البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 7 ص -5-
"باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره"
يكتب القاضي إلى القاضي في غير حد وقود.
_______________
باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره
هذا أيضا من أحكام القضاء غير أنه لا
يتحقق في الوجود إلا بقاضيين فهو كالمركب
بالنسبة لما قبله كذا في فتح القدير وهو أولى
مما ذكر الشارح من أن هذا الباب ليس من كتاب
القضاء؛ لأنه إما نقل شهادة أو نقل حكم وكل
ذلك ليس منه وإنما أورده فيه؛ لأنه من عمل
القضاة فكان ذكره فيه أنسب ا هـ. وحيث كان من
عملهم فهو منه فكيف ينفيه والمراد بغيره ما
ذكره في هذا الباب من قوله وتقضي المرأة إلى
آخره.
"قوله يكتب القاضي إلى القاضي في غير حد وقود"
أي استحسانا والقياس أن لا يجوز؛ لأن كتابته
لا تكون أقوى من عبارته وهو لو أخبر القاضي
الآخر في محله لم يعمل بخبره فكتابته أولى؛
لأنه قد يزور وإنما جوزناه لأثر علي رضي الله
عنه1، وللحاجة ولا يستغنى عنه بالشهادة على
الشهادة؛ لأن القاضي يحتاج فيها إلى تعديل
الأصول وقد يتعذر ذلك ولم يجز في الحدود
والقصاص لما فيه من الشبهة بزيادة الاحتمال
ويدخل تحت قوله في غير حد وقود كل شيء من
الدين والنكاح والطلاق والشفعة والوكالة
والوصية والإيصاء والموت والوراثة والقتل إذا
كان موجبه المال والنسب من الحي والميت والغصب
والأمانة المجحودة من وديعة ومضاربة وعارية
والأعيان منقولا أو عقارا وهو المروي عن محمد
وعليه المتأخرون وبه يفتى للضرورة وفي ظاهر
الرواية لا يجوز في المنقول للحاجة إلى
الإشارة إليها عند الدعوى والشهادة وعن الإمام
الثاني تجويزه في العبد لغلبة الإباق فيه لا
في الأمة وعنه تجويزه في الكل. وفي البزازية
والمتقدمون لم يأخذوا بقول الإمام الثاني وعمل
الفقهاء اليوم على التجويز في الكل للحاجة قال
الإمام الإسبيجابي وعليه الفتوى ولو جاء
المدعي من القاضي برسول ثقة مأمون عدل إلى قاض
آخر لا يقبل؛ لأنه لا يزيد على أن يأتي القاضي
بنفسه ويخبر وهو في غير ولايته كواحد من
الرعايا بخلاف كتابه؛ لأنه كالخطاب من مجلس
قضائه دلت التفرقة على مسألتين:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثر: ذكره الزيلعي في "نصب الراية"
"4/79".
ج / 7 ص -6-
فإن شهدا على خصم حاضر حكم بالشهادة
________________
الأولى: بلدة فيها قاضيان حضر أحدهما مجلس
القاضي الآخر وأخبر بحادثة لا يجوز له أن يعمل
بخبره وحده ولو كتب إليه بشرطه له العمل به
وكذا لو حضر قاضيان في مصر ليس فيه مجلس قاض
أو أحدهما قاض فيه والآخر ليس بقاض فيه لا
يعمل بخبر من ليس بقاض فيه لعدم الولاية كقاض
ببخارى التقى مع قاض بخوارزم وأخبره بحادثة
حكم فيها ببخارى لا يعمل بإخباره قاضي خوارزم.
ا هـ.
وقد ذكر قاضي خان في فتاويه مسائل:
الأولى: طلب من القاضي أن يسمع شهوده على
الإبراء أو إيفاء الدين ويكتب له كتابا بذلك
خوفا من رب الدين أن يدعي عليه إذا ذهب إليه
لم يكتب في قول أبي يوسف ويكتب في قول محمد.
الثانية: لو كان صاحب الدين حاضرا وطلب من
القاضي أن يسأله فإذا أنكر برهن ليكتب له لم
يسأله إجماعا وهذه حجة على محمد في السابقة.
الثالثة: امرأة جاءت إلى القاضي وقالت طلقني
زوجي فلان ثلاثا وتزوجت بآخر بعد العدة وأخاف
إنكاره فاسأله فإن أنكر برهنت سأله القاضي
إجماعا وهي حجة على أبي يوسف.
الرابعة: ادعى أنه مشتر دارا لها شفيع سلمها
وهي في بلد كذا وطلب أن يسمع شهوده ويكتب لا
يكتب وقال محمد يكتب في هذه المسائل كلها
احتياطا احترازا عن تضييع الحقوق وأجمعوا على
أن المديون أو المشتري أو المرأة لو قال إن
صاحب الدين والشفيع والزوج قد تعرض لي فيما
ادعى فاسمع شهودي فإن القاضي يسمع ويكتب. ا
هـ. أطلق القاضي فأفاد أن قاضي مصر يكتب إلى
قاضي مصر آخر وإلى قاضي السواد والرستاق ولا
يكتب قاضي الرستاق إلى قاضي مصر كذا في السراج
الوهاج معزيا إلى الينابيع ثم قال وإنما يقبل
إذا كان بينهما مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا أما
إذا كان أقل من ذلك لا يقبل.
وفي "نوادر هشام" إذا كان في المصر قاضيان جاز
كتابهما إلى بعضهما في الأحكام ثم قال وإذا
كان الكتاب الذي ورد عليه لمن لا تقبل شهادته
له كالوالدين والزوجة جاز القضاء به بخلاف ما
إذا ترافعوا إليه من غير كتاب. ا هـ.
"قوله: فإن شهدا على خصم حاضر حكم بالشهادة"
لوجود الحجة وشرط الحكم وهو حضور الخصم
والمراد بالخصم الحاضر من كان وكيلا من جهة
المدعى عليه أو مسخرا وهو من نصبه القاضي
وكيلا عن الغائب ليسمع الدعوى عليه وإلا لو
أراد بالخصم المدعى عليه لم
ج / 7 ص -7-
وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا وإلا لم يحكم وكتب الشهادة ليحكم
المكتوب إليه بها وهو الكتاب الحكمي وهو نقل
الشهادة في الحقيقة.
_________
يبق حاجة إلى الكتاب إلى القاضي الآخر؛ لأن
الخصم حاضر عند القاضي وقد حكم عليه وإذا حكم
كتب بحكمه إلى قاضي البلد التي فيها الموكل
ليقتضي منه الحق كذا في فتح القدير.
"قوله وكتب بحكمه وهو المدعو سجلا" لئلا ينسى
الواقعة على طول الزمان وليكون الكتاب مذكرا
لها وإلا فلا يحتاج إلى كتابة الحكم؛ لأنه قد
تم لحضور الخصم بنفسه أو من يقوم مقامه إلا
إذا قدر أنه غاب بعد الحكم عليه وجحده فحينئذ
يكتب له ليسلم إليه حقه أو لينفذ حكمه.
وفي المصباح السجل كتاب القاضي والجمع سجلات
وأسجلت للرجل إسجالا كتبت له كتابا وسجل
القاضي بالتشديد قضى وحكم وأثبت حكمه في السجل
ا هـ. فالسجل الحجة التي فيها حكم القاضي ولكن
هذا في عرفهم وفي عرفنا السجل كتاب كبير يضبط
فيه وقائع الناس وما يحكم به القاضي وما يكتب
عليه.
"قوله وإلا لم يحكم" أي وإن لم يكن الخصم
حاضرا لا يحكم؛ لأن الحكم على الغائب لا يجوز
لما عرف ولو حكم به حاكم يرى ذلك ثم نقل إليه
نفذه بخلاف الكتاب الحكمي حيث لا ينفذ خلاف
مذهبه؛ لأن الأول محكوم به فلزمه والثاني
ابتداء حكم فلا يجوز له كذا ذكر الشارح وهو
يدل على أن الحاكم على الغائب إذا كان حنفيا
فإن حكمه لا ينفذ لقوله يرى ذلك وهو مفيد؛ لأن
معنى قولهم إن القضاء على الغائب ينفذ في أظهر
الروايتين إذا كان القاضي شافعيا.
"قوله وكتب الشهادة ليحكم المكتوب إليه بها
وهو الكتاب الحكمي" منسوب إلى الحكم باعتبار
ما يئول إليه.
"وهو نقل الشهادة في الحقيقة"؛ لأن الكاتب لم
يحكم بها وإنما نقلها للمكتوب إليه ليحكم بها
ولهذا يحكم المكتوب إليه برأيه وإن كان مخالفا
لرأي الكاتب بخلاف السجل فإنه ليس له أن
يخالفه وينقض حكمه وفي منية المفتي ورد كتاب
قاض إلى قاض آخر في حادثة لا يراه القاضي
المكتوب إليه وهي مختلف فيها لا ينفذه وإن ورد
فيها سجل نفذه؛ لأن السجل محكوم به دون الكتاب
ولهذا له أن لا يقبل الكتاب دون السجل. ا هـ.
فقد أفاد عدم وجوب قبول الكتاب على المكتوب
إليه وفي كتاب المحاضر والسجلات من الظهيرية
قال القاضي الإمام ثقة الدين محمد بن علي
الحلواني 1 صحبت كثيرا من القضاة الكبار فما
رأيتهم أجابوا إلى شيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن علي بن حفص، أبو بكر الحلواني
أحد رواة الأمالي كان في حدود الخمسمائة هـ
اهـ "الجواهر المضية" "3/256".
ج / 7 ص -8-
وقرأ عليهم، وختم عندهم وسلم إليهم، فإن وصل إلى المكتوب إليه نظر
إلى ختمه، ولم يقبله بلا خصم، وشهود، فإن
شهدوا أنه كتاب فلان القاضي سلمه إلينا في
مجلس حكمه، وقرأ علينا
___________
من الحوادث المجتهد فيها في الكتابة إلى
القاضي الشافعي إلا في اليمين المضافة فإن
دلائل أصحاب الحديث في ذلك واضحة وبراهينهم
فيها لائحة والشبان يتجاسرون إلى هذه اليمين
ثم يحتاجون إلى التزوج فيضطرون إلى ذلك فلو لم
يجبهم القاضي إلى ذلك ربما يقعون في الفتنة ا
هـ.
"قوله وقرأ عليهم وختم عندهم وسلم إليهم" أي
القاضي الكاتب يفعل ذلك ليعلموا ما فيه
ليشهدوا عند الثاني ولا بد لهم من حفظ ما فيه
ولهذا قيل ينبغي أن يكون معهم نسخة أخرى
مفتوحة فيستعينوا منها على الحفظ فإنه لا بد
من التذكر من وقت الشهادة إلى وقت الأداء
عندهما ولم يذكر العنوان وهو من شرائطه وهو أن
يكتب فيه اسمه واسم أبيه وجده وكذا المكتوب
إليه ويكتبه من داخل فلو كان على الظاهر لم
يقبل وفي عرفنا العنوان يكون على الظاهر
فيكتفي به ويكتب فيه اسم المدعي والمدعى عليه
على وجه يقع التمييز بذكر جدهما ويذكر الحق
فيه ويذكر الشهود إن شاء وإن شاء اكتفى بذكر
شهادتهم وعن أبي يوسف أنه لا يشترط على الشهود
إلا نقل الكتاب والشهادة على أنه كتاب فلان
ولا على القاضي سوى كتابة الحاجة التي لا بد
من معرفتها واختاره شمس الأئمة لكونه أسهل.
"قوله فإن وصل إلى المكتوب إليه نظر إلى ختمه
لم يقبله بلا خصم وشهود"؛ لأنه للحكم به فلا
يقبله إلا بحضور الخصم كالشهادة ولا بد من
إسلام الشهود ولو كان الكتاب لذمي على ذمي؛
لأنهم يشهدون على فعل المسلم وإنما يحتاج
إليهم إذا أنكر الخصم كونه كتاب القاضي أما
إذا أقر فلا حاجة إليهم بخلاف كتاب الأمان إلى
أهل الحرب حيث يعمل به بلا بينة؛ لأنه ليس
بملزم ومعناه إذا جاء الكتاب من ملكهم يطلب
الأمان كما في العناية وقد كتبنا في الفوائد
الفقهية أنه لا يعمل بالخط إلا في مسألة كتاب
الأمان وفي دفتر البياع والصراف والسمسار فإنه
حجة والمراد بعدم قبوله بلا خصم عدم قراءته لا
مجرد قبوله فإنه لا يتعلق به حكم كذا في فتح
القدير وجوز أبو يوسف قبوله بلا بينة ولكن لا
يعمل به إلا ببينة وفي السراجية يقبل كتاب
القاضي إلى القاضي مع كسر الختم كذا عن شمس
الأئمة الحلواني.
"قوله فإن شهدوا أن كتاب فلان القاضي سلمه
إلينا في مجلس حكمه وقرأه علينا"، وختمه
ج / 7 ص -9-
وقرأه علينا، وختمه فتحه القاضي، وقرأه على الخصم، وألزمه ما فيه،
ويبطل الكتاب بموت الكاتب، وعزله. وبموت
المكتوب إليه إلا إذا كتب بعد اسمه، وإلى كل
من يصل إليه من قضاة المسلمين
__________
فتحه القاضي وقرأه على الخصم وألزمه ما فيه
يعني إذا ثبتت عدالتهم عنده بأن كان يعرفهم
بالعدالة أو وجد في الكتاب عدالتهم أو سأل من
يعرفهم من الثقات فزكوا، وأما قبل ظهور
عدالتهم فلا يحكم به ولا يلزم الخصم وذكر
الخصاف أنه لا يفتحه إلا بعد ظهور العدالة
وصححه في السراج الوهاج.
قيد بقوله سلمه إلينا آخره؛ لأنهم إذا قالوا
لم يسلمه إلينا أو لم يقرأه علينا أو لم يختمه
بحضرتنا لم يعمل به. وقال أبو يوسف إذا شهدوا
أن هذا كتاب فلان القاضي قبل وإن لم يقولوا
قرأه علينا وشرط في الذخيرة حضور الخصم لقبول
البينة بأنه كتاب فلان لا لقبول الكتاب حتى لو
قبله مع غيبة الخصم جاز والأشبه أن يكون هذا
قول أبي يوسف ولم يشترط المؤلف مسافة بين
القاضيين للاختلاف فيها فظاهر الرواية أنه لا
بد من مسيرة ثلاثة أيام كالشهادة على الشهادة
وجوزهما محمد وإن كانا في مصر واحد وعن أبي
يوسف إن كان في مكان لو غدا لأداء الشهادة لا
يستطيع أن يبيت في أهله صح الإشهاد والكتابة
وفي السراجية وعليه الفتوى.
"قوله ويبطل الكتاب بموت الكاتب وعزله" يعني
قبل وصول الكتاب إلى الثاني أو بعد وصوله قبل
القراءة؛ لأنه بمنزلة الشهادة على الشهادة
وقال أبو يوسف لا يبطل، وأما بعدهما فلا يبطل
في ظاهر الرواية وجنون الكاتب وردته وحده لقذف
وعماه كعزله ذكره الشارح وإذا قبله المكتوب
إليه فيما إذا بطل وحكم به ثم رفع إلى آخر
فأمضاه جاز لمصادفته الاجتهاد وإذا كان
الاختلاف في نفس القضاء فإنه ينفذ بالتنفيذ من
قاض آخر ولو فسق الكاتب أو خرج عن أهلية
الشهادة فإن المكتوب إليه لا يقضي به سواء كان
قبل قراءته أو بعدها كذا في الخانية وهو
بإطلاقه مخالف لما قدمناه عن الشارح وفي
السراج الوهاج ولو شهد شهود بحق ثم مات القاضي
المشهود عنده وولي قاض آخر لم ينفذ تلك
الشهادة حتى تعاد. ا هـ. وقد ذكروا هنا أن مما
يبطل كتابه فسقه وهو محمول على ما إذا كان
عدلا ففسق عنده البعض.
"قوله وبموت المكتوب إليه إلا إذا كتب بعد
اسمه وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين"
أي يبطل الكتاب؛ لأن الكاتب اعتمده إلا إذا
عمم لاعتماده الكل قيد بقوله بعد اسمه؛ لأنه
لو عمم ابتداء لم يجز أن يحكم به أحد وأجازه
أبو يوسف حين ابتلي بالقضاء واختاره كثير من
المشايخ تسهيلا للأمر وفي الخلاصة وعليه عمل
الناس اليوم.
ج / 7 ص -10-
لا بموت الخصم، وتقضي المرأة في غير حد وقود.
_____________
"قوله لا بموت الخصم" أي لا يبطل الكتاب بموت
الخصم؛ لأن وارثه يقوم مقامه أطلقه فشمل
المدعي والمدعى عليه وشمل ما إذا كان تاريخ
الكتاب بعد موت المطلوب أو قبله؛ لأن وارث
المطلوب والوصي قائم مقامه كذا في الخانية.
قيد بموت الخصم؛ لأن عدم حضرته عند القاضي
الكاتب تبطل كتابته فلا يحكم عليه بشهادة
أولئك حتى يشهدوا عنده بحضرة الخصم كذا في
السراجية ولو ردد بين قاضيين كتب إلى فلان أو
فلان صح وشرحه في شرح أدب الخصاف وسيأتي بعد.
"فروع" يجوز على كتاب القاضي الشهادة على
الشهادة كما جاز فيه شهادة النساء؛ لأنه يثبت
مع الشبهات ولو كتب القاضي إلى الأمير الذي
ولاه أصلح الله أمر الأمير ثم قص القصة وهو
معه في المصر فجاء به ثقة يعرفه الأمير
فالاستحسان أن للأمير إمضاءه؛ لأنه متعارف ولا
يليق بالقاضي أن يأتي في كل حادثة إلى الأمير
ليخبره وشرطنا فيه شرط كتاب القاضي إلى القاضي
كذا في فتح القدير ولو سمع الخصم بوصول كتاب
القاضي البلدة فهرب إلى بلدة أخرى كان للقاضي
المكتوب إليه أن يكتب إلى قاضي تلك البلدة بما
يثبت عنده من كتاب القاضي فكما جوزنا للأول
الكتابة جوزنا للثاني والثالث وهلم جرا للحاجة
ولو كتب فلم يخرج من يده حتى رجع الخصم لم
يحكم عليه بتلك الشهادة التي سمعها من شهود
الكتاب بل يعيد المدعي شهادتهم ويكتب القاضي
بعلمه كالقضاء بعلمه والتفاوت هنا أن القاضي
يكتب بالعلم الحاصل قبل القضاء بالإجماع كذا
قال بعضهم وإذا أقام شاهدا عند القاضي وسأل
القاضي أن يكتب بذلك كتابا إلى قاض آخر فعل
فإنه قد يكون له شاهد في محل المكتوب إليه كذا
في فتح القدير والأصح أن الكتابة بعلمه
كالقضاء بعلمه كذا في شرح أدب الخصاف.
"قوله وتقضي المرأة في غير حد وقود"؛ لأنها
أهل للشهادة في غيرهما فكانت أهلا للقضاء لكن
يأثم المولي لها للحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"1 رواه البخاري وفي فتح القدير ألا ترى أنها تصلح شاهدة وناظرة في
الأوقاف ووصية على اليتامى ا هـ. فظاهره صحة
تقريرها في النظر والشهادة في الأوقاف وإن لم
يكن بشرط الواقف وقد أفتيت فيمن شرط الشهادة
في وقفه لفلان ثم من بعده لولده فمات وترك
بنتا أنها تستحق وظيفة الشهادة واستغربه بعض
القضاة ولا عبرة به بعدما ذكرنا، وأما سلطنتها
فصحيحة وقد ولي مصر امرأة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 7 ص -11-
ولا يستخلف قاض إلا أن يفوض إليه ذلك.
___________
تسمى شجرة الدر 1 جارية الملك الصالح بن
أيوب2، وفي الخلاصة لو قضت في الحدود والقصاص
فرفع إلى قاض آخر فأمضاه ليس لغيره أن يبطله ا
هـ.
وأشار المؤلف إلى صلاحيتها للنظارة على الوقف
والوصاية على اليتامى بالأولى كما في فتح
القدير، وأما قضاء الخنثى فيصح بالأولى وينبغي
أن لا يصح في الحدود والقصاص لشبهة الأنوثة ا
هـ.
"قوله ولا يستخلف قاض إلا أن يفوض إليه ذلك"؛
لأنه فوض إليه القضاء دون التقليد به فلا
يتصرف في غير ما فوض إليه كالوكيل لا يوكل
بدون إذن الموكل أطلقه فشمل ما إذا كان بعذر
أو لا كما في العناية فلو استخلف بلا إذن فحكم
الخليفة فأجازه القاضي جاز حيث كان الخليفة
أهلا للقضاء فإن كان رقيقا أو محدودا في قذف
أو كافرا لم يجز وكذا إذا قضى بحضرة القاضي
كما في الوكالة؛ لأن المقصود حضور رأيه.
وفي آخر جامع الفصولين القاضي لو قضى في كل
أسبوع يومين بأن كان له ولاية القضاء في يومين
من كل أسبوع لا غير فقضى في الأيام التي لم
تكن له ولاية القضاء فإذا جاءت نوبته أجاز ما
قضى جازت ا هـ فدخل الفضولي في القضاء وهو أعم
من القاضي وظاهر كلامهم أن إجازة قضاء الفضولي
لا تتوقف على كون الفضولي خليفة من قاض ليس له
ولاية الاستخلاف بل لو قضى فضولي بلا استخلاف
أصلا فأجازه القاضي جاز.
ثم اعلم أن قولهم كما في الوكالة معناه
الوكالة بالبيع والنكاح ونحوهما أما الوكيل
بالطلاق والعتاق إذا أجاز أو حضر لم يصح لأن
المقصود عبارته كما في المنية وشمل التفويض
إليه ما إذا كان صريحا بأن قال له ول من شئت
أو دلالة كجعلتك قاضي القضاة والدلالة هنا
أقوى؛ لأن في الصريح المذكور يملك الاستخلاف
لا العزل وفي الدلالة يملكهما كقوله ول من شئت
واستبدل من شئت فإن قاضي القضاة هو الذي يتصرف
فيهم مطلقا تقليدا وعزلا وإذا قال له ول من
شئت واستخلف كان نائبا عن الإمام في التولية
فلا يملك عزله كالوكيل إذا وكل بإذن ولا ينعزل
بموته وينعزلان بموت الموكل بخلاف الوصي حيث
يملك الإيصاء إلى غيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي شجرة الدر الصالحية أم خليل الملقبة
بعصمة الدين، ملكة مصر أصلها من جواري الملك
الصالح نجم الدين اشترها ايام أبيه وحظيت عنده
وولدت له ابنه خليلا كانت ذا عقل وحزم، كاتبة
قارئة توفيت سنة خمس وخمسين وستمائة هـ "شذرات
الذهب" "5/268".
2 هو أيوب بن محمد أبو الفتح نجم الدين
المولود سنة "ثلاث وستمائة هـ" من كبار الملوك
الأيوبيين" بمصر ولد ونشأ بالقاهرة وتوفي
بناصية المنصورة سنة سبع وأربعين وستمائة هـ.
"الأعلام". "2/38".
ج / 7 ص -12-
.................................
________________
ويملك التوكيل والعزل في حياته لرضى الموصي
بذلك دلالة لعجزه بخلاف الإمام والموكل وبخلاف
المستعير فإن له الإعارة بشرطه؛ لأنه لما ملك
المنفعة ملك تمليكها وفي الملتقط القاضي إذا
استخلف خليفة فقضى للقاضي لا يجوز والطريق فيه
أن يتحاكما أو ينصب الإمام قاضيا آخر لهذه
الحادثة. ا هـ.
وفي السراجية القاضي إذا وقعت له حادثة أو
لولده فأناب غيره وكان من أهل الإنابة تخاصما
عنده وقضى له أو لولده جاز القاضي إذا قضى
للإمام الذي قلده القضاء أو لولد الإمام جاز ا
هـ. وفي البزازية كما في السراجية وفي الخلاصة
الخليفة إذا أذن للقاضي في الاستخلاف فاستخلف
رجلا وأذن له في الاستخلاف جاز له الاستخلاف
ثم وثم ا هـ. وفيها وإن أرادوا أن يثبتوا قضاء
الخليفة عند القاضي الأصلي فهو كما لو أثبتوا
قضاء قاض آخر عند هذا القاضي وفي أدب القاضي
للصدر الشهيد 1 النائب يقضي بما شهدوا عند
الأصل وكذا الأصل يقضي بما شهدوا عند النائب ا
هـ.
وفي البزازية جرى الخلع بين الزوجين عند
القاضي مرتين فقال نائبه كان قد جرى عندي مرة
أخرى والزوج ينكر فقال القاضي الإمام لا يقضي
القاضي بالحرمة الغليظة بكلام النائب أما
النائب يقضي بكلام القاضي إذا أخبره ا هـ. ثم
قال في نوع في الإمضاء والنائب يقضي بما شهدوا
عند الأصل وكذا القاضي يقضي بما شهدوا عند
النائب أمر القاضي الخليفة أن يسمع القضية
والشهادة ويكتب الإقرار ولا يقطع الحكم يفعل
ما أمره القاضي وليس له أن يحكم ليس للقاضي أن
يحكم بإخبار خليفته بشهادة الشهود عنده؛ لأنه
ليس بقاض وكذا لو أخبره بإقرار رجل إلا أن
يشهد هو مع آخر وقد تناطقت أجوبة أئمتنا
بخوارزم أن شهادة مسخرة "*" القاضي، وشهادة
الوكلاء المفتعلة ببابه لا تقبل بخلاف نوابهم
إلا أهل العدل وقد رأيت بنواحي خوارزم وبها
جماعة ممن فوض إليهم القضاء وكذا ببعض نواحي
دشت 2 لا يصح القضاء بشهادتهم فكيف قضاؤهم
وسئلت عن شهادة بعضهم أنه تقبل فقلت: نعم تقبل
مع عدلين وكل ذلك من تهاون أمر الدشت بالشرع
وقد رأيت من العجائب أن واحدا من أمرائه الذي
يدعي أنه لم يمض مثله دينا قلد قضاء مدينة إلى
شاب جاهل لا يعرف قرآنا ولا خطا حتى يقضي
بأربعة مذاهب فقلت: له فيه فقال أنا أعلم
بالمصلحة والله يعلم المفسد من المصلح. ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أدب القاضي للصدر الشهيد: المراد به شرح أدب
القاضي للخصاف والشرح للصدر الشهيد وتقدما.
2 دشت: الدشت: بفتح أوله، وسكون ثانيه، قرية
من قرى أصبهان اهـ. "معجم البلدان" "2/456".
...................
"*" العبارة في الأصل مسخر.
ج / 7 ص -13-
بخلاف المأمور في الجمعة
_________
فالحاصل أن القاضي إذا ولى الخليفة القضاء عمل
بقوله وإن ولاه سماع الدعوى والشهادة فقط لا
يعمل بقوله فلا تناقض كما لا يخفى وفائدة هذا
الاستخلاف أن ينظر الخليفة هل للمدعي شهود أو
يكذب فلعل له شهودا إلا أنهم غير عدول وقد لا
تتفق ألفاظهم فيفوض القاضي النظر إلى الخليفة
كذا في الخانية وقد سئلت عن صحة تولية القاضي
ابنه قاضيا حيث كان مأذونا له بالاستخلاف
فأجبت بنعم والله أعلم أطلق في الاستخلاف فشمل
ما إذا كان مذهب الخليفة موافقا لمذهب القاضي
أو مخالفا وفي البزازية ولو فوض إلى غيره
ليقضي على وفق مذهبه نفذا إجماعا. ا هـ.
وظاهر إطلاقهم أن المأذون له بالاستخلاف صريحا
أو دلالة يملكه قبل الوصول إلى محل قضائه كما
يملكه بعهده وقد جرت عادتهم إذا ولوا ببلد
السلطان قضاء بلدة بعيدة بإرسال خليفة يقوم
مقامهم إلى حضورهم وقد سئلت عنها في سنة تسع
وتسعين وتسعمائة فأجبت بذلك والله الموفق ثم
رأيت الأجل الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء
للخصاف قال في الباب السادس عشر القاضي إنما
يصير قاضيا إذا بلغ الموضع الذي قلد فيه
القضاء ألا ترى أن الأول لا ينعزل ما لم يبلغ
هو البلد الذي قلد فيه القضاء فكان هو في ذلك
المكان بمنزلة واحد من الرعايا. ا هـ. وهو
يفيد أن القاضي لا يملك الاستخلاف قبل وصوله
إلى محل عمله لكنه ذكر في الباب السادس أنه
ينبغي للقاضي أن يقدم نائبه قبل وصوله حتى
يتعرف على أحوال الناس ا هـ. إلا أن يقال إن
قاضي القضاة مأذون بالاستخلاف قبل الوصول من
السلطان فلا كلام وهذا هو الواقع الآن.
وقيد باستخلافه قاضيا؛ لأن له التوكيل
والإيصاء بلا إذن السلطان وأورد هذا إشكالا
على منعه من تقليد القضاء فإن التعليل المذكور
يجري فيها وأجاب عنه في العناية بأن المقلد
يفعل ما لا يفعله الوكيل والوصي فيكون توقع
الفساد في القضاء أكثر. ا هـ.
"قوله بخلاف المأمور في الجمعة" يعني فإن له
الاستخلاف وإن لم يفوض إليه ذلك؛ لأن الإمام
الأعظم لما فوضها إليه مع علمه أن العوارض
المانعة من إقامتها من المرض والحدث في الصلاة
مع ضيق الوقت وغيرهما تعتريه ولا يمكن انتظار
الإمام الأعظم؛ لأنها لا تحتمل التأخير عن
الوقت فكان إذنا له بالاستخلاف دلالة وتأخير
سماع الخصومة إلى وجود الإذن من الإمام الأعظم
ممكن؛ لأنه غير مؤقت بوقت كذا في المعراج
فظاهره أن الاستخلاف جائز وإن لم يكن لسبق
الحدث في الصلاة كما إذا مرض الخطيب أو سافر
أو حصل له مانع فاستناب خطيبا مكانه وفي فروق
الكرابيسي ما يفيده أيضا فإنه قال فرق بين
القاضي والإمامة فإن القاضي لا يملك الاستخلاف
إلا بإذن والإمام للجامع يملك بدونه والفرق أن
الضرورة متحققة ههنا
ج / 7 ص -14-
وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه إن يخالف الكتاب، والسنة المشهور،
والأجماع
__________
لجواز أن يسبقه الحدث قبل الصلاة فلو توقف على
الإذن تفوت الجمعة ولا كذلك في القضاء. ا هـ.
وبهذا علم أن ما ذكره في شرح الدرر والغرر من
أن الخطيب ليس له الاستخلاف ابتداء إلا بإذن
لا أصل له فإنما هو فهم فهمه من بعض العبارات
وقد صرح العلامة محب الدين بن جرباش شيخ شيخنا
في النجعة في تعداد الجمعة بأن إذن السلطان
بإقامة الخطبة شرط أول مرة "*" فيكون الإذن
منسحبا لتولية النظار الخطباء وإقامة الخطيب
نائبا ولا يشترط الإذن لكل خطيب وقد أوضحناه
في الجمعة ثم إن أحدث الخطيب بعدما خطب قبل
الشروع في الصلاة لم يجز له أن يستخلف إلا من
شهد الخطبة؛ لأنها شرط فيها فلا تنعقد بدونها
وإن كان شرع فيها جاز أن يستخلف من لم يدركها
لانعقادها بالأصل فكان الثاني بانيا.
وفي العناية واعترض بمن أفسد صلاته ثم افتتح
بهم الجمعة فإنه جائز وهو مفتتح في هذه الحالة
لم يشهد الخطبة وأجيب بأنه لما صح شروعه في
الجمعة وصار خليفة للأول التحق بمن شهد الخطبة
وأرى أن إلحاقه بالباني لتقدم شروعه في تلك
الصلاة الأولى فتأمل. ا هـ.
"قوله وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه إن لم
يخالف الكتاب والسنة المشهورة والإجماع" لترجح
الاجتهاد الأول بالقضاء فلا ينقضه أطلقه فشمل
ما إذا كان موافقا لرأيه أو مخالفا لكون لفظ
الحكم نكرة في سياق الشرط فتعم فليس في كلامه
ما يوهم أنه إنما يمضيه إذا كان موافقا لرأيه
كما زعم الشارح وفي الجامع الصغير وما اختلف
فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر
يرى غير ذلك أمضاه وفي المعراج وإنما ذكر لفظ
الجامع بهذا اللفظ المذكور؛ لأن فيه فائدتين
إحداهما أنه قيد بالفقهاء؛ لأن القاضي إذا كان
غير عالم بموضع الاجتهاد فاتفق قضاؤه في موضع
الاجتهاد فعلى قول عامة المشايخ لا يجب على
الثاني تنفيذه كذا ذكره في فصول الأسروشني
محالا إلى المحيط والذخيرة فقال لو قضى في فصل
مجتهد فيه وهو لا يعلم بذلك قيل ينفذ قضاؤه
وعامتهم لا ينفذ وإنما ينفذ إذا علم بكونه
مجتهدا فيه قال شمس الأئمة هذا هو ظاهر المذهب
والثاني أنه قيد بقوله يرى غير ذلك وفي رواية
القدوري لم يتعرض لذلك فيحتمل أن قوله أمضاه
فيما إذا كان موافقا. ا هـ.
وفي الخلاصة أن هذا الشرط يعني كونه عالما
بالاختلاف وإن كان ظاهر المذهب لكن يفتى
بخلافه والتحقيق المعتمد أن علمه بكون ما حكم
فيه مجتهدا فيه شرط، وأما علمه بكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"*" العبارة في الأصل شرط أول مرة للباني.
ج / 7 ص -15-
.................................
_________
المسألة اجتهادية فلا ويدل عليه ما في الفتاوى
الصغرى وشمل قوله حكم قاض ما إذا كان الحكم
موافقا لرأيه ومخالفا وما إذا كان القاضي
باقيا على قضائه أو مات أو عزل كما في خزانة
الأكمل فلو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه
ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة وفي العامد
روايتان وعندهما لا ينفذ في الوجهين واختلف
الترجيح ففي الخانية أظهر الروايتين عن أبي
حنيفة نفاذ قضائه وعليه الفتوى ا هـ.
وهكذا في الفتاوى الصغرى وفي المعراج معزيا
إلى المحيط الفتوى على قولهما وهكذا في
الهداية وفي فتاوى ظهير الدين استحق للسلطان
أن ينقضه. ا هـ. وفي فتح القدير فقد اختلف في
الفتوى والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما
لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى
باطل لا لقصد جميل، وأما الناسي فلأن المقلد
ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره هذا
كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه
ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة
فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم ا هـ.
ثم اعلم أن عبارات المشايخ قد اختلفت في هذه
المسألة أعني ما إذا قضى المقلد بخلاف مذهبه
موافقا لمذهب مجتهد ففي البزازية معزيا إلى
شرح الطحاوي إذا لم يكن القاضي مجتهدا وقضى
بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس
لغيره نقضه وله أن ينقضه كذا عن محمد وقال
الثاني ليس له أن ينقضه أيضا. ا هـ. وهكذا ذكر
العمادي في الفصول ثم قال القاضي إذا قضى في
محل الاجتهاد وهو يرى خلاف ذلك في بعض المواضع
أنه لا ينفذ وفي بعضها أنه ينفذ ولم يذكر فيه
خلافا والصحيح أن فيه خلافا بين أبي حنيفة
وصاحبيه وذكر في المحيط اختلاف الرواية في
بعضها في نفاذ القضاء وفي بعضها في حل الإقدام
على القضاء ا هـ.
وفي عمدة الفتاوى القاضي إذا قضى بقول مرجوع
عنه جاز وكذا لو قضى في فصل مجتهد فيه ا هـ.
وكذا في السراجية وفي مآل الفتاوى قضى بخلاف
مذهبه وهو مختلف فيه قال أبو حنيفة ينفذ وقال
أبو يوسف لا ينفذ ا هـ.
فقد تحرر أن القاضي المقلد إذا قضى بمذهب غيره
فإنه ينفذ وكذا إذا قضى برواية ضعيفة أو بقول
ضعيف لإطلاق قولهم أن القول الضعيف يتقوى
بقضاء القاضي وما قيده به في فتح القدير من أن
هذا إنما هو في المجتهد ثابت في بعض العبارات
ولذا قال في القنية القاضي المقلد إذا قضى
بخلاف مذهبه لا ينفذ ا هـ. ويخالفه ما أفتى به
شيخه الشيخ عمر قارئ الهداية حين سئل عن وقف
لم يحكم به رجع الواقف عنه ووقفه على جهة أخرى
وحكم به قاض حنفي
ج / 7 ص -16-
................................
_________
فهل يصح الثاني أم الأول أجاب بأن الثاني هو
الصحيح وإن كان الفتوى على خلاف قول أبي حنيفة
لكنه تأيد بحكم الحاكم وفي شرح منظومة ابن
وهبان له صورة المسألة لو حكم الحاكم في واقعة
بحكم بخلاف مذهب مقلده بفتح اللام يعني الإمام
الذي يقلده وهذا إذا كان القاضي مقلدا وليس هو
من أهل الاجتهاد كالقضاة الحنفية في زماننا
مثلا هل يصح قضاؤه أو لا والجواب أنه إن كان
ذاكرا لمذهبه لا يجوز وإلا جاز عنده خلافا
لهما ا هـ.
ومن العجيب أن صاحب البدائع قيد الخلاف بعكس
ما في فتح القدير فقال ما نقل أن القاضي إذا
قضى بخلاف مذهبه عمدا وقع باطلا وإن كان ناسيا
عنده يصح وعندهما لا يصح وهذا إذا كان القاضي
ليس من أهل الاجتهاد فأما إذا كان من أهل
الاجتهاد فينبغي أن يصح قضاؤه في الحكم
بالإجماع ولا يكون لقاض آخر أن يبطله؛ لأنه لا
يصدق على النسيان بل يحمل على أنه اجتهد فأدى
اجتهاده إلى مذهب خصمه فقضى به فيكون قضاؤه
باجتهاده فيصح ا هـ بلفظه.
والحق في هذه المسألة أن القاضي إذا حكم على
خلاف مذهبه فإن كان متوهما أنه على وفقه باطل
يجب نقضه وإن وافق مجتهدا فيه وإن كان معتمدا
مذهب غيره فإنه لا ينقض وهذا التفصيل متعين في
حكام زماننا فإنهم لا يعتمدون في أحكامهم على
الاجتهاد لا مطلقا ولا مقيدا لكونهم مقلدين
فإذا جرى منهم الحكم بخلاف مذهبهم فهو مقطوع
بكونه منه خطأ فينقض وقولهم لا ينقض الحكم في
المجتهدات معلل بأن الاجتهاد لا ينقض بمثله لا
مطلقا فإذا كان القاضي متوهما أنه مذهبه فأخطأ
فيه لم يكن مجتهدا فيه ومعنى قوله أمضاه حكم
بمقتضاه.
وفي "السراج الوهاج" المراد من الحاكم القاضي
والمراد من الإمضاء إلزام الحكم بعد دعوى
صحيحة من خصم على خصم ولذا قال في البزازية
وإن أرادوا أن يثبتوا حكم الخليفة عند الأصل
لا بد من تقديم دعوى صحيحة على خصم حاضر
وإقامة البينة كما لو أرادوا إثبات قضاء آخر ا
هـ.
فالحاصل أن الحكم المرفوع لا بد أن يكون في
حادثة وخصومة صحيحة كما صرح به العمادي في
الفصول والبزازي في الفتاوى قالا وهنا شرط
لنفاذ القضاء في المجتهدات وهو أن يصير حادثة
تجري بين يدي القاضي من خصم على خصم حتى لو
فات هذا الشرط لا ينفذ القضاء؛ لأنه فتوى ا
هـ. فلو رفع إلى حنفي قضاء مالكي بلا دعوى لم
يلتفت إليه ويحكم بمقتضى مذهبه ولا بد في
إمضاء الثاني لحكم الأول من الدعوى أيضا كما
سمعت ولا يشترط إحضار شهود الأصل بل يكفي على
قضاء القاضي قال في البزازية قاضي بلدة حكم
على رجل
ج / 7 ص -17-
................................
_________________
بمال وسجل ثم مات القاضي وأحضر المدعي المحكوم
عليه عند قاض آخر وبرهن على قضاء الأول أجبره
الثاني على أداء المال إن كان الحكم الأول
صحيحا ولو شهدوا أن قاضيا من قضاة البلد قضى
بهذا المال لا يحكم به وفي كل فعل لا بد من
تسمية الفاعل ونسبه فإن قال الشهود إن القاضي
الأول غير عدل لا يمضي القاضي الثاني قضاءه ا
هـ.
وكتبنا في الفوائد الفقهية أن القاضي إذا
ارتاب في حكم الأول له أن يطلب شهود الأصل
وإذا علمت ذلك ظهر لك أن التنافيذ الواقعة في
زماننا غير معتبرة لصدورها بلا دعوى وحادثة
وإنما يقيم صاحب الواقعة بينة يشهدون على حكم
القاضي فلان ليكتب له القاضي الثاني أنه اتصل
به حكم الأول ونفذه فإن قلت: القاضي إذا قضى
بشيء في حادثة بعد دعوى هل يكون قضاء فيما هو
من لوازمه وإن لم يعلم به القاضي. قلت: لا لما
في قضاء البزازية في فصل فسخ اليمين المضافة
وإن زوجه رجل امرأة بلا أمره وأجاز بالفعل ثم
طلقها ثلاثا ثم تزوجها بنفسه ثم ترافعا إلى
القاضي فإن أعلمه بتقدم نكاح الفضولي فقضى
بالنكاح صح ويكون قد قضى ببطلان اليمين
وببطلان نكاح الفضولي وببطلان الثلاث بعده وإن
لم يعلم بتقدم النكاح يعلمه حتى يقضي في موضع
الاجتهاد ويقصد بالقضاء اليمين المضافة ونكاح
الفضولي ا هـ.
ثم قال وروي عن الإمام الثاني فيمن قال كل
امرأة يتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وهو لا
يرى الوقوف فرفعته امرأته إلى قاض لا يرى
الوقوع فقضى بصحة النكاح ثم تحول رأي الرجل
إلى الوقوع فتزوج امرأة أخرى بعدها فإنه يمسك
الأولى ويعمل برأيه الحادث في الحادثة
فيفارقها؛ لأن القاضي إنما قضى بإبطال الطلاق
في الأولى بالاجتهاد فنفذ قضاؤه فبعد ذلك
بتحول رأيه لا يملك نقض رأيه ذلك، وأما
الحادثة فيثبت عليها الحل الآن ولم يجر عليها
حكم القاضي فيعمل برأيه والحيلة فيه أن يتزوج
امرأة بعد فسخ ويدعي عند القاضي أنها زوجته
بحكم الفسخ على امرأة أخرى وتزعم المرأة أنها
عليه حرام أخذا بمذهب الثاني فيترافعان إلى
القاضي الحنفي فيحكم القاضي الحنفي بأنها
زوجته بمذهب محمد ا هـ.
فقد علمت من ذلك كثيرا من المسائل فإذا قضى
شافعي بصحة بيع عقار وموجبه لا يكون حكما منه
بأن لا شفعة للجار لعدم حادثتها وكذا إذا قضى
حنفي لا يكون حكما بأن الشفعة للجار وإن كانت
الشفعة من مواجبه؛ لأن حادثتها لم توجد وقت
الحكم ولا شعور للقاضي بها وكذا إذا قضى مالكي
بصحة التعليق في اليمين المضافة لا يكون حكما
بأنه لا يصح نكاح الفضولي المجاز بالفعل لعدمه
وقته فافهم فإن أكثر أهل الزمان عنه غافلون
وشرط أن لا يخالف الكتاب والسنة والإجماع فإن
خالف واحدا منها لم يمضه وإنما ينقضه لكونه
ليس في
ج / 7 ص -18-
.................................
____________
محل الاجتهاد الصحيح وهو خلاف لا اختلاف ومثال
ما خالف الكتاب القضاء بحل متروك التسمية
عامدا لقوله تعالى:
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] بناء على أنه شامل لذبائح المسلمين كالمشركين بناء
على أن الواو في قوله تعالى:
{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}
للعطف. وأما إذا كانت للحال كانت مقيدة بما
أهل به لغير الله؛ لأن الفسق فسر به كذلك في
قوله:
{أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ولذا قال في التحرير إن الواو تحتمل أن تكون حالا
فتكون قيدا للنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله
عليه ويحتمل أن يراد بما لم يذكر اسم الله
عليه الميتة أو ما ذكر عليه اسم غير الله
تعالى فإن الفسق هو ما أهل به لغير الله تعالى
ومثال ما خالف السنة أي المشهورة القضاء بشاهد
ويمين فإنه مخالف للحديث المشهور:
"البينة على من
ادعى واليمين على من أنكر"1
ومثال القضاء المخالف للإجماع القضاء ببيع
أمهات الأولاد والمراد من الإجماع ما ليس فيه
خلاف يستند إلى دليل شرعي.
ومن الغريب ما في الخلاصة، وأما القضاء بحل
متروك التسمية عامدا فجائز عندهما وعند أبي
يوسف لا يجوز. ا هـ. وهو يدل على أنه مما يسوغ
فيه الاجتهاد عندهما؛ لأنه يفيد الحل كما فهمه
ابن الهمام؛ لأنه لا خلاف عندنا في عدم الحل
أنه من قبيل ما لا يسوغ فيه الاجتهاد عندنا
لنقل الفقهاء والأصوليين بحيث شددوا النكير
على الشافعي في القول بحله حتى قال الأصوليون
إنه جهل لا يصلح عذرا لمخالفته الدليل القطعي
وقد ألفت فيها رسالة مشتملة على بيان الدلائل
من الجانبين. وفي الهداية المعتبر الاختلاف في
الصدر الأول وهم الصحابة والتابعون وعليه فرع
الخصاف أن للقاضي أن ينقض القضاء ببيع أم
الولد لمخالفته لإجماع التابعين وقد حكي فيه
الخلاف عندنا فقيل هذا قول محمد أما على
قولهما فيجوز قضاؤه وهو مبني على أن الإجماع
المتأخر هل يرفع الخلاف المتقدم فعندهما لا
يرفع وعنده يرفع وفي التقويم لأبي زيد أن
محمدا روى عنهم أن القضاء ببيع أم الولد لا
يجوز وتفرع على كون الخلاف في الصدر الأول
شرطا لكون المحل اجتهاديا ما قال بعضهم إن
للقاضي أن يبطل ما قضى به المالكي والشافعي
برأيه وفي الأقضية وأصحابنا لم يعتبروا خلاف
مالك والشافعي وفي فتح القدير وعندي أن هذا لا
يعول عليه فإن صح أن مالكا والشافعي وأبا
حنيفة مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا
وإلا فلا ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة. ولقد
نرى في أثناء المسائل جعل المسألة اجتهادية
بخلاف بين المشايخ حتى ينفذ القضاء بأحد
القولين فكيف لا يكون كذلك إذا لم يعرف الخلاف
إلا بين هؤلاء الأئمة يؤيده ما في الذخيرة عن
الحلواني أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 7 ص -19-
.................................
__________
الأب إذا خالع الصغيرة على صداقها ورآه خيرا
لها بأن كانت لا تحسن العشرة مع زوجها فإن على
قول مالك يصح ويزول الصداق عن ملكها ويبرأ
الزوج عنه فإذا قضى به قاض نفذ وفي حيض "منهاج
الشريعة" 1 عن مالك فيمن طلقها فمضى عليها ستة
أشهر لم ترد ما فإنها تعتد بعده بثلاثة أشهر
فإذا قضى بذلك قاض ينبغي أن ينفذ؛ لأنه مجتهد
فيه إلا أنه نقل مثله عن ابن عمر قال وهذه
المسألة يجب حفظها فإنها كثيرة الوقوع ا هـ.
ويؤيده أيضا في الخلاصة لو قضى في المأذون في
نوع أنه لا يكون مأذونا في الأنواع كلها نفذ ا
هـ. وهو مذهب الشافعي.
والحاصل أن كلامهم قد اضطرب في هذا الباب
فتارة اعتبروا خلافهما وأخرى لم يعتبروه ويمكن
أن يقال إنهم إنما قالوا بالنفاذ في هذه
المسائل لأجل خلاف سابق على مالك والشافعي لا
بخلافهما خاصة.
ثم اعلم أن صاحب الهداية نقل أولا عبارة
القدوري وهي وإذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه إلا
أن يخالف الكتاب أو السنة والإجماع أو يكون
قولا لا دليل عليه وثانيا ما في الجامع الصغير
قال وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم
جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه ا هـ.
فقال الشارحون إنما ذكر عبارة الجامع بعد
القدوري لفائدتين ليستا في القدوري إحداهما
تقييده بالفقهاء فأفاد أنه لو لم يكن عالما
بالخلاف لا ينفذ والثانية التقييد بكون القاضي
يرى غير ذلك فإن القدوري لم يتعرض لذلك فيحتمل
أن يكون مراده أنه إذا كان رأيه في ذلك موافقا
الحكم الأول أمضاه وإن كان مخالفا له لا يمضيه
فأبانت رواية الجامع أن الإمضاء عام فيما سوى
المستثنيات سواء كان ذلك موافقا لرأيه أو لا
وتعقبهم في فتح القدير بأنه لا دلالة في عبارة
الجامع على كونه عالما بالخلاف وإنما مفاده أن
ما اختلف فيه الفقهاء في نفس الأمر فقضى
القاضي بذلك الذي اختلف فيه عالما بأنه مختلف
فيه أو لا فإنه أعم من كونه عالما ثم جاء قاض
آخر يرى خلاف ذلك الذي حكم به هذا أمضاه فربما
يفيد أن الثاني عالم بالخلاف وليس الكلام فيه
فإن هذا هو المنفذ والكلام في القاضي الأول
الذي ينفذ هذا حكمه وليس فيه دليل على أنه كان
عالما بالخلاف بطريق من طرق الدلالة نعم في
الجامع الصغير التنصيص على أنه ينفذه وإن كان
خلاف رأيه وكلام القدوري يفيده أيضا فإنه قال
إذا رفع إليه حكم حاكم وهو أعم ينتظم ما إذا
كان مخالفا لرأيه أو موافقا. ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منهاج الشريعة في شرح الأنوار في الأصول
لجلال الدين رسولا بن أحمد بن يوسف التباني
الحلبي الحنفي المتوفي في سنة "793" اهـ. "كشف
الظنون" "1872".
ج / 7 ص -20-
.......................................
__________
وأقول: لم يفهموا مراد صاحب الهداية إنما ذكر
عبارة الجامع بعد القدوري ليفيد أن ما في
الجامع لا استثناء فيه بل كل مسألة اختلفت
فيها الفقهاء فإنها تصير محل اجتهاد فإن قضى
قاض بقول ارتفع الخلاف، وأما عبارة القدوري
فاستثناء كما علمت وإذا علمت ذلك فما ذكره
أصحاب الفتاوى من المسائل التي لا ينفذ فيها
قضاء القاضي لمخالفة كتاب أو سنة مشهورة أو
إجماع إنما هو على عبارة القدوري، وأما على ما
في الجامع فلا وعلمت من هنا أن من قال لا
اعتبار بخلاف مالك والشافعي اعتمد قول القدوري
ومن قال باعتبار خلافهما اعتمد ما في الجامع
وهذا لم أسبق إليه وإنما رأيت في الواقعات
الحسامية ما يفيده قال قال الفقيه أبو الليث
رواية محمد أن كل شيء اختلف فيه الفقهاء فقضى
القاضي بذلك جاز قضاؤه ولم يكن لقاض آخر أن
يبطله ولم يذكر فيه الاختلاف وبه نأخذ.
قلت: هذا خلاف ما ذكره في شرح أدب القاضي
المنسوب إلى الخصاف أن القضاء في موضع
الاختلاف يجوز وفي موضع الخلاف لا يجوز أراد
بالأول ما كان فيه خلاف معتبر كالخلاف بين
السلف وأراد بموضع الخلاف ما لم يكن معتبرا
ولم يعتبر بخلاف الشافعي قال أستاذنا الفتوى
على تفاصيل أدب القاضي ا هـ. فهذه العبارة
أزالت اللبس وأوضحت كل تخمين وحدس1.
والحاصل أن الفتوى على عبارة القدوري وتفاصيل
الخصاف فلهذا السر أورد صاحب الهداية ما في
الجامع بعد القدوري فالآن نذكر المواضع التي
نص أهل المذهب على مسائل لا ينفذ القضاء فيها
أخذا من كلام الخصاف وقد ذكرناها في الفوائد
الفقهية ولا بأس بسردها تكميلا للفائدة هنا
قضى ببطلان الدعوى بمضي سنين أو فرق بين
الزوجين لعجزه عن النفقة حال غيبته أو حكم
بصحة نكاح مزنية أبيه أو ابنه أو بصحة نكاح أم
مزنيته أو بنتها أو بصحة نكاح المتعة أو بسقوط
المهر بلا بينة أو إقرار أخذا بقول البعض إن
قدم النكاح يوجب سقوط المهر أو بعدم تأجيل
العنين أو بعدم صحة الرجعة بلا رضاها أو بعدم
وقوع الثلاث على الحامل أو بعدم وقوع الثلاث
على غير المدخولة أو بعدم وقوع الطلاق في طهر
جامعها فيه أو بنصف الجهاز لمن طلق امرأته قبل
الدخول بها بعد قبض المهر والتجهيز أو
بالشهادة على خط أبيه أو بشاهد ويمين أو في
الحدود والقصاص بشهادة رجل أو امرأتين أو بما
في ديوانه وقد نسي وبشهادة شاهد على صك لم
يذكر ما فيه إلا أنه يعرف خطه وخاتمه أو
بشهادة من شهد على قضية مختومة من غير أن تقرأ
عليه وبقضاء المرأة في حد وقود، وبقضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو الظن والتخمين والتوهم في معاني الكلام
والأمور اهـ. "لقاموس"/حدس.
ج / 7 ص -21-
....................................
____________
عبد أو صبي أو نصراني أو في قسامة بقتل. أو
فرق بين الزوجين بشهادة واحدة على الرضاع أو
قضى لولده بشهادة الأجانب أو حكم بالحجر على
مفسد مستحق له أو بصحة بيع نصيب الساكت من قن
حرره أحد الشريكين معسرا وبجواز بيع متروك
التسمية عامدا أو بجواز بيع أم الولد أو
ببطلان عفو المرأة عن القود بناء على قول
البعض إنه لا حق لهن فيه أو بصحة ضمان الخلاص
وألزمه تسليم الدار عند الاستحقاق أو بالزيادة
في معلوم الإمام من أوقاف المسجد أو بحل
المطلقة ثلاثا بمجرد عقد المحلل بلا دخول عملا
بقول سعيد أو بعدم تملك الكفار مال المسلم
المحرز بدراهم أو بجواز بيع درهم بدرهمين أخذا
من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو بصحة
صلاة المحدث أو بالقسامة على أهل المحلة بتلف
المال قياسا على النفس أو بحد القذف بحكم
التعريض أو بقرعة في رقيق أعتق الميت منهم
واحدا أو بعدم جواز تصرف المرأة في مالها بغير
إذن زوجها وهذه المسائل منقولة من البزازية
وجامع الفصولين والخانية والقنية والصيرفية
وفي الأشباه والنظائر للأسيوطي معزيا إلى
فتاوى السبكي أن قضاء القاضي ينقض عند الحنفية
إذا كان حكما لا دليل عليه قال وما خالف شرط
الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه
سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا. ا هـ.
وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم شرط الواقف
كنص الشارع فيجب اتباعه كما صرح به في شرح
المجمع للمصنف وهذا كله إذا كان الاختلاف في
المقضي به أما إذا كان في نفس القضاء ففيه
روايتان في رواية لا ينفذ ذكره الخصاف وهو
الصحيح؛ لأن محل الخلاف لا يوجد قبل القضاء
فإذا قضى فحينئذ يوجد محل الاختلاف والاجتهاد
فلا بد من قضاء آخر يرجح أحدهما وذلك مثل
القضاء على الغائب وللغائب وقضاء المحدود في
القذف وشهادته بعد التوبة كذا ذكر الشارح وفي
فتح القدير من باب المفقود إذا رأى القاضي
المصلحة في القضاء على الغائب أو له فحكم فإنه
لا ينفذ؛ لأنه مجتهد فيه فإن قيل ينبغي أن لا
ينفذ حتى يمضيه قاض آخر لأن نفس القضاء مجتهد
فيه كما لو كان القاضي محدودا في قذف فإن نفاذ
قضائه موقوف على أن يمضيه قاض آخر أجيب بمنع
أنه من ذلك بل المجتهد سببه وهو هذه البينة هل
تكون حجة للقضاء من غير خصم حاضر أم لا فإذا
قضى بها نفذ كما لو قضى بشهادة المحدود في قذف
وفي الخلاصة الفتوى على هذا. ا هـ. فقد اختلف
الترجيح وفي فتح القدير في شرح قوله ولا يقضي
على غائب والذي يقتضيه النظر أن نفاذ القضاء
على الغائب موقوف على تنفيذ قاض آخر؛ لأن نفس
القضاء مجتهد فيه. ا هـ. وسيأتي إيضاحه قريبا
وفي الإصلاح ويمضي حكم قاض قال في الإيضاح لم
يقل حاكم احترازا عن الحكم؛ لأن الحكم فيه غير
هذا،
ج / 7 ص -22-
وينفذ القضاء بشهادة الزور في العقود، والفسوخ ظاهرا،وباطنا لا في
الأملاك المرسلة.
________________
ولم يقيده بقوله آخر ليعم حكم نفسه قبل ذلك ا
هـ.
"قوله وينفذ القضاء بشهادة الزور في العقود
والفسوخ ظاهرا وباطنا لا في الأملاك المرسلة"
أي المطلقة وهي التي لم يذكر لها سبب معين
وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا ينفذ إلا ظاهرا؛
لأن شهادة الزور حجة ظاهرا فصار كما لو كان
غير أهل لها وله قول علي رضي الله عنه لتلك
المرأة شاهداك زوجاك1 ولأن القضاء لقطع
المنازعة بينهما من كل وجه فلو لم ينفذ باطنا
كان تمهيدا لها وفي فتح القدير، وأما
الاستشهاد بتفريق المتلاعنين فليس بشيء ا هـ.
يعني: باعتبار أن الكذب ليس هو في الإخبار
بالفرقة وإنما هو في الرمي بالزنا أو نفي
الولد وقال الفقيه أبو الليث الفتوى على
قولهما وفي فتح القدير من النكاح وقول أبي
حنيفة هو الوجه ومن فروع المسألة ادعى على
امرأة نكاحا وهي جاحدة وأقام بينة زور فقضى
بالنكاح بينهما حل للمدعي وطؤها ولها التمكين
عنده. وكذا إذا ادعت نكاحا على رجل وهو يجحد
ومنها قضى ببيع أمة بشهادة زور حل للمنكر
وطؤها وكذا في الفسوخ بالبيع والإقالة ومنها
ادعت أنه طلقها ثلاثا وهو ينكر وأقامت بينة
زور فقضى بالفرقة فتزوجت بآخر بعد العدة حل له
وطؤها عند الله تعالى وإن علم بحقيقة الحال
وحل لأحد الشاهدين أن يتزوجها ويطأها ولا يحل
للأول وطؤها ولا يحل لها تمكينه ومن صور
التحريم صبي وصبية سبيا فكبرا وأعتقا ثم تزوج
أحدهما بالآخر فجاء حربي مسلما وأقام بينة
أنهما ولداه قضى القاضي بينهما بالفرقة فإن
رجع الشهود أو تبين أنهم شهود زور لا يحل
للزوج وطؤها عنده؛ لأن القضاء بالحرمة نفذ
باطنا وظاهرا ومحمد في هذا الفرع مع أبي
حنيفة؛ لأنه لا يعلم حقيقة كذب الشهود. كذا في
فتح القدير وفي الولوالجية وأثم الشاهدان إثما
عظيما وللنفاذ باطنا عنده شرطان الأول عدم علم
القاضي بكذبهم فلو علم القاضي كذب الشهود لم
ينفذ ذكره في فتح القدير من النكاح الثاني كون
المحل قابلا فإذا كانت المرأة تحت زوج أو كانت
معتدة أو مرتدة أو محرمة بمصاهرة أو برضاع لم
ينفذ لأنه لا يقبل الإنشاء وإنما لا يشترط
حضور الشهود للنكاح على قول بعض المشايخ.
وفي شرح الجامع لقاضي خان ولم يشترط محمد حضور
الشهود وذكر الزعفراني أنه شرط وبه أخذ عامة
المشايخ. ا هـ. فالمعتمد الاشتراط وإذا قلنا
بعدمه وهو أوجه كما في فتح القدير من النكاح
فوجهه أنا نجعل حكم الحاكم إنشاء مقتض في ضمن
صحة القضاء والثابت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره ابن حجر في فتح الباري 12/341.
ج / 7 ص -23-
....................................
____________
اقتضاء لا تراعى فيه شرائطه وكذا لا يشترط قبض
رأس المال وبدل الصرف قبل الافتراق كما في
القنية قيد بشهادة الزور؛ لأن القاضي لو قضى
بشهادتهم فظهر أنهم عبيد أو كفار أو محدودون
في قذف لم ينفذ إجماعا؛ لأنها ليست بحجة أصلا
بخلاف الفساق على ما عرف ولإمكان الوقوف عليهم
فلم تكن شهادتهم حجة. وقيد بالشهادة؛ لأن
القضاء باليمين الكاذبة لا ينفذ قالوا لو ادعت
أن زوجها أبانها بثلاث فأنكر فحلفه القاضي
فحلف والمرأة تعلم أن الأمر كما قالت لا يسعها
الإقامة معه ولا أن تأخذ من ميراثه شيئا وهذا
لا يشكل إذا كان ثلاثا لبطلان المحلية للإنشاء
قبل زوج آخر وفيما دون الثلاث مشكل؛ لأنه يقبل
الإنشاء وأجيب بأنه إنما يثبت إذا قضى القاضي
بالنكاح وهنا لم يقض به لاعترافهما به وإنما
ادعت الفرقة كذا ذكر الشارح وفي الخلاصة ولا
يحل وطؤها إجماعا.
وفي البزازية قبيل الإيمان سمعت بطلاق زوجها
إياها ثلاثا ولا تقدر على منعه إلا بقتله إن
علمت أنه يقربها تقتله بالدواء ولا تقتل نفسها
وذكر الأوزجندي أنها ترفع الأمر إلى القاضي
فإن لم يكن لها بينة تحلفه فإن حلف فالإثم
عليه وإن قتلته فلا شيء عليها والبائن
كالثلاث. ا هـ.
وأطلق في العقود فشمل عقود التبرعات قالوا وفي
الهبة والصدقة روايتان وكذا في البيع بأقل من
قيمته في رواية لا ينفذ باطنا؛ لأن القاضي لا
يملك إنشاء التبرعات في ملك الغير والبيع
بالأقل تبرع من وجه وإطلاق الكتاب يقتضي أن
المعتمد النفاذ فيها باطنا أيضا؛ لأن النفاذ
في ضمن صحة القضاء فلا يشترط فيه شرائطه ولا
يختص بمحل والبيع بالأقل يملكه من لا يملك
التبرع كالمكاتب والعبد المأذون وفي إيضاح
الإصلاح أراد بالفسخ إبطال العقود بأي وجه كان
فيعم الطلاق ا هـ. وليس بصحيح؛ لأن الطلاق لا
يبطل النكاح وإنما يرفع القيد الثابت بالنكاح
فالأولى أن يقال أراد بالفسخ ما يرفع حكم
العقد فيشمل الطلاق كما لا يخفى وفي القنية
ادعى عليه جارية أنه اشتراها بكذا فأنكر فحلف
فنكل فقضى عليه بالنكول تحل الجارية للمدعي
ديانة وقضاء كما في شهادة الزور ا هـ. فعلى
هذا القضاء بالنكول كالقضاء بشهادة الزور
وظاهر اقتصاره على نفي الأملاك المرسلة أنه لا
ينفذ باطنا في النسب وقدمنا أنه ينفذ فيه وصرح
به الولوالجي فقال إذا شهدوا زورا أنه أقر أن
أمته بنت له فجعلها القاضي بنتا له تثبت جميع
أحكام البنتية عند أبي حنيفة وأبي يوسف في
قوله الأول ولا يحل له أن يطأها وترث منه وهذا
بناء على أن القضاء بالنسب بشهادة الزور هل
ينفذ باطنا فهو على الاختلاف ا هـ.
وفي المحيط ومن مشايخنا من قال القضاء بالنسب
بشهادة الزور لا ينفذ باطنا بالإجماع،
ج / 7 ص -24-
..................................
___________
ونص الخصاف على أنه ينفذ عند أبي حنيفة ففي
النسب والهبة عن أبي حنيفة روايتان وكان هذا
حيلة لمن لا وارث له أن يثبت النسب من نفسه
بأن يدعي شخصا مجهول النسب أنه ابنه أو ابنته
ويقيم على ذلك شاهدي زور فيقضي القاضي بالنسب
له ا هـ. ما في المحيط وفيه والشهادة بعتق
الأمة كالشهادة بطلاق المرأة ا هـ.
قلت: وينبغي أن يكون الشهادة بالوقف كالعتق
ولم أر نقلا في الشهادة بأن الوقف ملك أو
بتزوير شرائط الوقف أو بأن الواقف أخرج فلانا
وأدخل فلانا زورا إذا اتصل به القضاء وظاهر ما
في الهداية أن ما عدا الأملاك المرسلة فإنه
ينفذ باطنا حيث قال وكل شيء قضى به القاضي إلى
آخره بناء على أن التحريم يشمل القصدي والضمني
خصوصا إذا قلنا بأن الوقف من قبيل الإسقاط فهو
كالطلاق والعتاق فعلى هذا فاللقب ليس بعام
لخروج النسب عن العقود والفسوخ مع أن في دخول
الطلاق والعتاق تحت الفسخ إشكالا؛ لأن الطلاق
مقابل الفسخ؛ لأن الفسخ لا ينقص العدد والطلاق
ينقصه وقدمنا ما في الإيضاح وقولهم إن المسألة
ملقبة بالقضاء بالعقود والفسوخ يقتضي أن لا
ينظر فيه إلى المعنى لكونه علما فيه ولو حذف
الأملاك لكان أولى ليشمل ما إذا شهدوا بزور
بدين لم يبينوا سببه فإنه لا ينفذ وإذا لم
ينفذ باطنا في الأملاك المرسلة لم يحل للمقضي
له الوطء والأكل واللبس وحل للمقضي عليه لكن
يفعل ذلك سرا؛ لأنه لو فعله جهرا فسقه الناس
أو عزروه كذا في الولوالجية.
واعلم أن الإرث حكمه حكم الأملاك المطلقة فلا
ينفذ القضاء بالشهود زورا فيه باطنا اتفاقا
وإن كان ملكا بسبب وسيأتي الاختلاف في باب
اختلاف الشاهدين في أن الإرث مطلق أو بسبب
والمشهور أنه مطلق واختار في الكنز أنه بسبب
ولذا قال في البدائع في الجواب عن حديث
البخاري مرفوعا
"إنما أنا بشر فمن قضيت له بشيء من حق أخيه
فإنما أقطع له قطعة من النار1" أنه قاله عليه الصلاة والسلام في مواريث درست والميراث ومطلق الملك
سواء في الدعوى وبه نقول. ا هـ.
ثم اعلم أنهما لما قالا بعدم النفاذ باطنا
اختلفا فقال محمد لا يحل للزوج الأول وقال أبو
يوسف يحل للزوج الأول وطؤها في الظاهر، وأما
في الباطن فلا يحل لأن قول أبي حنيفة بوقوع
الفرقة باطنا صار شبهة له فيحرم الوطء احتياطا
وصار كما إذا تزوج امرأة ثم طلقها ثلاثا ثم
تزوجها بعد ذلك كره محمد له أن يطأها قبل
المحلل بقول أبي حنيفة كذا في الولوالجية
وفيها ولو تزوجها الثاني ودخل بها وفارقها
وانقضت عدتها فلا بأس أن يتزوجها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه فيما سبق.
ج / 7 ص -25-
ولا يقضي على غائب.
________________
الأول أما عندهما فلأن نكاح الأول قائم لكنهما
يجددان النكاح حتى لا يتهما، وأما عند أبي
حنيفة فإن الفرقة بالثلاث واقعة فيكون الزوج
الثاني مثبتا للحل هذا إذا فارقها الزوج
الثاني بطلاق باختياره فأما إذا شهدا عليه
زورا بالثلاث وقضى القاضي بالفرقة حل لها أن
تتزوج من شاءت من الزوج الأول والشاهدين عند
أبي حنيفة وأبي يوسف الأول وعند أبي يوسف
الآخر وهو قول محمد لا يحل؛ لأنها كانت منكوحة
الأول فلا تتزوج إلا من الأول. ا هـ.
وأشار المصنف إلى أن قضاء القاضي يحل ما كان
حراما في معتقد المقضى له ولذا قال في
الولوالجية ولو قال لها أنت طالق ألبتة
فخاصمها إلى قاض يراها رجعية بعد الدخول فقضى
بكونها رجعية والزوج يرى أنها بائنة أو ثلاثا
فإنه يتبع رأي القاضي عند محمد فيحل له المقام
معها وقيل إنه قول أبي حنيفة وعلى قول أبي
يوسف لا يسعه المقام معها وإن ترافعا إلى قاض
آخر بعد القضاء الأول فإنه لا ينقضه وإن كان
على خلاف رأيه وهذا إذا قضى له فإن قضى عليه
بالبينونة أو الثلاث والزوج لا يراه يتبع رأي
القاضي إجماعا. وهذا كله إذا كان الزوج عالما
له رأي واجتهاد فإن كان عاميا اتبع رأي القاضي
سواء قضى له أو عليه وهذا إذا قضى له أما إن
أفتى له فهو على الاختلاف السابق؛ لأن قول
المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده كذا
في الولوالجية وفي آخر النتف اعلم أن القضاء
لا يهدم القضاء والرأي لا يهدم الرأي والقضاء
يهدم الرأي والرأي لا يهدم القضاء مثال الأول
ظاهر.
وأما مثال الثاني فإن يعتقد الثلاث في قوله
أنت طالق ألبتة فإنها تحرم عليه فإن تحول رأيه
إلى أنها رجعية لم تحل ومثال الثالث أن يحكم
القاضي بكونها رجعية فإن هذا القضاء يهدم رأيه
من أنها ثلاث ومثال الرابع إذا قضى قاض ثم
تحول رأيه فإنه لا ينقض ما مضى؛ لأن الرأي لا
يهدم القضاء وإنما يعمل برأيه في المستقبل ا
هـ. مختصرا.
"قوله ولا يقضى على غائب" أي لا يصح القضاء
على خصم غير حاضر لقوله عليه الصلاة والسلام
لعلي
"لا تقض
لأحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر فإنك إذا
سمعت كلام الآخر علمت كيف تقضي1" رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولأن القضاء لقطع المنازعة ولا
منازعة هنا لعدم الإنكار فلا يصح كذا ذكره
الشارح وصرح في فتح القدير بأن حضرة الخصم
ليتحقق إنكاره شرط لصحة الحكم وفي البزازية من
القضاء قضى للغائب أو عليه لا يصح إلا أن يكون
عنه خصم حاضر ا هـ.
فلذا فسرنا كلام المصنف بعدم الصحة لا بعدم
الحل والأولى أن يفسر بعدم النفاذ لقولهم إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه فيما سبق.
ج / 7 ص -26-
.....................................
___________
نفذه قاض آخر يراه فإنه ينفذ وقدمنا خلاف
التصحيح في نفذ القضاء على الغائب فصحح الشارح
عدمه وفي الخلاصة والبزازية الفتوى على النفاذ
ورجح الأول في فتح القدير وأنه لا بد من إمضاء
قاض آخر؛ لأن الاختلاف في نفس القضاء وفي
البزازية من القضاء قال الإمام ظهير الدين في
نفاذ القضاء على الغائب روايتان ونحن نفتي
بعدم النفاذ كي لا يتطرقوا إلى إبطال مذهب
أصحابنا ا هـ.
والقائل بأن الفتوى على النفاذ خواهر زاده وفي
منية المفتي القضاء على الغائب بلا خصم فيه
روايتان ويفتى بعدم النفاذ وقيل إن رآه قاض
فقضى به ينفذ. ا هـ. لكن اشتبه على كثير أن
قولهم الفتوى على النفاذ أعم من كون القاضي
شافعيا يراه أو حنفيا لا يراه وهو إنما هو
فيمن يراه والظاهر أنه في حق من يراه لإجماع
الحنفية على أنه لا يقضى على غائب كما ذكره
الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء ولو كان أعم
للزم هدم مذهب أصحابنا والعجب من البزازي حيث
قال في الفتاوى من المفقود وهل ينصب القاضي
وكيلا على الغائب وعن الغائب عندنا لا يفعل
أما لو فعل بأن حكم على الغائب نفذ إجماعا؛
لأن المجتهد سبب القضاء وهو أن البينة هل تكون
حجة بلا خصم حاضر للقضاء أم لا فإذا رآها حجة
وحكم نفذ كما لو حكم بشهادة الفساق وعليه
الفتوى ا هـ. فإن دعوى الإجماع ليست بصحيحة
وهو مسبوق بها عن خواهر زاده وفي قوله فإذا
رآها حجة إشارة إلى أنه ممن يرى القضاء على
الغائب فخرج الحنفي المقلد ولقد صدق العلامة
محمود حيث قال في جامع الفصولين قد اضطرب
آراؤهم وبيانهم في مسائل الحكم للغائب وعليه
ولم يصف ولم ينقل عنهم أصل قوي ظاهر يبنى عليه
الفروع بلا اضطراب ولا إشكال فالظاهر عندي أن
يتأمل في الوقائع ويحتاط ويلاحظ الحرج
والضرورات فيفتى بحسبها جوازا أو فسادا. ا هـ.
والذي ظهر لي من كلامهم أن المذهب عن أصحابنا
عدم صحة القضاء على الغائب وأن القاضي الذي
يراه إن قضى عليه فإنه يتوقف على الإمضاء؛ لأن
الاختلاف في نفس القضاء وما عدا هذا من
الأقوال من تصرفات بعض المشايخ ثم ظهر لي بحمد
الله ما يجب المصير إليه وهو أنهم قالوا بأن
الفتوى على النفاذ فيما إذا قضى على مفقود لا
في مطلق الغائب ويدل على الفرق بين المفقود
وغيره ما في فتاوى قاضي خان من باب فصل القضاء
في المجتهدات رجل قدم رجلا إلى قاض وقال إن
لأبي على هذا الرجل ألف درهم وأبي غائب وإني
أخاف أن يتوارى هذا الرجل فجعله القاضي وكيلا
لأبيه وقبل بينة الابن على المال وحكم بذلك ثم
رفع ذلك إلى قاض آخر فإن الثاني لا يجيز قضاء
الأول؛ لأن بينة الابن ما قامت بحق على الغائب
حتى يكون القضاء على الغائب وإنما قامت لغائب
وهذا بخلاف المفقود إذا أقام القاضي
ج / 7 ص -27-
إلا أن يحضر من يقوم مقامه كالوكيل، والوصي
__________
ابنه وكيلا في طلب حقوقه؛ لأن المفقود بمنزلة
الميت فكان للقاضي التصرف في ماله. ا هـ. أطلق
في عدم القضاء عليه وهو مقيد بما إذا ثبت الحق
ببينة سواء كان غائبا وقت الشهادة أو غاب
بعدها قبل التزكية وسواء كان غائبا عن المجلس
حاضرا في البلد أو غائبا عن البلد، وأما إذا
أقر عند القاضي فغاب قبل أن يقضي عليه قضى
عليه وهو غائب لأن له أن يطعن في البينة دون
الإقرار ولأن القضاء بالإقرار قضاء إعانة وإذا
نفذ القاضي إقراره سلم إلى المدعي حقه عينا
كان أو دينا أو عقارا إلا أن في الدين يسلم
إليه جنس حقه إذا وجد في يد من يكون مقرا بأنه
مال الغائب المقر ولا يبيع في ذلك العروض
والعقار؛ لأن البيع قضاء على الغائب فلا يجوز
كذا في شرح الزيادات للعتابي والإخبار بالقضاء
منه كالإنشاء لا بد له من الحضرة قال في
شهادات القنية أشهد القاضي شهودا إني حكمت
لفلان على فلان بكذا فهو إشهاد باطل والحضور
شرط وقال قبله خرج الحاكم عن المحكمة ثم أشهد
على حكمه يصح إشهاده ا هـ.
وفي تهذيب القلانسي إذا قال القاضي حكمت على
فلان بكذا وهو غائب لم يصدق ا هـ. وقلنا على
غير خصم حاضر لإخراج ما لو قضى على حاضر ليس
بخصم وعلى خصم غائب فالخصم من تسمع الدعوى
عليه بانفراده شرعا فخرج ما لو قضى على راهن
في غيبة مرتهن وعكسه وكذا في المؤجر مع
المستأجر والمعير مع المستعير والموصى له ليس
بخصم إلا في إثبات الوصاية أو الوكالة وغريم
الميت ليس بخصم لمدعي الدين على الميت إنما
الخصم وارث أو وصي وأحد الورثة خصم عن الباقي
فيما للميت وما عليه والخصم في دعوى السعاية
المأمور لا الآمر إن كان الآمر سلطانا وإلا
فالآمر والمستأجر ليس بخصم لمدعي إجارة أو رهن
أو شراء كالمستعير والمشتري خصم للكل وكذا
الموهوب له والخصم في دعوى المبيع قبل القبض
العاقدان وفي المبيع الفاسد قبل القبض البائع
وحده وبعده المشتري وحده وسيأتي تمامه في كتاب
الدعوى.
"قوله إلا أن يحضر من يقوم مقامه كالوكيل
والوصي" ذكر المثالين ليبين أن القائم مقامه
قد يكون بإنابته أو بإنابة الشرع فالوصي إن
كان من قبل الميت فهو بإنابته وإن كان منصوب
القاضي فهو بإنابة الشرع وظاهر الاستثناء أن
الوكيل أو الوصي إذا حضر فإن القاضي إنما يحكم
على الغائب وعلى الميت ولا يحكم على الوكيل
والوصي ويكتب في السجل أنه حكم على الميت وعلى
الغائب بحضرة وكيله وبحضرة وصيه كذا في جامع
الفصولين وفي البزازية من اليمين ادعى أنه
وكيل الغائب بقبض الدين أو العين إن برهن على
الوكالة والمال قبلت وإن أقر بالوكالة وأنكر
المال لا يصير خصما ولا تقبل البينة على
المال؛ لأنه لم يثبت
ج / 7 ص -28-
......................................
_________
كونه خصما بإقرار المطلوب؛ لأنه ليس بحجة في
حق الطالب وإن أقر بالمال وأنكر الوكالة لا
يستحلف على الوكالة؛ لأن التحليف يترتب على
دعوى صحيحة ولم توجد لعدم ثبوت الوكالة. وذكر
الخصاف أنه يحلف على الوكالة والأول أصح ولو
أنكر الكل فهو كإنكار الوكالة وحدها ولو أقام
البينة على المال والوكالة تقبل عند الإمام؛
لأن الوكيل بقبض الدين خصم وفصل الوصاية في
المال كفصل الوكالة إلا في فصل وهو أنه إذا
ادعى أن فلانا الميت أوصى إليه بحفظ ماله
وقبضه وله كذا عند هذا الحاضر فأقر الحاضر
بالكل يؤمر بتسليم الدين والعين بخلاف الوكالة
وإن أقر بالوصاية والموت وأنكر المال يحلف وإن
أقر بالمال والموت وأنكر الوصاية ينصب القاضي
وصيا ولا يحلفه لما ذكرنا أن دعوى الوصاية
ليست بلازمة وإن أقر بالوصاية والمال وأنكر
الموت يحلفه على علمه كما في الوارث وإن أقام
بينة على كل ذلك تقبل في الكل. ا هـ.
وفيها من التاسع في نصب الوصي الخصم في إثبات
الوصاية الوارث البالغ أو مديون الميت أو
الموصى له واختلفوا في ابن الميت فهو خصم على
ما ذكره الخصاف وخالفه بعض المشايخ ولا تثبت
بإقرار مديون الميت أو مودعه وإذا ثبتت
الوصاية بالبينة لمدعي الدين ثم حضر غريم آخر
أو موصى له آخر لا يقضى للثاني ببينة الأول
وعند الثاني يقضى وفي الوصية بأنواع البر
يكتفي بتلك البينة بالإجماع ا هـ.
وأطلق في الوكيل فشمل ما إذا كان وكيلا في
الخصومة والدعوى وما إذا كان وكيلا للقضاء كما
إذا أقيمت البينة عليه فوكل ليقضي عليه ثم غاب
كما في القنية وفيها من باب القضاء على الغائب
استمهل المدعى عليه بعد البينة العادلة القاضي
مدة معينة وغاب ومضت تلك المدة فإن ظهر تعنته
فله القضاء حال غيبته ومثله عن الخجندي قال
رضي الله عنه واشتراطهما التغيب للقضاء عليه
اختيار حسن قامت البينة على الوكيل فغاب فحضر
موكله أو على العكس أو قامت البينة على المورث
فمات وحضر وارثه أو قامت على وارث فغاب وحضر
وارث آخر ففي هذه الصورة يقضي على الذي حضر
بتلك البينة ا هـ. وفيها من كتاب الوكالة لا
تقبل من الوكيل بالخصومة بينة على وكالته من
غير خصم حاضر ولو قضى عليه صح؛ لأنه قضاء في
المختلف ا هـ.
وفي جامع الفصولين من الخامس أراد وكيل البيع
إثبات وكالته بحيث لو أنكر موكله لا يسمع
إنكاره فله وجهان أحدهما أن يسلم الوكيل العين
إلى رجل ثم يدعي أنه وكيل بقبضه وبيعه فسلمه
إلي فيقول ذو اليد لا أعلم وكالته فيبرهن
فيأمر القاضي بتسليمه إليه فيبيعه،
ج / 7 ص -29-
...................................
__________
والثاني أن يقول هذا لفلان فأبيعه منك فإذا
باعه وقبض ثمنه يقول المشتري لا أقبض المبيع
لأني أخاف أن ينكر المالك وكالتك وربما يهلك
المبيع في يدي أو ينقص فيضمنني فيبرهن الوكيل
أنه وكيله بذلك ويجبره على القبض ويثبت
بالبينة ولاية الجبر على القبض وهنا وجه آخر
وهو أن يبيع فيقول إني فضولي فلا أسلم المبيع
فيبرهن المشتري أنه وكيل فلان بالبيع فهو خصم
فيثبت أنه وكيل بالبيع ا هـ وفيه أيضا وكلهما
بقبض دينه فغاب الموكل وأحد الوكيلين فادعى
الوكيل الآخر فأقر الغريم بدينه وجحد وكالته
فبرهن الوكيل أن الدائن وكله وفلانا الغائب
بقبض دينه يحكم بوكالتهما حتى لو حضر الغائب
لا يكلف إعادة البينة وكذا لو جحد الغريم
الدين والتوكيل فبرهن عليهما الحاضر يحكم
بالدين وبوكالتهما ا هـ. وأطلق في الوكيل أيضا
فشمل ما إذا نصبه القاضي عن الغائب وهو المسمى
بالمسخر وفيه اختلاف قال في جامع الفصولين
ادعى على غائب دينا بحضرة رجل يدعي أنه وكيل
الغائب في الخصومة فأقر المدعى عليه بالوكالة
لم يصح إقراره حتى لو برهن على الغائب لم يقبل
وكذا لو ادعى دينا على ميت بحضرة رجل يدعي أنه
وصي الميت وأقر المدعى عليه بالوصاية كذا في
آخر فصل الدعاوى ثم رقم لآخر القاضي لو علم أن
المحضر ليس بخصم لا تسمع الخصومة والحكم على
المسخر لم يجز وتفسير المسخر أن ينصب القاضي
وكيلا عن الغائب ليسمع الخصومة عليه وإنما
يجوز نصب الوكيل عمن اختفى في بيته بعدما نادى
أمين القاضي على باب داره أياما ثم رقم لآخر
الحكم على المسخر لا يجوز وقيل ينبغي أن تكون
هذه المسألة على الروايتين إذ حاصله الحكم على
الغائب وفيه روايتان عن أصحابنا وكان ظهير
الدين يفتي بأن الحكم على الغائب لا ينفذ كي
لا يتطرقوا إلى هدم مذهب أصحابنا. ا هـ. ثم
اعلم أن نصب المسخر عند القائل به شرطه أن
يكون الغائب في ولاية القاضي لما في الخزانة
القاضي إذا جعل نائبا عن الغائب حتى يسمع عليه
الخصومة ويسمى هذا المسخر فإذا كان الغائب ليس
في ولاية هذا القاضي لا تصح هذه الإنابة وليس
لهذا طريق عند علمائنا ا هـ.
والمعتمد أن القضاء على المسخر لا يجوز
والمجوز له خواهر زاده؛ لأنه أفتى بنفاذ
القضاء على الغائب وهو عين القضاء على الغائب
إلا لضرورة وهي في مسائل: الأولى علق المديون
العتق أو الطلاق على عدم قضائه اليوم ثم تغيب
الطالب وخاف الحالف الحنث فإن القاضي ينصب
وكيلا عن الغائب ويدفع الدين إليه ولا يحنث
الحالف وعليه الفتوى كما في الخانية. الثانية
المشتري بخيار أراد الرد في المدة فاختفى
البائع فطلب المشتري من القاضي أن ينصب خصما
عن البائع ليرده عليه قيل ينصب نظرا إلى
المشتري وقيل لا؛ لأنه لما اشترى ولم يأخذ منه
وكيلا مع احتمال غيبته فقد ترك النظر لنفسه
فلا ينظر له وإذا لم ينصب وطلب المشتري
ج / 7 ص -30-
أو يكون ما يدعى على الغائب سببا لما يدعى على الحاضر.
_____________
من القاضي الأعذار فعن محمد فيه روايتان يعذر
في رواية فيبعث مناديا ينادي على باب البائع
أن القاضي يقول إن خصمك فلانا يريد الرد عليك
فإن حضرت وإلا نقضت البيع فلا ينقضه القاضي
بلا إعذار وفي رواية لا يعذر القاضي كذا في
جامع الفصولين. الثالثة كفل بنفسه على أنه لو
لم يواف به غدا فدينه على الكفيل فغاب الطالب
في الغد فلم يجده الكفيل حتى مضى الغد لزمه
المال ولو رفع الكفيل الأمر إلى القاضي فنصب
القاضي وكيلا عن الطالب وسلم إليه المكفول عنه
يبرأ وهو خلاف ظاهر الرواية إنما هو في بعض
الروايات عن أبي يوسف كذا في جامع الفصولين.
الرابعة إذا توارى الخصم فالقاضي يرسل أمينا
ينادي على بابه ثلاثة أيام ثم ينصب عنه وكيلا
للدعوى وهو قول أبي يوسف استحسنه وعمل به ثم
قال الخصم شرط لقبول البينة لو أراد المدعي أن
يأخذ من يد الخصم الغائب شيئا أما لو أراد أن
يأخذ حقه من ثمن مال كان للغائب في يده لا
يشترط حضور الخصم ولا يحتاج القاضي إلى نصب
الوكيل لو اشتراه فغاب وقدمناه في متفرقات
البيوع وإنما أدخل كاف التشبيه في قوله
كالوكيل والوصي للإشارة إلى عدم الحصر
فالمتولي على الوقف كذلك وأحد الورثة عن
الباقين فيما للميت وعليه لكن إن كان في عين
فلا بد من كونها في يده فلو ادعى عينا من
التركة على وارث ليست في يده لم تسمع وفي دعوى
الدين ينتصب أحدهم خصما وإن لم يكن في يده شيء
وفي جامع الفصولين من الرابع. والحاصل أن أحد
شريكي الدين خصم عن الآخر في الإرث وفاقا وفي
غيره عند أبي يوسف لا عند أبي حنيفة وقال محمد
قول أبي حنيفة قياس وقول أبي يوسف استحسان
ومحمد مع أبي يوسف. ا هـ.
ومن ذلك من بيده مال الميت وإن لم يكن وصيا
ولا وارثا وفيه اختلاف المشايخ ومن ذلك بعض
الموقوف عليهم لما في القنية من باب الدعوى
والبينات في الوقف وقف بين أخوين مات أحدهما
وبقي في يد الحي وأولاد الميت ثم الحي أقام
بينة على واحد من أولاد الأخ أن الوقف بطن بعد
بطن والباقي غيب والوقف واحد تقبل وينتصب خصما
عن الباقي ثم قال وقف بين جماعة فلواحد منهم
أو لوكيله أو على واحد منهم أو على وكيله تصح
الدعوى إذا كان الوقف واحدا ثم رقم لا تصح
الدعوى على بعضهم إذا كان المحدود في أيدي
جميعهم ولا يصح القضاء إلا بقدر ما في يد
الحاضرين. ا هـ.
"قوله أو يكون ما يدعي عن الغائب سببا لما
يدعي على الحاضر" بالنصب عطفا على يحضر وفي
الحقيقة الحاضر قائم مقام الغائب حكما أطلقه
فشمل ما إذا كان المدعى عليهما شيئا واحدا وما
يدعي على الغائب سبب لما يدعي على الحاضر لا
محالة فحينئذ يقضي عليهما حتى
ج / 7 ص -31-
......................................
_________
لو حضر الغائب وأنكر لا يلتفت إلى إنكاره وشمل
ما إذا كان المدعى شيئين مختلفين وما يدعي على
الغائب سبب لما يدعي على الحاضر بكل حال لا
ينفك عنه فيكون خصما ويقضي عليهما أما الأول
ففي مسائل: الأولى ادعى دارا في يد رجل أنها
ملكه اشتراها من فلان الغائب وأنكر ذو اليد
فبرهن على الشراء من فلان الغائب المالك قضى
له بها وكان قضاء على الغائب؛ لأن الشراء من
المالك سبب لا محالة الثانية ادعى على آخر أنه
كفل عن فلان بما يذوب له عليه فأقر بها وأنكر
الحق فبرهن أنه ذاب له على فلان كذا بعد
الكفالة قضى عليهما. وكذا إذا ادعى عليه أنه
كفل له بجميع ماله على فلان ثم برهن على قدر
معلوم كان له قبل الكفالة يقضي عليهما سواء
قال إنه كفيل بأمره أو لا، وأما إذا ادعى أنه
كفل له بقدر معلوم فلا بد أن تكون الكفالة
بأمره والكفالة المطلقة هي الحيلة في إثبات
الدين على الغائب ثم يبرئ المدعي الكفيل عنها
ويبقى ماله على الغائب وكذا إذا ادعى الكفيل
بالأمر الأداء وأنكر المكفول عنه الأداء
والطالب غائب فبرهن عليه يقضى عليهما كما في
الخانية والحوالة كالكفالة بل أولى لتضمنها
براءة المحيل الثالثة ادعى شفعة فأنكر ذو اليد
الشراء فبرهن المدعى على الشراء من الغائب
يقضى عليهما، وأما الثاني ففي مسائل: الأولى
قذف محصنا فقال القاذف أنا عبد وقال المقذوف
أعتقك مولاك وبرهن عليه قضي عليهما. الثانية
ادعى المشهود عليه أن الشاهد عبد لفلان فبرهن
المدعي أن المالك الغائب أعتقه تقبل ويقضى
عليهما وهي حيلة إثبات العتق على الغائب.
الثالثة قتل عمدا وله وليان أحدهما غائب فادعى
الحاضر أن الغائب عفا عن نصيبه وانقلب نصيبه
مالا وبرهن يقضى عليهما وأورد عليه ما إذا كان
عبد بين حاضر وغائب ادعى العبد أن الغائب أعتق
حصته وصار عند الإمام مكاتبا فواجب على الحاضر
قصر اليد عنه عنده لا تقبل وإن تحققت السببية
وأجيب بأن عدم القبول عند الإمام لا لعدم
الخصم بل لجهالة المقضي له بالكتابة؛ لأنه إذا
اختار الساكت التضمين يكون مكاتبا للمعتق وإن
اختار السعاية يكون مكاتبا للساكت ومن هذا
النوع مسألتان في تلخيص الجامع: الأولى قال
لغيره يا ابن الزانية وأمه ميتة وادعى أنها
كانت أمة لفلان فأقام ابنها بينة أن فلانا
أعتقها أو أقام بينة أنها فلانة بنت فلان
القرشية فإنه يقضي بعتقها في الأولى وبنسبها
في الثانية وإن كان المعتق والمنسوب إليه
غائبين ويقضي بالحد على القاذف الثانية أقام
البينة أن نسبه يلتقي مع نسب الميت إلى جد
الميت وأنهم لا يعلمون له وارثا غيره فإنه
يقضي له بميراثه وإن لم يحضر آباؤهم ولا
وكلاؤهم وفيه قضاء على الغائب ا هـ. قيدنا بأن
يكون سببا لا محالة للاحتراز عما يكون سببا في
حال ولا يكون سببا في حال فإنه لا يكون قضاء
على الغائب وذلك في مسألتين الأولى الوكيل
بنقل العبد إلى مولاه إذا برهن العبد على
ج / 7 ص -32-
..................................
_________
أنه حرره يقبل في حق قصر يد الحاضر لا في حق
ثبوت العتق على الموكل فلو حضر الغائب وأنكر
لا بد من إعادة البينة الثانية الوكيل بنقل
المرأة إذا برهنت أنه طلقها ثلاثا يقبل في حق
قصر يد الوكيل لا في إثبات الطلاق وقد أنكر
بشر المريسي القضاء على الغائب في هذه المسائل
قال في التحرير وقد كان بعض العلماء يأبى
انتصاب الحاضر خصما عن الغائب في هذه المسائل
ولا يقضى على الحاضر بشيء ما لم يحضر الغائب
وهو القياس الظاهر إلا أنا نقول بأن عامة
الخصومات يتصل طرف منها بالغائب فلو لم يجعل
الحاضر خصما لأدى إلى إبطال حقوق الناس كذا في
شرح التلخيص للفارسي وبه اندفع ما اعترض به
بعض الحنابلة من أن الحنفية منعوا القضاء على
الغائب ثم تحيلوا له بما إذا كان سببا وهو عين
القضاء على الغائب ا هـ.
وقيد بكونه سببا لما يدعي على الحاضر للاحتراز
عما إذا كانت السببية باعتبار البقاء فإنه لا
يقبل مطلقا وذلك في مسائل: الأولى اشترى جارية
وادعى أن البائع كان زوجها من فلان الغائب
واشتراها بلا علم بذلك فأنكر البائع فبرهن لم
يقبل في حق الحاضر والغائب؛ لأنه سبب في
البقاء لجواز الطلاق بعده فلو تعرض الشهود
للبقاء لم تقبل أيضا بأن قالوا إنها امرأته
للحال؛ لأن البقاء تبع للابتداء. الثانية برهن
المشتري فاسدا على البيع من غائب حين رام
البائع فسخ البيع للفساد لا يقبل مطلقا وإن
تعرضوا للبقاء. الثالثة في يده دار فبيعت دار
بجنبها فأراد أخذها بالشفعة فزعم المشتري أن
ما في يد الشفيع لغائب فبرهن الشفيع على
شرائها من الغائب لا تقبل في حقهما وقيد
بالسبب للاحتراز عن الشرط في الجامع الأصغر
قال إن طلق فلان امرأته فأنت طالق فادعت أنه
طلقها وفلان غائب وبرهن لا يصح وقيل يصح وبه
أخذ شمس الأئمة الأوزجندي والأول أصح؛ لأن فيه
ابتداء القضاء على الغائب بخلاف ما إذا قامت
البينة أن زوجها قال لها إن دخل فلان الدار
فأنت كذا وقد دخل فلان الغائب الدار وبرهنت
حيث يقبل اتفاقا والذي يفعله الناس فيما إذا
أرادوا إقامة البينة على الغائب أنه وكله في
قبض حقوقه على الناس يدعي واحد عند القاضي أن
الغائب علق تلك الوكالة ببيع هذا الحاضر داره
من فلان بكذا وقد باع هذا داره من فلان وتحقق
الشرط وصار هو وكيلا عن الغائب في القبض
ولموكله على هذا المحضر كذا فيقول المدعى عليه
نعم إنه وكله كما ذكر إلا أنه لم يوجد الشرط
فيقيم الوكيل البينة على وجود الشرط فيقضي
القاضي عليه بالبيع والوكالة لا تصح إلا على
اختيار الإمام الأوزجندي لما فيه من إبطال حق
الغائب. كذا في البزازية وفرقهم بين سبب وسبب
وبين السبب والشرط على الصحيح أدل دليل على أن
قولهم بنفاذ القضاء على الغائب في أظهر
الروايتين إنما هو في قضاء الشافعي وأما
الحنفي فلا؛ لأنه حينئذ لا معنى للفرق المذكور
ومن مسائل الشرط ما في جامع الفصولين علق
طلاقها بتزوجه عليها فبرهنت أنه
ج / 7 ص -33-
....................................
_________
تزوج عليها فلانة الغائبة عن المجلس هل تسمع
حال غيبة فلانة فيه روايتان والأصح أنها لا
تقبل في حق الحاضرة والغائبة فلا طلاق ولا
نكاح ومن فروعه ادعت عليه أنه كفل بمهرها عن
زوجها لو طلقها ثلاثا وأنه طلقها ثلاثا فأقر
المدعى عليه بالكفالة وأنكر العلم بوقوع
الثلاث فبرهنت أنه طلقها ثلاثا يحكم لها
بالمهر على الحاضر لا بالفرقة على الغائب. ا
هـ.
وقد علمت حيلة إثبات العتق كما قدمناه وفي شرح
التلخيص رجل له على عبد مأذون دين أقام البينة
على رجل أنك كفلت لي عنه بكذا إن أعتقه مولاه
وقد أعتقه فإنه يقضي بالعتق والمال وإن كان
المولى والعبد غائبين؛ لأن الإعتاق سبب ضمان
المولى قيمة العبد المديون لغريمه فكان شرطا
ملائما لا تعليقا محضا فصح الالتزام به وناب
الحاضر في الخصومة عن الغائب ا هـ. وهو من
قبيل الشرط فليتأمل، وأما حيلة إثبات طلاق
الغائب فكلها على الضعيف من أن الشرط كالسبب
فمنها حيلة الكفالة بمهرها معلقة بطلاقه ومنها
دعواها كفالة بنفقة العدة معلقة بالطلاق قال
في جامع الفصولين ومع هذا لو حكم بالحرمة نفذ
لاختلاف المشايخ ا هـ. وفي البزازية من فصل
دعوى النكاح ادعى عليها أن زوجها الغائب طلقها
وانقضت عدتها وتزوجها فأقرت بزوجية الغائب
وأنكرت طلاقه فبرهن عليها بالطلاق يقضي عليها
بأنها زوجة الحاضر ولا يحتاج إلى إعادة البينة
إذا حضر الغائب ا هـ. وقدمنا حيلتين لإثبات
الدين على غائب الكفالة والحوالة، وأما حيلة
إثبات الرهن على الغائب قال في جامع الفصولين
معزوا المرتهن لو أراد أن يحكم به القاضي يقيم
رجلا يدعي رقبة الرهن فيبرهن ذو اليد أنه رهن
عنده فيحكم به القاضي وفيه روايتان في رواية
لا تقبل إذ فيه حكم على غائب وتقبل في رواية؛
لأنه لما رهن عنده فقد استحفظه فصار خصما في
إثبات الملك للراهن ا هـ.
وأما حيلة الحكم بسقوط النفقة والكسوة
الماضيتين فالقضاة الآن يجعلونها بصورة إن
كانت لها نفقة وكسوة علي فهي طالق بائن فيدعي
عليه ذو حسبة عند حنفي بوقوعه لكونها لازمة
عليه ويطالبه بالتفريق فيجيب بأنها ليست لازمة
لعدم التقرير والرضا فيحلفه القاضي على ذلك
فيحكم بعدم الوقوع وبعدم اللزوم ولا شك الآن
في صحته لكن المرأة إذا حضرت وبرهنت على
التقرير بطل الحكم كما لا يخفى وقيد بكون
السبب ما يدعي على الغائب لأنه لو كان على
عكسه بأن كان ما يدعي على الحاضر سببا لما
يدعي على الغائب فإنه لا يقضي على الغائب كما
إذا كان الحاضر هو الأصيل والكفيل غائب لجواز
أن يكون المال على الأصيل لا الكفيل كما قبل
الكفالة بخلاف عكسه لا يجوز أن يكون المال على
الكفيل دون الأصيل وجزم في جامع الفصولين بأن
القضاء على الأصيل لا يكون قضاء على الكفيل
وتردد في البزازية وأورد على قولهم لا يجوز أن
يكون على الكفيل دون الأصيل ما إذا قالت كفلت
بمالك على زيد،
ج / 7 ص -34-
ويقرض القاضي مال اليتيم، ويكتب الصك، لا الوصي، والأب.
____________
فأقر الكفيل بأن له على زيد كذا وأنكره زيد
ولا بينة وجب المال على الكفيل دون الأصيل ثم
نقل عن محمد أن القضاء على المكفول عنه قضاء
على الكفيل. وعن ابن سماعة أنه لا يكون قضاء
عليه ففيه روايتان والموافق لمفهوم المتون
عدمه فهو المعتمد والجواب عما أورد أنه لكون
الإقرار حجة قاصرة كما لا يخفى وفي الخلاصة
الطريق إلى إثبات الرمضانية أن يعلق وكالة
بدخوله فيتنازعان في دخوله فيشهد الشهود فيقضي
بالوكالة وبدخوله ا هـ. وعلى هذا إذا أريد
إثبات طلاق معلق بدخول شهر فالحيلة فيه ذلك
ولو كان الزوج غائبا وليس هذا من قبيل الشرط؛
لأنه لا بد أن يكون فعل الغائب وعلى هذا إذا
أريد إثبات شيء من ملك ووقف ونكاح وطلاق فيعلق
وكالة بملك فلان ذلك الشيء ويدعي الوكيل فيقول
الخصم وكالتك معلقة بما لم يوجد فيقول الوكيل
بل هي منجزة؛ لأنها معلقة بأمر كائن ويبرهن
على الملك وكذا في الوقف يعلقها بالوقفية وفي
النكاح بكون فلانة زوجة فلان وفي الطلاق
بكونها محرمة عليه ولا يعلقها بفعل الغائب كإن
نكح إن وقف إن طلق إن ملك هذا ما ظهر لي الآن
والله سبحانه وتعالى أعلم وهذا التقرير في هذا
المحل كغيره من خواص هذا الشرح ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم.
"قوله ويقرض القاضي مال اليتيم ويكتب الصك لا
الوصي والأب"؛ لأن القاضي يقدر على تحصيله من
المستقرض والوصي والأب لا يقدران على ذلك
فيضمنان بالإقراض لكونه تبرعا ابتداء والمراد
ويستحب للقاضي الإقراض ولا يجوز للأب والوصي
وإنما استحب منه؛ لأن القاضي لكثرة اشتغاله لا
يمكن أن يباشر الحفظ بنفسه فلا بد له من الدفع
لغيره والدفع بالقرض أنظر لليتيم لكونه مضمونا
الوديعة أمانة ولا يقرض إلا من يعرفه بالأمانة
والديانة ويكتب عليه ذلك ليحفظه خوف النسيان
لكثرة اشتغاله وفي البناية معزيا إلى تاج
الشريعة يقرض القاضي إلى الثقات والثقة المليء
الحسن المعاملة وفي الأقضية إنما يملك القاضي
الإقراض إذا لم تحصل غلة لليتيم أما إذا وجدت
فلا يملكه هكذا روي عن محمد. ا هـ.
وفي المصباح رجل مليء على فعيل غني مقتدر
ويجوز الإبدال والإدغام ا هـ.
وينبغي أن يشترط لجواز إقراض القاضي عدم وصي
لليتيم فإن كان له وصي ولو منصوب القاضي لم
يجز؛ لأنه من التصرف في ماله وهو ممنوع منه مع
وجود وصيه كما في بيوع القنية وسوى المصنف بين
الأب والوصي مع أن في الأب روايتين ولكن
أظهرهما أنه كالوصي وهو الصحيح كما في جامع
الفصولين وفي خزانة الفتاوى الصحيح أن الأب
كالقاضي فقد اختلف التصحيح والمعتمد ما في
المتون وأطلق في منع إقراض الأب فشمل
ج / 7 ص -35-
.......................................
____________
ما إذا أخذ مال ولده الصغير قرضا لنفسه وهو
مروي عن الإمام وقيل له ذلك وينبغي للقاضي أن
يتفقد أحوال الذين أقرضهم مال الأيتام حتى إذا
اختل أحد منهم أخذ منه المال؛ لأن القاضي وإن
قدر على استخلاصه إنما يقدر من الغني لا من
الفقير ولهذا لا يملك قرضه من المعسر ابتداء
فكذا لا يتركه عنده انتهاء. وأشار المؤلف إلى
أن للقاضي ولاية إقراض مال الوقف كما في جامع
الفصولين وله إقراض اللقطة من الملتقط وإقراض
مال الغائب وله بيع منقوله إذا خاف التلف إذا
لم يعلم بمكان الغائب أما إذا علم فلا؛ لأنه
يمكنه بعثه إلى الغائب إذا خاف التلف قالوا
وله أن يأخذ المال من الأب إذا كان مسرفا
مبذرا ويضعه على يد عدل كذا في القنية وفي
جامع الفصولين إنما يملك القاضي إقراضه إذا لم
يجد ما يشتريه له يكون غلة لليتيم لا لو وجده
أو وجد من يضارب؛ لأنه أنفع وكذا إنما يقرضه
من مليء ا هـ.
وقيد بالإقراض؛ لأن الوصي يملك البيع نسيئة
كما ذكروه في الوصايا وفي جامع الفصولين ولو
أقرض الوصي لا يعد خيانة فلا يعزل به ا هـ.
وأطلق في الوصي فشمل وصي القاضي كما في جامع
الفصولين وأشار بالوصي إلى أن متولي الوقف ليس
له إقراض مال المسجد فلو أقرضه ضمن وكذا يضمن
المستقرض كذا في الخزانة وليس له إيداعه إلا
ممن هو في عياله كذا في جامع الفصولين ثم قال
بعده القيم لو أقرض مال المسجد ليأخذه عند
الحاجة وهو أحرز من إمساكه فلا بأس به وفي
العدة يسع للمتولي إقراض ما فضل من غلة الوقف
لو أحرز. ا هـ.
وقدمنا في كتاب الوقف حكم ما إذا أقرض المتولي
مال الوقف بأمر القاضي من الإمام فمات مفلسا
وفي جامع الفصولين لو استقرض الوصي مال اليتيم
وربح به ثم أنفق عليه مدة يكون متبرعا إذا صار
ضامنا فلا يتخلص ما لم يرفع أمره إلى الحاكم
والأصح أن الوصي لا يملك أن يستقرض ماله وقيل
يملكه لو مليا ا هـ. وفي تهذيب القلانسي ويصدق
القاضي فيما قاله من التصرف في الأوقاف وأموال
الأيتام والغائبين من أداء وقبض. ا هـ.
وفي شرح أدب القضاء إقراض القاضي أنفع للصبي
وأحوط لماله لكونه مضمونا ولتمكنه من
الاسترداد وقالوا الوصي يملك الإيداع لا القرض
ولم أر حكم الجد في جواز إقراضه على رواية
جوازه للأب والظاهر أنه كالأب لقولهم الجد أب
الأب كالأب إلا في مسائل ويجب أن يستثنى من
عدم جواز إقراض الأب والوصي المعتمد إقراضه
للضرورة كحرق ونهب فيجوز اتفاقا واختلفوا في
إعارة الأب مال ولده الصغير وفي الصحيح لا وفي
الخزانة إذا أجر الأب أو الوصي أو الجد أو
القاضي الصغير في عمل من الأعمال التي تليق
ج / 7 ص -36-
____________
به فالصحيح جوازها وإن كانت بأقل من أجرة
المثل وقدمنا في أول كتاب القضاء ما يستفيده
القاضي بالتولية والله تعالى أعلم.
باب التحكيم
____________
باب التحكيم
لما كان من فروع القضاء وكان أحط رتبة من
القضاء أخره ولهذا قال أبو يوسف لا يجوز
تعليقه بالشرط وإضافته إلى وقت بخلاف القضاء
لكونه صلحا من وجه وله معنيان لغوي واصطلاحي
أما الأول يقال حكمت الرجل تحكيما إذا منعته
مما أراد ويقال أيضا حكمته في مالي إذا جعلت
إليه الحكم فيه فاحتكم علي في ذلك واحتكموا
إلى الحاكم وتحاكموا بمعنى والمحاكمة المخاصمة
إلى الحاكم كذا في الصحاح والمراد الثاني فهو
في اللغة جعل الحكم في مالك إلى غيرك وفي
المحيط تفسير التحكيم تصيير غيره حاكما، وأما
في الاصطلاح فهو تولية الخصمين حاكما يحكم
بينهما وركنه اللفظ الدال عليه مع قبول الآخر
فلو حكما رجلا فلم يقبل لا يجوز حكمه إلا
بتجديد التحكيم كذا في المحيط.
وشرطه من جهة المحكم بالكسر العقل لا الحرية
فتحكيم المكاتب والعبد المأذون صحيح ولا يشترط
الإسلام فيه فتحكيم الذمي ذميا صحيح وتحكيم
المرتد موقوف عنده فإن حكم ثم قتل المرتد أو
لحق بطل الحكم وإن أسلم نفذ وعندهما جائز بكل
حال كذا في المحيط ومن جهة المحكم بالفتح
صلاحيته للقضاء بكونه أهلا للشهادة فلو حكم
عبدا أو صبيا أو ذميا أو محدودا في قذف لم يصح
وتشترط الأهلية وقته ووقت الحكم جميعا فلو
حكما عبدا فعتق أو صبيا فبلغ أو ذميا فأسلم ثم
حكم لم ينفذ كما في المقلد ولو حكما حرا أو
عبدا فحكم الحر وحده لم يجز وكذا إذا حكما كما
في المحيط وكذا لو كان مسلما وقت التحكيم ثم
ارتد لم ينفذ ولو حكم ذمي بين مسلمين فأجازا
لم يجز كحكمه ابتداء كما في المحيط ويصح أن
يكون كافرا في حق كافر فلو أسلم أحد الخصمين
قبل الحكم لم ينفذ حكم الكافر على المسلم
وينفذ للمسلم على الذمي وقيل لا يجوز للمسلم
أيضا كذا في المحيط ولهذا قالوا لو صلح المحكم
قاضيا ولم يقولوا لو صلح شاهدا؛ لأن الشاهد لا
يشترط صلاحيته وقت التحمل وإنما تشترط وقت
الأداء فقط، وأما القاضي والمحكم فتشترط وقت
التقليد والقضاء كما علمته وزاد الحكم
اشتراطها فيما بينهما كما سيأتي في المسائل
المخالفة ومن جهة المحكوم به أن لا يكون في حد
وقود.
وصفته قبل الحكم الجواز وبعده اللزوم وجوازه
بالكتاب
{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} وفيه نظر كذا في فتح القدير من غير بيانه ووجهه أن كلا من المحكمين
لم يتراضيا عليه
ج / 7 ص -37-
................................
_____________
خصوصا أن الضمير في قوله فابعثوا عائد إلى
الحكام العائد إليهم ضمير فإن خفتم ولأن الحكم
عندنا إنما يصلح فقط وليس له إيقاع الطلاق فهو
وكيل فلم يكن من هذا القبيل. وبالسنة كما رواه
النسائي قال أبو شريح يا رسول الله إن قومي
إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي
عني الفريقان فقال عليه الصلاة والسلام
"ما أحسن هذا1"
وأجمع على أنه صلى الله عليه وسلم عمل بحكم
سعد بن معاذ في بني قريظة2 لما اتفقت اليهود
على الرضا بحكمه فيهم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وروى أنه كان بين عمر وأبي بن كعب
منازعة في نخل فحكما بينهما زيد بن ثابت
فأتياه فخرج زيد فقال لعمر هلا بعثت إلي
فأتيتك يا أمير المؤمنين فقال عمر في بيته
يؤتى الحكم قد خلا بيته فألقى لعمر وسادة فقال
عمر هذا أول جورك وكانت اليمين على عمر فقال
زيد لأبي لو أعفيت أمير المؤمنين فقال عمر
يمين لزمتني فقال أبي نعفي أمير المؤمنين
ونصدقه3 وليعلم أنه لا يظن بأحد منهما في هذه
الخصومة التلبيس وإنما هي لاشتباه الحادثة
عليهما فتقدما إلى الحكم للتبيين لا للتلبيس
وفيه جواز التحكيم وإن زيدا كان معروفا بالفقه
وظاهر ما ذكره الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء
أن الحكم من الإمام بمنزلة القاضي المولى ا
هـ. فعلى هذا إذا رفع حكمه إلى قاض لا يراه
أمضاه فليحفظ وفي المحيط الإمام الذي استعمل
القاضي أمر رجلا ممن تجوز شهادته أن يحكم بين
رجلين جاز وهو بمنزلة القاضي المولى ولو أمر
القاضي رجلا أن يحكم بين رجلين لم يجز إذا لم
يكن مأذونا بالاستخلاف إلا أن يجيزه القاضي
بعد الحكم أو يتراضى عليه الخصمان كذا في
المحيط وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما كان
يختلف إليه ويأخذ بركابه عند ركوبه وقال هكذا
أمرنا أن نصنع بفقهائنا فقبل زيد يده وقال
هكذا أمرنا أن نصنع بأشرافنا وفيه أن الإمام
لا يكون قاضيا في حق نفسه وأنه ينبغي أن من
احتاج إلى العلم يأتي إلى العالم في بيته ولا
يبعث إليه ليأتيه وإن كان أوجه الناس. وأما
إلقاء زيد الوسادة فاجتهاد من قوله صلى الله
عليه وسلم
"إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه4"
وبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداءه لعدي بن
حاتم5 وأن الخليفة ليس كغيره واجتهاد عمر على
تخصيص هذه الحالة من عموم الأول وأنه لا بأس
بالحلف صادقا وامتناع عثمان حين لزمته كان
لأمر آخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في الأدب، باب في تغيير
الاسم القبيح 4955. والنسائي في آداب القضاة،
باب إذا حكموا رجلا فقضي بينهم 8/227.
2 تقدم فيما سبق.
3 لم أجده.
4 أخرجه ابن ماجه في الأدب، باب إذا اتاكم
كريم قوم فأكرموه من حديث عبد الله بن عمر
3712. والحاكم في المستدرك 4/292. والهيثمي في
مجمع الزوائد8/15
5 لم أجده.
ج / 7 ص -38-
حكما رجلا ليحكم بينهما، فحكم ببينة أو إقرار أو نكول في غير حد
وقود ودية على العاقلة صح لو صلح المحكم قاضيا
__________
وأن اليمين حق المدعي على المدعى له أن
يستوفيها وتسقط بإسقاطه كذا في فتح القدير
تبعا لما في النهاية وفي البزازية وبعض
علمائنا كانوا يقولون أكثر قضاة عهدنا في
بلادنا أكثرهم مصالحون؛ لأنهم تقلدوا القضاء
بالرشوة ويجوز أن يجعل حكما بترافع القضية
إليهم واعترض عليه بعضهم بأن الرفع ليس على
وجه التحكيم بل على اعتقاد أنه قاض ماضي الحكم
ورفع الدعوى عليه قد يكون بالإشخاص والجبر فلا
يكون حكما ألا ترى أن البيع ينعقد بالتعاطي
ابتداء لكن إذا تقدم بيع باطل أو فاسد وترتب
عليه التعاطي لا ينعقد البيع لكونه على سبب
آخر كذا هنا ولهذا قال السلف القاضي النافذ
حكمه أعز من الكبريت الأحمر ا هـ. وذكر الشيخ
عبد القادر في الطبقات1 أن الإمام أحمد
الدامغاني2 تلميذ الطحاوي والكرخي لما تولى
القضاء بواسط كان يقول للخصمين أنظر بينكما
فإن قالا نعم نظر وتارة يقول أحكم بينكما ا
هـ.
"قوله حكما رجلا ليحكم بينهما فحكم ببينة أو
إقرار أو نكول في غير حد وقود ودية على
العاقلة صح لو صلح المحكم قاضيا" لما قدمناه
من الدلائل وشرط أن يكون حكمه بحجة من الثلاث
ليوافق حكم الشرع وإلا يقع باطلا وظاهره أنه
لا يحكم بعلمه ولم أره صريحا ولم يصح حكمه في
الحدود والقصاص؛ لأن تحكيمهما بمنزلة صلحهما
ولا يملكان دمهما ولذا لا يباح بالإباحة وكذا
إلا ولاية لهما على العاقلة فلا ينفذ حكمه
عليها ولا على القاتل بالدية وحده لمخالفة
النص فكان باطلا ولم أر حكم التحكيم في اللعان
مع أنه قائم مقام الحد ولهذا قالوا لا تقبل
فيه الشهادة على الشهادة ولا كتاب القاضي إلى
القاضي ولا التوكيل.
وقيد بكونها على العاقلة؛ لأنها لو كانت على
القاتل بأن ثبت القتل بإقراره أو ثبتت جراحة
ببينة وأرشها أقل مما تتحمله العاقلة خطأ كانت
الجراحة أو عمدا أو كانت قدر ما تتحمله ولكن
الجراحة كانت عمدا لا توجب القصاص نفذ حكمه
وما في الكتاب من منعه في القصاص هو قول
الخصاف وهو الصحيح كما في فتح القدير وما في
المحيط من جوازه فيه باعتبار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي المسماة بالجواهر المضية في طبقات
الحنفية وتقدم الكلام عنها.
2 الشيخ أحمد الدامغاني: هو أحمد بن محمد بن
منصور القاضي أبو بكر الدامغاني الأنصاري درس
على الطحاوي بمصر ثم قدم بغداد ودرس بها على
الكرخي وكان إماما في العلم والدين اهـ.
الجواهر المضية1/318 الفوائد البهية41.
...........
* في الأصل المدعى
ج / 7 ص -39-
ولكل واحد من المحكمين أن يرجع قبل حكمه، فإن حكم لزمهما.
_________
أنه من حقوق العباد ضعيف رواية ودراية القصاص
لم يتمحض حق العبد بل هو من قبيل ما اجتمع فيه
الحقان وإن كان الغالب حق العبد بدليل منع
شهادة النساء فيه وكتاب القاضي إلى القاضي وقد
كتبنا في الفوائد أنه كالحدود إلا في مسائل
منها أن للقاضي أن يقضي به بعلمه كما في
الخلاصة وأفاد بقوله لو صلح قاضيا جواز تحكيم
المرأة والفاسق لصلاحيتهما للقضاء والأولى أن
لا يحكما فاسقا ولو حكما رجلين فحكم أحدهما لم
يجز ولا بد من اتفاقهما على المحكوم به فلو
اختلفا لم يجز كما في الولوالجية. وفي أدب
القضاء للخصاف لو قال لامرأته أنت علي حرام
ونوى الطلاق دون الثلاث فحكما رجلين فحكم
أحدهما بأنها بائن وحكم الآخر بأنها بائن
بالثلاث لم يجز؛ لأنهما لم يجتمعا على أمر
واحد ا هـ. فقوله رجلا مثال والمراد إنسانا
معلوما فلو حكما أول من يدخل المسجد لم يجز
إجماعا لجهالة الصلح عليه كذا في المحيط وأشار
بصلاحيته للقضاء أن أحدهما لو وكل الحكم في
الخصومة وقبل خرج عن الحكومة لتعينه خصما في
هذه الحادثة فخرج عن الشهادة فيها ولو وكل
أحدهما ابن الحكم أو من لم تقبل شهادته له لم
يجز كما في المحيط وقدمنا شرائطه وكذا ما
اختاره السرخسي من جوازه في حد القذف ضعيف
بالأولى؛ لأن الغالب فيه حق الله تعالى على
الأصح والحكم قال في الولوالجية الأصح أنه لا
يجوز في الحدود كلها وشمل قوله في غير حد إلخ
سائر المجتهدات من النكاح والطلاق واليمين
المضافة كما سيأتي.
"قوله ولكل واحد من الحكمين أن يرجع قبل
حكمه"؛ لأنه تقلد من جهتهما فكان لكل منهما
عزله وهو من الأمور الجائزة فينفرد أحدهما
بنقضه كالمضاربة والشركة والوكالة
"قوله فإن حكم لزمهما" لصدوره عن ولاية شرعية
فلا يبطل حكمه بعزلهما وأشار بقوله لزمهما إلى
أنه لا يتعدى إلى غيرهما فلو حكماه في عيب
مبيع فقضى برده ليس للبائع أن يرده على بائعه
إلا أن يرضى البائع الأول والثاني والمشتري
على تحكيمه كذا في فتح القدير وفي الولوالجية
حكم المحكم في فسخ اليمين المضافة الصحيح أنه
ينفذ؛ لأنه فيما بينهما بمنزلة القاضي المولى
وإن كانا يفترقان في شيء آخر لكن هذا شيء يعلم
ولا يفتى به ا هـ. وفي السراج الوهاج إلا أن
أصحابنا امتنعوا من هذه الفتوى وقالوا لا بد
فيها من حكم المولى كالحدود كي لا يتجاسر
العوام. ا هـ.
واعلم أن معنى قولهم لا يفتى به لا يكتب على
الفتوى ولا يجاب باللسان بالحل وإنما يسكت
المفتي كما أفاده في الفتاوى الصغرى بقوله
نكتم هذا الفصل ولا نفتي به وظاهر الهداية أن
معناه أن المفتي يجيب بقوله لا يحل فليتأمل
فيه وفي القنية ليس للمحكم أن يحكم
ج / 7 ص -40-
وأمضى القاضي حكمه إن وافق مذهبه، وإلا أبطله.
__________
بشيء فيه ضرر على الصغير يعني إذا ادعى على
وصيه ثم رقم لآخر أنه لا يحكم. وقال حمير
الوبري1 إن كان في حكم المحكم نظر للصبي ينبغي
أن يجوز وينفذ حكمه ويكون بمنزلة صلح الوصي
ولا يجوز استخلاف المحكم غرماء الصبي مس صهرته
بشهوة فانتشر لها فحكم الزوجان رجلا ليحكم
بينهما بالحل على مذهب الشافعي يصير حكما
بينهما لكن الصحيح أن حكم الحكم في مثل هذه
المواضع لا ينفذ قال رضي الله عنه نفاذ قضائه
صحيح لكن حكم المحكم في أمثال هذا كالحكم في
الطلاق المضاف مختلف نفاذ قضائه وإن كان الأصح
هو النفاذ إذا حكماه ليحكم بينهما بما يرى
وإذا كان التحكيم ليحكم على خلاف ما يراه
المحكم كان الصحيح عدم نفاذ قضائه.
تزوج بامرأة زنى بها ابنه ثم ادعت المرأة عليه
نفقة وسكنى فحكم بالحل بينهما حاكم أو حكم تحل
ولكن لا يكتب أي لا يفتى به ا هـ. والفرع
الأخير ضعيف وقدمنا أنه من المواضع التي لا
ينفذ فيها قضاء القاضي فعلى هذا المحكم يستحلف
إلا في مسألة ما إذا كان المحكم وصيا والمدعى
عليه غريم الميت.
"قوله وأمضى القاضي حكمه إن وافق مذهبه" يعني
إذا رفعا حكمه إلى القاضي وتداعيا عنده عمل
القاضي بموجبه إن وافق مذهبه؛ لأنه لا فائدة
في نقضه ثم إبرامه وفائدة هذا الإمضاء أن لا
يكون لقاض آخر يرى خلافه نقضه إذا رفع إليه؛
لأن إمضاءه بمنزلة قضائه ابتداء واستفيد من
كلامهم هنا وفي مواضع أن التنافيذ الواقعة في
زماننا لا اعتبار بها إذا كانت بغير دعوى
صحيحة من خصم على خصم حاضر وفي البزازية
المحكم إذا حلف لا يملك المدعي أن يحلف ثانيا
عند القاضي؛ لأنه استوفى حقه على التمام ا هـ.
وفي المحيط حكم رجلا فأجاز القاضي حكومته قبل
أن يحكم ثم حكم بخلاف رأي القاضي لم يجز؛ لأن
القاضي أجاز المعدوم وإجازة الشيء قبل وجوده
باطل فصار كأنه لم يجز. ا هـ.
"قوله وإلا أبطله" أي إن لم يوافق مذهبه لم
يمضه وهو المراد بإبطاله؛ لأنه حكم لم يصدر عن
ولاية عامة فلم يلزم القاضي إذا خالف رأيه
فظاهر كلامهم أنه يجب إبطاله أي عدم العمل
بمقتضاه واعلم أن حكمه لو رفع إلى حكم آخر
حكماه بعد حكم الأول فإن الثاني كالقاضي يمضيه
إن كان يوافق رأيه وإلا أبطله كما في المحيط
وفيه لو رجع المحكم عن حكمه فقضى للآخر لم
يصح؛ لأنها تمت الحكومة بالقضاء الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدمت ترجمة الوبري ولكن ذكره في الفوائد
البهية بقوله: خبير الوبري161 وذكره في
الجواهر المضية بقوله خمير4/340.
ج / 7 ص -41-
....................................
___________
واعلم أن قولهم هنا إن حكم الحكم لا يتعدى إلى
العاقلة بخلاف حكم القاضي يفيد أن دعوى القتل
خطأ على القاتل وإثباته بغيبة العاقلة صحيح
وهو مصرح به في الخزانة.
ثم اعلم أن حكم المحكم يخالف حكم القاضي في
مسائل: الأولى هذه. الثانية أنه لا بد من
تراضيهما على كونه حكما بينهما بخلاف القاضي.
الثالثة لا يجوز تعليقه وإضافته عند أبي يوسف
بخلاف القضاء كما قدمناه وفي المحيط بعده ولو
حكماه على أن يستفتي فلانا ثم يقضي بينهما بما
قال جاز كالقضاء ولو حكماه على أن يحكم بينهما
في يومه أو في مجلسه توقت به. الرابعة لا يجوز
التحكيم في الحدود والقصاص والدية على العاقلة
بخلاف القضاء كما قدمناه. الخامسة لا يفتى
بجوازه في فسخ اليمين المضافة بخلاف القضاء به
كما قدمناه. السادسة أن حكمه لا يتعدى إلى
الغائب لو كان ما يدعي عليه سببا لما يدعي على
الحاضر وكذا قال في التلخيص وشرحه لا يتعدى
حكمه بعتق الشهود من التعديل إلى المولى
المالك وصورته رجلان شهدا عند محكم على حق من
الحقوق فقال المشهود عليه هما عبدان فقالا كنا
عبدين لفلان الغائب إلا أنه أعتقنا وبرهنا على
ذلك فحكم بشهادتهما لثبوت عدالتهما عنده جاز
ولا يتعدى حكمه بالعتق من التعديل الثابت عنده
إلى حق المولى الغائب لو حضر وأنكر الإعتاق
لعدم رضاه بالتحكيم ا هـ.
وقال في الولوالجية ولو أن رجلا ادعى على رجل
ألف درهم ونازعه في ذلك فادعى أن فلانا الغائب
ضمنها له عن هذا الرجل فحكما بينهما رجلا
والكفيل غائب فأقام المدعي شاهدين على المال
وعلى الكفالة بأمره أو بغير أمره فحكم المحكم
بالمال على المدعى عليه وبالكفالة عنه فحكمه
جائز على المدعى عليه دون الكفالة؛ لأن المدعى
عليه رضي بحكمه والكفيل لم يرض فصح التحكيم في
حقهما دون الكفيل، وكذلك إن حضر الكفيل
والمكفول عنه غائب فتراضيا الطالب والكفيل على
رجل ليحكم بينهما فأقام الطالب شاهدين بالمال
على المطلوب وعلى كفالة الكفيل له بذلك بأمر
المطلوب أو بغير أمره فحكم المحكم بذلك كان
حكمه جائزا على الكفيل دون المكفول عنه ا هـ.
السابعة كتاب المحكم إلى القاضي لا يجوز كما
لا يجوز كتاب القاضي إليه. الثامنة لا يحكم
المحكم بكتاب قاض إلا إذا رضي الخصمان كذا في
البناية وفتح القدير. التاسعة المحكم إذا ارتد
انعزل فإذا أسلم فلا بد من تحكيم جديد بخلاف
القاضي كما في الولوالجية. العاشرة لو رد
المحكم الشهادة بتهمة ثم اختصما إلى آخر أو
قاض فزكيت البينة يقضي؛ لأن المحكم لم يكن
قاضيا في حق غير الخصمين ولم يتصل بهذه
الشهادة رد قاض من قضاة المسلمين إنما اتصل
بها رد واحد من
ج / 7 ص -42-
وبطل حكمه لأبويه، وولده، وزوجته كحكم القاضي بخلاف حكمه عليهم.
_________
الرعايا فكان للقاضي إبطال هذا الرد بخلاف ما
لو رد قاض شهادته للتهمة لا يقبلها قاض آخر؛
لأن القضاء بالرد نفذ على الكفاية كذا في
المحيط. الحادية عشرة ما في شرح التلخيص أنه
لا يتعدى حكمه من وارث إلى الباقي والميت حتى
لو ادعى عند المحكم رجل على وارث بدين على
الميت وأقام بينة فحكم له بما ادعاه على ذلك
الوارث لم يكن حكما على بقية الورثة ولا على
الميت لعدم رضاهم بتحكيمه بخلاف حكم القاضي.
الثانية عشرة لا يتعدى حكمه بالعيب من المشتري
على بائعه إلا برضا بائع كما في المحيط.
الثالثة عشرة لا يتعدى حكمه على وكيل بعيب
المبيع إلى موكله وهما في فتح القدير. الرابعة
عشرة لا يصح حكمه على وصي صغير بما فيه ضرر
عليه لما في البزازية وإذا حكم الوصي على
الصغير ومن يدعي عليه الوصي مال الصغير فحكم
بما هو ضرر على الصغير لا يصح؛ لأنه بمنزلة
صلح الوصي، وإن كان في حكمه نفع للصغير يصح
حكمه. ا هـ.
ثم اعلم أن حكم المحكم لا يتعدى إلى غير
المحكوم عليه إلا في مسألة مذكورة في التلخيص
وشرحه لو حكم أحد الشريكين وغريم له رجلا فحكم
بينهما وألزم الشريك شيئا من المال المشترك
نفذ حكمه على الشريك وتعدى إلى الغائب؛ لأن
حكمه بمنزلة الصلح في حق الشريك الغائب والصلح
من صنيع التجار فكان كل واحد من الشريكين
راضيا بالصلح وما في معناه ا هـ.
ثم اعلم أنهم قالوا إن القضاء يتعدى إلى
الكافة في أربع: الحرية والنسب والنكاح
والولاء ولم يصرحوا بحكمها من المحكم ويجب أن
لا يتعدى فتسمع دعوى الملك في المحكوم بعتقه
من المحكم بخلاف القاضي وينبغي أن لا يلي
المحكم الحبس ولم أره وكذا لم أر حكم قبوله
الهداية وإجابة الدعوة وينبغي أن يجوزا له
لانتهاء التحكيم بالفراغ إلا أن يهدي إليه
وقته من أحدهما فينبغي أن لا يجوز الخامسة
عشرة لا يتقيد ببلد التحكيم وله الحكم في
البلاد كلها كما في المحيط. السادس عشر مما
خالف فيه المحكم القاضي لو اختلف الشاهدان
فشهد أحدهما أنه وكله بخصوصه فلان إلى قاضي
الكوفة والآخر إلى قاضي البصرة تقبل ولو شهد
أحدهما بذلك إلى الفقيه فلان فشهد الآخر به
إلى الفقيه فلان وآخر لم تقبل كما في أدب
القضاء للخصاف من باب الشهادة على الوكالة
والفرق في شرحه للصدر الشهيد. السابع عشر
الصحيح أن حكمه بالوقف لا يرفع الخلاف كما في
البزازية وفائدته أنه لو رفع إلى موافق فإنه
يحكم ابتداء بلزومه لا أنه يمضيه.
"قوله وبطل حكمه لأبويه وولده وزوجته كحكم
القاضي بخلاف حكمه عليهم" كالشهادة
ج / 7 ص -43-
مسائل شتى
___________
قيد بالأصول والفروع؛ لأن الحكم للإخوة
وأولادهم والأعمام جائز؛ لأن شهادته لهم جائزة
وكذا لأبي امرأة وزوج ابنته إذا كان حيا لا إن
كان ميتا وأفاد بجواز حكمه بالحجج الشرعية كما
سبق أنه يملك الإخبار فلو أخبر بإقرار أحد
الخصمين أو بعدالة الشهود وهما على حالهما
يقبل قوله وإن أخبر بالحكم لم يقبل كذا في
الهداية وفي المحيط حكما رجلا ما دام في مجلسه
وقالا لم يحكم بيننا وقال المحكم حكمت فالمحكم
مصدق ما دام في مجلسه ولا يصدق بعده اعتبارا
بالإنشاء وقال إنه يخرج عن الحكومة بأحد أسباب
ثلاثة بالعزل أو بانتهاء الحكومة نهايتها بأن
كان موقتا فمضى الوقت أو بخروجه من أن يكون
أهلا للشهادة بأن عمي أو ارتد وإن لم يلحق
بدار الحرب ولو غاب أو أغمي عليه وبرئ منه أو
قدم من سفره أو حبس كان على حكمه وكذا لو ولي
القضاء ثم عزل عنه فهو على حكومته؛ لأن العزل
لم يوجد منهما وإنما وجد من السلطان وكذا لو
حكم بينهما في بلد آخر لإطلاق التحكيم وفي
الولوالجية حكما رجلين فشهد عندهما رجلان
فحكما أو لم يحكما ثم مات الشاهدان أو غابا
ليس للمحكمين أن يشهدا على شهادتهما وإن شهدا
وفسرا للقاضي لم يقبلهما لعدم إشهاد الأصول
على شهادتهم وهو شرط ا هـ.
وفي البناية لو حكما رجلا فأخرجه القاضي من
الحكومة فحكم بعده جاز وليس للمحكم أن يفوض
التحكيم إلى غيره ولو فوض وحكم الثاني بغير
رضاهما فأجاز الأول لم يجز إلا أن يجيزا بعد
الحكم وقيل ينبغي أن يجوز كالوكيل الأول إذا
أجاز بيع الوكيل الثاني ولو حكما واحدا فحكم
لأحدهما ثم حكما آخر ينفذ حكم الأول إن كان
جائزا عنده وإلا أبطله واعلم أن قولهم هنا إن
حكم الحكم لا يتعدى إلى العاقلة بخلاف حكم
القاضي يفيد أن دعوى القتل خطأ على العاقلة
وإثباته بغيبة العاقلة صحيح وهو مصرح به في
الخزانة والله سبحانه وتعالى أعلم.
"مسائل شتى" أي متفرقات من كتاب القضاء جريا
على عادة المؤلفين جمع شتيت كمرضى جمع مريض من
أمر شت أي متفرق وشت الأمر شتا وشتاتا تفرق
واشتت مثله والشتيت المتفرق وقوم شتى وأشياء
شتى وجاءوا أشتاتا أي متفرقين وأنكر الأصمعي
أن تقول شتان ما بينهما وما ورد منه فمولد
وتمامه في الصحاح ومنه قوله تعالى:
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} أي إن عملكم لمختلف أي في الجزاء وفي الرازي الكبير أنها أنزلت في
أبي بكر وأبي سفيان. وفي الدر المنثور في صاحب
نخلة كان غصن منها متدليا في بيت فقير فكان
إذا جاء لينثر ثمرة وسقط شيء منها في بيت جاره
يأخذه الصبيان فكان ينزل إليهم ويأخذ منهم حتى
كان يأخذ التمرة من فم الصبي فشكي إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فدعا صاحب النخلة وقال له
اعطني نخلتك المائلة ولك نخلة في الجنة فقال
يا رسول الله ليس لي ثمرة أطيب منها فذهب وكان
عندهما رجل
ج / 7 ص -44-
لا يتد ذو سفل، ولا يثقب فيه كوة بلا رضا ذي العلو
__________
يسمع كلامهما فذهب إليه واشترى منه النخلة
بأربعين نخلة على ساق واحد وأشهد له ثم جاء
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه
النخلة "فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خلف الفقير وأعطاه النخلة"1.
"قوله لا يتد ذو سفل ولا يثقب فيه كوة بلا رضا
ذي العلو" أي عند أبي حنيفة وقالا يفعل ما لا
يضر بالعلو وقيل ما حكى عنهما تفسير لقوله فلا
خلاف وقيل بل فيه خلاف فعندهما الأصل الإباحة؛
لأنه تصرف في ملكه وهو يقتضي الإطلاق والأصل
عنده الحظر؛ لأنه تعلق به حق محترم للغير فصار
كحق المرتهن والمستأجر في منع المالك عن
التصرف فيه والإطلاق يعارضه الرضا فإذا أشكل
لا يزول المنع على أنه لا يعرى عن نوع ضرر
بالعلو من توهين البناء أو نقصه فيمنع عنه
ولهذا لا يملك صاحب السفل أن يهدم كل الجدار
أو السقف وكذا بعضه وقول أبي حنيفة قياس كما
ذكره فخر الإسلام.
وفي المغرب وتد الوتد ضربه بالميتدة وأثبته
وفي البناية أنه كالخازوق وهو القطعة من الخشب
أو الحديد يدق في الحائط ليعلق عليه شيء أو
يربط به شيء. ا هـ. والكوة بفتح الكاف ثقب
البيت والجمع كوى وقد تضم الكاف في المفرد
والجمع ويستعار لمفاتيح الماء إلى المزارع
والجداول كذا في المغرب وفي الصحاح أن الجمع
يمد ويقصر.
وأشار المصنف إلى منعه من فتح الباب ووضع
الجذوع وهدم سفله وفي فتح القدير إن فتح الباب
ينبغي أن يمنع اتفاقا وإن وضع مسمارا صغيرا أو
وسطا يجوز اتفاقا ولم يذكر المصنف منع صاحب
العلو من التصرف في العلو لاختلاف المشايخ قال
الولوالجي في كتاب القسمة علو لرجل وسفل لآخر
اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة قال بعضهم
لصاحب العلو أن يبني ما بدا له ما لم يضر
بالسفل وذكر في بعض المواضع ليس له ذلك أضر
بالسفل أو لم يضر هكذا ذكر في الجامع الصغير
والمختار للفتوى أنه إذا أشكل أنه يضر أم لا
لا يملك وإذا علم أنه لا يضر يملك ا هـ. وجعله
في الهداية على الخلاف السابق. وقيد المصنف
بالتصرف في الجدار بضرب الوتد وفتح الطاق
احترازا عن تصرفه في ساحة السفل فذكر قاضي خان
لو حفر صاحب السفل في ساحته بئرا وما أشبه ذلك
له ذلك عند أبي حنيفة وإن تضرر به صاحب العلو
وعندهما الحكم معلول بعلة الضرر. ا هـ.
واتفقوا على منع هدم صاحب السفل الجدار الحامل
للعلو كما قدمناه فإن هدمه أجبر على بنائه؛
لأنه تعدى على صاحب العلو بهدم ما هو قرار
العلو كالراهن إذا قتل المرهون والمولى إذا
قتل عبده المديون فرق بين حق التعلي وبين حق
التسييل حيث لو هدم في الأول يجبر على البناء
ولو هدم في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في المسند3/146.
ج / 7 ص -45-
...................................
____________
الثاني لا يجبر وفي الذخيرة السفل إذا كان
لرجل وعلو لآخر فسقف السفل وجذوعه وهراديه
وبواريه وطينه لصاحب السفل غير أن صاحب العلو
مسكنه في ذلك ا هـ.
وذكر الطرسوسي أن الهرادي ما يوضع فوق السقف
إما من قصب أو من عريش وذكر ابن وهبان أنه
المكعب وفي جامع الفصولين لكل من صاحب السفل
والعلو حق في ملك الآخر لذي العلو حق قراره
ولذي السفل حق دفع المطر والشمس عن السفل
فالملك مطلق والحق مانع وقد اجتمعا فجمعنا
بينهما وتمامه فيه وفي الحائط بين اثنين لو
كان لهما عليه خشب فبنى أحدهما للباني أن يمنع
الآخر من وضع الخشب حتى يعطيه نصف قيمة البناء
مبنيا وفي الأقضية حائط مشترك أراد أحدهما
نقضه وأبى الشريك إن كان بحال لا يخاف سقوطه
لا يجبر وإن كان بحيث يخاف عن الإمام أبي بكر
محمد بن الفضل يجبر وإن هدماه وأراد أحدهما
البناء وأبي الآخران كان أساس الحائط عريضا
يمكنه أن يبني حائطا في نصيبه بعد القسمة لا
يجبر الشريك وإن كان لا يمكن يجبر كذا عن
الإمام أبي بكر محمد بن الفضل وعليه الفتوى
وتفسير الجبر أنه إن لم يوافقه الشريك أنفق
على العمارة ورجع على الشريك بنصف ما أنفق وفي
شهادات الفضلي لو هدماه وامتنع أحدهما يجبر
ولو انهدم لا يجبر ولكن يمنع من الانتفاع به
ما لم يستوف نصف ما أنفق فيه إن فعل ذلك بقضاء
القاضي وإن كان بلا قضاء فبنصف قيمة البناء
كذا في فتح القدير.
وفي جامع الفصولين لو هدم ذو السفل سفله وذو
العلو علوه أخذ ذو السفل ببناء سفله إذ فوت
عليه حقا ألحق بالملك فيضمن كما لو فوت عليه
ملكا. ا هـ. وظاهره أنه لا جبر على ذي العلو
وظاهر ما في فتح القدير خلافه والظاهر الثاني
ويحمل الأول على ما إذا بنى صاحب السفل سفله
وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنه يجبر ولو
انهدم السفل بغير صنع صاحبه لا يجبر على
البناء لعدم التعدي ولصاحب العلو أن يبني إن
شاء ويبني عليه علوه ثم يرجع ويمنعه من السكنى
حتى يدفع إليه لكونه مضطرا كمستعير الرهن إذا
قضى الدين بغير إذن الراهن لا يكون متبرعا ولو
انهدم العلو والسفل فكذلك ثم الرجوع بقيمة
البناء أو بما أنفق قيل إن كان صاحب العلو
مضطرا يرجع على صاحب السفل بقيمة السفل مبنيا
لا بما أنفق وقيل إن بنى بأمر القاضي رجع بما
أنفق وإلا رجع بقيمة البناء وبه يفتى كذا في
قسمة الولوالجية وإذن الشريك كإذن القاضي
فيرجع بما أنفق كما حرره العلامة ابن الشحنة
في شرح المنظومة. وإذا قلنا يرجع بقيمة البناء
عند عدم الإذن فهل المعتبر قيمته يوم البناء
أو وقت الرجوع قولان والصحيح وقت البناء وهو
مبني على أن المبنى يبنى على ملك الشريك أو
على ملك الباني ثم ينتقل منه أيضا.
وفي جامع الفصولين جدار بينهما ولكل - منهما
حمولة فوهي الحائط فأراد أحدهما رفعه ليصلحه
وأبى الآخر ينبغي أن يقول مريد الإصلاح للآخر
ارفع حمولتك بأسطوانات وعمد،
ج / 7 ص -46-
زائغة مستطيلة يتشعب عنها مثلها غير نافذة لا يفتح أهل الأولى فيها
بابا بخلاف المستديرة.
______________
ويعلمه أنه يريد رفعه في وقت كذا وأشهد على
ذلك فلو فعله وإلا فله رفع الجدار فلو سقط
حمولته لم يضمن
ا هـ.
"قوله زائغة مستطيلة يتشعب عنها مثلها غير
نافذة لا يفتح أهل الأولى فيها بابا بخلاف
المستديرة" أي سكة كما في المعراج وفسرها تاج
الشريعة بالسكة غير النافذة سميت بذلك لزيغها
عن الطريق الأعظم وفسرها في غاية البيان
بالمحلة سميت بها لميلها من طرف إلى طرف من
زاغت الشمس إذا مالت وفي التهذيب الزائغة
الطريق الذي حاد عن الطريق الأعظم والمستطيلة
الطويلة من استطال بمعنى طال ولم يقيد المؤلف
الأولى صريحا بكونها غير نافذة تبعا لما في
أكثر الكتب وقيدها في الهداية تبعا للفقيه أبي
الليث والتمرتاشي ويمكن أن يفهم كلام المؤلف
عليه لقوله مثلها غير نافذة فجعل الثانية
كالأولى بقيد عدم النفاذ وصورة الطويلة هكذا.
فالذي يمكنه بأن يفتح بابا في الزائغة لقصوى
هو صاحب الدار التي في ركن الزائغة الثانية
وإنما قلنا ليس له ذلك؛ لأن فتحه للمرور ولا
حق لأهل الزائغة الأولى في المرور في الزائغة
القصوى بل هو لأهلها على الخصوص ولذا لو بيعت
دار في القصوى لم يكن لأهل الأولى شفعة بخلاف
أهل القصوى فإن لأحدهم أن يفتح بابا في
الأولى؛ لأن له حق المرور فيها وبخلاف النافذة
فإن المرور فيها حق العامة ولا خلاف أن له أن
يفتح وقال البعض أنه لا يمنع من الفتح بل من
المرور؛ لأن فتح الباب رفع جداره وله رفعه كله
فله رفع بعضه. والأصح المنع من الفتح نص عليه
محمد في الجامع ولأن المنع بعد الفتح لا يمكن
لعسر المراقبة وربما على طول الزمان يدعي حق
المرور مستدلا بفتح الباب ويكون القول له
للظاهر الذي معه وهو فتح الباب وقوله بخلاف
المستديرة معناه لو كانت المتشعبة مستديرة
فلهم أن يفتحوا؛ لأن لكل منهم حق المرور في
كلها إذ هي ساحة مشتركة غاية الأمر أن فيها
اعوجاجا ولذا الكل يشتركون في الشفعة إذا بيعت
دار فيها وهذه صورتها.
ج / 7 ص -47-
.......................................
___________
وهنا فصول الأول في تصرف أهل المحلة فيها
الثاني في تصرف الجيران فيما بينهم الثالث في
تعمير المشترك إذا خرب وما يتعلق بالمشترك أما
الأول ففي فتح القدير زقاق غير نافذ أراد
إنسان من أهله أن يتخذ طينا إن ترك من الطريق
قدر الممر للناس ويرفعه سريعا ويفعل في
الأحايين مرة لا يمنع وكذا لو أراد أن يبني
آريا أو دكانا وهو المصطبة ا هـ. وفي الخلاصة
لرجل دار ظهرها إلى سكة غير نافذة مشتركة بينه
وبين غيره أراد أن يفتح بابا المختار أنه ليس
له ذلك ا هـ. وزاد في البزازية وإن جعلها
مسجدا إن كان الجدار إلى الطريق الأعظم جاز
وإلا فهو مسجد ضرار ثم قال وفي الفتاوى سكة
غير نافذة مشتركة بين عشرة لكل منهم دار غير
أن لأحدهم دارا في سكة أخرى لا طريق لها في
هذه السكة وليست بحيال داره التي في هذه غير
أن حائطها في هذه السكة قال أبو نصر له فتح
باب في هذه السكة؛ لأن أهل السكة شركاء فيها
من أعلاها إلى أسفلها ا هـ.
وفي التتمة زقاق غير نافذ قد اشترى رجل في
القصوى دارا فأراد أن يهدمها ويجعلها طريقا
نافذا ليس له ذلك ا هـ. زاد في البزازية وإن
أراد أن يجعلها مسجدا له ذلك ولمن شاء أن
يدخله ويصلي فيه وليس لهم أن يتخذوه طريقا
يمرون فيه.
وفي العمادية جعل الخان لنزول الناس فيه
كالمسجد ولو أراد أن يجعلها طريقا خاصا له قال
الفقيه أبو القاسم يرفع أهل السكة الأمر إلى
القاضي فيوجه عدلين يصوران له الأمر على كاغدة
فإن كان ضررا فاحشا منعه وإلا لا كذا في
الذخيرة ولو كانت له دار في محلة عامرة فأراد
أن يخربها فالقياس أن له ذلك وأفتى الكرخي
بالمنع استحسانا وقال الصدر الشهيد الفتوى
اليوم على القياس وإذا تضرر الجيران من ذلك هل
لهم جبره على البناء في غصب فتاوى سمرقند لهم
ذلك وقال الصدر الشهيد المختار أنهم ليس لهم
ذلك ا هـ.
وفي التتمة قال أبو حنيفة في سكة غير نافذة
ليس لأصحابها بيعها ولا قسمتها بينهم؛ لأن
الطريق الأعظم إذا كثر فيه الناس كان لهم
الدخول للزحام الثاني في تصرف الجيران أراد
الجار أن يعلي حيطانه في هواء مشترك لم يكن
للجار منعه وقال السعدي بالمنع وهو مروي عن
محمد ولذا كان الراجح وله صورتان أيضا منها
حائط بين رجلين قدر قامة فأراد أحدهما أن يزيد
في طوله وأبى الآخر فله منعه ومنها نقض
الشريكان الجدار الذي بينهما فأراد أحدهما أن
يرفعه أطول مما كان ففي التتمة ليس له منعه
إلا أن يكون شيئا خارجا عن الرسم بما كان أكثر
من ذراعين كما في البزازية وفي شرح المنظومة.
وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد وفي الخلاصة
وغيرها أراد أن يتخذ داره بستانا ليس لجاره
منعه إذا كانت الأرض صلبة ولا يتعدى
ج / 7 ص -48-
.................................
_____________
ضرر الماء إلى جاره وإن كانت رخوة فله منعه
وعلى هذا إذا جعلها طاحونة أو للقصارة أو أراد
أن يبنيها حماما أو إصطبلا ا هـ. وذكر الرازي
في كتاب الاستحسان أن الدار إذا كانت مجاورة
للدور فأراد صاحبها أن يبني فيها تنورا للخبز
الدائم كما يكون في الدكاكين أو رحى للطحين أو
مدقات للقصارين لم يجز؛ لأن ذلك يضر بجيرانه
ضررا فاحشا لا يمكن التحرز عنه فإنه يأتي منه
الدخان الكثير الشديد ورحى الطحن ودق القصارين
يوهن البناء بخلاف الحمام فإنه لا يضر إلا
بالنداوة ويمكن التحرز عنه بأن يبني حائطا
بينه وبين جاره وبخلاف التنور الصغير المعتاد
في البيوت قال الحسام الشهيد وكان أبو عبد
الله الصيمري1 تارة يفتي بمنع بناء التنور في
ملكه للخبز الدائم في وسط البزازين وتارة يفتي
بأن له ذلك والقياس أن له ذلك في الكل لكن ترك
القياس وأخذ بالاستحسان لأجل المصلحة واختلف
أصحابنا فمنهم من فصل ومنهم من لم يفصل على
حسب الحال. قال وكان الشيخ الإمام الأجل برهان
الأئمة يفتي بأنه إن كان الضرر بينا يمنع وبه
يفتى هكذا ذكر في كتاب الحيطان للحسام والظاهر
أن برهان الأئمة هو والده فقد نقل عنه ذلك
البزازي وأن والده كان يفتي به وعليه الفتوى
قال وهذا جواب المشايخ وجواب الرواية عدم
المنع ثم قال أصابه ساحة في القسمة فأراد أن
يبني عليها ويرفع له البناء ومنعه الآخر فقال
يسد علي الريح والشمس له الرفع وله أن يتخذه
حماما أو تنورا فإن كف عما يؤذي جاره فهو أحسن
فقد جاء في الحديث أن
"من أذى جاره ورثه الله تعالى داره"2 وقد جرب فوجد كذلك وقال نصير والصفار له المنع ولو فتح صاحب
البناء في علو بنائه بابا أو كوة لا يلي صاحب
الساحة منعه بل له أن يبني ما يستر جهته ولو
اتخذ في ملكه بئرا أو بالوعة تنز إلى حائط
جاره وطلب منه تحويله لم يجبر عليه ولا يضمن
عليه إلا إذا انهدم من النز والإمام ظهير
الدين كان يفتي بجواب الرواية وفيها وعن
أستاذنا أنه يفتى بقبول الإمام وصحح النسفي في
الحمام أن الضرر إن كان فاحشا يمنع وإلا فلا.
والحاصل أن الذي عليه غالب المشايخ من
المتأخرين الاستحسان في أجناس هذه المسائل
وأفتى طائفة بجواب القياس المروي واختار في
العمادية المنع إذا كان الضرر بينا وظاهر
الرواية خلافه وذكر العلامة ابن الشحنة أن في
حفظه أن المنقول عن أئمتنا الخمسة أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد أنه لا
يمنع عن التصرف في ملكه وإن أضر بجاره قال وهو
الذي أميل إليه وأعتمده وأفتي به تبعا لوالدي
شيخ الإسلام رحمه الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعله مفلح بن الحسن الأعلام 7/281.
2 ذكره الإمام العجلوني في كشف الخفاء 2342،
2/219.
ج / 7 ص -49-
......................................
____________
تعالى. ا هـ. ورجح في فتح القدير أيضا جواب
الرواية وقال إنه ظاهر المذهب قال وحكي عن أبي
حنيفة أن رجلا شكا إليه من بئر حفرها جاره في
داره فقال احفر في دارك بقرب تلك البئر بالوعة
ففعل فتنجست البئر فكبسها صاحبها ولم يفته
بمنع الحافر بل هداه إلى هذه الحيلة ثم قال:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"1 فلا شك أنه عام مخصوص للقطع بعدم امتناع كثير من الضرر كالتعازير
والحدود إلى آخر ما ذكره وفي غصب البزازية هدم
بيته وألقى ترابا كثيرا لزيق جدار جاره ووضع
فوقه لبنا كثيرا حتى انهدم جدار جاره إن دخل
الوهن بسبب ما ألقى وحمل ضمن هدم داره فانهدم
من ذلك بناء جاره لا يضمن، وأما الثالث وهو ما
يتعلق بالمشترك وفيه نوعان الأول فيما لأحدهما
فعله والثاني في تعميره إذا خرب أما الأول ففي
وقف النوازل دار مشتركة بين قوم لبعضهم أن
يربطوا الدابة فيها وأن يضعوا الخشبة على وجه
لا يضر بصاحبه وأن يتوضئوا بحيث لا تضيق عليهم
الطريق لمرورهم ولو عطب بها أحد لا يضمن ولو
حفر الأرض يؤمر أن يسويها فإن نقص الحفر يضمن
النقصان وكذا لو كان الطريق بين قوم وهو غير
نافذ غير أن في الطريق لا يضمن نقصان الحفر. ا
هـ. ولو أن لرجل حائطا ووجهه في دار رجل فأراد
أن يطين حائطه ولا سبيل إليه إلا بدخوله دار
الرجل أو انهدم الحائط فوقع نقضه في داره
فأراد أن يدخل ليشيل الطين وغيره فمنعه صاحب
الدار أو له مجرى ماء في داره فأراد حفره
وإصلاحه ولا يمكن إلا بدخول دار الرجل وهو
يمنعه يقال له إما أن تتركه يدخل ويصلح ويفعل
أو تفعل بمالك كذا روي عن محمد وبه أخذ الفقيه
أبو الليث كذا في فتح القدير وفي جامع
الفصولين من فصل الحيطان لو لأحدهما عليه خشبة
فللآخر وضع مثله إن كان الحائط يحتمل وإلا
يؤمر شريكه برفع بعض الخشبة إلى آخره.
وأما الثاني فلا جبر على الآبي؛ لأن الإنسان
لا يجبر على إصلاح ملكه سواء كانت دارا أو
حماما أو حائطا هكذا في أكثر الكتب وفي خزانة
الأكمل من كتاب الشركة حمام بينهما انهدم
فامتنع أحدهما من المرمة لا يجبر أحدهما على
البناء مع شريكه ولكن لشريكه أن يبني ثم يؤجره
ويأخذ من غلته نفقته فكذا في تحويل آبار
القناة أو أنهار آبارها أما لو احتاجت القناة
إلى مرمة من رفع طين وفتح سدد وعيون فإنه يجبر
على مساعدة شريكه ا هـ. فلا جبر إلا في هذه
المسألة ونحوها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجه، في الأحكام، باب من بنى في
حقه ما يضر جاره 2340، من حديث سيدنا عبد الله
بن عباس.
ومالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في
المرافق 31، 2/745، والشافعي في الأم 7/230.
ج / 7 ص -50-
ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت، فسئل البينة، فقال
جحدنيها،فاشتريتها وبرهن على الشراء قبل الوقت
الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل، وبعده تقبل.
_______________
وفي تهذيب القلانسي من كتاب الدعوى وفي البئر
المشترك والدولاب ونحوه يجبر الشريك على
العمارة وفي حائط ساتر لا بناء عليه إن ظهر
تفتته يفتى بالجبر؛ لأنه ليس له منفعة تمنعه
عنها دون الستر وهو يحصل بالبناء. ا هـ.
هذا إذا لم يكن مال يتيم أو وقف فإن كان مال
اليتيم فقال في وصايا الخانية جدار بين داري
صغيرين عليه حمولة يخاف عليه السقوط ولكل صغير
وصي فطلب أحد الوصيين مرمة الجدار فأبى الآخر
قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يبعث
القاضي أمينا ينظر فيه إن علم أن في تركه ضررا
عليهما يجبر الآبي أن يبني مع صاحبه وليس هذا
كإباء أحد المالكين؛ لأن ثم الآبي رضي بدخول
الضرر عليه فلا يجبر أما هاهنا فأراد الوصي
إدخال الضرر على الصغير فيجبر على أن يرم مع
صاحبه ا هـ. قلت: ويجب أن يكون الوقف كمال
اليتيم فإذا كانت الدار مشتركة بين وقفين
احتاجت إلى المرمة فأراد أحد الناظرين وأبى
الآخر يجبر على التعمير من مال الوقف وقد صار
حادثة الفتوى وإذا علم أنه لا جبر على الشريك
فلطالب المرمة الإنفاق والتعمير ويرجع إن كان
مضطرا بأن كان المشترك لا يمكن قسمته بأن كانت
دارا صغيرة لا يمكن قسمتها أو حماما أو حائطا
غير عريض فإن لم يكن مضطرا كالدار الكبيرة
التي يمكن قسمة عرصتها والبناء في نصيبه فلا
رجوع وذكر الحلواني ضابطا فقال كل من أجبر أن
يفعل مع شريكه فإذا فعل أحدهما بغير أمر الآخر
لم يرجع؛ لأنه متطوع إن كان يمكنه أن يجبره
مثل كري الأنهار وإصلاح السفينة المعيبة وفداء
العبد الجاني وإن لم يجبر لا يكون متطوعا
كمسألة انهدام العلو والسفل. ا هـ.
ومن ذلك لو أنفق الشريك على الدابة بغير إذن
شريكه لم يرجع لتمكنه من رفعه إلى القاضي
ليجبره بخلاف الزرع المشترك إذا أنفق عليه بلا
إذن فإنه يرجع؛ لأنه لا يجبر شريكه كما في
المحيط فكان مضطرا وقدمنا كيفية الرجوع وسيأتي
إن شاء الله تعالى تمام مسائل الحيطان في
الدعوى والقسمة ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم وفي دعوى الملتقط حائط بين اثنين
انهدم فبنى أحدهما بغير إذن صاحبه كان متطوعا
إذا لم يكن لصاحبه عليها جذوع ولا له وإن كان
له عليها جذوع يمنع صاحبه عن وضع الجذوع حتى
يأخذ نصف ما أنفق في الجدار. ا هـ.
"قوله ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في
وقت فسئل البينة فقال جحدنيها فاشتريتها وبرهن
على الشراء قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة لا
تقبل وبعده تقبل" لوجود
ج / 7 ص -51-
....................................
______________
التناقض في الوجه الأول؛ لأنه يدعي الشراء بعد
الهبة وشهوده يشهدون له به قبلها وهو تناقض
ظاهر لا يمكن التوفيق ومرادهم التناقض بين
الدعوى والبينة وإلا فالمدعي لا تناقض منه؛
لأنه ما ادعى الشراء سابقا على الهبة وفي
الوجه الثاني أمكن التوفيق بينهما إذ الشراء
وجد بعد وقت الهبة وفي قوله جحدني الهبة إشارة
إلى أنه لا بد من توفيقه وجزم الشارح بعدم
اشتراطه للإمكان وعدمه ولا خصوصية لهذه
المسألة بل في كل موضع حصل التناقض من المدعي
أو منه ومن شهوده أو من المدعى عليه فهل يكفي
إمكان التوفيق لدفعه أو لا بد منه أو فيه
تفصيل أقوال أربعة قال في البزازية اختار شيخ
الإسلام أن إمكان التوفيق يكفي وذكر بكر وفي
شرح الجامع الكبير أيضا أن التوفيق بالفعل شرط
في الاستحسان والقياس الاكتفاء بإمكانه قال
بكر ومحمد ذكر التوفيق في البعض ولم يذكر في
البعض فيحمل السكوت على المذكور. وذكر الخجندي
واختار أن التناقض إن من المدعي فلا بد من
التوفيق بالفعل ولا يكفي الإمكان وإن من
المدعى عليه يكفي الإمكان؛ لأن الظاهر عند
الإمكان وجوده والظاهر حجة في الدفع لا في
الاستحقاق والمدعي مستحق والمدعى عليه دافع
والظاهر يكفي في الدفع لا في الاستحقاق ويقال
أيضا إن تعدد الوجوه لا يكفي الإمكان وإن اتحد
يكفي الإمكان والتناقض كما يمنع الدعوى لنفسه
يمنع الدعوى لغيره والتناقض يرتفع بتصديق
الخصم وبرجوع المتناقض عن الأول بأن يقول
تركته وادعى بكذا وبتكذيب الحاكم أيضا كمن
ادعى أنه كفل عن مديونه بألف فأنكر الكفالة
وبرهن الدائن أنه كفل عن مديونه وحكم به
الحاكم وأخذ المكفول له منه المال ثم إن
الكفيل ادعى على المديون أنه كفل عنه بأمره
وبرهن على ذلك تقبل عندنا ويرجع على المديون
بما كفل؛ لأنه صار مكذبا شرعا بالقضاء وكذا
إذا استحق المشتري من المشترى بالحكم يرجع على
البائع بالثمن وإن كان كل مشتر مقرا بالملك
لبائعه لكنه لما حكم ببرهان المستحق صار مكذبا
شرعا باتصال القضاء به. ا هـ.
ثم اعلم أنهم اختلفوا في اشتراط كون الكلامين
عند القاضي فمنهم من شرطه ومنهم من شرط كون
الثاني عند القاضي فقط ذكر القولين عند
البزازية ولم يرجح وينبغي ترجيح الثاني ومن
التناقض ما إذا ادعاه مطلقا ثم بسبب فإذا برهن
على السبب لم تقبل ولو ادعاه بالشراء ثم مطلقا
ثم ادعى الشراء ثالثا تسمع كذا في البزازية
وهذا يدل على أن المتناقض إذا ترك الكلام
الأول وأعاد دعوى الثاني تقبل.
ثم اعلم أن التناقض كما يكون من متكلم واحد
يكون من متكلمين كمتكلم واحد حكما كوارث ومورث
ووكيل وموكل والأولى في البزازية ولم أر الآن
الثانية صريحا وهي ظاهرة من الأولى ثم اعلم أن
دعوى الهبة من غير قبض غير صحيحة فلا بد في
دعواها من ذكر
ج / 7 ص -52-
ومن قال لآخر اشتريت مني هذه الأمة، فأنكر للبائع أن يطأها إن ترك
الخصومة
____________
القبض ولهذا صور المسألة شراح الهداية بأنه
ادعى أنه وهبها له وسلمها ثم غصبها منه وذكر
العمادي اختلافا في الإقرار بالهبة أيكون
إقرار بالقبض قيل نعم؛ لأنه كقبول فيها والأصح
لا وأشار المؤلف إلى أنه لو ادعى الشراء أولا
ثم برهن على الهبة أو الصدقة فإن وفق فقال
جحدني الشراء ثم وهبها مني أو تصدق قبل وإلا
فلا كما في خزانة الأكمل وفي منية المفتي
ادعاها إرثا ثم قال جحدني فاشتريها وبرهن تقبل
ا هـ.
وقيد بذكر التاريخ لهما؛ لأنه لو لم يذكر لهما
تاريخا أو ذكر لأحدهما فقط يقبل لإمكان
التوفيق بأن يجعل الشراء متأخرا وأشار المؤلف
إلى مسائل من التناقض إحداها لو ادعى الشراء
من أبيه في حياته وصحته فأنكر ولا بينة فحلف
ذو اليد فبرهن المدعي أنه ورثها من أبيه تقبل
لإمكان التوفيق. ولو ادعى الإرث أولا ثم
الشراء لا تقبل لعدمه ومنه برهن على أنه له
بالإرث ثم قال لم يكن لي قط أو لم يزد قط لم
يقبل برهانه وبطل القضاء ومنها ادعى أولا أنها
وقف عليه ثم ادعاها لنفسه لا تقبل كما لو
ادعاها لغيره ثم لنفسه ولو ادعى الملك أولا ثم
الوقف تقبل كما لو ادعاها لنفسه ثم لغيره كذا
في البزازية وسيأتي إن شاء الله تعالى بقيتها
في هذا الباب وفي كتاب الدعوى وقدمنا شيئا
منها في باب الاستحقاق من البيوع وقد أسقط
المؤلف من مسائل الهداية هنا مسألة قبل هذه
للاكتفاء بذكرها في باب الاستحقاق وكررها في
الهداية لاختلاف المقصود في كل موضع يعرف ذلك
من نظر في الموضوعين.
"قوله ومن قال لآخر اشتريت مني هذه الأمة
فأنكر للبائع أن يطأها إن ترك الخصومة"؛ لأن
المشتري لما جحد كان فسخا من جهته إذ الفسخ
يثبت به كما إذا تجاحد فإذا عزم البائع على
ترك الخصومة تم الفسخ بمجرد العزم وإن كان لا
يثبت الفسخ فقد اقترن بالفعل وهو إمساك
الجارية ونقلها وما يضاهيه ولأنه لما تعذر
استيفاء الثمن من المشتري فات رضا البائع
فيستقل بفسخه وفي إقرار منية المفتي رجل أقر
أن هذه الدار لذي اليد أنا بعتها بألف درهم
ووصل الكلام وأنكر ذو اليد الشراء فأقام المقر
البينة أن الدار له تقبل بينته ولو سكت بعد
الإقرار أن الدار لذي اليد ثم أقام البينة أن
الدار له لم تقبل ولو أقام البينة على البيع
منه في المسألتين تقبل بينته لأنه كذلك ادعاه
ا هـ.
وبه علم أن الإقرار إذا ذكر له سبب ولم يثبت
ذلك السبب فإنه يبطل الإقرار إن كان موصولا
وإلا لا أشار بحل وطء البائع إلى فسخ البيع
فدل على أن للبائع أن يردها على بائعه بعيب
قديم لانفساخ البيع وقيده في النهاية بأن يكون
بعد تحليف المشتري إذ لو كان قبله فليس له
الرد على بائعه لاحتمال نكول المدعى عليه
فاعتبر بيعا جديدا في حق ثالث وقيده
ج / 7 ص -53-
ومن أقر بقبض عشرة، ثم ادعى أنها زيوف صدقة.
_____________
الشارح بأن يكون بعد القبض أما قبله فينبغي أن
له الرد مطلقا لكونه فسخا من كل وجه في غير
العقار إلا بعد حلف فيجب تقييد الكتاب ودل على
أن المشتري لو برهن على الشراء منه لم يقبل.
واختلف في معنى ترك الخصومة أو العزم عليها
فقيل يكتفى بالقلب وقيل يشهد بلسانه على ما في
قلبه ولا يكتفى بالقلب ذكرهما في المحيط وفي
الهداية لا بد من الاقتران بالفعل بإمساكها
ونقلها واستخدامها فإن من له خيار الشرط إذا
فسخ بقلبه لا ينفسخ وفي الاختيار أنكر البيع
ثم ادعاه لا يقبل وفي النكاح يقبل؛ لأن البيع
ينفسخ بالإنكار والنكاح لا، ألا ترى أنه لو
ادعى تزويجا على ألف فأنكرت ثم أقامت البينة
على ألفين قبلت ولا يكون إنكارها تكذيبا
للشهود وفي البيع لا تقبل ويكون تكذيبا
للشهود. ا هـ.
ولو ادعت عليه نكاحا وحلف عندهما أو لم يحلف
عنده لا يحل لها التزوج بغيره؛ لأن إنكاره لا
يكون فسخا فيحتاج القاضي بعده أن يقول فرقت
بينكما أو يقول الخصم إن كانت زوجتي فهي طالق
بائن وقيد بالبيع؛ لأنه لو جحد الزوج النكاح
وحلف وعزمت الزوجة على ترك الخصومة لم يكن لها
أن تتزوج والنكاح لا يحتمل الفسخ بسبب من
الأسباب كذا في فتح القدير وقدمنا في النكاح
من خيار البلوغ أنه يحتمله في صور بعد التمام.
وفي الخلاصة امرأة ادعت على رجل أنه تزوجها
فأنكر الزوج ثم ادعى أنه تزوجها بعد ذلك
وأقامت البينة تقبل بخلاف البيع؛ لأن النكاح
لا يبطل بجحودهما ولو ادعى على امرأة أنه
تزوجها فأنكرت المرأة ثم مات الزوج فجاءت
المرأة تدعي ميراثه لها الميراث كعكسه عندهما
وعند أبي حنيفة لا ميراث له؛ لأنه لا عدة عليه
ولذا له أن يتزوج بأختها وأربع سواها. ا هـ.
واعلم أن إنكار النكاح كما لا يكون فسخا لا
يقع به الطلاق وإن نوى بخلاف لست لي بامرأة
فإنه يقع به إن نوى عنده خلافا لهما كما في
طلاق البزازية وفي البزازية ادعت الطلاق فأنكر
ثم مات لا تملك مطالبة الميراث ا هـ. فجحود
الطلاق لا يرفعه وفيها ادعى عليه البيع فأنكر
فبرهن على البيع فادعى المدعى عليه فسخه تسمع
ولا يكون متناقضا؛ لأن جحود ما عدا النكاح
فسخ. ا هـ.
"قوله ومن أقر بقبض عشرة ثم ادعى أنها زيوف
صدق"؛ لأن اسم الدراهم يقع على الزيوف كما يقع
على الجياد والنبهرجة كالزيوف.
أطلقه فشمل ما إذا بين موصولا أو مفصولا ولكن
عبر بثم ليفيد أن البيان مفصول ليعلم حكم
الموصول بالأولى وقيد بالزيوف للاحتراز عما
إذا بين أنها ستوقة فإنه لا يصدق؛ لأن اسم
ج / 7 ص -54-
....................................
________________
الدراهم لا يقع عليها ولذا لو تجوز بالزيوف
والنبهرجة في الصرف والسلم جاز وفي الستوقة لا
إن كان مفصولا وإن كان موصولا صدق كما في
النهاية.
فالحاصل أنه موصولا صحيح في الكل والتفصيل في
المفصول وقيد بإقراره بقبض عشرة؛ لأنه لو أقر
أنه قبض حقه أو الثمن أو استوفى لم يصدق
للتناقض وقيد بالدراهم؛ لأن المشتري لو أقر
أنه قبض المبيع ثم ادعى عيبا به فالقول
لبائعه؛ لأن المبيع متعين فإذا قبضه فقد أقر
بأنه استوفى عين حقه دلالة فبدعواه العيب صار
متناقضا وقيد باقتصاره على قبض الدراهم؛ لأنه
لو قال قبضت دراهم جيادا لم يصدق في دعواه
الزيوف موصولا ومفصولا وفيها إذا أقر أنه قبض
حقه أو الثمن أو استوفى ثم ادعى أنه كان زيوفا
فإن كان مفصولا لم يصدق وإلا صدق وهو المراد
بما قدمناه. والفرق أن في هذه المسائل الثلاث
أقر بقبض القدر والجودة بلفظ واحد فإذا استثنى
الجودة كان استثناء البعض من الكل فصح موصولا
كقوله له علي ألف إلا مائة أما إذا أقر بقبض
عشرة جياد فقد أقر بكل منهما بلفظ على حدة
فإذا قال إلا إنها زيوف فقد استثنى الكل من
الكل في حق الجودة وهو باطل كقوله له علي مائة
درهم ودينار إلا دينارا كان باطلا وإن كان
موصولا كذا في النهاية والإقرار بقبض رأس
المال كالإقرار بقبض حقه كما في البزازية ولم
يذكر المؤلف حكم وزنها عند الإطلاق والدعوى
وفي كافي الحاكم لو أقر بألف درهم عددا ثم قال
هي وزن خمسة أو ستة وكان الإقرار منه بالكوفة
فعليه مائة درهم وزن سبعة فلا يصدق على
النقصان إذا لم يبين موصولا وكذا الدنانير وإن
كانوا في بلاد يتعارفون على دراهم معروفة
الوزن بينهم صدق ا هـ. والزيوف ما زيفه بيت
المال والنبهرجة ما يرده التجار والستوقة بفتح
السين ما غلب غشها فليست دراهم إلا مجازا؛ لأن
العبرة للغالب وأطلق في الدراهم المقر بها
فشمل ما إذا كانت دينا من قرض أو ثمن مبيع أو
غصبا أو وديعة كما في فتح القدير ورأس المال
كذلك كما في البزازية وقيد بدعوى المقر؛ لأنه
لو أقر بقبض دراهم معينة ثم مات فادعى وارثه
أنها زيوف لم تقبل وكذا إذا أقر الوديعة
والمضاربة أو الغصب ثم زعم الوارث أنها زيوف
لم يصدق الوارث؛ لأنه صار دينا في مال الميت
كذا في البزازية وفيها من الرهن قضى دينه
وبعضه زيوف وستوقة فرهن شيئا بالستوقة والزيوف
وقال خذه رهنا بما فيه من زيوف وستوق صح في حق
الستوق؛ لأنها ليست من الجنس ولا يصح في
الزيوف؛ لأنها من الجنس فلا دين ا هـ.
وقيد بالإقرار بالقبض؛ لأنه لو أقر بألف ولم
يبين الجهة ثم ادعى موصولا أنها زيف لم يقض
عليه واختلف المشايخ قيل أيضا على الخلاف وقيل
يصدق بالإجماع؛ لأن الجودة تجب في بعض الوجوه
لا على البعض فلا تجب بالاحتمال ولو قال غصبت
ألفا أو أودعني ألفا إلا
ج / 7 ص -55-
ومن قال لآخر لك عليّ ألف، فرده، ثم صدقه، فلا شيء عليه.
_____________
أنها زيوف صدق وإن فصل وعن الإمام أن القرض
كالغصب ولو قال في الغصب الوديعة إلا أنها
رصاص أو ستوقة صدق إذا وصل ولو قال علي كر
حنطة من ثمن مبيع أو قرض إلا أنه رديء فالقول
له وليس هذا كدعوى الرداءة؛ لأن الرداءة في
الحنطة ليست بعيب؛ لأن العيب ما يخلو عنه أصل
الفطرة والحنطة قد تكون رديئة بأصل الخلقة فلا
يطلق عليه مطلقه على الجيد ولذا لم يجز شراء
البر بدون ذكر الصفة أقر بقرض عشرة أفلس أو
ثمن مبيع ثم ادعى أنها كاسدة لم يصدق وإن وصل
وقالا يصدق في القرض إذا وصل أما في البيع فلا
يصدق عند الثاني في قوله الأول وقال محمد يصدق
في البيع وعليه قيمة المبيع وكذا الخلاف في
قوله علي عشرة ستوقة من قرض أو ثمن المبيع ولو
قال غصبته عشرة أفلس أو أودعني عشرة أفلس ثم
قال هي كاسدة صدق المسلم إليه كذا في البزازية
وذكر في القنية مسألة ما إذا أقر بدين ثم ادعى
أن بعضه قرض وبعضه ربا أنه يقبل فيه إذا برهن
وذكره عبد القادر في الطبقات من الألقاب عن
علاء الدين
"قوله ومن قال لآخر لك علي ألف فرده ثم صدقه
فلا شيء عليه"؛ لأن إقراره هو الأول وقد ارتد
برد المقر له والثاني دعوى فلا بد من الحجة أو
تصديق الخصم بخلاف ما إذا قال اشتريت وأنكر له
أن يصدقه؛ لأن أحد العاقدين لا ينفرد بالفسخ
كما لا ينفرد بالعقد والمعنى أنه حقهما فبقي
العقد فعمل التصديق أما المقر له فينفرد برد
الإقرار فافترقا كذا في الهداية وناقضه في
الكافي بأنه ذكر هنا أن أحد المتعاقدين لا
ينفرد بالفسخ وفيما تقدم يعني في مسألة
التجاحد قال ولأنه لما تعذر استيفاء الثمن من
المشتري فات رضا البائع فيستبد بالفسخ
والتوفيق بين كلامه صعب ا هـ. وأقره عليه في
فتح القدير بقوله بعده وهو صحيح ويقتضي أنه لو
تعذر الاستيفاء مع الإقرار بأن مات ولا بينة
أن له أن يفسخ ويستمتع بالجارية والوجه ما
قدمه أولا ا هـ. وأجاب عنه في العناية بأن لا
مناقضة؛ لأنه إنما حكم أولا بكونه فسخا من
جهته لا مطلقا أو لأن كلامه الأول فيما إذا
ترك البائع الخصومة والثاني فيما إذا لم
يتركها وقوله فلا شيء عليه أي بسبب الإقرار
أما إذا برهن المقر له أو صدقه خصمه فإنه يلزم
المقر كما في الهداية وسيأتي رده في البزازية.
والحاصل أن كل شيء يكون الحق لهما جميعا إذا
رجع المنكر إلى التصديق قبل أن يصدقه الآخر
على إنكاره فهو جائز كالبيع والنكاح وكل شيء
يكون الحق فيه لواحد كالهبة والصدقة والإقرار
لا ينفعه إقراره بعده كذا في القنية وقيد بكون
التصديق بعد الرد؛ لأنه لو قبل الإقرار أولا
ثم رده لم يرتد وكذا الإبراء عن الدين وهبته
لأنه بالقبول قد تم وكذا إذا وقف على رجل
فقبله ثم رده لم يرتد وإن رده قبل القبول ارتد
كما في الإسعاف ثم اعلم أن الإبراء يرتد بالرد
إلا فيما إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فإنه
ج / 7 ص -56-
...................................
__________
لا يرتد كما في البزازية وكذا إبراء الكفيل لا
يرتد بالرد فالمستثنى مسألتان كما أن قولهم إن
الإبراء لا يتوقف على القبول يخرج عنه الإبراء
عن بدل الصرف والسلم فإنه يتوقف على القبول
ليبطلا كما قدمناه في باب السلم ثم اعلم أنه
إذا ادعى أنه أقر بالمال الذي أبرأه منه إن
قال أبرأني وقبلته لم يصح الإقرار لعدم صحة
الرد بعد القبول وإن لم يقل وقبلته صح الإقرار
لجواز رد الإبراء فيبطل فيصح الإقرار وتمامه
في جامع الفصولين وأطلق في الرد فشمل ما إذا
قال ليس لي عليك شيء أو قال هي لك أو قال هي
لفلان كما في فتح القدير والأخير محمول على ما
إذا لم يصدق فلانا وإلا فهو تحويل وأشار
باتحاد الإقرار إلى أنه لو أقر ثانيا بعد الرد
فصدقه الثاني ثبت استحسانا لا قياسا كما في
فتح القدير وفي القنية لو أنكر المقر الإقرار
الثاني وادعاه المقر له وأقام بينة لا تسمع
ولا يحلف للتناقض بين هذه ورد الإقرار وعدم
علم القاضي بما يدفع التناقض وهو رجوع المقر
إلى إقراره قال أستاذنا ينبغي القبول وهو
الأشبه بالصواب إلى آخر ما فيها من الإقرار
وقيد برد المقر له؛ لأن المقر لو رد إقرار
نفسه كأن أقر بقبض المبيع أو الثمن ثم قال لم
أقبض وأراد تحليف الآخر أنه أقبضه أو قال هذا
لفلان ثم قال هو لي وأراد تحليف فلان أو أقر
بدين ثم قال كنت كاذبا لا يحلف المقر له في
المسائل كلها عند أبي حنيفة؛ لأنه متناقض
كقوله ليس لي على فلان شيء ثم ادعى عليه مالا
وأراد تحليفه لم يحلف وعند أبي يوسف يحلفه
للعادة وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب أن
الفتوى على قول أبي يوسف اختاره أئمة خوارزم
لكن اختلفوا فيما إذا ادعاه وارث للمقر على
قولين ولم يرجح في البزازية منهما شيئا وقال
الصدر الشهيد الرأي في التحليف إلى القاضي
وفسره في فتح القدير بأنه يجتهد بخصوص الوقائع
فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف له
الخصم ومن لم يغلب على ظنه فيه ذلك لا يحلفه
وهذا إنما هو في المتفرس في الأخصام ا هـ. ولا
خصوصية للألف فالعين كالدين وقيد بالرد؛ لأنه
لو أقر بمال من جهة وكذبه المقر له فيها وادعى
أخرى إن لم يكن بين الجهتين منافاة وجب المال
كما إذا قال له ألف بدل قرض فقال بدل غصب وإن
كان بينهما منافاة كأن قال ثمن عبد لم أقبضه
وقال قرض أو غصب ولم يكن العبد في يده لزمه
الألف صدقه في الجهة أو كذبه عند الإمام وإن
كان في يد المدعي فالقول للمقر في يده وسيأتي
في الإقرار وتمامها في إقرار منية المفتي وقيد
بالرد من غير تحويل إلى غيره؛ لأنه لو حوله
كما لو أقر ذو اليد بأن الدار لفلان فقال
المقر له ما كانت لي قط لكنها لفلان وصدقه
فلان فهي للثاني بخلاف المقضي له بالدار إذا
قال بعد القضاء ما كان لي فيها حق قط لكنها
لفلان وتمامه في المنية وفي التلخيص قال
أودعتني هذه الألف فقال لا بل لي ألف قرض فقد
رد؛ لأن العين غير الدين إلا أن يتصادقا؛ لأن
المصر
ج / 7 ص -57-
ومن ادعى على آخر مالا، فقال ما كان لك عليّ شيء قط فبرهن المدعي
على ألف وهو برهن على القضاء، أو الإبراء قبل.
_______________
كالمبتدئ ولو قال أقر أقرضتكها أخذ الألف؛ لأن
التكاذب في الزوال ولو قال غصبتها أخذ ألفا؛
لأن موجبه الضمان فاتفقا على الدين واختلفا في
الجهة فلغت وكذا لو أقر بالقرض وهو ادعى الثمن
لا يلزم زوجتك بكذا لا بل بعتني؛ لأن السبب
مقصود لتباين الحلين ولذا لم يصح الإقرار
بمطلقه بخلاف المال ا هـ.
ولم يذكر حكم وزنها عند الإطلاق والدعوى وفي
كافي الحاكم لو أقر بألف درهم عددا ثم قال هي
وزن خمسة أو ستة وكان الإقرار منه بالكوفة
فعليه مائة درهم وزن سبعة فلا يصدق على
النقصان إذا لم يبين موصولا وكذا الدنانير وإن
كانوا في بلاد يتعارفون على دراهم معروفة
الوزن بينهم صدق ا هـ.
وفي البزازية في يده عبد فقال لرجل هو عبدك
فرده المقر له ثم قال بل هو عبدي وقال المقر
هو عبدي فهو لذي اليد المقر ولو قال ذو اليد
للآخر هو عبدك فقال لا بل هو عبدك ثم قال
الآخر بل هو عبدي وبرهن لا يقبل للتناقض ا هـ.
وهذا بخلاف ما في الهداية من أنه لا بد من
الحجة فإنه يقتضي سماع الدعوى وهو مشكل وقيد
بالإقرار بالمال احترازا عن الإقرار بالرق
والطلاق والعتاق والنسب والولاء فإنها لا ترتد
بالرد أما الثلاثة الأول ففي البزازية قال
لآخر أنا عبدك فرد المقر له ثم عاد إلى تصديقه
فهو عبده ولا يبطل الإقرار بالرق بالرد كما لا
يبطل بجحود المولى بخلاف الإقرار بالدين
والعين حيث يبطل بالرد والطلاق والعتاق لا
يبطلان بالرد؛ لأنه إسقاط يتم بالمسقط وحده ا
هـ.
وأما الإقرار بالنسب وولاء العتاقة ففي شرح
المجمع من الولاء، وأما الإقرار بالنكاح فلم
أره الآن.
وحاصل مسائل رد الإقرار بالمال أنه لا يخلو
إما أن يرده مطلقا أو يرد الجهة التي عينها
المقر وحولها إلى أخرى أو يرده لنفسه ويحوله
إلى غيره فإن كان الأول بطل وإن كان الثاني
فإن لم يكن بينهما منافاة وجب وإلا بطل وإن
كان الثالث فإن صدقه فلان تحول إليه وإلا فلا
وإن كان بطلاق أو عتاق أو ولاء أو نكاح أو وقف
أو نسب أو رق لم يرتد بالرد فيقال الإقرار
يرتد برد المقر له إلا في هذه المسائل.
"قوله ومن ادعى على آخر مالا فقال ما كان لك
علي شيء قط فبرهن المدعي على ألف وهو برهن على
القضاء أو الإبراء قبل" لإمكان التوفيق؛ لأن
غير الحق قد يقضى ويبرأ منه ولا
ج / 7 ص -58-
وإن زاد، ولا أعرفك لا.
_______________
فرق بين أن يؤكد النفي بكلمة قط أو لا وأطلقه
فشمل ما إذا قضى بالمال ثم ادعى الإيفاء كما
في الملتقط فالدفع بعد القضاء صحيح إلا في
مسألة المخمسة كما سيأتي وأشار المؤلف إلى أنه
لو ادعى القصاص على آخر فأنكر فبرهن المدعى
عليه وأقام البينة على العفو أو على الصلح عنه
على مال تقبل وكذا في دعوى الرق وقيد بكون
المدعى عليه لم يصالح لسكوته عنه والأصل العدم
أما إذا أنكر فصالحه على شيء ثم برهن على
الإيفاء أو الإبراء لم تسمع دعواه كذا في
الخلاصة بخلاف ما إذا ادعى الإيفاء ثم صالحه
فإنه يقبل منه برهانه على الإيفاء كما في
الخزانة وإلى أنه متى أمكن التوفيق فلا تناقض
فمن ذلك ادعى مالا بالشركة ثم ادعاه دينا عليه
تسمع وعلى القلب لا؛ لأن مال الشركة ينقلب
دينا بالجحود والدين لا ينقلب أمانة ولا شركة
كذا في البزازية. وفي مجموع النوازل ادعى عليه
شيئا فأجاب قائلا إني آتي بالدفع فقيل أعلى
الإيفاء أو الإبراء فقال على كليهما يسمع قوله
إن وفق بأن قال أوفيت البعض وأبرأني عن البعض
أو قال أبرأني عن الكل لكن لما أنكر الإبراء
أوفيت ا هـ.
ولا يخفى أن على القول بأن الإمكان كاف يسمع
مطلقا ومن مسائل دعوى الإيفاء ما في المحيط من
المسألة المخمسة ادعى على الآخر مائتي درهم
وأنه استوفى مائة وخمسين وبقي عليه خمسون
وأثبتها بالبينة ثم برهن المدعى عليه أنه
أوفاه الخمسين لا تسمع حتى يقولا هذه الخمسون
التي تدعي؛ لأن في مائة وخمسين خمسين ا هـ.
وفي دعوى الملتقط لو أقام البينة أن له على
فلان أربعمائة درهم ثم أقر المدعي أن للمنكر
عليه ثلثمائة سقط عن المنكر ثلاثمائة عند أبي
القاسم الصفار وعند أبي أحمد بن عيسى بن النضر
أنها لا تسقط وعليه الفتوى ا هـ. وليتأمل في
وجه عدم السقوط وقيد بدعوى الإيفاء بعد
الإنكار إذ لو ادعاه بعد الإقرار بالدين فإن
كان كلا القولين في مجلس واحد لم يقبل للتناقص
وإن تفرقا عن المجلس ثم ادعاه وأقام البينة
على الإيفاء بعد الإقرار تقبل لعدم التناقض
وإن ادعى الإيفاء قبل الإقرار لا تقبل كذا في
خزانة المفتين. "قوله وإن زاد ولا أعرفك لا"
أي زاد قوله ولا أعرفك على قوله ما كان لك علي
شيء قط لم يقبل برهانه والمراد هذه الكلمة وما
كان معناها نحو ولا رأيتك أو ولا جرى بيني
وبينك معاملة أو مخالطة أو خلطة أو ولا أخذ
ولا إعطاء أو ما اجتمعت معك في مكان كما في
فتح القدير وإنما لم تقبل لتعذر التوفيق بين
كلاميه؛ لأنه لا يكون بين اثنين معاملة من غير
ج / 7 ص -59-
......................................
________________
معرفة وذكر عن أصحابنا القدوري أنه يقبل
لإمكان التوفيق؛ لأن المحتجب من الرجال
والمخدرة قد يؤذى بالشغب على بابه فيأمر بعض
وكلائه بإرضاء الخصم ولا يعرفه ثم يعرفه وفرع
عليه في النهاية تبعا لقاضي خان بأن المدعى
عليه لو كان ممن يتولى الأعمال بنفسه لا يقبل
ا هـ. فالمحتجب من لا يتولى الأعمال بنفسه
وقيل من لا يراه كل أحد لعظمته وفي القاموس
الشغب ويحرك وقيل لا تهييج الشر وفي إصلاح
الإيضاح وفيه نظر؛ لأن مبنى إمكان التوفيق على
أن يكون أحدهما ممن لا يتولى الأعمال بنفسه لا
على أن يكون المدعى عليه بخصوصه وتصوير
القدوري إمكان التوفيق فيه لا يدل على ذلك. ا
هـ. ودفعه ظاهر؛ لأن الكلام كله في تناقض
المدعى عليه لا المدعي وأشار المؤلف رحمه الله
إلى أنه إذا لم يمكن التوفيق لم يندفع التناقض
فمن ذلك ما في المعراج معزيا إلى الشافي لو
قال لم أدفع إليه شيئا ثم ادعى الدفع لم يسمع؛
لأنه يستحيل أن يقول لم أدفع إليه شيئا وقد
دفعت أما لو ادعى إقراره بالدفع إليه أو
القضاء ينبغي أن يسمع؛ لأن المتناقض هو الذي
يجمع بين كلامين وهاهنا لم يجمع ولهذا لو صدقه
المدعي عيانا لم يكن مناقضا ذكره التمرتاشي
ومن هنا أجبت عن حادثة: أذن له في دفع المال
لأخيه ثم ادعى عليه أنه ما دفع فقال دفعت ثم
قال لم أدفع فحكم عليه فجاء الأخ فأقر أنه دفع
له فإنه يبرأ؛ لأن تصديق الأخ المأذون في
الدفع إليه كتصديق المدعي وقد علمت ما إذا صدق
المدعي وقيل تقبل البينة على الإبراء في هذا
الفصل باتفاق الروايات؛ لأن الإبراء يتحقق بلا
معرفة وفي البزازية ادعى عليه ملكا مطلقا ثم
ادعى عليه عند ذلك الحاكم بسبب يقبل ويسمع
برهانه بخلاف العكس إلا أن يقول العاكس أردت
بالمطلق الثاني المقيد الأول لكون المطلق أزيد
من المقيد وعليه الفتوى نص عليه شمس الأئمة
ادعى النتاج أولا ثم الملك المقيد فقياس ما
ذكروه أنه إذا ادعى النتاج وشهد بالمقيد لا
يقبل ينبغي أن لا يصح. ا هـ. وفي إقرار
البزازية أقر ببيع عبده من فلان ثم جحده صح؛
لأن الإقرار بالبيع بلا ثمن إقرار باطل ا هـ.
وفي جامع الفصولين كفل بثمن أو مهر ثم الكفيل
برهن على فساد البيع والنكاح لا تقبل؛ لأن
إقدامه على التزام المال إقرار منه بصحة سبب
وجوب المال فلا تسمع منه بعده دعوى الفساد ولو
برهن على إيفاء الأصيل أو على إبرائه تقبل؛
لأنه تقرير للوجوب السابق كفل عنه بألف لرجل
يدعيه فبرهن الكفيل أن الألف المدعاة ثمن خمر
لا تقبل ولو قال الكفيل الألف المدعاة قمار أو
ثمن خمر أو نحوه مما لا يجب لا يقبل قوله ولو
برهن على إقرار المكفول له وهو يجحد لا يقبل
قوله وليس له أن يحلف الطالب ولو أقر به
الطالب عند القاضي برئ الأصيل والكفيل جميعا ا
هـ.
ج / 7 ص -60-
ومن ادعى على آخر أنه باعه أمته، فقال لم أبعها منك قط، فبرهن على
الشؤا، فوجد بها عيبا، فبرهن البائع أنه بريء
إليه من كل عيب لم تقبل.
_________________
أقول: لا يقال لما برئا بإقراره ينبغي أن تقبل
بينة إقراره؛ لأن البينة تسمع عند صحة الدعوى
وقد بطلت هنا للتناقض؛ لأن كفالته إقرار
بصحتها ا هـ.
وفي الاختيار كل قولين متناقضين صدرا من
المدعي عند الحاكم فإن أمكن التوفيق قبل وإلا
لم يقبل كما إذا صدر من الشهود وكل ما أثر في
قدح الشهادة أثر في منع استماع الدعوى ا هـ.
"قوله ومن ادعى على آخر أنه باعه أمته فقال لم
أبعها منك قط فبرهن على الشراء فوجد بها عيبا
فبرهن البائع أنه برئ إليه من كل عيب لم تقبل"
للتناقض؛ لأن اشتراط البراءة تغيير للعقد من
اقتضاء وصف السلامة إلى غيره فيقتضي وجود
العقد وقد أنكره بخلاف ما تقدم من مسألة
الدين؛ لأن الباطل قد يقضى ويبرأ منه دفعا
للدعوى الباطلة وما في الكتاب هو ظاهر الرواية
عن الكل وحكى الخصاف رواية عن أبي يوسف أنها
تقبل لإمكان التوفيق بأن باعها وكيله وأبرأه
عن العيب ونظيره ما ذكره أبو يوسف أنه لو ادعى
الشراء من شخص وهو منكر فأقام المدعي بينة على
الشراء منه فأقام المنكر البينة أنه قد رد
المبيع علي تقبل لما ذكرناه من إمكان التوفيق.
هكذا عزا هذا الفرع الشارح إليه وجزم به في
الخلاصة على أنه نقل المذهب فقال ادعى على آخر
أنه اشترى منه هذه الدار فأنكر الشراء فلما
أقام المدعي البينة على الشراء ادعى المدعى
عليه أنه ردها عليه يعني أقالها يسمع هذا
الدفع ولو لم يدع الإقالة ولكن يدعي إيفاء
الثمن أو الإبراء اختلف المتأخرون ومن هذا
الجنس صارت واقعة بسمرقند صورتها ادعت امرأة
على رجل أنه تزوجها على كذا من المهر وطالبته
بالمهر وأنكر الزوج النكاح أصلا فلما أقامت
المرأة البينة على النكاح ادعى الزوج أنه
خالعها على المهر تسمع؛ لأنه يحتمل أنه زوجها
منه أبوه وهو صغير وهو لا يعلم ومن هذا الجنس
رجل ادعى على آخر ألفا وديعة فأنكر فلما أقام
البينة على الإيداع ادعى المدعى عليه الرد أو
الهلاك إن قال أولا ليس لك علي شيء يسمع وإن
قال ما أودعتني أصلا لا يسمع. ا هـ. واستشكل
مسألة الكتاب في جامع الفصولين بأنه ينبغي أن
تقبل البينة فيها وفاقا خلافا لزفر؛ لأنه صار
مكذبا شرعا ببينة المدعي فلحق إنكاره بالعدم
فصار كما في الكفالة من أن رجلا لو برهن أن له
على الغائب ألفا وهذا كفيله بأمره يرجع الكفيل
على الغائب ولو أنكر الكفالة أصلا؛ لأنه صار
مكذبا شرعا في إنكاره فلحق بالعدم قال ويمكن
الفرق بأن الحكم بأدائه ثمة حكم بالرجوع أيضا
فلا حاجة إلى إقامة البينة ثانيا على كفالته
لثبوتها أولا وهنا الحكم بالشراء ليس بحكم
بالبراءة والإيفاء فلا بد من
ج / 7 ص -61-
...................................
_____________
الدعوى فيبطله التناقض فافترقا ويمكن أن يرد
بأن إنكاره لما لحق بالعدم لما مر لا يتحقق
التناقض لعدم إنكاره البيع والشراء فينبغي أن
تصح الدعوى على أصل من العدة أنكر البيع فبرهن
عليه المشتري فادعى البائع إقالة يسمع هذا
الدفع ولو لم يدع الإقالة ولكن ادعى إيفاء
الثمن أو الإبراء اختلف المتأخرون. ا هـ. وقد
أجبنا عنه في حاشيتنا عليه بما حاصله أن المقر
إنما يصير مكذبا شرعا إذا حكم القاضي بما
يخالف إقراره وفي مسألتنا لم يقض القاضي
بالبيع حتى تناقض الخصم فلم يكن مكذبا شرعا
كما لا يخفى وبما قررناه ظهر أن تقييد المؤلف
مسألة الكتاب بدعوى الرد بالعيب بعد الإنكار
لأصل البيع للاحتراز عن دعوى الإقالة ويحتاج
إلى الفرق بينهما كما يحتاج إليه فيما - في
البزازية ادعى عليه شراء عبده فأنكر فبرهن
عليه فادعى عليه أنه رده عليه بالعيب تسمع؛
لأنه صار مكذبا في إنكار البيع فارتفع التناقض
بتكذيب الشرع كما ارتفع بتصديق الخصم ا هـ.
وفي جامع الفصولين ولو قال لا نكاح بيني وبينك
فلما برهنت على النكاح برهن هو على الخلع تقبل
بينته ولو قال لم يكن بيننا نكاح قط أو قال لم
أتزوجها قط والباقي بحاله ينبغي أن يكون هذا
ومسألة العيب سواء وثمة في ظاهر الرواية لا
تقبل بينة البراءة عن العيب لأن البراءة عن
العيب إقرار بالبيع فكذا الخلع يقتضي سابقة
النكاح فيتحقق التناقض. ا هـ.
ثم اعلم أن التناقض بين الدعوتين لا بد أن
يكون عند القاضي يدل عليه ما في الأجناس
والصغرى ادعى محدودا بشراء أو إرث ثم ادعاه
ملكا مطلقا لا يسمع إذا كانت الدعوى الأولى
عند القاضي فأما إذا لم تكن عند القاضي فهذا
والأول سواء قال البزازي وهذا على الرواية
التي ذكروا أن التناقض إنما يتحقق إذا كان كلا
الدعوتين عند القاضي فأما من اشترط أن يكون
الثاني عند القاضي يكفي في تحقيق التناقض كون
الثاني عند الحاكم ثم قال في فصل الدفع وفي
المحيط ادعى على آخر عند غير الحاكم بالشراء
أو الإرث ثم ادعاه عند الحاكم مطلقا إن ادعى
الشراء من معروف لا تقبل وإن ادعاه من مجهول
ثم المطلق عند الحاكم تقبل دلت المسألة أنه لا
يشترط في التناقض كون المتدافعين في مجلس
الحكم بل يكتفي بكون الثاني في مجلس الحكم. ا
هـ. وقدمنا أنه المعتمد ثم اعلم أن المتناقضين
إذا قال تركت الكلام الأول واستقر على الثاني
يقبل منه قال في البزازية في الذخيرة ادعاه
مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل
هذا مقيدا وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن
بهذا السبب وتركت المطلق يقبل ويبطل الدفع ا
هـ. ثم اعلم أن التناقض المانع إما أن يسمع
الحاكم الكلامين أو يسمع الثاني فيدفع المدعى
عليه أنه قال أولا كذا يريد دفعه فينكر فيبرهن
المدعى عليه على قوله الأول فيثبت التناقض
وهذا هو طريق دفع الدعوى
ج / 7 ص -62-
ويبطل الصك بإن شاء الله تعالى.
_________
وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في المخمسة من
الدعوى وفي الظهيرية ادعى عليه أن أباك أوصى
لي بثلث ماله فأنكر المدعى عليه الوصية فبرهن
المدعي فقال المدعى عليه إن أبي رجع عن هذه
الوصية قيل لا يصح هذا الدفع والصحيح أنه صحيح
وكذا لو برهن على جحود أبيه بناء على أن
الجحود رجوع ا هـ. وفيها ادعت امرأة على ورثة
زوجها المهر فأنكروا نكاحها فبرهنت فدفعوا
بأنها كانت أبرأت أبانا في حياته إن قالوا
أبرأته عن المهر لا يصح للتناقض وإن قالوا
أبرأته عن دعوى المهر صح ا هـ.
وفي البزازية ادعى عليه ألف درهم ثمن جارية
بشرائط وعجز عن إثباتها فقال كانت الألف وديعة
عنده لا تقبل ولو ادعى كونها وديعة فعجز فادعى
كونها قرضا تقبل. ا هـ.
"قوله ويبطل الصك بإن شاء الله تعالى" أي يبطل
مكتوب الشراء أو الإقرار ونحوهما إذا كتب في
آخره إن شاء الله تعالى فيبطل البيع ونحوه
لكون الاستثناء مبطلا وفي الصحاح الصك كتاب
فارسي معرب والجمع أصك وصكاك وصكوك ا هـ.
أطلقه فشمل ما إذا اشتمل على شيء واحد وأشياء
وفي الثاني الاختلاف قال الإمام إذا كتب بيع
وإقرار وإجارة وغير ذلك ثم كتب في آخره إن شاء
الله تعالى بطل الكل قياسا؛ لأن الكل كشيء
واحد بحكم العطف وبطل الأخير عندهما فقط
استحسانا لانصراف الاستثناء إلى ما يليه؛ لأن
الصك للاستيثاق وكذا الأصل في الكلام
الاستيثاق وأشار إلى أن الكتابة كالنطق فلا بد
فيها من اتصال المشيئة فلو ترك فرجة فإن
الاستثناء ينصرف إلى ما يليه اتفاقا كالسكوت.
والحاصل أنهم اتفقوا على أن المشيئة إذا ذكرت
بعد جمل متعاطفة بالواو كقوله عبده حر وامرأته
طالق وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن شاء
الله ينصرف إلى الكل فيبطل الكل فمشى أبو
حنيفة على حكمه وهما أخرجا صورة كتب الصك من
عمومه بعارض اقتضى تخصيص الصك من عموم حكم
الشرط المتعقب جملا متعاطفة للعادة وعليها
يحمل الحادث ولذا كان قولهما استحسانا راجحا
على قوله كذا في فتح القدير فظاهره أن الشرط
ينصرف إلى الجميع وإن لم يكن بالمشيئة وفي
وكالة البزازية وعن الثاني قال امرأة زيد طالق
وعبده حر وعليه المشي إلى بيت الله إن دخل هذه
الدار فقال زيد نعم كان بكله؛ لأن الجواب
يتضمن إعادة ما في السؤال. ا هـ.
وأما الاستثناء بإلا وإحدى أخواتها فينصرف إلى
الأخير عندنا كما علم في آية رد شهادة المحدود
في القذف وعليه فرع في خزانة المفتين من
الإقرار. والحاصل أن الشرط إذا تعقب
ج / 7 ص -63-
وإن مات ذي، فقالت زوجته أسلمت بعد موته، وقال الورثة أسلمت قبل
موته، فالقول لهم.
_______________
جملا متعاطفة متصلا بها فإنه للكل، وأما
الاستثناء بإلا فإلى الأخير فلو أقر لاثنين
بمالين واستثنى شيئا كان من الأخير ولو أقر
بمالين كمائة درهم وخمسين دينار إلا درهما
انصرف إلى الأول استحسانا، وأما الاستثناء بإن
شاء الله تعالى بعد جملتين إيقاعتين فإليهما
اتفاقا وبعد طلاقين معلقين أو طلاق معلق وعتق
فإليهما عند محمد وعند أبي يوسف إلى الأخير
واتفقوا على انصرافه إلى الأخير في غير العطف
وفي المعطوف بعد السكوت كما في إيضاح الكرماني
وفيه من الأيمان إذا عطف على يمينه بعد سكوته
ما يوسع على نفسه لم يصح كالاستثناء وإن كان
فيه تشديد على نفسه صح فلو قال إن دخلت الدار
فأنت طالق وسكت ثم قال وهذه الأخرى دخلت
الثانية في اليمين بخلاف وهذه الدار الأخرى
ولو قال هذه طالق ثم سكت وقال وهذه طلقت
الثانية وكذا في العتق. ا هـ. وفي الهداية ذكر
حق كتب في أسفله ومن قام بهذا الذكر الحق فهو
وكيلي بما فيه إن شاء الله يبطل الذكر كله
عنده وعندهما بطل التوكيل والمراد بذكر الحق
الصك كما في القاموس والمراد بمن قام به أن من
أخرجه كان له ولاية المطالبة بما فيه من الحق
وأورد عليه لزوم صحة توكيل المجهول وأجيب بأن
الغرض من كتابته إثبات رضا المدعى عليه بتوكيل
من يوكله المدعي فلا يمتنع المديون عن سماع
خصومته عند أبي حنيفة ودفع بأنه لا يفيد على
قوله؛ لأن الرضا بتوكيل مجهول باطل فلا يفيد
على قوله أيضا والظاهر عندي أن محمدا إنما
ذكره ليفيد أنه ينصرف الاستثناء إلى الكل عنده
وإن كان فاسدا فكيف إذا كان صحيحا بدليل مسألة
ضمان الخلاص مع فساده عنده وقيل بل فائدته
التحرز عن قول ابن أبي ليلى فإنه لا يصحح
التوكيل بالخصومة بلا رضا الخصم إلا إذا وجد
الرضا بتوكيل وكيل مجهول فحينئذ يجوز لكن
المذكور في كتب المذاهب الأربعة أن عند ابن
أبي ليلى يجوز التوكيل بالخصومة بغير رضا
الخصم مطلقا ا هـ. كذا في فتح القدير وفي
وكالة البزازية قال لرجلين أيكما باع هذا فهو
جائز فأيهما باع جاز قال وكلت هذا أو هذا
ببيعه فهو باطل. ا هـ.
"قوله وإن مات ذمي فقالت زوجته أسلمت بعد موته
وقال الورثة أسلمت قبل موته فالقول لهم" وقال
زفر القول لها؛ لأن الإسلام حادث فيضاف إلى
أقرب الأوقات ولنا أن سبب الحرمان ثابت في
الحال فيثبت فيما مضى تحكيما للحال كما في
جريان ماء الطاحونة وهذا ظاهر نعتبره للدفع
وما ذكره هو يعتبره للاستحقاق وأشار بكون
الزوج ذميا إلى أنه لو مات مسلم وله امرأة
نصرانية فجاءت مسلمة بعد موته وقالت أسلمت قبل
موته وقالت الورثة أسلمت بعد موته فالقول
قولهم أيضا ولا يحكم الحال؛ لأن الظاهر لا
يصلح حجة للاستحقاق وهي محتاجة إليه أما
الورثة فهم الدافعون ويظهر لهم ظاهر الحدوث
أيضا كما في الهداية.
ج / 7 ص -64-
وإن قال المودع هذا ابن مودعي لا وارث له غيره دفع المال إليه.
________________
والتعبير بالاستصحاب أحسن من التعبير بالظاهر
فإن ما يثبت به الاستحقاق كثيرا ما يكون ظاهرا
كأخبار الآحاد كثيرا ما توجب استحقاق كذا في
فتح القدير وفي التحرير الاستصحاب الحكم ببقاء
أمر محقق لم يظن عدمه وكتبنا تفاريعه في
الأشباه والنظائر في قاعدة اليقين لا يزول
بالشك وسيأتي في آخر باب التحالف مسائل من
الظاهر وفي خزانة الأكمل مات ذمي وله ابنان
أحدهما مسلم فبرهن على أن أباه مات مسلما
والآخر على أنه مات كافرا أقضي بالميراث
للمسلم منهما وإن كان شهوده من الذمة وشهود
الكافر من المسلمين وكذا لو قال أحدهما كنت
مسلما وكان أبي مسلما فصدقه أخوه وقال وأنا
كنت مسلما في حياته فكذبه أخوه وقال أسلمت بعد
موته فالميراث للذي اجتمعا على إسلامه قبل موت
أبيه وكذا لو اختلفا في الرق والعتق فالميراث
لمن اجتمعا على عتقه في حياة أبيه ا هـ. وفيها
ادعى خارجان دارا في يد ذمي وادعيا الميراث
وبرهنا قضى به بينهما وإن كان شهود الذمي
مسلمين وإلا قضى به للمسلم وإن كان شهوده
كفارا ا هـ. وقيد المؤلف بما ذكر من المسألة؛
لأن امرأة الميت المسلمة لو قالت مات زوجي وهو
مسلم وهذه داره ميراثا لي وقال ولده وهم كفار
مات كافرا وصدق أخو الميت المرأة وهو مسلم قال
في الخزانة قضيت للمرأة وللأخ دون الولد وفيها
لو مات رجل وأبواه ذميان فقالا مات ابننا
كافرا وقال ولده المسلمون مات مسلما فميراثه
للولد دون الأبوين ا هـ. وحاصله أنهم إذا
اختلفوا في موت الميت على الإسلام أو الكفر
فالقول لمن يدعي أنه مات على الإسلام فعلى هذا
لا يحتاج إلى تصديق الأخ في المسألة السابقة
وتكفي دعوى المرأة أنه مات مسلما كما لا يخفى
وإلا فما الفرق.
"قوله وإن قال المودع هذا ابن مودعي لا وارث
له غيره دفع المال إليه" أي وجوبا لإقراره أن
ما في يده ملك الوارث خلافة عن الميت قيد
بإقراره بالبنوة؛ لأنه لو قال هذا أخوه شقيقه
ولا وارث له غيره وهو يدعيه فالقاضي يتأنى في
ذلك والفرق أن استحقاق الأخ بشرط عدم الابن
بخلاف الابن؛ لأنه وارث على كل حال وتمامه مع
بيان مدة التأني في فتح القدير وقيد بقوله لا
وارث له غيره؛ لأنه لو قال له وارث غيره ولا
أدري أمات أم لا لا يدفع إليه شيء لا قبل
التلوم ولا بعده حتى يقيم المدعي بينة تقول لا
نعلم له وارثا غيره وأشار الوديعة إلى أن
المديون إذا قال هذا ابن دائني فإنه يؤمر
بالدفع إليه بالأولى وقيد بالوارث احترازا عما
إذا أقر أنه وصيه أو وكيله أو المشتري منه
فإنه لا يدفعها إليه لما فيه من إبطال حق
المودع في العين بإزالتها عن يده؛ لأن يد
المودع كيد المالك فلا يقبل إقراره عليه ولا
كذلك بعد موته بخلاف ما
ج / 7 ص -65-
وإن قال الآخر هذا ابنه أيضا وكذبه الأول قضي للأول.
___________
إذا أقر أنه وكيل الطالب بقبض دينه حيث يؤمر
بالدفع إليه؛ لأنه إقرار بخالص حقه إذ الديون
تقضى بأمثالها فلو دفع إلى الوكيل في الوديعة
قيل لا يستردها لكونه ساعيا في نقض ما أوجبه
وكان ينبغي أن يستردها لبطلان إقراره في حق
المالك والحفظ واجب عليه فكان بالدفع متعديا
ولذا ضمن إذا أنكر المالك التوكيل ولو لم
يسلمها إلى الوكيل حتى ضاعت فقيل لا يضمن وكان
ينبغي أن يضمن عملا بما في زعمه وقيد الوديعة
للاحتراز عن الملتقط إذا أقر بها لرجل ففيه
اختلاف كما ذكره الشارح والعارية والعين
المغصوبة كالوديعة ومراده من الابن من يرث بكل
حال فالبنت والأب والأم كالابن وكل من يرث في
حال دون حال فهو كالأخ. وفي فتح القدير ولو
ادعى أنه أخو الغائب وأنه مات وهو وارثه لا
وارث له غيره أو ادعى أنه ابنه أو أبوه أو
مولاه أعتقه أو كانت امرأة وادعت أنها عمة
الميت أو خالته أو بنت أخيه وقال لا وارث له
غيري وادعى آخر أنه زوج أو زوجة للميت أو أن
الميت أوصى له بجميع ماله أو ثلثه وصدقهما ذو
اليد وقال لا أدري للميت وارث غيرهما أو لا لم
يكن لمدعي الوصية شيء بهذا الإقرار ويدفع
القاضي إلى الأب والأم والأخ ومولى العتاقة أو
العمة أو الخالة أو بنت الأخت إذا انفرد أما
عند الاجتماع فلا يزاحم مدعي البنوة مدعي
الأخوة لكن مدعي هذه الأشياء إذا زاحمه مدعي
الزوجية أو الوصية بالكل أو الثلث مستدلا
بإقرار ذي اليد فمدعي الأخوة أو البنوة أولى
بعدما يستحلف الابن ما هذه زوجة الميت أو موصى
له هذا إذا لم تكن بينة على الزوجية والوصية
فإن أقام أخذ بها ا هـ وأشار المؤلف إلى أن ذا
اليد أقر أن الميت أقر بأن هذا ابنه أو أبوه
أو مولاه أعتقه أو أوصى له بالكل أو ثلثه أو
أن هذه زوجته فالمال للابن والمولى كما لو
عايناه أقر بخلاف النكاح وولاء الموالاة
والوصية؛ لأن ذا اليد أقر بسبب ينتقض كذا في
فتح القدير ومن دعوى المجمع وإن كانت في يد
زيد فجاء أحد الزوجين فصدقه زيد يؤمر بإعطاء
أقل النصيبين لا أكثرهما. ا هـ. قيد بتصديقه؛
لأنه لو برهن وقالا لا نعلم له وارثا آخر فله
أكثر النصيبين اتفاقا كذا في شرحه لابن الملك.
"قوله وإن قال لآخر هذا ابنه أيضا وكذبه الأول
قضى للأول" أي قال المودع هذا ابنه بعد إقراره
للأول بأنه ابنه وكذبه المقر له قضى بالمال
للمقر الأول؛ لأن الثاني إقرار على الغير لصحة
الإقرار للأول لعدم من يكذبه ولم يذكر المصنف
ضمان المودع للثاني لاختلاف الشارحين فيه ففي
غاية البيان أنه لا يغرم المودع للابن الثاني
شيئا بإقراره له؛ لأن استحقاقه لم يثبت فلم
يتحقق التلف وهذا؛ لأنه لا يلزم من مجرد ثبوت
البنوة ثبوت الإرث فلا يكون الإقرار
ج / 7 ص -66-
ميراث قسم بين الغرماء لا يكفل منهم، ولا من وارث.
_______________
بالبنوة إقرارا بالمال ا هـ. وفي البناية فإن
قيل ينبغي أن يضمن المودع هنا للمقر له الثاني
كما قلنا في مودع القاضي المعزول إذا بدأ
بالإقرار ربما في يده لإنسان ثم أقر بأن
القاضي المعزول سلمه فإنه يضمن للقاضي على ما
مر من قبل قلنا هذا أيضا يضمن نصيبه إذا دفع
إلى المقر له الأول بغير قضاء القاضي ا هـ.
وهذا هو الصواب كما في فتح القدير وقيد
بإقراره بالولد؛ لأنه لو أقر المودع بها لرجل
ثم قال لا بل وديعة فلان أو قال غصبت هذا من
فلان لا بل من فلان وكذا العارية فإنه يقضي به
للأول ويضمن للثاني قيمته وكذا في الإقرار
بالدين فلو قال هذا لفلان إلا نصفه فلفلان
فكما قال ولو قال هذان لفلان إلا هذا فلفلان
كان مصدقا فلو قال هذا لفلان وهذا لفلان المقر
له إلا الأول فإنه لي لم يصدق وهما للأول ولو
قال هذا لفلان وهذا لفلان المقر له إلا نصفه
الأول فإنه لفلان كان جائزا ولو قال هذه
الحنطة والشعير لفلان إلا كرا من هذه الحنطة
إذا كانت الحنطة أكثر من الكر كذا في الأصل
لمولانا محمد من الدعوى.
"قوله ميراث قسم بين الغرماء لا يكفل منهم ولا
من وارث" وهذا شيء احتاط به بعض القضاة وهو
ظلم وهذا عند أبي حنيفة وقالا يأخذ الكفيل
منهم أطلقه فشمل ما إذا ثبت الدين والإرث
بالبينة أو بالإقرار والخلاف في الأول ولا
خلاف في أخذه في الثاني وهي واردة على إطلاقه
وشمل ما إذا قال الشهود لا نعلم له وارثا غيره
وهنا لا يؤخذ الكفيل اتفاقا وجه قولهما أن في
التكفيل نظرا للغائب على تقدير وجوده ولأن
وجود آخر موهوم فلا يؤخر الثابت قطعا له وأشار
إلى عدم التكفيل في دعوى الشراء على ذي اليد
وفي بيع العبد المأذون للدين وقيد بالميراث؛
لأنه يأخذ كفيلا إذا دفع النفقة لامرأة الغائب
أو اللقطة أو الآبق إلى صاحبه وأطلق في الوارث
فشمل ما إذا كان ممن يحجب أو لا. وقيد بعدم
التكفيل؛ لأن القاضي يتلوم ولا يدفع إليه حتى
يغلب على ظنه أنه لا وارث له غيره ولا غريم له
آخر اتفاقا؛ لأنه من باب الاحتياط لنفسه
بزيادة علم بانتفاء الشريك المستحق معه بقدر
الإمكان وقدر مدته مفوض إلى رأي القاضي وقدره
الطحاوي بحول والمراد بالتأني تأخير القضاء
إلى المدة المذكورة كما في غاية البيان لا
تأخير الدفع بعد القضاء وحاصل ما ذكره الصدر
الشهيد أن المدعي لو برهن على أنه مات وتركها
ميراثا لورثته ولم يذكروا عدد الورثة ولا
قالوا ألا نعلم له وارثا غيره فإنه لا يقضى له
وإن بينوا عددهم وقالوا لا نعلم له وارثا غيره
وكان ذلك الوارث مما لا يحجب بحال فإنه يقضى
ولا يتأنى ولا يكفل وإن كان ممن يحجب بحال
تأنى ثم يقضي وإن شهدوا أنه ابنه ووارثه وأنه
مات وتركها ميراثا له ولم يقولوا لا نعلم له
وارثا غيره تلوم القاضي
ج / 7 ص -67-
.............................
_____________
زمانا ثم قضى ولا يأخذ منه كفيلا عنده خلافا
لهما ويدفع لأحد الزوجين أوفر النصيبين عند
محمد وعند أبي يوسف أقلهما وقوله وهذا شيء
احتاط به بعض القضاة وهو ظلم كلام أبي حنيفة
وعنى به ابن أبي ليلى فإنه كان يفعله بالكوفة
والمراد بالظلم الميل عن سواء السبيل وفيه
دليل على أن المجتهد يخطئ ويصيب وعلى أن أبا
حنيفة برئ من الاعتزال لا كما ظنه البعض بسبب
ما نقله يوسف بن خالد السمتي عنه أنه قال كل
مجتهد مصيب والحق عند الله واحد وتأويله أن كل
مجتهد مصيب بالاجتهاد وإن أخطأ ما عند الله.
والدليل على صحة هذا التأويل أنه لو حمل على
ظاهره لكان متناقضا فقوله الحق عند الله واحد
يفيد أن ليس كل مجتهد أصاب الحق وإلا لكان
الحق متعددا فلزم أن معنى قوله كل مجتهد مصيب
أي مصيب حكم الله تعالى بالاجتهاد كما في فتح
القدير وفي البزازية من الدعوى بعد نقل عبارة
الكتاب عن الإمام الأعظم قالوا هذا كشف عن
مذهبه بأن المجتهد يخطئ أيضا قيل إذا قولنا
بجواز التكفيل كشف عن الاعتزال وأنت خبير بأن
هذا الإيراد باطل فإنهما جوزا بالاجتهاد* أخذ
الكفيل قياسا على رد الآبق واللقطة فأنى يلزم
منه كون كل مجتهد مصيبا والاستدلال من وصف
الإمام بالظلم بناء على ملازمة عادية كانت في
تلك العصر من عدم تقليد القضاء إلا من المجتهد
فكان التكفيل الصادر من القاضي تكفيلا من
القاضي المجتهد ويكون المراد من بعض القضاة
القاضي المعهود وزيف أيضا بأن المجتهد إذا
أخطأ فله أجر بلا خلاف وغايته أنه بالتكفيل
أخطأ فلا يكون ظلما فلا يصح الاستدلال وأجيب
عنه بأن الإمام قال وهو ظلم وميل فالوصف
بالميل دل على أن المراد بالظلم وضع الشيء في
غير موضعه والإطلاق ولو بالمجاز دل أنه يخطئ
إذ لولاه لما صح ذلك فحصل الكشف بالوصف الواقع
من الإمام بالاتصاف في الواقع. ا هـ.
وحاصله أن وصفه بأن فعله ظلم لا يقتضي أنه في
الواقع ظالم بمعنى مرتكب للحرام وإن صح أن
يقال إنه ظالم أي واضع لأخذ الكفيل في غير
موضعه والمقصود تأويل العبارة بحيث لا تفيد أن
القاضي بأخذه الكفيل آثم؛ لأن ثبوت الأجر له
في ذلك ينافي الإثم وفي الأصل قال أبو حنيفة
أرأيت لو لم يجد كفيلا كنت أمنعه حقه بشيء
أخاف ولم يستبن بعد ولم يجب عليه بعد ا هـ.
والأولى في الجواب عن قول الإمام في حق ابن
أبي ليلى مع كونه مجتهدا ما قاله في التلويح
وعبارته والمخطئ في الاجتهاد لا يعاقب ولا
ينسب إلى الضلال بل يكون معذورا ومأجورا إذا
ليس عليه إلا بذل الوسع وقد فعل فلم ينل الحق
لخفاء دليله إلا أن يكون الدليل الموصل إلى
الصواب بينا فأخطأ المجتهد لتقصير منه وترك
مبالغة في الاجتهاد فإنه يعاتب وما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* العبارة في الأصل: جواز بلا اجتهاد.
ج / 7 ص -68-
ولو ادعى دارا إرثا لنفسه ولأخ له غائب وبرهن عليه أخذ نصف المدعى
فقط
________________
نقل من طعن السلف بعضهم على بعض في المسائل
الاجتهادية كان مبنيا على أن طريق الصواب بين
في زعم الطاعن ا هـ. وفي مناقب الكردري ما زال
أبو حنيفة يخطئ ابن أبي ليلى وهو قاضي الكوفة
حتى عزله الخليفة واعلم أننا كتبنا في باب
النفقة ما يفيد أن المراد بالكفيل الكفيل
بالمال لقوله في الذخيرة فإذا حضر الزوج وأثبت
أنه كان دفعها لها فإن شاء رجع عليها وإن شاء
رجع على الكفيل إلى آخره ولم أر حكم الكفالة
على قولهما في مسألة الكتاب هل هي بالمال أو
بالنفس.
"قوله ولو ادعى دارا إرثا لنفسه ولأخ له غائب
وبرهن عليه أخذ نصف المدعى فقط" أي أخذ نصيب
نفسه وترك نصيب أخيه الغائب في يد ذي اليد
وهذا عند الإمام مطلقا وفصل الشيخان بين جحود
ذي اليد فيؤخذ منه ويجعل في يد أمين وإلا ترك
في يده لخيانته بجحوده فلا نظر في تركه في يده
وله أن الحاضر ليس بخصم عن الغائب في
الاستيفاء وليس للقاضي التعرض بلا خصم كما إذا
رأى شيئا في يد إنسان يعلم أنه لغيره لا
ينتزعه منه بلا خصم وقد ارتفع جحوده بقضاء
القاضي بالكل قيد بعدم أخذ نصيب الغائب؛ لأن
القاضي يقضي بالكل إرثا بخصومة الحاضر لانتصاب
أحد الورثة خصما للميت فلذا تقضى منها ديونه
وتنفذ وصاياه ولا تعاد البينة إذا حضر الغائب
ولا القضاء ولم يذكر الشارح فيه اختلافا وذكره
في جامع الفصولين وصحح أنه لا يحتاج وكذا
ينتصب أحدهم فيما عليه مطلقا إن كان دينا وإن
كان في دعوى عين فلا بد من كونها في يده ليكون
قضاء على الكل وإن كان البعض في يده نفذ بقدره
كما صرح به في الجامع الكبير وظاهر ما في
الهداية والنهاية والعناية أنه لا بد من كونها
كلها في يده في دعوى الدين أيضا وصرح في فتح
القدير بالفرق بين العين والدين وهو الحق
وغيره سهو وفي قوله أخذ نصف المدعى فقط
إشارتان الأولى أنه لا يؤخذ من ذي اليد كفيل؛
لأن القاضي نصب لقطع الخصومات لا لإنشائها
الثانية أن الحاضر يأخذ النصف مشاعا غير مقسوم
كما صرح به العمادي في الفصول وقيد بالعقار؛
لأن المنقول يوضع عند عدل إلى حضور صاحبه وقيل
هو كالعقار لا يؤخذ منه ولا شك أنه على قولهما
يؤخذ منه ويوضع على يد عدل وأجمعوا على أنه لا
يؤخذ لو مقرا كذا في جامع الفصولين.
"تنبيهات" الأول إنما ينتصب الحاضر الذي في
يده العين خصما عن الباقي إذا كانت العين لم
تقسم بين الحاضر والغائب فإن قسمت وأودع
الغائب نصيبه عند الحاضر كانت كسائر أمواله
فلا ينتصب الحاضر خصما عنه ذكره العتابي عن
مشايخنا وفي جامع الفصولين من السابع والعشرين
ولو أودع نصيبه من عين عند وارث آخر فادعى رجل
هذا العين ينتصب هذا الوارث خصما إذا ينتصب
أحد الورثة خصما عن الباقين لو كان العين بيده
بخلاف الأجنبي ا هـ.
ج / 7 ص -69-
ومن قال مالي أو ما أملك في المساكين صدقة فهو على مال الزكاة ولو
أوصى بثلث ماله فهو على كل شيء
______________
الثاني: إنما لا تسمع دعوى الغائب إذا حضر
بشرط أن يصدق أن العين ميراث بينه وبين الحاضر
أما لو أنكر الإرث وادعى أنه اشتراها أو ورث
نصيبه من رجل آخر لا يكون القضاء على الحاضر
قضاء عليه فتسمع دعواه وتقبل بينته كما في
الفصولين فالحاصل أنه إنما ينتصب خصما عن
الباقي بثلاثة شروط كون العين كلها في يده وأن
لا تكون مقسومة وأن يصدق الغائب على أنها إرث
عن الميت المعين الثالث إنما يكفي ثبوت بعض
الورثة أن لو ادعى الجميع وقضى به أما لو ادعى
حصته فقط وقضى بها فلا يثبت حق الباقين كذا في
جامع الفصولين من السابع والعشرين. الرابع
ادعى بيتا فقال ذو اليد إنه ملكي ورثته من أبي
فلو قضى عليه يظهر على جميع الورثة فليس لأحد
منهم أن يدعيه بجهة الإرث إذ صار مورثهم مقضيا
عليه فلو ادعاه أحدهم ملكا مطلقا تقبل إذ لم
يقض عليه في الملك المطلق فلو ادعاه ذو اليد
ملكا مطلقا لا إرثا لا تصير الورثة مقضيا
عليهم فلهم أخذه بدعوى الإرث لكن ليس لذي اليد
حصة فيه إذ قضى عليه ا هـ. الخامس: إذا كانت
الورثة كبارا غيبا وصغيرا نصب القاضي وكيلا عن
الصغير لسماع دعوى الدين على الميت والقضاء
على هذا الوكيل قضاء على جميع الورثة السادس
إذا أثبت المدعي دينه على بعض الورثة وفي يده
حصة فإنه يستوفي جميع دينه مما في يد الحاضر
ثم يرجع الحاضر على الغائب بحصته وهما في
خزانة المفتين السابع يحلف الوارث على الدين
إذا أنكره وإن لم يكن للميت تركة وهما في
البزازية الثامن يصح الإثبات على الوارث وإن
لم يكن للميت تركة وهما في البزازية التاسع لو
لم يكن للميت وارث فجاء مدع للدين على الميت
نصب القاضي وكيلا للدعوى كما في أدب القضاء
للخصاف وظاهره أن وكيل بيت المال ليس بخصم.
"قوله ومن قال مالي أو ما أملك في المساكين
صدقة فهو على مال الزكاة ولو أوصى بثلث ماله
فهو على كل شيء" والقياس استواؤهما فيتصدق
بالكل وبه قال زفر ولكنا فرقنا بينهما
استحسانا باعتبار أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب
الله تعالى بخلافها؛ لأنها أخت الميراث تجري
في كل مال الزكاة أطلقه في مال الزكاة فشمل
جميع الأجناس كالسوائم والنقدين وعروض التجارة
بلغت نصابا أو لا سواء كان عليه دين مستغرق
لها أو لا؛ لأن المعتبر جنس ما تجب فيه الزكاة
مع قطع النظر عن قدرها وشروطها فإن قضى دينه
لزمه أن يتصدق بعده بقدره وشمل الأرض العشرية
عند الثاني لكونها مصرفها مصرف الزكاة ومنعه
محمد لما فيها من معنى المؤنة ولذا وجب العشر
في أرض الصبي والمكاتب والأوقاف وضم أبا حنيفة
إليه في النهاية معزيا إلى التمرتاشي ولا تدخل
الخراجية لتمحضها للمؤنة وخرج رقيق الخدمة
ودور
ج / 7 ص -70-
....................................
__________
السكنى وأثاث المنازل وما كان من الحوائج
الأصلية وتسوية المصنف بين قوله مالي وبين
قوله ما أملك هو الصحيح؛ لأنهما يستعملان
استعمالا واحدا فكان فيهما القياس والاستحسان
خلافا للبعض. واختاره في المجمع وما صححناه
تبعا للشارح هو مختار صاحب الهداية وذكر
القاضي الإسبيجابي أن الفرق بين المال والملك
إنما هو قول أبي يوسف وأبو حنيفة لم يفرق
بينهما واختاره الطحاوي في مختصره وقيده
بالتنجيز؛ لأنه لو كان معلقا بالشرط نحو قوله
مالي صدقة في المساكين إن فعلت كذا دخل المال
القائم عند اليمين والحادث بعده وقيد بقوله
فهو صدقة؛ لأنه لو قال لله علي أن أهدي جميع
مالي إن فعلت كذا أو جميع ملكي فإنه يدخل فيه
جميع ما يملكه وقت الحلف بالإجماع فيجب أن
يهدي ذلك كله إلا قدر قوته فإذا استفاد شيئا
آخر تصدق بمثله كذا ذكر الإسبيجابي وفي حيل
الولوالجية من آخرها رجل قال إن فعلت كذا
فجميع ما أملكه صدقة في المساكين فأراد أن
يفعل ولا يحنث يبيع جميع ما يملكه من رجل بثوب
في منديل يقبضه ولم يره ثم يفعل ذلك ثم ينظر
إلى الثوب ويرده بخيار الرؤية فلا يلزمه شيء.
ا هـ.
وأشار بقوله فهو على مال الزكاة دون أن يقول
يتصدق بمال الزكاة إلى أنه إذا لم يكن له مال
سوى ما دخل تحت الإيجاب يمسك من ذلك قدر قوته
فإذا أصاب شيئا بعد ذلك تصدق بمثل ما أمسك؛
لأن حاجته مقدمة ولم يبين في المبسوط قدر ما
يمسك؛ لأن ذلك يختلف باختلاف العيال وباعتبار
ما يتجدد له من التحصيل فيمسك أهل كل صنعة قدر
ما يكفيه إلى أن يتجدد له شيء وقيد بالمال
والملك من غير تعيين شيء للاحتراز عما إذا قال
ألف درهم من مالي صدقة إن فعلت كذا ففعله وهو
لا يملك الأمانة لا يلزمه إلا بقدر ما يملك
رواه ابن سماعة عن محمد وكذا عن نصير وبه أخذ
الفقيه وإن لم يكن له شيء لا يجب عليه شيء كذا
في مآل الفتاوى من الإيمان والضمير في قوله
فهو عائد إلى المال وكذا لو أوصى بماله ولا
وارث له أو كان له وأجازها فإن الموصى له
يستحق جميع ماله ثم اعلم أنه وقع في الهداية
هنا أن الوصية خلافة كالوراثة وهو مشكل فإن
المصرح به أن ملك الموصى له ليس بطريق الخلافة
كملك الوارث قال الصدر الشهيد في شرح أدب
القضاء أن الموصى له ليس بخليفة عن الميت
ولهذا لا يصح إثبات دين الميت عليه وإنما يصح
على وارث أو وصي ولو أوصى له بعبد اشتراه فوجد
به الموصى له عيبا فإنه لا يرده بخلاف الوارث
ويصير الوارث مغرورا لو استحقت الجارية بعد
الولادة كالمورث بخلاف الموصى له ا هـ. ولم أر
أحدا من الشارحين بينه وقد ظهر لي أن صاحب
الهداية أراد بالخلافة أن ملك كل منهما يكون
بعد الموت لا بمعنى أنه قائم مقامه ومما يدل
على عدم الخلافة ما في التلخيص بعد بيان أن
ملكه ليس خلافه أنه يصح
ج / 7 ص -71-
ومن أوصى إليه ولم يعلم بالوصية فهو وصي بخلاف الوكيل
_____________
شراؤه ما باع الميت بأقل مما باع قبل نقد
الثمن بخلاف الوارث وقدمنا تعريف المال أول
كتاب البيوع ولا فرق في مسألة الكتاب بين أن
يقول ثلث مالي للفقراء أو لفلان وكذا لو قال
ثلثي لفلان أو سدسي فهو وصية جائزة وقيد
بالوصية؛ لأنه لو قال ثلث مالي وقف ولم يزد
قال في البزازية من الوصايا إن ماله دراهم أو
دنانير فقوله باطل وإن ضياعا صار وقفا على
الفقراء ولو قال ثلث مالي لله تعالى فالوصية
باطلة عندهما وعند محمد ينصرف إلى وجوه البر
ولو قال ثلث مالي في سبيل الله فهو للغزو فإن
أعطوه حاجا منقطعا جاز وفي النوازل لو صرف إلى
سراج المسجد يجوز ا هـ. وسيأتي تمامه في
الوصايا إن شاء الله تعالى وهل يدخل تحت
الوصية بالمال ما على الناس من الديون قالوا
إن الدين ليس بمال حتى لو حلف أن لا مال له
وله دين على الناس لم يحنث ولا شك أن الدين
تجب الزكاة فيه بشرط القبض فينبغي أن يدخل تحت
النذر بالمال ولكن في الخانية ولا تدخل الديون
وفي كلام الشارح في الوصايا ما يفيد دخول
الدين في الوصية بالمال؛ لأنه يصير مالا
بالاستيفاء فتناولته الوصية خصوصا قالوا إنها
أخت الميراث وهو يجري فيهما وفي الجامع للصدر
إن اشتريت بهذه الدراهم فهي صدقة واشترى بها
يحنث قال إن بعت عبدا لي فثمنه صدقة صح نذره
وقبضه شرط فإن مات عنده أو استهلكه قبل قبضه
سقط وكذا بعده فيما يتعين رده دون غيره
كالزكاة قال إن بعت هذا الكر وهذه المائة فهما
صدقة وباع يتصدق بالكر دون الدراهم للتعين
وعدمه وبمثلها لا نظيره إن نكحتهما وأحدهما
محرمة أو اشتريتهما وأحدهما حر قالت إن تزوجت
فمهري صدقة صح فإن ارتدت أو قبلت سقط قبل قبضه
وكذا بعده فيما يتعين رده وعلى هذا الطلاق
وفيما يتخير تتصدق بما تقبضه ا هـ.
"قوله ومن أوصى إليه ولم يعلم بالوصية فهو وصي
بخلاف الوكيل" حتى لو باع الوصي شيئا من
التركة قبل العلم بالوصية جاز البيع ولو باع
الوكيل قبل العلم بها لم يجز والفرق أن الوصية
خلافه فلا تتوقف على العلم كتصرف الوارث ملكا
وولاية حتى لو باع الجد مال ابن ابنه بعد موت
الأب من غير علم بموته جاز، وأما الوكالة
فإثبات ولاية التصرف في ماله لا استخلاف لبقاء
ولاية الموكل والإذن للعبد والصبي في التجارة
كالوكالة فلا تثبت إلا بعد العلم ولا يجوز
تصرف المأذون قبله هكذا أطلقه الشارح وفي شرح
المجمع لابن فرشتا من المأذون إن كان الإذن
خاصا بأن قال أذنت لعبدي فلان ولم يشهد بين
الناس فعلم العبد به شرط لصيرورته مأذونا وإن
كان عاما كما إذا قال المولى لأهل السوق
بايعوا عبدي فلانا يصير مأذونا قبل العلم ا
هـ.
ج / 7 ص -72-
......................................
_____________
ومثل الوكالة الأمر باليد للمرأة حتى لو جعل
أمرها بيدها لا يصير أمرها بيدها ما لم تعلم
حتى لو طلقت نفسها قبل العلم لا يقع كذا في
الخانية من فصل الأمر باليد من الطلاق. وفي
وكالة البزازية وفي الجامع الصغير الوكيل قبل
علمه بالوكالة لا يكون وكيلا وعن الثاني خلافه
أما إذا علم المشتري بالوكالة واشترى منه ولم
يعلم البائع الوكيل كونه وكيلا بالبيع بأن كان
المالك قال للمشتري اذهب بعبدي إلى زيد فقل له
حتى يبيعه بوكالته عني منك فذهب به إليه ولم
يخبره بالتوكيل فباعه هو منه فالمذكور في
الوكالة أنه يجوز وجعل معرفة المشتري كمعرفة
البائع وفي المأذون ما يدل عليه فإن المولى
إذا قال لأهل السوق بايعوا عبدي فبايعوه ولم
يعلم به العبد يصح وفي الزيادات أنه لا يجوز
إلى آخره وهو حسن وأشار بقوله فهو وصي إلى أنه
لا يتمكن من إخراج نفسه عن الوصاية بشرط أن
يتصرف من بيع أو غيره ليكون ذلك قبولا وإلا
فله إخراج نفسه قبل القبول وعلى هذا فقد ترك
المصنف قيدا لا بد منه وهو أن يقول ومن أوصى
إليه ولم يعلم فتصرف فهو وصي كما في الهداية
وإن لم يتصرف فليس بوصي لعدم القبول وفي
الخانية أودعه ألفا ثم قال في غيبة المودع
أمرت فلانا أن يقبض الألف التي هي عند فلان
ولم يعلم فلان بكونه مأمورا بالقبض ومع ذلك
قبضه بدفع المأمور له وتلف عنده فالمالك
بالخيار في تضمين أيهما شاء القابض والدافع
وإن سلم الدافع العالم بالإذن والقابض لا يعلم
به فتلف عند القابض لا ضمان على واحد منهما؛
لأن المستودع دفع بالإذن ولو لم يعلم أحدهما
بالأمر فقال المأمور للمودع ادفع إلي وديعة
فلان ادفعها إلى صاحبها أو قال ادفعها إلي
تكون عندي لفلان فدفع فضاعت فلرب الوديعة
تضمين أيهما شاء في قول أبي يوسف ومحمد ا هـ.
ثم اعلم أن الوصاية والوكالة يجتمعان ويفترقان
فيفترقان في مسألة الكتاب وفي أن الوصاية لا
تقبل التخصيص والوكالة تقبلها وفي أنه يشترط
في الوصي أن يكون مسلما حرا بالغا عاقلا بخلاف
الوكيل إلا العقل وفي أن الوصي إذا مات قبل
تمام المصلحة نصب القاضي غيره ولو مات وكيل
الغائب لا ينصب غيره إلا عن المفقود للحفظ وفي
أن القاضي يعزل الوصي بخيانة أو تهمة بخلاف
الوكيل عن الحي وتمامه في الأشباه والنظائر في
فن الفروق ثم اعلم أن صاحب الهداية ذكر هنا أن
الوصاية خلافة لا نيابة كالوراثة وقال قبله إن
الوصية خلافة كهي وقدمنا ما في الثاني، وأما
الأول فالمراد أنه خليفة الميت في التصرف
كالوارث لا في الملك بخلاف الخلافة في الوصية
فإنها في الملك لا في التصرف ومما يدل على أن
الوصي خليفة الميت ما في خزانة المفتين لو مات
عن وصي وابن صغير ودين فقبضه الوصي بعد بلوغ
الصغير جاز إلا إذا نهاه ثم اعلم أنهم فرقوا
بين الوارث والوصي في مسألة لو أوصى بعتق عبد
ج / 7 ص -73-
ومن أعلمه بالوكالة صح تصرفه, ولا يثبت عزله إلا بعدل أو مستورين
كإخبار السيد بجناية عبده والشفيع والبكر
والمسلم الذي لم يهاجر
_______________
ملك الوارث إعتاقه تنجيزا وتعليقا وتدبيرا
وكتابة ولا يملك الوصي إلا التنجيز وهي في
التلخيص ثم اعلم أنه صرح في التلخيص بأن وصي
القاضي نائب عن الميت لا عن القاضي ولم أر
نقلا في حكم وصايته قبل العلم وكذا في حكم
تولية الناظر من الواقف وينبغي أن يكون على
الخلاف فمن جعل الناظر وصيا قال تثبت قبل
العلم ومن جعله وكيلا قال لا وصححوا أنه وكيل
حتى ملك الواقف عزله بلا شرط.
"قوله ومن أعلمه بالوكالة صح تصرفه"؛ لأنه
معاملة لا إلزام فيه وإنما هو إطلاق أطلقه
فشمل ما إذا كان المخبر عدلا أو غير عدل كبيرا
أو صغيرا فلا يشترط فيه إلا التمييز.
"قوله ولا يثبت عزله إلا بعدل أو مستورين
كإخبار السيد بجناية عبده والشفيع والبكر
والمسلم الذي لم يهاجر" وهذا عند أبي حنيفة
وقالا لا يشترط في المخبر بهذا إلا التمييز
لكونها معاملة وله أن فيها إلزاما من وجه دون
وجه فيشترط أحد شطري الشهادة أما العدد أو
العدالة أطلقه وهو مقيد بأن يكون المخبر غير
الخصم ورسوله فلا يشترط فيه العدالة حتى لو
أخبر الشفيع المشتري بنفسه وجب الطلب إجماعا
والرسول يعمل بخبره وإن كان فاسقا اتفاقا صدقه
أو كذبه كما ذكر الإسبيجابي وكذا لو كان
الرسول صغيرا وظاهر ما في العمادية أنه لا بد
أن يقول له إني رسول يعزلك ويثبت العزل بكتاب
الموكل أيضا ومقيد أيضا بما إذا لم يصدقه أما
إذا صدقه قبل ولو كان فاسقا ذكره أيضا ومقيد
أيضا بما إذا بلغه العزل إن كان العزل قصديا
أما إذا كان حكميا كموت الموكل فإنه يثبت
وينعزل قبل العلم ولم يذكر المصنف اشتراط سائر
الشروط في الشاهد وجزم في تنقيح الأصول
باشتراط سائر الشروط مع العدد أو العدالة على
قول الإمام الأعظم فلا يثبت بخبر المرأة
والعبد والصبي وإن وجد العدد أو العدالة وقل
من نبه على هذا ثم اعلم أن الإمام محمد بن
الحسن نص على خمسة منها ولم يذكر مسألة البكر
وإنما قاسها المشايخ وذكر من الخمسة الحجر على
المأذون ولم يذكر المؤلف إلحاقا له بعزل
الوكيل فهي ست. وزدت عليها ثلاثا: إحداها في
الظهيرية من كتاب النكاح قال البيع على الخلاف
يريد به إذا قال رجل عدل هذه العين معيبة
فأقدم على شرائه كان ذلك رضا بالعيب إن كان
المخبر عدلا وإن كان فاسقا فلا ا هـ. الثانية:
في التنقيح فسخ الشركة. الثالثة عزل المتولي
على الوقف على القول بصحة عزله بلا شرط أو على
قول الكل إن كان شرطه الواقف ولم أرها ولكن
صرحوا بأنه وكيل الواقف فيستفاد من مسألة عزل
الوكيل وينبغي أن يزاد أيضا عزل القاضي ولم
أره وقد جعل المصنف من هذه المسائل مسألة
المسلم
ج / 7 ص -74-
ولو باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء وأخذ المال فضاع واستحق العبد
لم يضمن, ورجع المشتري على الغرماء
_________________
الذي لم يهاجر وهو نص محمد في النوادر واختار
السرخسي قبول خبر الفاسق حتى تجب عليه الأحكام
بخبره؛ لأن المخبر له رسول رسول الله صلى الله
عليه وسلم والعدالة لا تشترط في الرسول كما
قدمناه وصححه الشارح ورده في فتح القدير
والتحرير بأن عدم اشتراط العدالة إنما هو في
الرسول الخاص بالإرسال وإلا فيلزم على قوله أن
لا تشترط العدالة في رواية الحديث وظاهر قوله
أو مستورين أنه لا يقبل خبر الفاسقين وهو ضعيف
والصحيح قبوله وثبوت هذه الأحكام؛ لأن تأثير
خبر الفاسقين أقوى من تأثير خبر العدل بدليل
أنه لو قضى بشهادة واحد عدل لم ينفذ وبشهادة
فاسقين ينفذ وقوله إلا بعدل أي بخبر عدل ولا
يشترط فيه لفظ الشهادة كذا في فتح القدير.
"قوله ولو باع القاضي أو أمينه عبدا للغرماء
وأخذ المال فضاع واستحق العبد لم يضمن" أي
البائع الثمن للمشتري؛ لأن القاضي قائم مقام
الخليفة ولا ضمان عليه فلا ضمان على القاضي
وأمين القاضي كالقاضي وهو من يقول له القاضي
جعلتك أمينا في بيع هذا العبد أما إذا قال بع
هذا العبد ولم يزد عليه اختلف المشايخ والصحيح
أنه لا تلحقه عهدة ذكره شيخ الإسلام خواهر
زاده كذا في شرح التلخيص للفارسي وأشار المؤلف
رحمه الله إلى أن العبد لو ضاع منه قبل
التسليم إلى المشتري لم يضمنا كما ذكره الشارح
وإلى أن أمينه لو قال بعت وقبضت الثمن وقضيت
الغريم صدق بلا يمين وعهدة إلحاقا بالقاضي كذا
في شرح التلخيص أيضا وفي البدائع من خيار
العيب أن العيب إذا كان ظاهرا يرد المبيع به
ينظر القاضي أو أمينه ا هـ. وفي قضاء الملتقط
إذا وجب يمين على مخدرة وجه القاضي لها ثلاثة
من العدول يستخلفها واحد وآخران يشهدان على
يمينها أو نكولها. ا هـ. فعلى هذا المستحلف
ليس بأمينه وإلا قبل قوله في اليمين والنكول
وحده ثم اعلم أن القاضي وأمينه لا ترجع حقوق
عقد باشراه لليتيم إليهما بخلاف الوكيل والأب
والوصي فلو ضمن القاضي أو أمينه ثمن ما باعاه
لليتيم بعد بلوغه صح بخلافهم وتمامه في قضاء
العتابية.
"قوله ورجع المشتري على الغرماء"؛ لأن البيع
وقع لهم فكانت العهدة عليهم عند تعذر جعلها
على العاقد كما تجعل العهدة على الموكل عند
تعذر جعلها على الوكيل في المحجور عليه قيد
برجوع المشتري؛ لأنه لو ظهر للميت غريم آخر لا
يشارك الأول في الثمن وإن صار مقرا بقبض
الأمين؛ لأن حق المشاركة إنما ثبت بقبض الدين
ولم يوجد قبض الدين حقيقة ولا حكما أقصى ما في
الباب أنه أقر بقبض الأمين ثمن ما باعه من
التركة وأمين القاضي ليس بنائب عنه لا
ج / 7 ص -75-
......................................
_____________
في البيع ولا في القبض ليكون إقراره بقبضه
إقرارا بقبض نفسه حكما بل هو نائب عن الميت في
البيع؛ لأن المقبوض بدل ملك الميت ولهذا لو
توي المقبوض في يد الأمين لا يسقط بتواه شيء
من دين الغريم كذا في شرح التلخيص من الوكالة.
وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن الغريم خصم
للمشتري في الرد بعيب ولكن في التلخيص منها
فإن قال أمينه الذي أمره بالبيع فيه بعت وقبضت
الثمن وقضيت الغريم صدق بلا يمين وعهدة إلحاقا
بالقاضي ثم الغريم إن أنكر الإيفاء دون القبض
كان خصما للمشتري في العيب فيغرم الثمن لا
لغريم آخر فلا يشاركه إذ العهدة بالعقد وهو له
نفعا كما في توكيل المحجور والمكره والشركة
بالقبض وهو للميت حتى لم يسقط التوى شيئا وإن
أنكرهما كان الخصم من يأمره القاضي لانتهاء
الأول بلا حقوق ويبيع فيما للمشتري هنا أو غرم
الغريم في الأولى نظرا للتعين نظرا وسلطة كما
مر مهدرا للنقص صار فالفضل إلى دين الغريم
قديما وفاء بقصور السلطة كما لو ظهر مال آخر.
ا هـ. وتوضيحه في شرحه للفارسي ثم اعلم أنهم
جعلوا النائب كالأصيل في نائب القاضي وهو
الأمين وفي الوكيل فينبغي أن يجعل نائب الإمام
أو نائبه كهما بدليل ما قدمناه من أن القاضي
إنما قبل قوله بلا يمين لكونه نائبا عن الإمام
فعلى هذا يقبل قول أمين بيت المال بلا يمين
فليحفظ هذا خصوصا أنهم جعلوا أمين القاضي كهو
فأمين الإمام كهو بالأولى وسيأتي نقله عن شرح
التلخيص نائب الناظر كهو في قبول قوله فلو
ادعى ضياع مال الوقف أو تفريقه على المستحقين
وأنكروا فالقول له كالأصيل لكن مع اليمين وبه
فارق أمين القاضي فإنه لا يمين عليه كالقاضي.
وأشار المؤلف أيضا إلى أن الوكيل لو ادعى ذلك
لم يضمن أيضا وفي التلخيص إن قال الوكيل بعت
وقبضت الثمن وسلمته إلى الآمر أو ضاع صدق وبرئ
المشتري للتسليط قصدا أو ضمنا ويحلف على
التسليم والضياع إذ نكوله على نفسه دون
المشتري ولا يحلف على البيع والقبض للعكس إلا
في دعوى الغرم لعكس العكس ألا ترى أن ذا اليد
إذا أقر بالمدعى لصغير حلف على الغرم دون
العين ويسلم المبيع إن كان في يده للتسليط يدا
لا إن كان في يد الآمر للعدم بل يفسخ المشتري
أو ينقد راجعا به على الوكيل لفوت رضا أو
سلامة ويسترد المعيب رادا ثمنه وفاء بالعدل
والحقوق ويرجع به على الآمر إن صدقه في القبض
إذ يده يده بدليل التلف ويبيعه القاضي فيه إن
كذبه إلى آخر ما ذكره في باب ما يصدق فيه
الوكيل والوصي والقاضي منها قيد بعدم ضمانه
عند الاستحقاق؛ لأنه لو أخطأ في قضائه ضمن لما
في المحيط البرهاني من الحدود ولو شهد أربعة
من الرجال على محصن بالزنا فرجمه الإمام ثم
وجد أحدهم عبدا أو محدودا في قذف فديته على
القاضي ويرجع القاضي بذلك في بيت المال
ج / 7 ص -76-
وإن أمر القاضي الوصي ببيعه لهم فاستحق أو مات قبل القبض وضاع المال
رجع المشتري على الوصي وهو على الغرماء
________________
بالإجماع الأصل في جنس هذه المسائل أن القاضي
متى ظهر خطؤه فيما قضى بيقين فإنه يضمن ما قضى
به ويرجع بذلك على المقضي له كالمودع والوكيل
وإن كان الخطأ في المال فإن كان قائما بيد
المقضي له أخذه القاضي ورده على المقضي عليه
وإن كان مستهلكا ضمن قيمته ورجع بذلك على
المقضي له وإن كان في رجم أو قطع يد في سرقة
ضمن القاضي ورجع بما ضمن في بيت المال وإن ظهر
أن الشهود فسقة لم يضمن القاضي؛ لأنه لم يظهر
خطؤه بيقين؛ لأن خطأ القاضي إنما يظهر إذا ظهر
أنه قضى بغير شهادة ولم يظهر؛ لأن الفاسق أهل
للشهادة عندنا ا هـ.
والمنقول في الخلاصة والبزازية والمحيط
المذكور من كتاب القضاء عدم ضمان القاضي إذا
أخطأ وهو مخالف لما في المحيط من الحدود.
"قوله وإن أمر القاضي الوصي ببيعه لهم فاستحق
أو مات قبل القبض وضاع المال رجع المشتري على
الوصي وهو على الغرماء"؛ لأنه عاقد نيابة عن
الميت فترجع الحقوق إليه كما إذا وكله حال
حياته أطلقه فشمل وصي الميت ووصي القاضي؛ لأنه
كوصي الميت في الأحكام كلها إلا في مسائل
ذكرناها في الفوائد فهو نائب الميت لا القاضي
بدليل أن القاضي لا يملك الشراء لنفسه من مال
اليتيم ولو نصب وصيا فاشترى منه صح كذا ذكره
الإمام الحصيري وشراء القاضي من أمينه لا يجوز
أيضا والتقييد بأمر القاضي اتفاقي وليعلم حكمه
بغير أمره بالأولى ولهذا قال الإمام الحصيري
وأمر القاضي وعدم أمره سواء وإنما يرجع الوصي
على الغرماء؛ لأنه عامل لهم ولو ظهر للميت بعد
ذلك مال رجع الغريم فيه بدينه؛ لأن دينه لم
يصل إليه ويرجع بما ضمن للوصي أو للمشتري في
المسألتين. وقيل لا يرجع به في الثانية والأول
أصح وصحح مجد الأئمة السرخكتي عدم الرجوع في
الأولى فقد اختلف التصحيح كذا في فتح القدير
والسرخكتي بضم السين فسكون الراء وفتح الخاء
المعجمة والكاف وفي آخرها التاء ثالث الحروف
نسبة إلى سرخكت قرية بثغر حسان سمرقند ينسب
إليها محمد بن عبد الله بن فاعل1 ذكره عبد
القادر في الطبقات وإنما ذكر المؤلف رحمه الله
البيع للغرماء ولم يذكر الوارث مع أنهما سواء
فإذا لم يكن في التركة دين كان العاقد عاملا
له فيرجع عليه بما لحقه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو محمد بن عبد الله بن فاعل الإمام أبو بكر
السرخكتي كان غماما فاضلا توفي بسمرقند سنة
ثمان وخمسمائة هـ "الجواهر المضية" "3/191"
"معجم البلدان" "3/209" "الفوائد البهية"
"179".
ج / 7 ص -77-
ولو قال قاض عدل عالم قضيت على هذا بالرجم أو بالقطع أو بالضرب
فافعله
_______________
العهدة إن كان وصي الميت وإن كان القاضي أو
أمينه هو العاقد رجع عليه المشتري كما ذكره
الشارح؛ لأن ولاية البيع للقاضي إذا كانت
التركة قد أحاط بها الدين ولا يملك الوارث
البيع وفي تلخيص الجامع من باب بيع الوصي من
الوصايا أوصى بأن يشتري بالثلث ويعتق فبان بعد
الائتمار دين يحيط بالثلثين فشراء القاضي عن
الموصي كي لا يصير خصما بالعهدة وإعتاقه لغو
لتعدي الوصية وهي الثلث بعد الدين وشراء الوصي
وعتقه عن نفسه للملك ضمن الخلافة كالوكيل وقيل
يعذره أبو يوسف بالجهل تفريعا على الغبن وإن
نصبه القاضي؛ لأنه عكس الأمين ينوب عن الميت
لا القاضي لما مر في بيع الغنائم ويعتق عن
الميت بثلث ما اشترى القاضي أو غرم الوصي وفاء
بالوصية إلا أن يظهر له مال يخرج الأول من
ثلثه فينقلب الوفاق إليه والخلاف إلى الثاني
وينعكس الجواب. ا هـ.
وفي شرحه هنا مر في باب بيع الغنائم من كتاب
البيوع إن تصرف أمين الإمام كتصرف الإمام
بنفسه وتصرف الإمام حكم وكذا تصرف أمينه ولهذا
لم يجز لكل واحد منهما أن يشتري من نفسه شيئا
لنفسه من الغنيمة وإن كان فيه منفعة ظاهرة
للغانمين بأن اشترى بمثل القيمة وزيادة لا
يتغابن الناس في مثله ومن مشايخنا من قال إن
هذا قول محمد ما عندهما فإن كان فيه منفعة
ظاهرة يجوز كوصي القاضي والصحيح أنه قول الكل
نص عليه في الذخيرة وهذا بخلاف الوصي لأن
القاضي أقامه مقام الميت بحكم الولاية العامة
عند عجز الميت لا مقام نفسه فصار كأن الميت
بنفسه أقامه وتصرف الميت ليس بحكم فكذا تصرف
نائبه ا هـ.
وقد ظهر بهذا أن الإمام كالقاضي فعله حكم وفي
قضاء الملتقط إذا قال القاضي جعلتك وكيلا في
تركة فلان فهو وكيل بالحفظ فقط وإذا قال جعلتك
وصيا فهو وصي عام كذا روي عن أبي يوسف وبه أخذ
القاضي وذكر الحصيري في شرح الجامع الكبير ولو
أوصى أن يباع عبده ويشترى بثمنه نسمة فتعتق
عنه فباع الوصي العبد واشترى بثمنه نسمة
فأعتقها وهو الثلث ثم رد العبد بعيب ضمن الوصي
الثمن ويقال له بع العبد فإن بلغ ذلك الثمن
فالعتق جائز عن الميت كما كان وإن كان أكثر من
الأول أو أقل يعتق عنه لا عن الميت؛ لأنه تبين
خلافه؛ لأن الثمن هو الباقي ولم يشتر بثمنه
فصار مخالفا ويشتري بهذا الثمن نسمة فتعتق عن
الميت كما أمره ولو استحق رجع المشتري على
الوصي ويكون العتق عن الوصي ولا يرجع على
الورثة في نصيبهم بشيء؛ لأن الميت لم يوص في
ذلك بشيء إنما أوصى أن يشتري بثمن ذلك العبد
وتبين أن العبد لغيره ا هـ.
"قوله ولو قال قاض عدل عالم قضيت على هذا
بالرجم أو بالقطع أو بالضرب فافعله
ج / 7 ص -78-
وسعك فعله
____________
وسعك فعله"؛ لأن طاعة أولي الأمر واجبة بالآية
الشريفة وتصديقه طاعة له قيد بعدالته وعلمه
لتنتفي عنه التهمة فإن كان عدلا جاهلا يستفسر
فإن أحسن الشرائط وجب تصديقه وإلا لا وكذا إن
كان فاسقا إلا أن يعاين الحجة لاحتمال الخطأ
أو الخيانة ولا يمين على القاضي وما ذكره
المصنف قول الماتريدي وفي الجامع الصغير لم
يقيده بهما ثم رجع محمد فقال لا يأخذ بقوله
إلا أن يعاين الحجة أو يشهد بذلك مع القاضي
عدل وبه أخذ مشايخنا لفساد أكثر قضاة زماننا
والتدارك غير ممكن كذا في الشرح وفي العناية
لا سيما قضاة زماننا؛ لأن أكثرهم يتولون
بالرشا فأحكامهم باطلة ومعناه أن يشهد القاضي
والعدل على شهادة الذين شهدوا بسبب الحد لا
حكم القاضي وإلا كان القاضي شاهدا على فعل
نفسه كذا في فتح القدير واستثنى في الهداية من
هذا الكلي كتاب القاضي إلى القاضي لضرورة
إحياء الحقوق ولأن الخيانة في مثله قلما تقع.
ا هـ. فظاهر الاقتصار على كتاب القاضي أن
القاضي لا يقبل قوله فيما عداه سواء كان قتلا
أو قطعا أو ضربا كما في الكتاب أو غيرها فلو
قال قضيت بطلاقها أو بعتقه أو ببيع أو نكاح أو
إقرار لم يقبل قوله.
والحاصل أن الإمام محمدا لما رجع عن القول
بقبول قوله إلا أن يعاين الحجة لم يجزه
المشايخ على إطلاقه فمنهم من زاد أو يشهد بذلك
مع القاضي عدل وهو رواية عنه وقد استبعده في
فتح القدير بكونه بعيدا في العادة وهو شهادة
القاضي عند الجلاد ومنهم من استثنى كتاب
القاضي كما قد علمت والاكتفاء بالواحد على هذه
الرواية في حق يثبت بشاهدين وإن كان في زنا
فلا بد من ثلاثة أخر كذا ذكره الإسبيجابي،
وأما الإمام أبو منصور الماتريدي1 فقيده بغير
العالم العدل أما من كان متصفا بهما فيقبل
قوله؛ لأن عدم الاعتماد إنما علل بالفساد
والغلط وهو منتف في العالم العدل وذكر
الإسبيجابي أن المسألة مصورة عند أبي حنيفة في
القاضي العالم العدل؛ لأنه إذا كان غير هذا لا
يولى القضاء ولا يؤتمر بأمره بالاتفاق. ا هـ.
فما قاله أبو منصور كشف عن مذهب الإمام فلهذا
اختاره في الكتاب.
وفي التهذيب ويصدق القاضي فيما قال من التصرف
في الأوقاف وأموال اليتامى والغائبين من أداء
وقبض وإذا رفع إلى القاضي أنك حكمت على فلان
بكذا وهو غائب لم يصدق فيه ا هـ. وفي جامع
الفصولين من الفصل العاشر وروى ابن سماعة أن
القاضي لا يقضي بعلمه أقول: ينبغي أن يفتى به
في غير كتاب القاضي لمعنى ظاهر في أكثر قضاة
الزمان أصلح الله شأنهم ورأيت في عيون المذاهب
أنه لو قال قاض عدل عالم حكمت على هذا بالرجم
أو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدمت ترجمته عند التأويلات.
ج / 7 ص -79-
وإن قال قاض عزل لرجل أخذت منك ألفا ودفعته إلى زيد قضيت به عليك
فقال الرجل أخذته ظلما فالقول للقاضي وكذا لو
قال قضيت بقطع يدك في حق إذا كان المقطوع يده
والمأخوذ منه ماله مقرا أنه فعله وهو قاض
_______________
بالقطع فافعله وسعك أن تفعله إلا عند مالك
والشافعي في قول ومحمد في رواية وبه يفتى. ا
هـ. فقد ثبت أن الفتوى على ما رجع إليه محمد
لكن رأيت بعد ذلك في شرح أدب القضاء للصدر
الشهيد أنه صح رجوع محمد إلى قول أبي حنيفة
وأبي يوسف رواه هشام عنه ا هـ.
والحاصل المفهوم من شرح الصدر الشهيد أن
الشيخين قالا بقبول إخباره عن إقراره بشيء لا
يصح رجوعه عنه مطلقا وأن محمدا أولا وافقهما
ثم رجع عنه وقال لا يقبل إلا بضم رجل آخر عدل
إليه وهو المراد بقول من روي عنه أنه لا يقبل
مطلقا ثم صح رجوعه إلى قولهما، وأما إذا أخبر
القاضي بإقراره عن شيء يصح رجوعه عنه كالحد لم
يقبل قوله بالإجماع وإن أخبر عن ثبوت الحق
بالبينة فقال قامت بذلك بينة وعدلوا وقبلت
شهادتهم على ذلك تقبل في الوجهين جميعا ا هـ.
ثم اعلم أن القاضي إذا قضى بشيء ينبغي له أن
يشهد على قضائه سواء كان ببينة أو بإقرار
مطلقا إلى آخر ما ذكره الصدر الشهيد ولا بد من
إشهاده عليه في محل ولايته فلو أشهد على قضائه
بعدما خرج من المصر لم يسع الشاهدين الشهادة
وإن بينا لم يقبلا كما ذكره الحصيري في شرح
الجامع الكبير.
"قوله وإن قال قاض عزل لرجل أخذت منك ألفا
ودفعته إلى زيد قضيت به عليك فقال الرجل أخذته
ظلما فالقول للقاضي وكذا لو قال قضيت بقطع يدك
في حق إذا كان المقطوع يده والمأخوذ منه ماله
مقرا أنه فعله وهو قاض"؛ لأنهما لما توافقا
أنه فعل ذلك في قضائه كان الظاهر شاهدا له إذ
القاضي لا يقضي بالجور ظاهرا ولا يمين عليه؛
لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على
القاضي وأشار المؤلف إلى عدم الضمان على
القاطع والآخذ لو أقر بما أقر به القاضي وقيد
بإقراره أنه فعله وهو قاض؛ لأن المقطوع يده
والمأخوذ ماله لو زعما أنه فعل قبل التقليد أو
بعد العزل ففيه اختلاف والأصح أن القول
للقاضي؛ لأنه أسند فعله إلى حالة معهودة
منافية للضمان فصار كما إذا قال طلقت أو أعتقت
وأنا مجنون وجنونه معهود ولو أقر القاطع
والآخذ في هذا الفصل بما أقر به القاضي
يضمنان؛ لأنهما أقرا بسبب الضمان وقول القاضي
مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب
الضمان عن غيره بخلاف الأول؛ لأنه ثبت فعله في
قضائه بالتصادق ولو كان المال في يد الآخذ
قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه
المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو لا
يؤخذ منه؛ لأنه أقر أن اليد كان له فلا يصدق
في دعوى التملك إلا بحجة وقول المعزول ليس
بحجة فيه. ثم اعلم أن الأصل أن
ج / 7 ص -80-
................................
_______________
المقر إذا أسند إقراره إلى حالة منافية للضمان
من كل وجه فإنه لا يلزمه شيء منها ما ذكرناه
ومنها لو قال العبد لغيره بعد العتق قطعت يدك
وأنا عبد فقال المقر له بل قطعتها وأنت حر
فالقول للعبد ومنها ما لو قال المولى لعبد قد
أعتقه أخذت منك غلة كل شهر خمسة دراهم وأنت
عبد فقال المعتق أخذتها بعد العتق كان القول
للمولى ومنها الوكيل بالبيع إذا قال بعت وسلمت
قبل العزل وقال الموكل بعد العزل فالقول
للوكيل إن كان المبيع مستهلكا وإن كان قائما
فالقول للموكل؛ لأنه أخبر عما لا يملك الإنشاء
وكذا في مسألة الغلة لا يصدق في الغلة
القائمة؛ لأنه أقر بالأخذ وبالإضافة يدعي عليه
التمليك ومنها لو قال الوصي بعدما بلغ اليتيم
أنفقت عليك كذا وكذا من المال وأنكر اليتيم
كان القول للوصي لكونه أسنده إلى حالة منافية
للضمان وأورد في النهاية على هذا الأصل ما إذا
أعتق أمته ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي
فقالت هي قطعتها وأنا حرة فالقول لها وكذا في
كل شيء أخذه منها عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع
أنه منكر للضمان بإسناد الفعل إلى حالة منافية
للضمان فأجاب بالفرق من حيث إن المولى أقر
بأخذ مالها ثم ادعى التمليك لنفسه فيصدق في
إقراره ولا يصدق في دعواه التمليك له وكذا لو
قال لرجل أكلت طعامك بإذنك فأنكر الإذن يضمن
المقر وذكر الشارح أن هذا الفرق غير مخلص وهو
كما قال. وقد خرج هذا الفرع ونحوه بما زدناه
على القاعدة من قولنا من كل وجه؛ لأن كونها
أمة له لا ينفي الضمان عنه من كل وجه؛ لأنه
يضمن فيما لو كانت مرهونة أو مأذونة مديونة
فلم يرد وأصل المسألة في المجمع من الإقرار
قال ولو أقر حربي أسلم بأخذ مال قبل الإسلام
أو بإتلاف خمر بعده أو مسلم بمال حربي في دار
الحرب أو بقطع يد معتقة قبل العتق فكذبوه في
الإسلام أفتي بعدم الضمان في الكل قال المصنف
في شرحه وقالا يضمن؛ لأنه أسنده إلى حالة قد
يجامعها الضمان في الجملة فلا يبرأ بهذا
الإسناد في البزازية صب دهنا لإنسان عند
الشهود فادعى مالكه ضمانه فقال كانت نجسة
لوقوع فأرة فالقول للمصاب لإنكاره الضمان
والشهود يشهدون على الصب لا على عدم النجاسة
وكذا لو أتلف لحم طواف فطولب بالضمان فقال
كانت ميتة فأتلفتها لا يصدق وللشهود أن يشهدوا
أنه لحم ذكي بحكم الحال وقال القاضي لا يضمن
فاعترض عليه بمسألة كتاب الاستحسان وهي أن
رجلا لو قتل رجلا قال كان ارتد أو قتل أبي
فقتلته قصاصا أو للردة لا يسمع فأجاب وقال؛
لأنه لو قبل لأدى إلى فتح باب العدوان فإنه
يقتل ويقول كان القتل لذلك وأمر الدم عظيم فلا
يهمل بخلاف المال فإنه بالنسبة إلى الدم أهون
حتى حكم في المال بالنكول وفي الدم حبس حتى
يقر أو يحلف واكتفى باليمين الواحدة في المال
وبخمسين يمينا في الدم ا هـ. والله تعالى
أعلم. |