البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 7 ص -81-
25-كتاب الشهادات
______________
25-كتاب الشهادات
أخرها عن القضاء؛ لأنها كالوسيلة له وهو
المقصود وهي سببه الكلام فيها في مواضع: الأول
في معناها لغة وشريعة واصطلاحا فالأول كما في
الصحاح خبر قاطع تقول منه شهد الرجل على كذا
وربما قالوا شهد الرجل بسكون الهاء للتخفيف
وقولهم أشهد بكذا أي أحلف والمشاهدة المعاينة
وشهده شهودا أي حضره فهو شاهد وقوم شهود أي
حضور وهو في الأصل مصدر وشهد أيضا مثل راكع
وركع وشهد له بكذا شهادة أي أدى ما عنده فهو
شاهد والجمع شهد كصاحب وصحب وسافر وسفر وبعضهم
ينكره وجمع الشهد شهود وأشهاد والشهيد الشاهد
والجمع الشهداء ا هـ. وفي المصباح فائدة جرى
على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة
أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة
على تحقيق الشيء نحو أعلم وأتيقن وهو موافق
لألفاظ الكتاب والسنة أيضا فكان كالإجماع على
تعيين هذه اللفظة دون غيرها ولا يخلو عن معنى
التعبد إذ لم ينقل غيره ولعل السر فيه أن
الشهادة اسم من المشاهدة وهي الاطلاع على
الشيء عيانا فاشترط في الأداء ما ينبئ عن
المشاهدة واختصت بشيء يدل على ذلك وهو ما اشتق
من اللفظ وهو أشهد بلفظ المضارع ولا يجوز
شهدت؛ لأن الماضي موضوع للإخبار عما وقع نحو
قمت أي فيما مضى من الزمان فلو قال شهدت احتمل
الإخبار عن الماضي فيكون غير مخبر به في الحال
وعليه قوله تعالى: حكاية عن أولاد يعقوب عليهم
الصلاة والسلام
{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81]؛ لأنهم شهدوا عند أبيهم أولا بسرقته حين قالوا إن ابنك
سرق فلما اتهمهم اعتذروا عن أنفسهم بأنهم لا
صنع لهم في ذلك فقالوا وما شهدنا عندك سابقا
بقولنا إن ابنك سرق إلا بما عايناه من إخراج
الصواع من رحله والمضارع موضوع للإخبار في
الحال فإذا قال أشهد فقد أخبر في الحال وعليه
قوله تعالى:
{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}
[المنافقون: 1] أي نحن الآن شاهدون بذلك وأيضا فقد استعمل أشهد في
القسم نحو أشهد بالله لقد كان كذا أي أقسم
فتضمن لفظ أشهد معنى المشاهدة والقسم والإخبار
في الحال فكأن الشاهد قال أقسم بالله لقد
اطلعت على ذلك وأنا الآن أخبر به وهذه المعاني
مفقودة في غيره من الألفاظ فلذا اقتصر احتياطا
واتباعا للمأثور وقولهم أشهد أن لا إله إلا
الله تعدى بنفسه؛ لأنه بمعنى أعلم. ا هـ. وأما
الثاني فما ذكره المؤلف بقوله.
ج / 7 ص -82-
هي إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان
____________
"قوله هي إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين
وحسبان" أي الشهادة وصرح الشارح بأن هذا
معناها اللغوي وهو خلاف الظاهر وإنما هو
معناها الشرعي أيضا كما أفاده في إيضاح
الإصلاح والمشاهدة المعاينة كما قدمناه
والعيان بالكسر المعاينة كما في ضياء الحلوم
فهو تأكيد والتخمين الحدس والحسبان بالكسر
الظن وأورد على هذا التعريف الشهادة بالتسامع
فإنها لم تكن عن مشاهدة وأجاب في الإيضاح بأن
جوازها إنما هو للاستحسان والتعريفات الشرعية
إنما تكون على وفق القياس ولكونها إخبارا عن
معاينة قال في الخانية إذا قرئ عليه صك ولم
يفهم ما فيه لا يجوز له أن يشهد بما فيه كذا
في الحظر والإباحة وفي الملتقط إذا سمع صوت
المرأة ولم ير شخصها فشهد اثنان عنده أنها
فلانة لا يحل له أن يشهد عليها وإن رأى شخصها
وأقرت عنده فشهد اثنان أنها فلانة حل له أن
يشهد عليها ا هـ. وتمام مسألة الشهادة بما في
الصك في شهادات البزازية، وأما معناها في
الاصطلاح فقال في العناية إخبار صادق في مجلس
الحكم بلفظ الشهادة فالإخبار كالجنس وقوله
صادق يخرج الأخبار الكاذبة وما بعده يخرج
الأخبار الصادقة غير الشهادات ا هـ. ويرد عليه
قول القائل في مجلس القاضي أشهد برؤية كذا
لبعض العرفيات فالأولى أن يزاد لإثبات حق كما
في فتح القدير ولم يقولوا بعد دعوى لتخلفها
عنها في نحو عتق الأمة وطلاق الزوجة فلم تكن
الدعوى شرطا لصحتها مطلقا وقول بعضهم إنها
إخبار بحق للغير على الغير بخلاف الإقرار فإنه
إخبار بحق على نفسه للغير والدعوى فإنها إخبار
بحق لنفسه على الغير غير صحيح لعدم شموله لما
إذا أخبر بما يوجب الفرقة من قبلها قبل الدخول
فإنه شهادة ولم يوجد فيها ذلك المعنى كما أشار
إليه في إيضاح الإصلاح وكأنه لاحظ أنه لم يخبر
بحق للغير لأن ذلك موجب لسقوط المهر وجوابه أن
سقوطه عن الزوج عائد إلى أنه له فهو كالشهادة
بالإبراء عن الدين فإنه إخبار بحق للمديون وهو
السقوط عنه وكذا هنا وجعل الأخبار أربعة
والرابع الإنكار وعزاه إلى شرح الطحاوي، وأما
الثاني فركنها لفظ أشهد بمعنى الخبر دون القسم
كذا في الشرح ما لم يأت في آخرها بما يوجب
الشك فلو قال أشهد بكذا فيما أعلم لا تقبل كما
لو قال في ظني بخلاف ما لو قال أشهد بكذا قد
علمت ولو قال لا حق لي قبل فلان فيما أعلم لا
يصح الإبراء ولو قال لفلان علي ألف درهم فيما
أعلم لا يصح الإقرار كما ذكره الإمام الحصيري
ولو قال المعدل هو عدل فيما أعلم لا يكون
تعديلا ذكره في باب أدب القضاء للخصاف.
والحاصل أن قوله فيما أعلم بعد الإخبار موجب
للشك فيه عرفا فيبطل وأما الثالث:
ج / 7 ص -83-
....................................
___________
فشرطها العقل الكامل والضبط والولاية والقدرة
على التمييز بين المدعي والمدعى عليه وذلك
بالسمع والبصر هكذا في الشرح وفتح القدير
والعناية ولكن زاد فيها الإسلام إن كان المدعى
عليه مسلما وفي كلامهم قصور؛ لأن من الشرائط
أن لا يكون بينه وبين المشهود له قرابة الولاد
ولا زوجية وأن لا يدفع عن نفسه مغرما وأن لا
يجلب لنفسه مغنما وأن لا يكون بينه وبين
المشهود عليه عداوة دنيوية كما سيأتي مفصلا
والظاهر أنهم إنما تركوا هذه؛ لأن مرادهم بيان
شرائط الشهادة في الجملة لا بالنظر إلى
المشهود له والمشهود عليه ولذا ترى بعضهم ترك
قيد الإسلام لجواز شهادة الكافر على مثله
والأحسن ما في البدائع من أن شرائطها نوعان ما
هو شرط تحملها وما هو شرط أدائها فالأول ثلاثة
العقل وقت التحمل والبصر فلا يصح تحملها من
مجنون وصبي لا يعقل وأعمى وأن يكون التحمل
بمعاينة المشهود به بنفسه لا بغيره إلا في
أشياء مخصوصة يصح التحمل فيها بالتسامع ولا
يشترط للتحمل البلوغ والحرية والإسلام
والعدالة حتى لو كان وقت التحمل صبيا عاقلا أو
عبدا أو كافرا أو فاسقا ثم بلغ الصبي وعتق
العبد وأسلم الكافر وتاب الفاسق فشهدوا عند
القاضي تقبل وأما شرائط أدائها فأربعة أنواع
منها ما يرجع إلى الشاهد ومنها ما يرجع إلى
نفس الشهادة ومنها ما يرجع إلى مكانها ومنها
ما يرجع إلى المشهود به. فما يرجع إلى الشاهد
البلوغ والحرية والبصر والنطق والعدالة لكن هي
شرط وجوب القبول على القاضي لا جوازه وأن لا
يكون محدودا في قذف وأن لا يجر الشاهد إلى
نفسه مغنما ولا يدفع عن نفسه مغرما فلا تقبل
شهادة الفرع لأصله والأصل لفرعه وأحد الزوجين
للآخر وأن لا يكون خصما فلا تقبل شهادة الوصي
لليتيم والوكيل لموكله وأن يكون عالما
بالمشهود به وقت الأداء ذاكرا له فلا يجوز
اعتماده على خطه من غير تذكر عنده خلافا لهما،
وأما ما يخص بعضها فالإسلام إن كان المشهود
عليه مسلما والذكورة في الشهادة بالحد والقصاص
وتقدم الدعوى فيما إذا كان من حقوق العباد
وموافقتها للدعوى فيما يشترط فيها فإن خالفتها
لم تقبل إلا إذا وافق المدعي عند إمكانه وقيام
الرائحة في الشهادة على شرب الخمر ولم يكن
سكرانا لا لبعد مسافة والأصالة في الشهادة
بالحدود والقصاص وتعذر حضور الأصل في الشهادة
على الشهادة، وما يرجع إلى الشهادة لفظ
الشهادة والعدد في الشهادة بما يطلع عليه
الرجال واتفاق الشاهدين وما يرجع إلى مكانها
واحد وهو مجلس القضاء وما يرجع إلى المشهود به
قد علم من الشرائط الخاصة فالحاصل أن شرائطها
أحد وعشرون: شرائط التحمل ثلاثة وشرائط الأداء
سبعة عشر منها عشر شرائط عامة ومنها سبعة
شرائط خاصة وشرائط نفس الشهادة ثلاثة
ج / 7 ص -84-
وتلزم بطلب المدعي
_____________
وشرط مكانها واحد وسيأتي صفة الشاهد الذي
ينصبه القاضي شاهدا للناس، والرابع سبب وجوبها
طلب ذي الحق أو خوف فوت حقه فإن من عنده شهادة
لا يعلم بها صاحب الحق وخاف فوت الحق يجب عليه
أن يشهد بلا طلب. الخامس حكمها وجوب الحكم على
القاضي. السادس في صفتها تحملا وأداء وسيأتي.
السابع في بيان أن القياس عدم قبولها لاحتمال
الكذب لكن لما شرطت العدالة ترجح جانب الصدق
ووردت النصوص بالاستشهاد جعلت موجبة. الثامن
محاسنها كثيرة منها امتثال الأمر في قوله
تعالى:
{كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] وهو حسن. التاسع في دليلها وهو الكتاب والسنة
والإجماع. العاشر في أهلها وقد علم من
الشرائط.
"قوله وتلزم بطلب المدعي" أي ويلزم أداؤها
الشاهد إذا طلبه المدعي فيحرم كتمانها لقوله
تعالى:
{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ
يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] فهو نهي عن الكتمان فيكون أمرا بضده حيث كان له ضد
واحد وهو آكد من الأمر بأدائها ولذا أسند
الإثم إلى رأس الأعضاء وهو الآلة التي وقع بها
أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى
من الإسناد إلى كله فقوله أبصرته بعيني آكد من
قوله أبصرته وفسر الإمام الرازي في أحكام
القرآن الكتمان بعقد القلب على ترك الأداء
باللسان وفسر البغوي آثم بفاجر وأن الله يمسخ
قلبه بالكتمان وفيه أنه ليس في القرآن وعيد
أشد منه واستدل في الهداية بهذه الآية على
فرضيتها مع احتمال أن إيراد نهي المدينين عن
كتمانها كما احتمل أن يراد نهي الشهود قال
القاضي ولا تكتموا الشهادة أيها الشهود أو
المدينون والشهادة شهادتهم على أنفسهم ا هـ.
فعلى الثاني المراد النهي عن كتمان الإقرار
بالدين فالأولى الاستدلال على فرضيتها
بالإجماع واحتمل أن الضمير في قول المؤلف تلزم
عائد إلى الشهادة بمعنى تحملها لا بمعنى
أدائها فإن تحملها عند الطلب والتعيين فرض كما
سيأتي. وعلى هذا فما في فتح القدير من أنه إن
أريد بها تحملها فالنهي لكراهة التنزيه التي
مرجعها خلاف الأولى مشكل وذكر الإمام الرازي
في أحكام القرآن أن قوله تعالى:
{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}
[البقرة: 282] عام في التحمل والأداء لكن في التحمل على المتعاقدين
الحضور إليهما للإشهاد ولا يلزم الشاهدين
الحضور إليهما وفي الأداء يلزمهما الحضور إلى
القاضي لا أن القاضي يأتي إليهما ليؤديا ثم
قال إن الشهادة فرض كفاية إذا قام بها البعض
سقط عن الباقين وتتعين إذا لم يكن إلا شاهدان
سواء كانت للتحمل أو الأداء ا هـ. فعلى هذا
يقال إنها تلزم أي تفترض كفاية ثم صرح بأن
عليهما الكتابة إذا لم يوجد غيرهما
ج / 7 ص -85-
.................................
_________
إذا كان الحق مؤجلا وإلا فلا ثم إنما يلزم
أداؤها بشروط: الأول طلب المدعي فيما كان من
حقوق العباد حقيقة أو حكما وإنما قلنا أو حكما
ليدخل من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق
وخاف فوت الحق فإنه يجب عليه أن يشهد بلا طلب
كما في فتح القدير لكونه طالبا لأدائه حكما
وإنما قيدنا بحقوق العباد لما في القنية أجاب
المشايخ في شهود شهدوا بالحرمة المغلظة بعدما
أخروا شهادتهم خمسة أيام من غير عذر أنها لا
تقبل إن كانوا عالمين بأنهما يعيشان عيش
الأزواج ثم نقل عن العلاء الحمامي1 والخطيب
الأنماطي2 وكمال الأئمة البياعي3 شهدوا بعد
ستة أشهر بإقرار الزوج بالطلقات الثلاث لا
تقبل إذا كانوا عالمين بعيشهم عيش الأزواج
وكثير من المشايخ أجابوا كذلك في جنس هذا وإن
كان تأخيرهم بعذر تقبل مات عن امرأة وورثة
فشهد الشهود أنه كان أقر بحرمتها حال صحته ولم
يشهدوا بذلك حال حياته لا تقبل إذا كانت هذه
المرأة مع هذا الرجل وسكتوا؛ لأنهم فسقوا إلى
آخر ما فيها. الثاني أن يعلم أن القاضي يقبل
شهادته فإن علم أنه لا يقبلها لا يلزمه.
الثالث أن يتعين عليه الأداء فإن لم يتعين بأن
كانوا جماعة فأدى غيره ممن تقبل شهادته فقبلت
لم يأثم بخلاف ما إذا أدى غيره ولم تقبل فإن
من لم يؤد ممن يقبل يأثم بامتناعه وهذا إذا لم
تكن شهادته أسرع قبولا من غيره فإن كانت أسرع
وجب الأداء وإن كان هناك من تقبل شهادته كما
في فتح القدير. الرابع أن لا يخبر عدلان
ببطلان المشهود به فلو شهد عند الشاهد عدلان
أن المدعي قبض دينه أو أن الزوج طلقها ثلاثا
أو أن المشتري أعتق العبد أو أن الولي عفا عن
القاتل لا يسعه أن يشهد بالدين والنكاح والبيع
والقتل كما في الخلاصة وإن لم يكن المخبر
عدولا فالخيار للشهود إن شاءوا شهدوا بالدين
وأخبروا القاضي بخبر القضاء وإن شاءوا امتنعوا
عن الشهادة. كذا في البزازية وإن كان المخبر
واحدا عدلا لا يسعه ترك الشهادة به وكذا لو
قالا عاينا إرضاعهما من امرأة واحدة وكذا لو
عاينا واحدا يتصرف في شيء تصرف الملاك وشهد
عدلان عنده أن هذا الشيء لفلان آخر لا يشهدان
أنه للمتصرف بخلاف إخبار الواحد العدل ولو
أخبره عدلان أنه باعه من ذي اليد له أن يشهد
بما علم ولا يلتفت إلى قولهما كذا في البزازية
أيضا وفيها في الشهادة بالتسامع إذا شهد عندك
عدلان بخلاف ما سمعته ممن وقع في قلبك صدقه لم
يسع لك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر على ترجمته.
2 ذكره في الجواهر المضية من غير تعريف فيه
فقال: الأنماطي المعروف بالخطيب واسمه أحمد
ذكره في القنية. ا هـ "1424".
3 انظر في "الجواهر المضية" "4/159".
ج / 7 ص -86-
...................................
_____________
الشهادة إلا إذا علمت يقينا أنهما كاذبان وإن
شهد عندك عدل بخلاف ما وقع في قلبك من سماع
الخبر لك أن تشهد بالأول إلا أن يقع في قلبك
صدق الواحد في الأمر الثاني ا هـ. وينبغي أن
يكون الاستثناءان في كل شهادة كما لا يخفى.
الخامس أن يكون القاضي الذي طلب الشاهد للأداء
عنده عدلا لما في البزازية وأجاب خلف بن أيوب
فيمن له شهادة فرفعت إلى قاضي غير عدل له أن
يمتنع عن الأداء حتى يشهد عند قاض عدل ا هـ.
وجزم به في السراجية معللا بأنه ربما لا يقبل
ويجرح ا هـ. فعلى هذا لو غلب على ظنه أنه
يقبله لشهرته مثلا ينبغي أن يتعين عليه الأداء
وكذا المعدل لو سأل عن الشاهد فأخبر بأنه غير
عدل لا يجب عليه أن يعدله عنده وهي في أدب
القضاء للخصاف. السادس أن لا يقف الشاهد على
أن المقر أقر خوفا فإن علم بذلك لا يشهد فإن
قال المقر أقررت خوفا وكان المقر له سلطانا
فإن كان في يد عون من أعوان السلطان ولم يعلم
الشاهد بخوفه شهد عند القاضي وأخبره أنه كان
في يد عون من أعوان السلطان كما في البزازية.
السابع أن يكون موضع الشاهد قريبا من موضع
القاضي فإن كان بعيدا بحيث لا يمكنه أن يغدو
إلى القاضي لأداء الشهادة ويرجع إلى أهله في
يومه ذلك قالوا لا يأثم؛ لأنه يلحقه الضرر
بذلك وقال تعالى
{وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثم إن كان الشاهد شيخا كبيرا لا يقدر على المشي إلى
مجلس الحاكم وليس له شيء للركوب فأركبه المدعي
من عنده قالوا لا بأس به وتقبل به شهادته لأنه
من باب الإكرام للشهود وفي الحديث
"أكرموا الشهود"1
وإن كان يقدر وأركبه المدعي من عنده قالوا لا
تقبل كذا ذكره الشارح وفي القنية الشهود في
الرستاق واحتيج إلى أداء شهادتهم هل يلزمهم
كراء الدابة قال لا رواية فيه ولكني سمعت من
المشايخ أنه يلزمهم ا هـ. وفي فتح القدير ولو
وضع للشهود طعاما فأكلوا إن كان مهيأ من قبل
ذلك تقبل وإن صنعه لأجلهم لا تقبل وعن محمد لا
تقبل فيهما وعن أبي يوسف تقبل فيهما للعادة
الجارية بإطعام من حل محل الإنسان ممن يعز
عليه شاهدا أو لا ويؤنسه ما تقدم من أن
الإهداء إذا كان بلا شرط ليقضي حاجته عند
الأمير تجوز كذا قيل وفيه نظر فإن الأداء فرض
بخلاف الذهاب إلى الأمير ا هـ. وجزم في
الملتقط بالقبول مطلقا وفي شرح منظومة ابن
وهبان للمصنف الفتوى على قول أبي يوسف وأشار
المؤلف رحمه الله إلى أن الشاهد إذا لزمه
الأداء بالشروط المذكورة فيه فلم يؤد بلا عذر
ظاهر ثم أدى فإنها لا تقبل ذكره شيخ الإسلام
لتمكن التهمة فيه إذ يمكن أن تأخيره لعذر
ويمكن أنه لاستجلاب الأجرة وتعقبه في فتح
القدير بقوله والوجه القبول ويحمل على العذر
من نسيان ثم تذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: وذكره العجلوني في "كشف الخفاء"
"1/171" وقال رواه العقيلي في الضعفاء.
ج / 7 ص -87-
وسترها في الحدود أحب
_____________
أو غيره ا هـ. وإلى أن التحمل كالأداء فيلزم
عند خوف الضياع وفي البزازية لا بأس للرجل أن
يتحرز عن قبول الشهادة وتحملها، طلب منه أن
يكتب شهادته أو يشهد على عقد أو طلب منه
الأداء إن كان يجد غيره فله الامتناع وإلا لا
ا هـ. وفي الملتقط الإشهاد على المداينات
والبيوع فرض كذا رواه نصير ا هـ. وذكر الإمام
الرازي في أحكام القرآن أن الإشهاد على
المبايعات والمداينات مندوب إلا النزر اليسير
كالخبز والماء والبقل وأطلقه جماعة من السلف
حتى في البقل.
"قوله وسترها في الحدود أحب" لقوله عليه
الصلاة والسلام للذي شهد عنده "لو سترته بثوبك لكان خيرا لك"1 والمخاطب هزال والضمير في سترته لماعز رضي الله عنه وتعقب
الاستدلال بذلك فإن ماعزا أقر بالزنا ولم يشهد
عليه أحد وإنما هزال أشار عليه بالإقرار فلما
قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال ذلك قال
لم أدر أن في الأمر سعة وللحديث "من ستر مسلما
ستره الله في الدنيا والآخرة"2
وفيما نقل من تلقين الدرء عن النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم دلالة
ظاهرة على أفضلية الستر وأفاد بقوله: أحب أن
عدمه جائز إقامة للحسية لما فيه من إزالة
الفساد أو تقليله فكان حسنا ولا يعارضه قوله
تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور: 19] الآية لأن ظاهرها أنهم يحبون ذلك لأجل إيمانهم وذلك
صفة الكافر ولأن مقصود الشاهد ارتفاعها لا
إشاعتها وكذا لا يعارض أفضلية الستر آية النهي
عن كتمانها لأنها من حقوق العباد بدليل قوله
تعالى:
{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] إذ الحدود لا مدعي فيها ورد قول من قال إنها في
الديون بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب
كما ذكره الرازي أو لأنه عام مخصوص بأحاديث
الستر وفي فتح القدير. فإن قلت: كيف صح لك
القول بتخصيص عام الكتاب بهذه وهي أخبار آحاد
وأيضا شرط التخصيص عندكم المقارنة ومن أين ثبت
لك ذلك قلت: هذه الأخبار الواردة في طلب الستر
بلغت مبلغا لا ينحط بها عن درجة الشهرة لتعدد
متونها مع قبول الأمة لها فصح التخصيص بها أو
هي مستند الإجماع على تخيير الشاهد في الحدود
فثبوت الإجماع دليل ثبوت المخصص. وأما
المقارنة فإنما هي شرط التخصيص في نفس الأمر
وهذا التخصيص الذي ادعيناه ليس بذلك بل هو جمع
للمعارضة على ما كتبناه في التعارض في كتاب
تحرير الأصول من أن الجمع بين العام والخاص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره ابن حجر في "فتح الباري" "12/125"
والمتقي المهندي في "كنز العمال" "13557"
وأخرجه أبو داود من حديث نعيم في الحدود باب
في الستر على أهل الحدود "4377".
2 تقدم تخريجه.
ج / 7 ص -88-
ويقول في السرقة أخذ لا سرق
__________
إذا تعارضا بأن يحمل على تخصيصه به فإذا وجب
حمله على ذلك تضمن الحكم منا بأنه كان مقارنا
أو لأنها ليست مخصصات أول كما إذا رجحنا في
التعارض المحرم على المبيح وثبت صحتها تضمن
حكمنا بأن المبيح كان مقدما على المحرم فنسخ
حكم الوجوب ترجيح المحرم وإن لم يعلم تقدمه
بعلم تاريخه وكثيرا ما يعترض بعض متأخري
الشارحين على كثير من المواضع المحكوم فيها
بالتخصيص من أصحابنا بأن المقارنة غير معلومة
فلا يثبت التخصيص ومرادهم في تلك الأماكن ما
ذكرنا هذا كله إذا نظرنا إلى مجرد إطلاق قوله
تعالى:
{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أما إذا قيدناه بما إذا دعوا للشهادة في الدين
المذكور أول الآية فظاهر. ا هـ. والأخير مردود
بما قدمناه وفيه أيضا من كتاب الحدود وإذا كان
الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به
خلاف الأولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه؛
لأنها في رتبة الندب في جانب الفعل وكراهة
التنزيه في جانب الترك وهذا يجب أن يكون
بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يتهتك به
أما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به بل
بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة أولى من
تركها؛ لأن مطلوب الشارع إخلاء الأرض من
المعاصي والفواحش بالخطابات المفيدة لذلك وذلك
يتحقق بالتوبة من الغافلين وبالزجر لهم فإذا
ظهر حال الشهرة في الزنا مثلا والشرب وعدم
المبالاة به وإشاعته فإخلاء الأرض المطلوب
حينئذ بالتوبة احتمال يقابله ظهور عدمها ممن
اتصف بذلك فيجب تحقيق السبب الآخر للإخلاء وهو
الحدود خلاف من زنى مرة أو مرارا مستترا
متخوفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر
الشاهد وقوله عليه الصلاة والسلام لهزال في
ماعز
"لو كنت سترته بثوبك"1
الحديث وسيأتي كان في مثل من ذكرنا وعلى هذا
ذكره في غير مجلس القاضي وأداء الشهادة بمنزلة
الغيبة فيه فيحرم منه ما يحرم منها ويحل منه
ما يحل منها. ا هـ.
"قوله ويقول في السرقة أخذ لا سرق" إحياء لحق
المسروق منه ولا يقول سرق محافظة على الستر
ولأنه لو ظهرت السرقة لوجب القطع والضمان لا
يجامع القطع فلا يحصل إحياء حقه وصرح في غاية
البيان بأن قوله أخذ أولى من سرق وعلى هذا
فيحمل قول القدوري وجب أن يقول أخذ على معنى
ثبت لا الوجوب الفقهي وقوله في العناية فتعين
ذلك مع قوله لا يجوز أي أن يقول سرق تسامح
وإنما الكلام في الأفضل وكل منهما جائز وحكى
الفخر الرازي في التفسير أن هارون الرشيد كان
مع جماعة الفقهاء وفيهم أبو يوسف فادعى رجل
على آخر بأنه أخذ ماله من بيته فأقر بالأخذ
فسأل الفقهاء فأفتوا بقطع يده فقال أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم في الصفحة السابقة.
ج / 7 ص -89-
وشرط للزنا أربعة رجال, قوله ولبقية الحدود والقصاص رجلان
_________________
يوسف لا؛ لأنه لم يقر بالسرقة وإنما أقر
بالأخذ فادعى المدعي أنه سرق فأقر بها فأفتوا
بالقطع وخالفهم أبو يوسف فقالوا له لم قال؛
لأنه ما أقر أولا بالأخذ وثبت الضمان عليه
وسقط القطع فلا يقبل إقراره بعده بما يسقط
الضمان عنه فعجبوا. ا هـ.
"قوله وشرط للزنا أربعة رجال" لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا
عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ولقوله تعالى:
{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ولفظ أربعة نص في العدد والذكورة كذا في البناية وأورد
إنكم لا تقولون بالمفهوم فمن أين لكم عدم جواز
الأقل فأجاب الزيلعي بأنه بالإجماع وأورد
المعارضة بين هذه وبين قوله
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] الآية وأجاب في فتح القدير بأنها مبيحة وتلك مانعة
والتقديم للمانع وقدمنا في الحدود أنه يجوز
كون الزوج أحدهم إلا في مسألتين أن يقذفها
الزوج أولا ثم يشهد مع ثلاثة وأن يشهد معهم
على زناها بابنه مطاوعة ثم اعلم أن العتق
المعلق بالزنا يقع بشهادة رجلين وإن لم يحد
المولى ويستحلف المولى إذا أنكره للعتق وفيه
خلاف ذكره في الخانية وأدب القضاء للخصاف اعلم
أنه يجوز أن يكون من الأربعة ابن زوجها وحاصل
ما ذكره في المحيط البرهاني أن الرجل إذا كان
له امرأتان ولإحداهما خمس بنين فشهد أربعة
منهم على أخيهم أنه زنى بامرأة أبيهم تقبل إلا
إذا كان الأب مدعيا أو كانت أمهم حية.
"قوله ولبقية الحدود والقصاص رجلان" أي وشرط
لها شهادة رجلين لقوله تعالى:
{وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] الآية فلا تقبل شهادة النساء فيها لحديث الزهري مضت
السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء في
الحدود والقصاص1 ولأن فيها شبهة البدلية
لقيامها مقام شهادة الرجال فلا تقبل فيما
تندرئ بالشبهات كذا في الهداية وإنما لم يكن
فيها حقيقة البدلية؛ لأنها إنما تكون فيما
امتنع العمل بالبدل مع إمكان الأصل وليست كذلك
فإنها جائزة مع إمكان العمل بشهادة الرجلين
كذا في العناية وغيرها وفي خزانة الأكمل لو
قضى بشهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص
وهو يراه أو لا يراه ثم رفع إلى آخر أمضاه ا
هـ. ومعنى الآية على ما ذكره الشارح إن لم
يشهدا حال كونهما رجلين فليشهد رجل وامرأتان
ولولا هذا التأويل لما اعتبر شهادتهن مع وجود
الرجال وشهادتهن معتبرة معهم عند الاختلاط
بالرجال حتى إذا شهد رجال ونسوة بشيء يضاف
الحكم إلى الكل حتى يجب الضمان على الكل عند
الرجوع ا هـ. وذكر البقاعي في المناسبات معزيا
إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" "6/544"
والزيلعي في "نصب الراية" "4/79".
ج / 7 ص -90-
وللولادة والبكارة وعيوب النساء فيما لا يطلع عليه رجل امرأة
______________
الحراني وفي عموم معنى الكون إشعار بتطرق
شهادة المرأتين مع إمكان طلب الرجل بوجه ما من
حيث لم يقل فإن لم تجدوا ا هـ. وفي الولوالجية
رجل قال إن شربت الخمر فمملوكي حر فشهد رجل
وامرأتان أنه شرب الخمر عتق العبد ولا يحد؛
لأن هذه شهادة لا مجال لها في الحدود ولو قال
إن سرقت من فلان شيئا فعلى قياس ما ذكرنا
ينبغي أن يضمن المال ويعتق العبد ولا يقطع ا
هـ. وعزا المسألتين في الخانية إلى أبي يوسف
ثم قال والفتوى فيهما على قول أبي يوسف.
وفي خزانة الأكمل في مسألة السرقة أضمنه ولا
أعتقه عن محمد وفي خزانة الأكمل شهدا أنه أعتق
عبده ثم شهد أربعة بأنه زنى وهو محصن فأعتقه
القاضي ثم رجمه ثم رجع الكل ضمن شاهدا الإعتاق
قيمته لمولاه وشهود الزنا ديته لمولاه أيضا إن
لم يكن له وارث غيره.
"قوله وللولادة والبكارة وعيوب النساء فيما لا
يطلع عليه رجل امرأة" أي وشرط امرأة أي
شهادتها للحديث شهادة النساء جائزة فيما لا
يستطيع الرجال النظر إليه1 والجمع المحلى
بالألف واللام يراد به الجنس فيتناول الأقل
وهو الواحد وهو حجة على الشافعي في اشتراط
الأربع ولأنه إنما سقط الذكورة ليخف النظر؛
لأن نظر الجنس أخف فكذا يسقط اعتبار العدد لأن
المثنى والثلاث أحوط لما فيه من معنى الإلزام
ثم حكمها في الولادة شرحناه في باب ثبوت النسب
وفي البكارة شرحناه في باب العنين من أنهن إن
شهدن ببكارتها يؤجل العنين سنة ويفرق بعده؛
لأنها تأيدت بمؤيد إذ البكارة أصل وكذا في رد
البيع إذا اشتراها بشرط البكارة وإن قلن إنها
ثيب يحلف البائع لينضم نكوله إلى قولهن والعيب
يثبت بقولهن فيحلف البائع كذا في الهداية
وأورد عليه أنه لو ثبت العيب بقولهن لم يحلف
البائع بل نرد عليه الجارية فكيف يكون تحليف
البائع نتيجة لثبوت العيب في الجارية بل ثبوت
العيب بقولهن يثبت الرد لا التحليف وأجاب عنه
في النهاية بأن ثبوته بقولهن لسماع الدعوى وفي
حق التحليف إذ لولا شهادتهن لم يحلف البائع
وكان القول له بلا يمين لتمسكه بالأصل وهو
البكارة ا هـ. وظاهر اقتصاره على الثلاثة يفيد
أن قول المرأة بل النساء لا يقبل في غيرها
ولكن في خزانة الأكمل لو شهد عنده نسوة عدول
أنها امرأة فلان أو ابنته وسعته الشهادة ا هـ.
وفيها يقبل تعديل المرأة ولا تقبل ترجمتها
وأطلق في الولادة ويستثنى منه الشهادة على
استهلال الصبي في حق الإرث عند أبي حنيفة؛
لأنه مما يطلع عليه الرجال ويمكن أن يخرج من
كلام المصنف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
ج / 7 ص -91-
ولغيرها رجلان أو رجل وامرأتان
_____________
بقوله فيما لا يطلع عليه رجل إن كان قيدا في
الكل وإن كان الظاهر رجوعه إلى الأخير، وأما
في حق الصلاة فتقبل شهادتها اتفاقا؛ لأنها من
أمور الدين وعندهما تقبل في حق الإرث أيضا
وبقولهما قال الشافعي وأحمد وهو أرجح كذا في
فتح القدير وتقدمت في باب ثبوت النسب وأشار
بقوله فيما لا يطلع عليه رجل إلى أن الرجل لو
شهد لا تقبل شهادته وهو محمول على ما إذا قال
تعمدت النظر أما إذا شهد بالولادة وقال
فاجأتها فاتفق نظري عليها تقبل شهادته إذا كان
عدلا كما في المبسوط وفي خزانة الأكمل ولا
تقبل شهادة الكافرة والمملوكة وإنما تقبل
شهادة الحرة المسلمة.
"قوله ولغيرها رجلان أو رجل وامرأتان" للآية
أطلقه فشمل المال وغيره كالنكاح والطلاق
والوكالة والوصية والعتاق والنسب؛ لأن الأصل
في شهادة النساء القبول لوجود ما يبتنى عليه
أهلية الشهادة وهي المشاهدة والضبط والأداء
ونقصان الضبط بزيادة النسيان انجبر بضم الأخرى
إليها فلم يبق بعد ذلك إلا الشبهة ولهذا لا
تقبل فيما يندرئ بالشبهات وهذه الحقوق تثبت
بالشبهات وإنما لا تقبل شهادة الأربع من غير
رجل كي لا يكثر خروجهن وحكي أن أم بشر شهدت
عند الحاكم فقال الحاكم فرقوا بينهما فقالت
ليس لك ذلك قال الله تعالى
{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] فسكت الحاكم كذا في الملتقط وقد حقق الأكمل في
العناية هنا تحقيقا حسنا كما هو دأبه فقال لا
نقصان في عقلهن فيما هو مناط التكليف وبيان
ذلك؛ لأن للنفس الإنسانية أربع مراتب: الأولى
استعداد العقل ويسمى العقل الهيولاني وهو حاصل
لجميع أفراد الإنسان من مبدأ فطرتهم، والثانية
أن يحصل البديهيات باستعمال الحواس في
الجزئيات فتتهيأ لاكتساب الفكريات ويسمى العقل
بالملكة وهو مناط التكليف، والثالثة أن تحصل
النظريات المفروغ عنها متى شاء من غير افتقار
إلى اكتساب بالفكرة ويسمى العقل بالفعل،
والرابعة هو أن يستحضرها ويلتفت إليها مشاهدة
ويسمى العقل المستفاد وليس فيما هو مناط
التكليف منها وهو العقل بالملكة فيهن نقصان
بمشاهدة حالهن في تحصيل البديهيات باستعمال
الحواس في الجزئيات وبالنسبة إن ثبتت فإنه لو
كان في ذلك نقصان لكان تكليفهن دون تكليف
الرجال في الأركان وليس كذلك وقوله صلى الله
عليه وسلم
"ناقصات عقل"1
المراد به العقل بالفعل ولذلك لم يصلحن
للولاية والخلافة والإمارة ا هـ. وهكذا ذكره
في آخر التوضيح ومثل الأول في التلويح بقوة
الطفل على الكتابة والثاني باستعداد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"
"1/116" "298" ومسلم في "صحيحه" "79".
ج / 7 ص -92-
للكل لفظ الشهادة والعدالة
___________
الرجل الأمي للكتابة والثالث باستعداد القادر
على الكتابة والرابع بقدرته على الكتابة حالة
الكتابة أوردت على قوله ولغيرها الشهادة
بإسلام الكافر فإنه لا تقبل فيه شهادة النساء
كما صرح به في الخلاصة من ألفاظ التكفير وكأنه
لكونها تجر إلى قتله إذا أصر على كفره فصار
كالشهادة بالحدود والقصاص ولم أر من نبه عليه
وقيده في البزازية بالرجل أما إذا كان المشهود
عليه بالإسلام امرأة فإنها تقبل شهادة رجل
وامرأتين بإسلامها.
والحاصل أن المشهود عليه بالإسلام إذا كان
رجلا لا يقبل فيه شهادة النساء ولا الكفار
وأما الشهادة بردة المسلم فلا يقبل فيها شهادة
النساء كما ذكره في العناية من السير.
"قوله للكل لفظ الشهادة والعدالة" أي وشرط
لجميع أنواعها لفظ أشهد بالمضارع فلا يقوم
غيره مقامه لما قدمناه أولها وقدمنا أن لفظها
ركن فالمراد بالشرط هنا ما لا بد منه ليشمل
الركن والشرط وقد أفاد أنه لا بد من لفظها في
شهادة النساء أيضا وهو المعتمد خلافا
للعراقيين لأنهم يجعلونها من باب الإخبار لا
الشهادة والصحيح الأول؛ لأنها شهادة يشترط لها
الحرية في مجلس القاضي ولا بد من شرط آخر
لجميع أنواعها وهو التفسير حتى لو قال أشهد
بمثل شهادته لا تقبل ولو قال أشهد مثل شهادة
صاحبي لا تقبل عند الخصاف وعند عامة مشايخنا
تقبل وقيده الأوزجندي بما إذا قال لهذا المدعي
على هذا المدعى عليه وبه يفتى كذا في الخلاصة
وقال الحلواني إن كان فصيحا لا يقبل منه
الإجمال وإن كان عجميا يقبل بشرط أن يكون بحال
إن استفسر بين وقال السرخسي إن أحس القاضي
بخيانته كلفه التفسير وإلا لا وفي البزازية
وقال الحلواني لو أقر المدعي أو وكيله فقال
الشاهد أشهد بما ادعاه هذا المدعي على هذا
المدعى عليه أو قال المدعي في يده بغير حق يصح
عندنا ا هـ. واعلم أن المصنف تبع صاحب الهداية
وغيره في اشتراط العدالة كلفظ الشهادة تسوية
منهم بينهما وليس كذلك؛ لأن لفظ الشهادة شرط
لصحة الأداء بل ركنه كما قدمناه، وأما العدالة
فليست شرطا في صحة الأداء وإنما ظهورها شرط
وجوب القضاء على القاضي كما قدمناه عن البدائع
ولهذا قال في الهداية لو قضى القاضي بشهادة
الفاسق صح عندنا زاد في فتح القدير وكان
القاضي عاصيا قال وعن أبي يوسف أن الفاسق إذا
كان وجيها في الناس كمباشري السلطان والمكسة
وغيرهم تقبل شهادته؛ لأنه لا يستأجر لشهادة
الزور لوجاهته ويمتنع عن الكذب لمروءته والأول
أصح؛ لأن هذا تعليل لمقابلة النص فلا يقبل ا
هـ. وفسر في العناية الوجيه بأن يكون ذا قدر
وشرف وفسر المروءة بالإنسانية قال والهمزة
وتشديد الواو فيهما لغتان ا هـ. وعلى هذا فما
في القنية شارب الخمر يستحي ويرتدع إذا زجر
فللقاضي أن يقبل شهادته
ج / 7 ص -93-
وسأل عن الشهود سرا وعلنا في سائر الحقوق
_____________
إن كان ذا مروءة وتحرى في مقالته فوجده صادقا
ا هـ. محمول على ما روي عن أبي يوسف.
"قوله وسأل عن الشهود سرا وعلنا في سائر
الحقوق" أي وسأل القاضي عنهم في السر
والعلانية وهو قول أبي يوسف ومحمد؛ لأن القضاء
مبني على الحجة وهي شهادة العدول فيتعرف عن
العدالة وفيه صون قضائه عن البطلان وقال أبو
حنيفة يقتصر الحاكم على ظاهر العدالة في
المسلم ولا يسأل حتى بطعن الخصم لقوله عليه
الصلاة والسلام
"الناس عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف"1 ومثل ذلك عن عمر رضي2 الله عنه ولأن الظاهر هو الانزجار عما هو
محرم دينه وبالظاهر كفاية إذ لا وصول إلى
القطع إلا في الحدود والقصاص فإنه يسأل عنهم
للاحتيال في إسقاطها فيستقصي ولأن الشبهة فيها
دارئة.
والحاصل أنه إن طعن الخصم سأل عنهم في الكل
وإلا سأل في الحدود والقصاص وفي غيرها محل
الاختلاف وقيل هذا اختلاف عصر وزمان والفتوى
على قولهما في هذا الزمان كذا في الهداية ومحل
السؤال على قولهما عند جهل القاضي بحالهم ولذا
قال في الملتقط القاضي إذا عرف الشهود بجرح أو
عدالة لا يسأل عنهم ا هـ. ولم يذكر المؤلف صفة
السؤال وصرح في الهداية بأنه لا بد منه ولم
يبين أنه شرط أو لا وفي الملتقط قال أبو حنيفة
التزكية بدعة وقال أبو يوسف لو قضى القاضي
بغير تزكية الشهود أجزأت. ا هـ. فأفاد أن
السؤال ليس بشرط صحة عندهما خصوصا قدمنا عن
الهداية أنه لو قضى بشهادة الفاسق يصح عندنا
من غير حكاية خلاف فكيف إذا قضى بشهادة
المستور فلو قضى ثم ظهر أن الشهود فسقة لم
ينقض القضاء وفي المحيط البرهاني من الحدود لو
قضى بالحد ببينة ثم ظهر أنهم فساق بعدما رجم
فإنه لا ضمان على القاضي؛ لأنه لم يظهر الخطأ
بيقين ا هـ. وهذا يدل على أن القاضي لو قضى في
الحدود قبل السؤال بظاهر العدالة فإنه يصح وإن
كان آثما فقوله في الهداية يشترط الاستقصاء
معناه يجب ومعنى قول الإمام يقتصر الحاكم يجوز
اقتصاره لا أنه يجب اقتصاره وفي التهذيب
للقلانسي وفي زماننا لما تعذرت التزكية بغلبة
الفسق اختار القضاة كما اختار ابن أبي ليلى
استحلاف الشهود لغلبة الظن ا هـ.
قلت: ولا يضعفه ما في الكتب المعتمدة كالخلاصة
والبزازية من أنه لا يمين على الشاهد؛ لأنه
عند ظهور عدالته والكلام عند خفائها خصوصا في
زماننا أن الشاهد مجهول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" "5/76" بلفظ
"المسلمون" والزيلعي في "مصب الراية" 4/81".
2 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/81".
ج / 7 ص -94-
.................................
____________
الحال وكذا المزكي غالبا والمجهول لا يعرف
المجهول وفي الملتقط عن غسان بن محمد المروزي1
قال قدمت الكوفة قاضيا عليها فوجدت فيها مائة
وعشرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إلى ستة ثم
أسقطت أربعة فلما رأيت ذلك استعفيت واعتزلت.
قال الفقيه لو استقصى القاضي مثل ذلك لضاق
الأمر ولا يوجد مؤمن بغير عيب كما قيل:
فلست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب2
وقال عمر رضي الله عنه
إن الله تعالى تولى منكم السرائر وذوى عنكم
بالبينات3 ا هـ. ثم التزكية في السر أن يبعث
المستورة إلى المعدل فيها النسب والحلي
والمصلي ويردها المعدل كل ذلك في السر كي لا
يظهر فيخدع أو يقصد وفي الخانية لا بد من أن
يجمع بين المعدل والشاهد لتنتفي شبهة تعديل
غيره وقد كانت العلانية وحدها في الصدر الأول
ووقع الاكتفاء بالسر في زماننا تحرزا عن
الفتنة ويروى عن محمد تزكية العلانية بلاء
وفتنة ثم قيل لا بد أن يقول المعدل هو عدل
جائز الشهادة؛ لأن العبد قد يعدل وقيل يكتفى
بقوله هو عدل؛ لأن الحرية ثابتة بأصل الدار
وهذا أصح كما في الهداية وفي السراجية والفتوى
على أنه يسأل في السر وقد تركت التزكية في
العلانية في زماننا كي لا يخدع المزكي ولا
يخون ا هـ.
فقد علمت أن ما في المتن على خلاف المفتى به
وهو الاقتصار على السر ويدل عليه ما في
الهداية أيضا والمستورة اسم الرقعة التي كتبها
القاضي ويبعثها سرا بيد أمينه إلى المزكي سميت
المستورة؛ لأنها تستر عن نظر العوام. كذا في
النهاية فمن عرف الشاهد بالعدالة كتب تحت اسمه
هو عدل جائز الشهادة ومن لم يعرفه بشيء كتب هو
مستور ومن عرفه بالفسق لم يصرح بل يسكت
احترازا عن هتك الستر أو يكتب الله أعلم به
إلا إذا عدله غيره وخاف أنه لو لم يصرح بذلك
يقضي القاضي بشهادته فحينئذ يصرح بذلك كذا في
غاية البيان وأراد بقوله ويسأل عن الشهود أي
عن عدالتهم على حذف مضاف وإنما قدرناه؛ لأنه
لا يسأل عن حرية الشاهد وإسلامه ما لم ينازعه
الخصم وما ذكره في الجامع من أن الناس أحرار
إلا في الشهادة والحدود والقصاص والعقل فإنه
لا يكتفى بظاهر الحرية في هذه المواضع بل يسأل
محمول على ما إذا طعن الخصم بالرق كما قيده
القدوري رحمه الله كذا ذكر الشارح وثبوت حرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو غسان بن محمد بن عبيد الله النيسابوري
المروزي أحد الفقهاء الكبار تفقه على أبي
سليمان الجوزجاني. ا هـ "الجواهر المضية"
"2/687" وقد ذكر قصة قدومه إلى الكوفة.
2 قاله النابغة الذبياني انظر "طبقات فحول
الشعراء" "1/56".
3 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/81".
ج / 7 ص -95-
.......................................
_____________
الشاهد إما بإقامة البينة عليها أو بالإخبار
للقاضي كالعدالة والأول أحب وأحسن؛ لأن
الأهلية للشهادة لا تثبت إلا بالحرية وتثبت
بدون العدالة ولأن الحرية والرق من حقوق
العباد تجري فيها الخصومة وطريق الإثبات في
مثلها للبينة فأما العدالة فلا تجري فيها
الخصومة فيمكن معرفتها بالسؤال عن حاله كذا في
المبسوط وفي القنية قال المدعى عليه في الشاهد
أنه كافر بالله تعالى فللقاضي أن يسأله عن
الإيمان إن اتهمه بذلك وإن كان يشهد بوحدانية
الله تعالى ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم
تقبل شهادته وكذا لو قال أنا مسلم ولست بكافر
ولو سأله الحاكم فذكر في خلال سؤاله ما لا
يجوز على الله للتجربة فهذا جهل من القاضي
وحمق وقد أساء فيما فعل ولو جوز هذا كان وبالا
على جميع المسلمين خصوصا في قضاة أهل الرساتيق
فلو أنه تحمق وفعل لا يقبل شهادته. ا هـ.
وأطلق في السؤال عن الشهود فشمل المسلم
والكافر فيسأل عن النصراني إذا شهد على مثله
وفي فتاوى عمر قارئ الهداية تزكية الذمي أن
يزكيه بالأمانة في دينه ولسانه ويده وأنه صاحب
يقظة ا هـ. وقد أخذه من فتاوى الولوالجي وفي
الملتقط نصراني عدل ثم أسلم قبلت شهادته ا هـ.
وفيه إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته ا هـ. وشمل
السؤال عنه إذا شهد حين بلغ وهو ظاهر الخانية
وفي الملتقط صبي احتلم لا أقبل شهادته ما لم
أسأل عنه ولا بد أن يتأتى بعد البلوغ بقدر ما
يقع في قلوب أهل مسجده ومحلته كما في الغريب
أنه صالح أو غيره ا هـ.
وفرق في الظهيرية بينهما بأن النصراني كان له
شهادة مقبولة قبل إسلامه بخلاف الصبي وهذا يدل
على أن الأصل عدم العدالة ولم يذكر المؤلف ما
يقوله المزكي إذا سئل؛ لأنه يختلف باختلاف
الناس وقدمنا أنه يقول هو عدل وفي البزازية
وينبغي أن يعدل قطعا ولا يقول هم عدول عندي
لإخبار الثقات به ولو قال لا أعلم منهم إلا
خيرا فهو تعديل في الأصح وفي النوازل التعديل
أن يقول هم عدول عندي جازت شهادتهم وفي
المنتقى إذا قال المزكي لا أعلم فيه إلا خيرا
يكفي وإذا جرح الجارح الشهود يقول القاضي
للمدعي زدني شهودا أو يقول لم تحمد شهودك
ويكتب القاضي أسماء الشهود أولا ثم اسم من
عدل. ا هـ. وفي الملتقط عن أبي يوسف التزكية
أن يقول لا أعلم منه إلا خيرا وعن أبي يوسف
أنه لو قال لا بأس به فقد عدله وعن محمد بن
سلمة أن يقول هذا عندي عدل مرضي جائز الشهادة
ا هـ. واختار السرخسي أنه لا يكتفي بقوله هو
عدل لأن المحدود في قذف بعد التوبة عدل غير
جائز الشهادة وكذا الأب إذا شهد لابنه فلا بد
من زيادة جائز الشهادة كما في الظهيرية وينبغي
ترجيحه وفي الظهيرية من كتاب الشروط جواب
المزكي على ثلاث مراتب أعلاها جائز الشهادات
أو عدل خلافا للسرخسي في الثاني والثانية ثقة
وهو من لا تقبل شهادته لا لفسقه ولكن لغفلة أو
ج / 7 ص -96-
.....................................
______________
نحوها وبعض القضاة يقيمون كل ثقتين مقام عدل
كذا ذكر الشيخ الإمام الحاكم السمرقندي
والمرتبة الثالثة مستور والمستور هو الفاسق
وفي عرف مشايخنا من لا يعرف حاله. ا هـ.
ويكتفي بالسكوت من أهل العلم والصلاح فيكون
سكوته تزكية للشاهد لما في الملتقط وكان الليث
بن مساور1 قاضيا فاحتاج إلى تعديل شاهد وكان
المزكي مريضا فعاده القاضي وسأله عن الشاهد
فسكت المعدل ثم سأله فسكت فقال أسألك ولا
تجيبني فقال المعدل أما يكفيك من مثلي السكوت
ولما استقضى أبو مطيع2 أرسل الأمير إلى يعقوب
القارئ3 يشاوره فسأله الرسول في الطريق عن أبي
مطيع فقال يعقوب أبو مطيع أبو مطيع قال محمد
بن سلمة إذا كان المعدل مثل يعقوب القارئ فلا
بأس بمثل هذا التعديل. ا هـ. وسيأتي في مسائل
الطعن في الشاهد عند بيان الجرح المجرد وغيره
ولكن يحتاج هنا إلى بيان مسائل تعارض الجرح
والتعديل فإذا سأل القاضي عن الشاهد ولم يزك
طلب غيره فإن زكاه واحد وجرحه واحد فقد تعارضا
فقال في البزازية فإن عدله أحدهما وجرحه الآخر
تعارضا كأنه لم يسأل أحدا وإن عدله الثالث
فالتعديل أولى وإن جرحه الثالث فالجرح أولى
وذكر الصدر إذا جرح واحد وعدل واحد فعند
الإمامين الجرح أولى كما لو كانا اثنين وعند
محمد ما لم يتم بالواحد توقف الشهادة ولا يجيز
حتى يسأل الآخر فإن جرحه تم الجرح وإن عدله تم
التعديل فإن جرحه واحد وعدله اثنان فالتعديل
أولى عندهم وإن جرحه اثنان وعدله عشرة فالجرح
أولى فلو قال المدعي بعد الجرح أنا أجيء بقوم
صالحين يعدلونهم قال في العيون قبل ذلك وفي
النوادر أنه لا يقبل وهو اختيار ظهير الدين
وعلى قول من يقبل إذا جاء بقوم ثقة يعدلونهم
فالقاضي يسأل الجارحين فلعلهم جرحوا بما لا
يكون جرحا عند القاضي لا يلتفت إلى جرحهم هذا
ألطف الأقاويل ولو عدل الشهود سرا فقال الخصم
أجيء في العلانية بمن يبين فيهم ما ترد به
شهادتهم لا تقبل مقالته إلى أن قال إن الجرح
أولى إلا إذا كان بينهم تعصب فإنه لا يقبل
جرحهم لأن أصل الشهادة لا تقبل عند التعصب
فالجرح أولى. ا هـ. وقد ظهر من إطلاق كلامهم
هنا أن الجرح يقدم على التعديل سواء كان مجردا
أو لا عند سؤال القاضي عن الشاهد والتفصيل
الآتي من أنه إن كان مجردا لا تسمع البينة به
أو لا فتسمع إنما هو عند طعن الخصم في الشاهد
علانية لكن في الملتقط فلو عدل فقال قوم إنا
رأيناه أمس سكران أو يبايع بالربا أو يشرب
الخمر إن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره في الجواهر باسم الليثي بن مسافر ولم
يترجمه. ا هـ "2/722".
2 المراد به أبو مطيع البلخي وتقدمت ترجمته.
3 لم أعثر على ترجمته.
ج / 7 ص -97-
.......................
_________
كان شيئا يلزمه فيه حق من حد أو مال يرد على
صاحبه ردت شهادته وإلا لا ا هـ. وينبغي حمله
على ما إذا كان علانية أما إذا أخبروه سرا فلا
وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى وشمل إطلاقه
ما إذا كان الشاهد غريبا فإن كان غريبا ولا
يجد معدلا فإنه يكتب إلى قاضي بلده ليخبره عن
حاله كما في البزازية وفي كشف الأسرار شرح
أصول فخر الإسلام من بحث المجمل أنه على مثال
رجل دخل بلدة لا يعرفه أهلها بالتأمل فيه بل
بالرجوع إلى أهل بلدته حتى لو شهد لا يحل
للقاضي أن يقضي بشهادته ولا للمزكي أن يعدله
إلا بالرجوع إلى أهل بلدته ليعرف ا هـ. وظاهر
إطلاقه أيضا أنه يسأل عنهم في كل حادثة شهدوا
فيها لكن قالوا لو عدل في حادثة وقضى به ثم
شهد في أخرى فإن بعدت المدة أعيد وإلا لا وكذا
غريب نزل بين ظهراني قوم لا يعدله قبل مضي ذلك
الزمان. وكذا إذا تخللت تلك المدة بين الشهادة
والتعديل هل يؤثر في قبول الشهادة الماضية
وكان الإمام الثاني يقول ذلك الزمان ستة أشهر
ثم رجع إلى سنة ومحمد لم يقدره بل على ما يقع
في القلوب الوثوق وعليه الفتوى كذا في
البزازية وفيها أيضا وفي المنتقى شهدوا بمال
فلم يعدلوا فطلب المدعى عليه من القاضي أن
يكتب وثيقة ويحكم بأنه مردود الشهادة حتى لا
يقبله قاض آخر حكم وكتب به وإذا فعل ذلك لا
يقبل القاضي الآخر هذه الشهادة فإن كان الأول
لم يحكم برد شهادتهم للثاني أن يقبل إذا عدلوا
ا هـ.
وفي الملتقط وإذا أبطل القاضي شهادته في دار
فجاء بعد عشرين سنة فشهد بها أيضا لآخر
فشهادته باطلة ا هـ.
وفي الخلاصة من ردت شهادته في حادثة لعلة ثم
زالت تلك العلة فشهد لم تقبل إلا في أربعة
الصبي والعبد والكافر على المسلم والأعمى إذا
شهدوا فردت ثم زال المانع فشهدوا تقبل ا هـ.
ثم اعلم أنه يفرق بين المردود لتهمة وبين
المردود لشبهة فالثاني يقبل عند زوال المانع
بخلاف الأول فإنه لا يقبل مطلقا أشار إليه في
النوازل ولو قال المؤلف سرا ثم علنا بثم دون
الواو لكان أولى وإن أمكن حملها عليها ليفيد
أنه لا بد من تقديم تزكية السر على العلانية
لما في الملتقط عن أبي يوسف لا أقبل تزكية
العلانية حتى يزكى في السر ا هـ. وشمل الشاهد
الأصلي والفرعي فيسأله عن الكل كذا عن أبي
يوسف وعن محمد يسأل عن الأولين فإن زكيا سأل
عن الآخرين كذا في الملتقط. "تنبيه" لا تجوز
التزكية إلا أن تعرفه أنت أو وصف لك أو عرفت
أن القاضي زكاه أو زكي عنده وقال محمد كم من
رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله يعني أن
الشهادة على الظواهر ولا كذلك التعديل كذا في
الملتقط فيشترط لجوازها
ج / 7 ص -98-
وتعديل الخصم لا يصح
_____________
شروط الأول أن تكون الشهادة عند قاض عدل عالم
الثاني أن تعرفه وتختبره بشركة أو معاملة أو
سفر الثالث أن تعرف أنه ملازم للجماعة الرابع
أن يكون معروفا بصحة المعاملة في الدينار
والدرهم الخامس أن يكون مؤديا للأمانة السادس
أن يكون صدوق اللسان السابع اجتناب الكبائر
الثامن أن تعلم منه اجتناب الإصرار على
الصغائر وما يخل بالمروءة والكل في شرح أدب
القضاء للخصاف وفي النوازل من قال لا أدري أنا
مؤمن أم غير مؤمن لا تعدله ولا تصلي خلفه ا هـ
وفي البزازية عرف فسق الشاهد فغاب غيبة منقطعة
ثم قدم ولا يدرى منه إلا الصلاح لا يجرحه
المعدل ولا يعدله ولو كان معروفا بالصلاح فغاب
غيبة منقطعة ثم حضر فهو على العدالة والشاهدان
لو عدلا بعدما تابا يقضي بشهادتهما وكذا لو
غابا ثم عدلا ولو خرسا أو عميا لا يقضي تاب
الفاسق لا يعدل كما تاب بل لا بد من مضي زمان
يقع في القلب صدقه في التوبة ا هـ.
"تنبيه آخر" ولو زكي من في السر علنا يجوز
عندنا والخصاف شرط تغايرهما كذا في البزازية
وفي المصابيح علن الأمر علونا من باب قعد ظهر
وانتشر فهو عالن وعلن علنا من باب تعب لغة فهو
علن وعلين والاسم العلانية مخففا.ا هـ.
"تنبيه آخر" يسأل القاضي عن الشهود الذمة عدول
المسلمين وإلا فيسأل عنهم عدول الكفار كذا في
المحيط والاختيار.
"قوله وتعديل الخصم لا يصح" أي تزكية المدعى
عليه الشاهد بقوله هو عدل غير مقبولة؛ لأن في
زعم المدعي وشهوده أن الخصم كاذب في إنكاره
مبطل في إصراره فلا يصلح معدلا وموضوع المسألة
إذا قال هم عدول إلا أنهم أخطئوا أو نسوا أما
إذا قال صدقوا أو هم عدول صدقة فقد اعترف
بالحق كذا في الهداية وفي شرح أدب القضاء
للصدر الشهيد أن يكون مقرا بقوله صدقوا فيما
شهدوا به علي وبقوله هم عدول فيما شهدوا به
علي أطلقه وقيده في البزازية بما إذا كان
المدعى عليه لا يرجع إليه في التعديل فإن كان
صح قوله وشمل الخصم المدعي والمدعى عليه وإن
أراد به المدعى عليه وهو الظاهر فعدم صحته من
المدعي بأولى كتعديل الشاهد نفسه، وأما جرح
الشاهد نفسه فمقبول لما في البزازية وقول
الشاهد أنه ليس بعدل إقراره على نفسه جائز
عليه وكان ينبغي له أن لا يفعل ا هـ. وظاهر ما
في الظهيرية أنه يأثم بذلك حيث كان صادقا في
شهادته لما فيه من إبطال حق المدعي ولم يذكر
المؤلف رحمه الله تعديل أحد الشاهدين صاحبه
وفيه اختلاف قال في الظهيرية شاهدان شهد الرجل
والقاضي يعرف أحدهما بالعدالة ولا يعرف الآخر
فعدله الذي عرفه القاضي بالعدالة.
ج / 7 ص -99-
والواحد يكفي للتزكية والرسالة والترجمة
______________
قال نصير رحمه الله لا يقبل القاضي تعديله
ولابن سلمة فيه قولان وعن أبي بكر البلخي في
ثلاثة شهدوا والقاضي يعرف اثنين منهم بالعدالة
ولا يعرف الثالث فإن القاضي يقبل تعديلهما لو
شهد هذا الثالث شهادة أخرى ولا يقبل تعديلهما
في الشهادة الأولى وهو كما قال نصير رحمه الله
تعالى ا هـ. وأطلقه فشمل ما إذا عدله المدعى
عليه قبل الشهادة أو بعدها كما في البزازية
ويحتاج إلى تأمل فإنه قبل الدعوى لم يوجد منه
كذب في إنكاره وقت التعديل وكان الفسق الطارئ
على المعدل قبل القضاء كالمقارن وفي البزازية
ولا يسأل رجلا له على المشهود عليه دين فلسه
الحاكم وهذا دليل على أن الشاهد إذا كان له
دين على المشهود عليه وهو مفلس لا تقبل ا هـ.
وفي المحيط البرهاني من دفع الدعاوى معزيا إلى
الأوزجندي إذا قال المدعى عليه بعد الشهادة لي
دفع لا يكون تعديلا للشهود لجواز أن يكون
بالطعن في الشاهد ا هـ.
قلت: بخلاف قول المدعى عليه في جواب دعوى
الوكيل بالدين دفعته إلى الموكل أو أبرأني
فإنه يكون إقرارا بالوكالة فإنه يؤمر بالدفع
إلى الوكيل كما سيأتي فيها.
"قوله والواحد يكفي للتزكية والرسالة
والترجمة" وهذا عندهما وقال محمد لا يجوز إلا
اثنان؛ لأنهما في معنى الشهادة؛ لأن ولاية
القاضي تنبني على ظهور العدالة وهو بالتزكية
فيشترط فيه العدد كالعدالة وتشترط الذكورة في
المزكى في الحدود ولهما أنه ليس في معنى
الشهادة ولهذا لا يشترط فيه لفظ الشهادة ومجلس
القضاء واشتراط العدد في الشهادة أمر تحكمي أي
تعبدي في الشهادة فلا يتعداها ومحل الاختلاف
ما إذا لم يرض الخصم بتزكية واحد فإن رضي
الخصم بتزكية واحد فزكى جاز إجماعا كذا في
الولوالجية وأطلق في التزكية والمراد تزكية
السر ولو قال الواحد العدل المسلم لكان أولى
لاشتراط العدالة فيها والإسلام في المزكي لو
المشهود عليه مسلما كما في البزازية وأطلق في
الواحد فشمل العبد والمرأة والأعمى والمحدود
في القذف إذا تاب والصبي وأحد الزوجين للآخر
والوالد لولده وعكسه والعبد لمولاه وعكسه وخرج
من كلامه تزكية الشاهد بحد الزنا فلا بد في
المزكي فيها من أهلية الشهادة والعدد الأربعة
إجماعا ولم أر الآن حكم تزكية الشاهد ببقية
الحدود ومقتضى ما قالوه اشتراط رجلين لها.
وقيدنا بالتزكية السر احترازا عن تزكية
العلانية فإنه يشترط لها جميع ما يشترط في
الشهادة من الحرية والبصر وغير ذلك إلا لفظ
الشهادة إجماعا؛ لأن معنى الشهادة فيها أظهر
فإنها تختص بمجلس القضاء وكذا يشترط العدد
فيها على
ج / 7 ص -100-
.....................................
______________
ما قاله الخصاف وأطلق في الرسالة فشمل رسول
القاضي إلى المزكي ورسول المزكي إلى القاضي
كما في فتح القدير لا الأول كما زعمه الشارح
وأطلق في الترجمة فشمل المترجم عن الشهود أو
عن المدعي أو المدعى عليه لا الأول كما توهمه
الشارح قالوا والأحوط في الكل اثنان وفي
البزازية ولا يعلمه أنه يسأل عنه وعلله الصدر
الشهيد بأنه إذا أعلمه ربما خدع المزكي أو
أخافه ولا يعلمه أنه سأل عنه سرا إنما يطلب
منه تزكية العلانية وينبغي للقاضي أن يختار في
المسألة عن الشهود من هو أخبر بأحوال الناس
وأكثرهم اختلاطا بالناس مع عدالته عارفا بما
لا يكون جرحا وما يكون جرحا غير طماع ولا فقير
كي لا يخدع بالمال فإن لم يكن في جيرانه ولا
أهل سوقه من يثق به سأل أهل محلته وإن لم يجد
فيهم ثقة اعتبر فيهم تواتر الأخبار كذا ذكره
الشارح وخص في البزازية لسؤال من الأصدقاء
وأشار المؤلف بقبول قول الواحد في التزكية إلى
قبول قوله في الجرح وسيأتي وليس مراد المؤلف
التسوية بين الثلاثة في جميع الوجوه وإنما
مراده التسوية في الاكتفاء بالواحد وبين
التزكية والترجمة فرق فإن الترجمان لو كان
أعمى لا يجوز عند الإمام ويجوز عند الثاني
وقدمنا أن تزكية الأعمى جائزة ولا يكون
المترجم امرأة كما قدمناه عن الخزانة وتصلح
للتزكية وشرط في الظهيرية في المترجم عن
الشاهد أن يكون الشاهد أعجميا وعن الخصم أن
يكون كذلك فظاهره أن القاضي إذا كان عارفا
بلسان الشاهد والخصم لم تجز ترجمة الواحد وفي
المصباح ترجم فلان كلامه إذا بينه وأوضحه
وترجم كلام غيره إذا عبر عنه بلغة غير لغة
المتكلم واسم الفاعل ترجمان وفيه لغات أجودها
فتح التاء وضم الجيم والثانية ضمهما معا وتجعل
التاء تابعة للجيم والثالثة فتحهما بجعل الجيم
تابعة للتاء والجمع تراجم ا هـ. والتزكية
المدح قال في الصحاح زكى نفسه تزكية مدحها. ا
هـ.
"تنبيه" يستثنى من قوله أولا وسأل عن الشهود
أربعة شهود لا يسأل القاضي عنهم قال الخصاف في
أدب القضاء قال إسماعيل بن حماد1 أربعة من
الشهود لا أسأل عنهم شاهد رد الطينة وشاهد
تعديل العلانية وشاهد الغريب ليدعوه القاضي
على غير قرعة وشاهد العدوي وشرحها في شرحي
منظومة ابن وهبان من أول الشهادات وإسماعيل
هذا هو حفيد أبي حنيفة وهو من جملة الأئمة أخذ
عن أبي يوسف وزاحمه في العلم ولو عمر لفاق
المتقدمين ولكنه مات شابا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو إسماعيل بن حماد بن الإمام أبي حنيفة
تفقه على أبيه وعلى الحسن بن زياد ولم يدرك
جده ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد وتوفي شابا
سنة اثنتي عشر ومائتين هـ ا هـ. "الفوائد
البهية" "46".
ج / 7 ص -101-
وله أن يشهد بما سمع أو رأى في مثل البيع
والإقرار وحكم الحاكم والغصب والقتل وإن لم
يشهد عليه
_____________
قلت: فيحتاج هنا إلى فهم قولهم لا بد من
العدالة في المزكي فإنه لا يسأل عنه فتعين أن
يكون المراد بالمزكي العدل من كان معروفا بها
عند القاضي فإن لم يكن معروفا بها لم يسأل عنه
فلا يقبل تزكيته كما لا يخفى وليس المراد أنه
لا يشترط عدالة المزكي كما فهمه العلامة ابن
الشحنة بناء على أنها للاحتياط للاكتفاء
بتزكية السر لتصريح الكل باشتراط عدالة المزكي
خصوصا في تزكية العلانية وإنما المراد ما
فهمناه عنهم ولما نظر إلى أن عدم السؤال في
المسائل الثلاث لأجل الاكتفاء بالمستور ظن أن
المزكي كذلك وليس كما ظنه لما قدمناه من
التصريح عنهم وإن كان ما فهمه هو المراد فما
ذكره القاضي إسماعيل ضعيف لنقل الإجماع على أن
تزكية العلانية كالشهادة أو هو محمول على ما
إذا تقدمت التزكية سرا وهو الظاهر.
"تنبيه" ذكر بعضهم أن الأولى كون القاضي عارفا
باللغة التركية ورده الطرسوسي وأطال في فوائده
ورد عليه ابن وهبان في شرحه ومن أراد الاطلاع
على ذلك فلينظر فيه وقد تركته؛ لأنه لا طائل
تحته حتى قال ابن وهبان ولو لا قصد مناقشة
الطرسوسي لما تكلمت على ذلك.
"تنبيه آخر" قبول قول الواحد لا ينحصر في
الثلاث المذكورة في الكتاب بل ذكر ابن وهبان
أنه يقبل قول الواحد العدل في إحدى عشرة مسألة
والرابعة التقويم للمتلفات لكن ذكر في
البزازية من خيار العيب أنه يحتاج إلى تقويم
عدلين لمعرفة النقصان فيحتاج إلى الفرق بين
التقويمين الخامسة الجرح وقدمناه السادسة
تقدير الأرش السابعة اختلفا في صفة المسلم فيه
بعد إحضاره الثامنة الإخبار بفلس المحبوس
لإطلاقه التاسعة الإخبار بعيب المبيع العاشرة
الإخبار برؤية هلال رمضان الحادي عشر الإخبار
بالموت ثم اعلم أن هذا ليس بحاصر؛ لأن ما كان
من الديانات يقبل فيه قول الواحد العدل كطهارة
الماء ونجاسته وحل الطعام وحرمته ولا يختص
برؤية هلال رمضان وأيضا يقبل قول العدل في عزل
الوكيل وحجر المأذون وإخبار البكر بإنكاح
وليها وإخبار الشفيع بالبيع والمسلم الذي لم
يهاجر ونحوها كما قدمناه على قول أبي حنيفة من
اشتراط أحد شطري الشهادة أما العدد أو العدالة
إلا أن يقال أنهم إنما لم يذكروها معها؛ لأن
العدل ليس بشرط لجواز العمل به بمستورين
والكلام فيما يشترط فيه العدالة حتى لا يقبل
خبر مستورين في المواضع الأحد عشر ثم اعلم أنه
يستثنى من الاكتفاء بواحد في التقويم تقويم
نصاب السرقة فلا بد فيه من اثنين كما في
العناية.
"قوله وله أن يشهد بما سمع أو رأى في مثل
البيع والإقرار وحكم الحاكم والغصب
ج / 7 ص -102-
والقتل وإن لم يشهد عليه
______________
والقتل وإن لم يشهد عليه" لأنه علم ما هو
الموجب بنفسه وهو الشرط وقوله كالبيع مثال
لهما فإنه إن عقداه بإيجاب وقبول كان من
المسموع وأن بالتعاطي فهو من المرئيات
واختلفوا هل يشهد بالبيع أو بالأخذ والإعطاء
لكونه بيعا حكميا لا حقيقيا ذكره الشارح لكن
مراد الثاني أنه يجوز كل منهما لا أنه يتعين
الشهادة بالتعاطي لما في البزازية وفي بيع
التعاطي يشهدون بالأخذ والإعطاء ولو شهدوا
بالبيع جاز. ا هـ. ولا بد من بيان الثمن في
الشهادة على الشراء؛ لأن الحكم بالشراء بثمن
مجهول لا يصح كما في شهادات البزازية وفي
الخلاصة رجل حضر بيعا ثم احتيج إلى الشهادة
للمشتري ليشهد له بالملك بسبب الشراء ولا يشهد
له بالملك المطلق قال ورأيت في موضع آخر أنه
يحل والأول أصح لأن الملك المطلق ملك من الأصل
والملك بالشراء حادث. ا هـ. وأشار بقوله وإن
لم يشهد عليه إلى أنه لا يشترط أن يعلم المقر
بالشاهد بالأولى فلو اختفى الشاهد وستر نفسه
ويرى وجه المقر ويفهمه والمقر لا يعلمه وسعه
أن يشهد وهكذا يفعل بالظلمة كما في خزانة
الأكمل وأشار بقوله بما سمع إلى أنه لا بد من
علم الشاهد بما يشهد به ولهذا قال في النوازل
سئل أبو القاسم عن رجل ادعى على ورثة ميت مالا
فأمر بإثبات ذلك فأحضر شاهدين فشهدا أن
المتوفى قد أخذ من هذا المدعي منديلا فيه
دراهم ولم يعلما كم وزنها أتجوز شهادتهما وهل
يجوز للشاهدين أن يشهدا بذلك قال إن كان
الشهود وقفوا على تلك الصرة وفهموا أنها دراهم
وحرروها فيما يقع عليه تعيينهم من مقدارها
شهدوا بذلك وينبغي أن يعتبرا جودتها فإنها قد
تكون ستوقا فإذا فعلوا ذلك جازت شهادتهم ا هـ.
وفي خزانة الأكمل رجل في يده درهمان كبير
وصغير فأقر بأحدهما لرجل فشهدا أنه أقر
بأحدهما ولا ندري بأيهما أقر فإنه يؤمر بتسليم
الصغير ا هـ. والإقرار يصح أيضا أن يكون مثالا
لهما أما كونه من المسموعات فظاهر،. وأما كونه
من المرئيات فبالكتاب لما في البزازية من كتاب
الإقرار كتب كتابا فيه أقر بين يدي الشهود
فهذا على أقسام الأول أن يكتب ولا يقول شيئا
وأنه لا يكون إقرارا فلا تحل الشهادة بأنه
إقرار قال القاضي النسفي إن كتب مصدرا مرسوما
وعلم الشاهد حل له الشهادة على إقراره كما لو
أقر كذلك وإن لم يقل اشهد علي به وعلى هذا إذا
كتب للغائب على وجه الرسالة أما بعد فلك علي
كذا يكون إقرارا؛ لأن الكتاب من الغائب
كالخطاب من الحاضر فيكون متكلما والعامة على
خلافه؛ لأن الكتابة قد تكون للتجربة وفي حق
الأخرس يشترط أن يكون معنونا مصدرا وإن لم يكن
إلى الغائب الثاني كتب وقرأ عند الشهود لهم أن
يشهدوا به وإن لم يقل اشهدوا علي الثالث أن
يقرأ هذا عندهم غيره فيقول الكاتب اشهدوا علي
به الرابع أن يكتب عندهم ويقول اشهدوا علي بما
فيه إن علموا بما فيه كان إقرارا وإلا فلا
وذكر القاضي ادعى عليه مالا
ج / 7 ص -103-
.................................
_____________
فأخرج خطا وقال أنه خط المدعى عليه بهذا المال
فأنكر أن يكون خطه فاستكتب وكان بين الخطين
مشابهة ظاهرة دالة على أنهما خط كاتب واحد لا
يحكم عليه بالمال في الصحيح؛ لأنه لا يزيد على
أن يقول هذا خطي وأنا حررته لكن ليس على هذا
المال وثمة لا يجب كذا هنا إلا في تذاكر
الباعة والصراف والسمسار. ا هـ. ذكره أيضا
وفيها أيضا من أول الشهادات بأتم من هذا
فلينظر وقد أوضح ابن وهبان في شرحه مسألة خط
السمسار والصراف فليراجعه من أرادها وسنذكرها
إن شاء الله تعالى في محلها والنكاح لا يكون
إلا قولا وكذا لو ادعى التزوج فشهدا له بأنها
زوجته تقبل كما في الخلاصة والإجارة كالبيع
وتنعقد بالقول وبالتعاطي والوقف قول ولا يشترط
في الشهادة به بيان الواقف على الصحيح على ما
ذكره في وقف البزازية وشرطه لقبولها في كتاب
الشهادات ثم اعلم أنه إذا شهد بالبيع فإن كان
المبيع في يد غير البائع فلا بد أن يشهد بملك
البائع بخلاف ما إذا كان في يده، وأما الشهادة
بالإجارة فلا يشترط أن يشهدوا بأن العين
المؤجرة ملك المؤجر والفرق أن إجارة الغاصب
المغصوب صحيحة بلا إذن المالك ويستحق الأجرة
كذا في دعوى البزازية وكذا في الشهادة بالشراء
والقبض وكذا الهبة مع القبض لا يحتاجان إلى
الشهادة بالملك للبائع والواهب كذا في الصغرى.
والحاصل أنهم إذا شهدوا بالشراء لمدعيه فلا بد
من الشهادة بملك المدعي أو البائع أو يد
البائع أو أن البائع سلمها للمشتري وفي
الشهادة بالبيع لا بد من ذكر ملك البائع أو
يده وهذا إذا شهدوا بالبيع على غير البائع فلو
شهدوا به عليه لم يشترط شيء منهما كما في منية
المفتي ويشترط في الشهادة بالإقرار رؤية المقر
لما في شهادات البزازية وذكر الخصاف رجل في
بيت وحده ودخل عليه رجل ورآه ثم خرج وجلس على
الباب وليس للبيت مسلك غيره فسمع إقراره من
الباب بلا رؤية وجهه حل له أن يشهد بما أقر
وفي العيون رجل خبأ قوما لرجل ثم سأله عن شيء
فأقروهم يسمعون كلامه ويرونه وهو لا يراهم
جازت شهادتهم وإن لم يروه وسمعوا كلامه لا تحل
لهم الشهادة ا هـ. وفي الجامع الصغير شرط رؤية
وجه المرأة ورأيت الإمام خالي أمرها بكشف
الوجه وأمرها بالخروج ويؤيده ما في العيون كذا
في الخلاصة وفي جامع الفصولين حسرت عن وجهها
وقالت أنا فلانة بنت فلان بن فلان وهبت لزوجي
مهري فلا يحتاج الشهود إلى شهادة عدلين أنها
فلانة بنت فلان ما دامت حية إذ يمكن الشاهد أن
يشير إليها فإن ماتت فحينئذ يحتاج الشهود إلى
شهادة عدلين بنسبها وقال قبله لو أخبر الشاهد
عدلان أن هذه المقرة فلانة بنت فلان يكفي هذا
للشهادة على الاسم والنسب عندهما وعليه الفتوى
ألا يرى أنهما لو شهدا عند القاضي يقضي
بشهادتهما والقضاء
ج / 7 ص -104-
ولا يشهد على شهادة غيره ما لم يشهد عليه
____________
فوق الشهادة فتجوز الشهادة بإخبارهما بالطريق
الأولى فإن عرفهما باسمهما ونسبهما عدلان
ينبغي للعدلين أن يشهدا الفرع على شهادتهما
فيشهد عند القاضي عليها بالاسم والنسب وبالحق
أصالة ا هـ. وأما حكم الحاكم فيصح أن يكون من
قبيل المسموع بأن كان بالقول ويصح أن يكون من
المرئيات إن كان فعلا على ما قدمناه، وأما
الغصب والقتل فلا يكونان إلا من المرئيات ومن
قصر البيع والإقرار والحكم على المرئيات فقد
قصر والتحقيق ما أسمعتك ولو قال المؤلف ولو
قال له لا تشهد علي بدل قوله وإن لم يشهد عليه
لكان أفود لما في الخلاصة لو قال المقر لا
تشهد علي بما سمعت تسعه الشهادة ا هـ فيعلم
حكم ما إذا سكت بالأولى وإذا سكت يشهد بما علم
ولا يقول أشهدني لأنه كذب وفي النوازل سئل
محمد بن مقاتل عن شريكين يتحاسبان وعندهما قوم
وقالا لا تشهدوا علينا بما تسمعونه منا ثم أقر
أحدهما لصاحبه بشراء أو باع شيئا فطلب المقر
له بعد ذلك منهم الشهادة قال ينبغي لهم أن
يشهدوا بذلك وهو قول محمد بن سيرين، وأما
الحسن البصري والحسن بن زياد فإنهما يقولان لا
يشهدون به قال الفقيه وروي عن أبي حنيفة أنه
قال ينبغي لهم أن يشهدوا وبه نأخذ ا هـ. ثم
قال بعده قال الفقيه إن كان يخاف على نفسه أنه
إذا أقر بشيء صدق وادعى أن شريكه قبض لا يصدقه
يقول للمتوسط اجعل كان هذا المال على غيري
وأنا أعبر عنه ثم يقول قبض كذا وكذا فيبين
الجميع من غير أن يضيف إلى نفسه كي لا يصير
حجة عليه ا هـ. ثم اعلم أن المقر إذا قال
للشاهد لا تشهد علي بما سمعته فله أن يشهد
عليه إلا إذا قال له المدعي لا تشهد عليه ذكره
في حيل التتارخانية من حيل المداينات معزيا
إلى الخصاف حملا على أنه مبطل في دعواه لكن
نقل بعده الاختلاف فيما لو جاء المدعي بعد
النهي وطلب من الشاهد الشهادة فليراجع.
"تنبيه" من الفتاوى الصغرى من كتاب القاضي إلى
القاضي إذا كتب الكاتب محضر امرأة وأراد أن
يحليها فإنه ينبغي له أن يترك موضع تحليتها
حتى يكون القاضي هو الذي يحليها ويكتب تحليتها
في المحضر أو يملي حليتها على الكاتب؛ لأن
الكاتب وإن حلاها لا يستغني القاضي عن النظر
في وجهها فيكون فيه نظر رجلين إليها ولو حلاها
القاضي كفى فيكون فيه نظر واحد وذلك أستر لها
فكان أولى وهل يشترط رؤية وجهها ذكر الفقيه
أبو الليث عن نصير بن يحيى قال كنت عند أبي
سليمان فدخل ابن محمد بن الحسن فسأله عن
الشهادة على المرأة متى تجوز إذا لم يعرفها
قال كان أبو حنيفة يقول لا تجوز حتى يشهد عنده
جماعة أنها فلانة وهو المختار للفتوى وعليه
الاعتماد لأنه أيسر على الناس ا هـ.
"قوله ولا يشهد على شهادة غيره ما لم يشهد
عليه"؛ لأنها لا تصير حجة إلا بالنقل إلى
ج / 7 ص -105-
ولا يعمل شاهد وقاض وراو بالخط إن لم يتذكروا
______________
مجلس القاضي ولذا لا بد من عدالة الأصول فلا
يملك غيره أن يجعل كلامه حجة بلا أمره فلا بد
من التحميل وأفاد أنه لو سمعه يشهد آخر على
شهادته لا يسعه أن يشهد؛ لأنه إنما حمل غيره
وفي فتح القدير وهذا الإطلاق يقتضي أنه لو
سمعه يشهد في مجلس القاضي حل له أن يشهد على
شهادته؛ لأنها حينئذ ملزمة ا هـ.
وفيه نظر؛ لأنها لا تكون ملزمة إلا بالقضاء
ولم يوجد وترك المؤلف رحمه الله قيدين آخرين
لجوازها على شهادة غيره: الأول أن يقبل
التحميل فلو أشهده عليها فقال لا أقبل فإنه لا
يصير شاهدا حتى لو شهد بعد ذلك لا تقبل كما في
القنية وينبغي أن يكون هذا على قول محمد من
أنه توكيل وللوكيل أن لا يقبل، وأما على
قولهما من أنه تحميل فلا يبطل بالرد؛ لأن من
حمل غيره شهادة لم تبطل بالرد. الثاني أن لا
ينهاه الأصيل بعد التحميل عنها لما في الخلاصة
معزيا إلى الجامع الكبير لو حضر الأصلان ونهيا
الفروع عن الشهادة صح النهي عند عامة المشايخ
وقال بعضهم لا يصح والأول أظهر ا هـ. وفي
النوازل النصراني إذا أشهد على شهادته ثم أسلم
لم يجز أن يشهد على شهادته ا هـ. ويحتمل أن
يكون مراده أنه أشهد نصرانيا مثله ويحتمل أنه
أشهد مسلما والأول أظهر كما لا يخفى وقيد
بالشهادة عليها؛ لأن الشهادة بقضاء القاضي
صحيحة وإن لم يشهدهما القاضي عليه لكن ذكر في
الخلاصة خلافا بين أبي حنيفة وأبي يوسف فيما
إذا سمعاه في غير مجلس القضاء فجوزه أبو حنيفة
وهو الأقيس ومنعه أبو يوسف وهو الأحوط. ا هـ.
وجزم بالجواز في المعراج معللا بأن القضاء حجة
ملزمة ومن سمع الحجة حل له أن يشهد بها ا هـ.
وفي شرح أدب القضاء للصدر من الباب الأربعين
ضاع سجل من ديوان القاضي فشهد كاتباه عنده أنه
أمضى ذلك فإن القاضي يقبله ولو ضاع إقرار رجل
فشهد كاتباه عنده بأنه أقر عنده يقضي
بشهادتهما ولو ضاع محضر من ديوانه فيه شهادة
شهود بحق لا يذكره القاضي فشهدا عنده أن
الشهود شهدوا عنده بكذا لا يقبلها القاضي ولا
ينفذه لأن الشهود لم يحملاهما ولا بد منه
وتمامه فيه.
ثم اعلم أن القضاء بشهادة الفروع عندهما وعند
محمد بشهادة الكل كذا في الخزانة ولو قال
المؤلف كما في الهداية ما لم يشهد عليها لكان
أولى من قوله عليه لما في الخزانة لو قال اشهد
علي بكذا أو اشهد علي ما شهدت به كان باطلا
ولا بد أن يقول اشهد على شهادتي إلى آخره.
"قوله ولا يعمل شاهد وقاض وراو بالخط إن لم
يتذكروا" أي لا يحل للشاهد إذا رأى
ج / 7 ص -106-
.............................
____________
خطه أن يشهد حتى يتذكر وكذا القاضي إذا وجد في
ديوانه مكتوبا شهادة شهود ولا يتذكر ولا
للراوي أن يروي اعتمادا على ما في كتابه ما لم
يتذكر وهو قول الإمام وحذف مفعول يتذكروا
لإرادة التعميم فلا بد عنده للشاهد من تذكر
الحادثة والتاريخ والمال مبلغه وصفته حتى إذا
لم يتذكر شيئا منه وتيقن أنه خطه وخاتمه لا
ينبغي له أن يشهد وإن شهد فهو شاهد زور كذا في
الخلاصة ولا يكفي تذكر مجلس الشهادة وفي
الملتقط وعلى الشاهد أن يشهد وإن لم يعرف مكان
الشهادة ووقتها ا هـ. وجوز محمد للكل الاعتماد
على الكتاب إذا تيقن أنه خطه وإن لم يتذكر
توسعة للأمر على الناس وجوزه أبو يوسف للراوي
والقاضي دون الشاهد وفي الخلاصة أن أبا حنيفة
ضيق في الكل حتى قلت روايته الإخبار مع كثرة
سماعه فإنه روي أنه سمع من ألف ومائتي رجل غير
أنه يشترط الحفظ من وقت السماع إلى وقت
الرواية ا هـ. ومحل الخلاف في القاضي إذا وجد
قضاءه مكتوبا عنده وأجمعوا أن القاضي لا يعمل
بما يجده في ديوان قاض آخر وإن كان مختوما كذا
في الخلاصة وقال شمس الأئمة الحلواني ينبغي أن
يفتى بقول محمد وهكذا في الأجناس كذا في
الخلاصة وجزم في البزازية بأنه يفتى بقول محمد
وفي المبتغى بالغين المعجمة من وجد خطه وعرفه
ونسي الشهادة وسعه أن يشهد إذا كان في حوزه
وبه نأخذ. ا هـ. وعزاه في البزازية إلى
النوازل وأشار بقوله ولا يعمل إلى أن الشاهد
إذا كتب شهادته في نسخة وقرأها لأجل الضبط
فإنه يقبل؛ لأنه لم يعتمد على خطه وقد عقد في
السراجية لها بابا فقال باب الشهادة من النسخة
إلى آخر ما فيها ويتفرع على الاختلاف السابق
مسائل حاصلها أيجوز الاعتماد على غير الحفظ من
إخبار مخبر بقضاء أو شهادة أو رواية أم لا
الأولى لو نسي القاضي قضاءه ولم يكن له سجل
فشهدا عنده أنه قضى بكذا الثانية أخبره قوم
يثق بهم أنه كان شاهدا الثالثة سمع حديثا من
غيره ثم نسي راوي الأصل فسمعه ممن روي عنه ثم
اعلم أن الشاهد إذا اعتمد على خطه على القول
المفتى به وشهد وقلنا بقبوله فللقاضي أن يسأله
هل يشهد عن علم أم عن الخط إن قال عن علم قبله
وإن قال عن الخط لا كما في البزازية وفي
المعراج وعلى الاختلاف لو سمع من غيره حديثا
ثم نسي الأصل الرواية فعند أبي حنيفة وأبي
يوسف لا يعمل به وعند محمد يعمل به وعلى هذه
المسائل التي اختلف فيها أبو يوسف ومحمد في
الرواية في الجامع الصغير وهي ثلاث سمعها محمد
من أبي يوسف ثم نسي أبو يوسف الرواية فكان لا
يعتمد على رواية محمد وهو لا يدع الرواية ا
هـ. وهي ست لا ثلاث كما نقلناها مبينة في
شرحنا على المنار وتعقبهم في فتح القدير هنا
وفي كتاب الصلاة بأن الحكاية التي جرت بين
الشيخين تفيد أنه من باب تكذيب الأصل الفرع
ولا خلاف عندهم في بطلان الرواية لا أنه من
باب النسيان فاعتماد المشايخ على قول محمد
مشكل.
ج / 7 ص -108-
ولا يشهد بما لم يعاينه إلا في النسب والموت
والنكاح والدخول وولاية القاضي وأصل الوقف فله
أن يشهد بها إذا أخبره بها من يثق به.
____________
"قوله ولا يشهد بما لم يعاينه إلا في النسب
والموت والنكاح والدخول وولاية القاضي وأصل
الوقف فله أن يشهد بها إذا أخبره بها من يثق
به" استحسانا دفعا للحرج وتعطيل الأحكام إذ لا
يحضرها إلا الخواص والمراد لا يحل له أن يشهد
بشيء لم يقطع به من جهة المعاينة بالعين أو
السماع إلا في كذا أما النسب فمن نسبته إلى
أبيه نسبا من باب طلب عزوته إليه وانتسب إليه
اعتزى ثم استعمل النسب وهو المصدر في مطلق
الوصلة بالقرابة فيقال بينهما نسب أي قرابة
وسواء جاز بينهما التناكح أم لا وجمعه أنساب
وتمامه في المصباح، وأما ما يتعلق به من
الأحكام هنا فأفاد أنه تجوز الشهادة فيه
بالتسامع وفي البزازية من الدعوى العاشر في
النسب وفي دعوى العمومة لا بد أن يفسر أنه عمه
لأمه أو لأبيه أو لهما ويشترط أيضا أن يقول هو
وارثه لا وارث له غيره فإن برهن على ذلك أو
على أنه أخو الميت لأبويه لا يعلمون أن له
وارثا غيره يحكم له بالمال ولا يشترط ذكر
الأسماء في الأقضية إلى أن قال ادعى على آخر
أنه أخوه لأبيه إن ادعى إرثا أو نفقة وبرهن
تقبل ويكون قضاء على الغائب أيضا حتى لو حضر
الأب وأنكر لا يقبل ولا يحتاج إلى إعادة
البينة؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بإثبات الحق
على الغائب وإن لم يدع مالا بل ادعى الأخوة
المجردة لا تقبل لأن هذا في الحقيقة إثبات
البنوة على الأب المدعى عليه والخصم فيه هو
الأب لا الأخ. وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه أو
أبو أبيه والابن والأب غائب أو ميت لا يصح ما
لم يدع مالا فإن ادعى مالا فالحكم على الحاضر
والغائب جميعا بخلاف ما إذا ادعى على رجل أنه
أبوه أو ابنه أو على امرأة أنها زوجته أو ادعت
عليه أنه زوجها أو ادعى العبد على عربي أنه
مولاه عتاقة أو ادعى عربي على آخر أنه معتقه
أو ادعت على رجل أنها أمته أو كان الدعوى في
ولاء الموالاة وأنكر المدعى عليه فبرهن المدعي
على ما قال يقبل ادعى به حقا أو لا بخلاف دعوى
الأخوة؛ لأنه دعوى الغير ألا ترى أنه لو أقر
أنه أبوه أو ابنه أو زوجه أو زوجته صح أو بأنه
أخوه لا لكونه حمل النسب على الغير وتمامه
فيها وحاصل ما ينفعنا هنا أن الشهود إذا شهدوا
بنسب فإن القاضي لا يقبلهم ولا يحكم به إلا
بعد دعوى مال إلا في الأب والابن وقيد في
المحيط معزيا إلى الإمام محمد في المبسوط
قبولها في النسب بقيد حسن فليراجع من نسخة
صحيحة، وأما الموت ففي البزازية والموت كالقتل
ولعله والقتل كالموت كما في الخلاصة وخزانة
المفتين وظاهره أن الشهادة على القتل بالتسامع
جائزة وهو بإطلاقه مشكل لترتب القصاص عليها
وفيها شبهة فلا يثبت بها ما يندرئ بالشبهة ولم
أر من أوضحه إلى الآن وقد ظهر لي أن التشبيه
إنما هو في خاص وهو جواز اعتداد المرأة إذا
أخبرت بقتله كموته
ج / 7 ص -109-
..................................
___________
المفتين ثم اعلم أن الخصاف شرط للقبول عند أبي
يوسف في العتق أن يكون مشهورا وللمعتق أبوان
أو ثلاثة في الإسلام ولم يشترطه محمد في
المبسوط كذا في المعراج. وقوله إذا أخبره يدل
على أن لفظة الشهادة ليست بشرط في الكل أما
الذي يشهد عند القاضي فلا بد له من لفظها وشرط
في العناية لفظ الشهادة على ما قالوا كذا في
الخلاصة وأشار المؤلف رحمه الله تعالى بقوله
من يثق به إلى عدم اشتراط عدد وذكورة في
المخبر ولكن في الخلاصة في النكاح والنسب لا
بد أن يخبره عدلان بخلاف الموت قال وفي الموت
مسألة عجيبة هي إذا لم يعاين الموت إلا واحد
ولو شهد عند القاضي لا يقضي بشهادته وحده ماذا
يصنع قالوا يخبر بذلك عدلا مثله وإذا سمع منه
حل له أن يشهد على موته فيشهد هو مع ذلك
الشاهد فيقضي بشهادتهما ا هـ. وظاهر ما في
السراج أنه لا بد من خبر عدلين في الكل إلا في
الموت وصحح عن الظهيرية أن الموت كغيره وفي
فتح القدير المختار الاكتفاء بالواحد في الموت
والعدالة إنما تشترط في المخبر في غير
المتواتر أما في المتواتر فلا تشترط العدالة
ولا لفظ الشهادة كما في الخلاصة وظاهر كلام
المؤلف الاقتصار على الإخبار وهو قصور قال في
الخلاصة إذا شهد تعريسه وزفافه أو أخبره بذلك
عدلان حل له أن يشهد أنها امرأته وذكر الشارح
أنه إذا رأى رجلا يدخل على امرأته وينبسطان
انبساط الأزواج وسمع من الناس أنها زوجته جاز
له أن يشهد به وإن لم يعاين النكاح وكذا إذا
رأى شخصا جالسا مجلس الحكم يفصل الخصومات جاز
له أن يشهد على أنه قاض. ا هـ. فظاهر الهداية
الاكتفاء بما ذكر وذكر غيره أنه لا بد من
الإخبار وفي فتح القدير وهو الحق وفي المحيط
ولو جاء خبر موت إنسان فصنعوا ما يصنع على
الميت لم يسعك أن تخبر بموته حتى يخبرك ثقة
أنه عاين موته؛ لأن المصائب قد تتقدم على
الموت إما خطأ أو غلطا أو حيلة لقسمة المال ا
هـ.
وفي القنية نكاح حضره رجلان ثم أخبر أحدهما
جماعة أن فلانا تزوج فلانة بإذن وليها ثم الآن
يجحد هذا التسامع يجوز للسامعين أن يشهدوا على
ذلك ا هـ.
ثم اعلم أن القضاء بالنسب مما لا يقبل النقض
لكونه على الكافة كالنكاح والحرية والولاء كما
في الصغرى وكذا كتبنا في الفوائد أن القضاء
على الكافة في هذه الأربعة لكن يستثنى من
النسب ما في المحيط من باب الشهادة بالتسامع
شهدا أن فلان بن فلان مات وهذا ابن أخيه
ووارثه قضي بالنسب والإرث ثم أقام آخر البينة
أنه ابن الميت ووارثه ينقض الأول ويقضي
للثاني؛ لأن الابن مقدم على ابن الأخ ولا
تنافي بين الأول والثاني لجواز أن يكون له ابن
وابن أخ فينقض القضاء في حق الميراث لا في حق
النسب حتى يبقى الأول ابن عم له حتى يرث منه
إذا مات ولم يترك وارثا آخر أقرب منه فإن أقام
آخر البينة أن الميت الأول
ج / 7 ص -110-
ومن في يده شيء سوى الرقيق لك أن تشهد أنه له
___________
فلان بن فلان ونسبه إلى أب آخر غير الأب الذي
نسبه إلى الأول فإنه ينظر إن ادعى ابن أخيه لا
ينقض القضاء الأول لأنه لما أثبت نفسه من
الأول خرج عن أن يكون محلا لإثباته في إنسان
آخر وليس في البينة الثانية زيادة إثبات إلى
آخر ما ذكره. والمراد بقوله من يثق به غير
الخصم إذ لو أخبره رجل أنه فلان بن فلان لا
يسعه أن يعتمد على خبره ويشهد بنفسه؛ لأنه لو
جاز له ذلك لجاز للقاضي القضاء بقوله كذا في
خزانة المفتين وشرط فيها للقبول في النسب أن
يخبره عدلان من غير استشهاد الرجل فإن أقام
الرجل شاهدين عنده على نسبه لا يسعه أن يشهد
وإذا كان الرجل غريبا لا يسعه أن يشهد بنسبه
حتى يلقى من أهل بلده رجلين عدلين فيشهدان
عنده على نسبه قال الجصاص وهو الصحيح. ا هـ.
"قوله ومن في يده شيء سوى الرقيق لك أن تشهد
أنه له"؛ لأن اليد أقصى ما يستدل به على الملك
إذ هي مرجع الدلالة في الأسباب كلها فيكتفى
بها وعن أبي يوسف أنه يشترط مع ذلك أن يقع في
قلبه أنه له قالوا ويحتمل أن يكون هذا تفسيرا
لإطلاق محمد في الرواية قال في فتح القدير قال
الصدر الشهيد وبه نأخذ فهو قولهم جميعا ا هـ.
فلو رأى درة في يد كناس أو كتابا باقيا في يد
جاهل لا يشهد بالملك له بمجرد يده كذا في
البزازية ومن مشايخنا من قال أنها دليل الملك
مع التصرف لكونها متنوعة إلى أمانة وملك قلنا
والتصرف يتنوع أيضا إلى أصالة ونيابة وظاهر
كلام المؤلف أنه عاين المالك والملك فإذا رآه
في يد آخر فجاء الأول وادعى الملك وسعه أن
يشهد أنه له بناء على يده قالوا وكذا إذا عاين
الملك بحدوده دون الملك استحسان؛ لأن النسب
يثبت بالتسامع له وفرع على هذا الناصحي بأن
المالك لو كان امرأة لا تخرج ولا يراها الرجال
فإن كان الملك مشهورا أنه لها جاز أن يشهد
عليه؛ لأن شهرة الاسم كالمعاينة ا هـ.
وأورد عليه لزوم الشهادة بالمال بالتسامع
وأجيب بأنه في ضمن الشهادة بالنسب كما في
النهاية وتعقبه في فتح القدير بأن مجرد ثبوت
نسبه بالشهادة عند القاضي لم يوجب ثبوت ملكه
لتلك الضيعة لولا الشهادة به وكذا المقصود ليس
إثبات النسب بل الملك في الضيعة. ا هـ.
وخرج مسألتان إحداهما أن لا يعانيهما وإنما
سمع أن لفلان كذا الثانية أن يعاين المالك لا
الملك فلا يحل له أن يشهد لكونه مجازفا في
الأولى وفي الثانية لم يحصل له العلم بالمحدود
وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن من رأى شيئا في
يد إنسان ولم يره قبل ذلك في يد
ج / 7 ص -111-
وإن فسر للقاضي أنه يشهد له بالتسامع أو
بمعاينة اليد لا تقبل
__________
غيره فإن له أن يشتريه منه فإن كان رآه قبله
في يد غيره فإن أخبره بانتقال الملك إليه أو
بالوكالة منه حل الشراء وإلا فلا وكذا لو رأى
جارية في يد إنسان ثم رآها في بلد أخرى وقالت
أنا حرة الأصل لا يحل له أن ينكحها وسيأتي
تمامه في الكراهية واستثنى المصنف الرقيق أي
العبد والأمة وهو مقيد بما إذا كانا كبيرين
لأن لهما يدا على أنفسهما تدفع يد الغير عنهما
فانعدم دليل الملك وعن أبي حنيفة أنه يحل له
أن يشهد فيهما أيضا اعتبارا بالثياب. والفرق
ما بيناه وإن كانا صغيرين لا يعبران عن
أنفسهما كالمتاع لا يد لهما فله أن يشهد
بالملك لذوي اليد وعلى هذا فالمراد بالكبير في
كلامهم هنا من يعبر عن نفسه سواء كان بالغا أو
لا كما في النهاية.
ثم اعلم أنه إنما يشهد بالملك لذي اليد بشرط
أن لا يخبره عدلان بأنه لغيره فلو أخبراه لم
تجز له الشهادة بالملك له كما في الخلاصة
وقدمناه وأشار المؤلف إلى أن القاضي لو رأى
عينا في يد رجل فإنه يجوز له القضاء بالملك
كما في الخلاصة والبزازية وبه ظهر أن قول
الشارح في تقرير أن الشاهد إذا فسر للقاضي أنه
يشهد عن سماع أو معاينة يد لم يقبله أن القاضي
لا يجوز له أن يحكم بسماع نفسه ولو تواتر عنده
ولا برؤية نفسه في يد إنسان سهو إلا أن يحمل
ما قالوا لو رأى شيئا في يد إنسان ثم رآه في
يد غيره فإنه لا ينتزعه منه من غير أن يدعيه
الأول فما في الفتاوى فيما إذا ادعاه المالك
وما في الشرح فيما إذا لم يدعه.
"قوله وإن فسر للقاضي أنه يشهد له بالتسامع أو
بمعاينة اليد لا تقبل" وهذا هو الصحيح كما
ذكره مسكين في شرحه لكنه استثنى الموت والوقف
فتقبل ولو فسر للقاضي أنه أخبره من يثق به
واستثنى العمادي في الفصول الوقف فلو شهدا به
وقالا نشهد بالتسامع تقبل؛ لأن الشاهد ربما
يكون عمره عشرين سنة وتاريخ الوقف مائة سنة
فيتيقن القاضي أنه يشهد بالتسامع فالإفصاح
كالسكوت إليه أشار ظهير الدين المرغيناني وفي
الخلاصة لو شهدا عند القاضي أن فلانا مات
وقالا أخبرنا بذلك من تثق به جازت شهادتهما
وهو الأصح والخصاف أيضا جوز ذلك وفيه اختلاف
المشايخ ا هـ.
ومعنى التفسير للقاضي أنه شهد بالتسامع أن
يقولا شهدنا؛ لأنا سمعنا من الناس أما إذا
قالا لم نعاين ذلك ولكنه اشتهر عندنا جازت كذا
في الخلاصة والبزازية وفي الينابيع تفسيره أن
يقول في النكاح لم أحضر العقد وفي غيره أخبرني
من أثق به أو سمعت ونحوه وفي المحيط معزيا إلى
المنتقى إذا شهدوا أنه مات على هذه الدابة فهي
ميراث ولو شهدوا أن أبا هذا المدعي مات وهذه
الدار كانت له يوم مات أو شهر مات أو سنة مات
فهو جائز له ولو
ج / 7 ص -112-
____________
رآه على حمار يوما لم يشهد أنه له لاحتمال أنه
ركبه بالعارية ولو رآه على حمار خمسين يوما أو
أكثر ووقع في قلبه أنه له وسعه أن يشهد أنه
له؛ لأن الظاهر أن الإنسان لا يركب دابة مدة
كثيرة إلا بالملك ا هـ. وفي البزازية عاين
الشاهد دابة تتبع دابة وترضع له أن يشهد
بالملك والنتاج شهدا أن فلان ابن فلان مات
وترك هذه الدار ميراثا ولم يدركا الميت
فشهادتهما باطلة؛ لأنهما شهدا بملك لم يعاينا
سببه ولا رأياه في يد المدعي ا هـ. والله
أعلم.
باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل.
ولا تقبل شهادة الأعمى, والمملوك والصبي
____________
"باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل"
يقال قبلت القول إذا حملته على الصدق كذا في
المصباح والمراد من يجب قبول شهادته على
القاضي ومن لا يجب لا من يصح قبولها ومن لا
يصح؛ لأن من جملة ما ذكره ممن لا يقبل الفاسق
وهو لو قضي بشهادته صح بخلاف العبد والصبي
والزوجة والولد والأصل لكن في خزانة المفتين
إذا قضي بشهادة الأعمى أو المحدود في القذف
إذا تاب أو بشهادة أحد الزوجين مع آخر لصاحبه
أو بشهادة الولد لوالده أو عكسه نفذ حتى لا
يجوز للثاني إبطاله وإن رأى بطلانه ا هـ.
فالمراد من عدم القبول عدم حله وذكر في منية
المفتي اختلافا في النفاد بشهادة المحدود بعد
التوبة.
"قوله ولا تقبل شهادة الأعمى"؛ لأن الأداء
يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له
والمشهود عليه ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة
وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود
والنسبة لتعريف الغائب دون الحاضر وصار
كالحدود والقصاص.
أطلقه فشمل الأعمى وقت الشهادة قبل التحمل أو
بعده وما إذا عمى بعد الأداء قبل القضاء؛ لأن
المراد بعدم قبولها عدم القضاء بها؛ لأن قيام
أهليتها شرط وقت القضاء لصيرورتها حجة عنده
وصار كما إذا خرس أو جن أو فسق بخلاف موت
الشاهد وغيبته؛ لأن الأهلية بالموت قد انتهت
وبالغيبة ما بطلت كذا في الهداية وشمل ما كان
طريقه السماع خلافا لأبي يوسف كما في فتح
القدير ولزفر وهو مروي عن الإمام كما في الشرح
واختاره في الخلاصة وعزاه إلى النصاب جاز ما
به من غير حكاية خلاف وأشار المؤلف إلى عدم
قبول شهادة الأخرس بالأولى سواء كانت بالإشارة
أو بالكتابة وتمامه في شرح ابن وهبان.
"قوله والمملوك والصبي"؛ لأنها من الولاية ولا
ولاية لهما على نفسهما فالأولى أن لا يكون
لهما على غيرهما ولاية وقدمنا وسيأتي أن ثبوت
حرية الشاهد إما بظاهر الدار عند عدم
ج / 7 ص -113-
...................................
___________
طعن المشهود عليه أو بينة يقيمها الشاهد عند
طعن الخصم بخلاف ما إذا طعن بأنه محدود في قذف
أو شريك المدعي فإن البينة عليه وقدمنا أن
الصبي إذا بلغ فشهد فإنه لا بد من التزكية
وكذا الكافر إذا أسلم وأن الكافر إذا عدل في
كفره لشهادة ثم أسلم فشهد فإنه يكفي التعديل
الأول.
وفي المحيط البرهاني مات وترك عبدا لا مال له
غيره وقيمته ألف ولا يعلم عليه دين فأعتقه
الوارث ثم شهد العبد شهادات واستقضى بقضايا ثم
أقام رجل البينة على الميت بالدين فإن العبد
يرد رقيقا وبطل عتقه وما شهد به فإن أبرأ
الغريم الميت جاز العتق لا الشهادة والقضاء
وتمامه فيه أطلقه فشمل القن والمكاتب والمدبر
وأم الولد كما في الخلاصة ومعتق البعض
كالمكاتب والمعتق في المرض كالمكاتب في زمن
سعايته لا تقبل شهادته كما في البزازية
والمدبر بعد موت مولاه إذا لم يخرج من الثلث
في زمن سعايته كالمكاتب عنده وحر مديون عندهما
كما في جنايات المجمع والكافي. وفي الكافي من
الشهادات رجل مات عن عم وأمتين وعبدين فأعتق
العم العبدين فشهدا ببنتية إحداهما بعينها
للميت أي أنه أقر بها في حياته وصحته لم تقبل
عند أبي حنيفة؛ لأن في قبولها ابتداء بطلانها
انتهاء؛ لأن معتق البعض في حكم المكاتب عنده
ولا شهادة له وعندهما تقبل؛ لأنه حر مديون ولو
شهدا أن الثانية أخت الميت قبل الأولى أو
بعدها أو معها لا تقبل بالإجماع؛ لأنا لو
قبلنا لصارت عصبة مع البنت فيخرج العم عن
الوراثة فيبطل العتق ا هـ. ولم يذكر المؤلف
المجنون ولا خفاء في عدم قبولها وفي المحيط
ومن يجن ساعة ويفيق ساعة فشهد في حال الصحة
تقبل شهادته؛ لأن ذلك بمنزلة الإغماء والإغماء
لا يمنع قبول الشهادة وقدر بعض مشايخنا جنونه
بيوم أو يومين حتى لو جن يوما أو يومين ثم
أفاق فشهادته جائزة في حال الصحة ا هـ.
ولم يذكر أيضا المغفل وفي المحيط قال محمد في
رجل أعجمي صوام قوام مغفل يخشى عليه أن يلقن
فيؤخذ به قال هذا شر من الفاسق في الشهادة وعن
أبي يوسف أجيز شهادة المغفل ولا أجيز تعديله؛
لأن التعديل يحتاج فيه إلى الرأي والتدبير
والمغفل لا يستقصي في ذلك ا هـ. ولا بد لصحة
القضاء من حصول الحرية للشاهد في نفس الأمر
فلو قضى بشهادتهم ثم ظهروا عبيدا بطل القضاء
وهي مسألة ظهور خطأ القاضي وفي المحيط
البرهاني قضى القاضي بوصاية بينة وأخذ ما على
الناس من الديون ثم وجدوا عبيدا فقد برئ
الغرماء ولو كان مثله في الوكالة لم يبرءوا. ا
هـ. ولم يذكر الفرق وكأنه لكونهم دفعوا له دين
الميت بإذن القاضي وإن لم يثبت الإيصاء بمنزلة
إذنه لهم في الدفع إلى أمينه بخلاف الوكالة إذ
لا يصح إذنه
ج / 7 ص -114-
إلا أن يتحملا في الرق والصغر وأديا بعد
الحرية والبلوغ, والمحدود في قذف ولو تاب
_____________
للغريم بدفع دين الحي إلى غيره.
"قوله إلا أن يتحملا في الرق والصغر وأديا بعد
الحرية والبلوغ"؛ لأنهما أهل للتحمل؛ لأن
التحمل بالشهادة والسماع ويبقى إلى وقت الأداء
بالضبط وهما لا ينافيان ذلك وهما أهل عند
الأداء وأشار إلى أن الكافر إذا تحملها على
مسلم ثم أسلم فأداها تقبل كما في فتح القدير.
وأطلقه فشمل ما إذا لم يؤدها إلا بعد الأهلية
أو أداها قبلها فردت ثم زالت العلة فأداها
ثانيا ولذا قال في الخلاصة ومتى ردت شهادة
الشاهد لعلة ثم زالت العلة فشهد في تلك
الحادثة لا تقبل إلا في أربعة العبد والكافر
على المسلم والأعمى والصبي إذا شهدوا فردت ثم
زال المانع فشهدوا في تلك الحادثة فإنه تقبل ا
هـ.
فعلى هذا لا تقبل شهادة الزوج والأجير والمغفل
والمتهم والفاسق بعد ردها وإدخال أحد الزوجين
مع الأربعة كما في فتح القدير سهو ولا بد من
حكم القاضي برد شهادته كما سيأتي وأطلق في
تحمل العبد فشمل ما إذا تحملها لمولاه ثم
أداها بعد عتقه كما في فتح القدير وأراد
بالحرية الحرية النافذة وإنما قيدنا به لما في
البزازية أعتق عبده في مرض موته ولا مال له
غيره ثم شهد هذا لا تقبل عند الإمام؛ لأن عتقه
موقوف ا هـ. وفي السراجية إذا طعن المدعى عليه
في الشهود أنهم عبيد فعلى المدعي إقامة البينة
على حريتهم ولو قال هما محدودان في القذف فعلى
الطاعن إقامة البينة.
"قوله والمحدود في قذف ولو تاب" لا تقبل
شهادته لقوله تعالى:
{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [النور: 4] ولأنه من تمام الحد لكونه مانعا فيبقى بعد التوبة كأصله
بخلاف المحدود في غيره لأن الرد للفسق وقد
ارتفع بالتوبة والاستثناء في الآية ينصرف إلى
ما يليه وهو قوله تعالى:
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] أو هو استثناء منقطع بمعنى لكن كذا في الهداية وفي
التحرير الأوجه أنه متصل وقرره في التلويح بأن
المعنى أولئك الذين يرمون المحصنات محكوم
عليهم بالفسق إلا التائبين، وأما رجوع
الاستثناء إلى الكل في آية المحاربين فلدليل
اقتضاه وهو قوله من قبل أن تقدروا عليهم فإنه
لو عاد إلى الأخير أعني قوله لهم عذاب عظيم لم
يبق له فائدة؛ لأن التوبة تسقطه مطلقا ففائدته
سقوط الحد وتمامه في فتح القدير.
ج / 7 ص -115-
إلا أن يحد الكافر في قذف ثم أسلم
____________
وفي البدائع كل فاسق تاب عن فسقه قبلت توبته
وشهادته إلا اثنين المحدود في القذف والمعروف
بالكذب؛ لأن من صار معروفا بالكذب واشتهر به
لا يعرف صدقه من توبته بخلاف الفاسق إذا تاب
عن سائر أنواع الفسق فإن شهادته تقبل ا هـ.
وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن شهادته لا تسقط
ما لم يضرب تمام الحد وهو صريح المبسوط؛ لأن
المحدود من ضرب الحد أي تماما؛ لأن ما دونه
يكون تعزيرا غير مسقط لها ولو قال المؤلف إن
لم يقم بينة على صدقه لكان أولى لأنه لو أقام
أربعة بعدما حد على أنه زنى قبلت شهادته بعد
التوبة في الصحيح لأنه لو أقامها قبله لم يحد
فكذا لا ترد شهادته كذا ذكر الشارح وتمامه في
العتابية وإنما قيد بقوله على أنه زنى؛ لأنه
لو أقام بينة على إقرار المقذوف بالزنا لا
يشترط أن يكونوا أربعة لما في فتح القدير من
باب حد القذف فإنه شهد رجلان أو رجل وامرأتان
على إقرار المقذوف بالزنا يدرأ الحد عن
القاذف؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة
إلى آخره فكذا إذا أقام رجلين بعد حده على
إقراره بالزنا تعود شهادته كما لا يخفى ثم
اعلم أن الضمير في قوله لهم عندنا عائد إلى
المحدودين وعند الشافعي إلى القاذفين العاجزين
عن الإثبات كما ذكره الفخر الرازي فلو لم يحد
تقبل شهادته عندنا خلافا قاله ولو قذف رجلا ثم
شهد مع ثلاثة على أنه زنى فإذا كان حد لم يحد
المشهود عليه وإن لم يحد القاذف حد المشهود
عليه كذا في البزازية.
"قوله إلا أن يحد الكافر في قذف ثم أسلم" يعني
فتقبل ولو كان محدودا في قذف؛ لأن للكافر
شهادة فكان ردها من تمام الحد وبالإسلام حدثت
شهادة أخرى وليس المراد أنها تقبل بعد إسلامه
في حق المسلمين فقط قال المؤلف في الكافي فإن
أسلم قبلت شهادته عليهم وعلى المسلمين ضرورة
وتمامه في العتابية قيد بالكافر؛ لأن العبد
إذا حد حد القذف ثم عتق حيث ترد شهادته؛ لأنه
لا شهادة للعبد أصلا في حال رقه فيتوقف الرد
على حدوثها فإذا حدث كان رد شهادته بعد العتق
من تمام حده وظاهر كلام المؤلف أنه أسلم بعدما
ضرب تمام الحد فلو أسلم بعدما ضرب بعضه فضرب
الباقي بعد إسلامه ففيه ثلاث روايات في ظاهر
الرواية لا تبطل شهادته على التأبيد فإذا تاب
قبلت وفي رواية تبطل إن ضرب الأكثر بعد إسلامه
وفي رواية ولو سوطا كذا في السراج الوهاج ووضع
هذه المسألة يدل على أن الإسلام لا يسقط حد
القذف وهل يسقط شيئا من الحدود قال الشيخ عمر
قارئ الهداية إذا سرق الذمي أو زنى ثم أسلم
فإن ثبت عليه ذلك بإقراره أو بشهادة المسلمين
لا يدرأ عنه وإن ثبت بشهادة أهل الذمة فأسلم
سقط عنه الحد ا هـ.
ج / 7 ص -116-
والولد لأبويه وجديه وعكسه
___________
وينبغي أن يقال كذلك في حد القذف وفي اليتيمة
من كتاب السير أن الذمي إذا وجب التعزير عليه
فأسلم لم يسقط عنه ولم أر حكم الصبي إذا وجب
التعزير عليه للتأديب فبلغ ونقل الفخر الرازي
عن الشافعية سقوطه لو لزجره بالبلوغ ومقتضى ما
في اليتيمة أنه لا يسقط إلا أن يوجد نقل صريح.
"قوله والولد لأبويه وجديه وعكسه" أي لم تقبل
شهادة الفرع لأصله والأصل لفرعه للحديث1 ولأن
المنافع بين الأولاد والآباء متصلة ولهذا لا
يجوز أداء الزكاة إليهم فتكون شهادة لنفسه من
وجه وأطلق الولد فشمل الولد من وجه فلا تقبل
شهادة ولد الملاعن لأصوله أو هو له أو لفرعه
لثبوته من وجه بدليل صحة دعوته منه وعدمها من
غيره وتحرم مناكحته ووضع الزكاة فيه فأحكام
البنوة ثابتة له إلا الإرث والنفقة من الطرفين
كولد العاهر ولو باع أحد التوأمين وقد ولدا في
ملكه وأعتقه المشتري فشهدا لبائعه تقبل فإن
ادعى الباقي ثبت نسبهما وانتقض البيع والعتق
والقضاء ويرد ما قبض أو مثله إن هلك للاستناد
لتحويل العقد وإن كان القضاء قصاصا في طرف أو
نفس فأرشه عليه دون العاقلة وتمامه في تلخيص
الجامع من باب شهادة ولد الملاعنة ولا تقبل
شهادة ولد أم الولد المنفي من السيد ولا يعطيه
الزكاة كولد الحرة المنفي باللعان كذا في
المحيط البرهاني. وفي فتح القدير تجوز شهادته
لابنه رضاعا وفي خزانة الأكمل شهد ابناه أن
الطالب أبرأ أباهما واحتال بدينه على فلان لم
تجز إذا كان الطالب منكرا وإن كان المال على
غير أبيهما فشهدوا أن الطالب أحال به أباهما
والطالب ينكر والمطلوب يدعي البراءة والحوالة
جازت ا هـ.
وفي المحيط البرهاني إذا شهدا على فعل أبيهما
فعلا ملزما لا تقبل إذا كان للأب فيه منفعة
اتفاقا وإلا فعلى قولهما لا تقبل وعن محمد
روايتان فلو قال إن كلمك فلان فأنت حر فادعى
فلان أنه كلمه وشهد ابناه به لم تقبل عندهما
وكذا إذا علق عتقه بدخوله الدار ولو أنكر الأب
جازت شهادتهما وكذا الحكم في كل شيء كان من
فعل الأب من نكاح أو طلاق أو بيع وإن شهد ابنا
الوكيل على عقد الوكيل فهو على ثلاثة أوجه:
الأول أن يقر الموكل والوكيل بالأمر والعقد
وهو على وجهين فإن ادعاه الخصم قضى القاضي
بالتصادق لا بالشهادة وإن أنكر فعلى قولهما لا
تقبل ولا يقضي بشيء إلا في الخلع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو قوله عليه السلام:
"لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا شهادة الوالد
لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته
ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير
لمن استأجره" ذكره الزيلعي في "نصب الراية" وقال: غريب "4/82"
ج / 7 ص -117-
..............................
____________
فإنه يقضي بالطلاق بغير مال لإقرار الزوج به
وهو الموكل وعن محمد يقضي بالعقد إلا بعقد
ترجع حقوقه إلى العاقد كالبيع.
الثاني أن ينكر الوكيل والموكل فإن جحد الخصم
لا تقبل وإلا تقبل اتفاقا.
الثالث أن يقر الوكيل بهما ويجحد الموكل العقد
فقط فإن ادعاه الخصم يقضي بالعقود كلها إلا
النكاح على قول أبي حنيفة وتمامه فيه وقيد
بالشهادة لهم لأن الشهادة على أصله وفرعه
مقبولة إلا إذا شهد الجد على ابنه لابن ابنه
قلنا إنها لا تقبل لوجود المانع من المشهود له
وفي المحيط قال محمد رجل شهد لابن ابنه على
أبيه؛ لأنه حين شهد عليه لم يصر جدا لولده بل
يصير جدا بعد حكم الحاكم بشهادته فحينئذ يصير
جدا بموجب الشهادة والشيء لا ينفي موجب نفسه ا
هـ.
وهذا التعليل يفيد أن الكلام في شهادة الأب
على إقرار ابنه بأن ما ولدته زوجته ابنه لا في
الأموال والأول في الأموال وفي الولوالجية
وتجوز شهادة الابن على أبيه بطلاق امرأته إذا
لم تكن لأمه أو لضرتها؛ لأنها شهادة على أبيه
وإن كان لأمه أو لضرتها لا تجوز لأنها شهادة
لأمه ذكره في فصل الشهادة من الطلاق وذكر في
القضاء من الفصل الرابع رجل شهد عليه بنوه أنه
طلق أمهم ثلاثا وهو يجحد فإن كانت الأم تدعي
فالشهادة باطلة وإن كانت تجحد فالشهادة جائزة
لأنها إذا كانت تدعي فهم يشهدون لأمهم؛ لأنهم
يصدقون الأم فيما تدعي ويعيدون البضع إلى
ملكها بعدما خرج عن ملكها، وأما إذا كانت تجحد
فيشهدون على أمهم؛ لأنهم يكذبونها فيما تجحد
ويبطلون عليها ما استحقت من الحقوق على زوجها
من القسم والنفقة وما يحصل لها من منفعة عود
بضعها إلى ملكها فتلك منفعة مجحودة يشوبها
مضرة فلا تمنع قبول الشهادة ا هـ
وهذه من مسائل الجامع الكبير وأورد عليه أن
الشهادة بالطلاق شهادة بحق الله تعالى فوجود
دعوى الأم وعدمها سواء لعدم اشتراطها وأجيب
بأنه مع كونه حقا لله تعالى فهو حقها أيضا لم
تشترط الدعوى للأول واعتبرت إذا وجدت مانعة من
القبول للثاني عملا بهما.
وفي المحيط البرهاني معزيا إلى فتاوى شمس
الإسلام الأوزجندي أن الأم إذا ادعت الطلاق
تقبل شهادتهما قال وهو الأصح؛ لأن دعواها لغو
قال مولانا وعندي أن ما ذكره في الجامع أصح ا
هـ.
ويتفرع على هذا مسائل ذكرها ابن وهبان في
شرحه: الأولى شهدا أن امرأة أبيهما
ج / 7 ص -118-
وأحد الزوجين للآخر
____________
ارتدت وهي تنكر فإن كانت أمهما حية لم تقبل
ادعت أو أنكرت لانتفاعها وإلا فإن ادعى الأب
لم تقبل وإلا قبلت. الثانية طلق امرأته قبل
الدخول ثم تزوجها فشهد ابناه أنه طلقها في
المدة الأولى ثلاثا ثم تزوجها بلا محلل فإن
كان الأب يدعي لا تقبل وإلا قبلت. الثالثة شهد
ابناه على الأب أنه خلع امرأته على صداقها فإن
كان الأب يدعي لا تقبل دخل بها أو لا وإلا
تقبل ادعت أو لا. الرابعة شهد ابنا الجارية
الحران أن مولاها أعتقها على ألف درهم فإن
كانت تدعي لا تقبل وإلا فتقبل وإن شهد ابنا
المولى وهو يدعي لم تقبل وعتقت لإقراره بغير
شيء وإلا تقبل بخلاف ما إذا شهدا على عتق
أبيهما بألف فإنها لا تقبل مطلقا لأن دعواه
شرط عنده ولو شهد ابنا المولى فإن ادعى المولى
لم تقبل وإن جحد وادعى الغلام تقبل ويقضي
بالعتق وبوجوب المال وإن أنكر لم تقبل.
الخامسة جارية في يد رجل ادعت أنه باعها من
فلان وأن فلانا الذي اشتراها أعتقها والمشتري
يجحد فشهد ابنا ذي اليد بما ادعت الجارية فإن
ادعى الأب لم تقبل وإلا تقبل ا هـ.
وهذه كلها مسائل الجامع الكبير ذكرها الصدر
سليمان الشهيد في باب من الشهادات وزاد قالت
بعتني منه وأعتقني وشهد ابنا البائع إن ادعى
لا تقبل وعتقت بإقراره وإن كذبه قبلت وثبت
الشراء والعتق؛ لأنه خصم كالشفيع في يده جارية
قال بعتها من فلان بألف وقبضها وباعها مني
بمائة دينار وشهد ابنا البائع يقضي بالبيعين
وبالثمنين وعند محمد يشترط تصديقه ولا يحبس به
وإن ادعى الأب لا تقبل ويسلم له بإقراره إلى
آخر ما فيه وفي البزازية وفي المنتقى شهدا على
أن أباهما القاضي قضى لفلان على فلان بكذا لا
تقبل والمأخوذ أن الأب لو كان قاضيا يوم شهد
الابن على حكمه تقبل ولو شهد الابنان على
شهادة أبيهما تجوز بلا خلاف وكذا على كتابه ا
هـ. ثم قال قضاء القاضي بشهادة ولده وحافده
يجوز وفي الخانية ولو ولدت ولدا وادعت أنه من
زوجها وجحد زوجها ذلك فشهد على أبيه وابنه أن
الزوج أقر أن هذا ولده من هذه المرأة قال في
الأصل جازت شهادتهما ولو ادعى الزوج ذلك
والمرأة تجحد فشهد عليها أبوها أنها ولدت
وأنها أقرت بذلك اختلف فيه الرواية. ا هـ.
"قوله وأحد الزوجين للآخر" أي لم تقبل شهادته
للحديث1 ولأن الانتفاع متصل عادة وهو المقصود
فيصير شاهدا لنفسه من وجه أو يصير منهما وفي
الخانية وإن شهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم في الصفحة السابقة.
ج / 7 ص -119-
والسيد لعبده ومكاتبه
___________
الرجل لامرأة بحق ثم تزوجها بطلت شهادته ولو
شهد لامرأته وهو عدل ولم يرد الحاكم شهادته
حتى طلقها بائنا وانقضت عدتها روى ابن شجاع أن
القاضي ينفذ شهادته ا هـ. وبه علم أن الزوجية
إنما تمنع منها وقت القضاء لا وقت الأداء ولا
وقت التحمل.
وفي البزازية ولو وكلت امرأة القاضي وكيلا
بالخصومة ثم طلقها وانقضت عدتها وقضى لوكيلها
يجوز وكذا وكيل مكاتبه إذا عتق قبل القضاء
والحاصل أنه لا بد من انتقاء التهمة وقت
القضاء ا هـ.
وأما في باب الرجوع في الهبة فهي مانعة منه
وقت الهبة لا وقت الرجوع فلو وهب لأجنبية ثم
نكحها فله الرجوع بخلاف عكسه كما سيأتي وفي
باب إقرار المريض الاعتبار لكونها زوجة وقت
الإقرار فلو أقر لأجنبية ثم نكحها ومات وهي
زوجة صح وفي باب الوصية الاعتبار لكونها زوجة
وقت الموت لا وقت الوصية وأطلق في الزوجة فشمل
الأمة قال في الأصل لا تقبل شهادة زوج لزوجته
وإن كانت أمة؛ لأن لها حقا في المشهود به كذا
في البزازية وقيد بقوله له؛ لأن شهادته عليها
مقبولة إلا في مسألتين الأولى قذفها الزوج ثم
شهد عليها بالزنا مع ثلاثة لم تقبل وهي في
المحيط الرضوي وقدمناها في الحدود الثانية شهد
الزوج وآخر بأنها أقرت بالرق لفلان وهو يدعي
ذلك لم تقبل ولو قال المدعي أنا أذنت لها في
نكاحه إلا إذا كان دفع لها المهر بإذن المولى
كذا في النوازل وشمل الزوجة من وجه وهي
المعتدة عن الطلاق ولو ثلاثا كما في القنية
والبزازية.
ثم اعلم أن من لا تقبل شهادته له لا يجوز
قضاؤه فلا يقضي لأصله وإن علا ولا لفرعه وإن
سفل ولو وكيل من ذكرنا كما في قضائه لنفسه كما
في البزازية ومنها أيضا اختصم رجلان عند
القاضي ووكل أحدهما ابن القاضي أو من لا تجوز
شهادته له فقضى القاضي لهذا الوكيل لا يجوز
فإن قضى عليه يجوز وفي الخزانة وكذا لو كان
ولده وصيا فقضى له ولو كان القاضي وصي اليتيم
لم يجز قضاؤه في أمر اليتيم ولو كان القاضي
وكيلا لم يجز قضاؤه لموكله وتمامه فيها وفي
تلخيص الجامع.
"قوله والسيد لعبده ومكاتبه" لأنها شهادة
لنفسه من كل وجه إن لم يكن عليه دين ومن وجه
إن كان عليه دين؛ لأن الحال موقوف مراعى وفي
منية المفتي شهد العبد لمولاه فردت ثم شهد بها
بعد العتق تقبل ولو شهد المولى لعبده بالنكاح
فردت ثم شهد له بعد العتق لم يجز لأن المردود
كان شهادة وكذا الصبي أو المكاتب إذا شهد فردت
ثم شهد بها بعد البلوغ والعتق جازت؛ لأن
المردود لم يكن شهادة. ا هـ.
ج / 7 ص -120-
والشريك لشريكه فيما هو من شركتهما
___________
"قوله والشريك لشريكه فيما هو من شركتهما" أي
لم تقبل شهادته؛ لأنه شهادة لنفسه من وجه
لاشتراكهما قيد بما هو من شركتهما لجوازها بما
ليس من شركتهما لانتفاء التهمة وأطلقه فشمل
شركة الأملاك وشركة العقود عندنا ومفاوضة
ووجوها وصنائع وخصصه في النهاية بشريك العنان
قال وأما شهادة أحد المفاوضين لصاحبه فلا تقبل
إلا في الحدود والقصاص والنكاح؛ لأن ما عداها
مشترك بينهما وتبعه في العناية والبناية وزاد
في فتح القدير على الثلاثة الطلاق والعتاق
وطعام أهله وكسوتهم وتعقبه الشارح بأنه سهو
فإنه لا يدخل في الشركة إلا الدراهم والدنانير
ولا يدخل فيه العقار ولا العروض ولهذا قالوا
لو وهب لأحدهما مال غير الدراهم والدنانير لا
تبطل الشركة؛ لأن المساواة فيه ليست بشرط ا
هـ.
وما ذكره في النهاية هو صريح كلام محمد في
الأصل كما ذكره في المحيط البرهاني ثم قال
وشهادة أحد شريكي العنان فيما لم يكن من
تجارتهما مقبولة لا فيما كان منها ولم يذكر
هذا التفصيل في المفاوضة؛ لأن العنان قد يكون
خاصا وقد يكون عاما، وأما المفاوضة فلا تكون
إلا في جميع الأموال وقد عرف ذلك في كتاب
الشركة وعلى قياس ما ذكره شيخ الإسلام في كتاب
الشركة أن المفاوضة تكون خاصة يجب أن تكون
المفاوضة على التفصيل الذي ذكرنا في العنان ا
هـ.
وشمل كلام المؤلف ما إذا شهدا أن لهما ولفلان
على هذا الرجل ألف درهم فهي على ثلاثة أوجه:
الأول أن ينصا على الشركة فلا تقبل. الثاني أن
ينصا على قطع الشركة بأن قالا نشهد أن لفلان
على هذا خمسمائة بسبب على حدة ولنا عليه ضمانه
بسبب على حدة فتقبل. الثالث أن يطلقا فلا تقبل
لاحتمال الاشتراك ولو كان لواحد على ثلاثة دين
فشهد اثنان أن الدائن أبرأهما وفلان عن الألف
فإن كانوا كفلاء لم تقبل وإلا فإن شهدوا
بالإبراء بكلمة واحدة فكذلك وإلا تقبل كذا في
المحيط البرهاني وأشار المؤلف رحمه الله إلى
قاعدة في الشهادات وهي أن كل شهادة جرت مغنما
أو دفعت مغرما لم تقبل للتهمة فلا تقبل شهادة
المستأجر للأجير بالمستأجر والمستعير للمعير
بالمستعار وشهادة الأجير الخاص كأجير المياومة
والمشاهرة1 لا العام كالخياط لمن استأجره
فتقبل ولا تقبل شهادة ذابح الشاة المأمور
بذبحها لمدعيها على غاصبها ولا شهادة ابن
البائع على أن الشفيع طلب الشفعة من المشتري
ولا شهادة المودع بها وتقبل شهادة الوكيل
بالنكاح بالطلاق والوكيل بالشراء بالعتق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ياومه مياومة ويواما, عامله بالأيام. ا هـ
"القاموس" "يوم" وشاهره مشاهرة وشهارا,
استأجره للشهر. ا هـ "القاموس" "شهر".
ج / 7 ص -121-
....................................
____________
وشهادة ابن البائع على الشفيع بتسليم الشفعة
إلى المشتري ولا تقبل على أن المشتري سلمها
إلى الشفيع ولا تقبل شهادة البائع على أن
المشتري أعتق العبد ولا شهادة المعتق بقدر
الثمن إذا اختلفا وتقبل إذا شهد بإيفاء الثمن
أو إبراء البائع. ولا تقبل شهادة المودع
والمستعير والمستأجر للمدعي قبل الرد وتقبل
شهادة المرتهن ولو شهد المودع أو المستأجر
للعبد بإعتاق مولاه أو تدبيره أو كتابته عند
دعواه جازت لا ببيعه وتمام تفريعاته في المحيط
وهنا مسائل متفرعة على عدم شهادة الشريك
لشريكه: الأولى شهدا أن زيدا أوصى بثلث ماله
لقبيلة بني فلان وهما من تلك القبيلة صحت ولا
شيء لهما منها. الثانية لو أوصى لفقراء جيرانه
وهما منهم فالحكم كذلك. الثالثة لو أوصى
لفقراء بيته أو لأهل بيته وهما منهم لم يصح
ولو كانا غنيين صحت والفرق بين الأوليين
والثالثة أنه يجوز فيهما تخصيص البعض منهم
بخلافه في الثالثة. الرابعة لو أوصى لفقراء
جيرانه فشهد من له أولاد محتاجون منهم لم تقبل
مطلقا في حق الأولاد وغيرهم والفرق بينهما
وبين أولادهما أن المخاطب لم يدخل تحت عموم
خطابه فلم يتناولهما الكلام بخلاف الأولاد
فإنهم داخلون تحت الشهادة وإنما أدخلنا
المتكلم في مسألة الشهادة لفقراء أهل بيته
باعتبار أنهم يحصون بخلاف فقراء جيرانه وبني
تميم وذكر قاضي خان في فتاواه من الوقف لو
شهدا أنها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه وهما
منهم جازت ولو على فقراء قرابته لا قال
الناطفي في الفرق إن القرابة لا تزول والجواز
يزول فلم يكن شهادة لنفسه لا محالة ا هـ. وأهل
بيت الإنسان لا يزول عنهم الاسم؛ لأنهم أقاربه
الذين في عياله فلهذا لم تقبل فيها ولكن يشكل
بمسألة قبيلة فإن الاسم عنهم لا يزول مع
قبولها ولكن لا يدخلون ويمكن الفرق بين الوصية
والوقف بما أشار إليه ابن الشحنة وقال قاضي
خان عقب ما نقلته عنه فعلى هذا شهادة أهل
المدرسة بوقفها جائزة وقال في موضع آخر. وأما
أصحاب المدرسة إذا شهدوا بالوقف على المدرسة
قال بعضهم إن كان الشاهد يطلب لنفسه حقا من
ذلك لا تقبل وإلا تقبل قياسا على مسألة الشفعة
لو شهد بعض الشفعاء بالبيع فإن كان لا يطلبها
تقبل قال رضي الله تعالى عنه وعندي هذا يخالف
الشفعة؛ لأن حق الشفعة مما يحتمل الإبطال أما
الوقف على المدرسة من كان فقيرا من أصحاب
المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل
بإبطاله فإنه إذا قال أبطلت حقي كان له أن
يطلب ويأخذ بعد ذلك فكان شاهدا لنفسه فيجب أن
لا تقبل ا هـ.
وتعقبه الطرسوسي بقوله فيه نظر؛ لأن الفقيه من
أهل المدرسة يمكنه أن يعزل نفسه فلا تبقى له
وظيفة أصلا فكيف يقول لا يمكنه إبطاله ورده
ابن وهبان بأن هذا الاعتراض ليس بشيء فإن
الواقف إذا وقف على من اتصف بصفة الفقه والفقر
مثلا والإقامة استحق من اجتمعت فيه
ج / 7 ص -122-
...........................
___________
شرائط الوقف ولا اعتبار بعزله نفسه بل لو عزل
نفسه في كل يوم مائة مرة ثم طلب أخذ كالوقف
على الابن إذا عزل نفسه من الوقف فإنه لا
ينعزل وصاحب الفوائد لم يفهم هذا من كلام قاضي
خان بل جرى على عادة أوقاف المدارس في بلادنا
فإن الواقف يجعل النظر فيه إلى الحاكم مثلا أو
إلى الناظر ويجعل له ولاية العزل والتقرير
والإعطاء والحرمان من اتصف بصفة الفقه على
مذهب من المذاهب فحينئذ إذا أبطل ذلك حقه وعزل
نفسه صح وليس له العود إلا أن يقرره الحاكم أو
من له ولاية التقرير وليس كلام قاضي خان في
ذلك بل كلامه فيمن وقف الواقف عليه وذلك يستحق
ما وقف عليه الواقف ولا يبطل بإبطاله له ا هـ.
وفيما قال نظر لي؛ لأن الواقف إذا وقف على
الفقهاء مثلا فإن الفقيه لا يستحق في ذلك
الريع إلا بالتقرير ممن له ولايته وكذا على
الفقراء لا أنه يستحق من كان فقيها أو فقيرا
مطلقا كما توهمه ابن وهبان لأن الفقيه والفقير
الطالب لم يتعينا ولا يمكن أن ينصرف إلى كل
فقيه وكل فقير وإنما هو للجنس ويتعين بالتقرير
فالحق أن من أسقط حقه من وظيفة تقرر فيها فإنه
يسقط حقه سواء كان الوقف على جنس الفقهاء أو
على عدد معين منهم كما هو في أوقاف القاهرة
وإن أسقط حقه من وقف على الفقهاء والفقراء بلا
تعيين ولم يقرر في وقفهم لم يصح لعدم تعينه
فللناظر أن يقرره بعده ويعطيه ما خصه؛ لأنه
يطلب ويأخذ بلا تقرير فمعنى الاستحقاق الذي لا
يبطل بالإبطال في كلام قاضي خان جواز أن يقرر
بعد إبطاله ويعطي بعده من وقف على الفقهاء
ومعنى قول الطرسوسي أنه يبطل بعزله نفسه إذا
كان بعد تقريره وليس هذا كالوقف على الابن كما
توهمه ابن وهبان؛ لأن استحقاق الابن لا يتوقف
على تقرير بخلاف استحقاق الفقيه كما لا يخفى
بقي من جنس المسائل السابقة مسألة لو شهدا على
وقف في مكتب فيه أولادهم. قيل يصح وقيل لا
والأظهر الصحة؛ لأن كون أولادهم في المكتب غير
لازم فلا تكون شهادتهم لهم كشهادة أهل
المدرسة.
وفي وقف الظهيرية بعد أن ذكر مسألة المدرسة
وشهادة أهلها وشهادة أهل المحلة في وقف على
المحلة ما نصه وكذلك الشهادة على وقف مكتب
وللشاهد صبي في المكتب لا تقبل قيل وفي هذه
المسائل كلها تقبل وهو الصحيح ا هـ. وهكذا صحح
القبول في البزازية في مسألة المكتب وشهادة
أهل المحلة في وقف المسجد وشهادة الفقهاء على
وقفية وقف على مدرسة كذا وهم من أهل تلك
المدرسة والشهادة على وقف المسجد الجامع وكذا
أبناء السبيل إذا شهدوا بوقف على أبناء السبيل
إلى آخره فالمعتمد القبول في الكل وذكر ابن
الشحنة بعده تنبيها ومن هذا النمط مسألة قضاء
القاضي في وقف تحت نظره أو هو مستحق فيه ا هـ.
قلت "تنبيه"
ج / 7 ص -123-
...............................
_____________
الكلام كله في شهادة الفقهاء بأصل الوقف
لقولهم شهادة الفقهاء على وقفية وقف أما شهادة
المستحق فيما يرجع إلى الغلة كشهادته بإجارة
ونحوها لم تقبل؛ لأن له حقا في المشهود به
فكان متهما فكان داخلا في شهادة الشريك لشريكه
فهو نظير شهادة أحد الدائنين لشريكه بدين
مشترك بينهما وقد كتبت في حواشي جامع الفصولين
من الفصل الثالث عشر أن شهادة شهود الأوقاف
المقررين في وظائف الشهادة بما يرجع إلى الغلة
غير مقبولة لما ذكرنا وكون القاضي قرره شاهدا
للوقف موافقا للشرط لا يوجب قبولها فإن قلت
فحينئذ لا فائدة لوظيفته؛ لأن المتولي مقبول
القول في الدخل والخرج بلا بيان وقد فرض أنه
لا تقبل شهادته فيما يرجع إلى الغلة قلت
فائدته إسقاط التهمة عن المتولي إذا شهد له
الشاهد بالدخل والخرج فلا يحلفه القاضي إذا
اتهمه. ا هـ. ويقويه قولهم إن البينة تقبل
لإسقاط اليمين كالمودع إذا ادعى الرد أو
الهلاك فالقول له مع اليمين فإن برهن فلا يمين
وإنما أطلنا في هذا الموضع لكثرة الاحتياج
إليه في زماننا والفقه محتاج إليه كله ولا
يمله أهل التحصيل ولم يذكر المؤلف شهادة
الأجير والتلميذ وحاصل ما ذكره شارحو الهداية
أن شهادة التلميذ لأستاذه لا تقبل وفسروه بمن
يعد ضرر أستاذه ضرره ونفعه نفعه وفسره في
الخلاصة بالذي يأكل مع عياله في بيته وليس له
أجرة خاصة، وأما الأجير فإن كان خاصا لم تقبل
وإلا قبلت.
وفي المحيط ادعى دارا فشهد له من استأجره
للبناء تقبل ولو شهد له بها من استأجره لهدمها
لا ا هـ. ولم يذكر شهادة الدائن لمديونه وفي
الهداية أنها مقبولة وإن كان مفلسا وفي المحيط
لا تقبل بدين له بعد موته وهنا مسائل أخرى:
الأولى ثلاثة قتلوا رجلا فشهد اثنان منهم على
أن الولي عفا عن الثالث تقبل عند محمد لا عند
أبي يوسف. الثانية ثلاثة عليهم دين شهد اثنان
منهم على الدائن بإبراء الثالث فعلى الخلاف إن
كانا لم يقبضا وإلا فلا اتفاقا. الثالثة شهد
اثنان من الورثة على الباقي بأن هذا ابن الميت
تقبل. الرابعة شهد الكفيلان بالعهدة على
البائع بأنه قبض الثمن أو أبرأ المشتري منه لم
تقبل كما في الخانية واعلم أن في مسألة
الشهادة بالعفو لو شهدوا أنه عفا عنا قال
الحسن تقبل إذا قال اثنان منهم عفا عنا وعن
هذا الواحد فتقبل في حق الكل وقال أبو يوسف
تقبل في حق الواحد وهي في الخانية ونظير هذه
ما في الخانية أيضا لو قال إن دخل داري أحد
فعبدي حر فشهد ثلاثة أنهم دخلوها قال أبو يوسف
إن قالوا دخلناها جميعا لا تقبل وإن قالوا
دخلنا ودخل هذا تقبل وسأل الحسن ابن أبي يوسف
عنها فقال إن شهد ثلاثة بأنا دخلناها جميعا
تقبل وإن شهد اثنان لا تقبل فقال له الحسن
أصبت وخالفت أباك ا هـ.
ج / 7 ص -124-
والمخنث, والمغنية والنائحة. والعدو إن كانت
عداوة دنيوية
_____________
"قوله والمخنث" أي لا تقبل شهادته ومراده
المخنث في الرديء من الأفعال؛ لأنه فاسق فأما
الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسر فهو مقبول
الشهادة كذا في الهداية وفي المغرب المخنث في
عرف الناس هو الذي يباشر الرديء من الأفعال أي
أفعال النساء من التزين بزينتهن والتشبه بهن
في الفعل والقول فالفعل مثل كونه محلا للواطة
والقول مثل تليين كلامه باختياره تشبيها
بالنساء كذا في البناية وفي فتح القدير من
أبواب الإمامة المخنث بكسر النون وفتحها فإن
كان الأول فهو بمعنى المتكسر في أعضائه
المتلين في كلامه تشبيها بالنساء وإن كان
الثاني فهو الذي يعمل به لواطة. ا هـ.
"قوله والمغنية والنائحة" لارتكابهما محرما
لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصوتين
الأحمقين النائحة والمغنية أي صوت النائحة
والمغنية ووصف الصوت بصوت صاحبه أطلق المغنية
فشمل ما إذا كانت تغني وحدها؛ لأن رفع صوتها
حرام بخلاف الرجل قيده بأن يغني للناس وأطلق
النائحة وهي مقيدة بالتي تنوح في مصيبة غيرها
لارتكابها الحرام طمعا في المال فتقبل شهادة
النائحة في مصيبتها وفي القاموس ناح الرجل بكى
واستبكى غيره.
"قوله والعدو إن كانت عداوة دنيوية" أي لم
تقبل شهادة العدو لأجل الدنيا؛ لأن المعاداة
لأجلها حرام فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول
عليه قيد بكونها دنيوية للاحتراز عما إذا كانت
دينية فإنها لا تمنع؛ لأنها تدل على كمال دينه
وعدالته وهذا؛ لأن المعاداة قد تكون واجبة بأن
رأى فيه منكرا شرعا ولم ينته بنهيه بدليل قبول
شهادة المسلم على الكافر مع ما بينهما من
العداوة الدينية والمقتول وليه على القاتل
والمجروح على الجارح والزوج على امرأته بالزنا
ذكره ابن وهبان وفي خزانة المفتين والعدو من
يفرح بحزنه ويحزن لفرحه وقيل يعرف بالعرف ا
هـ.
ومثال العداوة الدنيوية أن يشهد المقذوف على
القاذف والمقطوع عليه الطريق على القاطع وفي
إدخال الزوج هنا نظر فقد صرحوا بقبول شهادته
عليها بالزنا إلا إذا قذفها أولا وإنما المنع
مطلقا قول الشافعي وفي بعض الفتاوى وتقبل
شهادة الصديق لصديقه ا هـ.
ثم اعلم أن المصرح به في غالب كتب أصحابنا
والمشهور على ألسنة فقهائنا ما ذكره المصنف من
التفصيل ونقل في القنية أن العداوة بسبب
الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها أو يجلب
منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة وهو الصحيح
وعليه الاعتماد وما في الواقعات
ج / 7 ص -125-
.........................
_____________
وغيرها اختيار المتأخرين، وأما الرواية
المنصوصة فبخلافها وفي كنز الرءوس1 شهادة
العدو على عدوه لا تقبل؛ لأنه منهم وقال أبو
حنيفة تقبل إذا كان عدلا قال أستاذنا وهو
الصحيح وعليه الاعتماد؛ لأنه إذا كان عدلا
تقبل شهادته وإن كان بينهما عداوة بسبب أمر
الدنيا. ا هـ.
واختاره ابن وهبان ولم يتعقبه ابن الشحنة لكن
الحديث شاهد لما عليه المتأخرون كما رواه أبو
داود مرفوعا
"لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا
زانية ولا ذي غمر على أخيه"2 والغمر الحقد ويمكن حمله على ما إذا كان غير عدل بدليل أن الحقد
فسق للنهي عنه وقد ذكر ابن وهبان رحمه الله
تنبيهات حسنة لم أرها لغيره:
الأول الذي يقتضيه كلام صاحب القنية والمبسوط
أنا إذا قلنا إن العداوة قادحة في الشهادة
تكون قادحة في حق جميع الناس لا في حق العدو
فقط وهو الذي يقتضيه الفقه فإن الفسق لا يتجزأ
حتى يكون فاسقا في حق شخص عدلا في حق آخر ا
هـ.
قلت: ولهذا لم يقل المؤلف على عدوه بل أطلقه.
الثاني لو ادعى شخص عداوة آخر يكون مجرد دعواه
اعترافا منه بفسق نفسه ولا يكون ذلك قادحا في
عدالة المدعي أنه عدو ما لم يثبت المدعي أنه
عدو له.
الثالث لو قضى القاضي بشهادة العدو على عدوه
أو على غير عدوه هل يصح أو لا؟ إن قلنا إن
المانع من قبول الشهادة هو الفسق فيكون حينئذ
صحيحا نافذا؛ لأن القاضي إذا قضى بشهادة
الفاسق نفذ قضاؤه ويصح وإن قلنا إنه لمعنى آخر
أقوى من الفسق لا يصح في حق العدو ويصح في حق
غيره وذكر ابن الكمال في إصلاح الإيضاح أن
شهادة العدو لعدوه جائزة عكس شهادة الأصل
لفرعه ا هـ.
وهذا يدل على أنها إنما لم تقبل للتهمة لا
للفسق.
الرابع قد يتوهم بعض المتفقهة والشهود أن كل
من خاصم شخصا في حق وادعى عليه حقا أنه يصير
عدوه فيشهد بينهما بالعداوة وليس كذلك بل
العداوة إنما تثبت بنحو ما ذكرت نعم لو خاصم
الشخص آخر في حق لا تقبل شهادته عليه في ذلك
الحق كالوكيل لا تقبل شهادته فيما هو وكيل فيه
ونحو ذلك لا أنه إذا تخاصم اثنان في حق لا
تقبل شهادة أحدهما على الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أعثر عليه.
2 أخرجه أبو داود في سننه كتاب الأقضية باب من
ترد شهادته "3601" والبيهقي في سننه كتاب
الشهادات باب لاتقبل شهادة خائن ولا خائنة
"10/200".
ج / 7 ص -126-
ومدمن الشرب على اللهو
_____________
لما بينهما من المخاصمة. ا هـ. قلت ويدل له ما
في فتاوى قاضي خان من باب ما يبطل دعوى المدعي
رجل خاصم رجلا في دار أو في حق ثم إن هذا
الرجل شهد عليه في حق آخر جازت شهادته إذا كان
عدلا ا هـ. واعلم أنه لو شهد على رجل آخر
فخاصمه في شيء قبل القضاء لا يمتنع القضاء
بشهادته إلا إذا ادعى أنه دفع له كذا لئلا
يشهد عليه وطلب الرد وأثبت دعواه ببينة أو
إقرار أو نكول فحينئذ بطلت شهادته وهو جرح
مقبول كما صرحوا به وسيأتي في بيان الجرح.
الخامس إذا قلنا لا تجوز شهادة العدو على عدوه
إذا كانت دنيوية هل الحكم في القاضي كذلك حتى
لا يجوز قضاء القاضي على من بينه وبينه عداوة
دنيوية لم أقف عليه في كتب أصحابنا وينبغي أن
يكون الجواب فيه على التفصيل إن كان قضاؤه
عليه بعلمه ينبغي أن لا ينفذ وإن كان بشهادة
العدول وبمحضر من الناس في مجلس الحكم بطلب
خصم شرعي ينبغي أن ينفذ وفرق الماوردي من
الشافعية بينهما بأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب
الشهادة خافية ا هـ.
"قوله ومدمن الشرب على اللهو" أي لا تقبل
شهادة المداوم على شرب ما لا يحل شربه فأطلق
اللهو على المشروب وظاهره أنه لا بد من
الإدمان في حق الخمر أيضا وفي الخانية إنما
شرط الإدمان ليظهر ذلك عند الناس فإن من اتهم
بشرب الخمر في بيته لا تبطل عدالته وإن كانت
كبيرة وإنما تبطل إذا ظهر ذلك أو يخرج سكران
يسخر منه الصبيان؛ لأن مثله لا يحترز عن الكذب
واختاره المصنف في الكافي وفي النهاية معزيا
إلى الذخيرة لا يجوز بشهادة مدمن الخمر ثم قال
بشرط الإدمان ولم يرد به الإدمان في الشرب
وإنما أراد به الإدمان في النية يعني يشرب ومن
نيته أن يشرب بعد ذلك إذا وجده ولا تجوز شهادة
مدمن السكر وأراد به السكر بسائر الأشربة سوى
الخمر؛ لأن المحرم في سائر الأشربة السكر فشرط
الإدمان على السكر والمحرم في الخمر نفس الشرب
فشرط الإدمان على الشرب ا هـ.
والتحقيق خلاف كل من القولين وأن الإدمان
بالفعل أو النية ليس بشرط في الخمر؛ لأن شرب
قطرة كبيرة منها وهي مسقطة للعدالة من غير
إصرار وإنما ذكر المشايخ الإدمان ليظهر شربه
عند القاضي لا أنه شرط كقولهم إن النائحة لا
تسقط عدالتها إلا إذا كانت نائحة في مصيبة
غيرها مع أن النياحة كبيرة للتوعد عليها لكن
لا يظهر إلا في مصيبة غيرها غالبا وأما في غير
الخمر فلا بد من الإدمان لأن شربه صغيرة
والقولان في تفسير الإدمان محكيان في تفسير
الإصرار عليها وذكر ابن الكمال أن شرب الخمر
ليس بكبيرة فلا تسقط العدالة إلا بالإصرار
عليه
ج / 7 ص -127-
ومن يلعب بالطنبور
_____________
قال في الفتاوى الصغرى ولا تسقط عدالة شارب
الخمر بنفس الشرب؛ لأن هذا الحد لم يثبت بنص
قاطع إلا إذا داوم على ذلك. ا هـ. وهو غلط من
ابن الكمال لما قدمناه عن المشايخ من التصريح
بأن شربها كبيرة ولمخالفته للحديث المشهور في
الكبائر أنها سبع وذكر منها شرب الخمر وليس في
كلام الصغرى أنها صغيرة كما لا يخفى لكن في
تعليله نظر؛ لأن الكلام فيها لا في الحد
وحرمتها ثبتت بدليل مقطوع به ولذا قالوا يكفر
مستحلها وسقوط العدالة إنما هو بسبب شربها لا
بسبب وجوب الحد عليه وذكر الصدر الشهيد في شرح
أدب القضاء أن الخصاف أسقط العدالة بشرب الخمر
من غير إدمان ومحمد شرط الإدمان لسقوطها وهو
الصحيح ا هـ.
وفي العتابية لا تسقط عدالة أصحاب المروءات
بالشرب ما لم يشتهر وفي الظهيرية من سكر من
النبيذ بطلت عدالته في قول الخصاف؛ لأن السكر
حرام عند الكل وقال محمد لا تبطل عدالته إلا
إن اعتاد ذلك ا هـ. وهو عجيب من محمد؛ لأنه
قال بحرمة قليله ولم يسقطها بكثيره وظاهره أنه
يقول بأن السكر منه صغيرة فشرط الاعتياد فإن
قلت هل لشارب الخمر أن يشهد إذا لم يطلع عليه
قلت نعم لما في الملتقط وإذا كان في الظاهر
عدلا وفي السر فاسقا فأراد القاضي أن يقضي
بشهادته لا يحل له أن يذكر فسقه؛ لأنه هتك
السر وإبطال حق المدعي ا هـ. ولا فرق في السكر
المسقط لها بين المسلم والذمي لما في الملتقط
وإذا سكر الذمي لا تقبل شهادته وفي المصباح
اللهو معروف وأصله ترويح النفس بما لا تقتضيه
الحكمة ا هـ.
وذكر الشارح لا تقبل شهادة من يجلس مجالس
الفجور والشرب وإن لم يشرب لأنه تشبه بهم ولا
يحترز أن يظهر عليه ما يظهر عليهم فلا يحترز
عن شهادة الزور ا هـ. وفي قوله على اللهو
إشارة إلى أنه لو شربها للتداوي لم تسقط
عدالته؛ لأن للاجتهاد فيه مساغا ذكره ابن
الكمال.
"قوله ومن يلعب بالطنبور" أي لا تقبل شهادته
وفسره في الهداية بالمغني وفي نسخة أخرى
بالطيور لأنه يورث غفلة وهو محمول على ما إذا
كان يقف على عورات النساء لصعوده سطحه ليطير
طيره فأما إمساك الحمام في بيته للاستئناس لا
يسقطها؛ لأن إمساكها في البيوت مباح كذا في
النهاية وزاد في المعراج أن إمساكها لحمل
الكتب كما في ديار مصر والشام مباح إلا إن
كانت تجر حمامات أخر مملوكة لغيره فتفرخ في
وكرها فيأكل ويبيع؛ لأنه ملك الغير ولا يحل له
فسقطت عدالته كذا ذكر الشارح يعني وإن لم يقف
على العورات
ج / 7 ص -128-
أو يغني للناس
___________
بصعود السطح كما في المعراج وأراد المؤلف
بالطنبور كل لهو كان شنيعا بين الناس احترازا
عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع
قبولها إلا أن يتفاحش بأن يرقصوا به فيدخل في
حد الكبائر كذا في المحيط وقد ذكر المشايخ هنا
حديثا مرفوعا
"ما أنا من دد ولا الدد مني"1.
قال في الصحاح الدد اللهو واللعب وفيه ثلاث
لغات تقول هذا دد وددا مثل نقا وددن ا هـ.
وذكر القطب في حاشية الكشاف من سورة النساء
الدد اللهو واللعب والتنكير في دد للشيوع أي
ما أنا في شيء من اللهو والتعريف في الدد
للعهد كأنه قال ولا ذلك النوع مني ا هـ. وذكر
الكرماني من شركات شرح البخاري أن من في
الحديث تسمى اتصالية وفي الولوالجية اللاعب
بالصولجان يريد به الفروسية جازت شهادته لأنه
غير محظور ا هـ. وفي الخانية وإن لعب بشيء من
الملاهي ولم يشغله ذلك عن الفرائض لا تبطل
عدالته والملاعبة بالأهل والفرس لا تبطل
العدالة ما لم يمنعه ذلك عن الفرائض فإن كان
اللعب بالملاهي لا يشغله عنها إلا أنه شنيع
بين الناس كالمزامير والطنابير فكذلك وإن لم
يكن شنيعا نحو الحداء وضرب القضيب لا إلا إذا
فحش بأن كانوا يرقصون عند ذلك. ا هـ.
"قوله أو يغني للناس"؛ لأنه يجمع الناس على
ارتكاب كبيرة كذا في الهداية وظاهره أن الغناء
كبيرة وإن لم يكن للناس بل لإسماع نفسه دفعا
للوحشة وهو قول شيخ الإسلام فإنه قال بعموم
المنع والإمام السرخسي إنما منع ما كان على
سبيل اللهو ومنهم من جوزه للناس في عرس أو
وليمة ومنهم من جوزه لإسماع نفسه دفعا للوحشة
ومنهم من جوزه ليستقيد به نظم القوافي وفصاحة
اللسان والعجب من المصنف في الكافي أنه علل
بما علل به في الهداية وجوزه إذا كان لإسماع
نفسه إزالة للوحشة وفي فتح القدير التغني
المحرم هو ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة
الذكر والمرأة المعينة الحية ووصف الخمر
المهيج إليها والديريات والحانات والهجاء
لمسلم أو ذمي إذا أراد المتكلم هجاءه لا إذا
أراد إنشاء الشعر للاستشهاد به أو لتعلم فصاحة
وبلاغة إلى أن قال وفي الأجناس سئل محمد بن
شجاع عن الذي يترنم مع نفسه قال لا يقدح في
شهادته، وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم
وحظرها قوم والمختار إن كانت الألحان لا تخرج
الحروف عن نظمها وقدوراتها فمباح وإلا فغير
مباح كذا ذكر وقدمنا في باب الآذان ما يفيد أن
التلحين لا يكون إلا مع تغيير مقتضيات الحروف
فلا معنى لهذا التفصيل ا هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي في سننه كتاب الشهادات باب
"ما كره كلما لعب الناس به..." "10/216"
والهيثمي في "مجمع الزوائد" "8/225".
ج / 7 ص -129-
أو يرتكب ما يوجب الحد
______________
وفي المعراج الملاهي نوعان محرم وهو الآلات
المطربة من غير الغناء كالمزمار سواء كان من
عود أو قصب كالشبابة أو غيره كالعود والطنبور
لما روى أبو أمامة أنه عليه الصلاة والسلام
قال "إن الله
بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف
والمزامير"1 ولأنه مطرب مصد عن ذكر الله تعالى والنوع الثاني مباح وهو الدف في
النكاح وفي معناه ما كان من حادث سرور ويكره
في غيره لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما
سمع صوت الدف بعث فنظر فإن كان في وليمة سكت
وإن كان في غيره عمده بالدرة وهو مكروه للرجال
على كل حال للتشبه بالنساء ا هـ.
ونقله في فتح القدير ولم يتعقبه ونقل البزازي
في المناقب الإجماع على حرمة الغناء إذا كان
على آلة كالعود، وأما إذا كان بغيرها فقد علمت
الاختلاف ولم يصرح الشارحون بالمذهب وفي
البناية والعناية التغني للهو معصية في جميع
الأديان قال في الزيادات إذا أوصى بما هو
معصية عندنا وعند أهل الكتاب وذكر منها الوصية
للمغنيين والمغنيات خصوصا إذا كان من المرأة ا
هـ. فقد ثبت نص المذهب على حرمته فانقطع
الاختلاف وفي ضياء الحلوم الغناء على وزن فعال
صوت المغني والغنى كثرة المال ا هـ. فالأول
ممدود والثاني مقصور.
"قوله أو يرتكب ما يوجب الحد" للفسق ولو قال
أو يرتكب كبيرة لكان أولى واختلف العلماء في
الكبيرة والصغيرة على أقوال بيناها في شرح
المنار في قسم السنة وفي الخلاصة بعد أن نقل
القول بأن الكبيرة ما فيه حد بنص الكتاب قال
وأصحابنا لم يأخذوا بذلك وإنما بنوا على ثلاثة
معان: أحدهما ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه
هتك حرمة، والثاني أن يكون فيه منابذة المروءة
والكرم فكل فعل يرفض المروءة والكرم فهو
كبيرة، والثالث أن يكون مصرا على المعاصي
والفجور ا هـ. وتعقبه في فتح القدير بأنه غير
منضبط وغير صحيح وما في الفتاوى الصغرى العدل
من يجتنب الكبائر كلها حتى لو ارتكب كبيرة
تسقط عدالته وفي الصغائر العبرة للغلبة لتصير
كبيرة حسن ونقله عن أدب القضاء لعصام وعليه
المعول غير أن الحكم بزوال العدالة بارتكاب
الكبيرة يحتاج إلى الظهور فلذا شرط في شرب
المحرم الإدمان ا هـ. ولا بأس بذكر ما اطلعنا
عليه من كلامهم فيما يسقطها مما لم يكن في
الكتاب في الذخيرة والمحيط الإعانة على
المعاصي والحث عليها كبيرة قالوا ولا تقبل
شهادة بائع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" "5/69".
ج / 7 ص -130-
.............................
____________
الأكفان وقيده شمس الأئمة السرخسي بما إذا
ترصد لذلك العمل وإلا فتقبل لعدم تمنيه الموت
والطاعون ولا تقبل شهادة الصكاكين؛ لأنهم
يكتبون بخلاف الواقع والصحيح قبولها إذا غلب
عليهم الصلاح ولا تقبل شهادة الطفيلي والرقاص
والمجازف في كلامه والمسخرة بلا خلاف ولا تقبل
شهادة من يشتم أهله ومماليكه كثيرا لا أحيانا.
وكذا الشتام للحيوان كدابته، وأما في ديارنا
فكثيرا يشتمون بائع الدابة فيقولون قطع الله
يد من باعك ولا من يحلف في كلامه كثيرا ولا
تقبل شهادة البخيل الكل من فتح القدير والذي
أخر الفرض بعد وجوبه إن كان له وقت معين
كالصوم والصلاة بطلت عدالته إلا أن يكون لعذر
وإن لم يكن له وقت معين كالزكاة والحج اختلف
الرواية فيه والمشايخ وذكر الخاصي عن فتاوى
قاضي خان الفتوى على سقوطها في تأخير الزكاة
من غير عذر بخلاف تأخير الحج ا هـ. وفي خزانة
الأكمل إذا أخر الزكاة والحج من غير عذر بطلت
وبه نأخذ ا هـ.
وتمامه في شرح منظومة ابن وهبان له وفي القنية
ركوب البحر ولا يمنع قبول شهادتهم وفي شرح أدب
القاضي للشهيد حسام الدين أسباب الجرح كثيرة
منها ركوب بحر الهند؛ لأنه مخاطرة بنفسه ودينه
من سكنى دار الحرب وتكثير سوادهم وعددهم لأجل
المال ومثله لا يبالي بشهادة الزور ومنها
التجارة في قرى فارس؛ لأنهم يطعمونهم الربا
وهم يعلمون ولو شهد قبل أن يستشهد تسمع شهادته
بعد ذلك ا هـ. وفي البزازية ولا تجوز شهادة من
ترك الصلاة بجماعة إلا إذا تركها بتأويل ولا
تارك الجمعة إلا بتأويل ولا تارك الصلاة ا هـ.
وفي الملتقط وعن خلف من خرج للنظر إلى قدوم
الأمير فليس بعدل وكذا من شهد على صك مقاطعة
النخاسين وهو ملعون وكذا كل من شهد على باطل
إذا عرفوه وإلا فتقبل وفي الجوهرة ولا تقبل
شهادة النخاس وهو الدلال إلا إذا كان عدلا لم
يكذب ولا يحلف. ا هـ. ولا تقبل شهادة من يجلس
مجالس الغناء أو يتبع صوت المغنية ولا من يسمع
الغناء وشهادة الشاعر ما لم يقذف في شعره
مقبولة إلا إذا هجا ا هـ.
وقد حرر ابن وهبان مسألة الشتم والخروج لقدوم
الأمير تحريرا حسنا أحببت ذكره هنا: الأولى
قال والفقه في ذلك أن الشتم لا يخلو إما أن
يكون بما فيه أو بما ليس فيه في وجهه أو في
غيبته فإن كان بما ليس فيه فهو كذب وافتراء
فيفسق به سواء كان في وجهه أو في غيبته وإن
كان بما فيه في غيبته فهو غيبة وأنها توجب
الفسق وإن كان في وجهه ففيه إساءة أدب وأنه من
صنيع رعاعة الناس وسوقتهم الذين لا مروءة لهم
ولا حياء فيهم وأن ذلك مما يسقط العدالة وكذا
إذا كان السب باللعنة والإبعاد مما يفعله من
لا خلاق لهم من السوقة,
ج / 7 ص -131-
....................................
_____________
وغيرهم ومما يؤيد ذلك ما ورد في الحديث
"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"1 قال ابن الأثير في النهاية السب الشتم يقال سبه يسبه سبا وسبابا
قيل هذا محمول على من سبه أو قاتل مسلما بغير
تأويل وقيل إنما قال ذلك على جهة التغليظ لا
أنه يخرجه إلى الكفر والفسق وأقول: هذا خلاف
الظاهر ا هـ. الثانية قال قاضي خان إذا قدم
الأمير بلدة فخرج الناس وجلسوا على الطريق
ينتظرون قال خلف بطلت عدالتهم إلا أن يذهبوا
للاعتبار فحينئذ لا تبطل ا هـ.
وحاصله أنها لا تبطل إلا إذا كان الأمير لا
يصلح للتعظيم ولم يخرجوا للاعتبار والفقه فيه
أنهم إذا خرجوا لغير هذين الأمرين يكون طلوعهم
من باب العبث واللعب وهو حرام أو من أجل تعظيم
من لا يستحق التعظيم وهو حرام أيضا والشخص إذا
ارتكب حراما ما قدح في عدالته وينبغي أن يكون
ذلك على ما اعتاده أهل البلد فإن كان من عادة
أهل البلد أنهم يفعلون ذلك ولا ينكرونه ولا
يستخفونه فينبغي أن لا يقدح ا هـ.
وذكر العلامة ابن الشحنة بعده وفي واقعات عمر
بن مازة تعليل عدم قبول شهادتهم بأن الطريق حق
العامة فلم تعمل للجلوس فإذا جلس فقد شغل حق
العامة فصار مرتكبا للحرام فسقطت عدالته وفي
الفتاوى الصغرى لا تقبل شهادة من وقف على
الطريق؛ لأنه شغل الطريق وهذا التعليل يفيد أن
الخروج إذا تجرد عن شغل الطريق لا يكون قادحا
مطلقا ولا ينافيه ما تقدم إذا تأملته فقول
المصنف ينبغي إلى آخره ليس كما ينبغي ا هـ.
وشرط في التهذيب لمنع شهادة المغني أن يأخذ
جزاء عليه ولتارك الجماعة أن يتركها مجانا
شهرا وفي خزانة الفتاوى إذا قدم الأمير بلدة
فخرج الناس وجلسوا في الطريق ونظروا إليه قال
خلف بطلت شهادتهم إلا أن يذهبوا للاعتبار
والفتوى أنهم إذا خرجوا لتعظيم من لا يستحق
التعظيم لا للاعتبار تبطل عدالتهم ولا تقبل
شهادة أهل السجن بعضهم على بعض فيما يقع في
السجن وكذا شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما
يقع في الملاعب ومنها شهادة النساء فيما يقع
في الحمامات لا تقبل وإن مست الحاجة. ا هـ.
وذكر ابن وهبان معزيا إلى شرح أدب القضاء
للحسام الشهيد لا تقبل شهادة الأشراف من أهل
العراق؛ لأنهم قوم يتعصبون فإذا نابت أحدا
منهم نائبة أتى سيد قومه فيشفع فلا يؤمن أن
يشهد له بزور ا هـ. وعلى هذا كل متعصب لا تقبل
شهادته وفي المجتبى من أكل فوق الشبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الإيمان باب خوف المؤمن من
أي يحبط عمله وهو لا يبشعر "48" ومسلم في
الإيمان باب بيان قول النبي صلى الله عليه
وسلم
"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" "64" والترمذي في البر والصلة باب -52- "1983" والنسائي في التحريم
باب قتال المسلم "7/122".
ج / 7 ص -132-
أو يدخل الحمام بغير إزار, أو يأكل الربا
______________
سقطت عدالته عند الأكثر الكذب من أعظم الكبائر
وعن شداد أنه رد شهادة شيخ معروف بالصلاح
لمحاسبة ابنه في النفقة في طريق مكة من سمع
الآذان فانتظر الإقامة سقطت عدالته ا هـ.
وصرح في المحيط البرهاني بأن الفرع الأخير
مفرع على قول من ضيق في تفسير العدل بأنه من
لم يرتكب ذنبا وليس هو المعتمد وفي حفظي قديما
من الكتب أن من ترك الاشتغال بالعلم المفروض
عليه لم تقبل شهادته لكن ما رأيته الآن وفي
المحيط البرهاني معزيا إلى الأقضية إذا أسلم
الرجل وهو لا يقرأ القرآن فشهادته مقبولة يريد
بقوله لا يقرأ القرآن لا يتعلم القرآن للحال؛
لأنه عدل مسلم فإذا لم يتعلم القرآن للحال لا
يصير فاسقا ا هـ. وفي خزانة الأكمل وقال بعض
أصحابنا لا تقبل شهادة من ترك ركعتي الفجر.
"قوله أو يدخل الحمام بغير إزار"؛ لأن كشف
العورة حرام ورأى أبو حنيفة رجلا في الحمام
بغير إزار فقال:
ألا يا عباد الله خافوا إلهكم
ولا تدخلوا الحمام من غير مئزر1
وعلى هذا فرعوا كما
قدمناه عدم قبول شهادة النساء في الحمامات
وذكر الكرخي أن من يمشي في الطريق بالسراويل
وحده ليس عليه غيره لا تقبل شهادته؛ لأنه تارك
للمروءة. ا هـ.
"قوله أو يأكل الربا"؛ لأنه من الكبائر أي
يأخذ القدر الزائد فالمراد بالأكل الأخذ وإنما
ذكره تبعا للآية {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا} [البقرة: 275] وإنما ذكره في الآية؛ لأنه معظم منافع المال ولأن
الربا شائع في المطعومات والمراد بالربا القدر
الزائد لا الزيادة وهي المرادة في قوله تعالى:
{وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275] كما بيناه في بابه وأطلقه المؤلف تبعا لكثير وقيده
في الأصل بأن يكون مشهورا به وعلله في الهداية
بأن الإنسان قل ما ينجو عن مباشرات العقود
الفاسدة وكل ذلك ربا ا هـ. وهو أولى مما قيل؛
لأن الربا ليس بحرام محض؛ لأنه يفيد الملك
بالقبض كسائر البياعات الفاسدة وإن كان عاصيا
مع ذلك فكان ناقصا في كونه كبيرة بخلاف أكل
مال اليتيم ترد شهادته بمرة والأوجه ما قيل
لأنه إن لم يشتهر به كان الواقع ليس إلا تهمة
أكل الربا ولا تسقط العدالة به كما قدمناه في
وجه تقييد شرب الخمر بالإدمان ولا يصح قوله
أنه ليس بحرام محض بعد الاتفاق على أنه كبيرة
والملك بالقبض شيء آخر، وأما أكل مال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أجده.
ج / 7 ص -133-
أو يقامر بالنرد والشطرنج أو تفوته الصلاة
بسببهما, أو يبول أو يأكل على الطريق
_______________
اليتيم فلم يقيده أحد وأنت تعلم أنه لا بد من
الظهور للقاضي فلا فرق بين الربا ومال اليتيم.
والحاصل أن الفسق نفسه مانع شرعا من قبولها
غير أن القاضي لا يرتكب ذلك إلا بعد ظهوره له
فالكل سواء وفرق الزيلعي بينهما بأن أكل مال
اليتيم لم يدخل تحت ملكه ومال الربا دخل فلا
يفيد شيئا كما لا يخفى.
"قوله أو يقامر بالنرد والشطرنج أو تفوته
الصلاة بسببهما"؛ لأن كل ذلك من الكبائر وظاهر
تقييده بما ذكر استواء النرد والشطرنج وليس
كذلك فإن اللعب بالنرد مبطل للعدالة مطلقا كما
في العناية وغيرها للإجماع على حرمته بخلاف
الشطرنج؛ لأن للاجتهاد فيه مساغا لقول مالك
والشافعي بإباحته وهو مروي عن أبي يوسف كما في
المجتبى من الحظر والإباحة واختارها ابن
الشحنة إذا كان لإحضار الذهن واختار أبو زيد
الحكيم حله ذكره شمس الأئمة السرخسي كذا في
المحيط البرهاني وفي النوازل سئل أبو القاسم
عمن ينظر إلى لاعبيه من غير لعب أيجوز فقال
أخاف أن يصير فاسقا ا هـ. وفيه إذا قامر به
سقطت عدالته إجماعا وفيه الميسر اسم لكل قمار
والحاصل أن العدالة إنما تسقط بالشطرنج إذا
وجد فيه واحد من خمس القمار وفوت الصلاة بسببه
وإكثار الحلف عليه واللعب به على الطريق كما
في فتح القدير أو يذكر عليه فسقا كما في
السراج الوهاج وإلا فلا بخلاف النرد فإنه مسقط
لها مطلقا والنرد كما في المصباح لعبة معروفة
وهو معرب ا هـ.
وفي القاموس أنه وضعه أردشير بن بابك ولهذا
يقال النردشير ا هـ. وفي فتح القدير ولعب
الطاب في بلادنا مثله؛ لأنه يرمى ويطرح بلا
حساب وإعمال فكر وكلما كان كذلك مما أحدثه
الشيطان وعمله أهل الغفلة فهو حرام مطلقا. ا
هـ. ، وأما الشطرنج فسنتكلم عليه وعلى واضعه
في محله من الحظر والإباحة، وأما القمار
فقدمنا أنه الميسر وفي القاموس قامره مقامرة
وقمارا فقمره كنصره وتقمره راهنه فغلبه وهو
التقامر ا هـ. وذكر النووي أنه مأخوذ من
القمر؛ لأن ماله تارة يزداد إذا غلب وينتقص
إذا غلب كالقمر يزيد وينقص ا هـ. وعلى هذا فلا
بد في القمار من الرهان من الجانبين لتسقط
العدالة كالسباق بالخيل والإقدام والدرس وذكر
في يتيمة الدهر من الحدود أن اللعب بالشطرنج
من القمار وفي القاموس الشطرنج ولا يفتح أوله
لعبة والسين لغة فيه ا هـ
"قوله أو يبول أو يأكل على الطريق"؛ لأنه تارك
للمروءة وإذا كان لا يستحي عن مثل ذلك لا
يمتنع عن الكذب فيتهم وقدمنا أن اللعب
بالشطرنج على الطريق كذلك والمراد بالأكل
ج / 7 ص -134-
أو يظهر سب السلف
_____________
على الطريق والبول بأن يكون بمرأى من الناس
ومثله الذي يكشف عورته ليستنجي من جانب البركة
والناس حضور وقد كثر في زماننا كذا في فتح
القدير وأشار المؤلف بما ذكره إلى أن ما يخل
بالمروءة يمنع قبولها وإن لم يكن محرما ولذا
قال في الهداية ولا تقبل شهادة من يفعل
الأفعال المستحقرة مثل البول والأكل على
الطريق والمروءة أن لا يأتي الإنسان بما يعتذر
منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل وقيل
السمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون
والارتفاع عن كل خلق دنيء والسخف رقة العقل من
قولهم ثوب سخيف إذا كان قليل الغزل كذا في فتح
القدير والمعراج وفي غاية البيان من فصل
التعزير قال محمد وعندي المروءة الدين والصلاح
وقد ذكر مشايخنا مما يخل بالمروءة أشياء
نذكرها فمنها الأمور الأربعة المذكورة.
ومنها ما في فتح القدير أخذا من المعراج المشي
بسراويل فقط ومد رجله عند الناس وكشف رأسه في
موضع يعد فعله خفة وسوء أدب وقلة مروءة وحياء
ومصارعة الشيخ الأحداث في الجامع ومن ذلك ما
حكي أن الفضل بن الربيع1 شهد عند أبي يوسف فرد
شهادته فشكاه إلى الخليفة فقال الخليفة إن
وزيري رجل دين لا يشهد بالزور فلم رددت شهادته
قال لأني سمعته يوما قال للخليفة أنا عبدك فإن
كان صادقا فلا شهادة للعبد وإن كان كاذبا
فكذلك فعذره الخليفة زاد في فتح القدير بعده
والذي عندي أن رد أبي يوسف شهادته ليس للكذبة؛
لأن قول الحر للغير أنا عبدك إنما هو مجاز
باعتبار معنى القيام بخدمتك وكوني تحت أمرك
ممتثلا له على إهانة نفسي في ذلك إلى آخره
وليس منها الصناعة الدنية كالقنواتي والزبال
والحائك فإن الصحيح القبول إذا كان عدلا ومثله
النخاسون والدلالون والعامة على قبول شهادة
الأعرابي والقروي إذا كان عدلا. ا هـ. وقد
ذكرنا في شرح المنار أن منها سرقة لقمة
والإفراط في المزح المفضي إلى الاستخفاف وصحبة
الأراذل والاستخفاف بالناس ولبس الفقيه قباء
ولعب الحمام ا هـ. ثم اعلم أنهم شرطوا في
الصغيرة الإدمان وما شرطوه في فعل ما يخل
بالمروءة فيما رأيت وينبغي اشتراطه بالأولى
وإذا فعل ما يخل بها فقد سقطت عدالته وإن لم
يكن فاسقا به حيث كان مباحا ففاعل المخل بها
ليس بعدل ولا فاسق فالعدل من اجتنب الثلاثة
والفاسق من فعل كبيرة أو أصر على صغيرة ولم أر
من نبه عليه وفي العتابية لا تقبل شهادة من
يعتاد الصياح في الأسواق.
"قوله أو يظهر سب السلف" لظهور فسقه قيد
بالظهور؛ لأنه لو كتمه تقبل كذا في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدمت ترجمته.
ج / 7 ص -135-
وتقبل لأخيه وعمه وأبويه رضاعا وأم امرأته
وبنتها وزوج بنته وامرأة أبيه وابنه, وأهل
الأهواء إلا الخطابية,
_________
الهداية ولو تبرأ من الصحابة تقبل كما في
العناية والسب الشتم كما قدمناه والسلف كما في
النهاية الصحابة والتابعون وأبو حنيفة ا هـ.
وزاد في فتح القدير وكذا العلماء ولو قال
المؤلف كغيره أو يظهر سب مسلم لكان أولى؛ لأن
العدالة تسقط بسب مسلم وإن لم يكن من السلف
كما في النهاية وغيرها وقولهم هنا بعدم القبول
شامل لما إذا كان السب فسقا أو كفرا فيشمل سب
الشيخين رضي الله تعالى عنهما فإنه لا تقبل
شهادة من سبهما لكونه كافرا كما في الخلاصة
والبزازية وقدمناه في باب الردة والفرق بين
السلف والخلف أن السلف الصالح الصدر الأول من
التابعين والخلف بفتح اللام من بعدهم في الخير
والسكون في الشر كذا في مختصر النهاية وعطف
أبي حنيفة على التابعين إما عطف خاص على عام
بناء على أنه منهم كما في مناقب الكردري وصرح
به في العناية أو ليس منهم بناء على ما صرح به
شيخ الإسلام ابن حجر فإنه جعله من الطبقة
السادسة ممن عاصر صغار التابعين ولكن لم يثبت
له لقاء أحد من الصحابة ذكره في تقريب
التهذيب.
"قوله وتقبل لأخيه وعمه وأبويه رضاعا وأم
امرأته وبنتها وزوج بنته وامرأة أبيه وابنه"
لانعدام التهمة؛ لأن الأملاك ومنافعها متباينة
ولا بسوطة لبعضهم في مال بعض وفي المحيط
البرهاني وهذا الجواب لا يشكل فيما إذا شهد
لأخيه والأب ميت وإنما يشكل فيما إذا شهد
لأخيه والأب حي وينبغي أن لا تقبل شهادته؛ لأن
منافع الأملاك بين أخيه وأبيه متصلة فكأنه شهد
لأبيه والجواب أن شهادة الإنسان لأبيه إنما لا
تقبل؛ لأن منافع الأملاك بين الأب وابنه متصلة
فكانت الشهادة للأب شهادة لنفسه من وجه فلم
تقبل، وأما شهادته لأخيه فليست لنفسه أصلا
لتباين الأملاك ا هـ.
وفي القنية امتدت الخصومة سنين ومع المدعي أخ
وابن عم يخاصمان له مع المدعى عليه ثم شهدا له
في هذه الخصومة بعد هذه الخصومات لا تقبل
شهادتهما ا هـ. وذكر ابن وهبان وقياس ذلك أن
يطرد ذلك في كل قرابة وصاحب تردد مع قرابته أو
صاحبه إلى المدعي في الخصومة سنين ويخاصم له
ومعه على المدعي ثم يشهد له بعد ذلك فإنه
ينبغي أن لا تقبل والفقه فيه أنه لما طال
التردد مع المخاصم والمخاصمة له مع المدعى
عليه صار بمنزلة الخصم للمدعى عليه ا هـ. وفي
خزانة الفتاوى إذا تخاصم الشهود والمدعى عليه
تقبل إن كانوا عدولا ا هـ. وينبغي حمله على ما
إذا لم يساعدوا المدعي في الخصومة أو لم يكثر
ذلك منهم توفيقا.
"قوله وأهل الأهواء إلا الخطابية" أي تقبل
شهادتهم؛ لأن فسقهم من حيث الاعتقاد وما
ج / 7 ص -136-
................................
___________
أوقعه فيه إلا تدينه به وصار كمن يشرب المثلث
أو يأكل متروك التسمية عامدا مستبيحا لذلك
بخلاف الفسق من حيث التعاطي والهوى مقصورا ميل
النفس إلى ما تستلذ به من الشهوات من غير
داعية الشرع كذا في التقرير وفي المصباح الهوى
مقصورا مصدر هويته من باب تعب إذا أحببته
وعلقت به ثم أطلق على ميل النفس وانحرافها نحو
الشيء ثم استعمل في ميل مذموم فيقال اتبع هواه
وهو من أهل الأهواء والهواء ممدودا المسخر بين
السماء والأرض والجمع أهوية ا هـ.
أطلقه وقيده في الذخيرة بهوى لا يكفر به صاحبه
وزاد في السراج الوهاج أن لا يكون ماجنا ويكون
عدلا في تعاطيه هو الصحيح ا هـ. وليس هذا
القيد في ظاهر الرواية فإن الحاكم الشهيد في
الكافي قال وقال أبو حنيفة وابن أبي ليلى
شهادة أصحاب الأهواء جائزة ألا ترى أن أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا واقتتلوا
وشهادة بعضهم على بعض كانت جائزة فليس بين
أصحاب الأهواء من الاختلاف أشد مما كان بينهم
من القتال ا هـ. وفي التقرير أن من وجب إكفاره
منهم فالأكثر على عدم قبوله ا هـ. وفي المحيط
البرهاني وهو الصحيح وما ذكره في الأصل محمول
عليه وفي النهاية أن أصول الهوى ستة الجبر
والقدر والرفض والخروج والتشبيه والتعطيل ثم
كل واحد يصير اثني عشر فرقة ا هـ. وفي الحديث
"إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة
وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في
النار إلا فرقة واحدة قيل من هي يا رسول الله
قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي"1. ا هـ.
والخطابية قوم من الروافض ينسبون إلى أبي
الخطاب يدينون بشهادة الزور لمن وافقهم على
مخالفيهم وقيل يشهدون لمن حلف لهم أنه محق
ويقولون المسلم لا يحلف كاذبا فتمكنت شبهة
الكذب فيها وفي العتابية هم قوم من الروافض
يكفرون بالصغائر وفي الينابيع أن الخطابية
انقرضوا وفنوا للآية الشريفة
{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141] وفي التقرير ويلحق بهم صاحب الإلهام فلا تقبل
شهادته، وأما روايته فالمختار في المذهب عدم
قبولها؛ لأنهم يحتاجون إلى المحاجة فيحتاجون
إلى التقول والكذب على رسول الله صلى الله
عليه وسلم بخلاف الشهادة ا هـ. والمنقول عند
الشافعية عدم قبول شهادة الخطابية إلا من صرح
منهم بالمشاهدة ولم أره لأصحابنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن ماجة من حديث عون بن مالك وغيره
في الفتن باب لفترق الأمم "3993". والترمذي في
"سننه" كتاب الإيمان باب نا جاء في افتررق هذه
الأمة "2641" وأحمد بن حنبل "3/145".
ج / 7 ص -137-
والذمي على مثله
__________
"قوله والذمي على مثله"؛ لأنه عليه الصلاة
والسلام أجاز شهادة النصارى بعضهم على بعض1؛
ولأنه من أهل الولاية على نفسه وأولاده الصغار
فيكون من أهل الشهادة على جنسه والفسق من حيث
الاعتقاد غير مانع؛ لأنه يجتنب عما يعتقده
محرم دينه والكذب محظور الأديان قيد بالذمي
لأن المرتد لا شهادة له؛ لأنه لا ولاية له
واختلفوا في شهادة مرتد على مثله والأصح عدم
قبولها بحال كذا في المحيط البرهاني وقيد
بقوله على مثله؛ لأنها لا تقبل على مسلم للآية
ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
ولأنه لا ولاية له بالإضافة إليه ولأنه يتقول
عليه لأنه يغيظه قهره إياه.
وفي الولوالجية نصرانيان شهدا على نصراني بقطع
يد أو قصاص ثم أسلم المشهود عليه بعد القضاء
بطلت الشهادة؛ لأن الإمضاء من القضاء في
العقوبات ا هـ. وفي تلخيص الجامع للصدر سليمان
نصراني مات عن مائة فأقام مسلم شاهدين عليه
بمائة ومسلم ونصراني بمثله فالثلثان له
والباقي بينهما والشركة لا تمنع؛ لأنها
بإقراره بخلاف الإقرار لوارثه وأجنبي نظيره
أقر لأجنبي في مرضه فأقر لوارثه وعن أبي يوسف
النصف لهما للاستواء ولو كان المنفرد نصرانيا
فالثلث له والباقي لهما ويقدم المسلم. وكذا لو
كان شهود الشريكين مسلمين وشهودهما نصرانيان
أو مسلمان استويا نصراني مات عن ابنين وأسلم
أحدهما فأقام مسلم شاهدين نصرانيين بعد موته
وقسمت تركته بدين عليه يؤخذ من نصيب غير
المسلم لعدم الحجة عليه كإقراره ولو أقام
المسلم ذميين وذمي مثلهما يقدم المسلم وعن أبي
يوسف يستويان قال محمد هو قوله الأخير وعلى
هذا لو كان حيا وادعيا عينا في يده وعنه أنها
للمسلم وفرق بتعلقه بالمحل ا هـ.
وفي المجمع ولو اشترى ذمي دارا من مسلم
فادعاها ذمي أو مسلم بشهادة ذميين يقبلهما في
حقه ورداها ا هـ. وفي الخلاصة من ألفاظ
التكفير شهد نصرانيان على نصراني أنه قد أسلم
وهو يجحد لم تجز شهادتهما وكذا لو شهد رجل
وامرأتان من المسلمين ويترك على دينه وجميع
أهل الكفر في ذلك سواء ولو شهد نصرانيان على
نصرانية أنها أسلمت جاز وأجبرها على الإسلام
ولا تقتل وهذا كله قول أبي حنيفة ا هـ.
وفي المحيط البرهاني لو شهد على إسلام
النصراني رجل وامرأتان من المسلمين وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: ذكره الزيلعي في "نصب الراية" وقال
غريب بهذا اللفظ "4/85" وأخرج ابن ماجة بنحوه
في الأحكام باب شهادة الزور "2374".
ج / 7 ص -138-
والحربي على مثله
_________
يجحد أجبر على الإسلام ولا يقبل ولو شهد رجلان
من أهل دينه وهو يجحد فشهادتهما باطلة؛ لأن في
زعمهم أنه مرتد ولا شهادة لأهل الذمة على
المرتد. ا هـ. وفي المحيط تقبل شهادة الكافر
على العبد الكافر التاجر وإن كان مولاه مسلما
وعلى العكس لا تقبل؛ لأن في الأول قامت على
إثبات أمر على الكافر؛ لأن الدين يثبت على
العبد واستحقاق مالية المولى غير مضاف إلى
الشهادة؛ لأنه ليس من ضرورة وجوب الدين عليه
استحقاق مالية المولى لا محالة بل ينفك عنه في
الجملة وفي الثانية قامت على إثبات أمر على
المسلم والوكيل مع الموكل بمنزلة العبد مع
المولى ولا تقبل شهادة كافرين على شهادة
مسلمين وعلى العكس تقبل وتقبل شهادة الذمي
بدين على ذمي ميت وإن كان وصيه مسلما بشرط أن
لا يكون عليه دين لمسلم فإن كان فقد كتبناه عن
الجامع وفي الخانية ذمي مات فشهد عشرة من
النصارى أنه أسلم لا يصلى عليه بشهادتهم وكذا
لو شهد فساق من المسلمين ولو كان لهذا الميت
ولي مسلم وبقية أوليائه كفار من أهل دينه
فادعى الولي المسلم أنه أسلم وأنه أوصى إليه
وأراد أن يأخذ ميراثه وشهد اثنان من أهل الكفر
بذلك يأخذ المولى المسلم ميراثه بشهادتهما؛
لأن شهادتهم على الإسلام في حكم الميراث قامت
على أوليائه الكفار ويصلى عليه بشهادة وليه
المسلم إن كان عدلا ولو لم يشهد على إسلامه
غير الولي يصلى عليه بقول وليه المسلم ولا
ميراث له ا هـ. ثم قال لو شهد على نصراني
أربعة من النصارى أنه زنى بأمة مسلمة فإن
شهدوا وأنه استكرهها حد الرجل وإن قالوا
طاوعته درئ الحد عنهما ويعزر الشهود لحق
المسلمة لقذفهم الأمة. ا هـ.
وفي البدائع من النكاح لو ادعى مسلم عبدا في
يد ذمي أنه عبده وشهد كافران أنه عبده قضى به
القاضي فلان لم تقبل لكونها شهادة على القاضي
المسلم وفي خزانة الأكمل ولو شهد كافران على
شهادة مسلمين لكافر على كافر لم تجز ولو شهد
مسلمان على شهادة كافر جازت ا هـ. ثم اعلم أنه
لا بد من التزكية في شهادة الذمي قال في
الولوالجية تزكية الذمي أن تزكيه بالأمانة في
دينه ولسانه ويده وأنه صاحب يقظة ا هـ. وأفتى
به قارئ الهداية وأصله في النوازل وفي خزانة
الأكمل معزيا إلى العيون شهد كافران على كافر
فعدلا ثم أسلم وأسلما يؤمران أن يعيدا الشهادة
ويكفي تعديلهما في الكفر وإنما تعديل الكفار
إلى المسلمين فإن تعديل الكافر للكافر لا يجوز
ثم يسأل أولئك عن الشهود. ا هـ. وقدمنا في
مسائل التعديل أن تعديل الكافر بالمسلمين إن
وجد وإلا فيسأل من عدول الكفار وفي الملتقط
إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته. ا هـ.
"قوله والحربي على مثله" أي وتقبل شهادته على
مثله لا على الذمي؛ لأنه لا ولاية له
ج / 7 ص -139-
ومن ألم بصغيرة إن اجتنب الكبائر, والأقلف
___________
على الذمي والمراد بالحربي المستأمن؛ لأنه لا
يتصور غيره فإن الحربي لو دخل بلا أمان فهذا
استرقاق ولا شهادة للعبيد على أحد كذا في فتح
القدير ويستثنى من الحربي على مثله ما إذا
كانا من دارين مختلفين كالإفرنج والحبش
لانقطاع الولاية بينهما ولهذا لا يتوارثان
والدار تختلف باختلاف المنعة والملك.
"قوله ومن ألم بصغيرة إن اجتنب الكبائر" أي
تقبل شهادة من ارتكب صغيرة إن اجتنب الكبائر
كلها وقد أشار هنا إلى العدالة فإنها شرط قبول
الشهادة وهي الاستقامة وهي بالإسلام واعتدال
العقل ويعارضه هوى يضله ويصده وليس لكمالها حد
يدرك مداه ويكتفي لقبولها بأدناه كي لا يضيع
الحقوق وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى
والشهوة وأحسن ما قيل فيه ما عن أبي يوسف
العدل أن يكون مجتنبا للكبائر غير مصر على
الصغائر وأن تكون مروءته ظاهرة فعدمها مفوت
لها.
وزاد في المحيط أن يعتاد الصدق ويجتنب الكذب
ديانة ومروءته وفي الولوالجية وينبغي أن يكون
الشاهد مسنا عفيفا ذا مال ذا فضل لأنه إذا كان
كذلك لا يطمع في أموال الناس ويستحي من ارتكاب
ما لا يحل في الشرع فكان أولى بالاستشهاد ا
هـ. وبه يعلم من ينصبه القاضي شاهدا بين الناس
وفي الخانية الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما
لم يمض عليه زمان تظهر التوبة ثم بعضهم قدره
بستة أشهر وبعضهم قدره بسنة والصحيح أن ذلك
مفوض إلى رأي القاضي والمعدل ا هـ. وفي
الخلاصة ولو كان عدلا فشهد بزور ثم تاب فشهد
تقبل من غير مدة ا هـ. وقدمنا أن الشاهد إذا
كان فاسقا سرا لا ينبغي أن يخبر بفسقه كي لا
يبطل حق المدعي وصرح به في العمدة أيضا وفي
العتابية من أجر بيته لمن يبيع الخمر لم تسقط
عدالته.
"قوله والأقلف" أي الكبير الذي لم يختتن تقبل
شهادته؛ لأن العدالة لا تخل بترك الختان لكونه
سنة عندنا أطلقه وقيده قاضي خان بأن يتركه
لخوف على نفسه أما إذا تركه بغير عذر لم تقبل
وقيده في الهداية بأن لا يتركه استخفافا
بالدين أما إذا تركه استخفافا لم تقبل شهادته؛
لأنه لم يبق عدلا وكما تقبل شهادته تصح إمامته
كذا في فتح القدير ولم يقدر الإمام للختان
وقتا معلوما لعدم ورود النص به وقدره
المتأخرون واختلفوا والمختار أن أول وقته سبع
سنين وآخره اثنتا عشر كذا في الخلاصة من باب
اليمين في الطلاق وقدمنا في أول الطهارة أنه
سنة للرجال مكرمة للنساء إذ جماع المختونة ألذ
قال الحلواني كان النساء يختتن في زمن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي النوازل أن
ابن عباس كان لا يجيز شهادة الأقلف ولا
ج / 7 ص -140-
والخصي وولد الزنا والخنثى, والعمال
___________
ذبيحته1 وعلماؤنا قالوا تؤكل ذبيحته وتقبل
شهادته إن كان لعذر وإلا لا تقبل وبه نأخذ ا
هـ.
"فائدة" من كراهية فتاوى العتابي وقيل في ختان
الكبير إذا أمكن أن يختن نفسه فعل وإلا لم
يفعل إلا أن يمكنه أن يتزوج أو يشتري ختانة
فتختنه وذكر الكرخي في الكبير يختنه الحمامي
وكذا عن ابن مقاتل لا بأس للحمامي أن يطلي
عورة غيره بالنورة2. ا هـ.
"قوله والخصي وولد الزنا والخنثى" فإن عمر رضي
الله عنه قبل شهادة علقمة الخصي3؛ ولأنه قطع
عضو منه ظلما فصار كما إذا قطعت يده والخصي
بفتح الخاء على وزن فعيل منزوع الخصا كذا في
البناية وفسق الأبوين لا يوجب فسق الولد
ككفرهما أطلقه فشمل ما إذا شهد بالزنا أو
بغيره خلافا لمالك في الأول والمراد بالخنثى
المشكل وهو امرأة في الشهادة كذا في السراج
الوهاج.
"قوله والعمال" أي تقبل شهادتهم والمراد بهم
عمال السلطان عند عامة المشايخ؛ لأن نفس العمل
ليس بفسق إلا إذا كانوا أعوانا على الظلم وقيل
العامل إذا كان وجيها في الناس ذا مروءة لا
يجازف في كلامه تقبل شهادته كما مر عن أبي
يوسف في الفاسق؛ لأنه لوجاهته لا يقدم على
الكذب كذا في الهداية يعني ولو كان عونا على
الظلم كما في العناية وقيل أراد بالعمال الذين
يعملون ويؤاجرون أنفسهم للعمل؛ لأن من الناس
من رد شهادات أهل الصناعات الخسيسة فأفرد هذه
المسألة لإظهار مخالفتهم وكيف لا وكسبهم أطيب
كسب وينبغي تقييد القبول بأن تكون تلك الحرفة
لائقة به بأن تكون حرفة آبائه وأجداده وإلا
فلا مروءة له إذا كانت حرفة دنية فلا شهادة له
لما عرف في حد العدالة وكذا ينبغي تقييد
القبول بأن لا يكثر الكذب والخلف في الوعد
وذكر الصدر الشهيد أن شهادة الرئيس لا تقبل
وكذا الجابي والصراف الذي يجمع عنده الدراهم
ويأخذها طوعا لا تقبل وقدمنا عن البزدوي أن
القائم بتوزيع هذه النوائب السلطانية
والجبايات بالعدل بين المسلمين مأجور وإن كان
أصله ظلما فعلى هذا تقبل شهادته والمراد
بالرئيس رئيس القرية وهو المسمى في بلادنا شيخ
البلد ومثله المعرفون في المراكب والعرفاء في
جميع الأصناف وضمان الجهات في بلادنا؛ لأنهم
كلهم أعوان على الظلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/87".
2 بضم النون حجر الكلس ثم غلبت على أخلاط تضاف
إلى الكلس من زرنيخ وغيره وتستعمل لإزالة
الشعر.
3 ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/86".
ج / 7 ص -141-
والمعتق للمعتق
_____________
كذا في فتح القدير وفي السراجية معزيا إلى
الفقيه أبي الليث إن كان العامل مثل عمر بن
عبد العزيز فشهادته جائزة وإن كان مثل يزيد بن
معاوية1 فلا ا هـ. وفي إطلاق العامل على
الخليفة نظر والظاهر منه أنه من قبل عملا من
الخليفة وفي شرح المنظومة أمير كبير ادعى فشهد
له عماله ودواوينه ونوابه ورعاياهم لا تقبل
كشهادة المزارع لرب الأرض ا هـ. وفي إجارات
البزازية لا تقبل شهادة الدلال ومحضر قضاة
العهد والوكلاء المفتعلة والصكاك. ا هـ.
"قوله والمعتق للمعتق" أي تقبل شهادته كعكسه
لأنه لا تهمة وقد قبل شريح شهادة قنبر2 لعلي
رضي الله عنه وكان عتيقه وهو بفتح القاف
والباء، وأما قنبر فهو جد سيبويه ذكره الذهبي
في مشتبه الأسماء والأنساب3 وفي تقريب التهذيب
للحافظ بن حجر: شريح بن الحارث بن قيس الكوفي
النخعي القاضي أبو أمية ثقة وقيل له صحبة مات
قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو
أكثر يقال حكم سبعين سنة. ا هـ.
قيدنا بعدم التهمة لأن العتيق لو كان متهما لم
تقبل لمن أعتقه ولذا قال في الخلاصة ولو شهد
العبدان بعد العتق على أن الثمن كذا عند
اختلاف البائع والمشتري لا تقبل. ا هـ.؛
لأنهما يجران لأنفسهما نفعا بإثبات العتق؛
لأنه لولا شهادتهما لتحالفا وفسخ البيع
المقتضي لإبطال العتق ولا يعارضه ما في
الخلاصة أيضا معزيا إلى العيون لو اشترى
غلامين فأعتقهما فشهدا لمولاهما على البائع
أنه قد استوفى الثمن جازت شهادتهما. ا هـ.
لأنهما لا يجران بها نفعا ولا يدفعان مغرما
وشهادتهما بأن البائع أبرأ المشتري من الثمن
كشهادتهما بالإيفاء كما في الخانية وأشار إلى
قبول شهادته على مولاه بالأولى إلا في مسألة
ذكرناها عن الكافي عند قوله: والمملوك والصبي
وذكر في المحيط البرهاني في مسألة المعتقين
الثلاث هنا تركناها لكثرة شعبها وفي العتابية
لو أعتق أم ولده فشهدت له وهي في العدة تقبل ا
هـ. فعلى هذا يفرق بين المعتدة من طلاق ومن
عتق وفيها لو نفى ولد أم ولده ثم أعتقه فشهد
له لم يجز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يزيد بن معاوية: هو يزيد بم معاوية بن أبي
سفيان الأموي ثاني ملومك الدولة الأموية في
الشام ولد بالماطرون سنة خمس و عشرين هجرية
وتوقي سنةأربع وستين هـ ا هـ "الكامل" لابن
الأثير "4/49" الأعلام "8/189".
2 لم أجده.
3 المراد به "مشتبه النسبة" للحافظ محمد بن
أحمد الذهبي المتوفي سنة ثمان وأربعين
وسبعمائة هـ. ا هـ "كشف الظنون" "2/1511".
ج / 7 ص -142-
ولو شهدا أن أباهما أوصى إليه والوصي يدعي جاز
وإن أنكر لا كما لو شهدا أن أباهما وكله بقبض
ديونه وادعى الوكيل أو أنكر
_____________
وسئل محمد عن عربي ادعى على رجل أنه مولاه
أعتقه فشهد موليان أعتقهما الرجل للمدعي لم
تجز؛ لأنهما يثبتان أن العربي مولى مولاهما
وقال أبو يوسف يجوز كما لو شهدا أن أباهما
أعتق هذا والبنات يجحدون هذا. ا هـ.
"قوله ولو شهدا أن أباهما أوصى إليه والوصي
يدعي جاز وإن أنكر لا كما لو شهدا أن أباهما
وكله بقبض ديونه وادعى الوكيل أو أنكر"
والقياس عدم القبول في الوصي أيضا لكونها
شهادة للشاهد لعود المنفعة إليه وجه الاستحسان
أن للقاضي ولاية نصب الوصي إذا كان طالبا
والموت معروف فيكفي القاضي بهذه الشهادة مؤنة
التعيين لا أنه يثبت بها شيء فصار كالقرعة كذا
في الهداية وتعقبه في فتح القدير بقوله وإذا
تحققت ما ذكر في وجه الاستحسان ظهر أن قبول
الشهادة ثابت قياسا واستحسانا إذ ظهر أنه لم
يثبت بها شيء وإنما ثبت عندها نصب القاضي وصيا
اختاره وليس هنا موضع غير هذا يصرف إليه
القياس والاستحسان ولو اعتبرا في نفس إيصاء
القاضي إليه فالقياس لا يأباه فلا وجه لجعل
المشايخ فيها قياسا واستحسانا والمنقول عن
أصحاب المذهب الحكم المذكور مع السكوت عن
القياس والاستحسان ا هـ.
وقد ذكر القياس والاستحسان في عامة كتب
أصحابنا ومنهم شرح الجامع الصغير للحسامي
والكافي والتبيين والهداية وشروحها والموضع
الذي يصرفا إليه أن ظاهرها عدم القبول؛ لأن
الشاهد يجر نفعا لنفسه فلا يكون المشهود له
وصيا عن الميت وفي الاستحسان جعلناه وصيا عن
الميت ولم يعتبر نفع الشاهد؛ لأن للقاضي ولاية
النصب والسبب الحامل لاعتراض المحقق أنه فهم
أنه وصي من جهة القاضي وحينئذ فلا معنى للقياس
والاستحسان وليس كذلك وإنما هو وصي من جهة
الميت وقد ذكرنا في وصايا الفوائد من الأشباه
والنظائر أن وصي القاضي كوصي الميت إلا في
مسائل وأشار بشهادة الابنين إلى أن شهادة
الغريمين لهما على الميت دين أو للميت عليهما
دين بأن الميت أوصى إلى فلان أو الوصيين بأن
الميت أوصى إلى فلان معهما كذلك أو الموصى له
بأن الميت أوصى إلى فلان ففي الخمس إن ادعى
قبلت وإلا لا وأورد على الرابعة بأن الميت إذا
كان له وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى نصب آخر
وأجيب بأنه يملكه لإقرارهما بالعجز عن القيام
بأمور الميت ولا بد من كون الموت معروفا في
الكل أي ظاهرا إلا في مسألة الغريمين للميت
عليهما دين فإنها تقبل وإن لم يكن الموت
معروفا؛ لأنهما يقران على أنفسهما بثبوت ولاية
القبض للمشهود له فانتفت
ج / 7 ص -143-
................................
_____________
التهمة وثبت موت رب الدين بإقرارهما في حقهما.
وقيل معنى الثبوت أمر القاضي إياهما بأداء ما
عليهما إليه لإبرائهما عن الدين بهذا الأداء؛
لأن استيفاء الدين منهما حق عليهما فيقبل
منهما والبراءة حق لهما فلا يقبل فيها كذا في
الكافي. وإنما لا تقبل شهادة الابنين في
الوكالة مطلقا؛ لأنه ليس للقاضي ولاية نصب
الوكيل عن الغائب إلا في المفقود فلو ثبتت هذه
الولاية لكانت بشهادتهما وفيها تهمة؛ لأنهما
يشهدان لأبيهما ولاحتمال التواضع على أخذ
المال وقوله بقبض ديونه اتفاقي؛ لأنهما لو
شهدا في غيبة أبيهما أنه وكله بالخصومة لم
تقبل أيضا كما في الخلاصة وفرق بينهما في
المحيط البرهاني من وجه آخر فقال وإذا شهدا أن
أباهما وكل هذا الرجل بقبض ديونه بالكوفة لا
تقبل شهادتهما؛ لأنهما بشهادتهما يعينان من
يقوم بحقوق الأب واستيفائه فكانا شاهدين
لأبيهما فلا تقبل شهادتهما ولكن هذا إن كان
المطلوب يجحد الوكالة فأما إذا أقر المطلوب
بها جازت الشهادة فرق بين هذه المسألة وبين
مسألة ذكرها في كتاب الوكالة أن من وكل رجلا
بالخصومة في دار بعينها وقبضها وغاب فشهد ابنا
الموكل أن أباهما وكل هذا الرجل بالخصومة في
هذه الدار وقبضها لا تقبل شهادتهما سواء جحد
المطلوب الوكالة أو أقر بها ووجه الفرق أن في
مسألة الدين المطلوب إذا كان مقرا بالوكالة
يجبر على دفع المال بإقراره بدون الشهادة
فإنما قامت الشهادة لإبراء المطلوب عند الدفع
إلى الوكيل إذا حضر الطالب وأنكر الوكالة
فكانت هذه الشهادة على أبيهما وشهادته على
أبيه مقبولة أما في مسألة كتاب الوكالة
المطلوب وإن كان مقرا لا يجبر على دفع الدار
إلى الوكيل بحكم إقراره وإنما يجبر عليه
بالشهادة فكانت واقعة لأبيهما فلا تقبل. ا هـ.
وبهذا ظهر أن المؤلف ترك قيدا وهو إن جحد
المطلوب وأشار إلى عدم قبول شهادة ابني الوكيل
مطلقا بالأولى وكذا شهادة أبويه وأجداده
وأحفاده كما في الخلاصة وعلى هذا فالابنان في
الكتاب مثال والمراد عدم قبولها في الوكالة من
كل من لا تقبل شهادته للموكل وبه صرح في
البزازية ولم يقيد المصنف بغيبة الأب في
شهادتهما بالوكالة؛ لأنه لو كان حاضرا لا يمكن
الدعوى بها ليشهدا؛ لأن التوكيل لا تسمع
الدعوى به؛ لأنه من العقود الجائزة لكن يحتاج
إلى بيان صورة شهادتهما ما في غيبته مع جحد
الوكيل؛ لأنها لا تسمع إلا بعد الدعوى ولم
يظهر هنا لها وجه ويمكن أن تصور بأن يدعي صاحب
وديعة عليه تسليم وديعته الموكل في دفعها
فيجحد فيشهدان به ويقبض ديون أبيهما وإنما
صورناه بذلك؛ لأن الوكيل لا يجبر على فعل ما
وكل به إلا في رد الوديعة ونحوها كما سيأتي
فيها.
"فروع" شهد الوصي بعد العزل للميت إن خاصم لا
تقبل وإلا تقبل ولو وكله بالخصومة
ج / 7 ص -144-
ولا يسمع القاضي الشهادة على الجرح
_________________
عند القاضي فخاصم المطلوب بألف درهم عند
القاضي ثم أخرجه الموكل عنها فشهد الوكيل أن
للموكل على المطلوب مائة دينار تقبل ولو وكله
عند غير القاضي فشهد على الوكالة فخاصم
المطلوب بألف درهم وبرهن على الوكالة ثم عزله
الموكل منها فشهد له على المطلوب بمائة دينار
مما كان له عليه بعد القضاء بالوكالة لا تقبل
كذا في البزازية ثم قال: وأما شهادة الوصي بحق
للميت على غيره بعدما أخرجه القاضي عن الوصاية
قبل الخصومة أو بعدها لا تقبل وكذا لو شهد
الوصي بحق للميت بعدما أدركت الورثة لا تقبل
ودلت المسألة على أن القاضي إذا عزل الوصي
ينعزل ولو شهد لبعض الورثة على الميت إن كان
المشهود له صغيرا لا يجوز اتفاقا وإن كان
بالغا فكذلك عنده وعندهما يجوز ولو شهد لكبير
على أجنبي تقبل في ظاهر الرواية ولو شهد
للوارث الكبير والصغير في غير ميراث لم تقبل
ولو شهد الوصيان على إقرار الميت بشيء معين
لوارث بالغ تقبل ا هـ.
وفيها أيضا ادعى دارا وبرهن وأبطل القاضي
ببينة ثم جاء بعد ثلاثين سنة فشهدا أنها لآخر
لا تقبل وكذا لو قال هذه الدار لفلان لا حق لي
فيها ثم شهد أنها لفلان آخر لا تقبل ا هـ. وفي
العتابية شهدا أن الميت أوصى لهما ولهذا تقبل
في حق هذا ويضم إليه آخران ا هـ. وفيها ادعى
الوكيل بالخصومة دينا بحضرة الموكل فادعى
المدعى عليه قضاءه فشهد الوكيل بذلك لا تسمع؛
لأن دعواه أبطل شهادته وكذا وكيلها ادعى المهر
على الزوج لم تقبل شهادته للزوج بالخلع.
"قوله ولا يسمع القاضي الشهادة على الجرح" وهو
بفتح الجيم لغة من جرحه بلسانه جرحا عابه
ونقصه ومنه جرحت الشاهد إذا أظهرت فيه ما ترد
به شهادته كذا في المصباح وفي الاصطلاح إظهار
فسق الشاهد فإن لم يتضمن ذلك إثبات حق لله
تعالى أو للعبد فهو جرح مجرد وإن تضمن إثبات
حق لله تعالى أو للعبد فهو غير مجرد والأول هو
المراد من إطلاقه كما أفصح به في الكافي وهو
غير مقبول مثل أن يشهدوا أن شهود المدعي فسقة
أو زناة أو أكلة الربا أو شربة الخمر أو على
إقرارهم أنهم شهدوا بالزور أو على إقرارهم
أنهم أجراء في هذه الشهادة أو على إقرارهم أن
المدعي مبطل في هذه الدعوى أو على إقرارهم
أنهم لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه
الحادثة وإنما لم تقبل؛ لأن البينة إنما تقبل
على ما يدخل تحت الحكم وفي وسع القاضي إلزامه
والفسق مما لا يدخل تحت الحكم وليس في وسع
القاضي إلزامه؛ لأنه يدفعه بالتوبة ولأن
الشاهد بهذه الشهادة صار فاسقا لأن فيها إشاعة
الفاحشة بلا ضرورة وهي حرام بالنص والمشهود به
لا يثبت بشهادة الفاسق ولا يقال إن فيه
ج / 7 ص -145-
.............................
_________
ضرورة وهي كف الظالم عن الظلم بأداء الشهادة
الكاذبة وقال عليه السلام
"انصر أخاك ظالما أو مظلوما"1؛ لأنا نقول لا ضرورة إلى هذه الشهادة على ملأ من الناس ويمكنه كفه
عن الظلم بإخبار القاضي بذلك سرا إلا إذا
شهدوا على إقرار المدعي أنهم فسقة أو شهدوا
بزور أو نحوه لأنهم ما شهدوا بإظهار الفاحشة
وإنما حكوا إظهارها عن غيرهم فلا يصيرون فسقة
بذلك. وكذا الإقرار مما يدخل تحت الحكم ويقدر
القاضي على الإلزام؛ لأنه لا يرتفع بالتوبة
ولذا لو أقام المدعى عليه البينة أن المدعي
استأجرهم لأداء الشهادة لم تقبل؛ لأنه شهادة
على جرح مجرد وأما الاستئجار وإن كان أمرا
زائدا على الجرح ولكنه لا خصم في إثباته إذ لا
تعلق له بالأجرة حتى لو أقام المدعى عليه
البينة أن المدعي استأجر الشهود بعشرة دراهم
لأداء الشهادة وأعطاهم العشرة من مالي الذي
كان في يده تقبل؛ لأنه خصم في ذلك ويثبت الجرح
بناء عليه وكذا إذا أقام المدعى عليه البينة
على أني صالحت الشهود على كذا من المال ودفعته
إليهم على أن لا يشهدوا علي بهذا الباطل فإن
شهدوا فعليهم أن يردوا ذلك المال على تقبل
بينته لأن فيه ضرورة ليصل إلى ماله حتى لو قال
لم أعطهم المال لم تقبل؛ لأن فيه إظهار
الفاحشة من غير ضرورة، وأما الثاني أعني غير
المجرد فهو كما لو أقام المدعى عليه البينة
أنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو
سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد أو أنهم عبيد
أو أحدهم عبد أو شريك المدعي وللمدعي مال أو
قاذف والمقذوف يدعيه أو محدودون في القذف أو
على إقرار المدعي أنه استأجرهم على هذه
الشهادة تقبل لمكان الحاجة إلى إحياء هذه
الحقوق وفيها إذا شهدوا أنهم محدودون في قذف
ليس فيه إشاعة الفاحشة؛ لأن الإظهار حصل
بالقضاء وإنما حكوا عن إظهار الفاحشة عن الغير
كذا في الكافي بتمامه.
"وهنا تنبيهات مهمة" يجب التنبيه عليها الأول
أن النظر في الجرح المجرد وغيره إنما هو بعد
التزكية الشرعية كما في السراج الوهاج فإذا
سأل القاضي عن الشهود سرا وعلنا وثبت عنده
عدالتهم فطعن الخصم فإن كان مجردا لم تقبل
وإلا قبل ولكن عدم قبول الشهادة على الجرح
المجرد أعم من أن يكون قبل التعديل أو بعده
فإن قلت أليس الخبر عن فسق الشهود قبل إقامة
البينة على عدالتهم يمنع القاضي عن قبول
شهادتهم والحكم بها قلت نعم لكن ذلك للطعن في
عدالتهم لا لثبوت أمر يسقطهم عن حيز القبول
ولذا لو عدلوا بعد هذا تقبل شهادتهم ولو كانت
الشهادة على فسقهم مقبولة لسقطوا عن حيز
الشهادة ولم يبق لهم مجال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في المظالم باب أعن أخاك
ظالما أو مظلوما "3444" والترمذي في الفتن باب
رقم "68" "4455" وابن حبان في "صحيحه" "5167"
وأحمد في مسنده "3/201".
ج / 7 ص -146-
................................
___________
التعديل ذكره ابن الكمال وفي شرح الوقاية لا
تقبل الشهادة على الجرح المجرد إذا أقام
البينة على العدالة أما إذا لم يقم البينة
عليها فأخبر مخبر أن الشهود فساق أو أكلوا
الربا فإن الحكم لا يجوز قبل ثبوت العدالة لا
سيما إذا أخبر مخبران أن الشهود فساق.
الثاني أن التفصيل إنما هو فيما إذا ادعاه
الخصم وبرهن عليه جهرا أما إذا أخبر القاضي به
سرا وكان مجردا طلب منه البرهان عليه فإذا
برهن عليه سرا أبطل الشهادة لتعارض الجرح
والتعديل عنده فيقدم الجرح فإذا قال الخصم
للقاضي سرا أن الشاهد أكل الربا وبرهن عليه رد
شهادته كما أفاد في الكافي كما قدمناه وظاهر
كلامه أن الخصم لا يضره الإعلان بالجرح المجرد
وإنما يشترط الإخبار سرا في الشاهد وفي
الخانية يمكن دفع الضرورة من غير هتك الستر
بأن يقول شاهد الجرح ذلك للمدعي سرا أو يقول
للقاضي في غير مجلس الحكم فلا يباح إظهار
الفاحشة من غير ضرورة ا هـ.
الثالث: أن قولهم إذا تضمن حقا من حقوق الشرع
لم يكن مجردا شامل لما إذا تضمن التعزير حقا
لله تعالى فعلى هذا لو برهن أن الشاهد خلى
بأجنبية تقبل لتضمنه إثبات التعزير لكن الظاهر
أن مرادهم من الحق الحد فلا يدخل التعزير
لقولهم وليس في وسع القاضي إلزامه؛ لأنه يدفعه
بالتوبة؛ لأن التعزير حق لله تعالى يسقط
بالتوبة بخلاف الحدود لا تسقط بها فوضح الفرق
ويدل عليه أنهم مثلوا للمجرد بآكل الربا مع
أنه يوجب التعزير وبإقرارهم بالزور مع أنه
يوجب التعزير فتعين إرادة الحدود فقط.
الرابع أنهم جعلوا من المجرد هم زناة شربة
الخمر ومن غيره أنهم زنوا أو شربوا الخمر
فيحتاج إلى الفرق بينهما فقال الشارح يحمل
الأول على ما إذا تقادم العهد والثاني على ما
إذا لم يتقادم وإلا فلا فرق بينهما.
الخامس أنه لا يدخل تحت الجرح ما إذا برهن على
إقرار المدعي بفسقهم أو أنهم أجراء أو لم
يحضروا الواقعة أو على أنهم محدودون في قذف أو
على رق الشاهد أو على شركة الشاهد في العين
كما قدمناه ولذا قال في الخلاصة للخصم أن يطعن
بثلاثة أشياء أن يقول هما عبدان أو محدودان في
قذف أو شريكان فإذا قال هما عبدان يقال
للشاهدين أقيما البينة على الحرية وفي الآخرين
يقال للخصم أقم البينة أنهما كذلك ا هـ. فعلى
هذا الجرح في الشاهد إظهار ما يخل بالعدالة لا
بالشهادة مع العدالة فإدخال هذه المسائل في
الجرح المقبول كما فعل ابن الهمام مردود بل من
باب الطعن كما في الخلاصة وفي خزانة الأكمل لو
برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو بما يبطل
شهادتهم يقبل وليس هذا بجرح وإنما هو من باب
إقرار الإنسان على نفسه ا هـ.
ج / 7 ص -147-
.............................
___________
السادس أن الإمام الخصاف لم يفرق بين المجرد
وغيره في القبول إحياء للحقوق ولما كان مخالفا
لصريح المذهب حمله المشايخ على ما إذا برهن
على إقرار المدعى به أو على التزكية كما ذكره
الشارح ومعنى قولهم أو على التزكية بأن يجعل
كشاهد زكاه نفر وجرحه نفر ورده في فتح القدير
بأن تقدم رده يعني لا ضرورة إلى إظهاره.
السابع أن قولهم لو برهن على أن الشاهد شريك
المدعي محمول على الشركة عقدا فمهما حصل من
هذا الباطل يكون له فيه منفعة لا أن يراد أنه
شريك في المدعى به وإلا كان إقرارا بأن المدعى
به لهما.
الثامن لو طعن الخصم بأنه ابن المدعي أو أبوه
أو أحد الزوجين أو مملوكه تقبل كما في
العناية.
والحاصل أن الطعن بما لا يكون فسقا بل رد
الشهادة للتهمة مقبول ومنه ما إذا برهن أن
الشاهد كان وكيلا عن المدعي وخاصم كما في
السراج الوهاج وعلى هذا لو برهن أن الشاهد
عدوه بسبب الدنيا تقبل إذا قلنا أن المنع من
شهادته عليه للتهمة وإن قلنا للفسق لا تقبل
وينبغي أن يكون الطعن بما يخل بالمروءة مما لم
يكن فسقا مقبول. التاسع أن الجرح المجرد إذا
تضمن دفع ضرر عام يقبل ولذا قال في المعراج
فإن قيل أليس أنه عليه الصلاة والسلام قال
"اذكروا الفاسق بما فيه"1 قلنا
هو محمول على ما إذا كان ضرره يتعدى إلى غيره
ولا يمكن دفع الضرر عنه إلا بعد الإعلام ا هـ.
وعلى هذا يجوز إثبات فسق رجل عند القاضي إذا
كان ضرره عاما كرجل يؤذي المسلمين بيده ولسانه
ليمنعه من ذلك ويخرجه عن البلد وفي كراهية
الظهيرية رجل يصلي ويضر الناس بيده ولسانه فلا
بأس بإعلام السلطان به ليزجره ا هـ.
وقد وقعت حادثة بالقاهرة أن ثلاث إخوة ببولاق
شهد جمع كثير عليهم بأنواع من الفسق وإيذاء
الناس والتزوير فأفتيت بقبول الشهادة ليزجرهم
الحاكم دفعا للضرر العام فزجرهم وكان في شهر
رمضان.
العاشر من البزازية من فصل التحليف طعن المدعى
عليه في الشاهد بأنه كان ادعاها لنفسه ورام
تحليفه لا يحلف وإن برهن تقبل ا هـ. فعلى هذا
كل طعن يقبل عند البرهان لا تحليف عليه عند
عدمه على الشاهد وعلى المدعي وهل يقبل إقرار
الشاهد به ويصير كالبرهان لم أره وينبغي
القبول ولذا قال الزيلعي لو برهن على إقرار
الشهود أنهم لم يحضروا المجلس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره في "كشف الخفاء" بلفظ
"اذكروا الفاجر..."
"1/106".
ج / 7 ص -148-
ومن شهد ولم يبرح حتى قال أوهمت بعض شهادتي
تقبل لو كان عدلا
______________
الذي كان فيه الحق تقبل ا هـ. ولا يعارضه قوله
لو برهن على إقرار الشهود أنهم شهدوا بالزور
أو أنهم أجراء في هذه الشهادة أو أن المدعي
مبطل في هذه الدعوى أو أنهم لا شهادة لهم
فإنها لا تقبل وقدمناه.
الحادي عشر أنا قدمنا أن المدعى عليه إذا ادعى
أنه دفع لهم مالا لئلا يشهدوا عليه بهذا
الباطل وطلب استرداده أو ادعى أن المدعي دفع
له من مالي كذا ليشهدوا عليه وطلب رده وبرهن
تقبل فقلت وكذا إذا ادعى أجنبي أنه دفع لهم
كذا لئلا يشهدوا على فلان بهذه الشهادة وطلب
رده وثبت إما ببينة أو إقرار أو نكول فإنه
يثبت به فسق الشاهد فلا تقبل شهادته وقيد بدفع
المال ومفهومه لو ادعى المدعى عليه أنه
استأجرهم لئلا يشهدوا عليه ولم يدع دفع المال
فأقروا لم تسقط العدالة وبه صرح الشارحون.
الثاني عشر أن الطعن برقهما لا يتوقف على دعوى
سيدهما وأن إثباته لا ينحصر في الشهادة بل إذا
أخبر القاضي برقهما أسقط شهادتهما والأحسن أن
يكون بالشهادة وإذا سألهما القاضي فقالا
أعتقنا سيدنا وبرهنا ثبت عتق السيد في غيبته
فإذا حضر لا يلتفت إلى إنكاره كما في خزانة
الأكمل، وأما الجرح بأنه قاذف فإنه يتوقف على
دعوى المقذوف كما أشار إليه في فتح القدير.
"قوله ومن شهد ولم يبرح حتى قال أوهمت بعض
شهادتي تقبل لو كان عدلا" لأنه قد يبتلى
بالغلط لمهابة مجلس القاضي فوضح العذر فيقبل
إذا تداركه في أوانه وهو عدل أي ثابت العدالة
عند القاضي أو لا وسأل عنه فعدل كذا في فتح
القدير يعني هو احتراز عن المستور لا عن
الفاسق لأن الفاسق لا شهادة له قيد بقوله ولم
يبرح أي لم يفارق مكانه كما في المصباح؛ لأنه
لو قام لم يقبل منه ذلك لجواز أنه غره الخصم
بالدنيا وترك المؤلف قيدا مذكورا في المحيط
البرهاني هو إذا لم يكذبه المشهود له وجعل فيه
إطالة المجلس كالقيام عنه وهو رواية هشام عن
محمد وقيد جواب المسألة بأن يكون قبل القضاء
أما بعد فإن قالوا بعد القضاء بالدار لا ندري
لمن البناء فلا ضمان عليهم للشك وإن قالوا ليس
البناء له ضمنوا قيمته وسيأتي إيضاحه أيضا.
ولم يذكر المؤلف معنى القبول للاختلاف فيه
ففيه يقضي بجميع ما شهد به؛ لأنه صار حقا
للمدعي فلا يبطل بقوله أوهمت واختاره في
الهداية لقوله في جواب المسألة جازت شهادته
وقيل يقضي بما بقي إن تدارك بنقصان وإن بزيادة
يقضي بها إن ادعاها المدعي لأن ما حدث بعدها
قبل القضاء يجعل كحدوثه عندها وإليه مال شمس
الأئمة السرخسي واقتصر عليه قاضي خان وعزاه
إلى الجامع الصغير وعلى هذا معنى القبول العمل
بقوله
ج / 7 ص -149-
............................
______________
الثاني فعلى الأول يقرأ المتن بالتاء تقبل أي
الشهادة وعلى الثاني بالياء أي يقبل بقوله
أوهمت وقيد المصنف في الكافي تبعا للهداية بأن
يكون موضع شبهة كالزيادة والنقصان في قدر
المال أما إذا لم يكن فلا بأس بإعادة الكلام
مثل أن يدع لفظ الشهادة وما يجري مجراه وإن
قام عن المجلس بعد أن يكون عدلا وعن أبي حنيفة
وأبي يوسف القبول في غير المجلس في الكل
والظاهر الأول وعلى هذا لو وقع الغلط في ذكر
بعض الحدود أو في بعض النسب ثم تذكر ذلك تقبل؛
لأنه قد يبتلى به في مجلس القاضي ا هـ. وإنما
يتصور ذلك قبل القضاء؛ لأن لفظ الشهادة وبيان
اسم المدعي والمدعى عليه والإشارة إليها شرط
القضاء.
وأطلق المؤلف القبول فشمل ما إذا كان بعد
القضاء وبه صرح في النهاية معزيا إلى أبي
حنيفة وأبي يوسف وعليه الفتوى كما في الخانية
ولا يضمن إذا رجع بعد القضاء جزما كما في
المعراج ومعنى قوله أوهمت أخطأت بنسيان ما كان
يحق علي ذكره أو بزيادة كانت باطلة كما في
الهداية وفي المصباح أوهم من الحساب مائة مثل
أسقط وزنا ومعنى وأوهم من صلاته ركعة تركها ا
هـ. وقول الشاهد شككت أو غلطت أو نسيت مثل
أوهمت كما في المعراج وفي البزازية ولو غلطوا
في جد أو جدين ثم تداركوا في المجلس أو غيره
يقبل عند إمكان التوفيق بأن يقولوا كان اسمه
فلانا ثم صار اسمه فلانا أو باع فلان واشتراه
المذكور ا هـ. وظاهر قوله بعض شهادتي يفيد أنه
لو قال أوهمت الحق إنما هو لفلان آخر لا هذا
لم يقبل ولذا قال في السراجية شهدا أنه سرق من
هذا ثم قالا غلطنا سرق من هذا لم يقض
بشهادتهما؛ لأنهما أقرا بالغفلة ولم يعلل بأن
الحد يدرأ بالشبهة فظاهره أنه في غير السرقة
كذلك للتعليل بالغفلة وظاهر الولوالجية أنه لا
قطع ولا ضمان مال قال بخلاف ما إذا أقر أنه
سرق من هذا مائة ثم قال غلطت إنما سرقت مائة
من هذا فإنه لا يقطع ويلزمه المالان وفي
الخانية ثلاثة شهدوا في حادثة ثم قال أحدهم
قبل القضاء أستغفر الله قد كذبت في شهادتي
فسمع القاضي ذلك القول ولم يعلم أيهم قال
فسألهم القاضي فقالوا كلنا على شهادتنا قالوا
لا يقضي القاضي بشهادتهم ويقيمهم من عنده حتى
ينظروا في ذلك فإن جاء المدعي باثنين منهم في
ذلك اليوم الثاني يشهدان بذلك جازت شهادتهم ا
هـ.
وفي المحيط البرهاني شهدا أن له عليه درهما أو
درهمين جازت على درهم ولو كان في يده درهمان
صغير وكبير وأقر بإحداهما لرجل ثم جحد فشهدا
بذلك جازت على الصغير منهما استحسانا سواء أقر
بإحداهما بغير عينه أو بعينه ثم نسياه وكذا
المكيل كله والموزون كله إذا كان صنفا واحدا
يقضي بالأوكس وإذا اختلف النوعان أبطل الإقرار
وكل شيء يضمن فيه
ج / 7 ص -150-
____________
القيمة وقد صارت دينا فعليه أوكس القيمتين نحو
أن يشهدا أنه غصب منه ثوبا هرويا أو مرويا
وأحرقه قالا سمي لنا هكذا أو سمي لنا أحدهما
بعينه فنسيناه ا هـ. والله تعالى أعلم.
باب الاختلاف في
الشهادة
الشهادة إن وافقت الدعوى قبلت وإلا فلا
____________
باب الاختلاف في الشهادة
قال في المصباح خالفته مخالفة وخلافا وتخالف
القوم واختلفوا إذا ذهب كل واحد إلى خلاف ما
ذهب إليه الآخر ا هـ. واختلاف الشهادة شامل
لمخالفتها للدعوى ولاختلاف الشاهدين ولاختلاف
الطائفتين.
"قوله الشهادة إن وافقت الدعوى قبلت وإلا فلا"
لأن تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول
الشهادة فقد وجدت فيما يوافقها وانعدمت فيما
يخالفها والمراد بالموافقة المطابقة أو كون
المشهود به أقل من المدعى به بخلاف ما إذا كان
كذا في فتح القدير وأطلق الموافقة ولم يقيدها
باللفظ والمعنى كما في الموافقة بين الشاهدين
ليفيد عدم الاشتراط وأن الموافقة معنى كافية
فلو ادعى الغصب أو القتل فشهدا بإقرار المدعى
عليه بذلك تقبل ولو شهد واحد منهما بالغصب أو
القتل والآخر بالإقرار به لا تقبل كذا ذكر
الشارح ومن المخالفة المانعة ما إذا شهدت
بأكثر ومن فروعها دار في يد رجلين اقتسماها
وغاب أحدهما فادعى رجل على الحاضر أن له نصف
هذه الدار مشاعا فشهدوا أن له النصف الذي في
يد الحاضر فهي باطلة لأنها بأكثر من المدعى به
ولو ادعى دارا واستثنى طريق الدخول وحقوقها
ومرافقها فشهدوا أنها له ولم يستثنوا شيئا لا
تقبل. وكذا لو استثنى بيتا ولم يستثنوه إلا
إذا وفق فقال: كنت بعت ذلك البيت منها فتقبل
كذا في فتح القدير ومن أمثلة كون المشهود به
أقل ما في الخلاصة ادعى النقرة الجيدة وبين
الوزن فشهدوا على النقرة والوزن ولم يذكرا
جيدة أو رديئة أو وسطا تقبل ويقضى بالرديء
بخلاف ما إذا ادعى قفيز دقيق مع النخالة
فشهدوا من غير نخالة أو منخولا فشهدوا على غير
المنخول لا تقبل ا هـ. مع أنهم شهدوا بأقل
فيما إذا شهدوا به غير منخول والدعوى بالمنخول
بدليل عكسه.
وفي جامع الفصولين ادعى الإتلاف وشهدا بقبضه
تقبل ولو ادعى أنه قبض مني كذا درهما بغير حق
وشهدا أنه قبضه بجهة الربا تقبل ولو ادعى
الغصب وشهدا بقبضه بجهة الربا
ج / 7 ص -151-
..............................
____________
لا تقبل إذ الغصب قبض بلا إذن والقبض بجهة
الربا قبض بإذن ولو ادعى أنه غصب منه وشهدا
أنه ملك المدعي وفي يده بغير حق لا تقبل لا
على الملك لأنهما لم يقولا غصبه منه ولا على
الغصب لأنهما شهدا أنه بيده بغير حق ويجوز أن
يكون بيده بغير حق لا من جهة المدعي بأن غصبه
من غير المدعي لا منه ا هـ.
ثم قال: ادعى أنه قبض من مالي كذا قبضا موجبا
للرد وشهدا أنه قبضه ولم يشهدا أنه قبض قبضا
موجبا للرد تقبل في أصل القبض فيجب رده ولو
شهدا أنه أقر بقبضه ينبغي أن تقبل قياسا على
الغصب ادعى أنه أهلك أقمشتي كذا وعليه قيمتها
وشهد أنه باع وسلم لفلان يقبل لأنه إهلاك ولو
ذكرا بيعا لا تسليما لا يكون شهادة بإهلاك ثم
قال: ادعى شراء منه فشهدا بشراء من وكيله ترد
وكذا لو شهدا أن فلانا باع وهذا المدعى عليه
أجاز بيعه ثم قال: ادعى أن مولاي أعتقني وشهدا
أنه حر ترد لأنه يدعي حرية عارضة وشهدا بحرية
مطلقة فيصرف إلى حرية الأصل وهي زائدة على ما
ادعاه وقيل: تقبل لأنهما لما شهدا أنه حر شهدا
بنفس الحرية قال: والأمة لو ادعت أن فلانا
أعتقني وشهدا أنها حرة تقبل إذ الدعوى ليست
بشرط هنا فعلى هذا ينبغي أن يكون الخلاف
المذكور في القن على قول أبي حنيفة أما على
قولهما ينبغي أن يقبل في القن رواية واحدة كما
في الأمة إذ الدعوى ليست بشرط في القن عندهما
كالأمة ولو ادعى حرية الأصل وشهدا أن فلانا
حرره قيل: ترد وقيل: تقبل لأنهما شهدا بأقل
مما ادعاه ا هـ. وبه علم أن المطابقة بين
الدعوى والشهادة إنما هي شرط فيما إذا كانت
الدعوى فيه شرطا وإلا فلا ولذا لو ادعت الطلاق
فشهدا بالخلع تقبل كما سيأتي.
والحاصل أنهم إذا شهدوا بأقل مما ادعى تقبل
بلا توفيق وإن كان بأكثر لم تقبل إلا إذا وفق
فلو ادعى ألفا فشهدا بألف وخمسمائة فقال
المدعي: كان لي عليه ألف وخمسمائة إلا أني
أبرأته من خمسمائة أو قال: استوفيت منه
خمسمائة ولم يعلم به الشهود تقبل وكذا في
الألف والألفين ولا يحتاج إلى إثبات التوفيق
بالبينة لأن الشيء إنما يحتاج إلى إثباته
بالبينة إذا كان سببا لا يتم بدونه ولا ينفرد
بإثباته كما إذا ادعى الملك بالشراء فشهد
الشهود بالهبة فإن ثمة يحتاج إلى إثباته
بالبينة أما الإبراء فيتم به وحده ولو أقر
بالاستيفاء يصح إقراره ولا يحتاج إلى إثباته
لكن لا بد من دعوى التوفيق هنا استحسانا
والقياس أن التوفيق إذا كان ممكنا يحمل عليه
وإن لم يدع التوفيق تصحيحا للشهادة وصيانة
لكلامه وجه الاستحسان أن المخالفة بين الدعوى
والشهادة ثابتة صورة فإذا كان التوفيق مرادا
تزول المخالفة وإن لم يكن التوفيق مرادا لا
تزول بالشك فإذا ادعى التوفيق ثبت التوفيق
وزالت المخالفة وذكر الشيخ الإمام المعروف
بخواهر زاده أن محمدا شرط في بعض المواضع دعوى
التوفيق ولم يشترط في البعض وذاك
ج / 7 ص -152-
............................
___________
محمول على ما إذا ادعى التوفيق أو ذاك جواب
القياس فلا بد من دعوى التوفيق فلو قال
المدعي: ما كان لي عليه إلا ألف درهم فقط لا
تقبل شهادتهم كذا في الخانية ولا فرق في كون
المشهود به أقل بين أن يكون في الدين أو في
العين فلو ادعى كل الدار فشهدا بنصفها قضي
بالنصف من غير توفيق كذا في الخانية. وأشار
المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن المدعي إذا
أكذب شهوده في جميع ما شهدوا به له أو بعضه
بطلت شهادتهم إما لأنه تفسيق للشاهد أو لأن
الشهادة لا تقبل بدون الدعوى فلو شهد الشهود
بدار لرجل فقالوا: هذا البيت من هذه الدار
لفلان رجل آخر غير المدعي فقال المدعي: ليس هو
لي فقد أكذب شهوده وإن قال هذا قبل القضاء لا
يقضى له ولا لفلان بشيء فإن كان بعد القضاء
فقال: هذا البيت لم يكن لي إنما هو لفلان قال
أبو يوسف: أجزت إقراره لفلان وجعلت له البيت
وأرد ما بقي من الدار على المقضي عليه ويضمن
قيمة البيت للمشهود عليه ولأبي يوسف قول آخر
أنه يضمن قيمة البيت للمشهود عليه ويكون ما
بقي من الدار للمشهود له كذا في الخانية.
ثم اعلم أن المدعي إذا كذب شهوده إنما ترد
شهادتهم إذا كذبهم فيما وقعت الدعوى به أما
إذا صدقهم فيها وكذبهم في شيء زادوه فإنها
تقبل له فيما ادعاه إن لم يدعه المدعى عليه
وعلى هذا قال في الخانية: شهد الرجل أن فلانا
غصب عبده ولكنه قد رده عليه بعده فمات عند
مولاه فقال: المغصوب منه: لم يرده علي وإنما
مات عند الغاصب وقال: المشهود عليه ما غصبته
عبدا ولا رددته عليه وما كان من هذا من شيء
قال: إذا لم يدع شهادتهما ضمنته القيمة. وكذا
لو شهدا أنه غصبه عبدا له فجاء مولاه قتله عند
الغاصب فقال: المغصوب منه ما قتلته ولكنه قد
غصبه ومات عنده وقال المشهود عليه: ما غصبته
عبدا ولا قتل هذا المدعي عبدا له في يدي كان
عليه قيمته وكذا لو شهدا أن لهذا على هذا ألف
درهم ولكنه قد أبرأه منها وقال المدعي: ما
أبرأته عن شيء وقال الشهود عليه: ما كان له
علي شيء ولا أبرأني عن شيء قال: إذا لم يدع
شهادتهما على البراءة قضيت عليه بالألف ا هـ.
ثم اعلم أن المدعي إذا تكلم بكلام يحتمل أن
يكون تكذيبا فإن كان قبل القضاء لا يقضى له
وإن كان بعده لم يبطل إلا أن يكون تكذيبا
للشاهد قطعا فلو قضي له بالدار بالبينة فأقر
أنها لرجل غير المقضي عليه لا حق للمدعي فيها
وصدقه فلان أو كذبه لم يبطل القضاء لاحتمال
النفي من الأصل واحتمال أنه ملكها إياه بعد
القضاء وإن كان في مجلس القضاء فلا يبطل بالشك
فلو قال بعد القضاء: هي لفلان لم تكن لي قط
فإن بدأ بالإقرار وثنى بالنفي أو عكسه فإن
صدقه المقر له في الجميع بطل القضاء ويرد على
المقضي عليه ولا شيء للمقر له وإن كذبه في
النفي وصدقه في الإقرار كانت للمقر له وضمن
المقر قيمة الدار للمقضي عليه سواء
ج / 7 ص -153-
................................
___________
بدأ بالإقرار أو بالنفي كذا ذكر في الجامع
قالوا: هذا إذا بدأ بالنفي وثنى بالإقرار
موصولا أما إن كان مفصولا لم يصح. وتمامه في
الخانية بخلاف المقر له إذا قال: هي لفلان ما
كان لي قط لأن ثمة لا منازع للثالث فيسلم له
وهنا المقضي عليه ينازعه كذا في التلخيص وفي
المحيط البرهاني قضي له بالدار ببنائها ببينة
ثم قال: ليس البناء لي وإنما هو للمدعى عليه
بطل القضاء لأنه إكذاب للشاهد بخلاف ما إذا
قال: البناء له فليس بإكذاب هكذا في الأقضية
وفرق بين ما إذا ذكروا البناء في شهادتهم
فيكون إكذابا أولا فلا في شهادات الأصل وإذا
ذكروه فلا فرق بين النفي والإثبات فقط في كونه
تكذيبا ولو ادعى قدرا وبرهن عليه ثم أقر بقبض
بعضه فإن أقر بما يدل على قبضه قبل الدعوى
والبينة فهو تكذيب لشهوده وإلا فلا ولو ادعى
أربعمائة درهم وقضي له ببينة ثم أقر أن للمدعى
عليه مائة سقط عنه مائة اتفاقا وهل تسقط
الثلاثمائة قولان كما في المحيط وغيره والفتوى
على عدمه كما في الملتقط وفي المحيط شهدا له
على رجل بألف وعلى آخر بمائة فصدقهم في الأول
وكذبهم في الثاني بطلتا وكذا لو شهدا بغصب
ثوبين فصدقهما في أحدهما وكذبهما في الآخر
بطلت فيهما ولو قضي لثلاثة بميراث عن أبيهم ثم
قال أحدهم: ما لي فيه حق وإنما هو لأخوي كان
الكل لهما فإن قال: لم يكن لي فيه حق وإنما هو
لهما بطلت حصته عن المقضي عليه ولو ادعى أنه
أوصى له بألف درهم وبرهن عليه ثم ادعى أنه ابن
الموصي ولم يبرهن فله الأقل من الميراث ومن
الألف وقال محمد: الوصية باطلة ولا شيء له. ا
هـ.
وفي البزازية ادعى المديون الإيفاء فشهدا على
إبراء الدائن أو على أنه حاله تقبل كما لو
ادعى الغصب فشهدا بالإقرار به تقبل ادعى
الكفيل بالأمر الإيفاء وشهدا على البراءة تقبل
ووضع المسألة على الإيفاء ليعلم أن الإيفاء
غير مقتصر عليه ولهذا لا يرجع الكفيل على
الأصيل ويرجع الطالب على الأصيل كأنه إبراء
الكفيل وإبراء الكفيل لا يوجب إبراء الأصيل
وإنما ذكره ليؤذن أن المقضي به براءة الكفيل
لا الإيفاء وهذا لأن دعوى الكفيل تتضمن
البراءة مع تمكنه بالرجوع على الأصيل وشاهداه
شهدا على القطع ببعض دعواه فيقبل في ذلك لا في
الزائد ا هـ.
وفي السراجية ادعى عشرة آلاف درهم فشهدا له
بمبلغ عشرة آلاف درهم لم تقبل لأن مبلغ هذا
المال مال آخر شهدا على دعوى أرض أنها خمسة
مكاييل وأصابا في بيان حدودها أو خطآ في
المقدار قبلت ا هـ.
وفي العرف أن المبلغ هو القدر فإنهم يقولون:
قبض مبلغ كذا أي قدر كذا لا مال آخر
ج / 7 ص -154-
ادعى دارا إرثا أو شراء فشهدا بملك مطلق لغت
__________
فينبغي أن تقبل الشهادة في عرفنا وفي القنية
ادعى المديون الإيصال إلى الدائن متفرقا وشهد
شهوده بالإيصال مطلقا أو جملة لا تقبل ادعت
على زوجها أنه وكل وكيلا فطلقني وشهدا أنه
طلقها بنفسه يقع الطلاق ادعت الطلاق فشهدا
بالخلع تسمع لأن وجه التوفيق ممكن ولو ادعى
المديون الإبراء وشهدوا أن المدعي صالح المدعى
عليه بمال معلوم تقبل شهادتهم إن كان الصلح
بجنس الحق لحصول الإبراء عن البعض بالاستيفاء
عن البعض بالإسقاط. ولو ادعى عليه خمسة دنانير
بوزن سمرقند فشهدوا فسألهم القاضي عن الوزن
فقال بوزن مكة تقبل شهادتهم إن كان وزن مكة
مثل وزن سمرقند أو أقل وإلا فلا ادعت أنها
اشترت هذه الجارية من زوجها بمهرها وشهدوا أن
زوجها أعطاها مهرها من غير أن يجري البيع
بينهما تقبل ا هـ. وبما قررناه علم أن
المستثنى من قوله وإلا لا ثلاث عشرة مسألة
وسيأتي قريبا ثمان أخر في الإقرار والإنشاء
واثنان في المقيد بسبب والمطلق فصارت ثلاثا
وعشرين فليتأمل ثم اعلم أن في الحقيقة لا
استثناء لأن المخالفة المانعة أن يكون المشهود
به أكثر ففي كل صورة قالوا بالمنع إنما هو
لكونه أكثر من المدعى وفي كل موضع قالوا
بالقبول مع صورة المخالفة فإنما هو لكون
المشهود به أقل وكان كذلك في عتق الجارية
وطلاق المرأة يعرف ذلك بالتأمل في كلامهم.
"قوله ادعى دارا إرثا أو شراء فشهدا بملك مطلق
لغت" أي لا تقبل البينة لأنهما شهدا بأكثر مما
ادعاه المدعي لأنه ادعى ملكا حادثا وهما شهدا
بملك قديم وهما مختلفان فإن الملك في المطلق
يثبت من الأصل حتى يستحق المدعي بزوائده ولا
كذلك في الملك الحادث وترجع الباعة بعضهم على
بعض فصارا غيرين والتوفيق متعذر لأن الحادث لا
يتصور أن يكون قديما ولا القديم حادثا وقد جعل
المؤلف رحمه الله تعالى دعوى الإرث كدعوى
الشراء والمشهور أنه كدعوى المطلق كذا في فتح
القدير وجزم به في البزازية وقيد بالدار
للاحتراز عن الدين لأن فيه اختلافا. وفي فتح
القدير لو ادعى الدين بسبب القرض فشهدا بملك
مطلق لا تقبل وفي المحيط ما يدل على القبول
وعندي الوجه القبول لأن أولية الدين لا معنى
له بخلاف العين ولو ادعى عليه ألفا دينا فشهدا
أنه دفع إليه ألفا ولا ندري بأي وجه دفع قيل:
لا تقبل والأشبه إلى الصواب أن تقبل كذا في
البزازية وترك المؤلف رحمه الله شرطين في دعوى
الشراء: الأول أن يدعيه من رجل معروف بأن قال:
ملكي اشتريته من فلان وذكر شرائط المعرفة أما
إذا قال: ملكي اشتريته من رجل أو قال من محمد
والشهود شهدوا على الملك المطلق تقبل كذا في
الخلاصة الثاني أن لا يدعي القبض مع الشراء
فإن ادعاهما فشهدوا على
ج / 7 ص -155-
وبعكسه لا
__________
الملك المطلق تقبل كذا في الخلاصة وقيد بما
يكون له أسباب متعددة للاحتراز عما إذا كان
للملك سبب واحد فشهدوا بالمطلق تقبل كما لو
ادعى أنها امرأته بسبب أنه تزوجها بكذا فشهدوا
أنها منكوحته ولم يذكروا أنه تزوجها تقبل
ويقضى بمهر المثل إذا كان بقدر المسمى أو أقل
فإن زاد على المسمى لا يقضى بالزيادة كما في
الخلاصة وأشار المؤلف إلى أن الملك المؤرخ
أقوى منه بلا تاريخ فلو أرخ في دعوى الملك
وأطلق شهوده لا تقبل وفي عكسه المختار القبول
كما في الخلاصة.
ولو ادعى الشراء وأرخه فشهدوا له بلا تاريخ
تقبل لأنه. أقل وعلى القلب لا تقبل ولو كان
للشراء شهران فأرخوا شهرا تقبل وعلى القلب لا
تقبل كذا في فتح القدير وإلى أنه لو ادعاه
بسبب فشهدا بسبب آخر كألف من ثمن مبيع فشهدا
بألف من ثمن مغصوب هالك لا تقبل كما في
الخلاصة هذا إذا اختلفا فيما هو المقصود فإن
اتفقا فيه كدعوى ألف كفالة عن فلان فشهدا بألف
كفالة عن آخر فإنها تقبل كما في الخلاصة أيضا
إلا إذا قال الطالب: لم يقر كذلك بل أقر أنها
كفالة حالة فإنها لا تقبل لأنه أكذب شهوده كذا
في البزازية وكما في أسباب ملك العين كما في
البزازية أيضا قال: والملك بسبب الهبة كالملك
بالشراء وكذا كلما كان عقدا فهو حادث ا هـ.
فعلى هذا لو ادعى عينا بسبب شراء فشهد بأنها
ملكه بالهبة تقبل وفيها أيضا لو وقعت المخالفة
بين الدعوى والشهادة ثم أعادوا الدعوى
والشهادة واتفقوا تقبل ا هـ. وإلى أنه لو تحمل
الشهادة على ملك بسبب وأراد أن يشهد بالمطلق
فإنه لا يحل له وهو الأصح وعلله في فتح القدير
بأن فيه إبطال حقه أيضا فإنها لا تقبل لو
ادعاه بسبب. ا هـ.
"قوله وبعكسه لا" أي إذا ادعى ملكا مطلقا
فشهدا بملك بسبب معين لا تكون لغوا فتقبل
لأنهم شهدوا بأقل مما ادعى وهو غير مانع أطلقه
وقيده في الخلاصة بأن يسأل القاضي مدعي الملك
ألك بهذا السبب الذي شهدوا أو بسبب آخر إن قال
بهذا السبب يقضي بالملك بهذا السبب وإن قال
بسبب آخر لا يقضي بشيء أصلا ا هـ.
والحاصل أن الملك بسبب أقل من الملك المطلق
لأنه يفيد الأولية بخلاف سبب يفيد الحدوث
والمطلق أقل من النتاج لأن المطلق يفيد
الأولية على الاحتمال والنتاج على اليقين وفي
البزازية ادعى النتاج وشهدا على الشراء لا
تقبل ا هـ. إلا أن يوافق المدعي فيقول: نتجت
عندي ثم بعتها منه ثم اشتريتها فتقبل كذا في
الخانية والحاصل أنهم إذا شهدوا بأكثر مما
ادعى فإن وفق المدعي قبلت في المسائل كلها
وإلا لا وهذا مما يجب حفظه وقدمناه عن الخانية
ولم يذكر المؤلف مسألتين: إحداهما ما إذا ادعى
شيئا للحال فشهدا به فيما مضى
ج / 7 ص -156-
..............................
_____________
وعكسه الثانية إذا ادعى الإنشاء فشهد بالإقرار
أو عكسه.
أما الأولى ففي المحيط نقلا عن الأقضية وأدب
القاضي للخصاف إذا ادعى الملك للحال أي في
العين فشهدوا أن هذا العين كان قد ملكه تقبل
لأنها أثبتت الملك في الماضي فيحكم بها في
الحال ما لم يعلم المزيل قال رشيد الدين بعدما
ذكرها أمر وروي سيد أنت ا هـ. ومعنى هذا لا
يحل للقاضي أن يقول: أتعلمون أنه ملكه اليوم
نعم ينبغي للقاضي أن يقول هل تعلمون. أنه خرج
عن ملكه فقط ذكره في المحيط قال العمادي: فعلى
هذا لو ادعى الدين فشهدوا أنه كان له عليه كذا
ينبغي أن تقبل كما في العين ومثله ما لو ادعى
أنها زوجته فشهدوا أنه كان تزوجها ولم يتعرضوا
للحال تقبل هذا كله إذا شهدوا بالملك في
الماضي أما لو شهدوا باليد له في الماضي لا
يقضى به في ظاهر الرواية وإن كانت اليد تسوغ
الشهادة في الملك على ما أسلفناه وعن أبي يوسف
يقضى بها وخرج العمادي على هذا ما في الواقعات
لو أقر بدين عند رجلين ثم شهد عدلان عند
الشاهد أنه قضى دينه أن شاهدي الإقرار يشهدان
أنه كان له عليه دين ولا يشهدان أن له عليه
فقال: هذا أيضا دليل على أنه إذا ادعى العين
وشهدوا أنه كان له عليه تقبل وهذا غلط فإنه
إنما تعرض لما يسوغ له أن يشهد به لا للقبول
وعدمه بل ربما يؤخذ من منعه من إحدى العبارتين
دون الأخرى ثبوت القبول في إحداهما دون الأخرى
كيف وقد ثبت بشهادة العدلين عند الشاهدين أنه
قضاه فلا يشهدان حتى بخبر القاضي بذلك وأن
القاضي حينئذ لا يقضي بشيء كذا في فتح القدير
في البزازية شهدا أنها زوجت نفسها ولا نعلم
أنها في الحال امرأته أو لا أو شهدوا أنه باع
منه هذا العين ولا ندري أنه ملكه في الحال أم
لا يقضى بالنكاح والملك في الحال بالاستصحاب
والشاهد في العقد شاهد في الحال. ا هـ.
والحاصل أن المنصوص عليه في العين ما سمعت
وأما في الدين فالمنصوص عليه عدم القبول قال
في فتح القدير: شهدا على إقرار رجل بدين فقال
المشهود عليه: أتشهد أن هذا القدر علي الآن
فقال: لا أدري أهو عليك الآن أم لا لا نقبل
الشهادة ا هـ وقال قبله ادعى على آخر دينا على
مورثه وشهدوا أنه كان له على الميت دين لا
تقبل حتى يشهدا أنه مات وهو عليه ا هـ. فموضوع
الأولى في الشهادة على الإقرار وأن الشاهد
قال: لا أدري أهو عليك الآن أم لا وهو ساكت
عما إذا شهدوا أنه كان له عليه كذا وقد بحث
العمادي أنه ينبغي القبول وليس بمعارض للمنصوص
عليه كما علمت وفي مسألة دين الميت لا بد في
القبول من شهادتهما بأنه مات وهو عليه احتياطا
في أمر الميت ولهذا يحلف المدعي مع إقامة
البينة بخلافه في دين الحي فتحرر أنهما إذا
شهدا في دين الحي بأنه كان له عليه كذا تقبل
إلا إذا سألهما الخصم عن البقاء فقالا: لا
ندري وفي دين الميت لا تقبل مطلقا وأما عكسه
فقال في جامع
ج / 7 ص -157-
ويعتبر اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى
____________
الفصولين: ولو ادعى ملكا في الماضي وشهد به في
الحال بأن قال: كان هذا ملكي وشهد أنه له قيل:
تقبل وقيل: لا تقبل وهو الأصح وكذا لو ادعى
أنه كان له وشهدا أنه كان له لا تقبل لأن
إسناد المدعي يدل على نفي الملك في الحال إذ
لا فائدة للمدعي في الإسناد مع قيام ملكه في
الحال بخلاف الشاهدين لو أسندا ملكه إلى
الماضي لأن إسنادهما لا يدل على النفي في
الحال لأنهما لا يعرفان بقاءه إلا بالاستصحاب
والشاهد قد يحترز عن الشهادة بما ثبت باستصحاب
الحال لعدم تيقنه بخلاف المالك إذ كما يعلم
ثبوت ملكه يقينا يعلم بقاءه يقينا. ا هـ.
وأما الثانية أعني ما إذا ادعى الإنشاء فشهدا
بالإقرار أو عكسه فقال في جامع الفصولين ادعى
الوديعة وشهدا أن المودع أقر بالإيداع تقبل
كما في الغصب وكذا العارية ادعى نكاحا وشهدا
بإقرارهما بنكاح تقبل كما في الغصب ولو ادعى
دينا فشهدا بإقراره بالمال تقبل وتكون إقامة
البينة على إقراره كإقامة البينة على السبب
وأفتى بعضهم بعدم القبول ادعى قرضا وشهدا
بإقراره بالمال تقبل بلا بيان السبب ا هـ.
فتقبل في الإيداع والغصب والعارية والديون
والنكاح وأما البيع فقال في جامع الفصولين:
ادعى بيعا وشهدا أنه أقر بالبيع واختلفا في
زمان ومكان تقبل وفيه قبله ادعى مائة قفيز بر
بسبب سلم صحيح وشهدا أن المدعى عليه أقر أن له
عليه مائة قفيز ولم يزيدا قيل تقبل لأنه
اختلاف في سبب -. الدين فلا يمنع وقيل: لا وهو
الأصح لأنهما لم يذكرا إقراره بسبب السلم
والاختلاف في سبب الدين إنما يمنع قبولها لو
لم يختلف الدين باختلاف السبب ودين السلم مع
دين آخر يختلفان إذ الاستبدال قبل القبض لم
يجز في السلم وجاز في دين البر بلا سبب فلم
يشهدا بدين يدعيه فلا تقبل بخلاف ما لو ادعى
بسبب القرض وشهدا أنه أقر ولم يذكرا بسبب
القرض تقبل. ا هـ. ثم قال: ادعى قضاء دينه
وشهدا أنه أقر باستيفائه تقبل ا هـ. وفي
القنية ادعى عبدا فشهد أحدهما بملك مرسل
والآخر بإقرار ذي اليد بملكيته للمدعي تقبل
ولو كان هذا في دعوى الأمة والضيعة لا تقبل
والفرق فيها وأما عكسها أعني ما إذا ادعى
الإقرار فشهدا بالإنشاء فغير متصور شرعا إذ لا
تسمع الدعوى بالإقرار لما في البزازية معزيا
إلى الذخيرة ادعى أنه له عليه كذا وأن العين
الذي في يده له لما أنه أقر له به أو ابتدأ
بدعوى الإقرار وقال: أنه أقر أن هذا لي أو أقر
أن لي عليه كذا قيل: يصح وعامة المشايخ على
أنه لا تصح الدعوى لعدم صلوح الإقرار
للاستحقاق كالإقرار كاذبا فلا تصح الإقرار
لإضافة الاستحقاق إليه بخلاف دعوى الإقرار من
المدعى عليه على المدعي بأنه برهن على أنه أقر
أنه لا حق له فيه أو بأنه ملك المدعي حيث تقبل
وتمامه فيها وسنتكلم عليها بأوضح من ذلك في
الدعوى إن شاء الله تعالى. ا هـ.
"قوله ويعتبر اتفاق الشاهدين لفظا ومعنى" أي
عند أبي حنيفة رضي الله عنه ويكفي
ج / 7 ص -158-
.............................
___________
عندهما الاتفاق في المعنى والمراد باتفاقهما
لفظا تطابق لفظيهما على إفادة المعنى بطريق
الوضع لا بطريق التضمن فلو ادعى على آخر مائة
درهم فشهد واحد بدرهم وآخر بدرهمين وآخر
بثلاثة وآخر بأربعة وآخر بخمسة لم تقبل عنده
في شيء لعدم الموافقة لفظا وعندهما يقضى
بأربعة وكذا إن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين
لم تقبل عنده وعندهما تقبل على الألف إذا كان
المدعي يدعي ألفين وعلى هذا المائة والمائتان
والطلقة والطلقتان والطلقة والثلاث كذا في
الكافي وقد أشار بتفسير الموافقة إلى أنه لا
يشترط أن يكون بعين ذلك اللفظ بل إما بعينه أو
بمرادفه حتى لو شهد أحدهما بالهبة والآخر
بالعطية تقبل وبه اندفع ما في النهاية من أن
المطابقة في المعنى كافية للفرع المذكور لحصول
المطابقة لفظا ومعنى بخلاف ما لو شهد أحدهما
بأنه قال لها: أنت خلية وشهد الآخر بأنه قال
لها: أنت برية حيث لا يقبل لأنهما لفظان
متباينان وإن اشتركا في لازم واحد وهو
البينونة لأن معنى خلية غير معنى برية وعلى
هذا لو شهد أحدهما بالنكاح والآخر بالتزويج
فإنها تقبل كما في المحيط ولو شهد أحدهما
بالغصب أو القتل والآخر بالإقرار به لا تقبل
ذكره الشارح وفي العمدة شهد أحدهما أن له عليه
ألف درهم وشهد الآخر أنه أقر له بألف درهم
تقبل ا هـ. وخرج عن ظاهر قول الإمام مسائل وإن
أمكن رجوعها إليه في الحقيقة الأولى ما في
العمدة الثانية ادعى كر حنطة فشهد أحدهما
بأنها جيدة والآخر رديئة والدعوى بالأفضل يقضى
بالأقل الثالثة ادعى مائة دينار فقال أحدهما:
نيسابورية والآخر بخارية والمدعي يدعي
النيسابورية وهو أجود يقضى بالبخارية بلا خلاف
ينقل ومثله لو شهد أحدهما بألف بيض والآخر
بألف سود والمدعي يدعي الأفضل تقبل على الأقل
ووجهه في المسائل الثلاث أنهما اتفقا على
الكمية وانفرد أحدهما بزيادة وصف ولو كان
المدعي يدعي الأقل لا تقبل إلا أن وفق
بالإبراء وتمامه في فتح القدير الرابعة مسألة
الهبة والعطية الخامسة مسألة النكاح والتزويج
وقدمناهما السادسة شهد أحدهما أنه جعلها صدقة
موقوفة أبدا على أن لزيد ثلث غلتها وشهد آخر
أن لزيد نصفها تقبل على الثلث والباقي
للمساكين كذا في أوقاف الخصاف السابعة ادعى
أنه باع بيع الوفاء فإذا شهد أحدهما به والآخر
بأن المشتري أقر بذلك تقبل كما في فتح القدير
ولا خصوصية لبيع الوفاء فإذا شهد أحدهما
بالبيع والآخر بالإقرار به تقبل كما في جامع
الفصولين ولا خصوصية للبيع بل كل قول كذلك
بخلاف الفعل كما فيه أيضا والنكاح كالفعل ا
هـ. الثامنة شهد أحدهما أنها جاريته والآخر
أنها كانت له تقبل كما في الفتح أيضا التاسعة
ادعى ألفا مطلقا فشهد أحدهما على إقراره بألف
قرض والآخر بألف وديعة تقبل وإن ادعى أحد
السببين لا تقبل لأنه أكذب شاهده كذا في
البزازية بخلاف ما إذا شهد أحدهما بألف قرضا
والآخر
ج / 7 ص -159-
............................
__________
بألف وديعة فإنها لا تقبل منها أيضا العاشرة:
ادعى الإبراء فشهد أحدهما به والآخر على أنه
وهبه أو تصدق عليه أو حلله جاز بخلاف ما إذا
شهد أحدهما على الهبة والآخر على الصدقة لا
تقبل كذا في البزازية الحادية عشرة ادعى الهبة
فشهد أحدهما بالبراءة والآخر بالهبة وأنه حلله
جاز الثانية عشرة ادعى الكفيل الهبة فشهد
أحدهما بها والآخر بالإبراء جاز ويثبت الإبراء
لا الهبة لأنه أقلهما فلا يرجع الكفيل على
الأصيل وهما في البزازية الثالثة عشرة شهد
أحدهما على إقراره أنه أخذ العبد والآخر على
إقراره بأنه أودعه منه هذا العبد تقبل
لاتفاقهما على الإقرار بالأخذ الرابعة عشرة
شهد أحدهما أنه غصبه منه والآخر أن فلانا أودع
منه هذا العبد يقضى للمدعي ولا يقبل من المدعى
عليه بينة بعده لأن الشاهدين شهدا على إقراره
بالملك الخامسة عشرة شهد أحدهما أنها ولدت منه
والآخر أنها حبلت منه تقبل السادسة عشرة شهد
أحدهما أنها ولدت منه ذكرا. وقال الآخر: أنثى
تقبل كذا في البزازية السابعة عشرة شهد أحدهما
أنه أقر أن الدار له والآخر أنه سكن فيها تقبل
الثامنة عشرة أنكر إذن عبده فشهد أحدهما على
أنه أذن له في الثياب والآخر على أنه أذن له
في الطعام تقبل بخلاف ما إذا قال: أحدهما إنه
أذنه صريحا وقال الآخر: رآه يشتري ويبيع فسكت
لا تقبل التاسعة عشرة اختلف شاهدا الإقرار
بالمال في كونه أقر بالعربية أو بالفارسية
تقبل بخلافه في الطلاق العشرون شهد أحدهما
بأنه قال لعبده: أنت حر وقال الآخر قال له
أزدي تقبل الحادية والعشرون قال لامرأته: إن
كلمت فلانا فأنت طالق فشهد أحدهما أنها كلمته
غدوة والآخر عشية طلقت الثانية والعشرون إن
طلقتك فعبده حر فقال أحدهما: طلقها اليوم
وقال: الآخر إنه طلقها أمس يقع الطلاق والعتاق
الثالثة والعشرون شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا
ألبتة والآخر أنه طلقها ثنتين ألبتة يقضى
بطلقتين ويملك الرجعة ذكره في المنتقى عن هشام
عن محمد بخلاف ما إذا شهد أحدهما أنه أعتق كله
والآخر أنه أعتق نصفه لا تقبل وعلى هذا ففرق
بين الطلقة والطلقتين وبين هذه. والفرق أنهما
هنا اتفقا على البينونة لفظا ومعنى وإن اختلفا
في العدد بخلاف تلك وفي العيون لأبي الليث
هشام عن محمد في رجل تحته أمة فأعتقت فشهد
عليه شاهدان فقال أحدهما: أشهد أنك طلقتها وهي
أمة ثلاثا وشهد الآخر أنه طلقها بعدما أعتقت
ثلاثا قال: هما تطليقتان فيملك الرجعة لأن
الثلاث التي شهد بها في حال الرق واحدة منهما
ليست بشيء ولو شهد شاهد أن فلانا طلق امرأته
ثلاثا ألبتة وشهد الآخر أنه طلقها اثنتين
ألبتة فهما تطليقتان يملك الرجعة لأنه يحتاج
إلى قوله ألبتة في ثلاث ا هـ. الرابعة
والعشرون: شهد أحدهما أنه أعتق بالعربي والآخر
بالفارسي تقبل للاتفاق في المعنى بخلاف ما إذا
شهد أحدهما أنه قذفه بالعربي والآخر بالفارسي
لا تقبل لأن العبرة في الحدود للصورة
ج / 7 ص -160-
.............................
______________
والمعنى جميعا احتياطا للدرء كذا في البزازية.
الخامسة والعشرون: اختلفا في مقدار المهر يقضى
بالأقل كما في البزازية وفي جامع الفصولين
شهدا ببيع أو إجارة أو طلاق أو عتق على مال
واختلفا في قدر البدل لا تقبل إلا في النكاح
تقبل ويرجع في المهر إلى مهر المثل وقالا: لا
تقبل في النكاح أيضا. ا هـ. السادسة والعشرون:
شهد أحدهما أنه وكله بخصومة مع فلان في دار
سماها وشهد الآخر وكله بخصومة فيه وفي شيء آخر
تقبل في دار اجتمعا عليه إذ الوكالة تقبل
التخصيص وفيما اتفق عليه الشاهدان تثبت
الوكالة لا فيما تفرد به أحدهما فلو ادعى
وكالة معينة فشهد بها والآخر بوكالة عامة
ينبغي أن تثبت المعينة ولو شهد بوكالة وزاد
أحدهما أنه عزله تقبل في الوكالة لا في العزل
ولو شهد أحدهما أنه وكله بطلاقها وشهد الآخر
أنه وكله بطلاقها وطلاق فلانة الأخرى فهو وكيل
في طلاق التي اتفقا عليه كذا في جامع الفصولين
السابعة والعشرون شهد أحدهما بأنه وقفه في
صحته والآخر بأنه وقفه في مرضه قبلا إذ شهدا
بوقف بات إلا أن حكم المرض ينقض فيما لا يخرج
من الثلث وبهذا لا تمنع الشهادة كما لو شهد
أحدهما أنه وقف ثلث أرضه والآخر أنه وقف ربعها
كذا في جامع الفصولين من كتاب الوقف من أحكام
المرضى الثامنة والعشرون ولو شهد شاهد أنه
أوصى إليه يوم الخميس وآخر أنه أوصى إليه يوم
الجمعة جازت لأنها كلام لا يختلف بزمان ومكان
كذا في وصايا الولوالجية التاسعة والعشرون
ادعى مالا فشهد أحدهما أن المحتال عليه أحال
غريمه بهذا المال وشهد الآخر أنه كفل عن غريمه
بهذا المال تقبل كذا في القنية الثلاثون شهد
أحدهما أنه باعه بكذا إلى شهر وشهد الآخر
بالبيع ولم يذكر الأجل الحادية والثلاثون شهد
أحدهما أنه باعه بشرط الخيار ثلاثة أيام ولم
يذكر الآخر الخيار تقبل فيهما كما ذكره
الزيلعي في باب التحالف الثانية والثلاثون من
وكالة منية المفتي شهد واحد أنه وكله بالخصومة
في هذه الدار عند قاضي الكوفة وآخر قال: عند
قاضي البصرة جازت شهادتهما. ا هـ. والثالثة
والثلاثون: في أدب القضاء للخصاف من باب
الشهادة بالوكالة شهد أحدهما أنه وكله بالقبض
والآخر أنه جراه تقبل الرابعة والثلاثون شهد
أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه سلطه على
قبضه تقبل الخامسة والثلاثون شهد أحدهما أنه
وكله بقبضه والآخر أنه أوصى إليه بقبضه في
حياته تقبل السادسة والثلاثون شهد أحدهما أنه
وكله بطلب دينه والآخر بتقاضيه تقبل السابعة
والثلاثون شهد أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر
بتقاضيه أو طلبه تقبل الثامنة والثلاثون شهد
أحدهما أنه وكله بقبضه والآخر أنه أمره بأخذه
أو أرسله ليأخذه تقبل ا هـ. وهي في أدب القضاء
وما قبلها التاسعة والثلاثون اختلفا في زمن
إقراره بالوقف تقبل الأربعون اختلفا في مكان
إقراره به تقبل الحادية والأربعون اختلفا في
وقفه في صحته أو في مرضه تقبل الثانية
والأربعون
ج / 7 ص -161-
فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم تقبل,
وإن شهد الآخر بألف وخمسمائة والمدعي يدعي ذلك
قبلت على الألف
___________
شهد أحدهما بوقفها على زيد والآخر على عمرو
تقبل وتكون وقفا على الفقراء وهذه الثلاثة من
الإسعاف.
"قوله فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم
تقبل" يعني عند أبي حنيفة وعندهما تقبل بناء
على أن المعتبر المعنى لا غير قال: الشارح
والذي يبطل مذهبهما أن الشاهدين لو شهدا
بتطليقة وشهد آخران بثلاث وفرق القاضي بينهما
قبل الدخول ثم رجعوا كان ضمان نصف الصداق على
شاهدي الثلاث دون شاهدي الواحدة ولو كان كما
قالا: إن الواحدة توجد في الثلاث لكان الضمان
عليهم جميعا ا هـ.
وأجيب عنهما بأن الكلام فيما إذا كانت كل
شهادة لا توجب شيئا بانفرادها فحينئذ قالا
بثبوت ما اتفقا عليه وهو الأقل فيثبت الحق
بهما وأما هنا فكل شهادة لو انفردت أوجبت
البينونة ومع شهود الثلاث زيادة فأضيفت
البينونة إليهم دون شهود الواحدة لعدم الحاجة
إليهم فلما لم يضف الحكم إليهم لم يضمنوا
بالرجوع لهذا المعنى لا لما ذكره قال الشارح
ولا يلزم ما إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثا
فطلقت واحدة حيث تقع واحدة لأن ذلك لكون
الثلاث صار في يدها فلها أن توقع كلها أو
بعضها ولا يلزم ما إذا طلقها الزوج ألفا حيث
يقع الثلاث لأنه يتصرف عن ملك فله أن يوقع أي
عدد شاء إلا أنه لا ينفذ إلا بقدر المحل ا هـ.
وقدمنا عن الكافي أن المائة والمائتين والطلقة
والطلقتين كالألف والألفين وظاهره أنه لا يقع
شيء عند أبي حنيفة وقدمنا عن البزازية في
المسائل المستثناة ما يقتضي أن يقضى في الطلاق
بالأقل اتفاقا وقد صرح قاضي خان في فتاواه بما
في الكافي فكان هو المذهب لأن ما في البزازية
رواية المنتقى إلا أن يفرق بينهما بما قدمناه
وكذا ما في البزازية قبله لو ادعى ألفين فشهد
أحدهما بألف والآخر بألفين يقبل على ألف
إجماعا سهو كما لا يخفى.
"قوله وإن شهد الآخر بألف وخمسمائة والمدعي
يدعي ذلك قبلت على الألف" لاتفاقهما على الألف
لفظا ومعنى وقد انفرد أحدهما بخمسمائة بالعطف
والمعطوف غير المعطوف عليه فيثبت ما اتفقا
عليه بخلاف الألف والألفين لأن لفظ الألف غير
لفظ الألفين ولم يثبت واحد منهما ولا يقال: إن
الألف موجود في الألفين لأنا نقول: نعم موجود
إذا ثبت الألفان فتثبت الألف ضمنا فإذا لم
يثبت المتضمن لا يثبت المتضمن ومقتضى تعليلهم
أنه لو شهد أحدهما بألف والآخر بألف وألف أن
يقضى بالألف اتفاقا إذا ادعى الأكثر قيد بقوله
والمدعي يدعي الأكثر لأنه لو لم يدع فهي باطلة
للتكذيب إلا أن يوفق فيقول: أصل حقي كان كما
قال:
ج / 7 ص -162-
ولو شهدا بألف وقال أحدهما: قضاه منها خمسمائة
تقبل بألف ولم يسمع قوله قضاه إلا إن شهد معه
آخر, وينبغي أن لا يشهد حتى يقر المدعي بما
قبض, ولو شهدا بقرض ألف وشهد أحدهما أنه قضاه
جازت الشهادة على القرض
___________
إلا أني استوفيت الزائد أو أبرأته عنه فحينئذ
تقبل على الأقل لظهور التوفيق ونظيره مسألة
الكتاب الطلقة والطلقة ونصف والمائة والمائة
والخمسون وفي العناية لا بد من ذكر التوفيق
فيما يحتمله على الأصح فلو سكت عنه لم تقبل ا
هـ. وهكذا في المعراج بخلاف العشرة وخمسة عشر
حيث لا تقبل لأنه مركب كالألفين إذ ليس بينهما
حرف العطف ذكره الشارح وفي القنية شهد أحدهما
على خمسة عشر والآخر على عشرة وخمسة والمدعي
يدعي خمسة عشر ينبغي أن تقبل ا هـ. وفي
الخانية ولو شهد أحدهما على تطليقة والآخر على
تطليقة ونصف أو شهد أحدهما على تطليقة والآخر
على تطليقة وتطليقة جازت شهادتهما على الأقل
عند الكل ولو شهد أحدهما أنه طلقها إن دخلت
الدار وقد دخلت وشهد الآخر أنه طلقها إن كلمت
وقد كلمت لا تقبل عند الكل وكذا لو شهد أحدهما
أنه طلقها ثلاثا وشهد الآخر أنه قال لها: أنت
علي حرام ونوى الثلاث لا تقبل عند الكل ولو
شهد أحدهما أنه طلقها نصف واحدة وشهد الآخر
أنه طلقها ثلث واحدة لا تقبل عند أبي حنيفة
وكذا لو شهد أحدهما أنه طلقها ثلاثا وشهد
الآخر أنه طلقها فالشهادة باطلة في قول أبي
حنيفة وعندهما جازت على الأقل. ا هـ.
"قوله ولو شهد بألف وقال أحدهما: قضاه منها
خمسمائة تقبل بألف ولم يسمع قوله قضاه إلا إن
شهد معه آخر" لاتفاقهما على وجوب الألف
وانفراد أحدهما بقضاء النصف فلا يقبل لعدم
كمال الحجة ولا يكون ذلك تكذيبا لشاهد القضاء
فيما شهد به بأصل المال لأنه لم يكذبه فيما
شهد له وإنما كذبه فيما شهد عليه وذلك لا يمنع
كما إذا شهدا له بشيء ثم شهدا عليه بحق فإن
شهادتهما له لا تبطل وإن كذبهما وقدمنا فروعا
مبينة على هذا الأصل في أول الباب عن الخانية
ولا بد من كون المدعي ادعى الألف وأنكر القضاء
إذ لو قال: لم يكن لي عليه إلا خمسمائة لم
تقبل أصلا لأنه أكذب شهوده كذا في العمدة وإن
اعترف بالقضاء لزمه خمسمائة كذا في العمدة.
"قوله وينبغي أن لا يشهد حتى يقر المدعي بما
قبض" كي لا يصير معينا على الظلم والمراد من
ينبغي معنى يجب فلا تحل له الشهادة وقدمنا حكم
ما إذا تحمل شهادة ثم أخبر بما يرفعها من دين
ونكاح وقتل أول الشهادات وقد ذكرها في فتح
القدير هنا.
"قوله ولو شهدا بقرض ألف وشهد أحدهما أنه قضاه
جازت الشهادة على القرض" لتمام الحجة في القرض
وعدمها في القضاء وإنما ذكر هذه وإن علم حكمها
مما قبلها لاختلاف
ج / 7 ص -163-
.................................
_____________
الموضوع فإنها في القرض وما قبلها في مطلق ألف
وهي في انفراد أحدهما بقضاء الكل وما قبلها
بقضاء النصف والأولى مسألة القدوري والثانية
مسألة الجامع الصغير ومن جهة المعنى فإنه ربما
يتوهم عدم القبول في الثانية لأنه لما علم
بالقضاء انتفت شهادته أصلا فحين شهد كانت
باطلة بخلاف قضاء البعض فإنه يقول: شهدت لبقاء
الخمسمائة وشهدت بالألف أولا كما تحملت فكان
الأداء واجبا علي بخلاف ما إذا علم بقضاء الكل
فإن الأداء لم يجب أصلا فذكرها لدفع هذه
الشبهة وإنما قبلت لأنه صادق فيما أخبر به من
القرض متقدما ولا ينظر القاضي إلى اعتقاده
إنما ينظر إلى أداء شهادته. كذا في المعراج
ولم يذكر المؤلف رحمه الله اختلاف الشاهدين في
الزمان أو المكان وذكره في الكافي فقال: وإذا
اختلف الشاهدان في المكان أو الزمان في البيع
والشراء والطلاق والعتق والوكالة والوصية
والرهن والدين والقرض والبراءة والكفالة
والحوالة والقذف تقبل وإن اختلفا في الجناية
والغصب والقتل والنكاح لا تقبل والأصل أن
المشهود به إذا كان قولا كالبيع ونحوه فاختلاف
الشاهدين فيه في الزمان أو المكان لا يمنع
قبول الشهادة لأن القول مما يعاد ويكرر وإن
كان المشهود به فعلا كالغصب ونحوه أو قولا لكن
الفعل شرط صحته كالنكاح فإنه قول وحضور
الشاهدين فعل وهو شرط فاختلافهما في الزمان أو
المكان يمنع القبول لأن الفعل في زمان أو مكان
غير الفعل في زمان أو مكان آخر فاختلف المشهود
به ثم قال: أبو يوسف ومحمد إذا اختلف شاهدا
القذف في مكان أو زمان لا تقبل وإن كان قولا
لأن كل واحد منهما إن كان إنشاء فهو غيران
وليس على كل قذف شاهدان وإن كان أحدهما إنشاء
والآخر إخبارا فهما لا يتفقان لأن الإنشاء أن
يقول: زنيت أو أنت زان والإخبار أن يقول:
قذفتك بالزنا وأبو حنيفة يقول: يحتمل أنه سمع
أحدهما الإنشاء والآخر الإخبار فيثبت عندهما
قذفه فشهدا به ا هـ.
وفي جامع الفصولين الشهادة بعقد تمامه بالفعل
كرهن وهبة وصدقة يبطلها الاختلاف في زمان
ومكان إلا عند محمد. ا هـ. فعلم به أن ما في
الكافي من أن الرهن والهبة والصدقة من قبيل
البيع ونحوه قول محمد وقول الشيخين بخلافه.
والحاصل كما في جامع الفصولين أن الاختلاف لا
يخلو من وجوه ثلاثة إما في زمان أو مكان أو
إنشاء أو إقرار وكل منها لا يخلو من أربعة
أوجه: إما في الفعل أو في القول أو في فعل
ملحق بالقول أو عكسه أما الفعل فيمنع قبول
الشهادة في الوجوه الثلاثة وأما القول المحض
كبيع ورهن فلا يمنع مطلقا وأما الفعل الملحق
بالقول وهو القرض فلا يمنع وأما عكسه كنكاح
فيمنع ا هـ. وهذا موافق لما في الكافي وفصل
قاضي خان في فتاويه في الرهن والهبة والصدقة
بأنهم إذا شهدوا على معاينة القبض واختلفا في
الأيام والبلدان جازت
ج / 7 ص -164-
ولو شهدا أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وآخران
أنه قتله بمصر ردتا
_____________
شهادتهم في قولهما خلافا لمحمد وإن شهدوا على
إقرار الراهن والواهب والمتصدق بالقبض جازت في
قولهم ا هـ.
وفي شرح ابن وهبان. تنبيه الاختلاف في المكان
يوجب الاختلاف في الزمان ولا عكس لجواز أن
يشهد عليه في وقتين مختلفين في مكان واحد ا
هـ.
وفي الخانية ولو اختلفا في الثياب التي كانت
على الطالب أو المطلوب أو المركب أو قال
أحدهما: كان معنا فلان وقال الآخر: لم يكن
معنا ذكر في الأصل أنه يجوز ولا تبطل هذه
الشهادة ا هـ. ثم اعلم أن ظاهر إطلاقهم من أن
الاختلاف في الزمان في الأقوال غير مانع شامل
لما إذا تفاحش أو لا لأنهم يمثلونه بأمس
واليوم وهو ليس بمتفاحش وفي القنية أقام
شاهدين على الصلح فألجأهما القاضي إلى بيان
التاريخ فقال أحدهما: أظن كان منذ سبعة أشهر
أو أقل أو أكثر وقال الآخر: أظن منذ ثلاث سنين
أو أزيد لا تقبل لما اختلفا هذا الاختلاف
الفاحش وإن كان لا يحتاجان إلى بيان التاريخ ا
هـ. وفي فتح القدير قبيل باب تفويض الطلاق
معزيا إلى كافي الحاكم لو اختلفا في الوقت أو
المكان أو الزمان بأن شهد أحدهما أنه طلقها
يوم النحر بمكة والآخر أنه طلقها في ذلك اليوم
بالكوفة فهي باطلة لتيقن كذب أحدهما ولو شهدا
بذلك في يومين متفرقين بينهما في الأيام قدر
ما يسير الراكب من الكوفة إلى مكة جازت
شهادتهما ولو شهد اثنان أنه طلق عمرة يوم
النحر بالكوفة والآخر أنه طلق زينب يوم النحر
بمكة فشهادتهما باطلة ولو جاءت إحدى البينتين
فقضي بها ثم جاءت الأخرى لم يلتفت إليها ا هـ.
وهذا أيضا مقيد لقولهم إن الاختلاف في الزمان
لا يضر في الأقوال فيقال: إلا إذا ذكرا مكانين
متباعدين.
"قوله ولو شهدا أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة
وآخران أنه قتله بمصر ردتا" أي لم تقبل
الشهادتان لأن إحداهما كاذبة وليست إحداهما
بأولى من الأخرى وأشار إلى أنهما لو اختلفا في
الزمان أو الآلة التي وقع القتل بها لم تقبل
لما بينا وذكر في السراج الوهاج وفائدة ذلك
إذا قال: إن لم أحج العام فعبدي حر فأقام
العبد شاهدين أنه قتل يوم النحر بالكوفة فأقام
الورثة أنه قتل بمكة ا هـ. وقيد بكون المشهود
به القتل لأنهم لو شهدوا على إقرار القاتل
بذلك في وقتين أو مكانين تقبل لأنه قول يعاد
ويكرر كذا في السراج الوهاج وقد ذكر في القنية
من باب البينتين المتضادتين وترجيح إحداهما
على الأخرى فروعا حسنة محتاجا إليها فنذكرها
على وجه الاقتصار في مسائل الأولى برهن أولياء
المجروح أنه مات بسبب الجرح وبرهن الجارح أنه
برئ ومات بعد عشرة أيام فبينة المقتول أولى
الثانية ولو تعارضت بينتا الغبن ومثل القيمة
ج / 7 ص -165-
...............................
_____________
في مبيع الوصي مال الصبي فبينة الغبن أولى
الثالثة برهنت الأمة على أنه دبرها في مرض
موته وهو عاقل وبرهنت الورثة على أنه كان
مخلوط العقل فبينة الأمة أولى وكذا في الخلع
الرابعة تعارضت بينتا الغبن ومثل القيمة في
بيع الأب مال ولده والتنازع بين المشتري
والابن بعد بلوغه ففيه قولان الخامسة تعارضت
بينتان أنه باع وهو بالغ أو في صغره فبينة
المشتري أولى لإثباتها العارض. السادسة تعارضت
بينتا إبراء المرأة زوجها في صحتها أو مرضها
قولان السابعة تعارضت بينتا الإقرار للوارث في
صحة المقر أو في مرضه فالبينة بينة المقر له
والقول للورثة عند عدمها وله استحلافهم
الثامنة تعارضت بينتا الإكراه والطوع في
الإجازة فبينة الطواعية أولى وإن قضي ببينة
الإكراه في الإجازة نفذ التاسعة تعارضت بينتا
البيع صحيحا أو مكرها فقولان العاشرة تعارضت
بينتا البيع باتا ووفاء فالبينة بينة مدعي
الوفاء الحادية عشرة تعارضت بينتا الكره
والطوع في البيع والصلح والإكراه فبينة الكره
أولى الثانية عشرة تعارضت بينتا كون زوجة
الميت حراما قبل موته بستة أشهر أو حلالا وقت
الموت فبينة المرأة أولى له كنيف في طريق
العامة فزعم غيره أنه محدث وزعم صاحبه أنه
قديم وأقاما البينة فالبينة بينة من يدعي أنه
محدث. وقيل: القول للمدعي لكونه متمسكا بالأصل
الثالثة عشرة تعارضت بينة الخارج على الوقف
عليه مطلقا مع بينة ذي اليد أن بائعي اشتراها
من الواقف وأرخ فبينة الوقف أولى وقيل: إلا
إذا سبق تاريخ ذي اليد الرابعة عشرة تعارضت
بينتا صحة الوقف وفساده فإن كان الفساد لشرط
في الوقف مفسد فبينة الفساد أولى وإن كان
لمعنى في المحل وغيره فبينة الصحة أولى وعلى
هذا التفصيل إذا اختلف البائع والمشتري في صحة
البيع وفساده الخامسة عشرة تعارضت بينتا الملك
المطلق من الخارج والشراء من آخر من ذي اليد
فبينة مدعي الملك المطلق أولى السادسة عشرة
تعارضت بينتا الراهن والمرتهن في قيمة الرهن
فبينة الراهن أولى السابعة عشرة تعارضت بينتا
وجود الشرط وعدمه فبينة المرأة أولى الثامنة
عشرة تعارضت بينتا بيع الوصي بعد عزله أو قبله
فبينة المشتري أولى لما فيها من زيادة إثبات
نفاذ الشراء أو سبق التاريخ وقيل: بينة العزل
أولى وكذا الطلاق والعتاق من الوكيل التاسعة
عشرة تعارضت بينتان في حمار وقال المدعي: إنه
ملكي غاب عني منذ ثمانية أشهر وقال ذو اليد:
اشتريته منذ سبعة عشر شهرا وأقاما البينة
فبينة المدعي أولى العشرون ادعت المرأة
البراءة من المهر بشرط وادعاها زوجها مطلقة
وأقاما البينة فبينة المرأة أولى إن كان الشرط
متعارفا يصح الإبراء معه. وقيل: بينة الزوج
أولى الحادية والعشرون أقام أحد الأخوين بينة
أن الدار التي في أيدينا كانت لأمي تركتها
ميراثا بيني وبين أبي وأقام الآخر بينة أنها
كانت لأبينا فتركها ميراثا لنا فبينة الأول
أولى لإثباته الزيادة الثانية
ج / 7 ص -166-
فإن قضي بإحداهما أولا بطلت الأخرى, ولو شهدا
بسرقة بقرة واختلفا في لونها قطع بخلاف
الذكورة والأنوثة والغصب,
___________
والعشرون أقامت المرأة البينة على المهر على
أن زوجها كان مقرا بذلك إلى يومنا هذا وأقام
الزوج البينة أنها أبرأته من هذا المهر الذي
تدعي فبينة البراءة أولى وكذا في الدين لأن
بينة مدعي الدين بطلت بإقرار المدعى عليه لما
ادعى البراءة ولم تبطل بينة البراءة وهذا
كشهود البيع والإقالة فإن بينة الإقالة أولى
لبطلان بينة البيع بإقرار مدعي الإقالة وينبغي
أن يحفظ هذا الأصل فإنه يخرج به كثير من
الواقعات الثالثة والعشرون ادعى على رجل ستة
دنانير فقال المدعى عليه: إنه أبرأني عن هذه
الدعوى فأقام بينة وأقام المدعي بينة أنه كان
أقر له بستة دنانير قيل: تصح دعوى الإقرار
ثانيا وقيل: لا تصح وقيل: إن ذكر الخصم القبول
أو التصديق في الإبراء لا يصح وإلا يصح
الرابعة والعشرون تعارضت بينة الصحة والفساد
في الشراء ففيه قولان الخامسة والعشرون تعارضت
بينتا الإجازة والرد في بيع الفصولين فبينة
المشتري أولى السادسة والعشرون تعارضت بينتا
السكوت والرد في نكاح البكر فبينتها أولى
بخلاف ما إذا برهن على إجازتها وهي على ردها
فبينته أولى السابعة والعشرون تعارضت بينتا
البيع والوقف عليه مسجلا فبينة مدعي البيع
أولى إلا إذا عين الواقف فبينة الوقف أولى
لأنه يصير مقضيا عليه فلا بد من التعيين كبينة
الملك مع بينة العتق ا هـ.
"قوله فإن قضي بإحداهما أولا بطلت الأخرى" لأن
الأولى ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنقض
بالثانية ونظيره لو كان مع رجل ثوبان أحدهما
نجس فتحرى وصلى في أحدهما ثم وقع تحريه على
طهارة الآخر لا تجوز له الصلاة فيه لأن الأول
اتصل بحكم الشرع فلا ينتقض بوقوع التحري في
الآخر.
"قوله ولو شهدا بسرقة بقرة واختلفا في لونها
قطع بخلاف الذكورة والأنوثة والغصب" وهذا عند
أبي حنيفة وقالا: لا قطع في الوجهين وقيل:
الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة
لا في السواد والبياض وقيل: في جميع الألوان
لهما أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء
فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة وصار كالغصب
بل أولى لأن أمر الحد أهم وصار كالذكورة
والأنوثة وله أن التوفيق ممكن لأن التحمل في
الليالي من بعيد واللونان يتشابهان أو يجتمعان
فيكون السواد من جانب وهذا يبصره والبياض من
جانب آخر وهذا يشاهده بخلاف الغصب لأن التحمل
فيه بالنهار غالبا على قرب منه والذكورية
والأنوثة لا يجتمعان في واحد وكذا الوقوف على
ذلك بالقرب منه فلا يشتبه أطلق في اللون فشمل
جميع الألوان وهو الصحيح كذا في الكافي وقدمنا
الاختلاف فيه وفي القنية خلاف
ج / 7 ص -167-
ومن شهد لرجل أنه اشترى عبد فلان بألف وشهد
آخر بألف وخمسمائة بطلت الشهادة
__________
غير ما قدمناه عن أبي جعفر أن هذا الخلاف فيما
إذا اختلفا في صفتين متضادتين كالسواد والبياض
فأما في المتقاربتين كما إذا شهد أحدهما على
الصفرة والآخر على الحمرة فإنه تقبل لأن
الصفرة المشبعة تضرب إلى الحمرة والحمرة إذا
رقت تضرب إلى الصفرة وكثير من العوام لا
يميزون بينهما وكذا إذا شهد أحدهما أنها غبراء
والآخر أنها بيضاء تقبل بلا خلاف وعلى هذا
الاختلاف بين الإمام وصاحبيه لو اختلفا في ثوب
بأن قال أحدهما: هروي وقال الآخر مروي وقيد
الاختلاف بما ذكر احترازا عما إذا اختلفا في
الزمان أو المكان فإنها لا تقبل لأنها من قبيل
الأفعال وأشار بقوله شهدا بسرقة بقرة إلى أن
المدعي ادعى بقرة مطلقة من غير تقييد بوصف
وأما إذا ادعى سرقة بقرة سوداء أو بيضاء لم
تقبل إجماعا لأن المدعي كذب أحدهما.
"قوله ومن شهد لرجل أنه اشترى عبد فلان بألف
وشهد آخر بألف وخمسمائة بطلت الشهادة" لأنهما
لم يتفقا على عقد واحد والشراء بألف غير
الشراء بألف وخمسمائة والمقصود إثبات العقد
فإذا اختلف المشهود به تعذر الحكم لقصور الحجة
عن كمال العدد أطلقه فشمل ما إذا كان المدعي
يدعي أقل المالين أو أكثرهما وأشار إلى أن
المدعي لو كان هو البائع واختلف شاهداه لم
تقبل أيضا لما ذكرنا وذكر علاء الدين
السمرقندي أن الشهادة تقبل في مسألة الكتاب
لأن التوفيق ممكن لأن الشراء الواحد قد يكون
بألف ثم يصير بألف وخمسمائة بأن يشتريه بألف
ثم يزيده عليه خمسمائة فقد اتفقا على شراء
واحد ا هـ. وهو عجيب منه فإن المسألة نص محمد
في الجامع الصغير وقد أجاب في العناية عن
دليله بأنه إذا اشترى بألف ثم زاد خمسمائة فلا
يقال اشترى بألف وخمسمائة ولهذا يأخذ الشفيع
بأصل الثمن ا هـ. ولم يزد في المعراج على قوله
وفيه نوع تأمل ونقله عنه في فتح القدير ولم
يبينه ثم رأيت الجامع الصغير فإذا هو لم يذكر
إلا مسألة البيع وكلام السمرقندي فيما قيس
عليها وهو الشراء فلذا قال بالقبول فيه بخلاف
ما إذا اختلفا في جنس الثمن كألف درهم ومائة
دينار فإنها لا تقبل اتفاقا وأشار المؤلف رحمه
الله إلى أنهما لو شهدا بالشراء ولم يبينا
الثمن لم تقبل لما في البزازية ادعى محدودا
بسبب الشراء من فلان ودفع الثمن إليه وقبض
المدعي بالرضا فشهدا بأنه ملكه بالشراء منه لا
تقبل الشهادة لأنه دعوى الملك بسبب والقاضي
أيضا لا بد أن يقضي بذلك السبب ولم يذكروا
الثمن ولا قدره ولا وصفه والحكم بالشراء بثمن
مجهول لا يصح قيل: المدعي ذكر التقابض وشهدا
على موافقة ومع التقابض لا حاجة إلى ذكر الثمن
قلنا شهدا بالشراء لا غير والتقابض لا يندرج
تحت لفظ الشراء لا صريحا ولا دلالة وإذا قضى
بالشراء لا بد له من القضاء بالثمن أيضا في
هذه الصورة والقضاء بالمجهول لا يتحقق. ا هـ.
ج / 7 ص -168-
وكذا الكتابة والخلع
___________
"قوله وكذا الكتابة والخلع" يعني إذا اختلف
الشاهدان في مقدار البدل فيهما لم تقبل
أطلقهما فشمل ما إذا كان المدعي هو العبد وهو
ظاهر لأن مقصوده هو العقد وما إذا كان المدعي
هو المولى لأن العتق لا يثبت قبل الأداء فكان
المقصود إثبات السبب كما في الهداية وقيل: إن
كان المدعي هو المولى لا تفيد بينته لأن العقد
غير لازم في حق العبد لتمكنه من الفسخ
بالتعجيز وأطلق الخلع وهو مقيد بما إذا كانت
المرأة هي المدعية للخلع لأن مقصودها إثبات
السبب دون المال فلا يثبت مع اختلافهما فيه
كالبيع بخلاف دعوى الدين فإن المقصود منه
المال وإن كان المدعي هو الزوج وقع الطلاق
بإقراره فيكون دعوى دين فيثبت الأقل وهو ما
اتفقا عليه وأشار بالكتابة والخلع إلى كل عقد
شابههما وهو الصلح عن دم العمد والعتق على مال
والرهن ففي الصلح لا بد أن يكون المدعي هو
القاتل وفي الإعتاق لا بد من كون المدعي العبد
لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه
فإن كانت الدعوى من الجانب الآخر فهو بمنزلة
دعوى الدين فيما ذكرنا من الوجوه لثبوت العفو
والعتق باعتراف صاحب الحق فبقي الدعوى في
الدين. فإن شهد أحدهما بألف والآخر بألفين لم
يقض بشيء عنده وعندهما يقضى بالأقل وإن شهد
أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة يقضى بألف
اتفاقا وأما في الرهن فإن كان المدعي هو
الراهن لم تقبل لأنه لا حظ له في الرهن بعدم
لزومه في حق المرتهن فعريت الشهادة عن الدعوى
وإن كان المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين وصوره
الشارح بأن يدعي أنه رهنه ألفا وخمسمائة وادعى
أنه قبضه ثم أخذه الراهن فطلب الاسترداد منه
فأقام بينة فشهد أحدهما بألف والآخر بألف
وخمسمائة فإنه يثبت أقلهما ا هـ. وهذه صورة
دعوى العقد فينبغي أن لا تقبل أصلا ولم يذكر
صورة دعوى الدين وصوره في فتح القدير بأن يقول
المرتهن: أطالبه بألف وخمسمائة لي عليه على
رهن له عندي وظاهر الهداية أن الرهن إنما هو
من قبيل دعوى الدين وتعقبه في العناية تبعا
للنهاية بأن عقد الرهن بألف غيره بألف
وخمسمائة فيجب أن لا تقبل البينة وإن كان
المدعي هو المرتهن لأنه كذب أحد شاهديه وأجيب
بأن العقد غير لازم في حق المرتهن حيث كان له
ولاية الرد متى شاء فكأنه في حكم العدم فكان
الاعتبار لدعوى الدين لأن الرهن لا يكون إلا
بدين فتقبل البينة كما في سائر الديون ويثبت
الرهن بالألف ضمنا وتبعا ا هـ. ولم يذكر
المؤلف الإجارة لكن أشار بالبيع إليها ولذا
قال في الهداية إن كان ذلك في أول المدة فهو
نظير البيع وإن كان بعد مضي المدة والمدعي هو
الآجر فهو دعوى الدين. ا هـ. قيد بكون المدعي
هو الآجر للاحتراز عما إذا كان المدعي هو
المستأجر فهو دعوى العقد بالإجماع لأنه معترف
بمال الإجارة فيقضى عليه بما اعترف به فلا
يعتبر اتفاق الشاهدين أو اختلافهما فيه ولا
يثبت العقد للاختلاف كذا في فتح القدير.
ج / 7 ص -169-
فأما في النكاح فيصح بألف, وملك المورث لم يقض
لوارثه بلا جر إلا أن يشهدا بملكه أو يده أو
يد مستعيره وقت الموت
__________
وحاصله أن بعضهم قال: إن كان ذلك اعترافا منه
بمال الإجارة فيجب ما اعترف به ولا حاجة إلى
الشهود لأنه إن أقر بالأكثر فلا يبقى نزاع وإن
أقر بالأقل فالآجر لا يأخذ منه ببينة سوى ذلك
كذا في النهاية وفي بعض الشروح فإن كان.
الدعوى من المستأجر فهذا دعوى العقد بالإجماع
قال في العناية: وهو في معنى الأول لأن الدعوى
إذا كانت في العقد بطلت الشهادة فيؤخذ
المستأجر باعترافه ا هـ.
وفي جامع الفصولين شهدا برهن ولم يعلما قدر
الدين لم يجز ا هـ. ولم أر صريحا حكم الصلح عن
المال وإنما سكتوا للعلم به من الصلح فإنه إن
كان بمال عن إقرار كان بيعا وقد علم حكمه وإن
كان بمنافع كان إجارة وقد علم حكمها ولم
يذكروا اختلافهما في الكفالة والحوالة ولا
يتصور الدعوى بها إلا من الطالب والظاهر أنها
من قبيل دعوى الدين فإذا اختلفا في مقدار
المكفول به قضي بالأقل ولا تتصور في الحوالة
إلا من المحتال وهي كالكفالة.
"قوله فأما في النكاح فيصح بألف" استحسانا
وقالا: هي باطلة أيضا لأنه اختلاف في العقد
لأن المقصود من الجانبين السبب فأشبه البيع
ولأبي حنيفة أن المال في النكاح تابع والأصل
فيه الحل والازدواج والملك ولا اختلاف فيما هو
الأصل فيثبت فإذا وقع الاختلاف في البيع يقضى
بالأقل لاتفاقهما عليه أطلقه فشمل ما إذا ادعت
أقل المالين وأكثرهما وهو الصحيح وشمل ما إذا
كان المدعي الزوج أو المرأة وهو الأصح كما في
الهداية وقيل: الاختلاف فيما إذا كانت هي
المدعية وفيما إذا كان المدعي هو الزوج
فالإجماع على عدم قبولها لأن مقصودها قد يكون
المال ومقصوده ليس إلا العقد وصححه في الفوائد
كما في النهاية.
"قوله وملك المورث لم يقض لوارثه بلا جر إلا
أن يشهدا بملكه أو يده أو يد مستعيره وقت
الموت" وهذا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي
يوسف هو يقول: إن ملك الوارث ملك المورث فصارت
الشهادة بالملك للمورث شهادة للوارث وهما
يقولان إن ملك الوارث متجدد في حق العين حتى
يجب عليه الاستبراء في الجارية الموروثة ويحل
للوارث الغني ما كان صدقة على المورث الفقير
فلا بد من النقل إلا أنه يكتفى بالشهادة على
قيام ملك المورث وقت الموت لثبوت الانتقال
ضرورة وكذا على قيام يده لأن الأيدي عند الموت
تنقلب يد ملك بواسطة الضمان والأمانة تصير
مضمونة بالتجهيل فصار بمنزلة الشهادة على قيام
ملكه وقت الموت
ج / 7 ص -170-
..............................
_________________
والمراد بالمستعير الأمين مستعيرا أو مودعا أو
مستأجرا لأن يده قائمة مقام يده فأغنى ذلك عن
الجر والنقل ولو قال: أو يد من يقوم مقامه
لكان أولى ليشمل الأمين وغيره كالغاصب
والمرتهن فالجر أن يقول الشاهد: مات وتركها
ميراثا له أو ما يقوم مقامه من إثبات ملكه وقت
الموت أو إثبات يده أو يد من قام مقامه فإذا
أثبت الوارث أن العين كانت لمورثه لا يقضى له
وهو محل الاختلاف بخلاف الحي إذا أثبت أن
العين كانت له فإنه يقضى له بها اعتبارا
للاستصحاب إذ الأصل البقاء. وكذا إذا أقام
البينة أنه اشتراها من فلان فإنه يكفي ولا
يحتاج إلى إثبات ملك البائع وقته لأن الشراء
موضوع للملك بخلاف الموت فإنه مزيل له ولذا لم
يصح التعليق بقوله للوارث إن مات سيدك فأنت حر
ثم اعلم أن القضاء للوارث لا بد فيه للمشهود
من الجر كما قدمناه ولا بد فيه من بيان سبب
الوراثة فإذا شهدوا أنه أخوه فلا بد فيه من
بيان أنه أخوه لأبيه وأمه أو لأحدهما.
وفي البزازية وكذا إذا شهدوا أنه عمه أو مولاه
لم تقبل لأن المولى مشترك فإن قالا: هو مولاه
أعتقه ولا نعلم له وارثا غيره فحينئذ تقبل وفي
الظهيرية ادعى أنه وارث فلان الميت وأقام
شاهدين فشهدا أنه وارث فلان الميت لا وارث له
سواه فإن القاضي يسألهما عن النسب ولا يقضي
قبل السؤال ولو أقام المدعي بينة أنه وارث
فلان وأن قاضي بلد كذا فلان بن فلان قضى بأنه
وارثه لا وارث له غيره وأشهدنا على قضائه ولا
ندري بأي سبب قضى فإن القاضي يسأل المدعي عن
النسب الذي قضى له القاضي به فإن بين قضى له
بالميراث لأن قضاء القاضي يحمل على الصحة
والسداد ما أمكن ولا ينقض بالشك ولا يقضي
بالنسب الذي بين المدعي لأن هذا القاضي. لا
يدري أن القاضي الأول هل قضى بذلك النسب أم لا
ا هـ.
وفيها من كتاب الدعوى والابن إذا ادعى دارا
بجهة الوراثة فشهد الشهود أنها كانت دارا
لأبيه وقت الموت ولم يقولوا في شهادتهم وهو
ابنه ووارثه قال بعضهم: لا تصح هذه الشهادة
فإن محمدا رحمه الله تعالى ذكر في الزيادات
وشهدوا أنه ابنه ووارثه قالوا: إنما ذكر ذلك
لإزالة وهم الرضاع والأصح أن قوله ووارثه
اتفاقا ولا معول عليه فإنه ذكر في الأب والأم
وهو أبوه وأمه وجوز الشهادة وإن لم يذكر
ووارثه فإن ادعى أنه عم الميت يشترط لصحة
الدعوى أن يفسر فيقول عمه لأبيه وأمه أو لأبيه
أو لأمه ويشترط أيضا أن يقول ووارثه وإذا أقام
البينة لا بد للشهود من نسبة الميت والوارث
حتى يلتقيا إلى أب واحد وكذلك هذا في الأخ
والجد ا هـ. وفي البزازية وكذا إذا شهدوا أنه
ابن ابنه أو بنت ابنه لا بد أن يقولوا: إنه
وارثه وقيد بالملك لأن إثبات شراء المورث لا
يتوقف على الجد لما في الظهيرية ادعى دارا في
يد رجل أن أباه اشتراها من ذي اليد بألف درهم
ومات أبوه فجحد البائع
ج / 7 ص -171-
ولو شهدا بيد حي منذ شهر ردت, ولو أقر المدعى
عليه بذلك أو شهد شاهدان أنه أقر أنه كان في
يد المدعي دفع إلى المدعي
___________
ذلك صح دعواه وإن لم يذكر في دعواه أن أباه
مات وتركها ميراثا له وهو الذي يقال: الجر شرط
عند أبي حنيفة ومحمد لصحة الدعوى ثم القاضي
يسأل البينة فإذا أقام البينة على ذلك وقالوا:
لا نعلم له وارثا غيره يقضي القاضي بالبينة
ويأمر المدعي أن ينقد الثمن ولو كانت الدار في
يد رجل آخر غير البائع لا بد من الجر لصحة
الدعوى. ا هـ. وبه ظهر أن الجر شرط صحة الدعوى
لا كما يتوهم من كلام المصنف من أنه شرط
القضاء بالبينة فقط ومن شرط قبول الشهادة
بالميراث أن يدرك الشاهد الميت ولذا قال في
البزازية: شهدا أن فلان بن فلان مات وترك هذه
الدار ميراثا ولم يدركا الميت فشهادتهما باطلة
لأنهما شهدا بملك لم يعاينا سببه ولا رأياه في
يد المدعي كذا في البزازية ومن الشروط قول
الشاهد لا وارث له غيره.
وفي البزازية ويشترط ذكر لا وارث له غيره
لإسقاط التلوم عن القاضي وقوله لا أعلم له
وارثا غيره عندنا بمنزلة ولا وارث له غيره ولو
قال: لا وارث له غيره بأرض كذا تقبل عنده
خلافا لهما ا هـ ولا يشترط ذكر اسم الميت حتى
لو شهدوا أنه جده أبو أبيه ووارثه ولم يسم
الميت تقبل بدون ذكر اسم الميت وفي الأقضية
شهدا بأنه جد الميت وقضي له به ثم جاء آخر
وادعى أنه أبو الميت وبرهن فالثاني أحق
بالميراث شهدا أنه أخو الميت وقضي له به ثم
شهد هذان لآخر على أنه ابن الميت أيضا لا يبطل
القضاء الأول بل يضمنان للثاني ما أخذ الأول
من الميراث كذا في البزازية.
"قوله ولو شهدا بيد حي منذ شهر ردت" وعن أبي
يوسف أنها تقبل لأن اليد مقصودة كالملك ولو
شهدوا أنها ملكه تقبل فكذا هذا وصار كما لو
شهدوا بالأخذ من المدعي ووجه الظاهر وهو
قولهما أن الشهادة قامت بمجهول لأن اليد
منقضية وهي متنوعة إلى ملك وأمانة وضمان فتعذر
القضاء بإعادة المجهول بخلاف الملك لأنه معلوم
غير مختلف وبخلاف الأخذ لأنه معلوم وحكمه
معلوم وهو وجوب الرد وقوله منذ شهر ليس بقيد
فإن الخلاف ثابت فيما لم يذكره فإنه ذكر
الإمام التمرتاشي لو شهدوا لحي أن العين كان
في يده لم تقبل لأن اليد محتملة يد غصب أو يد
ملك فإن كانت يد غصب عن ذي اليد لا تجب إعادته
وإن كانت يد ملك تجب فلا تجب بالشك كذا في
النهاية وجامع الفصولين.
"قوله ولو أقر المدعى عليه بذلك أو شهد شاهدان
أنه أقر أنه كان في يد المدعي دفع إلى المدعي"
لأن الإقرار معلوم فتصح الشهادة به وجهالة
المقر به لا تمنع صحة الإقرار وفي البزازية
الأصل في باب الشهادة أن الشهادة بالملك
المنقضي مقبولة لا باليد المنقضية لأن الملك
لا يتنوع واليد تتنوع باحتمال أنه كان له
فاشتراه منه ا هـ. قيد بالإقرار باليد مقصودا
لأنه
ج / 7 ص -172-
____________
لو أقر له بها ضمنا لم تدفع إليه كما سيأتي في
الإقرار. وإنما قال: دفع إليه دون أن يقول:
إنه إقرار بالملك له لأنه لو برهن على أنه
ملكه فإنه يقبل لما في جامع الفصولين أخذ عينا
من يد آخر وقال: إني أخذته من يده لأنه كان
ملكي وبرهن على ذلك تقبل لأنه وإن كان ذا يد
بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن
ذا اليد في الحقيقة هو الخارج ولو أقر المدعى
عليه إني أخذته من المدعي لأنه كان ملكي فلو
كذبه المدعي في الأخذ منه لا يؤمر بالتسليم
إلى المدعي لأنه رد إقراره وبرهن على ذي اليد
ولو صدقه يؤمر بتسليمه إلى المدعي فيصير
المدعي ذا يد فيحلف أو يبرهن الآخر ا هـ. وقيد
بكونه أقر أنه كان بيده لأنه لو أقر أنه كان
بيد المدعي بغير حق ففيه اختلاف قيل: هو إقرار
له باليد وبه يفتى وقيل: لا إلا أن يقر أنه
كان بيده بحق كذا في جامع الفصولين وقيد
بالإقرار بكونه في يد المدعي لأنه لو ادعى
عقارا فأقر المدعى عليه أنه بيده لم تقبل حتى
يبرهن المدعي أو يعلم القاضي بخلاف المنقول
وسيأتي في الدعوى إن شاء الله تعالى والله
أعلم.
باب الشهادة على الشهادة
تقبل فيما لا يسقط بالشبهة
____________
"باب الشهادة على الشهادة"
لا يخفى حسن تأخير شهادة الفروع عن الأصول.
"قوله تقبل فيما لا يسقط بالشبهة" أي يقبل
أداء الفروع في حق لا تسقطه الشبهة استحسانا
لشدة الحاجة إليها إذ شاهد الأصل قد يعجز عن
أداء الشهادة لبعض العوارض فلو لم تجز الشهادة
على شهادته أدى إلى إتواء الحقوق ولهذا جوزنا
الشهادة على الشهادة وإن كثرت إلا أن فيها
شبهة من حيث البدلية أو من حيث إن فيها زيادة
الاحتمال وقد أمكن الاحتراز عنه بجنس الشهود
فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص
أطلقه فشمل الوقف وهو الصحيح إحياء له وصونا
عن اندراسه وشمل التقرير وهو مصرح به في
الأجناس وقضاء القاضي وكتابه كما في الخانية
وما في المبسوط من أن الشاهدين لو شهدا على
شهادة شاهدين أن قاضي بلدة كذا حد فلانا في
قذف تقبل حتى ترد شهادة فلان لا يرد نقضا على
قولنا لا تقبل في الحدود فإن المشهود به فعل
القاضي وهو مما يثبت مع الشبهات والمراد
بالشهادة بالحد الشهادة بوقوع أسبابها الموجبة
لها مع أن في المحيط لا تقبل هذه الشهادة وشمل
النسب كما في خزانة المفتين وفي القنية أشهد
القاضي شهودا أني حكمت لفلان على فلان بكذا
فهو إشهاد باطل لا عبرة به والحضور شرط ا هـ.
وفي يتيمة الدهر1 وكتبت إلى الحسن بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يتيمة الدهر: تقدم ذكره فيما سبق.
ج / 7 ص -173-
إن شهد رجلان على شهادة شاهدين, لا شهادة واحد
على شهادة واحد, والإشهاد أن يقول: أشهد على
شهادتي أني أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا
___________
زياد إذا أشهد القاضي على قضائه الشاهدين
اللذين شهدا في تلك الحادثة هل يصح إشهاده
إياهما؟ فقال: نعم لكنه ينفصل عن القبول في
الحكم. ا هـ.
"قوله إن شهد رجلان على شهادة شاهدين" أي كل
من الشاهدين فعلى كل أصل شاهدان سواء كانا هما
أو غيرهما وقال الشافعي: لا يجوز إلا الأربع
على كل أصل اثنان لأن كل شاهدين قائمان مقام
واحد فصارا كالمرأتين ولنا قول علي رضي الله
عنه لا يجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين
ولأن نقل شهادة الأصل من الحقوق فهما لو شهدا
بحق ثم شهدا بحق آخر فتقبل وقوله رجلان وقع
اتفاقا لأنه يجوز أن يشهد عليها رجل وامرأتان
لتمام النصاب وكذا لا يشترط أن يكون المشهود
على شهادته رجلا لأن للمرأة أيضا أن تشهد على
شهادتهما رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط أن
يشهد على شهادة كل امرأة نصاب الشهادة كذا ذكر
الشارح وقد توهم المقدسي في الحاوي أنه قيد
احترازي فقال: ولا تقبل شهادة النساء على
الشهادة ا هـ. وهو غلط أطلق الرجلين فشمل
شهادة الابن على شهادة الأب فإنها جائزة وعلى
قضائه لا يجوز كذا في الخلاصة وصحيح في خزانة
المفتين وفي البزازية الجواز على قضائه أيضا
وفي كافي الحاكم وإن شهد كافران على شهادة
مسلمين لكافر على كافر بحق لم تجز وكذا لو شهد
كافران على قضاء قاض لكافر أو لمسلم على كافر
ولو شهد مسلمان على شهادة كافر جازت الشهادة ا
هـ.
"قوله لا شهادة واحد على شهادة واحد" أي لا
تقبل أطلق في الواحد الثاني فشمل المرأة لما
قدمناه أنه لا بد من نصاب الشهادة على
شهادتهما والمراد من الواحد الأول ما كان أقل
من نصاب الشهادة فلذا قال في الخزانة: ولو أن
عشرة نسوة شهدن على شهادة واحد أو على شهادة
امرأتين أو على شهادة امرأة لا يقبل الحاكم
ذلك حتى يشهد معهن رجل ا هـ. وأشار إلى أنه لو
شهد النصاب على شهادة واحد لم يقض فلو شهد
عشرة على شهادة واحد تقبل ولكن لا يقضى حتى
يشهد شاهد آخر- لأن الثابت بشهادتهم شهادة
واحد كذا في الخزانة وفي البزازية معزيا إلى
الأصل شهدا على رجل وأحدهما في شهادة فرع عن
آخر ثم شهد هذا بعد نقل شهادة الأصل على شهادة
نفسه لا تقبل لأدائه إلى أن يثبت بشهادة واحد
ثلاثة أرباع الحق وأنه خلاف وضع الشهادة ولو
شهد واحد على شهادة نفسه وآخران على شهادة
غيره يصح ا هـ.
"قوله والإشهاد أن يقول: أشهد على شهادتي أني
أشهد أن فلانا أقر عندي بكذا" لأن الفرع
كالنائب عنه فلا بد من التحميل والتوكيل ولا
بد أن يشهد عند القاضي لينقله إلى مجلس القاضي
ولم يذكر المؤلف بعد قوله أقر عندي بكذا
وأشهدني على نفسه لأنه ليس بشرط لأن
ج / 7 ص -174-
وأداء الفرع أن يقول: أشهد أن فلانا أشهدني
على شهادته أن فلانا أقر عندي بكذا وقال لي:
اشهد على شهادتي بكذا, ولا شهادة للفرع إلا
بموت أصله أو مرضه أو سفره
_____________
من سمع إقرار غيره حل له الشهادة وإن لم يقل
له اشهد كما قدمناه وإنما قالوا: الفرع
كالنائب ولم يجعلوه نائبا لما قدمناه من أن له
أن يقضي بشهادة أصل وفرعين عن أصل آخر ولو كان
الفرع نائبا حقيقة لما جاز الجمع بين الأصل
والخلف كذا في النهاية وقد يقال: إنه فرع عمن
تعذر حضوره لا عن الأصل الحاضر فلا يضر الجمع
لو جعل نائبا حقيقة إذ هو جمع بين أصل وفرع
أصل آخر قيد بقوله له اشهد لأنه لو لم يقل له
اشهد لم يسعه أن يشهد على شهادته وإن سمعها
منه لما قدمناه وقيد بقوله على شهادتي لأنه لو
قال: أشهد علي بذلك لم تجز له الشهادة لأنه
لفظ يحتمل لاحتمال أن يكون الإشهاد على نفس
الحق المشهود به فيكون أمرا بالكذب وقيد بعلي
لأنه لو قال: بشهادتي لم تجز له لاحتمال أن
يكون أمرا بأن يشهد مثل شهادته بالكذب وقيد
بالشهادة على الشهادة لأن الشهادة بقضاء
القاضي صحيح وإن لم يشهدهما القاضي عليه وذكر
في الخلاصة اختلافا بين أبي حنيفة وأبي يوسف
فيما إذا سمعاه في غير مجلس القضاء فجوزه أبو
حنيفة وهو الأقيس ومنعه أبو يوسف وهو الأحوط ا
هـ. وأشار بعدم اشتراط قبوله إلى أن سكوت
الفرع عند تحميله يكفي لكن لو قال: لا أقبل
قال في القنية: ينبغي أن لا يصير شاهدا حتى لو
شهد بعد ذلك لا تقبل ا هـ. وفي الحاوي القدسي
ولا ينبغي أن يشهد الشاهد على شهادة من ليس
بعدل عنده ا هـ.
"قوله وأداء الفرع أن يقول: أشهد أن فلانا
أشهدني على شهادته أن فلانا أقر عندي بكذا
وقال لي: اشهد على شهادتي بكذا" لأنه لا بد من
شهادته وذكره في شهادة الأصل وذكر التحميل وهو
الأوسط وفيه خمس شينات ولها لفظ أطول من هذا
فيه ثمان شينات وأقصر منه أربع شينات بذكر
أمرني فلان أن أشهد بإسقاط أشهدني وأقصر من
الكل ما فيه شينان بأن يقول: أشهد على شهادة
فلان بكذا ذكره محمد في السير الكبير وهو
اختيار الفقيه أبي الليث وأبي جعفر وشمس
الأئمة السرخسي وهو أسهل وأيسر وأقصر وروي أن
أبا جعفر كان يخالفه فيه علماء عصره فأخرج لهم
الرواية من السير فانقادوا إليه وقوله فلان
تمثيل وإلا فلا بد من بيان شاهد الأصل لما في
الصغرى شهود الفرع يجب أن يذكروا أسماء الأصول
وأسماء آبائهم وأجدادهم حتى لو قالا: نشهد أن
رجلين نعرفهما أشهدانا على شهادتهما أنهما
يشهدان بكذا وقالا: لا نسميهما أو لا نعرف
أسماءهما لم تقبل لأنهما تحملا مجازفة لا عن
معرفة ا هـ. والله أعلم.
"قوله ولا شهادة للفرع إلا بموت أصله أو مرضه
أو سفره" لأن جوازها عند الحاجة
ج / 7 ص -175-
فإن عدلهم الفروع صح
___________
وإنما تمس عند عجز الأصل وبهذه الأشياء يتحقق
العجز به وإنما اعتبرنا السفر لأن العجز بعد
المسافة ومدة السفر بعيدة حكما حتى أدير عليها
عدة من الأحكام فكذا سبيل هذا الحكم وعن أبي
يوسف إن كان في مكان لو غدا إلى أداء الشهادة
لا يستطيع أن يبيت في أهله صح الإشهاد إحياء
لحقوق الناس قالوا: الأول أحسن وهو ظاهر
الرواية كما في الحاوي والثاني أرفق وبه أخذ
الفقيه أبو الليث وكثير من المشايخ وقال فخر
الإسلام: إنه حسن وفي السراجية وعليه الفتوى
وعن محمد إنه يجوز كيفما كان حتى روي عنه أنه
إذا كان الأصل في زاوية المسجد فشهد الفرع على
شهادته في زاوية أخرى من ذلك المسجد تقبل
شهادتهم ودل كلام المصنف أن السلطان والأمير
لا يجوز إشهادهما في البلد وهي في القنية
وظاهر كلامه الحصر في الثلاثة وليس كذلك فقد
صرح في القنية بأن الأصل إذا كانت امرأة مخدرة
يجوز إشهادها على شهادتهما وهي التي لا تخالط
الرجال ولو خرجت لقضاء حاجة أو للحمام. ا هـ.
وفي السراج الوهاج إذا كان شاهد الأصل محبوسا
في المصر فأشهد على شهادته هل يجوز للفرع أن
يشهد على شهادته وإذا شهد عند القاضي هل يحكم
بها قال في الذخيرة: اختلف فيه مشايخ زماننا
قال: بعضهم إن كان محبوسا في سجن هذا القاضي
لا يجوز لأن القاضي يخرجه من سجنه حتى يشهد ثم
يعيده إلى السجن وإن كان في سجن الوالي ولا
يمكنه الخروج للشهادة يجوز ا هـ.
وأطلق في التهذيب جوازها بحبس الأصل وقيد
شهادة الفرع أي عند القاضي لأن وقت التحمل لا
يشترط له أن يكون بالأصول عذر لما في خزانة
المفتين والإشهاد على شهادة نفسه يجوز وإن لم
يكن بالأصول عذر حتى لو حل بهم العذر من مرض
أو سفر أو موت يشهد الفروع ا هـ. وأطلق في
مرضه وقيد في الهداية بأن لا يستطيع الحضور
إلى مجلس القاضي وفي شرح المجمع للمصنف المرض
الذي لا يتعذر معه الحضور لا يكون عذرا. ا هـ.
وظاهر قوله أو سفره أنه يجوز بمجرد سفر الأصل
بأن يجاوز بيوت مصره قاصدا ثلاثة أيام
ولياليها وإن لم يسافر ثلاثا وظاهر كلام
المشايخ أنه لا بد من غيبة الأصل ثلاثة أيام
ولياليها كما أفصح به في الخانية.
"قوله فإن عدلهم الفروع صح" أي قبل تعديلهم
لأنهم من أهله وفي الصغرى وهو ظاهر الرواية
وهو الصحيح لأن الفرع نائب ناقل عبارة الأصل
إلى مجلس القاضي فبالنقل ينتهي حكم النيابة
فيصير أجنبيا فيصح تعديله. ا هـ. والمراد أن
الفروع معروفون بالعدالة عند القاضي فعدلوا
الأصول وإن لم يعرفهم بها فلا بد من تعديلهم
وتعديل أصولهم وأشار
ج / 7 ص -176-
وإلا عدلوا, وتبطل شهادة الفروع بإنكار الأصل
الشهادة
______________
المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن أحد الشاهدين
لو عدل صاحبه وهو معروف بالعدالة عند القاضي
فإنه يجوز لأن العدل لا يتهم بمثله واختاره في
الهداية ونقل فيه قولين في النهاية. والحاصل
كما في الخانية أن القاضي إن عرف الأصول
والفروع بالعدالة قضى بشهادتهم وإن عرف أحدهما
دون الآخر سأل عمن لم يعرفه وإذا شهد الفروع
على شهادة أصل فردت شهادته لفسق الأصل لا تقبل
شهادة أحدهما بعد ذلك ا هـ.
"قوله وإلا عدلوا" أي إن لم يعدلهم الفروع ولم
يعرفهم القاضي بالعدالة سأل عنهم وهذا عند أبي
يوسف وقال محمد: لا تقبل لأنه لا شهادة إلا
بالعدالة فإذا لم يعرفوها لم ينقلوا الشهادة
فلا تقبل ولأبي يوسف أن الواجب عليهم النقل
دون التعديل لأنه قد يخفى عليهم وإذا نقلوا
يتعرف القاضي العدالة كما إذا حضروا بأنفسهم
وشهدوا كذلك في الهداية والكافي وظاهره أنه
يجوز للفرع التحمل والأداء وإن لم يعرف عدالة
الأصل وفي خزانة المفتين الفرع إذا لم يعرف
الأصل بعدالة ولا غيرها فهو مسيئ في الشهادة
على شهادته بتركه الاحتياط. ا هـ. وقالوا
الإساءة أفحش من الكراهة وقوله وإلا صادق بصور
الأولى أن يسكتوا وهو المراد هنا كما أفصح به
في الهداية الثانية أن يقول الفروع للقاضي بعد
السؤال لا نخبرك فجعله في الخانية على الخلاف
بين الشيخين فقولهما لا نخبرك بمنزلة قولهما
لا نعرف الأصل أعدل أم لا وذكر الخصاف أن عدم
القبول جواب ظاهر الرواية كما ذكره القاضي
الإمام علي السغدي في شرح أدب القاضي1 وذكر
الحلواني أن القاضي يقبل شهادتهما ويسأل عن
الأصل وهو الصحيح لأن الأصل بقي مستورا ووجه
المشهور أن قولهما لا نخبرك جرح للأصول
واستشهد الخصاف فقال: ألا ترى أنهما لو شهدا
عند القاضي على شهادة رجل وقالا للقاضي: إنا
نتهمه في الشهادة فلم يقبل القاضي شهادتهما
على شهادته فكذا إذا قال: لا نخبرك ووجه رواية
أبي يوسف أن هذا يحتمل أن يكون جرحا ويحتمل أن
يكون توقفا فلا يثبت الجرح بالشك كذا في
الفتاوى الصغرى الثالثة أن يقول الفرع للقاضي:
إنا نتهمه في الشهادة فإن القاضي لا يقبله كذا
في الخانية وهو ما قدمناه من شاهد الخصاف.
"قوله وتبطل شهادة الفروع بإنكار الأصل
الشهادة" أي الشهادة بأن قالوا لم نشهدهمعلى
شهادتنا فماتوالا وغابوا ثم شهد الفروع لم
تقبل, لأن التحميل لم يثبت للتعارض ببين
الخبرين وهو شرط قيد بالإنكار, لأنهم لو سئلوا
فسكتوا لم يبطل الإشهاد كذا في الخلاصة وفيها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للإمام علي بن الحسن السغدي المتوفي سنة
إحدى وستين وأربعمائة شرح فيه أدب القاضي على
مذهب أبي حنيفة للإمام أبي يوسف. ا هـ كشف
الظنون "1/46".
ج / 7 ص -177-
ولو شهدا على شهادة رجلين على فلانة بنت فلان
الفلانية بألف وقالا: أخبرانا أنهما يعرفانها
فجاء بامرأة فقالا لا ندري أهي هذه أم لا؟ قيل
للمدعي: هات شاهدين أنها فلانة
____________
وعزوا إلى الجامع الكببير إذا شهدا على شهادة
رجلين أنه أعتق عبده, ولم يقض بشهادتهما حتى
حضر الأصلان ونهيا الفروع عن الشهادة صح النهي
عند عامة المشايخ, وقال بعضهم لا يصح والأول
أظهر ا هـ. وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى
أن المروي عنه إذا أنكر الرواية بطلت الرواية
كذا في الخلاصة, وهي مسألة الأصول, واستشكل في
فتح القدير عمل المشايخ بالمسائل التي أنكرها
أبو يوسف على محمد حين عرض عليه الجامع
الصغير, وقدمنا في الصلاة, وذكرنا في شرح
المنار وفي الخلاصة نهاه عن الرواية وسعه
الرواية عنه ا هـ. فعلا هذا يفرقببين الشهادة
والرواية على قول العامة, مما يبطل الإشهاد
خروج الأصل عن أهلية الشهادة لما في خزانة
المفتين وإذا خرس الأصلان أو فسقا أو عميا,
وارتدا أو جنا لم تجز شهادة الفروع ا هـ. ومما
يبطله أيضا حضور الأصل قبل القضاء لا يقضي
بشهادة الفروع ا هـ. وظاهر قوله: لا يقضى دون
ان يقول بطل الإشهاد أن الأصل لو غابوا بعد
ذلك قضى بشهادتهم, وذكر في كتاب القاضي إلى
القاضي إذا كتب للمدعي كتابا, ثم حضر بلد
المكتوب إليه قبل أن يقضي المكتوب إليه بكتابه
لا يقضي بكتابهلا كما لو حضر شاهد الأصل ا هـ.
وفي اليتيمة سئل الخجندي عن قاض قضى لرجل يملك
الأرض بشهادة الفروع, ثم جاء الأصل هل يبطل
الفروع, فقال هذا مختلف بين أصحابنا, فمن قال
إن القضاء يقع بشهادة الأصول يبطل, ومن قال
القضاء يقع بشهادة الفروع لا يبطل ا هـ. وهذا
الاختلاف عجيب. فإن القضاء كيف يبطل بحضورهم
فالظاهر عدمه.
"قوله ولو شهدا على شهادة رجلين على فلانة بنت
فلان الفلانية بألف وقالا: أخبرانا أنهما
يعرفانها فجاء بامرأة فقالا لا ندري أهي هذه
أم لا؟ قيل للمدعي: هات شاهدين أنها فلانة"
لأن الشهادة على المعرفة بالنسبة قد تحققت
والمدعي يدعي الحق على الحاضرة فلعلها غيرها
فلا بد من تعريفها بتلك النسبة نظير هذا إذا
تحملوا الشهادة ببيع محدود بذكر حدودها وشهدوا
على المشتري لا بد من آخرين يشهدان على أن
المحدود بها في يد المدعى عليه وكذا إن أنكر
المدعى عليه أن الحدود المذكورة في الشهادة
حدود ما في يديه وأشار المؤلف رحمه الله تعالى
بقوله على فلانة إلى آخره إلى أنه يشترط في
الإشهاد الإعلام بأقصى ما يمكن ولذا قال في
الخانية رجل أشهد رجلا على شهادته فإن كان
الذي له المال والذي عليه المال حاضرين عند
الإشهاد بقوله أشهد أن فلان بن فلان هذا أقر
عندي أن لفلان بن فلان هذا عليه ألف درهم كان
الإشهاد
ج / 7 ص -178-
وكذا كتاب القاضي إلى القاضي, وإن قالا فيهما
التميمية لم يجز حتى ينسباها إلى فخذها
____________
صحيحا وإن كانا غائبين أو أحدهما حاضر والآخر
غائب أو ميت ينبغي له أن ينسب الغائب منهما أو
الميت منهما إلى أبيه وجده وقبيلته وما يعرف
به لأن مجلس الإشهاد بمنزلة مجلس القضاء فكما
يشترط في أداء الشهادة الإعلام بأقصى الإمكان
يشترط في الإشهاد ا هـ. وفي البزازية وفي طلاق
شيخ الإسلام أقر أن عليه لفلان ابن فلان
الفلاني كذا فجاء رجل بهذا الاسم وادعاه وقال:
أردت به رجلا آخر مسمى بذلك صدق قضاء ولا يقضى
عليه بالمال ا هـ.
وفي وصايا الخانية قال المريض لرجل: علي ألف
درهم يعطى المال كله للورثة ولا يوقف شيء ولو
قال لمحمد: علي ألف درهم دين ولا يعرف محمد
يوقف مقدار الدين ا هـ. وفي المصباح فلان
وفلانة بدون ألف ولام كناية عن الأناسي وبهما
كناية عن البهائم يقال: ركبت الفلانة وحلبت
الفلانة.
"قوله وكذا كتاب القاضي إلى القاضي" لأنه في
معنى الشهادة على الشهادة إلا أن القاضي لكمال
ديانته ووفور ولايته ينفرد بالنقل ولم يذكر
المؤلف رحمه الله تعالى جواب المدعى عليه ولا
بد منه فإنه إن قال: لست أنا فلان بن فلان
الفلاني كان البيان على المدعي وأنه أقر أنه
فلان بن فلان وادعى الاشتراك في الاسم والنسب
كان البيان على المدعى عليه. ولذا قال في
الخانية القاضي إذا كتب كتابا وكتب في كتابه
اسم المدعى عليه ونسبه على وجه الكمال فقال:
المدعى عليه: لست أنا فلان بن فلان الفلاني
والقاضي المكتوب إليه لا يعرفه يقول القاضي
للمدعي: أقم البينة أنه فلان بن فلان فإن قال
المدعى عليه: أنا فلان بن فلان بن فلان وفي
هذا الحي أو الفخذ أو في هذه الحارة أو في هذه
البلدة رجل غيري بهذا الاسم يقول له القاضي
أثبت ذلك تندفع عنه الخصومة كما لو علم القاضي
بمشارك له في الاسم والنسب لأن حال وجود
الشريك في الاسم والنسب لا يتعين هو للكتاب
وإن لم يثبت ذلك يكون خصما وإن أقام المدعي
البينة أنه كان باسمه ونسبه رجل آخر ومات ذلك
لا يقبل قوله لأنه لا حق له في إثبات حياة ذلك
الميت وإن كان يعلم ما قاله: المدعى عليه فإن
كان يعلم بموت ذلك الرجل بعد تاريخ الكتاب لا
يقبل كتاب القاضي وإن كان قبل ذلك وكذا لو كان
لا يدري وقت موت ذلك الرجل ا هـ.
"قوله وإن قالا فيهما التميمية لم يجز حتى
ينسباها إلى فخذها" لأن التعريف لا يحصل
بالنسبة العامة وهي عامة إلى بني تميم لأنهم
قوم لا يحصون ويحصل بالنسبة إلى الفخذ لأنها
خاصة وفسر في الهداية الفخذ بالقبيلة الخاصة
وفي الشرح بالجد الأعلى.
وفي المصباح الفخذ بالكسر وبالسكون للتخفيف
دون القبيلة وفوق البطن وقيل: دون
ج / 7 ص -179-
.......................
___________
البطن وفوق الفصيلة وهو مذكر لأنه بمعنى النفر
والفخذ من الأعضاء مؤنثة والجمع فيها أفخاذ ا
هـ.
وفي المصباح الفخذ آخر القبائل أولها الشعب ثم
القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم
الفخذ وقال في غيره: الفصيلة بعد الفخذ فالشعب
بفتح الشين يجمع القبائل والقبائل تجمع
العمائر والعمارة بكسر العين تجمع البطون
والبطن يجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل.
وفي القاموس الفخذ ككتف ما بين الورك والساق
وحي الرجل إذا كان من أقرب عشيرتها ا هـ. وذكر
الزمخشري أن العرب على ست طبقات شعب وقبيلة
وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة فمضر شعب وكذا ربيعة
ومذحج وحمير وسميت شعوبا لأن القبائل تتشعب
منها وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم
فخذ والعباس فصيلة فعلى هذا لا يجوز الاكتفاء
بالفخذ ما لم ينسبها إلى الفصيلة لأنها دونها
ولذا قال: الله تعالى
{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] ومنهم من ذكر بعد الفصيلة العشيرة وتمامه في فصل
الكفاءة من النكاح. والحاصل أن التعريف
بالإشارة إلى الحاضر وفي الغائب لا بد من ذكر
الاسم والنسب والنسبة إلى الأب لا تكفي عند
الإمام ومحمد ولا بد من ذكر الجد خلافا للثاني
فإن لم ينسب إلى الجد ونسبه إلى الفخذ الأب
الأعلى كتميمي وبخاري لا يكفي وإن إلى الحرفة
- لا إلى القبيلة والجد لا يكفي عند الإمام
وعندهما إن كان معروفا بالصناعة يكفي وإن
نسبها إلى زوجها يكفي والمقصود الإعلام ولو
كتب إلى فلان بن فلان الفلاني على فلان السندي
عبد فلان بن فلان الفلاني كفى اتفاقا لأنه ذكر
تمام التعريف ولو ذكر اسم المولى واسم أبيه لا
غير ذكر السرخسي أنه لا يكفي وذكر شيخ الإسلام
أنه يكفي وبه يفتى لحصول التعريف بذكر ثلاثة
العبد والمولى وأبوه وإن ذكر اسم العبد
والمولى إن نسب إلى قبيلة الخاص لا يكفي على
ما ذكره السرخسي ويكفي على ما ذكره شيخ
الإسلام لوجوه ثلاثة وإن لم يذكر قبيلته الخاص
لا يكفي وإن ذكر اسم العبد ومولاه ونسب العبد
إلى مولاه ذكر شيخ الإسلام أنه يكفي وبه أفتى
الصدر لأنه وجد ثلاثة أشياء وشرط الحاكم في
المختصر للتعريف ثلاثة أشياء الاسم والنسبة
إلى الأب والنسبة إلى الجد أو الفخذ أو
الصناعة. والصحيح أن النسبة إلى الجد لا بد
منه وإن كان معروفا بالاسم المجرد مشهورا
كشهرة الإمام أبي حنيفة يكفي ولا حاجة إلى ذكر
الأب والجد وفي الدار كدار الخلافة وإن مشهورة
لا بد من ذكر الحدود عنده وعندهما هي كالرجل
ولو كنى بلا تسمية لم تقبل إلا إذا كان مشهورا
كالإمام ولو كتب من ابن فلان إلى فلان لم يجز
إلا إن اشتهر كابن أبي ليلى ولو كتب إلى أبي
فلان لم يجز لأن الجزء ينسب إلى الكل لا العكس
كذا في البزازية
ج / 7 ص -180-
ومن أقر أنه شهد زورا يشهر ولا يعزر
______________
ثم قال: ويشترط نظر وجهها في التعريف وإن أراد
ذكر حليتها يترك موضع الحلية حتى يكون القاضي
هو الذي يكتب الحلية أو يملي الكاتب لأنه إن
حلاها الكاتب لا يجد القاضي بدا من أن ينظر
إليها فيكون فيه نظر رجلين وفيما ذكرنا نظر
رجل واحد فكان أولى وهل يشترط شهادة الزائد
على عدلين في أنها فلانة بنت فلان أم لا قال
الإمام: لا بد من شهادة جماعة على أنها فلانة
بنت فلان وقالا: شهادة عدلين تكفي وعليه
الفتوى لأنه أيسر ا هـ. وهو ظاهر إلا قوله إن
النسبة إلى الفخذ لا تكفي عن الجد ففي الهداية
ثم التعريف وإن كان يتم بذكر الجد عند أبي
حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف على ظاهر الرواية
فذكر الفخذ يقوم مقام الجد لأنه اسم الجد
الأعلى فنزل منزلة الجد الأدنى. ا هـ. وكذا
تمثيله في البزازية للفخذ بتميمي غير صحيح لما
علمته آنفا وفي خزانة المفتين ولو ذكر لقبه
واسمه واسم أبيه قيل: يكفي والصحيح أنه لا
يكفي فإذا قضى قاض بدون ذكر الجد ينفذ وفي
فتاوى قاضي خان وإن حصل التعريف باسمه واسم
أبيه ولقبه لا يحتاج إلى ذكر الجد وإن كان لا
يحصل إلا بذكر الجد لا يكفي والمدينة والقرية
والكورة ليست بسبب للتعريف ولا تقع المعرفة
بالإضافة إليها وإن دامت فإذا كان الرجل يعرف
باسمه واسم أبيه وجده لا يحتاج إلى اللقب وإن
كان لا يحصل إلا بذكر اللقب بأن كان يشاركه في
المصر غيره في ذلك الاسم واللقب كما في أحمد
بن محمد بن عمر فهذا لا يقع التعريف به لأن في
ذلك المصر يشاركه غيره فالحاصل أن المعتبر
إنما هو حاصل المعرفة وارتفاع الاشتراك ا هـ.
وفي إيضاح الإصلاح وفي العجم ذكر الصناعة
بمنزلة الفخذ لأنهم ضيعوا أنسابهم.
"قوله ومن أقر أنه شهد زورا يشهر ولا يعزر" أي
لا يضرب وقالا يضرب ويحبس لأن عمر رضي الله
تعالى عنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم
وجهه1 ولأن هذه كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد
وليس فيها حد مقدر فيعزر وله أن شريحا كان
يشهره ولا يضربه ولأن الانزجار يحصل بالتشهير
فيكتفى به والضرب وإن كان مبالغة في الزجر
ولكنه يقع مانعا عن الرجوع فوجب التخفيف نظرا
إلى هذا الوجه وحديث عمر رضي الله عنه محمول
على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين
والتسخيم وفي السراجية الفتوى على قوله ورجح
في فتح القدير قولهما وقال: إنه الحق أطلق من
أقر فشمل الرجل والمرأة قال: في كافي الحاكم
والرجال -. والنساء في شهادة الزور سواء وقيد
بإقراره لأنه لا يحكم به إلا بإقراره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأثر: ذكره الزيلعي في "نصب الراية" "4/88"
واخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" "6/543" سخم
وجهه: أي سوده بالسخام وهو سواد القدر. ا هـ
"المصباح" مادة /سخم.
ج / 7 ص -181-
...................................
____________
وزاد شيخ الإسلام أن يشهد بموت واحد فيجيء حيا
كذا في فتح القدير وظاهر أنه يشهر أيضا فيه
وخرج ما إذا ردت شهادته لتهمته أو لمخالفته
بين الشهادة والدعوى أو بين شهادتين فإنه لا
يعزر لأنا ندري من هو الكاذب منهم المشهود له
أو الشاهدان أو أحدهما وقد يكذب المدعي لينسب
الشاهد إلى الكذب ولا يمكن إثباته بالبينة
لأنه من باب النفي والبينة حجة الإثبات في
إقراره على نفسه فيقبل إقراره ويجب عليه موجبه
من الضمان أو التعزير ذكره الشارح وبه علم أنه
لا يمكن إثبات الزور بالبينة وفي كافي الحاكم
ومن التهاتر أن يشهدا أن هذا الشيء لم يكن
لفلان فهذا مما لا يقبل وكذا لو شهدا أنه لم
يكن لفلان على فلان دين ومن شهد أن هذا لم يكن
فقد شهد بالباطل والحاكم يعلم أنه كاذب. ا هـ.
وظاهره أنه من قبيل الزور فيعزر فعلى هذا يعزر
بإقراره أو بتيقن كذبه وإنما لم يذكره المؤلف
إما لندرته وإما لأنه لا محيص له أن يقول كذبت
أو ظننت ذلك أو سمعت ذلك فشهدت وهما بمعنى
كذبت لإقراره بالشهادة بغير علم فجعل كأنه
قال: ذلك كذا في البناية وجعل في إيضاح
الإصلاح نظير مسألة ظهوره حيا بعد الشهادة
بموته أو قتله ما إذا شهدوا برؤية الهلال فمضى
ثلاثون يوما وليس في السماء علة ولم يروا
الهلال. والزور في اللغة الكذب كما في
المصباح.
وفي القاموس الزور بالضم الكذب والشرك بالله
تعالى وأعياد اليهود والنصارى والرئيس ومجلس
الغناء وما يعبد من دون الله تعالى والقوة
وهذه وفاق بين لغة العرب والفرس ونهر يصب في
دجلة والرأي والعقل والباطل إلى آخره وذكر
القاضي في تفسير قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}
[الفرقان: 72] لا يقيمون الشهادة الباطلة أو
لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة
فيه ا هـ. وعند الفقهاء الشهادة الباطلة عمدا
وفي فتح القدير ولو قال: غلطت أو ظننت ذلك
قيل: هما بمعنى كذبت لإقراره بالشهادة بغير
علم ا هـ. ويخالفه ما ذكره الشارح فإنه جعلهما
كنسيت فلا تعزير وهو الظاهر والتشهير في اللغة
من شهره بالتشديد رفعه على الناس كما في
القاموس أو أبرزه كما في المصباح وعند الفقهاء
كما في الهداية ما نقل عن شريح أنه كان يبعثه
إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى قومه إن كان غير
سوقي بعد العصر أجمع ما كانوا أو يقول: إن
شريحا يقرئكم السلام ويقول: إنا وجدنا هذا
شاهد الزور فاحذروه وحذروه الناس ا هـ. وبعثه
مع أعوانه أعم من أن يكون ماشيا أو راكبا ولو
على بقرة كما يفعل الآن وأما التسخيم فقال في
المصباح السخام وزان غراب سواد القدر وسخم
الرجل وجهه سوده بالسخام وسخم الله وجهه كناية
عن المقت والغضب ا هـ. وقدمنا في دليلهما أن
عمر رضي الله عنه سخم وجهه وأن الإمام حمله
على السياسة وهو تأويل شمس
ج / 7 ص -182-
_______________
الأئمة وأوله شيخ الإسلام بالتخجيل بالتفضيح
والتشهير فإن الخجل يسمى سوادا مجازا قال الله
تعالى
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى
ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} [النحل: 58] كذا في البناية وظاهر كلامهم أن للقاضي أن يسخم وجهه
إذا رآه سياسة وفي فتح القدير معزيا إلى
المغني ولا يسخم وجهه بالخاء والحاء وإنما فسر
قوله لا يعزر بلا يضرب لأن التشهير تعزير.
والحاصل الاتفاق على تعزيره غير أنه اكتفى
بتشهير حاله في الأسواق وقد يكون ذلك أشد من
ضربه خفية وهما أضافا إلى ذلك الضرب كما في
فتح القدير.
وأطلق في تشهيره فشمل الأحوال كلها وقيده
الإمام الحاكم أبو محمد الكاتب بأن لا يعلم
رجوعه بأي سبب كان فهو على الاختلاف أما إن
رجع تائبا نادما لم يعزر إجماعا وإن رجع مصرا
على ما كان فإنه يعزر إجماعا أي يضرب وذكر شمس
الأئمة أن التشهير قولهما أيضا فهما يقولان
بالتشهير والضرب والحبس والكل مفوض إلى رأي
القاضي واختلفوا في قبول شهادته إذا تاب
قالوا: إن كان فاسقا تقبل لأن الحامل له عليها
فسقه فإن تاب وظهر صلاحه تقبل لزوال الفسق وإن
كان عدلا أو مستورا لا تقبل أبدا وعن أبي يوسف
قبولها وبه يفتى واختلفوا في مقدار مدة توبته
والصحيح التفويض إلى رأي القاضي ا هـ. والله
أعلم.
ج / 7 ص -183-
ولا يصح الرجوع إلا عند القاضي
_________________
مرغوب فيه ديانة لأن فيه خلاصا من عقاب
الكبيرة ا هـ. وذكر الشارح أن شهادة الزور
وكتمان الشهادة بالحق سواء فإذا شهد بزور عمدا
أو خطأ أوجبت عليه التوبة وهي لا تصح إلا عند
الحاكم ولا يمنعه عنها الاستحياء من المخلوقين
وفيه تدارك ما أتلف بالزور ا هـ. السادس في
حكمه وهو شيئان: أحدهما يرجع إلى ماله والآخر
إلى نفسه فالأول وجوب الضمان ويحتاج إلى بيان
ثلاثة سببه وشرائطه ومقداره فسببه إتلاف المال
أو النفس بها فإن وقعت إتلافا انعقدت سببا
لوجوب الضمان وإلا فلا تنزيلا للسبب منزلة
المباشرة وسيأتي بيانه مفصلا وشرطه كونه بعد
القضاء ومجلس القضاء وكون المتلف بها عينا فلا
ضمان لو رجع عن منفعة كالنكاح بعد الدخول
ومنفعة دار شهدا على المؤجر للمستأجر بإجارتها
بأقل من أجر مثلها ثم رجعا وأن يكون الإتلاف
بغير عوض لأنه بعوض إتلاف صورة لا معنى وقدر
الواجب على قدر الإتلاف لأنه السبب والحكم
يتقدر بقدر العلة وأما ما يرجع إلى نفيه
فنوعان: وجوب الحد في شهادة الزنا سواء كان
قبل القضاء أو بعده للقذف منهم ولو بعد
الإمضاء رجما كان أو جلدا خلافا لزفر في الرجم
ووجوب الضمان وهو الدية عليهم إن رجعوا بعد
الرجم لا بعد الجلد وإن مات منه والثاني وجوب
التعزير عليه سوى شهادة الزنا إن تعمد الشهادة
بالزور فظهر عند القاضي بإقراره كذا في
البدائع فلا ضمان لو أتلفا حقا من الحقوق
كالعفو عن القصاص لو شهدا به ثم رجعا أو
الرجعة أو تسليم الشفعة أو إسقاط خيار من
الخيارات كذا في النتف ولا فرق في وجوب
التعزير بين كونه قبل القضاء أو بعده وفي فتح
القدير ولا يخلو عن نظر لأن الرجوع ظاهر في
أنه توبة عن تعمد الزور إن تعمده والتهور
والعجلة إن كان أخطأ فيه ولا تعزير على التوبة
ولا عن ذنب ارتفع بها وليس فيه حد مقدر ا هـ
قلت: إن رجوعه قد يكون لقصد إتلاف الحق ولجواز
كون المشهود عليه غره بمال لا لما ذكره ولكنه
خاص بما قبل القضاء وأما بعده فقد يظن بجهله
أنه إتلاف على المشهود له مع أنه إتلاف لماله
بالغرامة.
"قوله ولا يصح الرجوع إلا عند القاضي" لأنه
فسخ للشهادة فيختص بما يختص به الشهادة من
مجلس القاضي ولأن الرجوع توبة وهي على حسب
الجناية فالسر بالسر والإعلان بالإعلان أطلقه
فشمل القاضي المشهود عنده وغيره فإذا لم يصح
الرجوع عند غير القاضي ولو شرطيا كما في فتح
القدير وادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد
يمينهما لا يحلفان وكذا لا تقبل بينته عليهما
لأنه ادعى رجوعا باطلا حتى لو أقام بينة أنه
رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل لأن السبب
صحيح ولو أقر عند القاضي أنه رجع عند غير
القاضي
ج / 7 ص -184-
فإن رجعا قبل حكمه لم يقض بها, وبعده لا ينقض
________________
فإنه صحيح وإن أقر برجوع باطل لأنه يجعل إنشاء
للحال وفي خزانة المفتين إذا رجعا عن شهادتهما
وأشهدا بمال على أنفسهما لأجل الرجوع ثم جحدا
ذلك فشهد عليهم الشهود بالمال من قبل الرجوع
والضمان لا تقبل إذا تصادقا عند القاضي أن
الإقرار بهذا السبب فالقاضي لا يلزمهما الضمان
وفي المحيط ولو ادعى رجوعهما عند القاضي ولم
يدع القضاء بالرجوع والضمان لا تسمع منه
البينة ولا يحلف عليه لأن الرجوع لا يصح ولا
يصير موجبا للضمان إلا باتصال القضاء به
كالشهادة ا هـ.
"قوله فإن رجعا قبل حكمه لم يقض بها" لأن الحق
إنما يثبت بالقضاء والقاضي لا يقضي بكلام
متناقض وقدمناه أنه يعزر قبل الحكم أيضا أطلقه
فشمل ما لو رجعا عن بعضها كما لو شهدا بدار
وبنائها أو بأتان وولدها ثم رجعا في البناء
والولد لم يقض بالأصل كما في جامع الفصولين
معللا بأن الشاهد فسق نفسه وشهادة الفاسق ترد
وفي منية المفتي شهدا على رجل فلم يقض
بشهادتهما حتى شهد رجلان عليهما أنهما رجعا عن
تلك الشهادة فإن كان اللذان أخبرا عنهما
بالرجوع يعرفهما القاضي يعدلهما وقف الأمر ولم
ينفذ شهادتهما شهدا أنه سرق من هذا ثم قالا
غلطنا أو وهمنا بل سرق من هذا لم يقض بها أصلا
لأنهما أقرا بالغفلة شهد الرجل ثم زاد فيها
قبل القضاء بها أو بعده وقالا: أوهمنا إن كانا
عدلين غير متهمين قبل ذلك منهما ا هـ.
وشمل ما إذا شهدا بطلاقها ثم تزوجت فرجع
أحدهما لم يفرق بينها وبين زوجها واختلفوا
فيما إذا تزوجها أحدهما ثم رجع ففي الكافي
للحاكم أن الشعبي لم يفرق بينهما وبه كان يأخذ
أبو حنيفة وقال محمد: لا يصدق على إبطال
شهادته الأولى ولكنه يصدق في حق نفسه فإن كان
تزوجها فرق بينهما ورجع أبو يوسف إلى هذا
القول بعد ذلك ا هـ. وقد أفاد قوله لم ينقض أن
المشهود له وعليه يعملان بمقتضاه وإن علما أن
الشهود زور فلو شهدا عليه بالطلاق الثلاث وقضى
به ثم رجعا والزوج يعلم أنهما كاذبان لم يسعه
أن يقر بها كذا في الكافي للحاكم وقيد بالرجوع
لأنه لو ظهر أن الشاهد عبد أو محدود في قذف
يبطل القضاء ويرد المال إلى المقضي له كذا في
كافي الحاكم.
"قوله وبعده لا ينقض" أي إن رجعا بعد الحكم لم
ينقض القضاء لأن آخر كلامهم يناقض أوله فلا
ينقض الحكم بالتناقض ولأنه في الدلالة على
الصدق مثل الأول وقد ترجح الأول باتصال القضاء
به أطلقه فشمل ما إذا كان الشاهد وقت الرجوع
مثل ما شهد في العدالة أو دونه أو أفضل وهكذا
لم يقيد في أكثر الكتب متونا وشروحا وفتاوى
وفي خزانة
ج / 7 ص -185-
وضمنا ما أتلفاه للمشهود عليه إذا قبض المدعي
المال
_________________
المفتين معزيا إلى المحيط إن كان الرجوع بعد
القضاء ينظر إلى حال الراجع فإن كان حاله عند
الرجوع أفضل من حاله وقت الشهادة في العدالة
صح رجوعه في حق نفسه وفي حق غيره حتى وجب عليه
التعزير وينقض القضاء ويرد المال على المشهود
عليه وإن كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند
الشهادة في العدالة أو دونه وجب عليه التعزير
ولا ينقض القضاء ولا يرد المشهود به على
المشهود عليه ولا يجب الضمان على الشاهد ا هـ.
وهو غير صحيح عن أهل المذهب لمخالفته ما نقلوه
من وجوب الضمان على الشاهد إذا رجع بعد الحكم
وفي هذا التفصيل عدم تضمينه مطلقا مع أنه في
نقله مناقض لأنه قال أول الباب بالضمان موافقا
للمذهب ثم كشفت المحيط للإمام رضي الله عنه
الموجود في ديارنا فوجدته وافق الجماعة من غير
تفصيل فهو وإن احتمل أن يكون في المحيط
البرهاني لكن القول به لا يصح عن المذهب فإنهم
نقلوا عدم الضمان عن الشافعي ثم رأيت بعد ذلك
في فتح القدير أن هذا قول أبي حنيفة الأول وهو
قول شيخه حماد ثم رجع عنه إلى أنه لا ينقض
القضاء ولا يرد المال على المقضي عليه على كل
حال ثم رأيته في الكافي للحاكم الشهيد.
"قوله وضمنا ما أتلفاه للمشهود عليه إذا قبض
المدعي المال" لأن التسبب على وجه التعدي سبب
الضمان كحافر البئر وقد وجد سبب الإتلاف تعديا
وقد تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي
لأنه كالملجأ إلى القضاء وفي إيجابه صرف الناس
عن تقلده وتعذر استيفاؤه من المدعي لأن الحكم
ماض فاعتبر التسبب وفي المحيط رجع الشاهدان في
المرض وعليهما دين الصحة وماتا بدئ بدين الصحة
لأن ما وجب عليهما بالرجوع في المرض دين
المريض لأنه وجب بإقرارهما في المرض ا هـ.
وإنما قيد بالقبض لأن الإتلاف به يتحقق ولأنه
لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين وقد تبع
المصنف صاحب الهداية في تقييده تبعا للإمام
السرخسي وصاحب المجمع وأصحاب الفتاوى في
إطلاقهم فقد صرح في الخلاصة والبزازية وخزانة
المفتين بالضمان بعد القضاء قبض المدعي المال
أو لا قالوا وعليه الفتوى وفي الخلاصة أنه قول
أبي حنيفة الآخر وهو قولهما. ا هـ. وظاهره أن
اشتراط القبض مرجوع عنه وفرق في المحيط بين
العين والدين فقال: شهدا بعين ثم رجعا ضمنا
قيمتها قبضها المشهود له أم لا لأن ضمان
الرجوع ضمان إتلاف مقدر وضمان الإتلاف بالمثل
إن كان المشهود به مثليا وبالقيمة إن لم يكن
مثليا وإن كان المشهود به دينا فرجع الشهود
قبل قبضه لا يضمنون وإن قبضه المشهود له ثم
رجعا ضمنا لأنهما أوجبا عليه دينا فيجب في
ذمتهما مثل ذلك ولا يستوفى منهما إلا بعد قبض
ج / 7 ص -186-
................................
____________
المشهود به تحقيقا للمعادلة ا هـ. وهذا قول
شيخ الإسلام وشمل أيضا قوله ما أتلفاه خمر
الذمي وخنزيره لكن في كافي الحاكم وإذا شهد
الذميان لذمي بمال أو خمر أو خنزير فقضى
القاضي بذلك ثم رجعا ضمنا المال وقيمة الخنزير
ولا يضمنان الخمر ولا قيمته في قول أبي يوسف
ويضمنان قيمة الخمر في قول محمد ولو لم يسلم
الشاهدان وأسلم المشهود عليه ثم رجعا عن
الشهادة ضمنا قيمة الخنزير ولم يضمنا قيمة
الخمر ا هـ.
ثم اعلم أن تضمين الشاهد لم ينحصر في رجوعه
لما في تلقيح المحبوبي1 المعبر عنه تارة بفروق
الكرابيسي شهد شاهدان على رجل أن فلانا أقرضه
ألف درهم وقضى القاضي بها ثم أقام المقضي عليه
بينة على الدفع قبل القضاء. يأمر القاضي برد
الألف إليه ولا يضمن الشهود ولو شهدوا أن له
عليه ألف درهم وقضى القاضي بذلك وأخذ الألف ثم
أقام المقضي عليه البينة على البراء قبل
القضاء يضمن الشهود ووجه الفرق أن في الوجه
الأول لم يظهر كذبهم لجواز أنه أقرضه ثم أبرأه
وفي الوجه الثاني ظهر كذبهم لأنهم شهدوا عليه
بالألف في الحال وقد تبين كذبهم فصاروا متلفين
عليه ألا ترى أنه لو قال: امرأته طالق إن كان
لفلان عليه شيء فشهد الشهود أنه أقرضه ألفا
يحكم بالمال ولا يحكم بالوقوع ولو شهدا أن
عليه ألفا حكم بالمال والوقوع جميعا تبين بهذا
أن الشهادة على الإقراض ليست شهادة على قيام
الحق للحال والشهادة بالدين مطلقا شهادة على
الحق في الحال ا هـ.
فقد علم تضمينهما بظهور كذبهما من غير رجوع
فتضمينهما إذا تيقن كذبهما بالأولى ولذا قال
في تلخيص الجامع في باب بطلان الشهادة: أخذ
الدية ثم جاء المشهود بقتله حيا ضمن الولي
للقبض ظلما ولا يرجع لسلامة بدله أو الشاهد
للإلجاء كمكره ويرجع بما أخذ الولي لملكه ذلك
وكذا لو اقتض لكن لا يرجع عنده إذ ليس للدم
مالية تملك بخلاف المدبر ولهذا في عتقه يضمن
الشاهد والمكره وفي العفو لا ولو شهد على
الإقرار أو الشهادة ضمن الولي لما مر دون
الشاهد لأنه لم يظهر كذبه إذ لا تنافي بخلاف
الأول ولهذا لو ثبت الإبراء ضمن شاهد الدين
دون الإقراض ولو قال: إن كان له علي حنث في
الأول دون الثاني كما لو وجد المشهود بنكاحها
أما والشاهد عبدا أو مجلودا في قذف. ا هـ.
وبهذا علمت أن فرع الكرابيسي منقول في التلخيص
واندفع الإيراد على القول بالتضمين إذا ظهر
كذبه به بما لو وجد المشهود بنكاحها أما أو
أختا فإنه ظهر الكذب ولا ضمان وشمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه "تلقيح العقول في فروق المنقول" للشيخ
الإمام صدر الشريعة أحمد بن عبيد الله
المحبوبي الحنفي. ا هـ "كشف الظنون" "1/481".
ج / 7 ص -187-
.................................
___________
أيضا ما أتلفاه العقار فيضمنه الشاهد برجوعه
كما في خزانة المفتين فهو وإن كان لا يضمن
بالغصب عندهما خلافا لمحمد يضمن بالإتلاف وهذا
منه وفي جامع صدر1 الدين ادعى عبدا في يده
ملكا وقضي به فادعاه آخر وقضي له وادعاه آخر
وقضي له ثم رجعوا ضمن كل فريق لمن شهد عليه
قال محمد: ولا يشبه الوصية يعني لا يضمن
للورثة لاتحاد المقضي عليه بخلاف الملك دليله
وجد شهود الأول عبدا يرد عليه في الملك دون
الوصية وتمامه فيه وشمل كل المشهود به أو بعضه
فلذا قال في جامع الفصولين عند محمد شهدا له
بدار وحكم له ثم قالا: لا ندري لمن البناء
فإني لا أضمنهما قيمة البناء للمشهود عليه
كأنهما قالا: قد شككنا في شهادتنا ولو قالا:
ليس البناء للمدعي أضمنهما قيمة البناء وعن
أبي يوسف شهدا له بدار فقالا قبل الحكم: إنما
شهدنا بالعرصة أقبل شهادتهما على ذلك ولم يكن
هذا رجوعا ولو قالاه بعد الحكم أضمنهما قيمة
البناء. ا هـ.
ثم اعلم أن الضمان عنهما يسقط بأشياء: الأول
ضمنهما نصف المهر ثم أقر به رده إليهما الثاني
ضمنهما قيمة العبد ثم أقر بالإعتاق رده الثالث
ضمنهما قيمة العين ثم وهبها المشهود له
للمشهود عليه ردها إليهما الرابع رجع الواهب
في هبته بقضاء بعدما ضمن الشاهدين رد الضمان
الخامس ورثه المقضي عليه رد الضمان بخلاف ما
لو اشتراه الكل من العتابية وشمل قوله أيضا ما
أتلفاه جميع الأبواب إلا أن المصنف ذكر بعضها
وفاته البعض فذكر الدين والنكاح والبيع
والطلاق والعتاق والقصاص وشهود الفرع والمزكى
وشاهد اليمين وسنشرح كل واحد منهما وقد فاته
الهبة والإبراء والاستيفاء والتأجيل والحد
والنسب والولاء والكتابة والتدبير وأمومة
الولد والإقالة والوكالة والرهن والإجارة
والمضاربة والشركة والشفعة والميراث والوصية
الوديعة والعارية أما الهبة ففي المحيط شهدوا
أنه وهب عبده من فلان وقبضه ثم رجعا بعد
القضاء ضمنا قيمة العبد وحق الرجوع لا يمنع
التضمين فإن ضمنهما القيمة لم يرجع فيها لوصول
العوض ولا يرجع الشاهدان فيها ولو كان أبيض
العين يوم شهدا بالهبة ثم رجعا والبياض زائل
ضمنا قيمته أبيض لاعتبار القيمة يوم القضاء. ا
هـ. وأما الإبراء والتأجيل ففي المحيط شهدا
أنه أبرأه عن الدين أو أجله سنة أو أوفاه فقضي
به ثم رجعا ضمنا ولو شهدا أنه - أجله سنة فقضي
بها ثم رجعا قبل الحلول أو بعده ضمنا ورجعا به
على المطلوب إلى أجله ويبرأ الشاهدان بقبض
الطالب الدين بعد مضي الأجل من المطلوب فإن
ضمنا رجعا به على المطلوب إلى أجله وقاما مقام
الطالب فإن نوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم فيما سبق.
ج / 7 ص -188-
..............................
____________
ما على المطلوب فمن مالهما ولو أسقط المديون
الأجل لم يضمنا ولو شهدا أن له على آخر ألفا
وآخران أنه أبرأه ثم رجعوا كلف مدعي الألف
إقامة البينة ثانيا وخصمه في ذلك شهود براءة
الدين رجعوا فيضمنها الألف ولا تصح إقامة
البينة على الدين إلا بحضرة الشهود لا بحضرة
المدعى عليه ولا يرجعان على المشهود له
بالبراءة ا هـ.
وفي العتابية شهدوا على أنه أبرأه من الديون
ثم مات الغريم مفلسا ثم رجعا لم يضمنا للطالب
لأنه نوى ما عليه بالإفلاس. ا هـ. وأما الحد
فسنذكره مع القصاص وأما النسب والولاء
والكتابة وأخواها فمع العتق وأما الإقالة فمع
البيع وأما الوكالة ففي المحيط شهدا أنه وكله
بقبض دينه من فلان أو وديعته فقبضه وأنكر
الموكل ثم رجعا لم يضمنا لأن الشاهد سبب
لتفويت إمكان القبض على الموكل والوكيل باشر
تفويته فيكون الضمان على المباشر وفي العتابية
ولا ضمان على شهود التوكيل بالإعتاق ولا على
شهود التفويض ولا على شهود التوكيل بقبض
الدين. ا هـ.
وأما الرهن ففي المحيط ادعى من له ألف على آخر
أنه رهنه عبدا بها قيمته ألف والمطلوب مقر
بالدين وشهدا بالرهن ثم رجعا لم يضمنا لأنهما
أزالا بعوض ولو كان فيه فضل على الدين لم
يضمنا ما دام العبد حيا فإن مات في يد المرتهن
ضمنا الفضل على الدين ولو ادعى الراهن الرهن
وأنكر المرتهن لم يضمنا الفضل ويضمنان قدر
الدين للمرتهن وإن رجعا عن الرهن دون التسليم
بأن قالا: سلم إليه هذا العبد وما رهنه لا
يضمنان ا هـ.
وأما الإجارة ففي المحيط ركب بعير الرجل إلى
مكة يدعي الإجارة بخمسين وأقام بينة فعطب
وادعى صاحب البعير الغصب ثم رجعا ضمنا قيمة
البعير يوم عطب إلا مقدار ما أخذ صاحب البعير
من الأجر شهدا أنه أكراه دابته بمائة إلى موضع
كذا أو أجر مثلها مائتان فركبها ثم رجعا لم
يضمنا الفضل إن ادعى المستأجر الإجارة وجحد
صاحب الدابة وإن ادعاه صاحب الإبل وجحد
المستأجر ضمنا له ما أداه ما فوق أجر البعير
وأما المضاربة ففي المحيط ادعى المضارب نصف
الربح فشهدا به ورب المال مقر بالثلث ثم رجعا
والربح لم يقبض لم يضمنا فإن قبضاه واقتسماه
نصفين ثم رجعا ضمنا سدس الربح قيل: هذا في كل
ربح حصل قبل رجوعهما فأما ربح حصل بعد رجوعهما
فإن كان رأس المال عرضا فكذلك وإن كان نقدا
فرب المال يملك فسخها فكان راضيا باستحقاق
الربح ا هـ.
وأما الشركة ففي المحيط شهدا أنهما اشتركا
ورأس مال كل واحد منهما ألف على أن الربح
أثلاث وصاحب الثلث يدعي النصف وربحا قبل
الشهادة فاقتسما أثلاثا ثم رجعا ضمنا
ج / 7 ص -189-
فإن رجع أحدهما ضمن النصف والعبرة لمن بقي لا
لمن رجع, فإن شهد ثلاثة ورجع واحد لم يضمن
_________
لصاحب الثلث ما بين النصف والثلث وما ربحا بعد
الشهادة فلا يضمنان عليهما. ا هـ.
وفي كافي الحاكم في يد رجل مال فشهد الرجل أنه
شريكه شركة مفاوضة فقضي له بنصف ما في يديه ثم
رجعا ضمنا ذلك النصف للمشهود عليه وأما الشفعة
ففي المحيط ولو شهدا أن الدار التي في يد
الشفيع ملكه فقضي له بالشفعة ثم رجعا لم يضمنا
وإن كان الأول قد بنى فأمره القاضي بنقضه
يضمنان قيمة بنائه ولهما النقض ا هـ.
وأما الميراث ففي المحيط شهدا لرجل مسلم أن
أباه مات مسلما وعرف كافرا وللميت ابن آخر
كافر ثم رجعوا ضمنوا الميراث للكافر الوارث
وأما الوصية ففي المحيط ادعى رجل أن فلانا
الميت أوصى له بالثلث من كل شيء وأقام البينة
فقضي ثم رجعوا ضمنوا جميع الثلث وتمامه فيه
وفي كافي الحاكم لو شهدا أن الميت أوصى إلى
هذا في تركته فقضى القاضي بذلك ثم رجعا فلا
ضمان عليهما والضمان على الوصي إن استهلك شيئا
ا هـ.
وأما الوديعة والعارية ففي كافي الحاكم شهدا
على رجل بوديعة فجحدها فضمنها إياه القاضي ثم
رجعا ضمنا له ما غرم وكذلك العارية ا هـ.
"قوله فإن رجع أحدهما ضمن النصف والعبرة لمن
بقي لا لمن رجع" يعني وقد بقي من يبقى بشهادته
نصف الحق ولا يقال: لا يجوز أن يثبت الحكم
ببعض العلة فوجب أن لا تبقى به أيضا لأنا
نقول: يجوز أن يبقى الحكم ببعض العلة وإن لم
يثبت به ابتداء كالحول المنعقد على النصاب
يبقى ببقاء بعض النصاب وإن لم ينعقد به ابتداء
ومن مسائل الجامع الكبير أربعة شهدوا على آخر
بأربعمائة وقضي بها فرجع واحد عن مائة وآخر عن
تلك المائة ومائة أخرى والآخر عن تلك المائتين
ومائة أخرى فعلى الراجعين خمسون درهما أثلاثا
لأن الشهادة قائمة بقدر ثلاثمائة وخمسين لأن
القائم بقي شاهدا بأربعمائة والرابع بقي شاهدا
بثلاثمائة فبقي على ثلاثمائة حجة كاملة فلا
يجب ضمانها على أحد بقي على المائة الزائدة
شاهد واحد وهو القائم على الشهادة فبقي من
يقوم به نصف الحق فبقي نصفها فظهر أن التالف
برجوعهم نصف المائة فيجب على الراجعين
لاستوائهم في إيجابها فإن رجع الرابع عن
الجميع ضمنوا المائة أرباعا وضمنوا سوى الأول
خمسين أيضا أثلاثا لأنه بقي على الشهادة من
يقوم به مائتان وخمسون كذا في المحيط.
"قوله فإن شهد ثلاثة ورجع واحد لم يضمن" لبقاء
من يبقى به كل الحق.
ج / 7 ص -190-
وإن رجع آخر ضمنا النصف, وإن شهد رجل وامرأتان
فرجعت امرأة ضمنت الربع, وإن رجعا ضمنتا
النصف, وإن شهد رجل وعشر نسوة فرجعت ثمان لم
يضمن, فإن رجعت أخرى ضمن ربعه, فإن رجعوا
فالغرم بالأسداس
___________
"قوله وإن رجع آخر ضمنا النصف" أي الأول
والثاني لأنه لما رجع الأول لم يظهر أثره فلما
رجع آخر ظهر أثره لأنه لم يبق إلا من يقوم به
النصف وفي تلخيص الجامع لو شهد أربعة بأربعة
دراهم وقضي بها ودفعت ثم رجع واحد عن واحد
والثاني عن اثنين والثالث عن ثلاثة ضمنوا نصف
درهم على كل واحد سدس درهم لبقاء من يبقى به
ثلاثة ونصف ولو رجع الرابع عن الأربعة ضمنوا
درهما ونصفا على الأول سدس المضمون الأول وهو
ربع درهم وعلى كل واحد من الثلاثة ربع درهم
وسدس درهم ا هـ.
"قوله وإن شهد رجل وامرأتان فرجعت امرأة ضمنت
الربع" لبقاء ثلاثة أرباع الحق ببقاء رجل
وامرأة.
"قوله وإن رجعا ضمنتا النصف" لبقاء نصف الحق
ببقاء الرجل ولو شهد رجلان وامرأتان فرجع رجل
وامرأة فعليهما الربع أثلاثا وإن رجع رجلان
فعليهما النصف وإن رجعت امرأتان فلا شيء
عليهما.
"قوله وإن شهد رجل وعشر نسوة فرجعت ثمان لم
يضمن" أي الثمان لبقاء النصاب.
"قوله فإن رجعت أخرى ضمن ربعه" أي التسع لبقاء
رجل وامرأة.
"قوله فإن رجعوا فالغرم بالأسداس" أي رجع
الرجل والعشر نسوة فالسدس على الرجل وخمسة
الأسداس على النسوة وهذا عند أبي حنيفة
وعندهما على الرجل النصف وعلى النسوة النصف
لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد وله أن كل
امرأتين مقام رجل واحد للحديث "عدلت شهادة
كل اثنين منهن بشهادة رجل واحد"1
وإن رجعت العشر فقط فعليهن نصف الحق اتفاقا
كما إذا رجع الرجل وحده ولو رجع معه ثمان
فعليه النصف ولا شيء عليهن كذا في المحيط وهو
سهو بل يجب أن يكون النصف أخماسا عنده وعندهما
أنصافا وذكر الإسبيجابي ولو رجع واحد وامرأة
كان النصف بينهما أثلاثا ولو كان كما في
المحيط لم يجب عليها شيء ولو شهد رجلان وامرأة
ثم رجعوا فالضمان عليهما دونها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في الحيض باب ترك الحائض
الصوم "304" من حديث أبي سعيد الخدري. ومسلم
في الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بنقص
الطاعات وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر
بالله ككفر النعمة والحقوق "80". والبيهقي
"4/235".
ج / 7 ص -191-
وإن شهد رجلان عليه أو عليها بنكاح بقدر مهر
مثلها ورجعا لم يضمنا, وإن زاد عليه ضمناها,
________________
ولو شهد رجل وثلاث نسوة ثم رجعوا فعندهما على
الرجل النصف وعلى النسوة النصف وعنده عليه
الخمسان وعليهن ثلاثة الأخماس ولو رجع الرجل
وامرأة فعليه النصف كله عندهما ولا شيء على
المرأة وعنده عليهما أثلاثا.
"قوله وإن شهد رجلان عليه أو عليها بنكاح بقدر
مهر مثلها ورجعا لم يضمنا" لأنهما أتلفا شيئا
بعوض يقابله والإتلاف بعوض كلا إتلاف.
"قوله وإن زاد عليه ضمناها" أي الزيادة للزوج
لأنهما أتلفاها بلا عوض وسكت المؤلف عما إذا
شهد بأصل النكاح بأقل من مهر مثلها للإشارة
إلى أنهما لا يضمنان ما نقص لأن منافع البضع
غير متقومة عند الإتلاف فلا يضمن المتقوم إذ
التضمين يستدعي المماثلة أو للاختلاف ففي
المنظومة وشرحها أنهما يضمنان ما نقص عندهما
خلافا لأبي يوسف وفي الهداية وشروحها أنهما لا
يضمنان وهو المعتمد في المذهب قيد بكونهما
شهدا بالنكاح لأنهما لو شهدا عليها بقبض المهر
أو بعضه ثم رجعا بعد القضاء ضمنا لها لأنهما
أتلفا عليها مالا وهو المهر قليلا كان أو
كثيرا دون البضع وأشار بمهر المثل إلى أن
الكلام فيما إذا لم يطلقها أو طلقها بعد
الدخول للاحتراز عما إذا طلقها قبل الدخول
وحكمه ما ذكره في المحيط شهدا أنه تزوجها على
ألف وهو مهر مثلها وقال الزوج بغير التسمية
فقضي بها ثم طلقها ثم رجعا فعليهما فضل ما بين
المتعة إلى خمسمائة فلو شهد آخران على الدخول
ثم رجعوا فعلى شاهدي الدخول خمسمائة خاصة
وعليهما وشاهدي التسمية فضل ما بين المتعة
والخمسمائة نصفان ولو شهد آخران على الطلاق
وقضي ثم رجعوا فعلى شاهدي الدخول خمسمائة
وعليهما وشاهدي التسمية ما بين المتعة إلى نصف
المهر وعلى الفرق الثلاث قدر المتعة أثلاثا ا
هـ.
ولو شهدا عليها أنه تزوجها على ألف ومهر مثلها
خمسمائة وأنها قبضت الألف وهي تنكر فقضي
بشهادتهما ثم رجعا ضمنا لها مهر المثل لا
المسمى لأن حق الاستيفاء لم يثبت لها فيه إذ
لم يقض بوجوبه لأن القضاء بالنكاح مع قبض
المهر قضاء بإزالة ملكها عن المعقود عليه لا
قضاء بالمسمى لأنه إذا كان مقبوضا لا يحتاج
إلى القضاء به فلم تقع الشهادة بالقبض إتلافا
للمسمى لعدم وجوبه أصلا بل وقعت إتلافا للبضع
فيضمنان قيمته هكذا ذكره في التحرير وهو وارد
على ما ذكرنا من قبل من المذهب من حيث إنه
أوجب على الشهود قيمة البضع مع عدم وجوبه
بالقضاء ومقتضى المذهب أن لا يجب شيء على ما
بينا وهو أن منافع
ج / 7 ص -192-
ولم يضمنا في البيع إلا ما نقص, وفي الطلاق
قبل الوطء ضمنا نصف المهر
_______________
البضع غير متقومة عند الإتلاف وإنما يتقوم على
الزوج عند تملكه إياه هكذا ذكر الشارح رحمه
الله وقلت: التضمين هنا ليس باعتبار إتلاف
منافع بضعها بل باعتبار إتلاف المهر لأنهما
كما شهدا بأصله شهدا بقبضها له وقد ذكر هو
أنهما لو شهدا عليها بقبضه ثم رجعا ضمنا وإنما
ضمنا بقدر مهر المثل باعتبار أنها لم تدع
المسمى لإنكار الكل فترجع بمهر المثل ولهذا لو
لم يشهدا بالقبض وإنما شهدا بالنكاح بألف وقضي
به ثم شهدا بقبضها ثم رجعا عن الشهادتين
فإنهما يضمنان الألف لأنهما أتلفا عليها ذلك.
"قوله ولم يضمنا في البيع إلا ما نقص" أي عن
قيمة المبيع فلو شهدا على البائع بمثل القيمة
أو أكثر فلا ضمان لأنه إتلاف بعوض إن شهدا به
بأقل من قيمته ضمنا النقصان لأنه بغير عوض
أطلقه فشمل ما إذا شهدا به باتا أو بخيار شرط
للبائع ومضت المدة لاستناد الحكم عند سقوطه
إلى السبب السابق وهو البيع بدليل استحقاق
المشتري الزوائد وأما إذا رد البائع البيع فلا
إتلاف أو أجازه اختيارا بقول أو فعل فرضاه به
قيد الشهادة بالبيع أي فقط لأنهما لو شهدا به
مع قبض الثمن فإن شهدا بهما متفرقين ثم رجعا
عن الشهادتين فإنهما يضمنان الثمن وإن كان
جملة واحدة وجبت القيمة عليهما ولو شهدا
بالبيع والإقالة معا فلا ضمان ولو قال المؤلف
ولم يضمنا البيع والشراء إلا ما نقص أو زاد
لكان أولى ليشمل ما إذا كان المشهود عليه
المشتري فلا ضمان لو شهدا بشرائه بمثل القيمة
أو أقل وإن كان بأكثر ضمنا ما زاد عليها ولو
كان بخيار له وجاز البيع بمضي المدة وأما إذا
فسخه أو أجازه اختيارا فلا كما في البائع وفي
خزانة المفتين وإن شهدا على البائع بالبيع
بألفين إلى سنة وقيمته ألف فإن شاء ضمن الشهود
قيمته حالا وإن شاء أخذ المشتري بالثمن إلى
سنة وأياما اختار برئ الآخر فإن اختار الشهود
رجعوا بالثمن على المشتري ويتصدقون بالفضل فإن
رد المشتري المبيع بعيب بالرضا أو تقايلا رجع
على البائع بالثمن ولا شيء على الشهود وإن رد
بقضاء فالضمان على الشهود بحاله وإن أديا رجعا
بما أديا ا هـ.
وفي منية المفتي شهدا بالبيع بخمسمائة وقضى
القاضي ثم شهدا أن البائع أخر الثمن ثم رجعا
عن الشهادتين جميعا ضمنا الثمن خمسمائة عند
الإمام كما لو شهدا بأجل دين ثم رجعا ضمنا ا
هـ.
"قوله وفي الطلاق قبل الوطء ضمنا نصف المهر"
لأنهما أكدا ضمانا على شرف السقوط ألا ترى
أنها لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر
أصلا ولأن الفرقة قبل الدخول في معنى الفسخ
فيوجب سقوط جميع المهر كما مر في النكاح ثم
يجب نصف المهر ابتداء بطريق
ج / 7 ص -193-
............................
____________
المتعة فكان واجبا بشهادتهما كذا في الهداية
والتعليل الأول للمتقدمين والثاني للمتأخرين
وقالوا: لا نسلم التأكيد بشهادتهم بل وجب
متأكدا بالعقد ولم يبق بعده إلا الوطء الذي
بمنزلة القبض وهذا العقد لا يتعلق تمامه
بالقبض ولئن سلمنا التأكيد فلا نسلم أن
التأكيد الواجب سبب للضمان فإن الشهود لو
شهدوا على الواهب بأخذ العوض حتى قضى القاضي
بإبطال حق الرجوع ثم رجعوا وقد هلكت الهبة لم
يضمنوا للواهب شيئا كذا في الأسرار. فلما كان
قول المتأخرين أقرب إلى التحقيق اختاره فخر
الإسلام كذا في شرحه التقرير للأكمل من بحث
القضاء وفي العتابية لو أقر الزوج بالطلاق بعد
التضمين أو السيد بالإعتاق رد الضمان عليهم.
وفي المحيط شهد رجلان وامرأتان بالطلاق قبل
الدخول ثم رجع رجل وامرأة فعليهما ثمن المهر
أثلاثا ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة ولو
شهد رجلان بالطلاق ورجلان بالدخول ثم رجع
شاهدا الطلاق لا ضمان عليهما لأنهما أوجبا نصف
المهر وشاهدا الدخول أوجبا جميع المهر وقد بقي
من يثبت بشهادته جميع المهر وهو شاهد الدخول
وإن رجع شاهد الدخول لا غير يجب عليهما نصف
المهر لأنه يثبت بشهادة شهود الطلاق نصف المهر
وتلف بشهادة شاهدي الدخول نصف المهر وإن رجع
من كل طائفة واحد لا يجب على شاهدي الطلاق شيء
ويجب على شاهدي الدخول الربع ا هـ.
ثم قال: شهدا أنه طلق امرأته ثلاثا وآخران أنه
طلقها واحدة قبل الدخول ثم رجعوا فضمان نصف
المهر على شهود الثلاث لا غير لأنه لم يقض
بشهادة شهود الواحدة لأنه لا يفيد لأن حكم
الواحدة حرمة خفيفة وحكم الثلاث حرمة غليظة
ولو كان بعد الدخول فلا ضمان على أحد ا هـ.
وأشار بالمهر إلى أن الكلام فيما إذا كان مسمى
فلو لم يكن مسمى ضمنا المتعة لأنها الواجبة
وقد أتلفاها وفي المحيط تزوجها بلا مهر وطلقها
قبل الدخول فشهد أنه صالحها من المتعة على عبد
وقبضته وهي تنكر ثم رجعا لا يضمنان العبد بل
المتعة وإن كان مهر مثلها عشرة ضمنا لها خمسة
دراهم لأن القاضي لم يقض لها بالعبد لكونه
مقبوضا فقد أتلفا بشهادتهما على المرأة المتعة
لا العبد بخلاف ما لو شهدا أنه صالحها عنها
بعبد وقضي لها به ثم شهدا بقبضه ثم رجعا ضمنا
قيمة العبد لوقوع القضاء بالعبد ا هـ.
ولو قال قبل الوطء والخلوة لكان أولى وإن كانت
كالوطء في إيجاب المهر وأطلق في ضمانها فشمل
ما بعد موت الزوج لما في المحيط شهود الطلاق
قبل الدخول إذا رجعوا بعد موت الزوج ضمنا
لورثته نصف المهر لأنهم قائمون مقام المورث
ولا ميراث للمرأة ادعت
ج / 7 ص -194-
ولم يضمنا لو بعد الوطء, وفي العتق ضمنا
القيمة
__________
الطلاق أو لا أقرت الورثة أنه طلقها أو لا
وهذا قول أبي حنيفة وقالا: ترث ولا يضمن
الشاهدان ميراثها بناء على أن قضاء القاضي
بالطلاق بشهادة الزور ينفذ ظاهرا وباطنا عنده
خلافا لهما ولو شهدا بذلك بعد موت الزوج وادعى
ذلك الورثة فقضي لها بنصف المهر ثم رجعا ضمنا
للمرأة نصف المهر والميراث ا هـ.
"قوله ولم يضمنا لو بعد الوطء" لأن من شرط
الضمان المماثلة ولا مماثلة بين البضع والمال
وقد ذكره الأصوليون في بحث القضاء وفي المحيط
شهدا على الطلاق وآخران على الدخول ولم يفرض
لها مهر ثم رجعوا ضمن شاهدا الطلاق نصف المتعة
وشاهدا الدخول بقية المهر ا هـ.
ومما يناسب هذا النوع مسألتا الشهادة بالخلع
والنفقة أما الأول ففي المحيط شهدا على امرأة
أنها اختلعت من زوجها قبل الدخول على أنها
أبرأته من المهر وهي تجحد ضمنا لها نصف المهر
لأنهما أوجبا عليها ذلك بغير عوض ولو كان دخل
بها يضمنان كل المهر ا هـ.
وأما النفقة ففي المحيط فرض القاضي لها النفقة
أو المتعة ثم شهدا بالاستيفاء وقضى ثم رجعا
ضمنا للمرأة وكذلك نفقة الأقارب قيل في نفقة
الأقارب سهو لأنها لا يصير دينا بقضاء فما
أتلفه شيئا وقيل: إنها مؤولة وتأويلها أن
القاضي قضى له وأمره بالاستدانة عليه حتى يرجع
بما استدان على المقضي عليه بالنفقة وقد
استدان وصار دينا له على المقضي عليه فقد شهدا
عليه باستيفاء دين مستحق له على المقضي عليه
فضمنا بالرجوع ا هـ.
"قوله وفي العتق ضمنا القيمة" لأنهما أتلفا
مالية العبد عليه من غير عوض والولاء للمعتق
لأن العتق لا يتحول إليهما بهذا الضمان وهو لا
يصلح عوضا أطلقه فشمل ما إذا كانا موسرين أو
معسرين لأنه ضمان إتلاف الملك بخلاف ضمان
الإعتاق لأنه لم يتلف إلا ملكه ولزم منه فساد
ملك صاحبه فضمنه الشارع صلة ومواساة له أطلق
العتق فانصرف إلى العتق بلا مال فلو شهدا أنه
أعتق عبده على خمسمائة وقيمته ألف فقضى ثم
رجعا إن شاء ضمن الشاهدين الألف ورجعا على
العبد بخمسمائة وولاء العبد للمولى كذا في
المحيط وفي البزازية شهدا على رجل بإعتاق عبده
وأربعة أخر أنه زنى وهو محصن فحكم بالعتق
والرجم ورجم ثم رجعوا فالقيمة على شهود العتق
للمولى والدية على شهود الزنا للمولى أيضا إن
لم يكن له وارث آخر والمولى إن كان جاحدا
للعتق يمنع أخذ الدية لكن زعمه باطل بالحكم
وصار كالمعدوم ووجوب القيمة بدل المالية ووجوب
الدية بدل النفس ثم الدية للمقتول حتى تقضى
بها ديونه فلا يلزم بدلان عن مبدل واحد ا هـ.
ج / 7 ص -195-
..................................
_________
ولو شهدا أنه أعتق عبده عام الأول في رمضان
وقضى القاضي بعتقه ثم رجعا ضمنا قيمة العبد
يوم أعتقه القاضي وحكمه في حدوده وجزاء جناية
فيما بين رمضان إلى أن أعتقه القاضي حكم الحر
لأن القاضي أثبت حريته من رمضان بالبينة
والثابتة بالبينة العادلة كالثابت بالمعاينة
وفي حق إيجاب الضمان يعتبر حرا يوم القضاء لأن
التلف حصل يوم القضاء لأن المنع والحيلولة بين
المولى وعبده حصل يوم القضاء ولو شهدا أنه طلق
امرأته عام أول في رمضان قبل الدخول وقضى به
وألزمه نصف المهر ثم رجعا وضمنا ثم شهد آخران
أنه طلقها عام أول في شوال قبل الدخول بها لم
تقبل ولا يقع الأولان لأنها صارت مبانة
بالطلاق الأول قبل الدخول فلا يتصور تطليقها
بعد ذلك فكانت الشهادة الأخيرة باطلة وبقي
الضمان على الفريق الأول بحاله ولو أقر الزوج
بذلك يرد على الشاهدين ما ضمنا. وكذلك إقرار
المولى بالعتق قيل هذا عند أبي يوسف ومحمد
خلافا لأبي حنيفة بناء على نفاذ القضاء باطنا
فمتى نفذ القضاء في رمضان باطنا عنده لم يصح
إقراره بالطلاق والعتاق في شوال من هذا العام
فبقي التلف مضافا إلى شهادتهما لا إلى إقراره
وعندهما لم ينفذ القضاء باطنا بقي النكاح
والرق إلى شوال باطنا فصح إقراره في شوال وكان
التلف مضافا إلى إقراره لا إلى الشهادة كذا في
المحيط ثم قال: ولو شهدا بالتدبير وآخران
بالعتق فرجعوا فالضمان على شهود العتق لأن
القضاء بالتدبير مع العتق لا يفيد لأن حكم
التدبير بقاء الرق إلى وقت الموت ولا يبقى
الرق مع العتق البات فلا يقضى بالتدبير فإن
قضي بشهادة التدبير ثم شهد آخران بالعتق البات
فقضي به ثم رجعوا ضمن شهود التدبير ما نقصه
التدبير وشهود العتق قيمته مدبرا لأن القضاء
بالتدبير يفيد حكمه لأنه ليس حالة القضاء
بالتدبير شهادة قائمة بالعتق فأمكن القضاء
بالتدبير وشاهدا العتق أزالا المدبر عن ملكه
بغير عوض فيضمنان قيمته مدبرا ا هـ.
وفي العتابية ولو شهد واحد بإقراره بالعتق أمس
وآخر بإقراره بالعتق من سنة وقضي به ثم أقام
الشاهدان بينة على إعتاقه من سنين برئا عن
الضمان وهذا قولهما لأن عندهما الدعوى ليس
بشرط ا هـ. يعني ثم رجعا بعد القضاء ثم برهنا
ولم يذكر المؤلف رحمه الله التدبير والكتابة
والاستيلاد والولاء.
أما الأول ففي المحيط لو شهدا أنه دبر عبده
فقضي ثم رجعا ضمنا ما نقضه التدبير فإنه
بالتدبير فات بعض المنافع من حيث التجارة
بالإخراج عن ملكه فانتقض ملكه فضمنا نقصانه
بتفويتهما وإن مات المولى والعبد يخرج من ثلثه
عتق وضمن الشاهدان قيمته مدبرا لأنهما أزالا
الباقي عن ملك الورثة بغير عوض فإن لم يكن له
مال غير العبد عتق ثلثه وسعى في
ج / 7 ص -196-
...............................
__________
ثلثيه وضمن الشاهدان ثلث القيمة بغير عوض ولم
يرجعا به على العبد فإن عجز العبد عن الثلثين
يرجع به الورثة على الشاهدين ويرجع به الشاهد
على العبد عندهما ا هـ. وبه علم أن ما ذكره
الشارح الزيلعي من أن العبد إذا كان معسرا
فإنهما يضمنان جميع قيمته مدبرا ويرجعان به
عليه إذا أيسر سهوا لما علمت أنه إنما يرجعان
عليه بالثلثين وهو مصرح به لما في المبسوط
وصرح فيه بأنهما يضمنان ثلث قيمته مدبرا وعليه
يحمل ما في المحيط وقدمنا أن الفتوى أن قيمته
مدبرا نصف قيمته لو كان قنا.
وأما الثاني ففي المحيط شهدا أنه كاتب عبده
على ألف إلى سنة فقضي ثم رجعا يضمنان قيمته
ولا يعتق حتى يؤدي ما عليه إليهما فإذا أداه
عتق والولاء للذي كاتبه فإن عجز فرد في الرق
كان لمولاه أن يرد ما أخذه على الشهود ا هـ.
وبه علم أن ما في فتح القدير من أن الولاء
للذين شهدوا عليه بالكتابة سهو والصواب للذي
بدل الذين ويطيب لهما ما أخذا من المكاتب إن
كان بدل الكتابة مثل قيمته أو أقل وإن كان
أكثر تصدقا بالفضل وإن أراد المولى اتباع
المكاتب ولا يضمنهم كان له ذلك ذكره الشارح.
وفي المحيط شهدا أنه كاتب عبده على ألف إلى
سنة وقيمته خمسمائة ثم رجعا يخير المولى بين
تضمين الشاهدين وبين اتباع العبد بالكتابة إلى
أجله فإن اختار المولى ضمان الشاهدين وقبض
منهما القيمة لم يعتق المكاتب حتى يؤدي ألفا
إلى الشاهدين ويتصدقان بالفضل وعند أبي يوسف
يطيب له الفضل فإن تقاضى المولى المكاتب وهو
يعلم برجوع الشاهدين أو لا يعلم فهو رضا
بالكتابة ولا يضمنان إلا إذا كانت المكاتبة
أقل من القيمة فله أن يأخذ المكاتبة ويرجع
عليهما بفضل القيمة ا هـ. ولم يذكر الشارحون
ما إذا شهدا على المكاتب ثم رجعا وفي المحيط
ادعى العبد أن مولاه كاتبه على ألف وأنه قيمته
وقال المولى: كاتبته على ألفين وأقام البينة
وقضي ثم أداها ثم رجعوا ضمنوا ألف درهم
للمكاتب فإن أنكر المكاتب الكتابة وادعاها
المولى على ألفين لم تقبل بينته عليه ويقال
للمكاتب إن شئت فامض عليها أو دع. ا هـ.
وأما الثالث ففي البدائع شهدا على إقرار
المولى أن هذه الأمة ولدت منه وهو ينكر فقضى
القاضي بذلك ثم رجعا فإن لم يكن معها ولد
فرجعا في حياته ضمنا نقصان قيمتها بأن تقوم
قنة وأم ولد لو جاز بيعها فيضمنان النقصان فإن
مات المولى عتقت وضمنا بقية قيمتها للورثة فإن
كان معها ولد فرجعا في حياته ضمنا قيمة الولد
مع ضمان نقصانها فإن مات المولى بعده فإن لم
يكن مع الولد شريك في الميراث لم يضمنا له
شيئا ورجعا على الولد بما قبض الأب منهما من
تركته إن كانت وإلا فلا ضمان عليه وإن كان معه
أخ ضمنا له نصف البقية من قيمتها ويرجعان على
الولد بما أخذ الأب منهما لا بما قبض الأخ ولا
يضمنان للأخ ما أخذه
ج / 7 ص -197-
وفي القصاص الدية ولم يقتصا, وإن رجع شهود
الفرع ضمنوا
_________
الولد من الميراث فإن رجعا بعد وفاة المولى
فإن لم يكن مع الولد شريك فلا ضمان عليهما
وإلا ضمنا للأخ نصف البقية من قيمتهما ونصف
قيمة الولد لا ميراثه ولا يرجعان على الولد
هنا وإن كانت الشهادة بعد موت المولى بأن ترك
ولدا وعبدا وأمة وتركة فشهدا أن هذا العبد
ولدته هذه الأمة من الميت وصدقهما الولد
والأمة لا الابن وقضي ثم رجعا ضمنا قيمة العبد
والأمة ونصف الميراث ا هـ.
"قوله وفي القصاص الدية ولم يقتصا" أي ضمن
شاهدا القصاص برجوعهما بعد الاستيفاء دية
المشهود عليه ولا يقتص منهما وقال الشافعي:
يقتص منهما لوجود القتل تسببا فأشبه المكره بل
أولى لأن الولي يعان والمكره يمنع ولنا أن
القتل مباشرة لم يوجد وكذا تسببا لأن السبب ما
يفضي إليه غالبا ولا يفضي لأن العفو مندوب
بخلاف المكره لأنه يؤثر حياته ظاهرا ولأن
الفعل الاختياري مما يقطع النسبة ثم لا أقل من
الشبهة وهي دارئة للقصاص بخلاف المال لأنه
يثبت مع الشبهات أطلقه فيشمل ما إذا رجع الولي
معهما أو لم يرجع لكن إن رجع معهما خير الولي
بين تضمين الولي الدية أو الشاهدين كما لو جاء
المشهود بقتله حيا وأيهما ضمن لا يرجع على
صاحبه عنده وعندهما له الرجوع عليه لأنهما
عاملان له واتفقوا على رجوعهما عليه في الخطأ
وبيان الحجة من الجانبين في الشرح للزيلعي
وشمل ما إذا شهدوا به في النفس أو ما دونه
وقيد بالقصاص لأنهما لو شهدا بالعفو عن القصاص
ثم رجعا لم يضمنا لأن القصاص ليس بمال ولو شهد
أنه صالحه من دم العمد على ألف ثم رجعا لم
يضمنا أيهما كان المنكر للصلح وقيل: إذا كان
القاتل منكرا فالصحيح أنهم يضمنون له الألف
والصحيح جواب الكتاب وتمامه في المحيط وفيه
شهدا أنه صالحه على عشرين ألفا والقاتل يجحد
فقضي ثم رجعا ضمنا الفضل على الدية وقيل:
الصحيح أن يضمنا جميع المال قال الطالب:
صالحتك على ألف وقال الخصم: لا بل عن خمسمائة
فالقول للمدعى عليه مع يمينه لإنكاره الزيادة
فإن برهن الطالب وقضى ثم رجعا ضمنا الخمسمائة
الواجبة بشهادتهما وفيه دليل على أن الجواب في
المسألة الأولى سهو حيث أجابوا بعدم الضمان
شهدا على العفو عن دم فيه مال أو جرح عمد فيه
مال ثم رجعا ضمنا الدية وأرش الجراحة في ثلاث
سنين أو سنة ا هـ. وفي البدائع شهدا بالقتل
خطأ ثم رجعا ضمنا الدية في مالهما وكذا إذا
شهدا بقطع يد خطأ ضمنا نصفها وكذا إذا شهدا
بسرقة فقطع ثم رجعا ا هـ. وفي السراج الوهاج
أن الدية التي على الشاهدين تكون في مالها في
ثلاث سنين ولا كفارة عليهما ولا يحرمان
الميراث بأن كانا ولدي المشهود عليه فإنهما
يرثانه ا هـ.
"قوله وإن رجع شهود الفرع ضمنوا" لأن الشهادة
في مجلس القضاء صدرت منهم فكان
ج / 7 ص -198-
لا شهود الأصل بلم نشهد الفروع على شهادتنا أو
أشهدناهم وغلطنا, ولو رجع الأصول والفروع ضمن
الفروع فقط, ولا يلتفت إلى قول الفروع كذب
الأصول أو غلطوا, وضمن المزكون بالرجوع
_______________
التلف مضافا إليهم وفي المحيط شهدا على شهادة
أربعة وآخران على شهادة شاهدين وقضي ثم رجعوا
فعلى شاهدي الأربعة ثلثا الضمان وعلى الآخرين
الثلث عند أبي يوسف وقال محمد: على الفريقين
نصفان الجامع شهدا على شهادة شاهدين لرجل على
آخر بألف وشهد آخران على شهادة واحد عليه بألف
فقضي بشهادتهم ثم رجع أحد اللذين شهدا على
شهادة الشاهدين وأحد اللذين شهدا على شهادة
واحد فعليهما ثلاثة أثمان الحق ثمنان على
الأول وثمن على الآخر ولو لم يرجع إلا واحد من
الفريق الأول ضمن الربع ولو رجع بعد هذا
الفريق الآخر كلهم ضمنا ربعا آخر ولو شهد كل
فريق على شهادة شاهدين ورجع واحد من هذا وواحد
من ذلك ضمنا ثمنين ونصفا وذكر في المبسوط
النصف وعن الكرخي يضمنان الربع وعن عيسى بن
أبان الثلث والأصح أن المذكور في المبسوط جواب
القياس والمذكور في الجامع جواب الاستحسان. ا
هـ.
"قوله لا شهود الأصل بلم نشهد الفروع على
شهادتنا أو أشهدناهم وغلطنا" أي لا ضمان عليهم
فيهما أما في الأولى فلأنهم أنكروا السبب وهو
الإشهاد فلا يبطل القضاء لأنه خبر محتمل فصار
كرجوع الشاهد بخلاف ما قبل القضاء وأما في
الثانية فهو قولهما وقال محمد: يضمنون لأن
الفروع نقلوا شهادة الأصول فصار كأنهم حضروا
ولهما أن القضاء وقع بشهادة الفروع لأن القاضي
يقضي بما يعاين من الحجة وهي شهادتهم وقدمنا
أن الاختلاف مبني على أن الإشهاد على الشهادة
إنابة وتوكيل عندهما وعنده تحميل وقوله غلطنا
اتفاقي إذ لو قالوا: رجعنا عنها فلا ضمان أيضا
عندهما ولو قال برجوعهم لكان أولى ليشمل
المسألتين وليفهم إنكار الإشهاد بالأولى.
"قوله ولو رجع الأصول والفروع ضمن الفروع فقط"
أي لا الأصول عندهما لأن القضاء وقع بشهادتهم
وعند محمد المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن
الأصول وإن شاء ضمن الفروع.
"قوله ولا يلتفت إلى قول الفروع كذب الأصول أو
غلطوا" لأن ما أمضي من القضاء لا ينتقض بقولهم
فلا يجب الضمان عليهم لأنهم ما رجعوا عن
شهادتهم إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع.
"قوله وضمن المزكون بالرجوع" أي عن التزكية
وهذا عند أبي حنيفة وقالا: لا
ج / 7 ص -199-
وشهود اليمين, لا شهود الإحصان
______________
يضمنون لأنهم أثنوا على الشهود فصاروا كشهود
الإحصان وله أن التزكية إعمال الشهادة إذ
القاضي لا يعمل بها إلا بالتزكية فصارت في
معنى علة العلة بخلاف شهود الإحصان لأنهم شرط
محض والخلاف فيما إذا قالوا تعمدنا أو علمنا
أنهم عبيد ومع ذلك زكيناهم أما إذا قال
المزكي: أخطأت فيها فلا ضمان إجماعا وقيل:
الخلاف فيما إذا أخبر المزكون بالحرية بأن
قالوا هم أحرار أما إذا قالوا هم عدول فبانوا
عبيدا لا يضمنون إجماعا لأن العبد قد يكون
عدلا وأطلق في ضمانهم فشمل الدية لو زكوا شهود
الزنا فرجم فإذا الشهود عبيد أو مجوس فالدية
على المزكين عنده ومعناه إذا رجعوا عنها بأن
قالوا: علمنا أنهم عبيد ومع ذلك زكيناهم أما
إذا ثبتوا عليها وزعموا أنهم أحرار فلا ضمان
عليهم ولا على الشهود ولا تحد الشهود حد القذف
لأنهم قد قذفوا حيا وقد مات ولا يورث عنه
وقالا: الدية على بيت المال كذا في السراج
الوهاج.
"قوله وشهود اليمين" أي وضمن شهود التعليق
لأنهم شهود العلة إذ التلف يحصل بسببه وهو
الإعتاق أو التطليق وهم أثبتوه أطلقه فشمل
تعليق العتق والطلاق فيضمنون في الأول القيمة
وفي الثاني نصف المهر إن كان قبل الدخول وفي
منية المفتي شهد أنه أمر امرأته أن تطلق نفسها
وآخران أنها طلقت نفسها وذلك قبل الدخول ثم
رجعوا فالضمان على شهود الطلاق لأنهما أثبتا
السبب والتعويض شرط كونه سببا وعلى هذا إذا
شهدوا أنه جعل عتق عبده بيد فلان وآخران أنه
أعتقه ثم رجعوا ولو شهدا أنه أمره بالتعليق
وآخران أن المأمور علق وآخران على وجود الشرط
ثم رجعوا فالضمان على شهود التعليق ا هـ.
"قوله لا شهود الإحصان" أي لا ضمان عليهم لأنه
علامة وليس بشرط حقيقة ثم اعلم أن الشرط عند
الأصوليين ما يتوقف عليه الوجود وليس بمؤثر في
الحكم ولا مفض إليه والعلة المؤثرة في الحكم
والسبب هو المفضي إلى الحكم بلا تأثير
والعلامة ما دل على الحكم وليس الوجود متوقفا
عليه وبهذا ظهر أن الإحصان شرط كما ذكره
الأكثر لتوقف وجوب الحد عليه بلا عقلية تأثير
ولا إفضاء وعدم الضمان برجوع شهود الشرط هو
المختار وإنما تكلف الإحصان علامة القائل
بتضمين شهود الشرط وليس المختار إليه أشار في
التحرير.
والحاصل أنهم اتفقوا على عدم تضمين شهود
الإحصان فالقائل بأن شهود الشرط لا يضمنون
بالرجوع لا إشكال على قوله والقائل بأنهم
يضمنون تكلف وادعى أن الإحصان علامة وليس بشرط
وظاهره أن المصنف قال به بدليل عطف الشرط عليه
ولو اقتصر على نفي الضمان عن شهود الشرط كما
في المجمع لكان أولى وصرح في البدائع بأنه شرط
ولم يذكر غيره.
ج / 7 ص -200-
والشرط
_______________
"قوله والشرط" أي لا ضمان على شهود وجود الشرط
للعتق والطلاق لما قدمنا أن اليمين هي العلة
فأضيف الحكم إلى من أثبتها والشرط لا يعارض
العلة أطلقه فشمل ما إذا رجعوا وحدهم أو مع
شهود العلة لكن عدم التضمين في الثاني اتفاق
وفي الأول اختلاف والمختار ما في الكتاب نص
عليه في الزيادات واختاره السرخسي واختار
البزدوي ما قابله وأراد من الشرط ما ليس بعلة
فشمل السبب فلا ضمان على شهود التفويض والضمان
على شهود الإيقاع كما قدمناه واستشهد الحسامي
على عدم تضمين شهود الشرط بما لو قال لعبده:
إن ضربك فلان فأنت حر فضربه فلان يعتق العبد
ولا يضمن العبد ولا يضمن الضارب لأنه عتق
بيمين مولاه لا بالضرب فكذلك هذا والله تعالى
أعلم. |