف المتولي.
الأولى لو غصب الوقف واسترده القيم وكان
الغاصب زاد فيه فإن لم يكن مالا متقوما بأن
كرب الأرض أو حفر النهر أو ألقى في ذلك
السرقين واختلط ذلك بالتراب استردها بغير شيء
وإن كانت مالا متقوما كالبناء والغرس أمر
الغاصب برفعه إن لم يضر بالأرض وإن أضر بأن
خربها لم يكن له الرفع ويضمن القيم له من غلة
الوقف قيمة الغراس مقلوعا وقيمة البناء مرفوعا
وإن لم يكن للوقف غلة أجر الوقف وأعطى الضمان
من الأجرة وإن اختار الغاصب قلع الأشجار من
أقصى موضع لا تخرب الأرض فله ذلك ولا يجبر على
أخذ القيمة ثم يضمن القيم ما بقي في الأرض من
الشجر إن كانت له قيمة.
ج / 5 ص -370-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالثانية
لو استولى على الوقف غاصب وعجز المتولي عن
استرداده وأراد الغاصب أن يدفع قيمتها كان
للمتولي أخذ القيمة أو الصلح على شيء ثم يشتري
بالمأخوذ من الغاصب أرضا أخرى فيجعله وقفا على
شرائط الأولى لأنه حينئذ صار بمنزلة المستهلك
فيجوز أخذ القيمة.
الثالثة رجل غصب أرضا موقوفة قيمتها ألف ثم
غصب من الغاصب رجل آخر بعدما زادت قيمة الأرض
وصارت تساوي ألفي درهم فإن المتولي يتبع
الغاصب الثاني إن كان مليا على قول من يرى جعل
العقار مضمونا بالغصب لأن تضمين الثاني أنفع
للوقف وإن كان الأول أملأ من الثاني يتبع
الأول لأن تضمين الأول يكون أنفع للوقف وإذا
اتبع القيم أحدهما برئ الآخر عن الضمان
كالمالك إذا اختار تضمين الغاصب الأول أو
الثاني برئ الآخر. ا هـ.
ومنها أكار1 تناول من مال الوقف فصالحه
المتولي على شيء والأكار غني لا يجوز الحط من
مال الوقف وإن كان الأكار فقيرا جاز ذلك. ا
هـ. وهو محمول على ما إذا كان الوقف على
الفقراء كما قيده به فيما إذا سكن الفقير دار
الوقف وسامحه المتولي بالأجر وأما إذا كان على
أرباب معلومين ومستحقين مخصوصين لا تجوز
المسامحة والحط بالصلح مطلقا وعلى هذا لا تجوز
الإجارة بأقل من أجر المثل بغبن فاحش من فقير
إذا كان الوقف على معينين وإن كان وقف الفقراء
جاز.
وفي الإسعاف ولو اشترى بغلته ثوبا ودفعه إلى
المساكين يضمن ما نقد من مال الوقف لوقوع
الشراء له حائط بين دارين إحداهما وقف والأخرى
ملك فانهدم وبناه صاحب الملك في حد دار الوقف
قال أبو القاسم يرفع القيم الأمر إلى القاضي
ليجبره على نقضه ثم يبنيه حيث كان في القديم
ولو قال القيم للباني أنا أعطيك قيمة البناء
وأقره حيث بنيت وابن أنت لنفسك حائطا آخر في
حدك قال أبو القاسم ليس للقيم ذلك بل يأمره
بنقضه وبنائه حيث كان في القديم. ا هـ. ولو
أخذ متولي الوقف من غلته شيئا ثم مات بلا بيان
لا يكون ضامنا هكذا قالوا وقيده الطرسوسي في
أنفع الوسائل بحثا بما إذا لم يطالب المستحق
أما إذا طالبه المستحق ولم يدفع له ثم مات بلا
بيان فإنه يكون ضامنا. ا هـ. ومقتضاه أنه لو
ادعى في حياته الهلاك لا يقبل قوله لأنه صار
ضامنا بمنع المستحق بعد الطلب وفي القنية
وينبغي للقاضي أن يحاسب أمناءه فيما في أيديهم
من أموال اليتامى ليعرف الخائن فيستبدله وكذا
القوام على الأوقاف ويقبل قولهم في مقدار ما
حصل في أيديهم من مقدار الغلات الوصي والقيم
فيه سواء والأصل فيه أن القول قول القابض في
مقدار المقبوض وفيما يخبر من الإنفاق على
اليتيم أو على الضيعة ومؤنات الأراضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تلأكار الحراث وجمعه أكرة. ا هـ والمصباح
مادة أكر والمعجم الوسيط.
ج / 5 ص -371-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي أدب القاضي للخصاف ويقبل قول الوصي في
المحتمل دون القيم لأن الوصي من فوض إليه
الحفظ والتصرف والقيم من فوض إليه الحفظ دون
التصرف وكثير من مشايخنا سووا بين الوصي
والقيم فيما لا بد فيه من الإنفاق وقالوا يقبل
قولهما فيه وقاسوه على قيم المسجد أو واحد من
أهل المحلة إذا اشترى للمسجد ما لا بد منه
كالحصير والحشيش والدهن وأجر الخادم ونحوه لا
يضمن للأذن دلالة ولا يتعطل المسجد كذا هذا
وبه يفتى في زماننا قال رضي الله عنه و الصحيح
والصواب في عرفنا بخوارزم هذا أنه لا فرق
بينهما "ط"1 وإن اتهمه القاضي يحلفه وإن كان
أمينا كالمودع يدعي هلاك الوديعة أو ردها قيل
إنما يستحلف إذا ادعى عليه شيئا معلوما وقيل
يحلف على كل حال وإن أخبروا أنهم أنفقوا على
اليتيم والضيعة من إنزال الأرض كذا وبقي في
أيدينا كذا فإن عرف بالأمانة يقبل القاضي
الإجمال ولا يجبره على التفسير شيئا فشيئا وإن
كان متهما يجبره القاضي على التفسير شيئا
فشيئا ولا يحبسه ولكن يحضره يومين أو ثلاثة أو
يخوفه ويهدده إن لم يفسره فإن فعل وإلا يكتفي
منه باليمين ولو عزل القاضي ونصب غيره فقال
الوصي للمنصوب حاسبني المعزول لا يقبل منه إلا
ببينة وفي وقف الناصحي إذا أجر الواقف أو قيمه
أو وصيه أو أمينه ثم قال قبضت الغلة فضاعت أو
فرقته على الموقوف عليهم وأنكروا فالقول له مع
يمينه. ا هـ. ما في القنية فقد علمت أن
مشروعية المحاسبات للنظار إنما هي ليعرف
القاضي الخائن من الأمين لا لأخذ شيء من
النظار للقاضي وأتباعه والواقع بالقاهرة في
زماننا الثاني وقد شاهدنا فيها من الفساد
للأوقاف كثيرا بحيث يقدم كلفة المحاسبة على
العمارة والمستحقين وكل ذلك من علامات الساعة
المصدقة لقوله عليه الصلاة والسلام كما رواه
البخاري في أول كتاب العلم
"إذا وسد الأمر
لغير أهله فانتظروا الساعة"2
فإن قلت: هل يباح للقاضي أخذ الأجر على
المحاسبات من مال الأوقاف قلت: قال في
البزازية من كتاب القضاء وإن كتب القاضي سجلا
أو تولى قسمة وأخذ أجرة المثل له ذلك ولو تولى
نكاح صغيرة لا يحل له أخذ شيء لأنه واجب عليه
وكلما وجب عليه لا يجوز أخذ الأجر عليه وما لا
يجب عليه يجوز أخذ الأجر وذكر عن البقالي في
القاضي يقول إذا عقدت عقد البكر فلي دينار وإن
ثيبا فلي نصفه أنه لا يحل له إن لم يكن لها
ولي فلو كان ولي غيره يحل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "ط" المراد به المحيط كما في رموز القنية.
2 أخرجه البخاري في كتاب العلم باب من سئل
علما وو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب
السائل من حديث أبي هريرة "59". والبغوي في
مصابيح السنة "4196". وفي فتح الباري "1/123".
ج / 5 ص -372-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بناء على ما ذكروا ولو باع مال اليتيم لا يأخذ
شيئا ولو أخذ وأذن في البيع لا ينفذ بيعه. ا
هـ. فقد استفيد منه أنه يجوز له الأخذ على نفس
الكتابة ولا يجوز له الأخذ على نفس المحاسبات
لأن الحساب واجب عليه فهو كما لو تولى نكاح
يتيمة أو بيع مال اليتيم وقدمنا عن البزازية
أن المتولي لو استأجر كاتبا للحساب لا يجوز له
أن يدفع أجرته من مال الوقف.
وفي القنية ولو أبرأ صاحب الحق القيم عن نصيبه
بعدما استهلكه لا يصح. ا هـ. قال في الخانية
وقف له متول ومشرف ليس للمشرف أن يتصرف في مال
الواقف لأن ذاك مفوض إلى المتولي والمشرف
مأمور بالحفظ لا غير ا هـ. وهذا يختلف بحسب
العرف في معنى المشرف كذا في فتح القدير وأما
بيان ما عليه من العمل فحاصل ما ذكره الخصاف
أن ما يجعله الواقف للمتولي ليس له حد معين
وإنما هو على ما تعارفه الناس من الجعل عند
عقدة الواقف ليقوم بمصالحه من عمارة واستغلال
وبيع غلات وصرف ما اجتمع عنده فيما شرطه
الواقف ولا يكلف من العمل بنفسه إلا مثل ما
يفعله أمثاله ولا ينبغي له أن يقصر عنه وأما
ما تفعله الأجراء والوكلاء فليس ذلك بواجب
عليه حتى لو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها
أجرا معلوما لا تكلف إلا مثل ما يفعله النساء
عرفا ولو نازع أهل الوقف القيم وقالوا للحاكم
إن الواقف إنما جعل له هذا في مقابلة العمل
وهو لا يعمل شيئا لا يكلفه الحاكم من العمل ما
لا تفعله الولاة فإن قلت: إذا شرط الواقف
ناظرا وجابيا وصيرفيا فما عمل كل منهم قلت:
الأمر والنهي والتدبير والعقود وقبض المال
وظيفة الناظر وجمع المال من المستأجرين هلاليا
وخراجيا وظيفة الجابي ونقد المال ووزنه وظيفة
الصيرفي فإن قلت: هل للجابي الدعوى على
المستأجر وهل له إجارة المسقف قلت: لا إلا
بتوكيل الناظر وهذه الوظائف إنما يبتني حكمها
على العرف فيها كما ذكره في فتح القدير في
المشرف.
وأما بيان ما له فإن كان من الواقف فله
المشروط ولو كان أكثر من أجرة المثل وإن كان
منصوب القاضي فله أجر مثله واختلفوا هل يستحقه
بلا تعيين القاضي فنقل في القنية أولا أن
القاضي لو نصب قيما مطلقا ولم يعين له أجرا
فسعى فيه سنة فلا شيء له وثانيا أن القيم
يستحق أجر مثل سعيه سواء شرط له القاضي أو أهل
المحلة أجرا أو لا لأنه لا يقبل القوامة ظاهرا
إلا بأجر والمعهود كالمشروط قال وقالوا إذا
عمل القيم في عمارة المسجد والوقف كعمل الأجير
لا يستحق الأجر لأنه لا يستحق له أجر القوامة
وأجر العمل فهذا يدل على أنه يستحق بالقوامة
أجرا ا هـ. وإذا لم يعمل الناظر لا يستحق شيئا
لما في الخانية ولو وقف أرضه على مواليه مثلا
ثم مات فجعل القاضي للوقف قيما وجعل له عشر
الغلة في الوقف وللوقف طاحونة في يد رجل
بالمقاطعة لا يحتاج فيها إلى القيم وأصحاب
الوقف يقبضون غلتها منه
ج / 5 ص -373-
وينزع
لو خائنا كالوصي وإن شرط أن لا ينزع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يستحق القيم عشر غلتها لأن ما يأخذه بطريق
الأجرة ولا أجرة بدون العمل. ا هـ.
وفي فتح القدير بعد نقله فهذا عندنا فيمن لم
يشترط له الواقف أما إذا شرط كان من جملة
الموقوف عليهم ا هـ. والظاهر أنه عائد إلى قطع
المعلوم في زمن التعمير وأما عدم الاستحقاق
عند عدم العمل فلا فرق فيه بين ناظر وناظر وقد
تمسك بعض من لا خبرة له بقول قاضي خان وجعل له
عشر الغلة في الوقف على أن للقاضي أن يجعل
للمتولي عشر الغلات مع قطع النظر عن أجرة
المثل وهو غلط.
قال في القنية عزل القاضي فادعى القيم أنه قد
أجرى له كذا مشاهرة أو مسانهة وصدقه المعزول
فيه لا يقبل إلا ببينة ثم إن كان ما عينه أجر
مثل عمله أو دونه يعطيه الثاني وإلا يحط
الزيادة ويعطيه الباقي. ا هـ. فقد أفاد أن
القاضي الثاني يحط ما زاد على أجر المثل فأفاد
عدم صحة تقرير القاضي للناظر معلوما أكثر من
أجر المثل فإن قلت: إذا كان الوقف هلاليا وقد
أحال الناظر المستحقين على الحوانيت والبيوت
وهم يأخذون من السكان هل يستحق الناظر معلوما.
قلت: لا يستحق معلوما لأجل الهلالي لعدم عمله
فيه إلا لأجل التعمير كما قدمناه عن قاضي خان
في مسألة الطاحونة وللقيم التوكيل وعزل وكيله
وله أن يجعل للوكيل من معلومه شيئا وله قطعه
عنه. ولو شرط الواقف للقيم تفويض أمره بعد
مماته مثل ما شرطه له في حياته فجعل القيم بعض
معلومه لرجل أقامه قيما و سكت عن الباقي ثم
مات يكون لوصيه ما سمي له فقط ويرجع الباقي
إلى أصل الغلة ولو شرط المعلوم ولم يشرط له أن
يجعل لغيره ليس له أن يوصي به ولا بشيء منه
لأحد ويجوز له أن يوصي بأمر الوقف وينقطع
المعلوم عنه بموته ولو وكل هذا القيم وكيلا في
الوقف أو أوصى به إلى رجل وجعل له كل المعلوم
أو بعضه ثم جن جنونا مطبقا يبطل توكيله
ووصايته وما جعل للوصي أو الوكيل من المال
ويرجع إلى غلة الوقف إلا أن يكون الواقف عينه
لجهة أخرى عند انقطاعه عن القيم فينفذ فيها
حينئذ وقدر الجنون المطبق بما يبقى حولا لسقوط
الفرائض كلها عنه ولو عاد عقله عادت الولاية
إليه لأنها زالت بعارض فإذا زال عاد إلى ما
كان عليه كذا في الإسعاف.
قوله "وينزع لو خائنا كالوصي وإن شرط أن لا
ينزع" أي ويعزل القاضي الواقف المتولي على
وقفه لو كان خائنا كما يعزل الوصي الخائن نظرا
للوقف واليتيم ولا اعتبار بشرط الواقف أن لا
يعزله القاضي والسلطان لأنه شرط مخالف لحكم
الشرع فبطل واستفيد منه أن للقاضي عزل المتولي
الخائن غير الواقف بالأولى وصرح في البزازية
أن عزل القاضي للخائن واجب
ج / 5 ص -374-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه ومقتضاه الإثم بتركه والإثم بتولية
الخائن ولا شك فيه.
وفي المصباح وفرقوا بين الخائن والسارق
والغاصب بأن الخائن هو الذي خان ما جعل عليه
أمينا والسارق من أخذ خفية من موضع كان ممنوعا
من الوصول إليه وربما قيل كل سارق خائن دون
عكسه والغاصب من أخذ جهارا معتمدا على قوته ا
هـ. وقدمنا أنه لا يعزله القاضي بمجرد الطعن
في أمانته ولا يخرجه إلا بخيانة ظاهرة ببينة
وإن له إدخال غيره معه إذا طعن في أمانته وأنه
إذا أخرجه ثم تاب وأناب أعاده وأن امتناعه من
التعمير خيانة وكذا لو باع الوقف أو بعضه أو
تصرفه تصرفا غير جائز لما به وبيناه غاية
البيان عند الكلام على نصب القاضي المتولي.
وإنما الكلام الآن في شروط الواقفين فقد
أفادوا هنا أنه ليس كل شرط يجب اتباعه فقالوا
هنا إن اشتراطه أن لا يعزله القاضي شرط باطل
مخالف للشرع وبهذا علم أن قولهم شرط الواقف
كنص الشارع ليس على عمومه قال العلامة قاسم في
فتاواه1 أجمعت الأمة أن من شروط الواقفين ما
هو صحيح معتبر يعمل به ومنها ما ليس كذلك ونص
أبو عبد الله الدمشقي في كتاب الوقف عن شيخه
شيخ الإسلام: قول الفقهاء: نصوصه كنص الشارع
يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع
أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف
والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه
ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة
الشرع أم لا ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو
صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعي ونحوه لم يصح.
ا هـ.
قال العلامة قاسم قلت: وإذا كان المعنى ما ذكر
فما كان من عبارة الواقف من قبيل المفسر لا
يحتمل تخصيصا ولا تأويلا يعمل به وما كان من
قبيل الظاهر كذلك وما احتمل وفيه قرينة حمل
عليها وما كان مشتركا لا يعمل به لأنه لا عموم
له عندنا ولم يقع فيه نظر المجتهد لترجح أحد
مدلوليه وكذلك ما كان من قبيل المجمل إذا مات
الواقف وإن كان حيا يرجع إلى بيانه هذا معنى
ما أفاده. ا هـ.
قلت: فعلى هذا إذا ترك صاحب الوظيفة مباشرتها
في بعض الأوقات المشروط عليه فيها العمل لا
يأثم عند الله تعالى غايته أنه لا يستحق
المعلوم ومن الشروط المعتبرة ما صرح به الخصاف
لو شرط أن لا يؤجر المتولي الأرض فإن إجارتها
باطلة وكذا اشترط أن لا يعامل على ما فيها من
نخل وأشجار وكذا إذا شرط أن المتولي إذا أجرها
فهو خارج عن التولية فإذا خالف المتولي صار
خارجا ويوليها القاضي من يثق بأمانته وكذا إذا
شرط أنه إن أحدث أحد من أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قاسم بن قطلوبغا وله الفتاوى القاسمية
وتقدم ذكره.
ج / 5 ص -375-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الوقف حدثا في الوقف يريد إبطاله كان خارج
اعتبر فإن نازع البعض وقال أردت تصحيح الوقف
وقال سائر أهل الوقف إنما أردت إبطاله نظر
القاضي في القوم الذين تنازعوا فإن كانوا
يريدون تصحيحه فلهم ذلك وإن كانوا يريدون
إبطاله أخرجهم وأشهدهم على إخراجهم. ولو شرط
أن من نازع القيم وتعرض له ولم يقل لإبطاله
فنازعه البعض وقال منعني حقي صار خارجا ولو
كان طالبا حقه اتباعا للشرط كما لو شرط أن من
طالبه بحقه فللمتولي إخراجه فلو أخرجه ليس له
إعادته بدون الشرط.
ومنها ما لو وقف على أولاده وشرط أن من انتقل
إلى مذهب المعتزلة صار خارجا فانتقل منهم واحد
صار خارجا فإن ادعى على واحد منهم بأنه صار
معتزليا فالبينة على المدعي والقول للمنكر
وكذا لو كان الواقف من المعتزلة وشرط أن من
انتقل إلى مذهب أهل السنة صار خارجا اعتبر
شرطه ولو شرط أن من انتقل من مذهب أهل السنة
إلى غيره فصار خارجيا أو رافضيا خرج فلو ارتد
والعياذ بالله تعالى عن الإسلام خرج المرأة
والرجل سواء فلو شرط أن من خرج من مذهب
الإثبات إلى غيره خرج فخرج واحد ثم عاد إلى
مذهب الإثبات لا يعود إلى الوقف إلا بالشرط
وكذلك لو عين الواقف مذهبا من المذاهب وشرط
أنه إن انتقل عنه خرج اعتبر شرطه. وكذا لو شرط
أن من انتقل من قرابته من بغداد فلا حق له
اعتبر لكن هنا إذا عاد إلى بغداد رد إلى الوقف
ولو شرط وقفه على العميان والشرط باطل وتكون
الغلة للمساكين لأن فيهم الغني والفقير وهم لا
يحصون وكذا على العوران والعرجان والزمنى. ا
هـ. مختصرا.
ومنها ما في قاضي خان لو وقف على أمهات أولاده
وشرط عدم تزوجهن كان الشرط صحيحا فعلى هذا لو
شرط في حق الصوفية بالمدرسة عدم التزوج كما
بالمدرسة الشيخونية بالقاهرة اعتبر شرطه.
ومنها ما في الفتاوى أيضا لو شرط الواقف أن لا
تؤاجر أكثر من سنة والناس لا يرغبون في
استئجارها وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع
للفقراء فليس للقيم أن يؤاجرها أكثر من سنة
ولكنه يرفع الأمر إلى القاضي حتى يؤاجرها
القاضي أكثر من سنة لأن للقاضي ولاية النظر
على الفقراء وعلى الميت أيضا ولو شرط أن لا
تؤجر أكثر من سنة إلا إذا كان أنفع للفقراء
كان للقيم أن يؤاجرها بنفسه أكثر من سنة إذا
كان رأى ذلك خيرا ولا يحتاج إلى القاضي. ا هـ.
وبهذا ظهر أن الشرائط الراجعة إلى الغلة
وتحصيلها لا يقدر المتولي على مخالفتها ولو
كان أصلح للوقف
ج / 5 ص -376-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما يخالفها القاضي وهذا بخلاف ما لم ترجع
إلى الغلة فإنه لا يجوز مخالفة القاضي كما
قدمناه في تقرير القاضي فراشا للمسجد بغير شرط
الواقف فإنه غير جائز.
وفي القنية وقف على المتفقهة حنطة فيدفعها
القيم دنانير فلهم طلب الحنطة ولهم أخذ
الدنانير إن شاءوا. ا هـ. وبهذا يعلم أن
الخيار للمستحقين في أخذ الخبز المشروط لهم أو
قيمته وظاهره أنه لا خيار للمتولي وأنه يجبر
على دفع ما شاءوا وفي القنية يجوز صرف شيء من
وجوه مصالح المسجد إلى الإمام إذا كان يتعطل
لو لم يصرف إليه يجوز صرف الفاضل عن المصالح
إلى الإمام الفقير بإذن القاضي لا بأس بأن
يعين شيئا من مسبلات المصالح للإمام زيد في
وجه الإمام من مصالح المسجد ثم نصب إمام آخر
فله أخذه إن كانت الزيادة لقلة وجود الإمام
وإن كان لمعنى في الإمام الأول نحو فضيلة أو
زيادة حاجة فلا تحل للثاني قال الإمام للقاضي
إن مرسومي المعين لا يفي بنفقتي ونفقة عيالي
فزاد القاضي في مرسومه من أوقاف المسجد بغير
رضا أهل المحلة و الإمام مستغن وغيره يؤم
بالمرسوم المعهود تطيب له الزيادة إذا كان
عالما تقيا. ا هـ.
ثم قال إذا شرط الواقف أن يعطي غلتها من شاء
أو قال على أن يضعها حيث شاء فله أن يعطي
الأغنياء وفيها من باب الوقف الذي مضى زمن
صرفه ولم يصرفه إلى المصرف ماذا يصنع به وقف
مستغلا على أن يضحي عنه بعد موته من غلته كذا
شاة كل سنة وقفا صحيحا ولم يضح القيم عنه حتى
مضت أيام النحر يتصدق به.
وفيها باب تصرفات القيم من التبديل وتغيير
الشروط ونحوها قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله
إذا جعل الوقف على شراء الخبز والثياب والتصدق
بها على الفقراء يجوز عندي بأن يتصدق بعين
الغلة من غير شراء خبز ولا ثوب لأن التصدق هو
المقصود حتى جاز التقرب بالتصدق دون الشراء.
ولو وقف على أن يشتري بها الخيل والسلاح على
محتاجي المجاهدين جاز التصدق بعين الغلة
كالخبز والثياب وإن شرط أن يسلمه الخيل
والسلاح فيجاهد من غير تمليك ويسترد ممن أحب
ثم يدفع إلى من أحب جاز الوقف ويستوي فيه
الغني والفقير ولا يجوز التصدق بعين الغلة ولا
بالسلاح بل يشتري الخيل والسلاح ويبذلها
لأهلها على وجهها لأن الوقف وقع للإباحة لا
للتمليك وكذا لو وقف على شراء النسم وعتقها
جاز ولم يجز إعطاء الغلة وكذا لو وقف ليضحي أو
ليهدي إلى مكة فيذبح عنه في كل سنة جاز وهو
دائم أبدا وكذا كل ما كان من هذا الجنس يراعى
فيه شرط الواقف كما لو نذر بعتق عبده أو بذبح
شاته أضحية لم يتصدق بقيمته وعليه الوفاء بما
سمى ولو نذر أن يتصدق بعبده على الفقراء أو
شاته أو ثوبه جاز التصدق بعينه أو بقيمته. ولو
وقف على محتاجي أهل العلم أن يشتري
ج / 5 ص -377-
................................
_____________
لهم الثياب والمداد والكاغد ونحوها من مصالحهم
جاز الوقف وهو دائم لأن للعلوم طلابا إلى يوم
القيامة ويجوز مراعاة الشرط ويجوز التصدق
عليهم بعين الغلة ولو وقف ليشتري به الكتب
ويدفع إلى أهل العلم فإن كان تمليكا جاز
التصدق بعين الغلة وإن كان إباحة وإعارة فلا
وقف على من يقرأ القرآن كل يوم منا من الخبز
وربعا من اللحم فللقيم أن يدفع إليهم قيمة ذلك
ورقا ولو وقف على أن يتصدق بفاضل غلة الوقف
على من يسأل في مسجد كذا كل يوم. فللقيم أن
يتصدق به على السؤال في غير ذلك المسجد أو
خارج المسجد أو على فقير لا يسأل قال رضي الله
عنه الأولى عندي أن يراعى في هذا الأخير شرط
الواقف. ا هـ. فإن قلت: هل الوصف في الموقوف
عليهم كصريح الشرط كما لو وقف على إمام حنفي
قلت: نعم فلا يجوز تقرير غير الحنفي. قال في
القنية وقف ضيعته على أولاده الفقهاء وأولاد
أولاده إن كانوا فقهاء ثم مات أحدهم عن ابن
صغير تفقه بعد سنين لا يوقف نصيبه ولا يستحق
قبل حصول تلك الصفة وإنما يستحق الفقيه وإن
كان واحدا. ا هـ. والله أعلم.
فصل
ومن بنى
مسجدا لم يزل ملكه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه
ويأذن بالصلاة فيه وإذا صلى فيه واحد زال ملكه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
لما اختص المسجد بأحكام تخالف أحكام مطلق
الوقف أفرده بفصل على حدة وأخره.
قوله "ومن بنى مسجدا لم يزل ملكه حتى يفرزه عن
ملكه بطريقه ويأذن بالصلاة فيه وإذا صلى فيه
واحد زال ملكه" أما الإفراز فإنه لا يخلص لله
تعالى إلا به وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من
التسليم عند أبي حنيفة ومحمد فيشترط تسليم
نوعه وذلك في المسجد بالصلاة فيه أو لأنه لما
تعذر القبض يقام تحقق المقصود مقامه ثم يكتفى
بصلاة الواحد لأن فعل الجنس يتعذر فيشترط
أدناه وعن محمد تشترط الصلاة بالجماعة لأن
المسجد مبني لذلك في الغالب وصححها الزيلعي
تبعا لما في الخانية لأن قبض كل شيء وتسليمه
يكون بحسب ما يليق به وذلك في المسجد بأداء
الصلاة بالجماعة أما الواحد يصلي في كل مكان.
وقال أبو يوسف يزول ملكه بقوله جعلته مسجدا
لأن التسليم عنده ليس بشرط لأنه إسقاط لملك
العبد فيصير خالصا لله تعالى بسقوط حق العبد
وصار كالإعتاق.
والحاصل أن المسجد مخالف لمطلق الوقف عند الكل
أما عند الأول فلا يشترط القضاء ولا التعليق
بالموت وأما عند الثاني فلا يجوز في المشاع
وأما عند الثالث فلا يشترط التسليم إلى
المتولي.
ج / 5 ص -378-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق الواحد فشمل الباني وهو قول البعض والأصح
أنه لا يكفي لأن الصلاة إنما تشترط لأجل القبض
على العامة وقبضه لا يكفي فكذا صلاته كذا في
الخانية وشمل ما إذا صلى واحد بغير أذان
وإقامة وهو ظاهر الرواية كذا في الخانية. ولو
قال المصنف رحمه الله ومن جعل أرضه مسجدا بدل
قومه ومن بنى لكان أولى لأنه لو كان له ساحة
لا بناء فيها فأمر قومه أن يصلوا فيها بجماعة
قالوا إن أمرهم بالصلاة فيها أبدا أو أمرهم
بالصلاة فيها بالجماعة ولم يذكر أبدا إلا أنه
أراد بها الأبد ثم مات لا يكون ميراثا عنه وإن
أمرهم بالصلاة شهرا أو سنة ثم مات تكون ميراثا
عنه لأنه لا بد من التأبيد والتوقيت ينافي
التأبيد كذا في الخانية.
وأفاد باشتراط الصلاة فيه أنه لو بنى مسجدا
وسلمه إلى المتولي لا يصير مسجدا بالتسليم إلى
المتولي وهو قول البعض واختاره شمس الأئمة
السرخسي لأن قبض كل شيء يكون بما يليق به كقبض
الخان يكون بنزول واحد من المارة فيه بإذنه
وفي الحوض والبئر والسقاية بالاستقاء وقال
بعضهم يصير مسجدا كسائر الأوقاف كذا في
الخانية.
وفي فتح القدير. والوجه الصحة لأن بالتسليم
إلى المتولي أيضا يحصل تمام التسليم إليه
تعالى لرفع يده عنه فكأنه لم يطلع على تصحيح
وفي الاختيار والصحيح أنه يصير مسجدا وكذا إذا
سلمه إلى القاضي أو نائبه كذا في الإسعاف.
وقيد بإذن الباني لأن متولي المسجد إذا جعل
المنزل الموقوف على المسجد مسجدا وصلى فيه
سنين ثم ترك الصلاة فيه وأعيد منزلا مستغلا
جاز لأن المتولي وإن جعله مسجدا لا يصير مسجدا
كذا في الخانية وأطلق في المسجد فشمل المتخذ
لصلاة الجنازة أو العيد وفي الخانية مسجدا
اتخذ لصلاة الجنازة أو لصلاة العيد هل يكون له
حكم المسجد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكون
مسجدا حتى لو مات لا يورث عنه. وقال بعضهم ما
اتخذ لصلاة الجنازة فهو مسجد لا يورث عنه وما
اتخذ لصلاة العيد لا يكون مسجدا مطلقا وإنما
يعطى له حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام
وإن كان منفصلا عن الصفوف وأما فيما سوى ذلك
فليس له حكم المسجد وقال بعضهم له حكم المسجد
حال أداء الصلاة لا غير وهو والجبانة سواء
ويجنب هذا المكان كما يجنب المسجد احتياطا. ا
هـ.
فأفاد بالاقتصار على الشروط الثلاثة أنه لا
يحتاج في جعله مسجدا إلى قوله وقفته ونحوه لأن
العرف جار بالإذن في الصلاة على وجه العموم
والتخلية بكونه وقفا على هذه الجهة فكان
كالتعبير به فكان كمن قدم طعاما إلى ضيفه أو
نثر نثارا كان إذنا في أكله والتقاطه بخلاف
الوقف على الفقراء لم تجر عادة فيه بالتخلية
والإذن بالاستغلال ولو جرت به في عرف اكتفينا
بذلك
ج / 5 ص -379-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كمسألتنا وبقولنا قال مالك وأحمد خلافا
للشافعي. وأفاد أيضا أنه لو قال وقفته مسجدا
ولم يأذن بالصلاة فيه ولم يصل فيه أحد لا يصير
مسجدا بلا حكم وهو بعيد ذكر في فتح القدير أن
هذا مقتضى كلامهم ولم يعزه إلى النقل وفي
الحاوي القدسي ومن بنى مسجدا في أرض مملوكة له
إلى آخره فأفاد أن من شرطه ملك الأرض.
ولذا قال في الخانية ولو أن سلطانا أذن لقوم
أن يجعلوا أرضا من أراضي البلدة حوانيت موقوفة
على المسجد أو أمرهم أن يزيدوا في مسجدهم
قالوا إن كانت البلدة فتحت عنوة وذلك لا يضر
بالمارة والناس ينفذ أمر السلطان فيها وإن
كانت البلدة فتحت صلحا لا ينفذ أمر السلطان
لأن في الأول تصير ملكا للغانمين فجاز أمر
السلطان فيها وفي الثاني تبقى على ملك ملاكها
فلا ينفذ أمره فيها ا هـ. ولذا قالوا لو اشترى
دارا لها شفيع فجعلها مسجدا كان للشفيع أن
يأخذها بالشفعة وكذا إذا كان للبائع حق
الاسترداد كان له أن يبطل المسجد كذا في فتح
القدير وأشار بإطلاق قوله ويأذن للناس في
الصلاة أنه لا يشترط أن يقول أذنت فيه بالصلاة
جماعة أبدا بل الإطلاق كاف لكن لو قال صلوا
فيه جماعة صلاة أو صلاتين يوما أو شهرا لا
يكون مسجدا كما صرح به في الذخيرة وقدمناه عن
الخانية في الرحبة.
وفي القنية اختلف في مسجد الدار والخان
والرباط أنه مسجد جماعة أم لا والأصح ما روي
عن أبي يوسف أنه إذا أغلق باب الدار فهو مسجد
جماعة للجماعة التي في الدار إذا لم يمنعوا
غيرهم من الصلاة فيه في سائر الأوقات لأن مسجد
الزقاق الذي ليس بنافذ مسجد جماعة فإن صلوا
فيه في وقت أغلقوا باب الزقاق كذا هذا وعنه إن
كان فيه جماعة ممن في الدار بعد الإغلاق لا
يمنعون غيرهم في الأوقات الأخر فهو مسجد جماعة
وإلا فلا "فخ"1 مثله. وعن محمود الأوزجندي2 لا
يجوز الاعتكاف في مسجد زقاق غير نافذ لأن
طريقه مملوك لأهله إلا إذا كان له حائط إلى
طريق نافذ فحينئذ يمكن التطرق إليه من حق
العامة فيخلص لله تعالى فيصير مسجدا قال رضي
الله تعالى عنه والذي اختاره "فخ" أصح وقد
رأينا ببخارى وغيرها في دور وسكك في أزقة غير
نافذة من غير شك الأئمة والعوام في كونها
مساجد فعلى هذا المساجد التي في المدارس
بجرجانية خوارزم مساجد لأنهم لا يمنعون الناس
من الصلاة فيها وإذا أغلقت يكون فيها جماعة من
أهلها. ا هـ. وقد قدمنا شيئا من أحكام المسجد
عند قوله ولا نقشه بالجص وماء الذهب من
مكروهات الصلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه ضمن رموز القنية.
2 هو شمس الأئمة جد قاضيخان. ا هـ. الفوائد
البهية "209".
ج / 5 ص -380-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المجتبى لا يجوز لقيم المسجد أن يبني
حوانيت في حد المسجد أو فنائه قيم يبيح فناء
المسجد ليتجر فيه القوم أو يضع فيه سررا أجرها
ليتجر فيها الناس فلا بأس إذا كان لصلاح
المسجد ويعذر المستأجر إن شاء الله تعالى إذا
لم يكن ممر العامة, وفناء المسجد ما كان عليه
ظلة المسجد إذا لم يكن ممرا لعامة المسلمين
ولا يجوز صرف تلك الأجرة إلى نفسه ولا إلى
الإمام بل يتصدق به على الفقراء ولا بأس للقيم
أن يخلط غلة أوقاف المسجد المختلفة اتحد
الواقف أو اختلف عن مشايخ بلخ مسجد له أوقاف
ولا قيم فيه فجمع بعض أهل محلته غلاتها
وأنفقها في حصره وإدهانه وحشيشه لم يضمن ديانة
استحسانا ولو ثبت عند الحاكم ضمنه وفي تولية
أهل المحل قيما على أوقافه بدون إذن القاضي
اختلاف المشايخ في فتاوى الفضلي وأفتى مشايخنا
المتقدمون أنه يصير متوليا ثم اتفق المتأخرون
وأستاذونا أن الأفضل أن ينصبوا متوليا ولا
يعلموا به القاضي في زماننا لطمع القضاة في
أموال الأوقاف تنازع أهل المحلة والباني في
عمارته أو نصب المؤذن أوالإمام فالأصح أن
الباني أولى به إلا أن يريد القوم ما هو أصلح
منه وقيل الباني بالمؤذن أولى وإن كان فاسقا
بخلاف الإمام, والباني أحق بالإمامة والآذان
وولده من بعده وعشيرته أولى بذلك من غيرهم وفي
المجرد عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الباني
أولى بجميع مصالح المسجد ونصب الإمام والمؤذن
إذا تأهل للإمامة. ا هـ.
وفي القنية من آخر الوقف بعث شمعا في شهر
رمضان إلى مسجد فاحترق وبقي منه ثلثه أو دونه
ليس للإمام ولا للمؤذن أن يأخذ بغير إذن
الدافع ولو كان العرف في ذلك الموضع أن الإمام
والمؤذن يأخذه من غير صريح الإذن في ذلك فله
ذلك ا هـ.
وفيها وكرهوا إحداث الطاقات في المساجد روي
ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه1. قيم الجامع
القديم أجر موضعا تحت ظلة الباب لبعض الصكاكين
لا يصح ولا يجوز إزالة الحائط التي بين
المسجدين ليجعلهما واحدا إذا لم يكن فيه مصلحة
ظاهرة وكذا رفع* صفته ويضمن القيم ما أنفق فيه
من مال المسجد بنى في فنائه في الرستاق دكانا
لأجل الصلاة يصلون فيه بجماعة كل وقت فله حكم
المسجد ولا يوضع الجذع على جدار المسجد وإن
كان من أوقافه. ا هـ..
وفيها من الكراهية ولو كان إلى المسجد مدخل من
دار موقوفة لا بأس للإمام أن يدخل للصلاة من
هذا الباب لأنه روي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يدخل من حجرته إلى المسجد2. له
في المسجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.
2 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "1/441" من حديث
معاذ بن جبل برقم "1726" وذكره في كنز العمال
برقم "20753". والهيثمي في مجمع الزوائد
"2/26".
ج / 5 ص -381-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضع معين يواظب عليه وقد شغله غيره قال
الأوزاعي له أن يزعجه وليس له ذلك عندنا ويكره
تخصيص مكان في المسجد لنفسه لأنه يخل بالخشوع
لا حرمة لتراب المسجد إذا جمع وله حرمة إذا
بسط له متاع في المسجد يخاف عليه فإنه يتيمم
ويدخل في الصلاة وإذا ضاق المسجد كان للمصلي
أن يزعج القاعد من موضعه ليصلي فيه وإن كان
مشتغلا بالذكر أو الدرس أو قراءة القرآن أو
الاعتكاف وكذا لأهل المحلة أن يمنعوا من ليس
منهم عن الصلاة فيه إذا ضاق بهم المسجد أهل
المحلة قسموا المسجد وضربوا فيه حائطا ولكل
منهم إمام على حدة ومؤذنهم واحد لا بأس له
والأولى أن يكون لكل طائفة مؤذن كما يجوز لأهل
المحلة أن يجعلوا المسجد الواحد مسجدين فلهم
أن يجعلوا المسجدين واحدا لإقامة الجماعة أما
للتذكير أو للتدريس فلا لأنه ما بني له وإن
جاز فيه.
وفي شرح الآثار أن البيع وخصف النعل وإنشاد
الشعر مما كان لا يعم المسجد من هذا غير مكروه
وما يعمه منه أو يغلبه فمكروه ويجوز الدرس في
المسجد وإن كان فيه استعمال اللبود والبواري
المسبلة لأجل المسجد لو علم الصبيان القرآن في
المسجد لا يجوز ويأثم وكذا التأديب فيه أي لا
يجوز التأديب فيه إذا كان بأجر وينبغي أن يجوز
بغير أجر وأما الصبيان فقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم
"جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم"1 وكذا لا يجوز التعليم في دكان في فناء المسجد هذا عند أبي حنيفة
وعندهما يجوز إذا لم يضر بالعامة أصابه البرد
الشديد في الطريق فدخل مسجدا فيه خشب الغير
ولو لم يوقد نارا يهلك فخشب المسجد في الإيقاد
أولى من غيره بجواز إدخال الحبوب وأثاث البيت
في المسجد للخوف في الفتنة العامة ا هـ.
وفيها من الوقف اتخذا مسجدا على أنه بالخيار
جاز المسجد والشرط باطل جعل وسط داره مسجدا
وأذن للناس في الدخول والصلاة فيه إن شرط معه
الطريق صار مسجدا في قولهم وإلا فلا عند أبي
حنيفة وقالا يصير مسجدا ويصير الطريق من حقه
من غير شرط كما لو أجر أرضه ولم يشترط الطريق.
ا هـ.
وفي الإسعاف وليس لمتولي المسجد أن يحمل سراج
المسجد إلى بيته ولا بأس بأن يترك سراج المسجد
فيه من المغرب إلى وقت العشاء ولا يجوز أن
يترك فيه كل الليل إلا في موضع جرت العادة فيه
بذلك كمسجد بيت المقدس ومسجد النبي صلى الله
عليه وسلم والمسجد الحرام أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في أبواب المساجد
من حديث معاذ بن جبل "1726" والهيثمي في مجمع
الزوائد "2/26" وابن ماجة في سنه من حديث
واثلة بن الأسقع كتاب المساجد والجماعات باب
ما يكره في المساجد "750".
ج / 5 ص -382-
ومن
جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل بابه
إلى الطريق وعزله أو اتخذ وسط داره مسجدا وأذن
للناس بالدخول فله بيعه ويورث عنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرط الواقف تركه فيه كل الليل كما جرت العادة
به في زماننا ويجوز الدرس بسراج المسجد إن كان
موضوعا فيه لا للصلاة بأن فرغ القوم من الصلاة
وذهبوا إلى بيوتهم وبقي السراج فيه قالوا لا
بأس بأن يدرس بنوره إلى ثلث الليل لأنهم لو
أخروا الصلاة إلى ثلث الليل لا بأس به فلا
يبطل حقه بتعجيلهم وفيما زاد على الثلث ليس
لهم تأخيرها فلا يكون لهم حق الدرس ولو أن
قوما بنوا مسجدا وفضل من خشبهم شيء قالوا يصرف
الفاضل في بنائه ولا يصرف إلى الدهن والحصر
هذا إذا سلموه إلى المتولي ليبني به المسجد
وإلا يكون الفاضل لهم يصنعون به ما شاءوا ولو
جمع مالا لينفقه في بناء المسجد فأنفق بعضه في
حاجته ثم رد بدله في نفقة المسجد لا يسعه أن
يفعل ذلك فإذا فعله وكان يعرف صاحبه ضمن له
بدله أو استأذنه في صرف عوضه في المسجد وإن
كان لا يعرفه رفع الأمر إلى القاضي ليأمره
بإنفاق بدله فيه وإن لم يمكنه الرفع إليه
قالوا نرجو له في الاستحسان الجواز إذا أنفق
مثله في المسجد ويخرج عن العهدة فيما بينه
وبين الله تعالى. ا هـ.
وفي البزازية أرادوا نقض المسجد وبناؤه أحكم
من الأول إن لم يكن الباني من أهل المحلة ليس
لهم ذلك وإن كان من أهل المحلة لهم ذلك ا هـ.
وفي الحاوي ولا بأس أن يدخل الكافر وأهل الذمة
المسجد الحرام وبيت المقدس وسائر المساجد
لمصالح المسجد وغيرها من المهمات ويكره أن
يكون محراب المسجد نحو المقبرة أو الميضأة أو
الحمام ويكره التوضؤ في المسجد كالبزق والمخط
لما فيه من الاستخفاف وكذا يكره أن يتخذ طريقا
ويحدث فيه حديث الدنيا أو يشهر فيه السلاح فإن
كان معه شيء منه يستحب أن يأخذ بنصله ويكره
الدخول فيه بغير طهارة وإذا رأى حشيش المسجد
فرفعه إنسان جاز إن لم يكن له قيمة فإن كان له
أدنى قيمة لا يأخذه إلا بعد الشراء من المتولي
أو القاضي أو أهل المسجد أو الإمام وكذا
الجنائز العتق أو الحصر المقطعة والمنابر و
القناديل المكسرة والأولى أن تكون حيطان
المسجد أبيض غير منقوشة ولا مكتوب عليها ويكره
أن تكون منقوشة بصور أو كتابة. ا هـ.
قوله: "ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت
وجعل بابه إلى الطريق وعزله أو اتخذ وسط داره
مسجدا وأذن للناس بالدخول فله بيعه ويورث عنه"
لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقا
به والسرداب بيت يتخذ تحت الأرض لغرض تبريد
الماء وغيره كذا في فتح القدير.
وفي المصباح السرداب المكان الضيق يدخل فيه
والجمع سراديب. ا هـ. وحاصله أن
ج / 5 ص -383-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا
لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى {وَأَنَّ
الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجـن: 18] بخلاف ما
إذا كان السرداب أو العلو موقوفا لمصالح
المسجد فإنه يجوز إذ لا ملك فيه لأحد بل هو من
تتميم مصالح المسجد فهو كسرداب مسجد بيت
المقدس هذا هو ظاهر المذهب وهناك روايات ضعيفة
مذكورة في الهداية وبما ذكرناه علم أنه لو بنى
بيتا على سطح المسجد لسكنى الإمام فإنه لا يضر
في كونه مسجدا لأنه من المصالح فإن قلت: لو
جعل مسجدا ثم أراد أن يبني فوقه بيتا للإمام
أو غيره هل له ذلك قلت: قال في التتارخانية
إذا بنى مسجدا وبنى غرفة وهو في يده فله ذلك
وإن كان حين بناه خلى بينه وبين الناس ثم جاء
بعد ذلك يبني لا يتركه وفي جامع الفتوى إذا
قال عنيت ذلك فإنه لا يصدق. ا هـ. فإذا كان
هذا في الواقف فكيف بغيره فمن بنى بيتا على
جدار المسجد وجب هدمه ولا يجوز أخذ الأجرة.
وفي البزازية ولا يجوز للقيم أن يجعل شيئا من
المسجد مستغلا ولا مسكنا وقدمناه ولم يذكر
المصنف حكم المسجد بعد خرابه وقد اختلف فيه
الشيخان فقال محمد إذا خرب وليس له ما يعمر به
وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر أو لخراب
القرية أو لم يخرب لكن خربت القرية بنقل أهلها
واستغنوا عنه فإنه يعود إلى ملك الواقف أو
ورثته. وقال أبو يوسف هو مسجد أبدا إلى قيام
الساعة لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل
ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا
وهو الفتوى كذا في الحاوي القدسي وفي المجتبى
وأكثر المشايخ على قول أبي يوسف ورجح في فتح
القدير قول أبي يوسف بأنه الأوجه قال وأما
الحصر والقناديل فالصحيح من مذهب أبي يوسف أنه
لا يعود إلى ملك متخذه بل يحول إلى مسجد آخر
أو يبيعه قيم المسجد للمسجد.
وفي الخلاصة قال محمد في الفرس إذا جعله حبيسا
في سبيل الله فصار بحيث لا يستطاع أن يركب
يباع ويصرف ثمنه إلى صاحبه أو ورثته كما في
المسجد وإن لم يعلم صاحبه يشتري بثمنه فرسا
آخر يغزى عليه ولا حاجة إلى الحاكم ولو جعل
جنازة وملاءة1 ومغتسلا وقفا في محلة ومات
أهلها كلهم لا ترد إلى الورثة بل تحمل إلى
مكان آخر فإن صح هذا عن محمد فهو رواية في
البواري والحصر أنها لا تعود إلى الورثة.
وهكذا نقل عن الشيخ الإمام الحلواني في المسجد
والحوض إذا خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس
عنه أنه تصرف أوقافه إلى مسجد آخر أو حوض آخر
واعلم أنه يتفرع على الخلاف بين أبي يوسف
ومحمد فيما إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو ما يغمر يفرش على السرير. ا هـ المعجم
الوسيط.
ج / 5 ص -384-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استغنى عن المسجد لخراب المحلة والقرية وتفرق
أهلها ما إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما
يمكن به عمارته به أنه يبطل الوقف ويرجع النقض
إلى بانيه أو ورثته عند محمد خلافا لأبي يوسف.
وكذا حانوت في سوق احترق وصار بحيث لا ينتفع
به ولا يستأجر بشيء ألبتة يخرج عن الوقفية
وكذا في حوض محلة خرب وليس له ما يعمر به عاد
لورثته فإن لم يعرف فهو لقطة وكذا الرباط إذا
خرب يبطل الوقف ويصير ميراثا ولو بنى رجل في
هذه الأرض فالبناء للباني وأصل الوقف لورثة
الواقف عند محمد فقول من قال في جنس هذه
المسائل نظر فليتأمل عند الفتوى غير واقع
موقعه. ا هـ. وأراد الرد على الصدر الشهيد.
وأقول: بل النظر واقع موقعه لأن الفتوى على
قول أبي يوسف في المسجد فكذا فيما يبتني عليه
ومحمد يقول بجواز الاستبدال عند الخراب فكيف
ينقل عنه القول ببطلان الوقفية في مسألة
الحانوت ولقد رجع في فتح القدير إلى الحق حيث
قال وفي الفتاوى الظهيرية سئل الحلواني عن
أوقاف المسجد إذا تعطلت وتعذر استغلالها هل
للمتولي أن يبيعها ويشتري بثمنها أخرى قال نعم
وروى هشام عن محمد إذا صار الوقف بحيث لا
ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري
بثمنه غيره وعلى هذا فينبغي أن لا يفتى على
قوله برجوعه إلى ملك الواقف وورثته بمجرد
تعطله أو خرابه بل إذا صار بحيث لا ينتفع به
يشترى بثمنه وقف يستغل ولو كانت غلته دون غلة
الأولى في فتاوى قاضي خان وقف على مسمين خرب
ولا ينتفع به ولا يستأجر أصله يبطل الوقف
ويجوز بيعه وإن كان أصله يستأجر بشيء قليل
يبقى أصله وقفا. ا هـ. ويجب حفظ هذا فإنه قد
تخرب الدار وتصير كوما وهي بحيث لو نقل نقضها
استأجر أرضها من يبني أو يغرس ولو بقليل فيغفل
عن ذلك وتباع كلها للواقف مع أنه لا يرجع منها
إليه إلا النقض فإن قلت: على هذا تكون مسألة
الرباط التي ذكرناها مقيدة بما إذا لم تكن
أرضه بحيث تستأجر قلنا لا لأن الرباط موقوف
للسكنى وامتنعت بانهدامه بخلاف هذه فإن المراد
وقف لاستغلال الجماعة المسلمين. ا هـ. ما في
الفتح.
وفي الخانية رجل بسط من ماله حصيرا للمسجد
فخرب المسجد ووقع الاستغناء عنه فإن ذلك يكون
له إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا وإن بلى
ذلك كان له أن يبيع ويشتري بثمنه حصيرا آخر
وكذا لو اشترى حشيشا أو قنديلا فوقع الاستغناء
عنه كان ذلك له إن كان حيا ولورثته إن كان
ميتا وعند أبي يوسف يباع ذلك ويصرف ثمنه إلى
حوائج المسجد فإن استغنى عنه هذا المسجد يحول
إلى مسجد آخر والفتوى على قول محمد ولو كفن
ميتا فافترسه سبع فإن الكفن يكون للمكفن إن
كان حيا ولوارثه إن كان ميتا ولو أن أهل
المسجد باعوا حشيش المسجد أو جنازة أو نعشا
صار خلقا ومن فعل ذلك غائب اختلفوا فيه قال
بعضهم
ج / 5 ص -385-
ومن
بنى سقاية أو خانا أو رباطا أو مقبرة لم يزل
ملكه عنه حتى يحكم به حاكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يجوز والأولى أن يكون بإذن القاضي وقال بعضهم
لا يجوز إلا بإذن القاضي وهو الصحيح. ا هـ.
وبه علم أن الفتوى على قول محمد في آلات
المسجد وعلى قول أبي يوسف في تأبيد المسجد
وأما قياسه في فتح القدير الحصير على الجنازة
والنعش فغير صحيح لما في الخانية إذا وقف
جنازة أو نعشا أو مغتسلا وهو التور1 العظيم في
محلة خربت المحلة ولم يبق أهلها قالوا لا ترد
إلى ورثة الواقف بل تحول إلى محلة أخرى أقرب
إلى هذه المحلة فرقوا بين هذا وبين المسجد إذا
خرب ما حوله على قول محمد يصير ميراثا لأن
المسجد مما لا ينقل إلى مكان آخر وهذه الأشياء
مما تنقل ا هـ.
وفي القنية حوض أو مسجد خرب وتفرق الناس عنه
فللقاضي أن يصرف أوقافه إلى مسجد آخر ولو خرب
أحد المسجدين في قرية واحدة فللقاضي صرف خشبه
إلى عمارة المسجد الآخر إذا لم يعلم بانيه ولا
وارثه وإن علم يصرفها هو بنفسه قلت: إن شاء
ولو خرب الحوض العام فكبسه إنسان وبنى عليه
حوانيت فللقاضي أن يأخذ أجر مثل الأرض ويصرفه
إلى حوض آخر من تلك القرية ا هـ.
قوله: "ومن بنى سقاية أو خانا أو رباطا أو
مقبرة لم يزل ملكه عنه حتى يحكم به حاكم" يعني
عند أبي حنيفة لأنه لم ينقطع عنه حق العبد ألا
ترى أن له أن ينتفع به ويسكن في الخان وينزل
في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة
فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد
الموت كما في الوقف على الفقراء بخلاف المسجد
لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى
من غير حكم الحاكم وعند أبي يوسف يزول ملكه
بالقول كما هو أصله إذ التسليم عنده ليس بشرط
والوقف لازم.
وفي فتاوى قاضي خان ونأخذ في ذلك بقول أبي
يوسف وعند محمد إذا استقى الناس من السقاية
وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال
الملك لأن التسليم عنده شرط والشرط تسليم نوعه
وذلك بما ذكرناه ويكتفى بالواحد لتعذر فعل
الجنس كله وعلى هذا البئر والحوض ولو سلم إلى
المتولي صح التسليم في هذه الوجوه لأنه نائب
عن الموقوف عليه وفعل النائب كفعل المنوب عنه
وأما في المسجد فقدمنا الخلاف فيما إذا سلمه
إلى المتولي والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد
على ما قيل لأنه لا متولي له عرفا. وقد قيل
إنه بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى
المتولي لأنه لو نصب المتولي يصح وإن كان على
خلاف العادة ولو جعل دارا له بمكة سكنى لحاج
بيت الله الحرام والمعتمرين أو جعل داره في
غير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو إناء يشرب فيه. ا هـ الصحاح مادة "تور".
ج / 5 ص -386-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكة سكنى للمساكين أو جعلها في ثغر من الثغور
سكنى للغزاة والمرابطين أو جعل غلة أرضه
للغزاة في سبيل الله تعالى ودفع ذلك إلى وال
يقوم عليه فهو جائز ولا رجوع فيها لما بينا
إلا أن في الغلة تحل للفقراء دون الأغنياء
وفيما سواه من سكنى الخان والاستقاء من البئر
والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الفقير والغني
والفارق هو العرف بين الفصلين فإن أهل العرف
يريدون بذلك في الغلة للفقراء وفي غيرها
التسوية بينهم وبين الأغنياء ولأن الحاجة تشمل
الغني والفقير في النزول والشرب والغني لا
يحتاج إلى صرف هذه الغلة لغناه. كذا في
الهداية وبما قررناه علم أن اقتصار المصنف على
حكم الحاكم ليس بجيد لأن الإضافة إلى ما بعد
الموت كالحكم وهي وصية فلا تلزم إلا بعد الموت
وله الرجوع عنها في حياته كما في فتح القدير
وظاهر قول المصنف أن له الرجوع في المقبرة قبل
الحكم وبعد الدفن بها على قول الإمام.
وفي فتح القدير ثم روى الحسن عنه أنه إذا رجع
بعد الدفن لا يرجع في المحل الذي دفن فيه
ويرجع فيما سواه ثم إذا رجع في المقبرة بعد
الدفن لا ينبشها لأن النبش حرام ولكن يسوي
ويزرع وهذا على غير رواية الحسن والفتوى في
ذلك كله خلاف قول أبي حنيفة للتعامل المتوارث
هذا وتفارق المقبرة غيرها بأنه لو كان في
المقبرة أشجار وقت الوقف كان للورثة أن
يقطعوها لأن موضعها لم يدخل في الوقف لأنه
مشغول بها كما لو جعل داره مقبرة لا يدخل موضع
البناء في الوقف بخلاف غير المقبرة فإن
الأشجار والبناء إذا كانت في عقار وقفه دخلت
في الوقف تبعا ولو نبتت فيها بعد الوقف إن علم
غارسها كانت للغارس وإن لم يعلم فالرأي فيها
إلى القاضي إن رأى بيعها وصرف ثمنها على عمارة
المقبرة فله ذلك ويكون في الحكم كأنه وقف ولو
كانت قبل الوقف لكن الأرض موات ليس لها مالك
فاتخذها أهل القرية مقبرة فالأشجار على ما
كانت عليه قبل جعلها مقبرة ولو بنى رجل بيتا
في المقبرة لحفظ اللبن ونحوه إن كان في الأرض
سعة جاز وإن لم يرض بذلك أهل المقبرة لكن إذا
احتيج إلى ذلك المكان بدفع البناء ليقبر فيه
ومن حفر لنفسه قبرا فلغيره أن يقبر فيه وإن
كان في الأرض سعة إلا أن الأولى أن لا يوحشه
إن كان فيه سعة. كمن بسط سجادة في المسجد أو
نزل في الرباط فجاء آخر لا ينبغي أن يوحش
الأول إن كان في المكان سعة وذكر الناطفي أنه
يضمن قيمة الحفر ليجمع بين الحقين ولا يجوز
لأهل القرية الانتفاع بالمقبرة الدائرة فلو
كان فيها حشيش يحش ويرسل إلى الدواب ولا ترسل
الدواب فيها. ا هـ.
وفي الخانية امرأة جعلت قطعة أرض مقبرة
وأخرجتها من يدها ودفن فيه ابنها وهذه الأرض
غير صالحة للقبر لغلبة الماء عليها قال الفقيه
أبو جعفر إن كانت الأرض بحال يرغب
ج / 5 ص -387-
..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الناس عن دفن الموتى فيها لفسادها لم تصر
مقبرة وكان للمرأة أن تبيعها وإذا باعت كان
للمشتري أن يرفع الميت عنها أو يأمر برفع
الميت عنها ولو جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة
أو مسكنا سقط الخراج عنه إن كانت خراجية وقيل
لا تسقط والصحيح هو الأول. ولو بنى رباطا على
أن يكون في يده ما دام حيا قال أبو القاسم يقر
في يده ما لم يستوجب الإخراج عن يده. قوم
عمروا أرض موات على شط جيحون وكان السلطان
يأخذ العشر منهم لأن على قول محمد ماء الجيحون
ليس ماء الخراج وبقرب ذلك رباط فقام متولي
الرباط إلى السلطان فأطلق السلطان له ذلك
العشر هل يكون للمتولي أن يصرف ذلك العشر إلى
مؤذن يؤذن في هذا الرباط يستعين بهذا على
طعامه وكسوته هل يجوز له ذلك وهل يكون للمؤذن
أن يأخذ ذلك العشر الذي أباح السلطان للرباط
قال الفقيه أبو جعفر لو كان المؤذن محتاجا
يطيب له ولا ينبغي له أن يصرف ذلك العشر إلى
عمارة الرباط وإنما يصرف إلى الفقراء لا غير
ولو صرف إلى المحتاجين ثم إنهم أنفقوا في
عمارة الرباط جاز ويكون ذلك حسنا. رباط على
بابه قنطرة على نهر عظيم خربت القنطرة ولا
يمكن الوصول إلى الرباط إلا بمجاوزة النهر
وبدون القنطرة لا يمكن المجاوزة هل تجوز عمارة
القنطرة بغلة الرباط قال الفقيه أبو جعفر إن
كان الواقف على مصالح الرباط لا بأس به وإلا
فلا لأن الرباط للعامة والقنطرة كذلك. متولي
الرباط إذا صرف فضل غلة الرباط في حاجة نفسه
قرضا لا ينبغي له أن يفعل ولو فعل ثم أنفق من
مال نفسه في الرباط رجوت له أن يبرأ وإن أقرض
ليكون أحرز من الإمساك عنده قال رجوت أن يكون
واسعا له ذلك. رباط استغنى عنه المارة وبقربه
رباط آخر قال الفقيه أبو جعفر تصرف غلة الرباط
الأول إلى الرباط الثاني وإن لم يكن بقربه
رباط يعود الوقف إلى ورثة من بنى الرباط رجل
أوصى بثلث ماله للرباط فإلى من يصرف قال
الفقيه أبو جعفر إن كان هناك دلالة أنه أراد
به المقيمين يصرف إليهم وإلا يصرف إلى عمارة
الرباط. ا هـ.
وفي المصباح السقاية بالكسر الموضع يتخذ لسقي
الناس والرباط اسم من رابط مرابطة من باب قاتل
إذا لازم ثغر العدو والرباط الذي يبنى للفقراء
مولد ويجمع في القياس على ربط بضمتين ورباطات
وفي المجتبى اتخذ مشرعة أو مكتبا لا يتم حتى
يشرع فيها إنسان أو يقرأ فيها إنسان وقال أبو
يوسف الإشهاد في ذلك كله يكفي ولا بأس أن يشرب
من الحوض والبئر ويسقي دابته ويتوضأ منه وفي
التوضؤ من السقاية إذا اتخذها للشرب اختلاف
المشايخ ولو اتخذها للتوضؤ لا يجوز الشرب منه
بالإجماع وفي الاستقاء من السقاية وإسقاء
الدواب اختلاف والأصح أنه لا يجوز إلا
الاستقاء للشرب إذا كان قليلا لأنه في معنى
الشرب والأصح عدم جواز أخذ الجمد إلى بيته لأن
الجمد لتبريد ماء السقاية لا للأخذ مقبرة
ج / 5 ص -388-
وإن
جعل شيء من الطريق مسجدا صح كعكسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمشركين أراد أن يتخذها مقبرة للمسلمين لا
بأس به إن كانت قد اندرست آثارهم فإن بقي شيء
من عظامهم تنبش وتقبر ثم تجعل مقبرة للمسلمين
فإن موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
مقبرة للمشركين فنبشه واتخذه مسجدا استغني عن
مسجد لا يجوز اتخاذه مقبرة ولو وقف أرضا على
المقبرة أو على صوفي خانه بشرائطه لا يصح. ا
هـ.
وفي الظهيرية وإذا اشترى الرجل موضعا وجعله
طريقا للمسلمين وأشهد عليه صح ويشترط لإتمامه
مرور واحد من المسلمين على قول من يشترط
التسليم في الأوقاف.
وفي النوادر عن أبي حنيفة أنه أجاز وقف
المقابر والطرق قال هلال وكذلك القنطرة يتخذها
الرجل للمسلمين ويتطرقون فيها لا يكون بناؤها
ميراثا للورثة وقد صار وقفا ودلت المسألة على
جواز وقف البناء وفي القنية صغير كان يأخذ من
السقاية ماء لإصلاح الدواة أو قصعة للشرب ثم
بلغ فندم لا يكفيه الندم بل يرد الضمان إلى
القيم ولا يجزيه صب مثله في السقاية أخذ من
السقاية ماء مرة بعد أخرى حتى بلغ جرة مثلا
وكان القيم قد صب في تلك السقاية خمسين جرة
فصب هو جرة قضاء للحق بعد إذن القيم صار ضامنا
للكل دار موقوفة للماء والجمد ليس للقيم أن
يشتري من غلتها خابية ليسقي الماء وقف أرضا
على أن يدفن فيها أقرباؤه فإذا انقطعوا فأخره
للفقراء ودفن فيها من أقربائه حال حياته صح
الوقف. ولو وقف مقبرة أو خانا بعد موته
فلوارثه أن يدفن فيها أو ينزل فيه. ا هـ.
قوله: "وإن جعل شيء من الطريق مسجدا صح كعكسه"
يعني إذا بنى قوم مسجدا واحتاجوا إلى مكان
ليتسع فأدخلوا شيئا من الطريق ليتسع المسجد
وكان ذلك لا يضر بأصحاب الطريق جاز ذلك وكذا
إذا ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض لرجل
تؤخذ أرضه بالقيمة كرها لما روي عن الصحابة
رضي الله عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا
أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في
المسجد الحرام ومعنى قوله كعكسه أنه إذا جعل
في المسجد ممرا فإنه يجوز لتعارف أهل الأمصار
في الجوامع وجاز لكل أحد أن يمر فيه حتى
الكافر إلا الجنب والحائض والنفساء لما عرف في
موضعه وليس لهم أن يدخلوا فيه الدواب. كذا
ذكره الشارح رحمه الله وفي الخانية طريق
للعامة وهي واسعة فبنى فيه أهل المحلة مسجدا
للعامة ولا يضر ذلك بالطريق قالوا لا بأس به
وهكذا روي عن أبي حنيفة ومحمد لأن الطريق
للمسلمين والمسجد لهم أيضا وإن أراد أهل
المحلة أن يدخلوا شيئا من الطريق في دورهم
وذلك لا يضر بالطريق لا يكون لهم ذلك ولأهل
المحلة تحويل باب المسجد من موضع
ج / 5 ص -389-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى موضع آخر. قوم بنوا مسجدا واحتاجوا إلى
مكان ليتسع المسجد فأخذوا من الطريق وأدخلوه
في المسجد إن كان ذلك يضر بالطريق لا يجوز
وإلا فلا بأس به ولو ضاق المسجد على الناس
وبجنبه أرض لرجل تؤخذ أرضه بالقيمة كرها ولو
كان بجنب المسجد أرض وقف على المسجد فأرادوا
أن يزيدوا شيئا في المسجد من الأرض جاز ذلك
بأمر القاضي. ا هـ. وقدمنا حكم ما إذا أمر
السلطان بزيادة المسجد من الطريق والله سبحانه
وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. |