البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 6 ص -5-
بسم الله الرحمن الرحيم
باب خيار الشرط
صح للمتبايعين أو
لأحدهما ثلاثة أيام
ــــــــــــــــــــــــ
باب خيار الشرط
من إضافة الشيء إلى سببه
لأن الشرط سبب للخيار وفي المصباح الخيار
الاختيار وفسره في فتح الباري بالتخيير بين
الإمضاء والفسخ وهو ثابت بالنص على غير القياس
وحين ورد بالنص به جعلناه داخلا على الحكم
مانعا له تقليلا لعمله بقدر الإمكان ولم نجعله
داخلا على أصل البيع للنهي عن بيع بشرط البيع
الذي شرط فيه الخيار يقال فيه علة اسما ومعنى
لا حكما وللخالي عنه علة اسما ومعنى وحكما.
قال أهل الأصول الموانع خمسة مانع يمنع انعقاد
العلة وهو حرية المبيع فلم ينعقد في الحر لعدم
المحل ومانع يمنع تمامها كبيع مال الغير ومانع
يمنع ابتداء الحكم وهو خيار الشرط ومانع يمنع
تمامه كخيار الرؤية للمشتري ومانع يمنع لزومه
كخيار العيب وقد حققنا في شرحنا على المنار أن
تقسيمهم الموانع مبني على قول ضعيف للأصوليين
وهو جواز تخصيص العلل وأما على الصحيح من أنه
لا يجوز تخصيصها فلا مانع لها أصلا ففي كل
موضع عدم الحكم فإنما هو لعدم العلة فتخلف
الملك مع شرط الخيار إنما هو لعدم العلة لأنه
البيع بلا خيار وقولهم فيما فيه خيار علة اسما
ومعنى لا حكما مجاز على الصحيح لأن الموجود
فيه شطر العلة لا كلها لأنها لا تتم إلا
بأوصاف ثلاثة:
أن تكون موضوعة وأن تكون مؤثرة وأن يوجد الحكم
عقبها بلا تراخ فما دام الخيار باقيا لم تتم
العلة فإذا سقط تمت وتمامه في تقرير الأكمل في
بحث تقسيم العلة إلى سبعة والخيارات في البيع
لا تنحصر في الثلاثة كما قدمناه بل هي ثلاثة
عشر خيارا والرابع خيار الغبن وسنتكلم عليه في
المرابحة حيث ذكروه هناك والخامس خيار الكمية
وقدمناه أول البيوع والسادس خيار الاستحقاق
وسيأتي في باب خيار العيب والسابع خيار كشف
الحال كما قدمناه والثامن خيار تفرق الصفقة
بهلاك البعض قبل القبض وسيأتي أيضا والتاسع
خيار إجازة عقد الفضولي والعاشر خيار فوات
الوصف المشروط المستحق بالعقد كاشتراطه
الكتابة والحادي عشر خيار التعيين الثاني عشر
في المرابحة خيار الخيانة الثالث عشر من
الخيارات خيار نقد الثمن وعدمه كما يأتي في
هذا الباب.
"قوله:
صح للمتبايعين أو لأحدهما ثلاثة أيام"
أي جاز للبائع وللمشتري معا أو لأحدهما في
المدة المذكورة والظاهر أن الضمير يعود إلى
الخيار وفي الوقاية والنقاية صح خيار
ج / 6 ص -6-
الشرط فأبرزه والأولى ما في الإصلاح صح شرط
الخيار لأن الموصوف بالصحة شرط الخيار لا نفس
الخيار والأصل في ثبوته ما رواه ابن ماجه في
سننه أن حبان بن منقذ بن عمرو كان رجلا قد
أصابته آمة في رأسه فكسرت أسنانه وكان لا يدع
على ذلك التجارة فكان لا يزال يغبن فأتى النبي
صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال له:
"إذا أنت بايعت
فقل لا خلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها
بالخيار ثلاث ليال فإذا رضيت فأمسك وإن سخطت
فارددها على صاحبها"1.
وحبان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة
والخلابة الخداع وفائدة قوله لا "خلابة" أي لا
خديعة في الدين لأن الدين النصيحة وللإعلام
بأنه ليس من ذوي البصائر بالسلع فالواجب
نصيحته فلا تخدعوه بشيء اعتمادا على معرفته بل
انصحوه لأنه ليس عالما بها كذا في فتح الباري
والآمة شجة تصيب أم الرأس وكان حبان ألثغ
باللام فكان يقول لا خذابة فقوله "إذا بايعت"
شامل للبائع والمشتري وبه اندفع قول سفيان
الثوري إنه لا يجوز إلا للمشتري عملا بحديث
الحاكم2 فجعل له الخيار فيما اشتراه ولأنه
إنما جاز للحاجة إلى دفع الغبن بالتروي وهما
فيها سواء وفي الخانية إذا شرط الخيار لهما لا
يثبت حكم العقد أصلا. ا هـ.
وقيد بقوله "للمتبايعين" الدال على أن الشرط
كان بعد العقد أو مقارنا للاحتراز عما إذا كان
قبله فلو قال جعلتك بالخيار في البيع الذي
نعقده ثم اشترى مطلقا لم يثبت كما في
التتارخانية
وأطلقه فشمل البيع الفاسد فهو كالصحيح يثبت
فيه خيار الشرط ولما كان خلاف الأصل فإذا
اختلفا في اشتراطه فالقول لمن أنكره عند
الإمام في ظاهر الرواية وعند محمد القول
لمدعيه والبينة للآخر كذا في الخانية وشمل ما
إذا شرطاه وقت العقد أو ألحقاه به فلو قال
أحدهما بعد البيع ولو بأيام جعلتك بالخيار
ثلاثة أيام صح إجماعا فلو شرطاه بعده أزيد من
الثلاثة فسد العقد عنده خلافا لهما كما لو
ألحقا بالبيع شرطا فاسدا فإنه يلتحق ويفسد
العقد عنده وعندهما لا يفسد ويبطل الشرط
وفي "جامع الفصولين" هو يصح في ثمانية أشياء
في بيع وإجارة وقسمة وصلح عن مال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه في "سننه" في كتاب الأحكام،
باب الحجر على من يفسد ماله، (2355) من حديث
يحيى بن حبان. والحاكم في "المستدرك" (2/22)،
والبيهقي في "سننه" كتاب البيوع، باب الدليل
على أنه لا يجوز شرط الخيار في البيع أكثر من
ثلاثة أيام (5/273).
2 ورواية الحاكم تم تخريجه فيما سبق.
ج / 6 ص -7-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
بعينه وبغير عينه وكتابة وخلع وعتق على مال لو
شرط للمرأة والقن ولو شرط الخيار للراهن جاز
لا للمرتهن إذ له نقض الرهن متى شاء بلا خيار
ولو كفل بنفس أو مال وشرط الخيار للمكفول له
أو للكفيل جاز. ا هـ.
ويصح شرط الخيار في الإبراء بأن قال أبرأتك
على أني بالخيار ذكره فخر الإسلام من بحث
الهزل ويصح أيضا اشتراطه في تسليم الشفعة بعد
طلب المواثبة ذكره فيه أيضا ويصح اشتراطه في
الحوالة أيضا وفي الوقف على قول أبي يوسف
وينبغي صحته في المزارعة والمعاملة لأنها
إجارة فهي خمسة عشر موضعا ولا يصح في النكاح
والطلاق واليمين والنذر والإقرار بعقد والصرف
والسلم والوكالة علله قاضي خان بأنه إنما يدخل
في لازم يحتمل الفسخ.
وفي الولوالجية اشترى عبدا واشترط أن للمشتري
خيار يومين بعد شهر رمضان والشراء في آخر
رمضان فهو جائز ويكون له الخيار ثلاثة أيام
اليوم الآخر من رمضان ويومين بعده لأنه سكت عن
الخيار يوم العقد وأمكن تصحيح هذا العقد ولعل
تصحيح هذا العقد باشتراط الخيار يوم العقد
ويومين بعد رمضان ولو قال البائع للمشتري لا
خيار لك في رمضان فالبيع فاسد لأنه تعذر تصحيح
العقد. ا هـ.
وفي فتح القدير لو قال له أنت بالخيار فله
خيار المجلس فقط ولو قال إلى الظهر فعند أبي
حنيفة يستمر إلى أن يخرج وقت الظهر وعندهما لا
تدخل الغاية ا هـ. وكذا إلى الليل أو إلى
ثلاثة أيام يدخل ما بعد إلى وشمل ما إذا شرطاه
في كل المبيع أو بعضه لما في السراجية اشترى
مكيلا أو موزونا أو عبدا وشرط الخيار له في
نصفه أو ثلثه أو ربعه جاز مذكورة في الزيادات.
ا هـ. وسيأتي حكم ما إذا كان المبيع متعددا
فجعل الخيار في البعض وهو خيار التعيين وفي
التتارخانية وإذا اشترطه المشتري له في الثمن
أو في المبيع كان له الخيار فيهما. ا هـ. ولو
اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار
فأعطاه بها مائة دينار ثم فسخ البيع فعن أبي
يوسف الصرف جائز ويرد الدراهم والصرف باطل على
قول أبي حنيفة كذا في التتارخانية فإن قلت: قد
صرح فيه أنه لو أطلق الخيار فسد البيع ولا شك
أن قوله أنت بالخيار أو لك الخيار إطلاق فما
التوفيق قلت: قد صور في الولوالجية والخلاصة
مسألة أنت بالخيار أنه باع بلا خيار ثم لقيه
بعد مدة فقال له أنت بالخيار فله الخيار ما
دام في المجلس بمنزلة قوله لك الإقالة بخلاف
ما إذا أطلقاه وقت العقد وفي الخانية ابتداء
التأجيل في البيع بثمن مؤجل بخيار من وقت
سقوطه لا من وقت العقد سواء كان الخيار للبائع
أو للمشتري وللشفيع الطلب وقت العقد حيث علم
لا وقت السقوط ويطلب في بيع الفضولي وقت
الإجازة
ج / 6 ص -8-
ولو أكثر لا.
ــــــــــــــــــــــــ
وفي البيع الفاسد حين انقطاع الاسترداد وفي
الهبة بشرط العوض روايتان في رواية يطلب عند
القبض وفي رواية عند العقد وهو الصحيح ولو كان
الخيار للبائع فصالحه المشتري على معين لإمضاء
البيع صح ويكون زيادة في الثمن وكذا لو كان
الخيار للمشتري فصالحه البائع على إسقاطه فحط
عنه من الثمن كذا أو زاده عرضا جاز ا هـ. فلو
صالح البائع على إبطال البيع ويعطيه مائة ففعل
انفسخ البيع ولا شيء له كذا في التتارخانية.
وأطلق في المتبايعين فشمل الأصيل والنائب فصح
للوكيل والوصي كما في الخانية ولو أمره ببيع
مطلق فعقد بخيار له أو للأمر أو لأجنبي صححاه
ولو أمره ببيع بخيار للآمر فشرط لنفسه لا يجوز
وإن كان اشتراط الخيار لنفسه اشتراطا للآمر
لأن الآمر إذا أمره ببيع لا يكون للمأمور فيه
رأي وتدبير ويكون للآمر كله وفيما يفعله يكون
له رأي ويكون للآمر بطريق التبعية فيكون
مخالفا ولو أمره بشراء بخيار للآمر فاشتراه
بدون الخيار نفذ الشراء عليه دون الآمر
للمخالفة بخلاف ما إذا أمره ببيع خيار فباع
باتا حيث يبطل البيع أصلا كذا في الولوالجية
فإن قلت: هل يصح تعليق إبطاله وإضافته قلت:
قال في الخانية لو قال من له الخيار إن لم
أفعل كذا اليوم فقد أبطلت خياري كان باطلا ولا
يبطل خياره وكذا لو قال في خيار العيب إن لم
أرده اليوم فقد أبطلت خياري ولم يرده اليوم لا
يبطل خياره ولو لم يكن كذلك ولكن قال أبطلت
غدا أو قال أبطلت خياري إذا جاء غد فجاء غد
ذكر في المنتقى أنه يبطل خياره قال وليس هذا
كالأول لأن هذا وقت يجيء لا محالة بخلاف الأول
ا هـ. فقد سووا بين التعليق والإضافة في
المحقق مع أنهم لم يسووا بينهما في الطلاق
والعتاق وفي التتارخانية لو كان الخيار
للمشتري فقال إن لم أفسخ اليوم فقد رضيت وإن
لم أفعل كذا فقد رضيت لا يصح ا هـ.
"قوله
ولو أكثر لا" أي لا يصح
اشتراطه أكثر من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة
وقالا يجوز إذا سمى مدة معلومة لحديث ابن عمر
أنه عليه السلام أجاز الخيار إلى شهرين1 وله
أنه مخالف لمقتضى العقد وهو اللزوم ثبت نصا
على خلاف القياس في المدة المذكورة للتروي وهو
يحصل فيها فلا حاجة إلى ما زاد عليها ويدل
عليه حديث عبد الرزاق أن رجلا اشترى من رجل
بعيرا وشرط عليه الخيار أربعة أيام فأبطل رسول
الله صلى الله عليه وسلم البيع2. وأما حديث
ابن عمر فلم يعرف ولأنه جزء الدعوى لأنها
جوازه أكثر من ثلاثة أيام طالت المدة أو قصرت
وهو يقيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" وقال غريب
جدا.
2 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه". والزيلعي في
"نصب الراية" (4/8).
ج / 6 ص -9-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
بمدة خاصة ولأنه يحتمل خيار الشرط وخيار
الرؤية والعيب فلا يكون حجة وإطلاق المدة عنده
كاشتراط الأكثر في عدم الجواز وإفساد البيع
ولو قال المؤلف ولو أكثر أو مؤبدا أو مطلقا أو
مؤقتا بوقت مجهول لكان أولى لأن البيع فاسد في
هذه كلها كما في التتارخانية وهكذا إذا كان
المبيع مما لا يتسارع إليه الفساد فإن كان مما
يتسارع فحكمه في الخانية قال اشترى شيئا
يتسارع إليه الفساد على أنه بالخيار ثلاثة
أيام فالقياس لا يجبر المشتري على شيء وفي
الاستحسان يقال للمشتري إما أن تفسخ البيع
وإما أن تأخذ المبيع ولا شيء عليك من الثمن
حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا
للضرر من الجانبين وهو نظير ما لو ادعى في يد
رجل شراء شيء يتسارع إليه الفساد كالسمكة
الطرية وجحد المدعى عليه وأقام المدعي البينة
ويخاف فسادها في مدة التزكية فإن القاضي يأمر
مدعي الشراء أن ينقد الثمن ويأخذ السمكة ثم
القاضي يبيعها من آخر ويأخذ ثمنها ويضع الثمن
الأول والثاني على يد عدل فإن عدلت يقضي لمدعي
الشراء بالثمن الثاني ويدفع الثمن الأول
للبائع ولو ضاع الثمنان عند العدل يضيع الثمن
الثاني من مال مدعي الشراء لأن بيع القاضي
كبيعه وإن لم تعدل البينة فإنه يضمن قيمة
السمكة للمدعى عليه لأن البيع لم يثبت وبقي
أخذ مال الغير بجهة البيع فيكون مضمونا عليه
بالقيمة ا هـ.
وفي الظهيرية ولو اشترى بيضا أو كفريا على أن
البائع بالخيار فخرج الفرخ أو صار الكفري ثمرا
بطل البيع لأنه لو بقي لبقي مع الخيار ولو بقي
معه لم يقدر البائع على إجازته وإن أبى
المشتري لكون المبيع صار شيئا آخر ولو باع
قصيلا فلم يقبضه حتى صار حبا يبطل البيع في
قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف لا يبطل. ا
هـ.
وفي الخانية اشترى شيئا في رمضان على أنه
بالخيار ثلاثة أيام بعد شهر رمضان فسد العقد
في قول أبي حنيفة لأن عنده ما قبل الشهر يكون
داخلا في الخيار فيصير بمنزلة شرط الخيار
أربعة أيام فيفسد العقد عنده وقال محمد له
الخيار في رمضان وثلاثة أيام بعد رمضان ويجوز
البيع وكذا لو كان الخيار للبائع على هذا
الوجه ولو شرط المشتري على البائع فقال لا
خيار لك في رمضان ولك الخيار ثلاثة أيام بعد
مضي رمضان فسد البيع عند الكل لأنه لا وجه إلى
تصحيح هذا العقد. ا هـ. والإجارة كالبيع
قال في البزازية استأجر على أنه بالخيار ثلاثة
أيام يجوز وعلى أكثر على الخلاف. ا هـ. وفي
آخر إجارات الذخيرة قبيل الشفعة اشتراط الخيار
في غير العقد لا يفسده وإن زاد على الثلاثة
إجماعا ا هـ. فهذا مما خالف فيه الإجارة البيع
فإنهما إذا شرطاه بعد العقد أكثر من ثلاثة فسد
البيع كما قدمناه
ج / 6 ص -10-
فإذا
أجاز في الثلاث صح
ــــــــــــــــــــــــ
وأما اشتراطه في الخلع فقدمناه في بابه أنه
يصح اشتراطه لها أكثر من ثلاثة أيام عنده ويصح
اشتراطه في الكفالة أكثر من ثلاثة ويصح
اشتراطه للمحتال وهما في البزازية وأما
اشتراطه في الوقف فجائز عند أبي يوسف بناء على
أصله من اشتراط الغلة لنفسه ولما أفتوا بقوله
هناك فينبغي أن يفتى به أيضا في جواز اشتراطه
وقدمناه في الوقف وفي المعراج خذه وانظر إليه
اليوم فإن رضيته أخذته بعشرة فهو خيار ولو باع
على أن له أن يغله ويستخدمه جاز وهو على خياره
وعلى أن يأكل من ثمره لا يجوز لأن الثمر له
حصة من الثمن. ا هـ.
وفي الذخيرة وكذلك لو قال هو بيع لك إن شئت
اليوم كان بيعا بخيار .
"قوله
فإذا أجاز في الثلاث صح"
لزوال المفسد قبل تقرره فانقلب صحيحا والضمير
يعود إلى من له الخيار وقد اختلفوا في صفة
العقد فقيل انعقد فاسدا ثم يعود صحيحا بزوال
المفسد وهو قول العراقيين وعند الخراسانيين
موقوف على إسقاط الشرط فبمضي جزء من الرابع
يفسد فلا ينقلب صحيحا وهذا الطريق هي الأوجه
واختارها الإمام السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما
من مشايخ ما وراء النهر كما في الفوائد
الظهيرية والذخيرة ولكن الأول ظاهر الرواية
وفي الخانية فإن أسقط الخيار في الأيام
الثلاثة أو أعتق العبد أو مات العبد أو
المشتري أو أحدث به ما يوجب لزوم البيع ينقلب
البيع جائزا في قول أبي حنيفة ويلزمه الثمن
وإن حدث عند المشتري في الأيام الثلاثة عيب إن
كان عيبا يحتمل زواله في مدة الخيار كالمرض لا
يبطل خياره إلا أنه لا يملك الرد قبل زوال
العيب وإن حدث به ما لا يحتمل الزوال لزمه
البيع. ا هـ.
وفي المعراج لو شرط الخيار أبدا أو مطلقا أو
مؤقتا بوقت مجهول فسد بالإجماع وأما في أربعة
أيام ونحوها فكذلك عند أبي حنيفة ولو كان
الخيار إلى قدوم فلان أو إلى هبوب الريح
فأسقطاه لم يجز البيع عند أبي يوسف ولو شرط
الخيار لنفسه بعد شهر جاز عند أبي يوسف في
الشهر وله الخيار بعده يوما كذا في المجتبى
ولم أرهم ذكروا للاختلاف السابق ثمرة وينبغي
أنه لو كان عبدا فأعتقه قبل قبضه لم يصح على
القول بانعقاده فاسدا ويصح على القول بالوقف
وظاهر الخانية أنه ينقلب جائزا بالإعتاق فلم
تظهر الثمرة ويمكن أن يقال تظهر في حل مباشرته
وحرمتها كما لا يخفى وفي الإسبيجابي الأصل عند
أصحابنا الثلاثة أن الفساد على ضربين فساد قوي
دخل في صلب العقد وهو البدل أو المبدل وفساد
ضعيف لم يدخل في صلب العقد وإنما دخل في شرط
مستعار زائدا على العقد فالأول لا ينقلب إلى
ج / 6 ص -11-
ولو
باع على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام
فلا بيع صح وإلى أربعة لا
ــــــــــــــــــــــــ
الجواز برفع المفسد كما إذا باع بألف درهم
ورطل من خمر ثم حط عن المشتري الخمر لا ينقلب
إلى الجواز وأما الفساد الضعيف فكمسألة الكتاب
وأما إذا باع إلى الحصاد أو الدياس ثم أبطل
صاحب الأجل الأجل أو نقد الثمن انقلب إلى
الجواز ولو مضت المدة المجهولة تأكد ومن
الثاني اشتراطه في عقد السلم فإن أبطله من له
الخيار قبل التفرق صح إن كان رأس المال قائما
ا هـ.
فرع: لا يصح تعليق خيار الشرط
بالشرط فلو باعه حمارا على أنه إن لم يجاوز
هذا النهر فرده يقبله وإلا لا لم يصح وكذا إذا
قال ما لم يجاوز به إلى الغد كذا في القنية.
"قوله
ولو باع على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة
أيام فلا بيع صح وإلى أربعة لا"
أي لا يصح يعني عندهما وقال محمد يجوز إلى ما
سمياه والأصل فيه أن هذا في معنى اشتراط
الخيار إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم
النقد تحرزا عن المماطلة في الفسخ فيكون ملحقا
به فالإمام رحمه الله تعالى مر على أصله في
الملحق به ونفي الزيادة على الثلاثة. وكذا
محمد في تجويز الزيادة وأبو يوسف أخذ في الأصل
بالأثر وفي هذا بالقياس وفي هذه المسألة قياس
آخر وإليه مال زفر وهو أنه بيع بشرط شرط فيه
إقالة فاسدة لتعلقها بالشرط واشتراط الصحيح
منها فيه مفسد فاشتراط الفاسد أولى وجه
الاستحسان ما بينا كذا في الهداية وما ذكره من
أن أبا يوسف مع الإمام قوله الأول وقد رجع عنه
والذي رجع إليه أنه مع محمد كذا في غاية
البيان وفي شرح المجمع الأصح أنه مع أبي حنيفة
وكثير من المشايخ حكموا على قوله بالاضطراب
وظاهر هذا الشرط أن المشتري إن لم ينقد الثمن
في المدة فإن البيع ينفسخ لقوله فلا بيع
بينهما ولذا قال في المحيط وينفسخ البيع إن لم
ينقد فإن كان المبيع عبدا قد أعتقه أو باعه ثم
لم ينقد الثمن حتى مضت الثلاثة نفذ عتقه وبيعه
لأن هذا بمعنى شرط الخيار لأن الإجازة والفسخ
تعلقا بفعل المشتري وهو النقد في الثلاثة وترك
النقد فيها ولو أعتقه أو باعه في خيار الشرط
يلزم البيع فكذا هذا ولو أعتقه بعد مضي
الثلاثة ولم ينقد الثمن. لم يذكره في ظاهر
الرواية وذكر في النوادر وقال إن كان قبل
القبض لا ينفذ عتقه وبعد القبض ينفذ ويجعل
البيع فاسدا بمضي ثلاثة أيام متى ترك النقد
ولم يجعله مفسوخا لأن قوله إن لم أنقد إلى
ثلاثة أيام فلا بيع بيننا توقيت للبيع وليس
بفسخ له نصا فمتى ترك النقد في الثلاثة صار
كأنه قال بعتك هذا العبد إلى ثلاثة أيام فيكون
توقيتا للبيع وهو لا يقبل التوقيت فصار بمنزلة
شرط فاسد فيفسد البيع ا هـ.
وهذا ما قاله في الفوائد الظهيرية هنا مسألة
لا بد من حفظها هي أنه إذا لم ينقد الثمن إلى
ثلاثة أيام يفسد البيع ولا ينفسخ حتى لو أعتقه
المشتري وهو في يده نفذ لا إن كان في يد
البائع ا هـ. وقد علمت أنها رواية النوادر وفي
الخانية ولو مضت الثلاثة ولم ينقده أشار في
ج / 6 ص -12-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
المأذون إلى أنه ينفسخ البيع والصحيح أنه يفسد
ولا ينفسخ حتى لو أعتقه بعد الأيام الثلاثة
نفذ إن كان في يده وعليه قيمته لا إن كان في
يد البائع ا هـ. والخلاف السابق فيما لو شرط
الخيار أكثر من ثلاثة ثابت هنا فيفسد عنده
ويرتفع بالنقد قبل مضي اليوم الثالث على ما
ذهب إليه العراقيون وموقوف على ما ذهب إليه
الخراسانيون كذا في الذخيرة وأشار المصنف إلى
جواز هذا الشرط للبائع وفي الذخيرة وإذا باع
عبدا ونقد الثمن على أن البائع إن رد الثمن
إلى ثلاثة فلا بيع بينهما كان جائزا وهو بمعنى
شرط الخيار للبائع ا هـ. فإن أعتقه البائع صح
إعتاقه وإن أعتقه المشتري لا يصح كذا في
الخانية والعجب أن في مسألة الكتاب المنتفع
بهذا الشرط هو البائع مع أنهم جعلوا الخيار
للمشتري باعتبار أنه المتمكن من إمضاء البيع
بالنقد ومن فسخه بعدمه وفي عكسه المنتفع بهذا
الشرط هو المشتري مع أنهم جعلوا الخيار للبائع
باعتبار أن البائع متمكن من الفسخ إن رد الثمن
في المدة ومن الإمضاء إن لم يرده وفي الذخيرة
والخانية ولو اشترى عبدا وقبضه وكل المشتري
رجلا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى خمسة عشر
يوما فإن الوكيل يفسخ العقد بينهما جاز البيع
لأن الشرط لم يكن في البيع فيجوز البيع ويصح
الشرط حتى لو لم ينقد الثمن إلى خمسة عشر يوما
كان للوكيل أن يفسخ وفي الخانية اشترى جارية
على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا
بيع بينهما وقبض المشتري فباع ولم ينقد الثمن
حتى مضت الأيام الثلاثة جاز بيع المشتري
وللبائع الأول على المشتري الأول الثمن كما لو
باع بشرط الخيار للمشتري ثلاثة أيام وكذا لو
قتلها المشتري في الأيام الثلاثة أو ماتت أو
قتلها أجنبي خطأ وغرم القيمة لزم البيع ولو
كان المشتري وطئها وهي بكر أو ثيب أو جنى
عليها أو حدث بها عيب لا بفعل أحد ثم مضت
الأيام الثلاثة قبل أن ينقد الثمن خير البائع
إن شاء أخذها مع النقصان ولا شيء له من الثمن
وإن شاء ترك وأخذ ثمنها ا هـ. وفي المحيط لو
قطع المشتري يدها وقبضها بعد الثلاثة ولم ينقد
الثمن خير البائع إن شاء سلمها له وإن شاء
أخذها ونصف الثمن وفي التتارخانية لو قطعها
أجنبي في الثلاثة فقد لزم البيع ا هـ. ثم قال
في المحيط فإن كان أفتضها ضمنه من الثمن ما
نقصها ولو ولدت بعد الثلاثة وماتت كان البائع
بالخيار إن شاء أخذ الولد وضمنه حصتها من
الثمن وإن شاء سلم الولد بالثمن مع أمه لأن
البيع لا ينفسخ لعدم النقد في الثلاثة ما دام
الولد قائما في يد المشتري لأن الزيادة
المنفصلة مانعة من الانفساخ إلا أنه مات الأصل
وبقي التبع فله أن يختار التبع بحصته من الثمن
ولو كان الثمن عرضا أو عبدا أو حدث ذلك كله في
الثلاث ثم مضت الثلاث فما يمنع الفسخ إذا كان
الثمن دراهم يمنعه هنا وما لا فلا وما أثبت
الخيار هناك أثبته هنا ولو مضت الثلاثة ثم حدث
ذلك كله فهو مثل الإقالة لأنه لما مضت الثلاثة
انتقض البيع وعاد كل عرض إلى ملك صاحبه ا هـ.
ج / 6 ص -13-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
ثم اعلم بأن بالقاهرة بيعا يسمى بيع الأمانة
كما ذكره الزيلعي ويسمى أيضا الرهن المعاد كما
في الملتقط وسماه الفقهاء بيع الوفاء ويذكرونه
في موضع من ثلاثة فمنهم كالبزازي من ذكره في
البيع الفاسد ومنهم من ذكره هنا عند الكلام
على خيار النقد كقاضي خان ومنهم من ذكره في
الإكراه كالزيلعي وذكره هنا أنسب لأنه من
أفراد مسألة خيار النقد. وصورته أن يقول
البائع للمشتري بعت منك هذا العين بدين لك علي
على أني متى قضيت الدين فهو لي أو يقول البائع
بعتك هذا بكذا على أني متى دفعت لك الثمن تدفع
العين إلي فقد اختلفوا فيه على ثمانية أقوال
مذكورة في البزازية
الأول: ما اختاره صاحب
المنظومة أنه رهن حقيقة فلا يملكه المشتري ولا
ينتفع به إلا بإذن البائع ويضمن ما أكل من
نزله وما أتلف من الشجرة ويسقط الدين بهلاكه
ولا يضمن ما زاد كالأمانة ويسترد عند قضاء
الدين
الثاني: أنه بيع صحيح باتفاق
مشايخ الزمان للعرف وما يفعله البائع من
التعمير وأداء الخراج فهو بطريق الرضا لا
الجبر كما لا يجبر على ترك الوفاء وجعله باتا
وللمشتري المطالبة بالثمن فإن انهدمت الدار لا
يجبر البائع على رد الثمن. وكذا إذا كان
المبيع عينا هلك فإنه يتم الأمر ولا سبيل
لأحدهما على الآخر وذكر الزيلعي أن الفتوى على
أنه بيع جائز مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع
به إلا أنه لا يملك بيعه للغير
الثالث: ما اختاره قاضي خان
وقال الصحيح أنه إن وقع بلفظ البيع لا يكون
رهنا ثم إن شرطا فسخه في العقد أو تلفظا بلفظ
البيع بشرط الوفاء أو تلفظا بالبيع وعندهما
هذا البيع غير لازم فالبيع فاسد وإن ذكرا
البيع بلا شرط ثم شرطاه على وجه المواعدة جاز
البيع ولزم الوفاء وقد يلزم الوعد لحاجة الناس
فرارا من الربا فبلخ اعتادوا الدين والإجارة
وهي لا تصح في الكروم وبخارى الإجارة الطويلة
ولا يكون ذلك في الأشجار فاضطروا إلى بيعها
وفاء وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه وقد
نص في غريب الرواية عن الإمام أن البيع لا
يكون تلجئة حتى ينص عليها في العقد وهي
والوفاء واحد
الرابع: ما قاله في العدة
واختاره ظهير الدين أنه بيع فاسد ولو ألحقاه
بالبيع التحق وأفسده ولو بعد المجلس على
الصحيح ولو شرطاه ثم عقدا مطلقا إن لم يقرا
بالبناء على الأول فالعقد جائز ولا عبرة
بالسابق كما في التلجئة عند الإمام
الخامس: ما اختاره أئمة
خوارزم أنه إذا أطلق البيع لكن وكل المشتري
وكيلا يفسخ البيع إذا أحضر البائع الثمن أو
عهد أنه إذا أوفاه يفسخ البيع والثمن لا يعادل
المبيع وفيه غبن
ج / 6 ص -14-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
فاحش أو وضع المشتري على أصل المال ربحا بأن
وضع على مائة عشرين دينارا فرهن وإلا فبيع
بات.
القول السادس: ما اختاره
الإمام الزاهد أن الشرط إذا لم يذكر في البيع
كان بيعا صحيحا في حق المشتري حتى ملك الإنزال
ورهنا في حق البائع فلم يملك المشتري تحويل
يده وملكه إلى غيره وأجبر على الرد إذا أحضر
الدين لأنه كالزرافة مركب من البيع والرهن
ككثير من الأحكام له حكمان كالهبة حال المرض
وبشرط العوض فجعلناه كذلك لحاجة الناس إليه
فرارا عن الربا فبلخ اعتادوا الدين والإجارة
وهي لا تصح في الكروم. وأهل بخارى اعتادوا
الإجارة الطويلة ولا تمكن في الأشجار فاضطروا
إلى بيعها وفاء وما ضاق على الناس أمر إلا
اتسع حكمه. وقد نص في غريب الرواية عن الإمام
أن البيع لا يكون تلجئة حتى ينص عليها في
العقدة وهي والوفاء واحد واختار الصدر الشهيد
تاج الإسلام1 والإمام المرغيناني والإمام علاء
الدين المعروف ببدر أن البيع بشرط الرد عند
نقد الثمن أن المشتري يملكه وقال الإمام علاء
الدين يملكه انتفاعا فإن باعه المشتري من غيره
أجابوا سوى علاء الدين بصحة البيع الثاني لأنه
سلمه البائع الأول إلى المشتري برضاه
القول السابع: أنه غير صحيح
واختاره صاحب الهداية وأولاده ومشايخ زماننا
وعليه الفتوى أعني لا يملك المشتري بيعه من
الغير كما في بيع المكره لا كالبيع الفاسد بعد
القبض وسئل الصدر عنه بأنه يجعل فاسدا ويمنع
من الاسترداد بعد البيع من غيره كالفاسد وإن
قضى الدين. قال هذا كبيع المشتري من المكره
قيل له فإن أكل المشتري غلة الكرم والأرض
والدار قال حكمه حكم الزوائد في البيع الفاسد
يعني أنه يضمنه إذا استهلكه ولا يغرم إن هلك
كزوائد المغصوب
القول الثامن: الجامع لبعض
المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك
كل منهما الفسخ وصحيح في حق بعض الأحكام كحل
الإنزال ومنافع البيع ورهن في حق البعض حتى لم
يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه ولم يملك
قطع الشجر ولا هدم البناء وسقط الدين بهلاكه
وانقسم الثمن إن دخله نقصان كما في الرهن.
قلت: هذا العقد مركب من العقود الثلاثة
كالزرافة فيها صفة البعير والبقر والنمر جوز
لحاجة الناس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما
ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن أحمد بن عبد الله أبو بكر
الخيزاخزي: نسبة إلى قرية خيزاخزا من قرى
بخارين."الجواهر المضية""3/315""4/198".
ج / 6 ص -15-
فإن
نقد في الثلاث صح وخيار البائع يمنع خروج
المبيع عن ملكه
ــــــــــــــــــــــــ
وفي المستطرف1 الزرافة حيوان عجيب الخلقة ولما
كان مألوفها الشجر خلق الله يديها أطول من
رجليها وهي ألوان عجيبة يقال إنها متولدة من
ثلاث حيوانات الناقة الوحشية والضبع والبقرة
الوحشية فينزو الضبع على الناقة فتأتي بذكر
فينزو ذلك الذكر على البقرة فتتولد منه
الزرافة والأصح أنه خلقة بذاته ذكر وأنثى
كبقية الحيوانات وقد فرع في البزازية فروعا
كثيرة يحتاج إليها في بيع الوفاء تركناها خوفا
من الإطالة وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن
القول الجامع.
"قوله فإن نقد في الثلاث صح" يعني في قولهم
جميعا وقدمنا صفة انعقاده في الابتداء إما
فاسد أو موقوف كما في خيار الشرط ولم أر ثمرة
للاختلاف فإنه إذا أسقطه قبل دخول الرابع جاز
اتفاقا وإن دخل تقرر فساده اتفاقا ولعل الثمرة
تظهر في حل الإقدام عليه وعدمه ويمكن أن يقال
في ثبوت الملك بالقبض فمن قال بفساده أثبته
ومن قال بالوقف نفاه.
"قوله
وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه"
لأن تمام هذا السبب بالمراضاة فلا يتم مع
الخيار فينفذ عتق البائع ولا يملك المشتري
التصرف فيه وإن قبضه بإذن البائع ودل كلامه
على أن خيار المشتري يمنع خروج الثمن عن ملكه
للعلة المذكورة وأن الخيار إذا كان لهما لم
يخرج المبيع عن ملك البائع ولا الثمن عن ملك
المشتري وفي البدائع إن حكم البيع بخيار موقوف
على معنى أنه لا يعرف له حكم للحال والخيار
مانع من انعقاد الحكم وفي المعراج إلا أن
السبب المنعقد في الأصل يسري إلى الزوائد
المتصلة والمنفصلة لكونه محلا له عند وجود
الشرط فكما يثبت الحكم في الأصل يثبت في
الزوائد ا هـ. يعني فالأصل وإن بقي على ملك من
له الخيار لا يملك الزوائد إذا أجيز البيع وفي
الخانية أن الأولاد والأكساب فيما إذا كان
الخيار للبائع تدور مع الأصل فإن أجيز كانت
للمشتري وإن فسخ كانت للبائع وإن كان الخيار
للمشتري فحدثت عند البائع فكذا الجواب وإن
حدثت عند المشتري كانت له تم البيع أو انتقض
قيل هذا قولهما أما على قوله فهي دائرة مع
الأصل. وفي جامع الفصولين لو كان الخيار إلى
البائع فسلم المبيع إلى المشتري فلو سلمه على
وجه التمليك بطل خياره لا لو سلمه على وجه
الاختيار ولو حط عنه شيئا من الثمن فعلى قياس
مسألة الإبراء ينبغي أن يبطل خياره ا هـ. وقال
قبله باع بخيار فوهب ثمنه للمشتري في المدة أو
أبرأه عن ثمنه أو شرى به شيئا من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه "المستطرف من كل من مستطرف" للشيخ
الإمام محمد بن أحمد الخطيب الأشبيهي المتوفى
سنة خمسين وثمانمائة هـ وهو مشتمل على كل فن
ظريف وفيه الاستدلال بآيات من القرآن
والأحاديث الصحيحة وحكايات حسنة عن
الأخيار.اهـ"كشف الظنون" "2/1674".
ج / 6 ص -16-
وبقبض
المشتري يهلك بالقيمة
ــــــــــــــــــــــــ
المشتري صح تصرفه وبطل خياره ولو اشترى من غير
المشتري شيئا بذلك الثمن بطل خياره ولم يجز
شراؤه ا هـ. وكتبنا في الفوائد من الفائدة
الرابعة أن خيار الشرط في البيع يمنع الحكم
ولا يبطل البيع إلا في مسألة ما إذا شرط
الخيار في بيع الفضولي فإنه مبطل البيع ولا
يتوقف لأن الخيار له بدون الشرط فيكون الشرط
مبطلا كذا في فروق الكرابيسي وفيها أيضا من
الحادية والخمسين بعد المائتين لا يصح الإبراء
عن الدين قبل لزوم أدائه إلا في مسائل فلينظر
ثمة وإذا كان الخيار للبائع فإنه يملك مطالبة
المشتري بالثمن بخلاف ما إذا كان للمشتري كما
في جامع الفصولين. وإن هلك في يد البائع انفسخ
البيع ولا شيء عليهما كما في المطلق عنه وإن
تعيب في يد البدائع فهو على خياره لأن ما
انتقص بغير فعله لا يكون مضمونا عليه ولكن
المشتري يتخير إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن
شاء فسخ كما في البيع المطلق وإن كان العيب
بفعل البائع ينتقص البيع فيه بقدره لأن ما
يحدث بفعله يكون مضمونا عليه وتسقط به حصته من
الثمن كذا ذكر الشارح ثم اعلم أن الخيار إذا
كان للبائع ثم أجازه فالملك للمشتري يقتصر على
وقت الإجازة ولا يستند إلى وقت العقد لما في
الخانية رجل اشترى ابنه من رجل على أن البائع
بالخيار ثم مات المشتري فأجاز البائع عتق
الابن ولا يرث أباه ا هـ. فعدم إرثه دليل على
الاقتصار ولكن عتقه يدل على الاستناد وإلا لم
يعتق كما لا يخفى.
"قوله
وبقبض المشتري يهلك بالقيمة"
لأن البيع ينفسخ بالهلاك لأنه كان موقوفا ولا
نفاذ بدون المحل فبقي مقبوضا بيده على سوم
الشراء وفيه القيمة كذا في الهداية والمراد
بالقيمة في المشبه والمشبه به البدل يشمل
المثلي فإنه مضمون بالمثل والقيمي هو المضمون
بالقيمة والكلام هنا في موضعين في حكم المشبه
وهي مسألة الكتاب ولا فرق بين هلاكه في مدة
الخيار مع بقائه أو بعدما فسخ البائع البيع
كما في جامع الفصولين وأما إذا هلك في يده بعد
المدة من غير فسخ فيها فإنه يهلك بالثمن لسقوط
الخيار وفي مسألة الكتاب إذا ادعى البائع
هلاكه في يده ووجوب القيمة له وادعى المشتري
أنه أبق من يده فالقول للمشتري مع يمينه لأن
الظاهر حياته ويجوز البيع على البائع ويتم لأن
بمضي الثلاثة يسقط خياره. وكذا لو كان البائع
هو الذي يدعي الإباق والمدعي يدعي الموت
فالقول للبائع مع يمينه كذا في السراج الوهاج
ولم يذكر المصنف حكم ما إذا دخله عيب في يد
المشتري وفي السراج الوهاج إن كان من ذوات
القيم يجب عليه ضمان ما نقص يوم القبض وإن كان
مثليا فليس له أن يضمنه نقصانه لشبهة الربا ا
هـ.
وفي جامع الفصولين باع أرضا بخيار وتقابضا
فنقض البائع في المدة فتبقى الأرض مضمونة
بالقيمة على المشتري وله حبسها لثمن دفعه إلى
البائع فلو أذن البائع بعده للمشتري في
ج / 6 ص -17-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
زراعتها فزرعها تصير الأرض أمانة عند المشتري
وللبائع أخذها منه متى شاء قبل أداء الثمن
وليس للمشتري حسبها بالثمن لأنه لما زرعها صار
كأنه سلمها إلى البائع ا هـ. وأما الثاني أعني
المشبه به وهو المقبوض على سوم الشراء فأطلقه
في الهداية وقيده في أكثر الكتب بأن يسمى ثمنه
وعبارة الصدر الشهيد في الفتاوى الصغرى
المقبوض على سوم الشراء إنما يكون مضمونا إذا
كان الثمن مسمى نص عليه الفقيه أبو الليث في
بيوع العيون فإنه ذكر إذا قال اذهب بهذا الثوب
فإن رضيته اشتريته فذهب به فهلك لا يضمن وإن
قال إن رضيته اشتريته بعشرة فذهب به فهلك
فإنه يضمن القيمة وعليه الفتوى ا هـ.
وفي الظهيرية أن هذا الشرط في ظاهر الرواية
وذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل بعد ذكر
منقولات فتحرر أنه مضمون إن ذكر الثمن حالة
المساومة والمراد بذكر الثمن فيه من جانب
المشتري لا من جانب البائع وحده فإنه قال في
القنية عن أبي حنيفة قال له هذا الثوب بعشرة
فقال هاته حتى أنظر إليه فإن رضيته أخذته
بعشرة فضاع فهو على ذلك الثمن فجعل ذكر البائع
وحده ليس بموجب للضمان وكذا في المسألة التي
ذكر بعد هذه لو قال إن رضيته أخذته بعشرة
فعليه قيمته ولو قال صاحب الثوب هو بعشرة فقال
المساوم حتى أنظر إليه وقبضه وضاع لا يلزمه
شيء فعلمنا أن المراد ذكر الثمن من جهة
المساوم لا من جهة البائع وحده إلى آخر ما
أطال فيه وقال فليعتن بهذا التحرير فإنه فائدة
جليلة قلت: هو خطأ وبيان الثمن من جهة البائع
وحده إذا أخذه المشتري بعده على وجه السوم كاف
لضمانه. قال في الخانية رجل طلب من رجل ثوبا
ليشتري فأعطاه البائع ثلاثة أثواب فقال هذا
بعشرة وهذا بعشرين وهذا بثلاثين فاحمل الثياب
إلى منزلك فأي ثوب ترضى بعته منك فحمل فهلكت
عند المشتري قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن
الفضل إن هلكت الكل جملة أو على التعاقب ولا
يدري الذي هلك أولا ولا الذي بعده ضمن المشتري
ثلث كل ثوب وإن عرف الأول لزمه ذلك الثوب
والثوبان أمانة عنده وإن هلكت الثوبان وبقي
الثالث فإنه يرد الثالث لأنه أمانة وأما
الثوبان يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما إذا كان
لا يعلم أيها هلك أولا وإن هلك واحد وبقي
ثوبان يلزمه ثمن الهالك ويرد الثوبين وإن
احترق الثوبان ونقص الثالث ثلثه أو ربعه ولا
يعلم أيهما احترق أولا يرد ما بقي من الثالث
ولا يضمن نقصان الحرق بقدره ويلزمه نصف ثمن كل
واحد من الثوبين ا هـ. فهذا صريح في أن بيان
الثمن من جهة البائع يكفي للضمان وفي الخلاصة
والبزازية اذهب به إن رضيته اشتريت فذهب به
فضاع لا يضمن ولو قال إن رضيته اشتريته بعشرة
فذهب به وضاع ضمن ا هـ. وهذا صريح فيما قلناه
وقد اشتبه عليه المقبوض على سوم الشراء
بالمقبوض على وجه النظر فإن فيما نقله عن
القنية إنما قال المساوم حتى أنظر إليه
والمقبوض على وجه النظر
ج / 6 ص -18-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
أمانة وما ذكرناه عن أصحاب الفتاوى إنما قال
إن رضيته اشتريته والدليل على الفرق بينهما ما
في الخانية قال ولو أخذ ثوبا على المساومة
فدفعه إليه البائع وهو يساومه والبائع يقول هو
بعشرة فهو على الثمن الذي قال البائع حتى يرد
عليه المشتري وإن ساومه فقال المشتري حتى أنظر
إليه فدفعه فضاع منه فليس على المشتري شيء
لأنه إنما أخذه للنظر وإن أخذه على غير النظر
ثم قال حتى أنظر إليه فقوله حتى أنظر إليه لا
يخرجه عن الضمان ا هـ. فهذا صريح في الفرق
بينهما وفي الذخيرة معزيا لأبي يوسف رجل ساوم
رجلا بثوب فقال صاحب الثوب هو بعشرة فقال
المساوم هاته حتى أنظر إليه فدفعه إليه على
ذلك فضاع لا يلزمه شيء علل فقال لأنه أخذه على
النظر إشارة إلى أن هذا ليس بمقبوض على سوم
الشراء ا هـ. فهذا صريح في الفرق بينهما أيضا.
وفي الفتاوى الظهيرية رجل قال هذا الثوب لك
بعشرة فقال هاته حتى أنظر إليه أو قال حتى
أريه غيري فأخذه على ذلك فضاع في يده لم يضمن
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ولو قال هاته فإن
رضيته أخذته فضاع كان عليه الثمن ا هـ. وهذا
صريح أيضا فثبت بهذه النقول من الكتب المعتمدة
أنه لا فرق في المقبوض على سوم الشراء بين
بيان الثمن من البائع أو من المشتري وحده ولقد
صدق ختام المحققين ابن الهمام في فتح القدير
حيث قال في كتاب الوقف إن الطرسوسي بعيد عن
الفقه ثم رأيت الفرق بينهما أيضا صريحا في
فروق الكرابيسي ومنها نقلت قال لو قال هذا
الثوب لك بعشرة فقال هاته حتى أنظر إليه أو
حتى أريه غيري فأخذه فضاع قال أبو حنيفة لا
شيء عليه يعني يهلك أمانة وإن قال هاته حتى
أنظر إليه فإن رضيته أخذته فهلك فعليه الثمن
والفرق أن في الفصل الأول أمره لينظر إليه أو
ليريه غيره وذلك ليس ببيع فأما في الفصل الآخر
أمره بالإتيان به ليرضاه ويأخذه وذلك بيع بدون
الأمر فمع الأمر أولى. ا هـ. والظاهر من
كلامهم أنه لا فرق بين الهلاك أو الاستهلاك
وما في الذخيرة عن أبي يوسف أن المقبوض على
سوم الشراء مضمون بالثمن محمول على القيمة وما
ذكره الطرسوسي من أنه إن هلك فمضمون بالقيمة
وإن استهلكه فمضمون بالثمن ليس بصحيح لما في
الخانية إذا أخذ ثوبا على وجه المساومة بعد
بيان الثمن فهلك في يده كان عليه قيمته. وكذا
لو استهلكه وارث المشتري بعد موت المشتري. ا
هـ. والوارث كالمورث وأما مقبوض الوكيل بالسوم
فقال في الخانية الوكيل بالشراء إذا أخذ الثوب
على سوم الشراء فأراه الموكل ولم يرض به ورده
عليه فهلك عند الوكيل قال الشيخ الإمام أبو
بكر محمد بن الفضل ضمن الوكيل قيمته ولا يرجع
بها على الموكل إلا أن يأمره الوكيل بالأخذ
على سوم الشراء فحينئذ إذا ضمن الوكيل رجع على
الموكل ا هـ. وفي البزازية غلط وسلم غير
المبيع وهلك ضمن القيمة لأنه قبضه على
ج / 6 ص -19-
وخيار
المشتري لا يمنع ولا يملك
ــــــــــــــــــــــــ
جهة البيع بعث رسولا إلى البزاز وقال ابعث إلي
ثوب كذا فبعث إليه البزاز معه أو مع غيره فضاع
الثوب قبل الوصول إلى الآمر وتصادقوا عليه لا
ضمان على الرسول ثم إن كان رسول الآمر فالضمان
على الآمر وإن كان رسول البزاز فلا ضمان على
أحد لكن إذا وصل إلى الآمر ضمن الآمر وكذا لو
أرسل إلى آخر وقال أرسل إلي عشرة دراهم قرضا
فأرسل معه فالآمر ضامن إذا أقر أنه رسوله فإن
بعثه مع غير رسوله لا ضمان على الآمر قبل أن
يصل وكذا الدائن إذا بعث رسولا لقبض دينه فبعث
معه وضاع يكون من مال الدائن وإن مع الآخر لا
حتى يصل إليه ا هـ. ثم اعلم أن المقبوض على
سوم الشراء إذا بين ثمنه مضمون وإن اشترط أن
لا ضمان فيه لما في البزازية استباع قوسا
وتقرر الثمن فمده بإذن البائع أو قال له إن
انكسر فلا ضمان عليك فمده وانكسر يضمن قيمته
وإن لم يتقرر الثمن فلا ضمان ولو بالإذن لأن
اشتراط عدم الضمان في المقبوض على السوم باطل
وعن الإمام أراه الدرهم لينظر إليه فغمزه أو
قوسا فمده فانكسر أو ثوبا فتخرق ضمن إن لم
يأمره بالغمز والمد واللبس وقيل إن كان لا يرى
إلا بالغمز لا يضمن إن لم يجاوز ويصدق في أنه
لم يجاوز ا هـ. وفي جامع الفصولين المقبوض على
سوم الرهن مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين
وما قبض على سوم القرض مضمون بما ساوم كمقبوض
على حقيقته بمنزلة مقبوض على سوم البيع إلا أن
في البيع يضمن القيمة وهنا يهلك الرهن بما
ساومه من القرض وما قبض على سوم النكاح مضمون
يعني لو قبض أمة غيره ليتزوجها بإذن مولاها
فهلكت في يده ضمن قيمتها والمهر قبل تسليمه
مضمون وكذا بدل الخلع في يد المرأة يعني لو
تزوجها على عين أو خالعها فهلكت قبل قبضه
يلزمه مثله في المثلي وقيمته في القيمي ا هـ
ذكره في الثلاثين منه.
"قوله
وخيار المشتري لا يمنع ولا يملك"
أي لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع فيخرج
عن ملكه للزومه من جهة من لا خيار له فلو
أعتقه البائع لم يصح إعتاقه ولو كان البائع
حلف وقال إن بعته فهو حر فباعه بخيار للمشتري
لم يعتق لخروجه عن ملكه ولو باعه بخيار له عتق
ولا يملكه المشتري عند الإمام رحمه الله تعالى
لكن يصح إعتاقه ويكون إمضاء كما في الخانية
وفيها باع عبدا بجارية على أن بائع العبد
بالخيار ثلاثة أيام فأعتق البائع العبد في
الثلاثة أيام نفذ عتقه في قولهم ويبطل البيع
لأنه أعتق ملك نفسه وإن أعتق الجارية جاز
ويكون إسقاطا للخيار ويتم ولو أعتقهما في كلام
واحد نفذ عتقه لعدم الأولوية فيهما ويغرم
قيمة الجارية ولا ينفذ إعتاق المشتري في
العبد ولا في الجارية ولو كان الخيار للمشتري
انعكست الأحكام ا هـ. وقالا يملكه لأنه لما
خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري
يكون زائلا لا إلى مالك ولا عهد لنا به في
الشرع ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن
ملكه فلو
ج / 6 ص -20-
..........................................
ــــــــــــــــــــــــ
قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه لاجتمع البدلان
في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة ولا أصل له في
الشرع لأن المعاوضة تقتضي المساواة ولأن
الخيار شرع نظرا للمشتري ليتروى فيقف على
المصلحة فلو ثبت الملك ربما يعتق عليه من غير
اختياره بأن كان قريبه فيفوت النظر وأورد على
قوله لزوم السائبة ورد بأنها هي التي لا ملك
فيها لأحد ولا علقة ملك والعلقة موجودة هنا
وأورد أيضا استحقاق الشفعة بما بيع بخيار
للمشتري وهو دليل على ملكه وأجيب بأن
استحقاقها لم ينحصر في الملك بل هو أو ما في
معناه من كونه أحق بها تصرفا بدليل صحة إعتاقه
كاستحقاق العبد المأذون لها مع أنه لا ملك له
حقيقة وهو تكلف لا يحتاج إليه لما سيأتي أن
البيع ينبرم في ضمن طلب الشفعة فيثبت مقتضى
تصحيحا ثم اعلم أن قولهما في دليلهما ولا عهد
لنا به في الشرع معناه في باب التجارة
والمعاوضات فاندفع عنهما ما أورد من شراء
متولي أمر الكعبة إذا اشترى عبدا لخدمتها وعبد
الوقف إذا ضعف وبيع واشترى ببدله آخر لم يملكه
المشتري لأنه من باب الأوقاف. وكذا لا ترد
التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج عن ملك
الميت ولا تدخل في ملك الورثة والغرماء للقيد
المذكور.
وأما حكم جناية العبد في مدة الخيار فإن كان
الخيار للبائع فأجاز البيع لم يكن مختارا
للفداء وخير المشتري بين الدفع والفداء وإن
فسخ البيع خير البائع كذلك وفي الأول إنما
يخير المشتري بين الدفع والفداء إذا اختار
إمضاء البيع فإن اختار المشتري فسخه فالخيار
للبائع للعيب الحادث في يد البائع فإن كانت في
يد المشتري فالبائع على خياره فإن أجاز ثبت
الملك للمشتري من وقت العقد وخير بين الدفع
والفداء فإن كان الخيار للمشتري فجنى في يده
في مدته لم يكن له أن يرده على بائعه ولو بيعت
دار بخيار لأحدهما فوجد فيها قتيل فالدية على
عاقلة ذي اليد عنده وعندهما على من يصير الملك
له ولا يكون وجود القتيل عيبا فلا خيار
للمشتري بخلاف جناية العبد المبيع فإنها عيب
كذا في التتارخانية. وقول الإمام ولا أصل له
في الشرع معناه في المعاوضة فلا يرد عليه
المدبر إذا غصب وضمن الغاصب قيمته فإنه يملكه
فقد اجتمع العوضان في ملك السيد لأنه ضمان
جناية لا ضمان معاوضة كذا في المعراج وفتح
القدير ولكن يرد عليه باب السلم فإن المسلم
إليه ملك رأس مال السلم والمسلم فيه فقد
اجتمعا في المعاوضة وأجيب بأن المسلم فيه دين
لرب السلم في ذمة المسلم إليه فهو كالثمن
يملكه البائع في ذمة المشتري وأورد المنافع
والأجرة المعجلة ملكهما المؤجر وأجيب بأنها
معدومة فلا ملك لها وإذا حدثت ملكها المستأجر
كذا في البناية قيد بالمبيع لأن الثمن لا يخرج
عن ملك المشتري إجماعا كما بيناه وفي السراج
الوهاج والنفقة تجب على المشتري بالإجماع إذا
كان الخيار له بخروج المبيع عن ملك البائع ولو
تصرف المشتري في
ج / 6 ص -21-
وبقبضه
يهلك بالثمن كتعيبه.
ــــــــــــــــــــــــ
المبيع في مدة الخيار والخيار له جاز تصرفه
إجماعا ويكون إجازة منه ا هـ.
وفي الخلاصة أن زوائد المبيع موقوفة إن تم
البيع كانت للمشتري وإن فسخ للبائع ا هـ. وفي
جامع الفصولين المشتري بالخيار لو رهن بالثمن
رهنا جاز الرهن به ا هـ. فإن قلت: ذكر في جامع
الفصولين أيضا أن الخيار إذا كان للمشتري
فأبرأه البائع عن الثمن لم يجز إبراؤه. ا هـ.
وفي التتارخانية وروي عن محمد جوازه فينبغي أن
لا يصح الرهن أيضا قلت: الإبراء يعتمد الدين
ولا دين له عليه لأن الثمن باق على ملكه
والرهن لا يشترط له وجود الدين حقيقة بدليل
صحته على الدين الموعود به وقد بيناه فيما
كتبناه من حواشي جامع الفصولين1 ولكن نقل بعده
أن عدم صحة الإبراء قول أبي يوسف وفي المعراج
أن عدم صحته قياس والاستحسان صحته لأنه إبراء
بعد وجود السبب وهو البيع والدليل على أن
الإبراء يعتمد تعلق الحق لا حقيقة الدين لو
أبرأ البائع الموكل عن ثمن ما اشتراه الوكيل
فإنه يصح الإبراء مع أن الثمن على الوكيل
والدليل على التعلق بالموكل أن المشتري لو أتى
بالثمن للموكل فإنه يجبر على القبول ولو كان
للمشتري دين على الموكل صار قصاصا بالثمن
ولولاه لم يجبر ولم يصر قصاصا كما في الصيرفية
وفي السراجية اشترى على أنه بالخيار لم يجبر
البائع على تسليم المبيع وإن نقد المشتري
الثمن وفي التتارخانية.
"قوله:
وبقبضه يهلك بالثمن" أي إذا
كان الخيار للمشتري وقبض المبيع وهلك في يده
فإنه يهلك بثمنه بخلاف ما إذا كان الخيار
للبائع والفرق أنه إذا دخله عيب يمتنع الرد
والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب فيهلك والعقد قد
انبرم فيلزمه الثمن بخلاف ما إذا كان للبائع
لأن بدخول العيب لا يمتنع الرد حكما بخيار
البائع فيهلك والعقد موقوف وفي السراج الوهاج
والفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن ما تراضى
عليه المتعاقدان سواء زاد على القيمة أو نقص
والقيمة ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من
غير زيادة ولا نقصان والاستهلاك كالهلاك كما
سيأتي وأطلقه فشمل ما إذا كان الخيار للمشتري
وحده أو لهما وأسقط البائع خياره بأن أجاز
البيع ثم هلك في مدته فإن البيع يلزم بالثمن
كما في التتارخانية.
"قوله:
كتعيبه" يعني إذا تعيب في يد
المشتري والخيار له فإنه يلزمه الثمن لأنه صار
بذلك ممسكا ببعضه فلو رده لتفرقت الصفقة على
البائع قبل الإتمام وهو لا يجوز فلزم البيع
وسقط الخيار وأطلقه فشمل ما إذا عيبه المشتري
أو أجنبي أو تعيب بآفة سماوية أو بفعل المبيع
كما في النهاية ولكن ليس باقيا على إطلاقه
وإنما المراد به عيب يلزم ولا يرتفع كما إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للمؤلف حاشية على"جامع الفصولين" ا.هـ "كشف
الطنون" "1/566" "هدية العارفين" "1/378".
ج / 6 ص -22-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
قطعت يده وأما ما يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على
خياره إن زال المرض في الأيام الثلاثة وأما
إذا مضت والعيب قائم لزم البيع لتعذر الرد كما
في النهاية أيضا
وفي الصحاح عاب المتاع أي صار ذا عيب وعيبه
نسبه إلى العيب وعيبه أيضا إذا جعله ذا عيب
وتعيب مثله ا هـ. وقد ذكر المصنف حكم هلاكه في
يد المشتري ونقصانه ولم يذكر حكم زيادته عنده
وحاصله أن الزيادة منفصلة كانت أو متصلة سواء
كانت متولدة من الأصل كالولد والسمن والجمال
والبرء من المرض وذهاب البياض من العين أو لا
كالصبغ والعقر والكسب والبناء ورش الأرض يمنع
الفسخ إلا في المنفصلة الغير المتولدة فإنها
لا تمنع كما في التتارخانية وفي البناية أن
التعيب إذا كان بفعل البائع في يد المشتري لم
يسقط خيار المشتري فإن أجاز البيع ضمن به
البائع النقصان ا هـ. فيستثنى من إطلاق المصنف
مسألتان ما إذا كان العيب يرتفع وما إذا كان
بفعل البائع ولكن ذكر في فتح القدير أن هذا
قول محمد وأما عندهما إذا تعيب بفعل البائع
يلزم البيع وقد وعدنا بذكر مسائل المبيع إذا
هلك في البيع الذي لا خيار فيه أو بخيار فإذا
كان في يد البائع بآفة سماوية أو باستهلاك
البائع أو كان حيوانا فقتل نفسه يبطل البيع
لأنه مضمون بالثمن فيسقط الثمن فلا يكون
مضمونا بالقيمة لأنه لا يتوالى على شيء واحد
ضمانان وإن أتلفه المشتري والبيع بات أو بخيار
له لزم الثمن وإن كان للبائع والبيع فاسد لزم
المثل في المثلي والقيمة في القيمي وإن بفعل
أجنبي خير المشتري فإن فسخ وعاد إلى ملك
البائع ضمن الجاني المثل أو القيمة والمضمون
إن من جنس الثمن وفيه فضل لا يطيب وإن من
خلافه طاب وإن اختار المشتري أيضا البيع اتبع
الجاني بالمثل أو بالقيمة وحكم الفضل ما
ذكرناه في جانب البائع واختياره اتباع الجاني
قبض عند الثاني خلافا لمحمد وأثره فيما إذا
توي على الجاني وفيما إذا أخذ من الجاني مكانه
شيئا آخر جاز عند الثاني وإن هلك بعد القبض
فعلى المشتري إلا إذا أتلفه البائع والقبض بلا
إذنه والثمن حال غير منقود فالبائع يصير
مستردا ويبطل البيع وسقط الثمن عن المشتري،
وإن هلك البعض قبل قبضه سقط من الثمن قدر
النقص سواء كان نقصان قدر أو وصف، وخير
المشتري بين الفسخ والإمضاء، وإن بفعل أجنبي.
فالجواب فيه كما إذا هلك كله وإن بآفة سماوية
إن نقصان قدر طرح عن المشتري حصة الفائت من
الثمن وله الخيار في الباقي وإن نقص وصف لا
يسقط شيء من الثمن لكنه يخير بين الأخذ بكل
الثمن أو الترك والوصف ما يدخل تحت البيع بلا
ذكر كالأشجار والبناء في الأرض وأطراف الحيوان
والجودة في الكيلي والوزني، وإن بفعل المعقود
عليه فالجواب كذلك، وإن بفعل المشتري صار
قابضا ما أتلف بالإتلاف والباقي بالتعيب فإن
هلك الباقي قبل حبسه فعلى المشتري وإن بعد
الحبس فعلى البائع وعلى
ج / 6 ص -23-
فلو
اشترى زوجته بالخيار بقي النكاح وإن وطأها له
أن يردها.
ــــــــــــــــــــــــ
المشتري حصة ما أتلفه لا غير فإن حبس بعد سقوط
حقه من الحبس فعلى المشتري كل الثمن إلا إذا
كان بفعل البائع فإن لم يكن له حق الاسترداد
فهو و كالاستهلاك من الأجنبي وإن كان له حق
الاسترداد انفسخ البيع في قدر ما أتلف وسقط
حصته من الثمن فلو هلك الباقي في يد المشتري
لزمه قسطه من الثمن إلا إذا هلك الباقي من
سراية جناية البائع فيكون مستردا له أيضا
فيسقط الثمن فإن زعم البائع أنه هلك بعد قبضه
والمشتري بأنه قبل قبضه فالقول للمشتري وأيهما
برهن قبل وإن برهنا فللبائع. وكذا لو ادعى
البائع أن المشتري استهلكه وعكس المشتري وإن
أرخا فبينة الأسبق أولى في الهلاك والاستهلاك
وتمامه في الفتاوى البزازية.
"قوله
فلو اشترى زوجته بالخيار بقي النكاح"
أي بالخيار له وهذا مفرع على أنه لا يدخل في
ملك المشتري فلذا لم يبطل النكاح قبل نفاذ
البيع وإذا سقط الخيار بطل للتنافي وعندهما
انفسخ لدخولها في ملك الزوج فإذا فسخ المشتري
البيع رجعت إلى مولاها بلا نكاح عليها عند هما
وعنده تستمر زوجته كذا في فتح القدير وعلى هذا
لو اشترى زوجته فاسدا وقبضها يفسد النكاح ثم
فسخ البيع للفساد لا يرفع فساد النكاح.
"قوله
فإن وطئها له أن يردها" لأن
الوطء بحكم ملك النكاح لبقائه لا بحكم ملك
اليمين لعدمه وعندهما ليس له أن يردها مطلقا
لما قدمناه أطلقه وهو مقيد بما إذا لم تكن
بكرا إذ لو كانت بكرا أو نقصها الوطء امتنع
الرد كما ذكره الإسبيجابي وظاهره أنه لو نقصها
وهي ثيب فالحكم كذلك وقد صرح به في فتح القدير
وكذا يتفرع أنه لو ردها فعنده تعود إلى سيدها
منكوحة وعندهما بلا نكاح وقيد بزوجته لأنه لو
اشترى غير زوجته بخيار فوطئها امتنع الرد
مطلقا أي وإن لم ينقصها وسقط الخيار وكذا في
المعراج ولم أر حكم حل وطء الأمة المبيعة
بخيار إما إذا كان الخيار للبائع فينبغي حله
له لا للمشتري وإن كان للمشتري ينبغي أن لا
يحل لهما ونقله في المعراج عن الشافعي فقال
وللشافعي في حل وطئها وجهان والثاني لا يجوز
وهو نصه وفي انفساخ نكاحها وجهان والثاني لا
ينفسخ وهو ظاهر نصه أما لو كان المبيع غير
امرأته لم يحل للمشتري وطؤها على الأقوال
كلها، ويحل للبائع على الأقوال كلها وقال أحمد
لا يحل للبائع ا هـ.
ثم اعلم أن دواعي الوطء كالوطء فإذا اشترى غير
زوجته بالخيار فقبلها بشهوة أو لمسها بشهوة أو
نظر إلى فرجها بشهوة سقط خياره وحدها انتشار
آلته أو زيادتها وقيل بالقلب وإن لم تنتشر فإن
كان بغير شهوة لم تسقط في الكل وإن ادعى أنه
بغير شهوة فإن كان في الفم لم يقبل قوله وإلا
قبل وإن فعلت الأمة به ذلك وأقر أنه كان بشهوة
كان رضا كما في السراج
ج / 6 ص -24-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
الوهاج. ولم يذكر المؤلف مما يظهر فيه ثمرة
الاختلاف إلا هذه المسألة وذكر في الهداية أن
لهذه المسألة أخوات كلها تبتنى على وقوع الملك
للمشتري بشرط الخيار وعدمه منها عتق المشتري
على المشتري إذا كان قريبا له في مدة الخيار
ولو كان للبائع فمات المشتري فأجاز البائع عتق
الابن ولا يرث أباه كما قدمناه عن الخانية
ومنها عتقه إذا كان المشتري حلف إن ملك عبدا
فهو حر بخلاف ما إذا قال إني اشتريت لأنه يصير
كالمنشئ للعتق بعد الشراء فسقط الخيار. ومنها
أن حيض المشتراة في المدة لا يجتزأ به من
الاستبراء عنده وعندهما يجتزأ ولو ردت بحكم
الخيار إلى البائع لا يجب الاستبراء عنده
وعندهما يجب إذا ردت بعد القبض ومنها إذا ولدت
المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له
عنده خلافا لهما ومحله ما إذا كان قبل القبض
أما بعده فسقط الخيار اتفاقا وتصير أم ولد
للمشتري لأنها تعيبت عنده بالولادة كذا في
النهاية وفي الخانية إذا ولدت بطل خياره، وإن
كان الولد ميتا ولم تنقصها الولادة لا يبطل
خياره ا هـ.
ثم اعلم أنهم لم يقيدوا بدعوى الولد وقيده بها
في إيضاح الإصلاح قال لأنه ولد والفراش ضعيف.
ا هـ. وهو تقييد لقولهما ومنها إذا قبض
المشتري المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند
البائع فهلك في يده في تلك المدة هلك من مال
البائع لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك
وعندهما من مال المشتري لصحة الإيداع باعتبار
قيام الملك ولو كان الخيار للبائع فسلم المبيع
إلى المشتري فأودعه البائع فهلك عنده بطل
البيع عند الكل ولو كان البيع باتا فقبض
المشتري المبيع بإذن البائع أو بغير إذنه ثم
أودعه البائع فهلك كان على المشتري اتفاقا
لصحة الإيداع. كذا في التتارخانية ومنها لو
كان المشتري عبدا مأذونا فأبرأه البائع عن
الثمن في المدة بقي خياره عنده لأن الرد
امتناع عن التملك والمأذون له يليه وعندهما
بطل خياره لأنه لما ملكه كان الرد منه تمليكا
بغير عوض وهو ليس من أهله وهذا يقتضي صحة
الإبراء وقدمنا أنه لا يصح عند أبي يوسف قياسا
ويصح عند محمد استحسانا ونبه عليه هنا في
النهاية ومنها إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا على
أنه بالخيار ثم أسلم بطل الخيار عندهما لأنه
ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم وعنده يبطل
البيع لأنه لم يملكها فلا يتملكها بإسقاط
الخيار بعده وهو مسلم. ا هـ. ولو كان الخيار
للبائع فأسلم بطل البيع ولو أسلم المشتري لا
وخيار للبائع على حاله فإن أجاز صارت الخمر
للمشتري حكما والمسلم أهل لأن يتملكها حكما.
كذا في النهاية فقد ذكر فيها ثمان مسائل وقد
زاد الشارحون مسائل أيضا ففي فتح القدير
الأولى: ما إذا تخمر العصير
في بيع مسلمين في مدته فسد البيع عنده لعجزه
عن تملكه وعندهما يتم لعجزه عن رده
ج / 6 ص -25-
فلو
أجاز من له الخيار بغيبة صاحبه صح ولو فسخ لا
ــــــــــــــــــــــــ
الثانية: اشترى دارا على أنه
بالخيار ثلاثة أيام وهو ساكنها بإجارة أو
إعارة فاستدام سكنها قال السرخسي لا يكون
اختيارا وهو في ابتداء السكنى وقال خواهر زاده
استدامتها اختيار عندهما لملك العين وعنده ليس
باختيار،
الثالثة: حلال اشترى ظبيا
بالخيار فقبضه ثم أحرم والظبي في يده فينقض
البيع عنده ويرد إلى البائع وعندهما يلزم
المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض بالإجماع
ولو كان للمشتري فأحرم المشتري له أن يرده
الرابعة: إذا كان الخيار
للمشتري وفسخ العقد فالزوائد ترد على البائع
عنده لأنها لم تحدث على ملك المشتري وعندهما
للمشتري لأنها حدثت على ملكه ا هـ. وفي جامع
الفصولين لو اشترى بخيار فدام على السكنى لا
يبطل خياره ولو ابتدأها بطل يماثله خيار العيب
وخيار الشرط في القسمة لا يبطل بدوام السكنى ا
هـ. وفي التتارخانية أن محمدا ذكر في البيوع
أن خيار الشرط يبطل بالسكنى وفي القسمة ذكر
أنه لا يبطل فاختلف المشايخ فمنهم من حمل ما
في البيوع على الابتداء وما في القسمة على
الدوام ومنهم من أبقى ما في البيوع على إطلاقه
فيبطل بالابتداء والدوام وأبقى ما في القسمة
على إطلاقه فلا يبطل خيار الشرط فيها
بالابتداء والدوام وفيها أيضا لو كان الخيار
للمشتري فصالحه البائع على مائة يدفعها له على
أن يبطل البيع ففسخه انفسخ ولا شيء له ا هـ.
"قوله
فلو أجاز من له الخيار بغيبة صاحبه صح ولو فسخ
لا" أي لا يصح في غيبة صاحبه
وهذا عندهما وقال أبو يوسف يجوز الفسخ أيضا
لأنه مسلط على الفسخ من جهة صاحبه فلا يتوقف
على علمه كالإجازة ولهذا لا يشترط رضاه فصار
كالوكيل ولهما أنه تصرف في حق الغير وهو العقد
بالرفع ولا يعرى عن المضرة لأنه عساه يعتمد
تمام البيع السابق فيتصرف فيه فيلزمه غرامة
القيمة بالهلاك فيما إذا كان الخيار للبائع أو
لا يطلب لسلعته مشتريا فيما إذا كان الخيار
للمشتري وهذا نوع ضرر يتوقف على عمله وصار
كعزل الوكيل بخلاف الإجازة لأنه لا إلزام فيه
ولا يقال إنه مسلط وكيف يقال ذلك وصاحبه لا
يملك الفسخ ولا تسليط في غير ما يملكه المسلط
كذا في الهداية وفي المعراج وكذا الخلاف في
خيار الرؤية ولا خلاف في خيار العيب أنه لا
يملكه والخلاف إنما هو في الفسخ بالقول أما
إذا فسخ بالفعل فإنه ينفسخ حكما اتفاقا في
الحضرة والغيبة لأنه لا يشترط العلم في الحكمي
كعزل الوكيل والمضارب والشريك وحجر المأذون له
في التجارة بارتداد ولحوق وجنون وبحث في فتح
القدير بأنه ينبغي أن يكون الفعل الاختياري
كالقول. والمراد بالغيبة عدم علمه،
ج / 6 ص -26-
وتم
العقد بموته ومضي المدة والإعتاق وتوابعه
والأخذ بالشفعة
ــــــــــــــــــــــــ
وبالحضرة علمه فلو فسخ في غيبته فبلغه في
المدة تم الفسخ لحصول العلم به ولو بلغه بعد
مضي المدة تم العقد بمضي المدة قبل الفسخ كذا
في الهداية وكذا إذا أجاز البائع بعد فسخه قبل
أن يعلم المشتري جاز وبطل فسخه كذا ذكر
الإسبيجابي
وفي الذخيرة ولو اشترى على أن البائع لو غاب
عنه ففسخه عليه جائز فالبيع فاسد في قول أبي
حنيفة و محمد لأن هذا شرط فاسد عندهما ورجح في
فتح القدير قول أبي يوسف قال فعلى هذا
فالمسائل الموردة نقضا مسلمة لأنها على وفق ما
ترجح من قول أبي يوسف لكنا نوردها بناء على
تسليم الدليل
فمنها أن المخيرة يتم اختيارها لنفسها بلا علم
زوجها ويلزمه حكم ذلك وأجيب بأن اللزوم
بإيجابه على نفسه ومنها الرجعة ينفرد بها
الزوج بلا علمها حتى لو تزوجت بعدها بعد ثلاث
حيض فسخ العقد إذا أثبتها وأجيب بأن الطلاق
الرجعي لا يرفع النكاح فعليها استكشاف الحال
ومنها الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص يثبت
حكمها بلا علم الآخر وأجيب بأنها إسقاطات
ومنها خيار المعتقة يصح بلا علم زوجها وأجيب
بأنه لا رواية فيه وعلى التقدير فقد أثبته
الشرع مطلقا ومنها خيار المالك في بيع الفضولي
بدون علم المتعاقدين وأجيب بكون عقدهما لا
وجود له في حق المالك ومنها العدة لازمة عليها
وإن لم تعلم بالطلاق وأجيب بأنها واجبة في ضمن
الطلاق لا بسببه ا هـ.
وفي جامع الفصولين ولو كان الخيار للمشتريين
ففسخ أحدهما بغيبة الآخر لم يجز باعه بخيار
ففسخه في المدة انفسخ فإن قال بعده أجزت وقبل
المشتري جاز استحسانا ولو كان الخيار للمشتري
فأجاز ثم فسخ وقبل البائع جاز وينفسخ ومن له
الخيار لو اختار الرد أو القبول بقلبه فهو
باطل لتعلق الأحكام بالظاهر والباطن ا هـ. قال
فيه شرى بخيار فأراد رده فاختفى بائعه قيل
للقاضي أن ينصب عن البائع خصما ليرده عليه
وقيل لا ا هـ. وهكذا ذكر الخلاف في المعراج
وفتح القدير والله أعلم
"قوله
وتم العقد بموته ومضي المدة والإعتاق وتوابعه
والأخذ بالشفعة" أي تحصل
الإجازة بواحد مما ذكر وهو كلام موهم موقع في
الغلط فإن في بعضها يكون إجازة سواء كان
الخيار للبائع أو للمشتري وفي بعضها إنما يكون
إجازة إذا كان من المشتري وأما من البائع ففسخ
أما الموت فإنه مبطل لخيار الميت سواء كان
بائعا أو مشتريا ولا يورث عندنا كخيار الرؤية
لأنه ليس إلا مشيئة وإرادة ولا يتصور انتقاله
والإرث فيما يقبل الانتقال لا فيما لا يقبله
ج / 6 ص -27-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
كملك المنكوحة والعقود التي عقدها المورث لا
تنتقل وإنما ملك الوارث الإقالة لانتقال الملك
إليه ولذا ملكها الموكل وإن لم يكن عاقدا كذا
في المعراج ولا يرد علينا خيار العيب فإنه
موروث لكون المورث استحق المبيع سليما فكذا
الوارث ففي التحقيق الموروث العين بصفة
السلامة من العيوب فأما نفس الخيار فلا يورث
وفي المعراج أن خيار العيب يثبت للوارث ابتداء
بدليل أنه لو تعيب بعد موت المشتري في يد
البائع كان للوارث رده وأما خيار التعيين
فيثبت للوارث ابتداء لاختلاط ملكه بملك الغير
لا أن يورث الخيار هكذا ذكروا وزاد في العناية
بأن الوارث لا يملك الفسخ ولا يتأقت خياره
بخلاف المورث ا هـ. ووجهه ظاهر لأن هذين حكما
خيار الشرط ولم يتكلموا فيما رأيت على غير
الأربعة من الخيارات هل تورث أو لا إلا خيار
فوات الوصف المرغوب فيه فسيأتي أنه يورث
والضمير في قوله بموته عائد إلى من له الخيار
احترازا عن موت من لا خيار له لأنه إذا مات
فالخيار باق لمن شرط له فإن أمضى مضى وإن فسخ
انفسخ كذا في فتح القدير وفي الظهيرية الوكيل
إذا باع بشرط الخيار فمات الوكيل أو الموكل في
المدة بطل الخيار وتم البيع ا هـ.
وفي جامع الفصولين وكيل البيع أو الوصي باع
بخيار أو المالك بنفسه باع بخيار لغيره فمات
الوكيل أو الوصي أو الموكل أو الصبي أو من باع
بنفسه أو من شرط له الخيار قال محمد يتم البيع
في كل ذلك لأن لكل منهم حقا في الخيار والجنون
كالموت ا هـ. وفي المعراج ولو كان الخيار لهما
فمات أحدهما لزم البيع من جهته والآخر على
خياره ا هـ. وقد أفاد كلامه أن الخيار لا
ينتقل عمن هو له إلى غيره فلذا قال أبو يوسف
إذا اشترى الأب أو الوصي شيئا لليتيم وشرط
الخيار لنفسه فبلغ الصبي في المدة تم البيع
وقال محمد توقف على إجازة الابن فكأنه باشره
بعد بلوغه حتى قيل لا تتأقت بالثلاث. وعن محمد
أن للوصي أن يفسخ بعد بلوغ الصغير وليس له أن
يجيز إلا برضاه وروي أن الأب أو الوصي إذا
اشترى عبدا للصغير بدراهم أو دنانير بشرط
الخيار ثم بلغ الصغير في المدة ثم أجاز أنفذ
الشراء عليهما إلا أن تكون الإجازة برضا
الصغير بعد البلوغ فينفذ عليه ولو حجر السيد
على عبده المأذون تم البيع وقيل ينتقل الخيار
إلى المولى ولو اشترى المكاتب أو باع بشرط
الخيار ثم عجز في الثلاث تم البيع عند هم كذا
في الظهيرية فقد علم أن الخيار لا ينتقل على
المعتمد لأن قول أبي يوسف في الأولى هو
المعتمد ولكن خرج عنه العبد المأذون إذا باع
بشرط الخيار فإن للمولى الإجازة إن لم يكن
مديونا ولا يجوز فسخه عليه إلا أن يجعله لنفسه
ثم يفسخ بحضرة المشتري أو بما يكون فسخا من
الأفعال في غيبة المشتري كذا في الظهيرية وأما
الوكيل إذا
ج / 6 ص -28-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
عزل وله الخيار فإنه لا يبطل اتفاقا كذا في
السراج الوهاج
وأما مضي المدة فمبطل للخيار سواء كان للبائع
أو للمشتري إذ لم يثبت الخيار إلا فيها فلا
بقاء له بعدها كالمخيرة في وقت مقدر وأما
الإعتاق وتوابعه وهي التدبير والكتابة فإنما
يتم به إذا كان الخيار للمشتري وفعلها أما إذا
كان للبائع وفعلها كان فسخا وذكر المصنف
السقوط بطريق الضرورة وهو الموت ومضي المدة
والسقوط بطريق الدلالة وهو الإعتاق ولم يذكر
ما يكون إجازة بالقول صريحا ولاما يكون إجازة
بالفعل
أما الأول ففي جامع الفصولين المشتري بالخيار
إذا قال أجزت شراءه أو شئت أخذه أو رضيت أخذه
بطل خياره ولو قال هويت أخذه أو أحببت أو أردت
أو أعجبني أو وافقني لا يبطل ا هـ. وفيه لو
طلب المشتري الأجر من الساكن بطل خياره ولو
دعا الجارية إلى فراشه لا يبطل سواء كان
الخيار للبائع أو للمشتري
وأما الثاني ففيه لو حجم العبد أو سقاه دواء
أو حلق رأسه كان رضا لا لو أمر امرأة بمشط أو
دهن أو لبس ولو اشترى أرضا مع حرثه فسقى الحرث
أو فعل منه شيئا أو حصده أو عرض المبيع للبيع
بطل خياره لا لو عرضه ليقوم ومشتري الدار لو
أسكنه بأجر أو بلا أجر أو رم منه شيئا أو بنى
أو جصص أو طين أو هدم منه شيئا فهو رضا ولو
طحن في الرحى ليعرف قدر طحنه إن طحن أكثر من
يوم وليلة بطل خياره لا فيما دونه ولو قص
حوافر الدابة أو أخذ من عرفها لم يكن رضا ولو
ودجها أو بزغها فهو رضا والتوديج شق الأوداج
جملة ولو استخدم الخادم مرة أو لبس الثوب مرة
أو ركب الدابة مرة لم يبطل خياره ولو فعله
مرتين بطل ولو شرى قنا بخياره فرآه يحجم الناس
بأجر فسكت كان رضا لا لو بلا أجر لأنه
كالاستخدام ألا ترى أنه لو قال له احجمني
فحجمه لم يكن رضا شرى أمة فأمرها بإرضاع ولده
لم يكن رضا لأنه استخدام ولو ركب دابة ليسقيها
أو ليردها على البائع بطل خياره قياسا لا
استحسانا ا هـ. ثم قال شرى بقرة بخيار فحلبها
قال أبو حنيفة بطل خياره وقال أبو يوسف لا حتى
يشرب اللبن أو يتلفه ا هـ. وذكر الشارح أن كل
تصرف لا يحل إلا في الملك فإنه إجازة كالوطء
والتقبيل لا ما يحل في غيره كالاستخدام وزاد
في المعراج على ما ذكرناه إغماء من له الخيار
ولو أفاق في المدة فله الخيار وذكر الإسبيجابي
الأصح أنه على خياره والتحقيق أن الإغماء
والجنون لا يسقطان إنما المسقط له مضي المدة
من غير اختيار ولذا لو أفاق فيها وفسخ جاز ولو
سكر من الخمر لا يبطل بخلاف السكر من البنج
ولو ارتد فعلى خياره إجماعا فلو تصرف بحكم
خياره توقف عنده خلافا لهما. ا هـ.
ج / 6 ص -29-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
وأطلق في الإعتاق فشمل ما إذا علقه بشرط فوجد
في المدة كما في المعراج وأشار بالإعتاق إلى
كل تصرف لا يفعل إلا في الملك كما إذا باعه أو
وهبه وسلمه أو رهن أو آجر وإن لم يسلم على
الأصح كما في المعراج وليس منه ما إذا قبض
الثمن من البائع وكذا هبته وإنفاقه إلا إذا
استدانه لغيره كالدراهم والدنانير ولو باع
جارية بعبد على أنه بالخيار في الجارية فهبة
العبد أو عرضه على البيع إجازة وعرضها على
البائع ليس بفسخ على الأصح ولو أبرأه من الثمن
أو اشترى منه به شيئا أو ساومه به فهو إجازة
كذا في المعراج وقيد الاستخدام ثانيا من
المشتري بأن لا يكون في نوع آخر والركوب
امتحانا ليس إجازة لا ثانيا كركوبها لحاجة أو
شغل أو حمل عليها إلا علفها عند محمد والركوب
للرد والسقي والإعلاف إجازة ولو نسخ من الكتاب
لنفسه أو لغيره لا يبطل وإن قلب الأوراق
وبالدرس منه يبطل وقيل على عكسه وبه أخذ
الفقيه أبو الليث ا هـ.
وفي الظهيرية لو سقى من نهرها أرضا له أخرى
سقط وكري النهر وكبس البئر يسقط خياره ولو
انهدمت البئر ثم بناها لم يعد خياره ولو وقعت
فيها فأرة أو نجاسة سقط وروي أنه إذا نزح
عشرين دلوا لم يسقط ا هـ. وفي السراج الوهاج
إذا زوج العبد أو الأمة سقط خياره وفي المحيط
باع عبدا بخيار له فأذن له في التجارة لم يكن
نقضا إلا أن يلحقه دين ولو أمضاه بعدما لحقه
دين لم يجز لأن الغريم أحق به من المشتري ولم
يذكر المصنف هنا حكم ما إذا زاد المبيع أو نقص
في المدة وذكر فيما قبله حكم ما إذا تعيب أما
الثاني ففي المعراج ولو حدث به عيب في خيار
المشتري بطل خياره سواء حدث بفعل البائع أو
بغير فعله لكونه في ضمان المشتري حيث كان في
يده عندهما وقال محمد لا يلزمه العقد بجناية
البائع وعلى قولهما يرجع المشتري بالأرش على
البائع ولو كان الخيار للبائع فحدث به عيب فهو
على خياره لكنه يتخير المشتري ولو حدث بفعل
البائع انتقض البيع لأن ما انتقص مضمون عليه
كذا في المعراج وقدمناه.
وأما الأول أعني الزيادة ففي جامع الفصولين
شرى بخيار فزاد المبيع في يد المشتري زيادة
متصلة متولدة كسمن وجمال وبرء وانجلاء بياض عن
العين يمنع الرد ويلزم البيع إلا عند محمد وإن
كانت متصلة لم تتولد كصبغ وخياطة ولت سويق
بسمن وثني أرض وغرس شجر يمنع الفسخ وفاقا ولو
كانت منفصلة متولدة كعقر وولد وأرش ولبن وثمر
وصوف تمنع وفاقا وإن كانت منفصلة لم تتولد
كغلة وكسب وهبة وصدقة لا يمنع وفاقا فإن أجاز
المشتري فهو له وإلا فكذلك عندهما وعند أبي
حنيفة ترد على البائع ا هـ. وفي السراج إذا
باضت الدجاجة في المدة سقط الخيار إلا أن تكون
مذرة وإذا ولدت الحيوان ولدا سقط إلا أن يكون
الولد ميتا. ا هـ. والحاصل أنها مانعة مطلقا
إلا منفصلة لم تتولد.
ج / 6 ص -30-
ولو
شرط المشتري الخيار لغيره صح وأيهما أجاز أو
نقض صح فإن أجاز أحدهما ونقض الآخر فالأسبق
أحق وإن كانا معا فالفسخ.
ــــــــــــــــــــــــ
وفي الظهيرية عن الثاني اشترى عبدا بخيار
ثلاثا وقبضه فوهب للعبد مال أو اكتسبه ثم
استهلكه العبد بعلم المشتري بغير إذنه أو بغير
علمه لم يبطل خيار المشتري في العبد ولو وهب
للعبد أم ولد المشتري وقبضها العبد بطل خيار
المشتري في العبد قال ولا يشبه الولد أم الولد
من قبل أن أم الولد تبقى على ملكه بعد الرد
بحكم الخيار والولد لا يبقى ا هـ. والأخير
يحتاج إلى تحرير وأما الأخذ بشفعة فصورته أن
يشتري دارا بشرط الخيار ثم تباع دار أخرى
بجنبها فيأخذها المشتري بشرط الخيار بالشفعة
لأنه لا يكون إلا بالملك فكان دليل الإجازة
فتضمن سقوط الخيار وقدمنا الاعتذار لأبي حنيفة
عنه عند قوله ولا يملك المشتري ولو قال المؤلف
وطلب الشفعة بها بدل الأخذ لكان أولى لأن
طلبها مسقط وإن لم يأخذها كما في المعراج وقيد
بخيار الشرط لأن طلبها لا يسقط خيار الرؤية
والعيب كما في المعراج واقتصار الشارح على
خيار الرؤية قصور.
"قوله
ولو شرط المشتري الخيار لغيره صح وأيهما أجاز
أو نقض صح" لأن شرط الخيار
لغيره جائز استحسانا لا قياسا وهو قول زفر
لأنه من مواجب العقد فلا يجوز اشتراطه لغيره
كاشتراط الثمن على غير المشتري ولنا أن الخيار
لغير العاقد لا يثبت إلا نيابة عن العاقد
فيقدم الخيار له اقتضاء ثم يجعل هو نائبا عنه
تصحيحا لتصرفه وحينئذ يكون لكل منهما الخيار
فأيهما أجاز جاز وأيهما نقض انتقض ولو قال
المصنف ولو شرط أحد المتعاقدين الخيار لأجنبي
صح لكان أولى ليشمل ما إذا كان الشارط البائع
أو المشتري وليخرج اشتراط أحدهما للآخر فإن
قوله لغيره صادق بالبائع وليس بمراد ولذا قال
في المعراج. والمراد من الغير هنا غير
العاقدين ليتأتى فيه خلاف زفر قيد بخيار الشرط
لأن خيار العيب والرؤية لا يثبت لغير العاقدين
كما في المعراج وأفاد كلامه أن أحدهما لو أجاز
فقال الآخر لا أرضى فالبيع لازم ولو أمر وكيله
بالبيع بشرط الخيار فباعه بلا شرط لم يجز ولو
باع واشترط كما أمره فليس له أن يجيز على
الآمر وللآمر الإجازة ولو وكله بشراء بشرط
للآمر فاشترى ولم يشترطه نفذ عليه كذا في
السراج الوهاج.
"قوله
فإن أجاز أحدهما ونقض الآخر فالأسبق أحق"
لوجوده في زمان لا يزاحمه فيه غيره.
"قوله
وإن كانا معا فالفسخ" أي لو
فسخ أحدهما وأجاز الآخر وخرجا منهما معا ترجح
الفسخ على الإجازة لأن الفسخ أقوى لأن المجاز
يلحقه الفسخ والمفسوخ لا تلحقه الإجازة
ج / 6 ص -31-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
ولما ملك كل منهما التصرف رجحنا بحال التصرف
كذا في الهداية وأورد عليه لا نسلم أن المفسوخ
لا تلحقه الإجازة فإنه ذكر في المبسوط أن
الفسخ بحكم الخيار محتمل للفسخ في نفسه حتى لو
تفاسخا ثم تراضيا على فسخ الفسخ وعلى إعادة
العقد بينهما جاز وفسخ الفسخ ليس هو إلا إجازة
البيع في المفسوخ وأجاب عنه في المعراج بأنه
غير لازم لأنا نقول الإجازة لا ترد على
المنتقض ولا إجازة فيما ذكرتم بل هو بيع
ابتداء كذا في الفوائد الظهيرية وما ذكره
المصنف من ترجيح الفسخ دون تصرف العاقد صححه
قاضي خان معزيا إلى المبسوط وفي رواية الراجح
تصرف العاقد لقوته لأن النائب يستفيد الولاية
منه وقيل هو قول محمد وما في الكتاب قول أبي
يوسف واستخرج ذلك بما إذا باع الوكيل من رجل
والموكل من غيره معا فمحمد يعتبر فيه تصرف
الموكل وأبو يوسف يعتبرهما كذا في الهداية
وقيد بالوكيل بالبيع لأن الوكيل بطلاقها للسنة
إذا طلقها الوكيل والموكل معا فالواقع طلاق
أحدهما لا على التعيين وأجاب عنه في فتح
القدير بأن الوكيل فيه سفير كالوكيل بالنكاح
فكان الصادر من كل واحد منهما صادرا عن أصالة
بخلاف الوكيل بالبيع ا هـ. وفي الظهيرية وعن
أبي يوسف في المنتقى وصيان يشتريان بشرط
الخيار فأجاز أحدهما ونقض الآخر فإن الإجازة
أولى ا هـ. وفي المحيط وكيل اشترى بشرط الخيار
لموكله بأمره أو بغير أمره إذا ادعى البائع
رضا الآمر وأنكر الرجل فالقول للوكيل بلا يمين
لأن البائع يدعي سقوط الخيار ووجوب الثمن وهو
ينكر ولا يمين لأنه دعوى على الآمر دون العاقد
والآمر لو أنكر لا يستحلف وكيله لأنه نائب عن
العاقد في الحقوق وليس بأصيل وإن ادعى الرضا
على الوكيل يحلف لأن الدعوى توجهت عليه وإن
أقام بينة على رضا الآمر قبلت لأن الوكيل
ينتصب خصما عن الآمر لأنه ادعى حقا على الحاضر
وهو سقوط الخيار بسبب ادعائه على الغائب ا هـ.
وأشار المؤلف بكون الاشتراط للغير اشتراطا
لنفسه إلى أنه لو أمره ببيع ماله بشرط الخيار
له فباع وشرطه للآمر لم يكن مخالفا وعلى عكسه
يكون مخالفا لأنه أمره ببيع لا يزيل الملك
بدون رضاه وأن لا يكون للمأمور فيه رأي
وتدبير، ويكون الرأي والتدبير فيه للآمر أصلا
وله تبعا وما فعله بعكسه فإن شرط الخيار للآمر
ثم أجاز هو البيع جاز عليه دون الآمر وخيار
الآمر باق حتى لو أجاز كان له وإنه فسخ يلزم
الوكيل لأن الخيار ثبت للآمر بالشرط فصار
كخيار العيب إذا ثبت بالعقد. والوكيل بالشراء
إذا وجد عيبا بالمبيع ورضي به نفذ فيما بينه
وبين البائع وخيار البائع على حاله فإن رضي به
لزمه وإن رد لزم الوكيل فكذا هذا كذا في
المحيط ثم اعلم أن التصرفين إذا صدرا معا فقد
علم الحكم في باب الخيار وأما تصرف الموكل مع
تصرف الوكيل فظاهر ما قدمناه أنه إن كان
الوكيل أصيلا في الحقوق نفذ كل منهما في النصف
وإن كان نائبا فيها نفذ واحد لا على التعيين
وأما إذا صدرا من فضوليين
ج / 6 ص -32-
ومن
باع عبدين على أنه بالخيار في أحدهما إن فصل
وعين صح وإلا فلا وصح خيار التعيين فيما دون
الأربعة.
ــــــــــــــــــــــــ
فلا كلام في التوقف على إجازة من له الإجازة
وإنما الكلام فيما لو أجيزا قالوا يثبت
الأقوى فلو باع فضولي وزوج آخر ترجح البيع
فتصير مملوكة لا زوجة ولو استويا فإن كانا
نكاحين بطلا وإن كانا بيعين تنصف والبيع أقوى
من الهبة والإجازة والرهن والنكاح إلا هبة لا
تبطل بالشيوع فإنهما سواء والهبة والرهن أقوى
من الإجارة وسيأتي في بيع الفضولي بقية مسائله
إن شاء الله تعالى.
"قوله
ومن باع عبدين على أنه بالخيار في أحدهما إن
فصل وعين صح وإلا فلا" شروع
في بيان ما إذا كان المبيع متعددا وحاصلها
أنها رباعية فالصحة في واحدة وهو ما إذا فصل
له ثمن كل منهما وعين من فيه الخيار منهما لأن
المبيع معلوم والثمن معلوم وقبول العقد في
الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاده في
الآخر ولكن هذا غير مفسد للعقد لكونه محلا
للبيع كما إذا جمع بين قن ومدبر والفساد في
ثلاثة:
الأولى إذا لم يفصل الثمن ولم
يعين محل الخيار لجهالتهما.
الثانية: فصل ولم يعين محله
لجهالة المبيع.
والثالثة: عين محله ولم يفصل
الثمن لجهالة الثمن والأصل فيه أن الذي فيه
الخيار كالخارج عن العقد إذ العقد مع الخيار
لا ينعقد في حق الحكم فبقي الداخل فيه أحدهما
وهو غير معلوم وإنما جاز البيع في القن إذا ضم
إلى مدبر أو مكاتب أو أم ولد وبيعا صفقة وإن
لم يفصل الثمن على الأصح لأن المانع من حكم
العقد فيما نحن فيه مقارن للعقد لفظا ومعنى
فأثر الفساد وفيما ذكر المانع مقارن معنى لا
لفظا لدخولهم في البيع حتى لو قضى به قاض يجوز
لكن لم يثبت الحكم لحق محترم واجب الصيانة
فأثر الفساد كذا في المعراج وفي ضم أم الولد
والمكاتب إلى المدبر في جواز القضاء ببيعه نظر
فإن الصحيح أنه ينفذ في المدبر فقط. وفي فتح
القدير وعلى ما ذكر هنا يتفرع ما في فتاوى
قاضي خان باع عبدين على أنه بالخيار فيهما
وقبضهما المشتري ثم مات أحدهما لا يجوز البيع
في الباقي وإن تراضيا على إجازته لأن الإجازة
حينئذ بمنزلة ابتداء العقد في الباقي بالحصة
ولو قال البائع في هذه المسألة نقضت البيع في
هذا أو في أحدهما كان لغوا كأنه لم يتكلم
وخياره فيهما باق كما كان كما لو باع عبدا
واحدا وشرط الخيار لنفسه فنقض البيع في نصفه ا
هـ. وهكذا في الظهيرية وتقييده بالبائع اتفاقي
إذ لو شرط للمشتري كان كذلك صحة وفسادا وأراد
بالعبدين القيميين احترازا عن قيمي ومثليين إذ
في القيمي الواحد إذا شرط الخيار في نصفه يصح
مطلقا وفي المثليين كذلك لعدم التفاوت كما
ذكره الشارح ا هـ.
"قوله
وصح خيار التعيين فيما دون الأربعة"
وهو أن يبيع أحد العبدين أو الثلاثة أو أحد
ج / 6 ص -33-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
الثوبين أو الثلاثة على أن يأخذ المشتري واحدا
والقياس الفساد كالأربعة لجهالة المبيع وهو
قول زفر وجه الاستحسان إن شرع الخيار للحاجة
إلى دفع الغبن ليختار ما هو الأرفق والأوفق
والحاجة إلى هذا النوع من البيع متحققة لأنه
يحتاج إلى اختيار من يثق به أو اختيار من
يشتريه لأجله ولا يمكنه البائع من الحمل إليه
إلا بالبيع فكان في معنى ما ورد به الشرع غير
أن هذه تندفع بالثلاث لوجود الجيد والوسط
والرديء فيها والجهالة لا تفضي إلى المنازعة
في الثلاثة لتعيين من له الخيار وكذا في
الأربعة إلا أن الحاجة إليها غير متحققة
والرخصة ثبوتها بالحاجة وكون الجهالة موجودة
غير مفضية إلى المنازعة فلا يثبت بأحدهما.
أطلقه فشمل ما إذا كان للبائع أو للمشتري وهو
المذكور في المأذون وهو الأصح ذكره في شرح
التلخيص وفي جامع الفصولين يجوز خيار التعيين
في جانب البائع كما لا يجوز في جانب المشتري.
ا هـ. وفي الظهيرية وللبائع أن يلزم أيهما شاء
على المشتري فإن هلك أحدهما في يد البائع فله
أن يلزمه الباقي لا الهالك ولو حدث في أحدهما
عيب في يد البائع فله أن يلزمه السليم وليس له
أن يلزمه المعيب إلا برضا المشتري فإن ألزمه
المعيب ولم يرض به ليس له أن يلزمه الآخر بعد
ذلك، ولو قبضهما المشتري وخيار التعيين
للبائع فهلك فالبيان بحاله ا هـ. وأما إذا كان
الخيار للمشتري فالبيع لازم في أحدهما إلا أن
يكون معه خيار شرط وما هو مبيع مضمون بالثمن
وغير المبيع أمانة فلو اشترى ثلاثة أثواب وعين
لكل ثمنا على أن له خيار التعيين فاحترق ثوبان
ونصف الثالث رد النصف الباقي ولا شيء عليه من
ضمان النصف المحترق وضمن نصف ثمن المحترقين
ولو كانا ثوبان فاحترق نصف كل معا رد أيهما
شاء بغير ضمان وضمن ثمن الآخر. ولو احترق
أحدهما ونصف الآخر لزمه ثمن المحترق لتعينه
مبيعا ورد الآخر بغير ضمان ويسقط خيار التعيين
بما يسقط به خيار الشرط وإذا بيع أحدهما أو
هلك تعين هو مبيعا والآخر أمانة ولو هلكا معا
ضمن نصف ثمن كل واحد منهما ولو اختلفا في
الهالك أولا تحالفا على العلم على قول الإمام
الأول ثم رجع إلى قوله الثاني من أن القول
للمشتري مع يمينه وبينة البائع أولى ولو تعيبا
معا فالخيار بحاله وإن على التعاقب تعين الأول
مبيعا وإن اختلفا في الأول فعلى ما ذكرنا ولو
باعهما المشتري ثم اختار أحدهما صح بيعه فيه
ولو صبغ المشتري أحدهما تعين هو مبيعا ورد
الآخر ولو أعتقهما البائع عتق الذي يرد عليه
وإن كان أعتق ما اختاره المشتري للبيع لم يصح
إعتاقه ولو استولدهما المشتري تعينت الأولى
للبيع وضمن عقر الأخرى للبائع. ولا يثبت نسب
ولدها منه لعدم الملك ويؤمر المشتري بالبيان
أيتهما استولدها أولا فإن مات قبل البيان
فخيار التعيين للورثة فإن لم تعرف الورثة
الأول منهما ضمن المشتري نصف ثمن كل واحدة
منهما ونصف عقرهما للبائع ويسعيان في نصف
قيمتهما
ج / 6 ص -34-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
للبائع وروي أن الولدين يسعيان أيضا في نصف
قيمتهما للبائع ولو وطئهما البائع والمشتري
فولدتا وادعى كل واحد منهما الولدين صدق
المشتري في التي وطئها أولا وضمن عقر الأخرى
ويثبت نسب الأخرى من البائع لأنه استولد جارية
نفسه ويضمن البائع عقر الأخرى للمشتري وإن
ماتا قبل البيان ولم تعلم ورثة المشتري الأول
منهما لم يثبت نسب الولد من أحد لوقوع الشك
وعتقوا وضمن المشتري نصف ثمن كل واحدة منهما
ونصف عقرها للبائع والبائع يضمن نصف عقر كل
واحدة للمشتري ويتقاصان وولاؤهم بينهما وقيل
لا ولاء على الولدين. كذا في الظهيرية ثم قال
بعده ويجوز خيار التعيين في الفاسد أيضا إلا
أن هاهنا ما يتعين للبيع كان مضمونا بالقيمة
والباقي كما قلنا في الجائز وإن ماتا معا ضمن
نصف قيمة كل واحد منهما ولو أعتقهما المشتري
عتق أحدهما والتعيين إليه ولو أعتق أحدهما
المشتري بعينه أو باعه جاز وعليه قيمته ولا
يجوز إعتاق المبهم لا من البائع ولا من
المشتري لأن العتق المبهم بين المملوكين
للمعتق ولم يوجد ولو أعتق البائع أحدهما بعينه
ثم أعتق المشتري ذلك أو عينه للبيع أو مات
فعتق البائع باطل ولو رد ذلك على البائع صح
عتقه ولو كان أعتقهما وردا عليه عتق أحدهما
والتعيين إليه ا هـ. وقيدوا صورة خيار التعيين
بأن يقول على أن تأخذ أيهما شئت لأنه لو لم
يذكر هذه الزيادة وقال بعتك أحد هذين العبدين
فقبل يكون فاسدا لجهالة المبيع فإن قبضهما
وماتا عنده ضمن نصف قيمة كل واحد منهما وإن
مات أحدهما قبل صاحبه لزمه قيمة الآخر كذا في
المحيط وتقدم تفاريعه ولم يذكر المؤلف خيار
الشرط مع خيار التعيين للاختلاف فقيل يشترط أن
يكون فيه خيار الشرط مع خيار التعيين وهو
المذكور في الجامع الصغير قال شمس الأئمة وهو
الصحيح فإذا ذكرا فله ردهما في المدة وإذا مضت
لزم في أحدهما وله التعيين وقيل لا وهو
المذكور في الجامع الكبير وصححه فخر الإسلام
فيكون ذكره في الجامع الصغير وفاقا لا شرطا
ورجحه في فتح القدير ولكن ذكر قاضي خان أن
الاشتراط قول أكثر المشايخ وإذا لم يذكر خيار
الشرط على هذا القول فلا بد من تأقيت خيار
التعيين بالثلاث عنده وبأي مدة معلومة كانت
عندهما كذا في الهداية وذكر في المحيط أنه لا
يتأقت عنده بالثلاث فيجوز إلى أربعة عنده
وفيها ثم ذكر في بعض النسخ اشترى ثوبين وفي
بعضها اشترى أحد الثوبين وهو الصحيح لأن
المبيع في الحقيقة أحدهما والآخر أمانة والأول
تجوز واستعارة ا هـ.
وفي فتح القدير وإذا أقت خيار التعيين وكان
فيه خيار الشرط فمضت المدة حتى انبرم في
أحدهما ولزم التعيين أن يتقيد التعيين بثلاثة
أيام من ذلك الوقت وحينئذ فإطلاق الطحاوي
قوله: خيار الشرط مؤقت بالثلاث في قوله غير
مؤقت بها عندهما وخيار الشرط مؤقت فيه نظر ا
هـ.
ج / 6 ص -35-
ولو
اشتريا على أنهما بالخيار فرضي أحدهما لا يرده
الآخر
ــــــــــــــــــــــــ
وذكر الشارح أنه إذا لم يذكر خيار الشرط فلا
معنى لتأقيت خيار التعيين بخلاف خيار الشرط
فإن التأقيت فيه يفيد لزوم العقد عند مضي
المدة وفي خيار التعيين لا يمكن ذلك لأنه لازم
في أحدهما قبل مضي الوقت ولا يمكن تعيينه بمضي
الوقت بدون تعيينه فلا فائدة لشرط ذلك والذي
يغلب على الظن أن التوقيت لا يشترط فيه. ا هـ.
ويمكن أن يراد قسم آخر وهو ارتفاع العقد فيهما
بمضي المدة من غير تعيين بخلاف مضيها في خيار
الشرط فإنه إجازة ليكون لكل خيار ما يناسبه
وأطلق في محل الخيار وقيده في البدائع
بالأشياء المتفاوتة كالعبيد والثياب فعلى هذا
لا يدخل خيار التعيين في المثليات من جنس واحد
لأنه لا فائدة له لعدم التفاوت فيها وأما ما
يبطل هذا الخيار وهو نوعان اختياري وضروري
والاختياري نوعان صريح وما يجري مجراه
فالاختياري اخترت هذا أو شئته أو رضيت به أو
أجزته وما يجري مجراه وأما الاختياري دلالة
فهو أن يوجد منه فعل في أحدهما يدل على تعيين
الملك فيه كما قدمناه في خيار الشرط وأما
الضروري فهلاك أحدهما بعد القبض وتعيبه وأما
إذا تعيبا لم يتعين أحدهما للبيع وللمشتري أن
يأخذ أيهما شاء بثمنه لكن ليس له ردهما للزوم
البيع في أحدهما بتعيبهما في يده وبطل خيار
الشرط وهذا يؤيد قول من يقول بأن فيه خيارين.
"قوله
ولو اشتريا على أنهما بالخيار فرضي أحدهما لا
يرده الآخر" عند أبي حنيفة
وقالا له أن يرده وعلى هذا الخلاف خيار العيب
والرؤية كذا في الهداية وخصه في البناية بما
إذا كان بعد القبض أما قبله فليس له الرد يعني
اتفاقا، لهما أن إثبات الخيار لهما إثباته لكل
واحد منهما فلا يسقط بإسقاط صاحبه لما فيه من
إبطال حقه وله أن المبيع خرج عن ملكه غير معيب
بعيب الشركة فلو رده أحدهما لرده معيبا به
وفيه إلزام ضرر زائد وليس من ضرورة إثبات
الخيار لهما الرضا برد أحدهما لتصور اجتماعهما
على الرد وقوله رضا أحدهما لا يرده الآخر
اتفاقي إذ لو رد أحدهما لا يجيزه الآخر ولم
أره صريحا ولكن قولهم لو رده أحدهما لرده
معيبا يدل عليه وكذا قوله اشتريا إذ لو باعا
ليس لأحدهما الانفراد إجازة أو ردا لما في
الخانية رجل اشترى عبدا من رجلين صفقة واحدة
على أن البائعين بالخيار فرضي أحدهما بالبيع
ولم يرض الآخر لزمهما البيع في قول أبي حنيفة
ا هـ. وأشار إلى أن البيع لو كان متعددا
والخيار لأحدهما ليس له أن يجيز في البعض ويرد
في البعض وكذا لو كان واحدا فأجاز من له
الخيار في النصف ورده في النصف كما قدمناه
وصرح به في الخانية لكن ذكروه فيما إذا كان
الخيار للبائع ولا فرق بينهما.
ج / 6 ص -36-
ولو
اشترى عبدا على أنه خباز أو كاتب فكان بخلافه
أخذه بكل الثمن أو تركه
ــــــــــــــــــــــــ
"قوله
ولو اشترى عبدا على أنه خباز أو كاتب فكان
بخلافه أخذه بكل الثمن أو تركه"
لأن هذا وصف مرغوب فيه فيستحق بالعقد بالشرط
ثم فواته يوجب التخيير لأنه ما رضي به دونه
وهذا يرجع إلى اختلاف النوع لقلة التفاوت في
الأغراض ولا يفسد بعدمه العقد بمنزلة وصف
الذكورة والأنوثة في الحيوانات فصار كفوات وصف
السلامة وإذا أخذه أخذ بجميع الثمن لأن
الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن لكونها تابعة
في العقد على ما عرف وفي المعراج قوله على أنه
خباز أي عبد حرفته هكذا لأنه لو فعل هذا
الفعل أحيانا لا يسمى خبازا وفي الذخيرة قال
محمد في الزيادات فإن قبضه المشتري فوجده
كاتبا أو خبازا على أدنى ما ينطلق عليه الاسم
لا يكون له حق الرد لا النهاية في الجودة
ومعنى أدنى ما ينطلق عليه الاسم أن يفعل من
ذلك ما يسمى به الفاعل خبازا أو كاتبا لأن كل
واحد لا يعجز في العادة من أن يكتب على وجه
تتبين حروفه وأن يخبز مقدار ما يدفع الهلاك عن
نفسه وبذلك لا يسمى خبازا ولا كاتبا ا هـ.
وفي فتح القدير لو مات هذا المشتري انتقل
الخيار إلى وارثه إجماعا لأنه في ضمن ملك
العين. ا هـ. وفي الذخيرة فلو امتنع الرد بسبب
من الأسباب رجع المشتري على البائع بحصته من
الثمن فيقوم العبد كاتبا أو غير كاتب وينظر
إلى تفاوت ما بينهما فإن كان بقدر العشر رجع
بعشر الثمن وفي رواية لا رجوع بشيء ولكن ما
ذكر في ظاهر الرواية أصح ولو وقع الاختلاف بين
البائع والمشتري في هذه الصورة بعدما مضى حين
من وقت البيع فقال المشتري لم أجده كاتبا وقال
البائع إني سلمته إليك كذلك ولكنه نسي عندك
وقد ينسى ذلك في تلك المدة فالقول للمشتري لأن
الاختلاف وقع في وصف عارض إذ الأصل عدم
الكتابة والخبز والأصل أن القول قول من يدعي
الأصل وأن العدم أصل في الصفات العارضة
والوجود أصل في الصفات الأصلية فالقول للمشتري
في عدم الخبز والكتابة لأنهما من الصفات
العارضة والقول للبائع في أنها بكر لأنها صفة
أصلية وتمامه في فتح القدير وكتبناه في
القواعد في قاعدة أن اليقين لا يزول بالشك
وفي تلخيص الجامع من باب الإقرار بالعيب لو
باعه ثوبا على أنه هروي ثم اختلفا في كونه
هرويا فالقول للبائع لأن البائع لما قال بعتكه
على أنه هروي فقبل المشتري صار كأنه أعاد في
الإيجاب فصار كأنه قال اشتريته على أنه هروي
فكان مقرا بكونه هرويا فدعواه بعد خلافه تناقض
بخلاف ما إذا قال بعتكه على أنه كاتب فقبل
فالقول للمشتري لأن الاختلاف فيه في المقبوض
وتمامه في شرحه للفارسي.
وفي النوازل اشترى جارية على أنها عذراء فعلم
المشتري أنها ليست كذلك فإن علم
ج / 6 ص -37-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
بالوطء فإن زايلها عند علمه بلا لبث لم تلزمه
وإلا لزمته ولو اشترى بقرة على أنها حبلى
فولدت عنده فشرب اللبن وأنفق عليها فإنه يردها
والولد وما شرب من اللبن ولا شيء له مما أنفق
لأن البيع وقع فاسدا فكانت في ضمانه والنفقة
عليه ولو اشترى شاة على أنها نعجة فإذا هي معز
يجوز البيع وله الخيار لأن حكمهما واحد في
الصدقات وكذا لو اشترى بقرة فإذا هي جاموس.
وفي المجتبى عن جمع البخاري الأصل فيه أن
الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا وإن كان
المشار إليه من خلاف جنس المسمى فالعقد فاسد
وإن كان من جنسه فالعقد جائز ثم إن كان المشار
إليه دون المسمى كان الخيار للمشتري وإلا فلا
والثياب أجناس والذكر مع الأنثى في بني آدم
جنسان حكما وفي سائر الحيوانات جنس واحد وإذا
كان المشار إليه من خلاف جنس المسمى فإنها
يتعلق العقد بالمسمى إذا لم يعلم المشتري به
أما إذا علم به فالعقد يتعلق بالمشار إليه كمن
قال بعتك هذا الحمار وأشار إلى العبد فإنه يصح
ولو اشترى ثوبا على أنه هروي فإذا هو بلخي
فالبيع فاسد عندنا وكذا على أنه أبيض فإذا هو
مصبوغ أو على أنه مصبوغ بعصفر فإذا هو
بزعفران، أو دارا على أن بناءها آجر فإذا هو
لبن أو على أن لا بناء أو لا نخل فيها فإذا
فيها بناء أو نخل أو أرضا على أن أشجارها كلها
مثمرة فإذا فيها غير مثمر فسد البيع
ولو اشترى جارية على أنها مولودة الكوفة فإذا
هي مولودة بغداد أو غلاما على أنه تاجر أو
كاتب أو غيره فإذا هو لا يحسنه أو على أنه فحل
فإذا هو خصي أو على عكسه أو على أنها بغلة
فإذا هو بغل أو على أنها ناقة فإذا هو جمل أو
على أنها لحم معز فإذا هو لحم ضأن أو على أن
هذا الحيوان حامل فوجدها غير حامل جاز البيع
وله الخيار وكذا في أمثالها ولو اشترى على أنه
بغل فإذا هي بغلة أو حمار ذكر فإذا هو أتان أو
جارية على أنها رتقاء أو ثيب فوجدها خلاف ذلك
إلى خير جاز البيع ولا خيار له فيه ولا في
أمثاله إذا وجده على صفة خير من المشروطة. ولو
باع دارا بما فيها من الجذوع والأبواب والخشب
والنخيل فإذا ليس فيها شيء من ذلك لا خيار
للمشتري
وفي المحيط اشترى شاة أو ناقة أو بقرة على
أنها حامل فسد البيع إلا في رواية الحسن.
والأصح في الأمة جوازه أو على أنها حلوب أو
لبون أو على أنها تحلب كذا أو تضع بعد شهر
يفسد إلى هنا كلام المعراج. وذكر بعضه في فتح
القدير ثم قال وينبغي في مسألة البعير والناقة
أن يكون في العرب والبوادي الذين يطلبون الدر
والنسل أما أهل المدن والمكارية فالبعير أفضل.
ا هـ. وصحح قاضي خان أنه لو باع جارية على
أنها حامل أن البيع جائز لأنه بمنزلة شرط
البراءة من العيب إلا أن يكون في بلد يرغبون
في شراء الجواري لأجل
ج / 6 ص -38-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
الأولاد واختلفوا فيما إذا باع جارية على أنها
ذات لبن فقيل لا يجوز والأكثر على الجواز ولو
اشترى فرسا على أنها هملاج جاز لأن الهملاج لا
يصير غير هملاج وفي البدائع اشترى جارية على
أنها مغنية إن شرطه على وجه الرغبة فيه فسد
البيع لكونه شرط ما هو محظور محرم وإن شرط في
البيع على وجه التبري من العيب لا يفسد فإذا
لم يجدها مغنية لا خيار له لأنه وجدها سالمة
من العيب
ولو باع جارية على أنها ما ولدت فظهر أنها
ولدت فله ردها ولو اشترى ثوبا على أنه مصبوغ
بالعصفر فإذا هو أبيض جاز البيع ويخير بخلاف
عكسه فإنه يفسد ولو اشترى كرباسا على أن سداه
ألف فإذا هو ألف ومائة سلم الثوب إلى المشتري
لأنه زيادة وصف ولو اشترى ثوبا على أنه سداسي
فإذا هو خماسي خير المشتري إن شاء أخذه بجميع
الثمن وإن شاء ترك لأنه اختلاف نوع لا جنس فلا
يفسده ولو باع ثوبا على أنه خز فإذا لحمته خز
وسداه قطن جاز البيع لأن السدى تبع للحمة
ولو اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من سمن
وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف
من جاز البيع ولا خيار للمشتري لأنه هذا مما
يعرف بالعيان فإذا عاينه انتفى الغرور وهو كما
لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من
الدهن ثم ظهر أنه متخذ من أقل من ذلك والمشتري
كان ينظر إلى الصابون وقت الشراء. وكذا لو
اشترى قميصا على أنه اتخذ من عشرة أذرع وهو
ينظر إليه فإذا هو من تسعة جاز البيع ولا خيار
للمشتري ولو باع أرضا على أنها غير خراجية
فإذا هي خراجية فسد البيع وينبغي أن يكون
الجواب على التفصيل إن علم المشتري أنها أرض
خراج فسد البيع وإن لم يكن عالما بذلك جاز
البيع ويخير المشتري اشترى قلنسوة على أن
حشوها قطن فلما فتقها المشتري وجدها صوفا
اختلفوا والصحيح جواز البيع والرجوع بالنقصان
لأن الحشو تبع وتغير التبع لا يفسد ا هـ. ما
في الخانية
والهملاج قال في المصباح هملج البرذون هملجة
مشى مشية سهلة في سرعة وقال في مختصر العين
الهملجة حسن سير الدابة وكلهم قالوا في اسم
الفاعل هملاج بكسر الهاء
ج / 6 ص -39-
........................
ــــــــــــــــــــــــ
للذكر والأنثى بمقتضى أن اسم الفاعل لم يجئ
على قياسه وهو مهملج ا هـ. اعلم أن اشتراط
الوصف المرغوب فيه إما أن يكون صريحا أو دلالة
لما في البدائع في خيار العيب والجهل بالطبخ
والخبز في الجارية ليس بعيب لكونه حرفة
كالخياطة إلا أن يكون ذلك شرطا في العقد وإن
لم يكن مشروطا في العقد وكانت تحسن الطبخ
والخبز في يد البائع ثم نسيت في يده فاشتراها
فوجدها لا تحسن ذلك ردها لأن الظاهر أنه لما
اشتراها رغبة في تلك الصفة فصارت مشروطة دلالة
وهو كالمشروط نصا. ا هـ. والله أعلم بالصواب
وإليه المرجع والمآب.
باب خيار الرؤية
شراء ما لم يره جائز
ــــــــــــــــــــــــ
"باب خيار
الرؤية"
قدمه على خيار العيب لأنه يمنع تمام الحكم
وذلك يمنع لزوم الحكم واللزوم بعد التمام
والإضافة من قبيل إضافة الشيء إلى شرطه لأن
الرؤية شرط ثبوت الخيار وعدم الرؤية هو السبب
لثبوت الخيار عند الرؤية ثم اعلم أن هذا
الخيار يثبت للمشتري في شراء الأعيان ولا يثبت
في الديون كالمسلم فيه والأثمان وأما في رأس
مال السلم إن كان عينا فإنه يثبت للبائع أي
المسلم إليه الخيار فيه ولا يثبت في كل عقد لا
ينفسخ بالرد كالمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن
القصاص. والرد بخيار الرؤية فسخ قبل القبض
وبعده ولا يحتاج إلى قضاء ولا رضا البائع
وينفسخ بقوله رددت إلا أنه لا يصلح الرد إلا
بعلم البائع عند هما خلافا للثاني وهو يثبت
حكما لا بالشرط ولا يتوقت ولا يمنع وقوع الملك
للمشتري حتى أنه لو تصرف فيه جاز تصرفه وبطل
خياره ولزمه الثمن وكذا لو هلك في يده أو صار
إلى حال لا يملك فسخه بطل خياره كذا في السراج
الوهاج وذكر في المعراج أن خيار الرؤية لا
يثبت إلا في أربعة أشياء في الشراء والإجارة
والقسمة والصلح عن دعوى المال على شيء بعينه.
وفي المعراج لا يطالب البائع المشتري بالثمن
قبل الرؤية
"قوله
شراء ما لم يره جائز" أي صحيح
لما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي مرسلا عن
مكحول مرفوعا
"من اشترى شيئا
لم يره فله الخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن
شاء تركه"1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرده البيهقي في "سننه" كتاب البيوع، باب
من قال يجوز بيع العين الغائبة (5/268). وابن
أبي شيبة في "مصنفه" (5/5) كتاب البيوع
والأقضية الباب الثاني.
ج / 6 ص -40-
وله أن
يرده إذا رآه وإن رضي قبله
ــــــــــــــــــــــــ
وجهالته بعدم الرؤية لا تفضي إلى المنازعة
لأنه لو لم يوافقه برده فصار كجهالة الوصف في
المعاين المشار إليه وإطلاق الكتاب يقتضي جواز
البيع سواء سمى جنس المبيع أو لا وسواء أشار
إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستور أو لا مثل
أن يقول بعت منك ما في كمي وعامة المشايخ.
قالوا إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده
وطائفة قالوا لا يجوز لجهالة المبيع من كل وجه
والظاهر أن المراد بالإطلاق ما ذكره شمس
الأئمة وصاحب الأسرار والذخيرة من أن الإشارة
إليه أو إلى مكانه شرط الجواز حتى لو لم يشر
إليه ولا إلى مكانه لم يجز بالإجماع مثل أن
يشتري ثوبا في جراب أو زيتا في زق أو حنطة في
غرارة من غير أن يرى شيئا ومنه أن يقول بعتك
درة في كمي صفتها كذا أو لم يقل صفتها كذا أو
هذه الجارية وهي حاضرة متنقبة لبعد القول
بجواز ما لم يعلم جنسه أصلا كأن يقول بعتك
شيئا بعشرة كذا في فتح القدير. وأراد بما علم
لم يره ما لم يره وقت العقد ولا قبله والمراد
بالرؤية العلم بالمقصود من باب عموم المجاز
فصارت الرؤية من أفراد المعنى المجاز ليشمل ما
إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كالمسك وما
اشتراه بعد رؤيته فوجده متغيرا وما اشتراه
الأعمى وفي القنية اشترى ما يذاق فذاقه ليلا
ولم يره سقط خياره.
"قوله
وله أن يرده إذا رآه وإن رضي قبله"
أي للمشتري رده وإن قال رضيت قبل العلم به
وأعاد الضمير مذكرا للمعنى لأن الخيار معلق
بالرؤية لما روينا فلا يثبت قبلها وأورد طلب
الفرق بين الفسخ والإجازة قبلها فإنها غير
لازمة وهو لازم مع استوائهما في التعلق بالشرط
والجواب أن للفسخ سببا آخر وهو عدم لزوم هذا
العقد وما كان ليس بلازم فللمشتري فسخه ولم
يثبت لها سبب آخر فبقيت على العدم ومنعه في
فتح القدير بأنا لا نسلم أنه قبلها غير لازم
بل نقول إنه بات وإنما يحصل له عدم اللزوم
عندها فقبلها يثبت حكم السبب وهو اللزوم ا هـ.
وهو مردود لأن اللازم ما لا يقبل الفسخ من
أحدهما بدون رضا الآخر وهذا يقبله إذا رآه وفي
المحيط قيل لا يملك فسخه قبلها وقيل يملكه وهو
الأصح لأن الفسخ كما يملك بالخيار يملك بسبب
عدم لزوم البيع كالعارية الوديعة والوكالة
والشركة وعدم اللزوم ثابت بسبب جهالة المبيع
واختلفوا هل هو مطلق أو مؤقت فقيل مؤقت بوقت
إمكان الفسخ بعدها حتى لو تمكن منه ولم يفسخ
سقط خياره وإن لم توجد الإجازة صريحا ولا
دلالة وقيل يثبت الخيار له مطلقا نص عليه في
نوادر ابن رستم وذكر محمد في الأصل وهو الصحيح
لإطلاق النص والعبرة لعين النص لا لمعناه ا
هـ. وحاصله أنه غير لازم قبل الرؤية بسبب
جهالة المبيع وإذا رآه حدث له سبب آخر بعد
لزومه وهو الرؤية ولا مانع من اجتماع الأسباب
على مسبب واحد ثم اعلم أنه لا يملك فسخه إلا
بعلم البائع وقيد بخيار الرؤية لأنه لو قال
وله خيار
ج / 6 ص -41-
ولا
خيار لمن باع ما لم يره
ــــــــــــــــــــــــ
العيب رضيت به قبل أن يراه ثم رآه فلا خيار له
لأن سبب الخيار فيه العيب وهو موجود قبل العلم
بخلافه هنا فافترقا كذا في المعراج وفي إيضاح
الإصلاح ولمشتريه الخيار عنده إلى أن يوجد
مبطله وإن قال رضيت قبلها لم يقل وإن رضي
قبلها لما فيه من إيهام تحقق الرضا قبلها
وفساده ظاهر ا هـ. ويرد عليه البيع بشرط
البراءة من العيوب فإنه صحيح وقالوا إنه رضي
بجميع عيوبه الظاهرة والباطنة مع أنه لم يطلع
عليها حتى لو اطلع على عيب باطني لا يعلمه إلا
الأطباء لا يملك رده فجاز تحقق الرضا قبل
العلم والرؤية
وفي جامع الفصولين خيار الرؤية وخيار العيب لا
يثبتان في البيع الفاسد وفي المحيط اشترى
رواية ماء فله الخيار إذا رآه لأن بعض الماء
أطيب من بعض ا هـ. فعلى هذا له رد الماء بعد
صبه في الجب حيث لم يره قبله أي الزير ولكن
سيأتي أن البائع إذا حمله إلى منزل المشتري
امتنع رده إلا إذا حمله إليه وفي حيل
الولوالجية رجل باع ضيعة ولم يرها المشتري
فأراد أن يبيعها على وجه لا يكون له خيار
الرؤية فالحيلة أن يقر بثوب لإنسان ثم يبيع
الثوب مع الضيعة ثم المقر له يستحق الثوب
المقر به فيبطل خيار المشتري لأنه اشترى شيئين
صفقة واحدة وقد استحق أحدهما فليس له أن يرد
الباقي بخيار الرؤية لأن فيه تفريق الصفقة على
البائع ا هـ.
"قوله
ولا خيار لمن باع ما لم يره"
وهو قول الإمام المرجوع إليه لأنه معلق
بالشراء فلا يثبت دونه وروي أن عثمان بن عفان
رضي الله تعالى عنه باع أرضا بالبصرة من طلحة
بن عبد الله فقيل لطلحة إنك قد غبنت فقال لي
الخيار لأني اشتريت ما لم أره وقيل لعثمان إنك
قد غبنت فقال لي الخيار لأني بعت ما لم أره
فحكما بينهما جبير بن مطعم فقضى بالخيار لطلحة
وكان ذلك بمحضر من الصحابة1 كذا في الهداية
وهذا الأثر رواه الطحاوي ثم البيهقي
"فائدة"
ذكر شيخ الإسلام بن حجر في تقريب التهذيب2
جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف
القرشي النوفلي صحابي عارف بالأنساب مات سنة
ثمان أو سبع وخمسين ومراده البيع بثمن أما إذا
باع سلعة بسلعة ولم ير كل منهما ما يحصل له من
العوض كان لكل واحد منهما الخيار لأن كل واحد
منهما مشتر للعوض الذي يحصل له كذا في السراج
الوهاج وفي جامع الفصولين يثبت الخيار للبائع
في الثمن لو عينا والكيلي والوزني إذا كانا
عينا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في البيوع، باب من قال يجوز
بيع العين الغائبة (5/268) وفيه اختلاف بسيط
في اللفظ.
2 للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى
(852) ا هـ "كشف الظنون" (2/1510).
ج / 6 ص -42-
ويبطل
بما يبطل به خيار الشرط
ــــــــــــــــــــــــ
فهما كسائر الأعيان وكذا التبر من الذهب
والفضة والأواني ولا يثبت خيار الرؤية فيما
ملك دينا في الذمة كالسلم والدراهم والدنانير
عينا كان أو دينا والكيلي والوزني لو لم يكن
عينا فهما كنقدين لا يثبت فيهما خيار الرؤية
إذا قبضا. ا هـ.
وفي الظهيرية لو اشترى جارية بعبد وألف
فتقابضا ثم رد بائع الجارية العبد بخيار
الرؤية لم ينتقض البيع في الجارية بحصة الألف
وفي المحيط باع عينا بعين لم يرها وبدين ثم
رآها فردها ينتقض البيع في حصة العين ولا
ينتقض في حصة الدين لأنه لا خيار في حصته ا
هـ.
"قوله
ويبطل بما يبطل به خيار الشرط"
أي للمشتري يعني من صريح ودلالة وضرورة فما
يفعل للامتحان لا يبطلهما إن لم يتكرر فإن
تكرر أبطلهما كالاستخدام مرة ثانية وما لا
يفعل للامتحان ولا يحل في غير الملك فإن كان
ذلك التصرف لا يمكن رفعه كالإعتاق والتدبير أو
تصرفا يوجب حقا للغير كالبيع المطلق أو بشرط
خيار للمشتري والرهن والإجارة يبطله قبل
الرؤية وبعدها لأنه لما لزم تعذر الفسخ فبطل
الخيار وإن كان تصرفا لا يوجب حقا للغير
كالبيع بشرط الخيار للبائع والمساومة والهبة
من غير تسليم لا يبطل قبل الرؤية لأنه لا يربو
على صريح الرضا ويبطله بعد الرؤية لوجود دلالة
الرضا ويرد عليه طلب الشفعة فإنه مسقط لخيار
الشرط دون خيار الرؤية هو المختار كما في
الولوالجية لأنه دليل الرضا وصريحه لا يبطله
فدلالته أولى كالعرض على البيع وأخواته وهذا
هو العذر للمؤلف لأنه قدم أن صريح الرضا لا
يبطله قبلها ولا يردان على صاحب الهداية لأنه
قال من تعيب وتصرف كما في العناية لكن يرد
عليه الإسكان بغير أجر فإنه مبطل لخيار الشرط
فقط مع أنه تصرف ويرد عليه الزيادة فإنها
تبطلهما.
والحاصل أن كلا من العبارتين لم يسلم من
الإيراد فيرد على صاحب الكنز الأخذ بالشفعة
والعرض على البيع والبيع بخياره والإجارة
والإسكان بلا أجر فإنها تبطل خيار الشرط دون
الرؤية وهذه لا ترد على صاحب الهداية إلا
الإسكان فإنه تصرف ولكن يرد عليه ما في جامع
الفصولين لو أسكن المشتري في الدار رجلا بلا
أجر سقط خيار الشرط كما لو أسكن بأجر وفي خيار
الرؤية لا يسقط إلا إن أسكنه بأجر. ا هـ. ولم
يقيد بكونه قبل الرؤية ويرد عليه على الكلية
أيضا الرضا به قبل الرؤية لا يبطله ويبطل خيار
الشرط وأما العرض على البيع. فقدمنا أنه لا
يبطله قبلها ويبطله بعدها والقبض أو نقد الثمن
بعد الرؤية مسقط له شراه وحمله البائع إلى بيت
المشتري فرآه ليس له الرد لأنه لو رده يحتاج
إلى الحمل فيصير هذا كعيب حدث عند المشتري
ومؤنة رد المبيع بعيب أو بخيار شرط أو رؤية
على المشتري ولو شرى متاعا وحمله
ج / 6 ص -43-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
إلى موضع فله رده بعيب أو رؤية لو رده إلى
موضع العقد وإلا فلا.
ولو شرى أرضا لم يرها فزرعها أكاره بطل خياره
وكذا لو قال الأكار رضيت وتصرف ليشتري في
المبيع يسقط خياره إلا في الإعارة فإنه لو
أعار الأرض قبل أن يراها ليزرعها المستعير لا
يسقط خيارة قبل الزراعة. كذا في جامع الفصولين
وذكر قبله شرى شاة لم يرها فقال للبائع أحلب
لبنها فتصدق به أو صبه على الأرض ففعل بطل
خياره في الشاة لقبض اللبن ولو تصرف المشتري
وسقط خياره ثم عاد إلى ملكه بسبب كالرد بقضاء
أو فك الرهن أو فسخت الإجارة لم يرد بخيار
الرؤية لأنه بطل فلا يعود كذا في المعراج.
وفي القنية اشترى قوصرة1 سكر لم يره ثم أخرجه
من القوصرة وغربله فلم يعجبه سقط خياره ثم رقم
أن خياره باق وقدمنا مسألة ما إذا حمله
المشتري إلى بلد آخر وأنه لا يرده إذا أعاده
إلى مكان العقد زاد في القنية سواء ازدادت
قيمته بالحمل أو انتقص وفي القنية أيضا
المشترى مضمون على المشتري بعد الرد بالثمن
كما لو كان له خيار الشرط وكذا الرد بالعيب
بقضاء وفي إيضاح الإصلاح ومعنى بطلانه قبل
الرؤية خروجه عن صلاحية أن يثبت الخيار عندهما
ا هـ. وبه اندفع ما يقال كيف قالوا ببطلان
الخيار قبلها مع أنه معلق بها كما قدمناه.
وفي الظهيرية لو اشترى عبدين فقتل أحد العبدين
إنسان خطأ قبل القبض فأخذ المشتري قيمته من
قاتله لا يبطل خياره في الآخر والوطء والولادة
تبطل الخيار وإن مات الولد عن عيسى بن أبان
إذا زوج المشتري الجارية قبل القبض ثم رآها
قبل دخول الزوج فله الرد، والمهر يصلح بدلا عن
عيب التزويج، وإن كان أرش العيب أكثر من المهر
قيل يغرم الباقي وهو الصحيح، ولو عرض بعض
المبيع على البيع أو قال رضيت ببعضه بعدما رآه
فالخيار بحاله في رواية المعلى عن أبي يوسف
وقال محمد بطل خياره وهو قول أبي حنيفة ولو
اشترى شيئين ورآهما ثم قبض أحدهما فهو رضا
رواه ابن رستم عن أبي حنيفة ورؤية أحدهما لا
تكون كرؤيتهما إلا إذا قبض الذي رآه وأتلفه
فحينئذ يلزمه وفيه خلاف أبي يوسف ا هـ.
وفي المحيط اشترى عدل ثياب فلبس واحدا منهم
بطل خياره في الكل ثم اعلم أن من له الخيار
يملك الفسخ إلا ثلاثة لا يملكونه الوكيل
والوصي والعبد المأذون إذا اشتروا شيئا بأقل
من قيمته فإنهم لا يملكونه إذا كان خيار عيب
ويملكونه إذا كان خيار رؤية أو شرط كما سيأتي
في خيار العيب ثم اعلم أن قوله يبطل بما يبطل
به خيار الشرط غير منعكس فلا يقال ما لا يبطل
خيار الشرط لا يبطل خيار الرؤية لانتقاضه
بالقبض بعد الرؤية فإنه مبطل خيار الرؤية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القوصرة بالتثقيل والتخفيف وعاء التمر يتخذ
من قصب. ا هـ "المصباح" مادة (قصر).
ج / 6 ص -44-
وكفت
رؤية وجه الصبرة والرقيق والدابة وكلفها وظاهر
الثوب المطوي وداخل الدار
ــــــــــــــــــــــــ
والعيب لا خيار الشرط وهلاك بعض المبيع لا
يبطل خيار الشرط والعيب ويبطل خيار الرؤية
ذكرهما في التلقيح للمحبوبي.
"قوله
وكفت رؤية وجه الصبرة والرقيق والدابة وكلفها
وظاهر الثوب المطوي وداخل الدار"
لأن الأصل فيه أن رؤية جميع المبيع غير مشروطة
لتعذره فيكتفي برؤية ما يدل على العلم
بالمقصود فرؤية وجه الصبرة معرفة للبقية لكونه
مكيلا يعرض بالنموذج وهو المكيلات والموزونات
فيكتفي برؤية بعضه إلا إذا كان الباقي أردأ
مما رأى فحينئذ يكون له الخيار أي خيار العيب
لا خيار الرؤية كما في الينابيع. وظاهر ما في
الكافي أنه خيار رؤية والتحقيق أنه في بعض
الصور خيار عيب وهو ما إذا كان اختلاف الباقي
يوصله إلى حد العيب وخيار رؤية إذا كان
الاختلاف لا يوصله إلى اسم العيب بل الدون وقد
يجتمعان فيما إذا اشترى لم يره فلم يقبضه حتى
ذكر البائع به عيبا ثم أراه المبيع في الحال
كذا في فتح القدير بخلاف ما إذا كانت آحاده
متفاوتة كالثياب والدواب فلا بد من رؤية كل
واحد والجوز والبيض مما يتفاوت آحاده فيما
ذكر الكرخي قال في الهداية وينبغي أن يكون مثل
الحنطة والشعير لكونها متقاربة وصرح به في
المحيط وفي المجرد وهو الأصح ثم السقوط برؤية
البعض في المكيل إذا كان في وعاء واحد أما إذا
كان في وعاءين أو أكثر اختلفوا فمشايخ العراق
على أن رؤية أحدهما كرؤية الكل ومشايخ بلخ لا
يكفي بل لا بد من رؤية كل وعاء. والصحيح أنه
يبطل برؤية البعض لأنه يعرف الباقي هذا إذا
ظهر له أن ما في الوعاء الآخر مثله أو أجود
أما إذا كان أردأ فهو على خياره وأما إذا كان
متفاوت الآحاد كالبطاطيخ1 والرمان فلا تكفي
رؤية البعض في سقوط خياره ولو قال رضيت وأسقطت
خياري وفي شراء الرحا لا بد من رؤية الكل وكذا
السراج بأداته ولبده لا بد من رؤية الكل كذا
في فتح القدير وإنما ذكر الرقيق ولم يذكر
الجارية ليشمل العبد كما في المعراج من أن
المعتبر فيهما النظر إلى الوجه ولا اعتبار
برؤية ما عداه من الأعضاء ولا يشترط رؤية
الكفين واللسان والأسنان والشعر عندنا وعن
الشافعي اشتراطه.
وفي المصباح الأنموذج بضم الهمزة ما يدل على
صفة الشيء وهو معرب وفي لغة نموذج بفتح النون
والذال معجمة مفتوحة مطلقا وقال الصغاني
النموذج مثال الشيء الذي يعمل عليه وهو تعريب
نموذه وقال الصواب النموذج لأنه لا تغيير فيه
بزيادة. ا هـ.
وقوله: والدابة بالجر عطف على الصبرة أي وكفت
رؤية وجه الدابة وكفلها لأنه هو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعلها جمع بطيخ.
ج / 6 ص -45-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
المقصود وظاهره أنه لا يشترط رؤية القوائم وهو
المروي عن أبي يوسف وهو الصحيح كذا في المعراج
وقيل يشترط وخص من إطلاق الدابة الشاة فلا بد
من الجس في شاة اللحم لكونه هو المقصود وفي
شاة القنية لا بد من رؤية الضرع وشاة القنية
هي التي تحبس في البيوت لأجل النتاج اقتنيته
اتخذته لنفسي قنية أي أخذ المال للنسل لا
للتجارة وفي المجتبى معزيا إلى المحيط عن أبي
حنيفة في البرذون والحمار والبغل يكفي أن يرى
شيئا منه إلا الحافر والذنب والناصية كذا في
المعراج وفي الظهيرية وفي شاة القنية لا بد من
النظر إلى ضرعها وسائر جسدها ا هـ. فليحفظ فإن
في بعض العبارات ما يوهم الاقتصار على رؤية
ضرعها والكفل بفتحتين العجز كذا في المصباح
وأما الثوب فاكتفى المصنف برؤية ظاهره مطويا
لأن البادئ يعرف ما في الطي فلو شرط فتحه
لتضرر البائع بتكسره ونقصان قيمته وبذلك ينقص
ثمنه عليه إلا أن يكون له وجهان فلا بد من
رؤية كليهما أو يكون في طيه ما يقصد بالرؤية
كالعلم ثم قيل هذا في عرفهم أما في عرفنا فما
لم ير الباطن لا يسقط خياره لأنه استقر اختلاف
الباطن والظاهر في الثياب وهو قول زفر وفي
المبسوط الجواب على ما قال زفر وفي الظهيرية
رؤية الظهارة تكفي إلا أن تكون البطانة مقصودة
بأن كانت بسمور أو نحوه فتعتبر رؤيته ا هـ.
وأما الدار فظاهر الرواية أنه إذا رأى خارجها
أو رأى أشجار البستان من خارج فإنه يكتفي به
وعند زفر لا بد من دخول داخل البيوت والأصح أن
جواب الكتاب على وفاق عادتهم في الأبنية فإن
دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ فأما اليوم فلا بد
من الدخول داخل الدار للتفاوت فالنظر إلى ظاهر
لا يوقع العلم بالداخل
وفي جامع الفصولين وبه يفتى فالحاصل أن المؤلف
رحمه الله تعالى اختار قول زفر في الدار وكان
ينبغي له اختياره في الثوب فإن المختار قوله
فيهما وشرط بعضهم رؤية العلو والمطبخ والمزبلة
وهو الأظهر والأشبه كما قال الشافعي وهو
المعتبر في ديار مصر والشام ولم يذكر المصنف
بقية أنواع المبيعات ولا بد من ذكرها قالوا لا
بد في البستان من رؤية ظاهره وباطنه وفي الكرم
لا بد من رؤية عنب الكرم من كل نوع شيئا وفي
الرمان لا بد من رؤية الحلو والحامض ولو اشترى
دهنا في زجاجة فرؤيته من خارج الزجاجة لا تكفي
حتى يصبه في كفه عند أبي حنيفة لأنه لم ير
الدهن حقيقة لوجود الحائل وفي التحفة لو نظر
في المرآة فرأى المبيع قالوا لا يسقط خياره
لأنه ما رأى عينه بل رأى مثاله ولو اشترى سمكا
في ماء يمكن أخذه من غير اصطياد فرآه في الماء
قال بعضهم يسقط خياره لأنه رأى عين المبيع
وقال بعضهم لا يسقط وهو الصحيح لأن المبيع لا
يرى في الماء على حاله بل يرى أكبر مما كان
فهذه الرؤية
ج / 6 ص -46-
ونظر
وكيله بالقبض كنظره لا نظر رسوله
ــــــــــــــــــــــــ
لا تعرف المبيع وإن كان المبيع مما يطعم فلا
بد من الذوق لأنه المعرف المقصود وإن كان مما
يشم فلا بد من شمه كالمسك
وفي الولوالجية اشترى نافجة مسك فأخرج المسك
منها ليس له الرد بخيار الرؤية ولا بخيار
العيب لأن الإخراج يدخل عليه عيبا ظاهرا حتى
لو لم يدخل كان له أن يرد بخيار العيب والرؤية
جميعا ا هـ.
وفي جامع الفصولين اشترى دارا واستثنى منه
بيتا معينا لا بد من رؤية المستثنى فكما يشترط
رؤية المبيع لسقوط الخيار يشترط رؤية المستثنى
لأن جهالة وصف المستثنى توجب جهالة في
المستثنى منه. ا هـ. وقدمنا عن الخانية حكم ما
إذا اشترى مغيبا في الأرض وفي الظهيرية وفي
الثمار على رءوس الأشجار يعتبر رؤية جميعها
بخلاف الموضوعة على الأرض وفي تراب المعدن
وتراب الصواغين يعتبر رؤية ما يخرج منه ورؤية
أحد المصراعين أو أحد الخفين أو أحد النعلين
لا يكفي ولا يكفي أن يرى ظاهر الطنفسة ما لم
ير وجها وموضع الشيء منها وما كان له وجهان
مختلفان تعتبر رؤيتهما ا هـ.
وفي المعراج وفي البساط لا بد من رؤية جميعه
ولو نظر إلى ظهور المكاعب لا يبطل خياره ولو
نظر إلى وجهها دون الصرم يبطل قلت: وينبغي أن
يشترط رؤية الصرم في زماننا لتفاوته وكونه
مقصودا وفي الوسادة المحشوة لو رأى ظاهرها فإن
كانت محشوة مما يحشى مثلها يبطل خياره وإن كان
مما لا يحشى مثلها فله الخيار. ا هـ. وفي
المحيط الأصل أن غير المرئي إن كان تبعا
للمرئي فلا خيار له في غير المرئي وإن كان غير
المرئي أصلا فإن كان رؤية ما رأى لم تعرفه حال
رؤيته بقي خياره وإن كانت تعرفه بطل ا هـ.
"قوله
ونظر وكيله بالقبض كنظره لا نظر رسوله"
أي بأن قبض الوكيل وهو ينظر إليه كذا في
البدائع وهذا عند أبي حنيفة وقالا هما سواء
وله الرد لأنه توكل بالقبض دون إسقاط الخيار
فلا يملك ما لم يتوكل به وصار كخيار العيب
والشرط والإسقاط قصدا وله أن القبض نوعان تام
وهو أن يقبضه وهو يراه وناقص وهو أن يقبضه
مستورا وهذا لأن تمامه بتمام الصفقة، ولا يتم
مع بقاء خيار الرؤية والموكل ملكه بنوعيه فكذا
الوكيل لإطلاق توكيله وإذا قبضه مستورا انتهى
التوكيل بالناقص منه فلا يملك إسقاطه قصدا بعد
ذلك بخلاف العيب لأنه لا يمنع تمام الصفقة
فيتم القبض مع بقائه وخيار الشرط على الخلاف
ولو سلم. فالموكل لا يملك التام منه فإنه لا
يسقط بقبضه فإن الاختيار وهو المقصود بالخيار
يكون بعده فكذا لا يملكه وكيله وبخلاف الرسول
لأنه لا يملك شيئا وإنما إليه تبليغ الرسالة
ولهذا لا يملك القبض إذا
ج / 6 ص -47-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
كان رسولا في البيع قيد الوكيل بالقبض لأنه لو
كان وكيلا بالشراء فرؤيته مسقطة للخيار
بالإجماع كذا في الهداية. ثم اعلم أنهم جعلوا
الوكيل بالقبض كالرسول في مسائل منها لا يصح
إبراؤه بخلاف الوكيل بالبيع ومنها لا رجوع
عليه بالثمن إذا رد المبيع بعيب بعدما دفع إلى
الموكل بخلاف الوكيل بالبيع ومنها لو حلف لا
يقبض فوكل به حنث بخلاف لا يبيع فوكل لا يحنث
ومنها تصح كفالة الوكيل بقبض الثمن المشترى
بخلاف الوكيل بالبيع ومنها قبول شهادة الوكيل
بقبض الدين به وستأتي المسائل في كتاب الوكالة
تماما إن شاء الله تعالى. وبهذا يترجح قولهما
هنا أنه بمنزلة الرسول ورؤية الرسول بالشراء
لا تسقط الخيار كذا في المحيط وفي المعراج قيل
الفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل لا يضيف
العقد إلى الموكل والرسول لا يستغني عن إضافته
إلى المرسل وإليه الإشارة في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}
[المائدة: 67] وقوله تعالى:
{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 107]
{قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 66] نفى الوكالة وأثبت الرسالة.
وفي الفوائد صورة التوكيل أن يقول المشتري
لغيره كن وكيلا في قبض المبيع أو وكلتك بقبضه
وصورة الرسول أن يقول كن رسولا عني في قبضه أو
أمرتك بقبضه أو أرسلتك لتقبضه أو قال قل لفلان
أن يدفع المبيع إليك وقيل لا فرق بين الرسول
والوكيل في فصل الأمر بأن قال اقبض المبيع فلا
يسقط الخيار ا هـ. ونقض قول الإمام إن الوكيل
كالموكل بمسألتين لم يقم الوكيل مقام الموكل
فيهما أحدهما أن الوكيل لو رأى قبل القبض لم
يسقط برؤيته الخيار والموكل لو رأى ولم يقبض
سقط خياره والثانية لو قبضه الموكل مستورا ثم
رآه بعد القبض فأبطل الخيار بطل والوكيل لو
فعل ذلك لم يبطل وأجيب بأن سقوط الخيار بقبض
الوكيل إنما يثبت ضمنا لتمام قبضه بسبب ولايته
بالوكالة وليس هذا ثابتا في مجرد رؤيته قبل
القبض ونقول بل الحكم المذكور للموكل وهو سقوط
خياره إذا رآه إنما يتأتى على القول بأن مجرد
مضي ما يتمكن به من الفسخ بعد الرؤية يسقط
الخيار وليس هو بالصحيح وبعين الجواب الأول
يقع الفرق في المسألة الثانية. كذا في فتح
القدير وفي الظهيرية ولا يجوز التوكيل بإسقاط
خيار الرؤية. ا هـ.
وفي جامع الفصولين والتوكيل بالرؤية مقصودا لا
يصح ولا تصير رؤيته كرؤية موكله حتى لو شرى
شيئا لم يره فوكل رجلا برؤيته وقال إن رضيته
فخذه لم يجز والوكيل بالشراء لو شرى ما رآه
موكله ولم يعلم به الوكيل فله خيار الرؤية ولو
لم يره وهذا فيما إذا وكله بشراء شيء لا بعينه
ففي المعين ليس للوكيل خيار الرؤية وكله بشراء
قن بلا عينة فشرى قنا رآه الوكيل فليس له ولا
لموكله خيار الرؤية وكذا خيار العيب. ا هـ.
وإنما لم يصح التوكيل بالرؤية
ج / 6 ص -48-
وصح
عقد الأعمى وسقط خياره إذا اشترى بحبس المبيع
وشمه وذوقه وفي العقار بوصفه
ــــــــــــــــــــــــ
لأنها من المباحات يملكها كل واحد فلا تتوقف
على توكيله
وفي المحيط ولو وكل رجلا بالنظر إلى ما اشتراه
ولم يره إن رضي يلزم العقد وإن لم يرض يفسخه
يصح التوكيل فيقوم نظره مقام نظر الموكل لأنه
جعل الرأي والنظر إليه فيصح كما لو فوض الفسخ
والإجازة إليه في البيع بشرط الخيار ا هـ. وهو
مخصص لإطلاق قولهم لا يصح التوكيل بالرؤية
مقصودا فيقال إلا إذا فوض إليه الفسخ
والإجازة.
"قوله:
وصح عقد الأعمى" أي بيعه
وشراؤه وسائر عقوده لأنه مكلف محتاج إليها
فصار كالبصير ولتعامل الناس له من غير نكير
فصار بمنزلة الإجماع وبه قال الأئمة الثلاثة
وقد كتبت في الفوائد1 أن الأعمى كالبصير إلا
في مسائل لا جهاد عليه ولا جمعة ولا جماعة ولا
حج وإن وجد قائدا في الكل ولا يصلح كونه شاهدا
ولو فيما تقبل فيه الشهادة بالتسامع على
المذاهب ولا دية في عينيه وإنما الواجب حكومة
عدل وكره أذانه وحده وإمامته إلا أن يكون أعلم
القوم ولا يجوز إعتاقه عن الكفارات ولا كونه
إماما أعظم ولا قاضيا ويكره ذبحه ولم أر حكم
صيده ورميه واجتهاده في القبلة.
"قوله:
وسقط خياره إذا اشترى بحبس المبيع وشمه وذوقه
وفي العقار بوصفه" لأن هذه
الأشياء تفيد العلم لمن استعملها على ما بينا
في البصير والمراد بسقوطه سقوطه إذا وجدت هذه
الأشياء قبل الشراء ثم اشترى وأما إذا اشترى
قبل هذه فهذه مثبتة للخيار له لا أنها مسقطة
ويمتد إلى أن يوجد منه ما يدل على الرضا من
قول أو فعل في الصحيح وعبارة الولوالجية أن
هذه الأشياء بمنزلة النظر من البصير وقوله
بحبس المبيع معناه إن كان مما يجس وشمه إن كان
مما يشم كالمسك والذوق فيما يذاق باللسان وأما
إذا اشترى عقارا فرؤيته بوصفه له في جامع
الفتاوى هو أن يوقف في مكان لو كان بصيرا لرآه
ثم يذكر صفته ولا يخفى أن إيقافه في ذلك
المكان ليس شرطا في صحة الوصف وسقوط الخيار به
ولذا لم يذكره في المبسوط واكتفى بذكر الوصف
لأنه أقيم مقام الرؤية في السلم وممن أنكره
الكرخي وقال وقوفه في ذلك الموضع وغيره سواء
في أنه لا يستفيد بذلك علما كذا في فتح
القدير. وظاهر ما في الكتاب أن الوصف إنما
يكتفي به في العقار وأن غيره لا يوصف له وعن
أبي يوسف اعتبار الوصف في غير العقار أيضا
وظاهره أيضا أنه لا شرط مع الوصف في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه "الفوائد الزينية الملتقط من فرائد
الحسينية" ا هـ "هدية العارفين" (1/378).
ج / 6 ص -49-
ومن
رأى أحد الثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر فله
ردهما
ــــــــــــــــــــــــ
العقار وقال مشايخ بلخ يمس الحيطان والأشجار
وظاهره أيضا أن الجس فيما عدا ما يشم ويذاق
والعقار واستثنى منه في فتح القدير الثمر على
رءوس الأشجار أنه يعتبر فيه الوصف لأنه لا
يمكن جسه ولا بد في الوصف للأعمى من كون
الموصوف على ما وصف له ليكون في حقه بمنزلة
الرؤية في حق البصير كذا في البدائع. والحاصل
كما في المعراج أن الخيار ثابت للأعمى لجهله
بصفات المبيع فإذا زال ذلك بأي وجه كان سقط
خياره ولذا قال في الكامل عن محمد يعتبر اللمس
في الثياب والحنطة وحكي أن أعمى اشترى أرضا
فقال قودوني إليها فقادوه فجعل يمس الأرض حتى
انتهى إلى موضع منها فقال أو موضع كدس هذا
قالوا لا فقال هذه الأرض لا تصلح لأنها لا
تكسو نفسها فكيف تكسوني وكان كما قال فإذا كان
هذا الأعمى بهذه الصفة فرضي بها بعدما مسها
سقط خياره ا هـ. وقال الحسن يوكل الأعمى وكيلا
بقبضه وهو يراه يسقط خياره قال في الهداية
وهذا أشبه بقول أبي حنيفة حيث جعل رؤية الوكيل
رؤية الموكل ولو وصف للأعمى ثم أبصر فلا خيار
له لأنه قد سقط فلا يعود إلا بسبب جديد ولو
اشترى البصير ثم عمي انتقل الخيار إلى الوصف
وفي المصباح جسه بيده جسا من باب قتل واجتسه
ليتعرفه ا هـ. وظاهر كلام المصنف أن الجس
يكتفى به في الرقيق والثياب والدواب وشاة
القنية وكل شيء يمكن جسه وفي الأصل وجس الأعمى
في المتاع والمنقولات مثل نظر البصير لأن
التقليب والجس مما يعرف بعض أوصاف المبيع من
اللين والخشونة وإن كان مما لا يعرف الجميع
فيقام مقام النظر حالة العجز كما تقام الإشارة
من الأخرس مقام النطق للعجز كذا في المحيط
[وهل يجس الموضع الذي يراه البصير فيجس من
الرقيق وجهه ومن الحيوان الوجه والكفل حتى لو
مس غيرهما لا يكتفي به لم أره والظاهر
اشتراطه]1.
"قوله:
ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما ثم رأى الآخر
فله ردهما" لأن رؤية أحدهما
لا تكون رؤية الآخر للتفاوت في الثياب فبقي
الخيار فيما لم يره ثم لا يرده وحده كي لا
يكون تفريقا للصفقة قبل التمام وهذا لأن
الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل القبض وبعده
ولهذا يتمكن من الرد بغير قضاء ولا رضا فيكون
فسخا من الأصل
وفي النهاية الصفقة العقد الذي تناهى في موجبه
ولذا قال عمر رضي الله تعالى عنه البيع إما
صفقة أو خيار2 أي إما يتناهى في اللزوم أو غير
لازم بأن كان فيه خيار وورد النهي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين معكوفتين سقط من الأصل.
2 أخرجه البيهقي في المعرفة (8/21) برقم
(10994).
ج / 6 ص -50-
ولا
يورث كخيار الشرط ومن اشترى ما رأى خير إن
تغير وإلا لا
ــــــــــــــــــــــــ
عن تفريق الصفقة وإنما قدم على حديث خيار
الرؤية لأن حديث النهي محكم وحديث خيار الرؤية
خص منه ما إذا تعيب أو أعتقه أو باعه أو لأنه
محرم وذلك مبيح أو لكونه متأخرا لئلا يلزم
تكرار النسخ ا هـ. وتعقب الأول بأنه أيضا
مخصوص بما قبل التمام وما أجاب به في العناية
من أنه إنما قيد به بالقياس على ابتداء الصفقة
غير دافع كما لا يخفى وفي المصباح الصفقة
العقد وكان العرب إذا وجب البيع ضرب يده على
يد صاحبه ا هـ. والأولى ما في فتح القدير من
أنا عملنا بالحديثين غاية الأمر أنا شرطنا أن
يردهما جميعا عملا بحديث الصفقة جمعا بينهما.
والحاصل أنه ليس له رد البعض، وإمساك البعض في
خيار الرؤية والشرط قبل القبض وبعده لكونه
تفريقا قبل التمام لكونه مانعا من التمام في
الرؤية ومن الابتداء في الشرط وله ذلك في خيار
العيب بعد القبض لتمامها والخيار مانع من
اللزوم فقط لا قبله لكون القبض من تمامها وأما
إذا استحق البعض فإن كان المبيع واحدا فله
الخيار مطلقا قبل القبض وبعده وإن كان متعددا
فإن كان قيميا وقبض البعض ولم يقبض البعض
فاستحق البعض له الخيار لتفرقها قبل التمام
ولو كان مثليا فاستحق بعضه فإن كان قبل القبض
خير وإلا فلا واستفيد من كلام المؤلف أنه لو
رآهما فرضي بأحدهما أنه لا يرد الآخر لما
ذكرنا. والحاصل أنه إذا استحق بعض المبيع فإن
كان قبل قبض الكل أو البعض تخير مطلقا متعددا
أو واحدا مثليا أو قيميا وإن كان بعد قبض
جميعه فلا خيار في الكل إلا في قيمي واحد
استحق بعضه فإنه يتخير وفي خيار العيب إذا
اطلع على عيب بالبعض فإن كان بعد القبض رد
المعيب وحده إلا في قيمي واحد فيرد الكل وإن
كان قبله يرد الكل وفي خيار الشرط والرؤية لا
يرد إلا الكل قبل القبض وبعده.
"تنبيه"
وقع في الهداية أن الصفقة لا تتم مع خيار
الرؤية قبل القبض وبعده فحمله بعض الشارحين
على ما إذا قبضه مستورا أما إذا قبضه مكشوفا
بطل خياره ورده في المعراج بأن الخيار يبقى
إلى أن يوجد ما يبطله وأقره في البناية عليه.
"قوله:
ولا يورث كخيار الشرط" لأنه
ثابت بالنص للعاقد وهو ليس بعاقد ولأنه وصف
فلا يجري فيه الإرث كما قدمناه بخلاف خيار
العيب والتعيين وقد أسلفناه.
"قوله:
ومن اشترى ما رأى خير إن تغير وإلا لا"
أي إن لم يتغير لا يخير لأن العلم بالأوصاف
حاصل له بالرؤية السابقة وبفواته يثبت الخيار
وإن وجده متغيرا فله الخيار لأن تلك الرؤية لم
تقع معلمة بأوصافه فكأنه لم يره وأطلق قوله
وإلا لا وهو مقيد بشيئين:
الأول: أن يعلم أنه مرئيه وقت
الشراء فلو لم يعلم به له الخيار لعدم الرضا
به كما في الهداية
ج / 6 ص -51-
وإن
اختلفا في التغير فالقول قول البائع مع يمينه
وللمشتري لو في الرؤية
ــــــــــــــــــــــــ
الثاني: أن تكون الرؤية
السابقة لقصد الشراء فلو رآه لا لقصد الشراء
ثم اشتراه فله الخيار كما في الظهيرية معبرا
عنه بقيل ووجهه ظاهر لأنه إذا رأى لا لقصد
الشراء لا يتأمل كل التأمل فلم تقع معرفة
وفيها لو رأى ثوبين ثم اشتراهما بثمن متفاوت
ملفوفين فله الخيار لأنه ربما يكون الأردأ
بأكثر الثمنين وهو لا يعلم ولو رأى ثيابا فرفع
البائع بعضها ثم اشترى الباقي ولا يعرف الباقي
فله الخيار. ا هـ.
وفي المحيط ولو سمى لكل واحد عشرة فلا خيار له
لأن الثمن لما لم يختلف استويا في الأوصاف.
ولو قال المصنف ومن اشترى ما رأى فلا خيار له
إلا إذا تغير لكان أولى لأن الأصل فيما رآه
عدم الخيار ولذا لو اختلفا فالقول للبائع وفي
الظهيرية لو اشترى جارية لم يرها فجاء بها
البائع متنقبة لا يعرفها المشتري فقبضها فهو
قبض وكذا لو اشترى خفا فألبسه البائع إياه وهو
نائم فقام ومشى وهو لا يعلم فهو قبض وله
الخيار في المسألتين إذا لم ينقصه المشي ا هـ.
"قوله:
وإن اختلفا في التغير فالقول قول البائع مع
يمينه" لأن التغير حادث وسبب
اللزوم ظاهر أطلقه وهو مقيد بما إذا قربت
المدة لأن الظاهر شاهد له أما إذا بعدت المدة
فالقول للمشتري لأن الظاهر شاهد له وفي
المبسوط فإن بعدت المدة بأن رأى جارية شابة ثم
اشتراها بعد عشرين سنة وزعم البائع أنها لم
تتغير فالقول للمشتري وبه يفتي الصدر الشهيد
والإمام ظهير الدين المرغيناني كذا في الذخيرة
ولم يرد التحديد في تغير كل مبيع ففي الظهيرية
ولو رأى شيئا ثم اشتراه فلا خيار له إلا أن
تطول والشهر طويل وما دونه قليل ولو تغير فله
الخيار بكل حال ولا يصدق في دعوى التغير إلا
بحجة إلا إذا طالت المدة ا هـ. وفي فتح القدير
جعل الشهر قليلا.
"قوله:
وللمشتري لو في الرؤية" أي
القول للمشتري مع يمينه لو قال البائع له رأيت
قبل الشراء وقال المشتري ما رأيت أو قال له
رأيت بعد الشراء ثم رضيت فقال رضيت قبل الرؤية
ولذا أطلق في الكتاب لأن البائع يدعي أمرا
عارضا هو العلم بالصفة والمشتري ينكره فالقول
له وما في فتح القدير من أنه ينبغي أن يكون
القول للبائع لأن الغالب في البياعات في
الأسواق كون المشترين رأوا المبيع فدعوى
البائع رؤية المشتري تمسك بالظاهر لأن الغالب
هو الظاهر والمذهب أن القول لمن تمسك بالظاهر
لا بالأصل إلا أن يعارضه ظاهر آخر ا هـ. مدفوع
بما ذكرناه في قاعدة أن الأصل العدم فراجعها
إن شئت وفي المحيط لو أراد المشتري أن يرده
فأنكر البائع كون المردود مبيعا فالقول
للمشتري وكذلك في خيار الشرط لأنه انفسخ العقد
ج / 6 ص -52-
ولو
اشترى عدلا وباع منه ثوبا أو وهب رد بعيب لا
بخيار رؤية أو شرط
ــــــــــــــــــــــــ
برده وبقي ملك البائع في يده فيكون القول قول
القابض في تعيين ملكه أمينا كان أو ضمينا
كالمودع والغاصب فلو اختلفا في الرد بالعيب
فالقول للبائع لأن العقد لا ينفسخ بفسخ
المشتري حتى يلزمه القاضي فبقي المشتري مدعيا
حق الفسخ والبائع ينكر فيكون القول له ا هـ.
وهذا ما كتبناه في الفوائد أن القول للقابض
إلا في هذه المسألة وفي الظهيرية في مسألة
الاختلاف في التعيين في خيار الشرط للمشتري
وكانت السلعة غير مقبوضة فأراد المشتري إجازة
العقد في عين في يد البائع فقال البائع ما
بعتك هذا وقال المشتري بل بعتني هذا لم يذكر
محمد هذه الصورة في شيء من الكتب وقالوا ينبغي
أن يكون القول قول البائع كما لو ادعى بيع هذه
العين وأنكر البائع البيع أصلا وأما إذا كان
الخيار للبائع والعين غير مقبوضة فأراد البائع
إلزام البيع في عين وقال المشتري ما اشتريت
هذا ذكر أن القول للمشتري. ا هـ.
والحاصل أن الخلاف إن كان في التعيين مع خيار
الشرط والسلعة مقبوضة فالقول للمشتري سواء كان
الخيار له أو للبائع وإن لم تكن مقبوضة فإن
كان الخيار للمشتري فالقول للبائع وعكسه
فالقول للمشتري وإذا اختلفا في اشتراط الخيار
فالقول لمنكره عندهما وعنده لمدعيه كما في
المجمع لأن منكره يدعي لزوم العقد ومدعيه ينكر
اللزوم فالقول له وتمامه في شرح المجمع.
وفي القنية اختلفا في شرط الخيار وأقاما
البينة فبينة مدعي الخيار أولى وفي البزازية
أقر بقبض المشترى ثم قال لم أر كله لا يصدق ا
هـ.
"قوله
ولو اشترى عدلا وباع منه ثوبا أو وهب رد بعيب
لا بخيار رؤية أو شرط" لأنه
تعذر الرد فيما خرج عن ملكه وفي رد ما بقي
تفريق الصفقة قبل التمام لأن خيار الرؤية
والشرط يمنعان تمامها بخلاف خيار العيب
لتمامها معه بعد القبض وترك المصنف قيد
التسليم في الهبة ولا بد منه لأنه لا يخرج عن
ملكه بها إلا معه ولذا قيدها به في الهداية
والمفعول في كلامه مقدر أي رد ما بقي والمسألة
موضوعة فيما إذا كان بعد القبض كما قيده به في
الجامع الصغير وإلا لم يصح بيع الثوب قبل قبضه
كذا في العناية أما قبله فالكل سواء لا تتم
الصفقة معه نعم يقع الفرق بين القبض وعدمه
فيما إذا اشترى شيئين ولم يقبضهما ثم اطلع على
عيب بأحدهما فإنه لا يرد المعيب وحده بخلاف ما
إذا كان بعد قبضهما فلو عاد إليه بسبب هو فسخ
فهو على خيار الرؤية كذا ذكره شمس الأئمة
السرخسي وعن أبي يوسف لا يعود بعد سقوطه لخيار
الشرط وعليه اعتمد القدوري كذا في الهداية
بخلاف ما إذا وهب عبده المدين ممن له الدين أو
عبده الجاني من ولي الجناية ثم رجع في الهبة
حيث يعودان عند أبي يوسف خلافا لمحمد والعذر
لأبي يوسف أن حق خيار الرؤية أضعف منها كذا في
الشرح والعدل المثل والمراد هنا
ج / 6 ص -53-
.............................
ــــــــــــــــــــــــ
الغرارة التي هي عدل غرارة أخرى على الجمل أو
نحوه أي يعادلها وفيها أثواب وفي فتح القدير
ما اعتمده القدوري صححه قاضي خان وحقيقة
الملحظ تختلف فشمس الأئمة لحظ البيع والهبة
مانعا زال فيعمل المقتضي وهو خيار الرؤية عمله
ولحظ على هذه الرواية مسقطا وإذا سقط لا يعود
بلا سبب وهذا أوجه لأن نفس هذا التصرف يدل على
الرضا ويبطل الخيار قبل الرؤية وبعدها. ا هـ..
والأوجه عندي ما ذكره شمس الأئمة السرخسي
وقوله لأن نفس هذا التصرف إلى آخره ممنوع
وإنما يدل لو تصرف في جميع المبيع وإنما
الكلام هنا فيما إذا تصرف في البعض فحينئذ لو
رد الباقي فقط لزم تفرق الصفقة فكان لزوم
تفرقها مانعا من رد الباقي فإذا زال عمل
المقتضي عمله وكأنه اختلط عليها بما إذا باع
المبيع كله وسقط خياره ثم رد عليه بما هو فسخ
فإنه لا يعود خياره كما قدمناه لكن لم يذكروا
فيها خلافا والله تعالى أعلم.
باب خيار العيب
ــــــــــــــــــــــــ
باب خيار العيب.
تقدم وجه ترتيب الخيارات، والإضافة في خيار
العيب إضافة الشيء إلى سببه وأما العيب فهو في
اللغة يقال عاب المتاع عيبا من باب سار فهو
عائب وعابه صاحبه فهو معيب يتعدى ولا يتعدى
والفاعل من هذا عائب وعياب مبالغة والاسم
العاب والمعاب وعيبه بالتشديد نسبه إلى العيب
واستعمل العيب اسما وجمع على عيوب كذا في
المصباح
وفسره في فتح القدير بما تخلو عنه أصل الفطرة
السليمة وأما في الشريعة فما سيذكره المصنف من
أنه ما أوجب نقصان الثمن عند التجار.
تنبيه: كتمان عيب السلعة حرام
وفي البزازية وفي الفتاوى إذا باع سلعة معيبة
عليه البيان وإن لم يبين قال بعض مشايخنا يفسق
وترد شهادته قال الصدر لا نأخذ به. ا هـ.
وقيده في الخلاصة بأن يعلم به. وفي الظهيرية
وفي الحديث اشترى عداء بن خالد بن هوذة بالذال
المعجمة وفتح الهاء وسكون الواو من رسول الله
صلى الله عليه وسلم عبدا لا داء فيه ولا غائلة
ولا خبثة. وهذه الرواية هي الصحيحة كذا ذكره
الطحاوي في شرح مشكل الآثار بإسناده إلى عبد
المجيد قال العداء بن خالد ألا أقرئك كتابا
كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت:
بلى فأخرج إلي كتابا فإذا فيه بسم الله الرحمن
الرحيم هذا ما اشترى العداء من محمد رسول
الله1. إلخ وبهذا تبين أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي في البيوع باب ما جاء في
كتابة الشروط (1216). وابن ماجه في التجارات
باب شراء الرقيق (2251). والطحاوي في شرح مشكل
الآثار (4/287) برقم (1605).
ج / 6 ص -54-
من وجد
بالمبيع عيبا أخذه بكل الثمن أو رده
ــــــــــــــــــــــــ
المشتري كان العداء لا محمد رسول الله وفي
عامة كتب الفقه هذا ما اشترى محمد رسول الله
من العداء لكن الصحيح ما قلنا ا هـ.
"قوله
من وجد بالمبيع عيبا أخذه بكل الثمن أو رده"
لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة فعند فواته
يتخير كي لا يتضرر بلزوم ما لا يرضى به دل
كلامه أنه ليس له إمساكه وأخذ النقصان لأن
الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في مجرد
العقد ولأنه لم يرض بزواله عن ملكه بأقل من
المسمى فيتضرر به ودفع الضرر عن المشتري ممكن
بالرد بدون تضرره أطلقه فشمل ما إذا كان به
عند البيع أو حدث بعده في يد البائع وما إذا
كان فاحشا أو يسيرا كذا في السراج الوهاج وفي
جامع الفصولين والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح
عن دم العمد يرد بفاحش العيب لا بيسيره وفي
غيرها يرد بهما والفاحش في المهر ما يخرجه من
الجيد إلى الوسط ومن الوسط إلى الرديء وإنما
لا يرد في المهر بيسيره إذا لم يكن كيليا أو
وزنيا وأما هما فيرد بيسيره أيضا ا هـ. ولم
يتكلم الشارحون على ما إذا رد البعض هل له أن
يعطي مثله سليما قال في القنية وفي الذخيرة
اشترى منا من الفانيد1 فوجد واحدة أو اثنتين
منها أسود فأبدله البائع أبيض بغير وزن جاز
وفي الثلاث لا يجوز لأنها تدخل تحت الوزن ولذا
لو اشترى الخبز ووجد خبزا واحدا محترقا فأبدله
الخباز لم يجز إلا بالوزن لأنه مما يدخل تحت
الوزن فإن خمسة أساتير2 وعشرة وزن حجر فلا
تجوز فيه المجازفة قال رضي الله تعالى عنه
وعرف به كثير من المسائل وهو أن استبدال شيء
بمثله في الرد بالعيب إنما يجوز مجازفة إذا لم
يكن لذلك المقدار من ذلك الجنس حجر يوزن به
وإن كان له من جنس آخر حجر فلا ألا ترى أنه
جعل الثلاثة من الفانيد موزونة وإن لم يكن ذلك
القدر من الخبز موزونا ا هـ.
ولا بد للمسألة من قيود:
الأول: أن يكون العيب عند
البائع.
الثاني: أن لا يعلم به
المشتري عند البيع.
الثالث: أن لا يعلم به عند
القبض وهي في الهداية.
الرابع: أن لا يتمكن من
إزالته بلا مشقة فإن تمكن فلا كإحرام الجارية
فإنه بسبيل من تحليلها ونجاسة الثوب وينبغي
حمله على ثوب لا يفسد بالغسل ولا ينقص كذا في
فتح القدير ولا حاجة إلى قوله ينبغي مع
التصريح قال في الولوالجية اشترى ثوبا فوجد
فيه دما إن كان إذا غسله من الدم ينقص الثوب
كان عيبا لوجود حده وإلا لا يكون عيبا. ا هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي نوع من الحلوى وهي كلمة أعجمية ا هـ
"المصباح" مادة (فانيد).
2 مفردها الإستار وهو في العدد أربعة وفي
المثاقيل، أربعة مثاقيل ونصف. ا هـ "القاموس"
مادة "ستر".
ج / 6 ص -55-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
ولو اشترى جبة فوجد فيها فأرة ميتة فهو عيب
لوجود حده فإن لبسها حتى نقصها رجع بنقصان
العيب لتعذر الرد ا هـ.
وقيدها في البزازية بأن يضرها الفتق فإن ضرها
يردها وإن لم يضرها لم يردها ا هـ. الخامس: أن
لا يشترط البراءة منه خصوصا أو من العيوب
عموما وسيأتي آخر الباب السادس أن لا يزول قبل
الفسخ فإن زال ليس له الرد مثل بياض العين إذا
انجلى والحمى إذا زالت كذا في السراج الوهاج
ويستثني من إطلاقهم مسائل ذكرناها في الفوائد
الأولى: بيع صيد بين حلالين
ثم أحرما أو أحدهما فوجد به عيبا امتنع رده
وإنما يرجع بالنقصان كما صرحوا به في جنايات
الإحرام.
الثانية: قال في البغية
والقنية لو كان في الدار باب في الطريق الأعظم
وبابه في سكة غير نافذة أقام أهلها بينة أنهم
أعاروا البائع هذا الطريق فأمر القاضي بسده
يخير المشتري إن شاء رده وإن شاء رجع بنقصان
ذلك الطريق والتخيير هنا بخلاف سائر العيوب ا
هـ.
الثالثة: اشترى الذمي خمرا
وقبضها وبه عيب ثم أسلم سقط خيار الرد كذا في
مهر فتح القدير.
الرابعة: اشترى كفنا للميت
ووجد به عيبا لا يرد ولا يرجع بالنقصان إن
تبرع به أجنبي ولو وارثا رجع بالنقص إن كان من
التركة ا هـ.
الخامسة: اشترى من عبده
المأذون المديون المستغرق فوجد به عيبا لا
يرده عليه ولا على بائعه إن كان الثمن منقودا
وإن لم ينقده المولى وقبض المبيع أو لا ووجد
به عيبا يرده إن كان الثمن من النقود أو كيليا
أو وزنيا بغير عينه لأنه يدفع بالرد مطالبة
المأذون من نفسه وإن كان عرضا لا يمكن الرد
وفي المحيط لو اشترى المولى من مكاتبه فوجد به
عيبا لا يرده ولا يرجع ولا يخاصم بائعه لكونه
عبده ا هـ.
السادسة: باع نفس العبد من
العبد بجارية ثم وجد بها عيبا رد الجارية وأخذ
من العبد قيمة نفسه عندهما وعند محمد يرجع
بقيمة الجارية
السابعة: باع الوارث من مورثه
فمات المشتري وورثه البائع ووجد به عيبا رد
إلى الوارث الآخر إن كان وإن لم يكن له سواه
لا يرد ولا يرجع بالنقصان وكذا إذا اشترى
لنفسه من ابنه الصغير شيئا وقبضه وأشهد ثم وجد
به عيبا يرفع الأمر إلى القاضي حتى ينصب عن
ابنه خصما يرده عليه ثم يرد الأب لابنه على
بائعه وكذا لو باع الأب من ابنه وكذا لو باع
من وارثه فورثه المشتري ووجد به عيبا يرفع
الأمر إلى القاضي فينصب خصما فيرده المشتري
إليه ويرده القيم إلى الوارث نقده الثمن أو لا
في الصحيح
ج / 6 ص -56-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
الثامنة: اشترى العبد المأذون
شيئا وأبرأه البائع عن الثمن لا يرده بالعيب
وأن المشتري حرا لو بعد القبض فكذلك وإن قبله
فله الرد لأنه امتناع عن القبول، وكذا خيار
الشرط.
التاسعة: لو اصطلحا على أن
يدفع البائع شيئا والمبيع للمشتري جاز بخلاف
ما لو اصطلحا على أن يدفع المشتري شيئا
والجارية للبائع لا لأنه ربا والمسائل
المذكورة من الرابعة إلى الثامنة في البزازية.
العاشرة: اشترى إناء فضة
مشارا إليها فوجده رديئا ليس له الرد إلا إذا
كان به كسر أو غش وكذا إذا اشترى جارية فوجدها
سوداء تام الخلقة ليس له الرد لأن القبح في
الجواري ليس بعيب.
الحادي عشر: قال في المحيط وصي أو وكيل أو عبد
مأذون اشترى شيئا بألف وقيمته ثلاثة آلاف درهم
فليس له أن يرده بالعيب لما فيه من الإضرار
باليتيم والموكل والمولى ولو كان في خيار
الشرط والرؤية فله الرد لعدم تمام الصفقة. ا
هـ.
تنبيهات مهمة:
الأول: وجد بالمبيع الذي له
حمل ومؤنة عيبا ورده فمؤنة الرد على المشتري
الثاني: اشترى عبدا وتقابضا
وضمن رجل له عيوبه فاطلع على عيب ورده لا ضمان
عليه على قياس قول الإمام لأنه باطل كضمان
العهدة ولو ضمن له ضمان السرقة أو الحرية
فوجده مسروقا أو حرا أو الجنون أو العمى فوجده
كذلك رجع على الضامن بالثمن ولو مات عنده وقضى
بالنقص رجع به على ضامن الثمن ولو ضمن له حصة
ما يجده فيه من العيب جاز عند الإمامين إن رد
رجع بالثمن كله وإن تعيب عنده رجع بحصة العيب
على الضامن كما يرجع على البائع وإن ضمن ما
لحقه من الثمن من عهدة هذا البيع كان كذلك عند
الإمام إن استحق رجع بالثمن.
الثالث: ادعى عليه عيبا في
المبيع فاصطلحا على أن يبذل البائع للمشتري
مالا ثم بان أنه لا عيب أو كان لكنه برئ استرد
بدل الصلح ا هـ.
الرابع: اطلع على عيب بالغلام
أو الدابة فلم يجد المالك فأطعمه وأمسكه ولم
يتصرف فيه بما يدل على الرضا يرده لو حضر
ويرجع بالنقصان إن هلك وفي الحاوي القدسي أنه
إذا أمسكه بعد الاطلاع على العيب مع قدرته على
الرد كان رضا وهو غريب والمعتمد أنه على
التراخي.
الخامس: اطلع على عيب فأعلم
القاضي برهن على الشراء والعيب فوضعها القاضي
عند
ج / 6 ص -57-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
عدل وماتت عنده ثم حضر البائع إن كان لم يقض
بالرد على الغائب لم يرجع عليه بالثمن وإن كان
قضى رجع لأن للقضاء نفاذا في الأظهر عن
أصحابنا وفي السير اشترى دابة في دار الإسلام
وخرج عليها غازيا واطلع على عيب بغيبة البائع
لا يركبها وإن في دار الحرب لأنه رضا وإن أمره
الإمام لكن إذا قضى بأن الركوب ليس برضا نفذ
وأمضاه القاضي الثاني
السادس: خاصم البائع في العيب
ثم ترك الخصومة زمانا وزعم أن الترك كان لينظر
هل هو عيب أم لا له الرد.
السابع: أقر المشتري بعد ما
اطلع على عيب أو قبله أن المبيع كان لفلان غير
البائع وكذبه فلان له الرد على البائع وتمام
مسائل الإقرار للغير بالمبيع مذكورة في
الولوالجية
الثامن: عثر على عيب فقال
للبائع إن لم أرد إليك اليوم رضيت به. قال
محمد القول باطل وله الرد
التاسع: قال البائع ركبتها
بعد العثور على العيب في حاجتك وقال المشتري
بل ركبتها لأردها عليك فالقول قول المشتري
العاشر: اطلع على عيب قبل
القبض فقال المشتري للبائع رددته عليك بطل
البيع قبل البائع أو لا والكل من البزازية وفي
السراج الوهاج وإن قال ذلك بعد القبض لم يكن
ذلك ردا ما لم يقل البائع قبلت أو رضيت ثم إذا
رده برضا البائع كان فسخا في حقهما بيعا في حق
غيرهما ا هـ. وإن رده بحكم فهو فسخ عام وكذا
كل عقد ينفسخ بالرد ويكون المردود مضمونا بما
يقابله كذا في جامع الفصولين وفي القنية اشترى
حمارا ووجد به عيبا قديما فأراد الرد فصولح
بينهما بدينار وأخذه ثم وجد به عيبا قديما آخر
فله رده مع الدينار ثم رقم لآخر أنه يرجع
بنقصان العيب وعنه أنه يرده ا هـ.
الحادي عشر: باع بعيرا فوجده
المشتري معيبا فرده فقال له البائع اذهب
فتعهده إلى عشرة أيام فإن برئ فلك البعير وإن
هلك فمن مالي لا يكون ردا كذا في القنية
الثاني عشر: المشتري إذا رد
المبيع بالعيب فإنه يرجع بالثمن على بائعه إلا
في مسألة في القنية باع عبدا وسلمه ثم وكل
وكيلا بقبض الثمن فأقر الوكيل بقبضه وهلاكه
وجحد البائع الموكل برئ المشتري ولا ضمان على
الوكيل فإن وجد المشتري به عيبا رده ولا يرجع
بالثمن على البائع لإقرار الوكيل ولا على
الوكيل لكونه أمينا وليس بعاقد والثانية في
الفوائد.
الثالث عشر: قال البائع بعته
لك معيبا بهذا العيب وقال المشتري اشتريته
سليما فالقول للمشتري ثم رقم أنه ينبغي أن
يحكم الثمن يعني إن كان الثمن يسيرا فالقول
للبائع وإلا فللمشتري ا هـ.
ج / 6 ص -58-
وما
أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب كالإباق
ــــــــــــــــــــــــ
الرابع عشر: اشترى حمارا
بثلاثة دنانير ذهب ثم أعطاه عوضها دراهم ثم
رده بعد شهر بعيب وقد انتقض سعر الدراهم فله
أن يطلب من البائع عين الذهب وبمثله أجاب في
الإقالة إلا إذا دفع مكان الذهب حنطة وهي وما
قبلها في القنية
الخامس عشر: الموصى له لا يملك الرد بالعيب
إلا إذا لم يكن وارث كذا في الصغرى.
"قوله:
وما أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب"
لأن المقصود نقصان المالية وذلك بانتقاص
القيمة والمرجع في معرفته عرف أهله وهم التجار
أو أرباب الصنائع إن كان المبيع من المصنوعات
كذا في فتح القدير فلا يقتصر الحكم على التجار
أطلقه فشمل ما إذا كان ينقص العين أو لا
ينقصها ولا ينقص منافعها بل مجرد النظر إليها
كالظفر الأسود الصحيح القوي على العمل وكما في
جارية تركية لا تعرف لسان الترك كما في فتح
القدير
وقيد في المعراج الظفر الأسود لكونه عيبا
بالأتراك أما في الحبش فلا وقيد في البزازية
عدم معرفة اللسان بأن يعده أهل الخبرة عيبا
وقال القاضي في المولد لا يكون عيبا
والتجار بضم التاء مع التشديد جمع تاجر
وبكسرها مع التخفيف ولا يكاد يوجد تاء بعدها
جيم كذا في المصباح والضابط عند الشافعية أنه
يرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو
نقصان يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب
في أمثال المبيع عدمه قالوا وإنما شرطنا فوات
غرض صحيح لأنه لو بان فوات قطعة يسيرة من فخذه
أو ساقه لا رد ولو قطع من أذن الشاة ما يمنع
التضحية ردها وإلا فلا وشرطنا الغالب لأنه لا
ترد الأمة إذا كانت ثيبا مع أن الثيابة معنى
ينقص القيمة لكن ليس الغالب عدم الثيابة كذا
في شرح وجيزهم كما في المعراج وقواعدنا لا
تأباه للمتأمل وفي خزانة الفقه العيب ما نقص
العين أو المنفعة وإلا فإن أعده التجار عيبا
كان عيبا وإلا فلا وهو أحسن مما في الكتاب
وذكرها في التلخيص من باب الإقرار بالعيب من
البيوع وحاصلها أنه أربع لا يرده في مسألتين
وتمامه في شرحه للفارسي.
"قوله:
كالإباق" من أبق العبد أبقا
من باب تعب وقتل في لغة والأكثر من باب ضرب
إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كد والإباق
بالكسر اسم منه فهو آبق والجمع أباق مثل كافر
وكفار كذا في المصباح وفي الجوهرة من بابه قال
الثعالبي الآبق الهارب من غير ظلم السيد فإن
هرب من الظلم لا يسمى آبقا بل يسمى هاربا فعلى
هذا الإباق عيب والهروب ليس بعيب. ا هـ. وفي
خزانة الفقه الإباق الاستخفاء عن مولاه تمردا
وفي القاموس أنه من باب ضرب ومنع وسمع ا هـ.
فعلى هذا له أبواب أربعة، الثلاثة وقتل كما في
المصباح فسره في
ج / 6 ص -59-
والبول
في الفراش من العيوب
ــــــــــــــــــــــــ
القاموس بالذهاب من غير خوف ولا كد عمله أو
استخفى ثم ذهب أطلقه فشمل ما إذا أبق من
المولى أو من غيره مستأجرا أو مستعيرا أو
مودعا إلا من غاصب إلى المولى أو غيره إن لم
يعرف منزله أو لم يقو على الرجوع إليه ويرد
على إطلاقهم ما إذا أبق من المشتري إلى البائع
ولم يختف عنده فإنه ليس بعيب كما في القنية
وشمل ما إذا كان مسيرة سفر أو أقل وما إذا خرج
من البلد أو لم يخرج لكن الأشبه أن البلدة إذا
كانت كبيرة كالقاهرة فهو عيب وإن كانت صغيرة
بحيث لا يخفى عليه أهلها وبيوتها لا يكون عيبا
كما ذكره الشارح وشمل الصغير والكبير لكن إذا
كان غير مميز لا يكون عيبا والعذر له أنه يسمى
ضالا لا آبقا كما في السراج الوهاج فلذا لم
يقيده وسيأتي أنه لا بد من المعاودة عند
المشتري واتحاد السبب وفي البزازية قال لآخر
اشتره لا عيب فيه فاشتراه ثم وجد به عيبا له
أن يرده على بائعه ولو قال اشتر هذا العبد
فإنه غير آبق والمسألة بحالها لا يرد بعيب
الإباق وفي الصغرى قول المشتري ليس به عيب لا
يكون إقرارا بانتفاء العيوب ولو عين فقال ليس
بآبق لا يكون إقرارا بانتفائه شهدا أنه باعه
بشرط البراءة من كل عيب أو من الإباق ثم
اشتراه الشاهد ووجد به عيبا أو قال إنه آبق له
الرد عبدي هذا آبق فاشتراه وباع من آخر فوجده
الثاني آبقا وأراد الرد بإقرار بائعه لا يقبل
وإن قال عند البيع بعته على أنه آبق أو على
أنه بريء من إباقه يرده ولو قال إنه بريء من
الإباق لا لعدم الإضافة ا هـ. وفي جامع
الفصولين ولو شراه وأبق من عنده وكان أبق عند
البائع لا يرجع بنقصان العيب ما دام القن حيا
آبقا عند أبي حنيفة وكذا لو سرق المبيع فعلم
بعيبه لا يرجع بنقصه ليس للمشتري أن يطلب
البائع بثمنه قبل عود الآبق. ا هـ. وفي الصغرى
قبل عوده أو موته.
وشمل إطلاقه أيضا إباق الثور ولكن فيه ثلاثة
أقوال في القنية قيل إذا أبق الثور من قرية
المشتري إلى قرية البائع لا يكون عيبا وقيل في
الغلام عيب وقيل في الثور عيب كخلع الرسن عيب
فهذا أولى وقيل إن دام فعيب أما المرتان
والثلاثة فلا قال رحمه الله تعالى والثاني
أحسن وفيها أيضا اشترى عبدا فأبق ثم وجده ولم
يأبق عند بائعه بل أبق عند بائع بائعه فله
الرد ا هـ.
"قوله
والبول في الفراش من العيوب"
أطلقه فشمل الكبير والصغير ويستثنى منه غير
المميز فإنه لا يكون عيبا ولا بد من معاودته
عند المشتري في حالة واحدة فإن بال في الصغر
عند البائع ثم بعد البلوغ عند المشتري لا يرده
لأنه في الصغر لضعف المثانة وبعد البلوغ لداء
في باطنه فهو عيب حادث بخلاف ما إذا بال عند
هما في الصغر أو في الكبر لاتحاد السبب. وفي
الفوائد الظهرية هنا مسألة عجيبة هي أن من
اشترى عبدا صغيرا فوجده يبول في الفراش
ج / 6 ص -60-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
كان له الرد ولو تعيب بعيب آخر عند المشتري
كان له أن يرجع بنقصان العيب فإذا رجع به ثم
كبر العبد هل للبائع أن يسترد النقصان]1 لزوال
ذلك العيب بالبلوغ لا رواية فيها قال وكان
والدي يقول ينبغي أن يسترد استدلالا بمسألتين
إحداهما إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج كان
له أن يردها ولو تعيبت بعيب آخر يرجع بالنقصان
فإذا رجع ثم أبانها الزوج كان للبائع أن يسترد
النقصان الثانية اشترى عبدا فوجده مريضا له
الرد فإذا تعيب بعيب آخر رجع بنقصان العيب
فإذا رجع ثم برئ بالمداواة لا يسترد وإلا
استرد والبلوغ هنا لا بالمداواة فينبغي أن
يسترد. كذا في المعراج والنهاية وفي فتاوى
قاضي خان اشترى جارية وادعى أنها لا تحيض
واسترد بعض الثمن ثم حاضت قالوا إن كان البائع
أعطاه على وجه الصلح عن العيب كان للبائع أن
يسترد ذلك وفيها أيضا اشترى عبدا فقبضه وحم
عنده وكان يحم عند البائع. قال الإمام أبو بكر
محمد بن الفضل المسألة محفوظة عن أصحابنا أنه
إن حم في الوقت الذي كان يحم عند البائع كان
له أن يرده أو في غيره فلا قبل له فلو اشترى
أرضا فنزت عند المشتري وقد كانت تنز عند
البائع كان له أن يرد لأن سبب النز واحد وهو
تسفل الأرض وقرب الماء إلا أن يجيء ماء غالب
أو كان المشتري رفع من ترابها فيكون النز غير
ذلك أو يشتبه فلا يدري أنه عينه أو غيره. قال
القاضي الإمام يشكل ما في الزيادات اشترى
جارية بيضاء إحدى العينين ولا يعلم ذلك فانجلى
البياض عنده ثم عاد ليس له أن يرد وجعل الثاني
غير الأول ولو اشترى جارية بيضاء إحدى العينين
وهو يعلم بذلك فلم يقبضها حتى انجلى ثم عاد
عند البائع ليس للمشتري الرد وجعل الثاني عين
الأول الذي رضي به إذا كان الثاني عند البائع
ولم يجعله عينه إذا عاد البياض عند المشتري
وقال لا يرده ثم قال القاضي الإمام كنت أشاور
شمس الأئمة الحلواني وهو يشاورني فيما كان
مشكلا إذا اجتمعنا فشاورته في هذه المسألة فما
استفدت منه فرقا. كذا في فتح القدير
فالحاصل ليس له الرد في المسألتين لكن في
الأولى لجعله غير الأول إذ لو كان عينه لملك
الرد لعدم العلم به وفي الثانية لجعله عين
الأول إذ لو كان غيره لملك الرد لكونه لم يرض
به وفي جامع الفصولين شراه فوجده يبول في
الفراش يضعه القاضي عند عدل ينظر فيه
وفي الواقعات الحسامية اشترى جارية فوجد في
إحدى عينيها بياضا فانجلى البياض فقبض المشتري
وهو لا يعلم بذلك ثم علم فله أن يرد فرق بين
هذا وبين ما إذا قبض وفي إحدى عينيها بياض وهو
لا يعلم ثم انجلى البياض ثم عاد ليس له أن
يرد. والفرق أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين معكوفتين غير موجود في الأصل.
ج / 6 ص -61-
والسرقة من العيوب في العبد والجارية والجنون.
ــــــــــــــــــــــــ
البياض الثاني غير الأول حقيقة إلا أن في
الصورة الأولى الثاني حدث في يد البائع فيوجب
الرد وفي الثانية البياض الثاني حدث في يد
المشتري فلا يوجب الرد ا هـ. وبهذا ظهر أن لا
إشكال ولا يحتاج إلى المشاورة نعم على ما نقله
في فتح القدير من امتناع الرد في المسألتين
مشكل.
"قوله
والسرقة من العيوب في العبد والجارية"
أطلقه فشمل الصغير والكبير إلا الذي لا يميز
كما قدمناه في الإباق والبول في الفراش
فالثلاثة من غير المميز ليست عيبا وفسر في
المعراج المميز هنا بأن يأكل وحده ويشرب وحده
ويستنجي وحده وقدره بعضهم بخمس سنين كما في
المعراج أيضا ولا بد من المعاودة عند المشتري
في حالة واحدة فلا بد من السرقة عندهما في
الصغر أو بعد البلوغ فإن سرق عند البائع في
صغره ثم عند المشتري بعد بلوغه لا يرده لحدوث
العيب لأن في الصغر لقلة المبالاة وفي الكبر
لخبث في الباطن ولا بد من أن لا تقطع يده عند
المشتري ولذا قال في المحيط اشترى عبدا فسرق
عنده وقد كان سرق عند البائع فقطعت يده
بالسرقتين يرجع بربع الثمن لأن اليد قطعت
بالسرقتين جميعا. ا هـ.
وفي الظهيرية من المحاضر أن الطرار والنباش
وقاطع الطريق كالسارق عيب في العبد وفي
البدائع أن العبد إذا زنى فحد فإنه يكون عيبا
أطلقه فشمل ما إذا سرق من المولى أو من غيره
قليلا كان أو كثيرا ويرد عليه مسألتان
الأولى: ما إذا سرق من المولى
طعاما ليأكله فإنه لا يكون عيبا بخلاف ما إذا
سرقه ليبيعه أو سرقه من غير المولى ليأكله
فإنه عيب فيهما وفي البزازية إذا سرق طعاما لا
للأكل بل ليبيعه ونحوه فعيب مطلقا وظاهره أن
الإهداء كالبيع
الثانية: ما إذا سرق فلسا أو
فلسين فإنه لا يكون عيبا وقد جزم به الشارح
وظاهر ما في المعراج أنها قويلة وأن المذهب
الإطلاق وعلى هذا القول ما دون الدرهم كذلك
كما ذكره فيه. وفي الظهيرية وإذا نقب البيت
ولم يختلس فهو عيب وفي جامع الفصولين لو سرق
بصلا أو بطيخا من الغالين أو فلسا كما تسرق
التلامذة لم يكن عيبا ولو سرق بطيخا من فاليز
الأجنبي فهو عيب هو المختار وإن سرق للإدخار
فهو عيب مطلقا ا هـ.
"قوله
والجنون" لما ذكرنا ولا بد
فيه من وجوده عند البائع ثم عند المشتري كذلك
كما لا يخفى سواء اتحدت الحالة أو لا فلو جن
عند البائع في صغره ثم عند المشتري في صغره أو
ج / 6 ص -62-
بعد
بلوغه فهو عيب لكونه عين الأول لأنه عن فساد
في الباطن ولا يختلف سببه1 بالصغر والكبر كما
في العيوب الثلاثة وهذا معنى قول الإمام محمد
أنه عيب أبدا وليس معناه عدم اشتراط العود في
يد المشتري لأن الله تعالى قادر على إزالته
وإن كان قل ما يزول كذا في الهداية وهو الصحيح
وهو قول الجمهور وهو المذكور في الأصل والجامع
الكبير وبه أخذ الطحاوي ولكن ميل الحلواني
وخواهر زاده إلى ظاهر كلام محمد من عدم اشتراط
العود عند المشتري للحديث "من جن ساعة لم يفق
أبدا" وقال الإسبيجابي ظاهر الجواب عدم اشتراط
المعاودة في يد المشتري وقيل تشترط وهو الصحيح
وقيل تشترط بلا خلاف بين المشايخ كذا في عامة
الروايات.
فالحاصل أن المشايخ اختلفوا فيه على ثلاثة
أقوال فمنهم من جعله كالإباق والبول في الفراش
فلا بد من المعاودة واتحاد السبب وهو قول أبي
بكر الإسكاف البلخي كما في غاية البيان معزيا
إلى أبي المعين في شرح الجامع الكبير2 ومنهم
من لم يشترطه نظرا إلى قول محمد في الجامع
الصغير إن الجنون عيب لازم أبدا فإذا جن في يد
البائع كفى للرد واختاره الفقيه أبو الليث كما
في غاية البيان والحلواني وخواهر زاده كما
قدمناه وعامة المشايخ على اشتراط العود في يد
المشتري وإن لم يتحد السبب واختاره الصدر
الشهيد وقاضي خان وصاحب الهداية وصححوه وحكموا
بغلط ما عداه
وفي التلويح الجنون اختلال القوة المميزة بين
الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب ا
هـ. والأخصر اختلال القوة التي بها إدراك
الكليات وبه يعلم تعريف العقل من أنه القوة
التي بها ذلك ثم اعلم أن الاختلاف لا يخص
الجنون فقد نقل في البدائع عن بعض المشايخ أن
البول في الفراش والإباق والسرقة والجنون لا
يشترط معاودة ذلك في يد المشتري ووجودها عند
البائع يكفي للرد والعامة على خلافه وفي
المحيط تكلموا في مقدار الجنون قيل ساعة عيب
وقيل أكثر من يوم وليلة وقيل المطبق دون غيره
كذا في المعراج والمطبق بفتح الباء والأصل أن
المعاودة عند المشتري بعد الوجود عند البائع
شرط للرد إلا في مسائل الأولى زنا الجارية
والثانية التولد من الزنا الثالثة ولادة
الجارية عند البائع أو غيره فإنها عيب ترد به
على رواية كتاب المضاربة وهو الصحيح وإن لم
تلد ثانيا عند المشتري لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل (بالكبر والصغر).
2 وهو شرح على الجامع الكبير للإمام محمد بن
الحسن الشيباني شرحه أبو المعين أوحد الدين
النسفي ميمون بن محمد المتوفى سنة (ثمان
وخمسمائة هـ) ا هـ. "كشف الظنون" (1/570).
ج / 6 ص -63-
والبخر
والدفر والزنا وولده في الجارية
ــــــــــــــــــــــــ
الولادة عيب لازم لأن الضعف الذي حصل بها لا
يزول أبدا وعليه الفتوى وفي رواية كتاب البيوع
لا ترد كذا في فتح القدير
وفي الصحاح جن الرجل جنونا وأجنه الله تعالى
فهو مجنون ولا يقال مجن وقولهم في المجنون ما
أجنه شاذ لا يقاس عليه لأنه لا يقال في مضروب
ما أضربه ولا في المسلول ما أسله ا هـ. وفي
فتح القدير والحمق عيب وفسره في المغرب بنقصان
العقل.
"قوله
والبخر والدفر والزنا وولده في الجارية"
أي عيب فيها لا في الغلام لأن المقصود قد يكون
الاستفراش وهذه تخل به والمقصود من الغلام
الاستخدام ولا يخل به إلا إذا كان البخر
والدفر فاحشا بأن كان عن داء بحيث يمنعه عن
قرب سيده لأن الداء عيب وأن يكون الزنا عادة
له لأن اتباعهن يخل بالخدمة وهو أن يتكرر منه
الزنا أكثر من مرتين وأشار بكون الزنا ليس
عيبا فيه الدال على القوة إلى أنه لو وجده
عنينا فله الرد كما في البناية
والبخر بالباء المفتوحة والخاء المعجمة
المفتوحة الفوقية من بخر الفم بخرا من باب تعب
أنتنت ريحه فالذكر أبخر والأنثى بخراء والجمع
بخر مثل أحمر وحمراء وحمر. كذا في المصباح
والبخر الذي هو عيب هو الناشئ من تغير المعدة
دون ما يكون يفلج بالأسنان فإن ذلك يزول
بتنظيفها كذا في فتح القدير وفي المستظرف يقال
إن البخر يحصل من طول انطباق الفم وكل رطب
الفم سائل اللعاب سالم منه وفيه كان يقال لا
ابتلاك الله ببخر عبد الملك بن مروان1 ولا
بصمم ابن سيرين ولا بعمى حسان2 وحكي أن عبد
الملك أكل من تفاحة ثم رماها إلى زوجته
فتناولت السكين فسألها فقالت لأزيل الأذى عنها
فغضب وطلقها وإنما قيدنا بالخاء الفوقية
احترازا عن البجر بالجيم فإنه عيب فيهما وهو
انتفاخ ما تحت السرة وبه سمي بعض الناس أبجر
كذا في النهاية. ولا فرق بين الأمرد وغيره في
البخر من كونه ليس بعيب وهو الصحيح وقيل
الأمرد كالجارية.
وأما الدفر فهو نتن ريح الإبط وهو بالدال
المهملة المفتوحة والفاء المفتوحة يقال دفر
الشيء دفرا فهو دافر من باب تعب أنتنت ريحه
وأدفر بالألف لغة والدفر وزان فليس اسم منه
يقال فيه دفر أي نتن ويقال للجارية إذا شتمت
يا دفار أي منتنة الريح كناية عن خبث الخبر
والمخبر كذا في المصباح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو ابن الحكم الأموي القرشي من أعظم الخلفاء
ودهائهم نشأ في المدينة سنة ست وعشرين هـ كان
فقيها واسع العلم متعبدا ناسكا وتوفي في دمشق
سنة ست وثمانين هـ ا هـ "الكامل" لابن الأثير
(4/102) "الأعلام" (4/165).
2 المراد به الصحابي الجليل حسان بن ثابت شاعر
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ج / 6 ص -64-
والكفر
أقبح العيوب
______
وأما الذفر بالذال المعجمة فهو من ذفر الشيء
ذفرا فهو ذفر من باب تعب وامرأة ذفرة ظهرت
رائحتها واشتدت طيبة كانت كالمسك أو كريهة
كالصنان قالوا ولا يسكن المصدر إلا للمرة
الواحدة إذا دخلها هاء التأنيث فيقال ذفرة.
وقالت أعرابية تهجو شيخا أدبر دفره وأقبل بخره
كذا في المصباح وفي البزازية نتن ريح الفم
والأنف والإبط عيب ا هـ.
والمراد بقوله وولده التولد من الزنا ولو عبر
به كما في الإصلاح لكان أولى لأن نفس ولد
الزنا ليس بعيب إنما العيب التولد منه وأما
الولد فعيب ويمكن أن يقدر كون أي كونها ولد
الزنا عيب ولم يذكر المصنف اللواطة بالجارية
والغلام
قال في القنية وجامع الفصولين لو اشترى عبدا
يعمل به عمل قوم لوط فإن كان مجانا فهو عيب
لأنه دليل الابنة وإن كان بأجر فلا بخلاف
الجارية فإنه يكون عيبا كيفما كان لأنه يفسد
الفراش ا هـ.
وفي المصباح الابنة العقدة في العود والعداوة
ا هـ. وكل ليس بمناسب وهي عيب حتى في البهائم
لما في القنية اشترى حمارا ذكرا يعلوه الحمر
ويأتونه في دبره قال وقعت هذه ببخارى فلم
يستقر فيها جواب الأئمة وقال عبد الملك
النسفي1 إن طاوع فعيب وإلا فلا وقيل عيب. ا
هـ. وفي إقرار تلخيص الجامع من باب الإقرار
بالعيب ادعى العيب وأقام أن البائع كأن قال
لها يا زانية أو هذه الزانية فعلت كذا لم ترد
لأنه للاستحضار والسب دون تحقق المعنى ولهذا
لو قال يا ابني أو يا كافرة لا يعتق ولا تبين
لا يلزم بيا حر يا مولاي لأنا اعتبرنا الحقيقة
فيما يكون ثبوته من جهته والعرف فيما يتعذر
ولا الحد لأن الحقيقة منافية فتعلق باللفظ ولا
كذلك الرد ولو قال هذه الزانية أو نون ترد
لأنه جملة خبرية فتفيد المخبر وتمامه في شرحه
فهي رباعية ترد في اثنين ولا ترد في اثنين ا
هـ.
"قوله:
والكفر أقبح العيوب" لأن
المسلم ينفر عن صحبته ولا يصلح للإعتاق في بعض
الكفارات فتختل الرغبة أطلقه فشمل كفر الغلام
والجارية والنصراني واليهودي والمجوسي كما في
النهاية وما إذا شرط إسلامه فظهر كفره أو أطلق
وما إذا كان قريبا من بلاد الكفر أو من بلاد
الإسلام ولو شرط كفره فظهر إسلامه لا يرده لأن
الشرط للتبرؤ من عيبه فصار كما إذا اشتراه على
أنه معيب فإذا هو سليم وخالفنا الشافعي وأحمد
نظرا إلى أنه ربما اشترط كفره ليستخدمه في
محقرات الأمور ولم أر حكم ما إذا وجده خارجا
عن مذهب أهل السنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في "الجواهر المضية" ذكره في "القننية"
هكذا ولعله عبد الملك بن الحسين بن علي
النسفي، كان في حدود الأربعمائة. ا هـ
(2/474).
ج / 6 ص -65-
وعدم
الحيض والاستحاضة
______
كالمعتزلي والرافضي وينبغي أن يكون كالكافر
لأن السني ينفر عن صحبته وربما قتله الرافضي
لأن الرافضة يستحلون قتلنا وفي السراج الوهاج
الكفر عيب ولو اشتراها مسلم أو ذمي ا هـ. وهو
غريب في الذمي.
"قوله:
وعدم الحيض والاستحاضة" لأن
انقطاع الحيض أو استمرار الدم علامة الداء لأن
الحيض هو الأصل في بنات آدم وهو دم صحة فإذا
لم تحض فالظاهر أنه عن داء بها ولهذا قالوا لا
تسمع دعواه بانقطاعه إلا إذا ذكر سببه من داء
أو حبل ويعتبر في الارتفاع أقصى غاية البلوغ
سبع عشرة سنة عند الإمام وخمسة عشر عندهما
ويعرف ذلك بقول الأمة لأنه لا يعرفه غيرها
ولكن لا ترد بقولها بل لا بد من استحلاف
البائع فترد بنكوله إن كان بعد القبض وإن كان
قبله فكذلك في الصحيح ولو ادعاه في مدة قصيرة
لم تسمع وأقلها ثلاثة أشهر عند الثاني وأربعة
أشهر وعشر عند الثالث وابتداؤها من وقت
الشراء.
وحاصلها أنه إذا صحح دعواه سئل البائع فإن
صدقه ردت عليه وإلا لم يحلف عند الإمام كما
سيأتي. وإن أقر به وأنكر كونه عنده حلف فإن
نكل ردت عليه ولا تقبل البينة على أن الانقطاع
كان عند البائع للتيقن بكذبهم بخلاف الشهادة
على الاستحاضة لأنها درور الدم والمرجع في
الحبل إلى قول النساء وفي الداء إلى الأطباء
وهم عدلان كذا ذكر الشارح تبعا للنهاية
والدراية ولكن فيها أن الرجوع فيها إلى قول
الأمة إنما هو قول محمد. أما في ظاهر الرواية
فلا قول للأمة في ذلك. ا هـ. وبما قررناه ظهر
أن انقطاع الحيض لا يكون عيبا إلا إذا كان في
أوانه أما انقطاعه في سن الصغر أو الإياس فلا
اتفاقا كما في المعراج واعتبر قاضي خان في
فتاويه مدة الانقطاع بشهر ورجحه في فتح القدير
ولذا لم يشترط قاضي خان لصحة دعوى الانقطاع
تعيين أن يكون عن داء أو حبل ورجحه في فتح
القدير لأنه وإن لم يكن عن داء فهو طريق إليه
وطريق توجه الخصومة على ما صححه في فتح القدير
أن يدعي انقطاعه للحال ووجوده عند البائع فإن
أنكر وجوده عنده واعترف بالانقطاع في الحال
استخبرت الجارية فإن ذكرت أنها منقطعة اتجهت
الخصومة فيحلف ما وجد عنده فإن نكل ردت عليه.
وفي القنية ولو وجد الجارية تحيض في كل ستة
أشهر مرة فله الرد طم1 إن كانت مغنية فله
الرد ا هـ.
ثم اعلم أنه قد وقع من ابن الهمام خبط عجيب
فإنه رد على الشارحين في موضعين:
الأول: في اشتراطهم أن يكون
الانقطاع عن داء أو حبل وزعم أن فقيه النفس
قاضي خان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رمز من رموز القنية.
ج / 6 ص -66-
والسعال القديم والدين
______
لم يتعرض له وليس كما زعم بل قاضي خان في
الفتاوى صرح به أولا فقال لو اشترى جارية
وقبضها ثم قال إنها لا تحيض قال الشيخ الإمام
أبو بكر محمد بن الفضل لا تسمع دعوى المشتري
إلا أن يدعي ارتفاع الحيض بالحبل أو بسبب
الداء فإن ادعى بسبب الحبل يريها القاضي
النساء إن قلن هي حبلى يحلف البائع أن ذلك لم
يكن عنده وإن قلن ليست بحبلى فلا يمين وفي
معرفة داء في باطنها يرجع إلى الأطباء إلى
آخره فهذا كما ترى صريح فيما نقلوه فكيف يصح
قوله إنه لم يتعرض له لكن وقع له عبارة أخرى
في الفتاوى بعد هذه بصفحة. قال رجل اشترى
جارية وقبضها ولم تحض عند المشتري شهرا أو
أربعين يوما قال القاضي الإمام أبو بكر محمد
بن الفضل ارتفاع الحيض عيب وأدناه شهر واحد
وإذا ارتفع هذا القدر عند المشتري كان له أن
يرد إذا أثبت كان عند البائع ا هـ. فالعبارتان
لواحد وهو الشيخ الإمام أبو بكر لكن الأولى
لسماع الدعوى عند القاضي والثانية لتحقيق
العيب في نفسه لا لبيان سببه فلا مخالفة
بينهما
الثاني: في نقلهم أنه لا بد
من مدة مديدة سنتان أو أربعة أشهر وعشر أو
ثلاثة أشهر محتجا بالعبارة الثانية لقاضي خان
ولا اعتبار بها مع صريح النقل عن الأئمة
الثلاثة ويمكن حملها على رواية أخرى فنسبته
لهم إلى الغلط غلط فاحش منه فالمعتمد ما نقله
الشارحون في النهاية والعناية والدراية
والبناية والتبيين والكافي وغيرهم وفي
البزازية ارتفاعه بدون أحد هذين لا يعد عيبا
ونقل عن أبي مطيع أنه قدر المدة بتسعة أشهر
وسفيان بحولين. وفي التحفة قدره بشهرين كما في
غاية البيان فهي سبعة أقوال
ثم اعلم أنه لا منافاة بين قولهم يعتبر قول
الأمة وبين قولهم والمرجع في الحبل إلى قول
النساء وفي الداء إلى قول الأطباء لأن محل
اعتبار قول الأمة إنما هو لأجل انقطاع الدم
لتوجه الخصومة إلى البائع فإذا توجهت إليه
بقولها وعين المشتري أنه عن حبل رجعنا إلى قول
النساء العالمات بالحبل لتوجه اليمين على
البائع وإن عين أنه عن داء رجعنا إلى قول
الأطباء كذلك كما لا يخفى.
"قوله:
والسعال القديم" وهو ما كان
عن داء أما المعتاد فلا كما في فتح القدير
وظاهر الكتاب أن الحادث منه ليس بعيب ولو كان
موجودا عندهما والظاهر أن ما كان عن داء فهو
قديم وأن هذا هو مراده من كونه قديما فالمنظور
إليه كونه عن داء لا القدم ولذا قال في جامع
الفصولين السعال عيب إن فحش وإلا فلا. ا هـ.
حكاية في المستظرف خطب المأمون بمرو فسعل
الناس فنادى بهم: ألا من كان به سعال فليتداو
بشرب خل الخمر ففعلوا فانقطع عنهم السعال.
ج / 6 ص -67-
والشعر
والماء في العين
______
"قوله والدين" لأن ماليته تكون مشغولة به
والغرماء مقدمون على المولى أطلقه فشمل دين
العبد والجارية وما إذا كان مطالبا به للحال
أو متأخرا إلى ما بعد العتق وفرق بينهما
الشافعي وهو حسن إذ لا ضرر على المولى في
الثاني وجوابه أنه يلحقه ضرر بنقصان ميراثه
منه حيث كان وارثا له كذا في فتح القدير وهو
بحث منه مخالف للنقل قال مسكين والدين أي
الدين الذي يطالب به في الحال أما الدين
المؤجل فإنه ليس بعيب كذا في الذخيرة. والمراد
المؤجل إلى العتق وفي القنية الدين عيب إلا
إذا كان يسيرا لا يعد مثله نقصانا وفي السراج
الوهاج إذا كان على العبد دين أو في رقبته
جناية فهو عيب لأنه يجب بيعه فيه ودفعه فيها
فتستحق رقبته بذلك ويتصور هذا فيما إذا حدثت
به الجناية بعد العقد قبل القبض أما إذا كانت
قبل العقد فبالبيع يصير البائع مختارا للجناية
فإن قضى المولى الدين قبل الرد سقط الرد لأن
المعنى الموجب للرد قد زال ا هـ. وكذا إذا
أبرأ الغريم كما في البزازية.
"قوله:
والشعر والماء في العين"
لأنهما يضعفان البصر ويورثان العمى ولا خصوصية
لهما بل كل مرض بالعين فهو عيب ومنه السبل1
كما في المعراج وكثرة الدمع وقد ذكر المصنف
أولا ضابط العيب ثم ذكر عددا من العيوب ولم
يستوفها لكثرتها فلا بأس بتعداد ما اطلعنا
عليه في كلامهم تكثيرا للفوائد ولكثرة
الاحتجاج إليها في المعاملات ففي المعراج
الثؤلول عيب وكذا الحال إن كان قبيحا منقصا
والصهوبة حمرة الشعر إذا فحش بحيث تضرب إلى
البياض والشمط وهو اختلاط البياض بالسواد في
الشعر في غير أوانه دليل الداء وفي أوانه دليل
الكبر والعشى عيب وهو ضعف البصر بحيث لا يبصر
في الليل والسن الساقط ضرسا كان أو غيره وكذا
السوداء والظفر الأسود المنقص للثمن والعسر
وهو العمل باليسار دون اليمين عجز إلا أن يكون
عسر يسر وهو الأضبط الذي يعمل بهما وقد كان
عمر رضي الله تعالى عنه بهذه الصفة فهو زيادة.
والقشف وهو يبوسة الجلد وتشنج في الأعضاء
والكي إن كان من داء وإلا لا كما في الحبشة
والحرن على وجه لا يستفز ولا ينقاد للراكب عند
العطف والسير والجمع عيب وهو أن لا يلين عند
اللجام وخلع الرأس من العذار وبل المخلاة إن
نقص وهو أن يسيل لعاب الفرس على وجه يبل
المخلاة إذا جعل على رأسه وفيه علفه وقيل أن
يرميها وهو نوع من الجمع والغرب في العين وهو
ورم في المآقي وربما يسيل منه شيء حتى قال
محمد إنه إذا كان سائلا فصاحبه من أصحاب
الأعذار. والشتر عيب وهو انقلاب في الأجفان
وبه سمي الأشتر2 وهو لضعف البصر والحول كذلك
والحوص وهو نوع من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو داء في العين شبه غشاوة كأنها نسج
العنكبوت بعروق حجر. ا هـ "اللسان" مادة
(سبل).
2 وهو مالك بن الحارث النخعي أدرك الإسلام
وكان رئيس قومه شهد الجمل وصفين مع سيدنا علي
رضي الله عنه وتوفي سنة سبع وثلاثين هـ. ا هـ
"الإصابة" (3/459) برقم (8343) "الأعلام"
(5/259).
ج / 6 ص -68-
...........................................
______
الحول والقبل في إنسان العين وإذا كان في جانب
فهو الحوص. والظفر وهو بياض يبدو في إنسان
العين وكل ذلك لضعف البصر وربما منعه أصلا،
والجرب في العين وغيرها لكونه عن داء، والعزل
وهو أن يعزل ذنبه في أحد الجانبين والمشش وهو
ورم في الدابة له صلابة والفحج وهو تباعد ما
بين القدمين والصكك وهو أن يصكك إحدى ركبتيه
على الأخرى.
والحبل في بنات آدم عيب لكونه منقصا بخلافه في
البهائم لكونه زيادة والقرن عظم في المأتي
مانع من الوصول والرتق وهو لحم في المأتي
والعفل وهو أن يكون المأتي منها شبه الكيس لا
يلتذ الواطئ بوطئها والكل يخل بالمقصود والبرص
والجذام وهو قيح يوجد تحت الجلد يوجد نتنه من
بعيد. والفتق وهو ريح في المثانة وربما يهيج
بالمرء فيقتله ولا يكون إلا لداء في الباطن
والسلعة وهي القروح التي تكون على العين وقيل
داء في الرأس يتناثر منه شعر الرأس وقيل غدة
تحت الجلد تدور بين اللحم والجلد والدحس وهو
ورم يكون في أطراف حافر الفرس والحمار.
والحنف وهو إقبال كل واحد من الإبهامين إلى
صاحبه وهو ينقص من قوة المشي وقيل الأحنف الذي
يمشي على ظهر قدميه والصدف التواء في أصل
العنق وقيل إقبال إحدى الركبتين إلى الأخرى
والشدق وهو سعة مفرطة في الفم والتخنث والحمق
وكونها مغنية وشرب الخمر وترك الصلاة وغيرها
من الذنوب.
وكل عيب يتمكن المشتري من إزالته بلا مشقة لا
يرده به كإحرام الجارية ونجاسة الثوب وقلة
الأكل في البقرة عيب. ولو اشترى زوجي الخف
وأحدهما أضيق من الآخر فإن خرج عن العادة فله
الرد وإن كان الخف لا يتسع في اللبس وقد
اشتراه له فهو عيب والتراب في الحنطة الخارج
عن العادة عيب فله ردها وليس له أن يميز
التراب ويرجع بحصته ولو خلطه بها بعد التمييز
أو انتقص الكيل والوزن بالتنقية امتنع الرد
وله النقصان وإن وجد الجارية دميمة أو سوداء
لا ترد وإن كانت محترقة الوجه لا يعرف جمالها
وقبحها فله الرد ولو امتنع الرد رجع بفضل ما
بينهما ولو اشترى دارا ليس لها مسيل أو أرضا
لا شرب لها أو مرتفعة لا تسقى إلا بالسكر فله
الرد ا هـ ما في المعراج.
ونقل منه في فتح القدير ولكن يحتاج إلى ضبط
بعض ألفاظ ليزول الاشتباه عنها الثؤلول بهمزة
ساكنة وزان عصفور ويجوز التخفيف والجمع
الثآليل وهو من ثئل ثألا من باب تعب
ج / 6 ص -69-
...........................................
______
فالذكر أثأل والأنثى ثألاء والجمع ثؤل مثل
أحمر وحمراء وحمر وهو داء يشبه الحبوب وقال
ابن فارس الثأل داء يصيب الشاة فتسترخي
أعضاؤها كذا في1 الصحاح والعشى من عشي عشيا من
باب تعب ضعف بصره فهو أعشى والمرأة عشواء منه
أيضا.
والقشف من قشف الرجل قشفا فهو قشف من باب تعب
لم يعتد النظافة وأصله خشونة العيش منه أيضا.
والجمح من جمح الفرس براكبه يجمع بفتحتين
جماحا بالكسر وجموحا2 مصدر استعصى حتى غلبه
فهو جموح بالفتح وجامح يستوي فيه الذكر
والأنثى كذا في المصباح ولم يذكر أن مصدره
الجمح ولكن في الصحاح جمح الفرس جموحا وجماحا
وجمحا إذا أعثر فارسه وغلبه ا هـ. فعلى هذا
الجمع في كلامهم بفتح الجيم وسكون الميم.
والغرب بفتح الغين المعجمة والراء الساكنة
وللعين غربان كذا في الصحاح والحوص بفتحتين
ضيق في مؤخر العين والرجل أحوص منه أيضا
والقبل بفتحتين في العين إقبال السوداء على
الأنف والعزل بفتحتين والأعزل من الخيل الذي
يقع ذنبه في جانب وذلك عادة لا خلقة وهو عيب
منه أيضا.
والمشش بفتحتين وهو شيء يشخص في وطيفها حتى
يكون له حجم منه أيضا والسكك بفتحتين ولو
ذكروا من العيوب أيضا الصأك بصاد ثم همزة
مفتوحة وهو من صئك الرجل يصأك صأكا إذا عرق
فهاجت منه ريح منتنة من ذفر أو غير ذلك كما في
الصحاح لكان أفود ويمكن تخصيصه بالجارية
كالبخر والدفر.
والسلعة بكسر السين اسم لزيادة تحدث في الجسد
كالغدة تتحرك إذا حركت وتكون من حمصة إلى
بطيخة والسلعة بالفتح الشجة منه أيضا وما
قدمناه من تفسيرها بعيد والحنف بفتحتين اعوجاج
في الرجل والصدف بالصاد والدال المهملين يقال
فرس أصدف إذا كان متداني الفخذين متباعد
الحافرين في التواء من الرسغين. وقيل الصدف
ميل في الحافر إلى الشق الوحشي وقيل أن يميل
خف البعير من اليد أو الرجل إلى الجانب الوحشي
فإن مال إلى الإنسي فهو لا يعد منه أيضا.
والشدق بفتح الشين وكسر الدال سعة الشدق وهو
جانب الفم منه أيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل "المصباح"
2 كلمة مصدر سقطت في الأصل.
ج / 6 ص -70-
...........................................
______
وفي فتح القدير ومن العيوب العثار في الدواب
إن كان كثيرا فاحشا وأكل العذار وعدم الختان
في الغلام والجارية المولدين البالغين
بخلافهما في الصغيرين وفي الجليب من دار الحرب
لا يكون عيبا مطلقا وفي فتاوى قاضي خان وهذا
عندهم يعني عدم الختان في الجارية المولدة أما
عندنا عدم الخفض في الجوار لا يكون عيبا. ا
هـ.
وفي السراج الوهاج الزكام ليس بعيب والجنون
عيب وكذا العمى والعور والشلل والصمم والخرس
والإصبع الزائدة والناقصة والقروح والشجاج
والأمراض كلها والأدر عيب وهو انتفاخ الأنثيين
والعشا عيب وهو الذي لا يبصر بالليل وكذا
العمش والعنين والخصي ولو اشتراه على أنه خصي
فوجده فحلا لا خيار له والكذب والنميمة عيب
فيهما وقلة الأكل في الدواب لا في بني آدم
والنكاح في الجارية والغلام وإن طلقها زوجها
رجعيا فله الرد وإن كان بائنا سقط وإذا وجدها
محرمة عليه برضاع أو صهرية كأخته أو أم امرأته
فليس بعيب لأنه يقدر على الانتفاع بتزويجها
وأخذ العوض وإذا وجدها لا تحسن الطبخ والخبز
فليس بعيب وإذا وجد في المصحف سقطا أو خطأ فهو
عيب وإن كانت معتدة من طلاق بائن فليس بعيب
لأنه لا سبيل للزوج عليها والحرمة عارضة
كتحريم الحائض. ا هـ. وفي الخانية لو اشترى
جارية وقبضها ثم ادعى أن لها زوجا وأراد أن
يردها فقال البائع كان لها زوج أبانها أو مات
عنها قبل البيع كان القول قول البائع ولا ترد
عليه ولو أقام المشتري البينة على قيام النكاح
لا تقبل بينته ولو أقام البينة على إقرار
البائع بذلك قبلت بينته. ولو قال البائع كان
زوجها عبدي فلان أبانها قبل البيع والمشتري
ينكر الطلاق كان القول قول البائع فإن حضر
المقر له بالنكاح وأنكر الطلاق كان للمشتري أن
يردها ولو قال البائع كان لها زوج عبدي يوم
البيع فأبانها أو مات عنها قبل القبض أو بعده
والمشتري ينكر الطلاق كان للمشتري أن يرد
الجارية ولو كان لها زوج عند المشتري فقال
البائع كان لها زوج عندي غير هذا الرجل أبانها
أو مات عنها قيل البيع كان القول قول البائع ا
هـ.
وفي البزازية التخنث نوعان أحدهما بمعنى
الرديء من الأفعال وهو عيب الثاني الرعونة
واللين في الصوت والتكسر في المشي فإن قل لا
يرد وإن كثر رده ولو اشترى غلاما أمرد فوجده
محلوق اللحية يرد وعدم استمساك البول عيب ولو
اشترى حبلى فولدت عند المشتري لا خصومة له مع
البائع فإن ماتت في نفاسها رجع بنقصان الحبل
إن لم يعلم به عند الشراء اشتراها على أنها
صغيرة فإذا هي بالغة لا يردها والثقب في
الأذنين إن واسعا فهو عيب
ج / 6 ص -71-
...........................................
______
في التركية إن عدوه عيبا لا في الهندية وإن
وجد الحنطة مسوسة يرد لا رديئة وجع الضرس مرة
بعد مرة عيب وإذا كانت إحدى العينين زرقاء
والأخرى غير زرقاء أو إحداهما كحلاء والأخرى
بيضاء فهو عيب وإذا كانت البقرة لا تحلب إن
كان مثلها يشترى للحلب ردها وإن للحم لا وإن
كانت تمص إحدى ثدييها له الرد. وإن كانت
الدابة بطيئة السير لا ترد إلا إذا شرط أنها
عجول وكونها وكون العبد أكولا فليس بعيب وفي
الجارية عيب لأنها تفسد الفراش اشترى عبدا
فأصابه حمى في يده وكان في يد البائع أيضا إن
اتحد الوقتان يرد وإن اختلف لا والثقب الكبير
في الجدار عيب وكذا في بيوت النمل في الكرم إن
فاحشا عيب وكذا لو كان فيه ممر الغير أو ميل
الغير ولو وجد في المسك رصاصا ميزه ورده بحصته
قل أو كثر ولو وجد في الشحم ملحا كثيرا أو وجد
في الدهن ودكا كثيرا فكالحنطة أقر البائع بعد
بيع السمن الذائب بموت فأرة فيه رجع عليه
المشتري بالنقصان عندهما وعليه الفتوى ا هـ.
وفي جامع الفصولين وكونه مقامرا إن كان يعد
عيبا كقمار نرد وشطرنج ونحوهما فهو عيب وكذا
السحر عيب فيهما لما فيه من الضرر وشرب الخمر
عيب على سبيل الإعلان والإدمان لا على الكتمان
أحيانا اشترى فرسا فوجده كبير السن قيل ينبغي
أن لا ترد إلا إذا شرط صغر السن كالجارية إذا
وجدها كبيرة السن. ا هـ.
وفي الظهيرية والدفن عيب وهو أن يسيل الماء من
المنخرين والأجهر عيب وهو من لا يبصر في
النهار والدحس وهو ورم يكون في إطرة حافر
الفرس والإطرة دور الحافر والفدع عوج في الرسغ
بينه وبين الساعد وفي القدم كذلك عوج بين عظم
الساق وفي الفرس التواء الرسغ من الجانب
الأيمن والجرذ عيب وهو بالذال المعجمة كل ما
حدث في عرقوب الدابة من تزند أو انتفاخ عصب
والهقعة وهي دائرة في عرض زور يعد عيبا
ويتشاءم به ومنه يقال اتقوا الخيل المهقوع.
والزور أعلى الصدر، وفسره في المنتقى فقال
المهقوع الذي إذا سار سمع مما بين حاصرتيه
وفرجه صوت والانتشار وهو انتفاخ العصب عند
الإعياء وتحرك الشظى كانتشار العصب غير أن
الفرس لانتشار العصب أشد احتمالا منه لتحرك
الشظى والشظى عظم ملتزق بالذراع والشامة إن
كانت على الخد كانت زينة فإن كانت على الأرنبة
كانت قبحا ا هـ.
وفي القنية اشترى حانوتا فوجد بعد القبض على
بابه مكتوبا وقف على مسجد كذا لا يرده لأنها
علامة لا تبنى الأحكام عليها اشترى أرضا فظهر
أنها ميشومة فينبغي أن يتمكن من الرد لأن
الناس لا يرغبون فيها ولو اشترى حمارا لا ينهق
فهو عيب وترك الصلاة في العبد لا يوجب الرد. ا
هـ. وقدمنا خلافه وفي آخر الباب من فتح القدير
قطع الإصبع عيب والأصبعان عيبان والأصابع من
الكف عيب واحد وحذف الحروف أو نقصها أو النقط
أو الإعراب في المصحف عيب. فائدة: في ميم
المصحف الحركات الثلاثة ذكره الكرماني في شرح
كتاب
ج / 6 ص -72-
فلو
حدث آخر عند المشتري رجع بنقصانه أو رد برضا
بائعه
______
الإمامة والمصراة شاة ونحوها شد ضرعها ليجتمع
لبنها ليظن المشتري أنها كثيرة اللبن فإذا
حلبها ليس له ردها عندنا ولا يرجع بالنقصان في
رواية الكرخي ويرجع في رواية الطحاوي لفوات
وصف مرغوب بعد زيادة منفصلة ولو اختيرت للفتوى
كان حسنا لغرور المشتري بالتصرية ا هـ. وفي
الظهيرية التصرية ليست بعيب عندنا وكذا لو سود
أنامل عبده وأجلسه على المعرض حتى ظنه المشتري
كاتبا أو ألبسه ثياب الخبازين حتى ظنه خبازا
فليس له أن يرده لأنه مغتر وليس بمغرور. ا هـ.
وفي الحاوي القدسي في المصراة وعن أبي يوسف
أنه يردها وقيمة صاع من تمر ويحبس لبنها لنفسه
ا هـ. وهو أقرب إلى حديث المصراة الثابت في
الصحيحين إلا أن الحديث أوجب رد الصاع وهو
أوجب قيمته.
"قوله:
فلو حدث آخر عند المشتري رجع بنقصانه أو رد
برضا بائعه" أي حدث بعدما
اطلع على العيب القديم امتنع رده جبرا على
البائع لدفع الأضرار عنه لكونه خرج عن ملكه
سالما ويعود معيبا فتعين الرجوع بالنقصان إلا
أن يرضى البائع بما حدث لرضاه بالضرر إلا في
مسألة فإن البائع إذا رضي بالعيب الحادث فإن
المشتري لا يجبر على رده وإنما يرجع بالنقصان
هي ما إذا1 اشترى عبدا فظهر أنه قتل إنسانا
خطأ عند البائع ثم قتل آخر عند المشتري فإن
البائع إذا أراد قبوله بالجنايتين لا يجبر
المشتري وإنما يرجع بنقصان الجناية الأولى
دفعا للضرر عنه لأنه لو رده على بائعه كان
مختارا للفداء فيهما وتمامه في الولوالجية
أطلق في الحدوث فشمل ما إذا كان بآفة سماوية
أو بغيرها كذا في المعراج وشمل ما إذا اشتراه
مريضا فازداد في يده فإنه ليس له الرد وقيل
ينبغي أن يرد كما في وجع السن إذا ازداد إلا
إذا صار صاحب فراش كذا في خزانة الفقه وفي
جامع الفصولين إذا تعيب عند المشتري بفعله أو
بفعل أجنبي أو بآفة سماوية وظاهره أنه إذا
تعيب عنده بفعل البائع لا يمتنع الرد وظاهر
إطلاق الكتاب امتناع الرد جبرا أيضا.
وفي القنية اشترى عبدا وبه أثر قرحة وبرأت منه
ولم يعلم به ثم عادت قرحة فأخبر الجراحون أن
عودها بالعيب القديم لم يرده ويرجع بنقصان
العيب وهذا بخلاف مسألة كانت به قرحة فانفجرت
أو جدري فانفجر عند المشتري فله الرد لأن
انفجاره ليس بعيب حادث ا هـ. ومن العيب الحادث
ما لو اشترى ما له حمل ومؤنة في بلد فأراد أن
يرده بعيب قديم في بلد آخر ليس له الرد جبرا
لا في بلد العقد كالثمر ومن العيب الحادث نتف
ريش الطير المذبوح فيمتنع الرد كما في القنية
ثم اعلم أن حدوث العيب عند المشتري شامل لما
إذا نقص عنده وحاصل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل "اشتراه فظهر..."
ج / 6 ص -73-
...........................................
______
ما إذا نقص المبيع أنه لا يخلو إما أن يكون في
يد البائع أو يد المشتري فإن كان الأول فعلى
خمسة أوجه بفعل البائع أو بفعل المشتري أو
أجنبي أو المعقود عليه أو بآفة سماوية فإن
بفعل البائع خير المشتري وجد به عيبا أو لا إن
شاء تركه وإن شاء أخذه وطرح من الثمن حصة
النقصان وإن كان بفعل المشتري لزمه جميع الثمن
وليس له أن يمسكه ويطلب النقصان ولو منعه
البائع بعد جناية المشتري لأجل الثمن فللمشتري
رده بالعيب ويسقط عنه الثمن إلا ما نقصه بفعله
وإن كان النقصان بفعل الأجنبي فالمشتري
بالخيار بعيب أو لا إن شاء رضي به بجميع الثمن
واتبع الجاني أرشه وإن شاء تركه وسقط عنه
الثمن وإن كان النقصان بآفة سماوية أو بفعل
المعقود عليه برده بجميع الثمن أو يأخذه وجد
به عيبا أو لا ولو أخذه يطرح عنه حصة جناية
المعقود عليه.
وأما النقصان بعد القبض فإن كان بفعله أو بفعل
المعقود عليه أو بآفة سماوية لا يرده بالعيب
لأنه يرده بعيبين ويرجع بحصة العيب إلا إذا
رضي به البائع ناقصا وإن كان بفعل البائع أو
الأجنبي يجب الأرش على الجاني وأنه يمنع الرد
ويرجع بحصة العيب من الثمن ا هـ.
وفي الواقعات اطلع على عيب بالكفن لا يرده ولا
يرجع بنقصان العيب إلا إذا أحدث به عيبا فله
الرجوع بالنقصان وصورة الرجوع بالنقصان أن
يقوم المبيع وليس به عيب قديم ويقوم وبه ذلك
فينظر إلى ما نقص من قيمته لأجل النقصان وينسب
إلى القيمة السليمة فإن كانت النسبة العشر رجع
بعشر الثمن وإن كانت النصف فبنصف الثمن بيانه
إذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم وقيمته مائة درهم
واطلع على عيب ينقصه عشرة دراهم وقد حدث به
عيب عنده فإنه يرجع بعشر الثمن وهو درهم ولو
اشتراه بمائتين وقيمته مائة ونقصه العيب عشرة
فإنه يرجع بعشر الثمن وذلك عشرون وإن نقصه
عشرين رجع بخمس الثمن وهو أربعون وإن اشتراه
بمائة وهو يساوي مائة ونقصه عشرة رجع بعشر
الثمن وهو عشرة كذا في السراج الوهاج معزيا
إلى الينابيع.
وفي البزازية وفي المقايضة أن النقصان عشر
القيمة رجع بعشر ما جعل ثمنا والمقوم لا بد أن
يكون اثنين يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع
والمشتري والمقوم الأهل في كل حرفة ا هـ.
ويحتاج إلى الفرق بين التقويم هنا وفي كل موضع
وأنهم اكتفوا في تقويم المتلفات بتقويم واحد
كما في شرح المنظومة وظاهر الكتاب أن البائع
إذا رضي برده فالخيار للمشتري بين الرد
والإمساك والرجوع بالنقصان وليس كذلك بل إذا
رضي البائع فإنه يخير إن شاء أمسكه ولا رجوع
له بالنقصان وإن شاء رده كما في المعراج وغيره
وإذا رجع بالنقصان ثم زال العيب الجديد فله رد
المعيب مع النقصان
ج / 6 ص -74-
...........................................
______
ونقل في القنية فيها أقوالا ثلاثة الأول ما
ذكرناه وقوله بكتاب آخر ثم رقم الثاني بأنه
ليس له الرد ثم رقم لثالث بأنه مال إلى أنه
يرده إن كان بدل النقصان قائما وإلا فلا ا هـ.
والذي يظهر ترجيح الأول لأن العيب الحادث كان
مانعا من الرد بالقديم وقد زال فيعود الرد
والقائل بعدمه يقول إن الرد سقط والساقط لا
يعود ويشهد له قولهم في خيار الرؤية لو باعه
ثم رد عليه بقضاء فإنه لا خيار له لأنه قد سقط
فلا يعود ومن العيب الحادث المانع من الرد ما
إذا اشترى حديدا ليتخذ منه آلات النجارين
وجعله في الكور ليجربه بالنار فوجد به عيبا
ولا يصلح لتلك الآلات فإنه يرجع بالنقصان ولا
يرده كما في القنية ومنه أيضا بل الجلود عيب
حادث يمنع الرد بقديم وكذا بل الإبريسم منه
أيضا وفي جامع الفصولين بل إبريسما فرأى عيبه
يرجع بنقصه وكذا الأديم لو أنقع في الماء فرأى
عيبه لم يرده وإن رضي بائعه وهذا مشكل ولو
أدخل في النار قدوما فرأى عيبه لم يرده إذ
الحديد ينقص بالنار بخلاف الذهب والفضة كحديد
أقول: الذهب ينتقص في النار إذا ذاب أيضا
اللهم إلا أن يكون قبل الذوب ولو حدد سكينا
فرأى عيبه وإن حدده بحجر فله الرد لا لو حدده
بمبرد لأنه ينتقص منه ا هـ. وذكر قبله شرى
شجرة ليتخذ منها بابا أو نحوه فقطعها فوجدها
لا تصلح لذلك فله الرجوع بنقص العيب لا الرد
إلا برضا بائعه. ا هـ.
وأشار المصنف باشتراط رضا البائع إلى فرع في
القنية لو رد المبيع بعيب بقضاء أو بغير قضاء
أو تقايلا ثم ظفر البائع بعيب حدث عند المشتري
فله الرد ا هـ. يعني: لعدم رضاه به أو لا وفي
البزازية رده ليشتري بعيب وعلم البائع بحدوث
عيب آخر عند المشتري رد على المشتري مع أرش
العيب القديم أو رضي بالمردود ولا شيء به وإن
حدث فيه عيب آخر عند البائع رجع البائع على
المشتري بأرش العيب الثاني إلا أن يرضى أن
يقبل بعيب الثالث أيضا ا هـ.
ثم اعلم أنا كتبنا في الفوائد الفقهية أنه
يستثني من قولهم لو حدث به عيب وبه عيب قديم
رجع بنقصه أو رد برضا بائعه مسألتان إحداهما
بيع التولية لو باع شيئا تولية ثم حدث به عيب
عند المشتري وبه عيب قديم لا رجوع ولا رد لأنه
لو رجع صار الثمن الثاني أنقص من الأول وقضية
التولية أن يكون مثل الأول ذكره الشارح في
بابها الثانية في المسلم1 لو قبض المسلم فيه
فوجد به عيبا كان عند المسلم إليه وحدث به عيب
عند رب السلم قال أبو حنيفة خير المسلم إليه
إن شاء قبله معيبا بالعيب الحادث وإن شاء لم
يقبل ولا شيء عليه لا من رأس المال ولا من
نقصان العيب كذا في الخانية من باب السلم
وذكره الولوالجي هنا وعلله بأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل السلم.
ج / 6 ص -75-
ومن
اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عيبا رجع بالعيب وإن
قبله البائع كذلك فله ذلك وإن باعه المشتري لم
يرجع بشيء
______
لو غرم نقصان العيب من رأس المال كما قال محمد
كان اعتياضا عن الجودة وهو ربا ا هـ.
"قوله:
ومن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عيبا رجع بالعيب"
أي بنقصان العيب القديم لأن القطع عيب حادث
"قوله:
وإن قبله البائع كذلك فله ذلك"
لأن الامتناع لحقه وقد رضي به وهو تكرار لأن
رجوعه وجواز رده برضا بائعه في الثوب من إفراد
ما قدمه ولم تظهر فائدة لإفراد الثوب إلا
ليترتب عليه مسألة ما إذا خاطه فإنه يمتنع
الرد ولو برضاه وكان يمكنه أن يقول أو لا أو
رد برضا بائعه إلا عند حدوث زيادة ووطء
الجارية كقطع الثوب
وفي الظهيرية ووطؤها يمنع الرد بالعيب بكرا
كانت أو ثيبا وكان له أن يرجع بالنقصان إلا أن
يقول البائع أنا أقبلها كذلك ووطء غير المشتري
كذلك يمنع الرد بالعيب سواء كان عن شبهة أو لا
عن شبهة غير أن الوطء إذا كان عن شبهة كان
للمشتري أن يرجع بالنقصان وإن قال البائع أنا
أقبلها كذلك لمكان العقر الواجب بالوطء عن
شبهة وإن كانت الجارية ذات زوج عند البائع
فوطئها زوجها عند المشتري إن كانت الجارية
بكرا فليس للمشتري أن يردها وإن كانت ثيبا إن
نقصها الوطء فكذلك الجواب وإن لم ينقصها كان
للمشتري أن يردها هذا إذا وطئها الزوج مرة في
يد البائع ثم وطئها عند المشتري فأما إذا لم
يطأها عند البائع مرة إنما وطئها عند المشتري
لم يذكر محمد هذا الفصل في الأصل واختلف
المشايخ فيه والصحيح أنها ترد بالعيب.
ولو اشترى برذونا فخصاه ثم اطلع على عيب به
بعد الخصاء كان له الرد إذا لم ينقصه الخصي
كذا في فتاوى أهل سمرقند وكان الشيخ الإمام
ظهير الدين المرغيناني يفتي بخلافه. ا هـ.
"قوله:
وإن باعه المشتري لم يرجع بشيء"
لكونه حابسا له بالبيع لإمكان الرد برضا بائعه
فكان مفوتا للرد أطلقه فشمل ما إذا كان باعه
بعد رؤية العيب أو قبله كما في فتح القدير وما
إذا كان لضرورة أو لا لما في القنية اشترى
سمكة فوجدها معيبة وغاب البائع ولو انتظر
حضوره تفسد فشواها وباعها ليس له أن يرجع
بنقصان العيب ولا سبيل له في دفع هذا الضرر
وسئل عن مثلها في المشمش فقال لا يرجع على قول
أبي حنيفة ا هـ.
وفي المحيط معزيا إلى الجامع اشترى عصيرا
وقبضه ثم تخمر ثم وجد به عيبا لا يرده وإن رضي
به البائع لأن في الرد تمليك الخمر وتملكه
قصدا لأن الرد بالتراضي بيع جديد
ج / 6 ص -76-
...........................................
______
في حق المالك وحرمة تمليك الخمر حق الشرع
فاعتبر بيعا جديدا في حقه وإن صار خلالا يرد
إلا إذا رضي به البائع لأنه تعيب عنده بعيب
آخر لأنه قبضه حلوا ويرده حامضا ويرجع بنقصان
العيب في الحالين. وكذا لنصرانيان تبايعا خمرا
وتقابضا ثم أسلما ثم وجد المشتري بالخمر عيبا
لا يرده ويرجع بالنقصان الأصل أن القضاء
بثمنين معا مقابلا بالمبيع الواحد جائز لأن
اجتماع ثمنين في ذمة واحدة بمقابلة مبيع واحد
على الترادف جائر بأن اشترى أحدهما وباعه من
آخر ثم اشتراه منه رجلان ادعى كل واحد عبدا في
يد إنسان أنه باعه من ذي اليد وهو ينكر وأقاما
البينة فعليه الثمنان وكذلك لو قام كل واحد
البينة أنه عبده باعه منه وقد نتج عنده الدعوى
وقعت في الثمن لا في المبيع لأن المبيع التي
كان مسلما لا تقبل البينة على البيع لإثبات
الملك فيه لاستغنائه عنه لأنه إنما يفتقر إليه
فيما يقدر على تسليمه فيستوجب الثمن على
المشتري وقد استغنى عن تسليمه وتمامه فيه
وفي تلخيص الجامع من الشهادات في البيوع
القضاء بثمنين معا في عين جائز ومبيعين لا إلى
أن فرع على الأول أو اطلع على عيب رده على
أيهما شاء ولو حدث به عيب عنده رجع بالنقصان
على أيهما شاء لا عليهما.
ثم اعلم أن البيع مانع من الرجوع بالنقصان
مطلقا سواء كان بعد حدوث نقص عند المشتري أو
قبله إلا إذا كان بعد زيادة كما سيأتي ولذا
قال في المحيط ولو أخرج المبيع عن ملكه بحيث
لا يبقى لملكه أثر بأن باعه أو وهبه أو أقر به
لغيره ثم علم بالعيب لا يرجع بالنقصان وكذا لو
باع بعضه وإن تصرف تصرفا لا يخرجه عن ملكه،
باب أجره أو رهنه أو كان طعاما فطبخه أو سويقا
فلته بسمن أو ماء في العرصة ونحوه ثم علم
بالعيب فإنه يرجع بالنقصان إلا في الكتابة ا
هـ.
وذكر هنا مسألتين في فروق الكرابيسي من أول
كتاب الوكالة قال رجل اشترى جارية فقبضها
فباعها من غيره وقبضها الثاني ثم اشتراها
المشتري الأول من المشتري الثاني وقبضها ثم
اطلع على عيب كان عند البائع الأول فإن
المشتري الأول لا يرد لا على البائع الأول ولا
على المشتري الثاني لأنه لا يفيد لأن قرار
الرجوع عليه والوكيل بالشراء إذا سلمه إلى
الموكل ثم اشتراه منه فوجد به عيبا يرده على
البائع لأن قرار الرجوع ليس عليه بل على
البائع الأول ا هـ.
وفي الولوالجية وإذا طعن المشتري بعيب فصالحه
على شيء أخذه أو حط من ثمنه شيئا فإن كان يقدر
على رد المبيع والمطالبة بأرش العيب فالصلح
جائز وإن لم يقدر فالصلح
ج / 6 ص -77-
ولو
قطعه وخاطه أو صبغه أو لت السويق بسمن فاطلع
على عيب رجع بنقصانه كما لو باعه بعد رؤية
العيب
______
باطل نحو أن يكون المشتري باع المعيب لكونه
أبطل حقه في الرد متى باعه ا هـ.
"قوله:
ولو قطعه وخاطه أو صبغه أو لت السويق بسمن
فاطلع على عيب رجع بنقصانه كما لو باعه بعد
رؤية العيب" لامتناع الرد
بسبب الزيادة لأنه لا وجه للفسخ في الأصل
دونها لأنها لا تنفك عنه ولا وجه إليه معها
لأن الزيادة ليست بمبيعة فامتنع أصلا وليس
للبائع أن يأخذه لأن الامتناع لحق الشرع لا
لحقه فإن باعه المشتري بعد ما رأى العيب رجع
بالنقصان لأن الرد ممتنع أصلا قبله فلا يكون
بالبيع حابسا للمبيع وعلى هذا قلنا إن من
اشترى ثوبا فقطعه لباسا لولده الصغير وخاطه ثم
اطلع على عيب لا يرجع بالنقصان ولو كان الولد
كبيرا يرجع لأن التمليك حصل في الأول قبل
الخياطة وفي الثاني بعدها بالتسليم إليه وهذا
معنى ما في الفوائد الظهيرية من أن الأصل أن
كل موضع يكون المبيع قائما على ملك المشتري
ويمكنه الرد برضا البائع فأخرجه عن ملكه لا
يرجع بالنقصان وكل موضع يكون المبيع قائما على
ملكه ولا يمكنه الرد وإن قبله البائع فأخرجه
عن ملكه يرجع بالنقصان. ا هـ. ولكن وقع
التقييد بالخياطة في الثوب الموهوب للولد في
الهداية وهو احترازي في الكبير اتفاقي في
الصغير وأنه بمجرد القطع له صار لمالكه فلا
رجوع وفي الكبير القطع والخياطة على ملك نفسه
فلما دفعه إليه بعدها أخرجه عن ملكه بعد
امتناع رده شرعا فرجع كذا في المعراج وسيأتي
إن شاء الله تعالى في الهبة أنه لو اتخذه
لولده الصغير ثيابا يملكه وفي الكبير بالتسليم
وليس كالطعام يأكله على ملك أبيه لأن الأمر
إذا توجه إلى وجوه فأولاها بالحكم أغلبها
تعارفا والأغلب البر والصلة إلا إذا علم
بالدليل كونه إعارة كالإشهاد عند الاتخاذ لعدم
الاعتبار بالدلالة عند التعارض كذا في هبة
البزازية وقبلها اتخذ لولده ثيابا ليس له أن
يدفعها إلى غيره إلا إذا بين وقت الاتخاذ أنها
عارية ا هـ. فعلى هذا لو صرح بأنها عارية لا
يسقط حقه في الرجوع بنقصان العيب إذا خاطه
لولده الصغير أطلق الصبغ فشمل كل لون ولكن في
السراج الوهاج أو صبغه يعني أحمر فإن صبغه
أسود فكذلك عندهما لأن السواد عند هما زيادة
وعند أبي حنيفة السواد نقصان فيكون للبائع
أخذه. ا هـ.
وفي المصباح لت الرجل السويق لتا من باب قتل
بله بشيء من الماء وهو أخف من البس. ا هـ. وقد
أشار المصنف إلى أن الزيادة المتصلة بالمبيع
التي لم تتولد من الأصل مانعة من الرد كالغرس
والبناء وطحن الحنطة وشي اللحم وخبز الدقيق
وفي فتح القدير وفي كون الطحن والشي من
الزيادة المتصلة تأمل. ا هـ.
ج / 6 ص -78-
...........................................
______
وقيد بها لأن الزيادة المتصلة المتولدة كالسمن
والجمال وانجلاء بياض العين لا تمنع الرد
بالعيب في ظاهر الرواية لأنها تمعضت تبعا
للأصل لتولدها منه مع عدم انفصالها فكأن الفسخ
لم يرد على زيادة أصلا ولم يتكلم على الزيادة
المنفصلة بقسميها متولدة وغير متولدة
فالمتولدة كالولد واللبن والثمر في بيع الشجر
والأرش والعقر وهي تمنع الرد كالمتصلة غير
المتولدة لتعذر الفسخ عليها. ففي فتح القدير
فيكون المشتري بالخيار قبل القبض إن شاء ردهما
جميعا وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن وأما بعد
القبض فيرد المبيع خاصة لكن بحصة من الثمن بأن
يقسم الثمن على قيمته وقت العقد وعلى قيمة
الزيادة وقت القبض فإذا كانت قيمته ألفا وقيمة
الزيادة مائة والثمن ألف سقط عشر الثمن إن
رده وأخذ تسعمائة. ا هـ. وهو سهو لأنه غير
مناسب لقوله أولا وهي تمنع الرد فكيف يقول إذا
كان قبل القبض له ردهما وإن كان بعده فله رد
المبيع خاصة فعلى كل حال لا يمتنع الرد وإنما
يناسب هذا التقرير لو قلنا أنها لا تمنع الرد
وفي البزازية إذا حدثت الزيادة بعد القبض اطلع
على عيب عند البائع فإن كانت منفصلة متولدة من
الأصل تمنع الرد ويرجع بحصة العيب إلا إذا
تراضيا على الرد فيكون كبيع جديد ا هـ.
وأما ما في فتح القدير من التقرير فإنما ذكره
في البزازية فيما إذا حدثت الزيادة قبل القبض
ثم اطلع على عيب فإن كان الاطلاع عليه قبل
القبض خير كما ذكره ولو بعد القبض رد المبيع
خاصة بحصته من الثمن وفي الصغرى والزيادة
المنفصلة تمنع الرد بالإجماع وهل تمنع
الاسترداد فعلى الاختلاف عند محمد يسترد
وعندهما لا وفي الولوالجية وتفسير العقر مهر
مثلها عند بعضهم وقال بعضهم عشر قيمتها إن
كانت بكرا ونصف عشر قيمتها إن كانت ثيبا وذكر
قبله الزيادة المنفصلة تمنع الرد بالعيب بعد
القبض وسائر أسباب الفسخ كالإقالة والرد بخيار
رؤية وغيره ا هـ. وفي القنية الزيادة في
المبيع إما قبل القبض أو بعده وكل منهما على
أربعة أوجه متصلة ومنفصلة وكل منهما إما
متولدة أم لا فأما قبل القبض فالمتصلة
المتولدة لا تمنع والمتصلة غير المتولدة تمنع
وأما المنفصلة المتولدة لا تمنع فإن شاء ردهما
أو رضي بهما بجميع الثمن ولو وجد بالزيادة
عيبا لا يرده إلا إذا أوجب نقصانا في المبيع
فله خيار الرد لنقصان المبيع ولو قبض الزيادة
والأصل ثم وجد بالمبيع عيبا يرده بحصته من
الثمن لأنه صار حصة للزيادة بعد قبضها ولو وجد
بها عيبا خاصة يردها خاصة بحصتها من الثمن
وأما المنفصلة التي لم تتولد منه كالهبة
والصدقة والكسب فلا تمنع الرد فإذا رده
فالزيادة للمشتري بغير ثمن عند أبي حنيفة ولا
تطيب له وعندهما للبائع ولا تطيب له ولو قبض
المبيع مع هذه الزيادة ووجد بالمبيع عيبا فعند
أبي حنيفة يرد المبيع خاصة بجميع الثمن،
ج / 6 ص -79-
...........................................
______
وعندهما يرد مع الزيادة لأنها حدثت قبل القبض
ولو وجد بالزيادة عيبا يردها لأنه لا حصة لها
من الثمن فلو ردها لردها بغير شيء ولو هلكت
الزيادة والمبيع بعيب يرده خاصة بجميع الثمن
بالإجماع وأما الزيادة بعد القبض فإن كانت
متصلة متولدة تمنع الرد عندهما بالعيب ويرجع
بنقصان العيب عندهما وعند محمد لا يمنع "ط"1
لا تمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية وللمشتري
طلب نقصان العيب وإن طلب فليس للبائع أن يقول
أنا أقبله كذلك عندهما وقال محمد له ذلك ولو
كانت متصلة غير متولدة تمنع الرد إجماعا ولو
كانت منفصلة متولدة منه تمنع الرد ويرجع بحصة
العيب ولو كانت منفصلة غير متولدة كالكسب لا
تمنع الرد بالعيب وتطيب له الزيادة هذا إذا
كانت الزيادة قائمة فإن هلكت ففيه ثلاثة أوجه:
إما أن تهلك بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو
بفعل الأجنبي ففي الأول له رد الأصل وفي
الثاني خير البائع إن شاء قبله ورد الثمن وإن
شاء رد حصة العيب وفي الثالث لا رد لأن ضمانه
كبقاء عينه ويرجع بحصة العيب. ا هـ. ولذا قال
في المحيط اشترى شاة حاملا فولدت عند البائع
ولن تنقصها الولادة لا خيار للمشتري فإن
قبضهما فوجد بأحدهما عيبا يرده بحصته من الثمن
لأنه قبضهما متفرقا ولو ولدت بعد القبض لا يرد
لأن الزيادة الحادثة بعد القبض تمنع الرد
واللبن كالولد ا هـ.
وفي جامع الفصولين اعلم أن الزيادة نوعان
منفصلة ومتصلة وكل منهما متولدة أو لا
فالمتصلة التي لم تتولد تمنع الرد وفاقا وإن
قبله البائع وله الرجوع بنقصه والمتصلة
المتولدة لا تمنع الرد في ظاهر الرواية فإن
أراد المشتري الرجوع بنقصه لا رده فله ذلك عند
محمد لا عندهما والمنفصلة المتولدة تمنع الرد
وكذا تمنع الفسخ بسائر أسباب الفسخ والمنفصلة
التي لم تتولد لا تمنع الرد والفسخ بسائر
أسباب الفسخ ثم قال الصحيح أن المتصلة لا تمنع
الرد بالعيب ولا فرق في كون الولد مانعا من
الرد بين ما إذا اشتراها حاملا أو حائلا فولدت
عنده فإذا ولدت الأمة امتنع ردها بعيب سواء
هلك الولد أو لا بخلاف غيرها حيث لا يمنع رد
الأم بعيب إذا هلك الولد إذ الولادة لا تنقص
في غير بنات آدم ولو شرى أمة حاملا فولدت زال
العيب ثم قال خيار الرؤية والشرط يبطل بولادة
الأمة مات الولد أو لا والولد الميت والبيضة
الفاسدة لا تبطل الخيار إلا إذا نقصت بالولادة
ا هـ.
ثم اعلم أن خياطة الثوب كما تمنع رده بعيب
تمنع الرجوع بثمنه عند استحقاقه فلو اشترى
قميصا فقطعه وخاطه ثم برهن مستحق أن القميص له
وقضى له به لم يرجع المشتري بالثمن على بائعه
لكونه استحق بسبب حادث كما لو برهن أن الكم له
والآخر أن الدخريص له بخلاف ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رمز من رموز "القنية".
ج / 6 ص -80-
أو مات
العبد أو أعتقه
______
إذا قطعه ولم يخطه فبرهن أن القميص له رجع
بالثمن وتمامه في تلخيص الجامع.
"قوله:
أو مات العبد أو أعتقه" يعني
يرجع بالنقصان إذا اطلع على عيب به بعد موته
أو إعتاقه أما الموت فلأن الملك انتهى به
والامتناع حكمي لا بفعله وأما الإعتاق فالقياس
أن لا يرجع لأن امتناع الرد بفعله فصار كالقتل
وفي الاستحسان يرجع لأن العتق إنهاء الملك لأن
الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك وإنما يثبت
فيه الملك مؤقتا إلى الإعتاق فكان إنهاء
كالموت وهذا لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل
كأن الملك باق والرد متعذر والدليل على ثبوت
أصل الملك مع الإعتاق ثبوت الولاء للمعتق وهو
أثر من آثار الملك وفي الصغرى المشتري إذا باع
من غيره فمات في يد الثاني ثم اطلع على عيب
رجع بنقصان العيب على المشتري الأول وليس
للمشتري الأول أن يرجع على بائعه الأول بنقصان
العيب عند أبي حنيفة خلافا لهما حتى لو صالح
المشتري الأول مع بائعه عن ذلك على شيء لا يصح
عند أبي حنيفة لأنه لا حق له ا هـ. كذا في
الكافي وقد يقال ما المانع من جعله من آثار
العتق ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى توابع
الإعتاق وفيها تفصيل فالتدبير والاستيلاد
كالعتق لتعذر النقل مع بقاء المحل بالأمر
الحكمي وأما الكتابة فمانعة من الرجوع لجواز
النقل لجواز بيعه برضاه وتعجيزه نفسه فصار بها
حابسا كالإعتاق على مال وقيد في السراج الوهاج
بأداء بدل الكتابة ليعتق ليصير عتقا على مال ا
هـ.
وفي المحيط مكاتب اشترى أباه أو ابنه لا يرده
بالعيب لأنه صار مكاتبا والكتابة تمنع زوال
الملك بسائر الأسباب فكذلك الفسخ ولا يرجع
بنقصانه لأن الرجوع بالنقصان خلف عن الرد
بدليل أنه لا يصار إليه مع القدرة على الرد
وإنما يثبت الخلف إذا وقع اليأس عن الأصل ولم
يقع لقبولها الفسخ بخلاف ما إذا دبره ثم وجد
به عيبا فإن عجز المكاتب بعدما علم بالعيب
رده المولى ويتولاه المكاتب لزوال المانع فإن
باعه المولى أو مات المكاتب رده المولى بنفسه
كالوكيل إذا مات فإن أبرأه المكاتب قبل العجز
لا يرده المولى وإن أبرأه المولى قبل عجز
المكاتب جاز ولو اشترى المكاتب أم ولده ومعها
ولدها لا يردها بالعيب ويرجع بنقصانه ولو
أبرأه المكاتب جاز ولو اشترى المولى من مكاتبه
عبدا لا يرده بالعيب ولا يخاصم البائع ا هـ.
ولو قال المؤلف أو هلك المبيع ليتناول هلاك
غير الآدمي لكان أولى وفي القنية اشترى جدارا
مائلا فلم يعلم به حتى سقط فله الرجوع
بالنقصان وفي جامع الفصولين ذهب به إلى بائعه
ليرده بعيبه فهلك في الطريق هلك على المشتري
ويرجع بنقصه وقدمنا حكم ما إذا قضي برده على
البائع بعيبه فهلك عند المشتري.
ج / 6 ص -81-
وإن
أعتقه على مال أو قتله أو كان طعاما فأكله أو
بعضه لم يرجع بشيء
______
والحاصل أن هلاك المبيع ليس كإعتاقه فإنه إذا
هلك المبيع يرجع بنقصان العيب سواء كان بعد
العلم به أو قبله وأما الإعتاق بعد العلم به
فمانع من الرجوع بنقصانه بخلافه قبله وليس
الإعتاق كاستهلاكه فإنه إذا استهلكه فلا رجوع
مطلقا إلا في الأكل عندهما وقيل غير مانع من
الرجوع بنقصه أيضا لوجوب الضمان به فهو كبيعه
كذا في السراج الوهاج وفي جامع الفصولين ولو
شرى بعيرا فلما أدخله في داره سقط فذبحه رجل
بأمر المشتري فظهر عيبه يرجع بنقصه عندهما وبه
أخذ المشايخ كما لو أكل طعاما ولو علم عيبه
قبل الذبح فذبحه هو أو غيره بأمره لا يرجع ا
هـ. وفي الواقعات الفتوى على قولهما في الأكل
فكذا هنا وفيه ولو اشترى برا على أنه ربيعي
فزرعه فإذا هو خريفي اختار المشايخ أنه يرجع
بنقص العيب وهو قولهما بناء على ما إذا اشترى
طعاما فأكله فظهر عيبه والفتوى على قولهما ولو
اشترى بزرا على أنه بزر بطيخ كذا فزرعه فظهر
على صفة أخرى جاز البيع لاتحاد الجنس من حيث
إنه بطيخ واختلاف الصفة لا يفسد العقد ولا
يرجع بنقص العيب عند أبي حنيفة شرى على أنه
بزر بطيخ شتوي فزرعه فإذا هو صيفي بطل البيع
فيأخذ المشتري ثمنه وعليه مثل ذلك البزر ولو
شرى بزر الدوين فزرعه في أرضه ولم ينبت رجع
على بائعه بكل ثمنه إن كان لنقصان فيه وكذا لو
شرى بزر البطيخ فزرعه فنبت القثاء أو شرى بزر
القثاء فوجده بزر القثاء البلخي بطل البيع
جملة شرى حب القطن فزرعه ولم ينبت قيل يرجع
بنقص عيبه وقيل لا يرجع لأنه أهلك المبيع ا
هـ.
وفي القنية باع منه دخنا للبذر وقال ازرعه فإن
لم ينبت فأنا ضامن لهذا البذر فزرع فلم ينبت
فعليه ضمان النقصان ا هـ.
وأشار بالإعتاق إلى الوقف فإذا وقف المشتري
الأرض ثم علم بالعيب رجع بالنقص وفي جعلها
مسجدا اختلاف والمختار الرجوع بالنقص كذا في
جامع الفصولين وعليه الفتوى كما في البزازية
وإذا رجع بالنقصان سلم له لأن النقصان لم يدخل
تحت الوقف كذا في البزازية أيضا.
"قوله:
وإن أعتقه على مال أو قتله أو كان طعاما فأكله
أو بعضه لم يرجع بشيء" أما
الأول فلأنه حبس ما هو بدله وحبس البدل كحبس
المبدل منه وقدمنا أن الكتابة بمعناه فلا رجوع
وأما قتله وأكل الطعام فالمراد إتلاف المبيع
من المشتري مانع من الرجوع بنقصان العيب وهو
ظاهر الرواية لأن القتل لا يوجد إلا مضمونا
وإنما يسقط هنا باعتبار الملك إن لم يكن
مديونا فإن كان مديونا ضمنه السيد كذا في
الكافي فصار كالمستفيد به عوضا بخلاف
ج / 6 ص -82-
ولو
اشترى بيضا أو قثاء أو جوزا فوجده فاسدا ينتفع
به رجع بنقصان العيب وإلا بكل الثمن
______
الإعتاق فإنه لا يوجب ضمانا وقتل غيره مانع من
الرجوع بنقصه أيضا لوجوب الضمان به فهو كبيعه
كذا في السراج الوهاج وأما الأكل فالمذكور
قوله وأما عندهما فيرجع استحسانا وعلى هذا
الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق لهما أنه صنع
بالمبيع ما يقصد بشرائه ويعتاد فعله له فأشبه
الإعتاق وله أنه تعذر الرد بفعل مضمون منه في
المبيع فأشبه البيع والقتل ولا يعتبر بكونه
مقصودا ألا ترى أن المبيع إنما يقصد بالشراء
ثم هو يمنع الرجوع وأكل البعض كأكل الكل لكونه
كشيء واحد فصار كبيع البعض وعنهما يرجع
بالنقصان في الكل وعنهما يرد ما بقي لأنه لا
يضره التبعيض ويرجع بنقصان ما أكل وعليه
الفتوى كذا في الاختيار. والحاصل أن الفتوى
على قولهما في الرجوع بالنقصان كما في الخلاصة
ورد ما بقي قالوا والأصل في جنس هذه المسائل
أن الرد متى امتنع بفعل مضمون من المشتري
كالقتل والتمليك من غيره امتنع الرجوع
بالنقصان ومتى امتنع لا من جهته أو من جهته
بفعل مضمون كالهلاك بآفة سماوية أو انتقص أو
ازداد زيادة مانعة للرد أو الإعتاق أو توابعه
كالتدبير والاستيلاد لا يمتنع الرجوع بالنقصان
وعلى هذا قال البزازي لو وطئ المشتري الجارية
ثم باعها بعد العلم بالعيب لا يرجع وإن وطئها
غير البائع ثم باعها يرجع بالنقصان ا هـ.
وفي المجتبى لو أطعمه ابنه الكبير أو الصغير
أو امرأته أو مكاتبه أو ضيفه لا يرجع بشيء ولو
أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده يرجع لأن ملكه
باق ولو اشترى سمنا ذائبا وأكله ثم أقر البائع
أنه كانت وقعت فيه فأرة رجع بالنقصان عندهما
وبه يفتى وفي الكفاية كل تصرف يسقط خيار الشرط
يسقط خيار العيب إذا وجد في ملكه بعد العلم
بالعيب ولا رد ولا أرش ا هـ.
وفي القنية ولو كان غزلا فنسجه أو فيلقا فجعله
إبريسما ثم ظهر أنه كان رطبا وانتقص وزنه رجع
بنقصان العيب بخلاف ما إذا باع ا هـ. قيد
بالطعام لأنه لو اشترى كرما بثمره وذكر الثمر
وأكل منها ثم وجد بالكرم عيبا فله رد الكرم
كذا في القنية وقيد بكونه فعل بالمبيع لأنه لو
أتلف كسب المبيع بعد العلم بالعيب لا يكون رضا
ولا يسقط شيء من الثمن وكذا لو كان كسب المبيع
جارية فوطئها أو حررها بخلاف إعتاق ولد
المبيعة فإنه يكون رضا بعد العلم بالعيب كذا
في البزازية.
"قوله:
ولو اشترى بيضا أو قثاء أو جوزا فوجده فاسدا
ينتفع به رجع بنقصان العيب وإلا بكل الثمن"
أي إن لم يكن منتفعا به فإنه يرجع بجميع الثمن
لأنه ليس بمال فكان البيع باطلا ولا يعتبر في
الجوز صلاح قشره على ما قيل لأن ماليته
باعتبار اللب وإن كان ينتفع به
ج / 6 ص -83-
ولو
باع المبيع فرد عليه بعيب بقضاء يرد على بائعه
ولو برضاه لا
______
مع فساده لم يرده لأن الكسر عيب حادث ولكنه
يرجع بنقصان العيب دفعا للضرر بقدر الإمكان
إلا أن يقبلها البائع مكسورا ويرد الثمن كما
في البزازية. ولا بد من تقييد المسألة بكسره
لأنه لو اطلع على عيبه قبل كسره كان له رده
فلو قال فكسره فوجده فاسدا أيضا لكان أولى ولا
بد أيضا من أن لا يتناول منه شيئا بعد العلم
بعيبه لأنه لو كسره فذاقه ثم تناول منه شيئا
لم يرجع بنقصانه لرضاه به وينبغي جريان الخلاف
فيها كما لو أكل الطعام وأطلق في الانتفاع
فشمل انتفاعه به وانتفاع غيره من الفقراء
والدواب علفا لهم وأطلق البيض واستثنوا منه
بيض النعامة إذا وجده فاسدا بعد الكسر فإنه
يرجع بنقصان العيب لأن ماليته باعتبار القشر
بخلاف غيره وقيد بوجود المبيع أي جميعه لأنه
لو وجد البعض منه فاسدا فإن كان قليلا جاز
البيع لعدم خلوه عنه عادة ولا خيار له وإن كان
كثيرا فالصحيح عنده البطلان وعندهما يجوز في
حصة الصحيح منه. والقليل الثلاثة وما دونها في
المائة والكثير ما زاد والفاكهة من هذا القبيل
كذا في المعراج وفي فتح القدير ولو اشترى
دقيقا فخبز بعضه وظهر أنه مر رد ما بقي ورجع
بنقصان ما خبز ا هـ. وفي الواقعات هو المختار
ولو قال المصنف فوجده معيبا لكان أولى لأن من
عيب الجوز قلة لبه وسواده كما في البزازية
وصرح في الذخيرة بأنه عيب وليس من باب الفساد
وفيها اشترى عددا من البطيخ أو الرمان أو
السفرجل فكسر واحدا واطلع على عيب رجع بحصته
من الثمن لا غير ولا يرد الباقي إلا أن يبرهن
أن الباقي فاسد ا هـ. ولهذا قال فوجده أي
المبيع احترازا عما إذا كسر البعض فوجده فاسدا
فإنه يرده أو يرجع بنقصه فقط ولا يقيس الباقي
عليه.
"قوله:
ولو باع المبيع فرد عليه بعيب بقضاء يرد على
بائعه ولو برضاه لا" أي لا
يرده على بائعه الأول لأنه بالقضاء فسخ من
الأصل فجعل البيع كأن لم يكن غاية الأمر أنه
أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء
كما في الهداية ومنهم من جعله قول أبي يوسف
وعند محمد ليس له أن يخاصم بائعه لتناقضه
وعامتهم على أنه إن سبق منه جحود نصا بأن قال
بعته وما به هذا العيب وإنما حدث عندك ثم رد
عليه بقضاء ليس له أن يخاصم بائعه ومنهم من
حملها على ما إذا كان ساكنا والبينة تجوز على
الساكت ويستحلف الساكت أيضا لتنزيله منكرا كذا
في المعراج أطلقه فشمل القضاء بإقرار وببينة
ونكول عن اليمين. ومعنى القضاء بالإقرار أنه
أنكر الإقرار فأثبت بالبينة كما في الهداية أو
أقر وأبى القبول فقضى عليه كما في الكافي
وصورة الإقرار أن يقول اشتريته وبه ذلك العيب
ولم أعلم به وقضى به ثم ادعاه على بائعه وبرهن
ببينة أو استحلف بائعه كذا في الولوالجية وليس
المراد منه أنه بمجرد القضاء عليه بإقراره
برده فليتأمل وإن قبله بغير قضاء ليس له رده
على بائعه لأنه بيع جديد في حق الثالث
ج / 6 ص -84-
...........................................
______
وإن كان فسخا في حقهما والأول ثالثهما وأطلقه
فشمل ما يحدث مثله وما لا يحدث مثله وهو قول
العامة وتقييده في الجامع الصغير بما يحدث
ليعلم حكم ما لا يحدث بالأولى وفي بعض روايات
الأصل أن ما لا يحدث مثله فالرضا به كالقضاء
وترك المصنف قيدا آخر وهو أن يكون بعد قبض
المبيع لأنه لو كان قبل قبضه فهو فسخ في حق
الكل سواء كان بقضاء أو رضا. كذا في المعراج
معزيا إلى المبسوط وقيد آخر وهو أن يكون البيع
قبل الاطلاع على العيب إذ لو كان بعده ليس له
الرد على بائعه ولو رد عليه بما هو فسخ كذا في
الصغرى وأورد على كونه فسخا مسائل:
الأولى: لو كان المبيع عقارا
فرد بعيب لم يبطل حق الشفيع في الشفعة.
الثانية: لو باع أمته الحبلى
وسلمها ثم ردت بعيب بقضاء ثم ولدت فادعاه أبو
البائع لم تصح دعوته ولو كان فسخا لصحت كما لو
لم يبعها.
الثالثة: لو أحال البائع
غريمه على المشتري بالثمن ثم رد المبيع بعيب
بقضاء لم تبطل الحوالة ولو كانت فسخا لبطلت
وأجاب في المعراج بأنه فسخ فيما يستقبل لا في
الأحكام الماضية ولهذا قال شيخ الإسلام قول
القائل الرد بالقضاء يجعل العقد كأن لم يكن
تناقض لأن العقد إذا جعل كأن لم يكن جعل الفسخ
كأن لم يكن لأن الفسخ بدون العقد لا يتصور
فإذا انعدم العقد من أصله انعدم الفسخ من
الأصل وإذا انعدم الفسخ من الأصل عاد العقد
لانعدام ما ينافيه ولكن يقال يجعل العقد كأن
لم يكن في المستقبل لا في الماضي ا هـ.
والدليل على أن الفسخ إنما هو في المستقبل أن
زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الأصل
ولهذا لو وهب مالا قبل تمام الحول ثم رجع
الواهب بعد الحول لا تجب الزكاة عليه فيما مضى
كذا في المعراج ولو وهب دارا وسلمها فبيعت دار
بجنبها فأخذها الموهوب له بالشفعة ثم رجع
الواهب فيها لم يكن له الأخذ بشفعة كذا في فتح
القدير وقد كتبنا في الفوائد أن الرد بالعيب
بقضاء فسخ إلا في مسألة وإذا لم يرده في صورة
الرضا لا رجوع له بالنقصان أيضا كما في
المعراج وإذا كان له الرد فله الرجوع بالنقصان
كما في التهذيب يعني لو حدث عيب ورده بقضاء
فله الأرش ولو برضا لا وقيد بالمبيع وهو العين
احترازا عن الصرف فإنه يجعل فسخا إذا رد بعيب
لا فرق بين القضاء والرضا لأنه لا يمكن أن
يجعل بيعا جديدا لأن الدينار هنا لا يتعين في
العقود فإذا اشترى دينارا بدرهم ثم باع
الدينار من آخر ثم وجد المشتري الثاني
بالدينار عيبا ورده على المشتري بغير قضاء
فإنه يرده على بائعه لما ذكرنا كما في المحيط
والخانية. وفي الكافي المبيعان هنا واحد لأن
المعيب ليس بمبيع بل المبيع السليم فيكون
المبيع ملك البائع فإذا رده على المشتري يرده
على بائعه أما هنا المبيعان
ج / 6 ص -85-
...........................................
______
موجودان فإذا قيل بغير قضاء فقد رضي بالعيب
فلا يرده على بائعه ا هـ. وذكر في الظهيرية ثم
قال بعده وعلى هذا إذا قبض رجل دراهم على رجل
وقضاها من غريمه فوجدها الغريم زيوفا فردها
عليه بغير قضاء فله أن يردها على الأول. ا هـ.
وخرج عن قوله بقضاء مسألة ذكرها في المبسوط لو
أقام المشتري الثاني أن العيب كان عند المشتري
الأول ولم يشهد أنه كان عند البائع الأول فليس
للمشتري الأول المخاصمة مع بائعه إجماعا لأن
المشتري الأول لم يصر مكذبا فيما أقر به ولم
يوجد هنا قضاء على خلاف ما أقر به فبقي إقراره
بكونها سليمة فلا يثبت له ولاية الرد ولكن لم
يذكره محمد كذا في فتح القدير والمعراج.
اعلم أن القن إذا حكم برده بعيب الإباق على
بائعه فاشتراه آخر فأبق عنده فله الرد على
بائعه بالإباق السابق المحكوم به كما في
الظهيرية وإقرار المشتري الأول بإباقه لا ينفذ
على من لم يشتر منه من الباعة بخلاف إقرار
البائع الأول بدين على العبد فإن للمشتري
الآخر أن يرده على بائعه بإقرار الأول كما
فيها أيضا وفي التهذيب للقلانسي لو وهب وسلم
ثم رجع فيه بقضاء أو رضا فله الرد ا هـ. ثم
معنى قوله يرد على بائعه أن له أن يخاصم الأول
ويفعل ما يجب أن يفعل عند قصد الرد ولا يكون
الرد عليه ردا على بائعه بخلاف الوكيل بالبيع
فإنه إذا رد عليه ما باعه بعيب بقضاء ببينة أو
نكول أو بإقرار من المأمور بالبيع حيث يكون
ردا على موكله من غير حاجة إلى خصومة لأن
تعدادها عند تعدد البيع وهنا البيع واحد فإذا
ارتفع رجع إلى الموكل وهذا الإطلاق قيده فخر
الإسلام بعيب لا يحدث مثله أما فيما يحدث مثله
لا يرده بإقرار المأمور وإنما تعدى النكول إلى
الموكل مع أنه إما إقرار أو بذل وليس له البذل
لكونه ليس إقرارا ولا بذلا حقيقة وإنما جرى
مجراه بدليل أنه لو عاد وحلف بعد نكوله صح ولو
كان إقرارا لم يصح وصح القضاء بنكول المأذون
عنها ولو كان بذلا حقيقة لم يصح فلا يلزم
إجراؤه في كل الأحكام وفي الإيضاح إن رد على
الوكيل بعيب لا يحدث مثله بإقراره لا يرد وهو
أوجه. وفي البزازية والوكيل بالعيب رد عليه
بعيب بلا قضاء اقتصر عليه وأن لا يحدث مثله في
المدة هو الصحيح وإن بقضاء ولا يحدث مثله في
المدة ينظر جوابه والرد على الوكيل رد على
الموكل مطلقا وأن يحدث مثله في المدة فإن
بنكول أو ببينة فرد على الموكل وإن بإقرار
فعلى الوكيل وله أن يخاصم الموكل والوكيل
بالشراء له أن يخاصم قبل الدفع إلى الموكل
كالمضارب فإن برهن البائع على رضا الآمر أو
أقر به الوكيل سقط الرد ولا يحلف الآمر على
الرضا ولا وكيله ويرده الموكل بعد موت الوكيل
بعيب وإذا رده المشتري على الوكيل استرد الثمن
منه إن كان نقده إليه وإلا فمن الموكل. ا هـ.
وفي الولوالجية إذا رد على الوكيل بإقراره
بالعيب بلا قضاء لزمه دون الموكل هو الصحيح
مطلقا. وظاهر ما في البزازية من الوكالة وهنا
أن له أن يخاصم الموكل فليراجع
ج / 6 ص -86-
ولو
قبض المشتري المبيع وادعى عيبا لم يجبر على
دفع الثمن ولكن يبرهن أو يحلف بائعه
______
وقيد بخيار العيب لأنه لو رد على المشتري
بخيار رؤية أو شرط فإنه يرده على بائعه سواء
كان بقضاء أو رضا لكونه فسخا في حق الكل كما
في المعراج والبزازية معزيا إلى الجامع جدد
البائع مع المشتري ثانيا بأقل من الثمن الأول
أو أكثر ثم رد عليه بعيب لم يكن له أن يرد على
بائعه الأول ا هـ. وفي الصغرى الغاصب إذا باع
المغصوب وسلم فضمن القيمة للمالك ثم رد عليه
بعيب فله أن يرد على المالك ويسترد القيمة لأن
سبب الضمان البيع والتسليم وقد صار ذلك كأن لم
يكن. ا هـ.
وقيد بقوله فرد لأنه لو باعه فاطلع مشتريه على
عيب قديم به لا يحدث مثله وحدث عنده عيب ورجع
بنقصان العيب القديم فعند أبي حنيفة لا يرجع
البائع على بائعه بنقصان العيب القديم وعندهما
له أن يرجع كذا ذكره الإسبيجابي ومثله في
الصغرى.
"قوله:
ولو قبض المشتري المبيع وادعى عيبا لم يجبر
على دفع الثمن ولكن يبرهن أو يحلف بائعه"
أي لم يجبر المشتري على دفع الثمن بعد دعوى
العيب لأنه أنكر وجوب دفع الثمن حيث أنكر تعين
حقه بدعوى العيب ودفع الثمن أو لا ليتعين حقه
بإزاء تعين البيع ولأنه لو قضى بالدفع فلعله
يظهر العيب فينقض القضاء فلا يقضي به صونا
لقضائه وتعبير المصنف بلاكن أولى من تعبير
الهداية بقوله لم يجبر حتى يحلف بائعه أو يقيم
بينة لما يلزم على ظاهرها فساد من وجهين
أحدهما أنه يقتضي أن المشتري إذا أقام بينة
على ما ادعاه يجبر على دفع الثمن وليس كذلك
ثانيهما أنه يقتضي أن البائع إذا طلب منه
الحلف يجبر المشتري وإن لم يحلف وليس كذلك
وإنما يجبر بعد الحلف ولا يلزم شيء مما ذكرناه
على عبارة الكتاب والمعنى ولكن الأمر لا يخلو
من أحد شيئين أما بينة المشتري فيتبين براءته
بالرد على البائع أو يمين البائع عند عجزه
فيلزمه الدفع ولكن بإقامة البينة لا يتعين رد
الثمن بل أما هو أو رد المبيع كما في العناية
لأن العيب إذا ثبت خير المشتري فلم يتعين
الفسخ وأحسن الوجوه في تأويل الهداية أن معنى
عدم الجبر عدم الحكم بشيء حتى يتبين الحال أما
ببينة المشتري أو بيمين البائع. وفي إيضاح
الاصطلاح إقامة المشتري بينة على دعواه غاية
لتعين عدم الجبر كالتحليف لا لعدم الجبر حتى
يلزم الجبر على دفع الثمن عند إقامة البينة
على العيب وإنما قلنا إنه غاية لتعيين عدم
الجبر لاحتمال عدم قبول البينة فيجبر المشتري
على دفع الثمن ويحتمل أن تقبل فيبقى عدم الجبر
كما كان ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر" فإن
ج / 6 ص -87-
وإن
قال شهودي بالشام دفع إن حلف بائعه فإن ادعى
إباقا لم يحلف بائعه حتى يبرهن المشتري أنه
أبق عنده فإن برهن حلف بالله ما أبق عندك قط
______
سماع كلام الآخر غاية لتعين عدم القضاء لا
لعدم القضاء حتى يتعين القضاء لأحدهما عند
سماع كلام الآخر ا هـ.
وقيد بقبض المبيع لأن المشتري يستبد بالفسخ
قبل القبض كما ذكرنا ولا جبر هاهنا كذا في
المعراج وقد يقال إنه اتفاقي لأن للبائع
المطالبة بالثمن قبل تسليم المبيع فإذا طالبه
به قبل قبضه فادعى عيبا لم يجبر فصدق عدم
الجبر قبل القبض أيضا وفي الصغرى إذا قال
المشتري وجدت المبيع معيبا لا يجبر على أداء
الثمن حتى يقيم البينة أو يحلفه وكذا المديون
إذا ادعى إيفاء الدين ا هـ.
"قوله:
وإن قال شهودي بالشام دفع إن حلف بائعه"
لأن في الانتظار ضررا بالبائع وليس في الدفع
كبير ضرر به لأنه على حجته فإن نكل التزم
العيب لأنه حجة منه وتحليف البائع في
المسألتين إنما هو فيما إذا أقر بقيام العيب
به ولكن أنكر قدمه لما سيأتي والمراد بقوله
شهودي بالشام إنه قال إن له بينة غائبة عن
المصر سواء كانوا بالشام أو بغيرها. والشام
بلاد من مسامة القبلة وسميت لذلك أو لأن قوما
من بني كنعان تشاءموا إليها أي ساروا أو سمي
بسام بن نوح فإنه بالشين بالسريانية أو لأن
أرضها شامات بيض وحمر وسود وعلى هذا لا يهمز
وقد يذكر وهو شامي وشآم وشامي أتاها وتشأم
انتسب إليها وشامهم تشئيما سيرهم إليها كذا في
القاموس وقيد بدعواه غيبتهم عن المصر لأنه لو
قال لي بينة حاضرة أمهله القاضي إلى المجلس
الثاني إذ لا ضرر فيه على البائع ولو طلب
الإمهال إلى ثلاثة أيام أمهله وإذا حلف بائعه
في مسألة الكتاب وقضى بالدفع عليه ثم وجد
المشتري بينة فأقامها تقبل. وليس هذا مما ينفذ
فيه القضاء ظاهرا وباطنا عند أبي حنيفة لأن
ذلك في العقود والفسوخ ولم يتناكر العقد بل
حقيقة الدعوى هنا دعوى مال على تقدير فالقضاء
هنا بدفع الثمن إلى غاية حضور الشهود بالمسقط
ولا خلاف في مثله أعني ما إذا قال لي بينة
غائبة أو قال ليس لي بينة حاضرة ثم أتى ببينة
تقبل وأما إذا قال لا بينة لي فحلف خصمه ثم
أتى ببينة في أدب القاضي تقبل في قول أبي
حنيفة وعند محمد لا تقبل كذا في فتح القدير
وستأتي بشعبها في كتاب الدعوى.
"قوله:
فإن ادعى إباقا لم يحلف بائعه حتى يبرهن
المشتري أنه أبق عنده فإن برهن حلف بالله ما
أبق عندك قط" أي إذا ادعى
عيبا يطلع عليه الرجال ويمكن حدوثه فلا بد من
إقامة البينة أولا على قيامه بالمبيع مع قطع
النظر عن قدمه وحدوثه لينتصب البائع خصما فإن
لم يبرهن لا يمين له على البائع عند الإمام
على الصحيح وعندهما يحلف على نفي العلم لأن
الدعوى معتبرة حتى تترتب عليها البينة فكذا
يترتب التحليف وله أن الحلف يترتب على دعوى
ج / 6 ص -88-
...........................................
______
صحيحة ولا تصح إلا من خصم ولا يصير خصما فيه
إلا بعد قيام العيب وأورد عليه لزوم ذلك في
دعوى الدين مع أنه في دعوى الدين يأمر القاضي
المدعى عليه بالجواب قبل ثبوت أصل الدين مع أن
فراغ الذمة عن الدين أصل والشغل عارض كالعيب
عارض. وأجيب لو شرط إثباته لم يتوصل المدعي
إلى إثبات حقه لأنه ربما تعذرت عليه بخلاف
العيب لأنه مما يعرف بآثار تعاين أو بقول
الأطباء أو القابلة كذا في المعراج.
والحاصل أنه لا يلزم من ترتب البينة ترتب
اليمين فقد ذكر في القنية المواضع التي يكون
الإنسان فيها خصما بالبينة دون اليمين
وكتبناها في الفوائد ولأن التحليف إنما شرع
لقطع الخصومة لا لإنشائها ولو استحلف البائع
فحلف نشأت خصومة أخرى في قدمه وحدوثه وأورد
الشارح على هذا التعليل مسألة الشفعة فإن
المشتري إذا أنكر ملك الشفيع يحلف فإذا حلف
نشأت خصومة أخرى في الشراء والإيراد على هذا
التعليل لا يضر في صحة الدليل السابق مع كونه
مردودا من جهة أخرى هي أنه لا يضر أن تنشأ
خصومة أخرى من اليمين وكثيرا ما يقع ذلك في
الخصومات ولم يظهر للمحقق ابن الهمام ما
نقلناه عن المعراج من الفرق بين دعوى العيب
ودعوى الدين فقال إنه يلزمه الجواب للدعوى
فيهما وعلى المدعي البرهان فيهما. فالوجه
التسوية بينهما في اليمين أيضا فيحلف البائع
كما هو قولهما وقوله على قول البعض ولذا قال
إن القاضي يسأل البائع فإن أقر بقيامه توجهت
الخصومة في القدم والحدوث وهو يدل على أنه
يلزمه الجواب فالفرق بينهما غلط ثم اعلم أن
الإمام يصح بيعه للغنائم ولو في دار الحرب كما
في التلخيص وشرحه.
وقولهم لا يصح بيعها قبل القسمة وفي دار الحرب
محمول على غير الإمام وأمينه فلو اطلع المشتري
على عيب لا يرده على البائع لأن تصرفه حكم
ولكن ينصب الإمام رجلا للخصومة معه ولا يقبل
إقراره بالعيب ولا يمين عليه لو أنكر وإنما هو
خصم لإثباته بالبينة كالأب ووصيه في مال
الصغير بخلاف الوكيل فإن إقراره مقبول فيه
وإذا أقر منصوب الإمام بالعيب انعزل كالوكيل
بالخصومة إذا أقر على موكله في غير مجلس
القضاء فإنه وإن لم يصح لكنه ينعزل به ثم إذا
رد بالعيب فإنه يضم إلى الغنيمة إن كان قبل
القسمة وإن كان بعدها فإنه يباع بالثمن فإن
نقص الثمن أو زاد كان ذلك في بيت المال كذا في
التلخيص وشرحه وبما ذكرناه من أن الأمين خصم
في البينة ولا يمين عليه يقوي قول الإمام وليس
مراده خصوص عيب الإباق بل كل عيب لا بد فيه من
المعاودة عند المشتري لا بد من إثبات وجوده
عند المشتري لتقع الخصومة في قدمه وحدوثه
كالبول في الفراش والسرقة والجنون على المختار
وأما ما لا يشترط وجوده عند المشتري كولادة
الجارية وزناها وتولد الرقيق من الزنا فإن
ج / 6 ص -89-
...........................................
______
البائع يحلف عليه ابتداء عند عدم البرهان
وتحليف البائع كما في الكتاب بالله ما أبق
عندك قط عبارة بعضهم وعبارة الجامع الكبير
بالله لقد باعه وقبضه وما أبق قط قالوا وإن
شاء حلفه بالله ما له عليك حق الرد من الوجه
الذي يدعي به. وفي فتح القدير وكل من هذه
العبارات حسنة بقيت عبارتان محتملتان بالله
لقد باعه وما به هذا العيب وبالله لقد بعته
وسلمته وما به هذا العيب ويرد على عبارة
الكتاب أنه لا مخلص فيها للمشتري لأن العيب لو
وجد عند بائع البائع يرده المشتري به كما في
القنية والبزازية. وذكره الزيلعي أيضا وظاهر
ما في فتح القدير أنه لم يطلع هو وأصحابه على
نقل فيها لأنه قال إنها مما تطارحناه إلى آخره
ولو حلف البائع بهذه العبارة لكان صادقا لأنه
ما أبق عنده قط وكذا لو كان أبق من المورث أو
الواهب أو مودعه أو مستأجره أو من الغاصب لا
إلى منزل مولاه ويعرفه ويقوى على الرجوع فإنه
عيب ففيه ترك النظر للمشتري فلو حذف الظرف
وقال بالله ما أبق قط لكان أولى لكن يرد عليها
أيضا ما لو كان أبق عند الغاصب إذا لم يعلم
منزل مولاه أو لم يقدر على الرجوع إليه وقدمنا
أنه ليس بعيب ففيه ترك النظر للبائع فإن أتى
بالظرف كان فيه ترك النظر للمشتري وإن حذفه
كان فيه ترك النظر للبائع فمن اختار حذف الظرف
فر من محذور فوقع في آخر ومن ذكره فكذلك. وأما
العبارتان المحتملتان فيرد على الأولى منهما
أنه لو كان باعه سليما ثم حدث به عند البائع
قبل التسليم فإنه يرده عليه مع أنه صادق في
قوله باعه وما به هذا العيب فإذا قال بائعه
بالله لقد سلمته وما به هذا العيب اندفع
الاحتمال المذكور ويرد على الثانية أنها توهم
تعلقه بالشرطين جميعا فيتأوله الحالف في يمينه
عند قيامه في إحدى الحالتين وجوابه أن تأويله
غير صحيح لأن البائع نفى العيب عند البيع وعند
التسليم فلا يكون بارا في يمينه إذا كان
موجودا في أحدهما كما أشار إليه في المبسوط
والأسلم والأخلص عبارة الجامع وما يليها كما
لا يخفى وتعقب في المحيط عبارة الجامع بجواز
رضا المشتري وإبرائه وفي البزازية والاعتماد
على المروي عن الثاني بالله ما لهذا المشتري
قبلك حق الرد بالوجه الذي يدعيه تحليفا على
الحاصل ا هـ. وصحح في المبسوط عبارة الجامع
وفي الهداية إذا كانت الدعوى في إباق الكبير
يحلف بالله ما أبق منذ بلغ مبلغ الرجال لأن
الإباق في الصغر لا يوجب رده بعد البلوغ ا هـ.
ولا خصوصية للإباق بل كل عيب اختلف فيه الحال
بين الصغر والكبر فالحكم كذلك كما في فتح
القدير والتحليف هنا بقوله ما أبق قط تحليف
على البتات مع أنه على فعل غيره فمنهم من قال
لكونه مدعيا العلم به ومن ادعى علما بفعل غيره
فإنه يحلف على البتات لا على نفي العلم
كالمودع إذا ادعى قبض المودع لها حلف على قبضه
وهو فعل غيره والوكيل إذا ادعى قبض الموكل ثمن
ما باعه حلف الوكيل على قبض الموكل ومنهم من
قال
ج / 6 ص -90-
...........................................
______
ليس حاصله فعل الغير بل فعل نفسه وهو تسليمه
سليما وهو قول السرخسي والأول أوجه فإن معنى
تسليمه سليما ليس المراد منه السلامة في حال
التسليم بل بمعنى سلمته والحال أنه لم يسرق
عندي فيرجع إلى الحلف على فعل الغير كذا في
فتح القدير. وأورد الإمام ظهير الدين على
الأول فقال إلا أن هذا لا يقوى بمسألتين
إحداهما باع رجلان عبدا من آخر صفقة واحدة ثم
مات أحدهما وورثه البائع الآخر ثم ادعى
المشتري عيبا فإنه يحلف في حصته بالجزم وفي
نصيب مورثه بالعلم عند محمد وإن كان يدعي
العلم بانتفائه والثانية باع المتفاوضان عبدا
وغاب أحدهما فادعى المشتري عيبا يحلف الحاضر
على الجزم في نصيب نفسه وعلى العلم في نصيب
الغائب وإن ادعى أن له علما بذلك كذا في
المعراج وفي فتح القدير والوجه عندي أن يستشكل
ما نحن فيه على هاتين المسألتين لا عكسه لأن
تحليفه في نصفه على البتات وفي نصف الآخر على
العلم وهو واحد هو المشكل والمسألتان مشكلتان
لاستواء علمه وجهله بالنسبة إلى النصفين إلا
أن يكون معنى المسألة أن يكون العبد عند كل من
الشريكين مدة فيحلف على البتات في مدته ما أبق
عندي وعلى نفي العلم في مدة شريكه فلو لم تكن
إقامته إلا عند الشريك لا يحلف إلا على البتات
ويكتفي به إلا أن هذا غير معلوم فيحلف كما
ذكروا ولو لم تكن إقامته إلا عند غير الحالف
لكون العقد اقتضى وصف السلامة ا هـ.
أقول: ما ذكره من الوجه أولا ليس بالوجه لأن
الكلام السابق في قوة قولهم كل من ادعى علما
بفعل غيره ولزمته اليمين فإنه يحلف على البتات
فيرد على هذه القاعدة على طريق النقض مسألتان
ادعى علما بفعل غيره والتحليف في العلم
والدليل على أنها قاعدة اعتبارها في مسائل
أخرى.
منها ما في الخلاصة لو قال إن لم يدخل فلان
الدار اليوم فكذا ثم ادعى دخوله حلف على
البتات بالله أنه دخلها ومنها أن الوكيل إذا
باع وادعى المشتري عيبا فإن الوكيل يحلف على
نفي العلم والوصي لو باع وادعى المشتري عيبا
يحلف على البتات لأنه في الأول لا يدعي علما
لكونه ليس في يده وهو في يد الوصي فيعلم عيبه
كما في القنية.
ثم اعلم أن مذهب أبي يوسف التحليف على البتات
في المسألتين وهما من مسائل الجامع الكبير كما
في المحيط من باب المخاصمة في الرد بالعيب وفي
فتح القدير وقد ظهر بما ذكرنا كيفية ترتيب
الخصومة في عيب الإباق ونحوه وهو كل عيب لا
يعرف إلا بالتجربة والاختبار كالسرقة والبول
في الفراش والجنون والزنا وبقي أصناف أخرى
ذكرها قاضي خان وهي مع ما ذكرنا. تتمة أربعة
أنواع: الأول أن يكون ظاهرا لا يحدث مثله أصلا
من وقت البيع إلى وقت الخصومة كالإصبع الزائدة
والعمى والناقصة والسن الشاغية أي الزائدة
والقاضي يقضي فيها
ج / 6 ص -91-
...........................................
______
بالرد إذا طلب المشتري من غير تحليف للتيقن به
وفي يد البائع أو المشتري إلا أن يدعي البائع
رضاه به أو العلم به عند الشراء والإبراء منه
فإن ادعاه سأل المشتري فإن اعترف امتنع الرد
وإن أنكر أقام البينة عليه فإن عجز يستحلف ما
علم به وقت المبيع أو ما رضي به ونحوه فإن حلف
رده وإن نكل امتنع الرد.
الثاني أن يدعي عيبا باطنا لا يعرفه إلا
الأطباء كوجع الكبد والطحال فإن اعترف به
عندهما رده. وكذا إذا أنكره فأقام المشتري
البينة أو حلف البائع فنكل إلا أن ادعى الرضا
فيعمل ما ذكرنا وإن أنكره عند المشتري يريه
طبيبين مسلمين عدلين والواحد يكفي والاثنان
أحوط فإذا قال به ذلك يخاصمه في أنه كان عنده.
الثالث أن يكون عيبا لا يطلع عليه إلا النساء
كدعوى الرتق والقرن والعفل والثيابة وقد اشترى
بشرط البكارة فعلى هذا إلا أنه إذا أنكر قيامه
للحال أريت النساء والمرأة العادلة كافية فإذا
قالت ثيبا أو قرناء ردت عليه بقولها عند هما
كما تقدم أو إذا انضم إليه نكوله عند تحليفه
غير أن القرن ونحوه إن كان مما لا يحدث مثله
ترد عند قول المرأتين هي قرناء بلا خصومة في
أن ذلك عند البائع للتيقن بذلك كما في الإصبع
الزائدة إلا أن يدعي رضا فعلى ما ذكرنا وفي
شرح قاضي خان العيب إذا كان مشاهدا وهو مما لا
يحدث يؤمر بالرد وإن كان مما يحدث واختلف في
حدوثه فالبينة للمشتري لأنه يثبت الخيار
والقول للبائع لأنه ينكر الخيار وهذا يعرف مما
قدمناه ولو اشترى جارية وادعى أنها خنثى يحلف
البائع لأنه لا ينظر إليه الرجال ولا النساء
إلى هنا ما في فتح القدير تبعا لما في
المعراج. وفيه ولو أراد المشتري الرد ولم يدع
البائع عليه شيئا يسقطه لم يحلف المشتري لأن
التحليف لقطع الخصومة وفيه إنشاؤها وعند أبي
يوسف يحلف صيانة لقضائه عن النقض لو ظهر ذلك
في ثاني الحال بالله ما علم بالعيب حين اشتراه
ولا رضي به ولا عرضه على البيع وأكثر القضاة
يحلفون بالله ما سقط حقك في الرد بالعيب من
الوجه الذي يدعيه نصا ولا دلالة وهو الصحيح
وأحب إلي أن يستحلفه وإن لم يدع ولو ادعى سقوط
حق الرد يحلف اتفاقا ا هـ.
وقدمنا أن خيار العيب على التراخي ولو خاصم ثم
ترك ثم عاد وخاصم فله الرد كما في المعراج
أيضا.
وذكر في الخلاصة والبزازية أن القاضي لا
يستحلف الخصم بدون طلب المدعي إلا في مسائل
منها خيار العيب وقد ذكرناه الثانية النفقة في
مال الغائب لا يقضي بها حتى يستحلف المرأة
الثالثة الشفعة لا يقضي بها حتى يستحلف الشفيع
وكتبناها في الفوائد
ج / 6 ص -92-
والقول
في قدر المقبوض للقابض
______
الفقهية مفصلة ثم اعلم أن القاضي إنما يحتاج
إلى قول الأطباء عند عدم علمه بالعيب أما إذا
كان من ذوي المعرفة نظر بنفسه كما في البزازية
ونظر أمين القاضي كهو كما في البدائع واشتراط
العدلين منهم إنما هو للرد وإن أخبر واحد عدل
توجهت الخصومة فيحلف البائع كما فيها أيضا
ولكن في أدب القاضي ما يخالفه وفيها لو أخبرت
امرأة بأنها حامل وامرأتان بالعدم صحت الخصومة
ولا يقبل قول النافية فإن قال البائع ليست لها
بصارة اختار القاضي ذات بصارة ا هـ.
وقدمنا أن للبائع أن يمتنع من القبول مع علمه
بالعيب حتى يقضي عليه ليتعدى إلى بائعه وقد
صرح به في البزازية أيضا وفي تهذيب القلانسي
ولو أقام البائع بينة أنه حدث عند المشتري
وأقام المشتري البينة أنه كان معيبا في يد
البائع تقبل بينة المشتري ا هـ.
"قوله والقول في قدر المقبوض للقابض" لأنه هو
المنكر لما يدعيه المدعي أطلقه فشمل ما إذا
كان أمينا أو ضمينا كالغاصب وإن كان المقام
مخصصا لما يتعلق بالعيب فلو اشترى جارية
وتسلمها ثم وجد بها عيبا فقال البائع بعتكها
وأخرى معها وقال المشتري وحدها فالقول للمشتري
ولو حذف المصنف قوله في مقدار المقبوض لكان
أولى لأن القول للقابض فيما قبضه مطلقا مقدارا
أو صفة أو تعيينا فلو جاء ليرد المبيع بخيار
شرط أو رؤية فقال البائع ليس هو المبيع فالقول
للمشتري في تعيينه بخلاف ما إذا جاء ليرده
بخيار عيب فإن القول للبائع كما في العمادية
وفرق بينهما في فتح القدير. وإذا اختلفا في
تعيين الرق فالقول للمشتري كما في الظهيرية
وإذا اشترى عبدين أحدهما بألف حالة والآخر
بألف إلى سنة صفقة أو صفقتين فوجد بأحدهما
عيبا فرده ثم اختلفا فقال البائع رددت ما ثمنه
آجل وقال المشتري ما كان ثمنه عاجلا فالقول
للبائع سواء هلك ما في يد المشتري أو لا ولا
تحالف ولو كان الثمنان مختلفين فرد أحدهما
بعيب فادعى البائع أن ثمن المردود كذا وعكس
المشتري فالقول للمشتري كذا في الظهيرية.
ومن مسائل الجامع الكبير لو اشترى عبدا بألف
وقبضه ووهب البائع له عبدا آخر وسلمه فمات أحد
العبدين ثم أراد المشتري رد الباقي بعيب
فادعى البائع أن المبيع هو الهالك والباقي هو
الهبة وعكس المشتري ولا بينة فالقول للبائع
ولو لم يجد عيبا وإنما أراد الواهب الرجوع
وقال الحي هو الموهوب وأنكر المشتري فالقول
للبائع فإذا رجع فيه رجع المشتري بالثمن
المدفوع وإذا رجع رجع البائع بقيمة العبد
الميت بعد التحالف. وإذا اختلفا في طول المبيع
وعرضه فالقول للبائع وتمامه في الظهيرية من
فصل الاختلافات من البيوع
ج / 6 ص -93-
ولو
اشترى عبدين صفقة فقبض أحدهما ووجد بأحدهما
عيبا أخذهما أو ردهما
______
وفي تلخيص الجامع من باب الاختلاف في المرابحة
اشترى ثوبا قيمته عشرة بعشرة ودفع إليه آخر
ثوبا اشتراه بعشرة وقيمته عشرون ليبيع له مع
ثوبه فقال لرجل هما قاما بعشرين فأبيعك بربح
عشرة فاشتراهما ثم وجد بثوب الآمر عيبا فقال
شريتهما صفقة وانقسم الربح على القيمة أثلاثا
فأرده بثلثي الثمن فقال البائع ثمن كل ثوب
عشرة فانقسم الربح على الثمنين فرد بنص فالقول
للمشتري مع اليمين بجحده مزيد حادث بخلاف ما
لم يدع عيبا لفقد الجدوى إلى أن قال ولا تحالف
وإن برهنا فالبينة للمشتري لإثباته زيادة
حقيقة مقصودة وتمامه فيه قيد بكونه مقبوضا لأن
المشتري بالخيار إذا أراد الإجازة في سلعة في
يد البائع فقال البائع ما بعتكها قالوا القول
للبائع كما لو ادعى بيع عين وأنكر وإن كان
الخيار للبائع فأراد إلزام البيع في معين
وأنكره المشتري فالقول للمشتري كذا في
الظهيرية من خيار التعيين وشمل ما إذا ادعى
المشتري بعد قبض المبيع أنه وجده ناقصا فالقول
له لأنه القابض.
قال في الخلاصة من كتاب الصلح رجل باع من آخر
إبريسما ووزنه عليه وقت البيع وحمله المشتري
ثم رجع إليه بعد مدة وقال وجدته ناقصا فإن كان
النقص يكون بين الوزنين فلا شيء له وإن كان
أكثر ينظر إن لم يسبق من المشتري إقرار بقبض
كذا منا فله أن يمنعه من الثمن بإزاء النقصان
ولو نقده رجع بذلك القدر وإن أقر بقبضه ليس
عليه شيء ا هـ. فإن قلت: هل تقبل بينة القابض
على ما ادعاه مع قبول قوله قلت: نعم تقبل
لإسقاط اليمين عنه كالمودع إذا ادعى الرد أو
لهلاك وأقام بينة تقبل مع أن القول قوله
والبينة لإسقاط اليمين مقبولة كذا في الذخيرة
من باب الصرف وذكر لقبولها فائدة أخرى هي أن
الوكيل بالصرف لو رد عليه الدينار بعيب فأقر
به وقبله كان عليه لا على الموكل فلو أقام
مشتريه بينة على أنه هو الذي قبضه من الوكيل
قبلت لإسقاط اليمين عنه ولرجوعه إلى الموكل
فليحفظ.
"قوله:
ولو اشترى عبدين صفقة فقبض أحدهما ووجد
بأحدهما عيبا أخذهما أو ردهما"
لأن الصفقة تتم بقبضهما فيكون تفريقا قبل
التمام وهذا لأن القبض له شبه بالعقد فالتفريق
فيه كالتفريق في العقد أطلقه فشمل ما إذا كان
المعيب المقبوض أو غيره ويروى عن أبي يوسف أنه
إذا وجد بالمقبوض عيبا يرده خاصة كأنه جعل غير
المعيب تبعا له والأصح أنه يأخذهما أو يردهما
لأن تمام الصفقة تتعلق بقبض المبيع وهو اسم
للكل فصار كحبس المبيع لما تعلق زواله
باستيفاء الثمن لا يزول دون قبض جميعه
والعبدان مثال والمراد عبدان أو ثوبان أو
نحوهما.
ج / 6 ص -94-
ولو
قبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا رد المعيب وحده
ولو وجد ببعض الكيلي أو الوزني عيبا رده كله
أو أخذه
______
"قوله:
ولو قبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا رد المعيب
وحده" لكونه تفريقا بعد
التمام لأن بالقبض تتم الصفقة في خيار العيب
وسيأتي أن مسألة زوجي الخف ومصراعي الباب
مستثناة من كلامه هنا وعلى هذا إذا اشترى
ثورين فوجد بأحدهما عيبا بعد القبض فإن كان
ألف أحدهما الآخر بحيث لا يعمل بدونه لا يملك
رد المعيب وحده وقيد بخيار العيب لأنه ليس له
رد أحدهما بخيار شرط أو رؤية قبل القبض أو
بعده لأن الصفقة فيها لا تتم إلا بالقبض قيد
بتراخي ظهور العيب عن القبض لأنه لو وجد
بأحدهما عيبا قبل القبض فإن قبض المعيب منهما
لزماه أما المعيب فلوجود الرضا به وأما الآخر
فلأنه لا عيب به ولو قبض السليم منهما فلو
كانا معيبين فقبض أحدهما له ردهما جميعا لأنه
لا يمكنه إلزام البيع في المقبوض دون الآخر
لما فيه من تفريق الصفقة على البائع ولا يمكن
إسقاط حقه في غير المقبوض لأنه لم يرض به ولو
أعتق السليم أو باعه بعد قبضه لزمه الآخر كي
لا تتفرق الصفقة على البائع لأن الصفقة لا تتم
إلا بقبض المبيع كذا في المحيط وشمل إطلاقه ما
إذا اشترى خاتم فضة فيه فص وقلع الفص لا يضر
بواحد منهما فوجد بأحدهما عيبا بعد القبض فله
أن يقلع الفص ويرد المعيب منهما ولو وجد
بأحدهما عيبا قبل القبض ردهما وكذا السيف
المحلى والمنطقة المحلاة ولو اشترى نخلا فيه
تمر فجز التمر ثم وجد بأحدهما عيبا لا يرد
أحدهما بل يردهما لأنهما بمنزلة شيء واحد لأن
التمر بعض النخل لأنه خرج منه بخلاف الفص لأنه
ليس من الفضة كذا في المحيط.
"قوله:
ولو وجد ببعض الكيلي أو الوزني عيبا رده كله
أو أخذه" لكونه كالشيء الواحد
أطلقه فشمل ما إذا كان قبل القبض أو بعده وما
وقع في الهداية من أن المراد بعد القبض فإنما
هو ليقع الفرق بين القيميات والمثليات وشمل ما
إذا كان في وعاء واحد أو وعاءين وقيل إنه
مخصوص بما إذا كان في وعاء واحد أما إذا كان
في وعاءين فهو بمنزلة العبدين حتى يرد الوعاء
الذي وجد فيه العيب دون الآخر ولم يذكر المصنف
حكم ما إذا كان المبيع متعددا لا يمكن
الانتفاع بأحدهما إلا بالآخر إذا وجد بأحدهما
عيبا قالوا إنه بمنزلة المكيل والموزون فيخير
إن شاء أخذهما أو ردهما قبل القبض وبعده
لأنهما كشيء واحد كزوجي خف ومصراعي باب وزوجي
ثور ألف أحدهما الآخر فلو وجد أحدهما أضيق فإن
كان خارجا عما عليه خفاف الناس في العادة يرد
وإلا لا وإن كان لا يسع رجله فإن كان اشتراهما
للبس رد وإلا فلا كما في المحيط.
ثم اعلم أن ما لا ينتفع بأحدهما إلا بالآخر له
أحكام منها حكم العيب ومنها لو قبض
ج / 6 ص -95-
ولو
استحق بعضه لم يخير في رد ما بقي ولو ثوبا خير
______
أحدهما بغير إذن البائع وهلك الآخر عند البائع
يخير المشتري فيما قبض بحصته وإذن البائع في
قبض أحدهما إذن في قبضهما ومنها لو أعار
أحدهما وأمر المستعير بقبضه لا يكون إذنا بقبض
الآخر ومنها لو استحق أحدهما بعد القبض رد
المشتري الآخر إن شاء ومنها لو عيب المشتري
المأخوذ ثم هلك الآخر في يد البائع ولم يمنعه
إياه هلك على المشتري وإن منع البائع هلك على
البائع ومنها لو أحدث البائع بأحدهما عيبا
بأمر المشتري صار قابضا لهما ومنها لو رأى
المشتري أحدهما فرضيه لم يكن رضا بالآخر ومنها
لو تعيب أحدهما لم يرد الآخر بعيب وخيار رؤية
ويرجع بالنقصان ومنها لو استهلك رجل أحدهما
يدفع إليه الآخر ويضمنه قيمتها إن شاء
والمسائل كلها من المحيط. والحاصل أن حكم
أحدهما حكم الآخر إلا في مسائل الإذن بقبض
أحدهما في العارية لا يكون إذنا بقبض الآخر
ورؤية أحدهما لا تكون رؤية للآخر
"قوله:
ولو استحق بعضه لم يخير في رد ما بقي ولو ثوبا
خير" لأن المثلي لا يضره
التبعيض والاستحقاق لا يمنع تمام الصفقة لأن
تمامها برضا العاقد لا برضا المالك أطلقه وهو
مقيد بما إذا كان بعد القبض أما قبله فله أن
يرد ما بقي لتفريق الصفقة قبل التمام وأراد
بالثوب القيمي لأن التشقيص فيه عيب وقد كان
وقت البيع حيث ظهر الاستحقاق بخلاف المكيل
والموزون فشمل العبد والدار كما في النهاية
وينبغي أن تكون الأرض كالدار
وحاصله أن المبيع إن استحق بعضه فإن كان قبل
القبض خير في الكل وإن كان بعده خير في
القيمي لا في المثلي فإن قبض أحدهما دون الآخر
فحكمه حكم ما إذا لم يقبضهما كما في المحيط
وفي جامع الفصولين لو اشترى قنين فأراد رد
أحدهما بعيب لا يشترط حضرة القن الآخر سواء رد
بقضاء أو رضا ويصح الرد ولو لم يكن المعيب
حاضرا أيضا وكذا لو استحق أحدهما لا يشترط
حضرة الآخر سواء رد بقضاء أو رضا. ا هـ. وذكر
في فصل الاستحقاق شرى فبنى فاستحق نصفه ورد
المشتري ما بقي على البائع فله أن يرجع على
بائعه بثمنه وبنصف قيمة البناء لأنه مغرور في
النصف ولو استحق نصفه المعين فلو كان البناء
في ذلك النصف خاصة رجع بقيمة البناء أيضا ولو
كان البناء في النصف الذي لم يستحق فله أن يرد
البناء ولا يرجع بشيء من قيمة البناء شرى دارا
فاستحقت عرصتها ونقض البناء فقال المشتري أنا
بنيتها فارجع على بائعي وقال بائعه بعتها
مبنية فالقول للبائع شرى نصف مشاعا فاستحق
نصفه قبل القسمة فالمبيع نصفه الباقي ولو
استحق بعد القسمة فالمبيع نصفه الباقي
ج / 6 ص -96-
واللبس
والركوب والمداواة رضا بالعيب لا الركوب للسقي
أو للرد أو لشراء العلف
______
وهو الربع. ا هـ. ثم قال شرى دارا مع بنائه
فاستحق البناء قبل قبضه قالوا يخير المشتري إن
شاء أخذ الأرض بحصته من الثمن وإن شاء ترك ولو
استحق بعد قبضه يأخذ الأرض بحصته ولا خيار له
والشجر كالبناء ولو احترقا أو قلعهما ظالم قبل
القبض أخذهما بجميع الثمن أو ترك ولا يأخذ
بالحصة بخلاف الاستحقاق ا هـ.
"قوله:
واللبس والركوب والمداواة رضا بالعيب"
لأنه دليل الاستبقاء في ملكه أطلق الركوب وهو
مقيد بما إذا ركبها في حاجته لما سيصرح به
وكذا المداواة إنما تكون رضا بعيب داواه أما
إذا داوى المبيع من عيب قد برئ منه البائع وبه
عيب آخر فإنه لا يمتنع رده كما في الولوالجية
وفي خزانة الفقه اختلفا قال البائع ركبتها
لحاجتك وقال المشتري لأردها عليك فالقول
للمشتري وقيد بخيار العيب لأن هذه الأشياء لا
تسقط خيار الشرط لأن الخيار هناك للاختبار
وأنه بالاستعمال فلا يكون مسقطا وقيد بهذه
الأشياء لأن الاستخدام بعد العلم بالعيب لا
يكون رضا استحسانا لأن الناس يتوسعون فيه وهو
للاختبار. هكذا أطلقه في المبسوط ونقل عن
السرخسي في البزازية أن الصحيح أن الاستخدام
رضا بالعيب في المرة الثانية إلا إذا كان في
نوع آخر وفي الصغرى الاستخدام مرة واحدة لا
يكون رضا إلا إذا كان على كره من العبد. ا هـ.
"قوله:
لا الركوب للسقي أو للرد أو لشراء العلف"
أي لا يكون الركوب لهذه الأشياء رضا بالعيب
أطلقه وهو كذلك في الرد وأما في السقي وشراء
العلف فلا بد أن يكون لا بد له منه لصعوبتها
أو لعجزه أو لكون العلف في عدل واحد أما إذا
كان له بد منه فهو رضا كما في الهداية وفي
جامع الفصولين ادعى عيبا في حمار فركبه ليرده
فعجز عن البينة فركبه جائيا فله الرد ا هـ.
وفي البزازية لو ركب لينظر إلى سيرها أو لبس
لينظر إلى قدها فهو رضا وفي فتح القدير وجد
بها عيبا في السفر فحملها فهو عذر وأشار
المؤلف رحمه الله تعالى باللبس وأخويه لغير
حاجة إلى أن كل تصرف يدل على الرضا بالعيب بعد
العلم به يمنع الرد والأرش فمن ذلك البيع
والعرض عليه وكتبنا في الفوائد إلا في الدراهم
إذا وجدها البائع زيوفا فعرضها على البيع فإنه
لا يمنع الرد على المشتري لأن ردها لكونها
خلاف حقه لأن حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف
في ملكه بخلاف المبيع العين فإنه ملكه فالعرض
رضا بعيبه ولا فرق بين أن يكون البائع في
المسألتين قال له اعرضها على البيع فإن لم
تشتر منك ردها علي أو لا قيدنا بالبيع لأنه لو
اشترى ثوبا فعرضه على الخياط لينظره أيكفيه أم
لا لم يبطل حقه في رده
ج / 6 ص -97-
ولو
قطع المقبوض بسبب عند البائع رده واسترد الثمن
______
بعيب. وكذا لو عرضها على المقومين لتقوم كما
في جامع الفصولين وفي البزازية لو قال له
البائع بعد الاطلاع أتبيعها قال نعم لزم ولا
يتمكن من الرد قال الشيخ الإمام وينبغي أن
يقول بدل قوله نعم لا لأن نعم عرض على البيع
ولا تقرير لمكنته وفيها الاستقالة بعد الاطلاع
لا تمنع الرد بخلاف العرض ومن ذلك الإجارة
والعرض عليها والمطالبة بالغلة والرهن
والكتابة وهذا إذا كان بعد العلم بالعيب فإن
أجره ثم علم به فله نقضها للعذر ويرده بخلاف
الرهن لأنه لا يرده إلا بعد الفكاك كذا في
جامع الفصولين.
ومنه إرسال ولد البقرة عليها ليرتضع منها أو
حلبه لبن الشاة أو شرب اللبن وهل يرجع
بالنقصان قولان وليس منه أكل ثمر الشجر وغلة
القن والدار وإرضاع الأمة ولد المشتري وإتلاف
كسب المبيع بعد علمه وضرب العبد إن لم يؤثر
الضرب فيه فإن أثر فلا رد ولا رجوع وليس منه
جز صوف الغنم إن نقصه فإن لم ينقصه فله الرد.
وكذا قطف الثمار إن لم ينقص واستشكله في جامع
الفصولين بأنه ينبغي أن لا يرد لأنها زيادة
منفصلة متولدة وهي تمنع الرد ولم أر فيها
خلافا ولكن يظهر من هذا أن فيها روايتين ومنه
كما في البزازية الوطء بكرا كانت أو ثيبا
نقصها أو لا فلا رد ولا رجوع وكذا لو قبلها
بشهوة أو لمسها لكن يرجع بالنقص إلا أن يقبلها
البائع وإن وطئها الزوج إن ثيبا ردها وإن بكرا
لا وسكنى الدار أي ابتداؤها لا الدوام ومنه
سقي الأرض وزراعتها وكسح الكرم والبيع كلا أو
بعضا بعد الاطلاع مانع من الرد والرجوع. وكذا
الهبة والإعتاق مطلقا كذا في البزازية وفيها
دفع باقي الثمن بعد العلم بالعيب رضا.
وفي الواقعات الهبة رضا وإن لم يسلم العين إلى
الموهوب له لأنها أقوى من العرض ا هـ. وفيها
لو عرض نصف الطعام على البيع لزمه النصف ويرد
النصف كالبيع وجمع غلات الضيعة رضا وكذا تركها
لأنه تضييع وفي فتح القدير هنا أن خيار العيب
على التراخي عندنا فلا يبطل بعد العلم به
بالتأخير.
"قوله: ولو قطع المقبوض بسبب عند البائع رده
واسترد الثمن" يعني لو اشترى
عبدا قد سرق عند البائع ولم يعلم به وقت
الشراء ولا وقت القبض فقطعت يده عند المشتري
له أن يرده ويأخذ ما دفعه عند الإمام وقالا
يرجع بما بين قيمته سارقا إلى غير سارق وعلى
هذا الخلاف إذا قتل بسبب كان عند البائع.
والحاصل أنه بمنزلة الاستحقاق عنده وبمنزلة
العيب عندهما لهما أن الموجود في يد البائع
سبب القطع والقتل وأنه لا ينافي المالية فنفذ
العقد فيه لكنه متعيب فيرجع بنقصانه عند تعذر
رده وصار كما إذا اشترى حاملا فماتت في يده
بالولادة
ج / 6 ص -98-
...........................................
______
فإنه يرجع بفضل ما بين قيمتها حاملا إلى غير
حامل وله أن سبب الوجوب في يد البائع والوجوب
يفضي إلى الوجود فيكون الوجود مضافا إلى السبب
السابق وصار كما إذا قتل المغصوب أو قطع بعد
الرد بجناية وجدت في يد الغاصب ومسألة الحامل
ممنوعة قيد بكونه بسبب عند البائع فقط لأنه لو
سرق عندهما فقطع بهما فعندهما يرجع بالنقصان
كما ذكرنا وعنده لا يرده بدون رضا البائع
للعيب الحادث ويرجع بربع الثمن وإن قبله
البائع فبثلاثة الأرباع لأن اليد من الآدمي
نصفه وقد تلفت بالجنايتين وفي أحدهما الرجوع
فيتنصف فلو تداولته الأيدي ثم قطع في يد
الأخير رجع الباعة بعضهم على بعض عنده كما في
الاستحقاق وعندهما يرجع الأخير على بائعه ولا
يرجع بائعه على بائعه لأنه بمنزلة العيب ولم
يقيد المصنف بعدم علم المشتري لسرقته عند
البائع وقيد به في الجامع الصغير وهو مقيد على
قولهما لأن العلم بالعيب رضا به ولا يفيد على
قوله في الصحيح لأن العلم بالاستحقاق لا يمنع
الرجوع كذا في الهداية.
ثم اعلم أنه لا أثر في الاستحقاق بعلم المشتري
أنه ملك المستحق إلا فيما لو كانت جارية
فأولدها عالما بأنه ملك الغير فإن الولد رقيق
لعدم الغرور كما في فصله من جامع الفصولين
وظاهر كلام المصنف أنه ليس بمخير بين إمساكه
والرجوع بنصف الثمن وليس كذلك بل هو مخير فله
إمساكه وأخذ نصف الثمن لأنه بمنزلة الاستحقاق
لا العيب كما ذكره الشارح حتى لو مات بعد
القطع حتف أنفه رجع بنصف الثمن عنده
كالاستحقاق ولو أعتقه المشتري ثم قتل أو قطعت
يده به فإنه لا يرجع عنده بشيء لفوات المالية
به وعندهما يرجع بالنقصان وإلى هنا ظهر أن
الاختلاف بين الإمام وصاحبيه في ستة مسائل:
الأولى: له رده عنده لا
عندهما.
الثانية: في كيفية الرجوع
فعنده بالكل إن رده وبالنصف إن أمسكه وعندهما
بالنقصان.
الثالثة: إذا مات بعد القطع
حتف أنفه فعنده يرجع بالنصف ولا رجوع عند هما.
الرابعة: لو أعتقه فلا رجوع
عنده خلافا لهما.
الخامسة في رجوع الباعة.
السادسة: العلم به لا يمنع
الخيار عنده خلافا لهما وقيد بكونه قطع عند
المشتري لأنه لو قطع عند البائع ثم باعه فمات
عند المشتري به فإنه يرجع بالنقصان عنده أيضا
وبالقطع لأنه لو اشترى مريضا فمات منه عند
المشتري أو عبدا زنى عند البائع فجلد عند
المشتري فمات به رجع بالنقصان عنده أيضا لأن
المريض والمقطوع عند البائع إنما ماتا بزيادة
الآلام وترادفها عند المشتري وهي لم توجد عند
البائع وزنا العبد يوجب الجلد، والموت غيره
فلا يؤاخذ البائع بما لم يكن عنده وكذا لو زوج
أمته البكر ثم باعها وقبضها المشتري ولم يعلم
بالنكاح ثم وطئها الزوج لا يرجع بنقصان
البكارة وإن كان زوالها بسبب كان عند البائع
لأن
ج / 6 ص -99-
ولو
برئ من كل عيب به صح وإن لم يسم الكل ولا يرد
بعيب
______
البكارة لا تستحق بالبيع كذا في فتح القدير
وكتبنا في شرح المنار من بحث الأداء والقضاء
أنه لو بيع عند المشتري بدين كان عند البائع
فإنه يرجع بالثمن فالمسائل الموردة عليه خمس.
"قوله:
ولو برئ من كل عيب به صح وإن لم يسم الكل ولا
يرد بعيب" لأن الجهالة في
الإسقاط لا تفضي إلى المنازعة وإن كان في ضمنه
التمليك لعدم الحاجة إلى التسليم فلا تكون
مفسدة ويدخل تحت الإبراء الموجود والحادث قبل
القبض في قول الثاني وذكره مع الإمام في
المبسوط وشرح الطحاوي. وفي الخانية أنه ظاهر
مذهبهما وقال محمد لا يدخل فيه الحادث وهو قول
زفر لأن البراءة تتناول الثابت ولأبي يوسف أن
الغرض إلزام العقد بإسقاط حقه عن صفة السلامة
وذلك بالبراءة من الوجود والحادث وأجمعوا أنه
لو أبرأه من كل عيب به لا يدخل الحادث ولا يرد
علينا عدم صحة أبرأت أحدكما لجهالة من له الحق
كقوله لرجل علي كذا ولو قال أبرأتك من كل عيب
به وما يحدث لم يصح إجماعا فاستشكل قول أبي
يوسف لأنه مع التنصيص لا يصح فكيف يصححه
ويدخله بلا تنصيص ولكن هذا على رواية
الإسبيجابي وأما على رواية المبسوط فيصح
الاشتراط باعتبار أنه يقيم السبب وهو العقد
مكان العيب الموجب للرد.
وفي البدائع لو باع على أنه برئ من كل عيب
يحدث بعد البيع فالبيع بهذا الشرط فاسد عندنا
لأن الإبراء لا يحتمل الإضافة وإن كان إسقاطا
ففيه معنى التمليك ولهذا لا يقبل الرد فلا
يحتمل الإضافة نصا كالتعليق فكان شرطا فاسدا
فأفسد البيع ا هـ. ولو اختلفا في عيب أنه حادث
بعد العقد أو كان عنده لا أثر لهذا عند أبي
يوسف وعند محمد القول للبائع مع يمينه على
العلم بأنه حادث هذا إذا أطلق أما إذا أبرأه
مقيدا بعيب كان عند البائع ثم اختلفا على نحو
ما ذكرنا فالقول للمشتري كذا في البدائع ولو
شرطها من عيب واحد كشجة فحدث عند المشتري عيب
أو موت فاطلع على آخر فأراد الرجوع بالنقصان
جعل أبو يوسف الخيار للبائع في التعيين وجعله
محمد رحمه الله تعالى للمشتري ومحله ما إذا
لم يعينها عند البيع بل أبرأه من شجة به أو
عيب ولو أبرأه من كل غائلة فهي في السرقة
والإباق والفجور ولو أبرأه من كل داء فهو على
ما في الباطن في العادة وما سواه يسمى مرضا
وقال أبو يوسف يتناول الكل ولو قبل الثوب
بعيوبه يبرأ من الخروق وتدخل الرقع والرفو ولو
أبرأه من كل سن سوداء تدخل الحمراء والخضراء
ومن كل قرح تدخل القروح الدامية كذا في
المعراج والأثر الذي برئ منه ولا يدخل الكي
كما في الخانية.
وفي المحيط أبرأتك من كل عيب بعينه فإذا هو
أعور لا يبرأ لأنه عدمها لا عيب
ج / 6 ص -100-
...........................................
______
وكذا لو قال بيده فإذا هي مقطوعة لا يبرأ
بخلاف قطع الإصبع وبخلاف ما إذا برئ من كل عيب
به كذا في الواقعات.
ولو قال أنا بريء من كل عيب إلا إباقه برئ من
إباقه ولو قال إلا الإباق فله الرد بالإباق
لأنه لم يضف الإباق إلى العبد ولا وصفه به فلم
يكن اعترافا بوجود الإباق للحال لأن هذا
الكلام كما يحتمل التبرؤ عن إباق موجود من
العبد يحتمل التبرؤ عن إباق سيحدث في المستقبل
فلا يكون مقرا بكونه آبقا للحال بالشك فلا
يثبت حق الرد بالشك ا هـ. ولو قال أنت بريء من
كل حق لي قبلك دخل العيب هو المختار دون الدرك
وفي الصغرى المشتري الأول إذا أبرأ بائعه عن
العيب بعدما اطلع الثاني عليه صح ولا يرده على
بائعه إذا رد عليه وفي الخانية إذا باع جارية
وقال أنا بريء من كل عيب بها فهو بريء من كل
عيب بها ولو قال أنا بريء منها لا يبرأ عن شيء
من العيوب ولو قال أبرأتك عن كل عيب ولم يقل
بها فهذه براءة عن كل عيب. ا هـ.
وفيها باع شيئا على أنه بريء من كل عيب لا
يكون إقرارا بالعيب ولو شرط البراءة عن عيب
واحد أو عيبين كان ذلك إقرارا بذلك العيب
بيانه إذا باع عبدين على أنه بريء من كل عيب
بهذا العبد بعينه وسلمهما إلى المشتري فاستحق
أحدهما ووجد المشتري بالآخر عيبا لزمه المعيب
بحصته من الثمن فيقسم الثمن على العبدين وهما
صحيحان لا عيب بهما فإذا عرفت حصة المستحق رجع
المشتري على البائع بحصة المستحق من الثمن ولو
باع عبدين بثمن واحد على أنه بريء من عيب واحد
بهذا ثم استحق أحدهما فوجد بالذي برئ عن عيب
واحد عيبا فإنه يقسم الثمن عليهما على قيمة
المستحق صحيحا وعلى قيمة الآخر وبه عيب واحد
فإذا عرفت حصة المستحق رجع المشتري على البائع
بذلك ا هـ. ما في الخانية. ولم يذكر المصنف
رحمه الله تعالى الصلح عن العيب كما لم يذكر
الكفالة به وقدمنا طرفا منهما ولا بأس بذكرهما
هنا تتميما للفائدة.
أما الأول فقدمنا أنه إن كان الدافع البائع
والمبيع للمشتري كان جائزا حطا من الثمن وإن
كان المشتري ليأخذه البائع لا وفي فتح القدير
لو اصطلحا على أن يحط كل عشرة ويأخذ الأجنبي
بما وراء المحطوط ورضي الأجنبي جاز وجاز حط
المشتري دون البائع ولو قصر المشتري الثوب
فإذا هو متخرق وقال المشتري لا أدري تخرق عند
القصار أو عند البائع فاصطلحوا على أن يقبله
المشتري ويرد عليه القصار درهما والبائع در
هما جاز وكذا لو اصطلحا على أن يقبله البائع
ويدفع له القصار درهما ويترك المشتري درهما
قيل هذا غلط
ج / 6 ص -101-
...........................................
______
وتأويله أن يضمن القصار أولا للمشتري ثم يدفع
المشتري ذلك للبائع ا هـ.
وفي الصغرى ادعى عيبا في جارية فأنكر فاصطلحا
على مال على أن يبرئ المشتري البائع عن ذلك
العيب ثم ظهر أنه لم يكن به هذا العيب أو كان
بها لكن برئت وصحت كان للبائع أن يرجع على
المشتري ويأخذ ما أدى من البدل وفي القنية باع
المشتري بعد الصلح عن العيب ثم زال العيب في
يد المشتري الثاني ليس للبائع أن يرجع على
مشتريه ببدل الصلح إن زال بمعالجة المشتري
الأول وإلا فلا. ا هـ.
وفيها اشترى حمارا ووجد به عيبا قديما فأراد
الرد فصولح بينهما بدينار وأخذه ثم وجد به
عيبا آخر قديما فله أن يرد مع الدينار وقيل
يرجع بنقصان العيب ا هـ. وإلى هنا ظهر أن
خيار العيب يسقط بالعلم به وقت البيع أو وقت
القبض والرضا به بعدهما أو اشتراط البراءة من
كل عيب أو الصلح على شيء وفي جامع الفصولين لو
اشتراه على أن عيبه حادث فظهر أنه قديم لا
يرده أو الإقرار بأن لا عيب به إذا عينه قال
في الصغرى إذا قال المشتري ليس به عيب لا يكون
إقرارا بانتفاء العيوب حتى لو وجد به عيبا كان
له أن يرده ولو عين فقال ليس بآبق كان إقرارا
بانتفاء الإباق وكذا لو شهدوا أنه باع بشرط
البراءة من كل عيب لا يكون إقرارا من الشهود
بالعيب حتى لو اشتراه الشاهد فوجد به عيبا كان
له أن يرد وكذا لو شهدوا على أنه باعه على أنه
بريء من الإباق ثم اشتراه الشاهد فوجده آبقا
فله الرد ولو على أنه بريء من إباقه فليس
للشاهد رده بإباقه ا هـ.
وفي الولوالجية البائعة إذا تزوجت المشتري على
أرش العيب صح وكان إقرارا منها بالعيب وكذا
البائع إذا اشترى منه أرش العيب كان إقرارا به
بخلاف الصلح عنه لا يكون إقرارا به وأما ضمانه
ففي البزازية اشترى عبدا وضمن له رجل عيوبه
فاطلع على عيب فرده لا ضمان عليه عند الإمام
لأنه ضمان العهدة وعلى قول الثاني يضمن لأنه
ضمان العيوب وإن ضمن السرقة أو الحرية أو
الجنون أو العمى فوجده كذلك ضمن الثمن للمشتري
وإن مات عنده قبل الرد قضى على البائع بالنقص
ورجع به على الضامن ولو ضمن له بحصة ما يجده
من العيوب من الثمن فهو جائز عند الإمام فإن
رده المشتري رجع بكل الثمن على الضامن وإن لم
يرده وقضى بالنقص على البائع رجع على الضامن
كما يرجع على البائع وعن الثاني قال رجل
للمشتري ضمنت لك عماه فكان أعمى فرده لم يرجع
على الضامن بشيء ولو قال إن كان أعمى فعلى حصة
العمى من الثمن فرده ضمن حصة العمى ولو وجد به
عيبا فقال رجل للمشتري ضمنت لك هذا العيب
فالضمان باطل ا هـ. والله أعلم.
ج / 6 ص -102-
4- باب البيع الفاسد
______
4- باب البيع
الفاسد
أخره لكونه عقدا مخالفا
للدين كما في فتح القدير وصرح الولوالجي رحمه
الله تعالى من الفصل السابع بأنه معصية يجب
رفعها وسيأتي في باب الربا أن كل عقد فاسد فهو
ربا والفاسد له معنيان لغوي واصطلاحي فالأول
فسد كنصر وعقد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو
فاسد وفسيد من فسدى ولم يسمع انفسد، والفساد
أخذ المال ظلما، والجدب والمفسدة ضد المصلحة،
وفسده تفسيدا أفسده، وتفاسدوا: قطعوا أرحامهم،
واستفسد ضد استصلح كذا في القاموس، وفي
المصباح واعلم أن الفساد إلى الحيوان أسرع منه
إلى النبات، وإلى النبات أسرع منه إلى الجماد
لأن الرطوبة في الحيوان أكثر من الرطوبة في
النبات، وقد يعرض للطبيعة عارض فتعجز الحرارة
بسببه عن جريانها في المجاري الطبيعية الدافعة
لعوارض العفونة فتكون العفونة بالحيوان أشد
تثبتا منها بالنبات فيسرع إليه الفساد فهذه هي
الحكمة في قول الفقهاء يقدم القاضي ما يتسارع
إليه الفساد فيبدأ ببيع الحيوان، ويتعدى
بالهمزة والتضعيف، والمفسدة خلاف المصلحة،
وجمعها المفاسد. ا هـ. وحاصله أنه ما تغير
وصفه، ويمكن الانتفاع به لما في البناية يقال:
فسد اللحم إذا نتن مع بقاء الانتفاع به،
وأما الثاني قالوا هو ما كان مشروعا بأصله لا
بوصفه، ولا يخفى مناسبته للمعنى اللغوي،
ومرادهم من مشروعية أصله كونه مالا متقوما لا
جوازه، وصحته فإن كونه فاسدا يمنع صحته، ولقد
تسمح في البناية حيث عرفه بأنه ما لا يصح وصفا
فإنه يفيد أنه يصح أصلا، ولا صحة للفاسد،
وإنما أطلقوا المشروعية على الأصل نظرا إلى
أنه لو خلا عن الوصف لكان مشروعا، وإلا فمع
اتصافه بالوصف المنهي عنه لا يبقى مشروعا
أصلا، والمراد بالفاسد هنا ما يعم الباطل
لأنهم يذكرون في هذا الباب ما يعم الباطل أيضا
فالمراد به ما لم يكن مشروعا بوصفه أعم من أن
يكون مشروعا بأصله أو لا
والبياعات المنهي عنها ثلاثة فاسد، وباطل،
ومكروه تحريما فالفاسد بيناه، وأما الباطل فله
معنيان لغوي، واصطلاحي فالأول يقال بطل الشيء
يبطل بطلا وبطولا وبطلانا بضم الأوائل فسد أو
سقط حكمه فهو باطل، والجمع بواطل أو أباطيل
على غير قياس كذا في المصباح، ويقال للحم إذا
صار بحيث لا ينتفع به للدود أو للسوس بطل،
وإذا أنتن فسد كما في فتح القدير، وأما الثاني
فهو ما لا يكون مشروعا لا بأصله، ولا بوصفه.
وحكمه عدم إفادة الحكم، وهو الملك قبضه أو لا،
وفيه مناسبة للمعنى اللغوي لأنه بمعنى ما سقط
حكمه،
ج / 6 ص -103-
...........................................
______
وحكم الفاسد ما لا يفيده بمجرده بل بالقبض،
وأما المكروه فهو لغة خلاف المحبوب، واصطلاحا
ما نهي عنه لمجاور كالبيع عند أذان الجمعة نهي
عنه للصلاة، وعرفه في البناية بما كان مشروعا
بأصله ووصفه لكن نهي عنه لمجاور ا هـ. ويمكن
إدخاله تحت الفاسد أيضا على إرادة الأعم، وهو
ما نهي عنه فيشمل الثلاثة، والفساد بالمعنى
الأعم يثبت بأسباب منها الجهالة المفضية إلى
المنازعة في المبيع أو الثمن، ومنه العجز عن
التسليم إلا بضرر، ومنها الغرر، ومنها شرط
خارج عن الشرع، ومنها عدم المالية أو التقوم،
ومنها عدم الوجود، ومنها عدم القدرة على
التسليم.
وأما البيع الجائز الذي لا نهي فيه فثلاثة
نافذ لازم، ونافذ ليس بلازم، وموقوف فالأول ما
كان مشروعا بأصله ووصفه، ولم يتعلق به حق
الغير، ولا خيار فيه، والثاني ما لم يتعلق به
حق الغير، وفيه خيار، والموقوف ما تعلق به حق
الغير، وهو إما ملك الغير أو حق بالبيع لغير
المالك.
وحصره في الخلاصة في خمسة عشر بيع العبد
والصبي المحجورين موقوف على إجازة المولى،
والأب أو الوصي، وبيع غير الرشيد موقوف على
إجازة القاضي، وبيع المرهون والمستأجر، وما في
مزارعة الغير موقوف على إجازة المرتهن
والمستأجر والمزارع، وبيع البائع المبيع بعد
القبض من غير المشتري موقوف على إجازة
المشتري، وقبل القبض في المنقول لا ينعقد
أصلا، وبيع المرتد عند الإمام، والبيع برقه،
وبما باع فلان، والمشتري لا يعلم موقوف على
العلم في المجلس، وبيع فيه خيار المجلس، وبمثل
ما بيع الناس، وبمثل ما أخذ به فلان وبيع
المالك المغصوب موقوف على إقرار الغاصب أو
البرهان بعد إنكاره، وبيع مال الغير. ا هـ.
ويمكن أن يزاد البيع المشروط فيه الخيار أكثر
من ثلاثة أيام فإن الصحيح أنه موقوف فإن أسقطه
قبل دخول الرابع جاز، وإلا فسد كما تقدم في
بابه لا يقال إنما لم يذكره للاختلاف لأنا
نقول لم يقتصر على المتفق عليه فإن في بيع
المرهون والمستأجر خلافا، ويستثنى مما في
مزارعة الغير ما إذا باعها مالكها، والبذر من
قبله قبل إلقائه فإنه نافذ كما في البزازية.
السابع عشر: من الموقوف الوكيل بشراء عبد إذا
اشترى نصفه فإنه موقوف فإن اشترى الباقي قبل
الخصومة نفذ على الموكل كما في المجمع وغيره.
الثامن عشر على قولهما الوكيل ببيع العبد إذا
باع نصفه هو موقوف على بيع الباقي قبل
الخصومة، وعند الإمام نافذ كما في المجمع.
التاسع عشر: بيع نصيبه من مشترك بالخلط
والإخلاط موقوف على إجازة شريكه كما ذكروه في
الشركة. العشرون: بيع ما في تسليمه ضرر موقوف
على تسليمه في المجلس كما في البزازية. الحادي
والعشرون: بيع المريض عينا من أعيان ماله لبعض
ورثته موقوف على إجازة الباقي، ولو كان بمثل
ج / 6 ص -104-
...........................................
______
القيمة عنده. الثاني والعشرون: بيع السيد عبده
المأذون المديون موقوف على إجازة الغرماء.
الثالث والعشرون: بيع الوارث التركة المستغرقة
بالدين موقوف على إجازة الغرماء ذكره الزيلعي
عند قوله، وصح عتق مشتر من غاصبه بإجازة
بيعه. الرابع والعشرون: الوكيل إذا وكل بلا
إذن وتعميم فعقد الثاني توقف على إجازة الأول
كما في المجمع. الخامس والعشرون: أحد الوكيلين
إذا باع بحضرة صاحبه توقف على إجازته فإن
أجازه جاز بخلاف ما إذا كان غائبا فإنه لا
ينفذ بإجازته كما ذكره الزيلعي في الوكالة.
السادس والعشرون بيع المولى أكساب عبده
المديون بعد الحجر عليه موقوف على إجازة
الغرماء كما في جامع الفصولين. السابع
والعشرون: أحد الوصيين إذا باع بحضرة الآخر.
الثامن والعشرون: أحد الناظرين إذا باع غلة
الوقف بحضرة الآخر توقف فيها على إجازة الآخر
أخذا من الوكيلين، ولم أرهما الآن صريحا.
التاسع والعشرون: بيع المعتوه كبيع الصبي
العاقل موقوف كما ذكره الزيلعي، والصحيح يشمل
الثلاثة لأنه ما كان مشروعا بأصله ووصفه،
والموقوف كذلك، والصحة في المعاملات ترتب
الآثار، وفي العبادات سقوط القضاء كما في
الأصول، وللمشايخ طريقان فمنهم من يدخل
الموقوف تحت الصحيح فهو قسم منه، وهو الحق
لصدق التعريف وحكمه عليه فإنه ما أفاد الملك
من غير توقف على القبض، ولا يضر توقفه على
الإجازة كتوقف البيع الذي فيه الخيار على
إسقاطه، ولذا قال في المستصفى البيع نوعان
صحيح وفاسد، والصحيح نوعان لازم، وغير لازم. ا
هـ. ولذا لم يذكر في الحاوي القدسي في التقسيم
الصحيح، وإنما قال المبيع أربعة أنواع نافذ،
وموقوف، وفاسد، وباطل، ولا غبار على هذه
العبارة، ومنهم من جعله قسيما للصحيح، وعليه
مشى الشارح الزيلعي فإنه قسمه إلى صحيح،
وباطل، وفاسد، وموقوف، وقسمه في فتح القدير
إلى جائز، وغير جائز، وهو ثلاث باطل، وفاسد،
وموقوف فجعله من غير الجائز مريدا بالجائز
النافذ. وفي السادس من جامع الفصولين أن بيع
مال الغير بغير إذن بدون تسليمه ليس بمعصية،
ولم أر فيما عندي من الكتب من سماه فاسدا إلا
في بيع المرهون والمستأجر فقال في البدائع من
شرائطه أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع
فإن كان لا ينفذ كالمرهون والمستأجر، واختلفت
عبارات الكتب في هذه المسألة في بعضها أن
البيع فاسد، وفي بعضها أن البيع موقوف، وهو
الصحيح إلى آخره، وقال قبله في جواب الشافعي
في بيع الفضولي إنه غير صحيح لأنه لا يفيد
حكمه، وصحة التصرف عبارة عن اعتباره في حق
الحكم فقال قلنا نعم، وعندنا هذا التصرف يفيد
في الجملة، وهو ثبوت الملك موقوفا على الإجازة
إما من كل وجه أو من وجه لكن لا يظهر شيء من
ذلك عند العقد، وإنما يظهر عند الإجازة، وهو
تفسير التوقف عندنا أن يتوقف في الجواب في
الحال أنه صحيح في حق الحكم أم لا يقطع القول
به للحال، ولكن يقطع القول بصحته عند الإجازة،
وهذا جائز كالبيع بشرط الخيار للبائع أو
للمشتري. ا هـ. وإنما أكثرنا من تحرير هذا
ج / 6 ص -105-
لم يجز
بيع الميتة والدم
______
المبحث لأني قررت في المدرسة الصرغتمشية1 حين
إقراء الهداية أن بيع الفضولي صحيح عندنا
فأنكره بعض الطلبة الذين لا تحصيل لهم، وادعى
فساده، وهو فاسد لما علمته، وسيأتي له مزيد في
محله إن شاء الله تعالى.
"قوله:
لم يجز بيع الميتة والدم"
لانعدام المالية التي هي ركن البيع فإنهما لا
يعدان مالا عند أحد، وهو من قسم الباطل
والمؤلف رحمه الله تعالى لما استعمل الفاسد في
الباب للأعم عبر بعدم الجواز الشامل للباطل
والفاسد، وفي القاموس الميتة ما لم تلحقه ذكاة
وبالكسر للنوع ا هـ. فإن أريد بعدم الجواز
عدمه في حق المسلمين بقيت الميتة على إطلاقها،
وإن أريد الأعم للمسلم والكافر فيراد بها ما
مات حتف أنفه أما المنخنقة والموقوذة فغير
داخلة لما في التجنيس أهل الكفر إذا باعوا
الميتة فيما بينهم لا يجوز لأنها ليست بمال
عندهم، ولو باعوا ذبيحتهم، وذبحهم أن يخنقوا
الشاة، ويضربوها حتى تموت جاز لأنها عندهم
بمنزلة الذبيحة عندنا، وفي جامع الكرخي يجوز
البيع عندهم عند أبي يوسف خلافا لمحمد لأبي
يوسف أنهم يتمولونها كالخمر ولمحمد أن أحكامهم
كأحكامنا إلا في الخمر، وفي الذخيرة أراد
بالميتة ما مات حتف أنفه أما التي ماتت بالسبب
كالخنق، والجرح في غير موضع الذبح فالمبيع
فاسد لا باطل، وكذلك ذبائح المجوس مال متقوم
عندهم بمنزلة الخمر كذا في المعراج.
وحاصله أن فيما لم يمت حتف أنفه بل بسبب غير
الذكاة روايتين بالنسبة إلى الكافر، وفي رواية
الجواز، وفي رواية الفساد، وأما البطلان فلا،
وأما في حقنا فالكل سواء قال في البدائع، ولا
ينعقد بيع الميتة والدم وذبيحة المجوسي
والمرتد والمشرك، ومتروك التسمية عمدا عندنا،
وذبيحة المجنون والصبي الذي لا يعقل، وكذا
ذبيحة صيد الحرم محرما كان الذابح أو حلالا،
وذبيحة المحرم من الصيد في الحل أو الحرم لأن
الكل ميتة، ولا ينعقد بيع صيد المحرم سواء كان
صيد الحرم أو الحل. ا هـ.
وفي البزازية بيع متروك التسمية عمدا من كافر
لا يجوز.
أطلقه فشمل ما إذا كانت الميتة مبيعا أو ثمنا،
والدم قال في القاموس أصله دمي تثنيته دميان
ودمان، وجمعه دماء ودمي، وقطعته دمة، وهي لغة
في الدم، وقد دمي كرضي دمى، وأدميته ودميته،
وهو دامي. ا هـ. وأراد بالدم الدم المسفوح أما
بيع الكبد والطحال فإنه جائز، وأراد بالميتة
ما سوى السمك والجراد، وأشار إلى منع ما ليس
بمال كبيع العذرة الخالصة، ويجوز بيع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي بجوار جامع أحمد بن طولون في مصر بناها
الأمير سيف الدين صرغتمش الناصري سنة (756
هـ). ا هـ. "الخطط للمقريزي" 2/403.
ج / 6 ص -106-
والخنزير والخمر
______
السرقين، والبعر، والانتفاع به، والوقود به
كذا في السراج الوهاج.
"قوله:
والخنزير والخمر" أي في حق
المسلم للنهي عن بيعهما وقربانهما، وصرح في
الهداية بالفساد فيهما لوجود حقيقة البيع، وهو
مبادلة المال بالمال فإنه مال عند البعض،
ومراده ما إذا كانا مبيعين قوبلا بعرض بيع
مقايضة أما إذا قوبلا بالدراهم أو الدنانير
فالبيع باطل حتى لو بيع أحدهما بعبد فقبضه
البائع، وأعتقه نفذ عتقه. ولو استحقه مستحق
فالمشتري خصم له بخلاف بيعة الميتة إذا أعتقه
لم ينفذ، وإذا استحق فليس بخصم كما في
البناية، والفرق أن الخمر مال في الجملة في
شرع ثم أمر بإهانتها في شرع آخر بطريق النسخ،
وفي تمليكها بالعقد مقصودا إعزاز له بخلاف
جعله ثمنا، واعتبر في بيع المقايضة الخمر
ثمنا، والعرض مبيعا، والعكس، وإن كان ممكنا
لكن ترجح هذا الاعتبار لما فيه من الاحتياط
للقرب من تصحيح تصرف العقلاء المكلفين بطريق
الإعزاز للعرض فاعتبرنا ذكرها لإعزاز الثوب لا
الثوب للخمر فوجبت قيمة العرض لا الخمر، ولا
فرق بين دخول البائع على الثوب أو الخمر في
جعل الثوب هو المبيع كذا في فتح القدير.
والحاصل أن بيع نفس الخمر باطل مطلقا، وإنما
الكلام فيما قابله فإن دينا كان باطلا أيضا،
وإن عرضا كان فاسدا، وجلد الميتة كالخمر في
رواية كالميتة في أخرى.
وفي القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب أو
عام كالخمرة، وقد تذكر، والعموم أصح لأنها
حرمت، وما بالمدينة خمر عنب، وما كان شرابهم
إلا البسر والتمر. ا هـ. قيد بالخمر لأن بيع
ما سواها من الأشربة المحرمة كالسكر ونقيع
الزبيب والمنصف جائز عنده خلافا لهما كذا في
البدائع، وقيدنا بالمسلم لأن أهل الذمة ما
يمنعون من بيعها ثم اختلفوا فقال بعضهم يباح
الانتفاع بهما لهم شرعا كالخل والشاة فكان
مالا في حقهم، وقال بعضهم هما حرامان عليهما
لأن الكفار مخاطبون بالحرمات، وهو الصحيح من
مذهب أصحابنا، ولكن لا يمنعون من بيعهما لأنهم
يعتقدون الحل والتمول، وقد أمرنا بتركهم، وما
يدينون كذا في البدائع. وأشار المؤلف إلى أن
الذميين إذا تبايعا خمرا أو خنزيرا ثم أسلما
أو أسلم أحدهما قبل القبض فإن البيع يفسخ لأن
التسليم والقبض حرام كالبيع بخلاف ما إذا كان
الإسلام بعد القبض لأن الموجود الدوام، وهو لا
ينافي. ولو أقرض الذمي خمرا من ذمي ثم أسلم
أحدهما فإن أسلم المقرض سقطت الخمر لأن إسلامه
مانع من قبضها، ولا شيء له من قيمتها على
المستقرض لأن العجز جاء من قبله، وإن أسلم
المستقرض ففيه روايتان في رواية كالأول وفي
أخرى، وهو قول محمد تجب قيمتها كذا في
البدائع، وقيد بالخمر والخنزير لأن بيع
ج / 6 ص -107-
والحر
والمدبر وأم الولد والمكاتب
______
آلات اللهو كالبربط1 والطبل والمزمار والدف
صحيح مكروه عند الإمام، وقالا لا ينعقد بيعها،
والصحيح قوله للانتفاع بها شرعا من وجه آخر،
وعلى هذا الاختلاف بيع النرد والشطرنج، وعلى
هذا الاختلاف الضمان على من أتلفها فعنده
يضمن، وعندهما لا كذا في البدائع، ولكن الفتوى
في الضمان على قولهما كما سيأتي في الغصب،
ومحله ما إذا كسرها غير القاضي، والمحتسب أما
هما فلا ضمان اتفاقا، وقد ذكر في أول سير
اليتيمة الفرق بين المتقوم والمعصوم ا هـ.
"قوله:
والحر والمدبر وأم الولد والمكاتب"
أي بيع هؤلاء غير جائز أي غير منعقد أما في
الحر فلعدم المالية، وأما المدبر، وأم الولد
فقد صرح في الهداية ببطلان بيعهما قال لأن
استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله عليه
السلام: "أعتقها ولدها"2، وسبب الحرية انعقد
في حق المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد
الموت، والمكاتب استحق العتق يدا على نفسه
لازمة في حق المولى، ولو ثبت الملك بالبيع
لبطل ذلك كله فلا يجوز، ولو رضي المكاتب
بالبيع ففيه روايتان، والأظهر الجواز، والمراد
بالمدبر المطلق دون المقيد أي فإنه يجوز بيعه.
ا هـ.
ولو بيع المكاتب بغير رضاه فأجاز بيعه لا ينفذ
في الصحيح من الرواية، وعليه عامة المشايخ كذا
في الخانية، وأورد عليه أن البيع فيهم لو كان
باطلا لسرى البطلان إلى المضموم إلى واحد،
وسيأتي أنه لو جمع بين قن ومدبر أو أم ولد،
وباعهما في صفقة فإنه يجوز القن، ولو كانوا
كالحر لم يجز فيما ضم أجيب أنه مخصوص فجاز أن
يكون بعض أفراد الباطل لضعفه لا يسري حكمه إلى
ما ضم إليه، وفي بعض عبارات المشايخ أن بيعهم
فاسد بدليل صحة المضموم، وأورد عليه بأنه لو
كان فاسدا لملكوا بالقبض، ولم يملكوا به
اتفاقا، وأجيب بأنه مخصوص فهو من قبيل الفاسد
الذي لا يملك به.
والحاصل أنهم اتفقوا على أنهم لا يملكون به،
وعلى عدم البطلان في المضموم إليهم فبقي أن
بيعهم باطل أو فاسد، ولا بد من التخصيص لكل
منهما، وتخصيص كلام الهداية أولى، وفائدة
القولين فيما قابلهم فباطل على ما في الهداية
فلا يملك بالقبض، وفاسد على قول القدوري
والإيضاح فيملك به هذا ما أفاده كلام الشارحين
في هذا المحل، وفي إيضاح الإصلاح أن بيع
الثلاثة باطل موقوف ينقلب جائزا بالرضا في
المكاتب، وبالقضاء في الأخيرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو من ملاهي العجم ولهذا قيل معرب وقال ابن
السكيت وغيره: والعرب تسميه المزهر والعود ا
هـ "المصباح" مادة (بربط)
2 تقدم تخريجه (4/291).
ج / 6 ص -108-
فلو
هكذا عند المشتري لم يضمن
______
لقيام المالية. ا هـ. وهو ضعيف لأنه لا بد في
المكاتب من الرضا قبل البيع على الصحيح، ونفاذ
القضاء ببيع أم الولد ضعيف ففي قضاء البزازية
الأظهر عدم النفاذ، وصحح في فتح القدير النفاذ
بقضاء القاضي وبيع معتق البعض كالحر وولد
المدبر كهو، وكذا ولد أم الولد، والمكاتب كهما
لدخول الولد في الكتابة كذا في السراج الوهاج.
"قوله:
فلو هكذا عند المشتري لم يضمن"
لبطلان البيع فكان أمانة لكونه مقبوضا بإذن
صاحبه، وهو رواية عن الإمام، واختارها أحمد
الطواويسي، واختار شمس الأئمة السرخسي، وغيره
الضمان بالمثل أو بالقيمة، وقيل الأول قوله
والثاني قولهما كذا في فتح القدير، وفي
القنية، وفي السير أنه يضمن لكونه قبضه لنفسه
فشابه الغصب، وهو الصحيح ا هـ.
وذكر في أول سير اليتيمة مسألة بيع الحربي
بنيه أو أباه هل هو باطل أو فاسد أطلقه فشمل
جميع ما تقدم، ولكن إذا مات المدبر، وأم الولد
عند المشتري فيه اختلاف فقال الإمام لا ضمان،
وقالا عليه قيمتهما، وهو رواية عنه لأنه مقبوض
بجهة البيع فيكون مضمونا عليه كسائر الأموال،
وهذا لأن المدبر، وأم الولد يدخلان في البيع
حتى يملك ما يضم إليهما في البيع بخلاف
المكاتب فإنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه
المقبوض، وهو الضمان به، وله أن جهة البيع
إنما تلحق بحقيقته في محل يقبل الحقيقة، وهما
لا يقبلان حقيقة البيع فصارا كالمكاتب، وليس
دخولهما في البيع في حق أنفسهما، وإنما ذلك
ليثبت حكم البيع فيما يضم إليهما فصار كمال
المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده، وإنما
يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه كذا هذا كذا في
الهداية، وظاهره أنه لا ضمان إن هلك المكاتب
في يد المشتري اتفاقا، وإليه يشير كلام
العناية.
وفي المعراج أن الرواية عنه كقولهما إنما هي
في المدبر، وأما أم الولد فغير مضمونة عنده
باتفاق الروايات، وفي شرح الجامع الصغير لقاضي
خان، ومشايخنا صححوا هذه الرواية. وقدمنا في
العتاق أن قيمة المدبر نصف قيمته لو كان قنا،
وبه يفتى، وأن قيمة أم الولد ثلث قيمتها قنة
فإذا احتيج إلى تقويمهما باعتبار المضموم
إليهما فالأمر على ما ذكرنا، وفي السراج
الوهاج هنا أن قيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على
الأصح، وعليه الفتوى، وما ذكرناه من الإفتاء
بالنصف منقول في الفتاوى الصغرى، وصرح به في
البناية وفتح القدير هنا.
اعلم أن أم الولد تخالف المدبر في ثلاثة عشر
حكما لا تضمن بالغصب، ولا بالإعتاق ولا
بالبيع، ولا تسعى لغريم، وتعتق من جميع المال،
وإذا استولد أم ولد مشتركة لم يتملك نصيب
شريكه، وقيمتها الثلث، ولا ينفذ القضاء بجواز
بيعها، وعليها العدة بموت السيد أو إعتاقه،
ج / 6 ص -109-
والسمك
قبل الصيد
______
ويثبت نسب ولدها بلا دعوة، ولا يصح تدبيرها،
ويصح استيلاد المدبرة، ولا يملك الحربي بيع أم
ولده، ويملك بيع مدبره، وصح استيلاد جارية
ولده، ولا يصح تدبيرها كذا في التلقيح.
"قوله:
والسمك قبل الصيد" أي لم يجز
بيعه لكونه باع ما لا يملكه فيكون باطلا أطلقه
فشمل ما إذا كان في حظيرة إذا كان لا يؤخذ إلا
بصيد لكونه غير مقدور التسليم فيكون فاسدا،
ومعناه إذا أخذه ثم ألقاه فيها، ولو كان يؤخذ
بغير حيلة جاز إلا إذا اجتمعت فيها بأنفسها،
ولم يسد عليها المدخل لعدم الملك، وروى الإمام
أحمد مرفوعا
"لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرور"1.
والحاصل أن عدم جوازه قبل أخذه لعدم ملكه له
فإن أخذه ثم ألقاه في حظيرة كبيرة فعدم جوازه
لكونه غير مقدور التسليم فإن سلمه بعد ذلك
فكالروايتين في بيع الآبق إذا سلمه، وإن كانت
صغيرة جاز، وله خيار الرؤية بعد التسليم، ولا
اعتبار برؤيته في الماء، وإذا دخل السمك
الحظيرة باحتياله ملكه، وكان له بيعه على
التفصيل، وقيل لا مطلقا لعدم الإحراز، والخلاف
فيما إذا لم يهيئها له فإن هيأها له ملكه
إجماعا فإن اجتمع بغير صنعه لم يملكه سواء
أمكنه أخذه من غير حيلة أو لا، وفي القاموس
الحظيرة جرين التمر، والمحيط بالشيء خشبا،
وقصبا. ا هـ. وفسرها في البناية بالحوض
والبركة أطلقه فشمل ما إذا باعه في نهر أو بحر
أو أجمة، وقد صرح الإمام أبو يوسف في كتاب
الخراج بمنعه إذا كان في الآجام، وإنه إذا كان
يؤخذ باليد من غير أن يصاد فلا بأس ببيعه. ا
هـ.، والأجمة الشجر الملتف، والجمع أجم مثل
قصبة، وقصب، والآجام جمع الجمع كذا في
المصباح، وفي فتح القدير فرع من مسائل التهيئة
حفر حفيرة فوقع فيها صيد فإن كان اتخذها للصيد
ملكه، وليس لأحد أخذه، وإن لم يتخذها له فهو
لمن أخذه نصب الشبكة فتعلق بها صيد ملكه فإن
كان نصبها ليجففها من بلل فتعلق بها لا يملكه،
وهو لمن يأخذه إلا أن يأخذه فيجوز، ومثله إذا
هيأ حجرة لوقوع النثار فيه ملك ما يقع فيه،
ولو وقع في حجره، ولم يكن هيأه لذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سنن كتاب البيوع، باب ما
جاء في النهي عن بيع السمك في الماء (5/340)
من حديث عبد الله بن مسعود. وأحمد في "مسنده"
(1/288).
ج / 6 ص -110-
والطير
في الهواء
______
فلواحد أن يسبق، ويأخذه ما لم يكف حجره عليه.
وكذا من هيأ مكانا للسرقين إلى آخره، وسيأتي
في باب متفرقات البيوع إن شاء الله تعالى،
وقد سئلت حين تأليف كتاب البيوع من هذا الشرح
في سنة ثمان وستين وتسعمائة عن البحيرة
بناحية كوم الشمس1 الجارية في وقف الحالي
اليوسفي أيجوز إجارتها من الناظر لمن يصطاد
السمك منا ففتشت ما عندي من الكتب فلم أرها
إلا في كتاب الخراج لأبي يوسف قال وحدثنا عبد
الله بن علي عن إسحاق بن عبد الله عن أبي
الزناد قال كتبت إلى عمر بن الخطاب رضي الله
عنه في بحيرة يجتمع فيها السمك بأرض العراق أن
يؤاجرها فكتب أن افعلوا قال وحدثنا أبو حنيفة
عن حماد قال طلبت إلى عبد الحميد بن عبد
الرحمن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن
بيع صيد الآجام فكتب إليه عمر أنه لا بأس به،
وسماه الحبس2 ا هـ. فعلى هذا لا يجوز بيع
السمك في الآجام إلا إذا كان في أرض بيت
المال، ويلحق به أرض الوقف لكن بعد مدة رأيت
في الإيضاح عدم جواز إجارته.
"قوله:
والطير في الهواء" أي لا يجوز
لأنه غير مملوك قبل الأخذ فيكون باطلا، وكذا
لو باعه بعد ما أرسله من يده لأنه غير مقدور
التسليم فيكون فاسدا، ولو أسلمه بعده لا يعود
إلى الجواز عند مشايخ بلخ، وعلى قول الكرخي
يعود، وكذا عن الطحاوي.
أطلقه فشمل ما إذا جعل الطير مبيعا أو ثمنا،
وشمل ما إذا كان من عادته أنه يذهب، ويجيء،
وهو الظاهر، وفي فتاوى قاضي خان، وإن باع طيرا
له يطير إن كان داجنا يعود إلى بيته، ويقدر
على أخذه بلا تكلف جاز بيعه، وإلا فلا، وقول
صاحب الهداية، والحمام إذا علم عودها، وأمكن
تسليمها جاز بيعها لأنها مقدورة التسليم
يوافقه، وصرح به في الذخيرة معزيا إلى
المنتقى، وفي المعراج باع فرسا في حظيرة فقال
البائع سلمته إليك ففتح المشتري فذهب الفرس
فإن أمكنه أخذه بيده من غير عون كان تسليما،
وإلا فلا لأنه لو مد يده لا يمكنه الأخذ. ا
هـ.
وفي القاموس الطير جمع طائر، وقد يقع على
الواحد، والجمع طيور وأطيار، والطيران محركة
حركة ذي الجناح في الهواء بجناحه ا هـ.
والأكثر فيها التأنيث، وقد تذكر كذا في
المصباح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكوم بفتح أوله يروى بالضم أصله الرمل
المشرف وهو اسم لمواضع بمصر تضاف إلى أربابها
أو إلى شيء عرفت به منها كوم الشمس ا. هـ
"معجم البلدان" (4/495).
2 أخرجه وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/240).
ج / 6 ص -111-
والحمل
والنتاج
______
والهواء ممدودا المسخر بين السماء والأرض،
والجمع أهوية، والهواء أيضا الشيء الخالي،
والهوى مقصورا ميل النفس وانحرافها نحو الشيء
ثم استعمل في ميل مذموم يقال اتبع هواه، وهو
من أهل الأهواء كذا في المصباح.
"قوله:
والحمل والنتاج" أي لا يجوز
بيعهما، والحمل بسكون الميم الجنين، والنتاج
حمل الحبلة، والبيع فيهما باطل لنهي النبي صلى
الله عليه وسلم عن بيع الحبل وحبل الحبلة1،
ولما فيه من الغرر، وفي مصنف عبد الرزاق نهي
عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة2 المضامين
جمع مضمونة ما في أصلاب الإبل، والملاقيح جمع
ملقوح ما في بطونها، وقيل بالعكس، وحبل الحبلة
ولد ولد الناقة.
وفي البناية الحبل بفتح الباء الموحدة يطلق،
ويراد به المصدر، ويراد به الاسم كما يقال له
الحمل أيضا، وأما دخول تاء التأنيث في الحبلة
فإنما هي للإشعار بالأنوثة، وقيل إنهما
للمبالغة كما في سخرة، ويحتمل أن يكون جمع
حابلة ففي المحكم امرأة حابلة من نسوة حبلة،
وروى بعض الفقهاء حملت بكسر الميم، ولم يثبت.
ا هـ.
وفي تلخيص النهاية بفتح الحاء والباء، وقد
تسكن نتاج النتاج، وهو يعم الدواب والناس، وفي
السراج الوهاج لا يجوز بيع الحمل وحده دون
الأم، ولا الأم دونه فلو باع الحمل، وولدت قبل
الافتراق وسلم لا يجوز، وكذا لا تجوز هبته،
وإن سلم إلى الموهوب له مع الأم، ولا يجوز
كتابته، ولو قبلت الأم عنه، ولا الكتابة عليه،
ولو تزوج عليه فالتسمية باطلة، ويجب مهر
المثل. ولو صالح من قصاص عليه فالصلح صحيح،
ويسقط القصاص، والتسمية فاسدة، ويكون للمولى
على القاتل الدية، وإن أعتق الحمل إن جاءت به
بعد العتق لأقل من ستة أشهر عتق، وإن كانت
لستة أشهر فصاعدا لا، وتجوز الوصية به إذا
ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية، ولو
خالعها على ما في بطن جاريتها أو ما في بطن
بهيمتها جاز، وللزوج الولد إذا جاءت به لأقل
من ستة أشهر، وإن جاءت به لستة أشهر لا سبيل
له عليها، ولكن ينظر إن قالت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في البيوع، تحريم بيع حبل الحبلة
بلفظ "نهى عن بيع حبل الحبلة" من حديث ابن عمر
برقم (1514). أخرجه النسائي في البيوع، باب
بيع حبل الحبلة (7/293) وابن ماجطه في
التجارات باب النهي عن شراء ما في بطون
الأنعام وضروعها (2197).
2 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" والهيثمكي في
"مجمع الزوائد" (4/104)، والطبراني في
"الكبير" برقم (11581) (11/183).
ج / 6 ص -112-
واللبن
في الضرع واللؤلؤ في الصدف والصوف على ظهر
الغنم.
______
اخلعني على ما في بطن جاريتي من ولد رجع عليها
بالمهر، وإن لم تقل من ولد فلا شيء عليها، ولو
باع شاة على أنها حاملة لم يجز لأن الحمل
مجهول، ولو اشترى جارية على أنها حاملة إن قصد
به التبري من العيب جاز، وإن قاله على وجه
الشرط لم يجز، ومنهم من قال بعدم الجواز في
الوجهين إذا شرط أنها حامل بجارية أو بغلام أو
بجدي أو بعناق، وأما إذا لم يفسر الحمل جاز. ا
هـ. وقد كتبنا في الفوائد الفقهية ما لا يجوز
إفراده للحمل، وما يجوز دون أمة فليراجع.
"قوله:
واللبن في الضرع" أي لا يجوز
بيعه للغرر فعساه انتفاخ، ولأنه ينازع في
كيفية الحلب، وربما يزداد فيختلط المبيع
بغيره، وفي المصباح الضرع لذات الظلف كالثدي
للمرأة، والجمع ضروع مثل فلس وفلوس
"قوله واللؤلؤ في الصدف" للغرر، وهو مجهول لا
يعلم وجوده، ولا قدره، ولا يمكن تسليمه إلا
بضرر، وهو كسر الصدف، وعن أبي يوسف الجواز لأن
الصدف لا ينتفع به إلا بالكسر فلا يعد ضررا
قيد به لأنه لو باع تراب الذهب والحبوب في
غلافها جاز لكونها معلومة، وتعلم بالقبض،
وفي السراج الوهاج لو اشترى دجاجة فوجد في
بطنها لؤلؤة فهي للبائع، ولو باع كرش شاة
مذبوحة لم تسلخ جاز، وإخراجه على البائع،
والمشتري بالخيار إذا رآه، واللؤلؤ الدر واحده
بهاء كذا في القاموس، والصدف محركة غشاء الدر
الواحد بهاء، والجمع أصداف منه أيضا.
"قوله:
والصوف على ظهر الغنم" لأنه
من أوصاف الحيوان، ولأنه ينبت من أسفل فيختلط
المبيع بغيره بخلاف القوائم لأنها تزاد من
أعلى، وبخلاف القصيل لأنه يمكن قلعه، والقطع
في الصوف متعين فيقع التنازع في موضع القطع،
وقد صح أنه عليه السلام نهى عن بيع الصوف على
ظهر الغنم، وعن اللبن في الضرع، وسمن في لبن.
وهو حجة على أبي يوسف في تجويز بيع الصوف في
رواية عنه كذا في الهداية، وصحح الإمام الفضلي
عدم جواز بيع قوائم الخلاف ; لأنه وإن كان
ينمو من أعلاه فموضع القطع مجهول فهو كمن
اشترى شجرة على أن يقطعها المشتري لا يجوز
لجهالة موضع القطع، وما ذكره من منع بيع الشجر
ليس متفقا عليه بل هي خلافية منهم من منعها إذ
لا بد في القطع من حفر الأرض، ومنهم من أجازه
للتعامل بخلاف القصيل لأنه يقلع فلا تنازع
فجاز بيعه قائما في الأرض، وأشار المصنف إلى
أن كل ما بيع في غلافه فلا يجوز كاللبن في
الضرع واللحم في الشاة الحية أو شحمها أو
أليتها أو أكارعها وجلودها أو دقيق في هذه
الخلطة أو سمن في هذا اللبن ونحوهما مما لا
يمكن تسليمها إلا بإفساد الخلقة والحبوب في
قشرها مستثناة من ذلك لما أسلفناه، وكذا بيع
الذهب والفضة في
ج / 6 ص -113-
والجذع
في السقف وذراع من ثوب
______
ترابهما بخلاف جنسهما كذا في فتح القدير، وفي
السراج الوهاج لو سلم الصوف واللبن بعد العقد
لم يجز أيضا، ولا ينقلب صحيحا. ا هـ.
وفي البناية معزيا إلى الصغرى، وبيع الكراث
يجوز، وإن كان ينمو من أسفله ا هـ. والخلاف
وزان كتاب شجر الصفصاف الواحدة خلافة، ونصوا
على تخفيف اللام، وزاد الصاغاني: وتشديدها من
لحن العوام، قال الدينوري1: زعموا أنه سمي
خلافا لأن الماء أتى به سببا فنبت مخالفا
لأصله، ويحكى أن بعض الملوك مر بحائط فرأى
شجرة الخلاف فقال لوزيره ما هذا الشجر فكره
الوزير أن يقول شجر الخلاف لنفور النفس عن
لفظه فسماه باسم ضده فقال شجر الوفاق فأعظمه
الملك لنباهته، ولا يكاد يوجد في البادية. ا
هـ.
"قوله:
والجذع في السقف وذراع من ثوب"
لأنه لا يمكنه تسليمه إلا بضرر أطلقه، وهو
محمول على ثوب يضره القطع كالعمامة والقميص
أما ما لا يضره القطع كالكرباس2 فيجوز، وقول
الطحاوي في آجر من حائط أو ذراع من كرباس أو
ديباج لا يجوز ممنوع في الكرباس أو محمول على
كرباس يتعيب به أما ما لا يتعيب فيه فيجوز كما
يجوز بيع قفيز من صبرة3.
وأشار المصنف إلى عدم جواز بيع حلية من سيف أو
نصف زرع لم يدرك لأنه لا يمكن تسليمه إلا بقطع
جميعه. وكذا بيع فص خاتم مركب فيه، وكذا نصيبه
من ثوب مشترك من غير شريكه، وذراع من خشبة
للضرر في تسليم ذلك، ولا اعتبار بما التزمه من
الضرر لأنه إنما التزم العقد، ولا ضرر فيه،
ويرد عليه بيع الحباب التي لا تخرج إلا بقلع
الأبواب على قول من أجاز، والبعض قد منعه،
وأجيب بأن المتعيب الجدران دون الحباب، وهذا
يفيد أن المنظور إليه في المنع تعيب المبيع،
والكلام السابق يفيد أنه تعيب غير المبيع، وهو
الظاهر كذا في فتح القدير فلو قطع البائع
الذراع أو قلع الجذع قبل فسخ المشتري عاد
صحيحا لزوال المفسد، وذكر في المجتبى فيه
أقوالا فقيل لم يجبر على القبول إلا أن يقبل
برضاه، وقيل لم يجز إلا بتجديد البيع، وقيل
ينعقد تعاطيا عند أخذه، وقيل ينعقد من الأصل
بخلاف ما إذا باع النوى في التمر أو البزر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أحمد بن داود الدينوري أبو حنيفة ولد في
العشر الأول من القرن الثالث الهجري تقريبا
عالم مشارك في كثير من العلوم كاللغة والأدب
والنبات وتوفي سنة اثنين وثمانين ومائتين هـ
من آثاره: كتاب النبات. ا هـ "الجواهر المضية"
(1/168) معجم المؤلفين" (1/218).
2 هو الثوب الخشن وهو فارسي معرب والجمع
كرابيس ا هـ "المصباح" (الكرباس).
3 الصبرة: بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ولا
وزن. ا هـ "القاموس" مادة "صبر".
ج / 6 ص -114-
وضربة
القانص والمزابنة.
______
في البطيخ حيث لا يصح وإن شقهما، وأخرج المبيع
لأن في وجودهما احتمالا أما الجذع فعين
موجودة، وبخلاف الصوف فإنه لا ينقلب صحيحا
بالتسليم، وقيد بذراع من ثوب لأنه لو باع عشرة
دراهم من نقرة فضة جاز لأنه لا ضرر في تبعيضه،
ولو لم يكن معينا لا يجوز لما ذكرنا، وللجهالة
أيضا كما في الهداية، وخرج أيضا ما لا ضرر في
تسليمه كبيع نخل أو شجر على أن يقطعه المشتري
أو زرعا على أن يحصده. كذا في المعراج، وأطلقه
أيضا فشمل ما إذا باع ذراعا، وعين الجانب فلا
يجوز أيضا كما في المعراج، وفي المجتبى، وفي
جواز بيع التبن قبل أن يداس، والأرز الأبيض
قبل الدق، والحنطة قبل الدرس، وحب القطن في
قطن بعينه، ونوى تمر في تمر بعينه فيه
روايتان. ا هـ.
"قوله:
وضربة القانص" أي لم يجز بيع
ما يخرج من ضربة القانص، وهو بالقاف والنون
الصائد يقول بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة
مرة بكذا، وقيل بالغين والياء الغائص قال في
تهذيب الأزهري1 نهي عن ضربة الغائص، وهو
الغواص تقول أغوص غوصة فما أخرجته من اللآلئ
فهو لك بكذا، وهو بيع باطل لعدم ملك البائع
المبيع قبل العقد فكان غررا، ولجهالة ما يخرج
كذا في فتح القدير، وصحح في البناية رواية
الغائص بالغين، وذكر أن القانص من قنص يقنص
قنصا إذا صاد من باب ضرب يضرب يعني أن الغائص
كما في الصحاح له استعمالان بمعنى النازل تحت
الماء، وبمعنى الهاجم على الشيء، وفي الصحاح
أن القنص بالتحريك الصيد، وبالتسكين مصدر قنصه
صاده، ولم يذكر في القاموس سوى اقتنصه اصطاده
كتنقيصه ذكره في الصاد مع القاف، وذكر مع
الغين الغوص والمغاص والغياصة والغياص الدخول
تحت الماء، والمغاص موضعه وأعلى الساق، وغاص
على الأمر علمه، والغواص من يغوص في البحر على
اللؤلؤ. ا هـ. وفي المصباح غاص من باب قال فهو
غائص، والجمع غاصة مثل قائف وقافة، وغواص
مبالغة.
"قوله:
والمزابنة" هو بالجر في الكل
عطفا على الميتة أي لم يجز بيع المزابنة لنهيه
صلى الله عليه وسلم عن بيع المزابنة،
والمحاقلة2. أما المزابنة فقال في الفائق بيع
الثمر في رءوس النخل بالتمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه تهيب اللغة: لأبي منصوور محمد بن أحمد
بن طلحة الأزهري المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة
ورتبه باعتبار مخارج الحروف فابتدأه بحرف
العين وانتهى بالياء. ا هـ "كشف الظنون"
1/515).
2 أخرجه النسائي في الأيمان باب (45) (7/39)
من حديث أبي هريرة والمزي في "تحفة الأشراف"
وقال: تفرد به النسائي (14986).
ج / 6 ص -115-
والملامسة وإلقاء الحجر
______
لأنها تؤدي إلى النزاع، والمدافعة من الزبن،
وهو الدفع، والمحاقلة من الحقل، وهو القراح من
الأرض، وهي الطيبة التربة الخالصة من شائبة
السبخ الصالحة للزرع، ومنه حقل يحقل إذا زرع،
والمحاقلة مفاعلة من ذلك، وهي المزارعة بالثلث
أو الربع وغيرهما، وقيل هي اكتراء الأرض
بالبر، وقيل بيع الطعام في سنبله بالبر، وقيل
بيع الزرع قبل إدراكه، وفي رواية، ورخص في
العرايا. قال العرية النخلة التي يعريها الرجل
محتاجا أي يجعل له ثمرتها فرخص للمعري أن
يبتاع ثمرتها من المعرى بتمر لموضع حاجته سميت
عرية لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من
الثمرة وعراها منها ثم اشتق منها الإعراء ا
هـ. واقتصر في الهداية في تفسير المحاقلة على
القول الثالث، وجوز الشافعي بيع المزابنة فيما
دون خمسة أوسق لنهيه عن المزابنة، ورخص في
العرايا، وهي أن يباع بخرصها تمرا فيما دون
خمسة أوسق، وأجاب أصحابنا بأن العرية العطية
لغة، وتأويله أن يبيع المعري له ما على النخيل
من المعرى بتمر مجذوذ، وهو بيع مجاز لأنه لا
يملكه فيكون برا مبتدأ كذا في الهداية،
وأصحابنا خرجوا عن الظاهر من ثلاثة أوجه الأول
إطلاق البيع على الهبة. الثاني قوله رخص يخالف
ما قرروه، وجوابه أنه رخصة في الوفاء بالوعد،
والعزيمة أن يفي بالموعود فأعطى غيره مع كونه
ليس بإخلاف للوعد رخصة. الثالث التقييد بما
دون خمسة أوسق فائدة، وعلى مذهبنا لا فائدة
له، وجوابه لأن الواقعة في القليل، ومن
مشايخنا من ادعى أن الترخيص في بيع العرايا
منسوخ بالنهي عن بيع العرايا، ومنهم من قال
تعارض المحرم والمبيح فقدم المحرم، وهو مردود
بأن الرخصة متصلة بالنهي فلا يصح القول بنسخ
الترخيص للاتصال، وقد ثبت في البخاري أنه نهى
عن بيع المزابنة ثم رخص بعد ذلك في بيع
العرايا1. فبطل القول بالنسخ، والله الموفق.
والخرص الحرز، وكذا لا يجوز بيع العنب
بالزبيب، ومعنى النهي أنه مال الربا فلا يجوز
بيعه بجنسه مع الجهل كما لو كانا موضوعين على
الأرض ثم اعلم أن تعريف المزابنة بأنها بيع
الثمر بالتمر خلاف التحقيق، والأولى أن يقال
بيع الرطب بتمر إلى آخره لأن الثمر بالمثلثة
حمل الشجر رطبا أو غيره، وإذا لم يكن رطبا جاز
لاختلاف الجنس، ولو كان الرطب على الأرض
كالتمر لم يجز بيعه متساويا عند العلماء إلا
أبا حنيفة لما سيأتي في باب الربا.
"قوله:
والملامسة وإلقاء الحجر"،
ومثلها المنابذة، وهذه بيوع كانت في الجاهلية
فنهي عنها، وهو أن يتراوض الرجلان على سلعة أي
يتساوما فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه
البائع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري من حديث رافع بن خديج وسهل بن
أبي حثمة في المساقاة، باب الرجل يكون له ممر
أو شرب في حائط أو في نخل (2383).
ج / 6 ص -116-
وثوب
من ثوبين والمراعي وإجارتها.
______
أو وضع المشتري عليها حصاة لزم البيع رضي
البائع أو لم يرض، والأول بيع الملامسة،
والثاني بيع المنابذة، والثالث إلقاء الحجر،
ولأن فيه تعليقا بالحظر، ولا بد في هذه البيوع
أن يسبق الكلام منهما على الثمن
"قوله وثوب من ثوبين" لجهالة المبيع، وتقدم في
خيار الشرط أنه إذا جعل للمشتري خيار التعيين
جاز فيما دون الثلاثة فلذا أطلقه هنا، وفي
المعراج، وكذا عبد من عبدين لا يجوز، ولا خلاف
فيه لأحد حتى لو قبضهما، وماتا معا يضمن نصف
قيمة كل واحد منهما لأن أحدهما مضمون بالقيمة
لأنه مقبوض بحكم البيع الفاسد، والآخر أمانة،
وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت الأمانة
والضمان، ولهذا لو كان البيع صحيحا بأن كان
فيه خيار المشتري يضمن نصف ثمن كل واحد،
والفاسد معتبر بالصحيح، والقيمة هنا كالثمن
ثمة، ولو ماتا مرتبين ضمن قيمة الأول لأنه
تعين مضمونا لتعذر الرد فيه. ولو حررهما معا
عتق أحدهما لأنه ملك أحدهما بالقبض، وإن حرر
أحدهما لم يصح أي لو قال البائع أو المشتري
أحدهما حر، ولو قالا متعاقبا عتقا لأن كل واحد
أعتق ملكه، وملك غيره فيصح في ملكه، والبيان
إلى المشتري لأن من نفذ فيه عتقه مضمون
بالقيمة، والقول في المضمون قول الضامن، ولو
قبض أحدهما بإذن البائع فهلك غرم قيمته. ا هـ.
وقيد بالقيمي إذ بيع المبهم في المثلي جائز
قال في التلخيص من باب بيع المبهم لو اشترى
أحد عبدين أو ثوبين فسد لجهل يورث نزاعا ضد
المثلي فلو قبضهما ملك أحدهما، والآخر أمانة
وفاء بالعهد إلى آخره
"قوله:
والمراعي وإجارتها" أي لا
يجوز بيع الكلأ، وإجارته أما البيع فلأنه ورد
على ما لا يملكه لاشتراك الناس فيه بالحديث
"الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ
والنار"1، وأما الإجارة فلأنها عقدت على
استهلاك عين مباح، ولو عقدت على استهلاك عين
مملوكة بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز
فهذا أولى،
وفي المصباح: والرعي بالكسر والمرعى بمعنى،
وهو ما ترعاه الدواب، والجمع المراعي ا هـ.
قيد بالمراعي بمعنى الكلأ لأن بيع رقبة الأرض،
وإجارتها جائزان، ومعنى الشركة في النار
الاصطلاء بها، وتجفيف الثياب يعني إذا أوقد
رجل نارا فلكل أن يصطلي بها أما إذا أراد أن
يأخذ الجمر فليس له ذلك إلا بإذن صاحبه،
ومعناه في الماء الشرب وسقي الدواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في البيوع، باب في منع الماء
بلفظ "المسلمون شركاء في ثلاثة..." برقم
(3477).
ج / 6 ص -117-
والنحل
______
والاستقاء من الآبار والحياض والأنهار
المملوكة، وفي الكلأ أن له احتشاشه، وإن كان
في أرض مملوكة غير أن لصاحب الأرض أن يمنع من
الدخول في أرضه، وإذا منع فلغيره أن يقول إن
لي في أرضك حقا فإما أن توصلني إليه أو تحشه
أو تستقي، وتدفعه لي، وصار كثوب رجل وقع في
دار رجل إما أن يأذن المالك في دخوله ليأخذه،
وإما أن يخرجه إليه أما إذا أحرز الماء
بالاستقاء في آنية، والكلأ بقطعه جاز حينئذ
بيعه لأنه ملكه بذلك، وظاهر أن هذا إذا نبت
بنفسه فأما إذا كان سقى الأرض، وأعدها للإنبات
فنبت ففي الذخيرة، والمحيط والنوازل يجوز بيعه
لأنه ملكه، وهو مختار الصدر الشهيد. وكذا ذكر
في اختلاف أبي حنيفة فيحمل كلام المصنف على ما
إذا لم يعدها للإنبات.
ومنه لو حدق حول أرضه، وهيأها للإنبات حتى نبت
القصب صار ملكا له والقدوري منع بيعه، وإن ساق
الماء إلى أرضه، ولحقه مؤنة لبقاء الشركة،
وإنما تنقطع بالحيازة، وسوق المال إلى أرضه
ليس بحيازة لكن الأكثر على الأول إلا أن على
هذا القائل أن يقول ينبغي إن حاز البئر يملك
بناءها، ويكون بتكلفة الحفر والطي لتحصيل
الماء يملك الماء كما يملك الكلأ بتكلفة سوق
الماء إلى الأرض لينبت فله منع المستقي، وإن
لم يكن في أرض مملوكة له كذا في فتح القدير،
وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية الكلام عليه في
كتاب الشرب، والحيلة في جواز إجازته أن
يستأجرها أرضا لإيقاف الدواب فيها أو لمنفعة
أخرى بقدر ما يريد صاحبه من الثمن أو الأجرة
فيحصل به غرضهما، ويدخل في الكلأ جميع أنواع
ما ترعاه المواشي رطبا كان أو يابسا بخلاف
الأشجار لأن الكلأ ما لا ساق له، والشجر له
ساق فلا تدخل فيه حتى يجوز بيعها إذا نبتت في
أرضه لكونها ملكه، والكمأة كالكلأ، وفي
القاموس الكمء نبات، والكمأة للواحد، والكمء
للجمع أو هي تكون واحدة، وجمعا. ا هـ.
"قوله:
والنحل" أي لم يجز بيعه، وهذا
عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يجوز إذا
كان محرزا، وهو معنى ما في الذخيرة إذا كان
مجموعا لأنه حيوان منتفع به حقيقة، وشرعا
فيجوز بيعه، وإن كان لا يؤكل كالبغل والحمار،
ولهما أنه من الهوام فلا يجوز بيعه كالزنابير،
والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه فلا يكون
منتفعا به قبل الخروج.
أطلقه فشمل ما إذا كان بيع تبعا للكوارات،
وفيها عسل، وهو قول الكرخي وذكر القدوري أن
بيعه تبعا للكوارة فيها عسل جائز، وأنكره
الكرخي، وقال إنما يدخل الشيء في البيع تبعا
لغيره إذا كان من حقوقه كالشرب والطريق، وهذا
ليس من حقوقه كذا في الفوائد الظهيرية،
ج / 6 ص -118-
يباع
دود القز وبيضه
______
وأجيب عنه بأن التبعية لا تنحصر في الحقوق
كالمفاتيح فالعسل تابع للنحل في الموجود،
والنحل تابع له في المقصود بالبيع.
والكوارة بضم الكاف وتشديد الواو معسل النحل
إذا سوي من طين، وفي التهذيب كوارة النحل
مخففة، وفي المغرب بالكسر من غير تشديد، وقيد
الزمخشري بفتح الكاف، وفي الغريبين بالضم كذا
في فتح القدير، وفي المصباح كوارة النحل بالضم
والتخفيف، والتثقيل لغة عسلها في الشمع، وقيل
بيتها إذا كان فيه العسل، وقيل هو الخلية،
وكسر الكاف مع التخفيف لغة. ا هـ. وسيأتي أن
الفتوى على قول محمد.
"قوله:
ويباع دود القز وبيضه" أما
الدود فلا يجوز بيعه عند أبي حنيفة لأنه من
الهوام، وعند أبي يوسف يجوز إذا ظهر فيه القز
تبعا، وعند محمد يجوز كيفما كان لكونه منتفعا
به، وأما بيضه فلا يجوز بيعه عند أبي حنيفة،
وعندهما يجوز لمكان الضرورة، وقيل أبو يوسف مع
أبي حنيفة كما في دوده، وإنما اختار المؤلف
قول محمد في الدود، والبيض لكونه المفتى به،
ولكن يرد عليه أن الفتوى على قول محمد أيضا في
بيع النحل كما في الذخيرة والخلاصة فلم اختار
قوله في الدود دون النحل بلا مرجح، ولعله لم
يطلع على أن الفتوى على قوله فيهما.
وفي المصباح القز معرب قال الليث هو ما يعمل
منه الإبريسم، ولهذا قال بعضهم: القز
والإبريسم مثل الحنطة والدقيق. ا هـ.
وأما الخز فاسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ
من وبرها، والجمع خزان مثل صرد وصردان منه
أيضا قيد بالنحل والدود لأن ما سواهما من
الهوام كالحيات والعقارب والوزغ والقنافذ
والضب لا يجوز بيعه اتفاقا، ولا يجوز بيع شيء
من البحر إلا السمك كالضفدع والسرطان
والسلحفاة وفرس البحر، وغير ذلك، ولكن في
الذخيرة إذا اشترى العلق الذي يقال له
بالفارسية مرعل يجوز، به أخذ الصدر الشهيد
لحاجة الناس إليه لتمول الناس له.
وفي المصباح العلق شيء أسود شبيه الدود يكون
في الماء يعلق بأفواه الإبل عند الشرب ا هـ.
وقيد بالبيع لأنه لو كان الدود، وورق التوت من
واحد، والعمل من آخر على أن يكون القز بينهما
نصفين أو أقل أو أكثر لا يجوز عند محمد، وكذا
لو كان العمل منهما، وهو بينهما نصفان.
وفي فتاوى الولوالجي امرأة أعطت امرأة بزر
القز، وهو بزر الفيلق بالنصف فقامت عليه حتى
أدرك فالفليق لصاحبة البزر لأنه حدث من بزرها،
ولها على صاحبة البزر قيمة الأوراق، وأجر
مثلها، ومثله إذا دفع بقرة إلى آخر يعلفها
ليكون الحادث بينهما بالنصف فالحادث كله
ج / 6 ص -119-
كالآبق.
______
لصاحب البقرة، وله على صاحب البقرة ثمن العلف،
وأجر مثله، وعلى هذا إذا دفع الدجاج ليكون
البيض بالنصف كذا في فتح القدير، ومحلها كتاب
الإجارات، ولم يذكر المؤلف بيع الحمام، وذكره
في الهداية فقال: والحمام إذا علم عددها،
وأمكن تسليمها جاز بيعها لأنه مال مقدور
التسليم.
وفي الذخيرة إذا باع برج حمام مع الحمام فإن
باع ليلا جاز لأن في الليل يكون الحمام بجملته
داخل البرج، ويمكن أخذه منه من غير الاحتيال
فيكون بائعا ما يقدر على تسليمه، وفي النهار
يكون بعضه خارج البيت فلا يمكن أخذه إلا
بالاحتيال فلا يجوز ا هـ.
"قوله:
والآبق" أي لم يجز بيع الآبق
لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولأنه لا
يقدر على تسليمه، ولو باعه ثم عاد من الإباق
لا يتم ذلك العقد لأنه وقع باطلا لانعدام
المحلية كبيع الطير في الهواء، وعن أبي حنيفة
أنه يتم العقد إذا لم يفسخ لأن العقد انعقد
لقيام المالية، والمانع قد ارتفع، وهو العجز
عن التسليم كما إذا أبق بعد البيع، وهكذا يروى
عن محمد كذا في الهداية، والأول ظاهر الرواية،
وبه كان يفتي أبو عبد الله البلخي1 كما في
الذخيرة، وأولوا تلك الرواية بأن المراد بها
انعقاد البيع بالتعاطي الآن.
أطلقه فشمل ما إذا باعه لابنه الصغير فإنه لا
يجوز، وكذا اليتيم في حجره بخلاف ما إذا وهبه
له فإنه يجوز، والفرق أن شرط البيع القدرة على
التسليم عقب البيع، وهو منتف، وما بقي له من
اليد يصلح لقبض الهبة لا لقبض البيع لأنه قبض
بإزاء مال مقبوض من مال الابن، وهذا قبض ليس
بإزائه مال يخرج من مال الولد فكفت تلك اليد
له نظرا للصغير لأنه لو عاد عاد إلى ملك
الصغير هكذا في فتح القدير والتبيين.
وفي فتاوى قاضي خان من الهبة خلافه قال: ولو
وهب عبده الآبق لولده الصغير لا يجوز، وإن
باعه جاز ا هـ. فقد عكس الحكم على ما نقله
الشارحون، ولم أر أحدا منهم نبه على هذا.
والحق ما ذكره القاضي لما في المعراج، ولو باع
الآبق من ابنه الصغير لا يجوز، ولو وهبه له أو
ليتيم في حجره يجوز لأن ما بقي له من اليد في
الآبق يصلح لقبض الهبة دون البيع ا هـ.
وأما صاحب الذخيرة فذكر في البيوع أن الأب لو
باع العبد المرسل في حاجته لابنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل المراد به محمد بن سلمة المكنى بأبي عبد
الله البلخي وتقدمت ترجمته.
ج / 6 ص -120-
إلا أن
يبيعه ممن يزعم أنه عنده
______
الصغير جاز، ولم يذكره في الآبق، وذكر في كتاب
الهبة لو وهب عبدا له آبقا من ابنه الصغير فما
دام مترددا في دار الإسلام تجوز الهبة، ويصير
الأب قابضا لابنه بنفس الهبة ذكر هذه المسألة
في الجامع، وفي المنتقى عن أبي يوسف لو تصدق
بعبد آبق له على ابنه الصغير لا يجوز، وروى
المعلى عنه أنه يجوز فحصل عن أبي يوسف في
المسألة روايتان. ا هـ. وشمل كلامه أيضا ما
إذا باعه بعدما أبق من يد الغاصب مع أنه جائز
منه لما في الذخيرة، وإذا أبق العبد المغصوب
من يد الغاصب ثم إن المالك باع العبد من
الغاصب، وهو آبق بعد فالبيع جائز، والأصل أن
الإباق إنما يمنع جواز البيع إذا كان التسليم
محتاجا إليه بأن أبق من يد المالك ثم باعه
المالك فأما إذا لم يكن التسليم محتاجا إليه
كما في مسألتنا يجوز البيع. ا هـ.
وقيد بالآبق لأن العبد المرسل في حاجة المولى
يجوز بيعه، ولو باعه، وليس بآبق ثم أبق قبل
القبض فإن المشتري بالخيار في فسخ ذلك العقد،
ولا يكون للبائع أن يطالب المشتري بالثمن ما
لم يحضر العبد ا هـ. وجعل الراد على البائع
كما في القنية، وخرج أيضا بيع المغصوب فقد ذكر
محمد في الأصل أنه موقوف إن أقر به الغاصب تم
البيع، ولزم، وإن جحده، وكان للمغصوب منه بينة
عادلة فكذلك الجواب، وإن لم يكن له بينة، ولم
يسلمه حتى هلك انتقض البيع، وبعض مشايخنا
قالوا قول محمد في الكتاب، وإن لم يكن للمغصوب
منه بينة، ولم يسلمه حتى هلك انتقض البيع
بظاهره غير صحيح، وينبغي أن لا ينتقض البيع
لأن البيع، وإن فات فقد أخلف بدلا، والمبيع
إذا فات، وأخلف بدلا لا ينتقض البيع إلا أن
يختار المشتري التنقض فكان تأويل قول محمد
انتقض البيع إذا اختار المشتري، وبعضهم قالوا
إنه بظاهره صحيح، وينتقض البيع من غير اختيار
المشتري إلى آخر ما في الذخيرة، وقيد ببيعه
لأن هبته جائزة كما قدمناه عن المعراج، وأما
إعتاقه فجائز لكن إن أعتقه عن كفارة عليه فإنه
لا يجوز حتى تعلم حياته كما في المعراج، ويصح
جعله بدل خلع كما قدمناه في بابه عند قوله ولو
اختلعت على عبد أبق لها على أنها بريئة من
ضمانه لم تبرأ، وأما جعله بدل صلح.
"قوله:
إلا أن يبيعه ممن يزعم أنه عنده"
فيجوز البيع لأن المنهي عنه بيع آبق مطلق، وهو
أن يكون آبقا في حقهما، وهذا غير آبق في حق
المشتري، ولأنه إذا كان عند المشتري انتفى
العجز عن التسليم، وهو المانع، ولم يذكر
المصنف أنه يكتفي بقبضه عن قبض المبيع
للتفصيل قالوا إن كان أشهد وقت أخذه أنه أخذه
ليرده على مالكه كان أمانة في يده فلا ينوب عن
قبض البيع فلو هلك قبل أن يصل إلى سيده لم
يضمنه فينفسخ البيع، ويرجع على سيده بالثمن،
ولو كان لم يشهد صار قابضا لأنه قبض غصب هكذا
اقتصر الشارحون هنا.
وذكره في الذخيرة إذا اشترى ما هو أمانة في
يده من وديعة أو عارية فإنه لا يكون قابضا
ج / 6 ص -121-
ولبن
امرأة وشعر الخنزير وينتفع به.
______
إلا إذا ذهب المودع أو المستعير إلى العين،
وانتهى إلى مكان يتمكن من قبضه الآن يصير
المشتري قابضا بالتخلية فإذا هلك بعد ذلك يهلك
من مال المشتري فإن فعل المشتري في فصل
الوديعة، والعارية ما يكون قبضا ثم أراد
البائع أن يحبسها بالثمن لم يكن له ذلك لأنه
لما باعه منه مع علمه أن المبيع في يد
المشتري، وهو يتمكن من القبض يصير راضيا بقبض
المشتري دلالة. ا هـ.
وقيد ببيعه ممن يزعم أنه عنده لأنه لو باعه من
رجل يزعم أنه عند آخر فإنه لا يصح، ولكنه فاسد
إذا قبضه المشتري ملكه بخلاف بيع الآبق فإنه
باطل فلذا كتبنا في الفوائد الفقهية أن بيع
الآبق يكون باطلا وفاسدا، وصحيحا.
"قوله:
ولبن امرأة" بالجر أي لم يجز
بيع لبن المرأة لأنه جزء الآدمي، وهو بجميع
أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع أطلقه
فشمل لبن الحرة، والأمة، وهو ظاهر الرواية،
وعن أبي يوسف يجوز بيع لبن الأمة لجواز إيراد
البيع على نفسها فكذا على جزئها قلنا الرق حل
نفسها فأما اللبن فلا رق فيه لأنه يختص بمحل
يتحقق فيه القوة التي هي ضده، وهي الحي، ولا
حياة في اللبن فلا يكون محلا للعتق، ولا للرق
فكذا البيع فشمل ما إذا كان في إناء أو لا،
والأولى أن يقيد مراده بما إذا كان في وعاء
كما قيده في الهداية لأن حكم اللبن في الضرع
قد تقدم. وأشار المصنف إلى أنه لا يضمن متلفه
لكونه ليس بمال، وإلى أنه لا يحل به التداوي
في العين الرمداء، وفيه قولان فقيل بالمنع،
وقيل بالجواز إذا علم فيه الشفاء هكذا نقله في
فتح القدير هنا، وقال في موضع آخر، وأهل الطب
يثبتون نفعا للبن البنت للعين، وهذه من أفراد
مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر،
واختار في الخانية والنهاية الجواز إذا علم أن
فيه الشفاء، ولم يجد دواء غيره، وسيأتي إن شاء
الله تعالى تمامه في الحظر والإباحة، وقيد
بلبن المرأة لأنه يجوز بيع لبن الأنعام قال
الإمام الرباني محمد بن الحسن الشيباني جواز
إجارة الظئر دليل على فساد بيع لبنها، وجواز
بيع لبن الأنعام دليل على فساد إجارتها.
"قوله:
وشعر الخنزير" أي لم يجز بيعه
إهانة له لكونه نجس العين كأصله فالبيع هنا لو
جاز لكان إكراما، وفي الخمر والخنزير كذلك لو
جاز لكان إعزازا، وقد أمرنا بالإهانة، وفي لبن
المرأة لو جاز لكان إهانة لها، وقد أمرنا
بإعزاز الآدمي فالفعل الواحد، وهو البيع هنا
يجوز أن يكون إعزازا بالنسبة إلى محل، وإهانة
بالنسبة إلى آخر مثلا إذا أمر السلطان بعض
الغلمان بالوقوف عند الفرس بحضرته كان إعزازا
له، ولو أمر القاضي بذلك لكان إهانة له،
وحاصله أن جواز بيع المهان إعزاز له، وجواز
بيع المكرم إهانة له
"قوله:
وينتفع به" أي يجوز الانتفاع
بشعر الخنزير دفعا لما يتوهم من منع بيعه،
ولكنه مقيد بالخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا
يتأتى بدونه، ويوجد مباحا فلا حاجة إلى القول
بجواز بيعه
ج / 6 ص -122-
وشعر
الإنسان والانتفاع به وجلد الميتة قبل الدبغ
______
وشرائه حتى لو لم يوجد لم يكره شراؤه للأساكفة
للحاجة، وكره بيعه لعدمها كما أفتى به الفقيه
أبو الليث، وظاهر كلامهم منع الانتفاع به عند
عدم الضرورة بأن أمكن الخرز بغيره، ولذا قيل
لا ضرورة إلى الخرز به لإمكانه بغيره، وكان
ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير فعلى
هذا لا يجوز بيعه، ولا الانتفاع به، ولذا روي
عن أبي يوسف كراهة الانتفاع به إلا أن يقال إن
إمكان الخرز بغيره، وإن وقع لفرد بسبب تحمله
مشقة في خاصة نفسه لا يجوز أن يلزم العموم
حرجا مثله، وحيث كان جواز الانتفاع به
للضرورة والأصل أن ما ثبت للضرورة يتقدر
بقدرها أفتى الإمام أبو يوسف بنجاسته فينجس
الماء القليل إذا وقع فيه وطهره محمد لأن جواز
الانتفاع به دليلها، والصحيح قول أبي يوسف لما
قدمناه، وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة
الخرازين مع شعر الخنزير، وإن كان أكثر من قدر
الدرهم فهو مخرج على قول محمد بطهارته، وأما
على قول أبي يوسف فلا، وهو الوجه لأن الضرورة
لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على
الامتناع عنه، ويجتمع على ثيابهم هذا المقدار.
"قوله:
وشعر الإنسان والانتفاع به"
أي لم يجز بيعه والانتفاع به لأن الآدمي مكرم
غير مبتذل فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه
مهانا مبتذلا، وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم:
"لعن الله الواصلة والمستوصلة"1
وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون
النساء وذوائبهن كذا في الهداية، وصرح في فتح
القدير بأن الآدمي مكرم، وإن كان كافرا،
والواصلة هي التي تصل الشعر بشعر النساء،
والمستوصلة المعمول بها بإذنها ورضاها، ولعن
في الحديث
"النامصة
والمتنمصة"2 والنامصة هي التي تنقص الحاجب لتزينه، والمتنمصة هي التي يفعل بها
ذلك.
"قوله وجلد الميتة قبل الدبغ" أي لم يجز بيعه
لأنه غير منتفع به قال عليه السلام
"لا تنتفعوا من
الميتة بإهاب"3، وهو اسم
لغير المدبوغ فيكون نجس العين بخلاف الثوب
والدهن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجحه البخاري في اللباس بالمستوشمة (5947)
من حديث ابن عمر. ومسلم في اللباس ووالزينة،
باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة (2124).
والنسائي في الزينة، باب المستوصلة (8/145).
وكلهم بلفظ "لعن رسول الله..."
2 أخرجه النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها
بلفظ
"نهى رسول الله عن الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والنامصة
والمتنمصة".
كتاب الزينة باب المتنمصات (8/147) وقال في
"تحفة اغلأشراف" انفرد به النسائي (17975).
3 تقدم تخريجه (1/110).
ج / 6 ص -123-
وبعده
يباع، وينتفع به كعظم الميتة وصوفها وعصبها
وقرنها ووبرها وعلو سقط
______
المتنجس فإنها عارضة قيد بما قبل الدبغ لأنه
لو باعه بعده جاز لحل الانتفاع للطهارة، ولذا
قال "وبعده يباع، وينتفع به"، وقيد بالميتة
لأن جلد المذكاة يجوز بيعه قبل الدباغة، ولحوم
السباع، وشحومها، وجلودها بعد الذكاة كجلود
الميتة بعد الدبغ فيجوز بيعها، والانتفاع بها
ما عدا الأكل لطهارتها بالذكاة إلا جلد
الخنزير
"قوله:
كعظم الميتة وصوفها وعصبها وقرنها ووبرها"
أي يجوز بيعها، والانتفاع بها لأنها طاهرة لا
يحلها الموت لعدم الحياة، وقد قررناه من قبل،
والفيل كالخنزير نجس العين عند محمد، وعندهما
بمنزلة السباع حتى يباع عظمه وينتفع به، ويجوز
بيع القرد على المختار.
"قوله:
وعلو سقط" أي لم يجز بيع علو
بعد انهدامه لأن الباقي بعد سقوطه حق التعلي،
وهو ليس بمال لأن المال ما يمكن إحرازه،
والمال هو المحل المبيع بخلاف الشرب حيث يجوز
بيعه تبعا للأرض باتفاق الروايات، ومفردا في
رواية، وهو اختيار مشايخ بلخ لأنه حظ من
الماء، ولهذا يضمن بالإتلاف، وله قسط من
الثمن، وسيأتي تمامه في الشرب إن شاء الله
تعالى.
وقيد بسقوطه لأن بيعه قبل سقوطه جائز كما في
فتح القدير لأن المبيع البناء فعلى هذا يجوز
بيع سقف البيت قبل نقضه كما يجوز بيع البناء
قبل هدمه لكن في عمدة الفتاوى لا يجوز بيع
بناء الوقف قبل هدمه ولا الأشجار الموقوفة
المثمرة قبل قلعها بخلاف غير المثمرة. ا هـ.
وأشار المصنف إلى أن العلو لو سقط قبل القبض
فإن البيع يبطل كهلاك المبيع قبل القبض كما في
فتح القدير، والعلو خلاف السفل بضم العين
وكسرها كذا في المصباح، ولم يذكر المصنف بيع
الطريق والمسيل، وفي الهداية وبيع الطريق
وهبته جائز، وبيع مسيل الماء وهبته باطل،
والمسألة تحتمل وجهين بيع رقبة الطريق
والمسيل، وبيع حق المرور، والتسييل فإن كان
المراد الأول فوجه الفرق بين المسألتين أن
الطريق معلوم لأن له طولا وعرضا معلوما أما
المسيل فمجهول لأنه لا يدري قدر ما يشغله من
الماء، وإن كان الثاني ففي بيع حق المرور
روايتان وجه الفرق على أحدهما بينه وبين حق
التسييل أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل
معلوم، وهو الطريق، وأما المسيل على السطح فهو
حق التعلي، وعلى الأرض مجهول لجهالة محله،
ووجه الفرق بين حق المرور، وحق التعلي على
إحدى الروايتين أن حق التعلي يتعلق بعين لا
تبقى، وهو البناء فأشبه المنافع أما حق المرور
يتعلق بعين تبقى، وهو الأرض فأشبه الأعيان ا
هـ.
ج / 6 ص -124-
وأمة
تبين أنه عبد، وكذا عكسه.
______
"قوله:
وأمة تبين أنه عبد، وكذا عكسه"
أي لم يجز بيع أمة ظهر أنه عبد وعكسه، وهو بيع
عبد تبين أنه جارية بخلاف ما إذا باع كبشا
فإذا هو نعجة حيث ينعقد البيع، ويتخير الفرق
يبتنى على الأصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد،
وهو أن الإشارة مع التسمية إذا اجتمعتا ففي
مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى، ويبطل
لانعدامه، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار
إليه، وينعقد لوجوده، ويتخير لفوات الوصف كمن
اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب، وفي
مسألتنا الذكر والأنثى من بني آدم جنسان
للتفاوت في الأغراض، وفي الحيوانات جنس واحد
للتقارب فيها، وهو المعتبر دون الأصل كالخل
والدبس جنسان والوذاري والزنديجي على ما قالوا
جنسان مع اتحاد أصلهما كذا في الهداية، والأصل
المذكور لمحمد رحمه الله تعالى متفق عليه هنا،
ويجري في سائر العقود من النكاح والإجارة
والصلح عن دم العمد والخلع والعتق على مال،
والبيع في مسألة الكتاب باطل لعدم المبيع، وبه
ظهر أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان فقها،
وإن اتحدا جنسا في المنطق لأنه الذاتي المقول
على كثيرين مختلفين بمميز داخل، والجنس في
الفقه المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها
فاحشا فالجنسان ما يتفاوت الغرض منهما فاحشا
بلا نظر إلى الذاتي. والوذاري بفتح الواو
وكسرها وإعجام الذال ثم راء مهملة نسبة إلى
وذار قرية من قرى سمرقند، والزنديجي بزاي أي
ثم نون ثم دال مهملة ثم ياء ثم جيم نسبة إلى
زندنة بفتح الزاي والنون الأخيرة، والجيم زيدت
على خلاف القياس مع اتحاد أصلهما هكذا ذكر
صاحب الهداية عن المشايخ.
قال في فتح القدير، ومن المختلفي الجنس ما إذا
باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع
باطل، ولو باعه ليلا على أنه ياقوت أحمر فظهر
أصفر صح، ويخير كما إذا باع عبدا على أنه خباز
فإذا هو كاتب هكذا ذكر المصنف، وإن كانت صناعة
الكتابة أشرف عند الناس من الخبز، وكان المصنف
ممن لا يفرق من المشايخ بين كون الصفة التي
ظهرت خيرا من الصفة التي عينت أو لا في ثبوت
الخيار كما أطلق في المحيط ثبوت الخيار، وذهب
آخرون منهم صدر الإسلام وظهير الدين إلى أنه
إنما يثبت إذا كان الموجود أنقص، وصحح الأول
لفوات غرض المشتري، وكان مستند المفصلين ما
تقدم فيمن اشترى عبدا على أنه كافر فإذا هو
مسلم لا خيار له لأنه خير مما عين، وقد يفرق
بأن الغرض، وهو استخدام العبد بما لا يليق به
لا يتفاوت بين مسلم وكافر من الزراعة وأمورها
أو التجارة وأمورها بخلاف تعيين الخبز أو
الكتابة فإنه يفيد أن حاجته التي لأجلها اشتري
هي هذا الوصف. ا هـ.
وقد ظهر من كلامهم أن من اشترى فصوصا ثم
اختلفا قال المشتري شرطت لي ياقوتا.
ج / 6 ص -125-
وشراء
ما باع بالأقل قبل النقد.
______
وأنكره البائع أنه إن كان ما ظهر من خلاف جنس
الياقوت تحالفا، وفسخ البيع لأن الاختلاف في
جنس المبيع، وإن كان ما ظهر من جنسه، وإنما
الفائت الوصف فإن كان المبيع بمرأى من عين
المشتري وقت البيع فلا خيار له، ولو أقر
البائع بالشرط لما قدمناه عن قاضي خان في شرح
اشتراط الخبز والكتابة قبيل باب خيار الرؤية،
وإلا فالقول للبائع لأن الاختلاف في اشتراط
وصف كالاختلاف في اشتراط الخبز، ولذا صورها في
الفتح بما إذا اشترياه ليلا لإخراج ما إذا
كان نهارا بمرأى من عينه، وقد صارت حادثة
الفتوى، وأجبت بما ذكرناه، والله الموفق
للصواب.
"قوله:
وشراء ما باع بالأقل قبل النقد"
أي لم يجز شراء البائع ما باع بأقل مما باع
قبل نقد الثمن فهو مرفوع عطفا على بيع لا أنه
مجرور عطفا على المجرورات لأنه لو كان كذلك
لصار المعنى لم يجز بيع شراء وهو فاسد، وإنما
منعنا جوازه استدلالا بقول عائشة رضي الله
تعالى عنها لتلك المرأة، وقد باعت بستمائة
بعدما اشترت بثمانمائة بئس ما شريت، واشتريت
أبلغي زيد بن أرقم أن الله تعالى أبطل حجه،
وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم
يتب1، ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه فإذا وصل
إليه المبيع وقعت المقاصصة فبقي له فضل بلا
عوض بخلاف ما إذا باع بالعرض لأن الفضل إنما
يظهر عند المجانسة.
أطلق في الشراء فشمل شراءه من كل وجه، والشراء
من وجه كشراء من لا تجوز شهادته له فإنه لا
يجوز أيضا كشرائه بنفسه خلافا لهما في غير
العبد، والمكاتب أطلق فيما باعه فشمل ما باعه
بنفسه أو بوكيله، وما باعه أصالة أو وكالة كما
شمل الشراء لنفسه ولغيره إذا كان هو البائع،
وشمل أيضا شراء الكل أو البعض كما في القنية،
وخرج شراء وارث البائع ووكيله عند الإمام لأن
العقد وقع له لكونه أصيلا في الحقوق خلافا
لهما لكونه قائما مقامه، ولكن لا تطيب له
الزيادة عند الإمام، وإن ملكها. وأما شراء
البائع ممن اشترى من مشتريه فجائز وفاقا، وشرط
في السراج الوهاج لجواز شراء وارث البائع أن
يكون ممن تجوز شهادته للمورث في حياته، وإلا
لا يجوز، وهو قيد حسن أغفله كثير، وإن كان
معلوما من بيان حكم شراء من لا تجوز شهادته
له، وأورد المؤلف رحمه الله تعالى الشراء من
مشتريه حقيقة أو حكما كالشراء من وارث مشتريه،
والفرق بين الوارثين أن وارث البائع إنما لم
يقم مقامه لأن هذا مما لا يورث، وهو إنما يقوم
مقامه فيما يورث بخلاف وارث المشتري فإنه قام
مقامه في ملك العين، وهذا من أحكامهما.
وقيد بما باع لأن المبيع لو انتقص خرج أن يكون
شراء ما باع فيكون النقصان من الثمن في مقابلة
ما نقص من العين سواء كان النقصان من الثمن
بقدر ما نقص منها أو بأكثر منه، وعلى هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سننه كتاب البيوع، باب
الرجل يبيع الشيء إلى أجل ثم يشتريه بأقل.
(5/330).
ج / 6 ص -126-
وصح
فيما ضم إليه
______
تفرع ما قالوا لو ولدت الجارية عند المشتري ثم
اشتراها البائع بأقل إن كانت الولادة نقصتها
جاز كما لو دخلها عيب عند المشتري ثم اشتراها
منه بالأقل، وإن لم تنقصها لا يجوز لأنه يحصل
به ربح لم يدخل في ضمانه كذا في فتح القدير،
ولا بد أن يكون النقصان فيها من حيث الذات لأن
العين لو نقصت قيمتها بتغير الأسعار لم يجز
الشراء بالأقل لأن تغيير السعر غير معتبر في
حق الأحكام لأنه فتور في الرغبات لا فوات جزء
كما في حق الغاصب وغيره فعاد إليه كما خرج عن
ملكه فظهر الربح.
وقيد بالأقل احترازا عن المثل أو الأكثر فإنه
جائز، ولا بد من اتحاد جنس الثمنين لأنه حينئذ
يظهر النقصان فإن اختلف الجنس جاز مطلقا،
والدراهم والدنانير هنا جنس واحد احتياطا.
وقدمنا أنهما جنسان إلا في ثمانية في أول
البيوع فإذا كان النقد الثاني أقل من قيمة
الأول لم يجز، وأطلق في الأقلية فشمل الأقل
قدرا، والأقل وصفا فلو باع بألف نسيئة إلى سنة
ثم اشتراه بألف نسيئة إلى سنتين فسد عندنا.
وقيد بقوله قبل النقد إذ بعده لا فساد، وفي
القنية لو قبض نصف الثمن ثم اشترى النصف بأقل
من نصف الثمن لم يجز، وكذا لو أحال البائع على
المشتري ا هـ.
وفي السراج الوهاج لا يجوز أن يشتريه بأقل من
الثمن، وإن بقي من ثمنه درهم، ولا بد من نقد
جميع الثمن، ولو خرج المبيع عن ملك المشتري
ثم عاد إليه فإن عاد إليه بحكم ملك جديد
كالإقالة قبل القبض أو بعده أو بالشراء أو
الهبة أو بالميراث فشراء البائع منه بالأقل
جائز، وإن عاد إليه بما هو في فسخ بخيار رؤية
أو شرط قبل القبض أو بعده فالشراء منه بالأقل
لا يجوز كذا في السراج الوهاج. وذكر الشارح
هنا فروعا فقال:
"قوله:
وصح فيما ضم إليه" أي صح
البيع في المضموم إلى شراء ما باعه بالأقل قبل
النقد كأن اشترى جارية بخمسمائة ثم باعها،
وأخرى معها من البائع قبل أن ينقده الثمن
بخمسمائة فالبيع جائز في التي لم يشترها من
البائع، ويفسد في الأخرى لأنه لا بد أن يجعل
بعض الثمن في مقابلة التي لم يشترها منه فيكون
مشتريا للأخرى بأقل مما باع، وهذا فاسد عندنا،
ولم يوجد هذا المعنى في صاحبتها، ولا يشيع
الفساد لكونه ضعيفا للاجتهاد فيه أو لأنه
باعتبار شبهة الربا أو لأنه طارئ لأنه يظهر
بانقسام الثمن والمقاصة فلا يسري إلى غيرها،
وأورد على التعليل الأول ما لو أسلم قوهيا1 في
قوهي ومروي فإنه باطل في الكل عنده، وعندهما
يصح في المروي كما لو أسلم حنطة في شعير، وزيت
عنده يبطل في الكل، وعندهما يصح في حصة الزيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الثوب القوهي هو اسم لما نسج في قوهستان وهي
موضع بين نيسابور وهراة أو كل ثوب يقال له:
قوهي وإن لم يكن منها ا. هـ "القاموس" مادة
"قوه" بتصرف.
ج / 6 ص -127-
وزيت
على أن يزنه بظرفه ويطرح عنه مكان كل ظرف
خمسين رطلا وصح لو شرط أن يطرح عنه بوزن الظرف
وإن اختلفا في الزق فالقول للمشتري ولو أمر
ذميا بشراء خمر أو بيعها صح
______
مع أن إفساد العقد بسبب الجنسية مجتهد فيه فإن
أسلم هرويا في هروي جاز عند الشافعي، ولا مخلص
منه إلا بتغيير تعليل تعدي الفساد بقوة الفساد
بالإجماع عليه إلى تعليله بأنه يجعل الشرط
الفاسد في أحدهما، وهو قبول العقد في الهروي
شرطا لقبوله في المروي فيفسد في المروي بالشرط
الفاسد، وفي الهروي باتحاد الجنس كذا اعترف به
شمس الأئمة بعد أن علل به هو في شرح الجامع.
وأشار المصنف إلى أن البائع لو اشتراه مع رجل
آخر فإنه يجوز من الأجنبي في نصفه.
"قوله:
وزيت على أن يزنه بظرفه ويطرح عنه مكان كل ظرف
خمسين رطلا وصح لو شرط أن يطرح عنه بوزن الظرف"
أي لم يجز بيع شيء بهذا الشرط، وصح البيع
بالشرط الثاني لأن الشرط الأول لا يقتضيه
العقد، والثاني يقتضيه
"قوله:
وإن اختلفا في الزق فالقول للمشتري"
يعني لو رد المشتري الزق، وهو عشرة أرطال فقال
البائع الزق غيره، وهو خمسة أرطال فالقول قول
المشتري مع يمينه لأنه إن اعتبر اختلافا في
تعيين الزق المقبوض فالقول قول القابض ضمينا
كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في السمن فهو
في الحقيقة اختلاف في الثمن فيكون القول
للمشتري لأنه ينكر الزيادة، وإذا برهن البائع
قبلت بينته،
وأورد على ما في الكتاب مسألتان إحداهما ما
إذا باع عبدين، وقبضهما المشتري، ومات أحدهما
عنده، وجاء بالآخر يرده بعيب، واختلفا في قيمة
الميت فالقول للبائع،
والثانية: أن الاختلاف في الثمن يوجب التحالف،
وهنا جعل القول للمشتري على تقدير اختلافهما
في الثمن، وأجيب عن الأول بأنها مع هذه طرد
فإن كون القول للمشتري لإنكاره للزيادة، وهناك
إنما كان للبائع لإنكاره الزيادة، وعن الثاني
بأن التحالف على خلاف القياس فيها عند وجود
الاختلاف في الثمن قصدا، وهنا الاختلاف فيه
تبع لاختلافهما في الزق المقبوض أهو هذا أم لا
فلا يوجب التحالف كذا في فتح القدير. والزق
بالكسر الظرف، وبعضهم يقول ظرف زيت أو قير،
والجمع أزقاق، وزقاق، وزقان مثل كتاب ورغفان
كذا في المصباح.
"قوله:
ولو أمر ذميا بشراء خمر أو بيعها صح"
أي التوكيل، وبيع الوكيل، وشراؤه عند أبي
حنيفة، وقالا لا يجوز على المسلم، وعلى هذا
الخلاف الخنزير، وعلى هذا توكيل المحرم
ج / 6 ص -128-
وأمة
على أن يعتق المشتري أو يدبر أو يكاتب أو
يستولد أو إلا حملها أو يستخدم البائع شهرا أو
دارا على أن يسكن أو يقرض المشتري درهما أو
يهدي له أو يسلم إلى كذا أو ثوب على أن يقطعه
البائع أو يخيطه قميصا
______
غيره ببيع صيده، لهما أن الموكل لا يليه فلا
يوليه غيره، ولأن ما يثبت للوكيل ينتقل إلى
الموكل فصار كأنه باشره بنفسه فلا يجزئه ولأبي
حنيفة أن العاقد هو الوكيل بأهليته وولايته
وانتقال الملك إلى الآمر أمر حكمي فلا يمنع
بسبب الإسلام كما إذا ورثهما ثم إن كان خمرا
يخللها، ويدفع ثمنها إلى الوكيل، وإن كان
خنزيرا يسيبه، ولم يذكر المصنف حكم ثمن ما
باعه له قال الشارح يتصدق بثمن الخمر إن باعها
الوكيل له لتمكن الخبث فيه، وقولهما إنه لا
يليه فلا يوليه منقوض بمسائل الوكيل بشراء
معين له أن يوكل بشرائه له، وإن لم يله لنفسه،
ومنها إذا مات ذمي، وله خمر فللقاضي أن يأمر
ذميا ببيعها مع أنه لا يليه بنفسه، ومنها
المسلم الوصي لذمي يوكل ذميا ببيع خمره مع أنه
لا يليه، وقد كتبنا في الفوائد غير هذه، وفي
فتح القدير بقي أن يقال إذا كان حكم هذه
الوكالة في البيع أن لا ينتفع بالثمن، وفي
الشراء أن يسيب الخنزير، ويريق الخمر أو
يخللها بقي تصرفا غير معقب لفائدته، وكل ما هو
كذلك ليس بمشروع، وقد روي عن أبي حنيفة أن هذه
الوكالة تكره أشد ما يكون من الكراهة، وهي ليس
إلا كراهة التحريم فأي فائدة في الصحة. ا هـ.
وفي القنية من الزكاة، مسلم له خمر، وكل ذميا
ببيعها فللمسلم أن يصرف ثمنها إلى الفقراء من
زكاة ماله، وتصح ا هـ.
"قوله:
وأمة على أن يعتق المشتري أو يدبر أو يكاتب أو
يستولد أو إلا حملها أو يستخدم البائع شهرا أو
دارا على أن يسكن أو يقرض المشتري درهما أو
يهدي له أو يسلم إلى كذا أو ثوب على أن يقطعه
البائع أو يخيطه قميصا" أي لم
يجز بيع أمة بشرط منها، وهو فاسد لأنه بيع،
وشرط، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
بيع وشرط. كما رواه عمرو بن شعيب رضي الله
عنه، وخصصه الشافعي بما عدا العتق، وجوز البيع
بشرط العتق وهو رواية عن أبي حنيفة كما ذكره
الأقطع عملا بحديث بريرة فإن عائشة رضي الله
تعالى عنها اشترتها بشرط العتق، وأجازه عليه
السلام، وأبطل الشرط فقال:
"خذيها واشترطي لهم الولاء إنما الولاء لمن أعتق"1، ولم يخصه به أصحابنا بناء على أصلهم أن العام يعارض الخاص، ويطلب
منه أسباب الترجيح، والمرجح هنا العام، وهو
النهي عن بيع وشرط لكونه مانعا، وحديث بريرة
مبيح فيحمل على ما قبل النهي، وأما حديث جابر
في مسلم من أنه باع جملا للنبي صلى الله عليه
وسلم وشرط له ظهره إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخنرجه البخاري، كتاب اليبوع، باب إذا اشترط
شروطا في البيع لا تحل (2168). ومسلم في
العتق، باب أن الولاء لمن أعتق (1504).
ج / 6 ص -129-
.................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدينة"1 فعلى مذهب الشافعي لم يقع الشرط في
صلب العقد فلم يفسد، وعلى أصلنا قدم العام
الحاظر على الخاص المبيح كما قدمناه. وأشار
المصنف بالعتق، وما عطف عليه إلى كل شرط لا
يقتضيه العقد، ولا يلائمه، وفيه منفعة لأحد
المتعاقدين أو للمعقود عليه، وهو من أهل
الاستحقاق، ولم يجر العرف به، ولم يرد الشرع
بجوازه فلا بد في كون الشرط مفسدا للبيع من
هذه الشرائط الخمسة فإن كان الشرط يقتضيه
العقد فإنه لا يفسد كشرطه أن يحبس المبيع إلى
قبض الثمن ونحوه فإن كان لا يقتضيه لكن ثبت
تصحيحه شرعا فلا مرد له كشرط الأجل في الثمن،
وفي المبيع السلم، وشرط الخيار لا يفسده، وإن
كان متعارفا كشراء النعل على أن يحذوها البائع
أو يشركها فهو جائز، وإن كان ملائما للبيع لا
يفسده كالبيع بشرط كفيل بالثمن إذا كان حاضرا،
وقبلها أو غائبا فحضر، وقبل قبل التفرق، وكشرط
رهن معلوم بالإشارة أو التسمية فإن حاصلهما
التوثق للثمن قيدنا بحضرة الكفيل لأنه لو كان
غائبا فحضر، وقبل بعد التفرق أو كان حاضرا فلم
يقبل لم يجز، وقيدنا بكون الرهن مسمى لأنه لو
لم يكن مسمى، ولا مشارا إليه لم يجز إلا إذا
تراضيا على تعيينه في المجلس، ودفعه إليه قبل
أن يتفرقا أو يعجل الثمن، ويبطلان الرهن، وإذا
كان مسمى فامتنع عن تسليمه لم يجبر، وإنما
يؤمر بدفع الثمن فإن لم يدفعهما خير البائع في
الفسخ، واشتراط الحوالة كالكفالة، ومعنى كون
الشرط يقتضيه العقد أن يجب بالعقد من غير شرط،
ومعنى كونه ملائما أن يؤكد موجب العقد كذا في
الذخيرة، وفي السراج الوهاج أن يكون راجعا إلى
صفة المبيع أو الثمن كاشتراط الخبز والطبخ
والكتابة، وفيها يقال للمشتري في مسألة الرهن
ادفعه أو عجل الثمن. وفي القدوري يقال للمشتري
إما أن تدفع الرهن أو قيمته أو تفسخ العقد لأن
يد الاستيفاء للبائع إنما تثبت على المعنى،
وهو القيمة، ولا شك أن الرهن لو هلك فإن
المشتري يدفع قيمته أو يعجل الثمن،
ولو اشترى عبدا على أن يعطي البائع المشتري
كفيلا بما أدركه من درك فإن كان الكفيل مجهولا
فسد البيع، وإن كان معينا حاضرا، وقبل أو كان
غائبا فحضر قبل التفرق، وقبل جاز. ا هـ.
ولم يذكر الرهن على الدرك لأنه غير جائز،
وتفسير المنفعة لأحد المتعاقدين اشتراط أن
يهبه المشتري شيئا أو يقرضه أو يسكن الدار
شهرا أو يخدمه العبد شهرا، ولو شرط أن خراجها
على البائع فسد، وإن شرط الزائد على خراجها
عليه جاز لأنه شرط أن لا يجب عليه تحمل الظلم،
ولو شرط أن خراجها كذا فجاء أزيد أو أنقص فسد
البيع لأنه باع بشرط أن يجب على المشتري خراج
أرض أخرى هذا إذا علم فإن لم يعلم جاز، ويجيز
المشتري، ولو اشترط خراجية الأصل بلا خراج أو
غير الخراجية مع الخراج بأن كان للبائع خراجية
وضع خراجها على هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في المساقاة، باب بيع البعير
واستثناء ركوبه (715). والترمذي في البيوع باب
ما جاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع
(1253).
ج / 6 ص -130-
...........................................
______
فسد، وإن لم تكن في الأصل خراجية فوضع عليها
جاز، وتمامه في البزازية، ومما فيه نفع
للمشتري اشتراط خياطة الثوب على البائع أو طحن
الحنطة أو قطع الثمرة، وتفسيره منفعة المعقود
عليه إذا كان من أهل الاستحقاق اشتراط أن لا
يبيع العبد أو لا يهبه أو لا يخرجه عن ملكه
بوجه من الوجوه فإن المملوك يسر أن لا تتداوله
الأيدي. وكذا بشرط أن لا يخرجه عن ملكه،
وفي الخلاصة اشترى عبدا على أن يبيعه جاز،
وعلى أن يبيعه من فلان لا يجوز لأن له طالبا،
وفي البزازية اشترى عبدا على أن يطعمه لم
يفسد، وعلى أن يطعمه خبيصا فسد، وقيدنا بكونه
من أهل الاستحقاق أي من أهل أن يستحق حقا على
الغير، وهو الآدمي لأنه لو كان حيوانا غير
آدمي أو ثوبا فالبيع بهذا الشرط جائز، وخرج
أيضا ما إذا شرط منفعة لأجنبي كأن يقرض البائع
أجنبيا فالبيع صحيح كما في الذخيرة معزيا إلى
الصدر الشهيد قال: وذكر القدوري أنه يفسد،
وصورته أن يقول المشتري للبائع اشتريت منك هذا
على أن تقرضني أو تقرض فلانا،
وفي المنتقى قال محمد رحمه الله تعالى كل شيء
يشترطه المشتري على البائع يفسد به البيع فإذا
شرطه على أجنبي فهو باطل كما إذا اشترى دابة
على أن يهبه فلان الأجنبي كذا فهو باطل كما
إذا شرط على البائع أن يهبه، وكل شيء يشترطه
على البائع لا يفسد به البيع فإذا شرطه على
أجنبي فهو جائز، وهو بالخيار، ومن ذلك ما إذا
اشترى شيئا على أن يحط فلان الأجنبي عنه كذا
جاز البيع، وهو بالخيار إن شاء أخذه بجميع
الثمن، وإن شاء ترك، وروى ابن سماعة عن أبي
حنيفة إذا اشترى من آخر شيئا على أن يهب
البائع لابن المشتري أو لأجنبي من الثمن كذا
فسد البيع، وخرج أيضا شرط فيه مضرة لأحدهما
كما لو باع ثوبا بشرط أن لا يبيعه، ولا يهبه
جاز البيع، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وفي قول
أبي يوسف فاسد، وهو رواية. واختلف المشايخ
فيما إذا باع على أن يعطي ثمنه من مال فلان
ومن منفعة البائع المفسدة للبيع ما إذا شرط أن
يدفع المشتري الثمن إلى غريم البائع لسقوط
مؤنة القضاء عنه، ولأن الناس يتفاوتون في
الاستيفاء فمنهم من يسامح، ومنهم من يماكس،
ومنها أيضا ما لو باع بألف، وشرط أن يضمن
المشتري عنه ألفا لغريمه، ومن منفعة المشتري
ما إذا باع بستانا بشرط أن يبني البائع حوائطه
كذا في الذخيرة،
وفي فتح القدير ما لو باع ساحة على أن يبني
بها مسجدا أو طعاما ما على أن يتصدق به فهو
فاسد. ا هـ. وخرج أيضا ما لا مضرة فيه، ولا
منفعة كأن اشترى طعاما بشرط أكله أو ثوبا بشرط
لبسه فإنه يجوز، وخرج عن الاقتضاء ما في
المجتبى اشتراه على أن يدفعه إليه قبل دفع
ج / 6 ص -131-
...........................................
______
الثمن أو قال على أن تدفع الثمن في بلد آخر
فسد البيع، وفي شرح المجمع معزيا إلى النوازل
لو قال بعت منك هذا على أن أحط من ثمنه كذا
جاز، ولو قال على أن أهب منك كذا لم يجز البيع
لأن الحط ملحق بما قبل العقد، ويكون البيع بما
وراء المحطوط ا هـ. وقيد بعلى لأن الشرط لو
كان بان فإن البيع يفسد في جميع الوجوه إلا في
مسألة ما إذا قال إن رضي أبي أو فلان في ثلاثة
أيام كما سيأتي فيما يصح تعليقه، وما لا يصح،
والتفصيل السابق إنما هو إذا علق بكلمة على،
وقيد بكون الشرط مقارنا للعقد لأن الشرط
الفاسد لو التحق بعد العقد قيل يلتحق عند أبي
حنيفة، وقيل لا، وهو الأصح كما في جامع
الفصولين في الفصل التاسع والثلاثين، ولكن في
الأصل إذا ألحقا بالبيع شرطا فاسدا يلتحق عند
أبي حنيفة، وإن كان الإلحاق بعد الافتراق عن
المجلس، وصورته لو باع فضة بفضة وتقابضا،
وتفرقا ثم زاد أحدهما صاحبه شيئا أو حط عنه،
وقبله الآخر فالبيع فاسد عند أبي حنيفة، وقال
أبو يوسف البيع صحيح، وتبطل الزيادة والحط،
وقال محمد الزيادة باطلة، والحط جائز، ولو كان
الشرط في العقد فأبطلاه إن كان المفسد في صلب
العقد صح الحط في المجلس، ولا يصح فيما وراء
المجلس. ا هـ.
وقيد بعلى دون الواو لأنه لو زاد الواو بأن
قال بعتك هذا بكذا، وعلى أن تقرضني كذا فالبيع
جائز، ولا يكون شرطا، وهو نظير ما لو كان دفع
لرجل أرضا بيضاء فيها نخيل فقال دفعت إليك
النخيل معاملة على أن تزرع كان شرطا للمزارعة
في المعاملة. ولو قال: وعلى أن تزرع لا تفسد
المزارعة، ويعرف من هاتين المسألتين كثير من
المسائل كذا في الذخيرة، وتبعه في البزازية،
وقيد بإخراج ما ذكر مخرج الشرط لأنه لو أخرجه
مخرج الوعد لم يفسد كما إذا باع بستانا على أن
يعمر حوائطه، وأخرجه مخرج الوعد، ولكن لو لم
يبن البائع لم يجبر، ويخير المشتري في الرد
كذا في الذخيرة لكن لم يبين بماذا يكون إخراجه
مخرج الوعد، وهو أحد الأجوبة عن حديث بريرة
فإن البيع لم يكن بشرط العتق، وإنما كان بوعد
عتقها، وبين الإمام إسحاق الولوالجي صورة
إخراجه مخرج الوعد قال اشتر حتى أبني الحوائط،
وخرج عن الملائم للعقد ما لو اشترى أمة بشرط
أن يطأها المشتري أو لا يطأها فالبيع فاسد لأن
الملائم للعقد الإطلاق، وعند أبي يوسف يجوز في
الأول لأنه ملائم، وعند محمد يجوز فيهما في
الأول لما قاله أبو يوسف، وفي الثاني إن لم
يقتضه العقد لا يرجع نفعه إلى أحد فهو شرط لا
طالب له، ولم يفصل المؤلف بين شرط وشرط في
الفساد، وهو كذلك إلا البيع بشرط العتق فإن
المشتري إذا أعتقه صح البيع، ووجب الثمن عليه
عند أبي حنيفة، وقالا يبقى فاسدا فتجب القيمة
لأن البيع
ج / 6 ص -132-
...........................................
______
قد وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا كما إذا تلف
بوجه آخر ولأبي حنيفة أن شرط العتق من حيث
ذاته لا يلائم العقد على ما ذكرناه، ولكن من
حيث حكمه يلائمه لأنه منتهى للملك، والشيء
بانتهائه يتقرر. ولهذا لا يمنع العتق الرجوع
بنقصان العيب فإذا أتلف بوجه آخر لا تتحقق
الملاءمة فتقرر الفساد، وإذا وجد العتق تحققت
الملاءمة فترجح جانب الجواز فكان الحل موقوفا
بخلاف ما إذا دبرها أو استولدها فإنهما لا
ينهيان الملك لجواز قضاء قاض ببيعهما، وأجمعوا
أن المشتري لو أتلفه أو باعه أو وهبه تلزمه
قيمته كذا في السراج الوهاج.
ومن الشروط المفسدة ما في القنية اشترى بطيخة
على أنها حلوة أو شاة على أنها تحلب كذا أو
زيتونا أو سمسما على أن فيه كذا منا أو شاة أو
ثورا على أن فيه كذا منا من اللحم فسد البيع
في الكل لتعذر معرفته قبل العمل، وعجز البائع
عن الوفاء به. ا هـ. ولو اشتراه على أن يؤدي
الثمن من بيعه فهو فاسد إن شرط، وإنما ذكر
استثناء الحمل مع الشروط لأنه لما كان غير
صحيح صار شرطا فاسدا، والأصل فيه أن ما لا يصح
إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه من العقد،
والحمل من هذا القبيل، وهذا لأنه بمنزلة أطراف
الحيوان لاتصاله به خلقة، وبيع الأصل يتناوله
فالاستثناء يكون على خلاف الموجب فلم يصح
فيصير شرطا فاسدا، والبيع يبطل به، والكتابة،
والإجارة، والرهن بمنزلة البيع لأنها تبطل
بالشروط الفاسدة غير أن المفسد في الكتابة ما
يتمكن في صلب العقد منها، والهبة، والصدقة،
والنكاح، والخلع، والصلح عند دم العمد لا يبطل
باستثناء الحمل بل يبطل الاستثناء لأن هذه
العقود لا تبطل بالشروط الفاسدة. وكذلك الوصية
لا تبطل به لكن يصح الاستثناء حتى يكون الحمل
ميراثا، والجارية وصية لأن الوصية أخت
الميراث، والميراث يجري فيما في البطن بخلاف
ما إذا استثنى خدمتها لأن الميراث لا يجري
فيها كذا في الهداية، والغلة كالخدمة، وأورد
مسألة الخدمة على الأصل السابق، وأجيب بأنه
إما مطرد غير منعكس، وإلا يراد على العكس،
وإما بأن الكلام في العقد والوصية ليست بعقد
فلا ترد كذا في النهاية، ولا يخفى أنها عقد
مشتمل على الإيجاب والقبول فالأوجه الأول،
وتفرع على القاعدة أنه يصح استثناء قفيز من
الصبرة لجواز إفراده، ولا يصح استثناء شاة من
قطيع لعدم جواز إفرادها من قطيع إذا لم تكن
معينة، وأما إذا عينها بالإشارة فالاستثناء
صحيح، وكذا الحال في كل عددي متفاوت، وصح
استثناء أرطال معلومة من بيع الثمرة لجواز
إيراده على الأرطال ابتداء، وهو المعتمد، ومن
مسائل الاستثناء باع صبرة بمائة إلا عشرها فله
تسعة أعشارها بجميع الثمن، ولو قال على أن
عشرها لي فله تسعة أعشارها بتسعة أعشار الثمن
خلافا للمروي عن محمد أنه بالجميع، وعن أبي
يوسف أنه لو قال أبيعك هذه المائة شاة بمائة
على أن هذه لي أو ولي هذه فسد. ولو قال إلا
هذه كان ما بقي بمائة، ولو قال ولي نصفها كان
النصف
ج / 6 ص -133-
وصح
بيع نعل على أن يحذوه، ويشركه، والقياس فساده
لا البيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى
وفطر اليهود إن لم يدر العاقد أن ذلك
______
بخمسين، ولو قال بعتك هذا العبد بألف إلا نصفه
بخمسمائة عن محمد جاز في كله بألف، وخمسمائة
لأن المعنى باع نصفه بألف لأنه الباقي بعد
الاستثناء فالنصف المستثنى عين بيعه بخمسمائة،
ولو قال على أن لي نصفه بثلاثمائة أو مائة
دينار فسد لإدخال صفقة في صفقة، ولو قال بعتك
الدار الخارجة على أن تجعل لي طريقا إلى داري
هذه الداخلة فسد البيع، ولو قال إلا طريقا إلى
داري الداخلة جاز وطريقه عرض باب الدار
الخارجة، ولو باع بيتا على أن لا طريق للمشتري
في الدار على أن بابه في الدهليز1 يجوز، ولو
زعم أن له طريقا فظهر أن لا طريق له يرد، ولو
باع بألف دينار إلا درهما أو إلا ثوبا أو إلا
كر حنطة أو هذه الشياه إلا واحدة لا يجوز، ولو
كانت بعينها جاز، ولو باع دارا على أن لا بناء
فيها فإذا فيها بناء فالبيع فاسد لأنه يحتاج
إلى نقض البناء، ولو باعها على أن بناءها من
آجر فإذا هو لبن فسد بناء على أنهما جنسان كما
لو باعه ثوبا على أنه هروي فظهر بلخيا، ولو
باع الأرض على أن فيها بناء فإذا لا بناء فيها
أو اشتراها بشجرها فليس فيها شجر جاز، وله
الخيار، وكذا لو باع بعلوها، وسفلها فظهر أن
لا علو لها، ومثله لو اشترى بأجذاعها كذا في
فتح القدير.
"قوله:
وصح بيع نعل على أن يحذوه، ويشركه، والقياس
فساده" لما فيه من النفع
للمشتري مع كون العقد لا يقتضيه، وما ذكره
جواب الاستحسان للتعامل، وفي الخروج عن العادة
حرج بين بخلاف اشتراط خياطة الثوب لعدم العادة
فبقي على أصل القياس، وتسمير القبقاب كتشريك
النعل كما في فتح القدير، وفي البزازية اشترى
ثوبا أو خفا خلقا على أن يرقعه البائع، ويخرزه
ويسلمه صح للعرف، ومعنى يحذوه يقطعه.
"قوله:
لا البيع إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى
وفطر اليهود إن لم يدر العاقد أن ذلك"
أي لا يجوز البيع، وهو فاسد لجهالة الأجل، وهي
مفضية إلى المنازعة في البيع لابتنائها على
المماكسة إلا إذا كانا يعرفانه لكونه معلوما
عندهما أو كان التأجيل إلى فطر النصارى بعدما
شرعوا في صومهم بالأيام لأن صومهم بالأيام
معلوم فلا جهالة فيه، والنيروز أول يوم من
الصيف، وهو أول يوم تحل فيه الشمس الحمل،
والمهرجان أول يوم من الشتاء، وهو أول يوم تحل
فيه الشمس الميزان كذا في السراج الوهاج ثم
قال وإنما خص الصوم بالنصارى، والفطر باليهود
لأن صوم النصارى غير معلوم، وفطرهم معلوم،
واليهود بعكسه مع أنه إذا باع إلى صوم اليهود
فالحكم كذلك لا يتفاوت فيكون المعنى إلى صوم
النصارى وفطرهم، وإلى فطر اليهود،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدهليز بالكسر: ما بين الباب والدار والجمع
دهاليز. ا هـ "القاموس" مادة "دهلز".
ج / 6 ص -134-
وإلى
قدوم الحاج والحصاد والدياس والقطاف ولو كفل
إلى هذه الأوقات جاز ولو أسقط الأجل قبل حلوله
صح
______
وصومهم فاكتفى بذكر أحدهما. ا هـ..
"قوله:
وإلى قدوم الحاج والحصاد والدياس والقطاف"
أي لا يجوز البيع إلى هذه الآجال لأنها تتقدم
وتتأخر، والحصاد بكسر الحاء وفتحها، ومثله
القطاف، وهو للعنب، والدياس، وهو دوس الحب
بالقدم ليتكسر، وأصله الدواس بالواو لأنه من
الدوس قلبت الواو ياء للكسرة قبلها، ولم يذكر
الجذاذ، وذكره في الهداية، واختلف في معناه
فقيل جز الصوف من ظهور الغنم، وقيل جذاذ النخل
قاله الحلواني، وفي نسخ الهداية، وفتح القدير
بالزاي المكررة أخت الراء، وذكر الزيلعي أنه
بالذال المعجمة عام في قطع الثمار، وبالمهملة
خاص في قطع النخل ا هـ. فعلى هذا لم يكن
بالزاي، وذكره في المصباح في فصل الذال
المعجمة وفصل الزاي، وأن كلا منهما بمعنى قطع،
وهما من باب قتل قيد بالبيع إلى هذه الآجال
لأنه لو باع مطلقا عنها ثم أجل الثمن إليها لم
يفسد لكونه تأجيلا للدين فالمفسد ما كان في
صلب العقد كذا في الهداية.
وفي فتاوى قاضي خان تبايعا بيعا جائزا ثم أخر
الثمن إلى الحصاد قال محمد بن الفضل يفسد
البيع، وعن محمد لا يفسد ويصح التأخير لأن
التأخير بعد البيع تبرع فيقبل التأجيل إلى
مجهول كالكفالة إليها، وقدمنا أنه لو باع بثمن
مؤجل، ولم يعينه ففيه خلاف، وفي القنية باع
بألف نصفه نقد، ونصفه إلى رجوعه من دهشان فهو
فاسد الفتوى على انصرافه إلى شهر، وبينا مسائل
التأجيل عند قوله، وصح بثمن حال ومؤجل، والله
أعلم.
"قوله:
ولو كفل إلى هذه الأوقات جاز"
لأن الجهالة اليسيرة متحملة في الكفالة، وهذه
الجهالة يسيرة مستدركة لاختلاف الصحابة فيها،
ولأنه معلوم الأصل ألا ترى أنها تحتمل الجهالة
في أصل الدين بأن تكفل بما ذاب على فلان ففي
الوصف أولى بخلاف البيع فإنه لا يحتملها في
أصل الثمن فكذا في وصفه، قيد بهذه الأوقات
لأنه لو كفل إلى هبوب الريح فهي باطلة لأنها
متفاحشة، وتأتي في بابها.
"قوله:
ولو أسقط الأجل قبل حلوله صح"
أي لو أسقط من له الأجل، وهو المشتري الأجل
المفسد للبيع قبل الحصاد والدياس والقطاف،
وقدوم الحاج انقلب البيع صحيحا لأن الفساد كان
للمنازعة، وقد ارتفع قبل تقرره، وهذه الجهالة
في شرط زائد لا في صلب العقد فيمكن إسقاطه
بخلاف بيع الدرهم بالدرهمين لا ينقلب صحيحا
بإسقاط الدرهم الزائد لأن الفساد في صلب
العقد، وبخلاف إسقاط الأجل في النكاح المؤقت
لكونه متعة، وهو غير عقد النكاح،
ج / 6 ص -135-
جمع
بين حر وعبد أو بين شاة ذكية وميتة بطل البيع
فيهما، وإن جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده،
وعبد غيره أو بين ملك ووقف صح في القن وعبده
والملك
______
وقال في مختصر القدوري تراضيا على إسقاطه
بالتثنية، وخالفه المؤلف فوحد الضمير لقوله في
الهداية، وقوله في الكتاب تراضيا خرج وفاقا
لأن من له الأجل يستبد بإسقاطه لأنه خالص حقه،
وقيد بهذه الآجال لأنهما لو تبايعا إلى هبوب
الريح أو مطر السماء ثم تراضيا على إسقاطه لا
ينقلب العقد جائزا لأن هذا ليس بأجل بل الأجل
ما يكون منتظر الوجود، وهبوب الريح قد يتصل
بكلامه فعرفنا أنه ليس بأجل بل هو شرط فاسد
كذا في السراج الوهاج، وفي فتح القدير، والذي
يحتاج بعد هذا إلى الجواب ما إذا أسقط الرطل
الخمر فيما إذا باع بألف ورطل من خمر نص محمد
على جواز البيع، وانقلابه صحيحا ذكره في آخر
الصرف اللهم إلا أن يقال هو تبع للألف الثمن
في بيع المسلم بخلاف ما إذا باع بالخمر فإنه
حينئذ يتعين كون الخمر هو الثمن إذ لا مستتبع
هناك. ا هـ. وفي جامع الفصولين خلافه أجمعوا
أنه لو باع قنا بألف درهم ورطل خمر ثم أبطلا
الخمر لم يعد جائزا ا هـ.
"قوله:
ومن جمع بين حر وعبد أو بين شاة ذكية وميتة
بطل البيع فيهما، وإن جمع بين عبد ومدبر أو
بين عبده، وعبد غيره أو بين ملك ووقف صح في
القن وعبده والملك" أما الأول
فهو قول أبي حنيفة، وقالا يصح إن سمى لكل واحد
ثمنا، وأفسد البيع زفر في الكل فالأصل عنده
أنه إذا جمع بين حل، وحرام فإنه يفسد في الكل
فصل أو لا، وقاس الثاني على الأول إذ محلية
البيع منتفية بالإضافة إلى الكل، ولهما أن
الفساد بقدر المفسد فلا يتعدى إلى القن كمن
جمع بين أجنبية وأخته في النكاح بخلاف ما إذا
لم يسم ثمن كل واحد منهما للجهالة ولأبي
حنيفة، وهو الفرق بين الفصلين أن الحر لا يدخل
تحت العقد أصلا لأنه ليس بمال، والبيع صفقة
واحدة فكان القبول في الحر شرطا للبيع في
العبد، وهذا شرط فاسد بخلاف النكاح لأنه لا
يبطل بالشروط الفاسدة أما البيع في هؤلاء
فموقوف، وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية،
ولذا ينعقد في عبد الغير بإجازته، وفي المكاتب
برضاه في الأصح، وفي المدبر بقضاء القاضي.
وكذا في أم الولد عند أبي حنيفة وأبي يوسف إلا
أن المالك باستحقاقه المبيع، وهؤلاء
باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع فكان هذا إشارة
إلى البقاء كما إذا اشترى عبدين، وهلك أحدهما
قبل القبض، وهذا لا يكون شرط القبول في غير
المبيع، ولا بيعا بالحصة ابتداء، ولهذا لا
يشترط بيان ثمن كل واحد فيه، ومتروك التسمية
عمدا كالميتة، وأم الولد، والمكاتب كالمدبر،
وفيما إذا جمع بين ملك ووقف روايتان، وما ذكره
المؤلف هو الصحيح لأن الوقف مال، ولهذا ينتفع
به انتفاع الأموال غير أنه لا يباع لأجل حق
تعلق به، وذلك لا يوجب فساد العقد فيما ضم
إليه كالمدبر لكن أراد بالوقف ما ليس بمسجد
فإن المسجد لو ضم إلى الملك فإنه يبطل فيهما
ج / 6 ص -136-
.................................
______
لأن المسجد كالحر كذا ذكره الشارح، وقيده في
التجنيس بالعامر لأن المسجد الخراب لو ضم إلى
الملك لم يبطل في الملك لجواز بيع المسجد إذا
خرب في أحد القولين فصار مجتهدا فيه كالمدبر،
ولا يشكل ما في المحيط من أنه لو باع قرية،
ولم يستثن ما فيها من المساجد والمقابر فالأصح
الصحة في الملك لأن ما فيها من المساجد
والمقابر مستثنى عادة.
ثم اعلم أنه قد وقعت حادثة في القسطنطينية هي
جمع بين وقف، وملك، وباعهما صفقة واحدة فأفتى
مفتيها بعدم الصحة في الملك كالوقف فاعترض
عليه بأنه مخالف للأصح فأجاب بأنه محمول على،
وقف لم يحكم بصحته ولزومه ليكون كالمدبر
مجتهدا فيه أما ما قضى القاضي به فهو كالحر
للزومه إجماعا فيسري الفساد إلى الملك، ولكن
يرد عليه ما صرح به قاضي خان في فتاواه أن
الوقف بعد القضاء تسمع دعوى الملك فيه، وليس
هو كالحر بدليل أنه لو ضم إلى ملك لا يفسد
البيع في الملك، وهكذا في الظهيرية، وهذا لا
يمكن تأويله فوجب الرجوع إلى الحق، وهو إطلاق
الوقف لأنه بعد القضاء، وإن صار لازما
بالإجماع لكنه يقبل البيع بعد لزوم الوقف إما
بشرط الاستبدال، وهو صحيح على قول أبي يوسف
المفتى به أو بضعف علته كما هو قولهما أو
بورود غصب عليه، ولا يمكن انتزاعه فللناظر
بيعه كما في فتاوى قاضي خان أو بقضاء قاض
حنبلي ببيعه فإن عنده بيع الوقوف يجوز، ويشتري
ببدله ما هو خير منه كما في معراج الدراية
فكيف يجعل الوقف كالحر مع وجود هذه الأسباب
المجوزة لبيعه، والله الموفق للصواب، وإليه
المرجع والمآب.
فصل
قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر
البائع، وكل من عوضيه مال ملك المبيع بقيمته.
______
فصل في البيع
الفاسد.
أي في بيان أحكام البيع
الفاسد قدمنا أن فعله معصية فعليه التوبة منها
بفسخه كما سيأتي.
"قوله:
قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد بأمر
البائع، وكل من عوضيه مال ملك المبيع بقيمته"
وقال الشافعي لا يملكه، وإن قبضه لأنه محظور
فلا تنال به نعمة الملك، ولأن النهي نسخ
للمشروعية للتضاد، ولهذا لا يفيده قبل القبض،
وصار كما إذا باع بالميتة أو باع الخمر
بالدراهم، ولنا أن ركن البيع صدر من أهله
مضافا إلى محله فوجب القول بانعقاده، ولا خفاء
في الأهلية والمحلية، وركنه مبادلة المال
بالمال، وفيه الكلام والنهي يقرر المشروعية
عندنا لاقتضائه التصور فنفس البيع مشروع، وبه
تنال نعمة الملك إنما المحظورة ما يجاوره كما
في البيع وقت النداء، وإنما لا يثبت الملك قبل
القبض كي لا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور إذ
هو واجب
ج / 6 ص -137-
...........................................
______
الرفع بالاسترداد فبالامتناع عن المطالبة
أولى، ولأن السبب قد ضعف لمكان اقترابه بالقبح
فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة
الهبة، والميتة ليست بمال فانعدم الركن، ولو
كان الخمر مثمنا فقد ذكرناه أول الباب، وشيء
آخر أن في الخمر الواجب هو القيمة، وهي تصلح
ثمنا لا مثمنا أشار المصنف رحمه الله تعالى
بذكر القبض إلى أنه ليس مقبوضا في يده فلو كان
في يده وديعة ملكه بمجرد القبول كما في فتح
القدير، وإلى أن التخلية فيه لا تكفي. وصححه
العمادي في الفصول، وصحح قاضي خان في فتاواه
في باب قبض المبيع أنها قبض فيه، واختاره في
الخلاصة، وأطلقه فشمل قبض الوكيل قال في
القنية التوكيل بالشراء الفاسد صحيح كالتوكيل
بالشراء إلى الحصاد والدياس وقبض الوكيل
للموكل فيصير مضمونا بالقيمة ا هـ. وخرج ما
قبل القبض فلا ملك له.
وأطلقه فشمل القبض الحكمي لما في الظهيرية لو
اشترى عبدا شراء فاسدا، ولم يقبضه فأمر البائع
بإعتاقه فأعتقه صح عتقه عن المشتري لأنه
بمنزلة قبض المشتري، ولو أعتقه المشتري بنفسه
لا يصح لعدم الملك، وهذه عجيبة حيث ملك
المأمور ما لم يملك الآمر، وقيد بقوله في
البيع الفاسد للاحتراز عن الباطل فإنه لا
يفيده، ولكن ليس كل فاسد يملك بالقبض. فقد
كتبنا في الفوائد الفقهية أن بيع الهازل لا
يملك بالقبض كما ذكره البزدوي في الأصول، وأن
الأب إذا اشترى من ماله لابنه الصغير فاسد أو
باع كذلك فالقبض لا يكفي، ولا يملكه إلا بقبضه
واستعماله كذا في المحيط. ثم رأيت في القنية
أن بيع التلجئة باطل فحينئذ لا يرد على
المصنف لأن كلامه في الفاسد، وفي آخر القنية
من الوصايا باع الوصي مال اليتيم بغبن فاحش
فهو باطل لا يملك بالقبض ثم رقم آخر بل هو
فاسد ا هـ.
أقول: ينبغي لأن يجري القولان في بيع الوقف
المشروط استبداله أو الخراب الذي جاز استبداله
إذا بيع بغبن فاحش وينبغي ترجيح الثاني فيهما
لأنه إذا ملك بالقبض وجبت قيمته فلا ضرر على
اليتيم والوقف، وقيد بأمر البائع أي بإذنه
لأنه بلا إذنه لا يفيد الملك، وإنما ذكر،
والإذن دون الرضا لأنه لا يشترط في بعض أفراده
كبيع المكره كما لا يخفى. وأطلقه فشمل الإذن
صريحا أو دلالة فسكوته عند قبض المشتري في
المجلس إذن دلالة لكون البيع تسليطا منه على
القبض إذ مراده أن يملكه المشتري بخلاف البيع
الصحيح فإن الإيجاب ليس بتسليط لأن الملك حصل
بدونه، وأما إذا تفرقا عن المجلس فلا بد من
إذن صريح إلا إذا قبض البائع الثمن، وهو مما
يملك به فإنه يكون إذنا بالقبض دلالة.
وفي السراج الوهاج، ولو أمر المشتري البائع أن
يعمل في المبيع عملا ينقصه أو لا
ج / 6 ص -138-
...........................................
______
ينقصه كالقصارة والغسل بأجرة أو بغير أجرة فما
كان ينقصه فهو قبض، وما لا فلا، وللبائع
الأجرة في الوجهين هلك المبيع أو لا. ا هـ.
وفي جامع الفصولين لو برا فخلطه البائع بطعام
المشتري بأمره قبل قبضه صار قابضا وعليه مثله
ا هـ.
وقيد بقوله وكل من عوضيه مال ليخرج البيع
بالميتة، وكل بيع باطل كالبيع مع نفي الثمن
فإنه باطل، ومع السكوت عنه فاسد يملك المبيع
بالقبض، ولا شك أن الباطل خرج أولا بقوله في
البيع الفاسد فلا حاجة إلى إخراجه ثانيا اللهم
إلا أن يقال إن بعض البيوع الباطلة أطلقوا
عليها اسم الفاسد فربما يتوهم أن المبيع فيها
يملك بالقبض فصرح بما يخرجها فإذا باع عرضا
بخمر أو بمدبر أو أم ولد ملك العرض بالقبض لا
ما قابله مع أن بعضهم أطلق على بيع الخمر
والمدبر وأم الولد الفساد، ولكن كان ينبغي أن
يقول مال متقوم، وذكر في إيضاح الإصلاح أنه لا
حاجة إلى هذا القيد لأن فساد البيع لا يوجد
بدون هذا الشرط لا يقال إنه يوجد بدونه فيما
إذا باع، وسكت عن ذكر الثمن لأن أحد العوضين
حينئذ القيمة، وهي مذكورة حكما كما صرح به في
الذخيرة على أن الشرط وجود المالية في العوضين
ا هـ. كما قيده به في الجوهرة، وفي قوله ملك
البيع رد على من قال إنه إنما يملك التصرف دون
العين، وهم العراقيون. وما ذكره قول أهل بلخ،
وهو المنصوص عليه في كلام محمد، وهو الصحيح
المختار فإنه قال إن المشتري خصم لمن يدعيه
لأنه يملك رقبته كذا في جامع الفصولين بدليل
أن المشتري إذا أعتقه بعد قبضه صح، وكان
الولاء له، ولو باعه كان الثمن له، ولو بيعت
دار إلى جنبها فالشفعة للمشتري، ولو أعتقه
البائع لم يعتق، ولو سرقه البائع من المشتري
بعد قبضه قطع كما في الجوهرة فهذه كلها ثمرات
الملك، وبدليل وجوب الاستبراء على البائع إذا
ردت الجارية عليه، ولولا خروجها عن ملكه لم
تجب، وقولهم إنه يملك التصرف فقط بتسليط
البائع منقوض بما إذا كان البائع وصي يتيم باع
عبده فاسدا فأعتقه المشتري فإنه يصح، ولو كان
على وجه التسليط لم يصح كذا في جامع الفصولين.
وأما ما استدل به العراقيون من عدم حل أكله لو
كان طعاما، وعدم حل لبسه لو كان قميصا، وعدم
حل وطئها لو كانت جارية، واستبرأها، ولو وطئها
وجب العقر إذا فسخ، وعدم وجوب الشفعة لشفيعها
فلا دليل فيه لأن عدم الحل لا يدل على عدم
الملك بدليل أن ربح ما لم يضمن مملوك، ولا
يحل، والأخت رضاعا إذا ملكها لا يحل وطؤها،
وإنما لم تجب الشفعة لأن حق البائع لم ينقطع
عنها، وهي إنما تجب بانقطاع حقه لا بملك
المشتري بدليل أن من أقر ببيع داره، وجحد
المشتري وجبت الشفعة. هذا وقد ذكر العمادي في
فصوله خلافا في حرمة وطئها فقيل يكره، ولا
يحرم، وقيل يحرم، وفيه إشارة أيضا إلى أن
البائع يملك الثمن بشرط قبضه لأنه
ج / 6 ص -139-
...........................................
______
كالمبيع كما في القنية، وفي جامع الفصولين
حبلت منه صارت أم ولده، وعليه قيمتها لا
عقرها، وقيل عليه عقرها، وقيمتها، وقيل يجوز
للمشتري كل تصرف تجري فيه الإباحة، وإلا فلا،
ولم تحل المباشرة كعصير وقعت فيه فأرة يحل
بيعه لا مباشرته نحو أكله. ا هـ. وفي القنية
إعتاق البائع المبيع بعد قبض المشتري بغير
حضرته باطل، وبحضرته صحيح، ويكون فسخا. ا هـ.
وفي "القنية" إعتاق البائع المبيع بعد قبض
المشتري بغير حضرته باطل وبحضرته صحيح ويكون
فسخا ا هـ. وهو تخصيص لقولهم إن إعتاقه باطل،
وفي الظهيرية من باب نكاح العبد والأمة باع
جارية بيعا فاسدا، وقبضها المشتري ثم تزوجها
البائع لم يجز. ا هـ. ولو لم يقبضها المشتري
فزوجها البائع للمشتري يصح كذا في القنية ا
هـ.
أقول: يشكل حينئذ ما نقلناه عن الجوهرة من قطع
يده بسرقة المبيع فإن القطع يقتضي أن لا ملك
له فيه، ولا شبهة، وقولهم بعدم صحة نكاحها
للبائع يقتضي بقاء ملكه أو شبهته فينبغي أن لا
يقطع البائع للشبهة، وقد ذكره في السراج
الوهاج أيضا، ولم أر لغير الحدادي. والظاهر
أنه قاله تفقها من عنده لا على أنه نقل المذهب
فإنه قال: ومن فوائد قوله ملكه أنه لو سرقه
البائع بعد قبض المشتري قطع به، والله أعلم
بالصواب.
وقيد الملك للمشتري في فتح القدير بأن لا يكون
فيه خيار شرط لأنه يمنع الملك في الصحيح فكذا
في الفاسد، وفي جامع الفصولين يثبت فيه خيار
الشرط والرؤية، والمراد بالقيمة في كلام
المصنف بدل المبيع ليشمل ما إذا كان مثليا
فإنه يملكه بمثله، والقيمة إنما هي في القيمي،
والقول فيهما للمشتري مع يمينه لكونه منكرا
للضمان، والبينة للبائع كذا في الجوهرة، ولما
رتب القيمة على القبض دل على أن مراده ملكه
بقيمته يوم قبضه، ولو ازدادت قيمته في يده
فأتلفه لم يتغير كالغصب، وقال محمد رحمه الله
تعالى قيمته يوم أتلفه لأنه بالإتلاف يتقرر
كذا في الكافي، ولكن قال في جامع الفصولين لو
قال البائع أبرأتك عن القن ثم مات عند المشتري
برئ إذ القيمة تجب بهلاك المبيع فقبله لا يصح
الإبراء أما لو أبرأه عن القن فقد أخرجه عن
كونه مضمونا، وعلى هذا لو أبرأ الغاصب عن
القيمة حال قيام المغصوب لم يصح، ولو أبرأه عن
المغصوب صح ا هـ. فعلى هذا لا تجب القيمة إلا
إذا تعذر رده على البائع بموت أو غيره، وفي
السراج الوهاج، وهذا ظاهر نصوص الأصحاب، وفي
بعض الحواشي إنما تجب القيمة إذا هلك ا هـ.
وأما إيداع المشتري من البائع فغير صحيح قال
في القنية قبض الكرباس في البيع الفاسد
ج / 6 ص -140-
ولكل
منهما فسخه
______
بأمره، وقطعه ثم أودعه البائع، وهلك في يده
هلك منه، وعلى المشتري نقصان القطع، وفيها،
وكل مبيع ببيع فاسد رده المشتري على البائع
بهبة أو صدقة أو بيع أو بوجه من الوجوه
كالوديعة والإجارة والإعارة والغصب والشراء،
ووقع في يد البائع فهو متاركة للبيع، وبرئ
المشتري من ضمانه. ا هـ. وكذا لو اشتراه وكيل
البائع برئ المشتري إذا سلمه إليه، وكذا لو
رده إلى البائع برهن، وكذا في بيع موقوف بأن
غصب قنا فباعه من رجل ثم شراه غاصبه بأقل مما
باع يكون فسخا للبيع الأول، والزيادة للمشتري
لا لغاصبه، ولا لمالكه، وعن محمد شراه بدراهم
فاسدا ثم باعه بدنانير من بائعه يكون فسخا إذا
قبض لا قبله كذا في جامع الفصولين ثم قال
الأصل أن المستحق بجهة [إذا وصل إلى المستحق
بجهة أخرى إنما يعتبر، واصلا بجهة]1 مستحقة لو
وصل إليه من المستحقين عليه أما إذا وصل من
جهة غيره فلا حتى أن المشتري فاسدا إذا وهب
المشتري من غير بائعه أو باعه فوهبه ذلك الرجل
من البائع الأول، وسلمه لا يبرأ المشتري عن
قيمته، ولم تعتبر العين، واصلا إلى البائع
بالجهة المستحقة لما وصل من جهة أخرى، والمهر
لو عينا فوهبته من غير زوجها، وهو وهبه من
زوجها ثم طلقها قبل الدخول فلزوجها نصف قيمة
العين عليها، ولو وهبته من زوجها لا يرجع
عليها بشيء ا هـ.
"قوله:
ولكل منهما فسخه" أي يجوز لكل
من البائع والمشتري في البيع الفاسد فسخه رفعا
للفساد، وذكر الزيلعي أن اللام بمعنى على لأن
رفع الفساد واجب، ولا حاجة إليه لأنه حكم آخر،
وإنما مراده بيان أن لكل منهما ولاية الفسخ
دفعا لتوهم أنه إذا ملك بالقبض لزم فإن كان
قبل القبض فلكل ذلك بعلم صاحبه لا برضاه، وإن
كان بعد القبض فإن كان الفساد في صلب العقد
بأن كان راجعا إلى البدلين المبيع، والثمن
كبيع درهم بدرهمين، وكالبيع بالخمر أو الخنزير
فكذلك، وإن كان بشرط زائد كالبيع إلى أجل
مجهول أو بشرط فيه نفع لأحدهما فكذلك عندهما
لعدم اللزوم، وعند محمد لمن له منفعة الشرط،
ولم يشترط أبو يوسف علم الآخر، واقتصر في
الهداية على قول محمد، ولم يذكر خلافا، واعلم
أن قوله لمن له منفعة الشرط يقتضي أن للمعقود
عليه الآدمي أن يفسخه إذا كان الشرط له كما
قدمناه، وهو بعيد لقولهم لكل منهما فسخه
فليتأمل، وفي القنية رده المشتري بفساد البيع
فلم يقبله فأعاده المشتري إلى منزله فهلك عنده
لا يلزمه الثمن، ولا القيمة، وقيده ابن سلام
بأن يكون فساد البيع متفقا عليه فإن كان
مختلفا فيه لا يبرأ إلا بقبوله أو قضاء
القاضي. وقال أبو بكر الإسكاف يبرأ في
الوجهين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما بين معكوفتين غير موجود في الأصل.
ج / 6 ص -141-
إلا أن
يبيع المشتري
______
وما قاله ابن سلام أشبه كخيار البلوغ، وفسخ
الإجارة للعذر ا هـ. وفيها تبايعا فاسدا ثم
مات أحدهما فلورثته النقض. ا هـ.
وفي البزازية باع منه صحيحا ثم باعه فاسدا منه
انفسخ الأول لأن الثاني لو كان صحيحا ينفسخ
الأول به فكذا لو كان فاسدا لأنه ملحق بالصحيح
في كثير من الأحكام، وكذا لو باع المؤجر
المستأجر من المستأجر فاسدا تنفسخ الإجارة كما
إذا باعه صحيحا ا هـ. ثم قال ولو باع فاسدا،
وسلم ثم باع من غيره، وادعى أن الثاني كان قبل
فسخ الأول، وقبضه، وزعم المشتري الثاني أنه
كان بعد الفسخ والقبض في الأول فالقول له لا
للبائع، وينفسخ الأول بقبض الثاني ثم قال لو
مات البائع، وعليه دين آخر فالمشتري أحق به من
الغرماء كما في الصحيح بعد الفسخ، ولو مات
المشتري فالبائع أحق من سائر الغرماء بماليته
ا هـ. ثم قال ولا يشترط القضاء في فسخ البيع
الفاسد. ا هـ. ولم يذكر المصنف أن للقاضي فسخ
الفاسد جبرا عليهما قال في البزازية، وإذا أصر
البائع والمشتري على إمساك المشتري فاسدا،
وعلم به القاضي له فسخه حقا للشرع فبأي طريقة
رده المشتري إلى البائع صار تاركا للمبيع،
وبرئ عن ضمانه. ا هـ.
"قوله:
إلا أن يبيع المشتري" أي فليس
لكل منهما فسخه، وإنما نفذ بيعه لأنه ملكه
بملك التصرف فيه، وسقط حق الاسترداد لتعلق حق
العبد بالثاني ونقض الأول إنما كان لحق الشرع،
وحق العبد مقدم لحاجته، ولأن الأول مشروع
بأصله دون وصفه. والثاني مشروع بأصله ووصفه
فلا يعارضه مجرد الوصف، ولأنه حصل بتسليط من
جهة البائع بخلاف تصرف المشتري في الدار
المشفوعة لأن كل واحد منهما حق العبد فيستويان
في المشروعية، ولم يحصل بتسليط من الشفيع أراد
بالبيع الصحيح لأنه لو باعه فاسدا فإنه لا
يمنع النقض، وأطلقه فشمل ما إذا قبضه المشتري
الثاني أو لا، ولكنه مقيد بما إذا لم يكن فيه
خيار شرط لأنه ليس بلازم.
وفي البزازية، وجامع الفصولين أقام المشتري
بينة على بيعه من فلان الغائب لا يقبل فللبائع
الأخذ لا لو صدقه فله قيمته. ا هـ. ولو فسخ
البيع بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ
لو لم يقض بقيمته لزوال المانع، ولو رد بعيب
بغير قضاء لا يعود حق الفسخ كما لو اشتراه
ثانيا، وسيأتي في الضابط، وقيد ببيع المشتري
لأن البائع لو باعه بعد قبض المشتري، وادعى أن
الثاني كان قبل فسخ الأول، وقبضه، وزعم
المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ، والقبض من
الأول فالقول له لا للبائع، وينفسخ الأول بقبض
الثاني كذا في البزازية.
ويستثنى من لزومه بالبيع مسألتان الأولى لو
باعه لبائعه فقدمنا أنه يكون ردا، وفسخا
للبيع، والثانية لو كان فاسدا بالإكراه فإن
تصرفات المشتري كلها تنقض بخلاف سائر البياعات
ج / 6 ص -142-
أو يهب
أو يحرر
______
الفاسدة. كذا في البزازية قيد بالبيع الفاسد
احترازا عن الإجارة الفاسدة لما في جامع
الفصولين قيل ليس للمستأجر فاسدا أن يؤجره من
غيره إجارة صحيحة استدلالا بما ذكر إلى آخره،
وقيل يملكها بعد قبضه كمشتر فاسد له البيع
جائزا، وهو الصحيح إلا أن للمؤجر الأول نقض
الثانية لأنها تنفسخ بالأعذار
"قوله:
أو يهب" يعني إذا وهبه
المشتري ارتفع الفساد، ولا يفسخ لما قدمناه في
البيع، وشرط في الهداية التسليم فيها لأنها لا
تفيد الملك إلا به بخلاف البيع، وفي جامع
الفصولين ثم الأصل أن المانع إذا زال كفك رهن
ورجوع هبة، وعجز مكاتب ورد مبيع على المشتري
بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم
يقض بقيمة لأن هذه العقود لم توجب الفسخ من كل
وجه في حق الكل. ا هـ. ولا فرق في الرجوع في
الهبة بين القضاء وغيره كما في فتح القدير ثم
اعلم أن المشترى فاسدا لا يطيب للمشتري، ويطيب
لمن انتقل الملك منه إليه لكون الثاني ملكه
بعقد صحيح بخلاف المشتري الأول فإنه يحل له
التصرف فيه، ولا يطيب له لأنه ملكه بعقد فاسد،
ولو دخل دار الحرب بأمان، وأخذ مال الحربي
بغير طيبة من نفسه، وأخرجه إلى دار الإسلام
ملكه، ولا يطيب له، ويفنى بالرد، ويقضي له،
ولو باعه صح بيعه، ولا يطيب للمشتري كما لا
يطيب للأول بخلاف البيع الفاسد كذا ذكره
الإسبيجابي.
"قوله أو يحرر" أي يعتق المشتري العبد لما
قدمناه، وتوابع الإعتاق كهو من التدبير،
والاستيلاد والكتابة صرح في جامع الفصولين
بالاستيلاد فقال إذا حبلت منه صارت أم ولده،
وصرح الشارح، وغيره بالكتابة، ولم أر من صرح
بالتدبير، وإذا عجز المكاتب زال المانع من
الاسترداد. وأشار بالتحرير إلى الوقف، ولكن
قال في جامع الفصولين فلو وقفه أو جعله مسجدا
لا يبطل حقه ما لم يبن ا هـ. فعلم أن الوقف
ليس كالتحرير، وينبغي أن يحمل على ما قبل
القضاء به أما إذا قضى به فإنه يرتفع الفساد
للزومه، والظاهر أن ما في جامع الفصولين تبعا
للعمادي ليس بصحيح.
فقد قال الإمام الخصاف في أحكام الأوقاف لو
اشترى أرضا بيعا فاسدا وقبضها ووقفها وقفا
صحيحا، وجعل آخرها للمساكين فقال الوقف فيها
جائز، وعليه قيمتها للبائع من قبل أنه
استهلكها حين وقفها، وأخرجها عن ملكه ا هـ.
وهكذا في الإسعاف.
ولم يذكر المؤلف من التصرفات القولية غير ذلك،
وفاته الرهن لأنه من العقود اللازمة فيمنع حق
الرد فإذا فك أو فسخ قبل القضاء بالقيمة عاد
حق الاسترداد، وفاته أيضا الوصية فإذا وصى به
المشتري ثم مات سقط الفسخ لأن المبيع انتقل عن
ملكه إلى ملك الموصى له، وهو
ج / 6 ص -143-
أو
يبني
______
ملك مبتدأ فصار كما لو باعه بخلاف ما إذا مات
المشتري فإنه لوارثه الفسخ، وللبائع أيضا لأن
الوارث قائم مقام المورث كذا في السراج الوهاج
قالوا كل تصرف قولي فإنه يمنع الفسخ إلا
الإجارة والنكاح فلا يمنعانه لأن الإجارة تفسخ
بالأعذار، ورفع الفساد من الأعذار، والنكاح
ليس فيه الإخراج عن الملك، ولكن إذا ردت
الجارية إلى البائع، وانفسخ البيع هل ينفسخ
النكاح قال في السراج الوهاج إنه لا ينفسخ
لأنه لا يفسخ بالأعذار، وقد عقده المشتري، وهي
على ملكه. ا هـ. ويشكل عليه ما ذكره الولوالجي
من الفصل الأول من كتاب النكاح لو زوج الجارية
المبيعة قبل قبضها، وانتقض البيع فإن النكاح
يبطل في قول أبي يوسف، وهو المختار لأن البيع
متى انتقض قبل القبض انتقض من الأصل معنى
فصار كأنه لم يكن فكان النكاح باطلا ا هـ. إلا
أن يحمل أن ما في السراج قول محمد أو يظهر
بينهما فرق.
"قوله:
أو يبني" أي إذا بنى المشتري
فاسدا فعليه القيمة عند أبي حنيفة رواه عنه
يعقوب في الجامع الصغير ثم شك بعد ذلك في
الرواية، وقال أبو يوسف ومحمد إنه ينقض
البناء، وترد الدار، والغرس على هذا الاختلاف
لهما أن حق الشفيع أضعف من حق البائع حتى
يحتاج فيه إلى القضاء، ويبطل بالتأخير بخلاف
حق البائع ثم أضعف الحقين لا يبطل بالبناء
فأقواهما أولى، وله أن البناء والغرس مما يقصد
به الدوام، وقد حصل بتسليط منه جهة البائع
فينقطع حق الاسترداد كالبيع بخلاف حق الشفيع
لأنه لم يوجد منه التسليط، ولهذا لم تبطل بهبة
المشتري، وبيعه فكذا ببنائه، وشك يعقوب في حفظ
الرواية عن أبي حنيفة، وقد نص محمد على
الاختلاف، ولم يذكر المؤلف من الأفعال الحسية
إلا البناء قالوا متى فعل المشتري بالمبيع
فعلا ينقطع به حق المالك في الغصب ينقطع به حق
البائع في الاسترداد كما إذا كان حنطة فطحنها،
ولم يذكر أيضا ما إذا زاد المبيع أو نقص إلا
الزيادة بالبناء.
وفي جامع الفصولين زوائد المبيع فاسدا لا تمنع
الفسخ إلا متصلة لم تتولد كصبغ وخياطة ولت
سويق، ولو منفصلة متولدة تضمن بالتعدي لا
بدونه، ولو هلك المبيع لا المتولدة فللبائع
أخذ الزوائد، وقيمة المبيع، ولو منفصلة غير
متولدة فله أخذ المبيع مع هذه الزوائد، ولا
تطيب له، ولو هلكت في يد المشتري لم يضمن، ولو
أهلكها ضمن عندهما لا عند أبي حنيفة، ويماثلها
زوائد الغصب، ولو هلك المبيع لا الزوائد فهي
للمشتري بخلاف المتولدة كما يفترقان في الغصب
فيضمن قيمة المبيع فقط، وأما حكم نقصانه فلو
نقص في يد المشتري بآفة سماوية فللبائع أخذه
مع أرش نقصه، وكذا لو بفعل المشتري أو المبيع،
ولو بفعل البائع صار مستردا حتى لو هلك عند
المشتري، ولم يوجد منه حبس عن البائع هلك على
البائع، ولو
ج / 6 ص -144-
وله أن
يمنع المبيع عن البائع حتى يأخذ الثمن وطاب
للبائع ما ربح لا للمشتري.
______
بفعل أجنبي يخير البائع إن شاء أخذه من
المشتري، وهو يرجع على الجاني، وإن شاء اتبع
الجاني، وهو لا يرجع على المشتري كالغصب ا هـ.
"قوله:
وله أن يمنع المبيع عن البائع حتى يأخذ الثمن"
أي للمشتري المنع بعد فسخ البيع لأن المبيع
مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن أشار المؤلف
إلى أن البائع إذا مات كان المشتري أحق به حتى
يستوفي الثمن لأنه يقدم عليه في حياته فكذا
على ورثته وغرمائه بعد وفاته كالراهن، وإلى
أنه لو استأجر إجارة فاسدة، ونقد الأجرة أو
ارتهن رهنا فاسدا أو أقرض قرضا فاسدا، وأخذ به
رهنا كان له أن يحبس ما استأجر، وما ارتهن حتى
يقبض ما نقد اعتبارا للعقد الجائز إذا تفاسخا.
وكذا لو مات المؤجر أو الراهن أو المستقرض فهو
أحق بما في يده من العين من سائر الغرماء،
وإلى أن الثمن لو لم يكن منقودا للبائع، وإنما
كان دينا له على المشتري فليس له الحبس قالوا
لو اشترى من مدينه عبدا بدين سابق له عليه
شراء فاسدا أو قبض العبد بإذن البائع فأراد
البائع استرداد العبد بحكم الفساد ليس للمشتري
أن يحبس العبد لاستيفاء ما له عليه من الدين
بخلاف الصحيح، وله أن يسترد العبد قبل إيفاء
الأجرة، وليس للمستأجر الحبس بالأجرة بخلاف
الصحيح، وكذا الرهن الفاسد لو كان بدين سابق،
والفرق أن البيع إذا أضيف للدراهم لا يتعلق
الملك في الثمن بمجرد العقد فإذا وجب للمديون
على المشتري مثل الدين صار الثمن قصاصا
لاستوائهما قدرا، ووصفا فيصير البائع مستوفيا
ثمنه بطريق المقاصة فاعتبر بما لو استوفاه
حقيقة، وثم للمشتري حق حبس المبيع إلى أن
يستوفي الثمن فكذا هذا، وفي الفاسد لم يملك
الثمن بل تجب قيمة المبيع عند القبض، والقيمة
قبل القبض غير مقررة لاحتمالها السقوط كل ساعة
بالفسخ، ولأن القيمة قد تكون من جنس الدين،
وقد لا تكون، ودين المشتري على البائع مقرر،
والمقاصصة إنما تكون عند استواء الواجبين
وصفا. ولذا لا تجب المقاصصة بين الحال
والمؤجل، والجيد والرديء، وإذا لم تقع
المقاصصة لم يصر البائع مستوفيا الثمن أصلا
فلا يكون للمشتري حق حبس المبيع بعد فسخ
البيع، ولو كان الرهن باطلا بأن استقرض ألفا،
ورهن أم ولد أو مدبرا له أن يسترد قبل قضاء
الدين لعدم الانعقاد، والكل من الكافي شرح
الوافي، وإلى أن الثمن لو كان دراهم، وهي
قائمة فإنه يأخذها بعينها لأنها تتعين في
البيع الفاسد، وهو الأصح لأنه بمنزلة الغصب،
وإن كانت مستهلكة أخذ مثلها لما بينا كذا في
الهداية.
"قوله:
وطاب للبائع ما ربح لا للمشتري"
أي طال للبائع ما ربحه في ثمن الفاسد، ولا
يطيب للمشتري ربح المبيع فلا يتصدق الأول،
ويتصدق المشتري، والفرق أن المبيع مما يتعين
فتعلق العقد به فتمكن الخبيث فيه، والنقد لا
يتعين في عقود المعاوضات فلم يتعلق العقد
الثاني
ج / 6 ص -145-
ولو
ادعى على آخر دراهم فقضاها إياه ثم تصادقا أنه
لا شيء له عليه طاب له ربحه وكره النجش
______
بعينه فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق قيد
بالبيع الفاسد لأن ما ربحه الغاصب، والمودع
بعد أداء الضمان لا يطيب له مطلقا عندهما
خلافا لأبي يوسف لأن الخبث في الأول لفساد
الملك، وفي الثاني لعدمه لتعلق العقد فيما
يتعين حقيقة، وفيما لا يتعين شبهة من حيث إنه
يتعلق به سلامة المبيع أو تقدير الثمن، وعند
فساد الملك تنقلب الحقيقة شبهة، والشبهة تنزل
إلى شبهة الشبهة، والشبهة هي المعتبرة دون
النازل عنها.
ثم اعلم أن قولهم تبعا لما في الجامع الصغير
أن الربح يطيب للبائع في الثمن النقد دليل على
أن النقد لا يتعين في البيع الفاسد على
الأصح، وقولهم إنه يتعين على الأصح يخالفه فإن
اعتبر تصحيح التعيين فحينئذ يجب التصدق على
البائع، والرواية بخلافه، ولم أر من أوضحه من
الشارحين، وقد ظهر لي أنه منافاة بينهما
فقالوا فيما مضى إنه يتعين على الأصح بالنسبة
إلى وجوب رد غير ما أخذه، وقالوا هنا لا يتعين
أي بالنسبة إلى أنه يطيب له ما ربحه فهو متعين
من جهة فساد الملك كالمغصوب، وغير متعين من
جهة أن فاسد المعاوضات كصحيحها فاعتبروا الوجه
الأول في لزوم رد عين المقبوض، والثاني في حل
ربحه، وإنما لم يعكس لدليل أبي يوسف الخراج
بالضمان، ومعناه كما في الفائق، والقاموس غلة
العبد للمشتري إذا رده بعد الاطلاع على العيب
بسبب أنه في ضمانه ا هـ.
"قوله:
ولو ادعى على آخر دراهم فقضاها إياه ثم تصادقا
أنه لا شيء له عليه طاب له ربحه"
أي ما ربحه في الدراهم لأن الخبث لفساد الملك
هاهنا لأن الدين وجب بالتسمية ثم استحق
بالتصادق، وبدل المستحق مملوك فلا يعمل فيما
لا يتعين ألا ترى أنه لو باع عبدا بجارية
فأعتقه المشتري ثم استحقت الجارية لا يبطل
العتق في العبد، ولولا أنه مملوك لبطل لأنه لا
عتق فيما لا يملكه ابن آدم، وكذا لو حلف أن لا
يفارق غريمه حتى يستوفي منه دينه فباعه عند
الغير بالدين فقبضه الحالف، وفارقه ثم استحق
العبد مولاه، ولم يجز البيع لم يحنث الحالف
لأن المدين ملك ما في ذمته بالبيع، وهو بدل
المستحق، ولا يحنث الحالف بالاستحقاق، وفي فتح
القدير، واعلم أن ملكه باعتبار زعمه أنه قبض
الدراهم بدلا عما يزعم أنه ملكه أما لو كان في
أصل دعواه الدين متعمدا الكذب فدفع إليه لا
يملكه أصلا لأنه متيقن لأنه لا ملك له. ا هـ.
وظاهر إطلاقهم خلافه لأن المنظور إليه وجوبه
بالتسمية لا زعم المدعي، ويدل عليه مسألة
الحلف فإنه لو غصب دراهم، وقضى بها دينه ثم
تبين أنها مغصوبة فإنه لا حنث عليه، وكذا لو
غصب عبدا، وباعه بدينه.
ج / 6 ص -146-
والسوم
على سوم غيره وتلقي الجلب
______
"قوله:
وكره النجش" شروع في مكروهات
البيع، ولما كان المكروه دون الفاسد أخره،
وليس المراد بكونه دونه في حكم المنع الشرعي
بل في عدم فساد العقد، وإلا فهذه كلها تحريمية
لا نعلم خلافا في الإثم كذا في فتح القدير،
وقد بحث هنا بحثا لا طائل تحته تركته عمدا،
وقد تقرر في الأصول أن كل منهي عنه قبيح فإن
كان لعينه أفاد بطلانه، وإن كان لغيره فإن كان
لوصف كبيع الربا والبيع بشرط مفسد أفاد فساده،
وإن كان لمجاور كهذه البيوع المكروهة أفاد
كراهة التحريم مع الصحة، والنجش بفتحتين،
ويروى بالسكون أن تسام السلعة بأزيد من ثمنها،
وأنت لا تريد شراءها ليراك الآخر فيقع فيه،
وكذلك في النكاح وغيره، ولا تناجشوا لا تفعلوا
ذلك، وأصله من نجش الصيد، وهو إثارته كذا في
المغرب، وفي القاموس النجش أن تواطئ رجلا إذا
أراد بيعا أن تمدحه أو أن يريد الإنسان أن
يبيع بياعة فتساومه بها بثمن كثير لينظر إليك
ناظر فيقع فيها أو أن تنفر الناس عن الشيء إلى
غيره، وإثارة الصيد، والبحث عن الشيء وإثارته
والجمع والاستخراج والإنقاذ والإسراع كالنجاشة
بالكسر. ا هـ. وحديث النهي "لا تناجشوا"1
في الصحيحين، وقيده أصحابنا كما في الجوهرة
بما إذا كانت السلعة إذا بلغت قيمتها أما إذا
لم تبلغ فلا منع منه لأنه نفع للمسلم من غير
إضرار بأحد.
"قوله:
والسوم على سوم غيره" للحديث
"لا يستام الرجل على سوم أخيه2، ولا يخطب على خطبة أخيه"، ولأن في ذلك إيحاشا وإضرارا، وهذا إذا تراضى المتعاقدان على مبلغ
ثمن في المساومة فإذا لم يركن أحدهما على
الآخر فهو بيع من يزيد، ولا بأس به على ما
نذكره، وما ذكرناه محمل النهي في النكاح
أيضا، وفي القاموس السوم في المبايعة كالسوام
بالضم سمت السلعة، وساومت بالسلعة واستمت بها،
وعليها غاليت، واستمته إياها، وعليها سألته
سومها ا هـ.
"قوله:
وتلقي الجلب" لحديث الصحيحين
عن ابن عباس
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى
الركبان، وأن يبيع حاضر لباد". فقلت: لابن عباس ما قوله حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في البيوع، باب لا يبيع على
بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له
أو يترك برقم (2140). من حديث أبي هريرة.
ومسلم في البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع
أخيه وسومه على سومه (1414).
2 أخرجه البخاري وهو جزء من حديث أبي هريرة
المتقدم.
3 أخرجه البخاري في اليوم، باب أجر السمسرة،
برقم (2274)، من حديث ابن عباس. ومسلم في
البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي برقم
(1521) من حديث ابن عباس والنسائي في البيوع،
باب التلقي، برقم (4512). (7/257) من حديث ابن
عباس. وأبو داود في البيوت باب في النهي أن
يبيع حاضر لباد برقم (3439). من حديث ابن
عباس. وابن ماجة في التجارات، باب النهي أن
يبيع حاضر لباد، برقم (2177) من حديث ابن
عباس.
ج / 6 ص -147-
وبيع
الحاضر للبادي والبيع عند أذان الجمعة لا بيع
من يزيد
ــــــــــــــ
وللمتلقى صورتان أحدهما أن يتلقاهم المشترون
للطعام منهم في سنة حاجة ليبيعوه من أهل البلد
بزيادة، وثانيها أن يشترى منهم بأرخص من سعر
البلد، وهم لا يعلمون بالسعر، ومحمل النهي
عندنا إذا كان يضر بأهل البلد أو لبس أما إذا
انتفيا فلا بأس به، وفي المغرب جلب الشيء جاء
به من بلد إلى بلد للتجارة جلبا والجلب
المجلوب، ومنه نهي عن تلقي الجلب1 ا هـ.
"قوله:
وبيع الحاضر للبادي" لما تقدم
من النهي، وهو مقيد كما في الهداية بما إذا
كان أهل البلد في قحط وعوز، وهو يبيع من أهل
البلد وطمعا في الثمن الغالي لما فيه من
الإضرار بهم أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به
لانعدام الضرر، وفسره في الاختيار بأن يجلب
البادي السلعة فيأخذها الحاضر ليبيعها له بعد
وقت بأغلى من السعر الموجود وقت الجلب ا هـ.
فعلى الأول الحاضر مالك بائع، والبادي مشتر،
وعلى الثاني الحاضر سمسار، والبادي صاحب
السلعة، ويشهد للثاني آخر الحديث "دعوا الناس يرزق الله بعضهم بعضا"2، ولذا قال في المجتبى هذا التفسير أصح ذكره في زاد الفقهاء
لموافقة الحديث، وعلى هذا فتفسير ابن عباس
بأنه لا يكون له سمسارا ليس هو تفسير بيع
الحاضر للبادي وهو صورة النهي بل تفسير لضدها،
وهي الجائزة فالمعنى أنه نهى عن بيع السمسار،
وتعرضه فكأنه لما سئل عن نكتة نهي بيع الحاضر
للبادي قال المقصود أن لا يكون له سمسارا فنهى
عنه بالسمسار كذا في فتح القدير.
"قوله:
والبيع عند أذان الجمعة"
لقوله تعالى:
{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: من الآية9] ثم فيه إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه، وقد
ذكرنا الأذان المعتبر فيه في كتاب الصلاة، وفي
الهداية كل ذلك يكره، ولا يفسد به البيع لأن
النهي لمعنى خارج زائد لا في صلب العقد، ولا
في شرائط الصحة أطلقه فشمل ما إذا تبايعا،
وهما يمشيان إليها وما في النهاية من عدم
الكراهة مشكل لإطلاق الآية فمن جوزه في بعض
الوجوه يكون تخصيصا، وهو نسخ، وهو لا يجوز
بالرأي كذا ذكره الشارع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في البيوع،
باب تحريم تلقي الجلب (1519)، والنسائي في
البيوع باب التلقي (7/257) والمزي في "تحقة
الأشراف" (8181).
2 أخرجه النسائي من حديث جابر في البيوع، باب
بيع الحاضر للبادي، (7/256). والمزي في تحفة
الأشراف" (2872).
ج / 6 ص -148-
ولا
يفرق بين صغير وذي رحم محرم منه
ـــــــــــــــــ
"قوله:
لا بيع من يزيد" أي لا يكره
لما قدمناه من عدم الإضرار، وقد صح أن النبي
صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا بيع من
يزيد1. ولأنه بيع الفقراء، والحاجة ماسة إليه.
"قوله:
ولا يفرق بين صغير وذي رحم محرم منه"
لقوله عليه الصلاة والسلام "من فرق بين
والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم
القيامة"2
ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي غلامين
صغيرين أخوين ثم قال له:
"ما فعل الغلامان؟" فقال بعت أحدهما قال: "أدرك أدرك"3، ويروى
"اردد اردد"،
ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير، والكبير
يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس،
والمنع من التعاهد، وفيه ترك المرحمة على
الصغار، وقد أوعد النبي صلى الله عليه وسلم
عليه ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح
حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب، ولا قريب غير
محرم، ولذا قيد بذي الرحم المحرم أي المحرم من
جهة الرحم، وإلا يرد عليه ابن العم إذا كان
أخا من الرضاع فإنه رحم محرم، وليس له هذا
الحكم، وأطلقه فشمل الصغير والكبير، ولا بد من
اجتماعهما في ملكه حتى لو كان أحدهما له،
والآخر لغيره فلا بأس ببيع أحدهما، ولو قال
المصنف إلا إذا كان التفريق بحق مستحق لكان
أولى لأنه حينئذ يجوز التفريق كدفع أحدهما
بالجناية، وبيعه بالدين ورده بالعيب لأن
المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به
كذا في الهداية، ومن التفريق بحق ما في
المبسوط ذمي له عبد له امرأة أمة ولدت منه
فأسلم العبد، وولده صغير فإنه يجبر الذمي على
بيع العبد وابنه، وإن كان تفريقا بينه وبين
أمه ا هـ.
ولا يرد على المصنف التفريق بإعتاق أحدهما
بمال أو بغيره أو تدبيره أو استيلاد الأمة أو
كتابة أحدهما فإنه جائز لأن مراده منع التفريق
بالبيع أو الهبة أو الوصية أو غير ذلك من
أسباب الملك كما في الجوهرة إذ لو منع عن الكل
لصار المالك محجورا عليه بمنعه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك
في الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة (1641)
وابن ماجة في التجارات باب بيع المزايدة
(2198). والترمذي في البيوع، باب ما جاء في
بيع من يزيد (1218)، وزالزيلعي في "نصب
الراية" (4/23).
2 أخرجه الترمذي في البيوع، باب ما جاء في
كراهية الفرق بين الأخوين (1283) من حديث أبي
أيوب وقال: حسن غريب. والبيهقي في "سننه"
ككتاب السير باب التفريق بين المرأة وولدها
(9/126). والزيلعي في "نصب الراية" (4/24).
3 أخرجه الترمذي من حديث علي في البيوع، باب
ما جاء في كراهية الفرق بين الأخوين (1284)
بلفظ "أرده أرده" وابن ماجة في التجارات باب
النهي عن التفريق بين السبي (2249). وأبو داود
في الجهاد باب التفريق بين السبي (2696).
ج / 6 ص -149-
بخلاف
الكبيرين، والزوجين
______
التصرف في ماله رأسا، وكذا لا يرد عليه ما لو
كان في ملكه ثلاثة أحدهم صغير فإن له بيع أحد
الكبيرين لأن العلة ما هو مظنة الضياع
والاستيحاش، وقد بقي له من يقوم مقام الثالث،
وفي الكفاية اجتمع له عدد من أقاربه لا يفرق
بينه وبين واحد، وإن اختلفت جهة القرابة كالعم
والخال أو اتحدت كخالين عند أبي يوسف لأنه
يتوحش بفراق الكل، والصحيح في المذهب أنه إذا
كان مع الصغير أبواه لا يبيع واحدا منهم. ولو
كان معه أم أو أخ أو أم، وعمة أو خالة أو أخ
جاز بيع من سوى الأم لأن شفقة الأم تغني عمن
سواها، ولذا كانت أحق بالحضانة من غيرها فهذه
الصور مستثناة من اختلاف الجهة، والجدة كالأم
فلو كان معه جدة، وعمة، وخالة جاز بيع العمة
والخالة، ولو كان معه عمة، وخالة لا يباعوا
إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة، ولو
كان معه أخوان أو إخوة كبار فالصحيح أنه يجوز
بيع ما سوى واحد منهم، وهو الاستحسان لأن
الشفقة أمر باطن لا يوقف عليه فيعتبر السبب،
ولا يعتبر الأبعد مع الأقرب، وعند الاتحاد في
الجهة والدرجة أحدهما يغني، وكذا لو ملك ستة
إخوة ثلاثة كبارا، وثلاثة صغارا فباع مع كل
صغير كبيرا جاز استحسانا فلو كان معه أخت
شقيقة، وأخت لأب، وأخت لأم باع غير الشقيقة،
ولو ادعاه رجلان فصار أبوين له ثم ملكوا جملة
القياس أن يباع أحدهما لاتحاد جهتهما، وفي
الاستحسان لا يباع لأن الأب في الحقيقة واحد
فاحتمل كونه الذي بيع فيمتنع احتياطا فصار
الأصل أنه إذا كان معه عدد أحدهم أبعد جاز
بيعه، وإن كانوا في درجة فإن كانوا من جنسين
مختلفين كالأب، والأم، والخالة، والعمة لا
يفرق، ولكن يباع الكل أو يمسك الكل، وإن كانوا
من جنس واحد كالأخوين، والعمين، والخالين جاز
أن يمسك مع الصغير أحدهما، ويبيع ما سواه.
ومثل الخالة، والعمة أخ لأب، وأخ لأم كذا في
فتح القدير، وكذا لا يرد عليه ما إذا كان
البائع حربيا مستأمنا لمسلم فإنه لا يمنع
المسلم من الشراء دفعا للمفسدة عنه، وكذا لا
يرد ما إذا باعه ممن حلف بعتقه إن اشتراه أو
ملكه لما ذكرنا في الإعتاق فهذه عشرة مسائل
يجوز فيها التفريق، ولا بأس بسردها دفع أحدهما
بجناية، وبيعه بدين ورده بعيب، وإذا كان
المالك كافرا أو إعتاقه وتدبيره واستيلادها
وكتابته وبيعه ممن حلف بعتقه، وبيع واحد من
ثلاثة بالشرط السابق، والحادية عشر إذا كان
الصغير مراهقا، ورضيت أمه ببيعه فإنه يجوز كما
في فتح القدير ولو كان مع امرأة مسبية صبي
ادعت أنه ابنها لم يثبت النسب، ولا يفرق
بينهما احتياطا، ولو باع الأم على أنه بالخيار
ثم اشترى الولد فإنه يكره التنفيذ لأنهما
اجتمعا في ملكه، ولو كان في يده صبي، واشترى
أمه بشرط الخيار له ردها اتفاقا لعدم الملك
عنده، ولدفع الضرر عنه عندهما.
"قوله:
بخلاف الكبيرين والزوجين"
لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه
صلى الله عليه وسلم
ج / 6 ص -150-
..............................
______
فرق بين مارية وسيرين1 وكانتا كبيرتين أختين.
ولا يدخل الزوجان لأن النص ورد على خلاف
القياس فيقتصر على مورده فإن فرق في موضع
المنع كره، وجاز العقد، وعن أبي يوسف أنه لا
يجوز في قرابة الولاد، ويجوز في غيرها، وعنه
لا يجوز في الجميع لأن الأمر بالإدراك، والرد
لا يكون إلا في البيع الفاسد، ولهما أن ركن
البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهية
لمعنى مجاور فشابه كراهية الاستيام، وفي
الجوهرة، وكل ما يكره من التفريق في البيع
يكره في القسمة في الميراث، والغنائم ا هـ.
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" (4/29).
5- باب الإقالة
______
5- باب الإقالة
المناسبة ظاهرة، وهي شاملة لكل عقد بيع صحيحا
كان أو مكروها فيفسخ إقالة بالتراضي، وإن كان
واجبا في المكروه تحريما دفعا للمعصية أو
فاسدا فيفسخ بدون التراضي إما من أحدهما أو من
القاضي جبرا كما قدمناه فاشترك المكروه،
والفاسد في وجوب الدفع، والكلام فيها يقع في
عشرة مواضع الأول في معناها لغة والثاني في
معناها شرعا والثالث في ركنها، والرابع في
شروطها، والخامس في صفتها، والسادس في حكمها،
والسابع فيمن يملكها، ومن لا يملكها، والثامن
في بيان دليلها، والتاسع في سببها، والعاشر في
محاسنها
أما الأول فقال في القاموس قلته البيع بالكسر،
وأقلته فسخته، واستقاله طلب إليه أن يقيله،
وتقايل البيعان، وأقال الله عثرتك، وأقالكها ا
هـ. ذكرها في القاف مع الياء، وفي المصباح
أقال الله عثرته إذا رفعه من سقوطه، ومنه
الإقالة في البيع لأنها رفع العقد، وقاله قيلا
من باب باع لغة، واستقاله البيع فأقاله. ا هـ.
وبهذا ظهر أنها لم تكن مشتقة من القول، وأن
الهمزة للسلب أي أزال القول الأول كما ذكره
الشارح، وإنما هي من القيل،
وأما معناها شرعا فهي رفع العقد كذا ذكره في
الجوهرة، وهو تعريف للأعم من إقالة البيع،
والإجارة، ونحوهما، وإن أردت خصوصها فقل رفع
عقد البيع، وأما الطلاق فهو رفع قيد النكاح لا
رفع النكاح.
وأما ركنها فالإيجاب، والقبول الدالان عليها
بلفظين ماضيين أو أحدهما مستقبلا، والآخر
ماضيا كأقلني فقال أقلتك عند أبي حنيفة وأبي
يوسف كالنكاح، وقال محمد لا تنعقد إلا بماضيين
كالبيع كذا في البدائع، وقد يكون القبول
بالفعل كما لو قطعه قميصا في فور قول
ج / 6 ص -151-
...........................................
______
المشتري أقلتك، وتنعقد بفاسختك، وتركت تاركتك،
ودفعت، وتنعقد بالتعاطي كالبيع كما في
الخانية، والخلاصة، وفي البزازية ينعقد به
كالبيع من أحد الجانبين، وهو الصحيح.
وأما شرائط صحتها فمنها رضا المتعاقدين لأن
الكلام في رفع عقد لازم، وأما رفع ما ليس
بلازم فلمن له الخيار بعلم صاحبه لا برضاه،
ومنها بقاء المحل لما سيأتي أن المبيع إذا هلك
لم تصح الإقالة، ومنها قبض بدلي الصرف في
إقالة الصرف أما على قول أبي يوسف فظاهر لأنها
بيع، وأما على أصلهما فلأنها بيع في حق ثالث،
وهو حق الشرع، ومنها أن يكون المبيع قابلا
للفسخ بخيار من الخيارات فلو ازداد زيادة تمنع
الفسخ لم تصح الإقالة خلافا لهما، ولا يشترط
لصحتها بقاء المتعاقدين فتصح إقالة الوارث
والوصي ولا تصح إقالة الموصى له كما في
القنية، ومنها اتحاد المجلس، وعليه يتفرع ما
في القنية جاء الدلال بالثمن إلى البائع بعدما
باعه بالأمر المطلق فقال البائع لا أدفعه بهذا
الثمن فأخبر به المشتري فقال أنا لا أزيده
أيضا لا ينفسخ لأنه ليس من ألفاظ الفسخ لأن
اتحاد المجلس في الإيجاب، والقبول شرط في
الإقالة، ولم يوجد. ا هـ. ومنها أن لا يهب
البائع الثمن للمشتري قبل قبضه في شراء
المأذون فلو وهبه له لم تصح الإقالة بعدها كما
في خزانة المفتين1، ومنها أن لا يكون البيع
بالكثير من القيمة في بيع الوصي فإن كان لم
تصح إقالته كما فيها أيضا.
وأما صفتها فهي مندوب إليها للحديث
"من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم
القيامة"، وقدمنا أنها تكون واجبة إذا كان عقدا مكروها، وينبغي أن تكون
واجبة إذا كان البائع غارا للمشتري، وكان
الغبن يسيرا، وإنما قيدنا باليسير لأن الغبن
الفاحش يوجب الرد إن غره البائع على الصحيح
كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما حكمها فاختلف فيه على أقوال فقال الإمام
الأعظم إنها فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في
حق ثالث وقال أبو يوسف إنها بيع في حق الكل،
وقال محمد فسخ في حق الكل، وقال زفر هي فسخ في
حق الكل ذكر قوله في البدائع، والسراج الوهاج.
وأما من يملكها، ومن لا يملكها فقالوا من ملك
البيع ملك إقالته فصحت إقالة الموكل ما باعه
وكيله، وإقالة الوكيل بالبيع، ويضمن، وكتبنا
في الفوائد الفقهية إلا في مسائل:
الأولى: الوصي لو اشترى من
مديون اليتيم دارا بعشرين، وقيمتها خمسون فلما
استوفى الدين أقاله لم تصح إقالته.
الثانية: العبد المأذون اشترى
غلاما بألف، وقيمته ثلاثة آلاف لا تصح إقالته،
ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي في الفروع للإمام حسين بن أحمد
السميقاني الحنفي وهو من مجلد كبير الحتفي فيه
بذكر العلامات من المصادر. ا هـ "كشف الظنون"
(1/703).
ج / 6 ص -152-
هي فسخ
في حق المتعاقدين بيع في حق ثالث
______
يملكان الرد بالعيب بخلاف الرد بخيار الشرط
والرؤية كذا في بيوع القنية الثالثة المتولي
على الوقف إذا اشترى شيئا بأقل من قيمته لا
تصح إقالته، وكذا إذا أجر ثم أقال ولا صلاح
فيها للوقف لم يجز كما فيها أيضا، وفي بعض
المواضع منها إن كان قبل القبض جازت، وإلا لا
الرابعة الوكيل بالشراء لا تصح إقالته بخلاف
الوكيل بالبيع تصح، ويضمن الخامسة الوكيل
بالسلم على تفصيل فيه، وإنما يضمن الوكيل
بالبيع إذا أقال إذا كان بعد قبض الثمن أما
قبله فيملكها في قول محمد كذا في الظهيرية،
وفيها، والوكيل بالإجارة إذا ناقض مع المستأجر
قبل استيفاء المنفعة، وقبل قبض الأجر صح سواء
كان الأجر عينا أو دينا. ا هـ. وفي فتاوى
الفضلي إذا باع المتولي أو الوصي شيئا بأكثر
من قيمته لا تجوز إقالته، وإن كانت بمثل الثمن
الأول. ا هـ. وفي القنية باعت ضيعة مشتركة
بينها وبين ابنها البالغ، وأجاز الابن البيع
ثم أقالت، وأجاز الابن الإقالة ثم باعتها
ثانيا بغير إجازته يجوز، ولا يتوقف على إجازته
لأن بالإقالة يعود المبيع إلى ملك العاقد لا
إلى ملك الموكل، والمجيز، ودليلها السنة،
والإجماع، وسببها الحاجة إليها، ومحاسنها
إزالة الغم عن النادم، وتفريج الكرب عن
المكروب.
"فائدة":
تصح إقالة الإقالة فلو تقايلا البيع ثم تقايلا
الإقالة ارتفعت الإقالة، وعاد البيع، وكتبنا
في الفوائد إلا في مسألة، وهي إقالة السلم
فإنها لا تقبل الإقالة كما ذكره الشارح من
الدعوى من باب التحالف، وفي الجوهرة لا تصح
الإقالة في النكاح والطلاق والعتاق. ا هـ.
"قوله:
هي فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق ثالث"،
وهذا عند أبي حنيفة إلا إن تعذر جعلها فسخا
بأن ولدت المبيعة بعد القبض أو هلك المبيع
فإنها تبطل ويبقى البيع على حاله أطلقه فشمل
ما إذا كان قبل القبض أو بعده، وروي عن أبي
حنيفة أنها فسخ قبل القبض بيع بعده كذا في
البدائع، وظاهره ترجيح الإطلاق، وقال أبو يوسف
هي بيع إلا إن تعذر بأن كانت قبل القبض ففسخ
إلا إن تعذرا فتبطل بأن كانت قبل القبض في
المنقول بأكثر من الثمن الأول أو بأقل منه أو
بجنس آخر أو بعد هلاك المبيع. وقال محمد هي
فسخ إلا أن تعذر بأن تقايلا بأكثر من الثمن
الأول أو بخلاف جنسه أو ولدت المبيعة بعد
القبض فبيع إلا أن تعذرا بأن كانت قبل القبض
بأكثر من الثمن الأول فتبطل، والخلاف المذكور
إنما هو فيما إذا وقعت بلفظها إما بلفظ الفسخ
أو الرد أو الترك فإنها لا تكون بيعا، وفي بعض
نسخ الزيلعي فإنها لا تكون فسخا، وهو سبق قلم
كما لا يخفى.
وفي السراج الوهاج أما إذا كانت بلفظ البيع
كانت بيعا إجماعا كما إذا قال البائع له بعني
ما اشتريت فقال بعت كان بيعا، وفائدة كونها
فسخا في حقهما عنده تظهر في خمس مسائل.
ج / 6 ص -153-
...........................................
______
الأولى وجوب رد الثمن الأول،
وتسمية خلافه باطل.
الثانية: أنها لا تبطل
بالشروط المفسدة، ولكن لا يصح تعليقها بالشرط
كأن باع ثورا من زيد فقال اشتريته رخيصا فقال
زيد إن وجدت مشتريا بالزيادة فبعه منه فوجد
فباع بأزيد لا ينعقد البيع الثاني لأنه تعليق
الإقالة لا الوكالة بالشرط كذا في السراج
الوهاج.
الثالثة: إذا تقايلا، ولم يرد
المبيع حتى باعه منه ثانيا جاز، ولو كانت بيعا
لفسد، وهذه حجة على أبي يوسف لأن البيع جائز
بلا خلاف بين أصحابنا إلا أن يثبت عنه الخلاف
فيه كذا في البدائع. ولو باع من غير المشتري
لم يجز لكونه بيعا جديدا في حق ثالث، وإذا
تبايعاه بعدها يحتاج المشتري إلى تجديد القبض
لكونه بعدها في يده مضمونا بغيره، وهو الثمن
فلا ينوب عن قبض الشراء كقبض الرهن بخلاف قبض
الغصب كذا في الكافي هنا، وفيه من باب
المتفرقات [تقالا]1 فتقايلا فاشترى أحدهما ما
أقال صار قابضا بنفس العقد لقيامها فكان كل
واحد مضمونا بقيمة نفسه كالمغصوب، ولو هلك
أحدهما فتقايلا ثم جدد العقد في القائم لا
يصير قابضا بنفس العقد لأنه يصير مضمونا بقيمة
العرض الآخر فشابه المرهون. ا هـ.
والرابعة: إذا وهب المبيع من
المشتري بعد الإقالة قبل القبض جازت الهبة،
ولو كانت بيعا لانفسخ لأن البيع ينفسخ بهبة
المبيع للبائع قبل القبض.
والخامسة: لو كان المبيع
مكيلا أو موزونا، وقد باعه منه بالكيل أو
الوزن ثم تقايلا، واسترد البيع من غير أن يعيد
الكيل أو الوزن جاز قبضه، وهذا لا يطرد على
أصل أبي يوسف لكونها بيعا عنده، ولو كانت بيعا
لما صح قبضه بلا كيل ووزن كذا في البدائع.
لو كان المبيع عقارا فسلم الشفيع الشفعة ثم
تقايلا يقضي له بالشفعة لكونه بيعا جديدا في
حقه كأنه اشتراه منه، والثانية إذا باع
المشتري المبيع من آخر ثم تقايلا ثم اطلع على
عيب كأن كان في يد البائع فأراد أن يرده على
البائع ليس له ذلك لأنه بيع في حقه فكأنه
اشتراه من المشتري، والثالثة إذا اشترى شيئا،
وقبضه، ولم ينقد الثمن حتى باعه من آخر ثم
تقايلا، وعاد إلى المشتري فاشتراه من قبل نقد
ثمنه بأقل من الثمن الأول جاز، وكان في حق
البائع كالمملوك بشراء جديد من المشتري
الثاني. والرابعة إذا كان المبيع موهوبا فباعه
الموهوب له ثم تقايلا ليس للواهب أن يرجع في
هبته لأن الموهوب له في حق الواهب بمنزلة
المشتري من المشترى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "تقابضا"
ج / 6 ص -154-
وتصح
بمثل الثمن الأول وشرط الأكثر أو الأقل بلا
تعيب، وجنس آخر لغو، ولزمه الثمن الأول
______
منه، والخامسة إذا اشترى بعروض التجارة عبدا
للخدمة بعدما حال عليها الحول فوجد به عيبا
فرده بغير قضاء، واسترد العروض فهلكت في يده
فإنه لا تسقط عنه الزكاة لكونه بيعا جديدا في
حق الثالث، وهو الفقير لأن الرد بالعيب بغير
قضاء إقالة، وقوله بيع جديد في حق الثالث مجرى
على إطلاقه، وقوله فسخ في حق المتعاقدين غير
مجرى على إطلاقه لأنه إنما يكون فسخا فيما هو
من موجبات العقد، وهو ما يثبت بنفس العقد من
غير شرط، وأما إذا لم يكن من موجبات العقد،
ويجب في شرط زائد فالإقالة فيه تعتبر بيعا
جديدا في حق المتعاقدين أيضا كما إذا اشترى
بالدين المؤجل عينا قبل حلول الأجل ثم تقايلا
يعود الدين حالا كأنه باعه منه.
وفي الصغرى، ولو رده بعيب بقضاء كان فسخا من
كل وجه فيعود الأجل كما كان، ولو كان بالدين
كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين ا هـ. وكما
إذا تقايلا ثم ادعى رجل أن المبيع ملكه، وشهد
المشتري بذلك لم تقبل شهادته لأنه هو الذي
باعه ثم شهد أنه لغيره، ولو كانت فسخا لقبلت
ألا ترى أن المشتري لو رد المبيع بعيب بقضاء،
وادعى المبيع رجل، وشهد المشتري بذلك تقبل
شهادته لأنه بالفسخ عاد ملكه القديم فلم يكن
متلقيا من جهة المشتري لكونه فسخا من كل وجه،
وكذا لو باع عبدا بطعام بغير عينه، وقبض ثم
تقايلا لا يتعين الطعام المقبوض للرد كأنه
باعه من البائع بطعام غير معين، وكذا لو قبض
أردأ من الثمن الأول أو أجود منه يجب رد مثل
المشروط في البيع الأول كأنه باعه من البائع
بمثل الثمن الأول، وقال الفقيه أبو جعفر يجب
عليه رد المثل المقبوض لأنه لو وجب عليه مثل
المشروط للزم زيادة ضرر بسبب تبرعه، ولو كان
فسخا بخيار رؤية أو شرط أو عيب بقضاء رد
المقبوض إجماعا لأنه فسخ من كل وجه كذا ذكر
الشارح هنا.
"قوله،
وتصح بمثل الثمن الأول وشرط الأكثر أو الأقل
بلا تعيب، وجنس آخر لغو، ولزمه الثمن الأول"،
وهذا عند أبي حنيفة لأن الفسخ يرد على عين ما
يرد عليه العقد فاشتراط خلافه باطل، ولا تبطل
الإقالة كما قدمنا قيد بقوله بلا تعيب إذ لو
تعيب بعده جاز اشتراط الأقل، ويجعل الحط بإزاء
ما فات بالعيب، ولا بد أن يكون النقصان بقدر
حصة الفائت، ولا يجوز أن ينقص من الثمن أكثر
منه كذا في فتح القدير، وفي البناية معزيا إلى
تاج الشريعة1 هذا إذا كانت حصة العيب مقدار
المحطوط أو زائدا أو ناقصا بقدر ما يتغابن
الناس فيه. ا هـ.
وقيد بقوله وجنس آخر لأن الإقالة على جنس آخر
غير الثمن الأول صحيحة، ويلغو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو تاج التشريعة راجع "الفوائد البهية"
(111).
ج / 6 ص -155-
...........................................
______
المسمى، ويلزمه رد الأول فقوله وجنس بالجر عطف
على الأكثر أي وشرط جنس لا على تعيب، وعند أبي
يوسف ومحمد إذا شرط الأكثر كانت بيعا لكونه
الأصل فيها عند أبي يوسف، ولتعذر الفسخ عند
محمد، وكذا في شرط الأقل عند أبي يوسف تصح به
بيعا، وعند محمد فسخ بالثمن الأول، ولو قال
المصنف، وتصح مع السكوت عن الثمن الأول لكان
أولى فيعلم منه حكم التصريح به بالأولى، ومع
السكوت لا خلاف في وجوب الأول كما في البدائع.
وأشار بقوله لزمه الثمن الأول إلى أن
الاعتبار لما وقع العقد به لما تقدم.
ولذا قال في فتح القدير لو كان الثمن عشرة
دنانير، ودفع إليه الدراهم عوضا عن الدنانير
ثم تقايلا، وقد رخصت الدراهم رجع بالدنانير
التي وقع العقد عليها لا بما دفع، وكذا لو رد
بالعيب، وكذا في الإجارة لو فسخت، ومن فروع
الفسخ كالإقالة ما لو عقدا بدراهم ثم كسدت ثم
تقايلا فإنه يرد تلك الدراهم الكاسدة، ولو
عقدا بدراهم ثم جددا بدنانير، وعلى القلب
انفسخ الأول، وكذا لو عقدا بثمن مؤجل ثم جددا
بحال أو على القلب أما لو جدداه بدراهم أكثر
أو أقل فلا، وهو حط من الثمن أو زيادة فيه،
وقالوا لو باع باثني عشر، وحط عنه درهمين ثم
عقدا بعشرة لا ينفسخ الأول لأنه مثله إذ الحط
يلتحق بأصل العقد إلا في اليمين فيحنث لو كان
حلف لا يشتريه باثني عشر، ولو قال المشتري بعد
العقد قبل القبض للبائع بعه لنفسك فإن باعه
جاز، وانفسخ الأول، ولو قال بعه لي أو لم يزد
على قوله بعه لي أو زاد قوله ممن شئت لا يصح
في الوجوه لأنه توكيل، ولو باع المبيع من
البائع قبل القبض لا ينفسخ البيع، ولو وهبه
قبل القبض انفسخ إذا قبل، ولو قال البائع قبل
القبض أعتقه فأعتقه جاز العتق عن البائع،
وانفسخ البيع عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف
العتق باطل.
وفي الفتاوى الصغرى جحود ما عدا النكاح فسخ،
وعليه ما فرع في الخانية، وغيرها باع أمة
فأنكر المشتري الشراء لا يحل للبائع وطؤها إلا
إن عزم على ترك الخصومة فيحل حينئذ له وطؤها،
وكذا لو أنكر البائع البيع، والمشتري يدعي لا
يحل للبائع وطؤها فإن ترك المشتري الخصومة،
وسمع البائع بعد بذلك حل له وطؤها، ومثله لو
اشترى جارية بشرط الخيار ثلاثة أيام، وقبضها
ثم رد على البائع جارية أخرى في أيام الخيار،
وقال هي التي اشتريتها، وقبضتها كان القول له
فإن رضي البائع بها حل وطؤها، وكذا القصار
والإسكاف، وكذا لو اشترى ما يتسارع إليه
الفساد كاللحم والسمك والفاكهة، وغاب المشتري،
وخاف البائع فساده فله بيعه من غيره استحسانا،
وللمشتري منه الانتفاع به، وإن علم لرضا
العاقدين بالفسخ ظاهرا، ويتصدق البائع بما زاد
على الثمن، وإن نقص فعلى البائع، ولو اختلفا
فادعى البائع الإقالة، والمشتري أنه باعه منه
بأقل قبل النقد فالقول للمشتري في إنكارها،
ولو كان على العكس تحالفا كذا في فتح القدير.
ج / 6 ص -156-
وهلاك
المبيع يمنع وهلاك بعضه بقدره
______
وأشار أيضا بقوله لزمه الثمن الأول إلى أنه لو
كان الثمن الأول حالا فأجله المشتري عند
الإقالة فإن التأجيل يبطل، وتصح الإقالة، وإن
تقايلا ثم أجله فينبغي أن لا يصح الأجل عند
أبي حنيفة فإن الشرط اللاحق بعد العقد يلتحق
بأصل العقد عنده كذا في القنية، وإلى أنه لو
أبرأ المشتري عن الثمن بعد قبض المبيع ثم
تقايلا لم تصح منها أيضا، وإلى أنه يلزم
المشتري رد المبيع، وفي القنية استرد ما له
حمل ومؤنة، ونقله إلى موضع آخر ثم تقايلا
فمؤنة الرد على البائع ا هـ.
"قوله:
وهلاك المبيع يمنع" أي صحتها
لما قدمنا أن من شرطها بقاء المبيع لأنها رفع
العقد، وهو محله قيد بالمبيع لأن هلاك الثمن
لا يمنعها لكونه ليس بمحل لكونه يثبت بالعقد
فكان حكما، وهو يعقبه فلا يكون محلا لأن المحل
شرط، وهو سابق فتنافيا، ولذا بطل البيع بهلاك
المبيع قبل القبض دون الثمن.
"قوله:
وهلاك بعضه بقدره" أي هلاك
بعض المبيع يمنعها بقدر الهالك لأن الجزء
معتبر بالكل، وفي بيع المقايضة إذا هلك أحدهما
صحت في الباقي منهما، وعلى المشتري قيمة
الهالك إن كان قيميا، ومثله إذا كان مثليا
فيسلمه إلى صاحبه، ويسترد العين إلا إذا هلكا
بخلاف البدلين في الصرف إذا هلكا لعدم
التعيين، ولذا لا يلزمهما إلا رد المثل بعدها،
وفي السراج الوهاج اشترى عبدا بنقرة فضة أو
بمصوغ مما يتعين فتقابضا ثم هلك العبد في يد
المشتري ثم تقايلا، والفضة قائمة في يد البائع
صحت، وعلى البائع رد الفضة بعينها، ويسترد من
المشتري قيمة العبد، وفي البزازية تقايلا فأبق
العبد من يد المشتري، وعجز عن تسليمه تبطل
الإقالة ا هـ. وأشار إلى أن المبيع إذا هلك
بعد الإقالة بطلت، وعاد البيع قيد بالهلاك
لأنه لو باع صابونا رطبا ثم تقايلا بعدما جف
فنقص، وزنه لا يجب على المشتري شيء لأن كل
المبيع باق كذا في فتح القدير. وأشار بعدم
اشتراط بقاء جميع المبيع على حاله إلى أنه لو
اشترى أرضا مع الزرع، وحصده المشتري ثم تقايلا
صحت في الأرض بحصتها من الثمن بخلاف ما إذا
أدرك الزرع في يده ثم تقايلا فإنها لا تجوز
لأن العقد إنما ورد على القصيل دون الحنطة كذا
في القنية، وإلى أن الاعتبار لما دخل في البيع
مقصودا فلو اشترى أرضا فيها أشجار فقطعها ثم
تقايلا صحت الإقالة بجميع الثمن، ولا شيء
للبائع من قيمة الأشجار، وتسلم الأشجار
للمشتري هذا إذا علم البائع بقطعها فإن لم
يعلم به وقتها خير إن شاء أخذها بجميع الثمن،
وإن شاء ترك، وإن اشترى عبدا فقطعت يده، وأخذ
أرشها ثم تقايلا صحت الإقالة، ولزمه بجميع
الثمن، ولا شيء للبائع من أرش اليد إذا علم
وقت الإقالة أنه قطعت يده، وأخذ أرشها، وإن لم
يعلم يخير بين الأخذ
ج / 6 ص -157-
.....................................
______
بجميع الثمن وبين الترك كذا في القنية، ورقم
برقم آخر أن الأشجار لا تسلم للمشتري، وللبائع
أخذ قيمتها منه لأنها موجودة وقت البيع بخلاف
الأرش فإنه لم يدخل في البيع أصلا لا قصدا،
ولا ضمنا. ا هـ.
ثم اعلم أنه لا يرد على اشتراط قيام المبيع
لصحة الإقالة إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه
لأنها صحيحة سواء كان رأس المال عينا أو دينا،
وسواء كان قائما في يد المسلم إليه أو هالكا
لأن المسلم إليه، وإن كان دينا حقيقة فله حكم
العين حتى لا يجوز الاستبدال به قبل قبضه،
وإذا صحت فإن كان رأس المال عينا قائمة ردت،
وإن كانت هالكة رد المثل إن كان مثليا،
والقيمة إن كان قيميا، وإن كان دينا رد مثله
قائما أو هالكا لعدم التعيين، وكذا إقالته بعد
قبض المسلم إليه، وإن كان قائما، ويرد رب
السلم عين المقبوض لكونه متعينا كذا في
البائع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
6- باب المرابحة والتولية
______
6- باب المرابحة
والتولية
شروع فيما يتعلق بالثمن من المرابحة والتولية
والربا والصرف والبيع بالنسيئة بعد بيان أحكام
المبيع، وقدم المبيع لأصالته كذا في البناية،
وقدمنا أن أنواعه بالنسبة إلى الثمن أربعة هما
والمساومة لا التفات فيها إلى الثمن الأول،
والرابع الوضيعة بأنقص من الأول، ولم يذكرهما
لظهورهما.
وهما جائزان لاستجماع شرائط الجواز، والحاجة
ماسة إلى هذا النوع من البيع لأن الغبي الذي
لا يهتدي إلى التجارة يحتاج إلى أن يعتمد فعل
الذكي المهتدي، ويطيب نفسه بمثل ما اشترى،
وبزيادة ربح فوجب القول بجوازهما، ولذا كان
مبناهما على الأمانة والاحتراز عن شبهة
الخيانة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما أراد الهجرة ابتاع من أبي بكر رضي الله
عنه بعيرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ولني أحدهما" فقال هو لك بغير شيء فقال: "أما
بغير ثمن فلا"1 قال السهيلي2 سئل بعض العلماء
لم لم يقبلها إلا بالثمن، وقد أنفق عليه أبو
بكر أضعاف ذلك، وقد دفع إليه حين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" وقال: غريب.
(4/31). وأخرجه عبد الرزاق في "الممصنف".
2 هو عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المولود
سنة ثمان وخمسمائة هـ بسهيل وتوفي في شعبان
سنة إحدى وثمانين وخمسمائة هـ من آثاره: الروض
الأنف في شرح تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة
النبوية. ا هـ "شذرات الذهب" (4/271) "معجم
المؤلفين" (5/147).
ج / 6 ص -158-
هي بيع
بثمن سابق، والمرابحة به، وبزيادة
______
بنى بعائشة ثنتي عشرة أوقية حين قال له أبو
بكر ألا تبني بأهلك فقال لولا الصداق فدفع
إليه ثنتي عشرة أوقية وشيئا وهو عشرون درهما
فقال لتكون هجرته بنفسه وماله رغبة منه في
استكمال فضلها إلى الله، وأن تكون على أتم
الأحوال، والمرابحة في اللغة كما في الصحاح
يقال بعته المتاع، واشتريته منه مرابحة إذا
سميت لكل قدر من الثمن ربحا ا هـ. وأما
التولية في اللغة فقال الشارحون إنها مصدر ولي
غيره إذا جعله، واليا، وفي القاموس التولية في
البيع نقل ما ملكه بالعقد الأول وبالثمن الأول
من غير زيادة، وأما شرعا فقال "هي" أي
التولية.
"بيع
بثمن سابق، والمرابحة به، وبزيادة"
وأورد عليه الغصب، وهو ما إذا ضاع المغصوب عند
الغاصب، وضمنه قيمته ثم وجده جاز له بيعه
مرابحة، وتولية على ما ضمن، وقد غفل الشارح
الزيلعي فأورده على عبارة الهداية، وهي نقل ما
ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع ربح أو لا،
وادعى أن عبارة المؤلف أحسن، وليس كما زعم لأن
مسألة الغصب كما ترد على الهداية باعتبار أنه
لا عقد فيها كذلك ترد على الكنز باعتبار أنه
لا ثمن فيها فإن أجيب بأن القيمة كالثمن فكذلك
يقال إن الغصب ملحق بعقود المعاوضات، وقد أجاب
الشارحون عن الهداية بهذا قالوا، ولذا صح
إقرار المأذون به لما كان إقراره بالمعاوضات
جائزا. وقد صرح في الفتاوى الكبرى بأنه يقال
قام علي بكذا، ويرد على كلا التعريفين ما ملكه
بهبة أو إرث أو وصية إذا قومه فله المرابحة
على القيمة إذا كان صادقا في التقويم مع أنه
لا ثمن ولا عقد، ولم أر كيف يقول وينبغي أن
يقول قيمته كذا، ويرد عليهما أيضا من اشترى
دراهم بدنانير لا يجوز بيع الدراهم مرابحة مع
صدق التعريف عليها، ويرد أيضا عليهما ما فيه
من الإبهام لأن الثمن السابق إما أن يراد عينه
أو مثله لا سبيل إلى الأول لأنه صار ملكا
للبائع الأول فلا يراد في الثاني، ولا إلى
الثاني لأنه لا يخلو إما أن يراد المثل جنسا
أو مقدارا، والأول ليس بشرط لما في الإيضاح
والمحيط أنه إذا باع مرابحة فإن كان ما اشتراه
به له مثل جاز سواء كان الربح من جنس رأس
المال من الدراهم أو من الدنانير إذا كان
معلوما يجوز الشراء به لأن الكل ثمن، والثاني
وهو المقدار يقتضي أن لا يضم أجرة القصار
والصباغ ونحوهما لأنها ليست بثمن في العقد
الأول، وإذا أريد المثل قدرا، وادعى أن الأجرة
من الثمن الأول عادة كما فعله الشارحون ورد
عليه أنها جائزة بعينه إذا كان قد وصل إلى
المشتري الثاني، وما أورده في فتح القدير من
الشراء بثمن نسيئة فإن المرابحة لا تجوز على
ذلك الثمن ليس بوارد لأنها جائزة إذا بين أنه
اشتراه نسيئة كما سيأتي آخر الباب.
وقد وضعت لكل منهما تعريفا لا يرد عليه شيء إن
شاء الله تعالى.
ج / 6 ص -159-
...........................................
______
فقلت: التولية نقل ما ملكه بغير عقد الصلح
والهبة بشرط عوض بما يتعين بعين ما قام عليه
أو بمثله أو برقمه أو بما قومه به في غير شراء
القيمي أو بمثل ما اشترى به من لا تقبل شهادته
له من أصوله وفروعه وأحد الزوجين أو مكاتبه أو
عبده المأذون أو أحد المتفاوضين من الآخر أو
بمثل ما اشترى به مضاربه أو رب المال مع ضم
حصة من الربح بزيادة ربح في المرابحة، وبلا
ربح في التولية فخرج ما ملكه في الصلح
لابتنائه على الحط والمساهلة بخلاف ما إذا
اشتراه من مديونه بالدين، وهو يشتري بذلك
الدين فإنه يجوز كما في الظهيرية، وما ملكه
بالهبة بشرط العوض أيضا كما في الظهيرية، وخرج
بما يتعين ما لا يتعين كما قدمناه، وقلنا بعين
ما قام عليه، ولم نذكر العقد الأول ولا الثمن
السابق ليدخل الغصب، وما تكلفه على العين،
وليخرج ما إذا اشترى دجاجة فباضت عنده عشر
بيضات، ولم ينفق عليها قدر البيض فإنه ليس له
المرابحة على الثمن الأول كما في النهاية.
وقلنا بالعين أو بالمثل من غير اقتصار على
أحدهما لجوازها على العين في صورة قدمناها،
وعلى المثل فيما عداها، ويدخل في المثل مثل
الثمن السابق إن كان البيع صحيحا، وقيمته إن
كان فاسدا كذا في المحيط، وأو في التعريف ليست
للإبهام، وإنما هي للتنويع.
وقلنا أو برقمه ليدخل ما إذا اشترى متاعا ثم
رقمه بأكثر من الثمن الأول ثم باعه مرابحة على
رقمه جاز، ولا يقول قام علي بكذا، ولا قيمته،
ولا اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب، وإنما يقول
رقمه كذا فأنا أرابح على كذا كما في النهاية.
وقلنا أو بما قومه به ليدخل ما ملكه بإرث
ونحوه كما قدمناه، وقيدنا بغير شراء القيمي
لأنه إذا اشترى قيميا وقومه لم تجز المرابحة،
والفرق بين القيميين أن في الشراء القيمي له
أصل يرجع إليه، وهو الثمن الأول، واحتمل أن
يكون ما قومه به أزيد في نفس الأمر، والمرابحة
مبنية على الاحتراز عن شبهة الخيانة بخلاف ما
إذا ملكه بغير بدل لعدم الثمن الأول يكون ما
قومه به مخالفا له، واحتمال الزيادة في تقويمه
لا يعد خيانة لأنه من جهة المشتري، ولو كان
بعض المبيع مشترى، والبعض غير مشترى.
فقال في الظهيرية رجل اشترى من آخر ثوبا
وبطانة، وجعلهما جبة، وجعل حشوها قطنا ورثه أو
وهب له ثم حسب الثمن وأجر الخياط ثم قال لغيره
قام علي بكذا، وباعه مرابحة على ذلك جاز، وكذا
الرجل يرث الثوب فيبسطه بالقز الذي اشتراه،
وحسب أجر الخياط، وثمن القز ثم قال لغيره قام
علي بكذا، وباعه مرابحة على ذلك جاز كذا في
الظهيرية. وقلنا أو بمثل ما اشترى به من لا
تقبل الشهادة له يعني لا بمثل ما اشتراه هو به
فإذا اشترى شيئا ممن لا تقبل
ج / 6 ص -160-
وشرطهما كون الثمن الأول مثليا
______
شهادته له فإنه إنما يرابح بما اشترى بائعه لا
بما اشتراه كما ذكره الشارح، وكذا رب المال
إذا اشترى من مضاربه لا يرابح بما اشتراه،
وإنما يرابح بمثل ما اشترى المضارب مع ضم حصة
المضارب فقط لأنها كما سيأتي مبنية على
الأمانة، والاحتراز عن شبهة الخيانة، ولذا قال
في الظهيرية إن من اشترى شيئا، وعلم أن فيه
غبنا لا يجوز له المرابحة والتولية حتى يبينه،
والله تعالى أعلم. وهذا التقرير إن شاء الله
تعالى من خواص هذا الشرح بحول الله وقوته.
"قوله:
وشرطهما كون الثمن الأول مثليا"
لأنه إذا لم يكن له مثل لو ملكه ملكه بالقيمة،
وهي مجهولة، والمثلي الكيلي، والوزني،
والمعدود المتقارب، وعبارة المجمع أولى، وهي،
ولا يصح ذلك حتى يكون العوض مثليا أو مملوكا
للمشتري، والربح مثلي معلوم. ا هـ. ولكن لا بد
من التقييد بالمعين للاحتراز عن الصرف فإنه لا
يجوزان فيهما، وتقييد الربح بالمثلي اتفاقي
لجواز أن يرابح على عين قيمته مشار إليها،
ولذا قال في فتح القدير أو بربح هذا الثوب،
وقيد الربح بكونه معلوما للاحتراز عما إذا
باعه بربح بغلي يازده لا يجوز له لأنه باعه
برأس المال، وببعض قيمته لأنه ليس من ذوات
الأمثال كذا في الهداية، ومعنى قوله بغلي
يازده أي يربح مقدار درهم على عشرة دراهم فإن
كان الثمن الأول عشرين كان الربح بزيادة
درهمين، وإن كان ثلاثين كان الربح ثلاثة دراهم
فهذا يقتضي أن يكون الربح من جنس رأس المال
لأنه جعل الربح مثل عشر الثمن، وعشر الشيء
يكون من جنسه كذا في النهاية يعني فإذا كان
رأس المال قيميا مملوكا للمشتري لا يجوز
لجهالة الربح. وأما إذا كان الربح شيئا مشارا
إليه مجهول المقدار فإنه يجوز فقوله والربح
مثلي معلوم شرط في القيمي المملوك للمشتري كما
لا يخفى، وفي البناية، ولفظه بغلي بفتح الدال
وسكون الهاء اسم للعشرة بالفارسية ويازده
بالياء آخر الحروف، وسكون الزاي اسم أحد عشر
بالفارسية. ا هـ.
ومن مسائل بغلي يازده ما في المحيط اشترى ثوبا
بعشرة، وباعه بوضعية بغلي يازده على ثمنه
فالثمن تسعة دراهم، وجزء من أحد عشر جزءا من
درهم، والوضعية عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من
درهم واحد، ومعرفته اجعل كل درهم على أحد عشر
جزءا فيصير العشرة مائة، وعشرة أجزاء من أحد
عشر جزءا ثم اطرح من كل سهم جزءا فيكون
المطروح عشرة بقي مائة جزء، وذلك تسعة دراهم،
وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم، وإن
باعه بوضيعة بغلي يازده فالثمن ثمانية دراهم،
وثلث درهم، والوضيعة درهم، وثلثا درهم،
وتخريجه على نحو ما مر، وإن باعه بوضيعة عشرة
فاجعل كل درهم على عشرة أجزاء ثم اطرح جزءا من
كل درهم فيكون المطروح عشرة أجزاء يبقى تسعون
جزءا فيكون تسعة دراهم، وعلى هذا القياس إن
باعه بوضيعة تسع أو ثمان ا هـ.
ج / 6 ص -161-
وله أن
يضم إلى رأس المال أجر القصار والصبغ والطراز
والفتل وحمل الطعام وسوق الغنم
______
وفي فتح القدير اشترى عبدا بعشرة على خلاف نقد
البلد، وباعه بربح درهم فالعشرة مثل ما نقد،
والربح من نقد البلد إذا أطلقه لأن الثمن
الأول يتعين في العقد الثاني، والربح مطلق
فينصرف إلى نقد البلد فإن نسب الربح إلى رأس
المال فقال بعتك بربح العشرة أحد عشر أو بربح
بغلي يازده فالربح من جنس الثمن لأنه عرفه
بنسبته إليه، وفي المحيط اشترى بنقد نيسابور،
وقال ببلخ قام علي بكذا، وباعه بربح مائة أو
بربح بغلي يازده فالربح ورأس المال على نقد
بلخ إلا أن يصدقه المشتري أنه نقد نيسابور أو
تقوم بينة، وإذا كان نقد نيسابور في الوزن
والجودة دون نقد بلخ، ولم يبين فرأس المال،
والربح على نقد نيسابور، وإن كان على عكسه،
واشتراه ببلخ بنقد نيسابور، ولم يعلم أنه أوزن
وأجود فهو بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
واعلم أن المعتبر في المرابحة ما وقع العقد
الأول عليه دون ما وقع عوضا عنه حتى لو اشترى
بعشرة فدفع عنها دينارا أو ثوبا قيمته عشرة أو
أقل أو أكثر فإن رأس المال هو العشرة لا
الدينار والثوب لأن وجوب هذا بعقد آخر، وهو
الاستبدال ا هـ. ما في فتح القدير.
ويرد عليه ما في الظهيرية لو اشترى بالجياد،
ونقد الزيوف قال أبو حنيفة يرابح بالزيوف،
وقال أبو يوسف يرابح بالجياد فقوله والجياد
إنما هو على قول أبي يوسف، ولكن جزم في المحيط
من غير خلاف بأنه يرابح بالجياد. وأشار بالثمن
أي جميعه إلى بيع جميع المبيع فلو اشترى ثوبين
وقبضهما ثم ولى رجلا أحدهما بعينه لم يجز،
وكذا لو أشركه في أحدهما بعينه لم يجز، ولو
كان المشتري قبض أحد الثوبين من البائع ثم
أشرك رجلا فيهما جازت الشركة في نصف المقبوض،
وكذا لو ولاهما رجلا جازت التولية في المقبوض،
ولو اشترى جاريتين بألف درهم وقبضهما وباع
أحدهما ثم ولاهما رجلا فالمولى بالخيار إن شاء
أخذ التي لم تبع بحصتها، وإن شاء ترك إذا لم
يعلم ببيع أحدهما، وكذلك لو أشرك فيهما جازت
الشركة في نصف التي لم تبع، وإن لم يبع أحدهما
ولكنه أعتق أحدهما أو ماتت ثم ولاهما رجلا أو
أشركه فيهما جاز في الأمة والحية منهما كذا في
الظهيرية، وفي السراج الوهاج لو كان مثليا
فرابح على بعضه جاز كقفيز من قفيزين لعدم
التفاوت بخلاف القيمي، وتمام تفريعه في شرح
المجمع، وفي المحيط، وإن كان ثوبا، ونحوه لا
يبيع جزءا منه معينا لأن الثمن ينقسم عليه
باعتبار القيمة، وإن باع جزءا شائعا جاز، وقيل
يفسد البيع.
"قوله:
وله أن يضم إلى رأس المال أجر القصار والصبغ
والطراز والفتل وحمل الطعام وسوق الغنم"
لأن العرف جار بإلحاق هذه الأشياء برأس المال
في عادة التجار، ولأن كل ما يزيد في
ج / 6 ص -162-
ويقول
قام علي بكذا ولا يضم أجرة الراعي، والتعليم
وكراء بيت الحفظ
______
المبيع أو قيمته يلحق به هذا هو الأصل، وما
عددناه بهذه الصفة لأن الصبغ وأخواته يزيد في
العين، والحمل يزيد في القيمة إذ القيمة تختلف
باختلاف المكان.
والطراز بكسر الطاء وتخفيف الراء العلم في
الثوب كذا في المغرب، والفتل هو ما يصنع
بأطراف الثياب بحرير أو كتان من فتلت الحبل
أفتله أطلق الصبغ فشمل الأسود وغيره كما أطلق
حمل الطعام فشمل البر والبحر، وقيد بالأجرة
لأنه لو فعل شيئا من ذلك بيده لا يضمنه، وكذا
لو تطوع متطوع بهذه أو بإعارة، ودل كلامه على
أنه يضم أجرة الغسل والخياطة ونفقة تجصيص
الدار وطي البئر وكراء الأنهار والقناة
والمسناة والكراب وكسح الكروم وسقيها والزرع
وغرس الأشجار، وفي المحيط وغيره يضم طعام
المبيع إلا ما كان سرفا وزيادة فلا يضم وكسوته
وكراءه وأجرة المخزن الذي يوضع فيه، وأما أجرة
السمسار، والدلال فقال الشارح إن كانت مشروطة
في العقد تضم، وإلا فأكثرهم على عدم الضم في
الأول، ولا تضم أجرة الدلال بالإجماع ا هـ.
وهو تسامح فإن أجرة الأول تضم في ظاهر الرواية
والتفصيل المذكور قويلة، وفي الدلال قيل لا
تضم، والمرجع العرف كذا في فتح القدير، وإذا
حدثت زيادة من المبيع كاللبن والسمن وقد أنفق
عليه في العلف، واستهلك الزيادة فإنه يحسب ما
أنفقه بقدر ما استهلكه، ويرابح، وإلا فلا
يرابح بلا بيان، وإذا ولدت المبيعة رابح
عليهما، ويتبعها ولدها، وكذا لو أثمر النخيل
فإن استهلك الزائد لم يرابح بلا بيان كما في
الظهيرية بخلاف ما إذا أجر الدابة أو العبد أو
الدار فأخذ أجرته فإنه يرابح مع ضم ما أنفق
عليه لأن الغلة ليست متولدة من العين كذا في
فتح القدير
"قوله:
ويقول قام علي بكذا"، ولا
يقول اشتريته لأنه كذب، وهو حرام، ولذا قدمنا
أنه إذا قوم الموروث ونحوه يقول ذلك، وكذا إذا
رقم على الثوب شيئا وباعه برقمه فإنه يقول
رقمه كذا، وسواء كان ما رقمه موافقا لما
اشتراه به أو أزيد حيث كان صادقا في الرقم كما
في فتح القدير.
"قوله:
ولا يضم أجرة الراعي، والتعليم وكراء بيت
الحفظ" لعدم العرف بإلحاقه
أطلق في التعليم فشمل تعليم العبد صناعة أو
قرآنا أو علما أو شعرا أو غناء أو عربية
قالوا لأن ثبوت الزيادة لمعنى في العبد، وهو
حذاقته فلم يكن ما أنفقه على المعلم موجبا
للزيادة في المالية، ولا يخفى ما فيه إذ لا شك
في حصول الزيادة بالتعلم، ولا شك أنه مسبب عن
التعليم
ج / 6 ص -163-
فإن
خان في مرابحة أخذ بكل ثمنه أو رده، وحط في
التولية
______
عادة، وكونه بمساعدة القابلية في المتعلم هو
كقابلية الثوب للصبغ فلا يمنع نسبته إلى
التعليم فهو شرط علة عادية، والقابلية شرط.
وفي المبسوط أضاف نفي ضم المنفق في التعليم
إلى أنه ليس فيه عرف ظاهر حتى لو كان فيه عرف
ظاهر يلحق برأس المال كذا في فتح القدير.
وأشار المؤلف إلى أنه لا يضم أجرة الطبيب،
والرائض، والبيطار، والفداء في الجناية، وجعل
الآبق لندرته فلا يلحق بالسابق لأنه لا عرف في
النادر والحجامة والختان لعدم العرف، وكذا لا
يضم نفقة نفسه وكراؤه، ولا مهر العبد، ولا يحط
مهر الأمة لزوجها، والذي يؤخذ في الطريق من
الظلم لا يضم إلا في موضع جرت العادة فيه
بينهم بالضم .
"قوله:
فإن خان في مرابحة أخذ بكل ثمنه أو رده، وحط
في التولية"، وهذا عند أبي
حنيفة. وقال أبو يوسف يحط فيهما، وقال محمد
يخير فيهما لمحمد إن الاعتبار للتسمية لكونه
معلوما، والتولية والمرابحة ترويج وترغيب
فتكون وصفا مرغوبا فيه كوصف السلامة فيتخير
لفواته ولأبي يوسف إن الأصل فيه كونه تولية
ومرابحة، ولهذا ينعقد بقوله وليتك بالثمن
الأول أو بعتك مرابحة على الثمن الأول إذا كان
معلوما فلا بد من البناء على الأول، وذلك
بالحط غير أنه يحط في التولية قدر الخيانة من
رأس المال، وفي المرابحة منه، ومن الربح ولأبي
حنيفة أنه لو لم يحط في التولية لا تبقى تولية
لأنه يزيد على الثمن الأول فتغير التصرف فتعين
الحط، وفي المرابحة لو لم يحط تبقى مرابحة،
وإن كان يتفاوت الربح فلا يتغير التصرف فأمكن
القول بالتخيير، ولم يذكر المصنف والشارح بما
تظهر الخيانة
قال في فتح القدير هي إما بإقرار البائع أو
بالبينة أو بنكوله عن اليمين، وقد ادعاه
المشتري هذا على المختار، وقيل لا تثبت إلا
بإقراره لأنه في دعوى الخيانة مناقض فلا يتصور
ببينة ولا نكول، والحق سماعها كدعوى العيب،
وكدعوى الحط فإنها تسمع ا هـ.
وقوله، وحط أي أسقط قدر الخيانة من المسمى،
وفي السراج الوهاج، وصورة الخيانة في التولية
إذا اشترى ثوبا بتسعة، وقبضه ثم قال لآخر
اشتريته بعشرة، ووليتك بما اشتريته فاطلع على
ذلك، وبيان الحط في المرابحة على قول أبي يوسف
إذا اشتراه بعشرة، وباعه بربح خمسة ثم ظهر أنه
اشتراه بثمانية فإنه يحط قدر الخيانة من
الأصل، وهو الخمس، وهو درهمان، وما قابله من
الربح، وهو درهم فيأخذ الثوب باثني عشر درهما.
ا هـ.
ج / 6 ص -164-
ومن
اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه فإن باعه
بربح طرح عنه كل ربح قبله، وإن أحاط بثمنه لم
يرابح
______
وقدمنا أنه إذا اشترى متاعا، ورقمه بأكثر من
ثمنه، وباعه مرابحة على الرقم فإنه يجوز،
وقيده في المحيط بما إذا كان عند البائع أن
المشتري يعلم أن الرقم غير الثمن فأما إذا كان
المشتري يعلم أن الرقم، والثمن سواء فإنه يكون
خيانة، وله الخيار كذا في المحيط. وأشار بعدم
الحط في التولية إلى أن المشتري إذا وجد
بالمبيع عيبا ثم حدث به عيب عنده لا يرجع
بنقصان العيب لأنه لو رجع يصير الثمن الثاني
أنقص من الأول، وقضية التولية أن يكون مثل
الأول، وهذا مستثنى من قولهم في خيار العيب،
وبقوله رده إلى اشتراط قيام المبيع بحاله فلو
هلك قبل رده أو حدث به ما يمنع الرد لزمه
بجميع المسمى، وسقط خياره عند أبي حنيفة، وهو
المشهور من قول محمد لأنه مجرد خيار فلا
يقابله شيء من الثمن كخيار الرؤية والشرط
بخلاف خيار العيب لأن المستحق فيه للمشتري
الجزء الفائت، وظاهر كلامهم أن خيار ظهور
الخيانة لا يورث فإذا مات المشتري فاطلع
الوارث على خيانة بالطريق السابق فلا خيار له،
وأطلق الحط في التولية فشمل حالة هلاك المبيع
وامتناع رده لأنه لا خيار له، وإنما يلزمه
الثمن الأول، وفي المحيط، وإن ضم إلى الثمن ما
لا يجوز ضمه ثم علم به المشتري فله الخيار ا
هـ.
"قوله:
ومن اشترى ثوبا فباعه بربح ثم اشتراه فإن
باعه بربح طرح عنه كل ربح قبله، وإن أحاط
بثمنه لم يرابح"، وهذا عند
أبي حنيفة، وقالا يبيعه مرابحة على الثمن
الأخير، وصورته إذا اشترى ثوبا بعشرة، وباعه
بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة فإنه يبيعه مرابحة
بخمسة، ويقول قام علي بخمسة، ولو اشتراه
بعشرة، وباعه بعشرين مرابحة ثم اشتراه بعشرة
لا يبيعه مرابحة أصلا، وعندهما يرابح على عشرة
في الفصلين، لهما أن العقد الثاني عقد متجدد
منقطع الأحكام عن الأول فيجوز بناء المرابحة
عليه كما إذا تخلل ثالث ولأبي حنيفة أن شبهة
حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة لأنه يتأكد به
ما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب،
والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا،
ولهذا لم تجز المرابحة فيما أخذ بالصلح لشبهة
الحطيطة فيصير كأنه اشترى خمسة، وثوبا بعشرة
فيطرح خمسة بخلاف ما إذا تخلل ثالث، وفي
المحيط ما قاله أبو حنيفة أوثق، وما قالاه
أرفق. ا هـ. ومحل الاختلاف عند عدم البيان أما
إذا بين فقال كنت بعته فربحت فيه كذا ثم
اشتريته بكذا، وأنا أبيعه الآن بكذا بربح كذا
جاز اتفاقا كذا في فتح القدير.
وقيد بالشراء لأنه لو وهب له ثوب فباعه بعشرة
ثم اشتراه بعشرة فإنه يرابح على
ج / 6 ص -165-
ولو
اشترى مأذون مديون ثوبا بعشرة، وباعه من سيده
بخمسة عشر يبيعه مرابحة على عشرة، وكذا العكس
______
العشرة، وإن كان يتأكد به انقطاع حق الواهب في
الرجوع لكنه ليس بمال، ولا تثبت هذه الوكادة
إلا في عقد يجري فيه الربا كذا في فتح القدير،
وقيدنا بيعه بجنس الثمن الأول لأنه لو باعه
بوصيف أو دابة أو عرض آخر ثم اشتراه بعشرة
فإنه يبيعه مرابحة على عشرة لأنه عاد إليه بما
ليس من جنس الثمن الأول، ولا يمكن طرحه إلا
باعتبار القيمة، وتعيينها لا تخلو عن شبهة
الغلط كذا في فتح القدير،
وقيد بقوله لم يرابح لأنه يصح مساومة لأن منع
المرابحة إنما هي للشبهة في حق العباد لا في
حق الشرع، وتمامه في البناية،
وقيد بالربح في البيع لأنه لو آجر المبيع،
وأخذ أجرته من غير نقص دخل فيه فله البيع
مرابحة من غير بيان لأن الأجرة ليست من نفس
المبيع، ولا من أجزائه فلم يكن حابسا لشيء
منه، وكذا لو وطئ الجارية الثيب كذا في السراج
الوهاج، وقوله ثوبا مثال، ولو قال شيئا لكان
أولى لأن المثلي والقيمي سواء هنا
ثم اعلم أن ظاهر دليل الإمام يقتضي أنه لا
يجيز أن يشتري بالثمن الأخير سواء باعه مرابحة
أو تولية والمتون كلها مقيدة بالمرابحة،
وظاهرها جواز التولية على الأخير. والظاهر
الأول كما لا يخفى،
وقيد بالربح لأن بائعه لو حط عنه شيئا فإن كان
بعض الثمن طرحه كالربح، وإن كان كل الثمن باعه
مرابحة على ما اشترى لالتحاق حط البعض بالعقد
دون حط الكل لئلا يكون بيعا بلا ثمن فصار
تمليكا مبتدأ كالهبة كذا في المحيط، وسيأتي أن
الزيادة تلتحق فيرابح على الأصل والزيادة، وفي
المحيط اشترى شيئا ثم خرج عن ملكه ثم عاد إن
عاد قديم ملكه كالرجوع في الهبة أو بخيار رؤية
أو شرط أو عيب أو إقالة أو في البيع الفاسد
يبيع مرابحة بما اشترى لأن بهذه الأسباب ينفسخ
العقد من الأصل، وصار كأنه لم يكن، وإن عاد
بسبب آخر نحو الإرث والهبة لا يبيع مرابحة
لأنه عاد إليه بسبب جديد، وهذا السبب لا يطلق
له بيع المرابحة بخلاف ما لو رد عليه بغير
قضاء فإنه يعتبر بيعا جديدا في حق الثالث
فكأنه اشترى ثانيا بعشرة بعد أن باعه بعشرة،
وهذا يطلق له المرابحة ا هـ.
"قوله:
ولو اشترى مأذون مديون ثوبا بعشرة، وباعه من
سيده بخمسة عشر يبيعه مرابحة على عشرة، وكذا
العكس"، وهو ما إذا كان
المولى اشتراه فباعه من العبد لأن في هذا
العقد
ج / 6 ص -166-
ولو
كان مضاربا بالنصف يبيعه رب المال باثني عشر
ونصف
______
شبهة العدم لجوازه مع المنافي فاعتبر عدما في
حكم المرابحة، وبقي الاعتبار للأول فيصير كأن
العبد اشتراه للمولى بعشرة في الفصل الأول،
وكأنه يبيعه للمولى في الفصل الثاني فيعتبر
الثمن الأول، وتقييده بالمديون اتفاقي ليعلم
حكم غيره بالأولى لوجود ملك المولى في أكسابه
جميعا، والمكاتب كالمأذون لوجود التهمة بل كل
من لا تقبل شهادته له كالأصول والفروع، وأحد
الزوجين وأحد المتفاوضين كذلك كما قدمناه،
وخالفاه فيما عدا العبد والمكاتب.
وفي فتح القدير لو اشترى من شريكه سلعة إن
كانت ليست من شركتهما يرابح على ما اشترى، ولا
يبين، وإن كانت من شركتهما فإنما يبيع نصيب
شريكه على ضمانه في الشراء الثاني، ونصيب نفسه
على ضمانه في الشراء الأول لجواز أن تكون
السلعة اشتريت بألف من شركتهما فاشتراها
أحدهما من صاحبه بألف ومائتين فإنه يبيعها
مرابحة على ألف ومائة لأن نصيب شريكه من الثمن
ستمائة، ونصيب نفسه من الثمن الأول خمس مائة
فيبيعها على ذلك. ا هـ. ولو قال المصنف إلا أن
يبين لكان أولى لأنه لو بين، ورابح على الأول
جاز كما في البناية.
"قوله:
ولو كان مضاربا بالنصف يبيعه رب المال باثني
عشر ونصف" لأن هذا البيع، وإن
قضي بجوازه عندنا عند عدم الربح خلافا لزفر مع
أنه يشتري ماله بماله لما فيه من استفادة
ولاية التصرف، وهو مقصود، والانعقاد يتبع
الفائدة ففيه شبهة العدم ألا ترى أنه وكيل عنه
في البيع الأول من وجه فاعتبر البيع الثاني
عدما في حق نصف الربح، ولم يذكر المصنف
والشارح ما إذا كان البائع رب المال، والمشتري
المضارب، وقد سوى بينهما في السراج الوهاج
فقال ولو اشترى من مضاربه أو مضاربه منه فإنه
يبيعه مرابحة على أقل الضمانين وحصة المضارب
من الربح لكن لو قال وحصة الآخر لكان أولى
ليشمل رب المال، ولكن قال بعده لو اشترى من رب
المال سلعة بألف تساوي ألفا وخمسمائة فباعها
من المضارب بألف وخمسمائة فإن المضارب يبيعها
مرابحة على ألف ومائتين وخمسين إلا أن يبين. ا
هـ. وذكر المصنف في كتاب المضاربة تبعا لما في
الهداية وإن اشترى من المالك بألف عبدا اشتراه
بنصفه رابح بنصفه، وعلله في الهداية من
المضاربة بأن هذا البيع يقضى بجوازه لتغاير
المقاصد دفعا للحاجة، وإن كان بيع ملكه بملكه
إلا أن فيه شبهة العدم ومبنى المرابحة على
الأمانة والاحتراز عن شبهة الخيانة فاعتبر أقل
الثمنين ا هـ.
وهذا لا يخالف مسألة الكتاب هنا لأنها فيما
إذا كان البائع المضارب من رب المال، وفي
المضاربة فيما إذا كان رب المال هو البائع من
المضارب، ولكن يحتاج إلى الفرق، وكأنه إنما لم
يضم المضارب نصيب رب المال لما في البناية أن
العقدين وقعا لرب المال، ولم يقع
ج / 6 ص -167-
ويرابح
بلا بيان بالتعيب، ووطء الثيب
______
للمضارب منه إلا قدر مائة فوجب اعتبار هذه
المائة، وفيما يقع لرب المال لم يعتبر الربح
لاحتمال بطلان العقد الثاني. ا هـ.
ومن العجب قول الشارح الزيلعي في المضاربة في
شرح قوله، وإن اشترى من المالك إلى آخره، ولو
كان بالعكس بأن اشترى المضارب عبدا بخمسمائة
فباعه من رب المال بألف يبيعه مرابحة على
خمسمائة لأن البيع الجاري بينهما كالمعدوم
فتبنى المرابحة على ما اشتراه به المضارب كأنه
اشتراه له، وناوله إياه من غير بيع. ا هـ.
وهو سهو لمخالفته الرواية في باب المرابحة
وكتاب المضاربة، وقد صرح في الهداية في
الموضعين بضم حصة المضارب إلى رأس المال وهو
تناقض منه أيضا لموافقته على ذلك، وتصريحه
بالضم في بابها، ولم أر له سلفا، ولا من نبه
على ذلك في الموضعين، وقد كنت قديما في ابتداء
اشتغالي حملت كلام الزيلعي في المضاربة على
أنه اشترى ببعض رأس المال، وكلامهم في باب
المرابحة على ما إذا اشترى المضارب بالجميع
لتصريحه في المبسوط بأن الربح لا يظهر إلا بعد
تحصيل رأس المال ا هـ. فإذا كان رأس المال
ألفا واشترى بنصفها عبدا وباعه بألف لم يظهر
الربح لعدم الزيادة على رأس المال لاحتمال
هلاك الخمسمائة الباقية فإذا لم يظهر الربح
فلا شيء للمضارب حتى يضم، وأما إذا اشترى
بالألف وباعه بألف وخمسمائة فقط ظهر الربح
فتضم حصة المضارب إلى المال، وهذا التقرير إن
شاء الله تعالى من خواص هذا الشرح بحوله
وقوته.
"قوله: ويرابح بلا بيان بالتعيب، ووطء الثيب"
لأنه لم يحبس عنده شيء بمقابلة الثمن لأن
الأوصاف تابعة لا يقابلها الثمن، ولهذا لو
فاتت قبل التسليم لا يسقط شيء من الثمن، وكذا
منافع البضع لا يقابلها الثمن، وأطلق في قوله
بلا بيان، ومراده بلا بيان أنه اشتراه سليما
فتعيب عنده أما بيان نفس العيب القائم به فلا
بد منه لئلا يكون غاشا له للحديث الصحيح "من
غش فليس منا"1، وفي الخلاصة قبيل الصرف رجل
أراد أن يبيع سلعة معيبة، وهو يعلم يجب أن
يبينها، ولو لم يبين قال بعض مشايخنا يصير
فاسقا مردود الشهادة قال الصدر الشهيد، ولا
نأخذ به ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في الإيمان باب (43) من حديث أبي
هريرة (101) بلفظ "بلفظ "من غشنا..." وأبو
داود في البيوع، باب النهي عن الغش بلفظ "ليس
منا من غش" (3455). وابن ماجة في التجارات،
باب النهي عن الغش (2224). وابن حبان في
"صحيحه" (567).
ج / 6 ص -168-
وببيان
بالتعيب ووطء البكر
______
وأطلق في وطء الثيب، ومراده ما إذا لم ينقصها
الوطء أما إذا نقصها فهو كوطء البكر، والتعيب
مصدر تعيب أي صار معيبا بلا صنع أحد بل بآفة
سماوية، ويلحق به ما إذا كان بصنع المبيع،
وشمل ما إذا كان نقصان العيب يسيرا أو كثيرا،
وعن محمد أنه إن نقصه قدرا لا يتغابن الناس
فيه لا يبيعه مرابحة بلا بيان، ودل كلامه أنه
لو نقص بتغير السعر بأمر الله تعالى لا يجب
عليه أن يبين بالأولى أنه اشتراه في حال
غلائه، وكذا لو اصفر الثوب أو احمر لطول مكثه
أو توسخ، وأورد على قولهم الفائت وصف لا
يقابله بشيء من الثمن ما إذا اشتراه بأجل فإن
الأجل وصف، ومع ذلك لا يجوز بيعه مرابحة بلا
بيان، وأجيب بإعطاء الأجل جزءا من الثمن عادة
فكان كالجزء، وأورد على قولهم منافع البضع لا
يقابلها شيء من الثمن ما إذا اشترى جارية
فوطئها ثم وجد بها عيبا امتنع ردها، وإن كانت
ثيبا وقت الشراء لاحتباسه جزءا من المبيع
عنده،
وأجيب بأن عدم الرد إنما هو لمانع، وهو أنه
إذا ردها فلا يخلو إما مع العقر احترازا عن
الوطء مجانا أو من غير عقر لا وجه إلى الأول
لعود الجارية مع زيادة، والزيادة تمنع الفسخ،
ولا إلى الثاني لسلامة الوطء له بلا عوض، وهو
لا يجوز فأورد الواهب إذا رجع في هبته بعد وطء
الموهوب له حيث يصح، ولا شيء على الواطئ
لسلامتها كلها بلا عوض له فالوطء أولى بخلاف
البيع.
"قوله:
وببيان بالتعيب ووطء البكر"
أي يرابح مع البيان إذا عيبه المشتري أو غيره
لأنها صارت مقصودة بالإتلاف فيقابلها شيء من
الثمن، وكذا إذا وطئها وهي بكر لأن العذرة جزء
من العين فيقابلها شيء من الثمن وقد حبسها،
وشمل ما إذا تكسر الثوب بنشره وطيه، ودخل تحت
الأول ما إذا أصاب الثوب قرض فأر أو حرق نار،
والقرض بالقاف والفاء، والتعيب مصدر عيبه إذا
أحدث فيه عيبا، وأطلقنا في تعييب غير المشتري
فشمل ما إذا أخذ المشتري الأرش أو لا، وما إذا
كان بأمر المشتري أو بغير أمره، وما وقع في
الهداية من التقييد بقوله، وأخذ المشتري أرشه
اتفاقي للوجوب كما في فتح القدير ثم اعلم أن
زفر قال لا يرابح إلا بالبيان في المسألتين،
واختاره الفقيه أبو الليث فقال وقول زفر أجود،
وبه نأخذ، ورجحه في فتح القدير.
وأشار المؤلف رحمه الله تعالى بالمسألة الأولى
إلى أنه إذا وجد بالمبيع عيبا فرضي به كان له
أن يبيعه مرابحة على الثمن الذي اشتراه به لأن
الثابت له خيار فإسقاطه لا يمنع من البيع
مرابحة كما لو كان فيه خيار شرط أو رؤية، وكذا
لو اشتراه مرابحة فاطلع على خيانة فرضي به كان
له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما ذكرنا
أن الثابت له مجرد خيار كذا في فتح القدير.
ج / 6 ص -169-
ولو
اشترى بألف نسيئة، وباع بربح مائة، ولم يبين
خير المشتري فإن أتلف فعلم لزم بألف درهم
ومائة وكذا التولية
______
"قوله:
ولو اشترى بألف نسيئة، وباع بربح مائة، ولم
يبين خير المشتري" لأن للأجل
شبها بالمبيع ألا ترى أنه يزاد في الثمن لأجل
الأجل، والشبهة في هذا ملحقة بالحقيقة فصار
كأنه اشترى شيئين، وباع أحدهما مرابحة
بثمنهما، والإقدام على المرابحة يوجب السلامة
عن مثل هذه الخيانة فإذا ظهرت يخير كما في
العيب. والحاصل أن عدم بيان أصل الأجل خيانة،
وكذا بيان بعضه وإخفاء البعض، ولو فرع على قول
الثاني ينبغي أن يحط من الثمن ما يعرف أن مثله
في هذا يزاد لأجل الأجل، قيد بكون الأجل
مشروطا وقت العقد لأنه لو لم يكن مشروطا،
ولكنه معتاد التنجيم فقيل لا بد من بيانه لأن
المعروف كالمشروط، وقيل لا لأن الثمن حال
بالعقد كما لو باعه حالا، ومطله إلى شهر فإنه
يرابح بالثمن، وينبغي ترجيح الأول لأنها
مبنية على الأمانة، والاحتراز عن شبهة
الخيانة، وعلى كل من القولين لو لم يكن مشروطا
ولا معروفا، وإنما أجله بعد العقد لا يلزمه
بيانه، وفي الخانية رجل عليه ألف درهم من ثمن
مبيع طالبه الطالب فقال ليس عندي شيء فقال له
الطالب اذهب وأعطني كل شهر عشرة لم يكن
تأجيلا، وكان له أن يأخذه بجميع المال حالا ا
هـ.
"قوله:
فإن أتلف فعلم لزم بألف درهم ومائة"
أي إن أتلفه المشتري حالا ثم علم بالأجل لزمه
بكل الثمن حالا لأن الأجل لا يقابله شيء من
الثمن كذا في الهداية، وأورد عليه أنه تناقض
لأنه قال عند قيام المبيع إن الثمن يزداد
بالأجل، وعند هلاكه قال إنه لا يقابله شيء،
وجوابه أن الأجل في نفسه ليس بمال فلا يقابله
شيء حقيقة إذا لم يشترط زيادة الثمن بمقابلته
قصدا، ويزاد في الثمن لأجله إذا ذكر الأجل
بمقابلة زيادة الثمن قصدا فاعتبر مالا في
المرابحة احترازا عن شبهة الخيانة، ولم يعتبر
مالا في حق الرجوع عملا بالحقيقة، والمراد
بالإتلاف هلاك المبيع إما بآفة سماوية أو
باستهلاك المشتري، ولو عبر بالتلف لكان أولى
ليفهم الإتلاف بالأولى
"قوله:
وكذا التولية" أي هي مثل
المرابحة فيما ذكرناه من الخيار عند قيام
المبيع وعدم الرجوع حال هلاكه لابتنائهما على
الثمن الأول، وينبغي أن يعود قوله وكذا
التولية إلى جميع ما ذكره للمرابحة فلا بد من
البيان في التولية أيضا في التعييب ووطء
البكر، وبدونه في التعيب ووطء الثيب، وعن أبي
يوسف أنه يرد القيمة، ويسترد كل الثمن، وهو
نظير ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد وعلم
بعد الإنفاق، وقيل يقوم بثمن حال ومؤجل فيرجع
بفضل ما بينهما كذا في الهداية، وقال الفقيه
أبو جعفر المختار للفتوى الرجوع بفضل ما
بينهما.
ج / 6 ص -170-
ولو
ولى رجلا شيئا بما قام عليه، ولم يعلم المشتري
بكم قام عليه فسد ولو علم في المجلس خير
______
"قوله:
ولو ولى رجلا شيئا بما قام عليه، ولم يعلم
المشتري بكم قام عليه فسد" أي
البيع لجهالة الثمن، وكذا لو ولاه بما اشتراه،
والمرابحة فيهما كالتولية
"قوله:
ولو علم في المجلس خير" أي
بين أخذه وتركه لأن الفساد لم يتقرر فإذا حصل
العلم في المجلس جعل كابتداء العقد، وصار
كتأخير القبول إلى آخر المجلس،
قيد بالمجلس لأنه بعد الافتراق عنه يتقرر
الفساد فلا يقبل الإصلاح، ونظيره بيع الشيء
برقمه إذا علم في المجلس، وإنما يتخير لأن
الرضا لم يتم قبله لعدم العلم فيتخير كما في
خيار الرؤية، وظاهر كلام المصنف، وغيره أن هذا
العقد ينعقد فاسدا بعرضية الصحة، وهو الصحيح
خلافا للمروي عن محمد أنه صحيح له عرضية
الفساد كذا في فتح القدير، وينبغي أن تظهر
ثمرة الاختلاف في حرمة مباشرته فعلى الصحيح
يحرم، وعلى الضعيف لا، والله سبحانه وتعالى
أعلم.
وقد ذكر الشارح هنا خيار الغبن فنتبعه فأقول:
معنى الغبن في اللغة قال في الصحاح غبنه في
البيع، والشراء غبنا من باب ضرب مثل غبنه
فانغبن وغبنه أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول
فهو مغبون أي منقوص في الثمن أو غيره،
والغبينة اسم منه. ا هـ.
وفي القنية من اشترى شيئا، وغبن فيه غبنا
فاحشا فله أن يرده على البائع بحكم الغبن،
وفيه روايتان، ويفتى بالرد رفقا بالناس ثم رقم
لآخر وقع البيع بغبن فاحش ذكر الجصاص وهو أبو
بكر الرازي في واقعاته أن للمشتري أن يرد،
وللبائع أن يسترد، وهو اختيار أبي بكر
الزرنجري1 والقاضي الجلال2، وأكثر روايات كتاب
المضاربة الرد بالغبن الفاحش، وبه يفتى ثم رقم
لآخر ليس له الرد والاسترداد، وهو جواب ظاهر
الرواية، وبه أفتى بعضهم ثم رقم لآخر إن غر
المشتري البائع فله أن يسترد، وكذا إن غر
البائع المشتري له أن يرد ثم رقم لآخر قال
البائع للمشتري قيمته كذا فاشتراه ثم ظهر أنها
أقل فله الرد، وإن لم يقل فلا. وبه أفتى صدر
الإسلام ثم رقم لآخر ولو لم يغره البائع، ولكن
غره الدلال فله الرد، ولو اشترى فيلق الإبريسم
خارج البلد ممن لم يكن عالما بسعر البلد بغبن
فاحش فللبائع أن يرجع على المشتري بالفيلق
مثله في حق المشتري قال لغزال لا معرفة لي
بالغزل فأتني بغزل اشتريه فأتى رجل بغزل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عمر بن بكر بن محمد الرزنجري (عماد الدين
أبو بكر) البخاري الفقيه الحنفي المتوفى سنة
أربع وثمانين وخمسمائة و من آثاره: أدب
القاضي. ا هـ "هدية العارفين" (1/785) "معجم
المؤلفين" (7/279).
2 هو محمد بن بلبل بن إسحاق بن إبراهيم أبو
بكر القاضي الجلال ا هـ "الجواهر المضية"
(3/108).
ج / 6 ص -171-
...............................
______
لهذا الغزال ولم يعلم به المشتري فجعل نفسه
دلالا بينهما، واشترى ذلك الغزل له بأزيد من
ثمن المثل وصرف المشتري بعضه إلى حاجته ثم علم
بالغبن وبما صنع فله أن يرد الباقي بحصته من
الثمن قال رضي الله تعالى عنه والصواب أن يرد
الباقي ومثل ما صرف إلى حاجته، وليسترد جميع
الثمن كمن اشترى بيتا مملوءا من بر فإذا فيه
دكان عظيم فله الرد وأخذ جميع الثمن قبل إنفاق
شيء من عينه، وبعده يرد الباقي ومثل ما أنفق،
ويسترد الثمن كذا ذكره أبو يوسف ومحمد. ا هـ.
فقد تحرر أن المذهب عدم الرد بغبن فاحش، ولكن
بعض مشايخنا أفتى بالرد به، وفي خزانة الفتاوى
خدع بغبن فاحش فالمذهب ليس له الرد، وقال أبو
بكر الزرنجري يفتى بالرد. ا هـ. وبعضهم أفتى
به إن غره الآخر، وبعضهم أفتى بظاهر الرواية
من عدم الرد مطلقا، وفي الصيرفية اختار عماد
الدين1 الرد بالغبن الفاحش إذا لم يعلم به
المشتري، وكذا في واقعات الجصاص، وعليه أكثر
روايات المضاربة، وبه يفتي، واختاره النسفي
وأبو اليسر البزدوي، وقال الإمام جمال الدين
جدي إن غره فله الرد، وإلا فلا، والصحيح أن ما
يدخل تحت تقويم المقومين فيسير، وما لا ففاحش.
ا هـ. وكما يكون المشتري مغبوبا مغرورا يكون
البائع كذلك كما في فتاوى قارئ الهداية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو بكر الزرنجري وتقدم في الصفحة
السابقة.
فصل
صح بيع العقار قبل قبضه
______
فصل
في بيان التصرف في المبيع والثمن قبل قبضه،
والزيادة والحط فيهما وتأجيل الديون.
"قوله:
صح بيع العقار قبل قبضه" أي
عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد لا يجوز
لإطلاق الحديث، وهو النهي عن بيع ما لم يقبض،
وقياسا على المنقول وعلى الإجارة، ولهما أن
ركن البيع صدر من أهله في محله ولا غرر فيه
لأن الهلاك في العقار نادر بخلاف المنقول،
والغرر المنهي غرر انفساخ العقد، والحديث
معلول به عملا بدلائل الجواز، والإجارة قيل
على هذا الاختلاف، ولو سلم فالمعقود عليه في
الإجارة المنافع، وهلاكها غير نادر، وهو
الصحيح كذا في الفوائد الظهيرية، وعليه الفتوى
كذا في الكافي,
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو بكر الزرنجري وتقدم في الصفحة
السابقة.
ج / 6 ص -172-
لا بيع
المنقول
______
وفي الخانية لو اشترى أرضا فيها زرع بقل،
ودفعها إلى البائع معاملة بالنصف قبل القبض لا
يجوز لأنه آجر الأرض فإن دفع الأرض معاملة
يكون استئجارا للعامل، ولا يكون إجارة، وإنما
لا يجوز لكونه باع نصف الزرع قبل القبض أطلقه،
وهو مقيد بما إذا كان لا يخشى إهلاكه أما في
موضع لا يؤمن عليه ذلك فلا يجوز بيعه كالمنقول
ذكره المحبوبي، وفي الاختيار حتى لو كان على
شط البحر أو كان المبيع علوا لا يجوز بيعه قبل
القبض. ا هـ. وفي البناية إذا كان في موضع لا
يؤمن أن يصير بحرا أو تغلب عليه الرمال لم
يجز، وإنما عبر بالصحة دون النفاذ أو اللزوم
لأن النفاذ، واللزوم موقوفان على نقد الثمن أو
رضا البائع، وإلا فللبائع إبطاله، وكذا كل
تصرف يقبل النقض إذا فعله المشتري قبل القبض
أو بعده بغير إذن البائع فللبائع إبطاله بخلاف
ما لا يقبل النقض كالعتق، والتدبير،
والاستيلاد كما قدمناه قيد بالبيع لأنه لو
اشترى عقارا فوهبه قبل القبض من غير البائع
يجوز عند الكل كذا في الخانية.
"قوله:
لا بيع المنقول" أي لا يصح
لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض،
ولأن فيه غرر انفساخ العقد على اعتبار الهلاك،
قيد بالبيع لأن هبته والتصدق به، وإقراضه من
غير البائع جائز عند محمد، وهو الأصح خلافا
لأبي يوسف، وأما كتابة العبد المبيع قبل القبض
موقوفة، وللبائع حبسه بالثمن، وإن نقده نفذت
كذا ذكر الشارح، ولا خصوصية لها بل كل عقد
يقبل النقض فهو موقوف كما قدمناه،
وأما تزويج الجارية المبيعة قبل قبضها فجائز
لأن الغرر لا يمنع جوازه بدليل صحة تزويج
الآبق، وأما الوصية به قبل القبض فصحيحة
اتفاقا لأنها أخت الميراث، ولو زوجها قبل
القبض ثم فسخ البيع انفسخ النكاح على قول أبي
يوسف، وهو المختار كما في الولوالجية. وأطلق
البيع فشمل الإجارة لأنها بيع المنافع، والصلح
لأنه بيع قالوا ما لا يجوز بيعه قبل القبض لا
تجوز إجارته، ولا يجوز بيع الأجرة العين قبل
القبض لأنها بمنزلة المبيع، وأراد بالمنقول
المبيع المنقول فجاز بيع غيره كالمهر وبدل
الخلع والعتق على مال وبدل الصلح على دم العمد
والأصل كما في الإيضاح أن كل عوض ملك بعقد
ينفسخ بهلاكه قبل قبضه فالتصرف فيه غير جائز،
وما لا فجائز. وأطلق في منع البيع فشمل ما إذا
باعه من بائعه قبل القبض لم يصح ولا ينتقض
البيع الأول بخلاف ما إذا وهبه منه وقبلها
فإنه ينتقض لأن الهبة مجاز عن الإقالة بخلاف
البيع،
وفي الخانية اشترى عبدا وقبضه ثم تقايلا
البيع، ولم يتقابضا حتى اشتراه من البائع جاز
شراؤه، ولو باعه البائع بعد الإقالة من غير
المشتري لا يجوز بيعه. ا هـ. وهذا كله في تصرف
المشتري في المبيع قبل قبضه فإن تصرف فيه
البائع قبل قبضه فهو على وجهين إما أن يكون
ج / 6 ص -173-
...........................................
______
بأمر المشتري أو بغير أمره فإن كان الأول ذكر
في الخانية رجل اشترى عبدا ولم يقبضه فأمره أن
يهبه من فلان ففعل البائع ذلك، ودفعه إلى
الموهوب له جازت الهبة وصار المشتري قابضا،
وكذا لو أمر البائع أن يؤاجره فلانا معينا أو
غير معين ففعل جاز وصار المستأجر قابضا
للمشتري أولا ثم يصير قابضا لنفسه، والأجر
الذي يأخذه البائع من المستأجر يحسبه من الثمن
إن كان من جنسه، وكذا لو أعار العبد البائع من
رجل قبل التسليم إلى المشتري أو وهب أو رهن
فأجاز المشتري ذلك جاز، ويصير قابضا ا هـ. ثم
قال اشترى ثوبا ولم يقبضه ولم ينقد الثمن ثم
قال للبائع لا أئتمنك عليه ادفعه إلى فلان
يكون عنده حتى أدفع إليك الثمن فدفعه البائع
إلى فلان فهلك من يده كان الهلاك على البائع
لأن المدفوع إليه يمسكه للثمن لأجل البائع
فتكون يده كيد البائع، ولو أمر المشتري البائع
بوطء الجارية أو بأكل الطعام ففعل كان فسخا
للبيع لأنه لا يصلح نائبا عن المشتري في ذلك
فكان مجازا عن الفسخ ليكون واطئا وآكلا مال
نفسه.
وأما الآمر بالبيع فعلى ثلاثة أوجه إن قال
البائع بعه لنفسك فباعه كان فسخا، وإن قال بعه
لي لا يجوز البيع، ولا يكون فسخا، ولو قال بعه
أو بعه ممن شئت فباعه كان فسخا، وجاز البيع
الثاني للمأمور في قول محمد، وقال أبو حنيفة
لا يكون فسخا، وهو كقوله بعه لي، ولو اشترى
ثوبا أو حنطة فقال للبائع بعه قال الشيخ
الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إن كان ذلك قبل
قبض المشتري وقبل الرؤية يكون فسخا، وإن لم
يقل البائع نعم لأن المشتري ينفرد بالفسخ في
خيار الرؤية، وإن قال بعه لي أي كن وكيلا في
الفسخ فما لم يقبل البائع ولم يقل نعم لا يكون
فسخا، وإن كان ذلك بعد القبض والرؤية لا يكون
فسخا، ويكون وكيلا بالبيع سواء قال بعه أو بعه
لي. ا هـ. وأما إذا كان بغير أمره ولم يلحقه
إجازة فذكر في الخانية رجل اشترى عبدا بألف
ولم يقبضه حتى رهنه البائع أو آجره أو أودعه
فمات انفسخ البيع، ولا يضمن المشتري أحدا من
هؤلاء لأنه إن ضمنهم رجعوا على البائع، ولو
أعاره أو وهبه فمات عند المستعير أو الموهوب
له أو أودعه فاستعمله المودع فمات من ذلك كان
للمشتري الخيار إن شاء أمضى البيع وضمن
المستعير والمودع، والموهوب له، وإن شاء فسخ
البيع لأنه لو ضمن هؤلاء ليس للضامن أن يرجع
على البائع. ولو باعه البائع فمات عند
المشتري الثاني من عمله أو من غير عمله كان
المشتري الأول بالخيار إن شاء فسخ البيع، وإن
شاء ضمن المشتري الثاني ثم يرجع المشتري
الثاني على البائع بالثمن إن كان نقده الثمن،
وإلا لم يرجع، ولو أمر البائع رجلا فقتله كان
للمشتري أن يضمن القاتل قيمته لأنه إذا ضمن لم
يرجع على البائع، وإن أمر البائع رجلا بذبح
شاة فذبحها إن كان الذابح يعلم بالبيع
فللمشتري تضمينه، ولا رجوع له ا هـ.
ج / 6 ص -174-
ولو
اشترى مكيلا كيلا حرم بيعه، وأكله حتى يكيله
______
"قوله:
ولو اشترى مكيلا كيلا حرم بيعه، وأكله حتى
يكيله" أي حتى يعيد كيله
لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى
يجري فيه صاعان صاع البائع وصاع المشتري1،
ولأنه يحتمل أن يزيد على المشروط، وذلك
للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب
التحرز عنه، قيد بقوله كيلا أي بشرط الكيل
لأنه لو اشتراه مجازفة لا يحرم البيع، والأكل
قبل الكيل لأن الكل له، ولم يذكر المؤلف فساد
البيع، ونص في الجامع الصغير على فساده لأن
سبب النهي أمر راجع إلى المبيع، ولكن النص
إنما هو في البيع فألحقوا به منع الأكل قبل
الكيل وكل تصرف يبنى على الملك كالهبة
والوصية، وألحقوا بالمكيل الموزون، وفي فتح
القدير، وينبغي إلحاق المعدود الذي لا يتفاوت
كالجوز والبيض إذا اشتري بالعدد، وبه قال أبو
حنيفة في أظهر الروايتين عنه فأفسد البيع قبل
العد. ا هـ. ولا يلزم من حرمة أكله قبل
الإعادة كون الطعام حراما فقد نص في الجامع
الصغير أنه لو أكله وقد قبضه بلا كيل لا يقال
إنه أكل حراما لأنه أكل ملك نفسه إلا أنه يأثم
لتركه ما أمر به من الكيل فكان هذا الكلام
أصلا في سائر المبيعات بيعا فاسدا إذا قبضها
فملكها فأكلها. وتقدم أنه لا يحل أكل ما
اشتراه فاسدا، وهذا يبين أن ليس كل ما لا يحل
أكله إذا أكله أن يقال فيه أكل حراما كذا في
فتح القدير، وقد ليس يقال هذا كأكل المبيع
بيعا فاسدا لتعلق حق البائع بجميع المبيع،
ووجوب فسخه، وأما هنا فلا يملك البائع الفسخ،
ولم يتعلق حق البائع إلا بالزيادة الموهومة
فيمكن أن يقال في المبيع فاسدا أكل حراما،
ولكن رأيت في الخلاصة في الأيمان من الثاني
عشر في الأكل قال وفي فوائد شمس الأئمة
الحلواني لو أكل من الكرم الذي دفع معاملة،
وهو قد حلف لا يأكل حراما لا يحنث أما عندهما
لا يشكل، وعند أبي حنيفة كذلك لأن ذلك عقد
فاسد عنده فقد أكل ملك نفسه ا هـ.
فالحق ما في فتح القدير، وإنما ذكر المؤلف كيل
المشتري وحده دون كيل البائع مع أن الحديث
اشترط الصاعين لأن صاع البائع ليس بلازم لكل
بيع لأن البائع إذا ملكه بالإرث أو المزارعة
أو كان شراؤه مجازفة أو استقرض حنطة على أنها
كر ثم باعها فالحاجة إلى كيل المشتري، وإن كان
الاستقراض تمليكا بعوض كالشراء لكنه شراء صورة
عارية حكما لأن ما يرده عين المقبوض حكما،
ولهذا لم يجب قبض بدله في مال الصرف فكان
تمليكا بلا عوض حكما. ولو اشترى مكايلة ثم باع
مجازفة قبل الكيل، وبعد القبض في ظاهر الرواية
لا يجوز لاحتمال اختلاط ملك البائع بملك
بائعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجة من حديث جابر، في التجارات،
باب النهي عن بيع الطعام قبل ما لم يقبض
(2228). وابن أبي شيبة في مصنفه (5/338).
والزيلعي في نصب الراية (4/34).
ج / 6 ص -175-
ومثله
الموزون والمعدود لا المذروع وصح التصرف في
الثمن قبل قبضه
______
وفي نوادر ابن سماعة يجوز، وإنما يحتاج إلى
كيل البائع إذا كان البائع اشتراه مكايلة،
وظاهر كلام المصنف يدل على أن كيل البائع لا
يكفي عن كيل المشتري، وهو محمول على ما إذا
كاله البائع قبل البيع مطلقا أو بعده في غيبة
المشتري أما إذا كاله في حضرته فإنه يغني عن
كيله، وهو الصحيح لأن المبيع صار معلوما بكيل
واحد، وتحقق معنى التسليم، ومحمل الحديث
اجتماع الصفقتين على ما نبين في السلم إن شاء
الله تعالى كذا في الهداية.
ومن هنا ينشأ فرع، وهو ما لو كيل طعام بحضرة
رجل ثم اشتراه في المجلس ثم باعه مكايلة قبل
أن يكتاله بعد شرائه لا يجوز هذا البيع سواء
اكتاله للمشتري منه أو لا لأنه لما لم يكتل
بعد شرائه هو لم يكن قابضا فبيعه بيع ما لم
يقبض كذا في فتح القدير.
"قوله:
ومثله الموزون والمعدود" أي
مثل المكيل شراء الموزون وزنا، والمعدود عددا
فلا يجوز البيع والأكل حتى يعيد الوزن والعد،
وهو مقيد بغير الدراهم والدنانير أما هما
فيجوز التصرف فيهما بعد القبض قبل الوزن كذا
في الإيضاح، وقيد بالمبيع لما في المحيط لو
كان المكيل أو الموزون ثمنا يجوز التصرف فيه
قبل الكيل، والوزن لأنه إذا جاز قبل القبض
فقبل الكيل أولى، وهذا كله في غير بيع التعاطي
أما هو فقال في القنية، ولا يحتاج في بيع
التعاطي في الموزونات إلى وزن المشتري ثانيا
لأنه صار بيعا بالقبض بعد الوزن. ا هـ. وفي
الخلاصة، وعليه الفتوى.
"قوله:
لا المذروع" أي لا يحرم بيعه،
والتصرف فيه قبل إعادة الذرع بعد القبض، وإن
كان اشتراه بشرط الذرع لأن الزيادة له إذ
الذرع وصف في الثوب، واحتمال النقص إنما يوجب
خياره، وقد أسقطه ببيعه بخلاف القدر، وظاهر
كلامهم أنه لو أفرد لكل ذراع ثمنا صار
كالموزون، وقد صرح به العيني في شرح الكنز.
"قوله:
وصح التصرف في الثمن قبل قبضه"
لقيام المطلق، وهو الملك، وليس فيه غرر
الانفساخ بالهلاك لعدم تعينها بالتعيين بخلاف
المبيع كذا في الهداية، وظاهره أنه مخصوص بما
لا يتعين، والحكم أعم منه، ولذا قال في فتح
القدير سواء كان مما يتعين أو لا سوى بدل
الصرف والسلم لأن للمقبوض حكم عين المبيع في
السلم، والاستبدال بالمبيع قبل القبض لا يجوز،
وكذا في الصرف، وأيده السمع إلى آخره، وأطلق
التصرف قبل قبضه لقيام المطلق فشمل البيع،
والهبة، والإجارة، والوصية، وتمليكه ممن عليه
بعوض وغير عوض إلا تمليكه من غير من هو عليه
فإنه لا يجوز. وأشار المؤلف بالثمن إلى كل دين
فيجوز التصرف في الديون كلها قبل قبضها من
المهر، والإجارة، وضمان المتلفات سوى الصرف
والسلم كما قدمناه، وأما
ج / 6 ص -176-
والزيادة فيه والحط منه
______
التصرف في الموروث، والموصى به قبل القبض
فقدمنا جوازه.
"قوله:
والزيادة فيه" أي صحت الزيادة
في الثمن "والحط
منه" أي من الثمن، ويلتحقان
بأصل العقد عندنا، وعند زفر لا يلتحقان، وإنما
يصحان على اعتبار ابتداء الصلة لأنه لا يمكن
تصحيح الزيادة ثمنا لأنه يصير ملكه عوض ملكه
فلا يلتحق بأصل العقد، وكذا الحط لأن كل الثمن
صار مقابلا بكل المبيع فلا يمكن إخراجه فصار
برا مبتدأ، ولنا أنهما بالحط والزيادة يغيران
العقد من وصف مشروع إلى وصف مشروع، وهو كونه
رابحا أو خاسرا أو عدلا، ولهما ولاية الرفع
فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير فصار كما
إذا أسقطا الخيار أو شرطاه بعد العقد، وإذا صح
يلتحق بالعقد لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه
بخلاف حط الكل لأنه تبديل لأصله لا تغيير
لوصفه، ولذا قيد بقوله منه لإخراج حط الكل.
وفائدة الالتحاق تظهر في مسائل:
الأولى: التولية.
الثانية: المرابحة فيجوز على
الكل في الزيادة، وعلى الباقي بعد المحطوط،
الثالثة: الشفعة حتى يأخذ،
الشفيع بما بقي في الحط، وإنما كان له أن يأخذ
بدون الزيادة لما فيها من إبطال حقه الثابت
فلا يملكانه،
الرابعة: في الاستحقاق حتى
يتعلق الاستحقاق بالجميع فيرجع المشتري على
البائع بالكل، ولو أجاز المستحق البيع أخذ
الكل،
الخامسة: في حبس المبيع فله
حبسه حتى يقبض الزيادة.
السادسة في فساد الصرف بالحط
أو الزيادة للربا كأنهما عقداه متفاضلا
ابتداء، ومنع أبو يوسف صحة الزيادة فيه والحط،
ولم يبطل البيع، ووافقه محمد في الزيادة، وجوز
الحط على أنه هبة مبتدأة كذا في الخلاصة، ولم
يذكر المصنف شرط صحة الزيادة في الثمن وشرط
لها في الهداية بقاء المبيع فلا يصح بعد هلاك
المبيع في ظاهر الرواية لأن المبيع لم يبق على
حالة يصح الاعتياض عنه، والشيء يثبت ثم يستند
بخلاف الحط لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما
يقابله فيلتحق بأصل العقد استنادا ا هـ. بخلاف
الزيادة في المبيع فإنها جائزة بعد هلاكه
لأنها تثبت بمقابلة الثمن، وهو قائم كذا في
الخلاصة، وفي الخلاصة أيضا، وشرطها في الثمن
من المشترين بقاء المبيع، وكونه محلا للمقابلة
في حق المشتري حقيقة، ولو كانت جارية فأعتقها
أو دبرها أو استولدها أو كاتبها أو باعها من
غيره بعد القبض ثم زاد في الثمن لا يجوز،
والمذكور في الكتاب قولهما، وهما رويا عن أبي
حنيفة أنه يجوز، ولو أجرها أو رهنها أو اشترى
شاة فذبحها ثم زاد في الثمن جاز بخلاف ما إذا
ماتت الشاة ثم زاد في الثمن فإنه لا يجوز
لأنها لم تبق محلا للبيع بخلاف الأول حيث قام
الاسم، والصورة، وبعض المنافع. وجملة هذا في
كتاب نظم الزندوستي قال أحد عشر شيئا إذا فعل
المشتري ثم زاد في الثمن لا يصح أولها إذا
كانت حنطة
ج / 6 ص -177-
...........................................
______
فطحنها أو دقيقا فخبزه أو لحما فجعله قلية1 أو
سكباجة2 أو جعله إربا إربا أو كان عبدا فأعتقه
أو كاتبه أو دبره أو استولد الجارية أو قطنا
فغزله أو غزلا فنسجه الحادي عشر أو كانت جارية
فماتت، ولو فعل اثنتي عشر ثم زاد يجوز أولها
المبيع لو كانت شاة فذبحها، وإن كان قطنا
محلوجا فندفه أو غير محلوج فحلجه أو كرباسا
فخاطه خريطة من غير أن يقطعه أو حديدا فجعله
سيفا أو كانت جارية فرهنها أو أجرها أو كانت
خرابة فبناها أو آجرها أو أجر الأرض ثم زاد في
الثمن، ومنها إذا باعها ثم إن المشتري الثاني
لقي البائع الأول فزاد في الثمن جاز، ومنها
المزارع إذا زاد رب الأرض السدس في نصيبه،
والبذر منه قبل أن يستحصده جاز، وبعده لا الكل
في النظم. ا هـ.
وفي تلخيص الجامع من باب ما يمنع الزيادة في
الثمن تلحق العقد مغيرا وصفه لا أصله حذار
اللغو كالخيار بعدما زاد الأصل ولدا وار. وكذا
قوله وتمامه فيه، ولو عبر باللزوم بدل الصحة
لكان أولى لأنها لازمة حتى لو ندم المشتري
بعدما زاد يجبر إذا امتنع كما في الخلاصة،
وأطلقها فشمل ما إذا كانت من جنس الثمن أو من
غيره، وما إذا كانت في مجلس العقد أو بعد مدة
كما في الخلاصة، وترك قيدا لا بد منه، وهو
قبول البائع في المجلس حتى لو زاده فلم يقبل
حتى تفرقا بطلت كذا في الخلاصة،
وأطلق فيمن زاد فشمل المشتري ووارثه فتصح
الزيادة من الورثة كما تصح من العاقدين كذا في
الخلاصة، وهو شامل للزيادة في المبيع أيضا لكن
يرد عليه الزيادة من الأجنبي، وحاصلها كما في
الخلاصة معزيا إلى الجامع الكبير لو زاد
الأجنبي فإن زاد بأمر المشتري يجب على المشتري
لا على الأجنبي كالصلح، وإن زاد بغير أمره فإن
أجازه المشتري لزمته، وإن لم يجز بطلت
الزيادة، ولو كان حين زاد ضمن عن المشتري أو
أضافها إلى مال نفسه لزمته الزيادة ثم إن كان
بأمر المشتري رجع، وإلا فلا،
وأما الحط فإنه جائز في جميع المواضع في موضع
تجوز الزيادة، وفي موضع لا تجوز. ا هـ. وأما
الزيادة في المهر فشرطها بقاء المرأة فلو زاد
فيه بعد موتها لم تصح، وأما الزيادة بعد
طلاقها أو عتقها لو كانت أمة فقدمنا أحكامها
في المهر، وأما الزيادة في الأجرة بعد استيفاء
بعض المعقود عليه فغير صحيحة، وتجوز الزيادة
في العين، والمدة كذا في القنية. وأما الزيادة
في الرهن فسيأتي أنها صحيحة في الرهن لا في
الدين، وفي الخانية من كتاب المزارعة لو زاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي مرقة تتخذ من لحوم الجزور وأكبادها ا هـ
"اللسان" مادة /قلا/.
2 السكباج طعام معروف "وهو لحم يطبخ بالخل"
وهو معروف ا هـ "المصباح" و "القاموس" مادة /
سكبج /.
ج / 6 ص -178-
والزيادة في المبيع
______
أحدهما في نصيب الآخر إن كان قبل إدراك الزرع
جاز مطلقا، وإن كان بعده جاز من الذي لا بذر
له لأنه حط، ولا يجوز ممن البذر منه لأنه
زيادة، وشرطها قيام السلعة ا هـ.
"قوله:
والزيادة في المبيع" أي وصحت،
ولزم البائع دفعها بشرط قبول المشتري، وتلتحق
أيضا بالعقد فيصير لها حصة من الثمن حتى لو
هلكت الزيادة قبل القبض تسقط حصتها من الثمن
بخلاف الزيادة المتولدة من المبيع حيث لا يسقط
شيء بهلاكها قبل القبض، وكذا إذا زاد في الثمن
عرضا كما لو اشتراه بمائة، وتقابضا ثم زاده
المشتري عرضا قيمته خمسون، وهلك العرض قبل
التسليم ينفسخ العقد في ثلاثة كذا في القنية،
وقدمنا أنه لا يشترط فيها قيام المبيع فتصح
بعد هلاكه بخلاف الزيادة في الثمن، وقد ذكر
الزيادة في المبيع ولم يذكر الحط، وذكرهما في
الثمن فظاهره عدم صحة الحط من المبيع، وصرح في
المحيط بأن المبيع إن كان دينا يصح الحط منه،
وإن كان عينا لم يصح الحط منه لأنه إسقاط،
وإسقاط العين لا يصح ا هـ.
قيد بالمبيع لأن الزيادة في الزوجة كما إذا
زوجه أمة فزاده أخرى لم يصح بخلاف الزيادة في
المهر، وأطلق في الحط من الثمن فشمل ما إذا
كان قبل قبضه أو بعده فإذا حط عنه بعدما أوفاه
الثمن أو أبرأه فقال في الذخيرة لو ذهب بعض
الثمن من المشتري قبل القبض أو أبرأه عن القبض
فهو حط، وإن كان بعد القبض ثم حط البعض أو
وهبه صح، ووجب على البائع مثل ذلك للمشتري،
ولو أبرأه عن البعض بعد القبض لا يصح، وكان
يجب أن لا تصح الهبة. والحط بعد القبض أيضا
كالإبراء لأن المشتري قد برئ من الثمن
بالإيفاء، والهبة والحط لم يصادف دينا قائما
في ذمة المشتري. والجواب أن الدين باق في ذمة
المشتري بعد القضاء لأنه لم يقض عين الواجب
حتى لا يبقى في الذمة إنما قضى مثله فبقي ما
في ذمته على حاله إلا أن المشتري لا يطالب به
لأن له مثل ذلك على البائع بالقضاء فلو طالب
البائع المشتري بالثمن كان للمشتري أن يطالب
البائع أيضا فلا تفيد مطالبة كل واحد منهما
صاحبه فعلم أن الثمن باق في ذمة المشتري بعد
القضاء، والهبة والحط صادف دينا قائما في ذمة
المشتري بعد القضاء، وإنما لم يصح الإبراء لأن
الإبراء على نوعين براءة قبض واستيفاء، وبراءة
إسقاط فإذا أطلق حمل على الأول لأنه أقل كأنه
نص عليه، وقال أبرأتك براءة قبض واستيفاء،
وفيه لا يرجع، ولو قال أبرأتك براءة إسقاط صح،
ووجب على البائع رد ما قبض من المشتري بخلاف
الهبة والحط لا يتنوع إلى نوعين، وإنما هي
إسقاط، وإذا وهب كل الدين أو حط أو أبرأه منه
فهو على ما ذكرنا هذا جملة ما أورده شيخ
الإسلام في شرح كتاب الشفعة، وفي شرح كتاب
الرهن، وذكر شمس الأئمة السرخسي في الباب
الثاني في شرح كتاب الرهن أن الإبراء المضاف
إلى الثمن بعد
ج / 6 ص -179-
ويتعلق
الاستحقاق بكله وتأجيل كل دين إلا القرض.
______
الاستيفاء صحيح حتى يجب على البائع رد ما قبض
من المشتري، وسوى بين الإبراء والهبة والحط
فيتأمل عند الفتوى،
واختلفوا فيما إذا أبرأه، ولم يعين أنها إسقاط
أو استيفاء. فإن قلت: هل لبقاء الدين بعد
إيفائه فائدة أخرى. قلت: نعم لو كان بالدين
رهن ثم قضاه الدين ثم هلك الرهن في يد المرتهن
هلك بالدين، ووجب عليه رد المقبوض بخلاف ما لو
أبرأه ثم هلك قال الزيلعي في بابه، والفرق أن
الإبراء يسقط به الدين أصلا، وبالاستيفاء لا
يسقط لقيام الموجب للدين، وقد كتبنا في
الفوائد الفقهية من كتاب المداينات له فائدتين
أيضا
"قوله:
ويتعلق الاستحقاق بكله" أي
بكل ما وقع العقد عليه، وبالزيادة فلا يطالب
المشتري بالمبيع حتى يدفع الزيادة، وللبائع
حبسه حتى يقبضها، وإذا استحق المبيع رجع
المشتري على بائعه بالكل، وإذا أجاز المستحق
استحق الكل، وإذا رد المبيع بعيب أو خيار شرط
أو رؤية رجع المشتري على بائعه بالكل، وفي
فتاوى قاضي خان من الشفعة الوكيل بالبيع إذا
باع الدار بألف ثم إن الوكيل حط عن المشتري
مائة من الثمن صح حطه، ويضمن قدر المحطوط
للآمر، ويبرأ المشتري عن المائة، ويأخذ الشفيع
الدار بجميع الثمن لأن حط الوكيل لا يلتحق
بأصل العقد ا هـ.
"قوله:
وتأجيل كل دين إلا القرض" أي
صح لأن الدين حقه فله أن يؤخره سواء كان ثمن
مبيع أو غيره تيسيرا على من عليه ألا ترى أنه
يملك إبراءه مطلقا فكذا مؤقتا، ولا بد من
قبوله ممن عليه الدين فلو لم يقبله بطل
التأخير فيكون حالا كذا ذكره الإسبيجابي، ويصح
تعليق التأجيل بالشرط فلو قال رب الدين لمن
عليه ألف حالة إن دفعت إلي غدا خمسمائة
فالخمسمائة الأخرى مؤخرة عنك إلى سنة فهو جائز
كذا في الذخيرة، وإنما لا يؤجل القرض لكونه
إعارة وصلة في الابتداء حتى يصح بلفظ الإعارة،
ولا يملكه من لا يملك التبرع كالصبي والوصي،
ومعاوضة في الانتهاء فعلى اعتبار الابتداء لا
يلزم التأجيل فيه كما في الإعارة إذ لا جبر في
التبرع، وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه
يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة، وهو ربا،
ومرادهم من الصحة اللزوم، ومن عدم صحته في
القرض عدم اللزوم، وأطلقه فشمل ما إذا أجله
بعد الاستهلاك أو قبله هو الصحيح، وليس من
تأجيل القرض تأجيل بدل الدراهم أو الدنانير
المستهلكة إذ باستهلاكها لا تصير قرضا.
والحيلة في لزوم تأجيل القرض أن يحيل المستقرض
المقرض على آخر بدينه فيؤجل المقرض ذلك الرجل
المحال عليه فيلزم حينئذ كذا في فتح القدير،
وإذا لزم فإن كان للمحيل على المحال عليه دين
فلا إشكال، وإلا أقر المحيل بقدر
ج / 6 ص -180-
................................
ـــــــــــــــ
المحال به للمحال عليه مؤجلا إليه أشار في
المحيط، وفي الظهيرية القرض المجحود يجوز
تأجيله، وفي القنية من كتاب المداينات قضى
القاضي بلزوم الأجل في القرض بعدما ثبت عنده
تأجيل القرض معتمدا على قول مالك وابن أبي
ليلى يصح، ويلزم الأجل،
وفي تلخيص الجامع من كتاب الحوالة لو كفل
بالحال مؤجلا تأخر عن الأصيل، وإن كان قرضا
لأن الدين واحد، وهي حيلة تأجيل القرض إذ يثبت
ضمنا ما يمتنع قصدا كبيع الشرب والطريق، ولا
يلزم ما أجل بعد الكفالة إذ موضوعها أن يضيف
إلى اللازم بالكفالة لا الدين حتى لو عكس تأخر
عن الأصيل أيضا حذو الإبراء. ا هـ. ولم يستثن
المصنف رحمه الله تعالى من عدم صحة تأجيل
القرض شيئا، واستثنى منه في الهداية ما إذا
أوصى أن يقرض من ماله ألف درهم فلانا إلى سنة
حيث يلزم من ثلثه أن يقرضوه، ولا يطالبوه قبل
المدة لأنه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية
بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي ا هـ. ولا
ينحصر في هذه الصورة بل كذلك إذا كان له قرض
على إنسان فأوصى أن يؤجل سنة صح، ولزم كما في
القنية، وقد كتبنا في الفوائد الفقهية أن
المستثنى لا ينحصر في القرض بل كذلك لا يصح
تأجيل الدين في صور.
الأولى: لو مات المديون، وحل
المال فأجل الدائن وارثه لم يصح لأن الدين في
الذمة، وفائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الثمن من
نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك
لقضاء الدين فلا يفيد التأجيل كذا في
الخلاصة، وظاهره أنه في كل دين، وذكره في
القنية في القرض.
الثانية: أجل المشتري الشفيع
في الثمن لم يصح كما سيأتي فيها، وهو مذكور في
القنية، وفي الخلاصة بموت البائع لا يبطل
الأجل، ويبطل بموت المشتري.
الثالثة: تأجيل ثمن المبيع
عند الإقالة لا يصح كما قدمناه عن القنية.
والحاصل أن تأجيل الدين على ثلاثة أوجه باطل،
وهو تأجيل بدلي الصرف والسلم، وصحيح غير لازم،
وهو القرض والدين بعد الموت وتأجيل الشفيع
وثمن المبيع بعد الإقالة، ولازم فيما عدا ذلك
قال قاضي خان في فتاواه المديون إذا قال برئت
من الأجل أو لا حاجة لي في الأجل لهذا الدين
لم يكن إبطالا للأجل، ولو قال أبطلت الأجل أو
قال تركته صار حالا، والمديون إذا قضى الدين
قبل حلول الأجل فاستحق المقبوض من القابض أو
وجده زيوفا فرده كان الدين عليه إلى أجله، ولو
اشترى من مديونه شيئا بالدين، وقبضه ثم تقايلا
البيع لا يعود الأجل، ولو وجد بالمبيع عيبا
فرده بقضاء عاد الأجل، ولو كان بهذا الدين
المؤجل كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين. ا
هـ.
ج / 6 ص -181-
...........................................
______
وفي الخلاصة، وإبطال الأجل يبطل بالشرط
الفاسد، ولو قال كلما دخل نجم، ولم يؤد فالمال
حال صح، والمال يصير حالا ا. هـ.
تتمة في مسائل القرض قال في المحيط، ويجوز
القرض فيما هو من ذوات الأمثال كالمكيل،
والموزون والعددي المتقارب كالبيض، والجوز لأن
القرض مضمون بالمثل، ولا يجوز في غير المثلي
لأنه لا يجب دينا في الذمة، ويملكه المستقرض
بالقبض كالصحيح، والمقبوض بقرض فاسد يتعين
للرد، وفي القرض الجائز لا يتعين بل يرد
المثل، وإن كان قائما، وعن أبي يوسف ليس له
إعطاء غيره إلا برضاه، وعارية ما جاز قرضه
قرض، وما لا يجوز قرضه عارية، ولا يجوز قرض جر
نفعا بأن أقرضه دراهم مكسرة بشرط رد صحيحة أو
أقرضه طعاما في مكان بشرط رده في مكان آخر فإن
قضاه أجود بلا شرط جاز، ويجبر الدائن على قبول
الأجود، وقيل لا كذا في المحيط.
وفي الخلاصة القرض بالشرط حرام، والشرط ليس
بلازم بأن يقرض على أن يكتب إلى بلد كذا حتى
يوفي دينه. ا هـ.
وفي المحيط، ولا بأس بهدية من عليه القرض،
والأفضل أن يتورع إذا علم أنه إنما يعطيه لأجل
القرض أو أشكل فإن علم أنه يعطيه لا لأجل
القرض بل لقرابة أو صداقة بينهما لا يتورع،
وكذا لو كان المستقرض معروفا بالجود، والسخاء
جاز، ولا يجوز قرض مملوك أو مكاتب درهما
فصاعدا لأن فيه معنى التبرع.
ولو اشترى بقرض له عليه فلوسا جاز، ويشترط
قبضها في المجلس، ولو أمر المقرض المستقرض أن
يصارف بماله عليه لم يجز عند أبي حنيفة خلافا
لهما، وهي مسألة أسلم مالي عليك، ولو دفع
المستقرض إلى المقرض دراهم ليصرفها بدنانير،
ويأخذ حقه منه فهو وكيل وأمين فلو تلفت قبل أن
يستوفي دينه لا يبطل دينه وبيع الدين بالدين
جائز إذا افترقا عن قبضهما في الصرف أو عن قبض
أحدهما في غير الصرف.
ولو اشترى المستقرض الكر القرض من المقرض جاز
ويشترط قبض ثمنه في المجلس فإن أدى الثمن فوجد
بالكر عيبا رده أو رجع بنقصان العيب، ولو
اشترى ما عليه بكر مثله جاز إن كان عيبا، ولا
يجوز إن كان دينا فلو وجد بالمقروض عيبا لم
يرجع بنقصان العيب، ولو اشترى المستقرض كر
المقرض بعينه لم يجز لأنه ملكه إلا في رواية
عن أبي يوسف، ولو باعه من المقرض جاز، ولا
ينفسخ القرض ا هـ.
وفي القنية من باب القروض شراء الشيء اليسير
بثمن غال إذا كان له حاجة إلى القرض
ج / 6 ص -182-
.................................
______
يجوز ويكره، استقرض عشرة دراهم فأرسل عبده
ليأخذها من المقرض فقال المقرض دفعتها إليه،
وأقر العبد به، وقال دفعتها إلى مولاي، وأنكر
المولى قبض العبد العشرة فالقول له، ولا شيء
عليه، ولا يرجع المقرض على العبد لأنه أقر أنه
قبضها بحق، استقراض الدقيق وزنا يجوز،
والاحتياط أن يبرئ كل صاحبه، والجواز رواية عن
أبي يوسف، ورواية الأصل بخلافه، استقراض
الحنطة وزنا يجوز، وعنهما خلافه، بخاري استقرض
من سمرقندي حنطة بسمرقند ليدفعها ببخارى ليس
له المطالبة إلا بسمرقند، وفي استقراض السرقين
اختلاف المشايخ بناء على أنه مثلي أو قيمي،
واستقراض العجين في بلادنا وزنا يجوز لا
جزافا، ولم يتعرض لاستقراض الخميرة، وينبغي
الجواز من غير وزن وسئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن خميرة يتعاطاها الجيران أيكون ربا
فقال
"ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن عند الله، وما رآه المسلمون قبيحا فهو
عند الله قبيح"1
أنفق من قصاب لحوما، ولم يذكر أنه قرض أو شراء
فذلك قرض فاسد يملكه بالقبض ولا يحل أكله،
القرض الفاسد يفيد عند القبض الملك، يعطيه
مديونه حنطة ينفقها ويحسبانها فله إنفاقها
وتكون قرضا، والدبس من ذوات القيم فينبغي أن
لا يجوز استقراضه، عشرون رجلا جاءوا واستقرضوا
من رجل وأمروه أن يدفع الدراهم إلى واحد منهم
فدفع ليس له أن يطلب منه إلا حصته، وحصل بهذا
رواية مسألة أخرى أن التوكيل بقبض القرض يصح،
وإن لم يصح التوكيل بالاستقراض. ا هـ. والله
أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في "المستدرك" موقوفا على ابن
مسعود (3/78) لافظ "ما رآه المسلمون..." فقط.
والطبرانتي في "الأوسط" برقم (3602) والزيلعي
في "نصب الراية" (4/133).
7- باب الربا
فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال
______
7- باب الربا
وجه مناسبته للمرابحة أن في كل منهما زيادة
إلا أن تلك حلال، وهذه حرام، والحل هو الأصل
في الأشياء فقدم ما يتعلق بتلك الزيادة على ما
يتعلق بهذه، والربا بكسر الراء، وفتحها خطأ،
وفي المصباح الربا الفضل، والزيادة، وهو مقصور
على الأشهر، ويثنى ربوان بالواو على الأصل،
وقد يقال ربيان على التخفيف، وينسب إليه على
لفظه فيقال ربوي قاله أبو عبيد2، وغيره، وزاد
المطرزي فقال الفتح في النسبة خطأ. ا هـ. وليس
المراد مطلق الفضل بالإجماع فإن فتح الأسواق
في سائر بلاد المسلمين للاستفضال، والاسترباح،
وإنما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 هو صاحب الغريبين محمد بن محمد الهروي
الشافعي النحوي المتوفى سنة إحدى وأربعمائة
هـ. ا. هـ "سير أعلام النبلاء" (17/126).
ج / 6 ص -183-
...........................................
______
المراد فضل مخصوص فلذلك عرفه شرعا بقوله:
"فضل
مال بلا عوض في معاوضة مال بمال"
أي فضل أحد المتجانسين على الآخر بالعيار
الشرعي أي الكيل والوزن، ففضل قفيزي شعير على
قفيزي بر لا يكون ربا، وكذا فضل عشرة أذرع من
ثوب هروي على خمسة منه،
وقيد بقوله بلا عوض أي خال عنه ليخرج بيع كر
بر وكر شعير بكري بر وكري شعير فإن للثاني
فضلا على الأول لكنه غير خال عن العوض لصرف
الجنس إلى خلاف جنسه. وقيد بالمعاوضة لأن
الفضل الخالي عن العوض الذي في الهبة ليس
بربا، وترك المصنف قيدا لا بد منه، وهو أن
يكون الفضل الخالي مشروطا في العقد لأحد
المتعاقدين، وقد قيده به في الوقاية، وقال
شارحها إنما قيد به لأنه لو شرط لغيرهما لا
يكون ربا، وفي البناية قال علماؤنا هو بيع فيه
فضل مستحق لأحد المتعاقدين خال عما يقابله من
عوض شرط في هذا العقد، وعلى هذا سائر أنواع
البيوع الفاسدة من قبيل الربا،
وفي الذخيرة من كتاب المداينات من الفصل
الثاني عشر في المتفرقات قال محمد إذا اشترى
الرجل من آخر عشرة دراهم فضة بعشرة دراهم
فزاد عليها دانقا فوهبه دانقا، ولم يدخله في
البيع إن لم يكن مشروطا في الشراء لا يفسد
الشراء لأنه إذا وهب الدانق منه انعدم الربا
قالوا إنما تصح هبة الدانق إذا كانت الدراهم
بحيث يضرها الكسر لأنها حينئذ هبة مشاع فيما
لا يحتمل القسمة ا هـ.
وفي جمع العلوم1 الربا شرعا عبارة عن عقد
فاسد، وإن لم يكن فيه زيادة لأن بيع الدرهم
بالدرهم نسيئة ربا، وإن لم يتحقق فيه زيادة. ا
هـ.
ولا يرد على المصنف ما في جمع العلوم من ربا
النسيئة لأن فيه فضلا حكميا، والفضل في عبارته
أعم منه ومن الحقيقي، وظاهر ما في جمع العلوم،
وغيره أن المشتري يملك الدرهم الزائد إذا قبضه
فيما إذا اشترى درهمين بدرهم فإنهم جعلوه من
قبيل الفاسد، وهكذا صرح به الأصوليون في بحث
النهي فقالوا إن الربا وسائر البيوع الفاسدة
من قبيل ما كان مشروعا بأصله دون وصفه.
وفي كتاب المداينات من القنية قال أستاذنا
وقعت واقعة في زماننا أن رجلا كان يشتري الذهب
الرديء زمانا الدينار بخمسة دوانق ثم تنبه
فاستحل منهم فأبرؤه عما بقي لهم عليه حال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو في فروع الحنفية ذكر في حاجي خليفة في
"كشف الظنون" من غير نسبة (1/599).
ج / 6 ص -184-
...........................................
______
كون ذلك مستهلكا فكتبت أنا وغيري أنه يبرأ،
وكتب ركن الدين الرانجاوي1 الإبراء لا يعمل في
الربا لأن رده لحق الشرع، وقال أجاب به نجم
الأئمة الحكيمي معللا بهذا التعليل، وقال هكذا
سمعته عن ظهير الدين المرغيناني قال رضي الله
عنه فقرب من ظني أن الجواب كذلك مع تردد فكنت
أطلب الفتوى لأمحو جوابي عنه فعرضت هذه
المسألة على علاء الدين الحناطي فأجاب أنه
يبرأ إذا كان الإبراء بعد الهلاك، وغضب من
جواب غيره أنه لا يبرأ فازداد ظني بصحة جوابي،
ولم أمحه. ويدل على صحته ما ذكره البزدوي في
غناء الفقهاء2 من جملة صور البيع الفاسد جملة
العقود الربوية يملك العوض فيها بالقبض قلت:
فإذا كان فضل الربا مملوكا للقابض بالقبض فإذا
استهلكه على ملكه ضمن مثله فلو لم يصح الإبراء
ورد مثله يكون ذلك رد ضمان ما استهلكه لا رد
عين ما استهلك، وبرد ضمان ما استهلك لا يرتفع
العقد السابق بل يتقرر مفيدا للملك في فضل
الربا فلم يكن في رده فائدة نقض عقد الربا
فيجب ذلك حقا لله تعالى، وإنما الذي يجب حقا
للشرع رد عين الربا إن كان قائما لا رد ضمانه
انتهى ما في القنية.
وهو محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع أما
الكتاب فآيات منها {وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: من الآية275] والمراد به فيها الفضل، وهو الزيادة ليتعلق
التحريم به لأن الأحكام لا تتعلق إلا بفعل
المكلفين، ومنها
{لا تَأْكُلُوا
الرِّبا} [آل عمران: من الآية130] والمراد منه فيها نفس الزائد في بيع
الأموال الربوية عند بيع بعضها بجنسه.
وفي المعراج ذكر الله لآكل الربا خمس عقوبات
أحدها التخبط قال تعالى:
{لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}
[البقرة: 275]. قيل في معناه تنتفخ بطنه يوم
القيامة فيصير لا تحمله قدماه فيصير كلما قام
سقط بمنزلة من أصابه المس، ويؤيده الحديث
"يملأ بطنه نارا بقدر ما أكل من الربا"، والمراد به الافتضاح على رءوس الأشهاد كما في حديث آخر "ينصب لواء
يوم القيامة لآكلي الربا فيجتمعون تحته ثم
يساقون إلى النار"، والثاني المحق قال الله
تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة: 276] والمراد الهلاك، والاستئصال، وقيل ذهاب البركة
والاستمتاع حتى لا ينتفع هو به ولا ولده من
بعده، والثالث الحرب قال الله تعالى
{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] المعنى في القراءة بالمد أعلموا الناس يا أكلة الربا
إنكم حرب الله ورسوله بمنزلة قطاع الطريق، وفي
قراءة بغير المد أي اعلموا أن أكلة الربا حرب
لله، الرابع الكفر قال الله تعالى:
{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعل الصواب الوانجاري وذكره في الفوائد
البهية بلقب الوالجاني ا. هـ "الجواهر المضية"
(4/338) "الفوائد البهية" (74).
2 انظر "كشف الظنون" (2/1210).
ج / 6 ص -185-
وعلته
القدر والجنس
______
إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ} [البقرة: من الآية278] وقال:
{وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} أي كفار باستحلال الربا، والخامس الخلود في النار قال تعالى:
{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ}
[البقرة: من الآية275] يؤيده قوله صلى الله
عليه وسلم "كل درهم واحد من الربا أشد من ثلاث
وثلاثين زنية يزنيها الرجل، ومن نبت لحمه من
الحرام فالنار أولى به"، والمقصود من كتاب
البيوع بيان الحلال الذي هو بيع شرعا، والحرام
الذي هو ربا، ولهذا قيل لمحمد ألا تصنف في
الزهد شيئا قال صنفت كتاب البيوع، وليس الزهد
إلا اجتناب الحرام والرغبة في الحلال كذا في
المبسوط.
وأما السنة فأكثر من أن تحصى قال الإمام
الإسبيجابي اتفقوا على أنه إذا أنكر ربا
النساء يكفر، وفي ربا الفضل في القدر اختلاف
فإن ابن عباس رضي الله تعالى عنه لا يرى الربا
إلا في النسيئة للحديث "إنما الربا في
النسيئة"1، وكلمة إنما للحصر إلا أن عامة
الصحابة احتجوا بأحاديث. والجواب عن تعلق ابن
عباس أنه منصرف إلى ما ليس بمكيل، ولا موزون
لقوله آخره إلا ما كيل أو وزن على أن ابن عباس
رجع عن هذا القول فإن لم يثبت رجوعه فإجماع
التابعين به يرفعه ا هـ. ما في المعراج.
وفي الخلاصة لو قضي بجواز بيع الدرهم
بالدرهمين يدا بيد بأعيانهما أخذا بقول ابن
عباس لا ينفذ، وإن كان مختلفا بين الصحابة
لأنه لا يعلم أن أحدا من الصحابة وافقه فكان
مهجورا. ا هـ.
وفي القنية من الكراهية لا بأس بالبيوع التي
يفعلها الناس للتحرز عن الربا ثم رقم آخر هي
مكروهة ذكر البقالي الكراهة عن محمد، وعندهما
لا بأس به قال الزرنجري خلاف محمد في العقد
بعد القرض أما إذا باع ثم دفع الدراهم لا بأس
بالاتفاق. ا هـ. وفي القنية من الكراهية يجوز
للمحتاج الاستقراض بالربح ا هـ. وفي الخلاصة
معزيا إلى النوازل رجل له على آخر عشرة دراهم
فأراد أن يؤجلها إلى سنة، ويأخذ منه ثلاثة عشر
فالحيلة أن يشتري منه بتلك العشرة متاعا،
ويقبض المتاع منه، وقيمة المتاع عشرة ثم يبيع
المتاع منه بثلاثة عشر إلى سنة ا هـ.
"قوله:
وعلته القدر والجنس" أي علة
الربا أي وجوب المساواة التي يلزم عند فوتها
الربا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في البيوع من حديث أسامة بن
زيد بلفظ "لا ربا إلا في النسيئة" (2718).
ومسلم في المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل
(1596) بلفظ "إنما الربا في النسيئة" والنسائي
في البيوع، باب بيع الذهب بالفضة والفضة
بالذهب (7/281).
ج / 6 ص -186-
...........................................
______
هكذا فسره السغناقي في شرح الأخشيكي1 في
الأصول، وذكره في الكافي سؤالا وجوابا، وفي
فتح القدير أي علة تحريم الزيادة. ا هـ. وفي
المعراج أي علة حرمة الربا ووجوب المساواة
والعلة في اللغة المرض الشاغل، والجمع علل،
وأعله الله فهو معلول، واعتل إذا مرض، واعتل
إذا تمسك بحجة، وأعله بكلمة جعله ذا علة، ومنه
إعلالات الفقهاء، واعتلالهم. ا هـ. وأما في
الأصول فقالوا إنها في اللغة هي المغير، ومنه
سمي المرض علة لأنه بحلوله يتغير حال المحل عن
وصف القوة إلى وصف الضعف، ولذا سمي الجرح علة
لأنه بحلوله بالمجروح يتغير حكم الحال، وفي
الاصطلاح ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة
فخرج الشرط لأنه لا يضاف إليه ثبوته والسبب،
والعلامة، وعلة العلة لأنها بالواسطة، وهذا
التعريف شامل للعلل الموضوعة كالبيع، والنكاح.
ا هـ. وللمستنبطة كالعلل المؤثرة في القياسات،
والمراد بالقدر الكيل في المكيل، والوزن في
الموزون فانحصر المعرف للحكم فيهما، والتعبير
بالقدر أخصر لكنه يشمل ما ليس بصحيح إذ يشمل
الذرع والعد، وليسا من أموال الربا كذا في فتح
القدير، ولكن بعدما وضعوا القدر بإزاء الكيل
والوزن كيف يشمل غيرهما. والجنس في اللغة
الضرب من كل شيء، والجمع أجناس، وهو أعم من
النوع فالحيوان جنس، والإنسان نوع، وحكي عن
الخليل هذا يجانس هذا أي يشاكله، ونص عليه في
التهذيب أيضا، وعن بعضهم فلان لا يجانس الناس
إذا لم يكن له تمييز ولا عقل، والأصمعي ينكر
هذين الاستعمالين، ويقول هو كلام المولدين،
وليس بعربي كذا في المصباح،
وفي فتح القدير، واختلاف الجنس يعرف باختلاف
الاسم الخاص واختلاف المقصود فالحنطة والشعير
جنسان عندنا لأن إفراد كل منهما في الحديث يدل
على ذلك، والثوب الهروي والمروي بسكون الراء
جنسان لاختلاف الصنعة وقيام الثوب بها، وكذا
المروي المنسوج ببغداد، وخراسان، واللبد
اللامتي والطالقاني، والتمر كله جنس واحد،
والحديد، والرصاص، والشبه أجناس، وكذا غزل
الصوف والشعر، واللحم الضاني والمعزي،
والبقري، والألية، واللحم، وشحم البطن أجناس،
ودهن البنفسج، والخيري جنسان، والأدهان
المختلفة أصولها أجناس، ولا يجوز بيع رطل زيت
غير مطبوخ برطل مطبوخ مطيب لأن الطيب زيادة. ا
هـ. وفي المعراج القدر عبارة عن العيار،
والجنس عبارة عن مشاكلة المعاني. ا هـ. والأصل
في هذا الباب الحديث المشهور، وهو قوله صلى
الله عليه وسلم "الحنطة بالحنطة، والشعير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد به شرح المنتخب لحسام الدين محمد بن
محمد الإخشيكي الحنفي شرحه الصفناقي وتقدم
الكلام عليهما.
ج / 6 ص -187-
...........................................
______
بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح،
والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد"1، وفيه
روايتان بالرفع الحنطة أي بيع الحنطة مثل،
وينصب على الحال، وكذلك روي الرفع والنصب في
يدا بيد فالرفع عطف على الخبر أي مثل،
ومقبوضة، والنصب على الحال بتأويله بالمشتق أي
متناجزين. وهذا الحديث لشهرته ظن بعض العلماء
أنه متواتر، وليس كذلك لأنه لا يصدق عليه حده،
وقال الجصاص إنه يقرب من المتواتر لكثرة
رواته، وهو مروي عن ستة عشر صحابيا عمر،
وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري، وسارية
بن أبي سفيان، وبلال، وأبو هريرة، ومعمر بن
عبد الله، وأبو بكر، وعثمان، وهشام بن عامر،
والبراء، وزيد بن أرقم، وخالد بن أبي عبيد،
وأبو بكرة، وابن عمر، وأبو الدرداء رضي الله
تعالى عنهم، وقد أطال الكلام في بيانه في
البناية ثم قال آخرا، وليس في الأحاديث
المذكورة البداءة بالحنطة، وإنما هي مذكورة في
أثنائه، ولكنه ذكره في المبسوط عن محمد عن أبي
حنيفة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري
بادئا بالحنطة. ا هـ.
والحكم معلول بإجماع القايسين لكن العلة عندنا
ما ذكرناه، وعند الشافعي الطعم في المطعومات،
والثمنية في الأثمان، والجنسية شرط، والمساواة
مخلص. والأصل هو الحرمة عنده لأنه نص على
شرطين التقابض، والمماثلة، وكل ذلك يشعر
بالعزة والخطر كاشتراط الشهادة في النكاح
فيعلل بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة، وهو
الطعم لبقاء الإنسان، والثمنية لبقاء الأموال
التي هي مناط المصالح بها، ولا أثر للجنسية في
ذلك فجعلناه شرطا، والحكم قد يدور مع الشرط،
ولنا أنه أوجب المماثلة شرطا في البيع، وهو
المقصود بسوقه تحقيقا لمعنى البيع إذ هو ينبئ
عن التقابل وذلك بالتماثل أو صيانة لأموال
الناس عن التوى أو تتميما للفائدة باتصال
التسليم به ثم يلزم عند فوته حرمة الربا،
والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة
والمعنى، والمعيار يسوي الذات، والجنسية تسوي
المعنى فيظهر الفضل على ذلك فيتحقق الربا لأن
الربا هو الفضل المستحق كما قدمناه، ولا يعتبر
الوصف لأنه لا يعد تفاوتا عرفا أو لأن في
اعتباره سد باب البياعات أو لقوله عليه الصلاة
والسلام
"جيدها ورديئها سواء"2.
والطعم، والثمنية من أعظم وجوه المنافع،
والسبيل في مثلها الإطلاق بأبلغ الوجوه لشدة
الاحتياج إليها دون التضييق فلا يعتبر بما
ذكره كذا في الهداية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في المساقاة، باب الصرف وبيع
الذهب بالورق (80) وأبو داود في البيوع
والإجارات (3349) والترمذي في البيوع، باب ما
جاء في أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل كراهية
التفاضل فيه (1240). وله رووايات متعددة مع
اختلاف بسيط في الألفاظ.
2 سيأتي تخريجه.
ج / 6 ص -188-
وحرم
الفضل والنساء بهما والنساء فقط بأحدهما
______
"قوله:
وحرم الفضل والنساء بهما" أي
بالقدر والجنس لوجود العلة بتمامها، والفضل
الزيادة، والنساء بالمد التأخير، ولم يذكره في
المصباح، وإنما ذكر النسيء فقال والنسيء مهموز
على فعيل، ويجوز الإدغام لأنه زائد، وهو
التأخير، والنسيئة على فعيلة مثله، وهما اسمان
من نسأ الله أجله من باب نفع، وأنساه الله
بألف إذا أخره. ا هـ. وفي البناية النساء بفتح
النون، والمد البيع إلى أجل، وفي فتح القدير
أنه بالمد لا غير.
"قوله:
والنساء فقط بأحدهما" أي وحرم
التأخير لا الفضل بوجود القدر فقط، والجنس
فقط، وله صورتان إحداهما باع حنطة بشعير
متفاضلا صح لا نسيئة، الثانية باع ثوبا مرويا
بمرويين جاز حاضرا، ولو باع عبدا بعبد إلى أجل
لا يجوز لوجود الجنس، وقال الشافعي الجنس
بانفراده لا يحرم النساء لأنه لا يثبت
بالتأخير إلا شبهة الفضل، وحقيقة الفضل جائز
فالشبهة أولى، ولنا أنه مال الربا من وجه نظرا
إلى القدر أو إلى الجنس، والنقدية أوجبت فضلا
في المالية فيتحقق شبهة الربا، وهي مانعة عن
الجواز كالحقيقة كذا في الهداية قال مولانا
الأكمل فيه بحث من وجهين أحدهما ما قيل إن
كونه من مال الربا من وجه شبهة، وكون الشبهة
أوجبت فضلا شبهة فصارت شبهة الشبهة فالشبهة هي
المعتبرة دون النازل عنها، والثاني أن كونها
شبهة الربا كالحقيقة إما أن يكون مطلقا أو في
محل الحقيقة، والأول ممنوع، والثاني مسلم
لكنها كانت جائزة فيما نحن فيه فيجب أن تكون
الشبهة كذلك. والجواب عن الأول أن الشبهة
الأولى في المحل، والثانية في الحكم، وثمة
شبهة أخرى، وهي التي في العلة، ولشبهة العلة
والمحل تثبت شبهة الحكم لا شبهة الشبهة، وعن
الثاني أن القسمة غير حاصرة بل الشبهة مانعة
في محل الشبهة إذا وجدت العلة بكمالها. ا هـ.
واستدل بعضهم لمذهبنا بنهيه عليه السلام عن
بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.1 رواه أبو داود،
وقال الترمذي إنه حديث حسن صحيح قال والعمل
عليه عند أكثر أهل العلم، وتمامه في البناية،
وأورد أنه بعض العلة فلا يثبت به الحكم، وأجيب
بأنه علة تامة لحرمة النساء، وإن كان بعض علة
لحرمة الفضل فلا يؤدي إلى توزيع أجزاء الحكم
على أجزاء العلة كذا في المعراج، وأورد أيضا
أن ظاهر قول المصنف، والنساء فقط بأحدهما يمنع
جواز إسلام النقود في الزعفران أو القطن لوجود
القدر، وهو الوزن مع أنه جائز فأجاب عنه في
الهداية بأنهما لا يتفقان في صفة الوزن أما
إذا اختلفا في المعنى فيجوز لأن النقود توزن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في البيوع والإجارات، باب في
الحيوان بالحيوان نسيئة (3356) من حديث سمرة.
والترمذي في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع
الحيوان بالحيوان نسيئة (1237). وزالنسائي في
البيوع، باب بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
(7/292).
ج / 6 ص -189-
وحلا
بعدمهما
______
بالصنجات، والزعفران بالأمناء فنقول الدراهم
مع الزعفران وإن اتفقا في الوزن صورة فقد
اختلفا فيما يوزن به صورة ومعنى، وحكما فيجوز
التأخير أما الاختلاف الصوري فما بيناه. وأما
الاختلاف في المعنى فلأن النقود لا تتعين
بالتعيين، والزعفران، ونحوه يتعين، وأما
الاختلاف في الأحكام فيجوز التصرف في النقود
قبل قبضها بخلاف المثمن فلم يجمعهما القدر من
كل وجه فنزلت الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة فإن
الموزونين إذا اتفقا كان المنع للشبهة، وإذا
لم يتفقا كان ذلك شبهة الوزن، والوزن وحده
شبهة فكان ذلك شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة،
والصنجات بتحريك النون جمع صنجة، وعن ابن
السكيت لا يقال بالسين، وإنما يقال بالصاد،
وفي المغرب الصنجات بالتحريك جمع صنجة
بالتسكين، وعن الفراء بالسين أفصح، وأنكر
القتبي السين أصلا، وفي فتح القدير الوجه أن
يضاف تحريم الجنس بانفراده إلى السمع كما
ذكرناه، ويلحق به تأثير الكيل أو الوزن
بانفراده ثم يستثنى إسلام النقود في الموزونات
بالإجماع كي لا ينسد أكثر أبواب السلم، وسائر
الموزونات خلاف النقد لا يجوز إسلامه في
الموزونات وإن اختلفت أجناسها كإسلام الحديد
في قطن أو زيت في جبن وغير ذلك إلا إذا خرج من
أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة
فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا بالحديد لأن
السيف خرج من أن يكون موزونا، ومنعه في الحديد
لاتحاد الجنس، وكذا يجوز بيع إناء من غير
النقدين بمثله من جنسه يدا بيد نحاسا كان أو
حديدا. وإن كان أحدهما أثقل من الآخر بخلافه
من الذهب والفضة فإنه يجري فيها ربا الفضل،
وإن كانت لا تباع وزنا لأن صورة الوزن منصوص
عليها فيهما فلا تتغير بالصنعة فلا تخرج عن
الوزن بالعادة، وأورد أنه ينبغي أن يجوز حينئذ
إسلام الحنطة والشعير في الدراهم والدنانير
لاختلاف طريقة الوزن أجيب بأن امتناعه لامتناع
كون النقد مسلما فيه لأن المسلم فيه مبيع،
وهما متعينان للثمنية، وهل يجوز بيعا قيل أن
كان بلفظ البيع يجوز بيعا بثمن مؤجل، وإن كان
بلفظ السلم فقد قيل لا يجوز، وقال الطحاوي
ينبغي أن ينعقد بيعا بثمن مؤجل. ا هـ. وأما
إسلام الفلوس في الموزون ففي فتح القدير مقتضى
ما ذكروه أن لا يجوز في زماننا لأنها، وزنية.
ا هـ. وذكر الإسبيجابي جوازه قال لأنها عددية
بخلاف ما إذا أسلم فلوسا في فلوس فإنه لا يجوز
لأن الجنس بانفراده يحرم النساء. ا هـ.
والواقع في زماننا وزنها بدار الضرب فقط، وأما
التعامل في الأسواق فبالعد
"قوله:
وحلا بعدمهما" أي حل الفضل
والنساء عند انعدام القدر والجنس فيجوز بيع
ثوب هروي بمرويين نسيئة، والجوز بالبيض نسيئة
لعدم العلة المحرمة، وعدم العلة وإن كان لا
يوجب عدم الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من
عدمها العدم لا بمعنى أنها تؤثر العدم بل لا
تثبت الوجود لعدم علة الوجود فيبقى عدم الحكم
وهو عدم الحرمة فيما نحن فيه على عدمه
ج / 6 ص -190-
وصح
بيع المكيل كالبر، والشعير، والتمر، والملح،
والموزون كالنقدين وما ينسب إلى الرطل بجنسه
متساويا لا متفاضلا
______
الأصلي، وإذا عدم سبب الحرمة، والأصل في البيع
مطلقا الإباحة كان الثابت الحل.
"قوله:
وصح بيع المكيل كالبر، والشعير، والتمر،
والملح، والموزون كالنقدين وما ينسب إلى الرطل
بجنسه متساويا لا متفاضلا"
فالبر، والشعير، والتمر، والملح مكيلة أبدا
لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم1 فلا يتغير
أبدا فيشترط التساوي بالكيل، ولا يلتفت إلى
التساوي في الوزن دون الكيل حتى لو باع حنطة
بحنطة، وزنا لا كيلا لم يجز، والذهب والفضة
موزونة أبدا للنص على وزنهما فلا بد من
التساوي في الوزن حتى لو تساوى الذهب بالذهب
كيلا لا وزنا لم يجز، وكذا الفضة بالفضة لأن
طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة
علينا لأن النص أقوى من العرف فلا يترك الأقوى
بالأدنى، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات
الناس لأنها دلالة على جواز الحكم، وعن أبي
يوسف اعتبارها على خلاف النص لأن النص عليه في
ذلك الوقت إنما كان للعادة فكانت هي المنظور
إليها في ذلك الوقت، وقد تبدلت.
وأما الإسلام في الحنطة وزنا ففيه روايتان،
والفتوى على الجواز لأن الشرط كونه معلوما،
وفي الكافي الفتوى على عادة الناس، والرطل
بكسر الراء وفتحها قال الجوهري إنه نصف من،
وهو ما يوزن به وفي النهاية إنه اثنا عشر
أوقية. وقال أبو عبيدة الرطل مائة درهم،
وثمانية وعشرون درهما، ووزن سبعة، وفي المغرب
الرطل ما يوزن به أو يكال به، وفي فتح القدير
ثم الرطل، والأوقية مختلف فيهما عرف الأمصار،
ويختلف في المصر الواحد أمر المبيعات فالرطل
الآن بالإسكندرية ثلاثمائة درهم، واثنا عشر
درهما كل عشرة، وزن سبعة، وفي مصر مائة
وأربعة، وأربعون درهما، وفي الشام أكثر من ذلك
فهو أربعة أمثاله، وفي حلب أكثر من ذلك،
وتفسير أبي عبيدة له تفسير للرطل العراقي الذي
قدر به الفقهاء كيل صدقة الفطر، وغيرها من
الكفارات. ا هـ.
وفسر في الهداية ما ينسب إلى الرطل بما يباع
بالأواقي، وفسره قاضي خان أيضا فقال وتفسيره
أن ما يباع بالأواقي فهو وزني لأنها قدرت
بطريق الوزن، وصارت وزنية أما سائر المكاييل
ما قدرت بالوزن فلا يكون وزنيا ا هـ. حتى يحسب
ما يباع وزنا، وهذا لأنه يشق وزن الدهن
بالأمناء والصنجات لعدم الاستمساك إلا في
وعاء، وفي وزن كل وعاء نوع حرج فاتخذ الرطل
لذلك، والأواقي جمع أوقية بالتشديد، وهي
أربعون درهما، والمراد بها هنا مواعين معلومات
الوزن. قال في الهداية فإذا كان موزونا فلو
بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 6 ص -191-
وجيده
كرديئه ويعتبر التعيين دون التقابض في غير
الصرف من الربويات
______
يجوز، ولو كان سواء بسواء لتوهم الفضل في
الوزن بمنزلة المجازفة، وفي التبيين، وهذا
مشكل لأن الشيئين إذا تساويا في كيل وجب أن
يستويا في كيل آخر، ولا تأثير لكون الكيل
معلوما أو مجهولا في ذلك إذ لا يختلف ثقله
فيهما، وفي النهاية قال الإسبيجابي فائدة هذا
أنه لو باع ما ينسب إلى الرطل بجنسه متفاضلا
في الكيل متساويا في الوزن يجوز، وهذا أحسن،
وهو قياس الموزونات فإنه لا يعتبر فيه إلا
الوزن غير أنه يؤدي إلى أنه لا يجوز بالأواقي
أيضا إذ لا فرق بين كيل وكيل على ما بيناه،
ولا يندفع هذا الإشكال إلا إذا منع الجواز في
الكيل ا هـ.
"قوله:
وجيده كرديئه" أي جيد ما جعل
فيه الربا كرديئه حتى لا يجوز بيع أحدهما
بالآخر متفاضلا لقوله عليه السلام:
"جيدها ورديئها سواء"1، وفي النهاية أنه غريب، ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد
الخدري أو لأن الوصف لا يعد تفاوتا عرفا، و
لأن في اعتباره سد باب البياعات قيد بمال
الربا لأن الجودة معتبرة في حقوق العباد فإذا
أتلف جيد ألزمه مثله قدرا وجودة إن كان مثليا،
وقيمته جيدا إن كان قيميا، ولكن لا تستحق
بإطلاق عقد البيع حتى لو اشترى حنطة أو شيئا
فوجده رديئا بلا عيب لا يرده كما في المحيط من
الصرف، وقدمناه في خيار العيب، وتعتبر في
الأموال الربوية في مال اليتيم فلا يجوز للوصي
بيع قفيز حنطة جيدة بقفيز رديء، وينبغي أن
تعتبر في مال الوقف لأنه كاليتيم، وقد كتبنا
في الفوائد أنها معتبرة في أربعة هذان، وفي حق
المريض حتى تنفذ من الثلث، وفي الرهن القلب
إذا انكسر عند المرتهن، ونقصت قيمته فإن
المرتهن يضمن قيمته ذهبا، ويكون رهنا عنده.
"قوله:
ويعتبر التعيين دون التقابض في غير الصرف من
الربويات" لأنه مبيع متعين
فلا يشترط فيه القبض كغير مال الربا لحصول
المقصود، وهو التمكن من التصرف بخلاف الصرف
لعدم تعينه إلا بالقبض فاشترط فيه ليتعين،
والمراد باليد في الحديث التعيين، وهو في
النقدين بالقبض، وفي غيرهما بالتعيين فلم يلزم
الجمع بين معنيين مختلفين، وإنما اشترط القبض
في المصوغ من الذهب والفضة باعتبار أصل خلقته،
وبيانه كما ذكره الإسبيجابي بقوله، وإذا
تبايعا كيليا أو وزنيا بوزني كلاهما من جنس
واحد أو من جنسين مختلفين فإن البيع لا يجوز
حتى يكون كلاهما عينا أضيف إليه العقد، وهو
حاضر أو غائب بعد أن يكون موجودا في ملكه،
والتقابض قبل الافتراق بالأبدان ليس بشرط
لجوازه إلا في الذهب والفضة، ولو كان أحدهما
عينا أضيف إليه العقد، والآخر دينا موصوفا في
الذمة فإنه ينظر إن جعل الدين منهما ثمنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 6 ص -192-
وصح
بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين،
والبيضة بالبيضتين، والجوزة بالجوزتين،
والتمرة بالتمرتين
______
والعين مبيعا جاز البيع بشرط أن يتعين الدين
منهما قبل التفرق بالأبدان، وإن جعل الدين
منهما مبيعا لا يجوز، وإن أحضره في المجلس،
والذي ذكر فيه الباء ثمن، وما لم يذكر فيه
الباء مبيع، وبيانه إذا قال بعت هذه الحنطة
على أنها قفيز بقفيز حنطة جيدة أو قال بعت منك
هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز من شعير جيد
فالبيع جائز لأنه جعل العين منهما مبيعا،
والدين الموصوف ثمنا، ولكن قبض الدين منهما
قبل التفرق بالأبدان شرط لأن من شروط جواز هذا
البيع أن يحصل الافتراق عن عين بعين، وما كان
دينا لا يتعين إلا بالقبض، ولو قبض الدين
منهما ثم تفرقا جاز البيع قبض العين منهما أو
لم يقبض، ولو قال اشتريت منك قفيز حنطة جيدة
بهذا القفيز من الحنطة أو قال اشتريت منك
قفيزي شعير جيد بهذا القفيز من الحنطة فإنه لا
يجوز، وإن أحضر الدين في المجلس لأنه جعل
الدين مبيعا فصار بائعا ما ليس عنده، وهو لا
يجوز ا هـ.
"قوله:
وصح بيع الحفنة بالحفنتين والتفاحة
بالتفاحتين، والبيضة بالبيضتين، والجوزة
بالجوزتين، والتمرة بالتمرتين"
لأنها لم تكن مكيلا ولا موزونا فانعدمت إحدى
العلتين، وهي القدر فجاز التفاضل سواء كان
بضعف الآخر أو بأضعافه حيث لم يدخل تحت كيل أو
وزن أما التفاحة والبيضة والجوزة فظاهر، وأما
الحفنة من الحنطة والشعير فالمراد بها ما دون
نصف صاع لأنه لا تقدير في الشرع بما دونه فلم
يكن من ذوات الأمثال، ولا بد أن لا يوجد نصف
الصاع فلو باع ما دون نصف صاع بنصف صاع لم يجز
لوجود العيار من أحد الجانبين فتحققت الشبهة،
وعلى هذا لو باع ما لا يدخل تحت الوزن كالذرة
من ذهب وفضة بما لا يدخل تحته جائز لعدم
التقدير شرعا إذ لا يدخل تحت الوزن، قيد
بالتفاضل لأنه لا يجوز النساء لوجود الجنس،
وفي فتح القدير قولهم لا تقدير في الشرع بما
دون نصف الصاع يعرف منه أنه لو وضعت مكاييل
أصغر من نصف الصاع لا يعتبر التفاضل بها، وفي
جمع التفاريق لا رواية في الحفنة بالقفيز،
واللب بالجوز، والصحيح ثبوت الربا، ولا يسكن
الخاطر إلى هذا بل يجب بعد التعليل بالقصد إلى
صيانة أموال الناس تحريم التفاحة بالتفاحتين،
والحفنة بالحفنتين أما إن كانت مكاييل أصغر
منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح وثمن
القدح المصري فلا شك، وكون الشرع لم يقدر بعض
المقدرات الشرعية في الواجبات المالية
كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يستلزم
إهدار التفاوت المتيقن بل لا يحل بعد تيقن
التفاضل مع تيقن تحريم إهداره. ولقد أعجب غاية
العجب من كلامهم هذا، وروى المعلى عن محمد أنه
كره التمرة بالتمرتين، وقال
ج / 6 ص -193-
والفلس
بالفلسين بأعيانهما
______
كل شيء حرم في الكثير فالقليل منه حرام. ا هـ.
وأما ضمان الحفنة فبالقيمة عند الإتلاف لا
بالمثل، وهذا في غير العددي المتقارب أما فيه
كالجوز فكلام فخر الإسلام أن الجوزة مثل
الجوزة في ضمان العدوان، وكذا التمرة بالتمرة
لا في حكم الربا.
ومن فروع الضمان لو غصب حفنة فعفنت عنده ضمن
قيمتها فإن أبى إلا أن يأخذ عينها أخذها، ولا
شيء له في مقابلة الفساد الذي حصل لها كذا في
فتح القدير، وفي الخانية، ولا بأس بالسمك واحد
باثنين لأنه لا يوزن، وإن كان جنس منه يوزن
فلا خير فيما يوزن إلا مثلا بمثل ا هـ. ثم قال
فيها باع إناء من حديد بحديد إن كان الإناء
يباع وزنا تعتبر المساواة في الوزن، وإلا فلا،
وكذا لو كان الإناء من نحاس أو صفر باعه بصفر
ا هـ.
"قوله:
والفلس بالفلسين بأعيانهما"
أي وصح بيع الفلس المعين بفلسين معينين عندهما
وقال محمد لا يجوز لأن الفلوس الرائجة أثمان،
وهو لا يتعين، ولذا لا تتعين الفلوس إذا قوبلت
بخلاف جنسها كالنقدين، ولا يفسد البيع بهلاكها
فإذا لم تتعين يؤدي إلى الربا أو يحتمله بأن
يأخذ بائع الفلس الفلسين أولا فيرد أحدهما
قضاء لدينه، ويأخذ الآخر بلا عوض فصار كما لو
كان بغير أعيانهما، ولهما أنها ليست أثمانا
خلقة، وإنما كانت ثمنا بالاصطلاح، وقد اصطلحا
على إبطال الثمنية فتبطل، وإن كانت ثمنا عند
غيرهما لبقاء اصطلاحهم على ثمنيتها إذ لا
ولاية للغير عليهما بخلاف النقدين لأن الثمنية
فيهما بأصل الخلقة فلا تبطل بالاصطلاح فإذا
بطلت الثمنية تعينت فلا يؤدي إلى الربا بخلاف
ما إذا كانت غير معينة فإنه يؤدي إلى الربا
على ما بيناه.
وأورد أن الثمنية إذا بطلت وجب أن لا يجوز
التفاضل لأن النحاس موزون، وإنما صار معدودا
بالاصطلاح على الثمنية فإذا بطلت عاد إلى
أصله. وأجيب بأن اصطلاحهما على العد لم يبطل،
ولا يلازمه فكم من معدود لا يكون ثمنا، وأورد
أيضا أن كونها ثمنا بعد الكساد لا يكون إلا
باصطلاح الكل فكذا بطلان الثمنية، وأجيب بأن
اصطلاحهما على بطلان ثمنيتها موافق للأصل
لكونها عروضا بخلاف اصطلاحهما على كونها ثمنا
بعد الكساد مخالف للأصل ولرأي الجميع فلم يصح،
وقيد بالتعيين لأن الفلس لو كان بغير عينه،
والفلسان كذلك لم يجز، وصورها أربع ما إذا كان
الكل غير معين وإن تقابضا في المجلس كذا في
المحيط، وما إذا كان الفلس معينا فقط، وما إذا
كانا غير معينين فقط ففي هذه الثلاثة لا يجوز
اتفاقا لكن في الصورتين الأخيرتين لو قبض ما
كان دينا في المجلس جاز كذا في المحيط، ومحل
الخلاف مسألة الكتاب، وأصل الخلاف مبني على أن
الفلس لا يتعين بالتعيين عند محمد، ويتعين
ج / 6 ص -194-
واللحم
بالحيوان
______
عندهما فيبطل العقد بهلاكه كذا في فتح القدير،
وفي المحيط أنها لا تتعين ولا ينفسخ العقد
بهلاكها، قيد بحل التفاضل لأن النساء حرام
اتفاقا لأن الجنس بانفراده يحرمه كما قدمناه،
وفي الذخيرة ذكر محمد هذه المسألة في صرف
الأصل، ولم يشترط التقابض فهذا دليل على أنه
ليس بشرط، وذكر في الجامع الصغير ما يدل على
أنه شرط. ومن مشايخنا من لم يصحح ما في الجامع
الصغير لأن التقابض مع العينية إنما يشترط في
الصرف، وليس به، ومنهم من صححه لأن لها حكم
العروض من وجه، وحكم الثمن من وجه فجاز
التفاضل للأول، واشتراط التقابض للثاني عملا
بالدليلين بقدر الإمكان. ا هـ. وليس مرادهم
خصوص بيع الفلس بالفلسين بل بيان حل التفاضل
حتى لو باع فلسا بمائة على التعيين جاز
عندهما.
تتمة في أحكام الفلوس في المحيط لو باع الفلوس
بالفلوس أو بالدراهم أو بالدنانير فنقد أحدهما
دون الآخر جاز، وإن افترقا لا عن قبض أحدهما
جاز، ولو اشترى مائة فلس بدرهم فقبض الدرهم،
ولم يقبض الفلوس حتى كسدت لم يبطل البيع
قياسا، ويتخير المشتري إن شاء قبضها كاسدة،
وإن شاء فسخ البيع، ويبطل البيع استحسانا لأن
كسادها بمنزلة الهلاك لأن المقصود منها الرواج
فهو لها كالحياة، ولو قبض منها خمسين ثم كسدت
بطل البيع في النصف ورد نصف درهم اعتبارا
للبعض بالكل، ولو رخصت لم يبطل، ولا خيار
للمشتري، ولو كسدت الفلوس الثمن قبل قبضها بطل
البيع عند أبي حنيفة، وعندهما لا يفسد، ويجب
قيمتها، ولو كسدت أفلس القرض فعليه مثلها
عنده، وعندهما قيمتها من الدراهم، وكذا لو
غصب، واستهلك ثم عند أبي يوسف تعتبر القيمة
يوم القبض، وعند محمد يوم الكساد، والأصح عند
الإمام أن عليه قيمتها يوم الانقطاع من الذهب،
والفضة، ولو اشترى فلوسا، وتقابضا على أن كل
واحد منهما بالخيار، وتفرقا على ذلك فسد البيع
لأن الخيار يمنع صحة القبض، ولو كان أحدهما
بالخيار فالبيع جائز عندهما لأن الخيار لا
يمنع ثبوت الملك له في المبيع فوجد القبض
المستحق في أحدهما، وعلى قول أبي حنيفة لا
يجوز لأن الخيار يؤثر في الجانبين فيمنع صحة
القبض، وإن باع فلسا بعينه بفلسين بأعيانهما
بشرط الخيار يجوز ا هـ. ما في المحيط من باب
بيع الفلوس، واستقراضها.
"قوله:
واللحم بالحيوان" أي وصح بيع
اللحم بالحيوان عند أبي حنيفة، وعند أبي يوسف،
وقال محمد لا يجوز إذا كان من جنسه إلا إذا
كان اللحم المفرز أكثر من اللحم الذي في
الحيوان ليكون اللحم بمقابلة ما فيه، والباقي
من اللحم بمقابله السقط، وهو بفتحتين ما لا
ينطلق عليه اسم اللحم كالجلد، والكرش،
والأمعاء، والطحال، وصار كالحل، وهو بالمهملة
دهن السمسم،
ج / 6 ص -195-
والكرباس بالقطن، وكذا بالغزل كيفما كان
والرطب بالرطب أو بالتمر متماثلا، والعنب
بالزبيب
______
ولهما أنه باع الموزون بما ليس بموزون فصار
كبيع السيف بالحديد لأن الحيوان لا يوزن عادة،
ولا يمكن معرفة ثقله بالوزن بخلاف تلك المسألة
لأن الوزن في الحل يعرف قدر الدهن إذا ميز،
وذكر الشارح، وإنما لا يجوز بيع أحدهما بالآخر
نسيئة لأن المتأخر منهما لا يمكن ضبطه لا
لأنها جنس واحد ألا ترى أنه لا يجوز ذلك إذا
بيع بغيره من خلاف الجنس أيضا. ا هـ.
ولو باع شاة مذبوحة بشاة حية يجوز عند الكل،
وعلى هذا شاتان مذبوحتان غير مسلوختين بشاة
مذبوحة لم تسلخ يجوز، وفي شرح الطحاوي لو كانت
الشاة مذبوحة غير مسلوخة فاشتراها بلحم الشاة
فالجواب في قولهم جميعا كما قال محمد، وأراد
بغير المسلوخة غير المفصولة عن السقط، وفي
الحاوي لو باع شاة في ضرعها لبن بجنس لبنها
فهو على الاختلاف الذي في اللحم.
"قوله:
والكرباس بالقطن، وكذا بالغزل كيفما كان"
أي صح لاختلافهما جنسا لأن الثوب لا ينقض
ليعود غزلا أو قطنا، والكرباس الثياب من
اللحم، والجمع كرابيس، وإليها ينسب الإمام
المحبوبي باعتبار بيعها. وأشار المصنف إلى أنه
لو باع القطن المحلوج بغزل فإنه يجوز كيفما
كان لاختلاف الجنس، وهو قول محمد، وقال أبو
يوسف لا يجوز إلا متساويا، وقول محمد أظهر،
وفي الحاوي وهو الأصح، ولو باع المحلوج بغير
المحلوج جاز إذا علم أن الخالص أكثر مما في
الآخر، وإن كان لا يدري لا يجوز، وكذا لو باع
القطن غير المحلوج بحب القطن فلا بد أن يكون
الحب الخالص أكثر من الحب الذي في القطن حتى
يكون قدره مقابلا به، والزائد بالقطن، وكذا لو
باع شاة على ظهرها صوف أو في ضرعها لبن بصوف
أو لبن يشترط أن يكون الصوف أو اللبن أكثر مما
على الشاة لما ذكرنا من المعنى، وهو نظير بيع
الزيت بالزيتون.
"قوله:
والرطب بالرطب أو بالتمر متماثلا، والعنب
بالزبيب" أي متماثلا أيضا أما
الأول فهو قول أبي حنيفة، وقال الباقون من
العلماء، ومنهم أبو يوسف ومحمد لا يجوز،
وأجمعوا على أن بيع الرطب بالتمر متفاضلا لا
يجوز، ودليل الجماعة قوله صلى الله عليه وسلم
حين سئل عنه: "أينقص
إذا جف" فقيل: نعم فقال: "لا إذن"1 رواه مالك في الموطإ، والأربعة في السنن عن زيد بن عياش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في البيوع، باب في التمر
بالتمر، (3359) من حديث سعد بن أبي وقاص
والترمذي في البيوع باب ما جاء في النهي عن
المحاقلة والمزابنة (1225) والحاكم في
"المستدرك" (2/38). والنسائي في البيوع باب
اشتراء التمر بالرطب (4559)، (7/269). وابن
ماجة في التجارات، باب بيع الرطب بالتمر
(2264) وابن حبان في "صحيحه" (5003). ومالك في
"الموطأ" كتاب البيوع، باب ما يكره من بيع
التمر، (2/624) وأحمد في "المسند"
ج / 6 ص -196-
...........................................
______
عن سعد بن أبي وقاص، وله أن الرطب تمر لقوله
عليه الصلاة والسلام حين أهدي إليه رطب: "أو كل تمر خيبر
هكذا"1 سماه تمرا، وتعقبه في غاية البيان بأن الهدية كانت تمرا، وتبعه في
البناية بأن الثابت في البخاري أنها تمر، ولأن
الرطب لو كان تمرا جاز البيع بأول الحديث، وهو
التمر بالتمر، وإن كان غير تمر فبآخره، وهو
"إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم"2 هكذا استدل الإمام الأعظم حين اجتمع عليه علماء بغداد، وكانوا
أشداء عليه لمخالفته الخبر، وأجاب عن حديثهم
بأن مداره على زيد بن عياش، وهو ممن لا يقبل
حديثه، وفي الهداية، وهو ضعيف عند النقلة،
وتعقبه في البناية بأنه ثقة عند النقلة.
قال الخطابي، وقد تكلم بعض الناس في إسناد هذا
الحديث، وقال زيد بن عياش مجهول، وليس كذلك
فإن ابن عياش هذا مولى لبني زهرة، وقد ذكره
مالك في الموطإ، وأخرج حديثه مع شدة تحريه في
الرجال، ونقده، وتتبعه لأحوالهم. وقد أخرجه
الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في
مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في
المستدرك، وقال هذا حديث صحيح لإجماع أئمة
النقل على أمانة مالك بن أنس، وأنه محكم لما
يرويه ا هـ. قال الحاكم قال الأكمل سلمنا قوته
في الحديث، ولكنه خبر واحد لا يعارض به
المشهور.
وفي غاية البيان قوله ومدار ما روياه على زيد
بن عياش، والمذكور في كتب الحديث زيد أبو عياش
ورده في البناية بأنه، وهم فيه لأنه ابن عياش،
وكنيته أبو عياش، وكذلك، وهم فيه الشيخ علاء
الدين التركماني هكذا، وقال صاحب التنقيح زيد
بن عياش أبو عياش الزلاني3، ويقال المخزومي،
ويقال مولى بني زهرة، والمدني ليس به بأس. ا
هـ.،
وفي العناية، واعترض بأن الترديد المذكور
يقتضي جواز بيع المقلية بغير المقلية لأن
المقلية إما أن تكون حنطة فيجوز بأول الحديث
أو لا فيجوز بآخره فمنهم من قال ذلك كلام حسن
في المناظرة لدفع شغب الخصم، والحجة لا تتم به
بل بما بيناه من إطلاق اسم التمر عليه فقد ثبت
أن التمر اسم لثمرة خارجة من النخلة من حيث
تنعقد صورتها إلى أن تدرك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الوكالة، باب الوكالة في
الصرف والميزان (2302). من حديث أبي هريرة.
ومسلم في المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل،
(1593). والنسائي في البيوع باب بيع التمر
بالتمر متفاضلا (7/271).
2 تقدم تخريجه.
3 والصواب الزرقي وهو ابن عياش ويقال المخزومي
ويقال مولى بني زهرة المدني روى عن سعد بن أبي
وقاص وذكره ابن حبان في الثقات ا هـ. "تهذيب
التهذيب" (3/423).
ج / 6 ص -197-
...........................................
______
والرطب اسم لنوع منه كالبرني، وغيره ا هـ.
وفي فتح القدير، وقد رد ترديده بين كونه تمرا
أو لا بأن هنا قسما ثالثا، وهو كونه من الجنس،
ولا يجوز بيعه بالآخر كالحنطة المقلية بغير
المقلية لعدم تسوية الكيل بينهما فكذا الرطب
بالتمر لا يسويهما الكيل، وإنما يسوي في حال
اعتدال البدلين، وهو أن يجف الآخر، و أبو
حنيفة يمنعه، ويعتبر التساوي في حال العقد
وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع مع المساواة في
الحال إذا كان موجبه أمرا خلقيا، وهو زيادة
الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنا في الحال
نحكم بعدم التساوي لاكتناز أحدهما في الكيل
بخلاف الآخر لتخلل كثير، وأجيب عن حديث زيد بن
عياش أيضا بأن المراد النهي عنه نسيئة فإنه
ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة كما
رواه أبو داود، ونهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة1. وبهذا اللفظ
رواه الحاكم، وسكت عنه، ورواه الطحاوي، وهذه
الزيادة بعد صحتها يجب قبولها لأن المذهب
المختار عند المحدثين قبولها، وإن كان الأكثر
لم يروها إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين
في مجلس واحد، ومثلهم لا يغفل عن مثلها فإنها
مردودة لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة
"أينقص الرطب إذا جف"2 عريا عن الفائدة إذا
كان النهي عنه نسيئة، وما ذكروا أن فائدته أن
الرطب ينقص إلى أن يحل الأجل فلا يكون في هذا
التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند
الجفاف فمنعه شفقة مبني على أن السائل كان ولي
يتيم، ولا دليل عليه ا هـ. وفي شرح الطحاوي،
ولو باع الثمار بعضها ببعض مجازفة لم يجز إلا
إذا كان كيلا وعرف تساويهما في الكيل قبل
التفرق بالأبدان عن مجلس العقد فإنه يجوز
البيع، وكذلك إذا كان ثمر بين اثنين اقتسماه
مجازفة لا يجوز لأن القسمة بمنزلة البيع إلا
إذا علم تساويهما في الكيل قبل التفرق، ولو
بيع بعضها ببعض وزنا متساويا لا يجوز لأن من
شرط جواز التسوية الكيل، ولا يدرى ذلك، وعن
أبي يوسف إذا غلب استعمال الناس بالوزن يصير
وزنيا، ويجوز، ويعتبر التساوي وزنا، وإن كان
أصله كيليا، وأما بيع الرطب بالرطب فلما روينا
أن اسم التمر يتناوله فيجوز بيعه مثلا بمثل،
ولو باع البسر بالتمر لا يجوز التفاضل فيه
لأنه تمر بخلاف الكفرى حيث يجوز بيعه بما شاء
من التمر لأنه ليس بتمر، ولذا لا يجوز السلم
فيه، والكفرى بضم الكاف وفتح الفاء وتشديد
الراء مقصورا اسم لوعاء الطلع، وهو كم النخل
أول ما ينشق، وأما الثانية، وهي بيع العنب
بالزبيب فعلى الاختلاف السابق، وقيل لا يجوز
اتفاقا كالمقلية بغيرها، والمطبوخة بغير
المطبوخة، ولو باع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/39).
والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (6171) وفي
"معاني الآثار" (4/6). والبيهقي في "سننه"
كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع الرطب بالتمر
(5/294).
2 تقدم في الصفحة السابقة.
ج / 6 ص -198-
واللحوم المختلفة بعضها ببعض متفاضلا، ولبن
البقر والغنم، وخل الدقل بخل العنب وشحم البطن
بالألية أو باللحم
______
حنطة رطبة أو مبلولة أو يابسة جاز، وكذا لو
باع تمرا منقعا أو زبيبا منقعا بتمر مثله أو
زبيب مثله أو باليابس منهما جاز عندهما خلافا
لمحمد.
"قوله:
واللحوم المختلفة بعضها ببعض متفاضلا، ولبن
البقر والغنم، وخل الدقل بخل العنب"
لأن أصولها أجناس مختلفة حتى لا يضم بعضها إلى
بعض في الزكاة، وأسماؤها أيضا مختلفة باعتبار
الإضافة كدقيق الشعير والبر، والمقصود أيضا
يختلف، والمعتبر في الاتحاد المعنى الخاص دون
العام، ولو اعتبر العام لما جاز بيع شيء بشيء
أصلا، قيد بالمختلفة لأن غيرها لا يجوز
متفاضلا كلحم البقر والجاموس أو لبنهما أو لحم
المعز والضأن أو لبنهما أو لحم العراب1،
والبخاتي2 لاتحاد الجنس بدليل الضم في الزكاة
للتكميل فكذا أجزاؤهما ما لم يختلف المقصود
كشعر المعز، وصوف الضأن أو ما يتبدل بالصنعة
لاختلاف المقاصد، ولذا جاز بيع الخبز بالحنطة
متفاضلا وكذا بيع الزيت المطبوخ بغير المطبوخ
أو الدهن المربى بالبنفسج بغير المربى منه
متفاضلا وإنما جاز بيع لحم الطير بعضه ببعض
متفاضلا وإن كان من جنس واحد لم يتبدل بالصنعة
لكونه غير موزون عادة فلم يكن مقدارا فلم توجد
العلة فحاصله أن الاختلاف باختلاف الأصل أو
المقصود أو تبدل الصنعة،
وفي فتح القدير، وينبغي أن يستثنى من لحوم
الطير الدجاج، والإوز فإنه يوزن في عادة ديار
أهل مصر بعظمه، والدقل رديء التمر، ويجوز خل
التمر بخل العنب متفاضلا، وكذا عصيرهما
لاختلاف أصلهما جنسا، وتخصيص الدقل باعتبار
العادة لأن الدقل هو الذي كان يتخذ خلا في
العادة ا هـ.
والحاصل أن ما يوجب اختلاف الأمور ثلاثة
اختلاف الأصول، واختلاف المقاصد، وزيادة
الصنعة، ومنها جواز بيع إناء صفر أو حديد
أحدهما أثقل من الآخر، وكذا قمقمة بقمقمتين،
وإبرة بإبرتين، وخوذة بخوذتين، وسيف بسيفين،
ودواة بدواتين ما لم يكن شيء من ذلك من أحد
النقدين فيمتنع التفاضل، وإن اصطلحوا بعد
الصياغة على ترك الوزن، والاقتصار على العد،
والصورة كذا في فتح القدير
"قوله:
وشحم البطن بالألية أو باللحم"
أي يصح بيعها متفاضلا وإن كانت كلها من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخيل العراب المنسوبة إلى العرب ا هـ
"اللسان" مادة عرب.
2 البخت بالضم الإبل الخراسانية ا هـ
"القاموس" مادة بخت.
ج / 6 ص -199-
والخبز
بالبر أو بالدقيق متفاضلا لا بيع البر بالدقيق
أو بالسويق والزيتون بالزيت، والسمسم بالشيرج
حتى يكون الزيت، والشيرج أكثر مما في الزيتون،
والسمسم
______
الضأن لأنها أجناس مختلفة لاختلاف الأسماء،
والصور، والمقاصد.
"قوله:
والخبز بالبر أو بالدقيق متفاضلا"
لأن الخبز بالصنعة صار جنسا آخر حتى يخرج من
أن يكون مكيلا، والبر، والدقيق مكيلان فلم
يجمعهما القدر ولا الجنس حتى جاز بيع أحدهما
بالآخر نسيئة إذا كانت الحنطة هي المتأخرة
لإمكان ضبطها، وإن كان الخبز هو المتأخر
فالسلم فيه لا يجوز عند أبي حنيفة لأنه يتفاوت
بالطحن، والعجن، والنضج، واختلف على قولهما
فمنهم من جوزه على قياس السلم باللحم، وبه
يفتى للتعامل، وفي الحاوي يجوز بيع اللبن
بالجبن ا هـ.
"قوله:
لا بيع البر بالدقيق أو بالسويق"
أي لا يجوز بيع الحنطة بأحدهما متفاضلا، ولا
متساويا لأنه جنس من وجه، وإن خص باسم آخر
فيحرم لشبهة الربا، والمعيار فيهما الكيل، وهو
غير مسو لهما بخلاف بيع دهن السمسم بالسمسم
حيث يجوز لأن المعيار فيه الوزن، وهو مسو،
والسويق ما يجرش من الشعير والحنطة وغيرهما
ذكره الكرماني في باب من مضمض من السويق.
وأشار المؤلف إلى جواز بيع الدقيق بالدقيق
متساويا ولا يجوز متفاضلا لاتحاد الاسم
والصورة والمعنى، ولا عبرة باحتمال التفاضل
كما في البر بالبر، وقيده ابن الفضل بما إذا
كانا مكبوسين، وإلا لا يجوز، وإن باعه بمثله
موازنة ففيه روايتان وبيع المنخول بغير
المنخول لا يجوز إلا متساويا كما في الخلاصة،
وقيد بالبر لأن بيع الدقيق بالسويق لا يجوز
مطلقا عنده، وجاز عندهما مطلقا لاختلاف الجنس،
ولكن يدا بيد لأن القدر يجمعهما، وله أنهما
جنس واحد من وجه لأنهما من أجزاء الحنطة، وبيع
المقلية بالمقلية، والسويق بالسويق متساويا
جائز لاتحاد الاسم.
"قوله:
والزيتون بالزيت، والسمسم بالشيرج حتى يكون
الزيت، والشيرج أكثر مما في الزيتون، والسمسم"
أي لا يجوز البيع في ثلاث صور الأولى أن يعلم
أن الزيت الذي في الزيتون أكثر لتحقق الفضل من
الدهن والتفل، الثانية أن يعلم التساوي لخلو
التفل عن العوض، الثالثة أن لا يعلم أنه مثل
أو أكثر أو أقل فلا يصح عندنا لأن الفضل
المتوهم كالمتحقق احتياطا، وعند زفر جاز لأن
الجواز هو الأصل والفساد لوجود الفضل الخالي
فما لم يعلم لا يفسد، ويجوز البيع في صورة
بالإجماع أن يعلم أن الزيت المنفصل أكثر ليكون
الفضل بالتفل، وكذا بيع الجوز بدهنه واللبن
بسمنه والتمر بنواه، وكل شيء لتفله قيمة إذا
بيع بالخالص منه لا يجوز حتى يكون الخالص
أكثر، وإن لم يكن لتفله قيمة كتراب الذهب إذا
بيع بالذهب أو تراب الفضة إذا بيع بالفضة لا
يشترط أن يكون الذهب أو الفضة أكثر مما في
التراب لأن التراب لا قيمة له فلا يجعل بإزائه
شيء حتى لو جعل فسد لربا الفضل، وفي الحاوي،
وإن باع حنطة بحنطة في
ج / 6 ص -200-
ويستقرض الخبز وزنا لا عددا ولا ربا بين
المولى وعبده ولا بين الحربي والمسلم ثمة.
______
سنبلها لم يجز، وإن باع قصيل حنطة بحنطة كيلا،
وجزافا جاز، وإن لم يشترط الترك ا هـ.
"قوله:
ويستقرض الخبز وزنا لا عددا"
وهذا عند أبي يوسف، وعند محمد يستقرض بهما،
وعند أبي حنيفة لا يستقرض بهما، وذكر الشارح
أن الفتوى على قول أبي يوسف، وفي شرح المجمع
الفتوى على قول محمد، وفي فتح القدير، وأنا
أرى أن قول محمد أحسن، وفي الجوهرة قال محمد
ثلاث من الدناءة استقراض الخبز، والجلوس على
باب الحمام، والنظر في مرآة الحجام. ا هـ. وفي
المجتبى باع رغيفا نقدا برغيفين نسيئة يجوز،
ولو كان الرغيفان نقدا، والرغيف نسيئة لا
يجوز، ولو باع كسيرات الخبز يجوز نقدا، ونسيئة
كيف كان.
"قوله:
ولا ربا بين المولى وعبده"
لأنه، وما في يده ملكه أطلقه وهو مقيد بما إذا
لم يكن عليه دين مستغرق لرقبته وكسبه، وأما
إذا كان مستغرقا فيجري الربا بينهما اتفاقا
لعدم الملك عنده للمولى في كسبه كالمكاتب،
وعندهما لتعلق حق الغير، والتحقيق أنه على
إطلاقه، ولا ربا بينهما، وإن كان مديونا
مستغرقا، وإنما يرد الزائد لتعلق حق الغرماء
به كما لو أخذ منه شيئا بغير عقد كذا في
المعراج، ولو كان عليه دين غير مستغرق فلا
ربا، وفي مأذون المحيط إذا أخذ المولى من كسب
المأذون شيئا ثم لحقه دين سلم للمولى ما أخذ،
وإن كان عليه يوم الأخذ ولو قليلا لم يسلم،
وفائدته لو لحقه آخر رد المولى جميع ما أخذه
بخلاف ما إذا أخذ منه ضريبة، وليس عليه دين
فإنها تسلم له استحسانا، والمدبر وأم الولد
كالعبد بخلاف المكاتب. وأشار المصنف إلى أنه
لا ربا بين المتفاوضين، وشريكي العنان إذا
تبايعا من مال الشركة وإن كان من غيره جرى
بينهما.
"قوله:
ولا بين الحربي والمسلم ثمة"
أي لا ربا بينهما في دار الحرب عندهما خلافا
لأبي يوسف، وفي البناية، وكذا إذا باع خمرا أو
خنزيرا أو ميتة أو قامرهم، وأخذ المال كل ذلك
يحل له، ولهما الحديث
"لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب"1، ولأن مالهم مباح، وبعقد الأمان منهم لم يصر معصوما إلا أنه التزم
أن لا يتعرض لهم بغدر، ولا لما في أيديهم بدون
رضاهم فإذا أخذ برضاهم أخذ مالا مباحا بلا غدر
فيملكه بحكم الإباحة السابقة إلا أنه لا يخفى
أنه إنما اقتضى حل مباشرة العقد إذا كان
الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك إذ
يشمل ما إذا كان الدرهمان من جهة المسلم أو من
جهة الكافر، وجواب المسألة بالحل عام في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" وقال: غريب
(4/44). والبيهقي في "المعرفة" (18169).
ج / 6 ص -201-
..................................
______
الوجهين كذا في فتح القدير، وحكم من أسلم في
دار الحرب، ولم يهاجر كالحربي عند أبي حنيفة
لأن ماله غير معصوم عنده فيجوز للمسلم الربا
معه، وأما إذا هاجر إلينا ثم عاد إليهم لم يجز
الربا معه لكونه أحرز ماله بدارنا فكان من أهل
دار الإسلام كذا في الجوهرة، وفي المجتبى
معزيا إلى الكفاية مستأمن منا باشر مع رجل
مسلما كان أو ذميا في دراهم أو من أسلم هناك
شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا
كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما خلافا لأبي
يوسف. ا هـ. والله تعالى أعلم.
8- باب الحقوق
العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق
______
8- باب الحقوق
كان من حق مسائل هذا الباب إن تذكر في الفصل
المتصل بأول البيوع إلا أن المصنف التزم ترتيب
الجامع الصغير، ولأن الحقوق توابع فيليق ذكرها
بعد مسائل البيوع كذا في المعراج، والحقوق جمع
حق، وفي المصباح الحق خلاف الباطل، وهو مصدر
حق الشيء من بابي ضرب، وقتل إذا وجب وثبت،
ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها. ا هـ.
وفي البناية الحق ما يستحقه الرجل، وله معان
أخر منها الحق ضد الباطل. ا هـ. وفي شرح
المنار للسيد نكركار الحق هو الشيء الموجود من
كل وجه، ولا ريب في وجوده، ومنه قوله عليه
السلام "السحر حق، والعين حق" ا هـ. وفي شرح
البخاري للكرماني الحق حقيقة هو الله تعالى
بجميع صفاته لأنه الموجود حقيقة بمعنى لم يسبق
بعدم، ولم يلحقه عدم، وإطلاق الحق على غيره
مجاز، ولذا ورد في الحديث:
"اللهم أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق" بالتعريف في الثلاثة ثم قال ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق،
والساعة حق بالتنكير. ا هـ.
وذكر الأصوليون أن الأحكام أربعة حقوق الله
تعالى خالصة، وحقوق العباد خالصة، وما اجتمعا
فيه وحق الله تعالى غالب كحد القذف، وما
اجتمعا فيه وحق العباد غالب كالقصاص قالوا،
والمراد من حق الله تعالى ما تعلق نفعه
بالعموم، وإنما نسب إلى الله تعظيما لأنه
متعال عن أن ينتفع بشيء، ولا يجوز أن يكون حقا
له تعالى بجهة التخليق لأن الكل سواء في ذلك.
"قوله:
العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق"
يعني إذا اشترى بيتا فوقه بيت لا يدخل فيه
ج / 6 ص -202-
وبشراء
منزل إلا بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل
وكثير هو فيه أو منه ودخل بشراء دار
______
العلو، ولو قال بكل حق هو له ما لم ينص عليه
لأن البيت اسم لمسقف واحد يصلح للبيتوتة،
والعلو مثله، والشيء لا يكون تبعا لمثله، وفي
المصباح علو الدار وغيرها خلاف السفل بضم
العين وكسرها. ا هـ. وأورد المستعير له أن
يعير ما لا يختلف، والمكاتب له أن يكاتب عبده
فأجيب بأن ذلك ليس بطريق الاستتباع بل لما ملك
المستعير المنفعة بغير بدل كان له أن يملك ما
ملك كذلك، والمكاتب بعقد الكتابة لما صار أحق
بمكاسبه كان له ذلك لأن كتابة عبده من أكسابه.
"قوله:
وبشراء منزل إلا بكل حق هو له أو بمرافقه أو
بكل قليل وكثير هو فيه أو منه"
أي لا يدخل العلو بشراء منزل إلا أن يقول
المشتري لفظا من الثلاثة لأن المنزل له شبه
بالدار، وبالبيت لأنه اسم لما يشتمل على بيوت
وصحن مسقف ومطبخ يسكن فيه الرجل بأهله مع ضرب
قصور فيه فإنه ليس فيه إصطبل فلشبه الدار يدخل
بذكر التوابع، ولشبه البيت لا يدخل من غير ذكر
توفيرا عليهما حظهما.
وفي الكافي أن هذا التفصيل مبني على عرف
الكوفة، وفي عرفنا يدخل العلو في الكل سواء
باع باسم البيت أو المنزل أو الدار، والأحكام
تبنى على العرف فيعتبر في كل إقليم، وفي كل
عصر عرف أهله،
وفي الذخيرة اعلم أن الحق في العادة يذكر فيما
هو تبع للمبيع، ولا بد للمبيع منه، ولا يقصد
إلا لأجل المبيع كالطريق والشرب للأرض،
والمرافق عبارة عما يرتفق به، ويختص بما هو من
التوابع كالشرب ومسيل الماء، وقوله كل قليل
وكثير يذكر على وجه المبالغة في إسقاط حق
البائع عن المبيع مما يتصل بالمبيع. ا هـ.
وفي المصباح المرافق جمع مرفق بكسر الميم وفتح
الفاء لا غير كالمطبخ والكنيف، ونحوه على
التشبيه باسم الآلة بخلاف المرفق في الوضوء
فإن فيه لغتين فتح الميم، وكسر الفاء كمسجد،
وبالعكس، وكذا المرفق بمعنى ما ارتفقت به ا
هـ.
فالحاصل أن المرفق مطلقا فيه لغتان إلا مرفق
الدار، وفي جامع الفصولين من الفصل السابع،
وما يذكر في دعوى العقار من قوله بحقوقه،
ومرافقه فحقوقه عبارة عن مسيل الماء وطريق،
وغيره وفاقا، ومرافقه عند أبي يوسف عبارة عن
منافع الدار، وفي ظاهر الرواية المرافق هي
الحقوق ا هـ.
"قوله:
ودخل بشراء دار" أي العلو
بشراء دار وإن لم يذكر شيئا من ذلك لأن الدار
اسم
ج / 6 ص -203-
كالكنيف لا الظلة إلا بكل حق ولا يدخل الطريق
والمسيل، والشرب إلا بنحو كل حق بخلاف
الإجارة.
______
لما أدير عليه الحدود من الحائط، ويشتمل على
بيوت ومنازل وصحن غير مسقف، والعلو من أجزائه
فيدخل فيه من غير ذكر، وفي البناية الدار لغة
اسم لقطعة أرض ضربت لها الحدود، وميزت عما
يجاورها بإدارة خط عليها فبني في بعضها دون
البعض ليجمع فيها مرافق الصحراء للاسترواح،
ومنافع الأبنية للإسكان، وغير ذلك، ولا فرق
بين ما إذا كانت الأبنية بالماء والتراب أو
بالخيام، والقباب. ا هـ.
"قوله:
كالكنيف" أي كما يدخل بشراء
الدار، وإن لم يصرح به لأن الكنيف منها، وكذا
يدخل بئر الماء، والأشجار التي في صحنها،
والبستان الداخل فأما الخارج فإن كان أكبر
منها أو مثلها لا يدخل إلا بالشرط، وإن كان
أصغر منها يدخل لأنه يعد من الدار عرفا،
والكنيف المستراح، وفي المصباح الكنيف الساتر،
ويسمى الترس كنيفا لأنه يستر صاحبه، وقيل
للمرحاض كنيف لأنه يستر قاضي الحاجة، والجمع
كنف مثل نذير ونذر ا هـ. أطلقه فشمل ما إذا
كان الكنيف خارجا مبنيا على الظلة لأنه يعد
منها عادة
"قوله:
لا الظلة إلا بكل حق" أي لا
تدخل الظلة في بيع الدار إلا إذا قال بكل حق،
وهي الساباط الذي يكون أحد طرفيه على الدار،
والآخر على الدار الأخرى أو على أسطوانات في
السكة كذا في فتح القدير، وفي الصحاح، والظلة
بالضم كهيئة الصفة، وقرئ في ظلل على الأرائك
متكئين، والظلة أيضا أول سحابة تظل عن أبي
زيد، وعذاب يوم الظلة قالوا غيم تحته سموم،
والمظلة بالكسر البيت الكبير من الشعر. ا هـ.
وفي المغرب قول الفقهاء ظلة الدار يريدون
السدة التي تكون فوق الباب، وإنما لا تدخل عند
أبي حنيفة لأنها مبنية على الطريق فأخذت حكمه،
وعندهما إن كان مفتحها في الدار تدخل مطلقا
لأنها من توابعها كالكنيف، وليس مراد المصنف
بقوله إلا بكل حق القصر على هذا بل إنما
المراد به أو بنحوه بأن يقال بمرافقها أو بكل
قليل وكثير هو فيه كذا في البناية، وفي
الخانية، ويدخل الباب الأعظم فيما إذا باع
بيتا أو دارا بمرافقه لأن الباب الأعظم من
مرافقها ا هـ.
"قوله:
ولا يدخل الطريق والمسيل، والشرب إلا بنحو كل
حق بخلاف الإجارة" أي لا تدخل
الثلاثة في بيع الأرض أو المسكن إلا بذكر كل
حق ونحوه بخلاف الإجارة حيث تدخل مطلقا لأن
كلا منها خارج عن الحدود فكانت تابعة فتدخل
بذكر التوابع، وأما الإجارة فإنما المقصود
منها الانتفاع، ولا يتحقق إلا بها، ولأن البيع
شرع لتمليك العين لا المنفعة بدليل صحة شراء
ج / 6 ص -204-
................................
______
جحش ومهر صغير، وأرض سبخة، ولا تصح إجارتها،
وكذا لو استأجر علوا، واستثنى الطريق فسدت
بخلاف البيع، وقد يتجر في العين فيبيعه من
غيره فحصلت الفائدة المطلوبة، وفي المعراج
أراد الطريق الخاص في ملك إنسان أما الطريق
إلى سكة غير نافذة أو إلى طريق عام يدخل. ا
هـ.
وفي المحيط، وكذا ما كان له من حق مسيل الماء
أو إلقاء الثلج في ملك إنسان لحاجته، وفي
الذخيرة بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي
يكون عند البيع لا الطريق الذي كان قبل البيع
حتى أن من سد طريق منزله، وجعل له طريقا آخر،
وباع المنزل بحقوقه يدخل تحت البيع الطريق
الثاني لا الطريق الأول كذا في البناية فإن
ذكر الحقوق، وقال البائع ليس للدار المبيعة
طريق في دار أخرى فإن المشتري لا يستحق الطريق
من غير حجة لكن له أن يردها بالعيب، وكذا لو
كانت جذوع دار أخرى على الدار المبيعة فإن
كانت الجذوع للبائع يؤمر البائع بالرفع، وإن
كانت لغيره كان عيبا، وكذا لو ظهر في الدار
المبيعة طريق أو مسيل ماء لدار أخرى فإن كانت
تلك الدار للبائع لم يكن للبائع أن يمر في
الدار المبيعة لأنه باعها من غير استثناء، وإن
كانت تلك الدار لغير البائع كان عيبا كذا في
شرح الجامع الصغير لقاضي خان،
وفي الخلاصة يدخل الطريق في الرهن، والصدقة
الموقوفة كالإجارة، وفي الخانية لو أقر بدار
أو صالح على دار أو وصى بدار، ولم يذكر
حقوقها، ومرافقها لم يدخل الطريق. ا هـ. وأما
إذا اقتسما، ولم يذكرا طريقا فإن أمكنه فتح
باب صحت، وإلا فسدت، ولا يدخل إلا بذكر
الحقوق، وفي البيع يدخل بذكر الحقوق، وإن
أمكنه فتح باب، وبيان الفرق بين القسمة،
والإجارة وبينها وبين البيع في المعراج ا هـ.
9- باب الاستحقاق
البينة حجة متعدية لا الإقرار
______
باب الاستحقاق
وهو طلب الحق، وفي
المصباح استحق فلان الأمر استوجبه قاله
الفارابي، وجماعة فالأمر مستحق بالفتح اسم
مفعول، ومنه خرج البيع مستحقا. ا هـ. وذكره
عقيب الحقوق للمناسبة بينهما لفظا ومعنى
"قوله: البينة حجة متعدية لا الإقرار"
لأن البينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي، وله
ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة،
والإقرار حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء،
وللمقر ولاية على
ج / 6 ص -205-
...........................................
______
نفسه دون غيره فيقتصر عليه كذا ذكر الشارح،
وظاهره أن معنى التعدي أنه يكون القضاء به
قضاء على كافة الناس في كل شيء قضي به
بالبينة، وليس كذلك، وإنما يكون القضاء على
الكافة في العتق قال في الخلاصة القضاء بحرية
العبد قضاء في حق الناس كافة. ا هـ.
وفي الصغرى من دعوى النكاح من كتاب الدعوى إذا
قضى القاضي لإنسان بنكاح امرأة أو بنسب أو
بولاء عتاقة ثم ادعاه الآخر لا تسمع ذكره في
آخر الباب الرابع والمائة من أدب القاضي ا هـ.
وأما القضاء بالوقف ففي الخلاصة من القضاء،
والقضاء بوقفية موضع هل يكون قضاء على الناس
كافة اختلف المشايخ فيه، وفي كتاب الدعوى أرض
في يد رجل ادعى رجل أن هذه الدار وقف من جهة
فلان على جهة معلومة، وأنه متولي ذلك الوقف،
وذكر الشرائط، وأثبت بالبينة، وقضى القاضي
بالوقفية ثم جاء رجل، وادعى أن هذه الأرض ملكه
وحقه تسمع بخلاف العبد إذا ادعى العتق على
إنسان وقضى القاضي بالعتق ثم ادعى رجل أن هذا
العبد ملكه لا تسمع لأن القضاء بالعتق قضاء
على جميع الناس كافة بخلاف الوقف قال الصدر
الشهيد لم نر لهذا رواية، ولكن سمعت أن فتوى
السيد أبي شجاع على هذا. وفي فوائد شمس الأئمة
الحلواني وركن الإسلام علي السغدي أن الوقف
كالعتق في عدم سماع الدعوى بعد قضاء القاضي
بالوقفية لأن الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل
إلا في مواضع مخصوصة، وكذا في النوازل ا هـ.
وصحح العمادي في الفصول أن القضاء به ليس قضاء
على الكافة فتسمع فيه دعوى الملك فقد ظهر بهذا
أن القضاء يكون على الكافة في الحرية والنكاح
والنسب والولاء خاصة، وفي الوقف يقتصر على
الأصح، وأما القضاء بالملك فقضاء على المدعى
عليه، وعلى من تلقى الملك منه كذا في الخلاصة،
وفيها قبله: المشتري إذا صار مقضيا عليه هل
يصير البائع مقضيا عليه حتى لا تسمع إن قال
المشتري في جواب دعوى المدعي ملكي لأني
اشتريته من فلان يعني من البائع صار البائع
مقضيا عليه حتى لا تسمع دعوى البائع هذا
المحدود، ويرجع المشتري عليه بالثمن أما إذا
قال في الجواب ملكي ولم يزد عليه لا يصير
البائع مقضيا عليه حتى تسمع دعواه هذا
المحدود، والإرث كالشراء، وهو منصوص في الجامع
الكبير، وصورتها دار في يد رجل يدعي أنها له
فجاء آخر وادعى أنها له ورثها من أبيه، وأقام
البينة وقضى القاضي له عليه بها ثم جاء أخو
المقضي عليه، وادعى أن هذه الدار كانت لأبيه
مات، وتركها ميراثا له بين الأخ المقضي عليه
وبينه يقضى للأخ المدعي بنصف الدار لأن الأخ
المقضي عليه لم يقل في الجواب ملكي لأني
ورثتها من أبي فلم يصر الأخ الآخر حينئذ مقضيا
عليه فتسمع دعواه. وكذا لو أقر ذو اليد، وهو
الأخ المقضي عليه أنه ورثها من أبيه بعدما
أنكر، وبعد إقامة البينة، ولو أقر أنه
ج / 6 ص -206-
...........................................
______
ورثها من أبيه قبل إقامة البينة لا تسمع دعوى
الأخ. ا هـ. وذكر قبله المورث إذا صار مقضيا
عليه في محدود فمات فادعى وارثه ذلك المحدود
إن ادعى الإرث من هذا المورث لا تسمع، وإن
ادعى مطلقا تسمع، وإن كان على القلب بأن كان
المورث مدعيا، والمقضي عليه أجنبيا فلما مات
المورث ادعى المقضي عليه هذا المحدود مطلقا
على وارثه لا تسمع، وذكر فيها معزيا إلى
الصغرى في دعوى الدين على إحدى الورثة، وقد
أقر المدعي أن الميت لم يترك شيئا القضاء عليه
قضاء على الميت. ا هـ.
وحاصله أن القضاء على المشتري قضاء على البائع
بالشرط السابق، وفي فتح القدير أن القضاء
باستحقاق المبيع من يد المشتري قضاء على الكل،
ولا تسمع دعوى أحدهم أنه ملكه، وعلى الوارث
قضاء على المورث بشرطه، وعلى المورث قضاء على
الوارث بشرطه، وعلى أحد الورثة قضاء على
الباقي بشرطه، وذكر ملا خسرو من باب
الاستحقاق، والحكم بالحرية الأصلية حكم على
الكافة حتى لا تسمع دعوى الملك من أحد، وكذا
العتق وفروعه، وأما الحكم في الملك المؤرخ
فعلى الكافة من التاريخ لا قبله يعني إذا قال
زيد لبكر إنك عبدي ملكتك منذ خمسة أعوام فقال
بكر إني كنت عبد بشر ملكني منذ ستة أعوام
فأعتقني فبرهن عليه اندفع دعوى زيد ثم إذا قال
عمرو لبكر إنك عبدي ملكتك منذ سبعة أعوام،
وأنت ملكي الآن فبرهن عليه تقبل، ويفسخ الحكم
بحريته، ويجعل ملكا لعمرو. ويدل عليه أن قاضي
خان قال في أول البيوع في شرح الزيادات فصارت
مسائل الباب على قسمين أحدهما عتق في ملك مطلق
وهو بمنزلة حرية الأصل، والقضاء به قضاء على
كافة الناس، والثاني القضاء بالعتق في الملك
المؤرخ وهو قضاء على كافة الناس من وقت
التاريخ، ولا يكون قضاء قبله فليكن هذا على
ذكر منك فإن الكتب المشهورة خالية عن هذه
الفائدة. ا هـ.
ومن فروع التعدي إذا قضي بها دون الإقرار
مسألة في الاستحقاق إذا استحق المبيع ببينة
رجع المشتري على بائعه بالثمن، وبالإقرار لا،
ومن مسائل الاستحقاق ما في جامع الفصولين لو
استحق بالبينة فطلب ثمنه من بائعه فقال المبيع
لي، وشهدا بزور فقال المشتري أنا أشهد بذلك،
وأنهما شهدا بزور فللمشتري أن يرجع بثمنه على
بائعه مع هذا الإقرار إذ المبيع لم يسلم له
فلا يحل ثمنه للبائع ثم قال المرجوع عليه عند
الاستحقاق لو أقر بالاستحقاق، ومع ذلك برهن
الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على
بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار لأنه
محتاج إلى أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه
الرجوع على بائعه، وفيه لو برهن المدعي ثم أقر
المدعى عليه بالملك يقضى له بإقرار لا ببينة
إذ البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر،
وفيه اختلاف المشايخ فقيل يقضى بالإقرار، وقيل
بالبينة، والأول أظهر، وأقرب إلى الصواب ا هـ.
ج / 6 ص -207-
والتناقض يمنع دعوى الملك
______
وأورد على أن الإقرار قاصر على المقر مسألتان
الأولى إذا أراد الزوج أن يسافر بامرأته فأقرت
بدين لإنسان فإنه يمنعها من السفر الثانية إذا
أقر الآجر بدين يصح، وتنفسخ الإجارة، ولم
يقتصر الإقرار على المقر. والجواب أن هذا
الإقرار، وإن كان على الغير لكنه من ضرورات
الإقرار لأنه صادف خالص حق المقر، وهو الذمة
ثم لزم منه إتلاف حق الغير بالضرورة، ولأن
المرأة، والآجر يقدران على الإنشاء
بالاستقراض، وهذا قول أبي حنيفة، وعندهما لا
يصدق المؤجر في حق المستأجر، ولا تنتقض
الإجارة، ولا تصدق المرأة في حق الزوج حتى لا
يكون للمقر له حبسها وملازمتها، ولا يبطل حق
الزوج في نقلها كذا ذكره العتابي1 في شرح
الزيادات، وذكر قبله أصلا لأبي حنيفة فقال أصل
الباب أن إقرار الإنسان على غيره لا يصح، وذلك
بأن يتضمن إقراره بطلان حق الغير بحيث يضاف
البطلان إلى إقراره ففي مسألة الإجارة إنما
يصح إقراره لأنه تصرف في ذمة نفسه بالتزام
الدين ثم تعدى إلى حق الغير، وهو المستأجر،
وحقه إنما يبطل بعد الإقرار بالبيع والتنفيذ
فلا يضاف البطلان إلى إقرار الآجر فلا يكون
إقرارا على الغير، وكذا في مسألة المرأة ا هـ.
ومن مسائل اقتصار الإقرار مسألة في الذخيرة من
الفصل الثالث والعشرين من المتفرقات قبيل
الصرف ذكر في الباب الأول من شهادات الجامع
شهدا على رجل بعتق عبد فردت لتهمة فوكل المولى
أحدهما ببيعه فباعه من الشاهد الآخر صح البيع
لأن قولهما لم ينفذ في حق المالك، والمتعاقدان
وإن تصادقا على فساد البيع لكن قولهما ليس
بحجة على غيرهما، وعتق العبد لإقرار المشتري
بحريته، وولاؤه موقوف، وبرئ المشتري عن الثمن
في قياس قولهما، ولا يبرأ في قياس قول أبي
يوسف بناء على إبراء الوكيل بالبيع عن الثمن،
وضمنه الوكيل عندهما، وليس للوكيل حق استيفاء
الثمن عند أبي يوسف إنما يستوفيه الموكل بخلاف
الوكيل بالبيع إذا أبرأ عن الثمن حتى لم يصح
الإبراء عنده فللوكيل استيفاؤه، وإن باع
الوكيل العبد من غير صاحبه جاز، ولا عتق ولا
براءة، وتمامها فيها.
"قوله:
والتناقض يمنع دعوى الملك"
لأن القاضي لا يمكنه أن يحكم بالكلام المتناقض
إذ أحدهما ليس بأولى من الآخر فسقطا، وهذا أصل
لفروع كثيرة مذكورة في الدعوى، ولا بأس بإيراد
نبذة منها فمن ذلك ما في الظهيرية رجل ادعى
على رجل مقدارا معلوما بأنه دين له عليه،
وأنكره المدعى عليه ثم ادعى أن ذلك المقدار
عنده من جهة الشركة فإنه لا تسمع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو لأبي القاسم أحمد بن محمد بن عمر العتابي
المتوفى سنة ست وثمانين وخمسمائة هـ شرح
الزيادات في فروع الحنفية للإمام محمد بن
الحسن وهو شرح موجز ومختصر ا هـ. "كشف الظنون"
(2/963).
ج / 6 ص -208-
...........................................
______
دعواه لأنه متناقض في كلامه، ولو كان الأمر
بالعكس تسمع لإمكان التوفيق لأن مال الشركة
يجوز أن يكون دينا بالجحود، والدين لا يصير
مال الشركة، ومنها ما ذكره فيها أيضا رجل ادعى
على آخر أنه أخوه، وادعى عليه النفقة فقال
المدعى عليه ليس هو بأخي ثم مات المدعي، وخلف
أموالا كثيرة فجاء المدعى عليه يطلب ميراثه،
وقال هو أخي لا تقبل ولا يقضى له بالميراث
لأنه متناقض، ولو كان مكان دعوى الأخوة دعوى
البنوة أو الأبوة، والمسألة بحالها يقبل ذلك
منه، ويقضى له بالميراث، ومنها ما ذكره فيها
ادعى عينا في يد إنسان أنها لفلان وكلني
بالخصومة فيها ثم ادعى أنها له، وأقام البينة
على ذلك يصير متناقضا فلا تقبل بينته، ولو
ادعى أنها له ثم ادعى بعد ذلك أنه لفلان وكله
بالخصومة فيه، وأقام البينة على ذلك قبلت
بينته، ولا يصير متناقضا ا هـ.
ومنها ما في البزازية ادعى شراء دار من أبيه
فقبل أن يزكي شهوده برهن على أنه ورثها من
أبيه تقبل لوضوح التوفيق لأنه يقول جحدني
الشراء فملكت بالإرث، وعلى العكس لا، ومنها ما
فيها أيضا ادعى الصدقة منه منذ سنة ثم ادعى
الشراء منه منذ شهر، وبرهن لا تقبل إلا إذا
وفق كما مر، ومنها ما فيها لو ادعى أولا الوقف
ثم لنفسه لا تسمع كما لو ادعاها لغيره ثم
لنفسه، ولو ادعى أنها له ثم ادعى أنها وقف
عليه تسمع لصحة الإضافة بالأخصية انتفاعا كما
لو ادعاها لنفسه ثم لغيره، ومنها ما فيها أيضا
ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة ثم ادعى أنه
لفلان آخر، وكله بالخصومة لا تقبل إذ الوكيل
بالخصومة في عين من جهة زيد مثلا لا يلي
إضافته إلى غيره إلا إذا وفق، وقال كان لفلان
الأول، وكان وكلني بالخصومة ثم باعه من
الثاني، ووكلني الثاني أيضا، والتدارك ممكن
بأن غاب عن المجلس ثم جاء بعد مدة، وبرهن على
ذلك على ما نص عليه الحصيري في الجامع دلنا
به أن الإمكان لا يكفي.
ومنها لو ادعى أنه وكيل عن فلان بالخصومة فيه
ثم ادعاه لنفسه لا يقبل لأن ما هو له لا يضيفه
إلى غيره في الخصومة، ولا يحكم له بالملك
بعدما أقر به لغيره، ولو برهن أولا لموكله
لعدم الشهادة به له إلا إذا وفق، وقال كان
لفلان وكلني بالخصومة ثم اشتريته منه، وبرهن
على ذلك الأمر الممكن بخلاف ما إذا ادعاه
لنفسه ثم ادعى أنه وكيل لفلان بالخصومة لعدم
المنافاة فإن الوكيل بالخصومة قد يضيف إلى
نفسه بكون المطالبة له. ومنها ما في الأجناس
الصغرى ادعى محدودا بشراء أو إرث ثم ادعاه
ملكا مطلقا لا تسمع إذا كانت الدعوى الأولى
عند القاضي فأما إذا لم تكن عند القاضي فهذا
والأول سواء، وهذا على الرواية التي ذكروا أن
التناقض إنما يتحقق إذا كان كلا الدعوتين عند
القاضي فأما من اشترط أن يكون الثاني عند
القاضي يكفي في تحقق التناقض كون الثاني عند
الحاكم، وفيها أيضا، والتناقض كما يمنع
ج / 6 ص -209-
لا
الحرية، والنسب والطلاق
______
الدعوى لنفسه يمنع الدعوى لغيره، والتناقض
يرتفع بتصديق الخصم، وبتكذيب الحاكم أيضا، وهو
معنى قولهم المقر إذا صار مكذبا شرعا بطل
إقراره، وفيها الإيداع والاستعارة،
والاستئجار، والاستيهاب إقرار بأن العين لذي
اليد فلا تسمع دعواه بأنها له وطلب نكاح الأمة
مانع من دعوى تملكها وطلب نكاح الحرة مانع من
دعوى نكاحها. ا هـ.
وذكر الاختلاف في أن إمكان التوفيق يكفي لدفع
التناقض أو التوفيق بالفعل ذكرهما في الخلاصة،
وفي البزازية معزيا إلى الخجندي أنه اختار أن
التناقض إن كان من المدعي لا بد من التوفيق
بالفعل، ولا يكفي الإمكان، وإن كان من المدعى
عليه يكفي الإمكان لأن الظاهر عند الإمكان
وجوده ووقوعه، والظاهر حجة في الدفع لا في
الاستحقاق، والمدعي مستحق، والمدعى عليه دافع،
والظاهر يكفي في الدفع لا في الاستحقاق، ويقال
أيضا إن تعدد الوجوه لا يكفي الإمكان، وإن
اتحد يكفي الإمكان. ا هـ. وسيأتي لهذا مزيد إن
شاء الله تعالى في مسائل شتى من كتاب القضاء
عند قول المصنف ما كان لك علي شيء قط ثم ادعى
الإيفاء أو الإبراء، وفي كتاب الدعوى إن شاء
الله تعالى،
والتناقض في اللغة كما في المصباح التدافع
يقال تناقض الكلامان تدافعا كأن كل واحد نقض
الآخر، وفي كلامه تناقض إذا كان بعضه يقتضي
إبطال بعض. ا هـ.
وفي الصحاح، والمناقضة في القول أن يتكلم بما
يتناقض معناه. ا هـ.
وأما في المنطق فقال في الشمسية1 من الفصل
الثالث في أحكام القضايا، وحدوا التناقض بأنه
اختلاف قضيتين بالسلب والإيجاب بحيث يقتضي
لذاته أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة
فلا يتحقق في المخصوصتين إلا عند اتحاد
الموضوع، ويندرج فيه وحدة الشرط والجزاء لكل،
وعند اتحاد المحمول، ويندرج فيه وحدة الزمان
والمكان والإضافة والقوة والفعل والمحصورتين،
ولا بد مع ذلك من الاختلاف بالكمية لصدق
الجزئيين وكذب الكليتين في كل مادة يكون
الموضوع فيها أعم، ولا بد من الاختلاف بالجهة
في الكل لصدق الممكنتين وكذب الضروريتين في
مادة الإمكان. ا هـ. وتوضيحه في شرحها للقطب،
والظاهر أن مراد الفقهاء به المعنى اللغوي لا
المنطقي كما لا يخفى.
"قوله:
لا الحرية، والنسب والطلاق"
لأن مبناها على الخفاء فيعذر في التناقض لأن
النسب يبتنى على العلوق والطلاق والحرية ينفرد
بها الزوج والمولى فتفرع على المسألة الأولى
ما في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي متن مختصر في المنطق لنجم الدين عمر بن
علي القزويني المعروف بالكاتبي المتوفى سنة
ثلاث وتسعين وستمائة هـ وعليها شروح كثيرة منه
شرح التفتازاني ا هـ. "كشف الظنون" (2/1063).
ج / 6 ص -210-
...........................................
______
المبسوط من باب الإقرار بالرق أن الأمة إذا
أقرت بالرق فباعها المقر له جاز فإن ادعت عتقا
بعد البيع، وأقامت البينة على عتق من البائع
أو على أنها حرة من الأصل قبلت بينتها
استحسانا، ولو باع عبدا، ودفعه إلى المشتري،
وقبض ثمنه، وقبضه المشتري، وذهب به إلى منزله،
والعبد ساكت، وهو ممن يعبر عن نفسه فهذا
إقرار منه بالرق لأنه إنقاد للبيع والتسليم،
ولا يثبت ذلك شرعا إلا في الرقيق فلا يصدق في
دعوى الحرية بعد ذلك لأنه يسعى في نقض ما تم
من جهته إلا أن تقوم له بينة على ذلك فحينئذ
تقبل، والتناقض لا يمنع من ذلك، وكذا لو رهنه
أو دفعه بجناية كان إقرارا له بالرق بخلاف ما
لو أجره ثم قال أنا حر فالقول قوله لأن
الإجارة تصرف في منافعه لا في عينه، ومنافع
الحر تملك بالإجارة كالعبد فلا يكون إقرارا له
بالرق، والإجارة ليست بإقرار من الخادم بالرق،
وهو إقرار من المستأجر بأن العبد ليس له حتى
لو ادعاه بعدما استأجره لنفسه لا يصدق ا هـ.
وأطلق الحرية فشمل الأصلية والعارضة لخفاء حال
العلوق فإن الولد انجلب صغيرا من دار إلى دار،
وينفرد المولى بالإعتاق. ولهذا قلنا المكاتب
إذا أدى بدل الكتابة ثم ادعى تقدم إعتاقه على
الكتابة تقبل، ويؤدى بدل الكتابة كذا في
البزازية، وأما التناقض المعفو في النسب
فصورته لو باع عبدا ولد عنده، وباعه المشتري
من آخر ثم ادعاه البائع الأول أنه ابنه فتسمع
دعواه، ويبطل الشراء الأول والثاني لأن النسب
ينبني على العلوق فيخفى فيعذر في التناقض هكذا
صوره العيني في شرح الكنز، وظاهره أن النسب في
كلام المصنف خاص بالأصول والفروع، وأما تناقض
ما عداهم فإنه يمنع لما قدمناه من أنه إذا
أنكر أخوته عند طلب الإنفاق عليه فمات فادعى
بعده أنه أخوه طالبا ميراثه لم تسمع، ورجوعه
إلى التناقض في دعوى الملك لكونه لا يصح
الدعوى بأنه أخوه إلا إذا ادعى حقا، ولذا قال
في البزازية من العاشر في النسب والإرث من
كتاب الدعوى ادعى على آخر أنه أخوه لأبويه إن
ادعى إرثا أو نفقة، وبرهن تقبل، ويكون قضاء
على الغائب أيضا حتى لو حضر الأب، وأنكر لا
تقبل، ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأنه لا
يتوصل إليه إلا بإثبات الحق على الغائب، وإن
لم يدع مالا بل ادعى الأخوة المجردة لا تقبل
لأن هذا في الحقيقة إثبات البنوة على أبي
المدعى عليه والخصم فيه هو الأب لا الأخ. وكذا
لو ادعى أنه ابن ابنه أو أبو أبيه، والابن،
والأب غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالا فإن
ادعى مالا فالحكم على الحاضر والغائب جميعا
كما مر بخلاف ما إذا ادعى على رجل أنه أبوه أو
ابنه أو على امرأة أنها زوجته أو ادعت عليه
أنه زوجها أو ادعى العبد على عربي أنه مولاه
عتاقة أو ادعى عربي على آخر أنه معتقه أو ادعت
على رجل أنها أمته أو كان الدعوى في ولاء
الموالاة، وأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي
على ما قال تقبل ادعى به حقا أو لا بخلاف
ج / 6 ص -211-
...........................................
______
دعوى الأخوة لأنه دعوى الغير ألا ترى أنه لو
أقر أنه أبوه أو ابنه أو زوجه أو زوجته صح أو
بأنه أخوه لا لكونه حمل النسب على الغير،
وتمامه فيها، ولو قال هذا الولد ليس مني ثم
تلاعنا ثم قال مني يصدق لخفاء العلوق فاندفع
ما لو قال هذه الدار ليست لي ثم ادعاها كما مر
كذا فيها أيضا.
وفي جامع الفصولين قال لست وارثا ثم ادعى أنه
وارثه وبين الجهة تسمع لأن التناقض في النسب
معفو عنه. ا هـ. وعلى هذا أفتيت فيمن أقر أنه
ليس ابن فلان ثم ادعى أنه ابنه أنها تسمع أما
الطلاق فصوره العيني بما إذا اختلعت من زوجها
ثم أقامت بينة أنه كان طلقها ثلاثا قبل الخلع
فإنه تقبل بينتها، ولها أن تسترد بدل الخلع
وإن كانت متناقضة لاستقلال الزوج بإيقاع
الثلاث عليها من غير أن يكون لها علم بذلك،
وفي البزازية ادعت الطلاق فأنكر ثم مات لا
تملك مطالبة الميراث ا هـ. وليس المراد حصر ما
يعفى فيه التناقض بل المراد أن ما كان مبنيا
على الخفاء فإنه يعفى فيه التناقض.
فمن ذلك ما في الظهيرية اشترى دارا لابنه
الصغير من نفسه، وأشهد على ذلك شهودا فكبر
الابن، ولم يعلم بما صنع الأب ثم إن الأب باع
الدار من رجل، وسلمها إليه ثم إن الابن استأجر
الدار من المشتري ثم علم بما صنع الأب فادعى
الدار على المشتري، وقال إن أبي اشترى هذه
الدار لي من نفسه في صغري، وهي ملكي، وأقام
على ذلك بينة فقال المدعى عليه في دفع دعوى
المدعي إنك متناقض في هذه الدعوى لأن استئجارك
هذه الدار مني اعتراف منك أن الدار ليست لك
فدعواك الدار بعد ذلك يكون منك تناقضا قال
الصحيح أن هذا لا يصلح دفعا لدعوى المدعي، وإن
كان هذا تناقضا لأن هذا التناقض لا يمنع صحة
الدعوى لما فيه من الخفاء فإن الأب يستقل
بالشراء للصغير، ومن الصغير لنفسه، والابن لا
علم له بذلك ا هـ.
وفي البزازية معزيا إلى الصغرى اشترى ثوبا في
منديل ثم زعم أنه لم يعرفه قال تقبل، وفي
الذخيرة قيل لا يقبل في المسائل كلها، وفي
العيون قدم بلدة واشترى أو استأجر دارا ثم
ادعاها قائلا بأنها دار أبيه مات وتركها
ميراثا له وكان لم يعرفها وقت الاستلام لا
تقبل قال والقبول أصح،
وفي المنية اثنان اقتسما التركة ثم ادعى
أحدهما أن أباه كان جعل له هذا الشيء المعين
من الذي كان داخلا تحت القسمة إن قال إنه كان
في صغري تقبل، وإن مطلقا لا ذكر الوتار تولى
ولاية وقف أو تولى وصاية تركة بعد تبين كونها
تركة أو قسم تركة بين ورثة ثم ادعاه لنفسه لا
تسمع اشترى جارية في نقاب ثم ادعاها، وزعم أنه
لم يعلمها لا يقبل، ولو اشترى ثوبا
ج / 6 ص -212-
مبيعة
ولدت فاستحقت ببينة يتبعها ولدها، وإن أقر بها
لرجل لا
______
في منديل ثم ادعى أنه له لا يقبل قال محمد
النظر إلى ذلك الشيء إن كان مما يمكن أن يعرف
وقت المساومة كالجارية القائمة المتنقبة بين
يديه لا تقبل إلا إذا صدقه المدعى عليه في عدم
معرفته إياها فتقبل، وإن كان مما لا يعرف كثوب
في منديل أو جارية قاعدة على رأسها غطاء لا
يرى منها شيئا يقبل، ولأجل هذا الاختلاف
اختلفت أقاويل العلماء في القبول وعدمه في
المسائل ا هـ.
وفيها أيضا استأجر دابة من آخر ثم ادعى أنها
كانت له اشتراها له أبوه في صغره، وبرهن تقبل
لأن التناقض يعفى فيما يجري فيه الخفاء فإن
الأب ينفرد بالشراء للابن، ومن الابن. ا هـ.
ومما يعفى فيه التناقض ما في البزازية ادعى -
المالك على الغاصب قيمة العين لهلاكها ثم ادعى
أنها باقية، وبرهن تقبل لأنه موضع الخفاء ا
هـ.
ثم اعلم أن المتناقض الذي لا تسمع دعواه إذا
قال تركت أحد الكلامين فإنه يقبل منه قال في
البزازية معزيا إلى الذخيرة ادعاه مطلقا فدفعه
المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا، و
برهن عليه فقال المدعي ادعيته الآن بذلك
السبب، وتركت المطلق يقبل، ويبطل الدفع. ا هـ.
وفيها معزيا إلى المحيط ادعى على آخر عند غير
الحاكم بالشراء أو الإرث ثم ادعاه عند الحاكم
ملكا مطلقا إن ادعى الشراء من معروف لا تقبل،
وإن كان ادعاه من رجل مجهول أو قال من رجل ثم
المطلق عند الحاكم يقبل دلت المسألة أنه لا
يشترط في التناقض كون المتدافعين في مجلس
الحكم بل يكتفى بكون الثاني في مجلس الحكم ا
هـ.
"قوله:
مبيعة ولدت فاستحقت ببينة يتبعها ولدها، وإن
أقر بها لرجل لا" أي لا
يتبعها ولدها تفريع على القاعدة الأولى، وهي
التعدي، وعدمه، والمراد أنها ولدت من غير
مولاها، وفي الكافي ولدت لا باستيلاده ثم قيل
يدخل الولد في القضاء بالأم لأنه تبع لها
فيكتفي بها، وقيل يشترط القضاء بالولد، وهو
الأصح، وفي النهاية إنما لا يتبعها الولد في
الإقرار إذا لم يدعه المقر له أما إذا ادعاه
كان له لأن الظاهر أنه له، ولا خصوصية للولد
بل زوائد المبيع كلها على التفصيل، ولم يذكر
المصنف متى ينفسخ البيع إذا ظهر الاستحقاق،
وفيه أقوال قيل بقبض المستحق، وقيل بنفس
القضاء، والصحيح أنه لا ينفسخ ما لم يرجع
المشتري على بائعه بالثمن حتى لو أجاز المستحق
بعدما قضي له أو بعدما قبضه له قبل أن يرجع
المشتري على بائعه يصح، وقال شمس الأئمة
الحلواني في الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء
للمستحق لا يكون فسخا للبياعات ما لم يرجع كل
على بائعه بالقضاء، وفي ظاهر الروايات لا
ينفسخ ما لم يفسخ، وهو الأصح ا هـ. وتمامه في
فتح القدير،
ج / 6 ص -213-
وإن
قال عبد لمشتر اشترني فإني عبد فاشتراه فإذا
هو حر فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة
معروفة فلا شيء على العبد وإلا رجع المشتري
على العبد, والعبد على البائع
______
وفي البزازية من فصل الاستحقاق واستحقاق
الجارية بعد موت الولد لا يوجب على المشتري
شيئا كزوائد المغصوب. ا هـ. وفيها من التناقض
برهن على جارية أنها له فقضي له بها، وولدها
في يد المدعى عليه لم يعلم به الحاكم فبرهن
المدعي أنه ولدها يقضى به له أيضا فإن رجع
شهود الأم بعد ذلك يضمنون قيمة الأم والولد
لأن القضاء بالولد له بواسطة شهود الأم فإنهم
لو رجعوا بعد القضاء بالأم قبل الحكم بالولد
أو ارتدوا عن الإسلام أو فسقوا لا يحكم بالولد
له إلا أن يشهدوا بأنه ملك المدعي ولدته على
ملكه جاريته شهدا على رجل في يده جارية أنها
لهذا المدعي ثم غابوا أو ماتوا ولها ولد في يد
المدعى عليه يدعيه المدعى عليه أيضا أنه له،
وبرهن المدعى عليه على ذلك لا يلتفت الحاكم
إلى كلام المدعى عليه وبرهانه، ويقضى بالولد
للمدعي فإن حضر الشهود، وقالوا الولد كان
للمدعى عليه يقضى بضمان قيمة الولد على الشهود
كأنهم رجعوا فإن كان الشهود حضروا سألهم عن
الولد فإن قالوا إنه للمدعى عليه أو لا ندري
لمن الولد يقضى بالأم للمدعي، ولا يقضى بالولد
فهذا يؤيد ما ذكرنا أولا ا هـ.
"قوله:
وإن قال عبد لمشتر اشترني فإني عبد فاشتراه
فإذا هو حر فإن كان البائع حاضرا أو غائبا
غيبة معروفة فلا شيء على العبد"
تفريع على أن التناقض في دعوى الحرية معفو عنه
فإن هذا الشخص أقر أولا بالعبودية ثم ظهر بعد
ذلك أنه حر بدعواه فكان متناقضا لكنه معفو عنه
في دعوى الحرية فتقبل الشهادة, وحينئذ فلا يدل
وضعها على أنه لا يشترط الدعوى في الحرية
العارضة بل العارضة والأصلية سواء في أنه لا
بد من دعوى العبد عند أبي حنيفة, وهو قول
الجمهور, وهو الصحيح لأنها حق العبد, ولا
يمنعها التناقض كما ذكرنا, وإنما لم يلزم
العبد في هاتين الصورتين شيء لإمكان الرجوع
على البائع القابض.
"قوله:
وإلا رجع المشتري على العبد, والعبد على
البائع" أي وإن كان البائع
غائبا غيبة غير معروفة بأن لم يدر مكانه فإن
المشتري يرجع على من قال له اشترني فأنا عبد
بما دفع إلى البائع من الثمن ثم يرجع على من
باعه بما رجع المشتري به عليه إن قدر, وإنما
يرجع به على من باعه مع أنه لم يأمره بالضمان
عنه لأنه أدى دينه, وهو مضطر في أدائه بخلاف
من أدى عن آخر دينا أو حقا عليه بغير أمره,
وليس مضطرا فيه فإنه لا يرجع به, وإنما قيد
بالقيدين لأنه لو قال أنا عبد وقت المبيع, ولم
يأمره بشرائه أو قال اشترني, ولم يقل أنا عبد
لا رجوع عليه بشيء كذا في فتح القدير, وفي
العتابية من فصل الاستحقاق ما يخالفه فلينظر
ثمة.
ج / 6 ص -214-
بخلاف
الرهن
______
"قوله:
بخلاف الرهن" أي لو قال
ارتهني فأنا عبد فظهر حرا لم يرجع عليه بشيء
في الأحوال كلها، وهو ظاهر الرواية عنهم، وعن
أبي يوسف أنه لا يرجع في البيع والرهن لأن
الرجوع بالمعاوضة، وهي المبايعة أو بالكفالة
ولم يوجدا، والموجود هنا مجرد الإخبار كاذبا
فصار كما لو قال ذلك أجنبي، وكما لو قال
ارتهني فأنا عبد، ولهما أن المشتري شرع في
الشراء معتمدا على أمره وإقراره فكان مغرورا
من جهته، والتغرير في المعاوضات التي تقتضي
سلامة العوض يجعل سببا للضمان دفعا للغرر بقدر
الإمكان فكان بتغريره ضامنا لدرك الثمن له عند
تعذر رجوعه على البائع كالمولى إذا قال لأهل
السوق بايعوا عبدي فإني قد أذنت له ففعلوا ثم
ظهر أنه مستحق فإنهم يرجعون على المولى بقيمة
العبد، ويجعل المولى بذلك ضامنا لدرك ما ذاب
عليه دفعا للضرر عن الناس بخلاف الرهن فإنه
ليس عقد معاوضة بل عقد وثيقة للاستيفاء فلا
يجعل الآمر به ضامنا لأنه ليس تغريرا في عقد
معاوضة كما لو قال لسائل عن أمن الطريق اسلك
هذا الطريق فإنه آمن فسلكه فنهب ماله لم يضمن،
وكذا لو قال كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم
فأكله فمات غير أنه يستحق العقوبة عند الله
تعالى، وبخلاف الأجنبي لأنه لا يعبأ بقوله
لعدم اعتماده على قوله فلا يتحقق له الغرور،
وفي النهاية معزيا إلى شرح الجامع الصغير
لقاضي خان، وهذه المسألة دليل على أن العبد
إذا كفل بثمن نفسه عن البائع صحت الكفالة، وفي
الخانية المغرور يرجع بأحد أمرين إما بعقد
المعاوضة أو بقبض يكون للدافع كالوديعة
والإجارة إذا هلكت الوديعة أو العين المستأجرة
ثم جاء رجل، واستحق العين، وضمن المودع
والمستأجر فإن المودع والمستأجر يرجع على
الدافع بما ضمن، وكذا كل من كان بمعناهما، وفي
الإجارة والهبة لا يرجع على الدافع بما ضمن ا
هـ.
تتمة في الاستحقاق أقر المشتري بأن المبيع ملك
فلان وصدقه، أو ادعاه فلان وصدقه هو أو أنكر
فحلف، فنكل ليس له رجوع على البائع بخلاف
الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب فحلف، فنكل
يلزم الموكل لأن النكول من المضطر كالبينة،
وهو مضطر في النكول إذا لم يعلم عيبه ولا
سلامته، ولو برهن المشتري على أنه ملك فلان لا
تقبل لتناقضه بخلاف ما لو برهن على إقرار
البائع لعدمه، وبخلاف ما لو برهن على أنها حرة
الأصل، وهي تدعي ذلك أو أنها ملك فلان، وهو
أعتقها أو دبرها أو استولدها قبل شرائها حيث
يقبل، ويرجع بالثمن على البائع لأن التناقض في
دعوى الحرية وفروعها لا يمنع صحة الدعوى، ولو
باع عقارا ثم برهن أنه، وقف لا تقبل لأن مجرد
الوقف لا يزيل الملك بخلاف الإعتاق، ولو برهن
أنه وقف محكوم بلزومه قبل، ولو برهنت أمة في
يد المشتري أنها معتقة لفلان أو مدبرته أو أم
ولده يرجع الكل إلا من كان قبل فلان، ولو
اشترى شيئا، ولم يقبضه حتى ادعى آخر أنه له لا
تسمع دعواه حتى
ج / 6 ص -215-
...........................................
______
يحضر البائع والمشتري لأن الملك للمشتري واليد
للبائع، والمدعي يدعيهما فشرط القضاء عليهما
حضورهما، ولو قضي له بحضرتهما ثم برهن البائع
أو المشتري على أن المستحق باعها من البائع ثم
هو باعها من المشتري قبل، ولزم البيع لأنه
يقرر القضاء الأول، ولا ينقضه. ولو فسخ القاضي
البيع بطلب المشتري ثم برهن البائع أن المستحق
باعها منه يأخذها، وتبقى له، ولا يعود البيع
المنتقض، ولو قضي للمستحق بعد إثباته ثم برهن
البائع على بيع المستحق منه بعد الفسخ تبقى
الأمة للبائع عند أبي حنيفة، وليس له أن
يلزمها المشتري لنفوذ القضاء بالفسخ ظاهرا
وباطنا عنده، ولو استحقت من يد مشتر فبرهن
الذي قبله على بيع المستحق من بائع بائعه قبل
لأنه خصم، ولو برهن البائع الأول أن المستحق
أمره ببيعه، وهلك الثمن في يده تقبل، ولو
استهلك أو رده لا يقبل، ولو أقر عند الاستحقاق
بالاستحقاق، ومع ذلك أقام المستحق البينة،
وأثبت عليه الاستحقاق بالبينة كان له أن يرجع
على بائعه لأن القضاء وقع بالبينة لا بالإقرار
لأنه يحتاج إلى أن يثبت بها ليمكنه الرجوع على
بائعه، وذكر رشيد الدين أن المدعي لو أقام
بينة على دعواه ثم أقر المدعى عليه بالملك
فالقاضي يقضي بالإقرار لا بالبينة لأنها إنما
تقبل على المنكر لا المقر. وذكر في موضع آخر
اختلاف المشايخ قال والأظهر والأقرب إلى
الصواب أنه يقضى بالإقرار، وهو يناقض ما ذكره
في الاستحقاق إلا أن يخص تلك بعارض الحاجة إلى
الرجوع، وقصد القاضي إلى القضايا بإحدى
الحجتين بعينها، ولو رد البائع الثمن بعد
القضاء ثم ظهر فساد القضاء فليس للمشتري أن
يسترد المستحق من البائع لثبوت التقايل، ولو
لم يترادا، ولكن القاضي قضى للمستحق، وفسخ
البيع ثم ظهر فساد القضاء يظهر فساد الفسخ،
ولو أحب البائع أن يأمن غائلة الرد بالاستحقاق
فأبرأه المشتري من ضمان الاستحقاق بلا أرجع
بالثمن إن ظهر الاستحقاق فظهر كان له الرجوع،
ولا يعمل ما قاله لأن الإبراء لا يصح تعليقه
بالشرط قالوا والحيلة فيه أن يقر المشتري أن
بائعي قبل أن يبيعه مني اشتراه مني فإذا أقر
على هذا الوجه لا يرجع بعد الاستحقاق لأنه لو
رجع على بائعه فهو أيضا يرجع عليه بإقراره أنه
بائعه منه كذا في فتح القدير بتمامه.
وفي جامع الفصولين المشتري إذا زكى شهود
المستحق قال أبو يوسف اسأل عن الشاهدين فإن
عدلا رجع المشتري بالثمن على بائعه، وإلا
يقتصر على المشهود عليه، ولا يرجع بثمنه
كالإقرار ثم لو ادعى المشتري استحقاق المبيع
على بائعه ليرجع بثمنه فلا بد أن يفسر
الاستحقاق ويبين سببه فلو بينه فأنكر بائعه
البيع فبرهن عليه يقبل، ورجع بثمنه. وقيل
يشترط حضرة المبيع لسماع البينة، وقيل لا، وبه
أفتى "ظ"1 بل لو ذكر شبه العبد وصفته،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رمز من جامع الفصولين.
ج / 6 ص -216-
ومن
ادعى حقا في دار فصولح على مائة فاستحق بعضها
لا يرجع بشيء
______
وقدر ثمنه كفى، شراه عالما بأنه ليس لبائعه ثم
استحق رجع بثمنه وللمستحق عليه تحليف المستحق
بالله ما باعه، ولا وهبه، ولا تصدق به، ولا
خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، ولو شرى أرضا
فبنى أو زرع أو غرس فاستحق يرجع المشتري بثمنه
على بائعه، ويسلم بناءه، وزرعه، وشجره إليه
فيرجع بقيمتها مبنيا قائما يوم سلمها إليه فلو
بنى المشتري بناء قيمته عشرة آلاف مثلا، وسكن
فيه زمانا حتى خلف البناء، وتغير، وانهدم بعضه
ثم استحق يرجع على بائعه بقيمة البناء يوم
تسليمه، ولا ينظر إلى ما كان أنفق، وإنما يرجع
بقيمة ما يمكن نقضه، وتسليمه إلى البائع حتى
لا يرجع بقيمة جص وطين، ولو كان البائع غائبا،
والمستحق أخذ المشتري بهدم بنائه فقال المشتري
غرني بائعي، وهو غائب قال أبو حنيفة لا يلتفت
إلى قول المشتري فيؤمر بهدمه، وتدفع الدار إلى
المستحق فلو حضر البائع بعد هدمه لا يرجع
المشتري على البائع بقيمة بنائه، وإنما يرجع
عليه لو كان البناء قائما فسلمه إليه فهدمه،
وأخذ النقض، وأما لو هدمه فلا شيء على البائع،
وهذا بخلاف ما مر في شجر وجص على البائع قيمة
الشجر نابتا في الاستحقاق، وللمشتري الرجوع
على وكيل البائع بقيمة البناء قائما، وبقيمة
الولد للغرور، وإن عرف المشتري أن الدار لغير
البائع، ولم يدع البائع وكالة فبنى فاستحق لم
يكن مغرورا، ولو ادعى المشتري أن البناء له،
وقال البائع لي فالقول للبائع، وإذا رجع
المشتري على بائعه بالثمن، وقيمة البناء قال
أبو حنيفة لا يرجع البائع على بائعه إلا
بثمنه، وعندهما يرجع بهما ا هـ. وتمامه فيه،
وفي البزازية من الاستحقاق ظهرت المشتراة حرة،
ومات البائع لا عن وارث، وتركة، وبائع البائع
قائم نصب الحاكم عن البائع الثاني وصيا فيرجع
المشتري عليه، وهو يخاصم البائع الأول ا هـ.
"قوله:
ومن ادعى حقا في دار" أي
مجهولا
"فصولح
على مائة فاستحق بعضها لا يرجع بشيء"
لجواز أن يكون دعواه فيما بقي، وإن قل فما دام
في يده شيء لم يرجع قيد باستحقاق بعضها لأنها
لو استحق كلها رجع بما دفع للتيقن بأنه أخذ
عوضا عما لا يملكه فيرده ودل، وضع المسألة على
شيئين أحدهما أن الصلح عن المجهول جائز لأنه
لا يفضي إلى المنازعة، الثاني أن صحة الصلح لا
تتوقف على صحة الدعوى لصحته هنا دونها حتى لو
برهن لم يقبل إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه
به قيد بالمجهول لأنه لو ادعى قدرا معلوما
كربعها لم يرجع ما دام في يده ذلك المقدار،
وإن بقي أقل منه رجع بحساب ما استحق، وفي جامع
الفصولين شراه فبنى فاستحق نصفه ورد المشتري
ما بقي على البائع فله أن يرجع على بائعه
بثمنه، وبنصف قيمة البناء لأنه مغرور في
النصف، ولو استحق نصفه المعين فلو كان البناء
في ذلك النصف خاصة رجع بقيمة البناء أيضا، ولو
كان البناء
ج / 6 ص -217-
.................................
______
في النصف الذي لم يستحق فله أن يرد البناء،
ولا يرجع بشيء من قيمة البناء، ولو اشترى نصفه
متاعا فاستحق نصفه قبل القسمة فالمبيع نصفه
الباقي، ولو استحق بعد القسمة فالمبيع نصف
الباقي، وهو الربع سئل بعضهم عمن اشترى أرضا
فيها أشجار حتى دخلت بلا ذكر فاستحق الأشجار
هل لها حصة من الثمن قال لا كما في ثوب قن
وقنة وبرذعة حمار فإن ما يدخل تبعا لا حصة له
من الثمن إلى آخره، وثبت في بعض النسخ كما
شرح عليه العيني.
فصل في بيع الفضولي
ومن باع ملك غيره
فللمالك أن يفسخه، ويجيزه إن بقي العاقدان،
والمعقود عليه، وله، وبه لو عرضا.
______
فصل في بيع
الفضولي
ولم تكن ثابتة عند
الزيلعي فتركه، وهو نسبة إلى الفضولي جمع
الفضل أي الزيادة، وفي المغرب، وقد علمت جمعه
على ما لا خير فيه حتى قيل:
فضول بلا فضل وسن بلا سنا
وطول بلا طول وعرض بلا عرض
ثم قيل لمن يشتغل بما لا
يعنيه فضولي، وهو في اصطلاح الفقهاء من ليس
بوكيل، وبفتح الفاء خطأ. ا هـ. وقيل الفضولي
من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي كالأجنبي
يزوج أو يبيع، ولم يرد في النسبة إلى الواحد،
وإن كان هو القياس لأنه صار بالغلبة كالعلم
لهذا المعنى فصار كالأنصاري والأعرابي كذا في
النهاية، وفي فتح القدير غلب في الاشتغال بما
لا يعنيه، وما لا ولاية له فيه فقول بعض
الجهلة لمن يأمر بالمعروف فضولي يخشى عليه
الكفر ا هـ.
قوله "ومن باع ملك غيره فللمالك أن يفسخه،
ويجيزه إن بقي العاقدان، والمعقود عليه، وله،
وبه لو عرضا" يعني أنه صحيح موقوف على الإجازة
بالشرائط الأربعة، وعند الشافعي لا ينعقد لأنه
لم يصدر عن ولاية شرعية فيلغو لأنها ثبتت
بالملك أو بإذن المالك، وقد فقدا ولا انعقاد
إلا بالقدرة الشرعية، ولنا أنه تصرف تمليك،
وقد صدر من أهله العاقل البالغ في محله، وهو
المال المتقوم فوجب القول بانعقاده إذ لا ضرر
فيه مع تخيره بل فيه نفعه حيث يكفى مؤنة طلب
المشتري، وحقوق العقد فإنها لا ترجع إلى
المالك، وفيه نفع العاقد بصون كلامه عن
الإلغاء، وفيه نفع المشتري لأنه أقدم عليه
طائعا، ولولا النفع لما أقدم فتثبت القدرة
الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه كيف، وأن الإذن
ثابت دلالة لأن العاقل يأذن في التصرف النافع،
واستدل أصحابنا في كتبهم بحديث عروة البارقي
أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا
ليشتري به أضحية فاشترى شاتين فباع
ج / 6 ص -218-
.................................
ـــــــــــــــــــــ
إحداهما بدينار، وجاء بالشاة، والدينار إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بذلك فقال
عليه السلام:
"بارك
الله لك في صفقتك"1 ورواه
الترمذي عن عروة، وحكيم بن حزام كما بينه في
النهاية. وإنما شرط قيام المبيع، والمتعاقدين
لأن الإجارة تصرف في العقد فلا بد من قيامه،
وذلك بقيامها كما في الإنشاء، وإن كان الثمن
عرضا أي مما يتعين بالتعيين فلا بد من قيامه
أيضا لكونه مبيعا، وإنما اشترط قيام المعقود
له، وهو المالك لأن العقد توقف على إجازته فلا
ينفذ بإجازة غيره فلو مات المالك لم ينفذ
بإجازة الوارث بخلاف القسمة الموقوفة فإنها
تنفذ بإجازة الوارث عند الثاني كذا في
البزازية، ولو لم يعلم حال المبيع وقت الإجازة
من بقاء، وعدمه جاز البيع في قول أبي يوسف
أولا، وهو قول محمد لأن الأصل بقاؤه ثم رجع،
وقال لا يصح ما لم يعلم قيامه عندها لأن الشك
وقع في شرط الإجازة فلا يثبت مع الشك، وقيد
بالبيع لأن النكاح الموقوف لا يبطل بموت
العاقد، ولو تزوجت أمة بغير إذن مولاها ثم مات
المولى فإنه ينفذ بإجازة الوارث إذا لم يحل له
وطؤها، وإذا أجاز المالك البيع وكان الثمن
نقدا صار مملوكا له أمانة في يد الفضولي
بمنزلة الوكيل لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة
السابقة، ولو لم يجز المالك وهلك الثمن في يد
الفضولي اختلف المشايخ في رجوع المشتري عليه
بمثله، والأصح أن المشتري إن علم أنه فضولي
وقت الأداء لا رجوع له، وإلا رجع عليه كذا في
القنية. وصرح الشارح بأنه أمانة في يده فلا
ضمان عليه إذا هلك سواء هلك قبل الإجازة أو
بعدها، وإن كان الثمن عرضا كان مملوكا
للفضولي، وإجازة المالك إجازة نقد لا إجازة
عقد لأنه لما كان العوض متعينا كان شراء من
وجه، والشراء لا يتوقف بل ينفذ على المباشر إن
وجد نفاذا فيكون ملكا له، وبإجازة المالك لا
ينتقل إليه بل تأثير إجازته في النقد لا في
العقد ثم يجب على الفضولي مثل المبيع إن كان
مثليا، وإلا فقيمته إن كان قيميا لأنه لما صار
البدل له صار مشتريا لنفسه بمال الغير مستقرضا
له في ضمن الشراء فيجب عليه رده كما لو قضى
دينه بمال الغير، واستقراض غير المثلي جائز
ضمنا، وإن لم يجز قصدا ألا ترى أن الرجل إذا
تزوج امرأة على عبد الغير صح، ويجب قيمته
عليه، ولا يشترط قيام المبيع في مسألة من
مسائل الفضولي مذكورة في الخلاصة من اللقطة
قال: الملتقط إذا باع اللقطة بغير أمر القاضي
ثم جاء صاحبها بعدما هلكت العين إن شاء ضمن
البائع، وعند ذلك ينفذ البيع من جهة البائع في
ظاهر الرواية، وبه أخذ عامة المشايخ. ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في المناقب، باب (28) برقم
(3639). والترمذي في البيوع باب (34) برقم
(1258) وأبو داود في البيوع باب في المضارب
يخالف (3384).
ج / 6 ص -219-
...........................................
______
وهكذا قالوا في الملتقط إذا تصدق فهلكت العين
فأجاز المالك بعد الهلاك صحت، وقيد بالمالك في
قوله فللمالك أن يفسخه أو يجيزه لأن للفضولي
فسخه فقط حتى لو أجازه المالك لا ينفذ لزوال
العقد الموقوف، وإنما كان له ذلك ليدفع الحقوق
عن نفسه فإنه بعد الإجازة يصير كالوكيل فترجع
حقوق العقد إليه فيطالب بالتسليم، ويخاصم
بالعيب، وفي ذلك ضرر به فله دفعه عن نفسه قبل
ثبوته، وفي البزازية، وللمشتري فسخ البيع قبل
الإجازة تحرزا عن لزوم العقد بخلاف الفضولي في
النكاح ليس له أن يفسخ بالقول، ولا بالفعل
لأنه معبر محض فبالإجازة تنتقل العبارة إلى
المالك فتصير الحقوق منوطة به لا بالفضولي.
وفي النهاية أن الفضولي في النكاح يملك فسخه
بالفعل بأن زوج فضولي رجلا امرأة برضاها، وقبل
إجازته زوجه بأختها فإن ذلك يكون فسخا للنكاح
الأول، وفي فتاوى قاضي خان لا يكون فسخا،
ويتوقف الثاني أيضا ثم الإجازة لبيع الفضولي
تكون بالفعل وبالقول فمن الأول تسليم المبيع
إجازة، وكذا أخذه الثمن، ومن الثاني طلب
الثمن، وقوله أحسنت أو وفقت أو أصبت ليس
بإجازة، وكذا كفيتني مؤنة البيع أو أحسنت
فجزاك الله خيرا، وفي المنتقى لو قال بئس ما
صنعت كان إجازة كقبض الثمن، ولو وهب المالك
الثمن أو تصدق به على المشتري كان إجازة إن
كان المبيع قائما، والسكوت بعد العلم لا يكون
إجازة، ولو قال المالك أنا راض ما دمت حيا كان
إجازة بالأول، ولو قال أمسكها ما دمت حيا لا
لأن الإمساك لا يدل على الرضا.
وفي فروق الكرابيسي أسأت إجازة، ولو قال لا
أجيز يكون ردا للبيع بخلاف المستأجر إذا قال
لا أجيز بيع الآخر ثم أجازه جاز.
وفي نوادر هشام، ولو قال أجزت إن باع بمائة
درهم يجوز إن باع بأكثر، وإن باع بأقل لا
يجوز، ولو باع بألف دينار لا يجوز، وإنما ينظر
إلى النوع الذي وصفه كذا في البزازية، وفيها
وإذا أجاز المالك بيع الفضولي صار الفضولي
كالوكيل حتى صح حطه عن الثمن علم المالك
بالثمن أو لم يعلم، وأجاب صاحب الهداية أنه
إذا علم بالحط بعد الإجازة فله الخيار إن شاء
رضي به، وإن شاء فسخ. ا هـ. وأشار المصنف
باشتراط قيام المبيع أي باسمه، وحاله إلى أنه
لو أجازه بعد صبغ الثوب المشترى فإنه لا يجوز
ولو ولدت الأمة ثم أجاز المالك البيع يكون
الولد مع الأمة للمشتري، ولو انهدم الدار ثم
أجاز المالك البيع يصح لبقاء العرصة، ولم يذكر
المؤلف حكم تسليم المبيع من الفضولي فلو سلمه
فهلك فللمالك أن يضمن أيهما شاء فأيهما اختار
ضمانه برئ الآخر لأن في التضمين تمليكا منه
فإذا ملكه من أحدهما لا يمكن تمليكه من
ج / 6 ص -220-
...........................................
______
الآخر فإن اختار تضمين المشتري بطل البيع لأن
أخذ القيمة كأخذ العين، ويرجع المشتري على
البائع بالثمن لا بما ضمن، وإن اختار تضمين
البائع ينظر إن كان قبض البائع مضمونا عليه
نفذ بيعه بالضمان لأن سبب ملكه قد تم عقده،
وإن كان قبضه أمانة فإنما صار مضمونا عليه
بالتسليم بعد البيع فلا ينفذ بيعه بالضمان
لتأخر سبب ملكه عن العقد. وقد ذكر محمد في
ظاهر الرواية أنه يجوز البيع بتضمين البائع
ووجهه أنه سلم أولا ثم صار مضمونا عليه ثم
باعه فصار كالمغصوب كذا في البزازية، وقيد
بالبيع لأنه إذا اشترى لغيره كان ما اشتراه
لنفسه أجاز الذي اشتراه له أم لا، وإن لم يجد
نفاذا يتوقف على إجازة من المشتري له كالصبي
المحجور يشتري شيئا لغيره فيتوقف هذا إذا أضاف
العقد إلى نفسه أما إذا أضافه إلى غيره بأن
يقول بع هذا العبد لفلان فقال البائع بعته
لفلان يتوقف على إجازته، وأما إذا قال اشتريت
منك بكذا لأجل فلان فقال البائع بعت أو قال
البائع بعت منك لفلان فإنه يقع الشراء للمخاطب
لا لفلان، والصحيح أنه إذا أضيف العقد في أحد
الكلامين إلى فلان يتوقف على إجازة فلان، ولو
اشترى عبدا وأشهد أنه يشتريه لفلان، وقال فلان
رضيت فالعقد للمشتري لأنه إذا لم يكن وكيلا
بالشراء وقع الملك له فلا اعتبار بالإجازة بعد
ذلك، وهي تلحق العقد الموقوف لا النافذ فإن
دفع المشتري إليه العبد، وأخذ الثمن كان بيعا
بالتعاطي بينهما، ولو ظن المشتري والمشترى له
أن الملك وقع للمشترى له فسلمه له بعد قبض
ثمنه لا يسترد بلا رضا المشترى له، ويجعل كأنه
ولاه، وإن علما أن الشراء وقع للمشتري بعده،
وإن زعم المشترى له أن الشراء كان بأمره، ووقع
الملك له، والمشتري أنه كان بلا أمره، ووقع
الشراء للمشتري فالقول للمشترى له لأن الشراء
بإقراره وقع له كذا في البزازية.
وفي فروق الكرابيسي شراء الفضولي على أربعة
أوجه الأول أن يقول البائع بعت هذا لفلان
بكذا، والفضولي يقول اشتريت لفلان بكذا أو
قبلت، ولم يقل لفلان فهذا يتوقف، الثاني أن
يقول البائع بعت من فلان بكذا، والمشتري يقول
اشتريته لأجله أو قبلت يتوقف، الثالث أن يقول
البائع بعت هذا منك بكذا فقال اشتريت أو قبلت،
ونوى أن يكون لفلان فإنه ينفذ على المشتري،
الرابع لو قال اشتريت لفلان بكذا، والبائع
يقول بعت منك بطل العقد في أصح الروايتين،
والفرق أنه خاطب المشتري، والمشتري يسترد
لغيره فلا يكون جوابا فكان شطر العقد بخلاف
الفصلين الأولين إذ العقد أضيف إلى فلان في
الكلامين، وبخلاف الفصل الثالث لأنه وجد نفاذا
على العاقد، وقد أضيف العقد إليه. ا هـ.
وأشار المؤلف بثبوت الفسخ والإجازة للمالك إلى
أن الفضولي لو شرط الخيار للمالك فإن العقد
يبطل، ولا يتوقف لأن الخيار له بدون الشرط
فيكون الشرط له مبطلا كذا في فروق
ج / 6 ص -221-
وصح
عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه لا بيعه
______
الكرابيسي، وقيد ببيع ملك الغير لأنه لو باع
ملك نفسه مشغولا بحق الغير كالرهن إذا باعه
الراهن، والعين المؤجرة إذا باعها المؤجر
يتوقف العقد على إجازة المرتهن، والمستأجر
فيملكانها دون الفسخ على الصحيح كما سيأتي،
وفرق بينهما الكرابيسي فجعل للمرتهن الإجازة
والفسخ دون المستأجر فلا يملكه فارقا بأن
المستأجر حقه في المنفعة. ولذا لو هلكت العين
لا يسقط دينه، وفي الرهن يسقط، وهو استيفاء
حكمي، وتفرع على الفرق ما لو تعدد بيع المؤجر
فأجاز المستأجر الثاني نفذ الأول، ولو تعدد
بيع الرهن فأجاز المرتهن الثاني نفذ لا الأول.
ا هـ.
ولو قال المصنف رحمه الله تعالى باع ملك غيره
لمالكه لكان أولى لأنه لو باعه لنفسه لم ينعقد
أصلا كما في البدائع، ولا بد أن يقول بغير
إذنه ليكون فضوليا، ولو تعدد تصرف الفضولي
كأمة باعها فضولي من رجل، وزوجها منه آخر
فأجيزا معا يثبت الأقوى فتصير مملوكة لا زوجة،
ولو زوجاها كل من رجل فأجيزا بطلا، ولو باعها
كل من رجل فأجيزا تتنصف بينهما، ويخير كل
منهما بين أخذ النصف أو الترك، ولو باعه
فضولي، وأجره آخر أو رهنه أو زوجه فأجيزا معا
ثبت الأقوى فيجوز البيع، ويبطل غيره لأن البيع
أقوى. وكذا تثبت الهبة إذا وهبه فضولي، وآجره
آخر، وكل من العتق، والكتابة والتدبير أحق من
غيرها لأنها لازمة بخلاف غيرها، والإجارة أحق
من الرهن لإفادتها ملك المنفعة بخلاف الرهن،
والبيع أحق من الهبة لأن الهبة تبطل بالشيوع
ففيما لا تبطل بالشيوع كهبة فضولي عبدا، وبيع
آخر إياه يستويان لأن الهبة مع القبض تساوي
البيع في إفادة الملك، وهبة المشاع فيما لا
يقسم صحيحة فيأخذ كل النصف، ولو تبايع غاصبا
عرضي لرجل واحد فأجاز المالك لم يجز لأن
فائدة البيع بثبوت الملك في الرقبة والتصرف،
وهما حاصلان للمالك في البدلين بدون هذا العقد
فلم ينعقد فلم يلحقه إجازة، ولو غصبا من
رجلين، وتبايعا، وأجاز المالك جاز، ولو غصبا
النقدين من واحد، وعقدا الصرف، وتقابضا ثم
أجاز جاز لأن النقود لا تتعين في المعاوضات،
وعلى كل واحد من الغاصبين مثل ما غصب كذا في
فتح القدير من آخر الباب.
وأما وصية الفضولي كما إذا أوصى بألف من مال
غيره أو بعين من ماله فأجاز المالك فهو مخير
إن شاء سلمها، وإن شاء لم يسلم كالهبة كذا في
القنية من الوصايا، وبه علم حكم هبة الفضولي،
وسيأتي في الصلح بيان صلح الفضولي، والظاهر من
فروعهم أن كل ما صح التوكيل به فإنه إذا باشره
الفضولي يتوقف إلا الشراء بشرطه السابق.
"قوله:
وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه لا بيعه"
وهذا عندهما، وقال محمد لا
ج / 6 ص -222-
...........................................
______
يجوز عتقه أيضا لأنه لم يملكه، وفي الحديث
"لا عتق لابن آدم فيما لا يملك"1، وهذا لأن عقد الفضولي موقوف، وهو لا يفيده لعدم النفاذ، وثبوته
عند الإجازة استنادا فهو ثابت من وجه زائل من
وجه فلا يصلح شرطا للإعتاق، وهو الملك الكامل
لإطلاقه في الحديث، وهو للكامل، ولذا لو أعتقه
الغاصب ثم أدى الضمان لم يصح العتق مع أن
الملك الثابت له بالضمان أقوى من الملك الثابت
للمشتري حتى ينفذ بيع الغاصب بأداء الضمان،
ولا ينفذ بيع المشتري بإجازة المالك الأول،
وكذا لو أعتقه المشتري، والخيار للبائع ثم
أجاز البيع لا ينفذ عتقه، وكذا إذا قبض
المشتري من الغاصب ثم باعه ثم أجاز المالك
البيع الأول لم ينفذ البيع الثاني مع أن البيع
أسرع نفاذا من العتق حتى صح بيع المكاتب
والمأذون دون عتقهما ولذا لو باع الغاصب
المغصوب ثم أدى الضمان نفذ بيعه، ولو أعتقه ثم
أدى الضمان لم ينفذ. وكذا لو باعه الغاصب
فأعتقه المشتري منه ثم أدى الغاصب الضمان صح
بيع الغاصب، وبطل عتقه، ولهما أن الملك موقوف
فيه فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه، وينفذ بنفاذه
كإعتاق المشتري من الراهن يتوقف، وينفذ بإجازة
المرتهن، وإعتاق المشتري من الوارث حال
استغراق التركة بالدين فأجاز الغرماء البيع،
وإعتاق الوارث عبدا من التركة، وهي مستغرقة به
فقضى الدين أو أبرأ الغرماء فإنه ينفذ، وهذا
لأن العتق من حقوق الملك، والشيء إذا توقف
توقف بحقوقه، وإذا نفذ نفذ بحقوقه بخلاف إعتاق
الغاصب نفسه لأنه لم يوضع للملك، وإنما يملكه
ضرورة أداء الضمان فلم يكن مثبتا له للحال،
ولا سببا له، ولذا لا يتعدى إلى الزوائد بخلاف
الملك في بيع الفضولي فإنه يتعدى إلى الزوائد
المتصلة والمنفصلة، وبخلاف ما إذا كان فيه
خيار البائع لأنه ليس بمطلق، والكلام فيه، وهو
مانع من انعقاده في الحكم أصلا فلم يوجد الملك
فيه قيد بعتق المشتري لأن عتق الغاصب لا ينفذ
بأداء الضمان لما بيناه.
وقيد بإجازة بيعه لأنه لا ينفذ بأداء الضمان
من الغاصب، ولكن يرد عليه أن المشتري إذا أدى
الضمان ينفذ على الصحيح لأن ملك المشتري ثبت
مطلقا بسبب مطلق، وهو الشراء بخلاف الغاصب
لأنه سبب ضروري فكان الملك فيه ناقصا هكذا ذكر
الشارح فقد فرق بين أداء الغاصب الضمان وبين
أداء المشتري منه.
وصرح في الهداية بأن عتق المشتري ينفذ بأداء
الضمان من الغاصب، وهو الأصح فلا فرق بين أداء
الضمان من الغاصب أو من المشترى منه، وجرى على
ذلك في البناية فلو قال المؤلف بإجازة بيعه أو
أداء الضمان لكان أولى، وكذا لو قال وصح عتق
مشتر من فضولي لكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه في (4 /5).
ج / 6 ص -223-
...........................................
______
أولى لأنه لا يشترط أن يكون غاصبا لأنه لو لم
يسلم المبيع فالحكم كذلك، ولعله إنما ذكره
لأجل البيع لأن بيع العبد قبل قبضه فاسد، وفي
فتح القدير وهذه من المسائل التي جرت المحاورة
بين أبي يوسف ومحمد حين عرض عليه هذا الكتاب
فقال أبو يوسف ما رويت لك عن أبي حنيفة أن
العتق جائز، وإنما رويت أن العتق باطل، وقال
محمد بل رويت لي أن العتق جائز، وإثبات مذهب
أبي حنيفة في صحة العتق بهذا لا يجوز لتكذيب
الأصل الفرع صريحا، وأقل ما هنا أن يكون في
المسألة روايتان عن أبي حنيفة قال الحاكم
الشهيد قال أبو سليمان هذه رواية محمد عن أبي
يوسف، ونحن سمعنا من أبي يوسف أنه لا يجوز
عتقه. ا هـ.
وأما بيع المشتري من الغاصب فإنما لا يصح
لبطلان عقده بالإجازة فإن بها يثبت الملك
للمشتري باتا، والملك البات إذا ورد على
الموقوف أبطله. وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو
تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل
الملك الموقوف لأنه لا يتصور اجتماع البات
والموقوف في محل واحد على وجه يطرأ فيه البات،
وإلا فقد كان ملك بات، وعرض معه الملك الموقوف
كذا في فتح القدير،
وقيد بالعتق لأن في التفويض من الفضولي للمرأة
إذا جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها ثم أجاز
الزوج لم تطلق، وإنما ثبت التفويض الآن فإن
طلقت نفسها الآن طلقت، وإلا فلا، والأصل في
تصرف الفضولي أن كل تصرف جعل شرعا سببا لحكم
إذا وجد من غير ولاية شرعية لم يستعقب حكمه،
ويتوقف إن كان مما يصح تعليقه جعل معلقا، وإلا
احتجنا أن نجعله سببا للحال متأخرا حكمه إن
أمكن فالبيع ليس مما يتعلق فيجعل سببا في
الحال فإذا زال المانع من ثبوت حكم الإجازة
ظهر أثره من وقت وجوده، ولذا ملك الزوائد،
وأما التفويض فاحتمل التعليق فجعلنا الموجود
من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت
التفويض للحال لا مستندا فلا يثبت حكمه إلا من
وقت الإجازة، وأما النكاح فلا يتعلق، ولا يمكن
أن يعتبر في حال التوقف سببا لمطلق الطلاق بل
لملك المتعة المستعقب له،
ثم اعلم أن ظاهر قولهم إذا طرأ ملك بات على
ملك موقوف أبطله أن بيع المشتري من الغاصب
ينعقد موقوفا، وإنما يبطل بطرو الملك البات
بإجازة بيع الغاصب. وقد قال في النهاية إنه لم
ينعقد أصلا لتجرده عرضة للانفساخ، وقد يقال
فائدته لو أجاز المالك بيع المشتري من الغاصب
لا بيع الغاصب ينبغي أن يصح بخلاف ما إذا أجاز
بيع الغاصب، وجوابه أن بيع المشتري لم ينعقد
أصلا لما قدمناه عن البدائع أن الفضولي إذا
باع ملك غيره لنفسه لم ينعقد، وإنما ينعقد إذا
باعه لمالكه، وهنا باعه المشتري لنفسه فالظاهر
ما في النهاية، ولذا قال
ج / 6 ص -224-
ولو
قطعت يده عند المشتري فأجيز فأرشه لمشتريه
وتصدق بما زاد على نصف الثمن ولو باع عبد غيره
بغير أمره فبرهن المشتري على إقرار البائع أو
رب العبد على أنه لم يأمره بالبيع، وأراد
المبيع لم تقبل.
______
في المعراج إن المشتري من الغاصب إذا باع لا
يتوقف ملكه لأن فائدة التوقف النفاذ ففي كل
صورة لا يتحقق النفاذ لا يتوقف كبيع الحر.
وأورد على الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى
الضمان فإنه ينفذ بيعه مع أنه طرأ ملك بات،
وهو ملك الغاصب بأداء الضمان على ملك المشتري
الموقوف، وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري ضرورة
أداء الضمان فلم يظهر في إبطال ملك المشتري.
"قوله:
ولو قطعت يده عند المشتري فأجيز فأرشه لمشتريه"
لأن الملك ثبت له من وقت الشراء لما قدمناه
فتبين أن القطع ورد على ملكه، وعلى هذا كل ما
يحدث في المبيع من كسب أو ولد أو عقر قبل
الإجازة فهو للمشتري، وهذه حجة على محمد،
والعذر له أن الملك من وجه يكفي لاستحقاق
الزوائد كالمكاتب إذا قطعت يده فأخذ الأرش ثم
رد في الرق يكون الأرش للمولى، وكذا إذا قطعت
يد المبيع، والخيار للبائع فأجاز البيع يكون
الأرش للمشتري بخلاف الإعتاق لافتقاره إلى
كمال الملك قيد بالمشتري لأن يده لو قطعت عند
الغاصب ثم ضمن قيمته لا يكون الأرش له لأن
الغصب ليس بسبب موضوع للملك، ولو أعتقه
المشتري من الغاصب فقطعت يده ثم أجيز البيع
فالأرش للعبد كذا في فتح القدير، وقطع اليد
مثال، والمراد أرش جراحته للمشتري.
"قوله:
وتصدق بما زاد على نصف الثمن"
لأن فيه شبهة عدم الملك لأنه غير موجود حقيقة
وقت القطع، وأرش اليد الواحدة في الحر نصف
الدية، وفي العبد نصف القيمة، والذي دخل في
ضمانه هو الذي كان في مقابلة الثمن ففيما زاد
على نصف الثمن شبهة عدم الملك، وأراد وجوب
التصدق بالزائد كما هو ظاهر ما في فتح القدير،
وقيد بما زاد لأنه لا يتصدق بالكل، وإن كان
فيه شبهة عدم الملك لكونه مضمونا عليه بخلاف
ما زاد، ووزع في الكافي فقال إن لم يكن مقبوضا
ففيما زاد ربح ما لم يضمن، وإن كان مقبوضا
ففيه شبهة عدم الملك.
"قوله:
ولو باع عبد غيره بغير أمره فبرهن المشتري على
إقرار البائع أو رب العبد على أنه لم يأمره
بالبيع، وأراد المبيع لم تقبل"
أي بينته لبطلان دعواه بالتناقض إذ إقدامهما
على العقد، وهما عاقلان اعتراف منهما بصحته
ونفاذه، والبينة لا تبتنى إلا على دعوى صحيحة
فإذا بطلت الدعوى لا تقبل، وقوله بغير أمره
زائد، وإن وقع في الجامع الصغير لأنه ليس من
صورة المسألة، ولا يشكل هذا بما ذكره في
الزيادات أن المبيع إذا ادعاه رجل فصدقه
ج / 6 ص -225-
...........................................
______
المشتري فدفع إليه ثم برهن على إقرار البائع
بأن العبد للمستحق يريد بذلك الرجوع بالثمن
تقبل بينته لأن العبد في يد المشتري هنا،
وهناك في يد المستحق، وشرط الرجوع بالثمن أن
لا تكون العين سالمة للمشتري فلذلك لم يرجع
هنا، ورجع هناك، وقيل اختلف الجواب لاختلاف
الوضع فموضوع ما ذكر هنا فيما إذا أقام البينة
على أن البائع أقر قبل البيع بأن المبيع
للمستحق، وإقدامه على الشراء ينفي ذلك فيكون
مناقضا، وموضوع ما ذكر في الزيادات فيما إذا
برهن أن البائع أقر بعد البيع أنه للمستحق فلا
تناقض، وهذا هو الأوجه فإن في مسألة الزيادات
العين في يد المشتري أيضا كما في غاية البيان.
وأشار المصنف رحمه الله تعالى بعدم قبول
البينة إلى عدم قبول قوله لو لم يكن له بينة
فلو ادعى البائع بعد البيع أن صاحبه لم يأمره
ببيعه، وقال المشتري أمرك أو ادعى المشتري عدم
الأمر فادعى البائع الأمر فالقول لمن يدعي
الأمر لأن الآخر متناقض، وليس له أن يستحلفه
لأن الاستحلاف يترتب على الدعوى الصحيحة لا
الباطلة. واعترض في البناية قولهم أنه متناقض
فلا تسمع دعواه ولا بينته بأن التوفيق ممكن
لجواز أن يكون المشتري أقدم على الشراء، ولم
يعلم بإقرار البائع بعدم الأمر ثم ظهر له ذلك
بأن قال عدول سمعناه قبل البيع أقر بذلك،
ويشهدون به، ومثل ذلك ليس بمانع، وهذا الموضع
موضع تأمل. ا هـ. قلت: لا اعتراض ولا تأمل
لأنه، وإن أمكن التوفيق لم تقبل لكونه ساعيا
في نقض ما تم من جهته، وكل من سعى في نقض ما
تم من جهته فسعيه مردود عليه فقولهم إن إمكان
التوفيق يدفع التناقض على أحد القولين مقيد
بما إذا لم يكن ساعيا في نقض ما تم من جهته،
والتقييد بدعوى المشتري مثال لأن البائع لو
ادعى إقرار المشتري بأن المالك لم يأمره لم
يقبل أيضا.
قال في الخلاصة، والبزازية عبد معروف لرجل في
يد آخر باعه رجل قال البائع بعت بلا أمر
المالك، وبرهن على إقرار المشتري أنه باعه
بغير أمر المالك لا يقبل للتناقض، ولا يملك
تحليف المالك، وكذا لو ادعى المشتري أيضا فساد
العقد دون البائع، وأصله أن من سعى في نقض ما
تم من جهته لا يقبل إلا في موضعين اشترى عبدا
وقبضه ثم ادعى أن البائع باعه قبله من فلان
الغائب بكذا، وبرهن يقبل، الثاني وهب جاريته،
واستولدها الموهوب له ثم ادعى الواهب أنه كان
دبرها أو استولدها، وبرهن تقبل، ويستردها،
والعقر ا هـ. وعللوه في الثانية بأنه تناقض
فيما هو من حقوق الحرية كالتدبير والاستيلاد،
والتناقض فيه لا يمنع صحة الدعوى قال في فتح
القدير، وعندي أن هذا غير صحيح لأنه إنما قبل
في الحرية للخفاء، ولا خفاء في التدبير
والاستيلاد لأنه لا يخفى على الفاعل فعل نفسه
فيجب أن لا يقبل تناقضه، ولا يحكم ببينته. ا
هـ.
ج / 6 ص -226-
وإن
أقر البائع عند القاضي بأن رب العبد لم يأمره
بالبيع بطل البيع إن طلب المشتري ذلك.
______
والجواب أنه إنما قبل، وإن كان متناقضا حملا
على أنه فعل ذلك ثم ندم وتاب إلى الله تعالى
فأقر بتدبيره أو استيلادها أو عتقه فقبل حملا
لخروجه عن المعصية بخلاف التناقض في دعوى
الملك فإنه غير مسموع، وفي البزازية، وقول
المشتري بعد القبض أعتقه بائعه أو دبره أو كان
حر الأصل مقتصر على نفسه لا يتعدى إلى بائعه
بلا بينة، وولاؤه موقوف فإن برهن رجع بالثمن،
واستقر الولاء على البائع، وإن برهن على
تحريره إن أقر بالبيع قبله من فلان إن صدقه
فلان أخذ العبد لا إن كذبه. ا هـ. ومن فصل
الاستحقاق لو أقر بعبد أنه ملك البائع، واشترى
منه ثم استحق منه فإنه يرجع بالثمن على البائع
ا هـ.
"قوله:
وإن أقر البائع عند القاضي بأن رب العبد لم
يأمره بالبيع بطل البيع إن طلب المشتري ذلك"
لأن التناقض لا يمنع صحة الإقرار لعدم التهمة
فللمشتري أن يساعده فيه فينتفيان فينتقض في
حقهما، وهو المراد ببطلان البيع في عبارته لا
في حق رب العبد إن كذبهما، وادعى أنه كان أمره
فإذا لم ينفسخ في حقه يطالب البائع بالثمن
عندهما لأنه وكيله، وليس له مطالبة المشتري
لبراءته بالتصادق، وعند أبي يوسف له أن يطالبه
فإذا أدى رجع به على البائع بناء على إبراء
الوكيل، ولو كان على العكس بأن أنكر المالك
التوكيل، وتصادقا أنه وكله فإن برهن الوكيل
لزمه، وإلا استحلف المالك فإن حلف لم يلزمه،
وإن نكل لزمه، ولو غاب المالك بعد الإنكار
وطلب البائع الفسخ فسخ القاضي البيع بينهما
لأنه ثبت عند القاضي أن البيع كان موقوفا فإن
طلب المشتري تأخير الفسخ ليحلف المالك على أنه
لم يأمره لم يؤخر لأن سبب الفسخ قد تحقق فلا
يجوز تأخيره لأجل اليمين فلو حضر المالك، وحلف
أخذ العبد، وإن نكل عاد البيع، ولو كان المالك
حاضرا، وغاب المشتري لم يأخذ العبد لأن البيع
صح ظاهرا فلا يصح القضاء على الغائب بفسخه،
وللبائع أن يحلف رب العبد أنه ما أمره ببيعه
فإن نكل ثبت أمره، وإن حلف ضمن البائع، ونفذ
بيعه كالغاصب إذا باع المغصوب ثم ملكه بأداء
الضمان، ولو مات المالك قبل حضوره فورثه
البائع. وأقام البينة على إقرار المالك بأنه
لم يأمره لم يقبل لما بيناه من التناقض، ولو
أقامها على إقرار مشتريه بذلك بعد موته تقبل
بخلاف ما إذا أقامها على هذا الوجه حال حياة
المالك فإنها لا تقبل لأنه في حياته أصيل فيه
فيمتنع بالتناقض، وبعد موته نائب عن الميت،
والميت لو ادعى حال حياته لا يكون مناقضا
بخلاف شريكه البائع حيث يكون مناقضا، ولمشتريه
أن يحلفه بالله تعالى ما يعلم أن المولى أمره
ببيعه فإن نكل ثبت الأمر، وإن حلف أخذ نصف
العبد، ورجع المشتري على البائع بنصف الثمن،
وخير في النصف الآخر لتفرق الصفقة عليه هذا
إذا أقر المشتري بأن العبد ملك الآمر وإن
أنكر لغا قول الآمر حتى يقيم البينة على ملكه،
ولغا توكيل بائعه في خصومته كي لا يصير البائع
ساعيا في نقض ما تم من جهته، وقوله
ج / 6 ص -227-
ومن
باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه لم
يضمن البائع.
______
عند القاضي ليس بقيد لما في البناية أن إقراره
عند القاضي، وغيره سواء إلا أن البينة تختص
بمجلس القاضي فلذا ذكر قوله عند القاضي. ا هـ.
وقوله إن طلب المشتري ذلك أي إبطال البيع.
"قوله:
ومن باع دار غيره فأدخلها المشتري في بنائه لم
يضمن البائع" يعني إذا أقر
البائع بالغصب، وأنكر المشتري لأن إقراره لا
يصدق على المشتري، ولا بد من إقامة البينة حتى
يأخذها فإذا لم يقم المستحق وهو صاحب الدار
البينة كان التلف مضافا إلى عجزه عن إقامة
البينة لا إلى عقد البائع لأن الغاصب لا يجوز
بيعه فعلى هذا يعلم أن قوله، وأدخلها المشتري
في بنائه اتفاقي، وإنما ذكره ليعلم حكم غيره
بالأولى، وفي الهداية لم يضمن البائع عند أبي
حنيفة كمن أقر بالغصب، وهو قول أبي يوسف آخرا،
وكان يقول أو لا يضمن، وهو قول محمد، وهي
مسألة غصب العقار، وأراد بالدار العرصة بقرينة
أدخلها في بنائه، والله أعلم.
10- باب السلم
______
10- باب السلم
لما كان من أنواع البيوع
ولكن شرط فيه القبض كالصرف أخرهما وقدمه على
الصرف ; لأن الشرط في الصرف قبضهما وفي السلم
قبض أحدهما فقدم انتقالا بتدريج وخص باسم
السلم لتحقق إيجاب التسليم شرعا فيما صدق عليه
أعني تسليم رأس المال، وكان على هذا تسمية
الصرف بالسلم أليق لكن لما كان وجود السلم في
زمنه صلى الله عليه وسلم هو الظاهر العام في
الناس سبق الاسم إليه وهو في اللغة السلف قال
في الصحاح أسلم الرجل في الطعام أسلف فيه وفي
المصباح السلم في البيع مثل السلف وزنا ومعنى
وأسلمت إليه بمعنى أسلفت أيضا. ا هـ.
وفي المعراج أن الهمزة فيه للسلب أي أزال
سلامة الدراهم بتسليمها إلى مفلس في مؤجل وفي
الفقه على ما في السراج والعناية أخذ عاجل
بآجل وتعقبه في فتح القدير بأنه ليس بصحيح
لصدقه على البيع بثمن مؤجل وعرفه أيضا بأنه
بيع آجل بعاجل والظاهر أن قولهم أخذ عاجل بآجل
من باب القلب والأصل أخذ آجل بعاجل وهو أولى
مما في البناية من أن قولهم أخذ عاجل بآجل
تحريف من الناسخ الجاهل فاستمر النقل على هذا
التحريف. وركنه ركن البيع من الإيجاب والقبول
وينعقد بلفظ البيع على الأصح اعتبارا للمعنى
ويسمى صاحب الدراهم رب السلم والمسلم أيضا
ويسمى الآخر المسلم إليه والحنطة مثلا المسلم
فيه وستأتي شرائطه مفصلة أيضا وسبب شرعيته شدة
الحاجة إليه وحكمه ثبوت الملك للمسلم إليه
ج / 6 ص -228-
ما
أمكن ضبط صفته ومعرفة قدره صح السلم فيه وما
لا فلا فيصح في المكيل كالبر والشعير والموزون
المثمن كالعسل والزيت
______
في الثمن ولرب السلم في المسلم فيه الدين
الكائن في الذمة إما في العين فلا يثبت إلا
بقبضه على انعقاد مبادلة أخرى والمؤجل
المطالبة بما في الذمة ودليله من الكتاب آية
المداينة لما صححه الحاكم عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: أشهد أن السلف المضمون إلى
أجل مسمى قد أحله الله تعالى في الكتاب وأذن
فيه قال الله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}1
[البقرة: من الآية282]. ومن السنة ما رواه
الستة عن ابن عباس رضي الله عنهما قدم النبي
صلى الله عليه وسلم والناس يسلفون في التمر
السنة والسنتين والثلاثة فقال:
"من أسلم في
شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل
معلوم"2 وهو على خلاف القياس إذ هو بيع المعدوم ووجب المصير إليه بالنص
والإجماع للحاجة ولا اعتبار بمن قال إنه على
وفقه، وقد أطال في الرد عليه في فتح القدير.
"قوله:
ما أمكن ضبط صفته ومعرفة قدره صح السلم فيه"
; لأنه لا يفضي إلى المنازعة وفي القنية السلم
في العنب القلابي في وقت كونه حصر ما لا يصح
والسلم في التفاح الشامي قبل الإدراك يصح ;
لأنه يسمى تفاحا. ا هـ. وفي فروق الكرابيسي
بيع السلم يفارق بيع العين في ستة أشياء خيار
الرؤية وخيار الشرط ولو تفرقا يبطل وفي إضافة
السلم إلى الدراهم وجعل الخبطة رأس المال على
المختار وفي الأجل
قوله "وما لا فلا" أي وما لا يمكن ضبط صفته
ومعرفة قدره لا يصح السلم فيه ; لأنه يفضي إلى
المنازعة ثم شرع يبين الفصلين بالفاء
التفصيلية
"بقوله:
فيصح في المكيل كالبر والشعير والموزون المثمن
كالعسل والزيت" وفي الفروق
السلم في الخبز وزنا يجوز. ا هـ. وفي القنية
برقم "مع عك"3 أسلم زبيبا في كر حنطة لا يجوز
وبرقم "حم عك"4 يجوز فأبو الفضل يجعل الزبيب
كيليا وهما جعلاه وزنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في "المستدرك" موقوفا وقال:
هذا حديث على شرط الشيخين ولو يخرجاه (2/286).
2 أخرجه البخاري في السلم، باب السلم في وزن
معلوم (2240). ومسلم في المساقاة، باب السلم
(1604) وأبو داود في البيوع، باب السلم،
(3463). والترمذي في البيوع، باب ما جماء في
السلف في الطعام والتمر (1311). والننسائي في
البيوع باب السلف في الثمار (7/290). وابن
ماجة في التجارات باب السلف في كيل معلوم إلى
أجل معلوم (2280).
3 رمز من رموز "القنية" وتقدم الكلام عنها.
4 رمز من رموز "القنية" وتقدم الكلام عنها.
ج / 6 ص -229-
ويصح
في العددي المتقارب كالبيض والجوز
______
والثوم والبصل يجوز السلم فيه وزنا لا عددا
واللبن والعصير والخل يجوز كيلا أو وزنا ولا
خير في السلم في الأواني المتخذة من الزجاج
وفي المكسور ويجوز وزنا، كذا في البزازية وفي
الظهيرية ويجوز السلم في الدقيق كيلا ووزنا
ولو أسلم فلوسا في صفر أو سيفا في حديد أو
قصبا في بوار لا يجوز بخلاف ما لو أسلم قطنا
في ثوب حيث يجوز. ا هـ. وفيها ولو أسلم في
اللبن كيلا أو وزنا جاز لأنه ليس بمكيل ولا
موزون نصا فيجوز كيفما كان وشرط في الذخيرة
رواج الفلوس، أما إذا كانت كاسدة فإنه لا يجوز
; لأنه إسلام موزون في موزون وقيد المثمن
احترازا عن الدراهم والدنانير فإنها وإن كانت
موزونة لكنها ثمن فلا يجوز الإسلام فيها ; لأن
السلم تعجيل الثمن وتأجيل المبيع ولو جاز فيها
انعكس، فإذا لم يقع سلما يكون باطلا عند عيسى
بن أبان، وقال الأعمش بكون بيعا بثمن مؤجل
اعتبارا للمعنى والأول أصح لأنه لا يمكن
تصحيحه في غير ما أوجبا العقد فيه ورجح قول
الأعمش في فتح القدير بأنه أدخل في الفقه وهذا
الخلاف فيما إذا أسلم فيهما غير الأثمان
كالحنطة، وأما إذا أسلم فيهما الأثمان لم يجز
إجماعا ولو أسلم في المكيل وزنا كما إذا أسلم
في البر والشعير بالميزان فيه روايتان
والمعتمد الجواز لوجود الضبط، وعلى هذا الخلاف
لو أسلم في الموزون كيلا.
"قوله:
ويصح في العددي المتقارب كالبيض والجوز"
لأنه معلوم مضبوط مقدور التسليم وما فيه من
التفاوت مهدر عرفا ولا خلاف في جوازه عددا
إنما الخلاف فيه كيلا فعندنا يجوز كيلا ومنعه
زفر كيلا وعنه منعه أيضا عدا للتفاوت وأجبنا
عنه، وإنما جاز كيلا لوجود الضبط فيه وقيد
بالتقارب ومنه الكمثرى والمشمش والتين كما في
فروق الكرابيسي لأن العددي المتفاوت لا يجوز
السلم فيه وما تفاوتت ماليته متفاوت كالبطيخ
والقرع والرمان والرءوس والأكارع والسفرجل
والدر والجواهر واللآلئ والأدم والجلود والخشب
فلا يجوز السلم في شيء منها عددا للتفاوت إلا
إذا ذكر ضابطا غير مجرد العدد كطول أو غلظ أو
غير ذلك ومن المتفاوت الجوالق والفراء فلا
يجوز إلا بذكر مميزات وأجازوه في الباذنجان
والكاغد1 عددا لإهدار التفاوت. وفي فتح القدير
وفيه نظر ظاهر أو بحمل على كاغد بقالب خاص
وإلا فلا يجوز وكون الباذنجان مهدر التفاوت
لعله في باذنجان ديارهم وفي ديارنا ليس كذلك
بخلاف بيض النعام وجوز الهند لا يستحق شيء منه
بالإسلام بخلاف بيض الدجاج والجوز الشامي
والفرنجي لعدم إهدار التفاوت ويشترط مع العدد
بيان الصفة أيضا في شرح الشافي2، فلو أسلم في
بيض النعام أو في جوز الهند جاز كما جاز في
الأخيرين وعن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو القرطاس وهو معرب. ا هـ "القاموس" مادة /
كغد /.
2 الشافي في فروع الحنفية لعبد الله بن محمود
الكردري ا هـ "كشف الظنون" (2/1023).
ج / 6 ص -230-
والفلس
واللبن والآجر إن سمي ملبن معلوم والذرعي
______
أبي حنيفة أنه منعه عددا في بيض النعام ادعاء
للتفاوت في المالية وهو خلاف ظاهر الرواية
والوجه أن ينظر إلى الغرض في عرف الناس فإن
كان الغرض في ذلك العرف حصول القشر ليتخذ في
سلاسل القناديل كما في ديار مصر وغيرها من
الأمصار يجب أن يعمل بهذه الرواية فلا يجوز
السلم فيها بعد ذكر العدد إلا مع تعيين
المقدار واللون من نقاء البياض أو إهداره. ا
هـ. وفي المعراج والفاصل بين المتفاوت
والمتقارب أن ما ضمن مستهلكه بالمثل فهو
متقارب وبالقيمة يكون متفاوتا وفي البزازية
يجوز السلم في الأواني المتخذة من الخزف عددا
إن نوعا يصير معلوما عند الناس ويجوز في
الكيزان الخزفية إذا بين نوعا لا بتفاوت
آحاده. ا هـ. ولم يشترط المؤلف للجواز إعلام
الصفة أنه جيد أو وسط أو رديء ومنهم من شرط
إعلام الصفة، كذا في الذخيرة وفيها عن أبي
يوسف لو أسلم بيض الإوز في بيض الدجاج أو أسلم
بيض النعام في بيض الدجاج جاز وإن أسلم بيض
الدجاج في بيض نعامة أو أسلم بيض الدجاج في
بيض الإوز إن كان في حين يقدر عليه جاز فإن
كان في حين لا يقدر عليه لا يجوز ا هـ.
"قوله:
والفلس" لأنه عددي يمكن ضبطه
فيصح السلم فيه وقيل لا يصح عند محمد ; لأنه
ثمن ما دام يروج وظاهر الرواية عن الكل
الجواز، وإذا بطلت ثمنيتها لا يخرج عن العد
إلى الوزن للعرف إلا أن يهدره أهل العرف كما
هو في زماننا فإن الفلوس أثمان في زماننا ولا
تقبل إلا وزنا فلا يجوز السلم فيها إلا وزنا
في ديارنا في زماننا، وقد كانت قبل هذه
الأعصار عددية في ديارنا أيضا، كذا في فتح
القدير.
"قوله:
واللبن" بكسر الباء وهو الطوب
النيء وشرط في الخلاصة ذكر المكان الذي يعمل
فيه اللبن وفي الذخيرة لو باع آجرة من ملبن لم
تجز من غير إشارة ; لأن اللبن من المعدود
المتقارب باعتبار قدره ومن المتفاوت باعتبار
نضجه فاعتبر الأول في السلم للحاجة واعتبر
الثاني في البيع
"قوله:
والآجر" بضم الجيم وتشديد
الراء مع المد أشهر من التخفيف الواحدة آجرة
وهو معرب وهو اللبن إذا طبخ، كذا في المصباح
"قوله:
إن سمي ملبن معلوم" ; لأن
آحادها لا تتفاوت إذا عينت الآلة، وإذا لم
تعين لا يجوز لإفضائه إلى المنازعة وفي
المصباح اللبن بكسر الباء ما يعمل من الطين
يبنى به الواحدة لبنة ويجوز التخفيف فيصير مثل
حمل. ا هـ. والملبن بكسر الباء قالب الطين
والمحلب أيضا، كذا في الصحاح والمراد الأول.
"قوله:
والذرعي" أي ويصح السلم في
المذروعات ; لأنه يمكن ضبطها بما ذكره وجوازه
ج / 6 ص -231-
كالثوب
إذا بين الذراع والصفة، والصنعة لا في الحيوان
______
فيها بالإجماع كالثياب والبسط والحصر
والبواري، وإنما جاز فيها مع أنها لم تذكر في
النص وهو مشروع على خلاف القياس في المكيل
والموزون فلا يقاس عليهما للإجماع ودلالة النص
; لأن سبب شرعيته الحاجة وهي لا تختلف.
"قوله:
كالثوب إذا بين الذراع" أي من
أي جنس كذا ذكر العيني وفي فتح القدير أي قدره
كذا كذا ذراعا وفي البزازية إذا أطلق ذكر
الذراع في الثوب فله ذراع وسط، وفي الذخيرة
واختلف المشايخ في تفسير قول محمد ذراع وسط
منهم من قال أراد به المصدر وهو فعل الذرع لا
الاسم وهو الخشبة يعني لا يمد كل المد ولا
يرخي كل الإرخاء وبعضهم قال أراد به الخشب
والصحيح أنه يحمل عليهما إذا شرط مطلقا فيكون
له الوسط منهما نظرا للجانبين.
"قوله:
والصفة" أي قطن أو كتان أو
مركب منهما وهو الملحم أو حرير ونحو ذلك.
"قوله:
والصنعة" أي عمل الشام أو
الروم أو زيد أو عمرو لأنه يصير معلوما بذكر
هذه الأشياء فلا يؤدي إلى النزاع ولم يذكر
الوزن ; لأنه ليس بشرط إلا في الحرير إذا بيع
وزنا لأنه لا يعلم إلا بالوزن وفي الظهيرية،
ولا يشترط ذكر الوزن في الكرباس واختلفوا في
الحرير والصحيح اشتراطه ولو أسلم في ثوب الخز
إن بين الطول والعرض والرقعة ولم يذكر الوزن
جاز، وإن ذكر الوزن فقط لا يجوز، ولو باع ثوب
خز بثوب خز يدا بيد لا يجوز إلا وزنا لأنه لا
يباع إلا وزنا. ا هـ. وفي البزازية أسلم قطنا
هرويا في ثوب هروي جاز وإن مسحا في شعر مسح إن
كان المسح عاد شعرا لا يجوز وإلا يجوز، ثم قال
في نوع لو أسلم في ثوب وسط وجاء بالجيد فقال
خذ هذا وزدني درهما فستأتي مسائله عند قوله
ولا يجوز التصرف في المسلم فيه قبل قبضه.
"قوله:
لا في الحيوان" أي لا يصح
السلم فيه لتفاوت آحاده لأنه وإن أمكن ضبط
ظاهره لا يمكن ضبط باطنه وكذا استقراضه فاسد
ولكنه مضمون بالقيمة مملوك بالقبض حتى لو كان
عبدا فأعتقه يجوز لكونه مملوكا له ذكره
الإسبيجابي وقدمناه قبيل الربا أطلقه فشمل
الآدمي وغيره، وقد صح أنه عليه السلام نهى عن
السلف في الحيوان1. رواه الحاكم وصححه فشمل
العصافير وإن لم يكن فيها تفاوت ; لأن
الاعتبار في المنصوص عليه لعين النص لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخردجه الحاكم في "المستدرك" من حديث ابن
عباس (2/57) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره الزيلعي في "نصب
الراية" (4/46).
ج / 6 ص -232-
ولا
أطرافه كالرأس والأكارع والجلود عددا والحطب
حزما والرطبة جرزا، والجوهر، والخرز، والمنقطع
______
للمعنى وهو لم يفصل كذا في الكافي ولكنه يخرج
عنه السمك الطري فإن السلم فيه جائز كما سيأتي
ولكن في فتح القدير إن شرطت حياته فلنا أن
نمنع صحته
قوله "ولا أطرافه كالرأس والأكارع" لفحش
التفاوت، وقيل عندهما يجوز والأكارع جمع كراع
للشاة والبقر ويجمع على أكراع أيضا.
"قوله: والجلود عددا" أي لا
يجوز السلم فيها للتفاوت الفاحش إلا أن يبين
ضربا معلوما وطولا وعرضا وصفة معلومة من
الجودة والرداءة فيجوز حينئذ عددا ووزنا.
"قوله:
والحطب حزما والرطبة جرزا" أي
لا يجوز السلم فيها للتفاوت الفاحش ; لأنه
مجهول لا يعرف طوله وغلظه حتى لو عرف ذلك بأن
بين الحبل الذي يشد به الحطب والرطبة وبين
طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدي إلى النزاع جاز،
ولو قدر الوزن في الكل جاز وفي ديارنا تعارفوا
في نوع من الحطب الوزن فيجوز الإسلام فيه وزنا
وهو أضبط وأطيب، كذا في فتح القدير وفي
الخلاصة ولا يجوز السلم في الحطب أوقارا
والرطبة القضب خاصة ما دام رطبا والجمع رطاب
كذا في الصحاح وفي المصباح الجرزة القصبة من
القت ونحوه والحزمة والجمع جرز مثل غرفة وغرف
وأرض جرز بضمتين قد انقطع الماء عنها فهي
يابسة لا نبات فيها. ا هـ. وفي الذخيرة، وأما
الرياحين الرطبة والبقول والقصب والحشيش
والخشب فهذه لم تكن مثلية فلا يجوز فيها ولا
بأس بالسلم في الجذوع إذا بين ضربا معلوما
والطول والعرض والغلظ وكذا الساج وصنوف
العيدان، وفي البناية الرطبة الإسفست وهي التي
تسميه أهل مصر برسيما وأهل البلاد الشمالية
بنجا وفي الشامل لا خير في السلم في الرطبة
ويجوز في القت ; لأنه يباع وزنا.
"قوله:
والجوهر والخرز" لتفاوت آحاده
إلا صغار اللؤلؤ التي تباع وزنا يجوز السلم
فيها وزنا ; لأنها تباع به فأمكن معرفة قدرها
والخرز بالتحريك الذي ينظم الواحدة خرزة
وخرزات الملك جواهر تاجه ويقال كان الملك إذا
ملك عاما زيدت في تاجه خرزة ليعلم عدد سنين
ملكه، كذا في الصحاح.
"قوله:
والمنقطع" أي لا يجوز السلم
في الشيء المنقطع لفوت شرطه وهو أن يكون
موجودا من حين العقد إلى حين المحل بكسر الحاء
مصدر ميمي من الحلول حتى لو كان منقطعا عند
العقد موجودا عند المحل أو بالعكس أو منقطعا
فيما بين ذلك لم يجز ; لأنه غير مقدور التسليم
لتوهم موت المسلم إليه فيحل الأجل وهو منقطع
فيتضرر رب السلم وحد الانقطاع أن
ج / 6 ص -233-
ولا في
السمك الطري وصح وزنا لو مالحا ولا يصح السلم
في اللحم
______
لا يوجد في الأسواق التي تباع فيها وإن كان في
البيوت، ولو انقطع عن أيدي الناس بعد المحل
قبل أن يوفي المسلم فيه فرب السلم بالخيار إن
شاء فسخ العقد وأخذ رأس ماله وإن شاء انتظر
وجوده وفي البناية معزيا إلى مبسوط أبي اليسر،
ولو انقطع في إقليم دون إقليم لا يصح في
الإقليم الذي لا يوجد فيه ; لأنه لا يمكن
إحضاره إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم حتى
لو أسلم في الرطب ببخارى لا يجوز وإن كان يوجد
بسجستان ا هـ. وفي البزازية انقطع المسلم فيه
في أوانه يتخير رب السلم وعن الإمام أنه
ينفسخ. ا هـ. وفيها استقرض فاكهة كيلا أو وزنا
انقطع يصبر إلى أن تدخل الجديدة إلا أن
يتراضيا على قيمته كمن استقرض طعاما في بلد
فيه الطعام رخيص، ثم التقيا في بلد فيه الطعام
غال ليس له الطلب بل يوثق المطلوب ليعطيه في
تلك البلد ا هـ.
"قوله:
ولا في السمك الطري" أي لا
يجوز فيه ; لأنه ينقطع عن أيدي الناس في
الشتاء لانجماد المياه حتى لو كان في وقت لا
ينقطع فيه جاز وزنا لا عددا.
والحاصل كما في شرح الطحاوي أنه إما أن يكون
طريا أو مالحا ولا يخلو إما أن يسلم عددا أو
وزنا فإن أسلم فيه عددا لم يجز مطلقا للتفاوت
وإن أسلم فيه وزنا فإن كان مملوحا يجوز وإن
كان طريا فإن كان العقد في حينه والحلول في
حينه ولا ينقطع فيما بينهما جاز وإلا فلا.
"قوله:
وصح وزنا لو مالحا" أي صح
السلم في السمك بالوزن لو كان ملحا لا عددا ;
لأن الملح منه وهو القديد لا ينقطع وهو معلوم
يمكن ضبطه ببيان قدره بالوزن وبيان نوعه بأن
يقول بوري أو راي وفي أسماك الإسكندرية الشفش
والدونيس وغيرها وفي الإيضاح الصحيح أن في
الصغار منه يجوز وزنا وكيلا وفي الكبار
روايتان وفي المغرب سمك مليح ومملوح وهو
القديد الذي فيه الملح ولا يقال مالح إلا في
لغة رديئة والمالح هو الذي شق بطنه وجعل فيه
الملح.
"قوله:
ولا يصح السلم في اللحم" أي
عند أبي حنيفة وقالا يجوز إذا بين جنسه ونوعه
وسنه وموضعه وصفته وقدره كشاة خصي ثني سمين من
الجنب أو الفخذ مائة رطل ; لأنه موزون مضبوط
الوصف فصار كالألية والشحم، بخلاف لحم الطيور
فإنه لا يقدر على وصف موضع منه وله أنه يختلف
باختلاف كبر العظم وصغره فيؤدي إلى المنازعة
وفي منزوع العظم روايتان والأصح عدمه ولذا
أطلقه في الكتاب وفي الحقائق والعيون الفتوى
على قولهما وهذا على الأصح من ثبوت الخلاف
بينهم، وقد قيل لا خلاف فمنع أبي حنيفة فيما
إذا أطلقا
ج / 6 ص -234-
وبمكيال أو ذراع لم يدر قدره وبر قرية أو تمر
نخلة معينة
______
السلم في اللحم وقولهما فيما إذا بينا، وإذا
حكم الحاكم بجوازه صح اتفاقا، كذا في البزازية
واللحم قيمي فيضمن بالقيمة إذا غصب كما في
الجامع الكبير من باب الاستحقاق وعزاه في
الصغرى إلى وسط المنتقى وفي فروق الكرابيسي
يضمن من اللحم عند الإتلاف بالقيمة والخبز
يضمن بالمثل، ولو اشترى باللحم يثبت دينا في
الذمة والخبز كذلك فالحاصل أن اللحم مع الخبز
يستويان في ثبوتهما دينا في الذمة ويفترقان في
الضمان فيضمن اللحم بالقيمة والخبز بالمثل،
والفرق أن كل واحد منهما وإن كان غذاء لكن
الخبز أبين غذاء وأحسن كفا فأظهرنا حكم
التفرقة في الضمان والتسوية في الدينية عملا
بالشبهين ا هـ. وفي التتمة عن اختيار شيخ
الإسلام علي الإسبيجابي أن اللحم مضمون بالمثل
وفي الظهيرية وإقراض اللحم عندهما يجوز كما
يجوز السلم وعن أبي حنيفة روايتان واللحم
مضمون بالقيمة في ضمان العدوان إذا كان مطبوخا
بالإجماع وإن كان نيئا فكذلك وهو الصحيح وإن
اشترى شيئا بلحم في الذمة ذكر في الإجارات أنه
إذا استأجر شيئا بلحم في الذمة جاز وما يصلح
أجرة في الإجارة يصلح ثمنا في البيع ا هـ.
"قوله:
وبمكيال أو ذراع لم يدر قدره"
أي لا يصح لاحتمال الضياع فيقع النزاع بخلاف
البيع به حالا قيد بكونه لم يدر قدره ; لأنهما
لو كانا معلومي القدر جاز ويشترط أن يكون
المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع، وأما
الجراب والزنبيل فلا يجوز الكيل بهما، وعن أبي
يوسف الجواز بقرب الماء للتعامل وهو أن يشتري
من سقاء كذا وكذا قربة من ماء النيل أو غير
ذلك مثلا بهذه القربة وعينها جاز البيع وتقتضي
القاعدة المذكورة أن لا يجوز إذا عين هذه
القرية ولكن بمقدارها، كذا في فتح القدير وفي
القنية السلم في الماء مختلف فيه فإن كان
موضعا جرت العادة فيه بالسلم وذكر الشرائط صح
ا هـ.
"قوله:
وبر قرية أو تمر نخلة معينة"
أي لا يجوز لاحتمال أن يعتريهما آفة فلا يقدر
على التسليم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم
بقوله
"أرأيت إذا منع الله ثمرة هذا البستان بم يستحل أحدكم مال أخيه"1 فإن معناه
أنه لا يستحق بهذا البيع شيئا إن لم يخرج ذلك
البستان شيئا فكان في بيع ثمرة هذا البستان
غرر الانفساخ فلا يصح بخلاف ما إذا أسلم في
حنطة صعيدية أو شامية فإن احتمال أن لا ينبت
في الإقليم شيء برمته ضعيف فلا يبلغ الغرر
المانع من الصحة ولذا قيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج بنجوه البخاري في البيوع باب إذا باع
الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو
من البائع (2198). ومسلم في المساقاة باب وضع
الحوائج (1555). والنسائي في البيوع باب شراء
الثمار قبل أن يبدو صلاحها... زالخ (7/264).
ج / 6 ص -235-
وشرطه
بيان الجنس والنوع والصفة والقدر والأجل
______
بالقرية احترازا عن الإقليم وتعيين البستان
كتعيين النخلة هذا، ولو كانت نسبة الثمرة إلى
قرية معينة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج من
أرضها بعينه كالحشراتي ببخارى والسباخي وهي
قرية حنطتها جيدة بفرغانة لا بأس ; لأنه لا
يراد خصوص النابت هناك بل الإقليم ولا يتوهم
انقطاع طعام إقليم بكماله فالسلم فيه وفي طعام
العراق والشام سواء كذا في ديارنا قمح الصعيد.
وفي الخلاصة وغيرها لو أسلم في حنطة الهراة لا
يجوز وفي ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز ; لأن
حنطتها يتوهم انقطاعها إذ الإضافة لتخصيص
البقعة فيحصل السلم في موهوم الانقطاع بخلاف
إضافة الثوب لأنها لبيان الجنس والنوع لا
لتخصيص المكان وكذا لو أتى المسلم إليه بثوب
هروي نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي
يعني من صفته ومؤنته يجبر رب السلم على قبوله
فظهر أن المانع والمقتضى العرف فإن تعورف كون
النسبة لبيان الصفة فقط جاز وإلا فلا كذا في
فتح القدير، ثم قال وفي شرح الطحاوي، ولو أسلم
في حنطة حديثة قبل حدوثها فالسلم باطل ; لأنها
منقطعة في الحال وكونها موجودة في وقت العقد
إلى وقت المحل شرط ا هـ. وفي الجوهرة، ولو
أسلم في حنطة جيدة أو في ذرة جديدة لم يجز ;
لأنه لا يدري أيكون في تلك السنة شيء أم لا ا
هـ. وعلى هذا فيما يكتب في وثيقة السلم جديد
عامه مفسد له ولكنه ينبغي حمله على ما إذا كان
قبل وجود الجديد، أما بعد وجوده فيصح كما يشير
إليه ما في شرح الطحاوي وفي الخلاصة وكذا إذا
أسلم على صوف غنم بعينها أو ألبانها وسمونها
قبل حدوثها أو سمن حديث ; لأنه لا يدرى بقاؤه.
"قوله:
وشرطه بيان الجنس والنوع والصفة والقدر والأجل"
كقوله حنطة سقية جيدة عشرة أكرار إلى شهر ;
لأن الجهالة تنتفي بذكر هذه الأشياء فهذه خمسة
الأربعة الأول منها تشترط في كل من رأس المال
والمسلم فيه فهي ثمانية بالتفصيل فإن ما يجوز
كونه مسلما فيه يجوز كونه رأس مال السلم ولا
ينعكس فإن النقود تكون رأس مال ولا يسلم فيها
وفي المعراج إنما يشترط بيان النوع في رأس
المال إذا كان في البلد نقود مختلفة وإلا فلا
يشترط. ا هـ. وأما الأجل فيشترط في المسلم فيه
خاصة فلا يصح السلم الحال عندنا لأنه جوز رخصة
للمفاليس دفعا لحاجاتهم فلا يتحقق محل الرخصة
إلا مع ذكر الأجل فلا يجوز في غيره وقوله حنطة
بيان للجنس وقول من قال إن قوله صعيدية أو
بحرية بيان للجنس غير صحيح، وإنما هو من بيان
النوع وقوله سقية بيان للنوع أي مسقية وهي ما
تسقى سيحا وكذا بخسية وهي ما تسقى بالمطر نسبة
إلى البخس ; لأنها مبخوسة الحظ من الماء
بالنسبة إلى السيح غالبا وفي الجوهرة فإن
أسلما حالا، ثم أدخل الأجل قبل الافتراق وقبل
استهلاك رأس المال جاز. ا هـ. وفي الإيضاح
للكرماني من كتاب الصرف لو عقد السلم بلا أجل
فهو فاسد فإن
ج / 6 ص -236-
وأقله
شهر.
______
جعلا له أجلا معلوما قبل أن يتفرقا جاز إن
كانت الدراهم قائمة بعينها ; لأن الدراهم فيه
قائمة مقام المبيع فلا بد أن تكون بحيث يبتدأ
فيها العقد فهذه تسعة شرائط والعاشر بيان قدر
الأجل والحادي عشر بيان مكان الإيفاء فيما له
حمل ومؤنة وهو خاص بالمسلم فيه وسيأتي والثاني
عشر قبض رأس المال قبل الافتراق وسنذكره
والثالث عشر أن لا يشمل البدلين إحدى على
الربا ; لأن انفراد أحدهما يحرم النساء
والرابع عشر أن لا يكون فيه خيار شرط وفي
البزازية ويبطله شرط الخيار فإن أسقطه قبل
الافتراق ورأس المال قائم في يد المسلم إليه
صح وإن هالكا لا ينقلب صحيحا الخامس عشر أن
يتعين المسلم فيه بالتعيين فلا يصح السلم في
النقدين وفي التبر روايتان وذكر في المعراج
وفتح القدير من شرائط رأس المال كون الدراهم
منتقدة عند أبي حنيفة مع إعلام القدر. ا هـ.
وليس المراد به تعجيل رأس المال ; لأن صاحب
المعراج ذكر شرط التعجيل والقبض وحده وذكر
الانتقاد وحده شرطا، وإنما المراد به معرفة
الجيد من الرديء منه، فلو لم ينقدها لم يصح
ويشكل عليه قولهم في تعليل قول الإمام أن
الإشارة إلى رأس المال لا تكفي لاحتمال أن يجد
البعض زيوفا فيحتاج إلى الرد ولا يتيسر
الاستبدال إلا بعد المجلس فإن هذا يقتضي عدم
اشتراط الانتقاد أو فليتأمل السادس عشر وجود
المسلم فيه من حين العقد إلى حين المحل كما في
المعراج، وقد تقدم مفهومه بقوله والمنقطع
والسابع عشر أن يكون مما يضبط بالوصف وهو أن
يكون من الأجناس الأربعة المكيل والموزون
والمذروع والمعدود المتقارب وتقدم أول الباب،
وقد ذكره من الشرائط في المعراج الثامن عشر
بيان قدر رأس المال في المثليات عنده كما
سيأتي وفي الخانية ولا يبطل الأجل بموت رب
السلم ويبطل بموت المسلم إليه حتى يؤخذ المسلم
من تركته حالا.
"قوله:
وأقله شهر" أي أقل الأجل شهر
روي ذلك عن محمد رحمه الله تعالى ; لأن ما
دونه عاجل والشهر ما فوقه آجل بدليل مسألة
اليمين حلف ليقضين دينه عاجلا فقضاه قبل تمام
الشهر بر في يمينه وقيل أقله ثلاثة أيام وقيل
ما تراضيا عليه وقيل أكثر من نصف يوم وقيل
المرجع العرف، وما في الكتاب هو الأصح وبه
يفتى وفي البناية وقال الصدر الشهيد في طريقته
المطولة والصحيح ما رواه الكرخي أنه مقدار ما
يمكن فيه تحصيل المسلم فيه. ا هـ. فقد اختلف
التصحيح لكن المعتمد ما في الكتاب وفي فتح
القدير بعد نقل تصحيح الشهيد وجدير أن لا يصح
; لأنه لا ضابط محقق فيه، كذا ما عن الكرخي من
رواية أخرى أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه
وإلى عرف الناس في تأجيل مثله كل ذلك تنفتح
فيه المنازعات بخلاف المقدار المعين من
الزمان. ا هـ. أقول: هو جدير بأن يصح ويعول
عليه فقط ; لأن من الأشياء ما لا يمكن تحصيله
في شهر فيؤدي التقدير به إلى عدم حصول المقصود
من الأجل وهو القدرة على تحصيله وفي القنية
لقي رب السلم المسلم إليه بعد حلول الأجل في
غير البلد الذي شرط
ج / 6 ص -237-
وقدر
رأس المال في المكيل والموزون والمعدود ومكان
الإيفاء فيما له حمل من الأشياء
______
الإيفاء فيه فله مطالبته بالمسلم فيه إن كان
قيمته في ذلك المكان مثل قيمته في المكان
المشروط أو دونه ; لأن شرط المكان حق رب السلم
دفعا لمؤنة الحمل قال رضي الله تعالى عنه
وأفتى بعض مفتي زماننا أنه لا يتمكن من
مطالبته لأن تعيين المكان حق المسلم إليه دفعا
لمؤنة الحمل وهذا الجواب أحب إلي إلا في موضع
الضرورة وهو أن يقيم المسلم إليه في بلد آخر
فيعجز رب السلم عن استيفاء حقه، ثم قال هدانا
الله إلى الرواية المنصوصة.
"قوله:
وقدر رأس المال في المكيل والموزون والمعدود"
أي وشرطه بيان قدر رأس المال إذا كان العقد
يتعلق على مقداره عند الإمام وقالا تكفي
الإشارة إليه كالثمن والأجرة والمذروع ; لأن
الجهالة مع الإشارة لا تفضي إلى المنازعة، وله
أنها قد تفضي إليها بأن ينفق بعضه، ثم يجد
بالباقي عيبا فيرده ولا يتفق الاستبدال في
مجلس الرد فينفسخ العقد في المردود ويبقى في
غيره ولا يدري قدره ليبقى العقد بحسابه فيفضي
إلى جهالة المسلم فيه فيجب التحرز عن مثله وإن
كان موهوما لشرعه مع المنافي إذ هو بيع
المعدوم والأولى أن يعلل للإمام بأنه لا يقدر
على تحصيل المسلم فيه فيحتاج إلى رد رأس المال
فيجب أن يكون معلوما، وأما ما ذكروه فمندفع
بما قدمناه من أن الانتقاد شرط عنده، وقد قال
بقول ابن عمر1 رضي الله عنهما وقول الفقيه من
الصحابة مقدم على القياس بخلاف ما إذا كان رأس
المال ثوبا ; لأن الذرع وصف فيه والمبيع لا
يقابل الأوصاف فلا يتعلق العقد بقدره ولذا لو
سمى عددا لذرعين فوجده المسلم إليه أنقص لا
ينتقص من المسلم فيه شيء وإنما يخير المسلم
إليه، ومن فروع المسألة إذا أسلم في جنسين ولم
يبين رأس مال أحدهما بأن أسلم مائة درهم في كر
حنطة وشعير ولم يبين حصة واحد منهما من رأس
المال لم يصح فيهما لأنه ينقسم عليهما باعتبار
القيمة وهي تعرف بالحزر أو أسلم جنسين ولم
يبين قدر أحدهما بأن أسلم دراهم ودنانير في
مقدار معلوم من البر فبين قدر أحدهما ولم يبين
الآخر لم يصح السلم فيهما لبطلان العقد في
حصته ما لم يعلم قدره فيبطل في الآخر أيضا
لاتحاد الصفقة أو لجهالة حصة الآخر من المسلم
فيه فيكون المسلم فيه مجهولا والمراد بالمعدود
هنا ما لا يتفاوت آحاده لتعلق العقد بمقداره.
"قوله:
ومكان الإيفاء فيما له حمل من الأشياء"
أي وشرطه بيان مكان الإيفاء في المسلم إليه
إذا كان له حمل ومؤنة أي إذا كان نقله يحتاج
إلى أجرة والحمل بالفتح الثقل قال في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قوله: "إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا
رأس مالك والذي أسلفت فيه" ذكره الزيلعي في
"نكصب الراية" (4/51).
ج / 6 ص -238-
...........................................
______
البناية يعنون به ما له ثقل يحتاج في حمله إلى
ظهر وأجرة حمال والمؤنة الكلفة وقالا: لا
يحتاج إلى تعيينه ويسلمه في موضع العقد ; لأن
مكانه مكان الالتزام فيتعين لإيفاء ما التزمه
في ذمته كموضع الاستقراض والاستهلاك وكبيع
الحنطة بعينها وكالغصب والقرض وله أن التسليم
غير واجب في الحال فلا يتعين مكان العقد
للتسليم بخلاف القرض والغصب والاستهلاك فإن
تسليمها يستحق بنفس الالتزام فيتعين موضعه،
فإذا لم يتعين بقي مجهولا جهالة مفضية إلى
المنازعة لاختلاف القيم باختلاف الأماكن فلا
بد من البيان دفعا للمنازعة وصار كجهالة الصفة
ولذا قال البعض إن الاختلاف في المكان يوجب
التحالف عنده كالاختلاف في الصفة. وقيل: لا
تحالف عنده فيه وعندهما يتحالفان ; لأن تعيين
المكان قضية العقد قيد بالمسلم فيه لأن مكان
العقد يتعين لإيفاء رأس مال السلم اتفاقا وعلى
هذا الاختلاف الثمن إذا كان له حمل ومؤنة
والأجرة كذلك والقسمة وصورتها اقتسما دارا
وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة فعنده
يشترط بيان مكان الإيفاء وعندهما يتعين مكان
العقد وقيل لا يشترط في الثمن عند الكل
والصحيح أنه شرط إذا كان مؤجلا وعندهما يتعين
مكان العقد، وقيل في الأجرة يتعين مكان الدار
ومكان تسليم الدابة، ثم إن عين مصرا جاز ;
لأنه مع تباين أطرافه كبقعة واحدة في حق هذا
الحكم لعدم اختلاف القيمة، ولهذا لو استأجر
دابة ليعمل عليها في المصر فله أن يعمل في أي
مكان شاء وقيل هذا إذا لم يكن المصر عظيما فإن
كان عظيما تبلغ نواحيه فرسخا لا يجوز ما لم
يبينا ناحية منه لأن جهالته مفضية إلى
المنازعة، ولو شرط أن يوفيه في منزله جاز
استحسانا لأنه يراد به المنزل حال حلول الأجل
عادة والظاهر بقاؤه في منزله، ولو شرط الحمل
إلى منزله قيل يجوز ; لأنه اشتراط الإيفاء فيه
وقيل لا يجوز ; لأن الحمل لا يقتضيه العقد،
وإنما يقتضي الإيفاء وهو يتصور بدون الحمل
فيكون مفسدا وإن شرط أن يوفيه في موضع، ثم
يحمله إلى منزله لا يجوز.
والحاصل أن اشتراط الإيفاء في مكان مصحح وفي
اشتراط الحمل إلى مكان معين قولان واشتراط
الحمل بعد الإيفاء مفسد وعكسه لا كالإيفاء بعد
الإيفاء وتمامه في الخلاصة وفي البزازية شرط
حمله إلى منزل رب السلم بعد الإيفاء في المكان
المشروط لا يصح لاجتماع الصفقتين الإجارة
والتجارة وشرط الإيفاء خاصة أو الحمل خاصة أو
الإيفاء بعد الحمل جائز لا شرط الإيفاء بعد
الإيفاء على قول عامة المشايخ كشرطه أن يوفيه
في محلة كذا، ثم يوفيه في منزله، ولو شرط
الإيفاء أو الحمل بعد الحمل لم يجز وفي بعض
الفوائد شرط الحمل بعد الحمل يصح ; لأن الحمل
لا يوجب الملك لرب السلم فلما شرط الحمل ثانيا
صار كشرطه مرة، وكذا الإيفاء بعد الحمل
والإيفاء بعد الإيفاء ولما شرط ذلك صار
الإيفاء الأول منفسخا، وإذا
ج / 6 ص -239-
وقبض
رأس المال قبل الافتراق
______
شرط الإيفاء في مدينة كذا فكل محلاتها سواء
حتى لو أوفاه في محلة ليس له أن يطالبه في
محلة أخرى. ا هـ. وفي فتح القدير ولو اشترى
طعاما بطعام من جنسه واشترط أحدهما التوفية
إلى منزله لم يجز بالإجماع كيفما كان، ولو شرط
أن يوفيه إلى مكان كذا فسلمه في غيره ودفع
الكراء إلى الموضع المشروط صار قابضا ولا يجوز
أخذ الكراء وإن شاء رده إليه ليسلمه إليه في
المكان المشروط لأنه حقه. ا هـ.
وفي البدائع فإن سلم في غير المكان المشروط
فلرب السلم أن يأبى فإن أعطاه على ذلك أجرا لم
يجز له أخذ الأجر عليه وله أن يرد المسلم فيه
حتى يسلمه في المكان المشروط بخلاف الشفيع إذا
صولح عنها بمال لم يصح وسقط حقه لإعراضه عن
الطلب كما لو أسقطه صريحا وحق رب السلم في
التسليم في المكان المشروط لم يسقط بالإسقاط
صريحا. ا هـ. قيد بما له حمل ; لأن ما لا حمل
له كالمسك والكافور والزعفران وصغار اللؤلؤ لا
يشترط فيه بيان مكان الإيفاء وقيده في فتح
القدير بأن يكون قليلا وإلا فقد يسلم في أمناء
من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالا ويسلمه في
المكان الذي أسلم فيه وكل ما قلنا يتعين مكان
العقد فهو مقيد بما إذا كان مما يتأتى فيه
التسليم وما لا بأن أسلم إليه وهما في مركب في
البحر أو جبل فإنه يجب في أقرب الأماكن التي
يمكن فيها وهذا على رواية الجامع الصغير، وذكر
في الإجارات أن ما لا حمل له يوفيه في أي مكان
شاء وهو الأصح ; لأن الأماكن كلها سواء، ولو
عين مكانا قيل لا يتعين وقيل يتعين وهو الأصح،
كذا في فتح القدير وصحح في المحيط أنه يتعين
موضع العقد فيما لا حمل له ; لأن القيمة تختلف
باختلاف الأماكن والكافور أكثر قيمة في المصر
لكثرة الرغبة فيه في المصر وقلتها في السواد ا
هـ.
"قوله:
وقبض رأس المال قبل الافتراق"
أي وشرطه قبض رأس المال قبل أن يتفرقا ; لأن
السلم ينبئ عن أخذ عاجل بآجل وذلك بالقبض قبل
الافتراق ليكون حكمه على وفق ما يقتضيه اسمه
كما في الحوالة والكفالة والصرف، وظاهر كلامه
أن القبض شرط انعقاده صحيحا كبقية الشروط وهو
قول البعض والصحيح أنه شرط بقائه على الصحة
فينعقد صحيحا بدونه، ثم يفسد بالافتراق بلا
قبض وستأتي فائدة الاختلاف في الصرف وأطلقه
فشمل ما إذا كان رأس المال مما لا يتعين أو
يتعين لما ذكرناه وفي الخلاصة، ولو أبى المسلم
إليه قبض رأس المال أجبر عليه. ا هـ.
وفي الواقعات باع عبدا بثوب موصوف في الذمة
فإن لم يضرب للثوب أجلا لا يجوز ; لأن الثوب
لا يجب في الذمة إلا سلما فالأجل شرط، فلو ضرب
الأجل جاز لوجود شرطه، فلو
ج / 6 ص -240-
...........................................
______
افترقا قبل قبض العبد لا يبطل العقد ; لأن هذا
العقد اعتبر سلما في حق الثوب بيعا في حق
العبد ويجوز أن يعتبر في عقد واحد حكم عقدين
كما في الهبة بشرط العوض وكما في قول المولى
لعبده إذا أديت إلي ألفا فأنت حر اعتبر فيه
حكم اليمين وحكم المعاوضة. ا هـ. وأشار المصنف
رحمه الله إلى أنه لا يدخله خيار الشرط ; لأنه
يمنع تمام القبض قالوا ولا يثبت في المسلم فيه
خيار رؤية ويثبت فيه خيار العيب ويثبتان في
رأس المال إذا كان مما يتعين وإلا فخيار
الرؤية لا يثبت في النقود ودل قوله قبل
الافتراق دون أن يقول في المجلس على أن القبض
في المجلس ليس بشرط وفي البزازية وإن مكثا إلى
الليل أو سافرا فرسخا أو أكثر، ثم سلم جاز وإن
نام أحدهما أو ناما لم تكن فرقة. ولو أسلم
عشرة في كر ولم تكن الدراهم عنده فدخل المنزل
ليخرجه إن توارى عن المسلم إليه بطل وإن بحيث
يراه لا وصحت الكفالة والحوالة والارتهان برأس
مال السلم. ا هـ.
وفي البدائع، ثم إذا جازت الحوالة والكفالة
فإن قبض المسلم إليه رأس المال من المحتال
عليه أو الكفيل أو من رب السلم فقد تم العقد
بينهما إذا كانا في المجلس سواء بقي الحويل أو
الكفيل أو افترقا بعد أن كان العاقدان في
المجلس وإن افترق العاقدان بأنفسهما قبل القبض
بطل السلم وبطلت الحوالة والكفالة وإن بقي
المحال عليه والكفيل في المجلس والعبرة لبقاء
العاقدين وافتراقهما لا لبقاء الحويل والكفيل
وافتراقهما لأن القبض من حقوق العقد وقيام
العقد بالعاقدين فكان المعتبر بمجلسهما وعلى
هذا الكفالة والحوالة ببدل الصرف، وأما الرهن
برأس المال فإن هلك الرهن في المجلس وقيمته
مثل رأس المال أو أكثر فقد تم العقد بينهما
وإن كانت قيمته أقل من رأس المال، ثم العقد
بقدره ويبطل في الباقي وإن لم يهلك الرهن حتى
افترقا بطل السلم لحصول الافتراق لا عن قبض
وعليه رد الرهن على صاحبه وكذا الحكم في بدل
الصرف. ا هـ. وفي إيضاح الكرماني من الرهن ولو
أخذ بالمسلم فيه رهنا وسلطه على البيع فباعه
بجنس المسلم فيه أو بغير جنسه جاز. ا هـ.
وفي تلخيص الجامع من باب إقرار المريض لوارث
آخر والدينين قضاء لأولهما، فلو أسلم، ثم
استقرض وقعت المقاصصة وفي عكسه لا. ا هـ. أي
لا تقع المقاصة إلا إذا تقاصا بدليل ما
سنذكره عن البدائع ويتفرع على أن القبض شرط ما
إذا قبض، ثم انتقض القبض لمعنى أوجبه أنه يبطل
السلم وبيانه أن رأس المال إما أن يكون عينا
أو دينا وكل منهما إما أن يوجد مستحقا أو
معيبا وكل إما أن يكون قبل الافتراق أو بعده
كله أو بعضه، وكذا بدل الصرف على هذه التفاصيل
وإن كان عينا فوجد مستحقا أو معيبا فإن لم يجز
المستحق ولم يرض المسلم إليه بالعيب بطل السلم
بعد الافتراق أو قبله وإن أجاز المستحق ورضي
المسلم إليه
ج / 6 ص -241-
فإن
أسلم مائتي درهم في كر بر مائة دينا عليه
ومائة نقدا فالسلم في الدين باطل
______
بالعيب جاز مطلقا وله أن يرجع على الناقد
بمثله إن كان مثليا أو بقيمته إن كان قيميا،
وإن كان دينا فإن وجده مستحقا وأجيز مضي السلم
مطلقا ولا سبيل للمشتري على المقبوض ويرجع على
الناقد بمثله وإن لم يجز فاستبدل في المجلس صح
وإن بعده بطل وإن وجده زيوفا أو نبهرجة أو
ستوقة أو رصاصا فإن كانت زيوفا فرضي بها صح
مطلقا بخلاف الستوقة ; لأنها ليست من جنس حقه
فإن لم يرض فإن كان قبل الافتراق واستبدل في
المجلس صح وإن بعده بطل عند الإمام مطلقا سواء
استبدلها في المجلس أو لا هذا إذا وجدها زيوفا
أو نبهرجة فإن وجدها ستوقة أو رصاصا فإن بعد
الافتراق بطل سواء تجوز بها أو لا وإن استبدل
في المجلس صح وتمام التفريعات في البدائع وفي
الصغرى المسلم إليه إذا أتى بشيء من الدراهم
وقال وجدته زيوفا فالقول له. ا هـ.
وفي الإيضاح استحسن أبو حنيفة في اليسير فقال
يردها ويستبدل في ذلك المجلس وفي تحديد الكثير
روايتان ما زاد على الثلث وما زاد على النصف.
ا هـ. وفيه لو وجد البعض نبهرجة أو مستحقة
فاختلفا فقال رب السلم هو ثلث رأس المال وقال
المسلم إليه نصفه فالقول قول رب السلم مع
يمينه، ولو كانت ستوقة أو رصاصا فاختلفا في
مثل ذلك فالقول قول المسلم إليه وبيانه فيه ا
هـ.
"قوله:
فإن أسلم مائتي درهم في كر بر مائة دينا عليه
ومائة نقدا فالسلم في الدين باطل"
أي في حصته لكونه دينا بدين وصح في حصة النقد
لوجود قبض رأس المال بقدره ولا يشيع الفساد ;
لأنه طارئ إذ السلم وقع صحيحا في الكل ولذا لو
نقد الكل قبل الافتراق صح والتقييد بكونه أضاف
العقد إلى المائتين اتفاقي بل كذلك إذا أضافه
إلى مائتين مطلقا، ثم جعل المائة من رأس المال
قصاصا بما في ذمته من الدين في الصحيح ; لأن
المعنى يجمعهما وهو كون الفساد طارئا إذ الدين
لا يتعين بإضافة العقد إليه وقيد بقوله دينا
عليه ; لأنه لو قال أسلمت إليك هذه المائة
والمائة التي لي على فلان يبطل في الكل وإن
نقد الكل لاشتراط تسليم الثمن على غير العاقد
وهو مفسد مقارن فتعدى وقيد بكون الدين من جنس
النقد ; لأن الجنس لو اختلف بأن كان له على
آخر مائة درهم فأسلمها إليه وعشرة دنانير في
أكرار معلومة لم يجز في الكل، أما الدين
فظاهر. وأما عدم حصة العين فلجهالة ما يخصه
وهذا عند الإمام رحمه الله تعالى وعندهما يجوز
في حصة العين وهي مبنية على مسألة إعلام قدر
رأس المال، وقيد بكونه جعل الدين عليه رأس
المال ; لأنه لو لم يجعله، وإنما وقعت المقاصة
بأن وجب على المسلم إليه دين مثل رأس المال
فلا يخلو إما أن يجب الدين الآخر بالعقد أو
بالقبض فإن كان الأول فإما
ج / 6 ص -242-
ولا
يصح التصرف في رأس المال والمسلم فيه قبل
القبض بشركة أو تولية.
______
بعقد سابق على المسلم أو متأخر عنه فإن كان
الأول بأن كان رب السلم باع المسلم إليه ثوبا
بعشرة دراهم ولم يقبضها حتى أسلم إليه عشرة
دراهم في كر فإن تراضيا بالمقاصة صار قصاصا
وإن أبى أحدهما لا يصير قصاصا استحسانا ; لأن
العقد موجب للقبض حقيقة لولا المقاصة فإذا
تقاصا تبين أنه انعقد موجبا قبضا بطريق
المقاصة، وقد وجد وإن وجب بعقد متأخر عن السلم
لا يصير قصاصا وإن جعلاه قصاصا هذا إذا وجب
الدين بالعقد فإن وجب بالقبض كالغصب والقرض
فإنه يصير قصاصا جعلاه أو لا بعد أن كان وجوب
الدين متأخرا عن العقد هذا إذا تساوى الدينان،
فأما إذا تفاضلا بأن كان أحدهما أفضل والآخر
أدون ورضي أحدهما بالقصاص وأبى الآخر فإنه
ينظر فإن أبى صاحب الأفضل لا يصير قصاصا ; لأن
حقه في الجودة معصوم محترم فلا يجوز إبطاله
عليه من غير رضاه وإن أبى صاحب الأدون يصير
قصاصا ; لأنه لما رضي به صاحب الأفضل فقد أسقط
حقه وكذلك المقاصة في بدل الصرف على هذه
التفاصيل، كذا في البدائع. قال الأزهري رحمه
الله تعالى: الكرستون قفيزا والقفيز ثمانية
مكاكيك والمكوك صاع ونصف وفي الحسامي الكراسم
لأربعين قفيزا وهذا كله في رأس المال، أما
المقاصة بالمسلم فيه فقال في الإيضاح إن وجب
على رب السلم دين مثل المسلم فيه بسبب متقدم
على العقد أو بعده لم يصر قصاصا وإن وجب بقبض
مضمون كالغصب والقرض صار قصاصا إن كان قبل
العقد وإن كان بعده فجعله قصاصا جاز وإن كان
وديعة عند رب السلم قبل العقد أو بعده فجعله
المسلم إليه قصاصا لم يكن قصاصا إلا أن يكون
بحضرتهما أو يخلي بينه وبينهما، ولا يصير
المغصوب قصاصا إلا إذا كان مثل المسلم فيه فإن
كان أجود أو أردأ فلا بد من رضاهما ا هـ.
"قوله:
ولا يصح التصرف في رأس المال والمسلم فيه قبل
القبض بشركة أو تولية" لأن
المسلم فيه مبيع والتصرف في المبيع المنقول
قبل القبض لا يجوز ورأس المال مستحق القبض في
المجلس والتصرف فيه مفوت له فلم يجز ففي
التولية تمليكه بعوض وفي الشركة تمليك بعضه
بعوض فلم يجز، وصورة الشركة فيه أن يقول رب
السلم لآخر اعطني نصف رأس المال ليكون نصف
المسلم لك فيه وصورة التولية أن يقول لآخر
أعطني مثل ما أعطيت المسلم إليه حتى يكون
المسلم فيه لك كذا في الإيضاح وإنما صرح
بالتولية لرد قول من قال بجواز بيع المسلم فيه
مرابحة وتولية وجزم به في الحاوي فقال ولا بأس
ببيع المسلم قبل قبضه مرابحة وتولية وهو قول
ضعيف والمذهب منعهما، وقد أشار إلى منع بيع
السلم بالأولى سواء كان ممن عليه أو من غيره
كما في الحاوي، فلو باع رب السلم المسلم فيه
من المسلم إليه بأكثر من رأس المال لا يصح ولا
يكون إقالة كذا في القنية، ولو وهبه منه قبل
قبضه وقبل
ج / 6 ص -243-
...........................................
______
الهبة لم يصح وكان إقالة فوجب عليه رد رأس
المال وكذا لو أبرأه كلا أو بعضا. وفي التجنيس
والواقعات رجل أسلم إلى رجل كر حنطة فقال رب
السلم للمسلم إليه أبرأتك عن نصف السلم وقبل
المسلم إليه وجب عليه رد نصف المال إليه ; لأن
السلم نوع بيع وفي البيع من اشترى شيئا، ثم
قال المشتري للبائع قبل القبض وهبت منك نصفه
فقبل البائع كانت إقالة في النصف بنصف الثمن
فكذا هذا إذ الحط بمنزلة الهبة. ا هـ. وفي
الفتاوى الصغرى إقالة بعض السلم وإبقاؤه في
البعض جائز، وأما إقالة المسلم على مجرد الوصف
بأن كان المسلم فيه جيدا فتقايلا على الرديء
على أن يرد المسلم إليه درهما لا يجوز عند أبي
حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف في رواية لكنه
عند أبي يوسف يجوز لا بطريق الإقالة بل بطريق
الحط عن رأس المال. ا هـ.
وفي البدائع الإبراء عن رأس المال يتوقف على
قبول رب السلم فإن قبل انفسخ العقد فيه بخلاف
الإبراء عن المسلم فيه فإنه جائز بدون قبول
المسلم إليه ; لأنه ليس فيه إسقاط شرط وبخلاف
الإبراء عن ثمن المبيع فإنه صحيح بدون قبول
المشتري لكنه يرتد بالرد ولا يجوز الإبراء عن
المبيع ; لأنه عين وإسقاط العين لا يصح. ا هـ.
وظاهره يخالف ما قدمناه عن التجنيس في الإبراء
عن المسلم فيه وفي الظهيرية لو أن رب السلم
وهب المسلم فيه للمسلم إليه كانت إقالة للسلم
ولزمه رد رأس المال إذا قبل، وفي المبسوط إذا
أبرأ رب السلم المسلم إليه عن طعام السلم صح
إبراؤه في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي
حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح ما لم يقبل
المسلم إليه، وإذا قبل كان فسخا لعقد السلم،
ولو أبرأ المسلم إليه رب السلم عن رأس المال
وقبل البراء بطل السلم وإن رده لا والفرق بين
رأس المال والمسلم فيه أن المسلم فيه لا يستحق
قبضه في المجلس بخلاف رأس المال. ا هـ. وذكر
في الذخيرة قولين في مسألة الإبراء عن بعض
المسلم فيه هل هو إقالة فيرد ما قابله أو حط
له فلا يرد وبه اندفع الإشكال وذكر القولين
أيضا فيما إذا أبرأه عن الكل وقبل فقيل برد
رأس المال كله وقيل لا يرد شيئا. ا هـ. ودل
كلام المصنف رحمه الله تعالى على منع
الاستبدال بهما، أما الاستبدال برأس مال السلم
في مجلس العقد فهو غير جائز بأن يأخذ برأس
المال شيئا من غير جنسه لكونه يفوت القبض
المشروط ; لأن بدل الشيء غيره وكذا الاستبدال
ببدل الصرف فإن أعطاه من جنس رأس المال أجود
أو أردأ ورضي المسلم إليه بالأردأ جاز ; لأنه
قبض جنس حقه، وإنما اختلف الوصف فإن كان أجود
فقد قضى حقه وأحسن في القضاء وإن كان أردأ فقد
قضاه ناقصا فلا يكون استبدالا إلا أنه لا يجبر
على أخذ الأردأ ويجبر على أخذ الأجود لأنه في
العادة لا يعد فضلا، وإنما هو إحسان في القضاء
والإيفاء. وأما الاستبدال بالمسلم فيه بجنس
ج / 6 ص -244-
فإن
تقايلا السلم لم يشتر من المسلم إليه شيئا
برأس المال.
______
الآخر فلا يجوز لكونه بيع المنقول قبل قبضه
وإن أعطى أجود أو أردأ فحكمه حكم رأس المال،
كذا في البدائع وفي البزازية أسلم في ثوب وسط
وجاء بالجيد فقال خذ هذا وزدني درهما فعلى
وجوه أن المسلم فيه كيلي أو وزني أو ذرعي لا
يخلو إما أن يكون فيه فضل أو نقصان وذلك في
القدر أو في الصفة فإن كيليا بأن أسلم في عشرة
أقفزة فجاء بأحد عشر فقال خذ هذا وزدني درهما
جاز ; لأنه باع معلوما بمعلوم، ولو جاء بتسعة
وقال خذه وأرد عليك درهما جاز أيضا ; لأنه
إقالة البعض وإقالة الكل تجوز فكذا إقالة
البعض، ولو جاء بالأجود أو الأردأ وقال خذ
واعط درهما أو أرد عليك درهما لا يجوز عندهما
خلافا للثاني وفي الثوب إن باع بذراع أزيد
وقال زدني درهما جاز لأنه بيع ذراع يملك
تسليمه بدرهم فاندفع بيعه مفردا، وكذا لو زاد
في الوصف يجوز عندهم وإن جاء بأنقص ذراعا ورد
لا يجوز عندهما ; لأنه إقالة فيما لا يعلم
حصته لكون الذراع وصفا مجهول الحصة، ولو جاء
بأنقص من حيث الوصف لا يجوز، ولو بأزيد وصفا
يجوز ; لأنه إقالة فيما لا يعلم وهذا إذا لم
يبين لكل ذراع حصة، أما إذا بين جاز في الكل
بلا خلاف. ا هـ. وقيد بقوله قبل القبض ; لأن
بيعه بعده على رأس المال ومرابحة ووضيعة وشركة
جائز، كذا في البناية وفي القنية أسلم دينارا
في مائتي من من الزبيب فلما حل الأجل وعجز عن
أدائه باع رب السلم من المسلم إليه مائة من من
ذلك الزبيب الذي على المسلم إليه بدينار وقبض
الدينار ولا ينفسخ السلم في حصة الدينار. ا
هـ.
والحاصل أن التصرف المنفي في الكتاب شامل
للبيع والاستبدال والهبة والإبراء إلا أن في
الهبة والإبراء يكون مجازا عن الإقالة فيرد
رأس المال كلا أو بعضا ولا يشمل الإقالة فإنها
جائزة ولا التصرف في الوصف من دفع الجيد مكان
الرديء والعكس.
"قوله:
فإن تقايلا السلم لم يشتر من المسلم إليه شيئا
برأس المال" يعني قبل قبضه
بحكم الإقالة لقوله عليه السلام
"لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك"1
أي سلمك حال قيام العقد أو رأس مالك حال
انفساخه فامتنع الاستبدال فصار رأس المال بعد
الإقالة بمنزلة السلم فيه قبله فيأخذ حكمه من
حرمة الاستبدال بغيره فحكم رأس المال بعدها
كحكمه قبلها إلا أنه لا يجب قبضه في مجلسها
كما كان يجب قبلها لكونها ليست بيعا من كل وجه
ولهذا جاز إبراؤه عنه وإن كان لا يجوز قبلها
وفي الإيضاح للكرماني أن الإقالة فيه بيع جديد
في حق ثالث وهو الشرع، وفي البدائع قبض رأس
المال إنما هو شرط حال بقاء العقد فأما بعد
ارتفاعه بطريق الإقالة أو بطريق آخر فقبضه ليس
بشرط في مجلس الإقالة بخلاف القبض في مجلس
العقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" (4/51).
ج / 6 ص -245-
ولو
اشترى المسلم إليه كرا وأمر رب السلم بقبضه
قضاء لم يصح وصح لو قرضا أو أمره بقبضه له، ثم
لنفسه ففعل
______
وقبض بدل الصرف في مجلس الإقالة شرط لصحة
الإقالة كقبضها في مجلس العقد، ووجه الفرق أن
القبض في مجلس العقد في البدلين ما شرط لعينه،
وإنما شرط للتعيين وهو أن يصير البدل معينا
بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين ولا
حاجة إلى التعيين في مجلس الإقالة في السلم ;
لأنه لا يجوز استبداله فيعود إليه عينه فلا
تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض فكان الواجب
نفس القبض فلا يراعى له المجلس بخلاف التصرف ;
لأن التعيين لا يحصل إلا بالقبض لأن استبداله
جائز فلا بد من شرط القبض في المجلس للتعيين.
ا هـ.
وذكر الشارح من باب التحالف من كتاب الدعوى
الإقالة في السلم بعد نفاذها لا تحتمل الفسخ
بسائر أسباب الفسخ ألا يرى أنهما قالا نقضنا
الإقالة لا تنتقض وكذا لو كان رأس المال عرضا
فقبضه المسلم إليه، ثم رد عليه بعيب بقضاء، ثم
هلك قبل التسليم إلى رب السلم لا يعود السلم
والفقه فيه أن المسلم فيه سقط بالإقالة، فلو
انفسخت الإقالة لكان حكم انفساخها عود المسلم
فيه والساقط لا يحتمل العود بخلاف الإقالة في
البيع ; لأنه عين فأمكن عوده إلى ملك المشتري.
ا هـ. ومن هنا يعلم أن فسخ الإبراء لا يصح
بالأولى وفي الذخيرة من باب السلم لو اختلفا
في رأس المال بعد الإقالة فالقول للمسلم إليه
ولا يتحالفان وذكر ما ذكره الشارح، ثم قال لو
تقايلا بعد ما سلم المسلم إليه المسلم فيه، ثم
اختلفا في رأس المال تحالفا ; لأن المسلم فيه
عين قائمة وليس بدين فالإقالة هنا تحتمل الفسخ
قصدا. ا هـ. قيد بالسلم ; لأن الصرف إذا
تقايلاه جاز الاستبدال عنه ويجب قبضه في مجلس
الإقالة بخلاف السلم وبيان الفرق في الإيضاح
للكرماني.
"قوله: ولو اشترى المسلم إليه كرا وأمر رب
السلم بقبضه قضاء لم يصح وصح لو قرضا أو أمره
بقبضه له، ثم لنفسه ففعل"
معناه أن يكيله لنفسه بعد القبض ثانيا ; لأنه
اجتمع هنا صفقتان صفقة بين المسلم إليه وبين
المشترى منه وصفقة بين المسلم إليه وبين رب
السلم كلاهما بشرط الكيل فلا بد من الكيل
مرتين ولم يوجد في الأولى وهي ما إذا أمر
المسلم إليه رب السلم بقبضه من البائع قضاء
لحقه فلم يصح ووجد في الثانية وهي ما إذا أمر
رب السلم بقبضه له بأن يكيله، ثم يقبضه بنفسه
بالكيل ثانيا والأصل فيه أنه صلى الله عليه
وسلم نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان
صاع البائع وصاع المشتري1. ومحمله على ما إذا
اجتمعت الصفقتان فيه، وأما في صفقة واحدة
فيكتفي بالكيل فيه مرة في الصحيح والدليل على
أنه بيع عند القبض ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 6 ص -246-
ولو
أمر رب السلم أن يكيله في ظرفه ففعل وهو غائب
لم يكن قضاء بخلاف المبيع
______
قال في الزيادات لو أسلم مائة كر، ثم اشترى
المسلم إليه من رب السلم كر حنطة بمائتي درهم
إلى سنة فقبضه فلما حل السلم أعطاه ذلك الكر
لم يجز لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل
نقد الثمن، كذا في فتح القدير قيد بالشراء ;
لأن المسلم إليه لو ملك كرا بإرث أو هبة أو
وصية فأوفاه رب السلم واكتاله مرة جاز ; لأنه
لم يوجد إلا عقد واحد بشرط الكيل وقيد بالكر
وهو ستون قفيزا أو أربعون على الخلاف ; لأن
المسلم إليه لو اشترى حنطة مجازفة فأوفاها رب
السلم فاكتالها مرة جاز لما ذكرنا وأشار بالكر
المكيل إلى أنه لو أسلم في موزون معين واشترى
المسلم إليه موزونا كذلك إلى آخره لا يجوز قبض
رب السلم إذ لا فرق بين المكيل والموزون في
هذا الحكم. وكذا المعدود إذا اشتراه بشرط العد
فإنه كالمكيل والموزون كما قدمناه وذكر في
البناية أن في المعدود روايتين وإنما فسرنا
تكرار الأمر في كلام المصنف بتكرار الكيل ;
لأن الشرط أن يكيله مرتين وإن لم يتعدد الأمر
حتى لو قال اقبض الكر الذي اشتريته من فلان عن
حقك فذهب فاكتاله، ثم أعاد كيله صار قابضا
ولفظ الجامع يفيده فإنه لم يزد على قوله
فاكتاله له، ثم اكتاله لنفسه، كذا في فتح
القدير. وأما على قوله وصح لو قرضا فصورته
استقرض منه كرا فاشترى المستقرض كرا فأمر
المقرض بقبضه قضاء لحقه، وإنما جاز بلا إعادة
الكيل ; لأن القرض إعارة حتى ينعقد بلفظها
فكان المقبوض عين حق تقديرا فلم يكن استبدالا،
ولو كان استبدالا للزم مبادلة الجنس بجنسه
نسيئة فلم يتحقق الصفقتان فيكتفي بكيل واحد
للمشتري فيقبضه له، ثم لنفسه من غير إعادة
الكيل وأشار بقوله لم يصح إلى أنه لم يدخل في
ضمان رب السلم حتى لو هلك في يده هلك من مال
المسلم إليه كما في البناية وللقرض صورة أخرى
هي لو كان الدين الأول سلما فلما حل اقترض
المسلم إليه من رجل كرا وأمر رب السلم بقبضه
من المقرض ففعل جاز لما ذكرنا ; لأن عقد القرض
عقد مساهلة لا يوجب الكيل بخلاف البيع مكايلة
أو موازنة، ولهذا لو استقرض من آخر حنطة على
أنها عشرة أقفزة جاز له أن يتصرف فيها قبل
القبض.
"قوله:
ولو أمر رب السلم أن يكيله في ظرفه ففعل وهو
غائب لم يكن قضاء بخلاف المبيع"
أي لو اشترى مكيلا معينا ودفع المشتري إلى
البائع ظرفا وأمره أن يكيله في ظرفه ففعل
البائع والمشتري غائب صح والفرق أن رب السلم
حقه في الذمة ولا يملكه إلا بالقبض فلم يصادف
أمره ملكه فلا يصح فيكون المسلم إليه مستعيرا
للظرف جاعلا فيه ملك نفسه كالدائن إذا دفع
كيسا إلى المدين وأمره أن يزن دينه ويجعله فيه
لم يصر قابضا بوزنه فيه وصح الأمر في البيع
لمصادفته ملكه لكونه صار مالكا للعين بنفس
العقد فصار البائع وكيلا عنه في إمساك الغرائر
فصارت في يد المشتري حكما وصار الواقع فيها
واقعا في يد المشتري وأشار
ج / 6 ص -247-
...........................................
______
المصنف بالفرق إلى مسائل الأولى لو أمر
المشتري البائع بطحن الطعام كان الطحين
للمشتري، ولو أمر رب السلم كان الطحين للمسلم
إليه، فلو أخذ رب السلم الدقيق كان حراما ;
لأنه استبدال بالمسلم فيه قبل قبضه، كذا في
فتح القدير. الثانية لو أمره المشتري أن يصبه
في البحر ففعل هلك من مال المشتري وفي السلم
يهلك من مال المسلم إليه وليس ذلك إلا باعتبار
صحة الأمر وعدمها الثالثة يكتفي بكيل البائع
في الشراء على الصحيح بخلاف السلم قيدنا بكون
الظرف للمشتري ; لأنه لو كان للبائع فأمره
المشتري بالكيل فيه ففعل لم يصر قابضا لكون
المشتري استعار ظرفه ولم يقبضها فلا يصير في
يده فكذا ما يقع فيه فصار كما لو أمره أن
يكيله في ناحية من بيت البائع فإن المشتري لا
يكون قابضا فإن البيت بنواحيه في يد البائع،
وفي البدائع لو استعار المشتري من البائع
غرائره وأمره أن يكيله فيها ففعل صار قابضا
بالتخلية إجماعا إن كان المشتري حاضرا وإلا لا
ما لم يسلمها إليه عند محمد سواء كانت الغرائر
بعينها أو لا وقال أبو يوسف إن كانت بعينها
صار قابضا وإلا لا. ا هـ. وقيد بقوله وهو غائب
لأنه إذا كان حاضرا صار المسلم إليه قابضا
سواء كانت الغرائر له أو للبائع أو كانت
مستأجرة وبه صرح الفقيه أبو الليث، كذا في
البناية والتقييد بظرف الآمر ليفهم منه حكم ما
إذا كان أمره بكيله في ظرف المسلم إليه
بالأولى، وقد سوى بينهما في البدائع وأشار
المؤلف بالفرق بينهما إلى أنه لو اجتمع الدين
والعين بأن اشترى كرا معينا وله على البائع كر
دين والظرف للمشتري فأمره أن يجعلها فيه فإن
بدأ المأمور بوضع العين صار الآمر قابضا للعين
والدين أما العين فلصحة القبض بصحة الآمر وأما
الدين فلاتصاله بملكه لكون العين صارت في يده
حكما وبمثله يصير قابضا كمن استقرض حنطة وأمره
أن يزرعها في أرضه صح الأمر وصار المستقرض
قابضا له وكمن دفع إلى صانع خاتما وأمره أن
يزيده من عنده نصف دينار صح وصار قرضا وفي
الإيضاح وليس فيه أنه إذا هلك قبل التسليم هل
يصير قابضا أم لا قال وإن جعلناه قابضا فالوجه
فيه أن الخلط استهلاك وهو من أسباب التملك وإن
بدأ بالدين، ثم بالعين لم يصر قابضا أما الدين
فلعدم صحة الأمر به. وأما العين فلأنه خلطه
بملك نفسه قبل التسليم بحيث لا يتميز فصار
مستهلكا للبيع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى
فينتقض البيع وهذا الخلط غير مرضي به من جهة
المشتري لجواز أن يكون مراده البداءة بالعين
وعندهما المشتري بالخيار إن شاء نقض البيع وإن
شاء شاركه في المخلوط ; لأن الخلط ليس
باستهلاك عندهما، كذا في الهداية وخصه قاضي
خان بقول محمد، أما عند أبي يوسف إذا بدأ
بالدين يصير قابضا لهما جميعا كما لو بدأ
بالعين ضرورة اتصاله بملكه في الصورتين إذ
الخلط ليس باستهلاك، وقال محمد يصير قابضا
للعين دون الدين فيشتركان فيه ولم يبرأ عن
الدين وأشار بقوله في
ج / 6 ص -248-
ولو
أسلم أمة في كر وقبضت الأمة فتقايلا وماتت أو
ماتت قبل الإقالة بقي وصح وعليه قيمتها وعكسها
شراؤها بألف.
______
ظرفه إلى أنه لا طعام فيه، فلو كان في الظرف
طعام لرب السلم قبل لا يصير قابضا لما قررنا
أن أمره غير معتبر في ملك الغير، قال في
المبسوط والأصح عندي أنه يصير قابضا ; لأن
أمره بخلط طعام السلم بطعام على وجه لا يتميز
به معتبر فيصير به قابضا، كذا في فتح القدير
وأشار المصنف بمسألة السلم إلى مسألة القرض،
قال في البدائع: وكذلك لو استقرض من رجل كرا
ودفع إليه غرائره ليكيله فيها ففعل وهو غائب
لم يكن قابضا ; لأن القرض لا يملك قبل القبض
فكان الكر على ملك المقرض فلم يصح الأمر ا هـ.
"قوله:
ولو أسلم أمة في كر وقبضت الأمة فتقايلا وماتت
أو ماتت قبل الإقالة بقي وصح وعليه قيمتها"
أي بقي عقد الإقالة فيما إذا تقايلا وهي حية،
ثم ماتت وصح إنشاء عقد الإقالة فيما إذا
تقايلا بعد موتها ووجب على المسلم إليه قيمة
الجارية في المسألتين يوم قبضها ; لأن شرط صحة
الإقالة بقاء العقد وهو يبقى ببقاء المعقود
عليه والمعقود عليه في السلم هو المسلم فيه
وهو باق في ذمة المسلم إليه بعد هلاك الجارية،
فإذا انفسخ العقد وجب عليه رد الجارية، وقد
عجز بموتها فيجب عليه قيمتها كما لو تقايضا،
ثم تقايلا بعد هلاك أحدهما أو هلك أحدهما بعد
الإقالة، وإنما اعتبر يوم القبض ; لأن سبب
الضمان كالغصب
"قوله:
وعكسها شراؤها بألف" أي إذا
ماتت الجارية المبيعة لم تصح الإقالة، وإذا
تقايلا، ثم ماتت بطلت الإقالة ; لأن المعقود
عليه الجارية فلا بد من قيامها لصحة الإقالة
وبقائها إلى أن تقبض وقيد به ; لأن الإقالة في
الصرف صحيحة بعد هلاك البدلين أو أحدهما باقية
بعد الهلاك لأن المعقود عليه في الصرف ما وجب
لكل واحد منهما في ذمة الآخر وهو غير معين فلا
يتصور هلاكه والمقبوض عين ولذا لو كان المقبوض
قائما لم يتعين للرد بعد الإقالة وفي القنية
تقايلا البيع في العبد فأبق من يد المشتري،
فإن لم يقدر على تسليمه بطلت الإقالة والبيع
بحاله. ا هـ.
والحاصل أنه يشترط لصحة إقالة البيع قيام
المبيع دون الثمن، فلو تقايلا بعد هلاك الثمن،
ولو معينا صحت ولكن لا بد من عدم الإبراء عنه
لما في القنية أبرأ البائع المشتري عن الثمن
بعد قبض المبيع، ثم تقايلا لا تصح. ا هـ. وقيد
بهلاكها ; لأنها لو قطعت يدها، ثم تقايلا صحت
ولزمه رد جميع الثمن ولا شيء للبائع من أرش
اليد إذا علم وقت الإقالة أنها قطعت يدها وأخذ
المشتري أرشها وإن لم يعلم يخير المشتري بين
الأخذ بجميع الثمن أو الترك، كذا في القنية،
ثم رقم الأشجار لا تسلم للمشتري وللبائع أن
يأخذ قيمتها منه ; لأنها موجودة وقت البيع
بخلاف
ج / 6 ص -249-
والقول
لمدعي الرداءة والتأجيل لا لنا في الوصف
والأجل
______
الأرش ; لأنه لم يدخل في البيع أصلا لا قصدا
ولا ضمنا، وقال قبله اشترى أرضا مع الزرع
وأدرك الزرع في يده، ثم تقايلا لا تجوز
الإقالة ; لأن العقد إنما ورد على القصيل دون
الحنط، ولو حصد المشتري الزرع، ثم تقايلا صحت
الإقالة في الأرض بحصتها من الثمن، ولو اشترى
أرضا فيها أشجار فقطعها، ثم تقايلا صحت
الإقالة بجميع الثمن ولا شيء للبائع من قيمة
الأشجار وتسلم الأشجار للمشتري هذا إذا علم
البائع بقطع الأشجار، وأما إذا لم يعلم به وقت
الإقالة يخير إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن
شاء ترك ا هـ.
"قوله: والقول لمدعي الرداءة والتأجيل لا لنا
في الوصف والأجل" أي إذا
اختلفا في اشتراط وصف السلم بأن قال أحدهما
شرطناه رديئا، وقال الآخر لم نشترط شيئا أو
قال أحدهما شرطنا الأجل، وقال الآخر لم نشترط
شيئا كان القول لمن ادعى الاشتراط فيهما لا
لمن نفاه ; لأنه مدعي الصحة إذ السلم لا يجوز
إلا مؤجلا موصوفا فشهد له الظاهر ; لأن الفاسد
حرام والظاهر أن المسلم لا يباشره أطلقه فشمل
ما إذا كان رب السلم مدعي الوصف أو المسلم
إليه وفي الأول خلافهما فالإمام علل بأنه مدعي
الصحة وهما عللا بأن المسلم إليه منكر فالقول
له وشمل أيضا ما إذا كان مدعي الأجل المسلم
إليه أو رب السلم وفي الأول خلافهما لإنكاره
وإذا قبل في الثاني قول رب السلم اتفاقا رجع
إليه في مقدار الأجل أيضا فيقبل قوله في أصله
ومقداره، والأصل عند الإمام أن القول لمدعي
الصحة سواء كان الآخر متعنتا أو لا وعندهما
القول للمنكر إن لم يكن متعنتا وهو من أنكر ما
ينفعه وغير المتعنت من أنكر ما يضره هذا في
الشريعة وأما المتعنت في اللغة فهو من يطلب
العنت وهو الوقوع فيما لا يستطيع الإنسان
الخروج عنه، كذا في البناية. ولو قال المصنف
والقول لمدعي الوصف الشامل للرداءة والجودة
لكان أولى ; لأن أحدهما لو قال شرطناه جيدا
ونفى الآخر الاشتراط أصلا فالقول للمثبت قيد
الاختلاف في أصل التأجيل لأنهما لو اختلفا في
مقداره فالقول للطالب مع اليمين لإنكاره
الزيادة وأي برهن قبل وإن برهنا قضي ببينة
المطلوب لإثباتها الزيادة وإن اختلفا في مضيه
فالقول للمطلوب لإنكاره توجه المطالبة فإن
برهنا قضي ببينة المطلوب لإثباتها زيادة الأجل
فالقول قوله أي المسلم إليه والبينة بينته،
أما إذا نظرنا إلى الصورة فهو منكر وإن نظرنا
إلى المعنى فمعناه ثبوت الحق في الشهر
المستقبل، فإذا أقاما البينة فبينة المسلم
إليه بمعناها أثبتنا حقا له في شهر لم يتعرض
ببينة رب السلم لذلك الشهر فكانت بينته أولى،
كذا في إيضاح الكرماني، ثم اعلم أن بين الأجل
والوصف فرقا وهو أن الاختلاف في مقدار الأجل
يعني أنه ما هو لا يوجب التحالف وفي الوصف
يوجبه لكونه يجري مجرى الأصل وفي الخلاصة إذا
شرط في السلم الثوب الجيد فجاء بثوب وادعى أنه
جيد وأنكر الطالب فالقاضي يرى اثنين من أهل
تلك الصنعة وهذا أحوط والواحد يكفي فإن قالا
جيد أجبره على
ج / 6 ص -250-
...........................................
______
القبول. فإذا اختلفا في السلم يتحالفان
استحسانا ويبدأ بيمين المطلوب عند أبي يوسف،
ثم رجع وقال بيمين الطالب وهو قول محمد وأي
برهن قبل فإن برهنا قضي ببينة رب السلم بسلم
واحد عند أبي يوسف ويقال هو قول أبي حنيفة
والمسألة على ثلاثة أوجه ; لأن رأس المال إما
عين أو دين وكل وجه على ثلاثة أوجه اتفقا على
رأس المال واختلفا في المسلم فيه أو على القلب
أو اختلفا فيهما، فإن كان رأس المال عينا
واختلفا في المسلم فيه لا غير، فقال الطالب
هذا الثوب في كر حنطة، وقال الآخر في نصف كر
أو في شعير أو في الحنطة الرديئة وأقاما
البينة قضي ببينة رب السلم إجماعا وإن اختلفا
في رأس المال فقال أحدهما هذا الثوب، وقال
الآخر هذا العبد واتفقا في المسلم فيه أنه
الحنطة أو قال أحدهما هذا الثوب في كر حنطة،
وقال الآخر في كر شعير وأقاما البينة قضي
بالسلمين فمحمد رحمه الله مر على أصله وأبو
يوسف يقول كل يدعي عقدا غير ما يدعيه الآخر،
وإن كان رأس المال دراهم أو دنانير إن اتفقا
في رأس المال واختلفا في المسلم فيه وأقاما
البينة فالبينة لرب السلم ويقضى بسلم واحد عند
أبي يوسف خلافا لمحمد وإن كان الاختلاف على
القلب فعلى هذا الاختلاف، ولو اختلفا فيهما
فقال أحدهما عشرة دراهم في كرى حنطة، وقال
الآخر خمسة عشر في كر وأقاما البينة فعند أبي
يوسف تثبت الزيادة فيجب خمسة عشر في كرين ولا
يقضى بسلمين وعند محمد يقضى بسلمين عقد بخمسة
عشر في كر وعقد بعشرة في كرين. ولو ادعى
أحدهما أن رأس المال دراهم والآخر دنانير لم
يذكر هذا وينبغي أن يقضى بسلمين كما في
الثوبين، كذا في فتح القدير.
والحاصل أنهما إن اختلفا في الجنس والصفة أو
المقدار تحالفا سواء كان في رأس المال أو في
المسلم إليه وإن اختلفا في اشتراط الوصف أو
الأجل فالقول لمثبته لا لنا فيه وإن اختلفا في
مقدار الأجل فالقول لرب السلم وإن اختلفا في
مضيه فالقول للمسلم إليه، وإن اختلفا في بيان
مكان الإيفاء فالقول للمطلوب وفي اشتراطه فلمن
أثبته وفي الظهيرية إذا اختلفا في جنس المعقود
عليه تحالفا وكذا في الصفة بخلاف الاختلاف في
الصفة في بيع العين، ولو اختلفا في مكان
الإيفاء فالقول للمطلوب وإن برهنا فللطالب
عنده وعندهما يتحالفان ويترادان السلم وقيل
على العكس. ا هـ.
وفي الصحاح ردأ الشيء يردأ رداءة فهو رديء أي
فاسد وأردأته أي أفسدته. ا هـ. وقد ذكر المصنف
رحمه الله تعالى أولا في الدعوى التأجيل وفي
النفي الأجل فظاهره أنه لا فرق بينهما عنده
وليس كذلك لما في القاموس الأجل غاية الوقت في
الموت وحلول الدين ومدة الشيء والجمع آجال
والتأجيل تحديد الأجل. ا هـ. والتحديد بمعنى
التقدير وقدمنا أنهما لو
ج / 6 ص -251-
وصح
السلم والاستصناع في نحو خف وطست.
______
اختلفا في مقداره فالقول للطالب فتعين أن يكون
التأجيل في كلامه بمعنى الأجل مجازا بدليل
الثاني.
"قوله:
وصح السلم والاستصناع في نحو خف وطست"
أما السلم فلإمكان ضبط الصفة ومعرفة المقدار
فكان سلما باستجماع شرائطه، وأما الاستصناع
فالكلام فيه في مواضع الأول في معناه لغة فهو
طلب الصنعة وفي القاموس الصناعة ككتابة حرفة
الصانع وعمله الصنعة. ا هـ. فعلى هذا
الاستصناع لغة طلب عمل الصانع وشرعا أن يقول
لصاحب خف أو مكعب أو صفار اصنع لي خفا طوله
كذا وسعته كذا أو دستا أي برمة تسع كذا ووزنها
كذا على هيئة كذا بكذا وكذا ويعطي الثمن
المسمى أو لا يعطي شيئا فيقبل الآخر منه
الثاني في دليله وهو الإجماع العملي وهو ثابت
بالاستحسان والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر
لكونه بيع المعدوم وتركناه للتعامل ولا تلزم
المعاملة والمزارعة على قول أبي حنيفة
لفسادهما مع التعامل لثبوت الخلاف فيهما في
الصدر الأول وهذا بالاتفاق فلهذا قصرناه على
ما فيه تعامل وفيما لا تعامل فيه رجعنا فيه
إلى القياس كان يستصنع حائكا أو خياطا لينسج
له أو يخيط له قميصا بغزل نفسه وفي القنية دفع
مصحفا إلى مذهب ليذهبه بذهب من عنده وأراه
الذهب أنموذجا من الأعشار والأخماس ورءوس الآي
وأوائل السور فأمره رب المصحف أن يذهبه كذلك
بأجرة معلومة لا يصح. سئل عمر النسفي عمن دفع
إلى حائك غزلا لينسج له عمامة من سداه فجاء
بها منسوجة فقال صاحب الغزل اشتريت منك ما في
هذا المنسوج من الإبريسم بكذا، وقال الآخر بعت
هل يصح فقال بيع ما صار على الآمر للمأمور من
الإبريسم السدا بالعقد الأول صار ملكا للآمر
قال أبو الفضل الإبريسم دين على الآمر وأجرة
العمل عليه. قال لنجار ابن لي بيتا فإذا بنيته
يقومه المقومون فما يقولون أدفعه إليك فرضيا
به وبناه وقومه رجل باتفاقهما وأبى الصانع فله
أجر مثله، وقال أبو حامد1 وحمير الوبري2 هو
بمنزلة المقوم لا الحكم فلا يلزمه تقويمه. ا
هـ. الثالث: في صفته فقد اختلفوا في كونه
مواعدة أو معاقدة فالحاكم الشهيد والصفار
ومحمد بن سلمة وصاحب3 المنشور مواعدة، وإنما
ينعقد عند الفراغ بالتعاطي ولهذا كان للصانع
أن لا يعمل ولا يجبر عليه بخلاف السلم
وللمستصنع أن لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله أبو حامد السرخسي والله أعلم. ا هـ
"الجواهر المضية" (4/33).
2 تقدم تخريجه (1/ 19) ولكن ذكره في "الفوائد
البهية" بقوله: خبير الوبري (161) وذكر في
"الجواهر المضية" (4/339) بقوله: خمير وكذلك
في "تاج التراجم" (167- 108).
3 وهو في فروع الحنمفية للإمام ناصر الدين أبي
القاسم بن يوسف السرفندي الحنفي. ا هـ "كشف
الظنون" (2/186).
ج / 6 ص -252-
وله
الخيار إذا رأى المصنوع وللصانع بيعه قبل أن
يراه
ــــــــــــــــــــــــ
يقبل ما يأتي ويرجع عنه والصحيح من المذهب
جوازه بيعا ; لأن محمدا ذكر فيه القياس
والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة ولأن
جوازه فيما فيه تعامل خاصة، ولو كان مواعدة
لجاز في الكل وسماه أيضا شراء فقال إذا رآه
المستصنع فله الخيار ; لأنه اشترى ما لم يره
ولأن الصانع يملك الدراهم بقبضها، ولو كانت
مواعدة لم يملكها. وإثبات أبي اليسر الخيار
لكل منهما لا يدل على أنه غير بيع كما في بيع
المقايضة وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع
اعتبر فيه المعدوم موجودا وهو كثير في الشرع
كطهارة صاحب العذر وتسمية الذابح إذا نسيها
والرهن بالدين الموعود وقراءة المأموم والرابع
في المعقود عليه فاختلف فيه فالمذهب المرضي في
الهداية أنه العين دون العمل، وقال البردعي
المعقود عليه العمل دون العين ; لأن الاستصناع
ينبئ عنه والأديم والصرم بمنزلة الصبغ والدليل
على المذهب ما ذكرناه من قول محمد لأنه اشترى
ما لم يره ولذا لو جاء به مفروغا لا من صنعته
أو من صنعته قبل العقد فأخذه جاز، وإنما يبطله
بموت الصانع لشبهه بالإجارة. وفي الذخيرة هو
إجارة ابتداء بيع انتهاء لكن قبل التسليم لا
عند التسليم بدليل قولهم إذا مات الصانع يبطل
ولا يستوفي المصنوع من تركته ذكره محمد في
كتاب البيوع وإنما لم يجبر الصانع على العمل
والمستصنع على إعطاء المسمى ; لأنه لا يمكنه
إلا بإتلاف عين ماله والإجارة تفسخ بهذا العذر
الخامس في حكمه وهو الجواز دون اللزوم ; لأن
جوازه للحاجة وهي في الجواز لا اللزوم ولذا
قلنا للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه
المستصنع ; لأن العقد غير لازم، وأما بعدما
رآه فالأصح أنه لا خيار للصانع بل إذا قبله
المستصنع أجبر على دفعه له ; لأنه بالآخرة
بائع له وتفرع على عدم لزومه ما في فتاوى قاضي
خان من الدعوى رجل استصنع رجلا في شيء، ثم
اختلفا في المصنوع فقال المستصنع لم تفعل ما
أمرتك به، وقال الصانع فعلت قالوا لا يمين فيه
لأحدهما على الآخر، ولو ادعى الصانع على رجل
أنك استصنعت إلي في كذا وأنكر المدعى عليه لا
يحلف. ا هـ.
"قوله:
وله الخيار" أي للمستصنع
الخيار "إذا رأى المصنوع" لما قدمناه أنه
اشترى ما لم يره بخلاف السلم ; لأنه لا فائدة
في إثبات الخيار فيه لأنه كلما رآه عليه أعطاه
غيره لكونه غير متعين إذ المسلم فيه في الذمة
فيبقى فيها إلى أن يقبضه قيد به لأنه لا خيار
للصانع ; لأنه باع ما لم يره وعن أبي حنيفة أن
له الخيار ; لأنه يلحقه الضرر بقطع الصرم
والصحيح الأول
"قوله:
وللصانع بيعه قبل أن يراه" أي
المستصنع ; لأنه لا يتعين إلا باختياره قيد
بقوله قبل أن يراه ; لأنه إذا رآه ورضي به
امتنع على الصانع بيعه لأنه بالإحضار أسقط
خيار ولزم.
ج / 6 ص -253-
ومؤجله
سلم
ــــــــــــــــــــــــ
"قوله: ومؤجله سلم" أي إذا
أجله المستصنع صار سلما وهذا عند أبي حنيفة،
وقالا إن ضرب الأجل فيما فيه تعامل فهو
استصناع وإن ضرب فيما لا تعامل فيه فهو سلم
لتعذر جعله استصناعا ويحمل الأجل فيما فيه
تعامل على الاستعجال وله أنه يحتمل السلم فحمل
عليه وهو أولى لكونه ثابتا بالكتاب والسنة
والإجماع مطلقا، وأما الاستصناع فبالتعامل
ومخصوص بما فيه تعامل ولأن الأجل لتأخير
المطالبة وذلك باللزوم وهو في السلم دونه
والمراد بالأجل ما قدمه من أن أقله شهر فإن لم
يصلح كان استصناعا إن جرى فيه تعامل وإلا
ففاسد إن ذكره على وجه الاستمهال فإن كان
للاستعجال بأن قال على أن تفرغ منه غدا أو بعد
غد كان صحيحا، وفصل الهندواني فجعله من
المستصنع استعجالا ومن الصانع تعجيلا، ثم
فائدة كونه سلما أن يشترط فيه شرائطه من القبض
قبل الافتراق وعدم الخيار إلى غير ذلك من
الأحكام وفي الصحاح الطست الطس بلغة طيئ أبدل
من إحدى السينين تاء للاستثقال، فإذا جمعت أو
صغرت ردت السين لأنك فصلت بينهما بألف أو ياء
قلت: طساس وطسيس. ا هـ. وفي المغرب الطست
مؤنثة وهي أعجمية والطس تعريبها والجمع طساس
وطسوس وقد يقال الطسوت ذكره في الشين المعجمة
والقمقمة بالضم معروفة، وقال الأصمعي هو رومي
والجمع قماقم كذا في الصحاح. ا هـ. والله
أعلم.
11- باب المتفرقات
صح بيع الكلب والفهد
والسباع والطيور
ــــــــــــــــــــــــ
باب المتفرقات
هكذا في نسخة الزيلعي
وفي نسخة العيني مسائل متفرقة وعبر عنها في
الهداية بمسائل منثورة والمعنى واحد، وحاصلها
أن المسائل التي تشذ عن الأبواب المتقدمة فلم
تذكر فيها إذا استدركت سميت بها أي متفرقة من
أبواب أو منثورة عن أبوابها
"قوله: صح بيع الكلب والفهد والسباع والطيور"
لما رواه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه
صلى الله عليه وسلم رخص في ثمن كلب الصيد1.
ولأنه مال متقوم آلة الاصطياد فصح بيعه
كالبازي بدليل أن الشارع أباح الانتفاع به
حراسة واصطيادا فكذا بيعا وهذا على القول
المفتى به من طهارة عينه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ: "نهى
عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد" وقال هذا حديث لا
يصح من هذا الوجه. كتاب البيوع باب (50)
(1281) وذكره الزيلعي في "نصب الراية" (4/53).
ج / 6 ص -254-
...........................................
ــــــــــــــــــــــــ
بخلاف الخنزير فإنه نجس العين، وأما على رواية
أنه نجس العين كالخنزير فقال في فتح القدير،
ولو سلم نجاسة عينه فهي توجب حرمة أكله لا منع
بيعه بل منع البيع بمنع الانتفاع شرعا ولهذا
أجزنا بيع السرقين والبعر مع نجاسة عينهما
لإطلاق الانتفاع بهما عندنا بخلاف العذرة لم
يطلق الانتفاع بها فمنع بيعها فإن ثبت شرعا
إطلاق الانتفاع بها مخلوطة بالتراب، ولو
بالاستهلاك كالاستصباح بالزيت النجس كما قيل
جاز بيع ذلك التراب التي هي في ضمنه وبه قال
مشايخنا وإنما امتنع بيع الخمر لنص خاص في منع
بيعها وهو الحديث "إن الذي حرم شربها حرم
بيعها"(1). ا هـ.
وفي القنية اشترى ثورا أو فرسا من خزف
لاستئناس الصبي لا يصح ولا يضمن متلفه "طب"2
صح ويضمن متلفه يجوز بيع خرء الحمام إن كان
كثيرا وهبته أدنى القيمة التي تشترط لجواز
البيع فلسا، ولو كانت كسرة خبز لا يجوز. ا هـ.
أطلقه فشمل المعلم وغيره العقور وغيره هكذا
أطلق في الأصل فمشى القدوري على هذا الإطلاق
ونص في نوادر هشام عن محمد في جواز بيع العقور
وتضمين من قتله قيمته وعن أبي يوسف منع بيع
العقور وذلك في المبسوط أنه لا يجوز بيع الكلب
العقور الذي لا يقبل التعليم، وقال هذا هو
الصحيح من المذهب قال وهكذا نقول في الأسد إذا
كان يقبل التعليم ويصطاد به أنه يجوز بيعه وإن
كان لا يقبل التعليم والاصطياد به لا يجوز قال
والفهد والبازي يقبلان التعليم فيجوز بيعهما
على كل حال. ا هـ. فعلى هذا لا يجوز بيع النمر
بحال ; لأنه لشراسته لا يقبل التعليم، وفي بيع
القرد روايتان وجه رواية الجواز وهو الأصح كما
ذكره الشارح أنه يمكن الانتفاع بجلده وهذا هو
وجه إطلاق رواية بيع الكلب والسباع فإنه مبني
على أن كل ما يمكن الانتفاع بجلده أو عظمه
يجوز بيعه وصحح في البدائع عدم الجواز ; لأنه
لا يشترى للانتفاع بجلده عادة بل للتلهي به
وهو حرام. ا هـ. ويجوز بيع الهرة لأنها تصطاد
الفأرة والهوام المؤذية فهي منتفع بها ولا
يجوز بيع هوام الأرض كالخنافس والعقارب
والفأرة والنمل والوزغ والقنافذ والضب ولا
هوام البحر كالضفدع والسرطان وكذا كل ما كان
في البحر إلا السمك وما جاز الانتفاع بجلده أو
عظمه، كذا في البدائع وفي القنية وبيع غير
السمك من دواب البحر إن كان له ثمن3
كالسقنقور4 وجلود الخز ونحوها يجوز وإلا فلا،
وجمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه مسلم في المساقاة، باب تحريم بيع
الخمر (1579) وذكره المزي في "تحفة الأشراف"
(5823) والنسائي في البيوع، باب بيع الخمر
(4678).
2 رمز من رموز "القنية" وتقدم فيما سبق.
3 في الأصل كالسقور.
4 دابة تنشأ بشاطئ بحر النيل لحمها باهي. ا هـ
"القاموس" مادة / سقر /.
ج / 6 ص -255-
والذمي
كالمسلم في بيع الخمر والخنزير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الماء قيل يجوز حيا لا ميتا والحسن أطلق
الجواز وذكر أبو الليث يجوز بيع الحيات إذا
كان ينتفع بها في الأدوية فإن لم ينتفع بها لا
يجوز ورده في البدائع بأنه غير سديد ; لأن
المحرم شرعا لا يجوز الانتفاع به للتداوي
كالخمر فلا تقع الحاجة إلى شرع البيع ويجوز
بيع الدهن النجس لأنه ينتفع به للاستصباح فهو
كالسرقين، أما العذرة فلا ينتفع بها إلا
مخلوطة بالتراب فلا يجوز إلا تبعا ويجمع
الفهد على فهود وفهد الرجل إذا أشبه الفهد في
كثرة نومه وتمرده وفي الحديث "إن دخل فهد وإن
خرج أسد"1 والسبع واحد السباع كذا في الصحاح
وفي فتح القدير والانتفاع بالكلب للحراسة
والاصطياد جائز إجماعا لكن لا ينبغي أن يتخذ
في داره إلا إن خاف اللصوص أو عدوا وفي الحديث
الصحيح "من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية
نقص من أجره كل يوم قيراطان"2 وفي البدائع
ويجوز بيع الفيل بالإجماع لأنه منتفع به حقيقة
مباح الانتفاع به شرعا على الإطلاق فكان مالا.
"قوله: والذمي كالمسلم في بيع غير الخمر
والخنزير" لأنه مكلف محتاج
فشرع في حقهم أسباب المعاملات فكل ما جاز لنا
من البياعات من الصرف والسلم وغيرهما جاز له
وما لا يجوز من الربا وغيره لا يجوز له إلا
الخمر والخنزير فإن عقدهم فيها كعقدنا على
العصير والشاة فيجوز له السلم في الخمر دون
الخنزير، وفي البدائع لا يمنعون من بيع الخمر
والخنزير، أما على قول بعض مشايخنا فلأنه مباح
الانتفاع به شرعا لهم فكان مالا في حقهم عن
البعض حرمتهما ثابتة على العموم في حق المسلم
والكافر لأن الكفار مخاطبون بشرائع هي محرمات
وهو الصحيح من مذهب أصحابنا فكانت الحرمة
ثابتة في حقهم لكنهم لا يمنعون عن بيعها لأنهم
لا يعتقدون حرمتها ويتمولونها، وقد أمرنا
بتركهم وما يدينون. ا هـ. قيد بالخمر والخنزير
لأنا لا نجيز فيما بينهم بيع الميتة والدم،
وأما المنخنقة والتي قد جرحت في غير موضع
الذبح وذبائح المجوس كالخنزير قال في الإصلاح
فالمستثنى غير مختص بهما كما يفهم من الهداية.
ا هـ. وفي البزازية وبيع المجوسي ذبيحته أو ما
هو ذبيحة عنده كالخنق من كافر جائز عند
الثاني. ا هـ. فظاهره أنه غير جائز عند الأول
والثالث وحينئذ فالمستثنى مختص بالخمر
والخنزير لا كما زعم صاحب الإصلاح وفي
البزازية أيضا بيع متروك التسمية عمدا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو جزء من حديث مطول أخرجه البخاري في
النكاح باب حسن المعاشرة مع الأهل (5189) من
حديث عائشة، ومسلم في فضائل الصحابة، باب ذكر
حديث أم زرع (2448).
2 أخرجه مسلم في المساقاة باب الأمر بقتل
الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا
لصيد أو زرع أو ماشية أو غيرذلك من حديث عبد
الله بن عمر، (1570) والنسائي في الصيد باب
الرخصة في إمساك الكلب للماشية (7/187) والمزي
في "تحفة الأشراف" (831).
ج / 6 ص -256-
ولو
قال بع عبدك من زيد بألف على أني ضامن لك مائة
سوى الألف فباع صح بألف وبطل الضمان وإن زاد
من الثمن فالألف على زيد والمائة على الضامن
______
من كافر يجوز. ا هـ. وفي القنية من كتاب
الشفعة تأخير اليهودي في السبت لاشتغاله
بالسبت مبطل للشفعة وفيها من الحدود ويمنع
الذمي عما يمنع المسلم إلا شرب الخمر فإن غنوا
وضربوا العيدان يمنعوا كالمسلمين لأنه لم
يستثن عنهم. ا هـ. وفي إيضاح الكرماني ولو باع
ذمي من ذمي خمرا أو خنزيرا، ثم أسلما أو أسلم
أحدهما قبل القبض انتقض البيع والمراد بلفظة
الانتقاض إثبات حق الفسخ لتعذر القبض بالإسلام
فصار كما لو أبق المبيع فإن صار خلا قبل القبض
خير المشتري إن شاء نقض وإن شاء أخذ في قولهما
وعند محمد العقد باطل وكذا المسلم إذا اشترى
عصيرا فتخمر، ولو قبض الخمر، ثم أسلما أو
أحدهما جاز البيع قبض الثمن أو لا، ولو اشترى
الذمي عبدا مسلما جاز وأجبر على بيعه وكذا إذا
اشترى مصحفا، ولو اشترى كافر من كافر عبدا
مسلما شراء فاسدا أجبر على رده ويجبر البائع
على بيعه ; لأن دفع الفساد واجب حقا للشرع
فيجبر على الرد لينعدم الفساد، ثم يجبر البائع
على بيعه وإن أعتقه الذمي جاز وإن دبره جاز
ويسعى في قيمته، وكذا لو كانت أمة فاستولدها
ويوجع الذمي ضربا ; لأنه وطئ مسلمة وذلك حرام
فإن كاتبه جاز ولا يفترض عليه فإن عجز أجبر
على بيعه، وكذا الذمي إذا ملك شقصا من مسلم
فهو كالكل فإذا كان أحد المتعاقدين مسلما
والآخر ذميا لم يجز بينهما إلا ما يجوز بين
المسلمين، ولو أقرض النصراني نصرانيا خمرا، ثم
أسلم المقرض سقط الخمر لتعذر قبضها فصار
كهلاكها مستندا إلى معنى فيها وإن أسلم
المستقرض فعن أبي حنيفة سقوطها وعنه أن عليه
قيمتها وهو قول محمد لتعذره لمعنى من جهته. ا
هـ. ولم أر حكم وقف الكافر مصحفا.
"قوله:
ولو قال بع عبدك من زيد بألف على أني ضامن لك
مائة سوى الألف فباع صح بألف وبطل الضمان وإن
زاد من الثمن فالألف على زيد والمائة على
الضامن" ; لأنه في الأول يصير
التزاما للمال ابتداء وهو رشوة وفي الثاني
يصير زيادة في الثمن وهي جائزة من الأجنبي ولا
رجوع له بها على المشتري ولا تظهر في حق
الشفيع والمرابحة ولا يحبس البائع المبيع
عليها، وإنما يحبسه على ألف وبرابح عليها
ويأخذ الشفيع بها، ولو تقايلا البيع استردها
الأجنبي، وكذا إن ردت عليه بعيب بغير قضاء وبه
لا يستردها لكونه فسخا إجماعا، ولو ضمن
الزيادة بأمر المشتري صارت كزيادته بنفسه
فتلتحق بأصل العقد فتثبت الأحكام كلها إلا أنه
لا يطالب البائع بها، وإنما يطالب من زاد كأنه
وكيله، ولو رد بعيب أو تقايلا برد الزيادة على
الضامن فقط لكونه أخذها منه دون المشتري، وذكر
في الكافي أن الشفيع يأخذها بالألف ومائة
فجعلها ظاهرة في حقه وإنما ظهرت في حقه مع أن
زيادة المشتري لا تظهر في حقه
ج / 6 ص -257-
ووطء
زوج المشتراة قبض لا عقده ومن اشترى عبدا فغاب
فبرهن البائع على بيعه وغيبته معروفة لم يبع
بدين البائع وإلا بيع بدينه
______
لأنها في العقد فصارت من الثمن بخلافها بعد
العقد قيد بقوله سوى الألف ; لأنه لو قال بعه
بألف على أني ضامن لك مائة من الثمن صار كفيلا
بمائة من الثمن ولا تثبت الزيادة، فإن أدى رجع
به إن كان بأمره وإلا فلا وقيد بكون الزيادة
في العقد لأن الأجنبي إذا زاد بعد العقد فإنه
لا يجوز إلا بإجازة المشتري أو يعطي الزيادة
من عنده أو يضمنها أو يضيفها إلى نفسه وإن زاد
بأمر المشتري جاز ولا يلزمه شيء والمال لازم
للمشتري لكونه سفيرا ومعبرا لاحتياجه إلى
إضافته للمشتري فلا يلزمه إلا بالضمان كالخلع
والصلح. وقوله بع عبدك كلام أجنبي لا تعلق له
بالإيجاب والقبول فلا حاجة إلى قوله في فتح
القدير إن قوله بع عبدك أمر والأمر لا يكون في
البيع إيجابا ; لأن الأمر المشار إليه إنما
يكون من المشتري والقائل هنا ليس هو المشتري
ولذا قال المصنف فباع أي بإيجاب وقبول.
"قوله:
ووطء زوج المشتراة قبض لا عقده"
لأن الوطء من الزوج حصل بتسليط المشتري فصار
منسوبا إليه كأنه فعله بنفسه وإن لم يطأها لا
يكون قبضا استحسانا ; لأنه لم يتصل بها من
المشتري فعل يوجب نقصا في الذات، وإنما هو عيب
من طريق الحكم ودل وضع المسألة على أن تزويج
الأمة قبل قبضها جائز بخلاف بيعها ; لأن
النكاح لا يبطل بالغرر والبيع يبطل به بدليل
صحة تزويج العبد الآبق دون بيعه، فلو انتقض
البيع بطل النكاح في قول أبي يوسف خلافا لمحمد
قال الصدر الشهيد رحمه الله تعالى والمختار
قول أبي يوسف ; لأن البيع متى انتقض قبل القبض
انتقض من الأصل فصار كأن لم يكن فكان النكاح
باطلا، وقيد القاضي الإمام أبو بكر بطلان
النكاح ببطلان البيع قبل القبض بما إذا لم يكن
بالموت حتى لو ماتت الجارية بعد النكاح قبل
القبض لا يبطل النكاح وإن بطل البيع، كذا في
فتح القدير قيد بعقد النكاح ; لأن العتق
والتدبير قبض وإن لم يكن فعلا حسيا ; لأن
العتق إنهاء للملك والتدبير من فروعه وقدمنا
في أول البيوع قبيل خيار الشرط أنه إذا أعتق
ما في بطن الجارية لا يصير قابضا لها وأن
المشتري إذا قال للغلام تعال معي كان قبضا،
وكذا إذا أمر البائع بطحن الحنطة فطحنها وأن
المشتري إذا وطئ الجارية صار قابضا لها إن
حبلت وإلا فللبائع حبسها فإن منعها البائع
فماتت ماتت من ماله ولا عقر عليه، ولو أرسل
العبد في حاجته صار قابضا كأمره أن يؤجر نفسه،
وقوله للبائع احملني معك على الدابة فحمله إلى
آخر ما ذكرته هناك.
"قوله:
ومن اشترى عبدا فغاب فبرهن البائع على بيعه
وغيبته معروفة لم يبع بدين البائع وإلا بيع
بدينه" ; لأنها إذا كانت
معروفة يتوصل إلى حقه بدون بيعه بالذهاب إليه
فلا حاجة إلى بيعه لأن فيه إبطال حق المشتري
في العين وإن لم يدر مكانه أجابه القاضي إن
ج / 6 ص -258-
...........................................
______
برهن لأن البينة هنا ليست للقضاء على الغائب،
وإنما هي لنفي التهمة وانكشاف الحال ; لأن
القاضي نصب لكل من عجز عن النظر ونظرهما في
بيعه لأن البائع يصل به إلى حقه ويبرأ من
ضمانه والمشتري أيضا تبرأ ذمته من دينه ومن
تراكم نفقته، وإذا انكشف الحال عمل القاضي
بموجب إقراره فلا يحتاج إلى خصم حاضر، وإنما
يحتاج إليه إذا كانت البينة للقضاء وهذا لأن
العبد في يده وقد أقر به للغائب على وجه يكون
مشغولا بحقه فيظهر الملك للغائب على الوجه
الذي أقر به ولا يقدر البائع أن يصل إلى حقه
كالراهن إذا مات مفلسا والمشتري إذا مات مفلسا
قبل القبض وأراد المصنف بكون المشتري غاب قبل
القبض. أما إذا غاب بعده فإن القاضي لا يجيبه
; لأن حقه غير متعلق بماليته وإنما جاز للقاضي
بيع المنقول قبل قبضه لأن البيع هنا ليس
بمقصود، وإنما المقصود إحياء حقه وفي ضمنه يصح
بيعه ; لأن الشيء قد يصح ضمنا وإن لم يصح قصدا
وأراد بالعبد المنقول عبدا كان أو غيره واحترز
به عن العقار فلا يبيعه القاضي كما في النهاية
وجامع الفصولين ولم يذكر المصنف أنه يدفع
الثمن إلى البائع ; لأن القاضي إنما يدفع له
بقدر ما باعه فإن فضل شيء عن دينه أمسكه
للمشتري الغائب لأنه بدل ملكه وإن لم يف
بالدين وبقي شيء يتبعه البائع إذا ظفر به وقيد
بالمبيع ; لأن القاضي إذا قضى بالبينة على
إنسان فغاب وله مال على الناس لا يدفع إلى
المقضي له حتى يحضر الغائب إلا في نفقة المرأة
والأولاد الصغار والوالدين، كذا عن محمد وكذا
لو مات وله ورثة غيب ومال في المصر عند
المقرين به للمقضي عليه فالقاضي لا يدفع شيئا
منه حتى تحضر ورثته أو يحضر المقضي عليه لو
غائبا، كذا في جامع الفصولين وأشار المصنف
رحمه الله تعالى إلى أن من استأجر إبلا إلى
مكة ذاهبا وجائيا ودفع الكراء ومات رب الدابة
في الذهاب حتى انفسخت الإجارة، فإذا أتى مكة
ورفع الأمر إلى القاضي فرأى أن يبيع الدابة
ويدفع بعض الأجر إلى المستأجر جاز وللمستأجر
أن يركبها إلى مكة ولا يضمن وعليه الكراء إلى
مكة وإلى أن المديون، ولو رهن وغاب غيبة
منقطعة فرفع المرتهن الأمر إلى القاضي حتى
يبيع الرهن بدينه فإنه ينبغي أن يجوز كما في
هاتين المسألتين والمسألتان في جامع الفصولين.
وفيه أيضا باع دابة ولم يوقف على المشتري
فللحاكم أن يأذن له في بيعها فيأخذ ثمنه من
ثمنه لو كان من جنسه، ولو أذن له أن يؤجرها
ويعلفها من أجرها جاز. ا هـ. وبه علم أن في
مسألة الكتاب للقاضي أن يأذن للبائع في بيعها
كما له أن يبيعها بنفسه أو أمينه وأن له أن
يأذن له في إجارتها لو كان لها أجر وظاهر
كلامهم أن البائع لا يملك البيع بلا إذن
القاضي فإن باع كان فضوليا وإن سلم كان متعديا
والمشترى منه غاصب.
"فروع"
متعلقة بالتصرف في مال الغائب منقولة من جامع
الفصولين للقاضي ولاية إيداع مال غائب ومفقود
وله إقراضه وبيع منقوله لو خيف تلفه ولم يعلم
مكان الغائب لا لو
ج / 6 ص -259-
ولو
غاب أحد المشتريين فللحاضر دفع كل الثمن وقبضه
وحبسه حتى ينقد شريكه ومن باع أمة بألف مثقال
ذهب وفضة فهما نصفان
______
علم إذ يمكنه البعث إليه إذا خاف التلف فيمكنه
حفظ العين والمالية جميعا ولا يبيع القاضي
الأمة المغصوبة إذا غاب مالكها إنما يبيع مال
المفقود. سئل نجم الدين عن أمير وهب أمة من
خادمه فأخبرته أن التاجر قتل في عين فأخذت
وتداولتها الأيدي حتى وقعت بيد هذا الأمير
والموهوب له الآن لا يجد ورثة القتيل ويعلم
أنه لو خلاها ضاعت وإن أمسكها يخاف الفتنة هل
للقاضي بيعها من ذي اليد نيابة عن الغائب حتى
لو ظهر المالك كان له على ذي اليد ثمنها قال
نعم له ذلك القاضي لا يملك تزويج أمة الغائب
والمجنون وقتهما وله أن يكاتبهما ويبيعهما لا
يملك تزويج أمة الغائب، وإن لم يكن له مال
للقاضي بيع قن المفقود وأمته لا لو كان غائبا
غير مفقود وللقاضي ولاية بيع مال الغائب مات
ولا يعلم له وارث فباع القاضي داره جاز، ولو
علم بموضع الوارث جاز ويكون حفظا ألا ترى أنه
لو باع الآبق يجوز وتمامه فيه.
"قوله:
ولو غاب أحد المشتريين فللحاضر دفع كل الثمن
وقبضه وحبسه حتى ينقد شريكه"
وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وخالف أبو يوسف في
الكل فهذه أحكام الأول في قبض جميع المبيع على
تقدير إيفاء الثمن كله فعنده إذا نقد الثمن لا
يأخذ إلا نصيبه لكونه أجنبيا في نصيب الغائب
وهما يقولان أن الحاضر مضطر إلى أداء كل الثمن
; لأن للبائع حق حبس كل المبيع إلى أن يستوفي
كل الثمن فصار كمعير الرهن وصاحب العلو
والوكيل بالشراء إذا أدى الثمن من ماله قيد
بغيبته ; لأنه لو كان حاضرا لا يقبضه اتفاقا
ويكون متبرعا ; لأنه كالوكيل عنه من وجه من
حيث إن ملك الغائب ثبت بقبول الحاضر غير وكيل
من وجه ; لأن كلا منهما لا يطالب بنصيب الآخر
فلشبهه بالأجنبي كان متبرعا في حضرته ولشبهه
بالوكيل لم يكن متبرعا حال غيبته الثاني في
حبسه عن الغائب حتى يعطيه ما دفعه عنه وهو فرع
أنه ليس بمتبرع عندهما لما قدمناه ودل أن له
الرجوع عليه واستفيد من قوله للحاضر الدفع أن
البائع يجبر على قبول ما أداه الحاضر من نصيب
الغائب كما يجبر على تسليم نصيب الغائب فهذه
خمسة أحكام على الخلاف وقيد بقوله أحد
المشتريين لأنه لو غاب أحد المستأجرين قبل نقد
الأجرة فنقد الحاضر جميعها يكون متبرعا ; لأنه
غير مضطر في نقد حصة الغائب إذ ليس للآجر حبس
الدار لاستيفاء الأجرة.
"قوله: ومن باع أمة بألف مثقال ذهب وفضة فهما
نصفان" لأنه أضاف المثقال
إليهما على السواء فيجب من كل واحد خمسمائة
مثقال لعدم الأولوية فيصير كأنه قال بعت
بخمسمائة مثقال ذهب وخمسمائة مثقال فضة ويشترط
بيان الفضة من الجودة وغيرها بخلاف ما لو قال
ج / 6 ص -260-
وإن
قضي زيف عن جيد وتلف فهو قضاء
______
من الدراهم والدنانير فإنه لا يحتاج إلى بيان
الفضة وينصرف إلى الجياد وقيد بقوله بألف
مثقال لأنه لو باعها بألف من الذهب والفضة
فإنه يجب النصف من الذهب مثاقيل ومن الفضة
دراهم العشرة منها وزن سبعة مثاقيل لأنه أضاف
الألف إليهما فينصرف إلى الوزن المعهود من كل
واحد وأشار المؤلف إلى أنه لو قال لفلان علي
كر حنطة وشعير وسمسم فإنه يجب من كل جنس ثلث
الكر وهكذا في المعاملات كلها كالمهر والوصية
الوديعة والغصب والإجارة وبدل الخلع وغيره في
الموزون والمكيل والمعدود والمذروع وفي فتح
القدير في الدراهم ينصرف إلى الوزن المعهود
وزن سبعة، ويجب كون هذا إذا كان المتعارف في
بلد العقد في اسم الدراهم ما يوزن سبعة
والمتعارف في بعض البلاد الآن كالشام والحجاز
ليس ذلك بل وزن ربع وقيراط من ذلك الدرهم وأما
في عرف مصر لفظ الدرهم ينصرف الآن إلى زنة
أربعة دراهم بوزن سبعة من الفلوس إلا أن يقيد
بالفضة فينصرف إلى درهم بوزن سبعة فإن ما
دونه ثقل أو خفة يسمونه نصف فضة. ا هـ. وعلى
هذا إذا شرط بعض الواقفين بمصر للمستحق دراهم
ولم يقيدها تتصرف إلى الفلوس النحاس، وأما إذا
قيدها بالنقرة كواقف الشيخونية والصرغتمشية1
تنصرف إلى الفضة لما في المغرب النقرة القطعة
المذابة من الذهب أو الفضة ويقال نقرة فضة على
الإضافة للبيان. ا هـ.
وفي المصباح النقرة القطعة المذابة من الفضة
وقبل الذوب هي تبر ا هـ.
"قوله:
وإن قضي زيف عن جيد وتلف فهو قضاء"
يعني إذا كان له على آخر دراهم، جياد فدفع له
زيوفا فهلكت كان قضاء وبرئ ولا رجوع عليه بشيء
أطلقه فشمل ما إذا علم بكونها زيوفا أما إذا
لم يعلم، وإنما قيد بالتلف ليعلم حكم ما إذا
أنفقها بالأولى وهذا عندهما، وقال أبو يوسف
إذا لم يعلم يرد مثل زيوفه ويرجع بالجياد ;
لأن حقه في الوصف كالقدر، وقد تعذر الرجوع
بصفة الجودة فتعين رد مثل المقبوض والرجوع
بالجياد ولهما أن المقبوض من جنس حقه، بدليل
أنه لو تجوز بها في الصرف والسلم لجاز، ولو لم
يكن من الجنس لكان استبدالا وهو حرام فلم يبق
إلا الجودة ولا قيمة لها، وقد حصل الاستيفاء
وذكر فخر الإسلام وغيره أن قولهما قياس وقول
أبي يوسف هو الاستحسان فظاهره ترجيح قول أبي
يوسف قيد يتلفها ; لأنها لو كانت قائمة ردها
وفي الجوهرة من كتاب الرهن إذا علم قبل أن
ينفقها فطالبه بالجياد وأخذها كان الجياد
أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض. ا
هـ.
وفي الذخيرة لو كان له عليه جياد فقضاه زيوفا،
وقال أنفقها فإن لم ترج فردها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم ذكرهما فيما سبق.
ج / 6 ص -261-
...........................................
______
علي ففعل فلم ترج فله أن يردها استحسانا فرق
بين هذا وبين ما إذا اشترى عينا فوجد بها عيبا
فأراد ردها فقال له البائع بعه فإن لم يشتره
أحد فرده علي فعرضه على البيع فلم يشتره أحد
منه ليس له أن يرده، والفرق أن المقبوض من
الدراهم ليس عين حق القابض بل هو من جنس حقه
لو تجوز به جاز وصار عين حقه فإذا لم يتجوز
بقي على ملك الدافع فصح أمر الدافع بالتصرف
فيه فهو في الابتداء تصرف للدافع وفي الانتهاء
لنفسه بخلاف التصرف في العين لأنها ملكه
فتصرفه لنفسه فبطل خياره. ا هـ. وقدمنا أن
الزيوف كالجياد في خمس مسائل كما في
الولوالجية، وزدنا في أول كتاب البيوع سادسا
عند الكلام على الأثمان قيدنا الخلاف بعدم
العلم ; لأنه لو علم بها وأنفقها كان قضاء
اتفاقا وقيد بالزيوف ; لأنها لو كانت ستوقة أو
نبهرجة فأتلفها فإنه يرد مثلها ويرجع بالجياد
اتفاقا وهما فرقا بأن الزيوف من جنس حقه
والستوقة والنبهرجة لا وفي المصباح زافت
الدراهم تزيف زيفا من باب سار ردأت، ثم وصف
بالمصدر فقيل درهم زيف مثل فلس وفلوس وربما
قيل زائف على الأصل ودراهم زيف مثل راكع وركع
وزيفتها تزييفا أظهرت زيفها قال بعضهم الدراهم
الزيوف هي المطلية بالزئبق المعقود بمزاوجة
الكبريت وكانت معروفة قبل زماننا، وقدرها مثل
سنج الميزان. ا هـ. وفي الواقعات الحسامية من
البيع تكلموا في معرفة الزيوف والنبهرجة، قال
أبو النصر الزيوف دراهم مغشوشة، أما النبهرجة
التي تضرب في غير دار السلطان والستوقة صفر
مموه بالفضة، وقال الفقيه أبو جعفر الزيوف ما
زيفه بيت المال يقال في عرفنا غطريفي لا غير
النبهرجة مالا يقبله التاجر. ا هـ.
وفي الجوهرة من الرهن من كان له على رجل درهم
فأعطاه درهمين صغيرين وزنهما درهم جاز ويجبر
على قبض ذلك، ولو كان له دينار فأعطاه دينارين
صغيرين وزنهما دينار فأبى لم يجبر على ذلك. ا
هـ. وفي الواقعات الحسامية من كتاب الصلح،
وقال أبو يوسف: إذا اقتضى دراهم فأنفقها، ثم
ردت عليه بعيب الزيافة فإن كان حين أنفقها
يعلم أنها زائفة فله أن يردها سواء قبلها
بقضاء أو بغير قضاء فرق بين هذا وبين المبيع
إذا قبله البائع بغير قضاء ليس له أن يرده
والفرق أن هناك الرد إذا كان بغير قضاء جعل
عقدا جديدا في حق الثالث وهو البائع، أما هنا
لا يمكن أن يجعل بيعا جديدا لأنه لم يملك الرد
على ما قدمناه، وقال أبو يوسف من أقرض كر حنطة
عفنة وقبضها المستقرض واستهلكها، ثم قضاه كر
حنطة جيدة فإن كان قال له الطالب لي عليك حنطة
طيبة وصدقه المطلوب ثم قضاه ثم تصادقا أن الكر
القرض كان عفنا فللمستقرض أن يرجع فيما قضاه
ويعطيه كرا عفنا مثل القرض فإن لم يكن للطالب
قال له كرى جيد لكن المستقرض قضاه جيدا من غير
شرط جاز وليس له أن يرجع، قلت: ويحتمل أن يكون
ج / 6 ص -262-
وإن
أفرخ طير أو باض أو تكنس ظبي في أرض رجل فهو
لمن أخذه
______
جواب الوجه الأول قول أبي يوسف خاصة على ما
قدمناه. ا هـ.
وفي الذخيرة من آخر كتاب الصرف قال أبو حنيفة
لا بأس ببيع المغشوش إذا بين وكان ظاهرا يرى
وهو قول أبي يوسف، وقال في رجل معه فضة نحاس
لا يبيعها حتى يبين ولا بأس بأن يشتري بستوقة
إذا بين، وأرى أن للسلطان أن يكسرها لعلها تقع
في أيدي من لا يبين وبشر في الإملاء عن أبي
يوسف أكره للرجل أن يعطي الزيوف والنبهرجة
والستوقة والمكحلة والبخارية وإن بين ذلك
وتجوز بها عند الأخذ من قبل أن إنفاقها ضرر
على العوام وما كان ضررا عاما فهو مكروه وليس
بمعصية ورضا هذين الحاضرين خوفا من الوقوع في
أيدي المدلسة على الجاهل ومن التاجر الذي لا
يتحرج قال وكل شيء لا يجوز فإنه ينبغي أن يقطع
ويعاقب صاحبه إذا أنفقه وهو يعرفه ا هـ.
قوله: "وإن أفرخ طير أو باض أو تكنس1 ظبي في
أرض رجل فهو لمن أخذه" ; لأنه
مباح سبقت يده إليه فكان أولى به لقوله عليه
السلام "الصيد لمن أخذه" والبيض صيد ولهذا يجب
على المحرم الجزاء بكسره أطلقه وهو مقيد
بقيدين الأول ذكره الشارح أن لا تكون أرضه
مهيأة لذلك وإن كانت مهيأة للاصطياد فهو له ;
لأن الحكم لا يضاف إلى السبب الصالح إلا
بالقصد ألا ترى أن من نصب شبكة للجفاف فتعلق
بها صيد أو حفر بئرا للماء فوقع فيها صيد لا
يملكه ولا يجب عليه الجزاء إن كان محرما وإن
قصد به الاصطياد ملكه ووجب عليه الجزاء إن كان
محرما، وعلى هذا التفصيل لو دخل صيد داره أو
وقع ما نثر من الدراهم في ثيابه بخلاف معسل
النحل في أرضه حيث يملكه وإن لم تكن أرضه معدة
لذلك لأنه من إنزال الأرض حتى يملكه تبعا لها
كالأشجار النابتة والتراب المجتمع فيها بجريان
الماء وإن لم تكن معدة ولهذا يجب في العسل
العشر إذا أخذ من أرض العشر الثاني في الذخيرة
من كتاب الصيد وهذا إذا كان صاحب الأرض بعيدا
من الصيد بحيث لا يقدر على أخذه لو مد يده،
وأما إذا كان صاحب الأرض قريبا من الصيد بحيث
يقدر على أخذه لو مد يده فالصيد لصاحب الأرض ;
لأنه صار آخذا له تقديرا لتمكنه من الأخذ
حقيقة إن لم يكن آخذا له بأرضه. ا هـ. ومثله
في شرح الطحاوي. وقوله تكنس ظبي أي دخل في
كناسه وهو بالكسر بيته وكنس الظبي كنوسا من
باب نزل دخل كناسه، كذا في المصباح ولم يذكر
تكنس وفي المغرب كنس الظبي دخل في الكناس
كنوسا من باب طلب وتكنس مثله ومنه الصيد إذا
تكنس في أرض رجل أي استتر ويروى تكسر وانكسر ا
هـ. وفي فتح القدير وفي بعض النسخ تكسر أي وقع
فيها فتكسر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كنس الظبي يكطنس دخل في كناسه، وتكنس وهو
مستترة في الشجر ا هـ "القاموس" مادة / كنمس
/.
ج / 6 ص -263-
ما
يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه بالشرط
البيع
______
ويحترز به عما لو كسره رجل فيها فإنه لذلك
الرجل لا للآخذ ولا يختص بصاحب الأرض ا هـ. ثم
قال ومن جنس هذه المسائل لو اتخذ في أرضه
حظيرة فدخل الماء والسمك ملكه، ولو اتخذت
لحاجة أخرى فمن أخذ السمك فهو له، وكذا في حفر
الحفيرة إن حفرها للصيد فهو له أو لغرض آخر
فهو للآخذ وكذا صوف وضع على سطح بيت فابتل
بالمطر فعصره رجل فإن كان وضعه للماء فهو
لصاحبه وإلا فالماء للآخذ. ا هـ. وفي الذخيرة
إن أغلق الباب على الصيد ولم يعلم به لم يصر
آخذا مالكا له حتى لو خرج الصيد بعد ذلك فأخذه
غيره ملكه وفي المنتقى رجل نصب حبالة فوقع
فيها صيد فاضطرب وقطعها وانفلت فجاء آخر وأخذ
الصيد فالصيد للآخذ، ولو جاء صاحب الحبالة
ليأخذه فلما دنا منه بحيث يقدر على أخذه
فاضطرب وانفلت فأخذه آخر فهو لصاحب الحبالة.
والفرق أن فيهما صاحب الحبالة وإن صار آخذا له
إلا أنه في الأول بطل الأخذ قبل تأكده وفي
الثاني بطل بعد تأكده وكذا صيد البازي والكلب
إذا انفلت فهو على هذا التفصيل وفي الأصل إذا
رمى صيدا فصرعه فاشتد رجل وأخذه فهو لمن رماه
; لأن لما رماه صار آخذا له فصار ملكا، ولو
رمى صيدا فأصابه وأثخنه بحيث لا يستطيع براحا
فرماه آخر فقتله فالصيد للأول وإن كان يتحامل
ويطير مع ما أصابه من السهم الأول فرماه
الثاني فقتله فهو للثاني وفي الأصل أيضا لو
أرسل كلبه على صيد فاتبعه الكلب حتى أدخله في
أرض رجل أو داره كان لصاحب الكلب لأن الكلب
إنما يرسل للآخذ فيعتبر بما لو أخذه بيده وكذا
لو اشتد على صيد حتى أخرجه فأدخله دار إنسان
فهو له ; لأنه لما أخرجه واضطره فقد أخذه وعن
أبي يوسف رجل اصطاد طائرا في دار رجل فإن
اتفقا على أنه على أصل الإباحة فهو للصائد
سواء كان اصطاده من الهواء أو على الشجر ; لأن
الصيد إنما يملك بالاستيلاء والإحراز وحصوله
على حائط رجل أو شجرة ليس بإحراز فيكون للآخذ
وإن اختلفا فقال رب الدار كنت اصطدته قبلك أو
ورثته وأنكر الصائد فإن كان أخذه من الهواء
فهو له لأنه لا يد لصاحب الدار على الهواء وإن
أخذه من حائطه أو شجره فالقول لصاحب الدار
لأخذه من محل هو في يده فإن اختلفا في أخذه من
الهواء أو من الدار أو الشجرة فالقول لصاحب
الدار لأن الظاهر أن ما في دار الإنسان يكون
له ا هـ.
قوله: "ما يبطل بالشرط الفاسد ولا يصح تعليقه
بالشرط البيع"، فإذا باع عبدا
وشرط استخدامه شهرا أو دارا على أن يسكنها
البائع شهرا فالبيع باطل أي فاسد كما تقدم في
بابه والأصل أن ما كان مبادلة مال بمال فإنه
لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد للنهي عن بيع
وشرط وما كان مبادلة مال بغير مال أو كان من
التبرعات فإنه لا يبطل به ; لأن الشروط
الفاسدة من باب الربا وهو مختص بالمعاوضات
المالية دون غيرها من غير المالية والتبرعات
فيبطل
ج / 6 ص -264-
والقسمة
______
الشرط فقط، وأصل آخر أن التعليق بالشرط المحض
لا يجوز في التمليكات ويجوز فيما كان من باب
الإسقاط المحض كالطلاق والعتاق وكذا ما كان من
باب الإطلاقات والولايات يجوز تعليقه بالشرط
الملائم، وكذا التحريضات أطلق في عدم صحة
تعليقه بالشرط وهو محمول على ما إذا علقه
بكلمة "إن" بأن قال بعتك هذا إن كان كذا فيفسد
البيع مطلقا ضارا كان أو نافعا إلا في صورة
واحدة وهو أن يقول بعت منك هذا إن رضي فلان به
فإنه يجوز إذا وقته بثلاثة أيام ; لأنه اشتراط
الخيار إلى أجنبي وهو جائز وفي جامع الفصولين،
ولو قال بعته بكذا إن رضي فلان جاز البيع
والشرط جميعا، ولو قال بعته منك بكذا إن شئت
فقال قبلت تم البيع. ا هـ. وإن كان الشرط
بكلمة على فقد قدمنا أنه إن كان مما يقتضيه
العقد أو يلائمه أو فيه أثر أو جرى التعامل
فيه كشرط تسليم المبيع أو الثمن أو التأجيل أو
الخيار لا يفسد ويصح الشرط وكذا إذا اشترى
نعلا على أن يحذوها البائع وإن كان الشرط لا
يقتضيه العقد ولا يلائمه ولا جرت العادة به
فإن كان فيه منفعة لأهل الاستحقاق فسد وإلا
فلا، وفي جامع الفصولين وتعليق القبول في
البيع بعدما أوجب الآخر هل يصح ذكر أنه لو قال
إن أديت ثمن هذا فقد بعت منك صح البيع
استحسانا إن دفع الثمن إليه وقيل هذا خلاف
ظاهر الرواية والصحيح أنه لا يجوز ا هـ.
قوله: "والقسمة" بأن كان
للميت دين على الناس فاقتسموا التركة من الدين
والعين على أن يكون الدين لأحدهم والعين
للباقين فهي فاسدة وصورة تعليقها أن يقتسموا
دارا وشرطوا رضا فلان فسدت أيضا لأن القسمة
فيها معنى المبادلة فهي كالبيع كذا ذكر العيني
مع أن البيع يصح تعليقه برضا فلان ويكون شرط
خيار إذا وقته ولكن شرط الخيار هل يدخلها ؟
قال في الولوالجية من القسمة: وأما خيار
الرؤية والشرط فيثبت في قسمة لا يجبر الآبي
عليها وهو القسمة في الأجناس المختلفة، وأما
في كل قسمة يجبر الآبي عليها كالقسمة في ذوات
الأمثال في الجنس الواحد فإنه لا يثبت. ا هـ.
ومن صور فسادها بالشرط ما إذا اقتسم الشريكان
على أن لأحدهما الصامت وللآخر العروض وقماش
الحانوت والديون التي على الناس على أنه إن
توى عليه شيء من الديون يرد عليه نصفه فالقسمة
فاسدة وعلى الذي أخذ الصامت أن يرد على شريكه
نصف ما أخذ وعلى شريكه أن يرد نصف ما أخذ أيضا
ومنها أيضا ما إذا اقتسما دارا على أن يشتري
أحدهما من الآخر دارا له خاصة بألف درهم فهي
فاسدة وكذا كل قسمة على شرط هبة أو صدقة وإن
شرط أن يزيده شيئا معلوما فهو جائز كالبيع وإن
اقتسما دارا وأخذ كل واحد طائفة على أن يرد
أحدهما على الآخر دراهم مسماة فهو جائز، وكذا
إن كانت الدراهم إلى أجل فإن كان له حمل ومؤنة
لم يسم مكان الإيفاء فعلى الخلاف المعروف في
السلم الكل في الولوالجية.
ج / 6 ص -265-
والإجارة والإجارة والرجعة
______
قوله: "والإجارة" أي كان أجر
داره على أن يقرضه المستأجر أو يهدي إليه أو
إن قدم زيد كذا ذكره العيني ومن صورها استأجر
حانوتا احترق كل شهر بكذا على أن يعمره ويحتسب
ما أنفقه من الأجرة ; لأن شرط العمارة على
المستأجر يفسد العقد فعليه أجر المثل وله ما
أنفقه وأجر مثل قيامه عليه واشتراط تطيين
الدار ومرمتها أو تعليق الباب عليها أو إدخال
جذع في سقفها على المستأجر مفسد للعقد، وكذا
اشتراط كرى النهر أو حفر بئر فيها أو أن
يسرقنها وكذا على أن يردها مكروبة هكذا أطلقه
في الكافي وفصل خواهر زاده فإن شرطه في المدة
فسدت وبعد انقضائها لا والصحيح إن شرطه في
المدة فسدت وإلا فإن قال أجرتك بكذا بأن
تكربها بعد انقضاء المدة فتردها علي مكروبة
فلا تفسد، وإن قال على أن تكربها بعدها فهي
فاسدة الكل من فتاوى الولوالجية ويستثنى من
إطلاق قولهم لا يصح تعليقها بالشرط ما صرحوا
به في الإجارة لو قال لغاصب داره فرغها وإلا
فأجر كل شهر كذا فسكت ولم يفرغها وجب المسمى
مع أنه تعليق بعدم التفريغ.
قوله: "والإجازة" بالزاي
المعجمة بأن باع فضولي عبده فقال أجزته بشرط
أن تقرضني أو تهدي إلي أو علقها بشرط لأنها
بيع معنى كذا ذكر العيني فظاهره تخصيص إجازة
البيع، فلو قال المصنف وإجازة البيع لكان أولى
فإن ظاهره أن إجازة القسمة والإجارة كذلك بل
كل شيء لا يصح تعليقه بالشرط إذا انعقد موقوفا
لا يصح تعليق إجازته بالشرط حتى النكاح ويدل
عليه ما في جامع الفصولين والبزازية وتعليق
الإجازة بالشرط باطل كقوله: إن زاد فلان في
الثمن فقد أجزت، ولو زوج بنته البالغة بلا
رضاها فبلغها الخبر فقالت أجزت إن رضيت أمي
بطلت الإجازة إذ التعليق يبطل الإجازة اعتبارا
بابتداء العقد ا هـ.
قوله: "والرجعة" بأن قال
لمطلقته الرجعية راجعتك على أن تقرضيني كذا أو
إن قدم زيد ; لأنها استدامة الملك فتكون
معتبرة بابتدائه فكما لا يجوز تعليق ابتدائه
لا يجوز تعليقها، كذا ذكره العيني وهو سهو
ظاهر وخطأ صريح فسيأتي في الكتاب قريبا إن شاء
الله تعالى أن النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد
وإن كان لا يصح تعليقه والمذكور في الظهيرية
والجوهرة والبدائع والتتارخانية من الرجعة أنه
لا يصح تعليقها بالشرط ولا إضافتها ولم يذكروا
أنها تبطل بالشرط الفاسد وكيف يصح أن يقال به
وأصل النكاح لا يبطل بالشرط الفاسد مع أن
المصنف لم ينفرد بذكر الرجعة فيما يبطل بالشرط
ولا يصح تعليقه بل ذكره كذلك في الخلاصة
والبزازية من البيوع والعمادي في فصوله وجامع
الفصولين وفتح القدير من البيوع، ولم أر أحدا
نبه
ج / 6 ص -266-
والصلح
عن مال والإبراء عن الدين
______
على هذا1، وقد توقفت في تخطئة هؤلاء، ثم جزمت
بها وكان يجب أن تذكر الرجعة مع النكاح في
القسم الثاني ومما يدل على بطلان قول المصنف
ومن وافقه ما في البدائع من كتاب الرجعة أنها
تصح من الإكراه والهزل واللعب والخطأ كالنكاح.
ا هـ. فلو كانت تبطل بالشرط الفاسد لم تصح مع
الهزل ; لأن ما يصح مع الهزل لا تبطله الشروط
الفاسدة وما لا يصح مع الهزل تبطله الشروط
الفاسدة هكذا ذكره الأصوليون في بحث الهزل من
قسم العوارض وفي الكافي للحاكم الشهيد وتعليق
الرجعة بالشرط باطل ولم يذكر أنها تبطل
بالشروط الفاسدة.
قوله "والصلح عن مال" أي بمال بأن قال صالحتك
على أن تسكنني في الدار مثلا سنة أو إن قدم
زيد ; لأنه معاوضة مال بمال فيكون بيعا كذا
ذكره العيني واعلم أنه إنما يكون بيعا إذا كان
البدل خلاف جنس المدعى به، أما إذا كان على
جنسه وإن كان بأقل من المدعى فهو حط وإبراء
وإن كان بمثله فهو قبض واستيفاء وإن كان بأكثر
منه فهو فضل وربا كذا ذكره الشارح من الصلح
فينبغي أن يخصص هنا وظاهر ما في البزازية
الإطلاق في عدم صحة تعليقه بالشرط قال له عليه
ألف صالح على مائة إلى شهر وعلي مائتين إن لم
يعطه إلى شهر لا يصح لجهالة المحطوط ; لأنه
على تقدير الإعطاء تسع مائة وعلى تقدير عدمه
ثمان مائة ا هـ.
قوله: "والإبراء عن الدين"
بأن قال أبرأتك عن ديني على أن تخدمني شهرا أو
إن قدم فلان ; لأنه تمليك من وجه حتى يرتد
بالرد وإن كان فيه معنى الإسقاط فيكون معتبرا
بالتمليكات فلا يجوز تعليقه بالشرط، كذا ذكره
العيني قيد بالدين ; لأن الإبراء عن الكفالة
يصح تعليقه بشرط ملائم كقوله إن وافيت به غدا
فأنت بريء فوافاه به برئ من المال وهو قول
البعض واختاره في فتح القدير، وقال: إنه
الأوجه. معللا بأنه إسقاط لا تمليك ذكره في
الكفالة، وعلى هذا يحمل قول المصنف رحمه الله
تعالى فيها وبطل تعليق البراءة من الكفالة
بشرط على ما إذا كان غير ملائم، وفي فتاوى
قاضي خان من فصل في هبة المرأة من الزوج، ولو
قال الطالب لمديونه إذا مت فأنت بريء من الدين
الذي لي عليك جاز وتكون وصية من الطالب
للمطلوب، ولو قال إن مت فأنت بريء من ذلك
الدين لا يبرأ وهو مخاطره كقوله إن دخلت الدار
فأنت بريء مما لي عليك لا يبرأ. ا هـ. وفيها
أيضا لو قالت المريضة لزوجها إن مت من مرضي
هذا فمهري عليك صدقة أو أنت في حل من مهري
فماتت من ذلك المرض كان مهرها على زوجها لأن
هذه مخاطرة فلا تصح. ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل ذلك.
ج / 6 ص -267-
...........................................
______
وحاصله أن التعليق بموت الدائن صحيح إلا إذا
كان المديون وارثا له وعلق في مرض موته فيكون
مخصصا لإطلاق الكتاب وفي البزازية من الدعوى
قال المديون دفعت إلى فلان فقال إن كنت دفعت
إليه فقد أبرأتك صح ; لأنه تعليق بأمر كائن. ا
هـ. ومن فروع عدم صحة تعليق الإبراء ما في
المبسوط لو قال الطالب للخصم إن حلفت فأنت
بريء فهذا باطل ; لأنه تعليق البراءة بخطر وهي
لا تحتمل التعليق. ا هـ. وفي الخانية من الهبة
امرأة قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن كل
امرأة تتزوجها تجعل أمرها بيدي فإن لم يقبل
الزوج ذلك بطلت الهبة وإن قبل ذلك في المجلس
جازت الهبة، ثم إن فعل الزوج ذلك فالهبة ماضية
وإن لم يفعل فكذلك عند البعض كمن أعتق أمة على
أن لا تتزوج فقبلت عتقت تزوجت أو لم تتزوج
امرأة قالت لزوجها وهبت مهري إن لم تظلمني
فقبل الزوج ذلك، ثم طلقها بعد ذلك قال أبو بكر
الإسكاف وأبو القاسم الصفار الهبة فاسدة ;
لأنها تعليق الهبة بالشرط وهذا بخلاف ما لو
قالت وهبت منك مهري على أن لا تظلمني فقبل صحت
الهبة لأن هذا تعليق الهبة بالقبول، فإذا قبلت
تمت الهبة فلا يعود المهر بعد ذلك وهو نظير ما
لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار لا
تطلق ما لم تدخل، ولو قال أنت طالق على دخولك
الدار فقالت قبلت وقع الطلاق، وقال محمد بن
مقاتل في مسألة الظلم مهرها عليه على حاله إذا
ظلمها ; لأن المرأة لم ترض بالهبة إلا بهذا
الشرط، فإذا فات الشرط فات الرضا، أما الطلاق
فالرضا فيه ليس بشرط والدليل على هذا ما ذكر
في كتاب الحج إذا تركت المرأة مهرها على الزوج
على أن يحج بها فقبل الزوج ذلك ولم يحج بها
كان المهر عليه على حاله والفتوى على هذا
القول قال مولانا رضي الله تعالى عنه ويمكن
الفرق بين مسألة الحج وبين مسألة الظلم ووجه
ذلك أن في مسألة الحج لما شرطت الحج بها فقد
شرطت نفقة الحج عليه فيكون هذا بمنزلة الهبة
بشرط العوض، فإذا لم يحصل العوض لا تتم الهبة،
أما في مسألة الظلم شرطت عليه ترك الظلم وترك
الظلم لا يصلح عوضا قال مولانا رضي الله تعالى
عنه، ثم ذكر في بعض النسخ إذا شرطت عليه أن لا
يظلمها فقبل الزوج، ثم ضربها وأجابا كما ذكر
وعندي إذا ضربها بغير حق، أما إذا ضربها
لتأديب مستحق عليها لا يعود المهر ; لأن ما
كان حقا لا يكون ظلما. امرأة وهبت مهرها من
زوجها ليقطع لها في كل حول ثوبا مرتين وقبل
الزوج فمضى حولان ولم يقطع قال الشيخ الإمام
أبو بكر محمد بن الفضل إن كان ذلك شرطا في
الهبة فمهرها عليه على حاله لأن هذا بمنزلة
الهبة بشرط العوض فإذا لم يحصل العوض لا تصح
الهبة، وإذا لم يكن ذلك شرطا في الهبة سقط
مهرها ولا يعود بعد ذلك، وكذا لو وهبت مهرها
على أن يحسن إليها ولم يحسن كانت الهبة باطلة
ويكون بمنزلة الهبة بشرط العوض. رجل قال
لامرأته أبرئيني من مهرك حتى أهب لك كذا
فأبرأته، ثم أبى الزوج أن
ج / 6 ص -268-
...........................................
______
يهب منها ما قال كان المهر عليه كما كان.
امرأة وهبت مهرها من زوجها على أن يمسكها ولا
يطلقها فقبل الزوج ذلك، ثم طلقها قال الشيخ
الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إن لم يكن وقت
للإمساك وقتا لا يعود مهرها على الزوج وإن وقت
وقتا وطلقها قبل ذلك الوقت كان المهر عليه على
حاله فقيل له إذا لم يوقت لذلك وقتا كان قصدها
أن يمسكها ما عاش قال نعم إلا أن العبرة
لإطلاق اللفظ فإنه ذكر في كتاب الوصايا رجل
أوصى لأم ولده بثلث ماله إن لم تتزوج فقبلت
ذلك، ثم تزوجت بعد انقضاء عدتها بزمان فإنها
تستحق الثلث بحكم الوصية. امرأة وهبت مهرها من
زوجها على أن لا يطلقها فقبل الزوج قال خلف
صحت الهبة طلقها أو لم يطلقها ; لأن ترك
الطلاق لا يكون عوضا بقيت هذه هبة بشرط فاسد
والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة. وذكر في
النوازل إذا قالت المرأة لزوجها تركت مهري
عليك على أن تجعل أمري بيدي ففعل الزوج ذلك
قال مهرها عليه ما لم تطلق نفسها، ولو وهبت
مهرها الذي على المطلق منه على أن يتزوجها، ثم
أبى أن يتزوجها قالوا مهرها عليه على حاله
تزوجها أو لم يتزوجها ; لأنها جعلت المال على
نفسها عوضا عن النكاح وفي النكاح العوض لا
يكون على المرأة. ا هـ. ما في الخانية فإن
قلت: إن هبة الدين إبراء فكيف صح تعليقه
بالشرط في بعض هذه المسائل قلت: الإبراء يصح
تعليقه بالشرط المتعارف وبهذا يجب تقييد كلام
المصنف رحمه الله تعالى ومن أطلق ففي المسائل
التي قدمناها التي قالوا فيها بصحة التعليق
إنما هو في المتعارف وما قالوا فيها بعدمها
فإنما هو في غير المتعارف ويدل على هذا
التقييد أيضا ما في القنية من باب مسائل
الإبراء بالطلاق من كتاب الطلاق، ولو أبرأته
مطلقته بشرط الإمهار صح التعليق ; لأنه شرط
متعارف وتعليق الإبراء بشرط متعارف جائز فإن
قبل الإمهار وهم بأن يمهرها فأبت ولم تزوج
نفسها منه لا يبرأ لفوات الإمهار الصحيح، ولو
أبرأته المبتوتة بشرط تجديد النكاح بمهر ومهر
مثلها مائة، فلو جدد لها نكاحا بدينار فأبت لا
يبرأ بدون الشرط قالت المسرحة لزوجها تزوجني
فقال لها هبي لي المهر الذي لك علي فأتزوجك
فأبرأته مطلقا غير معلق بشرط التزوج يبرأ إذا
تزوجها وإلا فلا ; لأنه إبراء معلق دلالة وقيل
لا يبرأ وإن تزوجها لأن هذا الإبراء على سبيل
الرشوة فلا يصح أبرأته بشرط أن يمسكها بمعروف
ويحسن معاشرتها ولا يؤذيها ولا يطلقها فقبل،
ثم تزوج عليها وأغار على مالها وأذاها وطلقها
فالإبراء بهذا الشرط غير صحيح وساق فيها فروعا
كثيرة في بعضها لا يصح التعليق وفي بعضها يصح،
وفي جامع الفصولين لو قال كل حق لي عليك فقد
أبرأتك لا يصح وكذا إضافة الإبراء إلى ما يجب
في الزمن الثاني لا يصح، ولو قال لمديونه
الدنانير العشرة التي لي عليك اعطني منها خمسة
ووهبت منك الخمسة صح الإبراء سواء أعطاه
الخمسة أو لا لأنه تنجيز الإبراء لا
ج / 6 ص -269-
وعزل
الوكيل والاعتكاف
______
تعليقه، ولو قال أبرأتك عن الخمسة على أن تدفع
الخمسة حالة فإن كانت العشرة حالة صح الإبراء
; لأن أداء الخمسة يجب عليه حالا فلا يكون هذا
تعليق الإبراء بشرط تعجيل الخمسة، ولو مؤجلة
بطل الإبراء إذا لم يعطه الخمسة حالا. ا هـ.
ثم اعلم أن الإبراء يصح تقييده بالشرط وليس هو
تعليقا وعليه فروع كثيرة مذكورة في آخر كتاب
الصلح وذكر الشارح هناك أن الإبراء يصح تقييده
لا تعليقه، والله تعالى أعلم. وهذا التقرير -
إن شاء الله تعالى - من خواص هذا الشرح
فاغتنمه واحفظ هذا التفصيل في الإبراء.
قوله: "وعزل الوكيل" بأن قال
لوكيله عزلتك على أن تهدي إلي شيئا أو إن قدم
فلان ; لأنه ليس مما يحلف به فلا يجوز تعليقه
بالشرط، كذا ذكر العيني وتعليله يقتضي عدم صحة
تعليقه، وأما كونه يبطل بالشرط الفاسد فلا
دليل عليه من هذا وعندي أن هذا خطأ أيضا وأن
عزل الوكيل ليس من هذا القبيل وهو ما يبطل
بالشرط الفاسد، وإنما هو من قبيل القسم الثاني
وهو ما لا يصح تعليقه بالشرط لكن لا يبطل
بالشرط الفاسد ولهذا اقتصر في البزازية من
كتاب الوكالة على أنه لا يصح تعليقه ولم يذكر
أنه يبطل بالشرط الفاسد فهو كما قدمناه في
الرجعة، وقد ذكر في جامع الفصولين عزل الوكيل
من قسم ما لا يصح تعليقه ويبطل بفاسده وفي
البزازية وتعليق عزل الوكيل بالشرط يصح في
رواية الصغرى ولا يصح في رواية الإمام السرخسي
لكن قال في رواية والدليل عليه أنهم قالوا إن
الذي يبطل بالشرط الفاسد ما كان من باب
التمليك والعزل ليس منه وهذا هو الحق فيجب
إلحاقه بالقسم الثاني، وأرجو من كرم الفتاح
الظفر بالنقل في الرجعة وعزل الوكيل موافقا
لما قلته وقيد بالوكيل ; لأن في صحة تعليق عزل
القاضي اختلافا ففي جامع الفصولين لو قال
الأمير إذا أتاك كتابي هذا فأنت معزول ينعزل
بوصوله وقيل لا. ا هـ. وسيأتي في الكتاب صريحا
أن عزل القاضي مما لا يبطل بالشرط الفاسد، ثم
اعلم أن الحجر على العبد كعزل الوكيل لا يصح
تعليقه، كذا في الخانية.
قوله: "والاعتكاف" بأن قال
علي أن أعتكف إن شفى الله تعالى مريضي أو إن
قدم زيد ; لأنه ليس مما يحلف به كعزل الوكيل
فلا يصح تعليقه بالشرط، كذا ذكر العيني وهذا
يدل على أن المراد بالاعتكاف النذر به
والتزامه ليكون قولا يمكن تعليقه وعندي أن
ذكره هذا في هذا القسم خطأ من وجهين من كونه
يبطل بالشروط الفاسدة ومن كونه لا يصح تعليقه،
أما الثاني فقال في القنية باب الاعتكاف قال
لله علي اعتكاف شهر إن دخلت الدار فدخل فعليه
اعتكاف شهر عند علمائنا. ا هـ. فإذا صح تعليقه
بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد لما في جامع
الفصولين وما جاز تعليقه بالشرط لا تبطله
الشروط الفاسدة. ا هـ. لكنه ذكر إيجاب
الاعتكاف من جملة ما لا يصح
ج / 6 ص -270-
...........................................
______
تعليقه بشرط ويبطل بفاسده، وذكر في البزازية
من هذا القسم إيجاب الاعتكاف فقال وتعليق وجوب
الاعتكاف بالشرط لا يصح ولا يلزم، والعجب من
المحقق ابن الهمام في فتح القدير حيث جعل
إيجاب الاعتكاف مما لا يصح تعليقه وعزاه إلى
الخلاصة في كتاب البيوع ولم يقل في رواية مع
أنه قدم في باب الاعتكاف أن الاعتكاف الواجب
هو المنذور تنجيزا أو تعليقا وهو صريح في صحة
تعليقه بالشرط والعجب من العيني كيف مشى هنا
على أنه لا يصح تعليقه،
وقال في شرح الهداية من باب الاعتكاف والواجب
أن يقول لله علي أن أعتكف يوما أو شهرا أو
يعلقه بشرط فيقول: إن شفى الله مريضي. ا هـ.
فقد أتى بعين ما مثل به هنا وتناقض وكيف يصح
أن يقال بعدم صحة تعليقه مع الإجماع على صحة
تعليق المنذور من العبادات أي عبادة كانت حتى
أن الوقف كما سيأتي لا يصح تعليقه بالشرط، ولو
علق النذر به بشرط صح التعليق
قال في الواقعات الحسامية من الفصل السابع في
النذر بالصدقة رجل ذهب له شيء فقال إن وجدته
فلله علي أن أقف أرضي على أبناء السبيل فوجده
وجب عليه أن يقف ; لأن هذا نذر والوفاء بالنذر
واجب، وقال قبله لو قال إن دخلت هذه الدار
فلله علي أن أتصدق بهذه المائة فدخل الدار وهو
ينوي بدخوله أن يتصدق عن زكاة ماله فدخل، ثم
تصدق بها لا يجزئه عن الزكاة ; لأن الأول يمين
واليمين لازم لا يملك الرجوع عنها، فإذا دخل
الدار لزمه التصدق بها بجهة اليمين. ا هـ. فقد
أفاد أن المنذور المعلق من باب اليمين وحينئذ
صح التعليق وبهذا ظهر بطلان قول الشارحين أنه
ليس مما يحلف به وصرح في النذر بالصوم بصحة
تعليقه بالشرط وفي فتاوى قاضي خان الاعتكاف
سنة مشروعة يجب بالنذر والتعليق بالشرط
والشروع فيه اعتبارا بسائر العبادات. ا هـ.
ثم قال: ولو نذر أن يعتكف رجب فعجل شهرا قبله
يجوز في قول أبي يوسف خلافا لمحمد وأجمعوا على
أن النذر لو كان معلقا بأن قال إن قدم غائبي
أو شفى الله مريضي فلانا فلله علي أن أعتكف
شهرا فعجل شهرا قبل ذلك لم يجز. ا هـ. وهذه
العبارة بوضعها دالة على صحة تعليقه بالإجماع
; لأن مفهومها أن النذر صحيح وأنه يجب الوفاء
به إذا وجد شرطه، وأما تعجيله قبل وجود شرطه
فغير جائز وهذا هو الموضع الثالث مما أخطئوا
فيه في بيان ما لا يصح تعليقه والخطأ هنا أقبح
من الأولين وأفحش لكثرة الصرائح بصحة تعليقه.
وأنا متعجب لكونهم تداولوا هذه العبارات متونا
وشروحا وفتاوى ولم يتنبهوا لما اشتملت عليه من
الخطأ بتغير الأحكام، والله الموفق للصواب.
وقد يقع كثيرا أن مؤلفا يذكر شيئا
ج / 6 ص -271-
والمزارعة، والمعاملة، والإقرار.
______
خطأ في كتابه فيأتي من بعده من المشايخ
فينقلون تلك العبارة من غير تغيير ولا تنبيه
فيكثر الناقلون لها وأصلها لواحد مخطئ كما وقع
في هذا الموضع ولا عيب بهذا على المذهب ; لأن
مولانا محمد بن الحسن ضابط المذهب لم يذكر
جملة ما لا يصح تعليقه بالشرط وما يصح على هذا
الوجه، وقد نبهنا على مثل ذلك في الفوائد
الفقهية في قول قاضي خان وغيره أن الأمانات
تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل إلا من ثلاث. ثم
إني تتبعت كلامهم فوجدت سبعة أخرى زائدة على
الثلاثة، ثم إني نبهت على أن أصل هذه العبارة
للناطقي أخطأ فيها، ثم تداولوها ويرحم الله
المحقق صاحب الهداية لم يلتفت إلى جمع هذه
الأشياء ووضعها في كتابه وهو دليل على كمال
ضبطه وإتقانه، ولو حذفها المصنف رحمه الله
تعالى لكان أسلم.
قوله: "والمزارعة" بأن قال
زارعتك أرضي على أن تقرضني كذا أو إن قدم فلان
; لأنها إجارة فلا يصح تعليقها بالشرط
كالإجارة كذا ذكره العيني وفي البزازية من
المزارعة شرطا في المزارعة على المزارع أو رب
الأرض ما ليس من أعمال المزارعة فسدت وما ينبت
وما ينمي الخارج أو يزيد في وجود الخارج فهو
من عمل المزارعة وما لا ينبت ولا ينمي ولا
يزيد في الخارج فليس من أعمالها، فإذا شرط على
المزارع أو ربها الحصاد أو الدياسة فسدت من
أيهما كان البذر في ظاهر الرواية. ا هـ. ثم
قال بعد تفريعات كثيرة هذا كله في الشرط
النافع لأحدهما وإن شرط ألا ينفع كما لو شرط
أن لا يسقي أحدهما حصته لا تفسد المزارعة
وفيما إذا كان شرطا مفسدا لو أبطلاه أن الشرط
في صلب العقد لا ينقلب جائزا وإلا عاد جائزا
إلى آخر ما فيها.
قوله: "والمعاملة" وهي
المساقاة بأن قال ساقيتك شجري أو كرمي على أن
تقرضني كذا أو إن قدم فلان لأنها إجارة أيضا،
كذا ذكره العيني.
قوله: "والإقرار" بأن قال
لفلان علي كذا إن أقرضني كذا أو إن قدم فلان
لأنه ليس مما يحلف به عادة فلا يصح تعليقه
بالشرط بخلاف ما إذا علقه بموته أو بمجيء
الوقت فإنه يجوز ويحمل على أنه فعل ذلك
للاحتراز عن الجحود أو دعوى الأجل فيلزمه
للحال ذكره العيني ومن فروع تعليقه ما ذكره
في المبسوط والمحيط والولوالجية في كتاب
الكفالة لو ادعى رجل على رجل مالا فقال له
المطلوب إن لم آتك غدا فهو علي لم يلزمه إن لم
يأت به غدا لأنه تعليق الإقرار بالخطر وتعليقه
بالشرط باطل. ا هـ.
وفي المبسوط من باب الإقرار بكذا وإلا فعليه
كذا لو قال قد ابتعت من فلان هذا العبد بألف
درهم وإلا فلفلان علي خمسمائة درهم إن أقر رب
العبد ببيع العبد لزمه الألف وإن أنكر
ج / 6 ص -272-
والوقف
______
ذلك لم يلزمه شيء ; لأنه صار رادا لإقراره حين
أنكر بيع العبد منه وإقراره بالخمسمائة كان
معلقا بشرط وهو باطل من أصله. ا هـ. وقال في
باب اليمين والإقرار رجل قال لفلان علي ألف
درهم إن حلف أو على أن يحلف أو إذا حلف أو متى
يحلف أو حين حلف أو مع يمينه أو في يمينه أو
بعد يمينه فحلف فلان على ذلك وجحد المقر المال
لم يؤخذ بالمال ; لأن هذا ليس بإقرار، وإنما
هو مخاطرة ومعناه أنه علق الإقرار بشرط فيه
خطر وهو بمنزلة الخصم والتعليق بالشرط يخرج
كلامه من أن يكون إقرارا. ا هـ. فإن قلت: هل
يدخل في الإقرار الإقرار بالطلاق والعتاق كما
لو قال إن دخلت الدار فأنا مقر بطلاقها أو
بعتقه ويفرق بين الإقرار بهما وبين الإنشاء
قلت: ظاهر الإطلاق الدخول ولم أره صريحا ويدل
على الفرق بينهما ما نقلناه في كتاب الطلاق من
هذا الشرح أنه لو أكره على إنشاء الطلاق فطلق
وقع، ولو أكره على الإقرار به فأقر لم يقع.
وفي البزازية من الإقرار ادعى مالا فقال
المدعى عليه كل ما يوجد في تذكرة المدعي بخطه
فقد التزمته لا يكون إقرارا ; لأنه محفوظ عن
أصحابنا أنه لو قال كل ما أقر فلان علي فأنا
مقر به لا يلزمه إذا أقر به فلان وعلى هذا إذا
كان بين اثنين أخذ وعطاء فقال المطلوب للطالب
ما تقول فهو كذلك أو ما يكون في جريدتك فهو
كذلك لا يكون إقرارا إلا إذا كان في الجريدة
شيء معلوم أو ذكر المدعي شيئا معلوما فقال
المدعي ما ذكرنا يكون تصديقا لأن التصديق لا
يلحق بالمجهول وكذا إذا أشار للجريدة، وقال ما
فيها فهو علي كذلك يصح، ولو لم يكن مشارا إليه
لا يصح للجهالة. ا هـ. وقد حكى الشارح
الاختلاف فيما إذا علق على الإقرار بشرط في
كتاب الإقرار فنقل عن النهاية كما هنا أن
الإقرار المعلق باطل ونقل عن المحيط أن
الإقرار صحيح والشرط باطل ونقل عن المبسوط ما
يشهد للمحيط فظاهره ترجيحه والحق تضعيفه
لتصريحهم هنا بأن الإقرار والوقف لا يصح
تعليقه بالشرط وأنه يبطل بالشرط الفاسد.
قوله: "والوقف" بأن قال وقفت
داري إن قدم فلان أو وقفت داري عليك إن
أخبرتني بقدوم زيد ; لأنه ليس مما يحلف به
أيضا فلا يصح تعليقه بالشرط كذا ذكره العيني
وفي جامع الفصولين والوقف في رواية فظاهره أن
في صحة تعليقه روايتين.
وفي فتح القدير من كتاب الوقف وشرطه أن يكون
منجزا غير معلق، فلو قال إن قدم ولدي فداري
صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا يصير
وقفا. ا هـ.
وفي الإسعاف ولو قال إذا جاء غد، وإذا جاء رأس
الشهر أو قال إذا كلمت فلانا أو إذا تزوجت
فلانة وما أشبه ذلك فأرضي هذه صدقة موقوفة
يكون الوقف باطلا ; لأنه تعليق،
ج / 6 ص -273-
والتحكيم، ما لا يبطل بالشرط الفاسد القرض،
والهبة، والنكاح
______
والوقف لا يحتمل التعليق بالخطر لكونه مما لا
يحلف به بخلاف النذر ; لأنه يحتمل التعليق
ويحلف به، فلو قال إن برئت من مرضي هذا فأرضي
صدقة موقوفة يلزمه التصدق بعينها إذا وجد
الشرط، ولو قال هي صدقة موقوفة إن شئت أو
أحببت أو رضيت أو هويت كان باطلا ا هـ. ولم
يذكر العيني صورة بطلانه بالشرط الفاسد
وصورته ما في الإسعاف وقفها على أن له أصلها
أو على لا يزول ملكه عنها أو على أن يبيع
أصلها ويتصدق بثمنها كان الوقف باطلا. ا هـ.
وقدمنا في الوقف أن شرط الاستبدال صحيح على
المفتى به.
قوله: "والتحكيم" بأن يقول
المحكمان إذا أهل الشهر أو قالا لعبد أو كافر
إذا أعتقت أو أسلمت فاحكم بيننا وهذا عند أبي
يوسف وعند محمد يجوز تعليقه بشرط وإضافته إلى
زمان كالوكالة والإمارة والقضاء وله أن
التحكيم تولية صورة وصلح معنى فباعتبار أنه
صلح لا يصح تعليقه ولا إضافته وباعتبار أنه
تولية يصح فلا يصح بالشك والاحتمال ذكره
العيني، وفي فتاوى قاضي خان من القضاء الفتوى
على قول أبي يوسف، وقد فات المصنف إبطال الأجل
قال في البزازية وإبطال الأجل يبطل بالشرط
الفاسد بأن قال كلما حل نجم ولم تؤد فالمال
حال صح وصار حالا. ا هـ. وعبارة الخلاصة
وإبطال الأجل يبطل بالشرط الفاسد، ولو قال
كلما دخل نجم فلم تؤد فالمال حال صح والمال
يصير حالا. ا هـ. فجعلهما مسألتين وهو الصواب،
وأما قوله في البزازية بأن قال تصويرا للأول
فسهو ظاهر لأنه لو كان كذلك لبقي الأجل فكيف
يقول صح فليتأمل وفاته أيضا تعليق الرد بالعيب
فإنه باطل وله الرد كما في البزازية وليس هو
من القسم الأول لأنه لا يبطل بالشرط الفاسد
كما ذكره المصنف في القسم الثاني ولا يصح
تعليقه فهو كالنكاح، وبهذا اعلم أن المصنف
فاته بيان ما لا يصح تعليقه ولا يبطل بالشرط
الفاسد كما فاته ما يجوز تعليقه.
قوله: "وما لا يبطل بالشرط الفاسد القرض"
بأن قال أقرضتك هذه المائة بشرط أن تخدمني
شهرا مثلا فإنه لا يبطل بهذا الشرط وذلك ; لأن
الشروط الفاسدة من باب الربا وأنه يختص
بالمبادلة المالية وهذه العقود كلها ليست
بمعاوضة مالية فلا تؤثر فيها الشروط الفاسدة
ذكره العيني فيقال له فكيف بطل عزل الوكيل
والاعتكاف والرجعة بالشروط الفاسدة مع أنها لم
تكن من المبادلة المالية وفي البزازية وتعليق
القرض حرام والشرط لا يلزم.
قوله: "والهبة" بأن قال وهبتك
هذه الجارية بشرط أن يكون حملها لي
قوله: "والنكاح" بأن قال
تزوجتك على أن لا يكون لك مهر يصح النكاح
ويفسد الشرط ويجب مهر المثل كما عرف في موضعه
ومن هذا القبيل لو قال تزوجتك على أني بالخيار
ويجوز
ج / 6 ص -274-
والطلاق، والخل، والعتق، والرهن، والإبصاء،
والوصية،
______
النكاح ولا يصح الخيار ; لأنه ما علق النكاح
بالشرط فيبطل الخيار، كذا في الخانية وسيأتي
أن النكاح لا يجوز تعليقه بالشرط وعليه تفرع
ما في الخانية تزوجتك إن أجاز أبي أو رضي
فقالت قبلت لا يصح ; لأنه تعليق والنكاح لا
يقبل التعليق زاد في الظهيرية لو كان الأب
حاضرا في المجلس فقبل جاز. وفي الخانية رجل
تزوج امرأة على أنه مدني، فإذا هو قروي يجوز
النكاح إن كان كفؤا لا خيار لها رجل طلب من
امرأة نكاحا بمحضر من الشهود فقالت المرأة لي
زوج فقال الرجل ليس لك زوج فقالت المرأة إن لم
يكن لي زوج فقد زوجت نفسي منك وقبل الزوج ولم
يكن لها زوج قالوا يجوز هذا النكاح لأن
التعليق بشرط كائن تنجيز. ا هـ. وفي جامع
الفصولين تعليق النكاح بكائن تنجيز لو قال
الأب زوجتك ابنتي إن لم أكن زوجتها فقبل صح.
قوله: "والطلاق" بأن قال
طلقتك على أن لا تتزوجي غيري.
قوله: "والخلع" بأن قال
خالعتك على أن يكون لي الخيار مدة سماها بطل
الشرط ووقع الطلاق ووجب المال، وأما اشتراط
الخلع لها فصحيح عند الإمام كما مضى.
قوله: "والعتق" بأن قال
أعتقتك على أني بالخيار.
قوله: "والرهن" بأن قال رهنت
عندك عبدي بشرط أن أستخدمه ومن هذا القبيل ما
في رهن البزازية قال أخذ به رهنا على أنه إن
ضاع ضاع بغير شيء فقال الراهن نعم صار رهنا
وبطل الشرط وهلك بالدين، ثم قال قال إن أوفيتك
متاعك إلى كذا وإلا فالرهن لك بمالك بطل الشرط
وصح الرهن، وقال الشافعي رحمه الله يبطل الرهن
أيضا ا هـ.
قوله: "والإيصاء والوصية" بأن
قال أوصيت لك بثلث مالي إن أجاز فلان ذكره
العيني وفيه نظر ; لأنه مثال تعليقها بالشرط
والكلام الآن في أنها لا تبطل بالشرط الفاسد
وفي البزازية وتعليقها بالشرط جائز ; لأنها في
الحقيقة إثبات الخلافة عند الموت. ا هـ. ومعنى
صحة التعليق أن الشرط إن وجد كان للموصى له
المال وإلا فلا شيء له وقدمنا عن فتاوى قاضي
خان في بحث الإبراء أنه لو أوصى بثلث ماله لأم
ولده إن لم تتزوج فقبلت ذلك، ثم تزوجت بعد
انقضاء عدتها بزمان فإنها تستحق الثلث بحكم
الوصية. ا هـ. مع أن الشرط لم يوجد إلا أن
يكون المراد بالشرط عدم تزوجها عقب انقضاء
العدة لا عدمه إلى الموت بدليل أنه قال تزوجت
بعد انقضاء عدتها بزمان للاحتراز عن تزوجها
عقب الانقضاء، وأما الإيصاء فقال في البزازية
لك مائة درهم على أن تكون وصيا عني فهو وصي
والشرط باطل والمائة له وصية ا هـ. وكأنه من
باب القلب كأنه قال جعلتك وصيا على أن يكون لك
مائة ومعنى بطلان الشرط مع
ج / 6 ص -275-
والشركة، والمضاربة، والقضاء
______
قوله والمائة وصية له أنها لا تكون للإيصاء
فيبطل جعلها له وتبقى وصية إن قبلها كانت له
وإلا فلا وفيها من البيوع وتعليق الوصية
والوصاية جائز ا هـ.
قوله: "والشركة" بأن قال
شاركتك على أن تهديني كذا ومن هذا القبيل ما
في شركة البزازية لو شرطا العمل على أكثرهما
مالا والربح بينهما نصفين لم يجز الشرط والربح
بينهما أثلاثا. ا هـ. وقد وقعت حادثة توهم بعض
حنفية العصر أنها من هذا القبيل وليس كذلك هي
تفاضلا في المال وشرطا الربح بينهما نصفين، ثم
تبرع أفضلهما مالا بالعمل فأجبت بأن الشرط
صحيح لعدم اشتراط العمل على أكثرهما مالا
والتبرع ليس من قبيل الشرط والدليل عليه ما
في بيوع الذخيرة اشترى حطبا في قرية شراء
صحيحا، وقال موصولا بالشراء من غير شرط في
الشراء احمله إلى منزلي لا يفسد العقد ; لأن
هذا ليس بشرط في البيع بل هو كلام مبتدأ بعد
تمام البيع فلا يوجب فساده. ا هـ. فعلى هذا لو
استأجر قرية أو أرضا للزراعة، ثم قال بعد
تمامها: إن الحرث على المستأجر لا تفسد ; لأنه
لم يكن شرطا فيها، وإنما يكون شرطا لو قال على
أن الحرث عليه فليحفظ هذا فإنه يخرج عليه كثير
من المسائل.
قوله: "والمضاربة" بأن قال
ضاربتك في ألف على النصف في الربح إن شاء فلان
أو إن قدم زيد ذكره العيني وهو مثال لتعليقها
بالشرط وهذا الذي وقع للعيني هنا دليل على
كسله وعدم تصفح كلامهم فإنه لو أتى بالأمثلة
التي ذكروها في الأبواب لكان أنسب وفي
البزازية ولا تبطل بالشرط الفاسد، ولو شرط من
الربح عشرة دراهم فسدت لا ; لأنه شرط بل لقطع
الشركة. ا هـ. وفيها دفع إليه ألفا على أن
يدفع رب المال إلى المضارب أرضا بزرعها سنة أو
دارا للسكنى بطل الشرط وجازت المضاربة، ولو
شرط المضارب لرب المال أن يدفع له أرضا أو
دارا سنة فسدت ; لأنه جعل نصف الربح عوضا عن
عمله وأجرة داره. ا هـ. ثم قال: ولو شرط على
أن تكون النفقة على المضارب إذا خرج إلى السفر
بطل الشرط وجازت. ا هـ. وسيأتي بقية الكلام
على ذلك في كتابها.
قوله: "والقضاء" بأن قال
الخليفة وليتك قضاء مكة مثلا على أن لا تعزل
أبدا ويصح تعليقه بالشرط قال في البزازية لو
شرط في التقليد أنه متى فسق ينعزل انعزل. ا
هـ. وفي البزازية أيضا استخلف رجلا وشرط عليه
أن لا يرتشي ولا يشرب الخمر ولا يمتثل أمر أحد
صح التقليد والشرط وإن فعل شيئا من ذلك انعزل
ولا يبطل قضاؤه فيما مضى قلد السلطان رجلا
القضاء وشرط عليه أن لا يسمع قضية رجل بعينه
يصح الشرط ولا ينفذ قضاء القاضي في هذا الرجل
ويجب على السلطان أن يفصل قضية إن اعتراه
قضيته ا هـ.
ج / 6 ص -276-
والإمارة، والكفالة، والحوالة، والوكالة،
______
قوله: "والإمارة" بأن قال
الخليفة وليتك إمارة الشام مثلا على أن لا
تركب فهذا الشرط فاسد ولا تبطل أمريته بهذا
والإمارة مصدر كالإمرة بالكسر يقال فلان أمر
وأمر عليه إذا كان واليا، وقد كان سوقه أي أنه
يجرب والتأمير تولية الإمارة يقال هو أمير
مؤمر وتأمر عليهم أي تسلط، كذا في الصحاح وفي
صحيح البخاري "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة"1.
قوله: "والكفالة" بأن قال
كفلت غريمك إن أقرضتني كذا ذكره العيني وهو
مثال لتعليقها بالشرط، وفي البزازية لو قال
كفلت به على أنه مني طولبت به أو كلما طولبت
به فلي أجل شهر صحت، فإذا طالبه به فله أجل
شهر من وقت المطالبة الأولى، فإذا تم الشهر من
المطالبة الأولى لزم التسليم ولا يكون
للمطالبة الثانية تأجيل. ا هـ. ثم قال كفل على
أنه بالخيار عشرة أيام أو أكثر يصح بخلاف
البيع لأن مبناها على التوسع. ا هـ. وأما
تعليقها بالشرط فسيأتي أنه يصح بشرط ملائم وفي
البزازية من البيوع وتعليق الكفالة إن متعارفا
كقدوم المطلوب يصح وإن شرطا محضا كأن دخل
الدار أو هبت الريح لا والكفالة إلى هبوب
الريح جائزة والشرط باطل ونص النسفي أن الشرط
إن لم يتعارف تصح الكفالة ويبطل الشرط
والحوالة كهي.
قوله: "والحوالة" بأن قال
أحلتك على فلان بشرط أن لا ترجع علي عند
التواء ذكره العيني يعني تصح الحوالة ويبطل
الشرط فيرجع عليه عند التواء ويصح تعليقها
بالشرط ومنه اشتراط الخيار للمحتال وهو جائز
كما في البزازية، ثم اعلم أن الحوالة تبطل
ببعض الشروط لما في البزازية ومن صور فساد
الحوالة ما إذا شرط في الحوالة أن يعطي المال
المحال به المحتال عليه للمحتال من ثمن دار
المحيل ; لأنه لا يقدر على الوفاء بالملتزم
بخلاف ما إذا التزم المحتال عليه الإعطاء من
ثمن دار نفسه ; لأنه قادر على بيع دار نفسه
ولا يجبر على بيع داره كما إذا كان قبولها
بشرط الإعطاء عند الحصاد لا يجبر على الأداء
قبل الأجل. ا هـ. وهذه واردة على إطلاق المصنف
وغيره.
قوله: "والوكالة" بأن قال
وكلتك إن أبرأتني عما لك علي ذكره العيني وهو
مثال تعليقها بالشرط وفي البزازية تعليق
الوكالة بالشرط جائز وتعليق العزل به باطل
وتفرع على ذلك أنه لو قال كلما عزلتك فأنت
وكيلي أنه صحيح ; لأنه تعليق التوكيل بالعزل
وسيأتي طريق عزله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الأحكام، باب ما يكره من
الحرص على الإمارة (7148)، من حديث أبي هريرة،
والنسائي في البيعة، باب ما يكره من الحرص على
الإمارة (4222)، (7/162).
ج / 6 ص -277-
والإقالة والكتاب وإذن العبد في التجارة ودعوة
الولد والصلح عن دم العمد وعن الجراحة وعقد
الذمة وتعليق الرد بالعيب بخيار الشرط
______
ولو قال كلما وكلتك فأنت معزول لم يصح ; لأنه
تعليق العزل بالشرط وفي البزازية الوكالة لا
تبطل بالشروط الفاسدة أي شرط كان.
قوله: "والإقالة" بأن قال
أقلتك عن هذا البيع إن أقرضتني كذا ذكره
العيني وفي القنية لا يصح تعليق الإقالة
بالشرط وتقدم أنهما لو تقايلا بأقل من الثمن
الأول أو بجنس آخر لم تفسد ووجب الثمن الأول
وهو مثال أنها لا تبطل بالشروط الفاسدة، وأما
ما ذكر فمثال تعليقها وفي البزازية يجوز
اشتراط الخيار فيها.
قوله: "والكتابة" بأن قال
المولى لعبده كاتبتك على ألف بشرط أن لا تخرج
من البلد أو على أن لا تعامل فلانا أو على أن
تعمل في نوع من التجارة فإن الكتابة على هذا
الشرط تصح ويبطل الشرط فله أن يخرج من البلد
ويعمل ما شاء من أنواع التجارة مع أي شخص شاء
وذلك ; لأن الشرط غير داخل في صلب العقد وأما
إذا كان داخلا في صلب العقد بأن كان في نفس
البدل كالكتابة على خمر ونحوها فإنها تفسد به
على ما عرف في موضعه ذكره العيني وفي البزازية
كاتبها وهي حامل على أن يدخل ولدها في الكتابة
فسدت لأنها تبطل بالشرط الفاسد.
قوله: "وإذن العبد في التجارة"
بأن قال لعبده أذنت لك في التجارة على أن تتجر
إلى شهر أو على أن تتجر في كذا فإن إذنه له
يكون عاما في التجارات والأوقات ويبطل الشرط.
قوله: "ودعوة الولد" بأن قال
لأمته التي ولدت هذا الولد مني إن رضيت امرأتي
بذلك.
قوله: "والصلح عن دم العمد"
بأن صالح ولي المقتول عمدا القاتل على شيء
بشرط أن يقرضه أو يهدي إليه شيئا فإن الصلح
صحيح والشرط فاسد ويسقط الدم ; لأنه من
الإسقاطات فلا يحتمل الشرط
قوله :"وعن الجراحة" بأن صالح
عنها بشرط إقراض شيء أو إهدائه.
قوله: "وعقد الذمة" بأن قال
الإمام لحربي يطلب عقد الذمة ضربت عليك الجزية
إن شاء فلان مثلا فإن عقد الذمة صحيح والشرط
باطل.
قوله: "وتعليق الرد بالعيب"
بأن قال إن وجدت بالمبيع عيبا أرده عليك إن
شاء فلان مثلا قوله "وبخيار الشرط" أي وتعليق
الرد به بأن قال من له خيار الشرط في البيع
رددت البيع أو قال أسقطت خياري إن شاء فلان
فإنه يصح ويبطل الشرط.
ج / 6 ص -278-
وعزل
القاضي
______
قوله: "وعزل القاضي" بأن قال
الخليفة للقاضي عزلتك عن القضاء إن شاء فلان
فإنه ينعزل ويبطل الشرط لما ذكرنا أن هذه
الأشياء ليست بمعاوضة مالية فلا يؤثر فيها
الشروط الفاسدة. ولم يذكر المصنف رحمه الله
تعالى ما يجوز تعليقه بالشرط قال الشارح رحمه
الله تعالى أنه مختص بالإسقاطات المحضة التي
يحلف بها كالطلاق والعتاق وبالالتزامات التي
يحلف بها كالحج والصلاة والتوليات كالقضاء
والإمارة. ا هـ. وقد فاته الإذن في التجارة
فإنه يصح تعليقه بالشرط كما في الخانية لكونه
من الإسقاطات لكن لا يحلف به، فلو حذف التي
يحلف بها لدخل ولدخل تعليق تسليم الشفعة فإنه
صحيح كما في البزازية لكونه إسقاطا لكن لا
يحلف به، وقد فات المصنف الرهن فإنه مما لا
يبطل بالشرط الفاسد كما في البزازية وفاته
أيضا مسألة الإسلام فإنه لا يصح تعليقه بالشرط
كما في فتاوى قارئ الهداية ويرد عليه أن الهبة
يجوز تعليقها بالشرط الملائم نحو وهبتك على أن
تقرضني كذا، كذا في جامع الفصولين وعلى هذا
فما ذكره الكردري في المناقب معزيا إلى
الناصحي لو قال إن اشتريت جارية فقد ملكتها
منك يصح ومعناه إذا قبضه بناء على ذلك. ا هـ.
مبني على أن الشرط ملائم وفي البزازية من
البيوع وتعليق الهبة بإن باطل وبعلى أن ملائما
كهبته على أن يعوضه يجوز وإن مخالفا بطل الشرط
وصحت الهبة ويرد عليه أيضا تعليق دعوة الولد
صحيح كقوله إن كانت جاريتي حاملا فمتى صح كذا
في البزازية وليس مما ذكره وكذا يرد عليه
الكفالة فإنه يصح تعليقها بشرط ملائم كما
قدمناه ولم يذكر المصنف ولا الشارح ما يجوز
تعليقه بالشرط الجائز وما لا يجوز وتقييده
بالفاسد يخرجه
وفي البزازية أن ما يتعلق بذكر الشرط الجائز
يفسده الفاسد من الشرط كالبيع والإجارة والصلح
على مال والقسمة وعقد لا يتعلق بالجائز،
فالفاسد من الشرط لا يبطله كالنكاح والخلع
والصلح عن دم العمد والعتق على مال فالأول لا
يصح إلا ببدل منطوق معلوم يجري فيه التمليك
والتملك والثاني يصح ببدل وبدونه وببدل مجهول
وحرام وحلال وعقد يتعلق بالجائز منه والفاسد
منه على نوعين نوع يفسده ونوع لا وهو الكتابة
إلى آخر ما فيها، وقد ذكر المصنف رحمه الله
تعالى ما يجوز إضافته إلى زمان وما لا يجوز في
آخر كتاب الإجارات فإذا وصلنا إليه شرحناه
بأتم مما ذكره الشارح هنا وننبه على ما فاتهما
إن شاء الله تعالى، والله أعلم بالصواب. |