البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 5 ص -390-       21- كتاب البيع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"كتاب البيع"
قدمنا في الطهارة أن المشروعات أربعة: حقوق الله تعالى خالصة وحقوق العباد خالصة وما اجتمعا وغلب حق الله تعالى وما اجتمعا وغلب حق العبد وقدم الأول; لأنه المقصود من خلق الثقلين, ثم شرع في المعاملات فبدأ بالنكاح وما يتبعه لما فيه من معنى العبادة, وذكر العتاق لمناسبة الطلاق في الإسقاط, ثم الأيمان لمناسبتها لكليهما, ثم الحدود لمناسبتها لليمين من جهة الكفارة, فإنها دائرة بين العبادة والعقوبة والحدود عقوبات, ثم ذكر السير بعدها للاشتراك في المقصود وهو إخلاء العالم عن الفساد وقدم الأول; لأنه معاملة مع المسلمين. والثاني مع الكفار, ثم اللقيط للاشتراك في كون النفوس عرضة للفوات, ثم اللقطة للاشتراك في كون الأموال كذلك, وكذا في الإباق والمفقود, ثم ذكر الشركة; لأن المال لما كان فيها أمانة في يد الشريك كان بعرضية التوى, ثم الوقف بعدها للاشتراك في استيفاء الأصل مع الانتفاع بالزيادة, ثم البيوع; لأن الوقف إزالة الملك لا إلى مالك وفي البيوع إليه فكان الوقف بمنزلة البسيط والبيع كالمركب والكلام فيه يقع في عشرة مواضع: الأول في معناه لغة وشريعة فالمقصود مقابلة شيء بشيء سواء كان مالا أو لا, ولذا قال تعالى
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20] كما في المحيط,
وقال في المصباح باعه يبيعه بيعا ومبيعا فهو بائع وبيع والبيع من الأضداد مثل الشراء ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة ويطلق البيع على المبيع فيقال بيع جيد ويجمع على بيوع وأبعته بالألف لغة قال ابن القطاع وبعت زيدا الدار يتعدى إلى مفعولين وقد تدخل من على المفعول الأول على وجه التأكيد فيقال بعت من زيد الدار وربما دخلت اللام مكان من فيقال بعتك الشيء وبعت لك فهي زائدة وابتاع زيد الدار بمعنى اشتراها وباع عليه القاضي أي من غير رضاه وفي الحديث
"لا يبع أحدكم"1 أي لا يشتري; لأن النهي فيه على المشتري لا على البائع بدليل رواية البخاري "لا يبتاع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم من حديث ابن عمر في النكاحباب تحريم الخطبة على خطبة الغير "1412" وأبو داود في النكاح باب كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه "2081" والنسائي في النكاح باب خطية الرجل إذا ترك الخاطب "6/73 -74".

 

ج / 5 ص -391-       هو مبادلة المال بالمال بالتراضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدكم" ويريد يحرم سوم الرجل على سوم أخيه والأصل في البيع مبادلة مال بمال لقولهم بيع رابح وبيع خاسر وذلك حقيقة في وصف الأعيان لكنه أطلق على العقد مجازا; لأنه سبب التمليك والتملك وقولهم صح البيع أو بطل أي صيغته لكنه لما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وهو مذكر أسند الفعل إليه ا هـ.
وفي القاموس باعه يبيعه بيعا أو مبيعا والقياس مباعا إذا باعه, وإذا اشتراه ضد وهو مبيع ومبيوع وبيع الشيء قد تضم باؤه فيقال بوع ا هـ. وفي الشريعة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى.
بقوله "هو مبادلة المال بالمال بالتراضي" من استبدلت الثوب بغيره أو بدلت الثوب بغيره أبدله من باب قتل, كذا في المصباح وفي المعراج ما يدل على أنها بمعنى التمليك; لأن بعضهم زاد على جهة التمليك, فقال فيه لا حاجة إليه; لأن المبادلة تدل عليه والمال في اللغة ما ملكته من شيء والجمع أموال, كذا في القاموس وفي الكشف الكبير المال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة والمالية إنما ثبت بتمول الناس كافة أو بتقوم البعض والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع له شرعا فما يكون مباح الانتفاع بدون تمول الناس لا يكون مالا كحبة حنطة وما يكون مالا بين الناس ولا يكون مباح الانتفاع لا يكون متقوما كالخمر, وإذا عدم الأمر إن لم يثبت واحد منهما كالدم. ا هـ. وصرح في المحيط بأن الخمر ليس بمال وأن العقد عليه لم ينعقد بخلاف ما لو باع شيئا بخمر, فإنه ينعقد في ذلك الشيء بالقيمة وسيأتي بيانه إن شاء الله وفي الحاوي القدسي. المال اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد, وإن كان فيه معنى المالية ولكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه. ا هـ.
وفي شرح الوقاية لم يقل على سبيل التراضي ليشمل ما لا يكون بتراض كبيع المكره, فإنه ينعقد ا هـ. وأجاب عنه في شرح النقاية بأن من ذكره أراد تعريف البيع النافذ ومن تركه أراد تعريف البيع مطلقا نافذا كان أو غير نافذ وأقول: بيع المكره فاسد موقوف لا أنه موقوف فقط كبيع الفضولي كما يفهم من كلامه, وقد عرفه فخر الإسلام بأنه في اللغة والشريعة المبادلة وزيد فيها التراضي ورده في فتح القدير بأنه إذا فقد الرضا لا يسمى في اللغة بيعا بل غصبا, ولو أعطاه شيئا آخر مكانه وعرفه في البدائع بأنه مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه وذلك قد يكون بالقول, وقد يكون بالفعل فالأول الإيجاب والقبول. والثاني التعاطي ا هـ. وبهذا ظهر أنه لا منافاة بين قولهم أن معناه المبادلة وبين قولهم أن ركنه الإيجاب والقبول وما في المستصفى

 

ج / 5 ص -392-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أنه معنى شرعي يظهر أثره في المحل عند الإيجاب والقبول فرده في فتح القدير بأنه نفس حكمه وهو الملك, فإنه القدرة على التصرف ابتداء إلا لمانع فخرج بالابتداء قدرة الوكيل والوصي والمتولي وبقولنا إلا لمانع المبيع المنقول قبل القبض, فإن عدم القدرة على بيعه لمانع النهي.
وفي الحاوي الملك الاختصاص الحاجز وأنه حكم الاستيلاء; لأنه به ثبت لا غير إذ المملوك لا يملك; لأن اجتماع الملكين في محل واحد محال فلا بد وأن يكون المحل الذي ثبت الملك فيه خاليا عن الملك والخالي عن الملك هو المباح والمثبت للملك في المباح الاستيلاء لا غير. وهو طريق الملك في جميع الأموال; لأن الأصل الإباحة فيها وبالبيع والهبة ونحوهما ينتقل الملك الحاصل بالاستيلاء إليه فمن شرط البيع شغل المبيع بالملك حالة البيع حتى لم يصح في مباح قبل الاستيلاء, ومن شرط الاستيلاء خلو المحل عن الملك وقته وبالإرث والوصية تحصل الخلافة عن الميت حتى كأنه حي لا الانتقال حتى ملك الوراث الرد بالعيب دون المشتري فالأسباب ثلاثة مثبت للملك وهو الاستيلاء وناقل للملك وهو البيع ونحوه وخلافة وهو الميراث والوصية وما أريد لأجله حكم التصرف حكمة وثمرة فحكم البيع الملك وحكمته إطلاق الانتفاع والعقود تبطل إذا خلت عن الأحكام ولا تبطل بخلوها عن الحكم ا هـ. ومما ظهرت فيه فائدة الخلافة جواز إقالة الوارث والموصى له, ومنها الخصومة في إثبات الدين كما في دعوى البزازية وعرفه في الإيضاح بأنه عقد متضمن مبادلة مال بمال ولا حاجة إلى زيادته شرعا لما سمعت من أن المبادلة تكون بالقول وبالفعل, وإنما زاد لما قدمناه عن المصباح أن المبادلة حقيقة للأعيان وللعقد مجاز, ثم اعلم أن البيع, وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن, ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن.
وأما ركنه ففي البدائع ركنه المبادلة المذكورة وهو معنى ما في فتح القدير من أن ركنه الإيجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي فركن الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل. وأما شرائطه فأنواع أربعة: شرط انعقاد وشرط صحة وشرط نفاذ وشرط لزوم فالأول أربعة أنواع في العاقد وفي نفس العقد وفي مكان العقد وفي المعقود عليه فشرائط العاقد: العقل فلا ينعقد بيع المجنون والصبي الذي لا يعقل, والعدد في العاقد فلا ينعقد بالوكيل من الجانبين إلا في الأب ووصيه, والقاضي فإنه يتولى الطرفين في مال الصغير إذا باعوا أموالهم منه أو اشتروا بشرط أن يكون فيه نفع ظاهر لليتيم في الوصي.

 

ج / 5 ص -393-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وزاد في المعراج شراء العبد نفسه من مولاه بأمره. وأما القاضي, فإنه لا يعقد لنفسه; لأن فعله قضاء وقضاؤه لنفسه لا يجوز. كذا في الخزانة وغيرها وهو مخالف لما في البدائع وفي الخانية من الوكالة الواحد لا يتولى العقد من الجانبين إلا في الأب فإنه يكتفى بلفظ واحد, وقال خواهر زاده هذا إذا أتى بلفظ يكون أصيلا في ذلك اللفظ بأن قال بعت هذا من ولدي فيكتفى به. وأما إذا أتى بلفظ لا يكون أصلا فيه بأن قال اشتريت هذا المال لولدي لا يكتفى بقوله اشتريت ولا بد أن يقول بعت وهو في الوجهين يتولى العقد من الجانبين. ومنها الوصي لنفسه, ومنها الوصي يبيع للقاضي, ومنها العبد يشتري نفسه من مولاه بأمره ا هـ. فيحمل ما في البدائع على أن القاضي باع مال يتيم من آخر أو اشترى توفيقا بينه وبين ما في الخزانة وفي البزازية, ولو أمر إنسان الوصي أن يشتري له مال اليتيم فاشترى لم يجز بخلاف ما إذا اشترى لنفسه مع النفع وفي وصايا الخانية فسر شمس الأئمة السرخسي الخيرية, فقال إذا اشترى الوصي مال اليتيم لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر يكون خيرا لليتيم, وإذا باع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة كان خيرا لليتيم. وقال بعضهم إن باع ما يساوي عشرة بثمانية أو اشترى ما يساوي ثمانية بعشرة كان خيرا لليتيم. والوكيل بالبيع أو بالشراء إذا اشترى لنفسه أو باع مال الموكل لم يجز عندهم جميعا سواء كان شرا أو خيرا أو في الأب لا يشترط أن يكون خيرا ا هـ. وإلا في الرسول من الجانبين. وليس من شرائط العاقد البلوغ فانعقد بيع الصبي وشراؤه موقوفا على إجازة وليه إن كان شراؤه لنفسه ونافذا بلا عهدة عليه إن كان لغيره وليس من شرائطه الحرية فانعقد بيع العبد كالصبي في النوعين وليس منه الإسلام والنطق والصحو. وأما شرط العقد فموافقة القبول للإيجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه, فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعض ما أوجبه أو بغير ما أوجبه أو ببعض ما أوجبه لم ينعقد لتفرق الصفقة, وإنه لا يجوز إلا في الشفعة بأن باع عبدا و عقارا فطلب الشفيع أخذ العقار وحده فله ذلك, وإن تفرقت الصفقة على البائع كما في الفتاوى الولوالجية من الشفعة وستأتي تفاريعه إلا فيما إذا كان الإيجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن أو كان من البائع فقبل المشتري بأزيد انعقد, فإن قبل البائع الزيادة في المجلس جازت كما في التتارخانية, وفي الآلة أن تكون بلفظ الماضي إن عقد بالقول, كذا في البدائع. وأما شرط مكانه فواحد وهو اتحاد المجلس بأن كان الإيجاب والقبول في مجلس واحد, فإن اختلف لم ينعقد. وأما شرائط المعقود عليه فأن يكون موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه وأن يكون ملك البائع فيما يبيعه لنفسه وأن يكون مقدور التسليم فلم ينعقد بيع المعدوم وما له خطر العدم كنتاج النتاج والحمل واللبن في الضرع والثمر والزرع قبل الظهور والبزر في البطيخ والنوى في التمر واللحم في الشاة الحية والشحم

 

ج / 5 ص -394-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والألية فيها وأكارعها ورأسها والسجير في السمسم, وهذا الفص على أنه ياقوت فإذا هو زجاج أو هذا الثوب الهروي فإذا هو مروي أو هذا العبد فإذا هو جارية أو دار على أن بناءها آجر فإذا هو لبن أو ثوب على أنه مصبوغ بعصفر فإذا هو بزعفران أو هو حنطة في جوالق فإذا هي دقيق أو دقيق فإذا هي خبز أو هذا الثوب القز فإذا لحمته من ملحم. ولو كان سداه من قز وصح لو كان عكسه مع الخيار إذا اللحمة هي الأصل أو هذا الثوب على أن ظهارته وبطانته وحشوه من كذا فإذا الظهارة من غير المعين بخلاف ما إذا كانت البطانة من غير المعين, فإنه ينعقد مع الخيار ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية الأشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها, ثم اشتراها بعدما انعدمت صح ا هـ. فيجوز بيع المعدوم هنا, ولم ينعقد بيع ما ليس بمال متقوم كبيع الحر والمدبر المطلق وأم الولد والمكاتب ومعتق البعض وأولادهم إلا ولد المكاتب المشترى في كتابته والميتة والدم وذبيحة المجوسي والمرتد والمشرك والصبي الذي لا يعقل والمجنون ومذبوح صيد المحرم سواء كان من الحل أو الحرم ومذبوح صيد الحرم وصيد المحرم إلا بيع وكيله, وجلد الميتة قبل الدبغ وجلد الخنزير مطلقا وعظمه وشعره وعصبه على الصحيح كشعر الآدمي وعظمه وفي عظم الكلب روايتان, ولم ينعقد بيع الخمر والخنزير في حق المسلم. وأما في حق الذمي فينعقد ولكن اختلفوا في كونه مباحا له أو محرما والصحيح الثاني كما في البدائع لكونهم يتمولونها, وإن تبايعا, ثم أسلم أحدهما قبل القبض انفسخ البيع. ولو تقارضا, ثم أسلم المقرض فلا شيء له من الخمر, وإن أسلم المستقرض كان عليه القيمة في رواية وفي أخرى كالأول, ولم ينعقد بيع النحل ودود القز إلا تبعا ولا بيع العذرة الخالصة بخلاف السرقين والمخلوطة بتراب, وكذا بيع آلات الملاهي عندهما خلافا للإمام, ولم ينعقد بيع الملاقيح والمضامين وعسب الفحل ولبن المرأة.
وفي التلويح المتقوم ما يجب إبقاؤه بعينه أو بمثله أو بقيمته والخمر يجب اجتنابها بالنص فلم تكن متقومة ا هـ. وفي القنية أدنى القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس, ولو كانت كسرة خبز لا يجوز شراء البراءات التي يكتبها الديوان على العمال لا يصح قيل له أئمة بخارى جوزوا بيع حظوظ الأئمة قال; لأن مال الوقف قائم ثمة ولا كذلك هنا ا هـ. فعلى هذا يجوز للمستحق في المدارس بيع خبزه قبل قبضه من المشرف بخلاف الجندي إذا باع الشعير المعين لعلف دابته قبل قبضه وخرج بالمملوك بيع ما لا يملكه فلم ينعقد بيع الكلأ, ولو في أرض مملوكة له والماء في نهره أو في بئره وبيع الصيد والحطب والحشيش قبل الإحراز وبيع أرض مكة عند الإمام وأرض أحياها بغير إذن الإمام عند الإمام وحوانيت السوق التي عليها غلة

 

ج / 5 ص -395-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للسلطان لعدم الملك; لأن السلطان إنما أذن لهم في البناء, ولم يجعل البقعة لهم كما في البدائع.
وفي القنية حفر موضعا من المعدن, ثم باع تلك الحفيرة أو أجرها لا يصح; لأنه إنما ملك من المعدن ما يخرج ويؤخذ وما بقي فيه بقي على الإباحة. قال رضي الله تعالى عنه وهذه رواية في واقعة بلغتني عن بعض المفتين المجازفين أنه أفتى فيمن حفر في جبل حجرا يتخذ منه القدور, ثم مات ونحت غيره منه قدورا بأن لورثة الحافر المنع تاب الله عليه وعلينا وهداه وإيانا. والصواب ليس لهم المنع; لأن الحجر الباقي, وإن ظهر بحفره بقي على أصل الإباحة. ا هـ. وخرج بقولنا وأن يكون ملكا للبائع ما ليس كذلك فلم ينعقد بيع ما ليس بمملوك له, وإن ملكه بعده إلا السلم والمغصوب لو باعه الغاصب, ثم ضمن الغاصب قيمته نفذ بيعه لاستناد الملك إلى وقت البيع فتبين أنه باع ملك نفسه وقلنا فيما يبيعه لنفسه ليخرج النائب والفضولي فالأول نافذ. والثاني منعقد موقوفا وقلنا وأن يكون مقدور التسليم فلم ينعقد بيع معجوز التسليم عند البائع كبيع الآبق في ظاهر الرواية, فإن حضر احتيج إلى تجديد الركن قولا أو فعلا, وكذا بيع الطير في الهواء بعد أن كان في يده وطار والسمك بعد الصيد والإلقاء في الحظيرة إذا كان لا يمكن أخذه إلا بصيد ولا ينعقد بيع الدين من غير من عليه الدين. ويجوز من المديون لعدم الحاجة إلى التسليم, ولم ينعقد بيع المغصوب من غير الغاصب إذا كان الغاصب منكرا له ولا بينة وإلى هنا صارت شرائط الانعقاد أحد عشر اثنان في العاقد واثنان في العقد وواحد في مكانه وستة في المعقود عليه.
وأما شرائط النفاذ فالملك أو الولاية فلم ينعقد بيع الفضولي عندنا. وأما شراؤه فنافذ كما سيأتي والولاية أما بإنابة المالك أو الشارع فالأول الوكالة. والثاني ولاية الأب ومن قام مقامه بشرط إسلام الولي وحريته وعقله وبلوغه وصغر المولى عليه وأولى الأولياء في المال الأب ثم وصيه, ثم وصي وصيه, ثم الجد أبو الأب, ثم وصيه, ثم وصي وصيه, ثم القاضي, ثم من نصبه القاضي وليس لمن سواهم ولاية في المال من الأم والأخ والعم ولوصيهم ولاية بيع المنقول للحفظ والعقار لقضاء دين الميت خاصة وليس له التصرف. وأما وصي المكاتب فلا يملك إلا قضاء دين المكاتب فيبيع له ولا يملك بعده إلا الحفظ في رواية الزيادات وفي رواية كتاب القسمة جعله كوصي الأب هذا إذا مات قبل الأداء. وأما بعده فوصيه كوصي الأحرار فانعقد بيع الصبي العاقل عندنا موقوفا إن كان محجورا و نافذا إن كان مأذونا الثاني أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع, فإن كان لا ينفذ كالمرهون والمستأجر واختلفت عبارات الكتب فيها ففي بعضها أنه فاسد والصحيح أنه موقوف ويحمل الفساد على أنه لا حكم له ظاهر أو هو تفسير

 

ج / 5 ص -396-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموقوف عندنا ويملكان الإجازة دون الفسخ ويفسخه المشتري إن لم يعلم به أولا. وأما بيع عبد وجب عليه قود فنافذ كبيع المرتد والجاني ومن وجب عليه حد.
وأما شرائط الصحة فعامة وخاصة فالعامة لكل بيع ما هو شرط الانعقاد; لأن ما لا ينعقد لم يصح ولا ينعكس, فإن الفاسد عندنا منعقد نافذ إذا اتصل به القبض, ومنها أن لا يكون مؤقتا, فإن أقته لم يصح بخلاف الإجارة, فإن التأقيت شرطها, ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة فالمجهول جهالة مفضية إليها غير صحيح كشاة من هذا القطيع وبيع الشيء بقيمته وبحكم فلان, ومنها خلوه عن شرط مفسد وهو أنواع شرط في وجوده غرر كاشتراط حمل البهيمة واختلفت الروايات في اشتراط حمل الجارية. ورجح بعضهم أن الشارط له إن كان البائع صح وكان تبريا منه, وإن كان المشتري ليتخذها ظئرا فسد, ومنه ما إذا اشترى كبشا على أنه نطاح, ومنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحديهما وسيأتي تفصيله, ومنه شرط الأجل في المبيع المعين والثمن المعين, وإنما يجوز في الدين, ومنه شرط خيار مؤبد, ومنه شرط خيار مؤقت مجهول, ومنه شرط خيار مطلق, ومنه شرط خيار مؤقت معلوم زائد على الثلاثة, ومنه استثناء حمل الجارية. ومنه الرضا ففسد بيع المكره وشراؤه, وكذا البيع تلجئة يملك الأول بالقبض دون الثاني.
ومنها الفائدة فبيع ما لا فائدة فيه وشراؤه فاسد ففسد بيع درهم بدرهم استويا وزنا وصفة, كذا في الذخيرة. وأما الخاصة فمنها معلومية الأجل في البيع بثمن مؤجل ففسد إن كان مجهولا, ومنها القبض في بيع المشترى المنقول وفي الدين فبيع الدين قبل قبضه فاسد كالمسلم فيه ورأس المال, ولو بعد الإقالة وبيع شيء بالدين الذي على فلان بخلاف ما إذا كان على البائع.
ومنها أن يكون البدل مسمى في أحد نوعي المبادلة وهي القولية, فإن سكت عنه فسد وملك بالقبض, وإن نفاه قيل فسد وقيل بطل فلا يملك بالقبض وفي التتمة باعه بدين عليه وهما يعلمان أن لا دين عليه لم يصح, ومنها المماثلة بين البدلين في أموال الربا وسيأتي تفصيله في بابه. ومنها الخلو عن شبهة الربا, ومنها وجود شرائط السلم الآتية.
ومنها القبض في الصرف قبل الافتراق, ومنها أن يكون الثمن الأول معلوما في بيع المرابحة والتولية والإشراك والوضيعة. وأما شرائط اللزوم بعد الانعقاد والنفاذ فخلوه من الخيارات الأربعة المشهورة ويزاد خيار الكمية وخيار الغبن إذا كان فيه غرور وخيار استحقاق

 

ج / 5 ص -397-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المبيع القيمي مطلقا والمثلي قبل القبض وخيار الخيانة في المرابحة وخيار نقد الثمن وعدمه وخيار كشف الحال وخيار فوات وصف مرغوب فيه وخيار إجازة بيع الفضولي وخيار هلاك بعض المبيع فهي ثلاثة عشر.
وقد صارت جملة الشرائط ستة وسبعين فشرائط الانعقاد أحد عشر وشرائط النفاذ اثنان وشرائط الصحة خمسة وعشرون وشرط اللزوم واحد بعد اجتماع الكل فعلى هذا شرائط اللزوم تسعة وثلاثون والكل من غير تداخل ثمانية.
وسبب شرعيته تعلق البقاء المعلوم فيه لله تعالى على وجه جميل. وأما أحكامه فالأصلي له الملك في البدلين لكل منهما في بدل وهو في اللغة القوة والقدرة وشرعا ما قدمناه والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن ووجوب استبراء الجارية على المشتري وملك الاستمتاع بالجارية وثبوت الشفعة لو كان عقارا وعتق المبيع لو كان محرما من البائع.
وأما صفة ذلك الحكم فاللزوم عند عدم خيار فليس لأحدهما فسخه فالبيع عند عدم الخيار من العقود اللازمة والعقود ثلاثة لازم من الطرفين وهو البيع والسلم والإجارة, وإن قلنا بفسخها بالأعذار والصلح والحوالة والمساقاة والوصية بعد القبول بعد موت الموصي والنكاح والصداق والصدقة المقبوضة والهبة المقبوضة إذا وجد مانع من الموانع السبعة الآتية ولازم من أحد الجانبين وهو الرهن, فإنه لازم من جهة الراهن بعد التسليم دون المرتهن وجائز من الطرفين فلكل منهما فسخه وهو الشركة والوكالة والعارية لغير الراهن والمضاربة الوديعة والقضاء والوصاية قبل قبول الوصي. وأما بعده فلازمة والوصية قبل موت الموصي.
وأما أنواعه فبالنظر إلى مطلق البيع أربعة نافذ وموقوف وفاسد وباطل فالنافذ ما أفاد الحكم للحال والموقوف ما أفاده عند الإجازة والفاسد ما أفاده عند القبض والباطل ما لم يفده أصلا, كذا في الحاوي وغيره وهو ظاهر في أن الموقوف ليس من الفاسد, وإنما هو إما من قسم الصحيح أو قسم برأسه وهو ظاهر كلامهم وبالنظر إلى المبيع أربعة مقايضة وهي بيع العين بالعين وبيع الدين بالدين وهو الصرف وبيع الدين بالعين وهو السلم وعكسه وهو بيع العين بالدين كأكثر البياعات وبالنظر إلى الثمن خمسة مرابحة وتولية وإشراك ووضيعة ومساومة وستأتي البيوع المكروهة. وأما محاسنه فمنها التوصل إلى الأغراض وإخلاء العالم عن الفساد وفي آخر بيوع البزازية قيل للإمام محمد ألا تصنف في الزهد قال حسبكم كتاب البيوع

 

ج / 5 ص -398-       البيع يلزم بإيجاب وقبول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكان التجار في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيها يرجعون إليه وعن أئمة خوارزم أنه لا بد للتاجر من فقيه صديق ا هـ.
قال الشمني رحمه الله تعالى, وقد صح عند أصحاب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم اتجر لخديجة رضي الله تعالى عنها لكن قبل البعثة بخمسة عشر سنة1, فإنه بعث على رأس الأربعين وخرج تاجرا إلى الشام لخديجة رضي الله تعالى عنها لما بلغ خمسا وعشرين سنة قبل أن يتزوجها بشهرين وخمسة وعشرين يوما وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه تاجرا في البز وكان عمر رضي الله تعالى عنه في الطعام وعثمان رضي الله تعالى عنه في التمر والبز وعباس رضي الله عنه في العطر, ومن هنا قال أصحابنا أفضل الكسب بعد الجهاد التجارة, ثم الحراثة, ثم الصناعة ا هـ. وأما دليله فالكتاب والسنة والإجماع والمعقول وهو العاشر من مواضعه.
"فرع حسن" من خزانة الفتاوى بيع ما يساوي درهما بألف درهم في غير رواية الأصول يجوز ولا يلزم في قول أبي يوسف, وقال محمد يكره ا هـ.
قوله: "البيع يلزم بإيجاب وقبول" أي حكم البيع يلزم بهما; لأنه جعلهما غيره وأنه يلزم بهما مع أن البيع ليس إلا هما; لأنهما ركناه على ما حققناه وما قيل إنه معنى شرعي كما قدمناه فليس هو إلا الحكم فالمتحقق من الشرع ليس إلا ثبوت الحكم المعلوم من تبادل الملكين عند وجود الفعلين أعني الشطرين بوضعهما سببا له شرعا وليس هنا شيء ثالث. كذا حققه في فتح القدير, وقد يقال لا حاجة إلى هذا التكلف إذ يصح الكلام بدونه; لأن الانعقاد كما في العناية تعلق كلام أحد العاقدين بالآخر شرعا في البناية أنه انضمام كلام أحدهما للآخر على وجه يظهر أثره في المحل ا هـ. وهو أمر ثالث غير الإيجاب والقبول والبيع مجموع الثلاثة فصح التركيب وفي شرح الوقاية من كتاب النكاح فالعقد ربط أجزاء التصرف أي الإيجاب والقبول شرعا لكن هنا أريد بالعقد الحاصل بالمصدر وهو الارتباط لكن النكاح الإيجاب والقبول مع ذلك الارتباط, وإنما قلنا هذا; لأن الشرع يعتبر الإيجاب والقبول أركان عقد النكاح لا أمورا خارجية كالشرائط ونحوها, وقد ذكرت في شرح التنقيح في فصل النهي كالبيع, فإن الشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول الموجودين حسا يرتبطان ارتباطا حكميا فيحصل معنى شرعي يكون ملك المشتري أثرا له فذلك المعنى هو البيع فالمراد بذلك المعنى المجموع المركب من الإيجاب والقبول مع ذلك الارتباط للشيء لا أن البيع مجرد ذلك المعنى الشرعي والإيجاب والقبول آلة له كما توهم البعض; لأن كونهما أركانا ينافي ذلك ا هـ. وهو تقرير حسن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر القصة في سيرة ابن هشام "1/171".

 

ج / 5 ص -399-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال في كتاب البيع المبادلة علة صورية للبيع والإيجاب والقبول والتعاطي علة مادية والمبادلة تكون بين اثنين فهي العلة الفاعلية وسكت عن العلة الغائية هنا, وذكرها في النكاح وهي هنا الملك وثمة المصالح المتعلقة بالنكاح, وذكر الشمني أن المعنى أنه ينعقد بمجموع الإيجاب والقبول ا هـ. وفي القاموس عقدت الحبل والعهد والبيع فانعقد ا هـ.
فإن قلت: فما معنى قولهم البيع ينعقد, وكذا أمثاله, فإن المعنى العقد ينعقد قلت: المعنى العقد الشرعي الخاص يثبت بالإيجاب والقبول وفي القاموس عقد الحبل والبيع والعهد يعقده شده وفي تفسير الفخر الرازي العقد وصل الشيء بالشيء على سبيل الاستثبات والاستحكام ا هـ. وفي تفسير1 القاضي وأصل العقد الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال بينهما ا هـ.
والعقد شرعا على ما في التوضيح ربط القبول بالإيجاب. وأما حمل كلام المستصفى على الحكم الذي هو الملك فليس بظاهر; لأنه قال البيع عبارة عن أثر شرعي يظهر في المحل عند الإيجاب والقبول حتى يكون العاقد قادرا على التصرف ا هـ. ولا يصح حمله عليه; لأن الحكم لا يظهر عندهما إنما يظهر بهما عقيبهما; لأن حكم الشيء يعقبه ولأنه جعل القدرة على التصرف غاية لذلك الأثر والقدرة هي الملك فلا يصح أن يراد بذلك الأثر الملك; لأن المغيا غير الغاية فافهم هذا التقرير, فإنه دقيق والإيجاب لغة الالتزام والإثبات وفي الفقه في المعاملات ما يذكر أولا من كلام المتعاقدين الدال على الرضا وسمي به; لأنه يثبت خيار القبول للآخر وسواء وقع من البائع كبعت أو من المشتري كأن يبدأ المشتري; والقبول في اللغة من قبلت العقد أقبله من باب تعب قبولا بالفتح والضم لغة حكاها ابن الأعرابي. كذا في المصباح وفي الفقه اللفظ الصادر ثانيا الواقع جوابا للأول, ولذا سمي قبولا هكذا عرفه الجمهور وخالفهم في فتح القدير فعرفه بأنه الفعل الصادر ثانيا, قال: وإنما قلنا بأنه الفعل الأعم منه, ومن القبول, فإن من الفروع ما لو قال كل هذا الطعام بدرهم فأكله تم البيع وأكله حلال والركوب واللبس بعد قول البائع اركبها بمائة والبسه بكذا رضا بالبيع, وكذا إذا قال بعته بألف فقبضه, ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا بخلاف بيع التعاطي, فإنه ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط ففي جعل مسألة القبض بعد قوله بعتك بألف من صور التعاطي كما فعل بعضهم أي في غاية البيان نظر كما لا يخفى ا هـ. ولا حاجة إلى تغيير كلام القوم وما ذكره من الفروع إنما هو من باب أن القبول يقوم مقامه فعل. ولهذا قال في الخانية يقوم القبض مقام القبول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي أنوار التنزيل وأسرار التأويل للقاضي أبي سعيد عبد الله بن عمر البيضاوي وتقدمت ترجمته "1/257".

 

ج / 5 ص -400-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي التتارخانية اشتريت طعامك هذا بألف فتصدق به ففعل في المجلس, ولم يتكلم جاز, وإن تفرقا لا وقيد اللزوم بالإيجاب والقبول للإشارة إلى أن البائع إذا باع وقبل المشتري لا يحتاج بعدهما إلى إجازة البائع, قال في الذخيرة ذكر محمد بن الحسن رحمه الله تعالى في كتاب الوكالة مسألة تدل على أن من قال لغيره بعت منك هذا العبد بكذا, فقال المشتري قبلت أن البيع لا ينعقد بينهما ما لم يقل البائع بعد ذلك أجزت وبه قال بعض المشايخ, وهذا لأن البائع لما قال بعت منك فقد ملك العبد من المشتري فإذا قال المشتري اشتريت فقد تملك العبد وملكه الثمن فلا بد من إجازة البائع بعد ذلك ليملك الثمن وعامة المشايخ على أنه لا يحتاج إلى إجازة البائع بعد ذلك ا هـ. وهو الصحيح وهكذا روي عن محمد ا هـ. وينبغي حفظه لغرابته ولأنه إذا أوجب أحدهما فللآخر أن لا يقبل; لأنه لا يلزمه حكم العقد بدون رضاه وللموجب أن يرجع لخلوه عن إبطال حق الغير; لأن الموجب أثبت له حق أن يتملك مع ثبوت حقيقة الملك له والحقيقة مقدمة على الحق ولا بد من سماع الآخر رجوع الموجب كما في التتارخانية.
وفي التتمة يصح الرجوع, وإن لم يعلم به الآخر, وإنما يمتد خيار القبول إلى آخر المجلس لكونه جامعا للمتفرقات فاعتبرت ساعاته ساعة واحدة دفعا للعسر وتحقيقا لليسر وسيأتي بيان ما يبطله وأشار باللزوم بهما إلى أنهما لو أقرا ببيع, ولم يكن بينهما حقيقة لم ينعقد كما في الصيرفية وإلى نفي خيار المجلس عندنا, ولولا هذه الإشارة لكان التعبير بالانعقاد تبعا للقوم أولى; لأن المترتب عليهما إنما هو الانعقاد.
وأما اللزوم فموقوف على شرائط أخر مخصوصة كما في إيضاح الإصلاح وأثبته الشافعي عملا بحديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا
"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"1 وأوله أبو يوسف بتفرق الأبدان بعد الإيجاب قبل القبول وأوله محمد تبعا لإبراهيم النخعي بتفرق الأقوال بناء على أن المراد بالخيار فيه خيار القبول واعتمده في الهداية بأن في الحديث إشارة إليه, فإنهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها ويؤيده قوله تعالى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130], فإن الفرقة تحصل بقولهما, وإن داما جالسين وهو مبني على أن اسم الفاعل حقيقة في الحال وفيه نظر; لأن تسميتهما متبايعين قبل تمام العقد مجاز آخر, وإذا تعذر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في لبيوع باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا "2110" ومسلم في البيوع باب الصدقة في البيع والبيان "1532" وأبو داود في البيوع خيار المتبايعين "3459" وابن حبان في صحيحه "4904".

 

 

ج / 5 ص -401-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمل على الحقيقة تعين المجاز, وإذا تعارض المجازان فالأقرب إلى الحقيقة أولى, كذا في فتح الباري. وقال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين حمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه; لأنه يصير التقدير أن المتساومين إن شاءا عقدا أو إن شاءا لم يعقدا أو هو تحصيل الحاصل ا هـ. وقد استدل في البناية بقوله تعالى
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] والبيع عقد فيجب الوفاء به وبقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] أمر بالإشهاد للتوثق فلو كان له الخيار لم يكن له معنى وبقوله عليه الصلاة والسلام لحبان بن منقذ "إذا بايعت فقل لا خلابة"1 ولو كان له خيار لم يحتج إليه ا هـ.
وفيه نظر لجواز أن يكون الكل بعد الافتراق لا قبله ورجح عيسى بن أبان الأول بأن المعهود في الشرع أن الفرقة بالبدن موجبة للفساد كما في الصرف حال القبض.
واختلف المتأخرون في معنى التفرق بالأقوال ففي المستصفى وفتح القدير وهو أن يقول الآخر بعد الإيجاب لا أقبل فالتفرق رد القول الأول كتفرق بني إسرائيل اثنين وسبعين فرقة بمعنى اختلاف عقائدهم. وفي غاية البيان هو قبول الآخر بعد الإيجاب فإذا قبله فقد تفرقا وانقطع الخيار كتفرق الزوجين فعلى الأول إذا وجد التفرق لم يبق البيع أصلا وعلى الثاني لم يبق الخيار ولزم البيع وقد فهم الراوي أعني ابن عمر رضي الله عنهما خيار المجلس من الحديث فكان كما رواه البخاري
"إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه"2 لكن تأويل الراوي لا يكون حجة عندنا على غيره وفي فتح الباري عن ابن حزم أن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان, فإن قلنا بالأبدان فواضح, وكذا إن قلنا بالأقوال; لأن قول أحدهما بعتكه بعشرة وقول الآخر لا بل بعشرين افتراق في الكلام بخلاف ما لو قال اشتريته بعشرة, فإنهما متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما فعلى هذا إذا وجد التفرق انقطع البيع لا أنه ينقطع الخيار. وظاهر الحديث انقطاع الخيار به مع بقاء العقد, وإذا احتمل فلم يبق حجة على معين, وقد روى البخاري رواية أخرى عن ابن عمر مرفوعا "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر"3 وكانا جميعا, وإن تفرقا بعد أن تبايعا, ولم يترك أحدهما البيع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في البيوع باب ما يكره من الحذاع في البيع "2117" من حديث ابن عمر ومالك في الموطأ كتاب البيوع باب جامع البيوع "2/685" وأبو داود في البيوع باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة "3500".
2 هذه الزيادة من قول ابن عمر رضي الله عنه ذكره البخاري باب كم يجوز الخيار "2107".
3 هذه رواية أخرى لحديث البيعان بالخيار.. الذي تقدم تخريجه أخرجه البخاري في البيوع باب
إذا خير..............==

 

ج / 5 ص -402-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقد وجب البيع وهو ظاهر في انفساخ البيع بفسخ أحدهما قال الخطابي رحمه الله تعالى هو أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث, وكذلك قوله في آخره, وإن تفرقا بعد أن تبايعا فيه البيان الواضح على أن التفرق بالأبدان, ولو كان معناه بالقول لخلا الحديث عن الفائدة, كذا في فتح الباري.
وأطلق في الإيجاب والقبول, ولم يقيدهما بالماضي كما في الهداية; لأن التحقيق أنه لا يتقيد بذلك لانعقاده بكل لفظين ينبئان عن معنى التملك والتمليك ماضيين أو حالين كما في الخانية لكن ينعقد بالماضي بلا نية وبالمضارع بها على الأصح, كذا في البدائع, وإنما احتيج إليها مع كونه حقيقة للحال عندنا على الأصح لغلبة استعماله في الاستقبال حقيقة أو مجازا, كذا في البدائع وهو المراد بقول بعضهم أنه ينعقد في المستقبل بالنية وفي القنية إنما يحتاج إلى النية إذا لم يكن أهل البلد يستعملون المضارع للحال لا للوعد والاستقبال, فإن كان كذلك كأهل خوارزم لا يحتاج إليها. وإنما قيده به في الهداية لإخراج المستقبل فقط أمرا أو مضارعا مبدوءا بالسين أو سوف كما في الخانية ما لم يؤد معناهما فيقال إن دل الأمر على المعنى المذكور انعقد به كخذه بكذا, فقال أخذته, فإنه كالماضي يستدعي سابقة البيع إلا أن استدعاء الماضي سبق البيع يحسب الوضع واستدعاء خذه بطريق الاقتضاء كما لو قال بعتك فخذ عبدي هذا بألف, فقال فهو حر عتق ويثبت اشتريت اقتضاء ويصير قابضا بخلاف ما لو قال وهو حر فلا يعتق كقوله هو حر.
وفي الخانية لو قال بعد الإيجاب أنا آخذه لا يكون بيعا, ولو قال أخذته جاز, ولو قال لقصاب زن من هذا اللحم كذا بدرهم ففعل لا يكون بيعا وكان للآمر الامتناع من أخذه, ولو قال زن لي من موضع كذا من هذا اللحم بكذا درهما فوزنه من ذلك الموضع كان بيعا وليس له الامتناع ا هـ. وبهذا علم أن ما في الحاوي القدسي من أن المضي منهما شرط في كل عقد إلا النكاح تساهل.
والحاصل كما في الهداية أن المعتبر في هذه العقود هو المعنى ألا ترى إلى ما قالوا لو قال وهبتك أو وهبت لك هذه الدار بألف درهم أو قال هذا العبد بثوبك هذا فرضي كان بيعا إجماعا.
ولو قال أتبيعني عبدك هذا بألف, فقال نعم, فقال أخذته فهو بيع لازم فوقعت كلمة نعم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
==
أحدهما صاحبه بعد البثيع وجب البيع "2112" ومسلم برقم "1531" وابن حبان في صحيحه برقم "4917".

 

ج / 5 ص -403-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيجابا, وكذا تقع قبولا فيما لو قال اشتريت منك هذا بألف, فقال نعم بخلاف النكاح, فإنه ينعقد بالأمر كقوله زوجني; لأن المساومة لا تليق به فيكون إيجابا وقيل توكيل والواحد يتولاه بخلاف البيع إلا في الأب ومن ذكرناه معه. وقد ذكر في النكاح أن فائدة الخلاف تظهر فيما إذا صدر الأمر من الوكيل فعلى الأول يصح القبول ولا يحتاج إلى قبول الوكيل, وعلى الثاني لا حتى يقبل وجزم به في الخلاصة; لأن الوكيل لا يملك التوكيل لا يملك التوكيل بلا إذن أو تعميم, وهذه ثمانية مواضع منها البيع والإقالة لا يكتفى بالأمر فيهما عن الإيجاب. ومنها النكاح والخلع يقع فيهما إيجابا الخامسة إذا قال لعبده اشتر نفسك مني بألف, فقال فعلت عتق. السادسة في الهبة إذا قال: هب لي هذا, فقال وهبته منك تمت الهبة. السابعة قال لصاحب الدين أبرئني عما لك علي من الدين, فقال أبرأتك تمت البراءة. الثامنة الكفالة قال اكفل بنفس فلان لفلان, فقال كفلت تمت فإذا كان غائبا فقدم وأجاز كفالته جاز, كذا في فتح القدير وفي تصوير الكفالة نظر والصواب كما في الخانية اكفل لي بما لي على زيد اكفل لي بنفس زيد, فقال كفلت تمت ولكن في الخلع تفصيل, فإن قالت اخلعني, فقال خلعتك على كذا لم يقع ما لم تقبل بخلاف ما لو قالت اخلعني على كذا, فقال قد فعلت, كذا في الصيرفية وبهذا علم أن ما في الحاوي القدسي من أن المضي فيهما شرط في كل عقد إلا النكاح تساهل, وحاصل ما في التتارخانية مما يناسب المقام أنه ينعقد بلفظ الرد وببيع معلق بفعل قلب كإن أردت, فقال أردت أو إن أعجبك, فقال أعجبني أو إن وافقك, فقال وافقني. وأما إذا قال إن أديت إلي ثمن هذا العبد فقد بعتك, فإن أدى في المجلس صح, ولو قال بعت منك بألف إن شئت يوما إلى الليل كان تنجيزا لا تعليقا وبأجزت بعد قوله بعت وبقوله أقلتك هذا, فقال قبلت على قول أبي بكر الإسكاف, وقال الفقيه أبو جعفر لا يكون بيعا وبه أخذ الفقيه أبو الليث وتصح إضافة البيع إلى عضو تصح إضافة العتق إليه وما لا فلا وقد فعلت ونعم وهات الثمن قبول على الأصح.
ولو قال بعني هذا بكذا, فقال طابت نفسي لا ينعقد ويصح الإيجاب بلفظ الهبة وأشركتك فيه وأدخلتك فيه إيجاب. وإذا تعدد الإيجاب فكل إيجاب بمال انصرف قبوله إلى الإيجاب الثاني ويكون بيعا بالثمن الأول وفي الإعتاق والطلاق على مال إذا قبل بعدهما لزمه المالان ولا يبطل الثاني الأول, وإذا تعدد الإيجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الأول إن كان الثاني بأزيد من الأول أو أنقص, وإن كان مثله لم ينفسخ الأول واختلفوا فيما إذا كان الثاني فاسدا هل يتضمن فسخ الأول والصلح بعد الصلح الثاني باطل والأول صحيح. وكذا الصلح بعد الشراء صلح باطل, ولو كان الشراء بعد الصلح فالشراء صحيح والصلح باطل, كذا في جامع الفصولين.

 

ج / 5 ص -404-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي فروق الكرابيسي الكفالة بعد الكفالة صحيحة والحوالة بعد الحوالة باطلة والنكاح بعد النكاح الثاني باطل فلا يلزمه المهر المسمى فيه إلا إذا جدده للزيادة في المهر كما في القنية. وأما الإجارة بعد الإجارة للمستأجر الأول فلم أرها وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيهما واتحد الأجر أن لا تصح الثانية كالبيع. وأما الهبة بعد الشراء فلا تفسخه دون الصدقة كالرهن بعده والشراء بعد الصدقة يفسخها والشراء بعد القرض باطل, كذا في القنية والهبة إنما لم تفسخه إذا لم يكن للولد منهما أيضا وهبة الثمن بعد الإيجاب قبل القبول مبطل للإيجاب وقيل لا ويكون إبراء وسكوت المشتري عن الثمن مفسد للبيع وإيجاب البيع بلا ثمن نفيا غير صحيح ويصح الإيجاب بلفظ الجعل كقوله جعلت لك هذا بألف لما ذكره محمد من أن القاضي إذا قال للدائن جعلت لك هذا بدينك كان بيعا وهو الصحيح وفيه دليل على أنه لو قال لغيره هذا الشيء بيع بدينك فقبل انعقد كقوله هذا العبد عليك بألف درهم وصح الإيجاب بقوله رضيت. وإنكار الإيجاب بعد الإقرار به لا يبطله حتى لو أقر به بعدما افترقا جاز, وكذا النكاح, وإذا أوجب في عقدين كبعتك هذا وزوجتك هذه بألف فقبلهما جاز وانقسم الألف على مهر مثل هذه وقيمة هذه, وإن قبل البيع وحده لا يجوز, وإن قبل النكاح وحده جاز بحصة مهر مثلها من الألف, ولو قال بعتك هذه الدار وأجرتك هذه الأرض, فقال قبلت يكون جوابا لهما, ولو أراد أن يقول بعتك هذا بألف فسبق لسانه لغيره فهو على المذكور في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى.
ولو قال بعت هذا العبد فلانا فبلغه الرسول, فقال اشتريت لا يصح وقيده السغناقي في المجلس. ويصح الرجوع عن الرسالة قبل التبليغ إلا في رواية, ولو قال بعت منه فبلغه يا فلان فبلغه غيره جاز, وهذا مما يحفظ جدا, ولو قال بعته من فلان الرسول, فقال المشتري اشتريته لا يصح, ولو قال بعته من فلان الغائب لم يجز إلا إذا قبل منه فضولي أو يقول بلغه, ولو أوجب البيع, فقال المخاطب لآخر قل اشتريت, فقال الآخر اشتريت إن أخرجه مخرج الرسالة صح, وإن أخرجه مخرج الوكالة لا يصح. وكذا الجواب في الإجارة والهبة والكتابة.
فأما الخلع والعتق على مال, فإنه يتوقف شطر العقد من الزوج والمولى على قبول الآخر وراء المجلس بالإجماع, وإذا قبل المشتري فلم يسمعه البائع لم ينعقد فسماع المتعاقدين كلاهما في البيع شرط للانعقاد إجماعا, فإن سمع أهل المجلس كلام المشتري والبائع يقول لم أسمع ولا وقر في أذنه لم يصدق قضاء.
وفي البزازية, وكذا السماع شرط في النكاح والخلع في المختار وفي المحيط وينعقد

 

ج / 5 ص -405-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلفظ بذلته بكذا وشرط في الحاوي القدسي السماع والفهم وفرق في الولوالجية في القبول بنعم بين أن يبدأ البائع بالإيجاب أو المشتري, فإن بدأ البائع, فقال بعت عبدي هذا بألف, فقال المشتري نعم لم ينعقد; لأنه ليس بتحقيق ألا ترى أنه إذا قال الرجل لامرأته اختاري نفسك, فقالت قد فعلت كان هذا اختيارا, ولو قالت نعم لا يكون اختيارا, ثم قال بعده قال لآخر اشتريت عبدك هذا بألف, وقال الآخر نعم صح البيع; لأنه جواب ا هـ. وتحقيقه فيما كتبناه في القواعد الفقهية. وذكر في القنية أن نعم بعد الاستفهام هل بعت مني بكذا أو هل اشتريت مني بكذا بيع إذا نقد الثمن; لأن النقد دليل التحقيق.
وفي الخانية لو قال أبيعه بخمسة عشر, فقال لا آخذه إلا بعشرة فذهب به, ولم يقل البائع شيئا فهو بخمسة عشر إن كان المبيع في يد المشتري حين ساومه, وإن كان في يد البائع فأخذه منه المشتري, ولم يمنعه البائع فهو بعشرة, ولو كان عند المشتري, وقال المشتري لا آخذه إلا بعشرة, وقال البائع لا أبيعه إلا بخمسة عشر فرد عليه المشتري, ثم تناوله من يد البائع فدفعه البائع إليه, ولم يقل شيئا فذهب به المشتري فهو بعشرة. ولو أخذ ثوبا من رجل, فقال البائع هو بعشرين, وقال المشتري لا أزيدك على العشرة فأخذه وذهب به وضاع عنده قال أبو يوسف هو بعشرين, ولو أخذ ثوبا على المساومة فدفعه إليه البائع وهو يساومه, فقال البائع هو بعشرة فهو على الثمن الذي قال البائع ا هـ.
وفي المجتبى إذا مضيا على العقد بعد اختلاف كلمتيهما ينظر إلى آخرهما كلاما فيحكم بذلك ا هـ. ولا بد من كون القبول في مجلس الإيجاب فلو قام أحدهما قبله بطل وقيل لا ما دام في مكانه, ولو تكلم البائع مع إنسان في حاجة له, فإنه يبطل وفي المجتبى لو أوجب المشتري, فقال البائع هو لك أو عبدك فهو بيع ولا بد من حياة الموجب إلى القبول فلو مات بطل إلا في مسألة ذكرها قاضي خان في فتاواه لو أوصى ببيع داره من رجل, فقال داري بيع منه بألف درهم ومات فقبل الموصى له بعد موته جاز, كذا ذكره أبو يوسف في النوادر ولا بد من أن يكون القبول قبل رجوع الموجب فلو رجع في كله أو بعضه بطل وعليه تفرع ما في الخانية لو قال بعتك هذا بألف, ثم قال لآخر بعتك نصفه بخمسمائة فقبل الثاني, قال أبو يوسف يصح قبول الثاني ولا يصح قبول الأول بعد رجوع البائع عن النصف ا هـ. ولو خرج القبول ورجوع الموجب معا كان الرجوع أولى كما في الخانية. ولو صدر الإيجاب والقبول معا صح البيع كما في التتارخانية ولا يشترط أن يشتمل القبول على الخطاب بعدما صدر الإيجاب بالخطاب فلو قال بعد قوله بعتك اشتريت, ولم يقل منك صح كما في فتح القدير.

 

ج / 5 ص -406-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قال بعتكه بألف, فقال اشتريته بألف إلى سنة أو بشرط الخيار لم يتم إلا إذا رضي في المجلس, كذا في المجتبى ولا بد من كون القبول قبل تغير المبيع وعليه تفرع ما في الخانية لو قطعت يد الجارية بعد الإيجاب وأخذ البائع أرشها أو ولدت الجارية أو تخمر العصير, ثم صار خلا لم يصح قبول المشتري ا هـ. وكذا لو كان المبيع عبدين فقتل أحدهما خطأ وأخذ البائع الأرش لم يجز القبول, كذا في الظهيرية ولا بد أن يكون قبل رد المخاطب الإيجاب فلو قال بعتك بألف, فقال لا أقبل بل أعطته بخمسمائة, ثم قال أخذته بألف قال أبو يوسف إن دفعه إليه فهو رضا وإلا فلا, كذا في الخانية وقدمنا في بيان الشرائط أنه لا بد أن يكون القبول في جميع ما أوجب بجميع ما أوجبه فلم يصح القبول في البعض أو بالبعض حيث كانت الصفقة متحدة للزوم تفريق الصفقة المقتضي لعيب الشركة لا من جهة جريان العادة بضم الجيد إلى الرديء ليروج كما وقع في بعض الكتب, فإنه لا يشمل ما إذا كان المبيع واحدا فقبل في البعض كما في الغاية ولا بد من معرفة ما يوجب اتحادها وتفريقها.
وحاصل ما ذكروه أن الموجب إذا اتحد وتعدد المخاطب لم يجز التفريق بقبول أحدهما بائعا كان الموجب أو مشتريا وعلى عكسه لم يجز القبول في حصة أحدهما, وإن اتحدا لم يصح قبول المخاطب في البعض فلم يصح تفريقها مطلقا في الأحوال الثلاثة أعني ما إذا اتحد الموجب أو تعدد أو اتحد القابل أو تعدد لاتحاد الصفقة في الكل. وكذا إذا اتحد العاقدان وتعدد المبيع كأن يوجب في مثليين أو قيمي ومثلي لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد قبوله في البعض ويكون المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء كعبد واحد أو مكيل أو موزون فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا وبطل الإيجاب الأول, فإن كان مما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين وعبدين لا يجوز فلو بين ثمن كل واحد فلا يخلو إما أن يكون بلا تكرار لفظ البيع أو بتكراره ففيما إذا كرره فالاتفاق على أنه صفقتان فإذا قبل في أحدهما يصح مثل أن يقول بعتك هذين العبدين بعتك هذا بألف وبعتك هذا بألف وصوره في بعض الكتب أن يقول بعتك هذين بعتك هذا بألف, وهذا بألفين وفيما إذا لم يكرره وفصل الثمن. فظاهر الهداية التعدد وبه قال بعضهم ومنعه الآخرون وحملوا كلامه على ما إذا كرر لفظ البيع وقيل إن اشتراط تكرار لفظ البيع للتعدد استحسان وهو قول الإمام وعدمه قياس وهو قولهما.
ورجح في فتح القدير قولهما بقوله والوجه الاكتفاء بمجرد تفريق الثمن; لأن الظاهر أن الفائدة ليس إلا قصده بأن يبيع منه أيهما شاء وإلا فلا كان غرضه أن لا يبيعها منه إلا جملة لم تكن فائدة لتعيين ثمن كل واحد منهما ا هـ. واعلم أن تفصيل الثمن إنما يجعلهما عقدين على

 

ج / 5 ص -407-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول به إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار القيمة أما إذا كان منقسما عليهما باعتبار الأجزاء كالقفيزين من جنس واحد, فإن التفصيل لا يجعله في حكم عقدين للانقسام من غير تفصيل فلم يعتبر التفصيل كما في شرح المجمع للمصنف وهو تقييد حسن, وإذا كانت الصفقة متحدة لم يجز التفريق في القبض أيضا فلو تعدد المبيع ونقد بعض الثمن لم يجز أن يقبض بعض المبيع, فإن تعدد الصفقة جاز وحكم الإبراء عن البعض كالاستيفاء. وكذا إذا أجل ثمن بعض المبيع دون البعض لم يكن له أن يقبض شيئا من المبيع حتى ينقد الحال, وكذا لو كان للمشتري على البائع دين أقل من الثمن فالتقيا قصاصا بقدره لم يكن له أن يقبض شيئا من المبيع حتى يأخذ الباقي كما في التتارخانية. ويتفرع أيضا ما لو حضر أحد المشتريين وغاب الآخر فنقد الحاضر حصته لم يكن له قبض شيء من المبيع حتى ينقد الغائب أو هو الجميع وقام الشريك مقام الغائب في حبس حصة الغائب حتى يدفع له ما عليه, فإن هلك المبيع قبل طلب الغائب هلك أمانة فإذا حضر الغائب رجع عليه, وإن هلك بعد طلبه وحبسه للاستيفاء هلك أمانة بثمنه فلا رجوع على الغائب, ولو أبرأ البائع أحدهما عن حصته من الثمن أو أخره لم يكن له أن يقبض حصته من المبيع حتى ينقد الآخر. وأما إذا تعددت الصفقة في هذه المسائل انعكست الأحكام, كذا في التتارخانية.
ثم اعلم أن الإجارة والقسمة كالبيع لا يجوز فيهما تفريق الصفقة حتى لو أجر عبده شهرين بكذا فقبل في أحدهما لم يجز, وكذا لو قال قاسمتك هذا الرقيق الأربعة على أن هذين لي, وهذين لك, فقال الآخر سلمت لك هذا ولا أسلم لك هذا الآخر لم يجز ويجوز هذا في النكاح والخلع والصلح عن دم العمد والعتق على مال, ولو جمع بين النكاح والبيع فقيل أحدهما إن قبل النكاح جاز, وإن قبل البيع لم يجز, ولو جمع عتقا وطلاقا أو عتقا ونكاحا أو طلاقا ونكاحا جاز قبول أحدهما, ولو جمع مكاتبة وعتقا وبين حصة المكاتبة جاز أيهما قبل, وإن لم يبين لم يجز قبول الكتابة. ولو كان لرجل على رجل دم عمد بأن قتل أخويه, فقال لمن عليه صالحتك منهما على عشرة آلاف, فقال رضيت عن دم فلان بخمسة آلاف صح وله أن يقتل الآخر, ولو قال من عليه صالحتك عنهما على عشرة آلاف فقبل عن أحدهما لم يجز, كذا في المحيط ويستثنى من قوله يلزم بإيجاب وقبول ما إذا حصلا بعد عقد فاسد لم يتركاه, فإن البيع ليس بلازم ويتفرع عليه ما في الخانية لو اشترى ثوبا شراء فاسدا, ثم لقيه غدا, فقال قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم, فقال بلى, فقال قد أخذته فهو باطل, وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد, فإن كانا تتاركا البيع الفاسد فهو جائز اليوم, ولو باع عبدا من رجل بألف درهم, وقال إن جئتني اليوم بالثمن فهو لك, وإن لم تجئني اليوم بالثمن فلا بيع بيني وبينك فقبل المشتري, ولم يأته بالثمن فلقيه غدا, فقال المشتري قد بعتني عبدك هذا بألف درهم, فقال نعم. فقال قد أخذته فهو شراء

 

ج / 5 ص -408-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الساعة; لأن ذلك الشراء قد انتقض, ولم يشبه هذا البيع الفاسد ا هـ. مع أن البيع يفسد إذا كان فيه خيار نقد, ولم ينقد حتى مضى الوقت حتى قالوا بفساده وعدم انفساخه حتى لو كان عبدا في يد المشتري وأعتقه صح فينبغي أن لا فرق; لأن الفرع الثاني من أفراد البيع الفاسد وقدمنا أن البائع إذا قبل بأقل مما أوجبه المشتري صح وكان حطا, وإن المشتري إذا قبل بأزيد صح كان زيادة إن قبلها في المجلس لزمت وشمل كلامه الإيجاب والقبول بالكتابة والرسالة.
قال في الهداية والكتاب كالخطاب, وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة وصورة الكتاب أن يكتب أما بعد فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك اشتريت تم البيع بينهما وصورة الإرسال أن يرسل رسولا فيقول البائع بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم فاذهب يا فلان فقل له فذهب الرسول فأخبره بما قال فقبل المشتري في مجلسه ذلك وفي النهاية. وكذا هذا الجواب في الإجارة والهبة والكتابة فأما في الخلع والعتق على مال, فإنه يتوقف شطر العقد من الزوج والمولى على قبول الآخر وراء المجلس بالإجماع بخلاف البيع والشراء, فإنه لا يتوقف, فإن من قال بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا وبلغه الخبر فقبل لا يصح; لأن شطر العقد لا يتوقف فيه بالإجماع فأما في النكاح فلا يتوقف الشطر عندهما خلافا لأبي يوسف, ثم في كل موضع لا يتوقف شطر العقد, فإنه يجوز من العاقد الرجوع عنه ولا يجوز تعليقه بالشروط; لأنه عقد معاوضة وفي كل موضع يتوقف كالخلع لا يصح الرجوع ويصح التعليق بالشرط لكونه يمينا من جانب الزوج والمولى معاوضة من جانب الزوجة والعبد ا هـ.
وفي فتح القدير ويصح الرجوع من المكاتب والمرسل قبل الوصول سواء علم الآخر أو لم يعلم وفي غاية البيان معزيا إلى مبسوط شيخ الإسلام الخطاب والكتاب سواء إلا في فصل واحد وهو أنه لو كان حاضرا يخاطبها بالنكاح فلم تجب في مجلس الخطاب, ثم أجابته في مجلس آخر, فإن النكاح لا يصح وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت الكتاب, ولم تزوج نفسها منه في هذا المجلس, ثم زوجت نفسها منه في مجلس آخر عند الشهود, وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح; لأن الغائب إنما صار مخاطبا لها بالكتاب وهو باق في المجلس الثاني ا هـ.
وفي الخبازية معزيا إلى المبسوط لو كتب إليه بعني بكذا, فقال بعت تم البيع, وقد طعنوا فيه بأنه لا ينعقد بالأمر من الحاضر فكيف بالأمر من الغائب وأجاب في المعرج بأن مراد محمد بيان الفرق بين النكاح والبيع في شرط الشهود لا بيان اللفظ أو يقال بعني من الحاضر استيام, ومن الغائب إيجاب وفيه نوع تأمل ا هـ. وفي النهاية معزيا إلى شرح الطحاوي يصح

 

ج / 5 ص -409-       وبتعاط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجوع عن الرسالة علم الرسول أو لم يعلم ا هـ.
وفي وكالة البزازية والخلاصة لا يصح عزل الرسول بدون عمله ا هـ. فعلى هذا يفرق بين الرجوع والعزل.
قوله: "وبتعاط" أي ويلزم البيع بالتعاطي أيضا; لأن جوازه باعتبار الرضا, وقد وجد, وقد بناه في الهداية على أن المعتبر في هذه العقود هو المعنى والإشارة إلى العقود التمليكية كما في المعراج فخرج الطلاق والعتاق, فإن اللفظ فيهما يقام مقام المعنى قال ولا يلزم على أصحابنا شركة المفاوضة, فإنهم قالوا إنها تنعقد بلفظ المفاوضة فقط; لأن عقد المفاوضة لما توقف على شروط لا يهتدي إلى استيفائها العوام في معاملاتهم حتى لو كانا عالمين بشروطها فعقدوها بلفظ آخر مع استيفاء الشروط صح, كذا في شرح المجمع ا هـ.
وفي فتح القدير بعد نقل ما في المعراج وأنت تعلم أن إقامة اللفظ مقام المعنى أثر في ثبوت حكمه بلا نية ليس غير فإذا قارنت هذه العقود ذلك اقتضى أن لا يثبت بمجرد اللفظ بلا نية فلا يثبت بلفظ البيع حكمه إلا إذا أراده به وحينئذ فلا فرق بين بعت وأبيع في توقف الانعقاد به على النية, ولذا لا ينعقد بلفظ بعت هزلا فلا معنى لقوله ينعقد بلفظ الماضي ولا ينعقد المستقبل ا هـ. وهذا سهو, فإن المراد أن البيع لا يختص بلفظ, وإنما يثبت الحكم إذا وجد معنى التمليك والتملك بخلاف الطلاق والعتاق, فإنه لا يعتبر المعنى فيهما, وإنما تعتبر الألفاظ الموضوعة لهما صريحا كان أو كناية, ولذا قالوا لو قال لها طلقي نفسك نصف تطليقة فطلقت نفسها واحدة لم يقع, وإن كان الطلاق لا يتجزأ, وإذا قال لها طلقي نفسك ثلاثا فطلقت عشرا لا يقع, وإن كان الطلاق لا مزيد له على الثلاثة, ثم اعلم أن المعنى, وإن كان معتبرا في البيع ونحوه خاصة لا بد من صحة الاستعارة إذا كان اللفظ مجازا, ولذا قالوا لو قال بعتك هذا بغير ثمن كان باطلا ولا يكون مجازا عن الهبة مع أنه أتى بمعناها. وكذا لو قال أجرتك داري شهرا بغير شيء لا يكون عارية مع أنه أتى معناها, وكذا لو قال اشتريت منك خدمة عبدك هذا شهرا بكذا, وكذا فهو إجارة فاسدة, وكذا لو قال بعت منك منافع هذه الدار شهرا بكذا فهي إجارة فاسدة فلم تعتبر المعنى والمسائل في الخلاصة والخانية ما إذا قال أعرتك داري شهرا بكذا فهي إجارة, وكذا وهبتك منافعها شهرا بكذا اعتبارا للمعنى وحقيقة التعاطي وضع الثمن وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ وهو يفيد أنه لا بد من الإعطاء من الجانبين; لأنه من المعاطاة وهي مفاعلة فتقتضي حصولها من الجانبين كالمضاربة والمقاسمة والمخاصمة وعليه أكثر المشايخ كما ذكره الطرسوسي وأفتى به الحلواني. وفي البزازية أنه المختار وصحح في

 

ج / 5 ص -410-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتح القدير أن إعطاء أحدهما كاف ونص محمد على أن بيع التعاطي يثبت بقبض أحد البدلين. وهذا ينتظم المبيع والثمن ونصه في الجامع على أن تسليم المبيع يكفي لا ينفي الآخر واكتفى الكرماني بتسليم المبيع مع بيان الثمن أما إذا دفع الثمن, ولم يقبض المبيع لا يجوز; لأن المبيع أصل إلا إذا كان بيع مقايضة. كذا في البزازية فقد تحرر أن في المسألة ثلاثة أقوال.
وفي القاموس التعاطي التناول وهكذا في الصحاح والمصباح وهو إنما يقتضي الإعطاء من جانب والأخذ من جانب لا الإعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي وأصل الاختلاف إنما نشأ من كلام الإمام محمد, فإنه ذكر بيع التعاطي في مواضع فصوره في موضع بالإعطاء من الجانبين ففهم البعض أنه شرط وصوره في موضع بالإعطاء من أحدهما ففهم البعض بأنه يكتفى به وصوره في موضع بتسليم المبيع ففهم البعض على أن تسليم الثمن لا يكفي كما ذكره في الذخيرة وصورته من أحدهما أن يتفقا على الثمن, ثم يأخذ المشتري المتاع ويذهب به برضا صاحبه من غير دفع الثمن أو يدفع الثمن المشتري للبائع, ثم يذهب من غير تسليم المبيع, فإن البيع لازم على الصحيح حتى لو امتنع أحدهما بعده أجبره القاضي. وهذا فيما ثمنه غير معلوم أما الخبز واللحم فلا يحتاج فيه إلى بيان الثمن كما في البزازية.
ومن بيع التعاطي حكما ما إذا جاء المودع بأمة غير المودعة, وقال هذه أمتك والمالك يعلم أنها ليست إياها وحلف فأخذها حل الوطء للمودع وكان بيعا بالتعاطي وعن أبي يوسف لو قال للخياط ليست هذه بطانتي فحلف الخياط أنها هي وسعه أخذها وينبغي تقييده فيما إذا كانت العين ملكا للدافع أما إذا لم تكن ملكا له فلا, ومنه قول الدلال للبزاز إن هذا الثوب بدرهم, فقال ضعه, وكذا بكم تبيع قفيز حنطة, فقال بدرهم, فقال اعزله فعزله فهو بيع, وكذا لو قال للقصاب مثله. ومنه لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي فهو بيع بالتعاطي كما في فتح القدير. وعلى هذا لا بد من الرضا في جارية الوديعة وبطانة الخياط وعلى هذا فالأمر بالعزل أو الوزن يكفي عن القبض فهذا بيع معاطاة ولا قبض فيه من أحد الجانبين لكون الأمر بالعزل والوزن قائما مقام القبض ويجب أن يقام الإيجاب لاقتضائه سابقة اشتريت كاقتضاء خذ سابقة البيع ووزن المخاطب قبول لما قدمنا أنه يكون بالفعل فالوزن والعزل فعل هو قبول فلا ينبغي إدخاله هنا كما فعل ابن الهمام وقدمنا في الإيجاب والقبول أنهما بعد عقد فاسد لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد ففي بيع التعاطي بالأولى وهو صريح الخلاصة والبزازية أن التعاطي بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد به البيع; لأنه بناء على السابق وهو محمول على ما ذكرناه.

 

ج / 5 ص -411-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأطلقه فشمل الخسيس والنفيس; لأن المعنى يشمل الكل وهو الصحيح المعتمد كما في الهداية وغيرها وفي الحاوي القدسي المشهور أنه لا يجوز في نفائس الأشياء ا هـ.
قلت: وما ادعاه من المشهور فخلاف المشهور والنفيس ما كثر ثمنه كالعبد والخسيس ما قل ثمنه كالخبز, ومنهم من حد النفيس بنصاب السرقة فأكثر والخسيس بما دونه وفي البزازية اشترى وقرا بثمانية, ثم قال ائت بوقر آخر وألقه هنا ففعل له طلب الثمن قال لقصاب كم من هذا اللحم بدرهم, فقال منوان فأعطى الدرهم وأخذه فهو بيع جائز ولا يعيد الوزن, وإن وزنه فوجده أنقص رجع بقدره من الدرهم لا من اللحم; لأن الانعقاد بقدر المبيع المعطى قال كيف تبيع اللحم قال ثلاثة أرطال بدرهم, فقال أخذت فزن فله أن يزن ولا يلزم, وإن وزن فله أن لا يعطي وللمشتري أن لا يأخذ, وإن قبضه المشتري أو جعله البائع في وعاء بإذن المشتري تم البيع وفيه انعقاده بالإعطاء من جانب حلف لا يشتري أو لا يبيع فباع أو اشترى بالتعاطي قيل وقيل ا هـ.
وقدمنا أنه لو أمره بالوزن, ولم يبين موضعا فوزن له لا يكون بيعا, ولو بين له كان بيعا, وقد ذكره في فتح القدير هنا على العكس فليتأمل.
واعلم أن الإقالة تنعقد بالتعاطي أيضا من أحد الجانبين على الصحيح كالبيع كما في البزازية. وفي القنية دفع إلى بائع حنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة, وقال له بكم تبيعها, فقال مائة بدينار فسكت المشتري, ثم طلب منه الحنطة ليأخذها, فقال البائع غدا أدفع إليك, ولم يجر بينهما بيع وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ الحنطة وقد تغير السعر فليس للبائع أن يمنعها منه بل عليه أن يدفعها بالسعر الأول. قال رضي الله عنه.
وفي هذه الواقعة أربعة مسائل: أحدها الانعقاد بالتعاطي. الثانية الانعقاد به في الخسيس والنفيس وهو الصحيح. الثالثة الانعقاد به من جانب واحد. والرابعة كما ينعقد بإعطاء المبيع ينعقد بإعطاء الثمن ا هـ.
قلت: وفيها مسألة خامسة أنه ينعقد به, ولو تأخرت معرفة المثمن لكون دفع الثمن قبل معرفته وفي المجتبى معزيا إلى النصاب عليه دين فطالب رب الدين به فبعث إليه شعيرا قدرا معلوما, وقال خذه بسعر البلد والسعر لهما معلوم كان بيعا, وإن لم يعلماه فلا, ومن بيع التعاطي تسليم المشتري ما اشترى إلى من يطلبه بالشفعة في موضع لا شفعة فيه, وكذا تسليم الوكيل بعدما صار شراؤه لنفسه إلى الموكل إذا قبضه الآمر وأنكر الأمر, وقد اشترى له, كذا في المجتبى, وذكر مسألتي الوديعة والخياط المتقدمتين, ومنه لو ادعى بيعا وبرهن بشهود زور

 

ج / 5 ص -412-       وأي قام عن المجلس قبل القبول بطل الإيجاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقضاء إذا رضي الآخر به على قول أبي يوسف, كذا في المجتبى يعني, وإن قالا بأن القضاء بشهادة الزور لا ينفذ باطنا يقولا بالانعقاد بالتعاطي بعده, ثم اعلم أنه إنما ينعقد بالتعاطي بشرط أن لا يصرح معه بعدم الرضا فلو قبض الدراهم الثمن وأخذ صاحبها البطاطيخ والبائع يقول لا أعطيكها أو حلف, فإنه لا يصح البيع وتمامه في القنية, والله أعلم.
قوله: "وأي قام عن المجلس قبل القبول بطل الإيجاب" لكونه امتناعا عن إتمام العلة لا إبطالا لها, وهذا; لأن إيجاب البائع أحد شطري العلة والحكم إذا تعلق بعلة ذات وصفين كان للأول حكم السبب وللثاني حكم العلة فلما لم يكن للأول قبل القبول حكم العلة لا يكون إبطال الإيجاب بالقيام إبطالا للعلة فيجوز, ولأن القيام دليل الإعراض فعملت الدلالة عملها من الإبطال فبعد ذلك لا يعارضها صريح قبول يأتي بعدها; لأنه إنما يقدم عليها إذا لم تعمل عملها.
وفي المجتبى المجلس المتحد أن لا يشتغل أحد المتعاقدين بعمل غير ما عقد له المجلس أو ما هو دليل الإعراض عن العقد أطلق القيام, ولم يقيده بالانتقال عن المجلس بناء على ظاهر ما في الهداية ومشى عليه جمع واختاره قاضي خان معللا بأنه دليل الإعراض وقيده شيخ الإسلام بالذهاب وشمل ما إذا قام أحدهما لحاجة كما في الحاوي. ولكن في القنية لو قام لحاجة لا معرضا, فإنه لا يصح ا هـ. فعلى هذا القيام مبطل, وإن لم يكن دليل الإعراض, وأشار بالقيام إلى أن المجلس يتبدل بما يدل على الإعراض كالاشتغال بعمل آخر كالأكل إلا إذا كان لقمة أو شرب إلا إذا كان القدح في يده فشرب ونوم إلا النوم جالسا وصلاة إلا إتمام فريضة أو إتمام شفع نفلا فلو أتمه أربعا بطل وكلام, ولو لحاجة, ومنه إيجاب لإنسان بعد الإيجاب الأول فإذا قبلا كان للثاني لبطلان الأول كما قدمناه أو مشى إلا خطوة وخطوتين كما في الخلاصة وفي جمع التفاريق وبه نأخذ وهو خلاف ظاهر الرواية وفي المعراج. وقيل قوله قام عن المجلس دليل على أن الذهاب عنه شرطه; لأن القيام عنه يتحقق بالذهاب أما لو لم يذهب لا يقال قام عنه, وإنما يقال قال فيه, ولذا قال في الإصلاح أو قام, وقال في الإيضاح لم يقل عن المجلس; لأن الإيجاب يبطل بمجرد القيام, وإن لم يذهب عن المجلس.
وفي البناية معزيا إلى بعضهم أن قولهم قام عنه يدل على الذهاب وإلا كأن يقول قام فيه ولبس ثوبا إلا إذا فعل القابل بالمبيع الأكل والشرب واللبس فقبول وفي الجوهرة لو كان قائما فقعد لم يبطل. وعلى اشتراط اتحاد المجلس تفرع لو تبايعا وهما يمشيان أو يسيران, ولو كانا على دابة واحدة لم يصح في ظاهر الرواية لاختلاف المجلس واختار غير واحد كالطحاوي وغيره أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز وصححه في المحيط, ثم قال وقيل يصح, وإن

 

ج / 5 ص -413-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصلا بسكوت ما لم يتفرقا بأبدانهما ا هـ.
وفي المجتبى ما لم يتفرقا بدابتيهما وهو أحسن وعلى الاختلاف ما إذا لم يقف أما إذا وقف بعدما سار فقبل الآخر, فإنه يصح كما في المحيط وفي غاية البيان والسفينة بمنزلة البيت; لأنهما لا يملكان إيقافها فجريانها لم يصف إليهما فلا ينقطع مجلسهما بجريانها بخلاف الدابة, فإنهما يملكان الإيقاف قيد بالبيع; لأن الخلع والعتق على مال لا يبطل الإيجاب فيه بقيام الزوج والمولى لكونه يمينا ويبطل بقيام المرأة والعبد لكونه معاوضة في حقهما كما في النهاية. وأما في خيار المخبرة, فإنه إذا خيرها وهي واقفة وسار الزوج أو مشى قبل أن تختار, ثم اختارت وقع بخلاف ما إذا سارت; لأنه يقتصر على مجلسها خاصة بخلاف البيع, فإنه يقتصر على مجلسهما, كذا في غاية البيان وفي الحاوي القدسي ويبطل مجلس البيع بما يبطل به خيار المخيرة. ا هـ.
وفي القنية ولا يجوز أن يناديه من بعيد أو من وراء جدار رجل في البيت, فقال للذي في السطح بعته منك بكذا, فقال اشتريت صح إذا كان كل منهما يرى صاحبه ولا يلتبس الكلام للبعد, ولو تعاقد البيع وبينهما النهر المزدحصائي يصح البيع.
قلت: وإن كان نهرا عظيما تجري فيه السفن, قال رضي الله عنه, وقد تقرر رأي "بح"1 في أمثال هذه الصورة على أنه إن كان البعد بحال يوجب التباس ما يقول كل واحد منهما لصاحبه يمنع وإلا فلا فعلى هذا الستر بينهما الذي لا يمنع الفهم والسماع لا يمنع.
والحاصل أن الإيجاب يبطل بما يدل على الإعراض وبرجوع أحدهما عنه وبموت أحدهما, ولذا قلنا إن خيار القبول لا يورث وقدمنا استثناء مسألة وبتغيير المبيع بقطع يد وتخلل عصير وزيادة بولادة وهلاكه بخلاف ما إذا كان بعد قلع عينه بآفة سماوية أو بعدما وهب للمبيع هبة كما في المحيط وقدمنا أنه يبطل بهبة الثمن قبل قبوله فأصل ما يبطله سبعة فليحفظ.
وفي البزازية بعت من فلان الغائب فحضر في المجلس وقبل صح ا هـ. وهو مشكل لعدم سماع الغائب كلام الحاضر ولعدم اتحاد المجلس وحمله على ما إذا أعاد الإيجاب بعد حضوره بعيد كما لا يخفى.
وفي الذخيرة لو كان المشتري في الدار فخرج منها, ثم قبل لم يصح وقيد بالبيع; لأن إجازة بيع الفضولي لا تتوقف على مجلس بلوغ خبره حتى لو قام المالك فأجاز في مجلس آخر جاز كما في الصيرفية ولا يضر في الإيجاب الأول وجود إيجاب ثان بشيء آخر غير البيع قبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 والمراد به بكر خواهر زاده كما في مخطوطة القنية.

 

ج / 5 ص -414-       ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن غير مشار لا مشار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبول للأول, ولذا قدمنا ما لو أوجب بيعا ونكاحا فقبلهما جاز, وكذا لو قال أبيعك هذا وأهب لك هذا فقبل جاز الكل كما في الصيرفية.
قوله: "ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن غير مشار لا مشار" أي لا يصح البيع إلا بمعرفة قدر المبيع والثمن ووصف الثمن إذا كان كل منهما غير مشار إليه أما المشار إليه فغير محتاج إليهما; لأن التسليم والتسلم واجب بالعقد فهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز أطلق في معرفة القدر فشمل المبيع والثمن فلا بد من معرفة القدر فيهما فلو باع عبدا له ولم يصف, ولم يشر إليه, فإن كان له عبد واحد يجوز, وإن كان له عبدان أو أكثر لا يجوز وفي العبد الواحد لا بد أن يضيفه إلى نفسه بأن يقول بعت عبدي منك أما لو قال بعت سالما واسمه سالم لا يجوز, كذا في الخلاصة.
وفي القنية بعت عبدا لي ففيه اختلاف والأصح أنه لا يجوز البيع, ولو باعه كرا من حنطة, فإن لم يكن في ملكه فالبيع باطل, وإن كان في ملكه البعض بطل في المعدوم وفسد في الموجود, وإن كان في ملكه, فإن كانت في موضعين أو من نوعين مختلفين لا يجوز البيع, وإن كانت من نوع واحد في موضع واحد إلا أنه لم يضف البيع إلى تلك الحنطة لكن قال بعت منك كرا من حنطة جاز البيع, وإن علم المشتري بمكانها كان له الخيار إن شاء أخذها في ذلك المكان بذلك الثمن, وإن شاء تركها. ا هـ.
وفي موضع آخر منها, ولو لم يضفها إلى نفسه جاز البيع وللمشتري الخيار, وإن كانت في موضعين, كذا في الخانية, وذكر في الظهيرية بعد هذا الفرع, وهذا دليل على أنه يعتبر مكان البيع لا مكان المبيع. وفرع في الخانية على جهالة المبيع المفسدة ما لو قال بعت منك جميع ما لي في هذه الدار من الرقيق والدواب والثياب والمشتري لا يعلم ما فيها كان فاسدا; لأن المبيع مجهول, ولو جاز هذا لجاز إذا باع ما في هذه المدينة أو في هذه القرية ولجاز إذا باع ما في الدنيا, ولو قال بعت منك جميع ما لي في هذا البيت بكذا جاز, وإن لم يعلم المشتري به; لأن الجهالة في البيت يسيرة وفيما تقدم من الدار وغيرها كثيرة فإذا جاز في البيت جاز في الصندوق والجوالق ا هـ. وبه ظهر أن الجهالة اليسيرة في المبيع لا تمنع وفيها أيضا رجل قال لغيره عندي جارية بيضاء بعتها منك بكذا, فقال المشتري قبلت لم يكن ذلك بيعا إلا أن يبين الموضع أو غيره فيقول أبيعك جارية في هذا البيت أو يقول جارية اشتريتها من فلان فحينئذ يتم البيع, وذكر في موضع آخر إذا قال بعتك جارية جاز البيع إذا لم يكن عنده إلا جارية, وإن كان عنده جاريتان فسد البيع. وذكر شمس الأئمة السرخسي إذا أضاف الجارية إلى نفسه, فقال

 

ج / 5 ص -415-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعتك جاريتي صح البيع, وإن لم يضف إلى نفسه لا يصح ا هـ.
وفيها رجل اشترى من السقاء كذا, وكذا قربة من ماء الفرات, قال أبو يوسف إن كانت القربة بعنيها جاز لمكان التعامل, وكذا الراوية والجرة, وهذا استحسان وفي القياس لا يجوز إذا كان لا يعرف قدرها وهو وقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وظاهره ترجيح الجواز فيقال الجهالة لا تضر إذا جرى العرف فيها كما لا تضر إذا كانت يسيرة. وفي الخانية أيضا إذا كانت الشجرة بين اثنين فباع أحدهما نصيبه من أجنبي لا يجوز, وإن باع من شريكه جاز, وإن كانت بين الثلاثة فباع أحدهما نصيبه من أجنبي لا يجوز, وإن باع من شريكيه جاز, وإن كانت بين الثلاثة فباع أحدهم نصيبه من أحد شريكيه لا يجوز, وإن باع منهما جاز ا هـ.
وفي الولوالجية إذا باع نصيبا له من شجرة بغير إذن شريكه بغير أرض فهو على وجهين إن كانت الأشجار قد بلغت أو إن قطعها فالبيع جائز; لأن المشتري لا يتضرر بالقسمة, وإن لم تبلغ فالبيع فاسد; لأن المشتري يتضرر بالقسمة وعلى هذا إذا كان الزرع بين رجلين فباع أحدهما نصيبه من رجل فهو على وجهين نص عليه في كتاب الصلح ا هـ. وفي المجمع, ولو باع نصيبه من دار فعلم العاقدين شرط ويجيزه مطلقا وشرط علم المشتري وحده ا هـ.
وفي عمدة الفتاوى رجل قال لرجل بعت منك ما لي في هذه الدار من المتاع إن كان معلوما جاز, ولو قال بعت منك ما تجد لي في هذا البيت أو في هذا الصندوق أو في هذه الجوالق إن كان معلوما للمشتري فهو جائز, وإن لم يكن معلوما والجهالة يسيرة جاز ا هـ. وظاهره أن الاعتبار بعلم المشتري والهبة في هذا كالبيع لما في الولوالجية منها لو قال وهبت نصيبي من هذا العبد منك والموهوب له لا يعلم نصيبه لم يجز; لأن الموهوب مجهول وهذه الجهالة عسى أن تفضي إلى المنازعة فصار كما إذا اشترى حقا في دار ولا يعلمان كم ذلك الحق لا يجوز لما قلنا كذا هذا هـ.
وفي القنية بيع ما لم يعلم البائع والمشتري مقداره جواز إذا لم يحتج فيه إلى التسليم والتسلم كمن أقر أن في يده متاع فلان غصبا أو وديعة, ثم اشتراه المقر من المقر له جاز, وإن لم يعرفا مقداره ا هـ.
وفي الولوالجية في المسائل الخمس وهي بيع جميع ما في هذه القرية أو هذه الدار أو هذا البيت أو هذا الصندوق أو الجوالق, فإن علم المشتري ما فيها جاز وإلا ففي الأولين لا يجوز لفحش الجهالة وفي الثلاثة الأخيرة; يجوز لأن الجهالة يسيرة ا هـ.
وفيها قال الآخر إن لك في يدي أرضا خربة لا تساوي شيئا في موضع كذا فبعها مني بستة

 

ج / 5 ص -416-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراهم, فقال بعتها, ولم يعرفها البائع وهي تساوي أكثر من ذلك جاز البيع, ولم يكن ذلك بيع المجهول; لأنه لما قال لك في يدي أرض صار كأنه قال أرض كذا فإذا أجابه جاز أيضا ا هـ.
وفيهما أيضا رجل دفع دراهم إلى خباز, فقال اشتريت منك مائة من من خبز وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء فالبيع فاسد وما أكل فهو مكروه; لأنه اشترى خبزا غير مشار إليه بعقد البيع فكان البيع مجهولا فإذا أكل كان الأكل بحكم عقد فاسد, ولو أعطاه الدراهم وجعل يأخذ منه في كل يوم خمسة أمناء, ولم يقل في الابتداء اشتريت منك يجوز, وهذا حلال, وإن كانت نيته وقت الدفع الشراء; لأن بمجرد النية لا ينعقد البيع, وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا ا هـ. وفسد بيع شاة من قطيع وثوب من عدل. وكذا إذا باع عدديا متفاوتا عددا بثمن واحد فوجد أكثر لجهالة المبيع, وكذا إذا اشترى من هذا اللحم ثلاثة أرطال بدرهم, ولم يبين الموضع, وكذا إذا بينه, فقال من الجنب أو هذا الفخذ على قياس قول الإمام في السلم وعلم قياس قولهما يجوز والمروي عن محمد الجواز, كذا في البدائع. وفيها وبيع الطريق وهبته منفردا جائز وهبته منفردا فاسد.
وفي البزازية المشتري أرضا, وذكر حدودها لا ذرعها طولا وعرضا جاز, وإذا عرف المشتري الحدود لا الجيران يصح, وإن لم يذكر الحدود, ولم يعرفه المشتري جاز البيع إذا لم يقع بينهما تجاحد وجهل البائع المبيع لا يمنع وجهل المشتري يمنع دار بينهما باع أحدهما نصفه انصرف إلى قسطه, ولو عين, وقال بعت هذا النصف لا يجوز. وأما جهالة الثمن فمانعة أيضا كما إذا باع شيئا بقيمته أو بحكم المشتري أو فلان وبعتك هذا بقفيز حنطة أو بقفيزي شعير, وهذا بألف إلى سنة أو بألف وخمسمائة إلى سنتين أو باع شيئا بربح ده1 يازده, ولم يعلم المشتري رأس المال حتى افترقا وبيع الشيء برقمه أو برأس ماله, ولم يعلم المشتري كذلك, كذا في البدائع والرقم بسكون القاف علامة يعلم بها مقدار ما وقع البيع به من الثمن, كذا في الظهيرية, وكذا لو باع بألف درهم إلا دينارا أو بمائة دينار إلا درهما; لأن الاستثناء يكون بالقيمة وهي مجهولة, وكذا لو باع بمثل ما باعه فلان, ولم يعلما به حتى افترقا لا إن علما به في المجلس مع الخيار, ولو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا لم يجز لجهالته, فإن علم بوزنه فله الخيار, ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم, فقال بعني هذا الثوب ببعض العشرة وبعني هذا الآخر بما بقي فباعه وقبله المشتري صح لعدم إفضاء الجهالة إلى المنازعة. ولو قال هذا ببعض العشرة, وهذا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ومعنى قوله: ده يازده أي يربخ مقدار درهم على عشرة دراهم كما صرح بذلك الشارح في أكثر من موضع.

 

ج / 5 ص -417-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ببعض لا يجوز لوجودها, ولو قال بعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة فالعبد للمشتري بألف وخمسمائة; لأنه استثنى بيع نصفه من البيع الأول فيكون النصف الأول بألف وعلى هذا القياس. كذا في المحيط.
وأطلق في اشتراط معرفة قدر الثمن فشمل المعرفة صريحا وعرفا, ولذا قال في البزازية لو قال اشتريت هذه الدار أو هذا الثوب أو هذه البطيخة بعشرة وفي البلد يبتاع بالدراهم والدنانير والفلوس, ولم يذكر واحدا منهم ففي الدار ينعقد على الدنانير وفي الثوب ينعقد على الدراهم وفي البطيخة على الفلوس, وإن كان لا يبتاع إلا بواحد فيصرف إلى ما يبتاع الناس بذلك النقد ا هـ. وحاصله أنه إذا صرح بالعدد فتعيين المعدود من كونه دراهم أو دنانير أو فلوسا يثبت على ما يناسب المبيع, ولو وقع شك فيما يناسب وجب أن لا يتم البيع, كذا في فتح القدير.
وفي القنية له عليه نصف دينار ويظن المديون أنه ثلثا دينار فباعه منه شيئا بما عليه لا يجوز إلا إذا أعلمه بذلك في المجلس وقوله غير مشار قيد فيهما; لأن المشار إليه بيعا كان أو ثمنا لا يحتاج إلى معرفة قدره ووصفه فلو قال بعتك هذه الصبرة من الحنطة أو هذه الكورجة من الأرز والشاشات وهي مجهولة العدد بهذه الدراهم التي في يدك وهي مرئية له فقيل جاز ولزم; لأن الباقي جهالة الوصف يعني القدر وهو لا يضر إذ لا يمنع من التسليم ولا يرد على إطلاقه الأموال الربوية إذا قوبلت بجنسها وبيعت مجازفة مشارا إليها, فإنه لا يصح لاحتمال الربا واحتماله مانع كحقيقته لما سيذكره في بابه. وكذا لا يرد السلم, وإن الإشارة فيه لا تكفي لرأس المال ولا بد من معرفة قدره عند الإمام لما سيصرح به في بابه, ولم يذكر المصنف صفة المبيع, وإنما اشترط معرفة قدر المبيع والثمن.
وأما معرفة الوصف فخصه بالثمن ومفهومه أن معرفة وصف المبيع ليست شرطا, ولهذا قال في البدائع. وأما معرفة أوصاف المبيع والثمن, فقال أصحابنا ليست شرطا والجهل بها ليس بمانع من الصحة لكن شرط اللزوم فيصح بيع ما لم يره ا هـ. وظاهر ما في فتح القدير أن معرفة الوصف في المبيع والثمن شرط الصحة كمعرفة القدر, فإنه قال والصفة عشرة دراهم بخارية أو سمرقندية وكر حنطة بحرية أو صعيدية, وهذا لأنها إذا كانت الصفة مجهولة تتحقق المنازعة فالمشتري يريد دفع الأدون والبائع يطلب الأرفع فلا يحصل مقصود شرعية العقد وهو دفع الحاجة بلا منازعة ا هـ. فالمصنف اقتصر على معرفة وصف الثمن وصاحب البدائع نفاه فيهما والمحقق ابن الهمام

 

ج / 5 ص -418-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشترطه فيهما, وقال في القدوري والأثمان المطلقة لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة والحق أن معرفة وصف المبيع ليست شرطا بعد الإشارة إليه أو إلى مكانه وهو مراد صاحب البدائع; لأن خيار الرؤية إنما يثبت في مبيع أشير إليه وهو مستور ولكن ما كان ينبغي له أن يضم الثمن إليه, فإن خيار الرؤية لا يدخل في الأثمان. وأما إذا لم يكن مشارا إليه فلا بد من بيان وصفه كحنطة مطلقة وهو مراد المحقق. وفي الخانية, ولو اشترى لؤلؤة في صدفة قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يجوز البيع وله الخيار إذا رأى, وقال محمد رحمه الله تعالى لا يجوز وعليه الفتوى ا هـ. وهكذا في الولوالجية معللا للفتوى بأنها منه خلقة ويرد على المحقق لو قال بعتك بعشرة دراهم, ولم يذكر وصفا, فإن البيع صحيح كما في الإيضاح يعني وينصرف إلى الجياد. وأما قوله بخارية أو سمرقندية فبيان للنوع كما في المعراج. وفي الهداية والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع.
فقال في فتح القدير والتقييد بمقدارها في قوله لا يحتاج احتراز عن الصفة, فإنه لو أراد دراهم, فقال اشتريته بهذه فوجدها زيوفا أو نبهرجة كان له أن يرجع بالجياد; لأن الإشارة إلى الدراهم كالتنصيص عليها وهو ينصرف إلى الجياد, ولو وجدها ستوقة أو رصاصا فسد البيع وعليه القيمة إن كان أتلفها. ولو قال اشتريتها بهذه الصرة من الدراهم فوجد البائع ما فيها خلاف نقد البلد فله أن يرجع بنقد البلد; لأن مطلق الدراهم في البيع ينصرف إلى نقد البلد, وإن وجدها نقد البلد جاز ولا خيار للبائع بخلاف ما إذا قال اشتريت بما في هذه الخابية, ثم رأى الدراهم التي كانت فيها كان له الخيار, وإن كانت نقد البلد; لأن الصرة يعرف مقدار ما فيها من خارجها.
وفي الخانية لا يعرف ذلك من خارجها فكان له الخيار, وهذا يسمى خيار الكمية لا خيار الرؤية; لأن خيار الرؤية لا يثبت في النقود ا هـ.
والظاهر أن التقييد بالمقدار اتفاقي وما ذكره في ثبوت الخيار أمر آخر ليس الكلام فيه; لأن الكلام في الاحتياج إلى الصحة لا للزوم ولأنه مع الإشارة إذا كان لا يحتاج إلى معرفة المقدار لا يحتاج إلى معرفة الوصف بالأولى والمعرفة في اللغة من عرفته علمته بحاسة من الحواس الخمس عرفة وعرفانا والمعرفة اسم منه. كذا في المصباح وبعضهم فرق بين المعرفة والعلم فخصها بإدراك الجزئيات واستعمله في الأعم من إدراك الجزئيات والكليات كما في التلويح.
وأشار بالمعرفة إلى أن الشرط العلم دون ذكرهما كما في الإيضاح واعلم أنه يستثنى من قوله في فتح القدير إذا وجد الدراهم زيوفا مسألة هي ما إذا استقرض دراهم وقبضها, ثم اشترى ما في ذمته بدنانير مقبوضة في المجلس حتى صح, ثم وجد دراهم القرض زيوفا أو

 

ج / 5 ص -419-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبهرجة, فإنه لا رجوع له بشيء; لأن القرض عارية وهو ينافي الضمان, وإن وجدها ستوقة ردها على المقرض لعدم صحة استقراضها لكونها من القيميات فيرجع بالجياد إن ردها قبل التفرق عن المجلس, وإن كان بعد تفرقهما يرجع بديناره لبطلان الصرف, وتمامه في تلخيص الجامع في باب بيع القروض قال في أوله جاز شراء ما عليه لا ما استقرض عكس المقرض إلخ. ثم اعلم أن الأعواض في البيع إما دراهم أو دنانير أو أعيان قيمية أو مثلية فالأول. والثاني ثمن سواء قوبلت بجنسها أو بغيرها, والثالث مبيعة أبدا ولا يجوز البيع فيها إلا عينا إلا فيما يجوز السلم فيه كالثياب وكما ثبت مبيعا في الذمة سلما يثبت دينا مؤجلا في الذمة على أنها سلم وحينئذ يشترط الأجل; لأنها ثمن بل لكونها ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة فلذا قلنا إذا باع عبدا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز ويكون بيعا في حق العبد حتى لا يشترط قبضه في المجلس بخلاف ما لو أسلم الدراهم في الثوب, وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في الثوب حتى شرط فيه الأجل وامتنع بيعه قبل قبضه لإلحاقه بالمسلم فيه والرابع كيلي أو وزني أو عددي متقارب كالبيض, فإن قوبلت بالنقود فهي مبيعات أو بأمثالها من المثليات فما كان موصوفا في الذمة فهو ثمن وما كان معينا فمبيع, فإن كان كل منهما معينا فما صحبه حرف الباء أو على كان ثمنا والآخر مبيعا, كذا في فتح القدير وغيره.
والفلوس كالنقدين كما في المعراج ودخل المصوغ من الذهب والفضة كالآنية تحت القيميات فتتعين بالتعيين للصفة. وأما المثلي إذا قوبل بقيمي فلم يدخل فيما ذكرناه, وقال الإمام خواهر زاده أنه ثمن, ومن حكم النقود أنها لا تتعين, ولو عينت في عقود المعاوضات وفسوخها في حق الاستحقاق فلا يستحق عينها فللمشتري إمساكها ودفع مثلها قدرا ووصفا ويتعينان في الغصوب والأمانات والوكالات على تفصيل فيها, وكذا في كل عقد ليس معاوضة ولا يتعين في المهر قبل الطلاق وبعده قبل الدخول وفي تعيينها في المعاوضات الفاسدة روايتان ولا تتعين في الكتابة وتتعين في العتق المعلق بالأداء والفرق بينهما في الظهيرية من المكاتب وتمامه فيما كتبناه من القواعد الفقهية.
وفي القنية دفع إلى بقال ثمنا ليشتري به شيئا فوزنه فضاع منه شيء قبل الفراغ منه, فإن وزنه بإذن الدافع ضاع من مال الدافع وما وزنه ضاع من مال البقال الشراء بالحنطة لا يصح ما لم يبين أنها جيدة أو وسط أو رديئة بعتك عبدي بمنافع دارك سنة لا يجوز, ثم رقم هذا بيع في حق العبد إجارة في حق الدار, فإنه جائز باع ضيعة بأربعين فقبض خمسة وثلاثين واشترى بالخمسة الباقية من المشتري شيئا محقرا قيمته قليلة, ثم تبين بطلان البيع أو ردها المشتري بعيب أو شرط أو خيار ليس له أن يطلب الخمسة التي باع ذلك الشيء بها, ولو باع بسدس

 

ج / 5 ص -420-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متاعا, وقال للمشتري هذا سدس وهو زيف وتجوز به البائع وأخذه يجوز اشتراه بسدس وزاد في الزيوف بقدر شعيرة بما يدخل بين الوزنين لا يجوز ا هـ.
وفي الولوالجية من الشفعة الزيوف من الدراهم بمنزلة الجياد في خمس مسائل: الأولى مسألة الشفعة إذا اشترى بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد. الثانية الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد للبائع الزيوف يرجع على المكفول عنه بالجياد. الثالثة إذا اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف, ثم باعه مرابحة, فإن رأس المال هو الجياد. الرابعة حلف ليقضينه حقه اليوم وكان عليه جياد فقضاه الزيوف لا يحنث. الخامسة له على آخر دراهم جياد فقبض الزيوف وأنفقها فلم يعلم إلا بعد الإنفاق لا يرجع عليه بالجياد في قولهما خلافا لأبي يوسف ا هـ. ويزاد سادسة هي ما نقلناه عن تلخيص الجامع استقرض دراهم وقبضها, ثم اشترى ما في ذمته بدنانير مقبوضة في المجلس, ثم وجد دراهم القرض زيوفا لم يرجع بشيء ففيها الزيوف كالجياد.
وفي القنية عن أبي يوسف عبدان لرجلين لم يعرف كل واحد منهما عبده من عبد صاحبه فباعهما أحد الموليين بإجازة الآخر وأحدهما أكثر قيمة من الآخر فالثمن بينهما نصفان. وكذا البيوت, فإنما أنظر إلى عددها لا إلى فضل بعضها على بعض اشترى بما في هذا الكيس من الدراهم فإذا فيه دنانير جاز البيع; لأنها جنس في حق الزكاة وعليه ملء هذا الكيس من الدراهم نقد بلده, وكذا عند تفاوت النقدين ا هـ.
وقد ظهر بهذا الفرع الأخير أن قول العمادي في فصوله إن الدراهم أجريت مجرى الدنانير في سبعة مواضع: الأولى بيع القاضي دنانيره لقضاء دينه الدراهم وعكسه. الثانية يصرفها المضارب إذا مات رب المال أو عزل لتصير كرأس المال. الثالثة لو كان رأس المال في يد المضارب دراهم فاشترى بدنانير كان للمضارب. الرابعة باعه بدراهم, ثم اشتراه قبل النقد بدنانير أقل قيمة لم يجز. الخامسة لو شراه بدراهم فباعه بربح, ثم شراه بدنانير لا يرابح. السادسة أخبر الشفيع أنه شراه بألف درهم فسلم, ثم ظهر أن البيع بدنانير أقل قيمة أو أكثر بطلت. السابعة أكره على البيع بدراهم فباع بدنانير مساوية يصير مكرها ا هـ. مختصرا. ليس للحصر.
وفي جامع الفصولين برقم "قش"1 لو جعل الكيلي أو الوزني ثمنا بأن جعل العنب مثلا ثمنا فانقطع يفسد البيع, ثم رقم "ط"2 قولهم بأنه يفسد بانقطاعه ليس بصحيح, فإن من اشترى شيئا بقفيز رطب في الذمة فانقطع أو أنه لا ينتقض البيع, ولو جعل الكيلي أو الوزني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل الصاب "فش" والمراد رشيد الدين.
2 "ط": والمراد به محيط الديناوي كما قال في مقدمة جامع الفصولين.

 

ج / 5 ص -421-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمنا في الذمة يشترط بيان محل الإيفاء حتى لو باع قنا بكر بر في الذمة, فإنه يشترط بيان محل إيفائه عند أبي حنيفة وهو الصحيح وعندهما يتعين محل العقد للإيفاء وما يصلح ثمنا يصلح أجرة وما لا يصلح ثمنا يصلح أجرة أيضا كالأعيان ا هـ.
وفي التتارخانية معزيا إلى النوازل سئل والدي عمن باع شيئا من آخر بعشرة دنانير, وقد استقرت العادة في ذلك البلد أنهم يصرفون الأثمان فيما بينهم فيعطون كل خمسة أسداس مكان الدينار واشتهرت تلك ا لعادة فيما بينهم هل لبائع ذلك العين أن يطالب المشتري بالوزن أم ينعقد العقد على الذي تعارفه المسلمون فيما بينهم بطريق الدلالة, فقال ينصرف إلى ما تعارفه الناس فيما بينهم ا هـ. وهاهنا مسائل مناسبة للثمن لا بأس بذكرها تكثيرا للفوائد لو استوفى الدلال الثمن, ثم كسد في يده فلا مطالبة على المشتري حيث باع بإذن المالك, ولو دفع المشتري إلى البائع أكثر من حقه غلطا فالزائد أمانة, فإن ضاع نصف المدفوع فالباقي بينهما على الشركة والأصل أن المال المشترك إذا هلك منه شيء فالهالك على الشركة والباقي يبقى على الشركة, فإن عزل منها الزائد فضاع قبل الرد كان الباقي بينهما, ولو ضاع قدر الثمن دون الزائد فللبائع أن يرجع في الزائد بحسابه, ولو جعل الألف في كمه ودفع المائتين إلى غلامه فسرق الكل لا رجوع لواحد منهما, ولو دفع المشتري إليه كيسا على أن فيه الثمن دراهم فذهب به إلى منزله فإذا فيه دنانير فحملها ليردها فضاعت في الطريق فلا ضمان في الكل من التتارخانية.
وفي الواقعات شرى الدجاجة بالبيضات اشترى دجاجة بخمس بيضات فلم يقبضها حتى باضت خمسا, فإن كان الشراء بخمس بيضات بعينها, ولم يستهلك البائع البيضات التي باضتها عنده يأخذ المشتري الدجاجة والبيضات ويدفع إليه الثمن ولا يجب على المشتري التصدق به; لأنه يصير بمنزلة ما لو اشترى دجاجة وخمس بيضات بخمس بيضات وذلك جائز, فإن كان البائع استهلك البيضات أخذ المشتري الدجاجة بثلاث بيضات وثلث بيضة إن كانت قيمة الدجاجة عشر بيضات; لأن الثمن ينقسم على قيمة الدجاجة وعلى خمس بيضات استهلكها البائع, فإن كانت قيمة الدجاجة عشر بيضات ينقسم الثمن أثلاثا فما أصاب خمس بيضات سقط وما أصاب الدجاجة وهو الثلاث والثلث لزم, فإن كانت بغير أعيانها, وإن لم يستهلك البائع البيضات التي باضت عنده يتصدق المشتري بالفضل; لأنه لو اشترى دجاجة وخمس بيضات بغير عينها لا يجوز فكذا هنا, فإن استهلكها البائع فالحكم كما لو كانت بعينها ا هـ.
وفي الواقعات اشترى شيئا ودفع إلى البائع دراهم صحاحا فكسرها البائع فوجدها نبهرجة فردها فلا شيء عليه; لأنه لم يتلف عليه شيئا, وكذا لو دفع إليه إنسان لينظر إليه فكسره

 

ج / 5 ص -422-       وصح بثمن حال وبأجل معلوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باع بدراهم جياد فدفع إليه المشتري فأراها البائع رجلا فانتقدها فوجدها قليل نبهرجة فاستبدل فأراد أن يصرف في شراء الحوائج فلم يأخذها أحد, وقالوا كلها نبهرجة إن كان أقر للبائع أنها جياد لا يرد; لأنه متناقض إلا إذا صدقه المشتري, فإن لم يكن أقر بذلك يرد; لأنه غير متناقض ا هـ. والله أعلم.
قوله: "وصح بثمن حال وبأجل معلوم" أي البيع لإطلاق النصوص وفي السراج الوهاج إن الحلول مقتضى العقد وموجبه والأجل لا يثبت إلا بالشرط ا هـ.
قيد بعلم الأجل; لأن جهالته تفضي إلى النزاع فالبائع يطالبه في مدة قريبة والمشتري يأباها فيفسد وفي شرح المجمع للمصنف من باب خيار الشرط لو باع مؤجلا, ولم يقل إلى رمضان لا يكون مؤبدا بل يكون ثلاثة أيام عند بعض ويفتي بأن يتأجل إلى شهر ا هـ. كأنه; لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين ليقضين دينه أجلا.
وفي الخانية لو باع, ثم أجل الثمن إلى الحصاد فسد عند الإمام خلافا لهما, وإذا اختلفا في الأجل فالقول لمن ينفيه; لأن الأصل عدمه, وكذا إذا اختلفا في قدره فالقول لمدعي الأقل والبينة بينة المشتري في الوجهين, وإن اتفقا على قدره واختلفا في مضيه فالقول للمشتري أنه لم يمض والبينة بينته أيضا; لأن البينة مقدمة على الدعوى, كذا في الجوهرة وقيدنا بتأجيل الثمن; لأن تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده كما في الجوهرة.
ولا يرد على المصنف السلم مع أنه دين لما سيصرح به في بابه من أن من شرائطه الأجل كما لا يرد ما بيع بجنسه, فإنه لا يصح مؤجلا لما سنذكره في باب الربا.
وفي فتح القدير, ومن جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدي إليه الثمن في بلد آخر, ولو قال إلى شهر على أن يؤدي الثمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر ويبطل شرط الإيفاء في بلد آخر; لأن تعيين مكان الإيفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة غير صحيح فلو كان له حمل ومؤنة صح, ومن الأجل المجهول اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض فإذا لم يكن شرطا في البيع. وإنما ذكره بعده لم يفسد وكان له أن يأخذ الكل جملة, ولو كان حالا فطالبه, ثم قال اذهب فاعطني كل شهر كذا لا يكون تأجيلا, ولو قال المديون برئت من الأجل أو لا حاجة لي به لا يبطل, ولو قال تركته أو أبطلته أو جعلت المال حالا بطل الأجل, ولو عجل الدين قبل الحلول, ثم استحق المقبوض أو وجده زيوفا فرده عاد الأجل, ولو اشترى من الديون شيئا, ثم تقايلا لا يعود الأجل, ولو رده بعيب بقضاء عاد, ولو كان لهذا الدين المؤجل كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين كذا في الخانية.

 

ج / 5 ص -423-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا رضي البائع بالتأجيل فقد أسقط حقه في حبس المبيع فلو حل الأجل قبل قبضه فللمشتري قبضه قبل نقد الثمن, كذا في المحيط وسيأتي مسائل حبس المبيع آخر الباب
وفي البزازية له على آخر ألف من ثمن مبيع, فقال أعطه كل شهر مائة درهم لا يكون تأجيلا ويملك طلبه في الحال وفي الملتقط عليه ألف ثمن جعله الطالب نجوما إن أخل بنجم حل الباقي فالأمر كما شرطا ا هـ.
وفي شرح المجمع لو مات البائع لا يبطل الأجل, ولو مات المشتري حل المال; لأن فائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الثمن من نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك لقضاء الدين فلا يفيد التأجيل ا هـ. وفي المجمع وللمشتري أجل سنة ثانية لمنع البائع السلعة سنة الأجل ا هـ.
فابتداؤه من وقت التسليم, وكذا لو كان فيه خيار يعتبر الأجل من حين سقوط الخيار عنده, كذا في الخانية وفي التجنيس فرق بين هذا وبين ما إذا اشترى إلى رمضان فمنعه حتى دخل رمضان كان المال حالا في قولهم جميعا ا هـ. وهكذا في الخانية ولا خصوص لرمضان, وإنما خلاف الصاحبين في السنة المنكرة أما في السنة المعينة فلا يبقى الأجل بعد مضيها والمراد بمنعه عدم قبض المشتري المبيع مجازا لكون منعه سببا له. كذا في شرح المجمع.
وفي الخانية والتجنيس رجل قال لآخر بعت منك هذا الثوب بعشرة على أن تعطيني كل يوم درهما وكل يوم درهمين يعطيه عشرة في ستة أيام في اليوم الأول درهما وثلاثة في اليوم الثاني ودرهما في اليوم الثالث وثلاثة في اليوم الرابع ودرهما في اليوم الخامس ودرهما في اليوم السادس أما في اليوم الأول يعطيه درهما ظاهر وفي اليوم الثاني يعطيه ثلاثة; لأنه جعل اليوم أجلا للدرهم الواحد بكلمة كل الموجبة للتكرار فكلما جاء يوم يلزمه درهم وفي اليوم الثاني يلزمه درهم بمجيء اليوم الثاني ودرهمان بمجيء يومين ودرهم في اليوم الثالث لحلول نجم آخر, ولم يحل للدرهمين أجل آخر وفي الربع يلزمه ثلاثة واحد بمضي الرابع ودرهمان بمجيء أجل آخر للدرهمين, وفي الخامس يلزمه درهم بمجيء الخامس, ولم يحل للدرهمين أجل آخر بقي من العشرة واحد يعطيه في اليوم السادس ا هـ.
وفي الواقعات اشترى شيئا ودفع إلى البائع دراهم صحاحا فكسرها البائع فوجدها نبهرجة فردها فلا شيء عليه; لأنه لم يتلف عليه شيء, وكذا لو دفع إليه إنسان.
وفي السراج الوهاج الآجال على ضربين معلومة ومجهولة والمجهولة على ضربين متقاربة ومتفاوتة فالمعلومة السنون والشهور والأيام والمجهولة متقاربة كالحصاد والدياس

 

ج / 5 ص -424-       ومطلقه على النقد الغالب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنيروز والمهرجان وقدوم الحاج وخروجهم والجذاذ والقطاف وصوم النصارى وفطرهم والمتفاوتة كهبوب الريح وإلى أن تمطر السماء وإلى قدوم فلان وإلى الميسرة فتأجيل الثمن الدين المجهول بنوعيه لا يجوز, وإن كان الثمن عينا فسد بالتأجيل, ولو معلوما, وإذا أجل الدين أجلا مجهولا بجهالة متقاربة, ثم أبطله المشتري قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا, وإن مضت المدة قبل إبطاله تأكد فساده, وإن كانت جهالته متفاوتة, فإن أبطله المشتري قبل التفرق انقلب جائزا ا هـ.
وهنا مسائل في الواقعات متعلقة بالثمن أحببت ذكرها هنا.
الأولى المأذون له في البيع إذا باع ومات فجاء المالك فليس له مطالبة وارث البائع ما لم يثبت قبضه ولا يقبل قول المشتري عليه ولا مطالبة له على المشتري إلا برضا الوارث; لأن الوكيل بالبيع إذا مات لا ينتقل حق المطالبة بالثمن إلى موكله, وإنما ينتقل إلى وارثه أو وصيه إن كان, فإن لم يكن نصب القاضي عنه وصيا ليقبض وكأحد المتفاوضين إذا مات كان قبض الثمن إلى وصيه.
الثانية بياع عنده بضائع للناس أمروه ببيعها فباعها ونقد الثمن من ماله على أن يكون الثمن له فأفلس المشتري كان للبائع أن يسترد من المالك ما دفعه إليه.
الثالثة بايع أقواما, ثم مات وعليهم ديون, ولم يعرف له وارث فأخذ السلطان ديونه, ثم ظهر له وارث لا يبرأ الغرماء وعليهم الأداء ثانيا إلى الوارث ا هـ.
وفي المصباح حل الدين يحل بالكسر حلولا انتهى أجله فهو حال وأجل الشيء مدته ووقته الذي يحل فيه وهو مصدر أجل الشيء أجلا من باب تعب وأجل أجولا من باب قعد لغة وأجلته تأجيلا جعلت له أجلا ا هـ. فظاهره لا يقال حل إلا بعد تأجيل وليس بمراد في الكتاب وفي القاموس حل الدين صار حالا, وذكر في الظهيرية من باب الاختلافات بين البائع والمشتري مسألة لطيفة.
قوله: "ومطلقه على النقد الغالب" أي مطلق الثمن ببيان قدره ونوعه دون وصفه والتقييد ببلد بأن وقع البيع بعشرة دراهم أو دنانير ينصرف إلى غالب نقد البلد; لأنه المتعارف فينصرف المطلق إليه, فإن كان إطلاق اسم الدراهم في العرف يختص بها مع وجود دراهم غيرها فهو تخصيص الدراهم بالعرف القولي وهو من إفراد ترك الحقيقة بدلالة العرف, وإن كان التعامل بها في الغالب كان من تركها بدلالة العادة وكل منهما واجب تحريا للجواز وعدم إهدار كلام العاقل, كذا في فتح القدير لكنه جزم في التحرير بأن العادة هي العرف العملي, وإن مسألة الدراهم من

 

ج / 5 ص -425-       وإن اختلفت النقود فسد إن لم يبين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العرف القولي وفي شرح المجمع لو باعه إلى أجل معين وشرط أن يعطيه المشتري أي نقد يروج يومئذ كان البيع فاسدا, وذكر تاج الشريعة أن المراد بالبلد البلد الذي جرى فيها البيع لا بلد المتبايعين.
قوله: "وإن اختلفت النقود فسد إن لم يبين" أي فسد البيع لوجود الجهالة المفضية إلى المنازعة فإذا ارتفعت ببيان أحدهما في المجلس ورضي الآخر صح لارتفاع المفسد قبل تقرره فصار كالبيان المقارن والمراد بالبيان في كلامه البيان التأخر; لأن المقارن يخرج عن موضوع المسألة; لأن موضوعها مطلقه فافهم والمراد باختلاف النقود اختلاف ماليتها مع الاستواء في الرواج كالبندقي والقايتبايي والسليمي والمغربي والغوري في القاهرة الآن. فالحاصل أن المسألة رباعية; لأنها إما أن تستوي في الرواج والمالية معا أو يختلف فيهما أو يستوي في أحدهما دون الآخر والفساد في صورة واحدة وهي الاستواء في الرواج والاختلاف في المالية والصحة في ثلاث صور: فيما إذا كانت مختلفة في الرواج والمالية فينصرف إلى الأروج وفيما إذا كانت مختلفة في الرواج مستوية في المالية فينصرف إلى الأروج أيضا وفيما إذا استوت فيهما, وإنما الاختلاف في الاسم كالمصري والدمشقي فيتخير في دفع أيهما شاء فلو طلب البائع أحدهما للمشتري أن يدفع غيره; لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت, ولذا قلنا إن النقد لا يتعين في المعاوضات.
ومثل في الهداية مسألة الاستواء في المالية بالثنائي والثلاثي وتعقبه في العناية بأنه لا يصح مثالا; لأن ما كان اثنان منه دانقا وما كان ثلاثة منه دانقا لا يكون في المالية سواء لكن يمكن أن يكون في الرواج سواء وفسر الثنائي والثلاثي في المعراج كما في العناية.
وفي فتح القدير الثنائي والثلاثي أسماء دراهم كانت في بلادهم مختلفة المالية, وكذا الركني والخليفتي في الذهب كان الخليفتي أفضل مالية عندهم والعدالى اسم لدراهم ا هـ.
وفسرها الزيلعي بأن الثنائي ما كان اثنان بدرهم والثلاثي ما كان ثلاثة منها بدرهم. وحاصله أن الثنائي قطعتان من فضة إما بدانق أو بدرهم, والثلاثي ثلاث قطع منها إما بدانق أو بدرهم, وإذا باع سلعة بدرهم في بلدة فيها درهم قطعتان ودرهم ثلاثة خير المشتري إن شاء دفع قطعتين من الثنائي أو ثلاثا من الثلاثي, فالحق ما في الهداية من الاستواء في المالية; لأن قيمة الثنائي بقدر قيمة الثلاثي وليس المراد القطعة حتى يكون من باب اختلاف المالية نعم لو باع شيئا بقطعة فسد; لأن قطعة الثنائي نصف درهم وقطعة الثلاثي ثلث درهم هذا ما ظهر لي في حل هذا المحل, ولم أره لغيري قيد بالبيع; لأن في الوصية إذا كانت مختلفة في المالية متساوية في الرواج فتنفذ وصاياه بأقل النقود, وإن كانت متفاوتة في الرواج مستوية في المالية انصرفت

 

ج / 5 ص -426-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصية إلى النقد الغالب وفي البزازية من كتاب الدعوى, وإن ادعى وزنيا ذكر الجنس ذهبا أو فضة, ولو مضروبا بقول كذا دينارا خوارزميا أو بخاريا جيدا أو رديئا ويحتاج إلى ذكر الصفة عند اختلاف النقود, ولو نقدا واحدا لا, ولو نقودا و الكل على الرواج ولا مزية للبعض فيه على الآخر يجوز البيع ويعطي المشتري أيا شاء لكن في الدعوى لا بد من التعيين, فإن كان أحدهما أروج ينصرف البيع إلى الأروج وعند ذكر النيسابوري إلى ذكر كونه أحمر ولا بد من ذكر الجودة عند العامة, وقال الإمام النسفي إن ذكر أحمر خالصا, ولم يذكر الجودة كفاه ولا بد من ذكر ضرب أي دار وقيل لا يشترط, وإذا ذكر أنها منتقدة لا يحتاج إلى ذكر الجودة في الصحيح. وذكر اللامشي إذا كانت النقود في البلد مختلفة أحدها أروج لا تصح الدعوى ما لم يبين, وكذا إذا أقر بعشرة دنانير حمر وفي البلد نقود مختلفة حمر لا يصح بلا بيان بخلاف البيع, فإنه ينصرف إلى الأروج.
وفي الذخيرة عند اختلاف النقود في البلد والتساوي في الرواج لا يصح البيع ولا الدعوى بلا بيان, وإن لاح فضل الرواج ينصرف إليه ويعتبر كاللفظ في الدعوى فلا حاجة إلى البيان إلا إذا طال الزمان من وقت الخصومة إلى وقت الدعوى بحيث لا يعلم الأروج فحينئذ لا بد من البيان لما هو الأروج وقت العقد إلى هنا ما في البزازية من الدعوى. وذكر في الصلح, ولو كان البدل دراهم يحتاج إلى بيان القدر والصفة ويقع على نقد البلد الدراهم والدنانير عند الإطلاق, وإن اختلفت النقود فعلى الأغلب, وإن استوت لا يصح بلا بيان ا هـ.
وفي التتارخانية من باب المهر معزيا إلى الحجة تزوج امرأة على ألف وفي البلد نقود مختلفة ينصرف إلى الغالب, وإن لم يكن ينظر إلى مهر مثلها فأي ذلك وافق مهر مثلها يحكم لها به ا هـ. وقد علم باب البيع والوصية والصلح والدعوى والإقرار والمهر بقي الخلع لو خالعها على ألف درهم, ولم يبين وبقي الواقف لو شرط له دراهم أو دنانير وينبغي أن يستحق الأقل وينبغي أيضا في الهبة كذلك ولكن في الهبة لا تتم إلا بالقبض فهو السبب للملك وبه يزول الاشتباه وبقي الإجارة قال في البزازية من الإجارات وهو على غالب نقد البلد, وإن اختلفت الغلبة فسدت كالبيع ا هـ.
فالحاصل أن البيع والإجارة والصلح سواء في الدعوى لا بد من البيان في جميع الوجوه كالإقرار وفي المهر يقضي بما وافق مهر المثل وفي الوصية يكون له الأقل وفي كتابة الخانية ما صلح مهرا صلح بدلا في الكتابة ومقتضاه لو كاتبه على ألف درهم وفي البلد نقود مستوية أن يقضي بما وافق القيمة وفي المجتبى لو اشترى بمائة مثقال فضة غير معينة أو

 

ج / 5 ص -427-       ويباع الطعام كيلا وجزافا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذهب لا يجوز حتى يصفه جيدا أو غيره, ولو قال بألف نبهرجة أو زيوف لا يصح إلا إذا كانت معروفة في البلد ا هـ. وقدمنا أنه لو أشار إلى دراهم مستورة فلما كشف عنها ظهر أنها زيوف أو خلاف نقد البلد استحق الجياد من نقد البلد..
قوله: "ويباع الطعام كيلا وجزافا" لحديث البخاري "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم" ولا يرد عليه بيع الجنس بالجنس من الربا مجازفة لما سيأتي في باب الربا من أنه غير جائز إلا إذا كان قليلا وفي البزازية بيع الحنطة بالحنطة مجازفة لا يجوز إلا إذا ظهر تساويهما ا هـ. يعني: في المجلس كما سيأتي في باب الربا وفي جامع الفصولين شراء قصيل البر بالبر كيلا وجزافا جاز لعدم الجناس ا هـ. ولأن احتمال الربا كحقيقته حتى لو لم يحتمل كان باع كفة ميزان من فضة بكفة منها, فإنه يجوز, وإن كان مجازفة لعدم احتمال التفاضل كما في فتح القدير وهكذا في البزازية وفي الصيرفية جعل في كفة الميزان تبرا وفي الأخرى ذهبا مضروبا وأخذ الميزان حتى تعادلت الكفتان فأخذ صاحب التبر الذهب وصاحب الذهب التبر لا يجوز ما لم يعلما وزن الذهب; لأن الذهب وزني وأحاله إلى الجامع الصغير في باب ما يكال وما يوزن. وفي فتح القدير أيضا والطعام في العرف الماضي الحنطة ودقيقها وفي المصباح الطعام عند أهل الحجاز البر خاصة وفي العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب وجمعه أطعمة ا هـ. والمراد به في كلام المصنف الحبوب كلها لا البر وحده ولا كل ما يؤكل بقرينة قوله كيلا وجزافا.
وأما في باب الأيمان, فقال في البزازية حلف لا يأكل طعاما ينصرف إلى كل مأكول مطعوم حتى لو أكل الخل يحنث, وإذا عقد يمينه على ما هو مأكول بعينه ينصرف إلى ما هو مأكول بعينه, وإذا عقد على ما ليس مأكولا بعينه أو على ما يؤكل بعينه إلا أنه لا يؤكل كذلك عادة ينصرف إلى المتخذ منه ا هـ.
وأما في باب الوكالة, فقال المصنف وبشراء طعام يقع على البر ودقيقه ا هـ. وقال بعض المشايخ الطعام في عرفنا ينصرف إلى ما يمكن أكله يعني المعتاد للأكل كاللحم المطبوخ والمشوي ونحوه, وقال الصدر الشهيد وعليه الفتوى فلا تدخل الحنطة والدقيق والخبز كما في النهاية. والجزاف بيع شيء لا يعلم كيله ولا وزنه وهو اسم من جازف مجازفة من باب قاتل والجزاف بالضم خارج عن القياس وهي فارسية معرب كزاف, ومن هنا قيل أصل الكلمة

 

ج / 5 ص -428-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل إلى العربية, قال ابن القطاع جزف في الكيل جزفا أكثر منه, ومنه الجزاف والمجازفة في البيع وهي المساهلة والكلمة دخيلة في العربية ويؤيده قول ابن فارس الجزف الأخذ بكثرة كلمة فارسية ويقال لمن يرسل كلامه إرسالا من غير قانون جازف في كلامه فأقيم نهج الصواب مقام الكيل والوزن ا هـ.
وفي السراج الوهاج القسمة كالبيع إذا وقعت فيما يجري فيه الربا مجازفة لا تصح وفي العمدة اشترى حنطة رجل قبل أن تحصد مكايلة جاز; لأن الحنطة موجودة, وكذلك القوائم والتبن قبل الكدس قبل التذرية. وفي القنية يجوز بيع الحنطة في سنبلها مكايلة أو موازنة, وإن لم تشتد الحبوب بعد ا هـ. ولو قال المصنف ويجوز بيع الحبوب كيلا ووزنا وجزافا بغير جنسه لكان أولى كما لا يخفى. وفي البزازية وبيع الحنطة بالدراهم وزنا يجوز, ويجوز بيع كل ما لا يتفاوت كالبر بلا إشارة ولا إضافة لو كان في ملكه قدر المبيع كله, ولو قال بعتك مائة من من هذه الحنطة وأعطاها من كدس آخر لا يجوز; لأن غير النقدين يتعين بالتعيين له عليه حنطة أكلها فباعها منه نسيئة لا يجوز; لأنه بيع الضمان والحيلة أن يبيعها بثوب ويقبض الثوب, ثم يبيعه بدراهم إلى أجل ا هـ.
والكدس وزان قفل ما يجمع من الطعام في البيدر فإذا ديس ودق فهو العرمة والصبرة, كذا في المصباح وفي الظهيرية رجل له زرع قد استحصد فباع حنطته جاز; لأنه باع موجودا مقدور التسليم, ولو باع تبنها لم يجز; لأن التبن لا يكون إلا بعد الدوس.
والتذرية فكان بيع المعدوم; واستحصاد الزرع إدراكه.
وفي الذخيرة ادعى رجل على غيره شيئا مما يكال أو يوزن أو يعد فاشتراه المدعى عليه من المدعي بمائة دينار, ثم تصادقا أنه لم يكن للمدعي على المدعى عليه شيء فالعقد باطل تفرقا أو لم يتفرقا; لأن العقد يتعلق بالكر في ذمته بالإضافة إليه فإذا تبين أنه لم يكن في الذمة تبين أنه باع المعدوم وبيع المعدوم باطل, ولو ادعى دراهم أو دنانير أو فلوسا اشتراها المدعى عليه بدراهم ونقد الدراهم, ثم تصادقا أنه لم يكن عليه شيء ففي مسألة الدراهم والدنانير إذا لم يتفرقا ورجع بمثل ما اشترى يصح العقد, ثم يتعلق بالمسمى في الذمة, ولو تفرقا بطل العقد وفي الفلوس لا يبطل العقد, وإن تفرقا قبل قبض ما اشترى; لأن في بيع الفلوس بالدراهم يكتفى بقبض أحد البدلين حقيقة, وإذا اشترى شيئا بدراهم دين وهما يعلمان أن لا دين لم يجز, ومن المسائل الحنطة ودعواها قال في دعوى البزازية ادعى عشرة أقفزة حنطة لا يصح بلا بيان السبب; لأنه لو سلما يطالب في الموضع الذي عين عنده, وإن قرضا أو ثمن مبيع تعين مكان

 

ج / 5 ص -429-       وبإناء أو حجر لا يعرف قدره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيع والقرض, وإن غصبا واستهلاكا تعين مكان الغصب والاستهلاك ا هـ.
وفي السراج الوهاج والمنتقى المشتري إذا قال بعني هذا الكر الحنطة فباعه فهو على الكيل, فإنه قبضه بغير كيل, ثم كاله بغير محضر من البائع جاز إلا أن المشتري لا يصدق على ما يدعي من النقصان; لأنه قد صدق على وفاء الكيل, وإنما كيله تحليل لموافقة السنة ا هـ. ولعله إنما لا يصدق مع أن القول للقابض لإقراره بقوله بعني هذا الكر.
قوله: "وبإناء أو حجر لا يعرف قدره"; لأن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة; لأن البيع يوجب التسليم في الحال وهلاكه قبل التسليم نادر وبه اندفع ما رواه الحسن من عدم الجواز للجهالة وما في الكتاب هو الأصح ولا يرد عليه السلم; لأنه لا يجوز لما سيأتي, فإنه لا بد من معرفة مقدار المسلم فيه; لأن التسليم لا يكون فيه إلا بعد حلول الأجل والهلاك قبله غير نادر واحتمال الفساد فيه ملحق بحقيقته وأطلقه وهو مقيد بما إذا لم يحتمل الحجر التفتت والإناء النقصان كأن يكون من خشب أو حديد, فإن احتملهما لم يجز كالزنبيل والغرائر والخيار والبطيخ وعلى هذا ملء قربة بعينها أو راوية من النيل فعن أبي حنيفة لا يجوز; لأن الماء ليس عنده ولا يعرف قدر القربة لكن أطلق في المجرد جوازه ولا بد من اعتبار القرب المتعارفة في البلد مع غالب السقايين فلو ملأ له بأصغر منها لا يقبل, وكذا راوية منه يوفيه في منزله وعن أبي يوسف إذا ملأها, ثم تراضيا جاز كما قالوا إذا باع الحطب ونحوه أحمالا لا يجوز, ولو حمله على الدابة, ثم باعه الحمل جاز لتعيين قدر المبيع في الثاني وفي المحيط بيع الماء في الحياض والآبار لا يجوز إلا إذا جعله في إناء.
وفي الخلاصة خلافه قال اشترى كذا كذا قربة من ماء الفرات جاز استحسانا إذا كانت القربة معينة وعن أبي يوسف يجوز في القرب مطلقا ومراد المصنف جواز البيع بالإناء والحجر لا لزومه ففي المعراج عن جمع التفاريق عن محمد أن للمشتري الخيار.
وفي مجموع النوازل لو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا, ثم علم به جاز وله الخيار وفي فتح القدير بعد نقله وينبغي أن يكون هذا محمل الرواية عن أبي حنيفة أنه لا يجوز في البيع أيضا كالسلم أي لا يلزم ا هـ. وهو غير محتاج إليه بل ظاهر الهداية أنه على حقيقته, ولذا قال إن الجواز أصح وأظهر وشرط في المبسوط في مسألة الكتاب أن يكون يدا بيد فلا يصح إلا بشرط تعجيل التسليم, ومن هنا طعن المحقق في فتح القدير على من اشترط فيما يوزن به أن

 

ج / 5 ص -430-       ومن باع صبرة كل صاع بدرهم صح في صاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يحتمل النقصان; لأنه حينئذ لا جفاف يوجب النقصان وما قد يعرض من تأخره يوما أو يومين ممنوع بل لا يجوز كما لا يجوز في السلم إلى آخر ما حققه وهو حسن جدا, وهذا الخيار خيار كشف الحال كما قدمناه في مسألة الحفيرة والمطمورة وفي فتح القدير وعن أبي جعفر باعه من هذه الحنطة قدر ما يملأ هذا الطشت جاز, ولو باعه قدر ما يملأ هذا البيت لا يجوز ا هـ.
وذكر في السراج الوهاج القصعة مع الطشت وقدمنا ما إذا باعه جميع ما في هذا البيت أو الدار أو الصندوق أو القربة ويشترط لبقاء عقد البيع على الصحة بقاء الإناء والحجر على حالهما فلو تلفا قبل التسليم فسد البيع; لأنه لا يعلم مبلغ ما باعه منه, كذا في السراج الوهاج.
قوله: "ومن باع صبرة كل صاع بدرهم صح في صاع" يعني عند أبي حنيفة إلا أن يسمي جميع قفزانها أو جميع ثمنها, وقالا يصح مطلقا له أنه تعذر الصرف إلى الكل لجهالة المبيع والثمن فينصرف إلى الأقل وهو معلوم إلا أن تزول الجهالة بتسمية جميع القفزان أو بالكيل في المجلس ولهما أن الجهالة بيدهما إزالتها ومثلها غير مانع كما إذا باع عبدا من عبدين على أن المشتري بالخيار, ولم يذكر المصنف الخيار على قوله قالوا له الخيار في الواحد كما إذا رآه, ولم يكن رآه وقت البيع. وظاهر ما في الهداية ترجيح قولهما لتأخيره دليلهما كما هو عادته, وقد صرح في الخلاصة في نظيره بأن الفتوى على قولهما, فقال رجل اشترى العنب كل وقر بكذا والوقر عندهم معروف إن كان العنب عندهم من جنس واحد يجب أن يجوز في وقر واحد عند أبي حنيفة كما في بيع الصبرة كل قفيز بدرهم, وإن كان العنب عندهم أجناسا مختلفة لا يجوز البيع أصلا عند أبي حنيفة كبيع قطيع الغنم وعندهما يجوز إذا كان جنسا واحدا في كل العنب كل وقر بما قال: وكذا إذا كان الجنس مختلفا هكذا أورده الصدر الشهيد والفقيه أبو الليث جعل الجواب بالجواز فيما إذا كان العنب من جنس واحد متفقا عليه, وإن كان من أجناس مختلف فيه قال الفقيه أبو الليث والفتوى على قولهما تيسيرا للأمر على المسلمين ا هـ. وفي فتح القدير وتفريع الصدر الشهيد أوجه ا هـ. وفي المعراج أن أبا الليث هذا هو الخوارزمي1 فظاهره أنه ليس هو الفقيه المشهور, قيد بقوله كل قفيز; لأنه لو قال بعتك هذه الصبرة على أنها قفيز أو بعتك قفيزا منها فهما سواء والبيع واقع على قفيز واحد, فإن وجده أقل من قفيز فبه الخيار لتفرق الصفقة كما إذا قال بعتك على أنه كر كل قفيز بكذا فوجده أنقص فله الخيار. كذا في غاية البيان.
وفيها أن لكل منهما الخيار في مسألة الكتاب قبل الكيل وذلك; لأن الجهالة قائمة أو


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر علي ترجمته.

 

ج / 5 ص -431-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لتفرق الصفقة واستشكل القول بتفرق الصفقة على قول الإمام; لأنه قال بانصرافه إلى الواحد فلا تفريق وأجاب في المعراج بأن انصرافه إلى الواحد مجتهد فيه والعوام لا علم لهم بالمسائل الاجتهادية فلا ينزل عالما فلا يكون راضيا, كذا في الفوائد الظهيرية وفيه نوع تأمل ا هـ.
وصرح في البدائع بلزوم البيع في الواحد, وهذا هو الظاهر وعندهما البيع في الكل لازم ولا خيار وصبرة الطعام مثال; لأن كل مكيل أو موزون أو معدود من جنس واحد إذا لم يكن مختلف القيمة كذلك, وكذا قوله كل صاع; لأنه لو قال كل صاعين أو ثلاثة, فإنه يصح بقدر ما سمي عنده وقيدنا بعدم تسمية ثمن الجميع; لأنه لو بينه, ولم يبين جملة الصبرة كما لو قال بعتك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم, فإنه يجوز في الجميع اتفاقا.
وفي تلخيص الجامع من باب الكيل يزيد أو ينقص اشترى على أنه كر فابتل قبل القبض أو جف وأمضى فالفضل والنقص له وعليه إن كانا بعد الكيل لملك الأصل كالولد والعمى وللبائع وعليه إن كانا قبله إذ الكيل كالإنشاء لإبهام قبله والمكيل كالجزاف وفاء بالإشارة والشرط, ولو اشترى قفيزا منه فما بعد الكيل كما قبله; لأنه مبهم ما لم يقبض حتى لم ينقصه التلف ما أبقى من الكر وجاز التبديل ما لم يجاوزه فلا يعلم الحدوث في الملك, فإنه قابله الجنس أفسده محمد في الطارئ حال الإبهام إذ التعيين كالإنشاء ولا يرى مبيحا بالغير والمثل ملحقا بالرطب والتمر ما يتفاوت في المال حتى المنقع دافعا للرطب بالرطب إذ التفاوت في غير المبيع إلى آخره وقيد بالبيع; لأنه في الإجارة والإقرار ينصرف إلى الواحد اتفاقا كما إذا قال أجرتك داري كل شهر بكذا وكل شهر سكن أوله لزمه. وإذا كفل إنسان بهذه الأجرة كل شهر بكذا فكل شيء لزم المستأجر لزم كفيله كما في كفالة الخانية ولك علي كل درهم وفي إقرار الخانية لو قال علي كل درهم من الدراهم يلزمه ثلاثة دراهم في قول أبي يوسف ومحمد وفي قياس قوله أبي حنيفة يلزمه عشرة, ولو قال على مع كل درهم درهم أو على درهم مع كل درهم يلزمه درهمان ا هـ.
وأما في التعليق فللكل اتفاقا كما إذا قال كل امرأة أتزوجها, وكذا لو قال كلما اشتريت هذا الثوب أو ثوبا فهو صدقة أو كلما ركبت هذه الدابة أو دابة وفرق أبو يوسف بين المنكر والمعرف في الكل, وتمامه في شرح الزيلعي من التعليق. وفي الخانية كلما أكلت اللحم فعلي درهم فعليه بكل لقمة درهم. وأما في الكفالة, فإن صدر القول من الكفيل كان للواحد كما إذا ضمن لها نفقتها كل شهر أو كل يوم لزمه نفقة واحدة عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف كما في

 

ج / 5 ص -432-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نفقات الخلاصة, وإن صدر من الآمر كما إذا قال ادفع عني كل شهر كذا فدفع المأمور أكثر من شهر لزم الآمر كما في كفالة الخانية وقد وضعت ضابطا فقهيا لم أسبق إليه لكلمة كل بعد تصريحهم بأنها لاستغراق أفراد ما دخلته في المنكر وأجزائه في المعرف هو أن الأفراد إن كانت مما لا تعلم نهايتها, فإن لم تفض الجهالة إلى المنازعة, فإنها تكون على أصلها من الاستغراق كمسألة التعليق والأمر بالدفع عنه وإلا. فإن كان لا يمكن معرفتها في المجلس فهي على الواحد اتفاقا كالإجارة والإقرار والكفالة وإلا, فإن كانت الأفراد متفاوتة لم تصح في شيء عنده كبيع قطيع كل شاة وصح في الكل عندهما كالصبرة والأصح في واحد عنده كالصبرة. وفي إقرار الخلاصة وغيرها الوصي إذا قال قبضت كل مال لفلان الميت على الناس فجاء غريم, وقال للوصي إني دفعت إليك كذا كذا درهما, وقال الوصي ما قبضت منك شيئا فالقول قول الوصي مع يمينه ا هـ. ثم رأيت بعد ذلك في آخر غصب الخانية من مسائل الإبراء لو قال كل غريم لي فهو في حل قال ابن مقاتل لا يبرأ غرماؤه; لأن الإبراء إيجاب الحق للغرماء وإيجاب الحقوق لا يجوز إلا لقوم بأعيانهم. وأما كلمة كل في باب الإباحة, فقال في الخانية من ذلك الباب لو قال كل إنسان تناول من مالي فهو حلال له قال محمد بن سلمة لا يجوز ومن تناول ضمن, وقال أبو نصر محمد بن سلام هو جائز نظرا إلى الإباحة والإباحة للمجهول جائزة ومحمد جعله إبراء عما تناوله والإبراء للمجهول باطل والفتوى على قول نصير ا هـ. ويمكن أن يقال في الضابط بعد قوله فهي على الواحد اتفاقا إن لم يكن فيه إيجاب حق لأحد, فإن كان لم يصح ولا في واحد كمسألة الإبراء وقدمنا في الطلاق الفرق بين قوله أنت طالق كل تطليقة وكل التطليقة, وفي باب الظهار الفرق بين أنت علي كظهر أمي كل يوم وفي كل يوم, ثم اعلم أن مفهوم قوله صح في واحد أنه فاسد فيما عداه ويرتفع الفساد بكيله في المجلس لارتفاع الجهالة, فإن تفرقا قبل الكيل وكيل بعد ذلك تقرر الفساد فلا يصح إلا باستئناف العقد عليه, كذا في السراج الوهاج.
ولو أشار إلى نوعين حنطة وشعير, فقال أبيعك هاتين الصبرتين كل قفيز بدرهم فالبيع جائز عند أبي حنيفة في قفيز واحد, وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز في الصبرتين جميعا, كذا في الكرخي وفي المنظومة فاسد في الجميع عند أبي حنيفة كذا في السراج الوهاج.
وفي المجتبى بعتك نصيبي من هذا الطعام بطل, وإن بين بعد ذلك. وكذا في الدار وهو قول زفر, ولو باع جزءا من خمسة أسهم أو سهما من خمسة أو نصيبي من خمسة أسهم أو سهما من خمسة أنصباء أو جزءا أو نصيبا منه جاز عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى استحسانا لا قياسا ا هـ.

 

ج / 5 ص -433-       ولو باع ثلة أو ثوبا كل شاة بدرهم أو كل ذراع بدرهم فسد في الكل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية من باب الاستحقاق رجل له ثلاثة أقفزة حنطة باع منها قفيزا, ثم باع منها قفيزا من رجل آخر, ثم باع منها قفيزا من ثالث, ثم كال لهم الأقفزة الثلاثة, ثم جاء رجل واستحق من الكل قفيزا, فإن المستحق يأخذ القفيز الثالث; لأن صاحب اليد حين باع القفيز الأول. والثاني فقد باع ما يملكه. وأما الثالث فقد باع ما لا يملكه ا هـ.
وفي الخانية رجل في يده كران فباع أحدهما من رجل, ولم يسلم حتى باع من آخر كرا و دفع إليه, ثم باع الكر الآخر من رجل آخر ودفعه إليه, ثم حضر المشتري الأول ووجد المشتريين جميعا, فإنه يأخذ ما كان في يد الثالث; لأن البائع بعدما باع الأول كان يملك الكر الثاني فإذا باع الآخر لثالث لم يجز بيعه, وإن لم يجد المشتري الثالث ووجد الثاني أخذ من الثاني نصف ما في يده, فإن حضر الثالث بعد ذلك أخذ الأول والثاني جميع ما في يده, ولو وجد الأول الثالث أخذ جميع ما في يده, وكذا لو كان مكان الكرين عبد ا هـ. ثم قال بعده, ولو كان معه قفيزا حنطة. وأما إذا باعها لثلاثة, ثم كالها فوجدها ناقصة فهل يكون النقصان من حصة الثالث أو على الثلاثة, فقال في الولوالجية رجل له سلعة وزنية ظن أنها أربعة آلاف من فباعها من أربعة أنفس لكل منهم ألف من بثمن معلوم فلما وزنوا وجدوا ذلك ناقصا من المقدار المقدر بكثير فهذا على وجهين إن باع منهم معا لهم الخيار إن شاء أخذ كل واحد منهم ما يخصه من الثمن, وإن شاءوا تركوا ورجعوا بالثمن; لأنه تغير شرطهم, فإن باع منهم على التعاقب فالنقصان على الآخر ا هـ. والظاهر أن الشيء الكيلي كالوزني.
وفي المصباح الصبرة من الطعام جمعها صبر كغرفة وغرف وعن ابن دريد اشتريت صبرة أي بلا كيل ولا وزن ا هـ.
والقفيز مكيال يسع ثمانية مكاييك والجمع أقفزة وقفزان والقفيز من الأرض عشر الجريب ا هـ.
والوقر بالكسر حمل البعير ويستعمل في البعير وبالفتح ثقل السمع ا هـ.
قوله: "ولو باع ثلة أو ثوبا كل شاة بدرهم أو كل ذراع بدرهم فسد في الكل" يعني عند أبي حنيفة خلافا لهما; لأن رفع هذه الجهالة بيدهما وله ما قدمناه من أن الأفراد إذا كانت متفاوتة لم يصح في شيء وقطع ذراع من الثوب وجب للضرر فلم يجز كبيع جزع من سقف وعلى هذا كل عددي متفاوت كالبقر والإبل والعبيد والبطيخ والرمان والسفرجل وفي المعراج البيض كالرمان قياسا واستحسانا كالقفزان ا هـ.

 

ج / 5 ص -434-       ولو سمى الكل في الكل صح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية باع نصف خشبة مقلوعة أو نصف عمارة مشاعا جاز, وإن كان في قسمته ضرر ا هـ. فليس كل ضرر يفسد البيع فلو علم بالعدد قبل الافتراق فله الخيار قيد بعدم ثمن تسمية الكل; لأنه لو سمى ثمن الكل كما إذا قال بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم كل ذراع بدرهم, فإنه جائز في الكل اتفاقا كما لو سمى جملة الذرعان أو القطيع وأطلق الثوب وقيده العتابي في شرح الجامع الصغير بثوب يضره التبعيض أما في ثوب الكرباس فينبغي أن يجوز عنده في ذراع واحد كما في الطعام الواحد. كذا في غاية البيان.
وفي القنية اشترى ذراعا من خشبة أو ثوب من جانب معلوم لا يجوز, ولو قطعه وسلمه أيضا لا يجوز إلا أن يقبل وعن أبي يوسف جوازه وعن محمد أنه فاسد ولكن لو قطع وسلم فليس للمشتري الامتناع وعلى هذا لو باع غصنا من شجرة من موضع معلوم حتى لو اشترى الأوراق بأغصانها وكان موضع قطعها معلوما ومضى وقتها فليس للمشتري أن يسترد الثمن ا هـ.
وقيد بقوله كل شاة بدرهم; لأنه لو اشترى الرجل غنما أو بقرا أو عدل زطي كل اثنين من ذلك بعشرة دراهم فهو باطل إجماعا; لأن كل شاة لا يعرف ثمنها إلا بانضمام غيرها إليها وأنه مجهول لا يدرى, وإن كان ذلك في مكيل أو موزون أو عددي متقارب جاز كما في الخانية وفي القاموس الثلة جماعة الغنم أو الكثيرة منها أو من الضأن خاصة والجمع كبدر وسلال ا هـ.
وفي السراج الوهاج قال الحلواني رحمه الله تعالى الأصح أن عند أبي حنيفة إذا أحاط علمه بعدد الأغنام في المجلس لا ينقلب العقد صحيحا لكن لو كان البائع على رضاه ورضي المشتري ينعقد البيع بينهما بالتراضي, كذا في الفوائد الظهيرية ونظيره البيع بالرقم. ا هـ. وفي البدائع وعلى هذا الخلاف الوزني الذي في تبعيضه ضرر كالمصوغ من الأواني والعلب ا هـ.
قوله: "ولو سمى الكل في الكل صح" أي لو سمى جملة المبيع صح في المثلي والقيمي لزوال المانع أطلقه فشمل ما إذا سمى في العقد أو بعده بشرط المجلس وبعده لا; لأن ساعات المجلس تعتبر ساعة واحدة دفعا للسعر فالعلم في المجلس كالعلم حالة العقد ولا ينقلب جائزا بالعلم بعد المجلس لتقرر الفساد للجهالة وما في المحيط عن بعض المشايخ أن عنده يصح في الكل, وإن علم بعد المجلس بعيد لما قررناه وشمل تسمية جميع الثمن وجميع المبيع لما قدمنا أن تسمية جملة الثمن كافية للصحة كتسمية المبيع, وقد صرح به في السراج الوهاج.

 

ج / 5 ص -435-       وإن نقص كيل أخذ بحصته أو ترك, وإن زاد فللبائع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي القنية اشترى من البقول عشرة أمناء من الجزر من جزر له كثير صح كعشرة أقفزة من الحنطة; لأن المشاحة لا تجري فيه, ولو قال على أن اختار منها لا يصح قال اشتريت منك ألف من من هذه الحنطة فوزنت, وإذا هي خمسمائة قيل صح في الموجود وقيل لا; لأن الفساد قوي فيتعدى إليه سس صح في الموجود اتفاقا, وكذا في العدديات المتقاربة, وإنما الخلاف في العدديات المتفاوتة إذا وجدها أنقص وفي البدائع لو قال بعت منك هذا القطيع كل شاتين بعشرين فالبيع فاسد في الكل إجماعا, وإن علم المشتري العدد في المجلس واختار.
قوله: "وإن نقص كيل أخذ بحصته أو ترك, وإن زاد فللبائع" متفرع على قوله, وإن سمى الكل يعني إذا سمى الجملة لو نقص عما سماه في المثليات خير لتفرق الصفقة عليه فلم يتم رضاؤه بالموجود, وإن زاد شيء عليه فهو للبائع; لأن البيع وقع على مقدار معين والقدر ليس بوصف وفي غاية البيان, وكذا الحكم في كل مكيل أو موزون ليس في تبعيضه ضرر قيد بكونه بيع مكايلة; لأنه لو اشترى حنطة مجازفة في البيت فوجد تحتها دكانا فله الخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن, وإن شاء تركها, وكذا لو اشترى بئرا من حنطة على أنها كذا, وكذا ذراعا فإذا هي أقل من ذلك فله الخيار, ولو كان طعاما في حب فإذا نصفه تبن يأخذه بنصف الثمن; لأن الحب وعاء يكال فيه فصار البيع حنطة مقدرة والبيت والبئر لا يكال بهما فصار المبيع حنطة غير مقدرة ولكن البائع أطعمه في شيء فوجد بخلافه, وإذا يوجب الخيار, ولو اشترى سمكة على أنها عشرة أرطال ووزن البائع عليه فوجد المشتري في بطنها حجرا يزن ثلاثة أرطال فهو بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن, وإن شاء ترك; لأن الوزن هاهنا جار مجرى الجودة والوزن قد يجري مجرى الصفة في بعض الأشياء كما في اللآلئ والجواهر وهاهنا كذلك وفوات الوزن بمنزلة العيب, فإن شواها قبل أن يعلم والمسألة بحالها تقوم السمكة عشرة أرطال وتقوم سبعة فيرجع بحصة ما بينهما من الثمن; لأنه تعذر الرد بالعيب فيرجع بنقصان العيب, كذا في المحيط ومسألة السمكة خارجة عن حكم الموزونات, فإن الحكم في الموزونات التخير عند النقصان إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن, وإن شاء ترك وحكمها التخيير بين الأخذ بجميع الثمن أو الفسخ ولا خصوصية للسمكة بل كل موزون في تبعيضه ضرر كذلك, ولذا قال في الخانية رجل باع لؤلؤة على أنها تزن مثقالا فوجدها أكثر سلمت للمشتري; لأن الوزن فيما يضره التبعيض وصف بمنزلة الذرعان في الثوب ا هـ.
وفي الخلاصة اشترى طستا على أنه عشرة أمناء فبان بعد القبض أنه خمسة أمناء خير المشتري; لأنه بمنزلة العيب, فإن حدث به عيب عنده وأبى البائع قبوله قوم طشت من عشرة أمناء

 

ج / 5 ص -436-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثلا بعشرين وقوم من خمسة أمناء بعشرة أمناء فالعيب ينقص خمسة ا هـ. والقول للقابض في الزيادة والنقصان وعليها يتفرع ما في الخانية, ولو باع من آخر إبريسما فوزنه البائع على المشتري فذهب به المشتري, ثم جاء بعد مدة, وقال وجدته ناقصا إن كان يعلم أنه انتقص من الهواء لا شيء على البائع, وكذا لو كان النقصان مما يجري بين الوزنين, وإن لم يكن النقصان من الهواء ولا يجري بين الوزنين, فإن لم يكن المشتري أقر أنه قبض كذا أمناء فله أن يمنع حصة النقصان من الثمن إن كان لم ينقده الثمن, فإن كان نقده الثمن رجع عليه بذلك القدر, وإن كان المشتري أقر أنه قبض كذا أمناء, ثم قال وجدته أقل من ذلك فليس له أن يمنع من البائع شيئا من الثمن ولا يسترده ا هـ.
وأطلقه فشمل ما إذا كان المسمى مشروطا باللفظ أو بالعادة لما في البزازية اتفق أهل البلدة على سعر الخبز واللحم وشاع على وجه لا يتفاوت فأعطى رجل ثمنا واشتراه وأعطاه أقل من المتعارف إن كان من أهل البلدة يرجع بالنقصان فيهما من الثمن, وإن كان من غير أهلها رجع في الخبز; لأن التسعير فيه متعارف فيلزم الكل لا في اللحم فلا يعم ا هـ.
وفي البزازية أيضا اشترى عنب كرم على أنه ألف من فظهر أنه تسعمائة طالب البائع بحصة مائة من من الثمن وعلى قياس قول الإمام يفسد العقد في الباقي وكان قاضي الحرمين يروي عن الإمام من جنس هذا وأفتى الحلواني والسرخسي على أن العقد يصح فيما وجد وبه أفتى الصدر الشهيد وفي المحيط اشترى نصف ما في الكرم المعين من العنب الذي على الكرم على أنه خمسمائة من يجوز وجد ذلك القدر أو أقل أو أكثر, وذكر اللامشي إنما يجوز إذا وجد خمسمائة.
ولو قال بعت ألف من من هذا الكرم إن كان العنب من نوع واحد يجوز وفي الملتقط جواز شراء العنب من الكرم إذا سمى أنه كذا كذا كوارة, وذكرها وينظر المقومون لتقدير القيمة, فإن شرط أنها كذا كذا كوارة يجوز فيها بشرائط السلم وإلا فلا وعلى المشتري ضمان ما أتلفه ولا شيء من ثمن الباقي إذا كان العقد جائزا ولا يشترط فيه ذكرها وعددها فإذا وجده زائدا أو ناقصا لا شيء لأحدهما على الآخر; لأنه اشترى الجملة بلا تقدير ا هـ. وفي المحيط لو اشترى كرا على أنه عشرة أقفزة فكاله فوجده أكثر من عشرة فالزيادة للبائع; لأن قدر المبيع عشرة أقفزة فإذا كاله ثانيا فوجده أنقص لا يكملها; لأنه ظهر قدر المبيع بالكيل الأول وصار مسلما فلا يعتبر الكيل الثاني, وإن كاله فوجده أنقص من عشرة يطرح من ثمنه, وإن شاء أخذ الباقي بحصته من الثمن, وإن شاء ترك, فإن كاله ثانيا فوجده عشرة لا يزيد على الثمن ولا يبطل

 

ج / 5 ص -437-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خياره والعبرة للكيل الأول. ا هـ. ويعلم منه حكم الموزونات.
وفي تلخيص الجامع باب شراء الظرف بما فيه والطعام والقيمي اشترى زق زيت بما فيه على أنهما مائة رطل فإذا الزق أثقل من المعتاد خير للتقدير, ولو كان عشرين حط ثمن ما خص الزيت إن كان الزيت سبعين بعد قسمة الثمن على قيمة الزيت أو قيمة ثمانين رطل زيت والتخيير ورد عشرين إن كان مائة صرفا للنقص والفضل إلى الزيت إذ القدر أصل فيه دون الزق كأنه قال والزق ما وجد والزيت تكملة المائة, ولو كان مكان الزق سمن حط ثلاثة أخماس ما خصه ورد سبعي الزيت بعد قسمة الثمن على قيمة خمسين من كل فرد; لأن القدر أصل فيهما فاقتسماه كما في البيع بألف مثقال ذهب وفضة. ولو كان الزق مائة والزيت خمسين فسد لجهالة الثمن أو شرط المعدوم إذ لا تنقيص في الزق ولا عقد في غير المائة, ولو اشترى الأغنام العشر والقفزان العشرة على أن كل شاة وقفيز بدرهم فإذا القفزان تسعة رد الكل إذ لم تتم الصفقة أو حط عشرة قسط الطعام بعد قسمة كل درهم على شاة وقفيز وأمضى لزوال الجهل بفرض التساوي, ولو كانت الأغنام تسعة فسد في قفيز عندهما وفي الكل عنده لشرط الربا إذا لم يقابل قسط ما فات مالا وتمامه فيه والزق بالكسر الظرف. كذا في المصباح.
أطلق في تخييره عند النقصان عما سماه وقيده قاضي خان في فتاواه, فقال: وإن اشترى مكيلا أو موزونا على أنه كذا فوجده أقل جاز البيع فيما وجد وهل يخير المشتري إن كان لم يقبض المشتري المبيع أو قبض البعض كان له أن يرده, وإن كان قبض الكل لا يخير ا هـ. ثم اعلم أن في صورة النقصان إنما يسقط حصة النقصان إذا لم يكن المبيع مشاهدا له, فإن كان مشاهدا له انتفى الغرور, ولهذا قال قاضي خان في فتاواه اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع ولا خيار للمشتري; لأن هذا مما يعرف بالعيان فإذا عاينه انتفى الغرور وهو كما لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من الدهن فظهر أنه متخذ من أقل من ذلك والمشتري ينظر إلى الصابون وقت الشراء, وكذا لو اشترى قميصا على أنه اتخذ من عشرة أذرع وهو ينظر إليه فإذا هو من تسعة جاز البيع ولا خيار للمشتري لما قلنا ا هـ.
وأطلق في الزيادات وقيدها في المجتبى بما لا يدخل تحت الكيلين أو الوزنين وما يدخل بينهما لا يجب رده واختلف في قدر ما يدخل بينهما فقيل نصف درهم في مائة وقيل دانق في مائة لا حكم له وعن أبي يوسف دانق في عشرة كثير وقيل ما دون حبة عفو في الدينار وفي القفيز المعتاد في زماننا نصف من. ا هـ.

 

ج / 5 ص -438-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقيد بكون الزيادة كانت مختلطة في المبيع وقت البيع; لأنها لو حدثت في المبيع كما إذا زادت الحنطة بالبل. فإن كان مشارا إليه بيع بشرط الكيل تكون للبائع إن حدثت قبل الكيل, وإن بعده فللمشتري; لأن قدر المبيع لا يظهر إلا بالكيل فتكون الزيادة قبل الكيل حادثة على ملك البائع وبعده حادثة على ملك المشتري, وإن لم يكن مشارا إليه فالحادثة بعد الكيل قبل القبض للبائع وبعد القبض للمشتري وتمام تفريعاته في المحيط وسيأتي أن القيمي إذا وجده ناقصا أو زائدا فسد البيع إن لم يبين ثمن كل.
وفي الخانية باع أرضا على أن فيها كذا كذا نخلة فوجدها المشتري ناقصة جاز البيع ويخير المشتري إن شاء أخذها بجميع الثمن, وإن شاء ترك; لأن الشجر يدخل في بيع الأرض تبعا ولا يكون له قسط من الثمن, وكذا لو باع دارا على أن فيها كذا كذا بيتا فوجدها ناقصة جاز البيع ويخير على هذا الوجه. وكذا لو باع دارا على أن فيها كذا كذا نخلة عليها ثمارها فباع الكل بثمارها وكان فيها نخلة غير مثمرة فسد البيع; لأن الثمر له قسط من الثمن فإذا كانت الواحدة غير مثمرة لم يدخل المعدوم في البيع فصارت حصة الباقي مجهولة فيكون هذا ابتداء عقد في الباقي بثمن مجهول فيفسد البيع كما لو باع شاة مذبوحة فإذا رجلها من الفخذ مقطوعة فسد البيع; لأن الفخذ له قسط من الثمن ا هـ. وقيد بكونه سمى جملة القفزان على التعيين; لأنه لو سماها على الإبهام كما لو باع صبرة على أنها أكثر من عشرة أقفزة, فإن وجدها كذلك جاز البيع, وإن وجدها عشرة أو أقل من عشرة لا يجوز البيع, ولو باعها على أنها أقل من عشرة فوجدها كذلك جاز, وإن وجدها عشرة أو أكثر لا يجوز البيع وعن أبي يوسف أنه يجوز البيع, ولو اشترى دارا على أنها عشرة أذرع جاز البيع في الوجوه كلها, كذا في الخانية وفي القنية عد الكواغد فظنها أربعة وعشرين وأخبر البائع به, ثم أضاف العقد إلى عينها, ولم يذكر العدد, ثم ازدادت على ما ظنه فهي حلال للمشتري وفي فتاوى صاعد1 ساومه الحنطة كل قفيز بثمن معين وحاسبوا فبلغ ستمائة درهم فغلطوا وحاسبوا المشتري بخمسمائة وباعوها منه بخمسمائة, ثم ظهر أن فيها غلطا لا يلزمه إلا خمسمائة أفرز القصاب أربع شياه, فقال بائعها هي بخمسة كل واحدة بدينار وربع فذهب القصاب فجاء بأربع دنانير, فقال للبائع هل بعت هذه بهذا القدر والبائع يعتقد أنها خمسة قال صح البيع قال رضي الله تعالى عنه, وهذا إشارة إلى أنه يصح بأربعة ولا يعتبر ما سبق إن كل واحدة بدينار وربع ا هـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكرها في كشف الظنون من غير نسبة لأحد "2/1224".

 

ج / 5 ص -439-       وإن نقص ذراع أخذ بكل الثمن أو ترك, وإن زاد فللمشتري ولا خيار للبائع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"فرع" لطيف من أيمان خزانة الفتاوى مناسب للوزنيات:
اشترى منا من اللحم, فقالت هذا أقل من من وحلفت عليه, وقال الزوج إن لم يكن منا فأنت طالق فالحيلة فيه أن يطبخ قبل أن يوزن فلا يحنثان ا هـ.
قوله: "وإن نقص ذراع أخذ بكل الثمن أو ترك, وإن زاد فللمشتري ولا خيار للبائع"; لأن الذرع في المذروع وصف; لأنه عبارة عن الطول فيه لكنه وصف يستلزم زيادة أجزاء, فإن لم يفرد بثمن كان تابعا محضا فلا يقابل بشيء من الثمن فإذا قال على أنها مائة ذراع بمائة, ولم يزد فوجدها أنقص كان عليه جميع الثمن, وإنما يتخير لفوات الوصف المشروط المرغوب فيه كما إذا اشتراه على أنه كاتب فوجده غير كاتب, وإن وجدها أزيد فللمشتري الزيادة ولا خيار للبائع كما إذا باعه على أنه معيب فإذا هو سليم. وقد ذكر المشايخ في التفريق بين القدر وهو الأصل والوصف حدودا فقيل ما يتعيب بالتبعيض والتشقيص فالزيادة والنقصان فيه وصف وما لا يتعيب بهما فالزيادة والنقصان فيه أصل وقيل الوصف ما لوجوده تأثير في تقوم غيره ولعدمه تأثير في نقصان غيره والأصل ما لا يكون بهذه المثابة وقيل ما لا ينقص بالباقي لفواته فهو أصل وما ينقص الباقي بفواته فهو وصف, وهذا مع الثاني متقاربان فبهذا علم أن القدر في المكيلات والموزونات أصل والذرع في المذروعات وصف وثمرة كون الذرع وصفا والقدر أصلا تظهر في مواضع منها ما ذكر في الكتاب. ومنها أنه لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل الكيل والوزن إذا اشتراه بشرط الكيل والوزن ويجوز به في المذروع قبل الذرع سواء اشتراه مجازفة أو بشرط الذرع, ومنها أن بيع الواحد باثنين لا يجوز في المكيلات والموزونات ويجوز في المذروعات, كذا في المعراج إلا إذا بين لكل ذراع ثمنا, فإنه لا يتصرف قبل الذرع كما في المحيط وفيه الوصف لا يقابله شيء من الثمن كما إذا أعور المبيع في يد البائع قبل التسليم لم يسقط شيء من الثمن, وكذا إذا أعورت في يد المشتري فله البيع مرابحة بلا بيان إلا إذا كان مقصودا بالتناول حقيقة أو حكما إما حقيقة بأن قطع البائع يد العبد قبل القبض, فإنه يسقط نصف الثمن; لأنه صار مقصودا بالقطع والحكمي بأن يمتنع الرد لحق البائع كما إذا تعيب المبيع عند المشتري أو لحق الشرع كما إذا خاط المبيع بأن كان ثوبا, ثم وجد به عيبا فالوصف متى كان مقصودا بأحد هذين الوجهين يأخذ قسطا من الثمن. كذا في الفوائد الظهيرية وفي إيضاح الإصلاح وليس المراد من الوصف ما يوجب الحسن والقبح فيما قام به يفصح عن هذا قولهم إن الوزن فيما يضره التبعيض وصف وفيما لا يضره قدر مع عدم الاختلاف في الحسن والقبح ا هـ.

 

ج / 5 ص -440-       ولو قال كل ذراع بكذا ونقص أخذ بحصتها أو ترك, وإن زاد أخذ كله كل ذراع بكذا أو فسخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وظاهر قوله, وإن زاد فللمشتري أن الزيادة تسلم له قضاء وديانة وحكى خلافا فيه في المعراج, فقال في فتاوى النسفي وأمالي قاضي خان لا تسلم له الزيادة ديانة وفي شرح أبي ذر والجامع الأصغر عن أسد وأبي حفص وأبي الليث لا يردها ديانة وفي العمدة لو اشترى حطبا على أنه عشرون وقرا فوجده ثلاثين طابت له الزيادة كما في الذرعان ا هـ. وفرع الحطب مشكل وينبغي أن يكون من قبيل القدر; لأنه لا يتعيب بالتبعيض فينبغي أن تكون الزيادة للبائع خصوصا إن كان من الطرفاء التي تعورف وزنها بالقاهرة.
وفي الخانية رجل قال أبيعك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف وهو ثلاثة عشر ذراعا فإذا هو خمسة عشر, فقال البائع غلطت لا يلتفت إليه ويكون الثوب للمشتري بالثمن المسمى قضاء وفي الديانة لا تسلم له الزيادة ا هـ.
قوله: "ولو قال كل ذراع بكذا ونقص أخذ بحصتها أو ترك, وإن زاد أخذ كله كل ذراع بكذا أو فسخ" لما قدمنا أنه, وإن كان وصفا إذا أفرد بثمن صار أصلا وارتفع عن التبعية فنزل كل ذراع منزلة ثوب فإذا وجدها ناقصة خير; لأنه لو أخذها بكل الثمن لم يكن آخذا كل ذراع بدرهم, ولو وجدها زائدة لم تسلم له لصيرورتها أصلا فخير بين أن يأخذ الزائد بحصته وبين أن يفسخ لرفع الضرر عن التزام الزائد وأورد عليه ينبغي فساد العقد في صورة النقصان عند أبي حنيفة كما هو أحد قولي الشافعي للجمع بين الموجود والمعدوم كما إذا اشترى ثوبين هرويين فإذا أحدهما مروي وأجيب بأن الذرع, وإن صار أصلا بإفراد الثمن هو وصف حقيقة فكان أصلا من وجه دون وجه فمن حيث إنه أصل لا تسلم له الزيادة, ومن حيث إنه وصف لم يفسد العقد فيما إذا وجد ناقصا بخلاف تلك المسألة, فإن الثوبين أصل من وجه. وبهذا الجواب اندفع ما أورد من أنه ينبغي أن يكون أصلا, وإن لم يفرد لكل ذراع ثمن; لأنه لما قابل عشرة بعشرة مثلا انقسم الآحاد على الآحاد فيصير بسبب المقابلة كأنه أفرد, وحاصل الجواب أنه لما اجتمع فيه الأصالة والوصفية جعلناه أصلا عند الإفراد ووصفا عند تركه صريحا عملا بالشبهين, كذا في المعراج وأورد أيضا على القول بأصالته عند إفراد ثمنه لزوم امتناع دخول الزيادة في العقد كما في الصبرة مع أنكم جوزتم أخذ الجميع بحكم البيع وأجيب عنه للفرق بينهما وهو أن الزيادة لو لم تدخل في العقد فسد; لأنه يصير بعض الثوب وأنه لا يجوز بخلاف الصبرة; لأنها لو لم تدخل لم يفسد العقد كما في الفوائد الظهيرية.

 

ج / 5 ص -441-       وفسد بيع عشرة أذرع من دار لا أسهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطلق في المذروع فشمل الثوب والأرض والحطب والدار, فلو قال بعتك هذه الأرض على أنها ألف ذراع بألف فوجدها زائدة أو ناقصة فالبيع صحيح وله الزيادة بلا خيار وله الخيار مع النقصان, وإن أفرد لكل ذراع ثمنا خير في صورة الزيادة وسقطت حصة النقصان, كذا في البدائع قال وعلى هذا الموزونات التي في تبعيضها ضرر بأن قال بعت منك هذه السبيكة من الذهب على أنها مثقالان بكذا جاز البيع, فإن وجدها أزيد أو أنقص فهو كالمذروعات. وكذا إذا باع مصوغا من نحاس أو صفر فهو على هذا التفصيل المذكور; لأن الوزن في مثله يكون ملحقا بالصفة; لأن تبعيضه يوجب تعييب الباقي, وهذا حد الصفة, ولو باع مصوغا من الفضة وزنه مائة بدنانير, ولم يسم لكل عشرة ثمنا على حدة وتقابضا جاز, فإن وجده أزيد فالكل للمشتري, وإن وجده أقل خير, وإن سمى لكل عشر ثمنا على حدة بأن قال وكل وزن عشرة بدينار, فإن وجده أزيد, فإن علم قبل التفريق خير إن شاء زاد في الثمن, وإن شاء ترك, وإن علم بعده بطل بقدر الزيادة وله الخيار فيما بقي; لأن الشركة فيه عيب إن وجده ناقصا خير قبل التفرق وبعده إن شاء رده, وإن شاء رضي به بقسطه من الثمن, وكذا لو باع مصوغا من ذهب بدراهم فهو على هذا التفصيل, ولو باع مصوغا بجنسه مثل وزنه فوجده أزيد, فإن علم بها قبل التفرق فله الخيار إن شاء زاد في الثمن قدرها, وإن شاء ترك, وإن علم بها بعد التفرق بطل لفقد القبض في قدرها, وإن وجده أقل فله الخيار إن شاء رضي به واسترد الفضل, وإن شاء رد الكل سواء سمى لكل وزن درهم درهما أو لا; لأن عند اتحاد الجنس لا بد من المساواة ا هـ.
وفي دعوى البزازية ادعى زندبيجا طوله بذرعان خوارزم كذا وشهدا بذلك كذلك بحضرة الزندبيجي فذرع فإذا هو أزيد أو أنقص بطلت الشهادة والدعوى كما إذا خالف سن الدابة الدعوى أو الشهادة وقولهم الذرع وصف فيلغو في الحاضر ذلك في الأثمان والبيع لا في الدعوى والشهادة, فإنهما إذا شهدا بوصف فظهر بخلافه لم يقبل, وذكر أيضا ادعى حديدا مشارا إليه, وذكر أنه عشرة أمناء فإذا هو عشرون أو ثمانية تقبل الدعوى والشهادة; لأن الوزن في المشار إليه لغو ا هـ.
قوله: "وفسد بيع عشرة أذرع من دار لا أسهم", وهذا عند أبي حنيفة, وقالا هو جائز كما لو باع عشرة أسهم من دار ومبنى الخلاف في مؤدى التركيب فعندهما شائع كأنه باع عشر مائة وبيع الشائع جائز اتفاقا وعنده مؤداه قدر معين والجوانب مختلفة الجودة فتقع المنازعة في تعيين مكان العشرة فيفسد البيع فلو اتفقوا على مؤداه لم يختلفوا فهو نظير اختلافهم في نكاح الصابئة. فالشأن في ترجيح المبنى هو يقول الذراع اسم لما يذرع به فاستعير لما يحله وهو

 

ج / 5 ص -442-       ومن اشترى عدلا على أنه عشرة أثواب فنقص أو زاد فسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معين بخلاف عشرة أسهم; لأن السهم اسم للجزء الشائع فكان المبيع عشرة أجزاء شائعة من مائة سهم أطلقه فشمل ما إذا بين جملة الذرعان كأن يقول من مائة ذراع أو لم يبين وبه اندفع قول الخصاف إن محل الفساد عنده فيما إذا لم يبين جملتها وليس بصحيح, ولهذا صور المسألة في الهداية فيما إذا سمى جملتها لكن اختلف المشايخ على قولهما فيما إذا لم يسم جملتها والصحيح الجواز عندهما; لأنها جهالة بأيديهما إزالتها وقوله لا أسهم معناه لا يفسد بيع عشرة أسهم من دار وهو مقيد بما إذا سمى جملتها; لأن عند عدمها يفسد البيع للجهالة; لأنه لا يعرف نسبته إلى جميع الدار فلو قال وفسد بيع عشرة أذرع من مائة ذراع من دار لا أسهم لكان أولى ولفهم الفساد في الذرعان عند عدم التسمية للكل بالأولى ولكن اختصاره أداه إلى الإجحاف والحمام والأرض كالدار كما في البدائع.
وفي المعراج قال بعتك ذراعا من هذه الدار إن عين موضعه بأن قال من هذا الجانب إلا أنه لا يميز بعد والعقد غير نافذ حتى لا يجبر البائع على التسليم, وإن لم يعين فعلى قول أبي حنيفة لا يجوز وعلى قولهما يجوز وتذرع, فإن كانت عشرة أذرع صار شريكا بمقدار عشر الدار وبه قال الشافعي, ولو باع سهما من دار فله تعيين موضعه. وذكر الحلواني أنه لا يجوز إجماعا وفي نسخة فيه اختلاف المشايخ على قولهما والأصح أنه يجوز, كذا في المغني ا هـ.
وفي الخانية, ولو اشترى عشرة أجربة من مائة جريب من هذه الأرض أو عشرة أذرع من مائة ذراع من هذه الدار لا يجوز في قول أبي حنيفة.
قوله: "ومن اشترى عدلا على أنه عشرة أثواب فنقص أو زاد فسد" لجهالة المبيع في الزيادة وجهالة الثمن في النقصان لاحتياجه إلى إسقاط ثمن المعدوم والمراد من هذه المسألة أنه اشترى عددا من قيمي ثيابا أو غنما كما في الجوهرة وقدمنا أنه لو اشترى أرضا على أن فيها كذا نخلا مثمرا فوجد فيها نخلة لا تثمر فسد البيع.
وفي المغرب عدل الشيء مثله من جنسه وفي المقدار أيضا, ومنه عدلا الحمل وعدله بالفتح مثله من خلاف جنسه وفي الخانية لو اشترى غنما أو عدل زطي واستثنى منه شاة أو ثوبا بغير عينه لا يجوز, ولو استثنى واحدا بعينه جاز ا هـ. وفيها أحد الشريكين في الدار إذا باع بيتا معينا من الجملة لا يجوز كبيع نصف بيت معين شائعا, وكذا لو باع من الأغنام المشتركة نصف واحد معين لا يجوز, وكذا لو كان بينهما أرض ونخل فباع أحدهما قطعة معينة من رجل قبل القسمة, ولو اختلفا في عدد الثياب المبيعة عند زيادته تحالفا كما في الظهيرية.

 

ج / 5 ص -443-       ولو بين ثمن كل ثوب ونقص صح بقدره وخير, وإن زاد فسد, ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم أخذه بعشرة في عشرة ونصف بلا خيار وبتسعة في تسعة ونصف بخيار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولو بين ثمن كل ثوب ونقص صح بقدره وخير, وإن زاد فسد"; لأنه إذا قال ثوب بكذا فلا جهالة مع النقصان ولكن للمشتري الخيار لتفرق الصفقة عليه, ولم يجز في الزيادة; لأن جهالة المبيع لا ترتفع به لوقوع المنازعة في تعيين العشرة المبيعة من الأحد عشر وقيل عند أبي حنيفة لا يجوز في فصل النقصان أيضا وليس بصحيح بخلاف ما إذا اشترى ثوبين على أنهما مرويان فإذا أحدهما مروي والآخر هروي حيث لا يجوز فيهما, وإن بين ثمن كل واحد منهما; لأنه جعل القبول في المروي شرطا في العقد في الهروي وهو شرط فاسد ولا قبول يشترط في المعدوم فافترقا وفي البزازية اشترى عدلا على أنه كذا فوجده أزيد والبائع غائب يعزل الزائد ويستعمل الباقي; لأنه ملكه. ا هـ. وكأنه استحسان وإلا فالبيع فاسد لجهالة المزيد, وقد صرح في الخانية والقنية بأن محمدا قال فيه أستحسن أن يعزل ثوبا من ذلك ويستعمل البقية وفيها قبله اشترى شيئا فوجده أزيد فدفع الزيادة إلى بائع فالباقي حلال له في المثليات وفي ذوات القيم لا يحل له حتى يشتري منه الباقي إلا إذا كانت تلك الزيادة مما لا تجري فيها الضنة فحينئذ يعذر ا هـ. وهو يقتضي عدم الحل عند غيبة البائع بالأولى فهو معارض للنقل الآخر في الثياب, والله أعلم.
قوله: "ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم أخذه بعشرة في عشرة ونصف بلا خيار وبتسعة في تسعة ونصف بخيار" عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف يأخذه في الوجه الأول بأحد عشر إن شاء وفي الثاني بعشرة, وقال محمد في الأول يأخذه بعشرة ونصف إن شاء وفي الثاني بتسعة ونصف ويخير; لأن من ضرورة مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه فيجري عليه ولأبي يوسف أنه لما أفرد كل ذراع ببدل نزل كل ذراع منزلة ثوب على حدة, وقد انتقص ولأبي حنيفة أن الذراع وصف في الأصل, وإنما أخذ حكم المقدار بالشراء وهو مقيد بالذراع فعند عدمه عاد الحكم إلى الأصل وقيل في الكرباس الذي لا يتفاوت جوانبه لا يطيب للمشتري ما زاد على المشروط; لأنه بمنزلة الموزون حيث لا يضره الفصل وعلى هذا قالوا يجوز بيع ذراع منه. كذا في الهداية وفي الذخيرة قول أبي حنيفة أصح, ومن المشايخ من اختار قول محمد وهو أعدل الأقوال كما لا يخفى.
والكرباس بكسر الكاف فارسي معرب والجمع الكرابيس وهو الثياب, ومنه سمي الإمام الناصحي بالكرابيسي صاحب الفروق.

 

ج / 5 ص -444-       فصل.
 يدخل البناء والمفاتيح في بيع الدار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
"يدخل البناء والمفاتيح في بيع الدار". لأن الأصل أن ما كان في الدار من البناء أو متصلا بالبناء تبعا لها فهو داخل في بيعها فيدخل السلم المتصل والسرير والدرج المتصلة والحجر الأسفل من الرحا, وكذا الأعلى استحسانا إذا كانت مركبة في الدار, لا المنقولة.
وفي الخانية لو اشترى بيت الرحا بكل حق هو له أو بكل قليل وكثير هو فيه ذكر محمد في الشروط أن له الأعلى والأسفل, وكذا لو كان فيه قدر النحاس موصولا بالأرض وقيل الأعلى لا يدخل.
وفي الظهيرية إذا كان المبيع دارا فرحا الإبل للبائع, وإن كان ضيعة كان الرحا للمشتري; لأن ذلك بعد من توابع الضيعة ا هـ. وذكر قبله إن رحى الإبل وآلاتها للبائع, ولو ذكر الحقوق. وأما رحى الماء فللمشتري إذا باعها بحقوقها وتدخل البئر الكائنة في الدار وبكرتها التي عليها لا الدلو والحبل إلا إذا قال بمرافقها. وأما البكرة فداخلة مطلقا; لأنها مركبة بالبئر, ولو باع نصف دهليز من شريكه أو من غيره يدخل نصف الباب كذا في القنية ويدخل الباب المركب لا الموضوع فلو اختلفا في باب الدار فادعاه كل منهما, فإن كان مركبا متصلا بالبناء فالقول للمشتري سواء كانت الدار في يده أو في يد البائع, فإن كان مقلوعا, فإن كانت في يد البائع فالقول له وإلا فللمشتري; لأنه كالمتاع الموضوع فيها فالقول فيه لذي اليد, كذا في الخانية بخلاف البكرة في الحمام لانفصالها. كذا في المحيط ويدخل ما فيها من البستان, ولو كبيرا لا الخارج عنها, ولو كان له باب وتدخل الأرض التي تحت الحائط فيما إذا اشتراها كالأساس وتدخل القدور في بيع الحمام دون القصاع, وإن ذكر المرافق بخلاف قدور الصباغ والقصار وإجانة الغسال وخابية الزيات وحبالهم ودنانهم, ولو كانت مدفونة كالصندوق المثبت في البناء وجذع القصار الذي يدق عليه لا يدخل في بيع الأرض, وإن قال بحقوقها كالسلم المنفصل في عرفهم وفي عرف القاهرة ينبغي دخوله مطلقا; لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه ولا يرد عدم دخول الطريق مع أنه لا يمكن الانتفاع إلا به; لأن ملك رقبتها قد يقصد للأخذ بشفعة الجوار, ولهذا دخل في الإجارة بلا ذكر كما سيأتي وأراد بالمفاتيح الإغلاق, فإنها تدخل تبعا, فإن المفاتيح تبع للغلق وهو لا يدخل إلا إذا كان مركبا كالضبة والكيلون وإلا فلا كالقفل ومفتاحه كالثوب الموضوع فيها سواء ذكر الحقوق أو لا وسواء كان الباب مغلقا أو لا

 

ج / 5 ص -445-       ويدخل البناء والشجر في بيع الأرض بلا ذكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسواء كان المبيع حانوتا أو بيتا أو دارا كما في الخانية.
وفي المحيط ومقلاة السواقين وهي التي يقلى فيها السويق إذا كانت من حديد أو من نحاس فهي للبائع, وإن كانت في البناء; لأنها جعلت في البناء للعمل فلم تكن من جملة البناء, وإن كانت من خزف فللمشتري ا هـ.
وفي الخانية يدخل كور الحداد في بيع حانوته, وإن لم يذكر المرافق وكور الصائغ لا يدخل, ولو ذكر المرافق; لأن الأول مركب متصل. والثاني منفصل ولا يدخل زق الحداد الذي ينفخ فيه ا هـ. وفيها أيضا قال الحسن بن زياد إذا باع بكل كثير وقليل هو فيها, ولم يقل منها يدخل العبيد والجواري في البيع وما كان فيها من الحيوانات ولا يدخل فيه الأحرار, وقال زفر يدخل فيه الأحرار أيضا ويفسد البيع, ولو قال منها لا يدخل وفي رواية هشام لا يدخل شيء من ذلك ا هـ.
وفي القنية لو اشترى دارا فذهب بناؤها لم يسقط شيء من الثمن, وإن استحق أخذ الدار بالحصة, ومنهم من سوى بينهما بخلاف صوف الشاة, فإنه لا يأخذ قسطا من الثمن إلا بالتسمية له أو للبناء أو للشجر ثمنا.
قوله: "ويدخل البناء والشجر في بيع الأرض بلا ذكر" لكونه متصلا بها للقرار فيدخل تبعا أطلقه فشمل الشجرة المثمرة وغير المثمرة والصغيرة والكبيرة إلا اليابسة, فإنها على شرف القطع فهي كالحطب الموضوع, كذا في فتح القدير وقيدنا بكونها متصلة للقرار; لأنه لو كانت فيها أشجار صغار تحول في فصل الربيع وتباع, فإنها إن كانت تقلع من أصلها تدخل في البيع, وإن كانت تقطع من وجه الأرض فهي للبائع إلا بالشرط, كذا في الخانية وفي الظهيرية باع أرضا فيها قطن لم يدخل كالثمر. وأما أصله فقد قالوا لا يدخل وهو الصحيح, ومنهم من قال يدخل وشجرة الباذنجان لا تدخل في بيع الأرض فهي للبائع إلا بالشرط, كذا في الخانية من غير ذكر هكذا ذكر الحاكم السمرقندي والكراث بمنزلة الرطبة, وذكر الخصاف في الحطب والقصب والطرفاء وأنواع الخشب أنها للبائع ا هـ.
وفيها إذا اشترى شجرة للقلع, فإنه يؤمر بقلعها بعروقها وليس له حفر الأرض إلى انتهاء العروق بل يقلعها على العادة إلا إن شرط للبائع القطع على وجه الأرض أو يكون في القلع من الأصل مضرة على البائع كما إذا كانت بقرب حائط أو بئر, فإنه يقطعها على وجه الأرض, فإن قطعها أو قلعها فنبت مكانها أخرى فالنابت للبائع إلا إذا قطع من أعلاها فهو للمشتري, كذا في السراج الوهاج, ولو اشترى نخلة, ولم يبين أنه اشتراها للقطع أو للقرار قال أبو يوسف

 

ج / 5 ص -446-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا يملك أرضها وأدخل محمد ما تحتها وهو المختار, وإن اشتراها للقطع لا تدخل الأرض اتفاقا, وإن اشتراها للقرار تدخل اتفاقا, كذا في شرح المجمع.
وفي الظهيرية وفي الإقرار تدخل ويجوز شراء الشجرة بشرط القطع فأما شراؤها بشرط القلع ففيه اختلاف والصحيح الجواز. وإذا باع نصيبا له من شجرة بغير إذن الشريك بغير أرض, فإن كانت الأشجار قد بلغت أو إن قطعها فالبيع جائز وإلا لم يجز, ولو اشتريا أرضا فيها نخيل على أن لأحدهما الأرض وللآخر النخيل فلصاحب الشجر أن يقلعه, فإن كان في قلعه ضرر فهو بينهما ا هـ.
ولو اشترى نخلة في أرض إنسان ولها طريق فلم يبينه فالشراء جائز ويأخذ إلى النخلة طريقا من أي النواحي شاء; لأنه لا يتفاوت حتى لو كان متفاوتا بطل البيع. ويدخل العذار في بيع الفرس والزمام في بيع البعير والحبل المشدود في عنق الحمار والبرذعة والإكاف1 لا يدخلان من غير شرط سواء كان موكفا أو لا وهو الظاهر كما في الخانية وفي الظهيرية باع حمارا موكفا يدخل الإكاف والبرذعة في البيع, وإن كان غير موكف فكذلك وهو المختار لكن إذا دخل فأي برذعة وأي إكاف يدخل فالجواب فيه كالجواب في ثياب الجارية ولا يدخل المقود في بيع الحمار من غير ذكر; لأن الفرس والبعير لا ينقادان إلا به بخلاف الحمار والسرج لا يدخل إلا بالتنصيص لعدم العرف حتى لو جرى العرف بدخوله دخل أو كان الثمن كثيرا كما في الظهيرية وفصيل الناقة وفلو الرمكة وجحش الأتان والعجل للبقرة والحمل للشاة إن ذهب به مع الأم إلى موضع البيع دخل فيه للعرف وإلا فلا وفرق في الظهيرية, فقال إن العجل يدخل والجحش لا يدخل; لأن البقرة لا ينتفع بها إلا بالعجل ولا كذلك الأتان ا هـ. وفي القنية يدخل الولد الرضيع في الكل دون الفطيم, ولو باع عبدا له مال إن لم يذكره في البيع فهو للبائع; لأنه كسب عبده, وإن باعه مع ماله بكذا, ولم يبين المال فسد البيع, وكذا لو سماه وهو دين على الناس أو بعضه, وإن كان عينا جاز إن لم يكن من الأثمان, وإن كان الثمن من جنس مال العبد بأن كان الثمن دراهم ومال العبد دراهم, فإن كان الثمن أكثر جاز, وإن كان مثله أو أقل لا يجوز; لأنه بيع العبد بلا ثمن, وإن كان منها, ولم يكن من جنسه بأن كان دراهم ومال العبد دنانير وعلى العكس جاز إذا تقابضا في المجلس, وكذا لو قبض مال العبد ونقد حصته من الثمن, وإن افترقا قبل القبض بطل العقد في مال العبد.
ولو اشترى سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة, فإن كانت في الصدف فهي للمشتري وإلا, فإن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم شرحها.

 

ج / 5 ص -447-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان البائع اصطاد السمكة يردها المشتري على البائع وتكون عند البائع بمنزلة اللقطة يعرفها حولا, ثم يتصدق بها, وإن اشترى دجاجة فوجد في بطنها لؤلؤة يردها على البائع, وإن اشترى سمكة فوجد في بطنها سمكة فهي للمشتري, كذا في الخانية, ولو اشترى دارا فوجد في بعض جذوعها مالا إن قال البائع هو لي كان له فيرده عليه; لأنها وصلت إلى المشتري منه, وإن قال ليس لي كان كاللقطة, كذا في الظهيرية وقيد في البزازية كونه للبائع بحلفه. ولو باع عبدا أو جارية كان على البائع من الكسوة ما يواري عورته, فإن بيعت في ثياب مثلها دخلت في البيع وللبائع أن يمسك تلك الثياب ويدفع غيرها من ثياب مثلها يستحق ذلك على البائع ولا يكون لها قسط من الثمن حتى لو استحق الثوب أو وجد بالثوب عيبا لا يرجع على البائع بشيء ولا يرد عليه الثوب, ولو هلكت الثياب عند المشتري أو تعيبت, ثم رد الجارية بعيب ردها بجميع الثمن, وذكر الشارح أنه لو وجد بالجارية عيبا كان له أن يردها بدون تلك الثياب ا هـ. أي إذا هلكت. وأما مع قيامها فلا بد من ردها, وإن كانت تبعا وإلا لزم حصولها للمشتري من غير مقابل وهو لا يجوز.
وفي الظهيرية باع جارية وعليها قلب فضة وقرطان, ولم يشترطا ذلك والبائع ينكر قال لا يدخل شيء من الحلي في البيع, وإن سلم البائع الحلي لها فهو لها, وإن سكت عن طلبها وهو براها فهو بمنزلة التسليم ا هـ.
وفي الكافي رجل له أرض بيضاء ولآخر فيها نخل فباعهما رب الأرض بإذن الآخر بألف وقيمة كل واحد خمسمائة فالثمن بينهما نصفان, فإن هلك النخل قبل القبض بآفة سماوية خير المشتري بين الترك وأخذ الأرض بكل الثمن; لأن النخل كالوصف والثمن بمقابلة الأصل لا الوصف, ولذا لا يسقط شيء من الثمن. ا هـ. وبه علم أن كل ما دخل تبعا لم يقابله شيء كما في ثياب العبد, ثم اعلم أن مسألة الكافي مقيدة بما إذا لم يفصل ثمن كل أما إذا فصل بأن عين البائع ثمن الأرض على حدة وثمن النخل على حدة سقط قسط النخل بهلاكها لما صرح به في تلخيص الجامع في باب الثمن صار له وكان لهما, وقال في آخره لهذا لو باع حاملا حملها للغير فولدت فالثمن لهما إن عاش الولد ولرب الأم إن مات قبل القبض ا هـ.
وفي العمدة اشترى أرضا وفيها بقول أو حطب أو رياحين فهي للبائع إلا أن يشترط والشجر يدخل في بيع الأرض بلا ذكر, وكذا كل ما له ساق والآس والزعفران للبائع; لأنه بمنزلة الثمر, وإنه يقطع ا هـ. وسيأتي في باب الحقوق دخول العلو في الدار والمنزل والبيت وعدمه.

 

ج / 5 ص -448-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية لو باع سفل داره على أن له حق قرار العلو عليه جاز.
وأما الطريق فلا يدخل بلا ذكر, فإن قال بحقوقها ومرافقها أو قال بكل قليل وكثير له فيها وخارج عنها كان له الطريق والإقرار بالدار والصلح عليها والوصية بها كالبيع, كذا في الظهيرية والقسمة والرهن والوقف والصدقة كالإجارة, كذا في المحيط.
وفي المجتبى والحق في العادة يذكر فيما هو تبع للمبيع ولا بد للمبيع منه ولا يقصد إليه إلا لأجله كالشرب والطريق ومسيل الماء والمرافق ما يرتفق به ويختص بما هو من التوابع كالشرب والمسيل وقوله كل قليل وكثير مبالغة في حق البائع في المبيع وبما هو متصل به ا هـ. وظاهر ما في المجتبى أن ذكر الحقوق أو المرافق كاف ولا يحتاج إلى الجمع بينهما لإدخال الطريق والشرب وقولهم أو منها تفسير لقولهم فيها, كذا في المحيط فأحدهما يغني عن الآخر أيضا.
وفي الخانية اشترى أرضا بشربها جاز البيع, وإن لم يبين مقدار الشرب; لأن الشرب تبع الأرض فإذا كانت الأرض معلومة فجهالة التبع لا تمنع الجواز ا هـ.
وفي القنية اشترى كرما تدخل الوثائل1 المشدودة على الأوتاد المضروبة في الأرض, وكذا عمد الزراجين*2 المدفونة في الأرض أصولها من غير ذكر. ولو باع أرضا فيها تراب منقول من أرض أخرى لا يدخل في البيع إذا كانت مجموعة شبه التل. ولو باع أرضا فيها مقابر صح البيع فيما وراء المقابر أشار إلى أنه لا تدخل أرض القبر في المبيع ومطرح الحصائد ليس من مرافق الأرض فلا يدخل في البيع بلا ذكر المرافق ا هـ. وفي المجتبى قال أبو حنيفة باع دارا بفنائها لم يصح كمن جمع بين حر وعبد وفي بيعها بحقوقها تدخل الحقوق وقت البيع لا ما قبله وفي البدائع الطريق الأعظم أو في سكة غير نافذة يدخل في البيع بلا تنصيص ولا قرينة إنما الكلام في الطريق الخاص في ملك إنسان فإذا كان يلي الطريق الأعظم فتح له بابا إليه وإلا استأجر الطريق أو استعاره.
وفي البزازية اشترى أشجارا للقطع فلم يقطع حتى جاء الصيف إن أضر القطع بالأرض وأصول الشجر يعطي البائع للمشتري قيمة شجر قائم جبرا, وقال الصدر قيمة مقطوع, وإن لم يضر بواحد قطع, وإن اشترى الشجر مطلقا له القطع من الأصل ادعى البائع على المشتري كسر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مفردها الوثل وهو الحبل منم الليف ا هـ. المصباح مادة وثل.
2 أي قضبان الكرم ا هـ المعجم الوسيط مادة "زرجن".
...................
*في الأصل الدار.

 

ج / 5 ص -449-       ولا يدخل الزرع في بيع الأرض بلا تسمية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغصان الأشجار, وقال المشتري ما تعمدت ولكنه ما كان بد منه يرجع فيه إلى أهل العلم به إن قالوا إنه مما يمكن التحرز عنه ضمن النقصان, وإن قالوا مما لا يمكن لم يضمن شيئا; وتدخل الأقتاب في بيع الجمال. ولو وجد في بطن السمكة سمكة أخرى كانت للمشتري, وكذا العنبر الموجود في بطنها; لأنه حشيش في البحر هو طعامها, وكذا كل ما كان غذاء للسمك.
وفي الصحاح مرافق الدار مصاب الماء ونحوها والمرفق من الأمر ما ارتفقت وانتفعت به ا هـ.
وفي المصباح. وأما مرفق الدار كالمطبخ والكنيف ونحوه فبكسر الميم وفتح الفاء لا غير على التشبيه باسم الآلة وجمعه مرافق ا هـ. والكور للحداد المبني من الطين معرب وفي القاموس إكاف الحمار ككتاب وغراب ووكافه بردعته والأكاف صانعه وآكف الحمار إيكافا ووكفه توكيفا شده عليه وأكف الإكاف تأكيفا اتخذه ا هـ. فهو صريح في أن الإكاف البردعة. وظاهر قول الفقهاء أنها غيره للعطف ولكن قال في القاموس في باب العين البردعة الحلس تحت الرجل وبلا لام, وقد تنقط داله ا هـ. فعلى هذا الإكاف الرحل والبردعة ما تحته ولكنه في العرف الإكاف خشبتان فوق البردعة وقوله بلا ذكر متعلق بالمسألتين.
وفي الخانية رجل أمر غيره ببيع أرض فيها أشجار فباع الوكيل الأرض بأشجارها, فقال الموكل ما أمرته ببيع الأشجار قال الفضلي القول للموكل فيما أمر والمشتري يأخذ الأرض بحصتها من الثمن إن شاء, وكذا لو كان مكان الأشجار بناء ا هـ. وفيها اشترى كرما فيها أشجار الفرصاد وشجر الورد وعلى شجر الفرصاد توت وأوراق وعلى شجر الورد ورد, وقال بكل حق هو له لا يدخل التوت وأوراق الفرصاد في البيع, وكذا الورد; لأنه بمنزلة الثمر ا هـ.
قوله: "ولا يدخل الزرع في بيع الأرض بلا تسمية"; لأنه متصل بالأرض للفصل فشابه المتاع الذي هو فيها ولا يرد حمل المبيع; لأن المراد فصل الآدمي والحمل بفصل الله تعالى ولأنه كالجزء للمجانسة بخلاف الزرع أطلقه فشمل ما إذا نبت أولا واختاره في الهداية; لأنه مودع فيها وشمل ما إذا نبت, ولم يصر له قيمة وفيه قولان من غير ترجيح في الهداية وصح في التجنيس بأن الصواب الدخول كما نص عليه القدوري والإسبيجابي. وفصل في الذخيرة في غير النابت بين ما إذا لم يعفن أو لا, فإن عفن فهو للمشتري; لأن العفن لا يجوز بيعه على الانفراد فصار كجزء من أجزاء الأرض وفي المصباح عفن الشيء عفنا من باب تعب فسد من ندوة أصابته فهو يتمزق عند مسه وعفن اللحم تغيرت رائحته ا هـ.
وفي الخانية, وإنما تعرف قيمته بأن تقوم الأرض مبذورة وغير مبذورة, فإن كانت

 

ج / 5 ص -450-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيمتها مبذورة أكثر من قيمتها غير مبذورة علم أنه صار متقوما ا هـ. وفي فتح القدير كان المناسب أن يقول تقوم الأرض بلا زرع وبه, فإن زاد فالزائد قيمته. وأما تقويمها مبذورة وغير مبذورة, فإنما يناسب من يقول إذا عفن البذر يدخل ويكون للمشتري معللا بأنه لا يجوز بيعه وحده; لأنه ليس له قيمة قال في الهداية وكان هذا بناء على جواز بيعه قبل أن تناله المشافر والمناجل ا هـ. يعني من قال لا يجوز بيعه قال يدخل ومن قال يجوز قال لا يدخل ولا يخفى أن كلا من الاختلافين مبني على سقوط تقومه وعدمه, فإن القول بعدم جواز بيعه وبعدم دخوله في البيع كلاهما مبني على سقوط تقومه والأوجه جواز بيعه على رجاء تركه كما يجوز بيع الجحش كما ولد رجاء حياته فينتفع به في ثاني الحال ا هـ. ومشفر البعير شفته والجمع المشافر والمنجل ما يحصد به الزرع والجمع المناجل كما في النهاية.
وفي المصباح الشفة لا تكون إلا من الأسنان والمشفر من ذوي الخف والحفلة من ذي الحافر والمقمة من ذي الظلف والخطم والخرطوم من السباع والمنسر بفتح الميم وكسرها والسين مفتوحة فيهما من ذوي الجناح الصائد والمنقار من غير الصائد والفنطسة من الخنزير ا هـ.
وصحح في السراج الوهاج عدم الدخول في البيع إلا بالتسمية وصحح جواز البيع وهو من باب التلفيق لما قدمناه أن القائل بعدم الدخول قائل بعدم الجواز وعكسه فيهما وصحح في المحيط دخول الزرع قبل النبات; لأنه صار تبعا للأرض فالحاصل أن المصحح عدم الدخول, ولو لم يكن له قيمة إلا إذا كان قبل النبات فالصواب دخول ما لا قيمة له فاختلف الترجيح فيما لا قيمة له وعلى هذا الخلاف الثمر الذي لا قيمة له وقيل يحكم الثمن في الكل, فإن كان مثل الأرض والزرع والثمر يدخل تبعا وإلا فلا. كذا في المجتبى قيد بالبيع; لأنه يدخل في رهن الأرض بلا ذكر كالشجر والثمر; لأنه لا يصح بدونه فيدخل في رهن الأرض تبعا, كذا في رهن الخانية.
وأما في الوقف, فقال في الإسعاف يدخل البناء والشجر في وقف الأرض تبعا ولا يدخل الزرع النابت فيها حنطة كان أو شعيرا أو غيره, وكذلك البقل والآس والرياحين والخلاف والطرفاء وما في الجمة من حطب, ولو زاد بحقوقها تدخل الثمرة القائمة في الوقف إلخ.
وأما في الإقرار ففي البزازية أقر بأرض عليها زرع أو شجر دخل في الإقرار, ولو برهن قبل القضاء أو بعده أن الزرع له صدق المقر في الزرع ولا يصدق في الشجر ا هـ.

 

ج / 5 ص -451-       ولا يدخل الثمر في بيع الشجر إلا بشرط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما في الهبة ففي الخانية لا يدخل الحلي والثياب في هبة الجارية. وأما في الإقالة فلا يدخل الزرع في إقالة الأرض, كذا في القنية ولا يدخل الغلق والسرر والسلالم المغرزة; لأنها بمنزلة المتاع إلا إذا قال بمرافقه قالوا تدخل والزرع يدخل فيها.
وفي الخانية أرض فيها زرع فباع الأرض بدون الزرع أو الزرع بدون الأرض جاز, وكذا لو باع نصف الأرض بدون الزرع, وإن باع نصف الزرع بدون الأرض لا يجوز إلا أن يكون الزرع بينه وبين الأكار فيبيع الأكار نصيبه من صاحب الأرض جاز, وإن باع صاحب الأرض نصيبه من الأكار لا يجوز هذا إذا كان البذر من قبل صاحب الأرض, فإن كان من قبل الأكار ينبغي أن يجوز, ولو باع نصف الأرض مع نصف الزرع جاز ا هـ.
وفي الخانية باع أرضا فيها رطبة أو زعفران أو خلاف يقلع في كل ثلاث سنين أو رياحين أو بقول, ولم يذكر في البيع ما فيها قال الفضلي ما علا منها على وجه الأرض يكون بمنزلة الثمر لا يدخل في البيع من غير شرط وما كان من أصولها في الأرض يدخل في البيع; لأن أصولها تكون للبقاء بمنزلة البناء. وكذا لو كان فيها قصب أو حشيش أو حطب نابت ما هو على وجه الأرض لا يدخل في البيع من غير ذكر وأصولها في الأرض تدخل واختلفوا في قوائم الخلاف قال بعضهم تدخل; لأنها شجر والمختار أنها لا تدخل; لأنها تعد من الثمر, وإن كان في الأرض شجرة قطن فبيعت الأرض لا يدخل ما فيها من القطن واختلفوا في أصل القطن وهو الشجر والصحيح أنه لا يدخل, وإن كان في الأرض كراث فبيعت الأرض مطلقا ما كان على ظاهر الأرض لا يدخل واختلفوا فيما كان مغيبا والصحيح الدخول.
قوله: "ولا يدخل الثمر في بيع الشجر إلا بشرط" أي ولا يدخل إلا بشرط دخوله في البيع مطلقا سواء بيع الشجر مع الأرض أو وحده كان له قيمة أو لا وقدمنا الاختلاف والراجح من القولين في دخول الزرع والثمر وصحح في الهداية هنا إطلاق عدم الدخول ويكون للبائع في الحالين; لأن بيعه يجوز في أصح الروايتين فلا يدخل في بيع الشجر من غير ذكر بيع الشجر مع الأرض أو وحده. فإن قلت: الكتاب مبني على الاختصار وكان يمكنه أن يقول ولا يدخل الزرع والثمر في البيع بلا شرط فلم أفرد كل واحد قلت: لاختلاف المبيع فالمبيع في الأولى الأرض فلا يدخل الزرع تبعا وفي الثانية النخل والشجر فلا يدخل الثمر تبعا والثمرة تجمع على ثمار وتجمع على ثمر وثمرات والثمر هو الحمل الذي تخرجه الشجرة أكل أو لم يؤكل

 

ج / 5 ص -452-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيقال ثمر الأراك وثمر العوسج1 وثمر العنب وقيل لما لا نفع فيه ليس له ثمرة, كذا في المصباح.
وأطلق الشجرة فشمل المؤبرة وغير المؤبرة وعند الأئمة الثلاثة إن لم تكن أبرت فهي للمشتري والتأبير التلقيح وهو إن يشق الكم ويذر فيها من طلع الفحل, فإنه يصلح ثمر إناث النخل لحديث الكتب الستة مرفوعا
"من باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع". وفي لفظ البخاري "من ابتاع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع"2. واستدل الإمام محمد بن الحسن على الإطلاق بالحديث "من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع"3 من غير فصل بين المؤبرة وغيرها وأجابوا عن الأول بأن حاصله استدلال بمفهوم الصفة فمن قال به يلزمه وأهل المذهب ينفون حجيته وما قيل إن في مرويهم تخصيص الشيء بالذكر فلا يدل على نفي الحكم عما عداه إنما يلزمهم لو كان لقبا ليكون مفهوم لقب لكنه صفة وهو حجة عندهم.
وفي فتح القدير. ولو صح حديث محمد فهم يحملون المطلق على المقيد وعلى أصول المذهب أيضا يجب; لأنه في حادثة واحدة في حكم واحد والذي يلزمهم من الوجه القياس على الزرع المفهوم إذا تعارضا وحينئذ فيجب حمل الإبار على الإثمار; لأنهم لا يؤخرونه عنه وكانت الإبار علامة الإتمام فعلق به الحكم بقوله نخلا مؤبرا يعني مثمرا وما نقل عن ابن أبي ليلى من أن الثمرة مطلقا للمشتري بعيد إذ يضاد الأحاديث المشهورة ا هـ. فظاهره أن عنده ترددا في صحة دليل محمد وقد أخذه من قوله الزيلعي المخرج لأحاديث الهداية أنه غريب بهذا اللفظ والمنقول في الأصول حتى في تحرير المعترض أن المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا فلا يحتاج إلى شيء بعده ومحمد رحمه الله تعالى إما مجتهد أو ناقل أدلة الإمام الأعظم فاستدلاله تصحيح وقوله وعلى أصول المذهب يجب قلنا ضعيف, وإن كان مذكورا في بعض كتب الأصول لما في النهاية من كفارة الظهار أن الأصح أنه لا يجوز حمل المطلق على المقيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جنس نبات شائك من الفصيلة البادنجانية له تمر مدور كأنه خرز العقيق. ا هـ الصحاح مادة "عسج". والمعجم الوسيط.
2 أخرجه البخاري ابن عمر في المساقاة باب في الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط "2379" ومسلم في البيوع باب من باع نخلا عليها تمر "1543" والترمذي في البيوع باب ما جاء في ابتاع النخل بعد التأبير "1244" والنسائي في البيوع باب النخل يباع أصلها ويستثنى المشتري ثمرها "7/296" وابن ماجة في التجارات باب ما جاء فيمن باع نخلا مؤبرا "2211" وأبو داود برقم "3433".
3 ذكره الزيلعي في نصب الراية وقال: غريب بهذا اللفظ "4/5".

 

ج / 5 ص -453-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 عندنا لا في حادثة ولا في حادثتين حتى جوز أبو حنيفة التيمم بجميع أجزاء الأرض عملا بقوله عليه السلام
"جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"1, ولم يحمل هذا المطلق على المقيد وهو قوله عليه السلام "التراب طهور المسلم"2 إلى آخر ما فيها. فإن قلت: ذكر في الزرع إلا بالتسمية وذكر في الثمر إلا بالشرط فهل للمغايرة نكتة قلت: لا فرق بينهما من جهة الحكم, وإنما غاير بينهما ليفيد أنه لا فرق بين أن يسمي الزرع والثمر بأن يقول بعتك الأرض وزرعها أو مع زرعها أو بزرعها أو الشجر وثمره أو معه أو به أو يخرجه مخرج الشرط فيقول بعتك الأرض على أن يكون زرعها لك وبعتك الشجر على أن يكون الثمر لك, ولم يذكر المصنف مسألة الحقوق والمرافق وكل قليل وكثير هو فيها أو منها, وقد ذكرها في الهداية وفي المعراج. وحاصل ذلك أن الألفاظ ثلاثة: أحدها إن باع أرضا مطلقا من غير ذكر شيء منها والثاني إن باع أرضا بكل قليل وكثير مع ذكر الحقوق والمرافق ففي هذين الوجهين لا يدخل الزرع والثمر والثالث إن باع أرضا بكل كثير وقليل منها أو فيها بدون ذكر الحقوق والمرافق فيدخلان فيه ا هـ.
وقدمنا حكم الطريق والمسيل والشرب من أنهما يدخلان في بيع الأرض أن ذكر المرافق والحقوق مقتصر أو إن زاد بكل قليل وكثير لم يدخلا فيهما على عكس الزرع والثمار وفي المعراج وقوله بكل كثير وقليل يذكر على وجه المبالغة في إسقاط حق البائع عن المبيع, أما الثمر المجدود والزرع المحصود فيها فلا يدخلان إلا بالتنصيص. وفي الخانية, ولو اشترى أرضا فيها أشجار عليها ثمار, وقال في البيع بثمارها فأكل البائع الثمار سقطت حصة الثمار من الثمن وهل يخير المشتري في أخذ الباقي ذكر في البيوع أنه يخير إن شاء أخذ الباقي بما بقي من الثمن, وإن شاء ترك ذكر في بعض الكتب أنه لا يخير في قول أبي حنيفة كما لو اشترى شاة بعشرة فولدت عند البائع ولدا قيمته خمسة فأكله البائع قال أبو حنيفة تلزمه الشاة بخمسة ولا خيار له والصحيح أنه يخير في مسألة الثمار; لأن الثمر صار مبيعا مقصودا فإذا أكل البائع تفرقت الصفقة عليه فيخير ا هـ. وفي القنية اشترى أرضا مع الزرع فأدرك الزرع في يده, ثم تقايلا لا تجوز الإقالة; لأن العقد إنما ورد على الفصيل3 دون الحنطة, ولو حصد المشتري الزرع, ثم تقايلا صحت الإقالة بحصتها من الثمن, ولو اشترى أرضا فيها أشجار فقطعها, ثم تقايلا صحت الإقالة بجميع الثمن ولا شيء للبائع من قيمة الأشجار وتسلم الأشجار إلى المشتري هذا إذا علم البائع


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 تقدم تخريجه.
3 وهو الشعير يجرأ لعلف الدواب ا هـ المصباح المنير مادة "فصل".

 

ج / 5 ص -454-       ويقال للبائع اقطعها وسلم المبيع, ومن باع ثمرة بدا صلاحها أو لا صح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقطع الأشجار, وإذا لم يعلم به وقت الإقالة يخير إن شاء أخذها بجميع الثمن, وإن شاء ترك ا هـ.
قوله: "ويقال للبائع اقطعها وسلم المبيع" أي في الصورتين والمراد بالمبيع الأرض والشجر وقيده في الخانية بأن ينقد الثمن إليه; لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع فكان عليه تفريغه وتسليمه كما إذا كان فيها متاع قيد بالمبيع; لأن المدة إذا انقضت في الإجارة وفي الأرض زرع, فإن المستأجر لا يؤمر بقلع زرعه, وإنما يبقى بأجر المثل إلى انتهائه; لأنها للانتفاع وذلك بالترك دون القلع بخلاف الشراء; لأنه ملك الرقبة فلا يراعى فيه إمكان الانتفاع ولأن التسليم, وإن وجب عليه فارغة لكن تسليم العوض تسليم للمعوض فافترقا فلا يقاس البيع على الإجارة كما هو مذهب الثلاثة وفي الاختيار, ولو باع قطنا في فراش فعلى البائع فتقه; لأن عليه تسليمه إما جذاذ الثمرة وقطع الرطبة وقلع الجزر والبطل وأمثاله على المشتري لا البائع; لأنه يعمل في ملكه وللعرف ا هـ.
وفي القنية اشترى ثمار الكرم والأشجار وهي عليها يتم تسليمها بالتخلية, وإن كانت متصلة بملك البائع كالمشاع بخلاف الهبة, ولو باع قطنا في فراش أو حنطة في سنبل وسلم كذلك لم يصح إذ لم يمكنه القبض إلا بالفتق والدق يصح تسليم دار فيها متاع لغير المشتري وأرض فيها أشجار لغيره بحكم الشراء لا بحكم الهبة ا هـ. وفيها, وإن اشترى الزرع في الأرض فاحترق أخذها بحصتها إن شاء ا هـ.
وفي الولوالجية رجل باع من آخر شجرا وعليه ثمر قد أدرك أو لم يدرك جاز وعلى البائع قطع الثمر من ساعته; لأن المشتري ملك الشجر فيجبر البائع على تسليمه فارغا, وكذلك إذا أوصى بنخل لرجل وعليه بسر أجبر الورثة على قطع البسر وهو المختار من الرواية رجل باع عنبا جزافا فعلى المشتري قطعه, وكذلك كل شيء باعه جزافا مثل الثوم في الأرض والجزر والبصل إذا خلى بينه وبين المشتري; لأن القطع لو وجب على البائع إنما يجب إذا وجب عليه الكيل أو الوزن, ولم يجب عليه الكيل والوزن; لأنه لم يبع مكايلة ولا موازنة وسيأتي تمامه آخر الباب.
قوله: "ومن باع ثمرة بدا صلاحها أو لا صح" أي ظهر صلاحها, وإنما صح مطلقا; لأنه مال متقوم إما لكونه منتفعا به في الحال أو في المآل وقيل لا يجوز قبل بدو الصلاح والأول أصح وقوله ثمرة أي ظاهرة قيدنا به; لأن بيعها قبل الظهور لا يصح اتفاقا وقبل بدو الصلاح

 

ج / 5 ص -455-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط القطع في المنتفع به صحيح اتفاقا وقبل بدو الصلاح بعد الظهور بشرط الترك غير صحيح اتفاقا وبعد بدو الصلاح صحيح اتفاقا وبعدما تناهت صحيح اتفاقا إذا أطلق. وأما بشرط الترك ففيه اختلاف سيأتي فصار محل الخلاف البيع بعد الظهور قبل بدو الصلاح مطلقا أي لا بشرط القطع ولا بشرط الترك فعند الأئمة الثلاثة لا يجوز وعندنا يجوز ولكن اختلفوا فيما إذا كان غير منتفع به الآن أكلا وعلفا للدواب فقيل بعدم الجواز ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا والصحيح الجواز كما قدمناه, وقد أشار إليه محمد في كتاب الزكاة, فإنه قال لو باع الثمار في أول ما تطلع وتركها بإذن البائع حتى أدرك فالعشر على المشتري فلو لم يكن جائزا لم يوجب فيه على المشتري العشر, وصحة البيع على هذا التقدير بناء على التعويل على إذن البائع على ما ذكرنا من قريب وإلا فلا انتفاع به مطلقا فلا يجوز بيعه والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثرى أول ما يخرج مع أوراق الشجر فيجوز فيها تبعا للأوراق كأنه ورق كله, وإن كان بحيث ينتفع به, ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ويجب قطعه على المشتري واستدل أصحابنا بما استدل به محمد سابقا; لأنه بعمومه شامل لما قبل بدو الصلاح والأئمة الثلاثة كما في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه
"أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وعن بيع النخل حتى تزهو قال تحمار أو تصفار"1. وأجاب عنه الإمام الحلواني كما في الخانية أنه محمول على ما قبل الظهور وغيره على ما إذا كان بشرط الترك, فإنهم تركوا ظاهره فأجازوا البيع قبل بدو الصلاح بشرط القطع وهي معارضة صريحة لمنطوقه فقد اتفقنا على أنه متروك الظاهر وهو لا يحل إن لم يكن لموجب وهو عندهم تعليله عليه الصلاة والسلام بقوله "أرأيت إن منع الله الثمرة فيما يستحل أحدكم مال أخيه"2, فإنه يستلزم أن معناه أنه نهى عن بيعها مدركة قبل الإدراك; لأن العادة أن الناس يبيعون الثمار قبل أن تقطع فنهى عن هذا البيع قبل أن توجد الصفة المذكورة فصار محل النهي بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط الترك إلى أن يبدو الصلاح والبيع بشرط القطع لا يتوهم فيه ذلك فلم يكن متناولا للنهي, وإذا صار محله بيعها بشرط تركها إلى أن تصلح فقد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الزكاة باب من باع ثماره أو نحله أو أرضه.."1486" من حديث ابن عمر رضي الله عنه ومسلم في البيوع باب النهي عن بيع الثمار فبل بدو صلاحها "1534" وابن حبان في صحيحه "4989".
2 أخرجهخ مسلم في المساقاة باب وضع الحوائج من حديث أنس بن مالك "1555" والبخاري في البيوع باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع "2198" ومالك في الموطأ كتاب البيوع باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها "2/618".

 

ج / 5 ص -456-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قضينا عهدة هذا النهي, فإنا قد قلنا بفساد هذا البيع فبقي بيعها مطلقا غير متناول للنهي بوجه من الوجوه إلى آخر ما حققه في فتح القدير وحمله في المعراج على السلم وظهور الصلاح عندنا أن يأمن العاهة والفساد وعند الشافعي ظهور النضح وبدو الحلاوة, ولو اشتراها مطلقا فأثمرت ثمرا آخر قبل القبض فسد البيع لتعذر التمييز, ولو أثمرت بعده اشتركا للاختلاط والقول قول المشتري مع يمينه في مقداره; لأنه في يده. وكذا في بيع الباذنجان والبطيخ إذا حدث بعد القبض خروج بعضها اشتركا وكان الحلواني يفتي بجوازه في الكل وزعم أنه مروي عن أصحابنا وهكذا حكي عن الإمام الفضلي وكان يقول الموجود وقت العقد أصل وما يحدث تبع له نقله شمس الأئمة عنه, ولم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد يكون أكثر بل قال عنه اجعل الموجود أصلا في العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا, وقال استحسن فيه لتعامل الناس, فإنهم تعاملوا بيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفي نزع الناس عن عاداتهم حرج, وقد رأيت في هذا رواية عن محمد وهو في بيع الورد على الأشجار, فإن الورد متلاحق, ثم جوز المبيع في الكل بهذا الطريق وهو قول مالك والمخلص من هذه اللوازم الصعبة أن يشتري أصول الباذنجان والبطيخ والرطبة ليكون ما يحدث على ملكه وفي الزرع والحشيش يشتري الموجود ببعض الثمن ويستأجر الأرض مدة معلومة يعلم غاية الإدراك وانقضاء الغرض فيها بباقي الثمن وفي ثمار الأشجار يشتري الموجود ويحل له البائع ما يوجد, فإن خاف أن يرجع يفعل كما قال الفقيه أبو الليث في الإذن في ترك الثمر على الشجر على أنه متى رجع عن الإذن كان مأذونا في الترك بإذن جديد فيحل له على مثل هذا الشرط, كذا في فتح القدير ولا فرق في كون الخارج بعد العقد للبائع بين أن يكون الترك بإذن البائع أو بغير إذنه والأصح ما ذهب إليه السرخسي من عدم الجواز في المعدوم وهو. وظاهر المذهب, كذا في المعراج.
وفي الخانية ويقدم بيع الأشجار ويؤخر الإجارة, فإن قدم الإجارة لا يجوز; لأن الأرض تكون مشغولة بأشجار الأجر قبل البيع فلا تصح الإجارة وينبغي أن يشتري الأشجار بعد أصولها لهذا, ولو باع أشجار البطيخ وأعار الأرض يجوز أيضا إلا أن الإعارة لا تكون لازمة ويجوز له أن يرجع بعدها ا هـ.
وفي الولوالجية لو اشترى التمر على رءوس النخيل فجذه على المشتري, وكذا لو اشترى الجزر فقلعه على المشتري ا هـ. وتسليم الثمار على رءوس الأشجار بالتخلية كما في البدائع. وفي الحاوي لو شرط قطع الثمرة على البائع فسد البيع ا هـ.
وفي البدائع إذا سمى الثمر مع الشجر صار بيعا مقصودا فلو هلك الثمر قبل القبض

 

ج / 5 ص -457-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مطلقا تسقط حصته من الثمن كالشجر وخير المشتري, ولو جذه البائع وهو قائم, فإن جذه في حينه, ولم ينقص فلا خيار ويقبضهما, ولو قبضهما بعد جذاذ البائع فوجد بأحدهما عيبا رد المعيب خاصة; لأنه قبضهما متفرقين بخلاف ما إذا جذه المشتري بعد القبض ليس له أن يرد المعيب وحده لاجتماعهما عند البيع والقبض, وإن نقصه جذاذ البائع سقط عن المشتري حصة النقصان وله الخيار ا هـ.
وفي الخانية رجل اشترى الثمار على رءوس الأشجار فرأى من كل شجرة بعضها يثبت له خيار الرؤية حتى لو رضي بعده يلزمه, وإن باع ما هو مغيب في الأرض كالجزر والبصل وأصول1 الزعفران والثوم والشلجم والفجل إن باع بعدما ألقي في الأرض قبل النبات أو نبت إلا أنه غير معلوم لا يجوز البيع, فإن باع بعدما نبت نباتا معلوما يعلم وجوده تحت الأرض يجوز البيع ويكون مشتريا شيئا لم يره عند أبي حنيفة, ثم لا يبطل خياره ما لم ير الكل ويرضى به وعلى قول صاحبيه لا يتوقف خيار الرؤية على رؤية الكل وعليه الفتوى, فإن كان مما يكال أو يوزن بعد القطع كالجزر والثوم والبصل فإذا قلع البائع شيئا من ذلك أو قلع المشتري بإذن البائع ينظر إن كان المقلوع يدخل تحت الكيل أو الوزن يثبت خيار الرؤية حتى لو رضي به يلزمه الكل, وإن رد بطل البيع, وإن كان المشتري قلعه بغير إذن البائع, فإن كان المقلوع شيئا له قيمة لزمه الكل; لأنه قبل القلع كان ينمو وبعد القلع لا ينمو والعيب الحادث عند المشتري يمنع الرد بخيار الرؤية, وإن كان المقلوع شيئا يسيرا لا قيمة له لا يعتبر والقلع وعدمه سواء, وإن كان المغيب يباع بعد القلع عددا كالفجل قطع البائع بعضه أو قلع المشتري بإذن البائع لا يلزمه ما لم ير الكل; لأنه من العدديات المتفاوتة بمنزلة الثياب والعبيد ونحو ذلك, وإن قلع المشتري بغير إذن البائع لزمه الكل إلا أنه يكون ذلك شيئا يسيرا, وإن اختصم البائع والمشتري قبل القلع, فقال المشتري أخاف إن قلعته لا يصلح لي فيلزمني, وقال البائع أخاف إن قلعته لا ترضى به وترده فأتضرر بذلك يتطوع إنسان بالقلع وإلا يفسخ القاضي العقد بينهما ا هـ.
وفي القنية اشترى أوراق الثوم, ولم يبين موضع القطع وكان موضع قطعها معلوما ومضى وقتها ليس للمشتري أن يسترد الثمن اشترى أوراق التوت, ولم يبين موضع القطع لكنه معلوم عرفا صح, ولو ترك الأغصان فله أن يقطعها في السنة الثانية, ولو تركها مدة, ثم أراد قطعها فله ذلك إن لم يضر ذلك بالشجرة, ولو باع أوراق توت لم تقطع قبله بسنة يجوز وبسنتين لا يجوز; لأنه بسنة يعلم موضع قطعها عرفا باع أوراق التوت دون ثمر التوت صح وفي الفتاوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.

 

ج / 5 ص -458-       ويقطعها المشتري تفريغا لملك البائع, وإن شرط تركها على النخل فسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهيرية اشترى رطبة من البقول أو قثاء وشيئا ينمو ساعة فساعة لا يجوز كبيع الصوف وبيع قوائم الخلاف يجوز, وإن كان ينمو; لأن نموها من الأعلى بخلاف الرطبات لا الكراث للتعامل وما لا تعامل فيه لا يجوز ا هـ.
وفي المنتقى* وبيع الحصرم أو التفاح قبل الإدراك جائز; لأنه ينتفع به والخوخ والكمثرى ونحوها غير جائز, وإن كان ثمر بعض الأشجار مدركا دون البعض جاز في المدرك دون غيره; تين قد أدرك بعضه دون البعض إن باع الموجود منه جاز, فإن لم يقبضها المشتري حتى خرج الباقي فسد البيع وينبغي أن يكون تعريفا على القول الضعيف المشترط لبدو الصلاح وفيه من سرق ماء فسقى أرضه أو كرمه يطيب له ما خرج كما لو غصب شعيرا أو تبنا وسمن به دابته فيطيب له ما زاد في الدابة فعليه قيمة العلف. ا هـ.
قوله: "ويقطعها المشتري تفريغا لملك البائع" وقدمنا أن أجرة القطع على المشتري وأن تسليم الثمرة بالتخلية.
قوله: "وإن شرط تركها على النخل فسد" أي البيع لما قدمنا أنه محل النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ولأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير أو; لأنه صفقة في صفقة; لأنه إجارة في بيع إن كان للمنفعة حصة من الثمن أو إعارة في بيع إن لم يكن لها حصة من الثمن وتعقبهم في النهاية بأنكم قلتم إن كلا من الإجارة والإعارة غير صحيح فكيف يقال إنه صفقة في صفقة وجوابه أنه صفقة فاسدة في صفقة صحيحة ففسدتا جميعا, وكذا لو شرط ترك الزرع على الأرض لما قلنا أطلقه فشمل ما إذا تناهى عظمهما أو لا في الأول خلاف محمد, فإنه يقول استحسن أن لا يفسد بشرط الترك للعادة بخلاف ما إذا لم يتناه; لأنه شرط فيه الجزء المعدوم وهو ما يزداد بمعنى في الأرض والشجر وفي الأسرار الفتوى على قول محمد وبه أخذ الطحاوي وفي المنتقى ضم إليه أبا يوسف وفي التحفة والصحيح قولهما.
وقيد باشتراط الترك; لأنه لو اشتراها مطلقا وتركها, فإن كان بإذن البائع طاب له الفضل, وإن تركها بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته لحصوله بجهة محظورة, وإن تركها بعد ما تناهى لم يتصدق بشيء; لأن هذا تغير حالة لا تتحقق زيادة, وإن اشتراها مطلقا أو بشرط القطع وتركها على النخل وقد استأجر النخيل إلى وقت الإدراك طلب له الفضل; لأن الإجارة باطلة لعدم التعارف والحاجة فبقي الإذن معتبرا; لأن الباطل لا وجود له فكان إذنا مقصودا بخلاف ما إذا اشترى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في الأصل المببتغي.

 

ج / 5 ص -459-       ولو استثنى منها أرطالا معلومة صح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزرع واستأجر الأرض إلى أن يدرك وترك حيث لا يطيب له الفضل; لأن الإجارة فاسدة للجهالة. وإذا فسد المتضمن فسد المتضمن فأورثت خبثا.
وقد ذكر أصحابنا هنا أن الشمس تنضحها بإذن الله تعالى وبتقديره ويأخذ اللون من القمر والطعم من الكواكب فلم يبق فيه إلا عمل الشمس والقمر والكواكب, كذا في المعراج وفي البخاري عن قتادة وفي المعراج معزيا إلى الفصول لو أراد إجارة الأشجار والكروم فالحيلة فيه أن يكتب إن لهذا المشتري حق ترك الثمار على الأشجار في مدة كذا بأمر لازم واجب وعسى أن تكون الثمار والأشجار لآخر وله حق الترك فيها إلى وقت الإدراك فإذا ذكر هذا حمل على أنه بحق لازم, كذا في شرح ظهير الدين المرغيناني ا هـ.
وفي جامع الفصولين باع شجرا عليه ثمر وكرما فيه عنب لا يدخل الثمر فلو استأجر الشجر من المشتري ليترك عليه الثمر لم يجز ولكن يعار إلى الإدراك فلو أبى المشتري يخير البائع إن شاء أبطل البيع أو قطع الثمر, ولو باع أرضا بدون الزرع فهو للبائع بأجر مثلها إلى الإدراك ا هـ. وفيه أيضا شرى قصيلا فلم يقبضه حتى صار حبا بطل البيع عند أبي حنيفة لا عند أبي يوسف. ا هـ. وينبغي على قياس هذا أنه لو باع ثمرة بدون الشجرة, ولم يدرك, ولم يرض البائع بإعارة الشجر أن يتخير المشتري إن شاء أبطل البيع, وإن شاء قطعها ووجهه فيهما إن في القطع إتلاف المال إذ لا ينتفع به وقوله لو باع أرضا بدون الزرع فهو للبائع بأجر مثلها مشكل لما قدمنا أنه يجب على البائع قطعه وتسليم الأرض فارغة, وليس هذا مذهب الأئمة الثلاثة من أنه يؤخر التسليم إلى الإدراك; لأنهم لم يوجبوا أجر المثل فليتأمل.
قوله: "ولو استثنى منها أرطالا معلومة صح" أي البيع والاستثناء; لأن ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه منه وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه بخلاف استثناء الحمل من الجارية الحامل أو الشاة وأطراف الحيوان, فإنه غير جائز كما إذا باع هذه الشاة إلا أليتها أو هذا العبد إلا يده, وهذا هو المفهوم من ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز وهو أقيس بمذهب الإمام في مسألة بيع صبرة طعام كل قفيز بدرهم, فإنه أفسد البيع بجهالة قدر المبيع وقت العقد وهو لازم في استثناء أرطال معلومة مما على الأشجار, وإن لم تفض إلى المنازعة.
فالحاصل أن كل جهالة تفضي إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن ما لا يفضي إليها يصح معها بل لا بد مع عدم الإفضاء إليها في الصحة من كون المبيع على حدود الشرع ألا ترى أن المتبايعين قد يتراضيا على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول كقدوم الحاج ونحوه

 

ج / 5 ص -460-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يعتبر ذلك مصححا. كذا في فتح القدير وفي المعراج وقيل رواية الحسن والطحاوي محمولة على ما إذا لم يكن الثمر منتفعا به; لأنه ربما يصيبه آفة وليس فيه إلا قدر المستثنى فيتطرق فيه الضرر ا هـ. ومحل الاختلاف ما إذا استثنى معينا, فإن استثنى جزءا كربع وثلث, فإنه صحيح اتفاقا, كذا في البدائع, ولذا قال في الكتاب أرطالا معلومة وقيد بقوله منها أي من الثمرة على رءوس النخيل; لأنه لو كان مجذوذا واستثنى منه أرطالا جاز اتفاقا.
وقيد بالأرطال; لأنه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا; لأنه استثناء القليل من الكثير بخلاف الأرطال لجواز أنه لا يكون إلا ذلك القدر فيكون استثناء الكل من الكل, كذا في البناية وسيأتي في البيع الفاسد الإيراد على القاعدة المذكورة في استثناء الحمل وهو أن الإيصاء بالخدمة منفردة جائز واستثناؤها لا, وكذلك الغلة. ونذكر جوابه وهي قاعدة مطردة منعكسة كما في البناية.
ولو باع صبرة بمائة إلا عشرها فله تسعة أعشارها بجميع الثمن, ولو قال على أن عشرها لي فله تسعة أعشارها بتسعة أعشار الثمن خلافا لما روي عن محمد أنه بجميع الثمن فيها وعن أبي يوسف لو قال أبيعك هذه المائة شاة بمائة على أن هذه لي أو ولي هذه فسد, ولو قال إلا هذه كان ما بقي بمائة, ولو قال ولي نصفها كان النصف بخمسين, ولو قال بعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة عن محمد جاز في كله بألف وخمسمائة; لأن المعنى باع نصفه بألف; لأنه الباقي بعد الاستثناء فالنصف المستثنى عين بيعه بخمسمائة, ولو قال على أن لي نصفه بثلاثمائة أو مائة دينار فسد لإدخال صفقة في صفقة, كذا في فتح القدير من البيع الفاسد وسيأتي تمامه في البيع الفاسد إن شاء الله تعالى قيدنا باستثناء بعض الثمار أو الصبرة; لأنه لو استثنى شاة من قطيع بغير عينها أو ثوبا من عدل بغير عينه لا يجوز, ولو استثنى واحدا بعينه جاز. كذا في الخانية.
وفيها أبيعك دارا على أن لي طريقا من هذا الموضع إلى باب الدار يكون فاسدا, وكذا لو شرط الطريق للأجنبي وبين موضعه وطوله وعرضه كان فاسدا, ولو قال أبيعك هذه الدار إلا طريقا منها من هذا الموضع إلى باب الدار ووصف الطول والعرض جاز البيع بشرط الطريق لنفسه أو لغيره; لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فيكون جميع الثمن يقابله غير المستثنى فلا يفسد البيع أما في الأول جعل الثمن مقابلا بجميع الدار فإذا شرط منها طريقا لنفسه أو لغيره يسقط حصته من الثمن وهو مجهول فيصير الباقي مجهولا, ولو قال أبيعك داري هذه بألف على أن لي هذا البيت بعينه لا يصح, ولو قال إلا هذا البيت جاز البيع. ولو قال بعتك هذه

 

ج / 5 ص -461-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدار إلا بناءها جاز البيع ولا يدخل البناء في البيع, ولو باع أرضا إلا هذه الشجرة بعينها بقرارها جاز البيع وللمشتري أن يمتنع عن تدلي أغصان الشجرة في ملكه; لأن المستثنى مقدار غلظ الشجرة دون الزيادة. رجلان اشتريا سيفا وتواضعا على أن يكون الحلية لأحدهما وللآخر النصل كان السيف المحلى بينهما والخاتم مع الفص كذلك, ولو اشتريا دارا على أن لأحدهما الأرض وللآخر البناء جاز كذلك, ولو اشتريا بعيرا وتواضعا على أن يكون لأحدهما رأسه وجلده وقوائمه وللآخر بدنه تواضعا في ذلك, ولم يذكر البائع شيئا فالكل لصاحب البدن; لأن البدن أصل وغيره بمنزلة التبع, ولو تواضعا على أن لأحدهما رأسه وجلده وقوائمه وللآخر لحمه فهو بينهما نصفان; لأن كل واحد من ذلك لا يحتمل الإفراد بالبيع وأحدهما ليس بأصل فكان الكل بينهما.
وفي التتارخانية لو قال أبيعك هذا الطعام بألف درهم إلا عشرة أقفزة منها فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف البيع جائز وللمشتري الخيار إذا عزل منه عشرة أقفزة, ولو باع بمائة إلا دينارا كان البيع بتسعة وتسعين اشترى أمة وفي بطنها ولد لغير البائع بالوصية لرجل فأجاز صاحب الولد بيع الجارية جاز ولا شيء له من الثمن, وإن لم يجز لم يجز; لأن الجنين بمنزلة أجزاء الجارية.
"تتمة" منها لو باع نصف عبد مشترك جاز وانصرف إلى نصيبه, ولو أقر بنصفه انصرف إلى النصفين ا هـ. وينبغي أن يكون الفرع الأول منها أعني مسألة الاستثناء العشرة الأقفزة مفرعا على رواية الحسن من عدم جواز البيع إذا استثنى من الثمر أرطالا معلومة وإلا فهو مشكل; لأنه يصح إيراد العقد عليه بانفراده فكيف لا يصح استثناؤه.
ثم اعلم أن حاصل ما نقلناه في هذه المسألة يدور على أربع قواعد: الأولى ما صح إيراد العقد عليه بانفراده صح استثناؤه سواء دخل في المبيع تبعا كالبناء والشجر أو لا وما لا فلا. الثانية ما صح استثناؤه صح اشتراطه للبائع إذا كان من المقدرات, وإن كان من القيميات فلا. الثالثة ما صح إيراد العقد عليه بانفراده صح اتفاقهما بعد العقد على أن يكون البعض لهذا والبعض لهذا كالبناء مع الأرض وما لا فلا كالسيف. والحيلة الرابعة إذا استثنى ما يصح, فإن ذكر للمستثنى ثمنا لو يكن للإخراج وكان الثمن الأول. والثاني كبعتك هذا العبد بألف إلا نصفه بخمسمائة وإلا كان للإخراج من المبيع ولا يسقط من الثمن شيء, وإن كان شرطا في المقدرات سقط ما قابله وقدمنا عن الظهيرية أنه لو باع سفل داره على أن يكون له حق قرار العلو عليه, فإنه يجوز.

 

ج / 5 ص -462-       كبيع بر في سنبله وباقلا في قشره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "كبيع بر في سنبله وباقلا في قشره" أي صحيح; لأنه مال متقوم منتفع به فيجوز بيعه في قشره كالشعير وفي البناية ومن أكل الفولية يشهد بذلك, وكذا الأرز والسمسم والجوز واللوز والفستق ولا يجوز بيعه بمثله من سنبل الحنطة لاحتمال الربا كما في فتح القدير وقدمنا أنه لا يجوز بيع قصيل البر بحنطة والقصيل الشعير يجز أخضر لعلف الدواب, كذا في المصباح وأورد المطالبة بالفرق بين ما إذا باع حب قطن في قطن بعينه أو نوى تمر في تمر بعينه أي باع ما في هذا القطن من الحب أو ما في هذا التمر من النوى, فإنه لا يجوز مع أنه أيضا في غلافه. وأشار أبو يوسف إلى الفرق بأن النوى هنالك معتبر عدما هالكا في العرف, فإنه يقال هذا تمر وقطن ولا يقال هذا نوى في ثمره ولا حب في قطنه ويقال هذه حنطة في سنبلها, وهذا لوز وفستق ولا يقال هذه قشور فيها لوز ولا يذهب إليه وهم بخلاف تراب الصاغة, فإنه إنما لا يجوز بيعه بجنسه لاحتمال الربا حتى لو باع بخلاف جنسه جاز وفي مسألتنا لو باع بجنسه لا يجوز لشبهة الربا والصاغة جمع صائغ. والمراد بيع برادة الذهب كما في البناية وما ذكرنا يخرج الجواب عن امتناع بيع اللبن في الضرع واللحم والشحم في الشاة والألية والأكارع والجلد فيها والدقيق في الحنطة والزيت في الزيتون والعصير في العنب ونحو ذلك حيث لا يجوز; لأن كل ذلك منعدم في العرف لا يقال هذا عصير وزيت في محله فكذا الباقي واعلم أن الوجه يقتضي ثبوت الخيار بعد الاستخراج في ذلك كله; لأنه لم يره, كذا في فتح القدير.
قيد بيع الحنطة; لأنه لو باع تبن الحنطة في سنبلها دون الحنطة لم ينعقد لا; لأنه يصير تبنا إلا بالعلاج وهو الدق فلم يكن تبنا قبله فكان بيع المعدوم فلا ينعقد بخلاف الجذع في السقف أنه ينعقد حتى لو نزعه وسلمه أجبر على الأخذ وهنا لا, كذا في البدائع والمراد بتراب الصاغة التراب الذي فيه ذرات الذهب فلا يجوز بيعه بجنسه لاحتمال الربا ولا ينصرف إلى خلاف الجنس تحريا للجواز كما في بيع درهم ودينارين بدينار ودرهمين; لأن التراب ليس بمال متقوم كذا في المعراج.
ولو اشترى تراب الصواغين بعرض إن وجد في التراب ذهبا أو فضة جاز بيعه; لأنه باع مالا متقوما, وإن لم يجد شيئا من ذلك لا يجوز; لأن التراب غير مقصود, وإنما المقصود ما فيه من الذهب والفضة, وقال أبو يوسف لا ينبغي للصائغ أن يأكل ثمن التراب الذي باعه; لأن فيه مال الناس إلا أن يكون الصائغ قد زاد الناس في متاعهم بقدر ما سقط منهم في التراب, وكذا الدهان إذا باع الدهن وبقي من الدهن شيء في الأوعية, كذا في الخانية.
وفيها أيضا لو باع مائة من من حليج هذا القطن لا يجوز, ولو كانت الحنطة في سنبلها

 

ج / 5 ص -463-       وأجرة الكيل على البائع, وأجرة نقد الثمن ووزنه على المشتري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فباعها جاز ولا يجوز بيع النوى في التمر, ولو باع حب قطن بعينه جاز كذا اختاره الفقيه أبو الليث, ولو اشترى البزر الذي في جوف البطيخ لا يجوز, وإن رضي صاحبه بأن يقطع البطيخ, ولو ذبح شاة فباع كرشها قبل السلخ جاز وكان على البائع إخراجه وتسليمه إلى المشتري وللمشتري خيار الرؤية, ولو ابتلعت دجاجة لؤلؤة فباع حبة اللؤلؤة التي في بطنها جاز ولا خيار للمشتري إن كان رآها إلا إذا تغيرت, وإن لم يكن المشتري رأى اللؤلؤة فله الخيار إذا رآها, ولو اشترى لؤلؤة في صدف, قال أبو يوسف يجوز البيع وله الخيار إذا رأى, وقال محمد لا يجوز وعليه الفتوى والباقلا الفول والحليج بمعنى المحلوج وهو ما خلص حبه من قطنه.
وفي البزازية لو باع حنطة في سنبلها لزم البائع الدرس والتذرية, وكذا لو أطلق وله حنطة في سنبلها فصار حاصل ما نقلناه أنه إذا باع شيئا مستورا, فإن كان مستورا بما هو خلقي فيه أو لا. والثاني شراء ما لم يره جائز عندنا والأول لا يخلو إما أن يكون المبيع موجودا في العرف أو معدوما, فإن كان موجودا جاز كبيع حنطة في سنبلها وأرز وسمسم وجوز, ولوز وكرش شاة مذبوحة قبل سلخها ولؤلؤة في بطن دجاجة, وإن كان يقال في العرف أنه معدوم لم يجز كبيع حب قطن فيه نوى تمر فيه ولبن في ضرع ولحم وشحم وألية في شاة وأكارع وجلد فيها ودقيق في حنطة وزيت في زيتون وعصير في عنب ومحلوج قطن فيه ولؤلؤة في صدف على المفتى به وتبن حنطة في سنبلها..
قوله: "وأجرة الكيل على البائع" يعني إذا بيع مكايلة, وكذا أجرة الوزان والعداد عليه والذراع; لأنه من تمام التسليم وتسليم المبيع عليه فكذا ما كان من تمامه قيد بالكيل; لأن صب الحنطة في الوعاء على المشتري, وكذا إخراج الطعام من السفينة, وكذا قطع العنب المشترى جزافا عليه, وكذا كل شيء باعه جزافا كالثوم والبصل والجزر إذا خلى بينها وبين المشتري, وكذا قطع الثمر إذا خلى بينها وبين المشترى, كذا في الخلاصة وأشار إلى أنه لو اشترى حنطة في سنبلها فعلى البائع تخليصها بالدرس والتذرية ودفعها إلى المشتري وهو المختار.
وفي المعراج والتبن للبائع, وإذا اشترى ثيابا في جراب ففتح الجراب على البائع وإخراج الثياب على المشتري وقيل كما يجب الكيل على البائع فالصب في وعاء المشتري يكون عليه أيضا, وكذا لو اشترى ماء من سقاء في قربة كان صب الماء على السقاء والمعتبر في هذا العرف, كذا في الخانية وفي المجتبى لو اشترى وقر حطب في المصر فالحمل على البائع..
قوله: "وأجرة نقد الثمن ووزنه على المشتري" لما ذكرنا أن الوزن من تمام التسليم وتسليم الثمن على المشتري فكذا ما يكون من تمامه, وكذا يجب عليه تسليم الجيد; لأن حق البائع

 

ج / 5 ص -464-       ومن باع سلعة بثمن سلمه أولا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعلق به وما ذكره المصنف في نقد الثمن هو الصحيح كما في الخلاصة وهو ظاهر الرواية كما في الخانية وبه كان يفتي الصدر الشهيد قال وبه يفتى إلا إذا قبض البائع الثمن, ثم جاء يرده بعيب الزيافة, فإنه على البائع. وأما أجرة نقد الدين, فإنه على المديون إلا إذا قبض رب الدين الدين, ثم ادعى عدم النقد فالأجرة على رب الدين; لأنه بالقبض دخل في ضمانه فالناقد إنما يميز ملكه ليستوفي بذلك حقا له فالأجرة عليه وأطلق في أجرة الناقد فشمل ما إذا قال المشتري دراهمي منتقدة أو لا وهو الصحيح خلافا لمن فصل, كذا في الخانية. وأما حكم الصيرفي إذا نقد, ثم ظهر أن فيها زيوفا, فقال في إجارات البزازية استأجره لينقد الدراهم فنقد, ثم وجده زيوفا يرد الأجرة, وإن وجد البعض زيوفا يرد بقدره ا هـ.
قوله: "ومن باع سلعة بثمن سلمه أولا" أي سلم الثمن أن يتسلم المبيع لاقتضاء العقد المساواة, وقد تعين حق المشتري في المبيع فيسلم الثمن أولا ليتعين حق البائع تحقيقا للمساواة وفي البزازية باع بشرط أن يدفع المبيع قبل نقد الثمن فسد البيع; لأنه لا يقتضيه العقد, وقال محمد لا يصح لجهالة الأجل حتى لو سمى الوقت الذي يسلم فيه البيع جاز ا هـ. ولا بد من إحضار السلعة ليعلم قيامها فإذا أحضرها البائع أمر المشتري بتسليم الثمن وله أن يمتنع عن دفعه إذا كان المبيع غائبا, ولو عن المصر وفي السراج الوهاج بخلاف الرهن إذا كان في موضع آخر غير موضع المتراهنين من حيث تلحقه المؤنة بالإحضار, فإنه لا يؤمر المرتهن بإحضاره بل يسلم الراهن الدين إذا أقر المرتهن بقيام الرهن, فإن ادعى الراهن هلاكه فالقول قول المرتهن أنه لم يهلك لكون الرهن أمانة في يد المرتهن كالوديعة فلا يؤمر بإحضاره إذا لحقه مؤنة. وأما في البيع فالثمن بدل إلخ ا هـ.
وفي آخر رهن الخانية أن المشتري إذا لقي البائع في غير مصرهما وطلب منه تسليم المبيع, ولم يقدر عليه يأخذ المشتري منه كفيلا أو يبعث وكيلا ينقد الثمن له, ثم يتسلم المبيع ولا بد من كون الثمن حالا; لأنه لو كان مؤجلا لا يلزمه دفعه أو لا وقدمنا أول الكتاب بعض مسائل التأجيل ولا بد أن لا يكون في البيع خيار للمشتري فلو كان له ليس للبائع مطالبته بالثمن قبل سقوطه, وقد صرح به في خيار الرؤية من القنية.
وفي فتح القدير من خيار الشرط وقد استفيد من كلامه أن للبائع حق حبس المبيع حتى يستوفي الثمن كله, ولو بقي منه درهم إلا أن يكون مؤجلا كما قدمناه فلو كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فله حبس المبيع إلى استيفاء الحال, ولو باعه شيئين صفقة واحدة وسمى لكل واحد ثمنا فدفع المشتري حصة أحدهما كان للبائع حبسهما حتى يستوفي حصة الآخر, ولو أبرأ

 

ج / 5 ص -465-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشتري عن بعض الثمن كان له الحبس حتى يستوفي الباقي; لأن البراءة كالاستيفاء ولا يسقط حقه في الحبس بالرهن ولا بالكفيل ويسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا. وكذا بحوالة المشتري البائع به على رجل عند أبي يوسف للبراءة كالإيفاء وفرق محمد بينهما ببقاء مطالبة البائع فيما إذا كان محتالا وبسقوطها فيما إذا كان محيلا, وكذا فرق محمد في الرهن, فقال إن أحال المرتهن بدينه على الراهن لم يبق له حق حبسه, وإن احتال به على رجل لم يسقط وتأجيل الثمن بعد البيع بالحال مسقط لحقه في الحبس, وكذا إذا كان الثمن مؤجلا فلم يقبض المشتري حتى حل سقط الحبس. وقدمنا أن الأجل من وقت القبض عند الإمام إن لم تكن السنة معينة, وإن كانت معينة ومضت فلا بقاء له إجماعا ومحل الاختلاف فيما إذا امتنع البائع من التسليم أما إذا لم يمتنع فابتداؤه من وقت العقد إجماعا, ولو سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن سقط حقه فليس له بعده رده إليه, ولو أعاره البائع له أو أودعه إياه على المشهور بخلاف المرتهن إذا أعار الرهن من الراهن, فإنه لا يبطل الرهن فله استرجاعه, ولو قبضه المشتري بغير إذن لم يسقط حقه في الحبس. كذا في السراج الوهاج والإجارة كالعارية الوديعة كما في المحيط.
وفي الظهيرية المشتري إذا قبض المبيع قبل نقد الثمن والبائع يراه, ولم يمنعه من القبض كان إذنا وهي من مسائل السكوت. وأما تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه فعلى وجهين: قولي وحسي فالأول, فإن أعاره أو وهبه أو تصدق به أو رهنه وقبضه المرتهن جاز, ولو باع أو آجر لا يجوز قال محمد رحمه الله كل تصرف يجوز من غير قبض إذا فعله المشتري قبل القبض لا يجوز وكل ما لا يجوز إلا بالقبض كالهبة إذا فعله المشتري قبل القبض جاز ويصير المشتري قابضا. كذا في الظهيرية, ولو أودع المشتري من البائع أو أعاره أو آجره لم يكن قبضا, ولو أودعه عند أجنبي أو أعاره وأمر البائع بالتسليم إليه كان قبضا, كذا في المحيط. وفي الخانية لو قال المشتري للغلام تعال معي وامش فتخطى معه فهو قبض, ولو قال البائع للمشتري بعد البيع خذ لا يكون قبضا, ولو قال خذه يكون تخلية إذا كان يصل إلى أخذه, ولو دفع بعض الثمن, وقال للبائع تركته عندك رهنا على الباقي أو قال تركته وديعة عندك لا يكون قبضا ا هـ. وإعتاق المبيع قبل القبض قبض, ولو اشترى حاملا فأعتق ما في بطنها لا يكون قبضا لاحتمال أنه لم يصح إعتاقه فلم يصر متلفا. وأما الثاني فالمشتري إذا أتلف المبيع أو أحدث فيه عيبا قبل القبض يصير قابضا, وكذا لو أمر البائع بذلك فعمل البائع, وإذا أمر المشتري البائع بطحن الحنطة فطحن صار قابضا والدقاق للمشتري كذا في الخانية.
ووطء المشتري الجارية قبض إن حبلت وإلا فله حبسها, فإن منعها البائع تموت من ماله ولا عقر عليه; لأنه وطئ ملك نفسه, وإن نقصها الوطء تأكد عليه حصة النقصان من الثمن, ولو

 

ج / 5 ص -466-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوجها المشتري صار قابضا قياسا لا استحسانا, وكذا لو أقر عليه بدين, ولو أرسل المشتري العبد في حاجته صار قابضا فلو أمر البائع أن يأمر العبد بعمل فأمره صار قابضا كما لو أمره أن يؤخره لإنسان وما يأخذ البائع من الأجر محسوب عليه من الثمن, ولو اشترى دابة والبائع راكبها, فقال المشتري احملني معك فحمله معه فهلكت فهي على المشتري وركوبه قبض, كذا في المحيط.
وأما أمره للبائع بفعل شيء قبل القبض ففي الخانية لو قال للبائع بعها أو طأها أو كل الطعام ففعل, فإنه يكون فسخا للبيع وما لم يفعله لا ينفسخ ولكن البيع على ثلاثة أوجه, فإن قال بعه لنفسك فباعه انفسخ, ولو قال بعه لي لا يجوز البيع ولا ينفسخ, ولو قال بعه أو بعه ممن شئت فباعه انفسخ وجاز البيع الثاني للمأمور في قول محمد, وقال أبو حنيفة لا يكون فسخا كقوله بعه لي, ولو اشترى ثوبا أو حنطة, فقال للبائع بعه قال الإمام الفضلي إن كان قبل القبض والرؤية كان فسخا, وإن لم يقل البائع نعم; لأن المشتري ينفرد بالفسخ في خيار الرؤية, وإن قال بعه لي أي كن وكيلا في الفسخ فما لم يقبل البائع, ولم يقل نعم لا يكون فسخا, وإن كان بعد القبض والرؤية لا يكون فسخا ويكون وكيلا بالبيع سواء قال بعه أو بعه لي ا هـ. وفي البناية اشترى دهنا ودفع قارورة ليزنه فيها فوزنه فيها بحضرة المشتري فهو قبض, وكذا بغيبته في الأصح, وكذا كل مكيل أو موزون إذا دفع له الوعاء فكاله أو وزنه في وعائه بأمره, ولو غصب شيئا, ثم اشتراه صار قابضا وليس للبائع حبسه بخلاف الوديعة والعارية إلا إذا وصل إليه بعد التخلية, ولو اشترى حنطة في السواد يجب تسليمها فيه.
وفي الظهيرية والبزازية دفع إلى قصاب درهما, وقال اعطني بهذا الدرهم لحما وزنه وضعه في هذا الزنبيل في حانوتك حتى أجيء بعد ساعة ففعل القصاب ذلك فأكلت الهرة اللحم قال الشيخ الإمام الفضلي إن لم يبين موضع القطع كان الهلاك على القصاب, وإن بين, فقال من الجنب أو من الذراع كان الهلاك على المشتري, وهذا بخلاف ما قدمناه, فإن المشتري إنما يصير قابضا إذا كان الوزن بحضرته وهنا قال يصير قابضا, وإن لم يكن الوزن بحضرته وهكذا ذكر في الجامع الصغير فكان في المسألة روايتان ا هـ.
وأما ما يصير به قابضا حقيقة ففي التجريد تسليم المبيع أن يخلي بينه وبين المبيع على وجه يتمكن من قبضه بغير حائل, وكذا تسليم الثمن وفي الأجناس يعتبر في صحة التسليم ثلاثة معان أن يقول خليت بينك وبين المبيع وأن يكون بحضرة المشتري على صفة يتأتى فيه الفعل من غير مانع وأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره فلو كان المبيع شاغلا كالحنطة في جوالق

 

ج / 5 ص -467-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البائع لم يمنعه. وفي القنية لو باع حنطة في سنبلها فسلمها كذلك لم يصح كقطن في فراش ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية, وإن كانت متصلة بملك البائع وعن الوبري المتاع لغير البائع لا يمنع فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده وكان أبو حنيفة يقول القبض أن يقول خليت بينك وبين المبيع فاقبضه ويقول المشتري وهو عند البائع قبضته فلو أخذ برأسه وصاحبه عنده فقاده فهو قبض دابة كانت أو بعيرا, وإن كان غلاما أو جارية, فقال له المشتري تعال معي أو امش فخطا معه فهو قبض, وكذا لو أرسله في حاجته; وفي الثوب إن أخذه بيده أو خلى بينه وبينه وهو موضوع على الأرض, فقال خليت بينك وبينه فاقبضه, فقال قبضته فهو قبض, وكذا القبض في البيع الفاسد بالتخلية, ولو اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاح إليه, وقال خليت بينك وبينها فهو قبض, وإن دفعه, ولم يقل شيئا لا يكون قبضا, ولو باع دارا غائبة, فقال سلمتها إليك, فقال قبضتها لم يكن قبضا, وإن كانت قرية كان قبضا وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة وأطلق في المحيط إن بالتخلية يقع القبض, وإن كان المبيع ببعد عنهما, وقال الحلواني ذكر في النوادر إذا باع ضيعة وخلى بينها وبين المشتري إن كان بقرب منها يصير قابضا, وإن كان ببعد لا يصير قابضا قال والناس عنه غافلون, فإنهم يشترون الضيعة بالسواد ويقرون بالتسليم والقبض وهو لا يصح به القبض.
وفي جامع شمس الأئمة يصح القبض, وإن كان العقار غائبا عنهما عند أبي حنيفة خلافا لهما. وفي جمع النوازل دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه من غير تكلف, وكذا لو اشترى بقرا في السرح, فقال البائع اذهب فاقبض إن كان يرى بحيث يمكنه الإشارة إليه يكون قبضا, ولو باع خيلا ونحوه في دن وخلى بينه وبين المشتري في دار المشتري وختم المشتري على الدن فهو قبض, ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه حتى أخذه إنسان إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم, وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح, ولو اشترى طيرا في بيت والباب مغلق فأمره البائع بالقبض فلم يقبض حتى هبت الريح ففتحت الباب فطار لا يصح التسليم, وإن فتحه المشتري فطار صح التسليم; لأنه يمكنه التسليم بأن يحتاط في الفتح, ولو اشترى فرسا في حظيرة, فقال البائع سلمتها إليه ففتح المشتري الباب فذهبت الفرس إن أمكنه أخذها من غير عون كان قبضا وهو تأويل مسألة الطير وفي مكان آخر من غير عون ولا حبل, وإن اشترى دابة والبائع راكبها, فقال المشتري احملني معك فحمله فعطبت هلكت على المشتري قال القاضي الإمام هذا إذا لم يكن على الدابة سرج, فإن كان عليها سرج وركب المشتري في السرج يكون قابضا وإلا فلا, ولو كانا راكبين فباع المالك منهما الآخر

 

ج / 5 ص -468-       ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يصير قابضا كما إذا باع الدار والبائع والمشتري فيها. ا هـ. كذا في فتح القدير.
ثم اعلم أن ما ذهب إليه الإمام الحلواني من عدم صحة تخلية البعيد هو ظاهر الرواية كما في الخانية والظهيرية وفي الخانية والصحيح ظاهر الرواية وفي الظهيرية والاعتماد على ما ذكرنا في ظاهر الرواية زاد في الخانية, وكذا الهبة والصدقة ا هـ. فقد علمت ضعف ما في المحيط وجامع شمس الأئمة وعلى هذا تخلية البعيد في الإجارة غير صحيحة فكذا الإقرار بتسلمها وفي النهاية معزيا إلى الغاية أن القبض في العقار بالتخلية وفي المنقول بالنقل إلى مكان لا يختص بالبائع. وفي البزازية عشرة أشياء لو فعلها البائع بإذن المشتري كان قابضا الأمر بختان الغلام والجارية والفصد وقطع عرف الفرس أو كان ثوبا فأمره بالقصارة أو الغسل أو مكعبا فأمره بنعله أو نعلا فأمره بحذائه أو طعاما فأمره بالطبخ أو دارا فآجرها من البائع أو جارية فأمره بتزويجها فزوجها ودخل بها الزوج صار قابضا وبلا دخول لا يصير قابضا, وكذا لو زوجها المشتري لا يصير قابضا ودخول الزوج وفعل المشتري واحدا من هذه العشرة بعد علمه بالعيب يمنع الرد والرجوع بالنقص, ولو استأجر المشتري البائع لغسل الثوب أو قطعه إن كان ذلك ينقص المبيع صار قابضا, وإن قال له اعتقه فأعتقه البائع قبل قبضه عنه جاز عند الإمام ومحمد خلافا للثاني, ولو أمر البائع أن يطرحه في الماء فطرحه صار قابضا بخلاف ما إذا أمر المديون أن يطرح الدين في الماء فطرحه لا يكون مؤديا, وكذا لو استقرضه كذا فجاء به فأمره بصبه في الماء فصبه المقترض كان له منه, ولو دفع البائع المبيع لمنكوحة المشتري لا يكون قابضا ا هـ. وفي البزازية أيضا قبض المشتري بلا إذن البائع قبل نقد الثمن وبنى أو غرس أو ثوبا فصبغه ملك الاسترداد, وإن تلف عند البائع ضمن ما زاد البناء والصبغ المشترى; المفلس دبر أو أعتق المشتري قبل قبضه جاز ولا سعاية على الغلام إلا عند الثاني, فإن كاتبه أو آجره أو رهنه قبل قبضه ونقد الثمن أبطل القاضي هذه التصرفات إن شاء البائع, فإن نقده قبل الإبطال جازت الكتابة وبطل الرهن والإجارة, ولو جارية فوطئها المشتري فحبلت أو ولدت لا يتمكن البائع من الحبس, وإن لم تلد, ولم تحبل له الحبس, فإن ماتت في يد البائع إن أخذت بيعا فمن البائع وإلا فمن المشتري لعدم نقص القبض قال عبد لمولاه اشتريت نفسي منك فباع المولى صح ولا يملك المولى حبسه لاستيفاء الثمن; لأنه صار قابضا بنفس العقد كمن اشترى دارا وهو ساكن فيه يصير قابضا بالشراء ولا يملك البائع الحبس, وكذا لو وكل أجنبي العبد ليشتريه من مولاه له فأعلم المولى واشترى نفسه له لا يملك البائع حبسه للثمن لعود الحقوق إلى العبد الوكيل ا هـ.
وفيها أيضا قبض المشتري المشترى قبل نقده بلا إذنه فطلبه منه فخلى بينه وبين البائع

 

ج / 5 ص -469-       وإلا معا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكون قبضا حتى يقبضه بيده بخلاف ما إذا خلى البائع بينه وبين المشترى. ا هـ. وسنتكلم على هلاك المبيع إن شاء الله تعالى في خيار الشرط ومحله هنا ولكن تركناه خوف الإطالة.
وفي الولوالجية باعه حبا في بيت ولا يمكن إخراجه إلا بقلع الباب أجبر البائع على تسليمه خارجا من البيت; لأن التسليم واجب فيجبر عليه, ولو أمره بقبض الفرس والبائع ممسك بعنانه ففر من يدهما كان على المشتري; لأن تسليم الفرس كذلك يكون.
قوله: "وإلا معا" أي, وإن لم يكن المبيع عينا والثمن دينا, فإن البائع يسلم المبيع مع تسليم المشتري الثمن وهو صادق بثلاث صور: إحداها أن يكونا ثمنين. الثانية أن يكونا عينين. الثالثة أن يكون المبيع دينا والثمن سلعة وهو ليس بمراد هنا; لأنه من باب السلم, فإن المبيع فيه هو المسلم فيه وهو دين والواجب أولا تسليم العين وهو رأس المال كما إن البيع إذا وقع بثمن مؤجل فالواجب أولا تسليم العين, والله أعلم تم.