البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

ج / 8 ص -5-             كتاب الإجارة
وهي بيع منفعة معلومة بأجرة معلومة
______
كتاب الإجارة
لما فرغ من بيان تمليك الأعيان بغير عوض وهو الهبة شرع في بيان تمليك المنافع بعوض وهو الإجارة وقدم الأول على الثاني ; لأن الأعيان مقدمة على المنافع ; ولأن الأولى فيها عدم العوض, والثانية فيها العوض والعدم مقدم على الوجود, ثم لعقد الإجارة مناسبة خاصة بفعل الصدقة من حيث إنهما يقعان لازمين فلذلك أورد كتاب الإجارة متصلا بفعل الصدقة,
وقال صاحب العناية وإنما جمعها إشارة إلى أنها حقيقة وذات أفراد فإن لها نوعين: نوع يرد على الأعيان كاستئجار الدور والأراضي, ونوع يرد على العمل كاستئجار المحترفين للأعمال نحو الخياطة والقصارة ا هـ.
وسيبين المؤلف أن المنفعة تارة تصير معلومة ببيان المدة, وتارة تصير معلومة بالتسمية وتارة تصير معلومة بالتعيين والإشارة, ولو قال المؤلف كتاب الإيجار لكان أولى ; لأن الذي يعرف هو الإيجار الذي هو بيع المنافع لا الإجارة التي هي الأجرة
قال رحمه الله تعالى. "وهي بيع منفعة معلومة بأجرة معلومة" فقوله بيع جنس يشمل بيع العين والمنفعة وهو وإن كان جنسا كما يكون مدخلا يكون مخرجا كما تقرر في المعقولات فخرج به العارية ; لأنها تمليك المنافع والنكاح ; لأنه تمليك البضع ليس بمنفعة وخرج بقوله منفعة بيع العين وقوله بأجرة معلومة تمام التعريف ولا يخفى أن بيع مصدر باع والمصدر هو المعنى القائم بالذات وجاز أن يراد به اسم المفعول وهو المبيع. وسواء أريد المصدر أو اسم المفعول لا يصلح ما ذكر تعريفا للإيجاب ; لأن الإيجاب والقبول والارتباط غير المعنى المصدري واسم المفعول فهذا تعريف ببعض الخواص, ولو أراد التعريف بالحقيقة لقال هو عقد يرد على بيع إلى آخره, واحترز بذكر المعلوم عما إذا اشتمل العقد على بيع معلوم وأجرة معلومة وشيء مجهول بأن استأجر عبدا مائة معلومة بأجرة معلومة وطعامه وكسوته, وهذا لا يجوز للجهالة كذا في

 

 ج / 8 ص -6-           ...........................................
______
الخلاصة وإنما لا يصح البيع من غير أن يملك الرقبة, ولو ملك المنفعة
قال في الذخيرة وقف على قوم معينين فأجرهم القيم الوقف جاز ; لأنهم لا حق لهم في الرقبة وإنما حقهم في الغلة فصاروا في حق الرقبة كالأجانب إلا أنه يسقط حصة المستأجر من الأجرة ; لأنه لو أخذ منه يسترد له وفي القنية لو أجر القيم نفسه للعمل في الوقف فعمل يستحق الأجرة وبه يفتى, ولو عمل من غير عقد يستحق الأجرة وعليه العمل والكلام في الإجارة في مواضع:
الأول: في معناها لغة قيل هي بيع المنافع قال العيني وفيه نظر قال قاضي زاده, قولهم الإجارة في اللغة بيع المنافع قال الشارح العيني فيه نظر ; لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطيت من كراء الأجير كما صرحوا به قال قاضي زاده والنظر المذكور وارد ; لأن المذكور في كتب اللغة إنما هو الإجارة التي هي اسم الأجرة والذي هو بيع المنافع الإيجار لا الأجرة, قال العيني وتجوز أن تكون الإجارة مصدرا قال قاضي زاده ولم يسمع في اللغة أن الإجارة مصدر وفي المضمرات يقال: أجره إذا أعطاه أجرته والأجرة ما يستحق على عمل الخير ولهذا يدعى به يقال آجرك الله وعظم الله أجرك, وفي كتاب العيني أجره مملوكي وآجره إيجارا فهو مؤجر وفي الأساس أجرني داره فاستأجرتها وهو مؤجر ولا يقل مؤاجر فإنه خطأ وقبيح قال وليس آجر هذا فاعل, بل هو أفعل. ا هـ.
وأما دليلها من الكتاب فهو قوله تعالى حكاية عن شعيب :
{عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: من الآية27]. وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا قصها الله علينا من غير إنكار ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام :"أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه"1, ومن الإجماع فإن الأمة أجمعت على جوازها,
وسبب المشروعية الحاجة ; لأن كل إنسان لا يجد ما يشتري به العين فجوزت للضرورة, وأما ركنها فهو الإيجاب والقبول والارتباط بينهما,
وأما شرط جوازها فثلاثة أشياء: أجر معلوم, وعين معلوم, وبدل معلوم, ومحاسنها دفع الحاجة بقليل المنفعة, وأما حكمها فوقوع الملك في البدلين ساعة فساعة, وأما ألفاظها فتنعقد بلفظين ماضيين أو يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل كقوله أجرتك وأعرتك منفعة داري سنة بكذا وتنعقد بالتعاطي كما في البيع وفي التتارخانية وتنعقد الإجارة بغير


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه ابن ماجة في الأحكام باب أجر الأجراء "2443".

 

 ج / 8 ص -7-           وما صح ثمنا صح أجرة
______
لفظ كما لو استأجر دارا سنة, فلما انقضت المدة قال ربها للمستأجر فرغها لي اليوم وإلا فعليك كل شهر بألف درهم فتجعل في قدر ما ينقل متاعه بأجرة المثل فإن سكن شهرا فهي بما قال المالك إلى آخر ما ذكر. وصفتها أنها عقد لازم وفي العناية ويثبت في الإجارة خيار الشرط والرؤية والعيب كما في البيع ا هـ.
وأفاد المؤلف أن عقد الإجارة ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع فلا تجوز بأن قال أجرتك منافع داري بكذا شهر وإنما يصح إضافته إلى العين, والمراد من المنفعة أن تكون مقصودة من العين فلو استأجر ثيابا ليبسطها ولا يجلس عليها ولا ينام أو دابة ليربطها في داره ويظن الناس أنها له أو ليجعلها جنيبة بين يديه أو آنية يضعها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها فالإجارة في جميع ذلك فاسدة ولا أجرة له ; لأن هذه المنفعة غير مقصودة. كذا في الخلاصة في الجنس الثالث من الدواب كما في البيع ا هـ.
قال رحمه الله "وما صح ثمنا صح أجرة" لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع, ثم إن كانت الأجرة عينا جاز أن يكون كل عين بدلا عن المبيع ولا ينعكس حتى صح أجرة ما لا يصح ثمنا كالمنفعة فإنها لا تصح ثمنا وتصح أجرة إذا كانا مختلفي الجنس كما سيأتي وفي الجوهرة ولو كان عبد بين اثنين فأجر أحدهما نصيبه من شريكه على أن يخيط معه شهرا على أن يخدم الآخر في الشهر الثاني لم يجز من جهة أن النصيبين في العبد الواحد متفقان في الصفقة, ولو كان في العبدين جاز ا هـ. وإن كانت الأجرة دراهم أو دنانير لا بد من بيان القدر والصفة وأنه جيد أو رديء وإن كانت النقود مختلفة انصرفت إلى غالب نقد البلد وإن كانت الأجرة مكيلا أو موزونا يحتاج إلى بيان القدر والصفة ومكان الإيفاء هذا إذا كان له حمل ومؤنة عند الإمام وإلا فلا يحتاج إلى بيان مكان الإيفاء وإن كانت ثيابا أو عروضا فالشرط بيان القدر والأجل والصفة ; لأنه لا يثبت في الذمة إلا بهذا, هذا إذا لم يكن مشارا إليه وفي الهداية وما لا يصلح ثمنا يصلح أجرة أيضا كالأعيان التي ليست من ذوات الأمثال كالحيوان والثياب مثلا فإنها إذا كانت معينة تصلح أجرة ولا تصلح ثمنا كما إذا استأجر دارا بثوب معين فإنه لا يصلح ثمنا لما تقرر في كتاب البيوع, إذ الأموال ثلاثة ثمن محض كالدراهم والدنانير, ومبيع محض كالأعيان التي ليست من ذوات الأمثال وما كان بينهما كالمكيل والموزون قال في العناية: وفيه نظر ; لأن المقايضة بيع وليس فيها إلا العين من الجانبين فإذا لم تصلح ثمنا كان بيعا بلا ثمن وهو باطل وأجيب بأن المراد بالثمن ما ثبت في الذمة, وإذا كانت الأجرة فلسا فغلا أو رخص قبل القبض فالأجرة الفلس لا غير, وإن كسدت فعليه قيمة المنفعة كذا عن أبي يوسف,

 

 ج / 8 ص -8-           والمنفعة تعلم ببيان المدة كالسكنى والزراعة فتصح على مدة معلومة ولم تزد في الأوقاف على ثلاث سنين
______
وكذا إذا كان الثمن مكيلا أو موزونا فانقطع عن أيدي الناس. ا هـ. وأما إذا كانت حيوانا لا يجوز إلا إذا كان معينا.
قال رحمه الله "والمنفعة تعلم ببيان المدة كالسكنى والزراعة فتصح على مدة معلومة" أي مدة كانت ; لأن المدة إذا كانت معلومة كانت المنفعة معلومة فيجوز طالت المدة أو قصرت أو تأخرت بأن كانت مضافة أو تقدمت بأن كانت متصلة بوقت العقد ; ولأن المنافع لا تصير معلومة إلا بضرب المدة, وقال بعضهم لا يجوز أن يضرب إلى مدة لا يعيش إليها عادة ; لأن الغالب كالمتحقق في حق الأحكام فصار كالثابت بعد فلا تجوز وبه كان يفتي القاضي أبو عصمة وبعض العلماء فيجوز ضرب المدة التي لا يعيش إلى مثلها ومنهم الخصاف قال في الخانية: رجل قال لآخر أجرتك دابتي غدا بدرهم, ثم أجرها اليوم وغدا وبعد غد من غيره ثلاثة أيام فجاء الغد وأراد المستأجر الأول أن يفسخ الإجارة الثانية اختلف أصحابنا, في رواية يفسخ الإجارة الثانية وبه أخذ نصير وفي رواية ليس له أن يفسخ وبه أخذ الفقيه أبو جعفر والفقيه أبو الليث وشمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى فيستوفي الأول مدته والثاني ما بقي له,
وفي الولوالجية أجر داره إجارة مضافة بأن قال أجرتك داري مدة شوال وهما في رمضان, ثم باعها من آخر فالبيع موقوف على إجارة المستأجر وفي الخلاصة أجرتك داري غدا فللمؤجر بيعها اليوم وتنتقض الإجارة.
قال رحمه الله "ولم تزد في الأوقاف على ثلاث سنين" يعني لا يزاد على هذه المدة خوفا من دعوى المستأجر أنها ملكه إذا تطاولت المدة وذكر بعضهم الحيلة في جواز الزيادة على ثلاث سنين أن يعقد عقودا كل عقد على سنة ويكتب في الكتاب أن فلان بن فلان استأجر وقف كذا كذا سنة في كذا كذا عقدا وذكر صدر الإسلام أن الحيلة فيه أن يرفع الأمر إلى الحاكم حتى يجيزه هذا إذا لم ينص الواقف على مدة فلو نص الواقف على مدة فهو على ما شرط قصرت المدة أو طالت ; لأن شرط الواقف يراعى, كذا نقله الشارح. وفي الخانية وإن كان الواقف شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة يجب مراعاة شرطه ولا يفتى بجواز هذه الإجارة أكثر من سنة, زاد في الذخيرة إلا إذا كانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فحينئذ تؤجر أكثر من سنة إن لم يشترط الواقف شيئا قال الفقيه أبو جعفر أجوزها في الثلاثة ولا أجوزها في أكثر من ذلك والصدر الشهيد حسام الدين كان يقول يفتى في الضياع بالجواز في ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز وفي غير الضياع يفتى بعدم الجواز

 

 ج / 8 ص -9-           أو بالتسمية كالاستئجار على صبغ الثوب وخياطته أو بالإشارة كالاستئجار على نقل هذا الطعام إلى كذا
______
فيما زاد على سنة إلا إذا كانت المصلحة في الجواز, وهذا أمر يختلف باختلاف الزمان والمواضع. والمراد بعدم الجواز عدم الصحة, وقيل تصح وتفسخ ذكره النسفي وإجارة الوقف ومال اليتيم لا يجوز إلا بأجر المثل فلو أجر بدون أجرة المثل يلزم المستأجر تمام الأجرة وعليه الفتوى كذا في قاضي خان, وإذا استأجر الوقف فرخصت الأجرة لا تفسخ الإجارة وإن زادت أجرة مثلها بعد مضي بعض المدة ذكر في فتاوى أهل سمرقند أنه لا يفسخ العقد, وذكر في شرح الطحاوي أنه يفسخ العقد ويحدد على ما زاد, ولو كانت الأرض بحال لا يمكن فسخها بأن كانت مزروعة لم تحصد, فمن وقت الزيادة تجب إلى انتهاء المدة هذا إذا زادت عند الكل قال في شرح الطحاوي أما في الأملاك لا يفسخ العقد برخص أجرة المثل ولا بزيادته باتفاق الروايات,
وفي التتارخانية في باب من يجب الأجر الجاري سئل عمن آجر منزلا لرجل والمنزل وقف على الآخر وعلى أولاده فأنفق المستأجر في عمارة المنزل بأمر المؤجر قال إن كان للمؤجر ولاية على الوقف كان على المستأجر أجرة مثله ولا يرجع بما أنفق وإن لم يكن له ولاية على الوقف كان متطوعا ولا يرجع بشيء. ا هـ.
وقد وقعت حادثة الفتوى في واقف شرط في كتاب وقفه أن لا يؤاجر وقفه من متجر ولا من ظالم ولا من حاكم فأجر الناظر الوقف منهم وعجلوا الأجرة قدر أجرة المثل هل يجوز هذا العقد ; لأن الواقف إنما منع خوفا على الأجرة من الضياع وعدم حصول النفع للفقراء أو لا يجوز؟ فأجيب بالجواز أخذا من قول صاحب الوجيز إذا شرط الواقف مدة وإن كان نفع الفقراء في غيره يخالف شرط الواقف ويؤجر بخلافه.
قال رحمه الله "أو بالتسمية كالاستئجار على صبغ الثوب وخياطته" يعني المنفعة تعلم بالتسمية فيما ذكر من الصبغ والخياطة كما ذكر المؤلف, وكذلك استئجار الدابة للحمل والركوب ; ولأنه إذا بين المصبوغ والصبغ, وقدر ما يصبغ به وجنسه وجنس الخياطة والمخيط ومن يركب على الدابة والقدر المحمول عليها والمسافة صارت المنفعة معلومة بلا شبهة فصح العقد ومن هذا النوع الاستئجار على العمل كالقصارة ونحوه وبه يعلم فساد إجارة دواب العلافين في ديارنا لعدم بيان الوقت والموضع.
قال رحمه الله "أو بالإشارة كالاستئجار على نقل هذا الطعام إلى كذا" يعني تكون المنفعة معلومة بالإشارة كما ذكر ; لأنه إذا علم المنقول والمكان المنقول إليه صارت المنفعة معلومة,

 

 ج / 8 ص -10-        والأجرة لا تملك بالعقد, بل بالتعجيل أو بشرطه أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه
______
وهذا النوع قريب من النوع الأول.
قال رحمه الله "والأجرة لا تملك بالعقد, بل بالتعجيل أو بشرطه أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه" يعني الأجرة لا تملك بنفس العقد, سواء كانت عينا أو دينا وإنما تملك بالتعجيل أو بشرطه أو باستيفاء المعقود عليه وهي المنفعة أو بالتمكن من الاستيفاء بتسليم العين المستأجرة في المدة ا هـ. كلام الشارح. والظاهر من إطلاق الماتن والشارح أن الأجرة تملك بالتمكن من الاستيفاء في المدة, سواء استعملها في المدة أو لا ويخالفه ما في الخلاصة حيث قال استأجر دابة ليركبها إلى مكان كذا مثلا فحبسها في بيته لم تجب الأجرة. ا هـ. والظاهر من إطلاق المؤلف رحمه الله تعالى أن الأجرة تجب باستيفاء المنفعة سواء كان ذلك في مدة الإجارة أو بعد مدة الإجارة وسواء استأجرها ليركبها في المصر أو خارجه, ويخالفه ما ذكره بعض العلماء حيث قال: ولو ذكر مدة ومسافة فركبها إلى ذلك المكان بعد مضي المدة لم تجب الأجرة. ا هـ.
وفي العتابية هذا إذا استأجرها ليركبها خارج المصر, ولو كان ليركبها في المصر وحبسها في بيته تجب الأجرة, قال في المحيط: والتمكن من الاستيفاء في غير المدة المضاف إليها لا يكفي لوجوب الأجرة, وكذا التمكن في غير المكان لا يكفي لوجوب الأجرة, فلو قال رحمه الله تعالى أو بالتمكن منه في المدة واستوفى لكان أولى,
وقال الإمام الشافعي تملك بنفس العقد ويجب تسليمها عند تسليم العين المستأجرة ; لأنها عقد معاوضة ولنا أنه عقد معاوضة فيقتضي المساواة بينهما وذلك بتقابل البدلين في الملك والتسليم وأحد البدلين وهو المنفعة لم يصر مملوكا بنفس العقد لاستحالة ثبوت الملك في المعدوم, ولو ملك الأجرة لملكها من غير بدل وهو ليس من قضية المعاوضة فتأخر الملك فيه ضرورة جواز العقد ; لأن المنفعة عوض لا يبقى زمانين والمنفعة إنما جعلت موجودة في حق الإيجاب والقبول وما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها, لا يقال لو لم يجعل المعدوم موجودا في حق العقد والأجرة لما جاز الإيجار بالدين ; لأنا نقول إنما جاز الإيجار بالدين ; لأن العقد لم ينعقد في حق المنفعة فلم يصر دينا في المدة وإنما ينعقد في حق الارتباط, وعند انعقاد العقد وهو زمان حدوثها تصير هي مقبوضة فلا يكون دينا بدين أصلا, ولو كان العقد ينعقد في حق المنفعة لما جازت الإجارة بالدين المؤجل أصلا كما لا يجوز السلم به, ولو جاز أن يجعل المعدوم كالمستوفى لجاز ذلك في السلم أيضا, وإذا عجلها أو اشترط تعجيلها فقد التزمه بنفسه وأبطل المساواة التي اقتضاها العقد. قال في العناية: واعترض بأن شرط التعجيل فاسد ; لأنه

 

 ج / 8 ص -11-        ...........................................
______
يخالف مقتضى العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين وله مطالب فيفسد العقد. والجواب أن كونه مخالفا إما أن يكون من حيث كونه إجارة أو من حيث كونه معاوضة, والأول مسلم وليس شرط التعجيل باعتباره, والثاني ممنوع فإن تعجيل البدل واشتراطه لا يخالف من حيث المعاوضة, وفي المحيط وحينئذ فللمؤجر حبس المنافع حتى يستوفي الأجرة ويطالبه بها ويحبسه وحقه الفسخ أن الحاكم يعجل ا هـ.
ولو أجر إجارة مضافة واشترط تعجيل الأجرة حيث يكون الشرط باطلا ولا يلزم للحال شيء ; لأن امتناع وجوب الأجرة ليس بمقتضى العقد, بل بالتصريح بالإضافة إلى وقت في المستقبل, والمضاف إلى وقت لا يكون موجودا قبل ذلك الوقت فلا يتغير هذا المعنى بالشرط وفيما نحن فيه إنما لا يجب لاقتضاء العقد المساواة, وقد بطل بالتصريح لا يقال يصح الإبراء عن الأجرة بعد العقد, ولو لم يملكها لما صح, وكذا يصح الارتهان والكفالة بها, وكذا لو تزوج امرأة بسكنى داره سنة وسلم ليس لها أن تمنع نفسها, ولو لم تملك المنفعة لمنعت نفسها ; لأنا نقول لا يصح الإبراء عن الثاني لعدم وجوبه كالمضاف بخلاف الدين المؤجل ; لأنه ثابت في الذمة فجاز الإبراء عنه والجواب على قول محمد أنه وجد سببه فجاز الإبراء عنه كالإبراء عن القصاص بعد الجرح والرهن والكفالة للوثيقة فلا يشترط فيه حقيقة الوجوب, ألا ترى أنهما جائزان في البيع المشروط فيه الخيار وبالدين الموعود وجازت الكفالة بالدرك وإنما لم يكن للمرأة أن تحبس نفسها بعد تسليم الدار إليها ; لأنه أوفى ما سمى لها برضاها
وفي المحيط ولو وهب المؤجر أجرة رمضان هل يجوز؟ قال محمد إن استأجره سنة لا يجوز وإن استأجره مشاهرة يجوز إذا دخل رمضان ولا يجوز قبله, وعن أبي يوسف لا يجوز إلا بعد مضي المدة, ولو مضى من السنة نصفها, ثم أبرأه عن الجميع أو وهبها منه فإنه يبرأ عن الكل في قول محمد, وعند أبي يوسف برئ عن النصف ولا يبرأ عن النصف ا هـ. وعبر المؤلف بقوله لا تملك ; لأن لفظ محمد في الجامع الأجرة لا تملك بنفس العقد,
قال صاحب النهاية: الأجرة لا تجب بالعقد معناه لا يجب تسليمها وأداؤها بمجرد العقد وليس بواضح ; لأن نفي وجوب التسليم لا يستلزم نفي الملك كالمبيع فإنه يملكه المشتري بمجرد العقد ولا يجب تسليمه ما لم يقبض الثمن, والصواب أن يقال معناه لا تملك ; لأن محمدا ذكر في الجامع الصغير أن الأجرة لا تملك وما لا يملك لا يجب إيفاؤه, فإن قلت فإذا لم يستلزم نفي الوجوب نفي الملك كان أعم منه, وذكر العام وإرادة الخاص ليس بمجاز شائع لعدم دلالة الأعم على الأخص أصلا, وقال صاحب الهداية: الأجرة لا تجب

 

 ج / 8 ص -12-        ...........................................
______
بالعقد قال تاج الشريعة1 أي وجوب الأداء أما نفس الوجوب فيثبت بنفس العقد, وقال صاحب الكفالة المراد نفس الوجوب لا وجوب الأداء وبيان ذلك إجمالا وتفصيلا أما إجمالا ; فلأن الأجرة لو كانت عبدا فأعتقه المؤجر قبل وجود أحد المعاني الثلاثة لا يعتق فلو كان نفس الوجوب ثابتا لصح الإعتاق كما في البيع. ا هـ. وإذا لم يتملك بنفس العقد ليس له أن يطالبه بالأجرة وفي المحيط لو طالبه بالأجرة عينا وقبض جاز لتضمينه تعجيل الأجرة, وقال أيضا وإذا لم يوجد أحد هذه الأمور يأخذ الأجرة يوما فيوما في العقار وفي المسافات كل مرحلة وفي المنتقى رجل استأجر دابة بالكوفة إلى الري بدراهم أي النقدين يجب على المستأجر قال نقد الكوفة ; لأنه مكان العقد فينصرف مطلق الدراهم إلى المتعارف فيها,
وفي العتابية وإذا عجل الأجرة إلى ربها لا يملك الاسترداد, ولو كانت الأجرة عينا فأعارها, ثم أودعها إلى رب الدار فهو كالتعجيل. ا هـ. وفي شرح الطحاوي الأجرة لا تخلو إما أن تكون معجلة أو مؤجلة أو منجمة أو مسكوتا عنها فإن كانت معجلة فإن له أن يتملكها وله أن يطالب بها وإن كانت مؤجلة, فليس له أن يطالب إلا بعد الأجل وإن كانت منجمة فله أن يطالب عند كل نجم وإن كانت مسكوتا عنها تقدم بيان ذلك في العقار وفي المسافة إذا امتنع من الحمل فيما بقي يجبر عليه ا هـ. بالمعنى,
وفي النسفية استأجر حانوتا مدة معلومة بأجرة معلومة وسكن فخرب الحانوت في بعض المدة وتعطل وكان يمكنه الانتقال فلم يفعل وسكن المدة نلزمه جميع الأجرة, ولو استأجره ليحمل هذا إلى موضع كذا فحمل نصف الطريق وأعاده إلى مكانه الأول فلا أجر له استأجر دابة إلى مكة فلم يركبها ومضى راجلا إن كان بغير عذر في الدابة فعليه الأجرة وإن كان لعذر في الدابة لا أجر عليه طالبه بالأجرة بعد المدة فقال قصرت في العمل فلك بعض الأجرة, وقال لم أقصر فله الأجرة كاملة استأجره ليحمل له العصير فحمله فإذا هو خمر قال أبو يوسف: لا أجر له, وقال محمد إن علم أنه خمر فلا أجر له وإن لم يعلم فله الأجر,
وفي الذخيرة من الفصل السابع والعشرين في الاختلاف لو اختلف المستأجر والآجر بعد شهر والمفتاح مع المستأجر, وقال لم أقدر على فتحه, وقال المؤجر, بل قدرت على فتحه وسكنت ولا بينة لهما يحكم الحال, وإن أقاما بينة فالبينة بينة رب المنزل. ا هـ. وفي القنية تسليم المفتاح في المصر مع التخلية قبض وفي السواد ليس بقبض وفي فتاوى


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاج الشريعة: هو محمود بن أحمد بن عبيد الله المحبوبي "ت 747 هـ" الفووائد البهية "110".

 

 ج / 8 ص -13-        فإن غصبها غاصب منه سقطت الأجرة
______
الولوالجي ولو استأجر دارا على عبد بعينه, ثم وهب العبد من المستأجر قبل القبض, وقال المستأجر قبلت كان ذلك إقالة, ومراد المصنف الإجارة المنجزة ; لأن المضافة لا تملك الأجرة فيها بشرط التعجيل وقوله أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه يعني يجب بالاستيفاء للمنفعة أو بالتمكن وإن لم يستوف,
وفي الهداية وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكن قال في النهاية: وهذه مقيدة بقيود, أحدها: التمكن فإذا لم يتمكن بأن منعه المالك أو الأجنبي أو سلم الدار مشغولة بمتاعه لا تجب الأجرة. الثاني: أن تكون الإجارة صحيحة فإن كانت فاسدة فلا بد من حقيقة الانتفاع. والثالث: إن التمكن إنما يجب أن يكون في مكان العقد حتى لو استأجرها للكوفة فسلمها في بغداد حين مضت المدة فلا أجر عليه. والرابع: أن يكون متمكنا من الاستيفاء في المدة فلو استأجر دابة إلى الكوفة في هذا اليوم وذهب بعد مضي اليوم بالدابة ولم يركب لم يجب الأجر ; لأنه إنما تمكن بعد مضي المدة
وفي المحيط أمر رجلا أن يستأجر له دارا سنة كاملة فاستأجرها وتسلمها الوكيل وسكنها هو سنة, قال أبو يوسف لا أجر على المؤجر والأجرة على المأمور, وقال محمد الأجر على الموكل ; لأن قبض وكيله كقبض نفسه والمأمور غاصب للسكنى فلا يجب عليه أجر.
قال رحمه الله "فإن غصبها غاصب منه سقطت الأجرة" يعني إذا غصب العين المستأجرة في جميع المدة غاصب سقطت الأجرة, ولو في بعضها فبقدره لزوال التمكن من الانتفاع وهو شرط لوجوب الأجرة كما بين, وهل تنفسخ بالغصب؟ قال صاحب الهداية تنفسخ, وقال فخر الإسلام في فتاويه والفضلي لا تنفسخ فإذا أراد المستأجر أن يسكن بقية المدة ليس للمؤجر منعه ا هـ. وفي قاضي خان أيضا جاء المغصوب منه إلى الغاصب, وقال الدار داري إن لم تخرج منها فهي عليك كل شهر بمائة درهم, قال محمد إن كان الغاصب منكرا ويقول الدار لي ويسكن مدة فأقام المغصوب منه البينة أنها داره فقضي له بها لا أجر عليه وإن كان مقرا يلزمه المسمى. ا هـ.
وفي الولوالجية رجل دفع ثوبا إلى قصار ليقصره بأجرة معلومة فجحد القصار الثوب, ثم جاء به مقصورا وأقر قال هذا على وجهين إن قصره قبل الجحود له الأجر وإن قصره بعد الجحود لا أجر له, ولو كان صباغا والمسألة بحالها إن صبغه قبل الجحود فله الأجر وإن صبغه بعده فرب الثوب بالخيار إن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة ما زاد فيه وإن شاء ترك الثوب وضمنه قيمة ثوب أبيض ا هـ. وفي التتارخانية رجل استأجر دابة إلى مكان معلوم, فلما بلغ نصف المدة أنكر الإجارة لزمه من الأجرة ما قبل الإنكار ولا يلزم ما بعده وهو قول الثاني, وقال محمد لا

 

 ج / 8 ص -14-        ولرب الدار والأرض طلب الأجرة كل يوم وللجمال كل مرحلة وللخياط والقصار بعد الفراغ من عمله
______
تسقط عنه الأجرة بنفس الإنكار, ولو كان عبدا والمسألة بحالها وقيمة العبد يوم العقد ألفان ويوم الجحود ألف فهلك العبد في يده بعدما مضت السنة فالأجرة لازمة وتجب كل الأجرة ويجب عليه قيمة العبد وينبغي أن يكون هذا على قول محمد وعلى قول الثاني لما جحد فقد أسقط الأجر,
وفي المحيط لو غرقت الأرض أو انقطع عنها الشرب أو مرض العبد سقط من الأجر بقدره لفوات التمكن من الانتفاع في المدة, ولو استأجر دارا سنة فلم يسلمها الآجر حتى مضى شهر لم يكن لأحدهما الامتناع عن التسليم في الثاني ; لأن الإجارة وإن كانت عقدا واحدا حقيقة لكنها عقود متفرقة مضافة إلى ما يوجد من المنفعة, ومن المشايخ من قال هذا إذا لم يكن في مدة الإجارة وقت يرغب في الإجارة لأجله, فإن كان وقت يرغب في الإجارة لأجله زيادة رغبة كحانوت في سوق رواجه في بعض السنة أو دار بمكة تستأجر سنة لأجل الموسم فلم تسلم في الوقت الذي يرغب لأجله فإنه يخير في بعض الباقي دفعا للضرر عنه. ا هـ.
قال رحمه الله "ولرب الدار والأرض طلب الأجرة كل يوم وللجمال كل مرحلة" يعني إذا وقعت الإجارة مطلقة ولم يتعرض فيها لوقت وجوب الأجرة فللمؤجر ما ذكره والأصل فيه أن الإجارة معاوضة والملك في المنافع يمتنع ثبوته زمان العقد فكذا الملك في الأجرة على ما بينا وكان الإمام أولا يقول في جميع أنواع الإجارة لا تجب الأجرة حتى يستوفي المنفعة, ثم رجع لما ذكر هنا وكان القياس أن تجب الأجرة ساعة فساعة إلا أنه يفضي إلى الحرج فتركناه لهذا, وفي الخلاصة امرأة أجرت دارها من زوجها, ثم أسكنها فيها لا تجب الأجرة, ولو استأجر دارا شهرا و سكن فيها مع صاحب الدار إلى آخر الشهر فقال المستأجر لا أدفع الأجرة لعدم التخلية فعليه من الأجرة بقدر ما في يده لوجود التخلية فيها. ا هـ. ولو عبر بالفاء التفريعية لكان أولى ليفيد أنه متفرع على الاستيفاء والتمكن.
قال رحمه الله "وللخياط والقصار بعد الفراغ من عمله" يعني إذا وقعت الإجارة مطلقة عن وقت وجوب الأجرة فللعامل أن يطالب بعدما ذكر المؤلف وأطلق في قوله بعد الفراغ فأفاد أنه لا فرق بينهما إذا عمل في بيت نفسه أو في بيت المستأجر كما ذكره صاحب الهداية وصاحب التجريد وذكر في المبسوط والفوائد الظهيرية والذخيرة ومبسوط شيخ الإسلام وشرح الجامع الصغير لفخر الإسلام وقاضي خان والتمرتاشي إذا خاط في بيت المستأجر تجب الأجرة له بحسابه حتى إذا سرق الثوب بعدما خاط بعضه يستحق الأجرة بحسابه واستشهد

 

 ج / 8 ص -15-        وللخباز بعد إخراج الخبز من التنور فإن أخرجه فاحترق فله الأجر ولا ضمان عليه
______
في الأصل لهذا بما إذا استأجر إنسانا ليبني له حائطا فبنى بعضه, ثم انهدم فله أجر ما بنى فهذا يدل على أنه يستحق الأجرة ببعض العمل إلا أن يشترط فيه التسليم إلى المستأجر ونقل هذا عن الكرخي وجزم به في غاية البيان فكان هو المذهب ففي سكنى الدار وقطع المسافة صار مسلما له بمجرد تسليم الدار وقطع المسافة وفي الخياطة ونحوها لا يكون مسلما إليه إلا إذا سلمه إلى صاحبه حقيقة
وفي الخياطة في منزل المستأجر يحصل التسليم بمجرد العمل إذ هو في منزله والمنزل في يده فلا يحتاج إلى تسليم ليده ويعرف توزيع الأجرة بقول أهل الخبرة بها والخيط والإبرة على الخياط حيث كان العرف ذلك.
قال رحمه الله "وللخباز بعد إخراج الخبز من التنور" يعني إذا أطلق الأجرة ولم يبين وقتها فللخباز أن يطالب بها بعد إخراج الخبز من التنور ; لأنه بإخراجه قد فرغ من عمله فيملك المطالبة كالخياط إذا فرغ من العمل حتى إذا خبزه في بيت المستأجر ; لأنه صار مسلما إليه بمجرد الإخراج فيستحق الأجرة وإن كان في منزل الخباز لم يكن مسلما بمجرد الإخراج من التنور فلا بد من التسليم إلى يده, وفي المحيط استأجر دابة ليطحن عليها كل يوم عشرة أقفزة فوجدها لا تطيق إلا خمسة فله الخيار وعليه الأجر بحساب ما عمل من الأيام ولا يحط من الأجر شيئا ; لأن الإجارة وقعت على الوقت لا على العمل فلا توزع الأجرة على العمل, وفي المسألة إشكال على قول الإمام ; لأنه إذا استأجر خبازا ليخبز له اليوم بدرهم يكون فاسدا, والفرق أن مقدار العمل في باب الطحن في العرف والعادة لا يذكر لتعليق العقد بالعمل, وإنما يذكر لبيان قوة الدابة فبقيت الإجارة على الوقت وفي الخبز يذكر مقدار العمل لتعليق العقد بالعمل لا لبيان قوة الخباز فيصير العقد مجهولا فيفسد.
قال رحمه الله "فإن أخرجه فاحترق فله الأجر ولا ضمان عليه" يعني إذا أخرج الخبز من التنور, ثم احترق هذا إذا خبز في منزل المستأجر ; لأنه بمجرد الإخراج صار مسلما ولا يجب عليه الضمان إذا هلك بعد ذلك بالإجماع ; لأنه هلك بعد التسليم, ولو احترق في التنور قبل الإخراج قال في النهاية يضمن ; لأنه جناية يده وإن كان الخباز يخبز في منزل نفسه لا يستحق الأجر بالإخراج ولا يجب عليه الضمان عند الإمام, وعندهما يجب الضمان, وإذا صار ضامنا فالمالك بالخيار, إن شاء ضمنه دقيقا مثل دقيقه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمة الخبز وأعطاه الأجر ولا يجب عليه ضمان الحطب والملح ; لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه وحين ما وجب عليه الضمان كان رمادا.

 

 ج / 8 ص -16-        وللطباخ بعد الغرف وللبان بعد الإقامة ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والقصار يحبسها للأجر
______
قال رحمه الله "وللطباخ بعد الغرف" يعني للطباخ أن يطالب بالأجرة بعد الغرف ; لأن الغرف عليه, وهذا إذا طبخ للوليمة أو للعرس فإن كان يطبخ قدرا خاصا, فليس عليه الغرف ; لأن العادة لم تجر به والمعتبر هو العرف, وفي التتارخانية وإن استأجر دابة للحمل ففي الإكاف والجوالق يعتبر العرف, ولو للركوب ففي اللجام والسرج يعتبر العرف وفي إدخال الطعام المنزل وإخراج الحمل يعتبر العرف وإحثاء التراب على القبر على الحفار وحمل الثوب على القصار.
قال رحمه الله "وللبان بعد الإقامة" يعني إذا استأجره ليضرب له لبنا في أرضه يستحق الأجرة إذا أقامه عند الإمام, وقالا لا يستحق حتى يشرجه ; لأن التشريج من تمام عمله ; لأنه لا يؤمن عليه الفساد إلا به ; ولأنه هو الذي يتولاه عادة والمعتاد كالمشروط, وقولهما استحسان وللإمام أن العمل قد تم بالإقامة والانتفاع به ممكن وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أفسده المطر ونحوه بعد الإقامة فعنده تجب الأجرة, وعندهما لا تجب هذا إذا لبن في أرض المستأجر ; لأنه يصير مسلما إليه بالإقامة أو بالتشريج على اختلاف الأصلين, ولو لبن في أرض نفسه لا تستحق الأجرة حتى يسلمه إليه, وفي الجوهرة وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا تلف اللبن قبل التشريج فعند الإمام هلك من مال المستأجر, وعندهما من مال الأجير والتشريج أن يركب بعضه على بعض بعد الجفاف.
قال رحمه الله "ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والقصار يحبسها للأجر" يعني لمن ذكر أن يحبس العين إذا عمل حتى يستوفي الأجر ; لأن المعقود عليه وصف في المحل فكان له حق الحبس لاستيفاء البدل كما في البيع, قال في النهاية: القصار إذا ظهر عمله باستعمال النشا كان له حق الحبس وإن لم يكن لعمله إلا إزالة الدرن اختلفوا فيه والأصح أن له الحبس على كل حال ; لأن البياض كان مستترا, وقد ظهر بفعله بعد أن كان هالكا, وقال زفر: ليس له الحبس ; لأنه صار متصلا بملك الآخر كما لو أمر شخصا بأن يزرع له أرضه ببذر من عنده قرضا فزرعها المأمور صار قابضا باتصاله بملكه فصار كما إذا صبغ في بيت المستأجر قلنا اتصال العمل بالمحل ضرورة إقامة العمل, فلم يكن راضيا بهذا الاتصال من حيث إنه تسليم, بل رضاه في تحقيق عمل الصبغ ونحوه من الأثر في المحل إذ لا وجود للعمل إلا به فكان مضطرا إليه وليس هذا كصبغه في بيت المستأجر ; لأن العين في يد المستأجر فيكون راضيا بالتسليم ; لأنه كان يمكنه التحرز عنه بأن يعمل في غير بيته وفي الخلاصة إلا إذا كانت الأجرة مؤجلة وقبل العمل,

 

 ج / 8 ص -17-        وإن حبس فضاع فلا ضمان عليه ولا أجر
______
فليس له الحبس. ا هـ. والمراد بالأثر أن يكون الأثر متصلا بمحل العمل كالنشاء والصبغ وقبل أن يرى ويعاين في محل العمل وثمرة الخلاف تظهر في كسر الحطب وحلق رأس العبد, فليس له الحبس على الأول وله الحبس على الثاني.
قال رحمه الله "وإن حبس فضاع فلا ضمان عليه ولا أجر" أما عدم الضمان ; فلأن العين أمانة في يده وله حبس العين شرعا فلم يكن به متعديا فلا يجب عليه الضمان ولا يجب الأجر ; لأن المعقود عليه هلك قبل التسليم وهو يوجب سقوط البدل كما في البيع وهو قول الإمام أحمد, وعندهما يضمن العين ; لأنها كانت مضمونة عليه قبل الحبس فلا يسقط ذلك بالحبس وصاحب العين بالخيار إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له ; لأن العمل لم يسلم إليه وإن شاء ضمنه قيمته معمولا وله الأجر ; لأن العمل صار مسلما إليه بتسليم بدله, ولو أتلف الأجير الثوب ويتخير صاحب الثوب في التضمين كما تقدم وفي المضمرات فإن حبس العين من ليس له حق الحبس فهلكت ضمنها ضمان الغاصب, والمؤاجر يخير إن شاء ضمنه قيمتها معمولا وأعطاه الأجير أجرته وإن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا يعطي الأجير ا هـ. وفي فتاوى أبي الليث نساج نسج ثوبا فجاء به ليأخذ الأجرة, فقال له صاحب الثوب اذهب به إلى منزلك فإذا فرغنا من الجمعة دفعت لك الأجرة فاختلس الثوب من يد النساج في المزاحمة قال إن كان الحائك دفع الثوب لربه فدفعه للحائك على وجه الرهن وهلك الثوب هلك بالأجرة وإن دفعه إليه على وجه الوديعة فهلك هلك على الأمانة والأجر على حاله ; لأنه سلم العمل إلى صاحبه فيقرر عليه الأجر وفي المنتقى حائك عمل ثوبا بالآخر فتعلق الأمر فيه ليأخذه فأبى الحائك أن يدفعه حتى يأخذ الأجرة فتخرق من يد صاحبه لا ضمان على الحائك وإن تخرق من يدهما فعلى الحائك نصف ضمان الخرق. ا هـ.
وفي الخانية ولو جاء الحائك بالثوب إلى صاحبه فقال له رب الثوب امسك حتى أفرغ من العمل وأعطيك الأجر فسرق منه لا يضمن. ا هـ. وفي الخانية السمسار إذا باع شيئا من الثياب بأمر ربها وأمسك الثمن حتى ينقد الأجرة فسرق منه الثمن لا يضمن ا هـ. وفي الحاوي رجل أقرض آخر دراهم فاستأجر منه داره مدة معلومة بأجرة معلومة وجعل الأجر ببعض الدين قصاصا ومضت مدة الإجارة هل للمقرض أن يحبس العين بعد انقضاء المدة, قال ليس له المنع وفي السغناقي لو تزوج امرأة على سكنى دار سنة فسلم الدار إليها ليس لها أن تحبس نفسها عنه. ا هـ.
وفي الولوالجية إذا أجر داره سنة وعجل الأجرة ولم يسلم إلى المستأجر حتى مات الآجر وانفسخ العقد لا يكون للمستأجر ولاية الحبس في الأجرة المعجلة, ولو كانت الإجارة فاسدة وفسخا العقد بسبب الفساد ليس للمستأجر أن يحبس العين بالدين السابق وفي

 

 ج / 8 ص -18-        ومن لا أثر لعمله كالحمال والملاح لا يحبس للأجر ولا يستعمل غيره إن شرط عمله بنفسه وإن أطلق له أن يستأجر غيره وإن استأجره ليجيء بعياله فمات بعضهم فجاء بمن بقي فله الأجر بحسابه ولا أجر لحامل الكتاب للجواب ولا لحامل الطعام إن رده للموت
______
الخلاصة وفي الإجارة الفاسدة للمستأجر حق الحبس لاستيفاء الأجرة المعجلة.
قال رحمه الله "ومن لا أثر لعمله كالحمال والملاح لا يحبس للأجر" يعني ليس له أن يحبس للأجر ; لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض يفنى ولا يتصور بقاؤه واختلفوا في غسل الثوب حسب اختلافهم في القصار بلا نشاء كما تقدم وفي شرح القدوري قال أبو يوسف في الحمال إذا طلب الأجرة ما بلغ المنزل قبل أن يضعه ليس له ذلك. ا هـ. وفي الفتاوى استأجر جمالا ليحمل له إلى بلدة كذا بكذا فحمله, فقال له صاحب الجمل أمسكه عندك فهلك فلا ضمان عليه بلا خلاف.
قال رحمه الله "ولا يستعمل غيره إن شرط عمله بنفسه" يعني ليس للأجير أن يستعمل غيره إذا شرط عليه أن يعمل بنفسه ; لأن المعقود عليه العمل من محل معين فلا يقوم غيره مقامه كما إذا كان المعقود عليه المنفعة كما إذا استأجر رجلا للخدمة شهرا لا يقوم غيره مقامه في الخدمة ولا يستحق به الأجر.
قال رحمه الله "وإن أطلق له أن يستأجر غيره" لأن الواجب عليه عمل مطلق في ذمته ويمكن الإيفاء بنفسه وبغيره كالمأمور بقضاء الدين.
قال رحمه الله "وإن استأجره ليجيء بعياله فمات بعضهم فجاء بمن بقي فله الأجر بحسابه" لأنه أوفى ببعض المعقود عليه فيستحق الأجر بحسابه قال الفقيه أبو جعفر الهندواني هذا إذا كانوا معلومين حتى يكون الأجر مقابلا لجملتهم وإن كانوا غير معلومين يجب الأجر. ا هـ. وفي الخلاصة وإذا كانوا غير معلومين فالإجارة فاسدة وفي النهاية نقلا عن الفضلي إذا استأجره في المصر ليحمل له الحنطة من القرية فذهب فلم يجد الحنطة فعاد إن كان قال استأجرت منك من المصر حتى أحمل الحنطة من القرية يجب نصف الأجر بالذهاب, وإن قال استأجرت منك حتى أحمل الحنطة من القرية لا يجب شيء ; لأن الإجارة على الحمل لا غير, وفي الأول على الذهاب والحمل وعزاه إلى الذخيرة, وروى هشام عن محمد لا أجر ومثله في السفينة ا هـ. كلام الشارح. وفي التتارخانية من باب ما يستحق الفارس استأجره ليحمل له كذا كذا من المطمورة فذهب فلم يجد المطمورة استحق نصف الأجرة. ا هـ. فظهر أنه لا فرق كما ذكره الشارح.
قال رحمه الله "ولا أجر لحامل الكتاب للجواب ولا لحامل الطعام إن رده للموت" يعني

 

 ج / 8 ص -19-        ...........................................
______
إذا استأجره ليذهب بطعامه إلى فلان بمكة أو ليذهب بكتابه إليه ويجيء بجوابه فذهب ووجد فلانا ميتا ورده فلا أجر له ; لأنه نقض المعقود عليه بالرد فصار كأنه لم يفعل فلا يستحق الأجر, وقال زفر له الأجر في الطعام ; لأن الأجرة بمقابلة حمل الطعام إلى مكة, وقد وفى بالمشروط عليه فاستحقت الأجرة, وقال محمد له الأجر للذهاب في نقل الكتاب ; لأنه أوفى ببعض المعقود عليه, قلنا الأجرة مقابلة بالجواب والنقل ولم يوجد ولم يأت بالمعقود عليه فلا أجر له كما لو نقض الخياط الخياطة بعد الفراغ من العمل فلو وجده غائبا فهو كما لو وجده ميتا لتعذر الوصول إليه, ولو ترك الكتاب هناك ليوصله إليه أو إلى ورثته فله الأجر في الذهاب ; لأنه أتى بأقصى ما في وسعه قال في المحيط, ولو استأجر رسولا ليبلغ رسالته إلى فلان ببغداد فلم يجد فلانا وعاد فله الأجر ; لأن الأجر بقطع المسافة ; لأنه أتى بما في وسعه, وأما الاجتماع, فليس في وسعه فلا يقابله الأجر وفي الخلاصة ولو استأجره ليبلغ الرسالة إلى فلان بالبصرة فذهب الرجل فلم يجد المرسل إليه أو وجده, لكن لم يبلغ الرسالة ورجع فله الأجر ا هـ. أقول: لعله لم يبلغ الرسالة لعدم تمكنه من التبليغ فعذره, قال في الخلاصة: والفرق بين الرسالة والكتاب أن الرسالة قد تكون سرا لا برضى المرسل أن يطلع عليها غيره أما الكتاب فمختوم قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني: لا نسلم الفرق, بل هما سواء في الحكم ا هـ.
وفي المحيط استأجر خياطا ليخيط قميصا فخاطه ففتقه رجل قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر له ; لأنه تلف قبل التسليم ولا يجبر الخياط على أن يعيده, فإن كان الخياط فتقه يجبر على عوده, استأجر ملاحا لحمل طعام إلى موضع كذا فرد السفينة إنسان فلا أجر للملاح وليس له أن يعيد السفينة وإن ردها الملاح بنفسه لزمه الرد, ولو استأجر سفينة مدة معلومة فانقضت المدة في أثناء البحر تترك السفينة في يده إلى بلوغ ذلك المكان, ولو استأجر سفينة لحمل طعام إلى موضع كذا, فلما بلغت السفينة الموضع أو بعضه ردها الريح إلى الموضع الذي اكتراها منه قال محمد إن كان صاحب الطعام معه فعليه الأجر كله أو بعضه بقدر ما بلغ وإن لم يكن صاحب الطعام معه فلا أجر عليه ; لأنه انتقض الحمل بالرد فلم يستوف المعقود عليه, وكذا لو اكترى بغلا إلى موضع كذا, فلما سار بعض الطريق جمع فرده إلى الموضع الذي خرج منه فعليه من الكراء بقدر ما سار ; لأنه صار مستوفيا للمنفعة بنفسه فلا يسقط عنه البدل بعد التسليم, قيد بقوله للجواب ; لأنه لو لم يشترط الرد للجواب. قال الحدادي, ولو تركه حتى يوصله إليه حيث كان غائبا أو إلى قريبه حيث كان ميتا استحق الأجر كاملا قال فلو شرط عليه الجواب فدفعه إليه فلم يقرأه حتى عاد من غير جواب له الأجر كاملا ; لأنه أتى بما في وسعه, ولو لم يجده أو

 

 ج / 8 ص -20-       
______
وجده ولم يدفع له, بل رد الكتاب فلا أجر له, ولو نسي الكتاب هناك لا يستحق أجرة الذهاب. ا هـ. والله تعالى أعلم.

باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها
صح إجارة الدور والحوانيت بلا بيان ما يعمل فيها وله أن يعمل فيها كل شيء
______
باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها
قال في النهاية لما ذكر مقدمات الإجارة ذكر في هذا الباب ما هو المقصود منها وهو بيان ما يجوز من عقود الإجارة وما لا يجوز وفي غاية البيان لما فرغ من ذكر الإجارة وشرطها ووقت استحقاق الأجرة ذكر ما يجوز من الإجارة بإطلاق اللفظ وتقيده وذكر أيضا من الأفعال ما يعد خلافا من الأجير للمؤجر وما لا يعد خلافا.
قال رحمه الله "صح إجارة الدور والحوانيت بلا بيان ما يعمل فيها" والقياس أن لا تجوز هذه الإجارة حتى يبين ما يعمل فيها ; لأن الدار تصلح للسكنى ولغيرها, وكذا الحوانيت تصلح لأشياء مختلفة فينبغي أن لا تجوز حتى يبين ما يعمل فيها كاستئجار الأرض للزراعة والثياب للبس, وجه الاستحسان أن العمل المتعارف فيها السكنى والمتعارف كالمشروط ; ولأن إجارتها لا تختلف باختلاف العامل والعمل فجاز إجارتها مطلقا بخلاف الأراضي والثياب ; لأنهما يختلفان وعبارة المؤلف أحسن من عبارة صاحب الهداية حيث زاد للسكنى لسلامته عما أورد على هذا اللفظ قال تاج الشريعة قوله للسكنى صلة الدور والحوانيت لا صلة الاستئجار يعني ويجوز استئجار الدور والحوانيت المعدة للسكنى لا أن يقول زمان العقد استأجرت هذه الدار للسكنى ; لأنه لو نص على هذا وقت العقد لا يكون له أن يعمل فيها غير السكنى ا هـ. كلامه. قال صاحب غاية البيان ويجوز أن يتعلق قوله للسكنى بالاستئجار أي يجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى وله أن يعمل فيها كل شيء لا يوهن البناء ولا يفسده, وهو الظاهر من كلام القدوري ا هـ. وقول تاج الشريعة لو نص على السكنى ليس له أن يعمل غيرها كما سيأتي ليس بظاهر ; لأنه لو عمل غيرها بما هو أنفع من السكنى بأن خزن فيها برا أو غيره يجوز ; لأن التقييد فيما لا يتفاوت لا يعتبر, ولو استحق المستأجر من يد المستأجر, وقد هلك عنده وضمنه يرجع على الذي أجره ولا أجر عليه فيما استعمله ; لأن الأجرة والضمان لا يجتمعان. قال رحمه الله "وله أن يعمل فيها كل شيء" لما ذكرنا من أنها لا تختلف باختلاف العامل والعمل فجاز له أن يعمل فيها ما شاء عند الإطلاق وله أن يسكن غيره معه أو ينفرد ; ولأن

 

 ج / 8 ص -21-        إلا أنه لا يسكن حدادا أو قصارا أو طحانا
______
كثرة السكان لا يضر بها, بل يزيد في عمارتها ; لأن خراب المسكن بترك السكان وله أن يضع فيها ما بدا له حتى الحيوان وله أن يعمل فيها ما بدا له من العمل كالوضوء والاغتسال وغسل الثياب وكسر الحطب ; لأن ذلك كله من توابع السكنى وذكر في النهاية أنه لا يدخل الحيوان في عرفنا ; لأن المنازل ضيقة. ا هـ. وبربطها على الباب فإن أجره صحن الدار ربطها في الصحن وليس للمؤجر أن يدخل دابته الدار بعدما أجرها, ولو كان فيها بئر أو بالوعة فسدت لا يجبر على إصلاحها, ولو بنى المستأجر التنور في الدار المستأجرة فاحترق شيء من الدار لم يضمن, كذا في الخلاصة وفي المحيط وله أن يربط الدابة إن كان في الدار سعة أما إن كانت ضيقة فلا, ولو استأجر دارا على أن يسكنها وحده فله أن يترك امرأته معه ; لأنه شرط لا فائدة فيه. ا هـ. وفي الخلاصة وإذا ربط الدابة فضربت إنسانا أو هدمت الحائط لم يضمن ا هـ.
قال رحمه الله "إلا أنه لا يسكن حدادا أو قصارا أو طحانا" لأن في نصب الرحى واستعمالها في هذه الأشياء ضررا ظاهرا ; لأنه يوهن البناء فيتقيد العقد بما وراءها دلالة, والمراد بالرحى رحى الماء والثور, وأما رحى اليد فلا يمنع منها ; لأنها لا تضر بالبناء وفي الحدادي رحى اليد إذا بنيت في الحائط يمنع منها وله أن يكسر فيها الحطب الكسر المعتاد وله أن يطبخ فيها الطبخ المعتاد وإن زاد على العادة بحيث يوهن البناء, فليس له ذلك إلا برضا صاحب الدار وينبغي أن يكون الدق على هذا التفصيل فظهر أن الحاصل كل ما يوهن البناء أو فيه ضرر ليس له أن يعمل فيها إلا بإذن, وكل ما لا ضرر فيه جاز بمطلق العقد واستحقه به ولم يتعرض المؤلف لبيان ما يجب عليه إذا فعل ذلك ونحن نبينه فلو أقعد حدادا فهدم البناء بعمله وجب الضمان ; لأنه متعدي ولا أجر ; لأن الضمان والأجر لا يجتمعان, ولو لم ينهدم وجب عليه الأجر استحسانا والقياس أن لا يجب ; لأن هذا العمل غير داخل تحت العقد, ووجه الاستحسان أن المعقود عليه هو السكنى وفي الحدادة وأخواتها السكنى وزيادة فيصير مستوفيا للمعقود عليه فيجب عليه الأجر بشرط السلامة فصار نظير ما لو استأجر دابة ليحمل عليها قدرا معلوما فزاد عليها وسلمت الدابة فإنه يجب عليه الأجر, ولو اختلف المؤجر والمستأجر في اشتراط ذلك كان القول للمؤجر ; لأنه أنكر الإجارة, ولو أقاما البينة كانت بينة المستأجر أولى
وفي الخلاصة ولو استأجر ليقعد قصارا فله أن يقعد حدادا إن كان ضررهما واحدا, وفي المحيط أو كان ضرر الحداد أقل وإن كان أكثر, فليس له ذلك وكذلك الرحى ا هـ. قيد بالدور ; لأن استئجار البناء وحده لا يجوز في ظاهر الرواية ; لأنه لا ينتفع به وحده وفي القنية ويفتى بجواز استئجار البناء وحده إذا كان ينتفع به كالجدار للسقف, ولو أجره المستأجر من

 

 ج / 8 ص -22-        والأراضي للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع ما شاء
______
المؤجر لم يجز والأصح أن العقد ينفسخ بالإجارة.
قال رحمه الله "والأراضي للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع ما شاء" يعني يجوز استئجار الأرض للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع فيها ما يشاء ; لأن منفعة الأرض مختلفة باختلاف ما يزرع فيها ; لأنه منه ما ينفع كالبرسيم في ديارنا وما يضر كالقمح مثلا فلا بد من بيانه أو يقول له ازرع فيها ما شئت كي لا يفضي إلى المنازعة, ولو لم يبين ولم يقل له ازرع فيها ما شئت فسدت الإجارة للجهالة, ولو زرعها لا تعود صحيحة في القياس وفي الاستحسان يجب المسمى وتنقلب صحيحة ; لأن المعقود صار صحيحا معلوما بالاستعمال وصار كما لو استأجر ثوبا ولم يبين اللابس, ثم ألبس إنسانا عادت صحيحة لما ذكرنا, وفي القنية استأجر أرضا سنة على أن يزرع فيها ما شاء فله أن يزرع فيها زرعين ربيعيا وخريفيا وفي الجوهرة ولا بأس باستئجار الأرض للزراعة قبل ريها إن كانت معتادة للري في مثل هذه المدة التي عقد الإجارة عليها وإن جاء من الماء ما يزرع به البعض فالمستأجر بالخيار إن شاء نقض الإجارة كلها وإن شاء لم ينقض وكان عليه من الأجر بحساب ما روى منها. ا هـ. وفي القنية ولو استأجرها ولا يمكنه الزراعة في الحال لاحتياجها إلى السقي وكري الأنهار أو مجيء الماء فإن كان بحال تمكنه الزراعة في مدة العقد جاز وإلا فلا كما لو استأجرها في الشتاء تسعة أشهر ويمكن زراعتها في الشتاء جاز لما أمكن من المدة أما إذا لم يمكن الانتفاع بها أصلا بأن كانت سبخة فالإجارة فاسدة وفي مسألة الاستئجار في الشتاء يكون الأجر مقابلا بكل المدة لا بما ينتفع به فحسب, وقيل بما ينتفع به. ا هـ. واعلم أن الأرض لا ينحصر استئجارها للزراعة والبناء والغرس كما توهمه المتون فقد صرح في الهداية بأن الأرض تستأجر للزراعة وغيرها, وقال في غاية البيان أراد بغير الزراعة البناء والغرس وطبخ الآجر والخزف ونحو ذلك من سائر الانتفاعات بالأرض. ا هـ. فإذا عرفت ذلك ظهر لك صحة الإجارات الواقعة في زماننا من أنه يستأجر الأرض مقيلا ومراحا قاصدا بذلك إلزام الأجرة بالتمكن منها مطلقا سواء شملها الماء وأمكن زراعتها أو لا ولا شك في صحته ; لأنه لم يستأجرها للزراعة بخصوصها حتى يكون عدم ريها عيبا تنفسخ به, وفي الولوالجية استأجر أرضا ليلبن فيها فالإجارة فاسدة, ثم هي على وجهين إن كان للتراب قيمة ضمن قيمته ويكون اللبن له وإن لم يكن له قيمة فلا شيء عليه واللبن له وضمن نقصان الأرض إن نقصت وفي فتاوى قارئ الهداية أن إجارة الأرض المشغولة بزرع الغير إن كان الزرع بحق بأن كان بأجرة لا يجوز أن يؤجر ما لم يستحصد الزرع إلا أن يؤجرها مضافة إلى المستقبل وإن كان الزرع بغير مستند شرعي صحت الإجارة ; لأن الزرع في هذه الصورة واجب القلع فإن المؤجر في هذه الصورة قادر على تسليم ما أجره ويجبر صاحب

 

 ج / 8 ص -23-        وللبناء والغرس إن بين مدة فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة
______
الزرع على قلعه سواء أدرك أم لا ; لأنه لا حق لصاحبه في إبقائه. ا هـ., والدار المشغولة بمتاع الساكن الذي ليس بمستأجر تصح إجارتها وابتداء المدة من حين تسليمها فارغة كذا في القنية وفي الخلاصة ولو أجر الأرض المزروعة, ثم سلمه بعدما فرغ وحصد ينقلب جائزا, ولو قال المستأجر أجرت منك الأرض وهي فارغة, وقال المؤجر لا, بل هي مشغولة بزرعي يحكم الحال كذا في المنتقى وفي فتاوى الفضلي القول قول الآجر. ا هـ. وللمستأجر الشرب والطريق ; لأنه لا ينتفع بعقد الإجارة إلا بهما بخلاف المبيع ; لأن المقصود ملك الرقبة لا الانتفاع ولهذا صح بيع الجحش الصغير والأرض السبخة. وفي شرح الطحاوي وإن أجر المستأجر بأكثر مما استأجر فإن كانت الأجرة من جنس ما استأجر به ولم يزد في الدار شيئا لا تطيب له الزيادة ويتصدق بها فإن زاد شيئا آخر طابت له الزيادة أو أجر بخلاف جنس ما استأجر به والكنس ليس بزيادة.
قال رحمه الله "وللبناء والغرس إن بين مدة" يعني جاز استئجار الأرض للبناء والغرس إن بين مدة ; لأن المنفعة معلومة والمدة معلومة فتصح كما لو استأجرها للزراعة وفي المحيط دفع أرضه لرجل ليغرس أشجارا على أن تكون الأرض والشجر بينهما نصفين لم يجز والشجر لرب الأرض وعليه قيمة الشجر وله أجر ما عمل ولا يؤمر بقلعه وهذه إجارة فاسدة ; لأنه جعل أجرة ما يخرج من العمل وعلى رب الأرض قيمة الأشجار ; لأنه صار مستقرضا للأشجار منه وتقايضا لها حكما واستقراض الأشجار لا يجوز فيكون قرضا فاسدا فيوجب الملك إذا اتصل به القبض وفي القنية من الوقف ولا يجوز استئجار السبيل ليبني به غرفة لنفسه إلا أن يزيد في الأجرة ولا يضر بالبناء وإن كان لا يرغب المستأجر إلا على هذا الوقف جاز من غير زيادة في الأجرة إذا قال القيم أو المالك أذنت له في عمارتها فعمر بإذنه يرجع عليه وعلى الوقف هذا إذا كان يرجع نفعه إلى الوقف والمالك وإن كان يرجع إلى المستأجر وفيه ضرر كالبالوعة والتنور فإنه لا يرجع إلا إذا شرط الرجوع.
قال رحمه الله "فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة" يعني إذا مضت مدة الإجارة قلع البناء والغرس وسلم الأرض إلى المؤجر فارغة ; لأنه يجب عليه تفريغها وتسليمها إلى صاحبها فارغة وذلك بقلعها في الحال ; لأنه ليس له غاية تعلم بخلاف ما إذا كانت للزراعة وانقضت المدة والزرع لم يدرك حيث يترك على حاله إلى الحصاد بأجر المثل ; لأن له غاية معلومة فأمكن مراعاة الجانبين وبخلاف ما إذا مات أحد المتعاقدين في المدة والزرع لم يدرك بحيث يترك بالأجرة على حاله إلى الحصاد وإن بطلت الإجارة فكان تركه بالمسمى, وإبقاء

 

 ج / 8 ص -24-        إلا أن يغرم المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه أو يرضى بتركه فيكون البناء والغرس لهذا والأرض لهذا والرطبة كالشجر والزرع يترك بأجرة المثل إلى أن يدرك والدابة للركوب والحمل والثوب للبس
______
العقد على ما كان أولى من النقض وإعادته وبخلاف ما إذا غصب أرضا وزرعها حيث يؤمر بالقلع وإن كان له نهاية ; لأن ابتداء فعله وقع ظلما والظلم يجب إعدامه لا تقريره, والقياس أن يقلع في الأمور كلها ; لأن الأرض ملكه فلا تؤجر بغير إذنه, ووجه الاستحسان وهو الفرق بين البناء والغرس والزرع ما تقدم وفي القنية والخصاف استأجر أرضا وقفا ليبني فيها أو يغرس, ثم مضت مدة الإجارة للمستأجر أن يستبقيها بأجرة المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر, ولو أبى الموقوف عليه إلا القلع, فليس له ذلك ا هـ. ومن هنا علم حكم الاستحكار, وهذا وارد على إطلاق المؤلف وفي المحيط, وإذا انقضت المدة وفي الأرض غراس أو رطبة يؤمر بالقلع ; لأنه ليس لها نهاية
قال رحمه الله "إلا أن يغرم المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه" يعني إذا مضت المدة يجب عليه قلع البناء والغرس إلا أن يغرم المؤجر قيمة ذلك إلى آخره هذا إذا كانت الأرض تنتقص بالقلع ; لأن الواجب دفع الضرر عنهما فيدفع الضرر عن صاحب الغرس والبناء بدفع القيمة له, وعن صاحب الأرض بالتملك بالقيمة وإن كانت لا تنتقص, فليس له ذلك إلا برضا صاحبه لاستوائهما في ثبوت الملك وعدم المرجح وليس لرب الأرض أن يتملك الغراس جبرا على صاحبه إذا لم يكن في قلعهما ضرر فاحش
قال رحمه الله "أو يرضى بتركه فيكون البناء والغرس لهذا والأرض لهذا" لأن الحق لرب الأرض فيترك ذلك بأجرة أو بغير أجرة فإن تركها عارية فله أن يؤاجرها لأجنبي, وفي القنية من الوقف بنى في الدار بغير إذن القيم, ونزع البناء يضر بالوقف يجبر القيم على دفع القيمة للباني ويجوز لمستأجر الوقف غرس الأشجار والكرم بغير إذن إذا لم يكن يضر بأرض الوقف ويجوز للمتولي الإذن في أرض الوقف فيما يزيد فيها خيرا.
قال رحمه الله "والرطبة كالشجر" وقد تقدم بيانه.
قال رحمه الله "والزرع يترك بأجرة المثل إلى أن يدرك" وقد تقدم بيانه بخلاف موت أحدهما قبل إدراك الزرع فإنه يترك بالمسمى على حاله إلى الحصاد والمستعير كالمستأجر وفي القنية والمراد بقول الفقهاء يترك بأجرة المثل إلى الحصاد بعقد أو بقضاء فلا يجب الأجر إلا بأحدهما, وهذا يجب حفظه. ا هـ.
قال رحمه الله "والدابة للركوب والحمل والثوب للبس" يعني يجوز استئجار هذه الأشياء

 

 ج / 8 ص -25-        فإن أطلق أركب وألبس من شاء
______
لما ذكر إذا عين الراكب والحمل أو أطلق ; لأن لها منافع معلومة قيد بالركوب ليحترز عما إذا استأجرها كما تقدم وباللبس ليحترز عما إذا استأجر الثوب ليزين به دكانه كما تقدم, وفي الذخيرة استأجر دابة ليحمل عليها حنطة من موضع كذا إلى منزله وكان كلما رجع يركبها فعطبت الدابة, قال أبو بكر الرازي يضمن ; لأنه استأجرها للحمل دون الركوب فكان غاصبا بالركوب, وقال الفقيه أبو الليث في الاستحسان لا يضمن ; لأن العادة جرت بين الناس بذلك فصار مأذونا فيه, ثم شرع يبين أنها تارة تكون مطلقة وتارة تكون مقيدة.
قال رحمه الله "فإن أطلق أركب وألبس من شاء" يعني إذا أطلق له الركوب واللبس جاز له أن يركب الدابة ويلبس الثوب من شاء والمراد بالإطلاق أن يقول على أن تركب من تشاء وتلبس من تشاء ا هـ. كلام الشارح وفسر الإطلاق بهذا تاج الشريعة وصاحب العناية والغاية وفسر صاحب النهاية والكفاية ومعراج الدراية الإطلاق بأن يقول استأجرتها للركوب ولم يزد عليه أو اللبس ولم يزد عليه اعلم أن استئجار الدابة والثوب على ثلاثة أضرب:
الأول أن يقول عند العقد استأجرتها للركوب أو للبس ولم يزد عليه.
والثاني أن يزيد في قوله على أن أركب من أشاء وألبس من أشاء.
والثالث أن يقول على أن أركب أنا أو فلان أو ألبس أنا أو فلان, ففي الوجه الأول يفسد العقد ; لأن الركوب واللبس مختلفان اختلافا فاحشا فإن أركب شخصا ومضت المدة تنقلب صحيحة ويجب المسمى استحسانا ; لأنه ارتفع الموجب للفساد وهو الجهالة ولا ضمان عليه إن هلكت ; لأنه غير متعدد وفي الوجه الثاني يصح العقد ويجب المسمى ويتعين أول من يركب سواء كان المستأجر أو غيره ; لأنه تعين من الأصل فصار كأنه نص عليه ابتداء وفي الثالث ليس له أن يتعداه ; لأن التعيين مفيد فإذا تعدى صار ضامنا وحكم الحمل حكم الركوب في جميع ما ذكرنا وفي قاضي خان استأجرت المرأة درعا لتلبسه ثلاثة أيام إن كان الثوب بدله كان لها أن تلبسه في الأيام والليالي وإن كانت صيانة تلبسه في النهار وفي أول الليل وآخره وليس لها أن تلبسه كل الليل فإن لبسته كل الليل وباتت فيه حتى جاء النهار برئت من الضمان إن لم يتخرق ا هـ. وفي البقالي استأجر دابة ليحمل عليها فحمل عليها رجلا لا يضمن, ولو استأجر دابة ليطحن عليها وما بين مقدار ما يعمل به فإنه يجوز وله أن يعمل عليها مقدار ما تحمل, وفي المحيط ينعقد فاسدا فإذا عمل عليها مقدار ما يحمل يعود جائزا ويجب المسمى استحسانا فظهر أن المشيئة في قوله ما شاء مقيدة بقدر حملها

 

 ج / 8 ص -26-        وإن قيد براكب ولابس فخالف ضمن ومثله ما يختلف بالمستعمل وفيما لا يختلف بطل تقييده كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره وإن سمى نوعا, وقدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا أضر كالملح
______
وفي المحيط استأجر ثوبا ليلبسه ليذهب إلى مكان كذا فلم يذهب إلى ذلك الموضع ولبسه في غير ذلك الموضع يكون مخالفا ولا أجر عليه, وقال الفقيه أبو الليث عندي أنه غير مخالف ويجب الأجر ; لأن هذا خلاف إلى خير وليس هذا كمن استأجر دابة ليذهب إلى موضع كذا فركبها في المصر في حوائجه فهو مخالف ; لأن الدابة لا يجوز إيجارها إلا إذا بين المكان وفي الثوب لا يحتاج إلى بيان المكان ا هـ. وفي الخلاصة وإذا تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل عليها من مرض منهم أو من أغمي عليه منهم فهذا فاسد.
قال رحمه الله "وإن قيد براكب ولابس فخالف ضمن" يعني إذا عطبت ; لأن التقييد مقيد فتعين فإذا خالف صار ضامنا بالتعدي ; لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس ولا أجر عليه ; لأن الأجر والضمان لا يجتمعان, وكذا الأجرة عليه إن سلم بخلاف ما إذا استأجر حانوتا وأقعد فيه قصارا أو حدادا حيث يجب الأجر ; لأنه لما سلم تبين أنه لم يخالف, كذا في غاية البيان واستفيد من كلامه أنه إذا قيد ليس له الإجارة والإعارة كما إذا عمم وليس له الإيداع في الأول ولا ضرورة دون الثاني, كذا في فصول العمادي كما إذا عمي الحمار في الطريق.
قال رحمه الله "ومثله ما يختلف بالمستعمل" يعني يضمن مثله في كل شيء يختلف باختلاف المستعمل إذا كان مقيدا وخالف لما ذكرنا من المعنى
قال رحمه الله "وفيما لا يختلف بطل تقييده كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره" يعني فيما لا يختلف باختلاف المستعمل كالدور للسكنى لا يعتبر تقييده حتى إذا شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره ; لأن التقييد لا يفيد لعدم التفاوت وما يضر بالبناء كالحداد والقصار والطحان خارج كما مر والفسطاط كالدار عند محمد, وعند أبي يوسف مثل اللبس لاختلاف الناس في نصبه وضرب أوتاده واختيار مكانه.
قال رحمه الله "وإن سمى نوعا, وقدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا أضر كالملح" يعني لو سمى النوع والقدر فله أن يحمل على الدابة ما هو مثله وأخف كما لو استأجر ليحمل هذه الحنطة وهي قدر معلوم فحمل مثل قدرها وما هو أخف منه كالشعير والسمسم وليس له أن يحمل عليها ما هو أضر منه كالملح ; لأن الرضا بالشيء يكون رضا بما هو مثله أو دونه عادة لا بما هو أضر منه ; لأنه لا فائدة في إجازة كر حنطة ومنع كر شعير, بل الشعير أخف منه فكان

 

 ج / 8 ص -27-        ...........................................
______
أولى بالجواز حتى لو سمى قدرا من الحنطة فحمل عليها من الشعير مثله وزنا ضمن ; لأن الشعير يأخذ من ظهر الدابة أكثر ما تأخذ الحنطة فصار كما لو حمل عليها قربة ماء أو حطب, كذا في النهاية, وقال شيخ الإسلام في شرحه لا يضمن استحسانا. وقال وهو الأصح ; لأن ضرر الشعير عند استوائهما في الوزن أخف من ضرر الحنطة ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما تأخذ الحنطة فكان أخف عليها بالانبساط وبه كان يفتي الصدر الشهيد, ولو حمل عليها مثل وزنه حديدا أو ملحا يضمن ; لأنه يجتمع في مكان واحد من ظهر الدابة فيضر بها أكثر, وكذا لا يضمن إذا حمل عليها مثل وزنها قطنا ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر وفيه حرارة وما ذكرناه وجه الاستحسان والقياس أنه يضمن في الشعير ونحوه. والحاصل أن الشيئين متى كان في كل واحد منهما ضرر فوق ضرر الآخر من وجه لا يستفاد من الإذن في أحدهما الإذن في الآخر وإن كان هو أخف ضررا من وجه آخر وفي الأصل إذا تكارى من رجل إبلا مسماة بغير عينها إلى مكة فالإجارة جائزة قال شيخ الإسلام ليس تفسير المسألة ما ذكرنا, بل تفسيرها استأجر المكاري على الحمل فالمقصود عليه الحمل في ذمة المكاري وأنه معلوم والإبل آلة, وجهالة الآلة لا توجب فساد الإجارة كما في الخياط والقصار وما أشبهه. واستدل على تفسير المسألة بما ذكر أنه لو استأجر عبدا للخدمة لا بعينه لا يجوز قال الصدر الشهيد ونحن نفتي بالجواز كما ذكر في الكتاب من غير تأويل, وفي الذخيرة استأجر دابة إلى كذا ودفع له الدابة لا يجبر رب الدابة أن يرسل غلامه معها قال محمد يؤمر بأن يرسل غلامه معها, قال شيخ الإسلام إن شاء ; لأنه لا يجبر عليه وفي الصيرفية استأجر دابة بعينها للحمل فحمل المكاري على غيرها لا يستحق الأجرة ويكون متبرعا وفي الفتاوى تكارى دابة إلى موضع معلوم بأربعة دراهم على أن يرجع في يومه فلم يرجع إلى خمسة أيام قال يجب درهمان أجرة الذهاب ; لأنه مخالف في الرجوع, ولو استأجر دابة إلى مكة فهو على الذهاب وفي الغاية على الذهاب والرجوع وفي فتاوى1 هو استأجر دابة ليحمل عليها مائة من الحنطة فمرضت فلم تطق إلا خمسين فحمل عليها هل يرجع على المكاري بحصة ذلك قال القاضي بديع الدين لا يرجع ; لأنه رضي بذلك وفي جامع الفتاوى استأجر دابة يوما وانتفع بها فأمسكها, وقد ورم بطنها أو اعتلت فتركت في الدار الذي هو فيها فماتت غرم, وفي العتابية تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل من مرض منهم أو من أعيا منهم فالإجارة فاسدة وفي الأصل ولو شرطوا عليه أن يركب واحد منهم فيه, ثم يركب الآخر


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هكذا العبارة في الأصل ولعل الصواب فتاوى آهو والله أعلم.

 

 ج / 8 ص -28-        وإن عطبت بالإرداف ضمن النصف
______
وهكذا فذلك جائز وفي الخلاصة تكارى على دخول عشرين يوما إلى موضع كذا فما دخل إلا في خمسة وعشرين يوما قال يحط عنه من الأجرة بحساب ذلك ويستقيم على قول أبي يوسف ومحمد. ا هـ.
وفي الخلاصة رجل اكترى إبلا للحج, ثم اختلفوا في وقت الخروج فالقول في ذلك قول من يريد الخروج في الوقت المعروف للخروج. ا هـ. وفي المحيط تكارى دابة بغير عينها إلى موضع كذا لم يجز ; لأن هذا عقد واحد والمعقود عليه في كل مجهول جهالة تؤدي إلى النزاع استأجر دابة إلى موضع كذا وضعفت قبل الوصول فعليه أن يأتي بغيرها ; لأن العقد لا ينفسخ في هذه الحالة وإن كانت بعينها, فليس عليه أن يأتي بغيرها فيفسخ العقد, ولو استأجر رجل دابتين بعشرة صفقة واحدة ليحمل عليها عشرين قفيزا فحمل على كل دابة عشرة يقسم الأجر على أجر مثل كل دابة ا هـ.
قال رحمه الله "وإن عطبت بالإرداف ضمن النصف" يعني إذا استأجر دابة فأردف عليها غيره ضمن نصف القيمة ولا يعتبر بالثقل ; لأن الدابة يعقرها الراكب الخفيف ويخف عليها ركوب الثقيل لعلمه بالفروسية ; ولأن الآدمي غير موزون فلا يمكن معرفته بالوزن فيتعلق الحكم بالعدد كالجناية في باب الجناية هذا إذا كانت الدابة تطيق حمل الاثنين وإن كانت لا تطيق ضمن جميع قيمتها ذكره في الكافي, قالوا هذا إذا كان الرديف يستمسك بنفسه وإن كان صغيرا لا يستمسك بنفسه يضمن بقدر ثقله قال في النهاية قيد بالرديف احترازا عما إذا حمله على عاتقه فإنه يضمن جميع القيمة ; لأن ثقله مع الذي حمله يجتمعان في مكان واحد فيكون أشق على الدابة, وقال الحدادي الرديف مثال وليس بقيد حتى لو جعل المستأجر نفسه رديفا وغيره أصيلا فالحكم واحد وفي غاية البيان قيد بكونه رديفا ; لأنه لو أقعد الأجنبي في السرج صار غاصبا ولم يجب عليه شيء من الأجرة. قال قاضي خان استأجر دابة ليركبها إلى موضع كذا فحمل عليها صبيا صغيرا فعطبت ضمن قيمتها كما لو حمل عليها حملا وأطلق في ضمان النصف فشمل ما إذا هلكت قبل الوصول أو بعده قال وعليه جميع الأجرة إذا هلكت بعدما بلغ مقصده ونصف القيمة إذا هلكت قبله وفي المحيط إذا عطبت بعد البلوغ من الركوب فعليه الأجر كاملا ونصف القيمة كان الرديف أخف أو أثقل أما الأجرة ; فلأنه استوفى المعقود عليه, وأما الضمان ; فلأن التلف حصل بركوبهما ولم يبين من عليه الضمان فالمالك بالخيار إن شاء ضمن الرديف وإن شاء ضمن المستأجر فإن ضمن المستأجر لا يرجع بما ضمن وإن ضمن الرديف يرجع إن كان مستأجرا وإلا فلا وفي الخانية فإذا أراد صاحب الدابة أن يضمن

 

 ج / 8 ص -29-        وبالزيادة على الحمل المسمى ما زاد
______
الرديف نصف القيمة كان له ذلك وفي التتارخانية استأجر دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة فأجرها من غيره فحمل عليها عشرين فتلفت يخير المالك في التضمين إن شاء ضمن الثاني ويرجع على الأول ; لأنه غره وإن ضمن الأول لا يرجع على الثاني. ا هـ.
وأقول: ينبغي أن يفصل بأنه إن علم أنه مستأجر لما ذكر ينبغي أن لا يرجع على الأول وإن علم أنه مالك أو لم يعلم ينبغي أن يرجع وأطلق المؤلف في الإرداف فشمل ما إذا أردف في كل المدة أو بعضها, وفي المحيط استأجر دابة ذاهبا وراجعا بعلفها فركبها ذاهبا وحمل عليها متاعا وأردف آخر راجعا فعليه أجرة مثلها في الذهاب ; لأن الإجارة وقعت فاسدة لجهالة العلف وفي الرجوع ركبها اثنان فهلكت فعليه نصف القيمة ولما زاد من الحمل ويعرف ذلك بالرجوع إلى أهل الخبرة, وهذا إذا لم يركب على الحمل أما إذا ركب عليه يضمن جميع قيمتها ; لأنه يحتمل ثقله وثقل الحمل عليها, ولو استأجر محمل الولد معها فتلفت ضمن بقدر الولد, وكذا لو ولدت الناقة فحمل ولدها عليها وقيد بالعطب ; لأنها لو سلمت يجب عليه الأجر تماما.
قال رحمه الله "وبالزيادة على الحمل المسمى ما زاد" يعني إذا استأجر دابة ليحمل عليها قدرا فحمل عليها أكثر منه فعطبت يضمن ما زاد بالثقل ; لأنها هلكت بمأذون وغيره فانقسم عليهما هذا إذا كانت الدابة تطيق ذلك فلو كانت لا تطيق مثله يضمن جميع القيمة لعدم الإذن فيه هذا إذا حمل المسمى وزاد عليه وإن حمل عليها غيره فهلكت وجب عليه جميع القيمة لعدم الإذن, قال الأكمل ونوقض بما إذا استأجر ثورا ليطحن عليه مقدارا فزاد فهلك يضمن جميع القيمة وإن كانت الزيادة من جنسه وفرق بينهما بأن الطحن يكون شيئا فشيئا فإذا طحن القدر المسمى فقد انتهى الإذن وبطحن غيره معه فقد تعدى فيضمن جميع القيمة قيد بكونه زاد على المعتاد ; لأنه إن زاد على المسافة فهلكت يضمن جميع القيمة لعدم الإذن في الزيادة وقيد بكونه حمل عليها ; لأن رب الدابة لو كان هو الذي حمل عليها فلا ضمان على المستأجر, قال في الذخيرة استأجر دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم من الحنطة فجعل في الجوالق عشرين من الحنطة وأمر المكاري أن يحمل هو عليها فحمل هو ولم يشاركه المستكري فهلكت لا ضمان عليه أصلا. ولو حمل ذلك عليها رب الدابة والمستكري جميعا ووضعاه على ظهر الدابة فهلكت الدابة ضمن المستكري ربع القيمة هذا إذا كان في جولق واحد, ولو جعلها في جولقين وحمل كل واحد منهما جولقا ووضعا على الدابة جميعا لا يضمن المستأجر شيئا ويجعل حمل المستأجر ما كان مستحقا له بالعقد. ا هـ.

 

 ج / 8 ص -30-        وبالضرب والكبح
______
وفي الخلاصة هذا إذا حمل المستأجر أولا وإن حمل رب الدابة أولا, ثم المستأجر فهلكت ضمن نصف القيمة, وفي الأصل إذا استأجر دابة ليركبها, فليس من الثياب أكثر مما كان يلبس وركب الدابة فهلكت إن لبس ما يلبس الناس فلا ضمان عليها وإن لبس ما لا يلبسه الناس ضمن ما زاد بحسابه, وفي الخانية استأجر دابة ليركبها إنسانا فأركبها امرأة بآلة أو رجلا بسرج فهلكت لا ضمان عليه ولا على الراكب إلا أن يعلم أن مثل الدابة لا تطيق ذلك فيضمن جميع القيمة, وفي الأصل استأجر حمارا بسرج فأسرجه بسرج لا يسرج به مثله فهو ضامن مقدار ما زاد باتفاق الروايات وإن كان أخف من الأول أو مثله فلا ضمان عليه هذا إذا كانت الدابة توكف بمثله وإن كانت لا توكف بمثله يضمن جميع القيمة, وفي قاضي خان وإن تلفت فله الأجرة تماما, ولو علم أنها تطيق فبلغ فله تمام الأجرة, وإذا هلكت يضمن ولا تجب الأجرة هذا إذا جعل الأقل والزيادة في جولق واحد, ولو جعل الزيادة في جولق منفردة وحملها ضمن القيمة وفي المحيط استأجر دابة ليحمل عليها امرأة فولدت فحمل ولدها معها عليها يضمن بقدر الولد.
قال رحمه الله "وبالضرب والكبح" أي يضمن إذا هلكت منها وفي المغرب الكبح ضرب الدابة باللجام وهو أن يجذبها إلى نفسه, وهذا عند الإمام, وقالا لا يضمن إذا فعل فعلا معتادا ; لأن المطلق يدخل تحت المتعارف فكان هالكا بالمأذون به وللإمام أن المتعارف مقيد بشرط السلامة ; لأن السوق يتحقق بدونه وإنما تضرب للمبالغة, وهذا بخلاف ما إذا ضرب العبد المستأجر للخدمة حيث يضمن بالإجماع, والفرق لهما أنه يؤمر وينهى لفهمه فلا ضرورة إلى ضربه وظاهر ما في الهداية أن للمستأجر الضرب ولا إثم عليه, وفي غاية البيان إن ضرب الدابة يكون معتديا للضمان وفيها موجبا أن الإمام رجع إلى قولهما, وأما ضرب دابة نفسه فقال في القنية لا يضربها أصلا وإن كانت ملكه, ثم قال لا يخاصم ضارب الحيوان فيما يحتاج إليه للتأديب ويخاصم فيما زاد عليه وعلى هذا الخلاف المذكور ضرب الأب أو الوصي للصغير إذا لم يجاوز ضرب مثله للتأديب حيث تجب الدية والكفارة عنده, وعندهما لا تجب الدية ; لأن الضرب لإصلاح الصغير متعارف وفيه منفعة له فكان كضرب المعلم, بل أولى بخلاف ضرب الزوج ; لأنه لمنفعة نفسه فيشترط فيه السلامة وللإمام أن منفعة الصغير كالواقع له لقيام البعضية بينهما ألا ترى أن الشهادة له جعلت كشهادته لنفسه وبخلاف ضرب المعلم بإذن الأب ; لأن الإذن من الأب صحيح لما له من الولاية, وإذا صح كان الأب معينا ولا ضمان على المعين وليس له أن يضرب أخيه الصغير على ترك الصلاة وأطلق في الضرب والكبح وهو

 

 ج / 8 ص -31-        ونزع السرج والإكاف أو الإسراج بما لا يسرج بمثله
______
محمول على ما إذا كان بغير إذن صاحبها, ففي التتارخانية استأجرها ليركبها فضربها فماتت فإن كان بإذن صاحبها وأصاب الموضع لا يضمن بالإجماع, وفي العتابية فإن عنف في السير ضمن إجماعا والمعلم والمؤدب وأستاذ الحرفة يضمن بالضرب فإن كان يأذن لم يضمن. ا هـ. وفي جامع الفصولين استأجر حمارا لحمل متاع ولم يكن صاحب المتاع معه فمرض الحمار في الطريق فترك الحمار صاحبه وترك المتاع لم يضمن للضرورة والعذر.
قال رحمه الله "ونزع السرج والإكاف أو الإسراج بما لا يسرج بمثله" يعني لو استأجر حمارا مسرجا فنزعه وأسرجه بسرج لا يسرج بمثله الحمير أو أوكفه بذلك فتلف يضمن جميع القيمة ; لأن الإذن يتناول ما يسرج بمثله دون ما لا يسرج بمثله فيكون متعديا فيضمن وإن أسرج بسرج يسرج مثله به لا يضمن وقوله بما لا يسرج بمثله قيد بالسرج لا للإكاف ; لأنه يضمن مطلقا سواء كان يوكف بمثله أو لا, وهذا قول الإمام, وقالا الإكاف كالسرج مطلقا لا يضمن إذا كان يوكف بمثله إلا إذا كان زائدا على السرج الذي عليه فيضمن بقدر الزيادة كما في السرج ; لأنه هو والسراج سواء. والجواب أن الجنس يختلف ; لأن الإكاف للحمل والسرج للركوب, وكذا ينبسط أحدهما على ظهر الدابة ما لا ينبسط الآخر فصار كاختلاف الحنطة والشعير, قال في النهاية ذكر في الإجارة إنه يضمن بقدر ما زاد وهو قولهما فمن المشايخ من قال ليس في المسألة روايتان عن الإمام ومنهم من قال عن الإمام روايتان في رواية يضمن بقدر ما زاد وفي رواية يضمن جميع القيمة وهو الأصح وتكلموا في معنى قولهما يضمن بحسابه قال بعضهم إذا كان السرج يأخذ من ظهر الدابة قدر شبرين والإكاف قدر أربعة أشبار فيضمن بحسابه, وقيل يعتبر بالوزن قال قاضي خان: وهذا إذا استأجر الحمار مسرجا فلو استأجره عريانا فالمسألة على وجوه إن استأجره من البلد إلى البلد لا يضمن ; لأن الحمار لا يركب بينهما إلا بسرج أو إكاف فإن استأجره ليركب في المصر فإن كان من ذوات المقامات فكذلك فإنه من عادته أن لا يركب عريانا وإن كان من العوام الذي يركبون في المصر عريانا ففعل يضمن. ا هـ.
أقول: ينبغي أن يقال فيما إذا استأجر من القرية إلى القرية إن كان المستأجر ممن جرت العادة أن يركب من القرية إلى القرية عريانا كما يشاهد في ديارنا فإذا أسرجه يضمن وإلا فلا, وفي المحيط استأجر حمارا بغير لجام فألجمه بلجام مثله لا يضمن ; لأن اللجام وضع للحفظ فلا بد للراكب منه فيصير مأذونا للجام دلالة إلا إذا كان الحمار لا يلجم بمثله. ا هـ. وفي التتارخانية ولو هلكت المستأجرة عند المستأجر فاستحقها رجل يضمن المستأجر قيمة ذلك ويرجع على المؤجر كما ضمن ا هـ.

 

 ج / 8 ص -32-        وسلوك طريق غير ما عينه وتفاوتا وحمله في البحر الكل وإن بلغ فله الأجر وبزرع رطبة وأذن بالبر ما نقص
______
قال رحمه الله "وسلوك طريق غير ما عينه وتفاوتا" يعني يجب الضمان إذا عين للمكاري طريقا وسلك هو غيرها وكان بينهما تفاوت بأن كان المسلوك أوعر أو أبعد أو أخوف بحيث لا يسلك ; لأن التقييد حينئذ مقيد فإذا خالف حينئذ فقد تعدى فيضمن قيمته إن هلك وإن لم يهلك وبلغ فله الأجر استحسانا لارتفاع الخلاف ولا يلزم اجتماع الضمان والأجرة ; لأنها في حالتين ونظيره العبد المحجور عليه إذا أجر نفسه فإن تلف في العمل يجب على المستأجر الضمان وإن سلم يجب عليه الأجر وإن كان الطريق يسلكه الناس وهلك المتاع فلا ضمان عليه ; لأن الظاهر فيما يسلكه الناس عدم التفاوت, قال في الهداية والكافي هذا إذا لم يكن بين الطريقين تفاوت ; لأن عند عدم التفاوت لا يصح التعيين لعدم الفائدة أما إذا كان بينهما تفاوت يضمن لصحة التقييد فجعلاه كالطريق الذي لا يسلكه الناس, فإن قلت ما الفرق بين هذا حيث إذا سلم يجب الأجر وبين ما إذا استأجر دابة لركوب معين فإن ركب غيره وسلمت حيث لا أجر عليه كما في الخلاصة والحدادي والفتاوى العتابية, قلت الفرق أنه هنا وافق من وجه ; لأن المقصود وصول المتاع إلى ذلك المكان وهناك لم يحصل المقصود ; لأن المقصود ركوب المعين ولم يحصل ولا يخفى أن قوله وتفاوتا ليس بقيد احترازي ; لأنه لو ذهب إلى مكان غير ما عينه يضمن, ولو كان أقرب, قال في الينابيع استأجر دابة إلى موضع كذا فركبها إلى مكان أقرب منه فعطبت ضمن قيمتها. ا هـ. زاد في المحيط في باب الراعي ولو سلم فلا أجر له ; لأن رب طريق يفسد الدابة السير فيها يوما لصعوبتها وطريق لا يفسد الدابة السير فيها شهرا لسهولتها فاختلف جنس المنفعة فاستوفي جنس آخر فلا يجب الأجر فهذه رواية تخالف ما تقدم وفي الخلاصة, ولو نزل وتهيأ له الارتحال فلم يرتحل حتى أفسد المطر المتاع يضمن إلا إذا كان المطر عاما وفي الخلاصة إذا أفسد المطر المتاع على ظهر الدابة أو سرق لا يضمن.
قال رحمه الله "وحمله في البحر الكل وإن بلغ فله الأجر" يعني لو عين عليه أن يحمله في البر فحمله في البحر إن هلك القماش ضمن وإن سلم فله الأجر وفي الخلاصة ولو كان البحر يسلكه الناس ولهذا أطلقه المؤلف, قال الأتقاني السماع بلغ بالتشديد وقوله الكل عائد إلى المسائل التي تقدمت كلها من قوله وبالضرب. ا هـ.
قال رحمه الله "وبزرع رطبة وأذن بالبر ما نقص" يعني إذا قيد عليه بأن يزرع حنطة فزرع رطبة يجب عليه ضمان نقصان الأرض ; لأن الرطبة أكثر ضررا من الحنطة لانتشاب عروقها فيها وكثرة الحاجة إلى سقيها فكان خلافا إلى شر لاختلاف الجنس فيجب عليه النقصان بخلاف ما

 

 ج / 8 ص -33-        ولا أجر وبخياطة قباء وأمر بقميص فله قيمة ثوبه وله أخذ القباء ودفع أجرة مثله
______
إذا استأجر دابة للركوب أو الحمل فأردف غيره أو زاد حيث يجب عليه من الضمان بحسابه ; لأنه تلف بما هو مأذون فيه وبما هو غير مأذون فيه
قال رحمه الله "ولا أجر" يعني ولا يجب الأجر ; لأنه لما خالف صار غاصبا واستوفى المنفعة بالغصب فلا تجب الأجرة ; لأن الضمان والأجرة لا يجتمعان وإن زرع فيها ما هو أقل ضررا من الحنطة لا يجب الضمان وتجب الأجرة ; لأنه خلاف إلى خير فلا يصير به غاصبا وأقول: ينبغي أن يرجع قوله ولا أجر لجميع المسائل التي قيد فيها والتقييد مقيد إذا خالف.
قال رحمه الله "وبخياطة قباء وأمر بقميص فله قيمة ثوبه وله أخذ القباء ودفع أجرة مثله" يعني إذا أمره أن يخيط ثوبه قميصا فخاطه قباء فرب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه وإن شاء أخذه ودفع له أجرة مثله أي مثل القباء القباء القرطف الذي يلبسه الأتراك مكان القميص وهو ذو طاق واحد, قال ظهير الدين القميص إذا قد من قبل كان قباء طاق إذا خيط جانباه كان قميصا قيد بالقباء ; لأنه لو خاطه غير قباء لا يثبت له خيار, بل يضمنه القيمة حتما, وقيل له الخيار في الكل ووجه ما ذكر أنه قميص من وجه ; لأنه يمكنه سده والانتفاع به انتفاع القميص فصار موافقا من هذا الوجه وهو مخالف من حيث القطع فيخير كما ذكرنا, وإذا أخذ القباء يدفع أجرة مثله لا يتجاوز به المسمى, ولو خاطه قميصا مخالفا لما وصفه له يخير فإذا أخذه فله أجر مثله لا يتجاوز به المسمى, ولو خاطه سراويل, وقد أمره بالقباء يضمن من غير خيار للتفاوت في المنفعة والهيئة, وقيل يخير وهو الأصح لوجود الاتحاد في أصل المنفعة وهو الستر فصار كما لو دفع لرجل نحاسا وأمره أن يضرب له شيئا من الأواني فضربه له بخلافه فإنه يخير,
وفي التتارخانية إذا أمر إنسانا أن ينقش اسمه في فص خاتمه فغلط فنقش اسم غيره ضمن الخاتم وفي الغياثية وإن شاء صاحب الخاتم أخذه وأعطاه مثل أجر عمله لا يزاد على المسمى, ولو دفع إلى نجار بابا وأمره أن ينقشه كذا ففعل غير ما أمره به فله الخيار كما تقدم وإن وافق أمره إلا قليلا فلا وإن أجره أن يحمر له بيتا فخضر فالمالك بالخيار إن شاء أعطاه ما زادت الخضرة فيه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمته. ولو دفع ثوبه إلى صباغ ليصبغه بزعفران فصبغه بغير ما سمى فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض وسلمه إليه وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجرة مثل عمله لا يتجاوز به المسمى وفي الغياثية لو اختلف في كيفية الصبغ قبل العمل مخالفا ويفسخ العقد وإن بعد العمل فالقول لرب الثوب, ولو دفع إلى حائك غزلا لينسجه كذا فخالف فإما أن يكون الخلاف من حيث القدر أو من حيث الصفة ولا يخلو إما

 

 ج / 8 ص -34-        ______
أن يكون إلى زيادة أو نقصان وفي الفصول كلها صاحب الثوب بالخيار إن شاء ترك الثوب وضمنه غزلا وإن شاء ضمنه الثوب وأعطاه أجرة المثل لا يتجاوز به المسمى وفي الخلاصة رجل دفع إلى خياط ثوبا فقال اقطعه حتى يصل القدم وكمه خمسة أشبار وعرضه كذا فجاء به ناقصا فإن كان قدر أصبع ونحوه, فليس بنقصان وإن كان أكثر يضمنه, ولو قال للخياط انظر إلى هذا الثوب إن كفاني قميصا اقطعه وخطه بدرهم فقطعه, ثم قال لا يكفيك يضمن الثوب, ولو قال انظر يكفيني قميصا قال نعم قال اقطعه فقطعه, ثم قال لا يكفيك لا يضمن والله أعلم.

باب الإجارة الفاسدة
يفسد الإجارة الشرط
______
باب الإجارة الفاسدة
لما فرغ من بيان الإجارة الصحيحة شرع في بيان الفاسدة وفي بيان ما يكون مفسدا ولا يخفى أن ذكر الإجارة الفاسدة بعد صحيحها لا يحتاج إلى معذرة فهي في محلها كما لا يخفى وعبر بالفاسد دون الباطل لكثرة فروعه وذكر خلاف ما ترجم له فكان عليه أن يقول: الفاسدة العقد المشتمل على منفعة لأحد المتعاقدين أو جهالة ; لأن الفقيه نظير للأحكام والفاسد ما كان مشروعا بأصله دون وصفه وبين الفاسد والباطل فرق ها هنا فالباطل ما ليس مشروعا أصلا وحكمه أن لا يجب فيه بالاستعمال أجر بخلاف الفاسد فإنه يجب فيه بالاستعمال الأجر, كذا في الحقائق وفي جامع الفصولين بين البيع الفاسد والإجارة الفاسدة فرق فإن الفاسد من البيع يملك بالقبض والفاسد من الإجارة لا يملك بالقبض حتى إذا قبضها المستأجر لا يملكها, ولو أجرها يجب أجر المثل ولا يكون غاصبا وليس للأول أن ينقض هذا العقد كذا في الخلاصة
قال رحمه الله "يفسد الإجارة الشرط" قال في المحيط كل جهالة تفسد البيع تفسد الإجارة ; لأن الجهالة المتمكنة في البدل أو المبدل تفضي إلى المنازعة, وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين يفضي إلى المنازعة فيفسد الإجارة, وفي الغياثية الفساد قد يكون لجهالة قدر العمل بأن لا يعين محل العمل, وقد يكون لجهالة قدر المنفعة بأن لا يبين المدة, وقد يكون لجهالة البدل أو المبدل, وقد يكون لشرط فاسد مخالف لمقتضى العقد, فالفاسد يجب فيه أجرة المثل لا يزاد على المسمى إن سمى وإلا فأجر المثل بالغا ما بلغ وفي الباطل لا تجب الأجرة والعين غير مضمونة في يد المستأجر سواء كانت صحيحة أو فاسدة أو

 

 ج / 8 ص -35-        وله أجر مثله لا يتجاوز به المسمى فإن أجر دارا كل شهر بدرهم صح في شهر واحد إلا أن يسمي الكل
______
باطلة. ا هـ. قال الشارح ; لأنها بمنزلة البيع ألا ترى أنها تقال وتفسخ فتفسد بالشروط وفي الخلاصة رجل استأجر دارا شهرا بعشرة على أنه إن سكن فيها يوما فبعشرة فسدت الإجارة, وكذا لو استأجر دابة إلى بغداد على أنه إن حمل كذا فبأجرة كذا وإن حمل كذا فبأجرة كذا, وكذا لو استأجر أرضا على أنه إن زرع كذا فبأجرة كذا. ا هـ. وفي المحيط لو استأجر دارا بكذا على أن يعمرها فالإجارة فاسدة ولا يخفى أن المراد بالشرط الفاسد هو الذي لا يلائم العقد كما مر في البيع أما الشرط الملائم فإنه لا يفسد العقد وبهذا ظهر أن الإجارة الواقعة في مصر في الوقف في زماننا على أن المغارم وكلفة الكاشف على المستأجر فاسدة كما لا يخفى.
قال رحمه الله "وله أجر مثله لا يتجاوز به المسمى" لا يخفى أن العقد الفاسد في الإجارة له حكمان وجوب الدفع والضمان إذا انتفع ووجوب الدفع مقدم على وجوب أجرة المثل فكان عليه أن يقدم الحكم المتقدم على المتأخر, ولكن اهتم بالضمان فقدمه وترك قيدا وهو أن يقول فإن انتفع فله الأجر وأشار بقوله لا يتجاوز به المسمى إلى أن الفساد ليس لجهالة المسمى أو لعدم التسمية فلو كان الفساد لواحد منهما يجب أجر المثل بالغا ما بلغ, وكذا إذا كان بعضه معلوما وبعضه مجهولا مثل أن يسمي دابة أو ثوبا أو عشرة دراهم والظاهر من كلام الماتن والشارح أن الفساد إذا كان لغير جهالة المبدل لا يجب أجر المثل بالغا ما بلغ, بل لا يزاد على المسمى وليس كذلك ; لأنه إذا كان البدل معلوما وفيه منفعة لأحد المتعاقدين يجب أجر المثل بالغا ما بلغ, كذا في قاضي خان وغيره قالوا لو استأجر حماما أو غيره بمال معلوم بشرط أن يرمه, وكذا إذا استأجر دارا بشرط أن لا يسكنها فالإجارة فاسدة ويجب عليه إن سكنها أجرة المثل بالغا ما بلغ, وقال زفر والشافعي يجب أجر المثل بالغا ما بلغ في الكل إذا كان الفساد لجهالة البدل أو لعدم التسمية ولنا أن المنافع غير متقومة بنفسها ; لأن التقوم يستدعي سابقة الإحراز وما لا بقاء له لا يمكن إحرازه فلا يتقوم وإنما يتقوم بالعقد الشرعي للضرورة فإذا فسدت الإجارة وجب أن لا تجب الأجرة لعدم العقد الشرعي إلا أن الفاسد من كل عقد ملحق بصحيحه لكونه تبعا له ضرورة فيكون له قيمة في قدر ما وجد فيه شبهة العقد وهو قدر المسمى فيجب فيه المسمى بالغا ما بلغ وفيما زاد على المسمى لم يوجد فيه عقد ولا شبهة عقد فلا يتقوم ويبقى على الأصل. قوله وله أجر الظاهر من قول المؤلف وله أجر مثله أنه هو الواجب وليس كذلك قال جمهور الشارحين الواجب في الإجارة الفاسدة الأقل من أجرة المثل ومن المسمى وهو في الذخيرة وفتاوى قاضي خان.
قال رحمه الله "فإن أجر دارا كل شهر بدرهم صح في شهر واحد إلا أن يسمي الكل" ; لأن

 

 ج / 8 ص -36-        وكل شهر سكن ساعة منه صح فيه
______
كلمة كل إذا دخلت على مجهول وأفراده غير معلومة انصرف إلى الواحد لكونه معلوما وفسد في الباقي للجهالة كما إذا باع صبرة من طعام كل قفيز بدرهم فإنه يجوز في قفيز واحد, وهذا قول الإمام ومهما وافقاه في الشهور وأجاز ا هـ. العقد في الكل في الصبرة والفرق لهما أن الشهور لا نهاية لها والصبرة متناهية فترتفع الجهالة بالكيل, وإذا تم الشهر الأول لكل واحد منهما نقض الإجارة بشرط حضور الآخر وإن كان غائبا لا يجوز بالإجماع, وقيل يجوز عند أبي يوسف قال تاج الشريعة لو كان فاسدا فيما بقي من الشهور لجاز الفسخ في الحال قال قلت الإجارة من العقود المضافة وانعقاد الإجارة في أول الشهر فقيل الانعقاد كيف تفسخ ا هـ. ولقائل أن يقول أنتم قررتم في الإجارة الصحيحة أنها تنعقد ساعة فساعة وجاز الفسخ فيها بقدر ما بقي من المستقبل ينبغي أن يكون هنا كذلك واختلف المشايخ في كيفية الفسخ لكل واحد منهما في رأس الشهر ; لأن رأس الشهر في الحقيقة عبارة عن الساعة التي يهل فيها الهلال ولا يمكن الفسخ بعد ذلك لمضي وقت الخيار, والصحيح في هذا أحد الطرق الثلاث أن يقول الذي يريد الفسخ قبل مضي الوقت فسخت الإجارة فيتوقف هذا الفسخ إلى انقضاء الشهر فإذا انقضى الشهر وأهل الهلال عمل الفسخ حينئذ عمله ونفذ ; لأنه لا يجد نفادا في وقته ; لأن الفسخ إذا لم يجد نفاذا يتوقف إلى وقته وبه كان يقول أبو النصر محمد بن سلام أو يقول الذي يريد الفسخ في هلال الشهر فسخت العقد رأس الشهر فينفسخ العقد إذا هل الشهر أو يفسخ الذي يريد الفسخ في الليلة التي يهل الهلال في يومها, كذا في النهاية مختصرا وظاهر الرواية أن لكل واحد منهما الخيار في الليلة الأولى ويومها وبه يفتى ; لأن في اعتبار الساعات حرجا بينا والمقصود هو الفسخ في رأس الشهر وهو عبارة عن الليلة الأولى ويومها ; لأن محمدا قال لو حلف ليقضي فلانا دينه في رأس الشهر فقضاه في الليلة التي يهل فيها الهلال ويومها لم يحنث استحسانا, وظاهر قوله صح في شهر واحد الفساد في الباقي كما تقدم قال في المحيط: وهذا قول بعضهم والصحيح أن الإجارة كل شهر جائزة وإطلاق محمد يدل على هذا فيجوز العقد في الشهر الأول والثاني والثالث وإنما يثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما في أول الشهر الثاني ; لأن الإجارة في الشهر الثاني مضافة إلى وقت في المستقبل ولكل واحد فسخ الإجارة المضافة إلى وقت في المستقبل وقوله دارا مثال ; لأنه لو استأجر ثورا ليطحن عليه كل يوم بدرهم فالحكم كذلك.
قال رحمه الله "وكل شهر سكن ساعة منه صح فيه" ; لأنه صار معلوما فتم العقد فيه بتراضيهما وهو قول بعض المشايخ وهو القياس وعلى ما في الأصل إذا سكن يوما أو يومين صح وليس لواحد منهما الفسخ وهو ظاهر الرواية على ما قدمنا, ولو قدم أجرة شهر أو أكثر وقبض المعجل يوما لا يكون لكل واحد منهما الفسخ فيما عجل ; لأن بالتقديم زالت الجهالة في

 

 ج / 8 ص -37-        وإن استأجرها سنة صح وإن لم يسم أجرة كل شهر وابتداء المدة وقت العقد فإن كان حين يهل يعتبر بالأهلة وإلا فالأيام وصح أخذ أجرة الحمام
______
ذلك القدر فصار كالمسمى في العقد قال في المحيط الإجارة الطويلة التي تفعل ببخارى صورتها أنهم يؤجرون الدار والأرض سنين مدة معلومة متوالية غير ثلاثة أيام في آخر كل سنة على أن كلا منهما بالخيار في ثلاثة أيام من آخر كل سنة ويجعلون لكل سنة أجرة قليلة ويجعلون بقية الأجرة للسنة الأخيرة, الصحيح أن هذا العقد جائز ; لأن هذا ليس بشرط الخيار في الإجارة, بل استثناء ثلاثة أيام.
قال رحمه الله "وإن استأجرها سنة صح وإن لم يسم أجرة كل شهر" يعني إذا بين الأجرة جملة جاز العقد ; لأن المنفعة صارت معلومة ببيان المدة, والأجرة معلومة وإن لم يبين القسط كل شهر فإذا صح وجب أن يقسم الأجرة على الشهور على السواء ولا يعتبر تفاوت الأسعار باختلاف الزمان ولما كانت السنة منكرة أفاد أن هذا المنكر يتعين بقرينة الحال.
قال رحمه الله "وابتداء المدة وقت العقد" يعني ابتداء أول مدة الإجارة الوقت الذي يلي العقد ; لأن في مثله يتعين الزمان الذي يلي العقد كالأجل واليمين لا يكلم فلانا شهرا ; ولأنه لو لم يتعين عقيب العقد لصارت مجهولة وبه تبطل الإجارة والظاهر من حالهما أنهما يعقدان العقد الصحيح فتعين عقيب العقد بخلاف الصوم حيث لا يتعين ابتداؤه عقيب اليمين ولا عقيب النذر ; لأن الأوقات في حقه ليست سواء فإنه لا يجوز في الليل ولا يصير شارعا فيه إلا بالعزيمة فلا يتعين عقيب التسبب هذا إذا كان العقد مطلقا من غير تعيين المدة وإن بين مدة تعين ذلك وهو ظاهر.
قال رحمه الله "فإن كان حين يهل يعتبر بالأهلة وإلا فالأيام" قال صاحب النهاية بضم الياء وفتح الهاء على صيغة البناء للمفعول أي يبصر الهلال, وقال أراد به اليوم الأول ا هـ. قال ابن قاضي زاده وليس المراد بقوله اليوم الأول تفسير معنى حين يهل إذ قد علم معناه من التفسير السابق قطعا, بل مراده بذلك بيان أثر قوله حين يهل وليس المراد معناه الحقيقي, بل المراد معناه العرفي وهو اليوم الأول من الشهر ا هـ. يعني إذا وقع عقد الإجارة في ليلة الهلال أو في يومها تعتبر المدة بالأهلة وإن كان بعدما مضى شيء من الشهر يعتبر بالأيام وهو أن يعتبر كل شهر ثلاثون يوما, وهذا قول الإمام وهو رواية عن الثاني, وقال محمد يعتبر الأول بالأيام ويكمل من الأخير ويبقى غيره على الأصل وللإمام أنه لما تعذر اعتبار الشهر الأول بالأهلة فكذا البقية. ا هـ.
قال رحمه الله "وصح أخذ أجرة الحمام" لقوله صلى الله عليه وسلم:
"ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله

 

 ج / 8 ص -38-        والحجام
______
حسن"1 قال الأكمل وإنما ذكر هذه في الفاسدة مع أنها جائزة ; لأن بعض العلماء خالف في ذلك قال الشارح وبعض العلماء كره الحمام لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه سماه شر بيت.2, وقال عثمان إنه بيت الشيطان ومن العلماء من كرهه للنساء لا للرجال والصحيح أنه لا بأس بالحمامات للرجال والنساء وفي الخلاصة استأجر حماما في قرية فوقع الجلاء في القرية ونفر الناس سقطت الأجرة أو نفر بعض الناس لا تسقط وفي المحيط إذا كان حمام للرجال وحمام للنساء فأجرهما جميعا وسمى حماما جاز استحسانا إذا كان باب الحمامين واحدا وإن كان لكل واحد باب على حدة لا يجوز العقد. ا هـ. وفي الخلاصة استأجر حماما ببدل على أن عليه الأجرة حال جريان الماء وانقطاعه فالإجارة فاسدة وفي الخانية شيل الرماد والسرقين وتفريغ موضع البالوعة وغيرها على المستأجر فإن شرط على المؤجر فسدت. ا هـ. وقال في المحيط: ولو امتلأ مسيل ماء الحمام فعلى المستأجر تفريعه, ولو امتلأت البالوعة فعلى الآجر تفريغها والفرق أن تفريغ مسيل الماء يمكن من غير نقض البناء. وأما البالوعة فلا يمكن تفريغها بنفسه إلا بنقض شيء من البناء ولا يملك المستأجر نقض شيء من البناء وإنما يملكه رب الأرض فجعل تفريغه عليه وفيه أيضا استأجر حمامين سنة فانهدم أحدهما قبل القبض فله ترك الباقي ; لأن الصفقة تفرقت عليه قبل التمام بخلاف ما لو استأجر حماما سنة فلم يسلمه إلى المستأجر حتى مضى شهران ولم ينتفع وامتنع المستأجر من القبض فإنه يجبر على القبض ولا يخير ; لأن الصفقة هنا تفرقت في حق المنافع فلا يوجب ثبوت الخيار وهناك في القبض, وإذا انهدم الحمام قبل القبض فله الخيار, ولو انهدم أحد الحمامين بعد القبض فالباقي لازم بحصته ; لأن الصفقة تفرقت بعد التمام استأجر حماما وعبدا ليقوم عليه فانهدم الحمام بعد قبضهما فله ترك العبد ; لأنه عجز عن استعمال العبد فيما استأجره له وإن هلك العبد, فليس له ترك الحمام ; لأن هلاك العبد لا يوجب خللا في منفعة الحمام استأجر الحمام ودخل بنورة أو أخذه من رب الحمام يجوز استحسانا استأجر حماما بغير قدر واستأجر القدر من آخر فانكسر القدر بعد شهر فأجرة الحمام لازمة دون أجرة القدر ; لأنه يمكنه أن يستأجر قدرا غيره ويستعمله في الحمام استأجر حماما شهرا فعمل فيه من الشهر الثاني فلا أجر عليه في الشهر الثاني وروي عن أصحابنا أن عليه أجرة الشهر الثاني للعرف.
قال رحمه الله "والحجام" أي جاز أخذ أجرة الحجام لما روي أنه عليه الصلاة والسلام


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في "مسنده" "3589" عن عبد الله بن مسعود.
2 ذكره السرخسي في المبسوط كتاب الإجارات باب إجارات الحمامات.

 

 ج / 8 ص -39-        لا أجرة عسب التيس والأذان والحج والإمامة وتعليم القرآن والفقه
______
احتجم وأعطى أجرته.1 وبه جرى التعارف بين الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا فانعقد إجماعا, وقالت الظاهرية لا يجوز لما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان.2, قلنا هذا الحديث منسوخ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال له رجل: إن لي عيالا وغلاما حجاما أفأطعم عيالي من كسبه؟, قال: "نعم"3 وإنما فسرنا الصحة بالجواز ; لأن العادة جارية هنا وفيما بعده لعدم جريان عقد فيه,
قال رحمه الله "لا أجرة عسب التيس" يعني لا يجوز أخذ أجرة عسب التيس لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن من السحت عسب التيس ومهر البغي"4; ولأنه عمل لا يقدر عليه وهو الإحبال فلا يجوز أخذ الأجرة عليه ولا أخذ المال بمقابلة الماء وهو نجس لا قيمة له فلا يجوز والمراد هنا استئجار التيس لينزو على الغنم ويحبلها بأجر أما لو فعل ذلك من غير أجر لا بأس به ; لأن به يبقى النسل, وفي المحيط ومهر البغي في الحديث هو أن يؤاجر أمته على الزنا وما أخذه من المهر فهو حرام عندهما, وعند الإمام إن أخذه بغير عقد بأن زنى بأمته, ثم أعطاها شيئا فهو حرام ; لأنه أخذه بغير حق وإن استأجرها ليزني بها, ثم أعطاها مهرها أو ما شرط لها لا بأس بأخذه ; لأنه في إجارة فاسدة فيطيب له وإن كان السبب حراما.
قال رحمه الله "والأذان والحج والإمامة وتعليم القرآن والفقه" يعني لا يجوز استئجار هذه الأشياء, وقال الإمام الشافعي يجوز ; لأنه استئجار على عمل غير متعين عليه وكونه عبارة لا ينافي ذلك ألا ترى أنه يجوز الاستئجار على بناء المسجد وأداء الزكاة وكتابة المصحف والفقه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به"5, وقال عليه الصلاة والسلام لعثمان بن أبي وقا: "لا تأخذ على الأذان أجرا"6; ولأن القربة تقع للعامل فلا يجوز أخذ الأجر على عمل وقع له كما في الصوم والصلاة ; ولأن التعليم مما لا يقدر عليه المعلم إلا بمعنى من جهة المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز بخلاف بناء المسجد وأداء


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البخاري في البيوع، باب ذكر الحجام "2103" ومسلم في المساقاة، باب حل أجرة الحجامة "1202".
2 ورد النهي في أحاديث متعددة وتقدم ذكرها.
3 أخرج نحوه ابن عبد البر في التمهيد "11/80" موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه.
4 أخرجه النسائي في الكبرى "3/114".
5 الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" "15107".
6 الحديث أخرجه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا "209" وأبو داود في الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين "531".

 

 ج / 8 ص -40-        والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن
______
الزكاة وكتابة المصحف والفقه فإنه يقدر عليها الأجير, وكذا الأجير يكون للآمر لوقوع الفعل عنه نيابة ولهذا لا تشترط أهلية المأمور فيهما, بل أهلية الآمر حتى جاز أن يستأجر الكافر فيهما ولا يجوز فيما نحن فيه كذا قالوا وينتقض هذا بما ذكروا في باب الحج عن الغير أن الحج يقع عن الآمر وأن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره قيد بأفعال الطاعة ; لأنه لو استأجره ليعلم ولده الكتابة أو النحو أو الطب أو التعبير يجوز بالاتفاق كذا في التتارخانية وفي الكبرى تعليم الفرائض والحساب والوصايا بأجر يجوز وفي الذخيرة لو استأجره ليعلم ولده الشعر والأدب إذا بين له مدة جاز ويستحق المسمى إذا سلم نفسه تعلم أو لم يتعلم, وإذا لم يذكر له مدة فالعقد فاسد ويستحق أجرة المثل إذا تعلم. ا هـ. وفيها أيضا ويجوز الاستئجار على تعليم الصنعة والتجارة والهدم والبناء والحفر وأشباه ذلك فإذا أجره عبده ليعلمه كذا على إعطاء المولى شيئا معينا فهو جائز وإن شرط المعلم على المولى أن يعطيه في كل شهر كذا ويقوم على غلامه في تعليم كذا فهو جائز, وإذا لم يشترط كل واحد منهما شيئا, فلما فرغ وتعلم قال المعلم لي الأجرة على رب العبد كذا, وقال سيد العبد لي الأجرة على المعلم ينظر في ذلك إلى عرف تلك البلدة فإن كان سيد العبد هو الذي يعطي فالأجرة عليه وإن كان المعلم هو الذي يعطي فالأجرة على المعلم. ا هـ. قال رحمه الله "والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن", وهذا مذهب المتأخرين من مشايخ بلخ استحسنوا ذلك وقالوا بنى أصحابنا المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفاظ ورغبة الناس فيهم ; ولأن الحفاظ والمعلمين كان لهم عطايا في بيت المال وافتقادات من المتعلمين في مجازات التعليم من غير شرط, وهذا الزمان قل ذلك واشتغل الحفاظ بمعائشهم فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر لذهب القرآن فأفتوا بالجواز, والأحكام تختلف باختلاف الزمان وكان محمد بن الفضل يفتي بأن الأجرة تجب ويحبس عليها وفي الخلاصة إذا أخذ المعلم من الصبي شيئا من المأكول أو دفع الصبي ذلك إلى ولد المعلم لا يحل له بخلاف ثمن الحصر ; لأن ذلك تمليك من أب الصغير. ا هـ. وفي الحاوي للكرابيسي إذا استأجره ليختم عنده القرآن ولم يسم له أجرا ليس له أن يأخذ أقل من خمسة وأربعين درهما شرعا أما إذا سمى أجرا لزم ما سمى لكن يأثم المستأجر إذا عقد على أقل من خمسة وأربعين درهما إلا أن يهب المستأجر ما بقي من تمام القدر أو يشترط أن يكون ثواب ما فوقه لنفسه فلا يأثم, وكذا إذا قال اقرأ بقدر ما قدرت عليه فله من الأجر بقدر ما قرأ, وهذا يجب حفظه كما في المبسوط. أقول: وهذا في عرفهم أما في عرفنا فيجوز ذلك, وفي الخلاصة رجل استأجر قوما يحملون جنازة ويغسلون ميتا إن كان في موضع لا يجد من يغسله غيرهم ولا من يحمله فلا أجر لهم وإن كان

 

 ج / 8 ص -41-        ولا يجوز على الغناء والنوح والملاهي
______
هناك غيرهم فلهم الأجر. ا هـ. وفي المحيط استأجر الإمام رجلا ليقتل مرتدا أو أسيرا أو لاستيفاء القصاص في النفس لم يجز عندهما, ولو استأجره لاستيفاء القصاص فيما دون النفس يجوز, ولو استأجر مصحفا ليقرأ فيه لم يجز وإن قرأ فيه فلا أجر عليه والقاضي كالإمام, ولو استأجر القاضي رجلا ليقوم عليه في مجلس القضاء شهرا جاز, ولو استأجر من له القصاص رجلا ليقتص له فلا أجر له لا يجوز هذا العقد عند الأول والثاني ويجوز عند الثالث وفي قاضي خان أهل الذمة إذا استأجروا ذميا ليصلي بهم أو ليضرب الناقوس لهم لا يجوز, ولو استأجر المجوسي مسلما ليقيم له النار لا بأس به ; لأن الانتفاع بالنار مباح. ا هـ. وفي النهاية يعني يجوز الاستئجار على تعلم الفقه وفي الروضة وفي زماننا يجوز للإمام والمؤذن والمعلم أخذ الأجرة ومثله في الذخيرة ولا يجوز استئجار كتب الفقه والتفسير والحديث لعدم التعارف. قال ابن قاضي زاده أقول: وفيما ذكروا من وجه الاستحسان نظر قوي بيان ذلك هو أن مقتضى الدليل الأول أنه لا يمكن تحقيق ماهية الإجارة وهي تمليك المنافع بعوض في الاستئجار على تعليم القرآن ونظائره بناء على عدم القدرة على تسليم ما التزمه المؤجر من المنفعة فكيف يصح استحسانا, والاستحسان فرع تحقق ماهية الإجارة كما لا يخفى, وهذا محل تسكب فيه العبرات أقول: والجواب أن الإجارة في تعلم القرآن والفقه على أمرين على التلقين والتعليم ففي القياس نظروا إلى التعليم وجعلوا التلقين تابعا له فقالوا لا يمكن وفي الاستحسان نظروا إلى التلقين وجعلوا التعليم تابعا له فقالوا بالجواز فاختلفت الجهة, والأذان والإمامة دخلا تبعا فتدبره فإنه جيد وفي الظهيرية ومشايخ بلخ أفتوا بجواز ذلك إذا ضرب له مدة, وعند عدم الاستئجار أصلا يجب أجر المثل. ا هـ. وفي الملتقط ولو امتنع أبو الصبي من دفع الوظيفة جبر عليه وحبس عليه ا هـ.
قال رحمه الله "ولا يجوز على الغناء والنوح والملاهي" ; لأن المعصية لا يتصور استحقاقها بالعقد فلا يجب عليه الأجرة من غير أن يستحق عليه ; لأن المبادلة لا تكون إلا عند الاستحقاق وإن أعطاه الأجر وقبضه لا يحل له ويجب عليه رده على صاحبه وفي المحيط من كتاب الاستحسان إذا أخذ المال من غير شرط يباح له, وفي المحيط ذمي استأجر من مسلم أو ذمي بيعة يصلي فيها لم يجز ; لأن صلاة الذمي معصية وإن كانت طاعة في زعمه, ولو استأجر المسلم من المسلم مسجدا ليصلي فيه لم يجز ; لأن المسجد لا يملك, ولو استأجر ذمي دارا من مسلم فاتخذ فيها مصلى لنفسه لم يمنع فإن جمع الجماعة وضرب الناقوس فلصاحبها منعه, ولو أراد بيع الخمر فيها فإن كان في السواد لا يمنع, وأما في سواد خراسان فإنهم يمنعون من ذلك ; لأن الغالب فيها المسلمون, مسلم يشرب الخمر في داره ويجمع القوم يمنع من ذلك ولا

 

 ج / 8 ص -42-        وفسد إجارة المشاع إلا من الشريك
______
يخرج من داره, وكذا الذمي لو استأجر مسلما ليرعى له الخنازير ويجوز عند الإمام خلافا لهما استأجر ذمي مسلما ليحمل له ميتا أو دما يجوز ; لأن نقل الميت والدم لإماطة الأذى عن الناس مباح مات ميت من المشركين فاستأجروا مسلما ليحمله إلى بلدة أخرى قال أبو يوسف لا أجر له, وقال محمد إن علم الأجير أنها جيفة لا أجر له ; لأنه نقل ما لا يجوز له وإن لم يعلم فله الأجر وفي الخانية الفتوى على قول محمد ا هـ. ولو استأجره لينقل الميت المشرك إلى المقبرة يجوز كذا في المحيط
وفي المضمرات الغناء حرام في جميع الأديان, وكذا إذا أوصى بما هو معصية عندنا, وعند أهل الكتاب لا يجوز وذكر منها الوصية للمغنيين والمغنيات, وقال ظهير الدين من قال لمقرئي زماننا أحسنت عند قراءته يكفر, وفي الكبرى رجل جمع المال وهو كان مطربا مغنيا هل يباح له ذلك إن كان من غير شرط يباح له وإن كان بالشرط يرده على أصحابه وإن لم يعرف يتصدق به, وفي العتابية, وأما المعصية نحو أن يستأجر نائحة أو مغنية أو لتعليم الغناء وفي فتاوى أهل سمرقند استأجر رجلا لينحت له مزمارا أو طنبورا أو بربطا ففعل يطيب له الأجر إلا أنه يأثم في الإعانة على المعصية, ولو استأجر المسلم ليبني له بيعة أو كنيسة جاز ويطيب له الأجر, ولو استأجرته امرأة ليكتب لها قرآنا أو غيره جاز ويطيب له الأجر إذا بين الشرط وهو إعداد الخط وقدره, ولو استأجر مسلما ليحمل له خمرا ولم يقل لأشربه جازت الإجارة على قول الإمام خلافا لهما وفي المحيط السارق أو الغاصب لو استأجر رجلا يحمل المغصوب أو المسروق لم يجز ; لأن نقل مال الغير معصية ا هـ. وفي شرح الكافي ولا يجوز الإجارة على شيء من الغناء واللهو والنوح والمزامير والطبل ولا على الحداء وقراءة الشعر ولا غيره ولا أجر في ذلك هذا في الطبل إذا كان للهو أما إذا كان لغيره فلا بأس به كطبل القراءة وطبل العرس وفي الأجناس ولا بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به لشهرة العرس وفي الولوالجية رجل استأجر رجلا ليضرب الطبل إن كان للهو لا يجوز وإن كان للغزو والقافلة يجوز.
قال رحمه الله "وفسد إجارة المشاع إلا من الشريك" أطلق في قوله وفسد إلى آخره فشمل مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها وهو قول الإمام, وقالا يجوز بشرط بيان نصيبه وإن لم يبين لا يجوز في الصحيح لهما أن المشاع منفعة وتسليمه ممكن بالتخلية أو بالتهايؤ فصار كما إذا استأجر من شريكه أو من رجلين وكالشيوع الطارئ بأن مات أحد المستأجرين وكالعارية, وإذا جاز إعارة المشاع فأولى أن تجوز إجارته فإن تأثير المشاع في منع التبرع أقوى

 

 ج / 8 ص -43-        ...........................................
______
من تأثيره في منع المعاوضة. ألا ترى أن هبة المشاع لا تجوز وبيع المشاع جائز وللإمام أن المقصود من الإجارة الانتفاع والانتفاع بالمشاع لا يمكن ولا يتصور تسليمه بخلاف المبيع فإن المقصود فيه الملك, ألا ترى أنه يجوز بيع الجحش ونحوه ولا يجوز إجارته والتخلية اعتبرت تسليما في محل يتمكن من الانتفاع وفي المشاع لا يتمكن من الانتفاع ولا من القبض فكيف يجعل تسليما ولا يعتبر بالتهايؤ ; لأنه يستحق حكما بملك المنفعة يصار إليه عند الحاجة إلى القسمة بعد الملك وبخلاف ما إذا أجره من شريكه ; لأنه لا شيوع في حقه إذ الكل في يده ولا عبرة لاختلاف السبب عند اتحاد الحاجة على أنه روي عن الإمام أنه لا يجوز ; لأن استيفاء المنفعة التي تناولها العقد لا يتأتى إلا بغيرها وهو منفعة نصيب شريكه وذلك مفسد للعقد كمن استأجر أحد زوجي القراض لقرض الثياب وبخلاف ما لو أجر من رجلين ; لأن العقد أضيف إلى الكل ولا شيوع فيه وإنما الشيوع يظهر لتفرق الملك فيما بينهما وفيما إذا مات أحدهما انفسخ العقد في نصيبه وبقي في نصيب الآخر فطرأ الشيوع بعد القبض فلا يضر والعارية ليست بلازمة فلا يجب التسليم, وعند التسليم جاز الانتفاع بجميعه لوجود إذنه في ذلك فصار كله عارية ولا شيوع. وفي المغني الفتوى في إجارة المشاع على قولهما, وقال ابن فرشتا الفتوى في إجارة المشاع على قول الإمام وفي الخانية إجارة المشاع فيما يقسم وفيما لا يقسم فاسدة في قول الإمام وعليه الفتوى. ا هـ. وفي التهذيب, وإذا سكن يجب أجر المثل على قول الإمام وفي التهذيب, والشيوع الطارئ لا يفسدها إجماعا كما إذا أجر كلها, ثم تفاسخا في النصف أو مات أحدهما أو استحق بعضها يبقى في الباقي وفي الصغرى وطريق جوازها في المشاع أن يلحقها حكم لتصير متفقا عليها بعد المرافعة أو بعد العقد فإذا مات أحد المؤجرين بطلت الإجارة في نصيبه وتبقى في نصيب الحي صحيحة وفي الخانية فإن رضي وارث الميت وهو كبير أن يكون حصته على الإجارة ورضي المستأجر جاز وإن كانت إجارة المشاع لكنها من الشريك وفي الغياثية رجلان أجرا دارهما من رجل جاز وإن فسخ أحدهما برضا المستأجر أو مات لا تبطل في النصف الآخر وفي الأصل ولو استأجر علو منزل ليمر فيه إلى حجرته لم يجز في قول الإمام, وعندهما يجوز قال الطواويسي ينبغي أن لا يجوز بالإجماع وفي النوازل أنه يجوز قال القاضي أبو علي النسفي وبه كان يفتي شيخنا وفي العتابية. ولو كان البناء لرجل والعرصة لرجل آخر أجر صاحب البناء بناءه من صاحب العرصة اختلف المشايخ فيه والفتوى على أنه يجوز وفي الخلاصة لو استأجر العرصة دون البناء يجوز وفي المحيط لو استأجر نخلا أو شجرا ليبسط عليه ثيابا أو يشد بها الدابة ذكر القدوري أنه يجوز وذكر الكرخي في مختصره أنه لا يجوز ; لأن هذه ليست منفعة مقصودة من الشجر, ولو استأجر شاة ليحلب لبنها أو صوفها

 

 ج / 8 ص -44-        وصح استئجار الظئر بأجرة معلومة
______
لا ينعقد وفي المحيط لو استأجر حائطا ليضع عليها جذعا أو يبني عليها سترة أو يضع فيه وتدا لا يجوز والحائط اسم للبناء فقد استأجر ما لا ينتفع به فلا يجوز إجارة البناء وحده, ولو استأجر طريقا ليمر فيه لم يجز عند الإمام ويجوز عندهما.
قال رحمه الله "وصح استئجار الظئر بأجرة معلومة" والقياس أن لا تصح ; لأنها ترد على استهلاك عين وهو اللبن فصار كاستئجار البقرة والشاة لشرب لبنها والبستان ليأكل ثمرته, والاستحسان أنه يجوز ودليله قوله تعالى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: من الآية6] والإجماع في ذلك وجرى التعامل به في الأعصار وتحقيقها عقد يرد على التربية واللبن تابع لها, وقال بعضهم العقد يرد على اللبن والتربية والخدمة تابعة لها وإليه مال شمس الأئمة, وقال هو الأصح والأول أشبه بالفقه وأقرب إليه, وقال في الكافي وهو الصحيح والظئر المرأة ذات اللبن سواء كانت مسلمة أو كافرة حرة أو أمة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة كذا في قاضي خان وفي ابن فرشتا فلو عجزت المكاتبة وردت في الرق يحكم أبو يوسف ببقاء العقد وأبطله محمد وفي المحيط وأجرت الأمة الفاجرة أو الكافرة نفسها ظئرا جاز ; لأن الإجارة من التجارة, ولو رضع الصبي جارية الظئر أو خادمها فلها الأجر كاملا ; لأن الظئر بمنزلة الأجير المشترك, ولو استأجرت الظئر ظئرا فأرضعته فلها الأجر استحسانا, ولو شرط عليها أن ترضع الصبي بنفسها فأرضعته بمن ذكر فلها الأجر ; لأن اشتراط الرضاع عليها بنفسها لا يفيد. ولو اختلفا فقال أهل الصغير أرضعتيه بلبن شاة فلا أجر لك, وقالت أرضعته بلبن آدمية فلي الأجر فالقول قولها مع يمينها ; لأن الظاهر يشهد لها وإن أقاما البينة فالبينة بينتها ; لأنها مثبتة وإن شرطوا عليها إرضاع الصبي في منزل الأب, فليس للظئر أن تخرج به منه ; لأن الإرضاع في منزل الأب أجود للصبي وليس لهم أن يحبسوا الظئر في منزلهم إن لم يشترطوا ذلك. ا هـ. ولا يخفى أنه لا بد من أن تكون المدة معلومة ولهذا قال في التجريد ولا بد أن تكون المدة معلومة وما جاز في استئجار العبد للخدمة جاز في الظئر وما بطل هناك بطل هنا وفي الأصل, وإذا جازت هذه الإجارة ينظر بعد ذلك إن شرط في عقد الإجارة أنها ترضع الصبي في منزل الأب اعتبر, ولو لم يكن هناك شرط ينظر للعرف إن كانت ترضع في منزل الأب أو في منزلها يعمل به وإلا فلها الخيار إن شاءت أرضعت الصبي في منزل الأب أو في منزلها. ا هـ. قال الأكمل فإن قلت الظئر أجير خاص أو مشترك, قلت هو أجير خاص يدل عليه لفظ المبسوط قال لو ضاع الصبي من يدها أو وقع فمات أو سرق من حلي الصبي أو ثيابه شيء لم تضمن الظئر ; لأنها بمنزلة الأجير الخاص وذكر في الذخيرة ما يدل على أنه كما يكون مشتركا يجوز أن يكون خاصا قال لو أجرت نفسها لقوم غير الأول ولم يعلم الأول فأرضعت كلا منهما صح وتصير المرضعة أمينة وهذه خيانة منها ولها الأجر كاملا على الفريقين, وهذا يدل على أنها تحتملهما معا فقلنا تجب الأجرة

 

 ج / 8 ص -45-        وبطعامها وكسوتها ولا يمنع الزوج من وطئها
______
كاملا نظرا إلى أنها مشترك ويأثم نظرا إلى أنها خاص.
قال رحمه الله "وبطعامها وكسوتها", وهذا عند الإمام, وقالا لا يجوز وهو القياس وجه قولهما أن الأجرة مجهولة فصار كما إذا استأجرها للطبخ والخبز والجهالة لا تفضي إلى المنازعة ; لأن العادة جرت بالتوسعة عليها شفقة على الأولاد, بل يعطيها ما طلبت ويوافقها على مرادها والجهالة إنما تمنع إذا أفضت إلى المنازعة أطلق في طعامها أو كسوتها فشمل ما إذا بين جنسها أو لم يبين قال الحدادي إذا لم يوصف ذلك فلها المتوسط وفي الخلاصة وإذا بين جنس الثياب أو صفتها وعرضها وبين كيل الطعام وصفته جاز بالاتفاق. ا هـ.
وفي المحيط لو اشترطت طعامها وكسوتها عنده ستة أشهر وسمت دراهم مسماة عند الفطام ولم تضف شيئا من ذلك جاز استحسانا عند الإمام وقالوا معنى تسميته الدراهم أن يجعل الأجرة دراهم, ثم يدفع الطعام مكان الدراهم فيكون معناه على التقدير سما بدل الدراهم طعاما, وإذا بين كيل الطعام وصفته جاز بالاتفاق سواء كان حالا أو مؤجلا ولا يشترط أن يذكر أجلا وفي الكسوة يشترط بيان الأجل ; لأنها لا تثبت موصوفة في الذمة إلا مؤجلا, كذا في الشارح وغيره ولم يذكر المؤلف لمن تجب عليه أجرة الظئر ونحن نبين ذلك قال في قاضي خان استأجر ظئرا لترضع ولده شهورا فمات الأب فقال عم الصغير أرضعيه وأنا أعطيك الأجر فأرضعته شهرا بعد ذلك قالوا إن لم يكن للصغير مال حين استأجرها كانت الأجرة عليه من ماله, وإذا مات بطلت فإذا قال العم ذلك بعد موته ولم يكن وصيا كان ذلك على العم, ولو كان للصغير مال حين استأجرها الأب لا تبطل الإجارة بموت الأب, وإذا امتنع الظئر من الرضاع والصغير لا يأخذ ثدي غيرها تخير على أن ترضعه بأجرة مثلها قالوا هذا إذا عقدت بإذن الزوج, وإذا عقدت بغير إذنه فللزوج منعها, وإذا استأجر القاضي ظئرا لليتيم كان حسنا, وإذا كان للرضيع أم وليس له مال فأجرة إرضاعه على أقاربه بقدر ميراثهم منه ويجوز للأب أن يستأجر أمه لترضع ولده وبنته وأخته ا هـ.
قال رحمه الله "ولا يمنع الزوج من وطئها" لأنه حقه فلا يمكن المستأجر من إبطاله ولهذا كان للزوج أن يفسخ هذا العقد إذا لم يعلم به سواء كان يشينه إجارتها بأن كان وجيها بين الناس أو لم يشنه وهو الأصح كما له أن يمنعها من الخروج وأن يمنع الصبي من الدخول عليها ; لأن الإرضاع والسهر يذهب جمالها فكان له أن يمنعها من ذلك كما يمنعها من الصيام تطوعا لكن إذا ثبتت الزوجية بإقرارهما ليس لها أن تفسخ ; لأنهما لا يصدقان في حق المستأجر كما إذا أقرت المنكوحة بالرق لا تصدق في حق بطلان النكاح وللمستأجر أن يمنع زوجها من دخول بيته وفي

 

 ج / 8 ص -46-        فإن مرضت أو حبلت فسخت
______
الأصل إذا عقدت بغير إذن الزوج والزوج لا يشينه ذلك, فليس له حق الفسخ في الصحيح والمرأة إذا كانت من الأشراف وأجرت نفسها ظئرا فللأولياء حق الفسخ لدفع العار عنهم وفي الظهيرية ولولي الصبي أن يمنع أقارب الظئر من المكث في منزله, وأما الزيادة إذا كان يؤدي ذلك إلى الإخلال بالقيام بمصالح الصغير له حق المنع وإلا فلا.
قال رحمه الله "فإن مرضت أو حبلت فسخت" يعني إذا حبلت المرضعة أو مرضت فتفسخ الإجارة ; لأن لبن الحبلى والمريضة يضر الصغير وهي أيضا يضرها الإرضاع فكان لها ولهم الخيار, ولو تقيأ الصبي لبنها لأهله الفسخ, وكذا إذا كانت سارقة, وكذا إذا كانت فاجرة ظاهر فجورها بخلاف ما إذا كانت كافرة, قال في النهاية ولا يبعد أن يقال عيب الفجور في هذا فوق عيب الكفر ; لأن كفرها في اعتقادها ألا ترى أنه كان في نساء بعض الرسل كامرأتي نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام وما بغت امرأة نبي قط1, هكذا قال عليه الصلاة والسلام: "ولم يتزوج نبي فاجرة", وكذا إذا كان الصبي لا يأخذ لبنها كان لهم أن يفسخوا ولها ذلك أيضا, وكذا عيرت به, ولو مات الصبي أو الظئر انقضت الإجارة وفي الخانية إذا ظهر الظئر كافرة أو زانية أو مجنونة أو حمقاء كان لهم الفسخ وفي الأصل أرادوا سفرا وأبت الخروج فلهم الفسخ, وكذا إذا كانت سيئة بذية اللسان. وكذا إذا أذاها أهله باللسان كان لها الفسخ, وكذا إذا كان ألفها الصبي ولم يأخذ لبن غيرها وهي تعير بذلك كان لها الفسخ في ظاهر الرواية, وعن أبي يوسف ليس لها الفسخ قال شمس الأئمة الحلواني الاعتماد على رواية أبي يوسف وفي المحيط انتهت مدة إرضاع الظئر والصغير لا يأخذ إلا ثديها تبقى الإجارة بأجرة المثل جبرا عليها ; لأن الإجارة كما لا تفسخ بالأعذار تبقى بالأعذار, ولو مات أبو الصغير لم تنقض الإجارة سواء كان للصغير مال أو لم يكن له مال, ولو استأجرها لترضع صبيين كل شهر بكذا فمات أحدهما سقط نصف الأجرة ; لأنها لا يمكنها الوفاء بهذا فانفسخت الإجارة, ولو استأجر ظئرين فمات أحدهما بقي العقد في أحدهما وانفسخ في الأخرى بحصتها, والفرق بين هذا وبين ما إذا مات أحد الصبيين أن في الظئر يقسم الأجر عليهما باعتبار قيمته ; لأنهما متفاوتان في الإرضاع وفي الصبي الإيجار وقع لهما واستحق كل واحد منهما نصف البدل وهو لبن الظئر فيجب المبدل عليهما نصفان. ا هـ.
وفي المنتقى استأجر امرأته لترضع ابنه من مال الصغير فهو جائز, ولو استأجر شاة


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره ابن كثير في تفسيره موقوفا على ابن عباس "4/394".

 

 ج / 8 ص -47-        وعليها إصلاح طعام الصبي فإن أرضعته بلبن شاة فلا أجر ولو دفع غزلا لينسجه بنصفه أو استأجره ليحمل طعامه بقفيز منه أو ليخبز له كذا اليوم بدرهم لم يجز
______
لترضع ولده لا يجوز ; لأن لبن البهائم له قيمة فوقعت الإجارة عليه وهو مجهول فلا يجوز بخلاف لبن المرأة ; لأنه لا قيمة له والإجارة على الخدمة, ولو التقط صبيا فاستأجر له ظئرا حالا فالأجرة عليه وهو متطوع ; لأنه لا ولاية له على الصبي. ا هـ.
قال رحمه الله "وعليها إصلاح طعام الصبي" لأن خدمة الصبي واجبة عليها, وهذا منه عرفا وهو معتبر فيما لا نص فيه وغسل ثيابه منه والطعام والثياب على الوالد والدهن والريحان أعلى الظئر كما هو عادة أهل الكوفة وفي عرف ديارنا ما يعالج به الصبي على أهله وفي المضمرات والفتوى على أنه ليس على الظئر الدهن والريحان وطعام الصبي على أهله إذا كان الصبي يأكل الطعام وعلى الظئر أن تهيئه له, وفي الينابيع وعليها طبخه وعليها أن تمضغ الطعام للصبي ولا تأكل شيئا يفسد لبنها وتضمن به.
قال رحمه الله "فإن أرضعته بلبن شاة فلا أجر" لأنها لم تأت بالواجب عليها من العمل وهو الإرضاع, وهذا إيجار وليس بإرضاع قال في الصحاح الوجور الدواء يوجر في وسط الفم أي يصب يقال له منه وجرت الصبي وأوجر بمعنى واحد. ا هـ. أقول: لقائل أن يقول إن كان هذا إيجارا لا إرضاعا فلا معنى لقول المؤلف فإن أرضعته, بل عليه أن يقول فإذا وجرته بدله وإن كان إرضاعا فكيف يقول الشارح هذا إيجار لا إرضاع والجواب أن هذا من باب المشاكلة وهو ذكر الشيء بلفظ الشيء غيره لوقوعه في صحبته كقوله:
 

قلت اطبخوا لي جبة وقميصا


فذكر المؤلف الإيجار بلفظ الإرضاع لوقوعه في صحبته قيد بلبن الشاة ; لأنها لو أرضعته بلبن خادمها أو جاريتها أو بلبن ظئر استأجرتها بلا عقد فلها الأجرة كما تقدم.
قال رحمه الله "ولو دفع غزلا لينسجه بنصفه أو استأجره ليحمل طعامه بقفيز منه أو ليخبز له كذا اليوم بدرهم لم يجز" ; لأنه في المسألة الأولى والثانية جعل الأجرة بعض ما يخرج من عمله فيصير في معنى قفيز الطحان ; ولأن المستأجر عاجز عن تسليم الأجرة ; لأنه بعض ما يخرج والقدرة على التسليم شرط لصحة العقد وهو لا يقدر على ذلك بنفسه وإنما يقدر بغيره فلا يعد قادرا فإذا نسج أو عمل فله أجر مثله لا يجاوز به المسمى بخلاف ما لو استأجره ليحمل

 

 ج / 8 ص -48-        ...........................................
______
له نصف هذا الطعام بنصفه الآخر حيث لا يجب له شيء من الأجر ; لأن الأجير ملك فيه النصف في الحال بالتعجيل فصار الطعام مشتركا بينهما في الحال ومن حمل طعاما مشتركا بينه وبين غيره لا يستحق الأجر هذا ; لأنه لا يعمل شيئا لشريكه عما لا يقع بعضه لنفسه فلا يستحق الأجر, هكذا قالوا قال الشارح وفيه إشكالان أحدهما أن الإجارة فاسدة والأجرة لا تملك إلا في الصحيحة منها بالعقد سواء كانت عينا أو دينا على ما بينا فكيف تملك هنا من غير تسليم ومن غير شرط التعجيل, الثاني أنه قال ملكه في الحال. وقوله لا يستحق الأجر ينافي الملك ; لأنه لا يملك إذا ملك بطريق الإجارة فإذا لم يستحق فكيف يملك وبأي سبب يملك والجواب عن الأول أنه ملك هنا بالتعجيل والتسليم كما صرح هو به في تقريره وصرح به صاحب النهاية ومعراج الدراية حيث قالا ودفع إليه والجواب عن الثاني أنه لا منافاة بين قوله ملكه في الحال وبين قوله لا يستحق الأجرة ولا يجب ; لأن معنى ملكه في الحال يعني ابتداء بموجب العقد وتسليم الأجر إلى الأجير بالتعجيل ومعنى لا يستحق الأجر لبطلان العقد قبل العمل بعد أن ملك الأجر بالتسليم بسبب أنه صار شريكا في الطعام قال في النهاية لو قال احمل لي هذا الكر إلى بغداد بنصفه فإنه لا يكون شريكا وتفسد الإجارة ; لأنه في معنى قفيز الطحان وللأجير أجر مثله إن وصل إلى بغداد لا يتجاوز المسمى ومشايخ بلخ والنسفي جوزوا حمل الطعام ببعض المحمول ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلادهم بذلك, والقياس يترك بالتعامل كما في الاستصناع ومشايخنا رحمهم الله لم يجوزوا ذلك وقالوا هذا التخصيص تعامل أهل بلدة واحدة وبه لا يخص الأثر والحيلة في جوازه أن يشترطا قفيزا مطلقا فإذا عمل استحق الأجرة وفي الغياثية دفع إلى حائك ثوبا لينسجه بنصفه أو بثلثه أو ربعه فالإجارة فاسدة عند علمائنا وبه أفتى الإمام السرخسي والسيد الإمام الشهيد. ومشايخ بلخ يفتون بالجواز لعرف بلادهم وفي الظهيرية وبه أخذ الفقيه أبو الليث وشمس الأئمة الحلواني والقاضي أبو علي النسفي. ا هـ. وفي التتارخانية لو استأجر ثورا ليطحن له إردبا ببعض منه أو حمارا ليحمل له إردبا ببعض منه فالإجارة فاسدة, ولو استأجر حانوتا بنصف ما ربح فيه فالإجارة فاسدة وفي المحيط لو استأجر حائكا لينسج هذا الثوب بنصفه على أن يزيد رطلا من عنده فنسج وزاد فله أجر مثل عمله ويضمن صاحب الثوب للحياك رطلا من الغزل, وأما الثالث وهو ما إذا استأجره لينجز له طول النهار بدرهم ; فلأن ذكر الوقت يوجب كون المعقود هو المنفعة وذكر العمل يوجب كون العمل هو المعقود عليه ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فإن وقع على المنفعة استحق الأجر بمضي الوقت عمل أو لم يعمل وإن وقع على العمل لا يستحق إلا بالعمل فيفسد العقد وهو قول الإمام, وقالا العقد جائز ويكون العقد على العمل دون اليوم

 

 ج / 8 ص -49-        وإن استأجر أرضا على أن يكريها بها ويزرعها أو يسقيها ويزرعها صح وإن شرط أن يثنيها أو يكري أنهارها أو يسرقنها أو يزرعها بزراعة أرض أخرى
______
حتى إذا فرغ منه نصف النهار فله الأجر وإن لم يعمل في اليوم فعليه أن يعمل في الغد, وذكر اليوم للتعجيل فصار كما إذا استأجره للعمل على أن يفرغ منه في هذا اليوم يجوز بالإجماع والفرق للإمام هنا أن اليوم لم يذكر هنا إلا لإثبات صفة في العمل, والصفة تابعة للموصوف غير مقصودة بالذات وفي مسألة الكتاب ذكر اليوم قصدا وفي الغياثية لو استأجره ليخيط له هذا الثوب قميصا اليوم بدرهم لم يجز عند الإمام, ولو قال ليخيط ولم يذكر الوقت يجوز, ولو قال ليخيطه قميصا ويفرغ في اليوم جاز. ولو قال بشرط أن يفرغ أو على أن يفرغ في اليوم لم يجز فإن قلت ورد في باب الراعي إذا جمع بين المدة والعمل يعتبر الأول قال في المحيط: لو استأجره شهرا ليرعى غنمه بدرهم أوقع العقد على العمل لما قدم ذكر العمل على الوقت والعلة التي اقتضت فساد العقد في مسألة الجمع بين المدة والعمل فمقتضى النظر أن يفسد في الراعي كما في مسألة الكتاب ويجوز في مسألة الكتاب كما جاز في مسألة الراعي ترجيحا للمقدم في الذكر وما الفارق بينهما, أقول: الفارق بينهما قال في الأصل والأصل عند الإمام أنه إذا جمع بين الوقت والعمل إنما يفسد العقد إذا ذكر كل واحد منهما على وجه لا يصلح أن يكون معقودا عليه ; لأن ذكر الوقت والعمل على وجه لا يجوز إفراد العقد عليه لا يفسد العقد بيانه إذا استأجر رجلا يوما ليبني له بالجص والآجر جاز بلا خلاف وإن جمع بين الوقت والعمل فكان ذكر البناء لبيان نوع العمل, وهذا العمل في هذه المسألة لا يجوز إفراد العقد عليه حتى لو ذكر العمل على وجه يجوز إفراد العقد عليه فإن بين قدر البناء لا يجوز ذلك عند الإمام ا هـ. فعلى مسألة الخبز بين قدر المحل تفسد وفي مسألة الراعي لم يبين قدر الغنم المرعي فلا يفسد والحمد لله الذي هدانا لهذا, وعن محمد إذا استأجره ليحمل له هذا اليوم ومعلوم أنه لا يمكن حمله اليوم فهو على المحل دون الوقت ا هـ.
قال رحمه الله "وإن استأجر أرضا على أن يكريها بها ويزرعها أو يسقيها ويزرعها صح" لأنه شرط يقتضيه العقد وهو ملائم له فلا يفسد العقد,
قال رحمه الله "وإن شرط أن يثنيها أو يكري أنهارها أو يسرقنها أو يزرعها بزراعة أرض أخرى" لا يعين لا يجوز ; لأن أثر التثنية وكري الأنهار والسرقنة يبقى بعد مضي عقد الإجارة فيكون عقد فيه نفع لصاحب الأرض وهو شرط لا يقتضيه العقد فيفسد ; ولأن مؤجر الأرض يصير مستأجرا منافع الأجر بعد مضي المدة فتصير صفقة في صفقة فلا يجوز حتى لو كانت بحيث لا تبقى بأن كانت المدة طويلة لو كان البيع لا يحصل إلا به لا يفسد اشتراطه ; لأنه مما

 

 ج / 8 ص -50-        لا كإجارة السكنى بالسكنى وإن استأجره لحمل طعام بينهما فلا أجر له
______
يقتضيه العقد واختلفوا في التثنية قال بعضهم هو أن يردها مكروبة, وقال بعضهم هو أن يكريها مرتين وذكر شيخ الإسلام إذا اشترط على المستأجر أن يردها مكروبة بعد الإجارة فالمسألة على وجهين, إن قال صاحب الأرض أجرتك بكذا بأن تردها مكروبة بعد مضي العقد فالعقد جائز, وأما إذا قال أجرتك على أن تكريها بعد العقد ففي هذا الوجه العقد فاسد وإن أطلق الكراب ينصرف إلى ما بعد العقد ويصح العقد, وأما إذا شرط أن يكري أنهارها يفسد العقد ومن المشايخ من فرق بين الجداول والأنهار فقال اشتراط كري الجداول صحيح. قال في الكافي الصحيح لا يفسد بهذا العقد بخلاف اشتراط كري الأنهار, وأما إذا شرط عليه أن يسرقنها فلا يخلو إما أن يكون السرقين من عند المستأجر فقد شرط عليه عينا هو مال فإن كان تبقى منفعته إلى العام الثاني لا يفسد كذا في الأصل, ومقتضى النظر أن يفصل فيها بأن يقال إن كان الأرض لا يظهر ريعها إلا بالسرقين فهو شرط ملائم للعقد فلا يفسد وإن كان يظهر ريعها من غير سرقنة فهو شرط فيه منفعة لأحد المتعاقدين فيفسد, وأما استئجار الأرض بأرض أخرى ليزرعها الآخر يكون بيع الشيء بجنسه نسيئة وهو حرام كما عرف في موضعه.
قال رحمه الله "لا كإجارة السكنى بالسكنى" يعني لا يجوز إجارة السكنى بالسكنى ; لأن الجنس بانفراده يحرم النساء وإليه أشار محمد حين كتب له محمد بن سماعة لم لا يجوز إجارة سكنى دار بسكنى دار أخرى بقوله في جوابه أطلت الفكرة وأصابتك الحيرة وجالست الحيارى أي فكان منك ذلة وما علمت أن إجارة السكنى بالسكنى بالدين كبيع الدين بالدين بنسيئة, قال صاحب العناية في هذا الاستدلال بحث من وجهين الأول أن النساء ما يكون عن اشتراط أجل في العقد وتأخير المنفعة فيما نحن فيه ليس كذلك, والثاني أن النساء إنما يتصور في مبادلة موجود في الحال بما ليس كذلك وما نحن فيه ليس كذلك فإن كل واحد منهما ليس بموجود وإنما يحدثان شيئا فشيئا وأجيب عن الأول بأنه لما أقدما على عقد يتأخر المعقود عليه فيه ويحدث شيئا فشيئا كان ذلك أبلغ في وجوب التأخير من المشروط فالحق به دلالة احتياطا عن شبهة الحرمة, وعن الثاني بأن الذي لم تصحبه الباء تقام فيه العين مقام المنفعة ضرورة تحقق المعقود عليه دون ما تصحبه لفقدانها فيه ولزم وجود أحدهما حكما وعدم الآخر فيتحقق النساء, وفي الشارح والأولى أن يقال إن الإجارة أجيزت على خلاف القياس للحاجة ولا حاجة إلى استئجار المنفعة بمنفعة من جنسها, ولو استوفى أحدهما المنفعة في المسألة فعليه أجر المثل في ظاهر الرواية, وذكر الكرخي عن أبي يوسف لا شيء عليه وجه ظاهر الرواية أنه استوفى المنفعة بعقد فاسد فيجب أجر المثل, وعند الشافعي يجوز هذا العقد ا هـ.
قال رحمه الله "وإن استأجره لحمل طعام بينهما فلا أجر له" يعني لو استأجر أحد

 

 ج / 8 ص -51-        كراهن استأجر الرهن من المرتهن ومن استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها أو أي شيء يزرعها فزرعها فمضى الأجل فله المسمى
______
الشريكين صاحبه لحمل طعام بينهما لا يستحق المسمى ولا أجر المثل ; لأن العقد ورد على ما لا يمكن تسليمه ; لأن المعقود عليه حمل النصف شائعا وذلك غير متصور ; لأن الحمل فعل حسي لا يمكن وجوده في الشائع ولهذا يحرم وطء الجارية المشتركة وضربها وإذا لم ينعقد لم يجب الأجر أصلا ; ولأنه ما من جزء يحمله إلا وهو شريكه فيه بخلاف ما لو استأجر دارا مشتركة بينه وبين غيره ليضع فيها الطعام حيث يجوز ; لأن المعقود عليه المنفعة ويستحق بتحقق تسليمها بدون وضع الطعام وبخلاف العبد المشترك حيث يجوز استئجاره ليخيط له قميصا لكن المعقود عليه إنما هو نصيب الأجر وهو أمر حكمي يمكن إيقاعه في الشائع وبخلاف إجارة المشاع عند الإمام حيث يجب فيها أجر المثل ; لأن فساد العقد للعجز عن التسليم, وإذا سكن تبين عدمه, وقال الإمام الشافعي يجوز وفي العيون والكبرى كل شيء استأجره أحدهما من صاحبه مما يكون العمل فيه لهما فإنه لا يجوز فإن عمل فلا أجر له وذلك مثل الدابة يعني لو استأجر دابة مشتركة لحمل طعام بينهما فلا أجر له وكل شيء استأجره أحدهما من صاحبه مما لا يكون العمل فيه لهما فهو جائز نحو الجوالق والسفينة والدار قال فخر الدين والفتوى على ما ذكر في العيون وفي النوادر استأجر رجلين ليحملا له هذه الحنطة إلى منزله بدرهم فحملها أحدهما فله نصف الدرهم وهو متطوع إذا لم يكونا شريكين قبل العمل, وكذا إذا استأجرهما لبناء حائط أو حفر بئر فلو كانا شريكين في العمل يجب الأجر كله ويكون بينهما وفي الأصل استأجر قوما ليحفروا له سردابا إجارة صحيحة فعملوا وتعاونوا في العمل إن كان يسيرا قسم الأجر بينهما على عدد الرءوس وإن كان فاحشا يقسم على قدر العمل, وإن لم يعمل أحدهما لمرض أو عذر سقطت حصته وفي الغياثية لرجل بيت على نهر فجاء آخر بحجر ومتاعها فوضعهما في البيت واشتركا على أن يطحنا حبوب الناس فما حصل قسماه نصفين جاز وهو شركة التقبل وليس للبيت والمتاع أجر.
قال رحمه الله "كراهن استأجر الرهن من المرتهن" يعني لا يجوز استئجار الشريك هنا كما لا يجوز في مسألة الراهن ; لأنه ملكه والمرتهن ليس بمالك حتى يؤجره فلا يتأتى منه تمليك المنافع بعوض ; لأن التمليك من غير المالك محال والراهن إنما يمكن من الانتفاع من حيث إنه ملكه ومن انتفع بملك نفسه لا أجرة عليه.
قال رحمه الله "ومن استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها أو أي شيء يزرعها فزرعها فمضى الأجل فله المسمى" لأن الأرض تؤجر للزراعة ولغيرها من البناء والمراح ونصب

 

 ج / 8 ص -52-        وإن استأجر حمارا إلى مكة ولم يسم ما يحمل فحمل ما يحمل الناس فنفق لم يضمن وإن بلغ مكة فله المسمى وإن تشاحا قبل الزرع والحمل نقضت الإجارة دفعا للفساد
______
الخيم, وكذا ما يزرع فيها يختلف كما تقدم فلا يجوز العقد حتى يبين ما يزرع ويبين جنسه, وإذا زرع ومضى الأجل جاز استحسانا ; لأن الجهالة ارتفعت قبل تمام العقد فينقلب جائزا قال صاحب العناية في حل قوله قبل تمام العقد ينقض الحكم أقول: لا يخفى على ذي تأمل إن جعل العقد تاما ينقض الحكم مما لا تقبله الفطرة السليمة فإن العقد ينفسخ من الأصل بنقض الحاكم إياه فكيف يتصور أن تتم به وتمام الشيء من أثر بقائه به والحق أن المراد بقوله قبل تمام العقد قبل تمام مدة العقد, قال في النهاية فإن قيل إذا ارتفعت الجهالة بمجرد الزراعة لم يرتفع ما هو الموجب للفساد وهو احتمال أن يزرع فيها ما يضر بالأرض فكيف ينقلب إلى الجواز بتحقق شيء احتماله مفسد للعقد ; ولأن المعقود عليه إذا كان مجهولا لا يتعين إلا بتعيينهما صونا عن الإضرار بالآخر ولا ينفرد به أحدهما, قلت الأصل إجارة العقد عند انتفاء المانع ; لأن العقود تصح بقدر الإمكان والمانع الذي فسد العقد باعتباره توقع المنازعة بينهما, وعند استيفاء المنافع يزول هذا. ا هـ. وفي غاية البيان ويجب المسمى إذا لم يكن ذلك بعد نقض القاضي العقد. ا هـ. وفي بعض النسخ قيل: وهذا تحريف من الكاتب يعني إذا كان بعده فله أجر المثل لا يقال هذه المسألة متكررة مع قوله والأرض للزراعة إن بين ما يزرع ; لأنا نقول الأول باعتبار ما يصح من العقود وذكرها هنا باعتبار ما يفسد من العقود قال الأكمل لا يقال هذه المسألة متكررة مع ما ذكره أول الباب ; لأن ذلك وضع القدوري, وهذا موضع الجامع الصغير يشتمل على زيادة قوله فله يشير إلى أنه انعقد فاسدا وزال الفساد بالزرع على ما فيه.
قال رحمه الله "وإن استأجر حمارا إلى مكة ولم يسم ما يحمل فحمل ما يحمل الناس فنفق لم يضمن" لأن العين أمانة في يده وإن كانت الإجارة فاسدة ; لأن الفاسد يعتبر بالصحيح لكونه مشروعا من وجه فلا يضمن ما لم يتعد فإذا تعدى ضمن ولا أجر عليه, قال رحمه الله "وإن بلغ مكة فله المسمى" ; لأن الفساد كان لجهالة ما يحمل فإذا حمل عليه شيئا تعين ذلك فانقلب صحيحا لزوال الموجب للفساد, ولو استأجر دابة وجحد الإجارة في أثناء الطريق وجب عليه أجر ما ركب قبل الإنكار ولا يجب الأجر لما بعده عند أبي يوسف ; لأنه بالجحود صار غاصبا والأجر والضمان لا يجتمعان, وقال محمد يجب الأجر كله. ا هـ.
قال رحمه الله "وإن تشاحا قبل الزرع والحمل نقضت الإجارة دفعا للفساد" إذ الفساد باق قبل أن ترتفع الجهالة بالتعيين بالزرع والحمل, فإن قلت حكم الإجارة الفاسدة نقضها قبل تمام الأجرة بعد الاستعمال فكان ينبغي أن يقدم على وجوب الأجرة بعد الاستعمال

 

 ج / 8 ص -53-        ______
قلنا قدم الأجرة لكثرة وقوعها فتأمل ولا يخفى أن رفع الفاسد واجب سواء تشاحا أو لم يتشاحا فكان عليه أن لا يقيده بذلك, ولو قال وعليهما أن يرفعا العقد لكان أولى ; لأن رفعه واجب عليهما تشاحا أو لا والله تعالى أعلم.

باب ضمان الأجير
الأجير المشترك من يعمل لغير واحد
______
باب ضمان الأجير
لما فرغ من ذكر أنواع الإجارة صحيحها وفاسدها شرع في بيان الضمان ; لأنه من جملة العوارض التي تترتب على عقد الإجارة فيحتاج إلى بيانها كذا في غاية البيان ولا يخفى أن الأجير على ضربين خاص ومشترك فشرع المؤلف يبين ذلك ولا يخفى أن معنى ضمان الأجير إثباتا ونفيا, ولو لم يكن معناه ذلك, بل معناه إثبات الضمان فقط لزم أن لا يصح عنوان الباب على قول الإمام أصلا ; لأنه لا ضمان عنده على أحد من الأجير المشترك والخاص.
قال رحمه الله "الأجير المشترك من يعمل لغير واحد" قال الأكمل والسؤال عن وجه تقديم المشترك على الخاص دوري ا هـ. يعني أن السؤال عن توجيه تقديم المشترك يتوجه على تقدير العكس فلا مرجح سوى الاختيار قال صاحب النهاية فإن قلت تعريف المشترك بقوله من يعمل لغير واحد تعريف يدل على عاقبته إلى الدور ; لأن هذا حكم لا يعرفه إلا من يعرف الأجير المشترك, ولو كان عارفا بالأجير المشترك لا يحتاج إلى هذا التعريف, ولو لم يكن عارفا به قبل ذلك لا يحصل له تعريف الأجير المشترك ; لأنه يحتاج إلى السؤال عمن لا يستحق الأجر حتى يعلم من هو فلا بد للمعرف أن يقول هو الأجير المشترك وهو عين الدور قلت نعم هو كذلك إلا أن هذا تعريف للخفي بما هو أشهر منه في مفهوم المتعلمين أو هو تعريف لما لم يذكر بما قد سبق ذكره ; لأنه ذكر قبل هذا استحقاق الأجير بالعمل بقوله أو باستيفاء المعقود عليه في باب الأجرة متى تستحق فصار كأنه قال وما عرفته بأن الأجير هو الذي يستحق الأجر باستيفاء المعقود عليه فهو الأجير المشترك إلى هنا كلامه واعترض بأن الجواب فيه خلل من أوجه, أما أولا ; فلأن قوله في أول الجواب نعم كذلك اعتراف بلزوم الدور وما يستلزم الدور يتعين فساده ولا يمكن إصلاحه. وأما ثانيا ; فلأن كون الأجير المشترك خفيا وما ذكره في التعريف أشهر منه فممنوع, ولو كان كذلك فما صح الجواب إذا سئل عمن يستحق الأجرة حتى يعلم, وأما ثالثا ; فلأن المذكور في باب الأجير حتى يستحق غير مختص بالأجير المشترك, قال الأكمل: تعريف الأجير المشترك يستلزم الدور ; لأنا لا نعلم من يعمل لغير واحد حتى يعرف الأجير المشترك

 

 ج / 8 ص -54-        ولا يستحق الأجرة حتى يعمل كالقصار والصباغ والخياط والنساج والمتاع في يده غير مضمون بالهلاك
______
فتكون معرفة المعرف موقوفة على معرفة المعرف به وهو الدور وأجيب بأنه قد علم مما سبق متى يستحق الأجير بالعمل فلم تتوقف معرفته على معرفة المعرف, وقال بعضهم الأجير المشترك من يعمل لغير واحد كالخياط والصباغ ا هـ. وبيان ذلك أن معنى الأجير المشترك من لا يجب عليه أن لا يختص بواحد عمل لغيره أو لم يعمل ولا يشترط أن يكون عاملا لغير واحد, بل إذا عمل لواحد فهو مشترك إذا كان بحيث لا يمتنع ولا يبعد عليه أن يعمل لغير واحد, قال الشارح: والأولى أن يقال الأجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل معلوم ببيان محله ليسلم من النقض والخاص من يكون العقد واردا على منفعته ولا تصير منافعه معلومة إلا بذكر المدة والمسافة ومنافعه معلومة في حكم العين ففي المشترك المعقود عليه الوصف الذي يحدث في العين بفعله فلا يحتاج إلى ذكر المدة ولا يمتنع عليه التقبل. وحكم الأجير المشترك أن يتقبل العمل لغير واحد والخاص لا يمكنه أن يعمل لغير واحد وفي الأصل ما معناه المشترك من يقع العقد على العمل المعلوم فيصح بدون بيان المدة والإجارة على المدة لا تصح إلا ببيان نوع من العمل, وإذا جمع بين العمل والمدة يعتبر الأول فلو استأجر راعيا ليرعى له غنمه المعلومة بدرهم شهرا فهو أجير مشترك إلا إذا صرح في آخر كلامه بما يدل على أنه خاص بأن قال لا يرعى غنم غيري, وإذا ذكر المدة أولا نحو أن يستأجر راعيا شهرا يرعى غنمه المعلومة بدرهم فهو أجير خاص إلا إذا صرح في آخر كلامه بما يدل على أنه مشترك بأن يقول ارع غنمي وغنم غيري.
قال رحمه الله "ولا يستحق الأجرة حتى يعمل كالقصار والصباغ والخياط والنساج" لأن الإجارة عقد معاوضة فيقتضي المساواة بينهما كما تقدم أقول: لا يخفى أن هذا اختاره القدوري في تعريف المشترك ولم يزد عليه قال صاحب العناية, وقيل قوله من لا يستحق الأجرة حتى يعمل مفردا, والتعريف بالمفرد لا يصح عند عامة المحققين, والحق أن يقال إنه من التعريفات اللفظية وفي العتابية المشترك الحمال والملاح والحائك والخائط والنداف والصباغ والقصار والراعي والحجام والبزاغ والبناء والحفار. ا هـ.
قال رحمه الله "والمتاع في يده غير مضمون بالهلاك" يعني لا يضمن ما ذكر سواء هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالسرقة أو بما لا يمكن كالحريق الغالب والفارة المكابرة, وهذا عند الإمام, وقالا لا يضمن إذا هلك بما يمكن التحرز عنه ; لأن عليا وعمر ضمناه ; ولأن المعقود عليه الحفظ وبما ذكر لم يوجد الحفظ التام كما في الوديعة إذا كانت بأجر وكما إذا هلك بفعله

 

 ج / 8 ص -55-        وما تلف من عمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الجمال وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل وغرق السفينة من مدها مضمون
______
ولأبي حنيفة أن القبض حصل بإذنه فلا يكون مضمونا عليه كالوديعة والعارية ولهذا لا يضمن فيما لا يمكن التحرز عنه كالموت والغصب, ولو كان مضمونا عليه لما اختلف الحال ولا نسلم أن المعقود عليه هو الحفظ, بل العمل والحفظ تبعا بخلاف الوديعة بأجرة ; لأن الحفظ وجب مقصودا وبخلاف ما إذا تلف بعمله ; لأن العقد يقتضي سلامة المعقود عليه وهو العمل فإذا لم يكن سليما ضمن, وقد روي عن عمر وعلي أنهما كانا لا يضمنان الأجير المشترك وهو قول إبراهيم النخعي فيتعارض عنهما الرواية فلا تلزم حجة, وقيل هذا اختلاف عصر وزمان ورد بأن الاختلاف موجود بين الصحابة وبين أئمتنا رضي الله عنهم ومبنى الاختلاف أن عندهما الحفظ معقود عليه وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به يكون واجبا لوجوبه فيكون العقد واردا عليه, وعنده لا يكون واردا عليه. وقد تقدم أن بقولهما يفتى في هذا الزمان لتغير أحوال الناس وإن شرط الضمان على الأجير فإن كان فيما لا يمكن التحرز عنه لا يجوز بالإجماع ; لأنه شرط لا يقتضيه العقد وإن كان فيما يمكن التحرز عنه يجوز عندهما خلافا للإمام وفي الدراية أخذ الفقيه أبو الليث في الأجير المشترك بقول الإمام وبه أفتى, وفي المزارعة والمعاملة الفتوى على قولهما لمكان الضرورة وفي السراجية وأفتى بعضهم بالصلح على نصف القيمة فيما هلك في يد الأجير المشترك فيما يمكن الاحتراز عنه في عمله وقيد بالهلاك ليحترز عن الخطأ, قال في المحيط دفع إلى قصار ثوبا ليقصره فجاء ليطلب ثوبه فدفع إليه القصار ثوبا ظانا أنه له فهو ضامن له وكل من أخذ شيئا على أنه له ولم يكن له فهو ضامن, ولو كان صاحب الثوب أرسل رجلا ليأخذ ثوبه فلا ضمان على الرسول وإن أخذ الرسول الثوب بغيبة القصار فرب الثوب بالخيار إن شاء ضمن القصار أو الرسول وأيهما ضمن لم يرجع على الآخر. ا هـ. وفي المضمرات وإذا ضمن عندهما إن كان الهلاك قبل العمل ضمن قيمته غير معمول ولا أجر عليه وإن كان بعد العمل فرب الثوب إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر عليه وإن شاء أعطاه قيمته معمولا ويعطيه أجرته قال في شرح الطحاوي معناه يحط عنه قدر الأجرة, ولو ادعى الرد على صاحبه وصاحبه ينكر, القول قول الأجير عند الإمام, ولكن لا يصدق في دعوى الأجر, وعندهما القول قول صاحب الثوب.
قال رحمه الله "وما تلف من عمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الجمال وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل وغرق السفينة من مدها مضمون" هذا جواب المسائل كلها, وقال الإمام الشافعي وزفر لا يضمن ; لأنه مأذون فيه فصار كالمعين للدقاق والأمر المطلق ينتظم العمل بنوعيه المعيب والسليم ولا يمكن التحرز عن الدق المعيب ولنا أن التلف حصل بفعل غير

 

 ج / 8 ص -56-        ...........................................
______
مأذون فيه ; لأن المأذون فيه هو السليم دون غيره عرفا وعادة فيضمن وفي المحيط, ولو تخرق لتقصيره في العمل أو لعدم معرفته بالعمل يضمن عندنا, وعند زفر وقيد بقوله بعمله فشمل عمله بنفسه وعمل أجيره ; لأنه عمله حكما
قال في المحيط: ثم الأجير المشترك إنما يضمن ما تلف في يده بشرائط ثلاثة: الأول أن يكون في قدرته دفع ذلك الفساد فلو لم يكن له قدرة على ذلك كما لو غرقت السفينة من موج أو ريح أو جبل صدمها لا ضمان على الملاح. الثاني أن يكون محل العمل مسلما إليه بالتخلية فلو لم يكن محل العمل مسلما إليه بأن كان رب المتاع في السفينة أو وكيله فانكسرت السفينة بجذب الملاح لم يضمن. وأما الثالث وهو أن يكون المضمون مما يجوز أن يضمن بالعقد فلو استأجر دابة لحمل عبد صغير أو كبير فلا ضمان على المكاري فيما عطب من سوقه أو قوده, قال في المحيط لو تلف من فعل أجير القصار لا متعمدا فالضمان على القصار لا على الأجير ; لأن التلف حصل من عمل القصارة, ولو وطئ ثوبا فتخرق ينظر إن كان يوطأ مثله لا ضمان عليه ; لأنه مأذون دلالة وإن كان لا يوطأ بأن كان رقيقا ضمن, ولو وقع من يده سراج فأحرق ثوبا من القصارة أو حمل شيئا فوقع على ثوب القصارة فتخرق فالضمان على الأستاذ, ولو استأجر رجلا ليخدمه فوقع شيء من يده من متاع البيت ففسد لا يضمن, ولو وقع الأجير على ثوب وديعة عند الأستاذ فتخرق ضمن الأجير ; لأنه ليس بمأذون فيه وذكر في الأصل انفلتت المدقة من يد الأجير فأصابت شيئا فضمانه على القصار ولم يفصل بين ثوب القصارة وغيره, ومشايخنا فصلوا فقالوا إن وقع على ثوب الوديعة ابتداء وخرقه ضمن الأجير وإن وقع على ثوب القصارة ابتداء يضمن الأستاذ دون الأجير ; لأنها انفلتت ابتداء على ثوب الوديعة فهذا عمل غير مأذون فيه فيضمن. فأما إذا انفلتت على ثوب القصارة ابتداء فهو عمل مأذون فيه الأجير فيضمن الأستاذ وعلى هذا التفصيل إذا أصاب آدميا وقالوا لو مشى الضيف على بساط المضيف فتخرق من مشيه لم يضمن ; لأنه مأذون فيه, وكذا لو انقلبت الأواني فانكسرت بخلاف ما إذا وطئ آنية من الأواني فأفسدها يضمنها ; لأنه ليس بمأذون فيه, ولو جفف القصار ثوبا على حبل فمرت حمولة فحرقته فالضمان على الحمال والراعي إذا ساق الغنم فماتت أو وطئ بعضها بعضا فمات إن كان أجيرا مشتركا ضمن وإن كان أجيرا خاصا فلا ضمان عليه ا هـ. مختصرا.
وقوله من دقه أي دقه حقيقة أو حكما كدق أجيره وقوله كزلق الجمال قال في الجامع الصغير استأجر جمالا ليحمل له كذا إلى موضع كذا فزلق الجمال في أثناء الطريق إن حصل بجناية يده ضمن وإن حصل بما لم يمكن الاحتراز عنه لا يضمن عند الإمام, وعندهما يضمن

 

 ج / 8 ص -57-        ...........................................
______
وفي الذخيرة هذا إذا تلف في وسط الطريق, ولو زلقت رجله بعدما انتهى إلى المكان المشروط فله الأجر ولا ضمان عليه وهو قول محمد أخيرا وعلى قوله أولا يضمن هنا أيضا وفي الولوالجية, ولو مطرت السماء فأفسدت الحمل أو أصابته الشمس ففسد فلا ضمان على قول الإمام, وعند أبي يوسف يضمن وفي الأصل استأجر دابة ليحمل عليها شيئا فعثرت الدابة فوقع الحمل أو المملوك لا يضمن المملوك ويضمن الحمل قالوا إنما يضمن المتاع إذا كان الصبي لا يصلح لحفظ المتاع ; لأنه لو كان يصلح له لا يضمن المتاع, ولو مر بالدابة على قنطرة وفيها حجر أو ثقب فوقع فيه حمله فتلف يضمن وقيد بزلق الجمال المستأجر ; لأنه لو لم يستأجره
قال في المحيط استأجر قدرا, فلما فرغ حمله على حماره فزلق رجل الحمار فوقع فانكسر القدر فإن كان الحمار يطيق حمل ذلك فلا ضمان عليه وإن كان لا يطيق فإنه يضمن ا هـ. قوله وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل قال محمد في الأصل إذا انقطع حبل الجمال وسقط الحمل وتلف ضمن قيد بقوله يشد به الحمل ; لأنه لو كان الحبل لصاحب المتاع لا يضمن قال في العناية, ولو حمل بحبل صاحب المتاع فتلف لم يضمن, وقال في الهداية وقطع الحبل من قلة اهتمامه فكان من صنعه ولقائل أن يقول تقدم أن الأجير المشترك لا يضمن ما تلف في يده إن كان الهلاك بسبب يمكن الاحتراز وفرق بأن التقصير هنا في نفس العمل فيضمن وهناك في نفس الحفظ فلا يضمن, ولو قال رب المتاع للحمال احمله فحملاه فسقط لم يضمن ; لأن التسليم إليه لم يتم, ولو حمله, ثم استعان في موضعه برب المتاع فوضعه فتلف ضمن عند أبي يوسف ولم يضمن عند محمد, ولو قال احمل أيهما شئت هذا بدرهم, وهذا بنصف درهم فحملهما فله نصف أجرهما ونصفهما إن هلكا, ولو حمل أحدهما أولا فهو متطوع في الثاني ويضمنه إن هلك ; لأنه حمله بغير إذن, ولو استأجره ليحمل له جلود ميتة فوقعها وأتلفها فلا أجر ولا ضمان ; لأنه ليس بمال. ولو استأجره ليحمل هذه الدراهم إلى فلان فأنفقها في نصف الطريق, ثم دفع مثلها إلى فلان فلا أجر له ; لأنه ملكها بأداء الضمان وفي الواقعات استأجره ليحمل كذا في طريق كذا فأخذ في طريق آخر تسلكه الناس فتلف لم يضمن قوله وغرق السفينة من مدها أطلق في قوله من مدها فظاهره أنه يضمن سواء كان رب المتاع معه أو لم يكن وليس كذلك قال في الأصل الملاح إذا أخذ الأجرة وغرقت السفينة في موج أو ريح أو مطر أو فزع وفي الخانية أو من شيء وقع عليها أو من شيء ليس في وسعه دفعه فلا ضمان عليه وإن حصل الغرق من أمر يمكن التحرز عنه فكذلك عند الإمام, وعندهما يضمن وإن حصل الغرق من مده وصاحب المتاع معه لم يضمن وفي الأصل وإن

 

 ج / 8 ص -58-        ولا يضمن به بني آدم وإن انكسر دن في الطريق ضمن الحمال قيمته في محل حمله ولا أجر أو في موضع الانكسار وأجره بحسابه ولا يضمن حجام أو فصاد أو بزاغ لم يتعد الموضع المعتاد
______
كان صاحب المتاع في السفينة أو وكيله وغرقت السفينة من مده ومعالجته فلا ضمان إلا أن يخالف بأن يضع فيها شيئا أو يفعل فيها فعلا متعمدا الفساد, وهذا بخلاف ما إذا أجرت الدابة فسقط المتاع فهلك وصاحب المتاع معه فإن الأجير يضمن ا هـ. والمراد بالمد حبل السفينة التي تمد به وفي التتمة استأجر سفينة ليحمل عليها الأمتعة هذه فأدخل الملاح عليها أمتعة أخرى بغير رضاه وغرقت وهي كانت تطيق ذلك لم يضمن الملاح. ا هـ.
قال رحمه الله "ولا يضمن به بني آدم" ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة, ولو كان بسوقه وقوده ; لأن الآدمي لا يضمن بالعقد وإنما يضمن بالجناية قيل هذا إذا كان كبيرا ممن يستمسك بنفسه ويركب وحده وإلا فهو كالمتاع. والصحيح أنه لا فرق.
قال رحمه الله "وإن انكسر دن في الطريق ضمن الحمال قيمته في محل حمله ولا أجر أو في موضع الانكسار وأجره بحسابه" أما الضمان ; فلأنه تلف بفعله ; لأن الداخل تحت العقد عمل غير مفسد والمفسد غير داخل فيضمن على ما بينا, وأما الخيار ; فلأنه إذا انكسر في الطريق شيء واحد تبين أنه وقع تعديا من الابتداء من هذا الوجه وله وجه آخر وهو أن ابتداء الحمل حصل بأمره فلم يكن متعديا وإنما صار تعديا عند الكسر فيميل إلى أي الجهتين شاء فإن مال إلى كونه متعديا من الابتداء ضمنه قيمته ولا أجر له وإن مال إلى كونه مأذونا فيه في الابتداء وإنما حصل التعدي عند الكسر ضمنه قيمته في موضع الكسر وأعطاه الأجر بحسابه قال في شرح الطحاوي معناه أسقط قدر الأجرة هذا إذا انكسر بصنعه بأن زلق وعثر فإن عثر بغير صنعه بأن زحمه الناس لا يضمن عند الإمام ولا أجر له, وعندهما يضمن قيمته في موضع ما انكسر ولا يخير ; لأن العين مضمونة عندهما على ما بينا قال في التتارخانية هذا إذا انكسر الدن بجناية يده أما إذا حصل لا بجناية يده فإن كان بأمر لا يمكن التحرز عنه لا ضمان عليه بالإجماع وإن هلك بأمر يمكن التحرز عنه فكذلك عند الإمام, وعندهما يجب الضمان وللمالك الخيار وقوله في الطريق قال في الذخيرة قيد احترازي فإذا انكسر الدن بعدما انتهى به إلى بيته فله الأجر ولا ضمان عليه, وهذا قول محمد آخرا أما على قول أبي يوسف وهو قول محمد أولا يجب أن يكون ضامنا. ا هـ., وقد تقدم.
قال رحمه الله "ولا يضمن حجام أو فصاد أو بزاغ لم يتعد الموضع المعتاد" ; لأنه التزمه بالعقد فصار واجبا عليه والفعل الواجب لا يجامعه الضمان كما إذا حد القاضي أو عزر

 

 ج / 8 ص -59-        والخاص يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل كمن استؤجر شهرا للخدمة أو لرعي الغنم
______
ومات المضروب بذلك إلا إذا كان يمكنه التحرز عن ذلك كدق الثوب فأمكن تقييده بالسليم بخلاف الفصد ونحوه فإنه ينبني على قوة الطبع وضعفه ولا يعرف ذلك بنفسه ولا ما يحتمله الجرح فلا يمكن تقييده بالسليم وهو غير الساري فسقط اعتباره إلا إذا جاوز المعتاد فيضمن الزائد هذا كله إذا لم يهلك وإن هلك يضمن نصف دية النفس ; لأنه هلك بمأذون وغير مأذون فيضمن بحسابه حتى لو أن الختان قطع الحشفة وهو عضو كامل يجب عليه الدية كاملة وإن مات وجب نصف الدية وهي من أندر المسائل وأغربها حيث يجب الأكثر بالبرء وبالهلاك الأقل وفي شرح الطحاوي لو قطع الحشفة فعليه القصاص, ولو قطع بعض الحشفة فلا قصاص عليه ولم يذكر ما يجب عليه وفي الصغرى تجب حكومة عدل وفي الخلاصة الكحال إذا صب الدواء في عين رجل فذهب ضوءه لم يضمن كالختان إلا إذا غلط فإن قال رجلان إنه ليس بأهل, وقال رجلان هو أهل لم يضمن فإن كان في جانب الكحال واحد وفي جانب الآخر اثنان ضمن, ولو قال رجل للكحال داو بشرط أن لا يذهب بصره فذهب لم يضمن أمر رجلا أن يقلع سنه فقلعه, ثم اختلفا قال أمرتك أن تقلع غيره, وقال الحجام أمرتني بقلع هذا القول قول الآمر. ا هـ. وفي الظهيرية, ولو بزغ واختلفا فالقول للآمر ويضمن القالع أرش السن وفي الخلاصة, ولو قلع ما أمره, ولكن سن آخر متصل بهذا السن سقط ضمنه وظاهر عبارة المؤلف أن الضمان ينتفي بعدم المجاورة وذكر في الجامع الصغير وحجامة العبد بأمر المولى حتى إذا لم يكن بأمر المولى يجب الضمان قال في الكافي عبارة المختصر ناطقة بعدم التجاوز وساكتة عن الإذن, وعبارة الجامع الصغير ناطقة بالإذن ساكتة عن التجاوز فصار ما نطق به هذا بيانا لما سكت عنه الآخر ويستفاد بمجموع الروايتين اشتراط عدم التجاوز والإذن لعدم وجوب الضمان حتى إذا عدم أحدهما أو كلاهما يجب الضمان ا هـ.
قال رحمه الله "والخاص يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل كمن استؤجر شهرا للخدمة أو لرعي الغنم" يعني الأجير الخاص يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة عمل أو لم يعمل قال الأكمل وما يرد على تعريف الأجير المشترك يرد مثله على تعريف الخاص ا هـ. وسمي الأجير خاصا وحده ; لأنه يختص بالواحد وليس له أن يعمل لغيره ; ولأن منافعه صارت مستحقة للغير والأجر مقابل بها فيستحقه ما لم يمنع مانع من العمل كالمرض والمطر ونحو ذلك مما يمنع التمكن, ولم يتعرض المؤلف لما إذا عمل لمتعدد ونحن نبين ذلك قال في المحيط: ولو أجر نفسه من غيره وعمل للأول والثاني استحق الأجر كاملا على كل واحد

 

 ج / 8 ص -60-        ...........................................
______
منهما ولا يتصدق بشيء ويأثم. ا هـ. قال صاحب الهداية والأجر مقابل بالمنافع ولهذا يستحق الأجر عليه وإن نقض العمل. قال صاحب النهاية نقض على البناء للمفعول بخلاف الأجير المشترك فإنه روي عن محمد في خياط خاط ثوب رجل فنقضه رجل قبل أن يقضيه رب الثوب فلا أجر للخياط ; لأنه لم يسلم العمل إلى رب الثوب ولا يجبر الخياط أن يعيد العمل ; لأنه لو أجبر لكان بحكم العقد الذي وقع في ذلك قد انتهى بتمام العمل وإن كان الخياط هو الذي نقض فعليه أن يعيد العمل ; لأنه لما نقضه صار كأنه لم يحصل منه عمل ومثله الإسكافي والملاح حتى إذا أراد الملاح رد السفينة منع من ذلك وإنما يكون أجيرا خاصا إذا شرط عليه أن لا يرعى لغيره أو ذكر المدة أولا فإنه جعله خاصا بأول كلامه حيث ذكر المدة أولا وقوله لرعي غنمه يحتمل أن يكون لإيقاع العقد على العمل فيصير مشتركا ويحتمل أن يكون لبيان نوع العمل فإن الإجارة على المدة لا تصح ما لم يبين نوع العمل فلم يعتبر حكم الكلام الأول بالاحتمال, ولو قدم ذكر العمل وأخر المدة بأن قال ارع غنمي بدرهم شهرا كان أجيرا مشتركا ; لأنه جعله مشتركا بأول كلامه بإيقاع العقد على العمل وقوله شهرا يحتمل أن يكون لإيقاع العقد على المدة فيكون خاصا ويحتمل أن يكون لتقدير العمل في المدة فلا يتغير أول كلامه بالاحتمال ما لم يصرح بخلافه, وفي المحيط فإذا كان خاصا فماتت شاة أو أكلها سبع أو غرقت في نهر فلا ضمان على الراعي ; لأنه أمين ولا ينقص من الأجر بحسابها ; لأن المقعود عليه تسليم نفسه, وقد وجد ولهذا لو سلم نفسه ولم يأمره بالرعي تجب الأجرة وهو يصدق فيما يدعيه من الهلاك مع اليمين. ولو سلم إلى الراعي عددا فأراد أن يزيد عليه والراعي يطيقه فله ذلك استحسانا ; لأن المستحق عليه الرعي بقدر ما يطيق لا رعي أغنام بعينها حتى قلنا في الظئر لو استأجرها لإرضاع صبي فأراد أن يرضع صبيا آخر ليس له ذلك ; لأن العقد وقع على العمل وفيه زيادة عمل, ولو كان الراعي أجيرا مشتركا لكان حكمه حكم الظئر لتعلق العقد بالمسمى فلا يزيد عليه ويلزمه رعي الأولاد وما بيع منها سقط من الأجر بحسابه, ولو شرط عليه رعي الأولاد صح استحسانا ; لأن هذه الجهالة غير مفضية إلى المنازعة راع مشترك خلط الأغنام فالقول في التمييز للراعي مع يمينه إن جهل صاحبه وإن جهل الراعي يضمن قيمة الكل ; لأن الخلط استهلاك شرط على المشترك أن يأتي بعلامة الميت إن لم يأت فهو ضامن وليس للراعي أن ينزي على الغنم إلا بإذن مالكها فإن فعل فعطب ضمن ; لأن هذا ليس من الرعي فإن نزا الفحل بدون فعله لم يضمن عند الإمام, وعندهما يضمن ; لأنه مما يمكن الاحتراز عنه ندت واحدة فخاف على الباقي إن تبعها فلا ضمان عليه عند الإمام ; لأنه ترك حفظها بعذر, وعندهما يضمن. ولو سرق غنم وهو نائم لم يضمن عند الإمام, وعندهما يضمن, ولو ذبح الراعي شاة

 

 ج / 8 ص -61-        ولا يضمن ما تلف في يده أو بعمله وصح ترديد الأجير بترديد العمل في الثوب نوعا وزمانا في الأول
______
خوفا عليها ضمن قيمتها يوم الذبح قال مشايخنا هذا إذا كان يرجى حياتها وإن كان لا يرجى لا يضمن ; لأنه مأذون فيه في هذه الحالة عطب بعض الغنم فقال المالك شرطت عليك أن ترعى في مكان كذا غير هذا المكان, وقال الراعي شرطت هذا المكان فالقول قول المالك والبينة للراعي, وهذا عند الإمام, وعندهما يضمن ولا يأخذ المصدق من الراعي فإن أخذ منه فلا ضمان ; لأنه ليس في وسعه دفع السلطان والهلاك إذا كان بأمر لا يمكن التحرز عنه لا يضمن بالإجماع جعل الأجرة لبنها وصوفها فالإجارة فاسدة للجهالة في اللبن والصوف, والراعي ضامن لما أصاب من لبنها وصوفها ا هـ. مختصرا.
قال رحمه الله "ولا يضمن ما تلف في يده أو بعمله" أما الأول ; فلأن العين أمانة في يده ; لأنه قبضها بإذن مالكها فلا يضمن بالإجماع, وهذا ظاهر على قول الإمام, وكذا عندهما ; لأن تضمين الأجير المشترك كان نوع استحسان, وقد تقدم وجهه والأجير الخاص يعمل في بيت المستأجر ولا يقبل الأعمال من غيره فأخذا فيه بالقياس, وأما الثاني ; فلأن المنافع صارت مملوكة للمستأجر وأمره بالصرف إلى ملكه فصح وصار نائبا عنه وصار فعله منقولا إليه ; لأنه فعله بنفسه ; ولأن البدل ليس بمقابلة العمل بدليل أنه يستحق الأجر وإن لم يعمل, وهذا ; لأن المبيع منفعته وهي سليمة وإنما الخرق في العمل الذي هو تسليم المنفعة وذلك غير معقود عليه فلم يكن يضمن شيئا ما هو عليه فلا يشترط فيه السلامة فلا يضمن ما تلف إلا إذا تعمد الفساد فيضمن بالتعدي كالمودع وفي المحيط وعلى هذا التفصيل أما1 في الضمان تلميذ القصار وأجيره سائر الصنائع.
قال رحمه الله "وصح ترديد الأجير بترديد العمل في الثوب نوعا وزمانا في الأول" يعني يجوز أن يجعل الأجر مترددا بين تسميتين ويجعل العمل مترددا في الثوب بين نوعي العمل بأن يقول إن خطت فارسيا فبدرهم أو روميا فبدرهمين أو صبغته بعصفر فبدرهم وبزعفران فبدرهمين, أو يجعل العمل مترددا بين زمانين بأن يقول إن خطته اليوم فبدرهمين وإن خطته غدا فبنصف درهم يجوز في الأول دون الثاني وهو معنى قوله وزمانا في الأول, ويجوز التردد بين ثلاثة أشياء ولا يجوز بين أكثر كما تقدم, ولو قال المؤلف رحمه الله تعالى وصح ترديد الأجر بترديد العمل نوعا وزمانا في الأول فيما دون الأربعة لكان أولى ; لأنه يفهم من الإطلاق أنه يصح في أكثر من الأربعة, وهذا خيار التعين إلا أنه لا بد في البيع من اشتراط الخيار وفي


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في العبارة ضعف فليتنبه لذلك.

 

 ج / 8 ص -62-        ...........................................
______
الإجارة لا يشترط ذلك والفرق أن تحقيق الجهالة في البيع لا يرتفع إلا بإثبات الخيار بخلاف الإجارة واستشكل صاحب التسهيل هذا الفرق حيث قال: أقول: الجهالة التي في طرف الأجرة ترتفع كما ذكر أما التي في طرف العين المستأجرة فهي ثابتة وتفضي إلى المنازعة فينبغي أن لا يصح بدون شرط اليقين ا هـ. وهذا التفصيل في الزمان قول الإمام, وقالا الشرطان جائزان, وقال زفر الشرطان فاسدان ; لأن الخياطة شيء واحد, وقد ذكر لمقابلته بدلان فيكون مجهولا ولهما أن ذكر اليوم للتوقيت وغدا للتعليق فلا يجتمع في كل يوم تسميتان وللإمام في الأول قال فارسيا وروميا فسمى نوعين معلومين من العمل وسمى لكل منهما بدلا معلوما فيجوز للإمام أيضا إذا كان الترديد في الزمان إن ذكر اليوم للتعجيل والغد للإضافة والكلام لحقيقته حتى يقوم دليل المجاز, وقد قام الدليل على إرادة المجاز في ذكر اليوم وهو التعجيل ; لأن مرادهما الصحة وهو متعين في المجاز ; لأن تعين العمل مع التوقيت مفسد فإن تعين العمل يوجب كونه أجيرا مشتركا وتعين الوقت يوجب كونه خاصا وبينهما تفاوت فلا يجتمعان, فتعين المجاز كي لا يفسد فحملاه على التعجيل وفي الغد لم يقم الدليل على إرادة المجاز, بل قام الدليل على إرادة الحقيقة وهو الإضافة يعني في التعليق فتركاه على حقيقته فإذا كان ذكر اليوم للتعجيل وذكر غد للإضافة لم يجتمع في اليوم إلا نسبة واحدة فلم يفسد فإذا خاطه اليوم فله الدراهم, واجتمع في غد تسميتان فوجب حمله على الإضافة. وهذا يناقض ما قدمه من أنه إن كان العمل أولا فالزمان لغو أو الزمان أولا فالعمل لغو فهو في الأول أجير مشترك وفي الثاني أجير خاص فإذا خاطه في غد فله أجر مثله لا يزاد على نصف درهم بخلاف الفارسية والرومية ; لأنهما عقدان مختلفان لم يجتمعا فافترقا ويشكل على ما علل به في اليوم والغد مسألة الراعي فإنها جمع فيها بين ذكر الوقت والعمل وتصح الإجارة بالاتفاق ولا يحمل الوقت على غير معناه الحقيقي في قول أحد, بل يعتبر أجيرا مشتركا إن وقع ذكر العمل أولا وأجيرا وحده إن وقع ذكر الوقت أولا كما ذكر في الذخيرة والمحيط
قال صاحب الكافي وفي المسألة إشكال على قول الإمام حيث جعل ذكر اليوم للتعجيل ها هنا حتى أجاز العقد وفي مسألة الخياط جعله للتوقيت وأفسد العقد. والجواب أن ذكر اليوم حقيقة للتوقيت فيحمل عليه حتى يقوم الدليل على المجاز وهو نقصان الأجر بسبب التأخير فعدلنا عن الحقيقة ولم نعمم هناك وكان التوقيت مرادا ففسد العقد, وقوله ترديد الأجرة قيد اتفاقي ; لأنه لا فرق بين ترديد الأجرة ونفيها لما قال في المحيط البرهاني لو قال إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلا أجر لك, قال محمد في الإملاء إن خاطه في اليوم الأول فله درهم وإن خاطه في اليوم الثاني فله أجر مثله لا يزاد على درهم في قولهم جميعا ; لأن إسقاط

 

 ج / 8 ص -63-        وفي الدكان والبيت والدابة مسافة وحملا
______
الأجر في اليوم الثاني لا ينفي وجوبه في اليوم الأول, ونفي التسمية في اليوم الأول لا ينفي أصل العقد فكان في اليوم الثاني عقد لا تسمية فيه فيجب أجر المثل ا هـ. بلفظه,
وفي التتارخانية بعد أن ذكر هذا الفرع هذا إذا جمع بين الأمرين فلو أفرد العقد على اليوم بأن قال إن خطته اليوم فلك درهم ولم يزد على هذا فخاطه في الغد لم يذكر محمد هذا في شيء من الكتب وكان الفقيه أبو بكر البلخي يقول على قولهما يستحق أجر المثل إذا خاطه في غد وعلى قول الإمام لقائل أن يقول يجب ولقائل أن يقول لا يجب ذلك وأن يقول هذا العقد هنا فاسد على قول الإمام ; لأنه جمع بين الوقت والعمل ولم تقم قرينة على أنه أراد بالوقت التعجيل فما وجه القول بالصحة وفي العتابية إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته في غد فلا شيء لك فسد العقد ; لأنه شرط القمار, وقيل يصح في اليوم ويفسد في الغد, ولو قال ما خاطه اليوم فبحساب درهم وما خاطه غدا فبحساب نصف درهم يفسد ; لأنه مجهول, ولو قال ما خاطه من هذه الثياب روميا فبكذا وفارسيا فبكذا يفسد للجهالة, وهذا التفصيل في صورة المتن هو المذكور في الجامع الصغير وحكى الفقيه عن أبي القاسم الصفار ينبغي أن يفسد العقد في اليوم والغد بلا خلاف فإن خاطه في الغد فله أجر مثله لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم, وهذا يشير إلى أنه يجوز أن يزيد على نصف درهم وهو رواية الأصل, وفي المسألة روايتان. وصحح القدوري رواية ابن سماعة وهو الصحيح وهو المذكور في المتن ولم يتعرض لماذا خاط بعضه في اليوم وبعضه في غد ونحن نبين ذلك قال في العناية: ولو خاطه نصفه في اليوم ونصفه في الغد يجب في اليوم نصف درهم وفي الغد أجرة مثله لا يزاد على نصف درهم ولا ينقص عن ربع درهم وقوله زمانا في الأول قيد اتفاقي ; لأنه لو ردد في الأجرة كذلك وأطلق في قوله زمانا في الأول فشمل ما إذا قدم الأول وأخر الغد وقدم الغد وأخر اليوم يصح العقد في الغد ويفسد في اليوم قال في الغياثية: ولو بدأ بالغد, ثم اليوم فعند الإمام الصحيح هو الأول وفي إجارة الأصل لو قال إن خطته اليوم فلك درهم وإن لم تفرغ منه اليوم فلك نصف درهم ذكر الخلاف على نحو ما ذكر في المتن.
قال رحمه الله "وفي الدكان والبيت والدابة مسافة وحملا" يعني يجوز أن يجعل الأجر مترددا في الدكان بأن يقول إن سكنت حدادا فبدرهمين وإن سكنت عطارا فبدرهم أو يتردد بين مسافتين في الدابة أو بين حملين بأن يقول إن ذهب إلى بغداد بكذا وإلى الكوفة بكذا أو إن حملت قطنا فبكذا وإن حملت حديدا فبكذا, وهذا قول الإمام, وعندهما لا تجوز هذه الإجارة لهما أن الأجرة والمنفعة مجهولتان ; لأن الأجر في الأجير الخاص يجب بالتسليم من غير عمل

 

 ج / 8 ص -64-        ولا يسافر بعبد استأجره للخدمة بلا شرط
______
ولا يدري أي العملين يقدر ولا أي التسميتين تجب وقت التسليم بخلاف خياطة الرومية والفارسية ; لأن الإجارة لا تجب فيه إلا بالعمل وبه ترفع الجهالة وبخلاف الترديد في اليوم والغد ; لأنه عندهما كمسألة الرومية أو الفارسية فلا يجب الأجر إلا بعد العمل فعند ذلك هو معلوم هذا هو القاعدة. فإن قلت فما الفرق على قولهما بين الترديد في العمل والزمان حيث جوزاها ومنعاه في البيت والدكان, والإمام جوز هنا ومنع في الزمان, قلت قالا التفاوت في السكنى فاحشة فمنعاه والإمام قال هو رضي بإدخال الضرر على نفسه فأجازه وللإمام أنه خيره بين شيئين متغايرين وجعل لكل واحد منهما أجرا معلوما فوجب أن يجوز كما في الرومية والفارسية, والإجارة للانتفاع فالظاهر أن يستوفي المنافع, وعند الاستيفاء ترفع الجهالة بخلاف الترديد في اليوم والغد على ما تقدم وهنا يجوز الترديد بين شيئين بأن يقول أجرتك هذه الدار كل شهر بمائة أو هذه الدار بمائتين أو هذه الدار بثلاثمائة ولا يجوز بين أكثر من ذلك لما تقدم وفي الكبرى واختلف المشايخ على قول الإمام في مسألة الدابة والدار إذا سلم ولم يسكن ولم يحمل عليها ولم يركبها قال بعضهم يجب أقل الأجرين وهو المقابل بأدنى العملين والزائد مشكوك فيه فلا يجب بالشك, وقال بعضهم إذا وجد التسليم ولم توجد المنفعة جعل التسليم لهما إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر فيجب نصف أجر كل من الحداد والقصار ونصف أجر الحمل ونصف أجر الركوب وفي التتارخانية, وذكر الكرخي من استأجر دابة من بغداد إلى البصرة بخمسة وإلى الكوفة بعشرة فإن كانت المسافة إلى البصرة نصف المسافة إلى الكوفة فالعقد جائز, وإن كان أقل أو أكثر لا يجوز على قول محمد, وقال الإمام يجوز وفي نوادر هشام عن محمد إذا قال لغيره إن حملت هذه الخشبة إلى موضع كذا فبدرهم وإن حملت هذه الأخرى إلى موضع كذا فبدرهمين فحملهما إلى ذلك الموضع فله درهمان وهو يخالف رواية ابن سماعة ا هـ..
قال رحمه الله "ولا يسافر بعبد استأجره للخدمة بلا شرط" لأن مطلق العقد تناول الخدمة في الإقامة وهو الأعم الأغلب وعليه عرف الناس فانصرف إليه فلا يكون له أن ينقله إلى خدمة السفر ; لأنه أشق ; ولأن مؤنة الرد على المولى فيلحقه ضرر بذلك فلا يملكه إلا بإذنه بخلاف العبد الموصى بخدمته حيث لا يتقيد بالحضر ; لأن مؤنة الرد عليه ولم يوجد العرف في حقه لا يقال لما ملك المنفعة ملك أن يسافر به كالمولى ; لأنا نقول المولى إنما ملك ذلك ; لأنه ملك الرقبة قيد بقوله ولا يسافر فأفاد أن له أن يستعمل فيما دون السفر ففي المحيط استأجر عبدا ليخدمه ولم يبين مكان الخدمة له أن يستخدمه بالكوفة دون خارج الكوفة, قال شمس الأئمة يعني لا يسافر بالعبد وله أن يخرجه إلى القرى وأفنية المصر ويستخدمه إلى العشاء الأخيرة

 

 ج / 8 ص -65-        ولا يأخذ المستأجر من عبد محجور عليه أجرا دفعه لعمله
______
وليس له أن يضربه وله أن يكلفه أنواع الخدمة ويخدم ضيفانه وامرأته وأطلق في قوله ولا يسافر وهو مقيد بما إذا لم يكن متهيئا للسفر, وقد عرف بذلك ; لأن المعروف كالمشروط, ولو سافر به صار غاصبا ولا أجر عليه إن سلم ; لأن الضمان والأجر لا يجتمعان وفي المحيط لا يكلفه الخبز والطبخ والخياطة وعلف الدواب, قال تفسيره أن يعقده خياطا ليخيط للناس أو خبازا ليخبز للناس ; لأنه ليس من الخدمة, بل من التجارة. وأما إذا خاط له وخبز له فله ذلك ; لأنه من أنواع الخدمة, ولو دفع عبده إلى حائك ليعلمه النسج واشترط عليه أن يحدقه في ثلاثة أشهر لم يجز ; لأن التحديق ليس بعلم معلوم, ولو أجر عبده سنة فأعتق العبد في خلال السنة جاز عتقه والعبد بالخيار إن شاء أجاز العقد فيما بقي وله أجر ما بقي من السنة وإن شاء فسخ وليس للعبد أن يقبض الأجرة إلا بوكالة من المولى فإن كان المولى قبض الأجرة معجلا فأعتق العبد في خلال السنة فإن أجاز العبد العقد فيما بقي سلم ذلك للسيد, ولو كان العبد هو الذي أجر نفسه بإذن المولى, ثم أعتق العبد فله الخيار كما تقدم إلا أن العبد هو الذي يقبض الأجرة وفي الغياثية وإن قبض المولى جميع الأجرة قبل عتقه فذلك له إن لم يكن على العبد دين وإن كان صرف إلى غرمائه والفضل له ; لأنه كسب عبده وأفاد قوله استأجر عبدا أن كلا منهما ذكر ; لأنه لو استأجر أمة لا بد فيه من تفصيل أو استأجر المرأة ذكر لتخدمه لا بد فيه من تفصيل أو استأجرت حرا لا بد فيه من تفصيل, ولو أجر عبده سنة فأقام العبد بينة أن مولاه أعتقه قبل الإجارة فالأجرة للعبد. ولو قال العبد أنا حر, وقد فسخت الإجارة فلم يقم بينة ودفعه القاضي إلى مولاه فأجبر على العمل فأقام بينة أنه حر وأن المولى أعتقه قبل الإجارة فلا أجر للعبد ; لأنه لو لم يقل فسخت كان الأجر للعبد, ولو كان غير بالغ وادعى العتق, وقد أخره, وقال فسخت, ثم عمل فالأجر للغلام. ا هـ. مختصرا. وفي التتارخانية ويكره للرجل أن يستأجر امرأة للخدمة حرة كانت أو أمة وإن كان له عيال فلا بأس بذلك إذا كان ثقة وبه يفتى, ولو استأجر الرجل امرأته للخدمة لا يجوز ولا أجر لها, ولو لغسل الثياب والخياطة يجوز, ولو استأجرت المرأة زوجها للخدمة لا يجوز ولا أجر عليها لو خدم, ولو استأجر أباه للخدمة لا يجوز ولا أجر له لا فرق بين الكافر والمسلم, ولو استأجر أباه لرعي غنمه يجوز, ولو استأجر أمه أو جدته للخدمة لا يجوز, ولو خدم فله المسمى, ولو استأجر عمه وهو أكبر منه أو أخاه وهو أكبر منه لا يجوز, وفي فتاوى الفضلي لا يجوز إجارة المسلم نفسه من كافر في الخدمة وفيما غير الخدمة يجوز, وذكر في صلح الأصل ادعى على آخر دارا فصالحه على خدمة عبده سنة كان له أن يخرج بالعبد إلى أهله قال شمس الأئمة الحلواني لم يرد بإخراجه إلى أهله السفر وإنما أراد القرية وأفنية المصر, وقال شمس الأئمة السرخسي له في مسألة الصلح أن يسافر بخلاف مسألة الإجارة ا هـ. ويطلب الفرق.
قال رحمه الله "ولا يأخذ المستأجر من عبد محجور عليه أجرا دفعه لعمله" يعني لو استأجر رجل عبدا محجورا عليه من نفسه فعمل وأعطاه الأجر ليس للمستأجر أن يأخذ منه,

 

 ج / 8 ص -66-        ولا يضمن غاصب العبد ما أكل من أجره
_________
والقياس له أن يأخذه منه ; لأن عقد المحجور عليه لا يجوز فيبقى على ملك المستأجر ; لأنه بالاستعمال صار غاصبا له ولهذا يجب عليه ضمان قيمته إذا هلك ومنافع المغصوب لا تضمن عندنا فيبقى المدفوع على ملكه فله أن يسترده قياسا وفي الاستحسان لا يسترد ; لأن التصرف من العبد في هذه الحالة نافع على تقدير السلامة صار على تقدير الهلاك والنافع مأذون فيه فيملكه العبد فيخرج الأجر عن ملكه فبعدما سلم تمحض نفعا في حق المولى ; لأنه إذا جاز تحصل للمولى الأجر, ولو لم يجز ضاعت منافع العبد فتعين القول بالجواز وصح قبض العبد الأجرة فلا يسترد بخلاف ما إذا هلك العبد في حالة الاستعمال فإنه يجب على المستأجر قيمته, وإذا ضمن صار غاصبا من وقت الاستعمال فيصير مستوفيا منفعة عبد نفسه فلا يجب عليه الأجرة للصبي المحجور عليه إذا استأجر نفسه وسلم فإن الأجرة له ; لأنه غير ممنوع عما ينفعه وفي النهاية الأجر الذي يجب في هاتين الصورتين هو أجر المثل فإن أعتقه المولى في نصف المدة نفذت الإجارة ولا خيار للعبد وأجر ما مضى للمولى والأجرة في المستقبل للعبد وفي قاضي خان الأب والجد ووصيهما إذا أجر عبد الصبي سنين, ثم بلغ الغلام لم يكن له أن يفسخ والصبي إذا أجر نفسه وسلم, ثم بلغ له أن يفسخ الإجارة. ا هـ. وفي المحيط المكاتب إذا أجر عبده, ثم عجز المكاتب رد في الرق فالإجارة باقية في قول أبي يوسف, وقال محمد تنتقض. ا هـ. وفي التتارخانية ولو أجر الرجل عبدا, ثم استحق وأجاز المستحق الإجارة فإن كانت الإجارة قبل استيفاء المنفعة جاز وكانت الأجرة للمالك وإن أجاز بعد استيفاء المنفعة لم تعتبر الإجارة ولا أجر للعاقد وإن أجاز في بعض المدة فالماضي له والباقي للمالك عند أبي يوسف, وقال محمد أجرة ما مضى للغاصب وما بقي فهو للمالك ا هـ..
قال رحمه الله "ولا يضمن غاصب العبد ما أكل من أجره" معناه إذا غصب رجل عبدا فأجر العبد نفسه فأخذ الغاصب من يد العبد الأجرة فأكلها فلا ضمان عليه عند الإمام, وقالا عليه ضمانه ; لأنه أتلف مال الغير بغير إذنه ولا تأويل له وللإمام أن الضمان إنما يجب بإتلاف مال محرز متقوم, وهذا ليس بمحرز ; لأن الإحراز يكون بيده أو بيد نائبه, وهذا ليس في يده ولا يد نائبه ; لأن الغاصب ليس بنائب عنه ولا العبد, بل العبد وما في يده في يد الغاصب فلم يكن محرزا فلا ضمان فصار نظير المال المسروق في يد السارق بعد القطع ; ولأن الأجرة بدل المنفعة والبدل حكمه حكم المبدل, ولو أتلف الغاصب المنفعة لا يضمن فكذا بدلها وما تردد بين أصلين توفر فيه حظهما فرجحنا جانب المالك عند بقاء الأجر في يده فقلنا المالك أحق به

 

 ج / 8 ص -67-        ولو وجده ربه أخذه وصح قبض العبد أجره ولو أجر عبده هذين الشهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة صح والأول بأربعة ولو اختلفا في إباق العبد ومرضه حكم الحال
______
ورجحنا جانب الغاصب في حق الضمان وقلنا لا ضمان عليه إذا أكل الأجرة بخلاف ولد المغصوب حيث يجب على الغاصب ضمانه بالإتلاف تعديا ; لأنه ليس ببدل المنفعة, بل هو جزء الأم فيضمنه بالتعدي كالأم ولهذا لو استولدها الغاصب لا يكون الولد له, ولو أجر العبد كان الأجر له.
قال رحمه الله "ولو وجده ربه أخذه" يعني لو وجد رب العبد ما في يد العبد من الأجرة أخذه ; لأنه أخذ عين ماله ولا يلزم من بطلان التقوم بطلان الملك كما في المسروق بعد القطع فإنه لم يبق متقوما حتى لا يضمن بالإتلاف ويبقى الملك فيه حتى يأخذه المالك.
قال رحمه الله "وصح قبض العبد أجره" يعني لو قبض العبد الأجرة من المستأجر جاز قبضه بالإجماع ; لأنه المباشر للعقد وحقوق العقد إليه فيصح لكونه مأذونا في التصرف النافع وهذه مكررة مع قوله ولا يأخذ مستأجر من عبد محجور إلى آخره ; لأنه أفاد صحة القبض ومنع الأخذ فهي تكرار بلا فائدة فتأمل.
قال رحمه الله "ولو أجر عبده هذين الشهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة صح والأول بأربعة" لأنه لما قال أولا شهرا بأربعة انصرف إلى ما يلي العقد تحريا للصحة كما لو سكت عليه ; لأن الأوقات في حق الإجارة بمنزلة الأوقات في حق اليمين أن لا يكلم فلانا ; لأن تنكرها مفسد فتعين عقبها فإذا انصرف الأول إلى ما يليه انصرف الثاني تحريا للأخير ; لأنه أقرب الأوقات إليه فصار كما لو صرح به قال تاج الشريعة فإن قلت هذا التعليل إنما يستقيم إذا أنكر الشهر وهنا عرف بقوله هذين قلت رأيت في المبسوط وغيره استأجر عبدا شهرين شهرا بأربعة وشهرا بخمسة فقال المستأجر استأجرت منك هذا العبد هذين الشهرين فينصرف قوله هذين الشهرين إلى الشهرين المنكرين. ا هـ. وقال صاحب العناية قيل مبنى هذا الكلام على أنه ذكر منكرا مجهولا والمذكور في الكتاب ليس كذلك وأجيب بأن المذكور في الكتاب قول المستأجر واللام فيه للعهد لما في كلام المؤجر من التنكير فكان الأولى أن يقول: ولو قبل إجارة عبد إلى آخره فلو قال ذلك لكان أولى وكان يسلم من الاعتراض فتأمل.
قال رحمه الله "ولو اختلفا في إباق العبد ومرضه حكم الحال" يعني لو استأجر عبدا شهرا مثلا, ثم قال المستأجر في آخر الشهر أبق أو مرض في المدة وأنكر المولى ذلك أو أنكر استناده إلى أول المدة فقال أصابه قبل أن تأتيني بساعة يحكم الحال فيكون القول قول من شهد له الحال مع يمينه ; لأن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر ووجوده في الحال يدل

 

 ج / 8 ص -68-        والقول لرب الثوب في القميص والقباء والحمرة والصفرة والأجر وعدمه
______
على وجوده في الماضي فيصلح الظاهر مرجحا وإن لم يصلح حجة كما إذا اختلفا في جريان ماء الطاحون, وهذا إذا كان الظاهر يشهد للمستأجر فظاهر ; لأنه لا إشكال فيه ; لأنه ليس فيه إلا دفع الاستحقاق, والظاهر يصلح له فإن كان يشهد للمؤجر ففيه إشكال من حيث إنه يستحق الأجرة بالظاهر وهو لا يصلح للاستحقاق وجوابه أنه يستحق بالسبب السابق وهو العقد وإنما الظاهر يشهد على بقائه واستمراره إلى ذلك الوقت فلم يكن مستحقا بمجرد الظاهر. وهذا لأنهما لما اتفقا على وجود سبب الوجوب فقد أقر بالوجوب عليه, وإذا أنكره يكون متعرضا لنفيه فلا يقبل إلا بحجة وعلى هذا لو أعتق جارية ولها ولد فقالت أعتقتني قبل ولادتي فهو حر, وقال المولى أعتقتها بعده فهو رقيق فالقول قول من الولد في يده ; لأن الظاهر يشهد له, وكذا لو باع نخلا فيه ثمرة واختلفا في الثمرة معها كان القول قول من في يده الثمرة, وهذا كله إذا اتفقا على قدر الأجرة واختلفا في الوجوب فلو اختلفا في قدر الأجرة واتفقا في الوجوب قال في فتاوى قاضي خان, ولو اختلفا في الأجر فقال الصباغ عملته بدرهم, وقال صاحب الثوب بدانقين فأيهما أقام البينة قبلت بينته وإن أقاماها فبينة الصباغ وإن لم يكن لهما بينة ينظر ما زاد الصبغ في قيمة الثوب فإن كان درهما أو أكثر يؤخذ بقول الصباغ فيعطي درهما بعد يمينه بالله ما صبغه بدانقين وإن كان ما زاد الصبغ فيه أقل من دانقين كان القول قول رب الثوب مع يمينه على ما ادعى الصباغ فإن كان يزيد في قيمة الثوب نصف درهم يعطي الصباغ نصف درهم مع يمينه كما تقدم وإن كان ينقص الصبغ الثوب كان القول قول صاحب الثوب ا هـ. قال في المحيط وغيره: وإذا اختلف شاهدا الأجرة في مقدارها إن كانت الحاجة إلى القضاء بالعقد قبل استيفاء المعقود عليه فالشهادة باطلة سواء كان يدعي أقل المالين أو أكثرهما فإن كانت الحاجة إلى القضاء بالدين بأن وقع الاختلاف بعد الاستيفاء, وقد تقدم ولو اختلفا في نفس المنفعة فشهد أحدهما بالركوب والآخر بالحمل أو قال أحدهما بزعفران, وقال الآخر بعصفر لم تقبل الشهادة هذا إن اتفقا على العين المؤجرة فلو اختلفا فيها قال في المحيط, ولو اختلفا في العين المؤجرة بأن قال المؤجر أجرتك هذه الدابة, وقال المستأجر بل هذه يتحالفان, ولو اختلفا في جنس الأجرة وأقاما البينة وكل بينة تثبت الزيادة تقبل بينة كل فيما يدعيه, ولو اختلفا في المسافة فقال أحدهما مثلا في ديارنا إلى الخانكا, وقال الآخر إلى بلبيس يتحالفان وأيهما أقام البينة تقبل بينته وإن أقاماها جميعا أخذ ببينة رب الدابة في إثبات الأجرة وببينة المستأجر في إثبات زيادة المسافة.
قال رحمه الله "والقول لرب الثوب في القميص والقباء والحمرة والصفرة والأجر وعدمه" يعني إذا اختلف رب الثوب والخياط في المخيط بأن قال رب الثوب أمرتك أن تعمل

 

 ج / 8 ص -69-        ______
قباء, وقال الخياط قميصا أو في لون الصبغ بأن قال رب الثوب أحمر, وقال الصباغ أصفر أو في الأجرة بأن قال صاحب الثوب عملته بغير أجرة, وقال الصباغ بأجرة كان القول قول رب الثوب, وظاهر العبارة أنه لا فرق بين كون رب الثوب معروفا بلبس ما نفاه أو لا والذي يقتضيه النظر إن كان معروفا بلبس ما نفاه أن يكون القول قول الخياط وإن لم يكن معروفا أو جهل الحال يكون القول قول رب الثوب أما إذا اختلفا في الخياطة والصبغ ; فلأن الإذن يستفاد منه فهو أعلم بكيفيته ; لأنه إذا أنكر الإذن أصلا كان القول قوله, فكذا إذا أنكر وصفه ; لأن الوصف تابع للأصل لكنه يحلف ; لأنه ادعى عليه شيئا لو أقر به لزمه فإذا أنكره يحلف فإذا حلف فالخياط ضامن وصاحب الثوب مخير إن شاء ضمنه ثوبا غير معمول ولا أجر له أو قيمته معمولا وله أجر مثله لا يجاوز به المسمى على ما بينا, وعن محمد أنه يضمن ما زاد الصبغ فيه لا يقال هذه مكررة مع قوله, ولو اختلفا في الإجارة قبل الاستيفاء إلى آخره ; لأنا نقول هناك اتفقا على نوع العمل واختلفا في الأجرة وهنا اتفقا على الأجرة واختلفا في نوع العمل فلا تكرار. وأما إذا اختلفا في الأجرة ; فلأن المستأجر ينكر تقوم عمله ووجوب الأجر, والصباغ يدعيه فكان القول للمنكر, وهذا قول الإمام, وقال الثاني إن كان الصابغ حريفا له أي معاملا له بأن كان يدفع إليه شيئا للعمل ويقاطعه عليه فله الأجر وإلا فلا, وقال محمد إن كان الصابغ معروفا بهذه الصنعة بالأجرة كان القول قوله وإلا فلا ; لأنه لما فتح الدكان لذلك جرى ذلك مجرى التنصيص عليه اعتبارا بظاهر المقاصد وقولهما استحسان والقياس قول الإمام والفتوى على قول محمد فإن قلت هذه متكررة مع قوله وبخياطة قباء وأمر بقميص, فالجواب أن تلك باعتبار الضمان, وهذا باعتبار أن القول لرب الثوب عند الاختلاف فلا تكرار وفي التتارخانية ولو اختلف هو والقصار في أجر الثوب فقال القصار بربع درهم, وقال رب الثوب عملته بقيراط فإن اختلفا قبل الشروع في العمل تحالفا وترادا وإن كان بعد الفراغ من العمل فالقول قول رب الثوب ولم يحكم مقدار ما زادت القصارة فيه ا هـ. والله أعلم.

باب فسخ الإجارة
وتفسخ بالعيب
______
باب فسخ الإجارة
ذكر الفسخ آخرا ; لأن فسخ العقد بعد وجوده لا محالة فناسب ذكره آخرا
قال رحمه الله "وتفسخ بالعيب" أي تفسخ الإجارة بالعيب وظاهر قوله تفسخ أفاد أنها لا تتوقف على رضا الآخر ولا على القضاء وفي التتارخانية, وإذا تحقق العذر هل ينفسخ

 

 ج / 8 ص -70-        وخراب الدار وانقطاع ماء الضيعة والرحى
______
بنفسه أو يحتاج إلى الفسخ إشارات الكتب متعارضة ففي بعضها ينفسخ بنفس العذر وبه أخذ بعض المشايخ وفي عامتها يحتاج إلى الفسخ وعليه عامة المشايخ وهو الصحيح, وقيل العقد ينفسخ بدون الرضا قيل هو الصحيح وبعض المشايخ قال إن كان العذر يمنع المضي ينفسخ بنفسه ولا يحتاج إلى القضاء وإن كان لا يمنع المضي يحتاج إلى القضاء ا هـ. وفي الزيادات يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخ الإجارة قال شمس الأئمة رواية الزيادات أصح كذا في الخلاصة, وفي الجامع الصغير يشترط لصحة الفسخ الرضا أو القضاء ا هـ. وأطلق المؤلف في العيب, وقال في البدائع هذا إذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر فإن كان لا يضر بالانتفاع به بقي العقد لازما ولا خيار للمستأجر كالعبد المستأجر ذهبت إحدى عينيه وذلك لا يضر بالخدمة, أو سقط شعره أو سقط في الدار المستأجرة حائط لا ينتفع به في سكناها إلى آخره بخلاف ما إذا كان العيب الحادث مما يضر بالانتفاع ; لأنه إذا كان يضر بالانتفاع فالنقصان يرجع إلى المعقود عليه فأوجب له الخيار فله أن يفسخ, ثم إنما يلي الفسخ إذا كان المؤجر حاضرا فإن كان غائبا فحدث بالمستأجر ما يوجب حق الفسخ, فليس للمستأجر أن يفسخ ; لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما فلو كان لا يضر بها, فليس له الفسخ كالعبد المستأجر إذا ذهب إحدى عينيه وهي لا تضر بالخدمة أو الدار إذا سقط منها حائط لا ينتفع به في سكناها وإن كان يؤثر في السكنى أو الخدمة كالعبد إذا مرض أو الدابة إذا دبرت أو الدار إذا سقط منها حائط ينتفع في السكنى, ولو استأجر دارين فسقط من أحدهما حائط أو منع مانع من أحدهما أو وجد في أحدهما عيب ينقص السكنى فله أن يتركهما جميعا إذا كان عقد عليهما عقدا واحدا ا هـ. قال الشارح: لأن العقد يقتضي سلامة البدل فإذا لم يسلم فات رضاه فله أن يفسخ كما في البيع والمعقود عليه هنا المنافع وهي تحدث ساعة فساعة فما وجد من العيب يكون حادثا قبل القبض في حق ما بقي من المنافع فيوجب خيار الفسخ فإذا فعل المؤجر ما زال به العيب فلا خيار للمستأجر ; لأن الموجب للرد قد زال قبل الفسخ, والعقد يتجدد ساعة فساعة فلم يوجد فيما يأتي بعد فسقط اختيار الفسخ, وإذا استوفى المستأجر المنفعة مع العيب يلزمه جميع البدل وفي الظهيرية وذلك إما أن يكون من قبل أحد العاقدين أو من قبل المعقود عليه وفي التجريد إما أن يمنع الانتفاع أو ينقص الانتفاع بالمنفعة ولما تنوع العيب إلى هذه الأنواع شرع يبين الأنواع.
فقال رحمه الله "وخراب الدار وانقطاع ماء الضيعة والرحى" يعني تنفسخ الإجارة بهذه الأشياء, ولو بين المؤجر الدار وأراد المستأجر أن يسكنه في بقية المدة, فليس له أن يمنعه من

 

 ج / 8 ص -71-        وتفسخ بموت أحد المتعاقدين إن عقدها لنفسه
______
ذلك, وكذا ليس للمستأجر أن يمنع منه وفي النوادر بنى المؤجر الدار كلها قبل الفسخ, فللمستأجر أن يفسخ العقد إن شاء وهو مخالف لما تقدم, ولو انقطع ماء الرحى والبيت وبقي ما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته ; لأنه بقي شيء من المعقود عليه فإذا استوفاه لزمه حصته وقوله وخراب الدار إلى آخره يفيد أن الإجارة تنفسخ بهذه الأشياء وفي الذخيرة الإجارة في الرحى لا تنفسخ بانقطاع الماء وفي الخانية فإن بنى الدار بعد الفسخ, فليس للمستأجر أن يسكنها وفي التتارخانية والسفينة المستأجرة إذا نقضت وصارت ألواحا, ثم أعيدت سفينة أخرى لم يجز تسليمها للمستأجر. ا هـ. ومثل انقطاع ماء الرحى انكسار الحجر وفي التتارخانية, ولو استأجره ليزرع أرضه ببذره, ثم بدا له أن لا يزرع كان عذرا, ولو استأجر أرضا ليزرعها فغرقت أو تربت أو سبخت كان ذلك عذرا في فسخها وفي الأصل استأجر أرضا ليزرعها شيئا سماه فزرعها ذلك وأصاب الزرع آفة وذهب وقت الزراعة لذلك الزرع فأراد أن يزرع ما هو أقل منه ضررا أو مثله فله ذلك وإلا فسخت ولزمه ما مضى من الأجرة قيد بانقطاع الرحى ليحترز عن النقصان في الرحا فإن كان النقصان فاحشا فله حق الفسخ وإن كان غير فاحش, فليس له حق الفسخ قال القدوري إذا صار الطحن أقل من نصف الحنطة أولا فهو فاحش.
قال رحمه الله "وتفسخ بموت أحد المتعاقدين إن عقدها لنفسه" قال الشارح وفيه إشارة إلى أنه لا يحتاج إلى حكم الحاكم. ا هـ. والظاهر أن فيه إشارة إليه قال في المفيد والمزيد, وقال بعضهم لا لكن يرفع الأمر إلى القاضي ويقضي بالفسخ ولا يحتاج في ذلك إلى دعوى وللعلماء في ذلك طريقان أحدهما أن يرفع الأمر إلى القاضي بالفسخ, الثانية أن يبيع العين المؤجرة ويحكم القاضي فيها بالصحة وانفساخ الأولى وهي طريقة ما وراء النهر, وقال الشافعي لا تبطل بموت أحدهما ولنا أن العقد ينعقد ساعة فساعة حسب حدوث المنفعة فإذا مات المؤجر انتقل الملك إلى الوارث ومنفعته إليه والمنافع المستحقة بالعقد هي المملوكة للمؤجر, وقد فات بموته فتنفسخ قال في العتابية ونوقض بما إذا استأجر دابة إلى مكان معين فمات صاحب الدابة وسط الطريق كان للمستأجر أن يركبها إلى المكان المسمى, وقد مات أحدهما أو عقدها لنفسه وأجبت بأن ذلك للضرورة وأنه يخاف على نفسه وماله حيث لا يجد دابة أخرى في وسط المفازة ولا يكون ثمة قاض يرفع الأمر إليه حتى قال بعض مشايخنا إن وجد ثمة دابة أخرى يحمل عليها متاعه ينتقض أو وجد قاض ينتقض. ا هـ. وفي المحيط إذا مات رب الدابة نظر القاضي ما هو الأصلح للورثة إن رأى بيع الجمل وحفظ الثمن أنفع للورثة فعل وإن رأى إبقاء الإجارة فإن كان بقية فالأفضل الإبقاء وإن كان غير بقية فالأفضل

 

 ج / 8 ص -72-        وإن عقدها لغيره لا كالوكيل والوصي والمتولي في الوقف وتفسخ بخيار الشرط
______
فسخها فإن فسخها وأقام البينة أنه أوفاه الكراء رد عليه بحساب ما بقي, ولو أنفق المستأجر على الدابة شيئا لم يحسب له إلا إذا كان بإذن القاضي. ا هـ. وفيه أيضا, وإذا مات أحدهما وفي الأرض زرع يترك إلى الحصاد ويكون على المستأجر أو على ورثته ما بقي من الأجر ; لأنها كما تفسخ بالأعذار تبقى بالأعذار. ا هـ. وأطلق في الموت فشمل الموت الحكمي كالارتداد, وكذا في المحيط وفي الذخيرة, وإذا سكن بعد الانفساخ بغير عقد فالأصح إن كانت معدة للاشتغال تلزمه أجرة المثل وإلا فلا ; لأنه غاصب.
قال رحمه الله "وإن عقدها لغيره لا كالوكيل والوصي والمتولي في الوقف" يعني لا تفسخ بموت أحدهما إذا كان عقدها لغيره كما ذكرنا لبقاء المستحق عليه والمستحق لو مات المعقود له بطلت لما ذكرنا, وإذا مات أحد المستأجرين أو المؤجرين بطلت الإجارة في نصيبه وبقيت في نصيب الحي, وقال زفر بطلت في نصيب الحي أيضا ; لأن الشيوع مانع من صحة الإجارة قلنا ذلك في الابتداء لا في البقاء ; لأنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء وأطلق في الوكيل فشمل الوكيل بالإيجار والوكيل بالاستئجار قال في الذخيرة, وأما الوكيل بالاستئجار إذا مات تبطل الإجارة ; لأن التوكيل بالاستئجار توكيل شراء المنافع فيصير مشتريا لنفسه, ثم يصير مؤجرا من الموكل ا هـ. أقول: لعل هذا إذا لم يسلم إلى الموكل أما لو سلم لا تبطل فتدبره, وفي الظهيرية أمر رجلا أن يستأجر دارا بعينها سنة للموكل فاستأجرها المأمور وتسلمها وأبى أن يدفعها للآمر حتى مضت السنة, قال أبو يوسف لا أجر عليه ولا على الآمر, وقال محمد يجب الأجر على الآمر ولم يتعرض لما إذا قبض الناظر الأجرة معجلة أو غيره, ثم مات فنقول إذا كان الوقف أهليا والغلة للقابض فآجر وقبض الأجرة معجلة, ثم مات قبل انتهاء المدة ففي الفتاوى وغيرها للذي انتقل له الحق أن يأخذ من المستأجر أجرة ما آل إليه بالموت فإن كان الميت ترك مالا رجع بذلك على ماله وإن لم يترك مالا لا يرجع المستأجر بشيء وضاع عليه وإن كان الناظر في وقف غير أهلي فمات بعد القبض قبل انتهاء المدة لا يضع ذلك عليه ويرجع على جهة الوقف وفي مال الميت المتروك.
قال رحمه الله "وتفسخ بخيار الشرط" يعني إذا شرط المؤجر أو المستأجر خيار الشرط أو شرط كل منهما خيار الشرط ثلاثة أيام فله أن يفسخ الإجارة به عندنا, وقال الإمام الشافعي لا يصح شرط الخيار في الإجارة ; لأن المستأجر لا يمكنه رد المعقود عليه بكماله إن كان الخيار له وإن كان المشروط له الخيار المؤجر لا يمكنه التسليم أيضا على الكمال ; لأن المنافع تحدث ساعة فساعة ولنا أنه عقد معاوضة ولا يجب قبضه في المجلس ويحتمل الفسخ بالإقالة فيجوز

 

 ج / 8 ص -73-        وبخيار الرؤية وتفسخ بالعذر وهو عجز أحد العاقدين عن المضي في موجبه إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به كمن استأجر رجلا ليقلع ضرسه فسكن الوجع
______
شرط الخيار فيه كالبيع ; ولأن الخيار شرط في البيع للتروي فكذا في الإجارة ; لأنها تقع بغتة من غير سابقة تأمل فيمكن أن يقع غير موافق فيحتاج إلى الإقالة فيجوز اشتراط الخيار فيها بخلاف النكاح ; لأنه ليس بمعاوضة فلا يصح شرط الخيار فيه وبخلاف الصرف والسلم فلا يصح شرط الخيار فيهما ; لأنه يمنع تمام القبض المستحق بالعقد, والعقد فيهما موجب للقبض في المجلس وفوات بعض المعقود عليه لا يمنع الرد بالعيب فكذا بخيار الشرط للضرورة بخلاف البيع ; لأنه يمكن فسخ البيع في جميع المبيع فلا ضرورة ألا ترى أن المستأجر يجبر على القبض بعد مضي بعض المدة من غير شرط الخيار للضرورة وفي المبيع لا يجبر عليه بعد هلاك بعضه لعدم الضرورة, وقد تقدم في البيع أنه يشترط حضور الآخر في الفسخ, وقد تقدم الصحيح هناك.
قال رحمه الله "وبخيار الرؤية" أي وتفسخ بخيار الرؤية, وقال الإمام الشافعي لا يجوز استئجار ما لم يره للجهالة قلت الجهالة إنما تمنع الجواز إذا كانت مفضية للنزاع وهذه لا تفضي إليه ; لأنه إن لم يوافق برده فلا يمنع الجواز فإذا رآه ثبت له خيار الفسخ ; لأن العقد لا يتم إلا بالرضا ولا رضا بدون العلم, وقال عليه الصلاة والسلام:
"من اشترى ما لم يره فله الخيار إذا رآه"1 ; ولأن الإجارة شراء المنافع فتناولها الحديث.
قال رحمه الله "وتفسخ بالعذر وهو عجز أحد العاقدين عن المضي في موجبه إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به كمن استأجر رجلا ليقلع ضرسه فسكن الوجع" يعني تفسخ الإجارة بالعذر الذي هو العجز عن المضي في موجب العقد إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد أي بنفس العقد كمن استأجر إلخ, وقال الإمام الشافعي لا تفسخ بالأعذار إلا بالعيب ; لأن المنافع عنده بمنزلة الأعيان كما تقدم, وقد فسر العذر في التجريد حيث قال: والعذر أن يحدث في العين ما يمنع الانتفاع به أو ينقض المنفعة وفسره في الهداية كما فسره المؤلف وفي المحيط وكل عذر يمنع المضي في موجبه شرعا كمن استأجر رجلا ليقلع ضرسه فسكن الوجع تنقض الإجارة من غير نقض ; لأنه لا فائدة في بقائه فتنتقض ضرورة وكل عذر لا يمنع المضي في موجب العقد شرعا, ولكن لا يمكنه المضي إلا بضرر زائد يلزمه فإنه لا ينتقض إلا بالنقض وهل يكون قضاء القاضي والوصي شرطا في النقض ذكره في الزيادات وجعل قضاء القاضي شرطا قال شمس الأئمة السرخسي هو الأصح وذكر في المبسوط والجامع الصغير أنه ليس بشرط وينفرد العاقد بالنقض وهو الصحيح, وقد تقدم الكلام عليه وفي الخلاصة وإن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الديلمي في مسند الفردوس "3/613".

 

 ج / 8 ص -74-        أو ليطبخ له طعاما للوليمة فاختلعت منه أو حانوتا ليتجر فيه فأفلس أو أجره ولزمه دين بعيان أو بيان أو بإقرار ولا مال له غيره
______
انهدم منزل المؤجر وليس له منزل آخر وأراد أن يسكن البيت المؤجر ويفسخ الإجارة ليس له ذلك, ولو استأجر دكانا ليبيع فيه ويشتري فأراد أن يترك هذا العمل ويعمل غيره فهذا عذر ا هـ. وفي المحيط ذكر في فتاوى الأصل إن تهيأ له العمل الثاني على ذلك الدكان ليس له النقض وفيها لو استأجر ليبيع الطعام, ثم بدا له أن يأخذ في عمل آخر فهذا ليس بعذر في الأصل, وقال في الأصل إذا استأجر حانوتا ليبيع فيه الطعام, ثم بدا له أن يقعد في سوق الصيارف فهو عذر, وفي التجريد لو أجر نفسه في عمل أو صناعة, ثم بدا له أن يترك ذلك العمل فإن كان ذلك العمل ليس من عمله وهو مما يعاب به كان له أن يفسخ. ا هـ. ومن الأعذار الموجبة للفسخ شرعا لو استأجره ليقطع يده لأكلة فيها فبرئ منها وفي التتارخانية ولو استأجره للحجامة أو الفصد, ثم بدا له أن لا يفعل كان عذرا, ولو امتنع الأجير عن العمل في هذه الحالة يجبر عليه.
قال رحمه الله "أو ليطبخ له طعاما للوليمة فاختلعت منه" يعني يجوز له أن يفسخ العقد في هذه المسألة ; لأنه لا يمكنه المضي إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق بالعقد ويلحق به ما لو استأجر ليطبخ له طعاما لقدوم الأمير أو الحاج فلم يقدم الأمير والحاج وفي التتارخانية استأجر رجلا ليخيط له أو ليقطع قميصا أو يبني بيتا, ثم بدا له أن لا يفعل كان عذرا.
قال رحمه الله "أو حانوتا ليتجر فيه فأفلس أو أجره ولزمه دين بعيان أو بيان أو بإقرار ولا مال له غيره" يعني لو استأجر حانوتا ليتجر فيه فأفلس كان عذرا في الفسخ ولم يذكر الشارح الذي يتحقق به الإفلاس وسنذكر ذلك وقوله حانوتا مثال, قال في الجامع الصغير استأجر الخياط غلاما ليخيط معه فأفلس الخياط أو مرض وقام من السوق فهو عذر يفسخ به وتأويل المسألة إذا كان يخيط لنفسه أما إذا كان يخيط بأجر فرأس مال الخياط الخيط والمخيط والمقراض فلا يتحقق الإفلاس فيه, وقال محمد في الخياط الذي يخيط لغيره بأجرة لا يتحقق إفلاسه إلا بأن تظهر خيانته للناس فيمتنعون عن تسليم الثياب إليه ا هـ. فظاهره أن الإفلاس في التاجر بأن يظهر ذلك فيه فيمتنع الناس من معاملته قوله أو أجره ولزمه دين بعيان إلخ يعني له أن يفسخ في هذه الحالة وإنما جمع بين هذه الأمور ليبين أنه لا فرق في ثبوت الدين بين العيان والبيان والإقرار فإنه يلزم الدين في الكل فيحبس عليه ويلازم عليه كما تقرر في كتاب الدعوى, قال الشارح ويحصل الفسخ بالرفع إلى القاضي والقضاء به, وقيل بيع أولا فيحصل الفسخ في ضمن البيع.

 

 ج / 8 ص -75-        أو استأجر دابة للسفر فبدا له منه رأي لا للمكاري ولو أحرق حصائد أرض مستأجرة أو مستعارة فاحترق شيء في أرض غيره لم يضمنه
______
قال رحمه الله "أو استأجر دابة للسفر فبدا له منه رأي لا للمكاري" يعني لو استأجر دابة ليسافر عليها, ثم بدا له أن لا يسافر فهو عذر يفسخ به, ولو بدا للمكاري لا يعذر ; لأن المستأجر يلزمه ضرورة ومشقة وربما يفوته ما قصد كالحج, وطلب الغريم والمكاري لا يلزمه ذلك الضرر ; ولأنه يمكنه أن يقعد ويرسل غيره, وكذا لو مرض لما ذكرنا, وروى الكرخي أنه عذر في حق المكاري ; لأنه لا يعرو عن ضرر ; ولأن غيره لا يشفق على دوابه مثله وقوله دابة وبدا له منه مثال قال في الأصل استأجر عبدا ليخدمه في المصر ودارا يسكنها, ثم بدا له السفر فهو عذر له أن يفسخ به, ولو بدا لرب العبد أو الدار, فليس بعذر فلا يفسخ فإن قال المؤجر للقاضي إنه لا يريد السفر, وقال المستأجر أنا أريد السفر فالقاضي يقول للمستأجر مع من تسافر فإن قال مع فلان وفلان فالقاضي يسألهما هل يخرج معكم المستأجر وهل استعد للسفر فإن قالا نعم ثبت العذر وإن قالا لا فإن القاضي يحلف المستأجر بالله أنك عزمت على السفر وإليه مال الكرخي والقدوري فلو خرج من المصر, ثم عاد يحلف بالله قد خرجت قاصدا للسفر الذي ذكرت كذا في الخلاصة وغيرها وفي الخلاصة فإن لم يترك السفر, ولكن وجد أرخص منها فهذا ليس بعذر, ولو اشترى منزلا وأراد التحول فيها فهذا ليس بعذر, ولو اشترى إبلا فهو عذر.
قال رحمه الله "ولو أحرق حصائد أرض مستأجرة أو مستعارة فاحترق شيء في أرض غيره لم يضمنه" حصد الزرع جزه والحصائد جمع حصيدة وحصيد وهما الزرع المحصود والمراد هنا ما يبقى من أصل الزرع في الأرض ولا يخفى أن هذه المسألة حقها أن تذكر في الجنايات ولهذا ذكر في الهداية مسائل منثورة وإنما لم يضمن ; لأن هذه الأشياء تسبب وشرط الضمان التعدي ولم يوجد فصار كما لو حفر بئرا في ملك نفسه فتلف به إنسان بخلاف ما إذا رمى سهما في ملكه فأصاب إنسانا حيث يضمن ; لأنه مباشر فلا يشترط فيه التعدي ; لأن المباشرة علة فلا يبطل حكمها بعذر والسبب ليس بعلة فلا بد من التعدي ليلتحق بالعلة وإحراق الحصائد في مثله مباح فلا يضاف التلف إليه قال شمس الأئمة السرخسي هذا إذا كانت الرياح غير مضطربة فلو كانت مضطربة يضمن ; لأنه يعلم أنها لا تستقر فلا يعذر فيضمن وفي الخانية لو كانت الريح غير ساكنة يضمن استحسانا وذكر في النهاية معزيا إلى التمرتاشي لو وضع جمدة في الطريق فأحرقت شيئا ضمن ; لأنه متعد بالوضع, ولو رفعته الريح إلى شيء فأحرقته لا يضمن ; لأن الريح نسخت فعله. ولو أخرج الحداد الحديد من النار في مكانه

 

 ج / 8 ص -76-        ولو أقعد خياط أو صباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف صح ولو استأجر جملا ليحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة صح
______
فوضعه على ما يطرق عليه وضربه بالمطرقة وخرج شرار النار إلى طريق العامة وأحرق شيئا ضمن, ولو لم يضربه, ولكن أخرج الريح شيئا فأحرق شيئا لم يضمن, ولو سقى أرضه سقيا لا تحتمله الأرض فتعدى إلى أرض غيره ضمن ; لأنه لم يكن منتفعا بما فعله, بل متعديا قال خواهر زاده وشمس الأئمة السرخسي إذا أوقدنا نارا عظيمة في أرضه بحيث لا تحتمله وتعدى إلى زرع غيره وأفسده يضمن لا محالة. ا هـ. وفي السفينة فرق أصحابنا بين المال والنار فقال إذا أوقد نارا عظيمة في أرض نفسه فتعدى فأحرق شيئا لا يضمن ; لأن النار من شأنها الخمود بخلاف ما إذا ملأ أرضه ماء بحيث لا تحتمله فإنه يضمن ; لأن الماء من شأنه السيلان وفي فتاوى أهل سمرقند أوقد في التنور نارا لا يحتمله فأحرق بيته وتعدى إلى بيت جاره فأحرقه ضمن, وفي فتاوى الفضلي رجل يمر في ملكه أو في ملك غيره بنار فوقعت شرارة من ناره على ثوب إنسان فأحرقته ضمن, وفي النوادر عن أبي يوسف أن من مر بالنار في موضع له المرور فهبت الريح فأوقعت شرارة في مال إنسان لا يضمن وإن مر بها في موضع ليس له حق المرور ينظر إن هبت بها الريح لا يضمن وإن وقعت منه شرارة ضمن وفي التتمة سألت والدي عن القصار يدق الثياب في حانوته وانهدم حائط جاره هل يضمن فقال يضمن ; لأنه مباشر.
قال رحمه الله "ولو أقعد خياط أو صباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف صح" وهذا استحسان والقياس أن لا يصح وحق هذه المسألة أن تذكر في كتاب الشركة, ووجه الاستحسان أن هذه شركة الصنائع وليست بإجارة ; لأن تفسير شركة الصنائع أن يكون العمل عليهما وإن كان أحدهما متولي العمل بحذاقته والآخر متولي القبول لوجاهته, وإذا وجد ما له سبيل إلى الجواز وهو متعارف يوجب القول بصحته فيكون العمل واجبا عليهما والأجر بينهما على ما عرف في موضعه قال الشارح وقول صاحب الهداية هذه شركة الوجوه فيه نوع إشكال فإن شركة الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا وليس في هذه الشركة بيع وشراء, وإنما هي شركة صنائع قال في الغياثية شركة التقبيل هي أن يشتركا على أن يتقبل الأعمال وهنا ليس كذلك, بل هما اشتركا في الحاصل من الأجر وليست شركة صنائع, وأجبت بأن الشركة في الخارج تقتضي الشركة في التقبيل فثبت فيه اقتضاء إذ ليس في كلامهما إلا تخصيص أحدهما بالتقبل والآخر بالعمل وتخصيص الشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه فأثبتنا الشركة في التقبل اقتضاء ا هـ.
وفي التتارخانية دفع الآخر بقرة بالعلف ليكون الخارج بينهما نصفين فالحادث كله

 

 ج / 8 ص -77-        وله المحمل المعتاد ورؤيته أحب ولمقدار زاد فأكل منه رد عوضه وتصح الإجارة وفسخها
______
لصاحب البقرة وعليه أجرة مثل المدفوع إليه وثمن العلف ومثله لو دفع الدجاجة إلى آخر بالنصف, ولو دفع بذر العليق إلى امرأة بالنصف فقامت عليه حتى أدركت فالعليق لصاحب البذر وعلى صاحب البذر قيمة العلف وأجرة مثلها وفي فتاوى أبي الليث دفع إلى امرأة دودا لتقوم عليها بنفقتها, على أن العليق بينهما نصفان فهو بمنزلة المضارب وكل العليق لصاحب الدود وعليه أجر المثل وثمن الأوراق, ولو غصب من آخر دود القز وبيض الدجاج فأمسكه حتى خرج العليق والفرخ قال شمس الأئمة الحلواني إن خرج بنفسه فهو لصاحبه, رجل له غريم في مصر آخر فقال لرجل اذهب إليه وطالبه بالدين, وإذا قبضت فلك عشرة ففعل فله أجر مثله ا هـ. ولقائل أن يقول هذه مكررة مع قوله فيما سبق وتقبل إن اشترك خياطان أو خياط وصباغ قلنا ذكر هناك شركة الصنائع قصدا و هنا بين ما إذا وقع العقد على شركة الصنائع ضمنا فبهذا الاعتبار لا تكرار.
قال رحمه الله "ولو استأجر جملا ليحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة صح وله المحمل المعتاد" والقياس أن لا يجوز للجهالة وهو قول الإمام الشافعي, ووجه الاستحسان أن هذه الجهالة تزول بالصرف إلى المتعارف وله المتعارف من الحمل والزاد والغطاء وغير ذلك مما هو معلوم عند أهل العرف لا يقال هذه متكررة مع قوله وإن استأجر حمارا ولم يسم ما يحمل قلنا هناك لم يبين ما يحمل فكانت الجهالة فاحشة وهنا بين ما يحمل فكانت يسيرة ; لأنه بين الحمل ولم يبين قدره
قال رحمه الله "ورؤيته أحب" يعني رؤية المكاري المحمل والراكب وما يتبعهما أحب ; لأنه أبعد من الجهالة وأقرب للعلم لتحقق الرضا.
قال رحمه الله "ولمقدار زاد فأكل منه رد عوضه" يعني إذا استأجر رجلا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل منه في الطريق رد عوضه, وقال بعض الشافعية لا يرد ; لأن عرف المسافرين أنهم يأكلون الزاد ولا يردون والمطلق يحمل على المتعارف بخلاف الماء حيث يكون له الرد ; لأن العرف جرى برده ولنا أنه استحق عليه حمل مقدار معلوم في جميع الطريق فله أن يستوفيه فصار كالماء, والعرف مشترك فإن بعض المسافرين يردون فلا يلزمنا عرف البعض أو يحمل فعل من لا يرد على أنهم استغنوا فلا يلزم حجة ويرد بعضهم وهم المحتاجون إليه.
قال رحمه الله "وتصح الإجارة وفسخها" لأن الإجارة تنعقد ساعة فساعة, وهذا معنى الإضافة وفسخها يعتبر بها كما إذا أضاف الإجارة إلى رمضان وهو في شعبان, وكذا إذا أضاف

 

 ج / 8 ص -78-        والمزارعة والمعاملة والمضاربة والوكالة والمضاربة والوكالة والكفالة والإيصاء والوصية والقضاء والإمارة والطلاق والعتق والوقف مضافا لا البيع وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال وإبراء الدين
______
الفسخ إلى شوال وهو في رمضان وفي القنية إذا قال أجرتك هذه الدار غدا يجوز, ولو قال إذا جاء غد قد أجرتك هذه الدار باطل ; لأنه تعليق, وقال أبو بكر تجوز في اللفظين ولا خطر في هذا في الإجارة وبه يفتى, وعن ابن سماعة عن أبي يوسف أجرتك داري بكذا إذا هل كذا يجوز في الإجارة ولا يجوز في البيع.
قال رحمه الله "والمزارعة والمعاملة" يعني وتصح المزارعة أيضا بالإضافة إلى المستقبل كما إذا قال وهو في شعبان زارعتك أرضي من أول رمضان بكذا وتصح أيضا المعاملة وهي المساقاة بأن قال ساقيتك بستاني من أول رمضان وهو في شعبان بكذا ; لأن المزارعة والمعاملة إجارة فتعتبر بالإجارة.
قال رحمه الله "والمضاربة والوكالة" لأنهما من باب الإطلاق وكل ذلك تجوز إضافته
قال رحمه الله "والكفالة" لأنها التزام للمال ابتداء فتجوز إضافتها وتعليقها بالشرط كالبذر لكن فيها تمليك المطالبة فلا يجوز تعليقها بالشرط المطلق, بل بالشرط المتعارف.
قال رحمه الله "والإيصاء والوصية" والإيصاء إقامة الشخص مقام نفسه والوصية هي التمليك وكلاهما مضاف إلى ما بعد الموت ; لأنهما لا يكونان إلا مضافين إذ الإيصاء في الحال لا يتصور إلا إذا جعل مجازا عن الوكالة
قال رحمه الله "والقضاء والإمارة" يجوز تعليقهما بالشرط وإضافتهما إلى الزمان ; لأنهما تولية وتفويض محض فجاز تعليقهما بالشرط والأصل في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام أمر زيد بن حارثة, ثم قال: "إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة"1.
قال رحمه الله: "والطلاق والعتق والوقف مضافا" لا يخفى أن قوله مضافا نصب على الحال وهو قيد للمذكورات كلها وتقدير الكلام ويصح كل واحد منها حال كونه مضافا إلى الزمان المستقبل
قال رحمه الله: "لا البيع وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال وإبراء الدين" يعني هذه الأشياء لا يجوز إضافتها إلى الزمان المستقبل ; لأنها


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه الترمذي في البيوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي "1260".

 

 ج / 8 ص -79-        ______
تمليك, وقد أمكن تنجيزها للحال فلا حاجة إلى الإضافة, وقد تقدم والله تعالى أعلم.