البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 7 ص -432-     34- كتاب الإجارة
هي بيع منفعة معلومة بأجر معلوم
____________
34- كتاب الإجارة
لما اشتركت الهبة والإجارة في معنى التمليك وكانت الهبة تمليك عين والإجارة تمليك منفعة قدم تلك وأخر هذه لكون العين أقوى وهي في اللغة اسم للأجرة وهي ما يستحق على عمل الخير وتمامه في المغرب وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف وركنها الإيجاب والقبول سواء كان بلفظ الإجارة أو بما يدل عليها فتنعقد بلفظ العارية حتى لو قال لغيره أعرتك هذه الدار شهرا بكذا أو قال كل شهر بكذا وقبل المخاطب كانت الإجارة صحيحة لأنها مأخوذة من التعاور والتداول وهو كما يكون بغير عوض يكون بعوض والتعاور بعوض إجارة بخلاف العارية حيث لا تنعقد بلفظ الإجارة حتى لو قال آجرتك هذه الدار بغير عوض كانت إجارة فاسدة ولا تكون عارية لأنها عقد خاص لتمليك المنفعة كما لو قال بعتك هذا العين بغير عوض كان باطلا أو فاسدا ولا تكون هبة كذا في فتاوى قاضي خان ولو قال وهبتك منافع هذه الدار شهرا بكذا يجوز وتكون إجارة وفي الفتاوى لو قال لآخر اشتريت منك خدمة عبدك هذا شهرا بكذا فهي إجارة فاسدة وعن محمد لو قال أعطيتك هذا العبد سنة يخدمك بكذا جاز وتكون إجارة وفي المحيط ولو قال بعت منك منافع الدار شهرا بكذا ذكر في العيون أن الإجارة فاسدة لأن المنافع معدومة وهي ليست بمحل للبيع. وذكر شيخ الإسلام أن فيه اختلاف المشايخ وقال الحر إذا قال لغيره بعتك نفسي شهرا بكذا لعمل كذا فهو إجارة وعن الكرخي أن الإجارة لا تنعقد بلفظ البيع ثم رجع وقال تنعقد ولا تنعقد الإجارة الطويلة بالتعاطي لأن الأجرة غير معلومة قد يجعلون لكل سنة دانقا وقد يجعلون طسوجا وفي غير الطويلة الإجارة تنعقد بالتعاطي الكل من الخلاصة من الفصل الثاني في صحة الإجارة وفسادها وشرطها أن تكون الأجرة والمنفعة معلومتين لأن جهالتهما تفضي إلى المنازعة وحكمها وقوع الملك في البدلين ساعة فساعة وهي مشروعة بالكتاب وهو قوله تعالى:
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وغيره والسنة حديث البخاري "ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره"1 والإجماع.
"قوله هي بيع منفعة معلومة بأجر معلوم" يعني الإجارة شرعا تمليك منفعة بعوض فخرج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخررجه البخاري في "صحيحه" برقم "2114".

 

 ج / 7 ص -433-     وما صح ثمنا صح أجرة
_______________
البيع والهبة والعارية والنكاح فإنه استباحة المنافع بعوض لا تمليكها وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن عقد الإجارة ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة في حق الانعقاد لا في حق الملك لأن العقد لا بد له من محل لأنه شرط للصحة لقول الفقهاء المحال شروط ومحل العقد هنا المنافع وهي معدومة والمعدوم لا يصلح محلا فجعلت الدار محلا بإقامتها مقام المنافع ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع لا يجوز بأن قال آجرتك منافع هذه الدار شهرا بكذا وإنما يصح بإضافته إلى العين والمراد من انعقاد العلة ساعة فساعة في كلام مشايخنا على حسب حدوث المنافع هو عمل العلة ونفاذها في المحل ساعة فساعة لا ارتباط الإيجاب والقبول كل ساعة وإن كان ظاهر كلام مشايخنا يوهم ذلك والحكم تأخر من زمان انعقاد العلة إلى حدوث المنافع ساعة فساعة لأن الحكم قابل للتراخي كما في البيع بشرط الخيار. ثم عقد الإجارة على ما عرف في أصول الفقه علة اسما لإضافة الحكم إليه ومعنى لكونه مؤثر إلا حكما لتراخي الحكم عنه كذا في غاية البيان وبهذا تبين أن تعريف المصنف أولى من تعريف القدوري بقوله عقد على المنافع بعوض لما علمت أنها عقد على العين وإنما المملوك المنافع والمراد من المنفعة المنفعة المقصودة من العين حتى لو استأجر ثيابا ليبسطها ولا يقعد عليها ولا ينام أو دابة ليربطها في فنائه ويظن الناس أنها له أو ليجعلها جنيبة بين يديه أو آنية يضعها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها أو دارا لا يسكنها لكن يظن الناس أنها له ملكا أو عبدا على أن لا يستخدمه أو دراهم يضعها فالإجارة في جميع ذلك فاسدة ولا أجرة له كذا في الخلاصة من الجنس الثالث في الدواب وعلل البزازي في فتاويه بأنها منفعة غير مقصودة من العين وذكر في الخلاصة في كتاب العارية أنه لو استعار دراهم ليتجمل بها كانت عارية لا قرضا ا هـ. فأفاد أن العارية تخالف الإجارة في اشتراط كون المنفعة مقصودة وأشار بقوله بيع منفعة إلى أنه لو استأجر خياطا ليخيط له هذا القميص والكم منه أو بناء على أن الأجر منه فهي فاسدة لأنها ليست ببيع عين كذا في المحيط واحترز بقوله بأجر معلوم عما إذا كان مجهولا كما إذا استأجر عبدا بأجر معلوم وبطعامه لا يجوز وكذا لو استأجر دابة بعلفها لا يجوز للجهالة بخلاف الظئر كما سيأتي كذا في الخلاصة وفيها أيضا رجل استأجر من آخر غلاما فقال صاحب الغلام بعشرين وقال المستأجر بعشرة فافترقوا على ذلك قال هو بعشرين إلا أن يرضى الذي آجره بعشرة.
"قوله وما صح ثمنا صح أجرة" أي ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون أجرة في الإجارة لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع ومراده من الثمن ما كان بدلا عن شيء فدخل فيه الأعيان فإن العين تصلح بدلا في المقايضة فتصلح أجرة وأشار إلى أنها لو كانت الأجرة دراهم أو دنانير انصرفت إلى غالب نقد البلد فإن كانت الغلبة مختلفة

 

 ج / 7 ص -434-     والمنفعة تعلم ببيان المدة كالسكنى والزراعة فتصح على مدة معلومة أي مدة كانت, ولا تزاد في الأوقاف على ثلاث سنين
__________
فالإجارة فاسدة ما لم يبين نقدا منها فإن بين جاز فإنها لو كانت كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا فالشرط فيه بيان القدر والصفة ويحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء إذا كان له حمل ومؤنة عند أبي حنيفة وإن لم يكن له حمل ومؤنة فلا يحتاج إلى بيان مكان الإيفاء وعندهما ليس بشرط ولا يحتاج إلى بيان الأجل فإن بين جاز وثبت وأنها لو كانت ثيابا أو عروضا فالشرط فيه بيان القدر والأجل والصفة لأنه لا يثبت دينا في الذمة إلا من جهة السلم فكان لثبوته أصل واحد هو السلم فلا يجوز إلا على شرائط السلم بخلاف الكيلي والوزني لأن لثبوتهما أصلين القرض والسلم والأجل في القرض ليس بشرط فإن بين جاز كالسلم وإن لم يبين جاز كالقرض وهذا كله إذا لم يشر إليها فإن أشار فهي كافية ولا يحتاج إلى بيان القدر والوصف والأجل وأنها لو كانت حيوانا فلا يجوز إلا أن يكون معينا كذا ذكر الإسبيجابي في شرح مختصر الطحاوي. وأشار أيضا إلى أن هذا الضابط لا ينعكس كيليا فلا يقال ما لا يجوز أجرة لأن المنفعة يجوز أن تكون أجرة للمنفعة إذا كانت مختلفة الجنس كاستئجار سكنى الدار بزراعة الأرض وإن اتحد جنسهما لا يجوز كاستئجار الدار للسكنى بالسكنى وكاستئجار الأرض للزراعة بزراعة أرض أخرى لأن الجنس بانفراده يحرم للنساء.
"قوله والمنفعة تعلم ببيان المدة كالسكنى والزراعة فتصح على مدة معلومة أي مدة كانت" لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما فأفاد أنها تجوز ولو كانت المدة لا يعيش إلى مثلها عادة واختاره الخصاف ومنعه بعضهم وأفاد أنها تجوز مضافا كما لو قال آجرتك هذه الدار غدا وللمؤجر بيعها اليوم وتنتقض الإجارة كما في الخلاصة وفي فتاوى قاضي خان الوصي إذا أجر أرض اليتيم أو استأجر لليتيم أرضا بمال اليتيم إجارة طويلة رسمية ثلاث سنين لا يجوز ذلك وكذلك أبو الصغير ومتولي الوقف لأن الرسم في الإجارة الطويلة أن يجعل شيء يسير من مال الإجارة بمقابلة السنين الأول ومعظم المال بمقابلة السنة الأخيرة فإن كانت الإجارة لأرض اليتيم أو الوقف لا تصح الإجارة في السنين الأول لأنها تكون بأقل من أجر المثل فلا تصح فإن استأجر أرضا لليتيم أو الوقف بمال الوقف ففي السنة الأخيرة يكون الاستئجار بأكثر من أجر المثل فلا يصح فإذا فسدت الإجارة في البعض في الوجهين هل يصح فيما كان خيرا لليتيم والوقف على قول من يجعل الإجارة الطويلة عقدا واحدا لا يصح وعلى قول من يجعلها عقودا يصح فيما كان خيرا لليتيم ولا يصح فيما كان شرا له والظاهر هو الفساد في الكل. ا هـ.
"قوله ولا تزاد في الأوقاف على ثلاث سنين" كيلا يدعي المستأجر ملكها قال في الهداية

 

 ج / 7 ص -435-     أو بالتسمية كالاستئجار على صبغ الثوب وخياطته
______________
وهو المختار أطلقه فشمل الضياع وغيره وقد أفتى الصدر الشهيد بعدم الزيادة على ثلاث سنين في الضياع وعلى سنة في غيرها إلا إذا كانت المصلحة في غيره قال في المحيط وهو المختار للفتوى. ا هـ. ومراد المصنف عند عدم شرط الواقف فإن نص على شيء فآجره الناظر أكثر منه لا يجوز إلا إذا كانت إجارتها أكثر أنفع للفقراء والناس لا يرغبون في استئجارها فللقيم أن يرفع الأمر إلى القاضي حتى يؤاجرها أكثر لأن للقاضي ولاية النظر على الفقراء وعلى الميت أيضا وليس للقيم أن يؤاجرها بنفسه كذا في فتاوى قاضي خان والمراد بعدم الجواز عدم الصحة يعني لو آجر الناظر الوقف أكثر من ثلاث سنين لا تصح الإجارة كما صرح به صدر الشريعة وقيل تصح وتنفسخ ذكره الشمني. واعلم أن إجارة الوقف لا تجوز إلا بأجرة المثل أو أكثر فلو أجر الناظر بدون أجرة المثل لا تصح الإجارة ويلزم المستأجر تمام أجر المثل وقد وقع في الخلاصة عبارة أوهمت أن الناظر يضمن تمام أجر المثل فقال متولي الوقف أجر بدون أجر المثل يلزمه تمام أجر المثل. ا هـ. وقد رده الشيخ قاسم في فتاويه بأن الضمير يرجع إلى المستأجر يدل عليه ما ذكره في تلخيص الفتاوى الكبرى وعبارته ومتولي الوقف أجرها بغير أجر المثل يلزم مستأجرها تمام أجر المثل عند بعض علمائنا وعليه الفتوى ا هـ. وقال في الذخيرة وإذا أجر القيم دارا بأقل من أجر المثل قدر ما لا يتغابن الناس حتى لم تجز الإجارة لو تسلمها المستأجر كان عليه أجر المثل بالغا ما بلغ على ما أجازه المتأخرون من المشايخ ا هـ. وذكر الإسبيجابي في المزارعة إذا كانت الأرض أرض وقف استأجرها من المتولي إلى طويل المدة ينظر إن كان السعر بحاله لم يزدد ولم ينقص كما كان وقت العقد فإنه يجوز وإن غلا أجر مثلها فإنه يفسخ ذلك العقد ويحتاج إلى تجديد ذلك العقد ثانيا وكذلك إذا استأجرها بأجرة معلومة إلى سنة فلما مضى نصف السنة غلا سعرها وازداد أجر مثلها فإنه يفسخ ذلك العقد ويعقد ثانيا على أجرة معلومة ولو كانت الأرض بحال لم يمكن فسخها نحو ما إذا كان فيها زرع لم يحصد بعد ولم يدرك بعد فلا يمكن فسخها ولكن إلى وقت زيادته يجب المسمى بقدره وبعد الزيادة إلى تمام السنة يجب أجر مثلها وأما إذا كان ينتقص من أجرتها يعني رخص أجرتها وسعرها قبل مضي المدة فإن الإجارة لا تبطل ولا تنفسخ لأن المستأجر قد رضي بذلك حيث عقد عليها وزيادة الأجرة إنما تعتبر إذا زادت عند الكل فأما إذا زاد واحد في أجرتها تعنتا على المستأجر الأول فلا يعتبر ذلك ولا يبطل العقد ولا يفسخ ما لم تمض المدة وكذلك حكم الحانوت والطاحونة وجميع ما يكون وقفا استؤجر من المتولي. ا هـ. وكذا ذكر قاضي خان في فتاويه ورجحه العلامة قاسم في فتاويه بأنه أنفع للوقف.
"قوله أو بالتسمية كالاستئجار على صبغ الثوب وخياطته" يعني تعرف المنفعة بالتسمية

 

 ج / 7 ص -436-     أو بالإشارة كالاستئجار على نقل هذا الطعام إلى كذا, والأجرة لا تملك بالعقد, بل بالتعجيل أو بشرطه أو بالاستيفاء أو بالتمكن
_________
كالصبغ ونحوه ومنه استئجار الدابة للحمل أو للركوب والإجارة على العمل كاستئجار القصار ونحوه ولا بد أن يكون العمل معلوما وذلك في الأجير المشترك وأما الأجير الواحد فمن النوع الأول ولا بد فيه من بيان الوقت كذا في الهداية وصرح في تحفة الفقهاء بأنه من نوع الاستئجار على العمل لكن لا بد فيه من بيان الوقت واختاره في غاية البيان وأشار بقوله على صبغ الثوب إلى أنه لا بد أن يعين الثوب الذي يصبغ ولون الصبغ بأنه أحمر أو نحوه وقدر الصبغ إذا كان مما يختلف وأشار بقوله وخياطته إلى أنه لا بد أن يكون الثوب معلوما ولهذا قال في المحيط لو استأجره لقصر عشرة أثواب ولم يرها فالإجارة فاسدة وإن سمي جنسها لأنه يختلف بغلظه ورقته واعلم أن استئجار الدابة للركوب لا بد فيه من بيان الوقت أو الموضع حتى لو خلا عنهما فهي فاسدة ذكره البزازي في فتاويه وبه يعلم فساد إجارة دواب العلافين الواقعة في زماننا لعدم بيان الوقت والموضع.
"قوله أو بالإشارة كالاستئجار على نقل هذا الطعام إلى كذا" يعني تعرف المنفعة بالإشارة لأنه إذا أراه ما ينقله والموضع الذي يحمل إليه كانت المنفعة معلومة فيصح العقد.
"قوله والأجرة لا تملك بالعقد" لأن العقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنفعة على ما بينا والعقد معاوضة ومن قضيتها المساواة فمن ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في جانب البدل الآخر فلا يعتق قريب المؤجر لو كان أجرة ولا يملك المطالبة بتسليمها للحال ولا يلزم علينا صحة الإبراء عن الأجرة والكفالة والرهن بها لأنا نقول ذاك بناء على وجود السبب فصار كالعفو عن القصاص بعد وجود الجرح كذا في غاية البيان لكن في المحيط أن جواز الإبراء قول محمد خلافا لأبي يوسف وأشار المصنف إلى أنهما لو تصارفا بالأجرة فأخذ بالدراهم دنانير لا يجوز وهو قول أبي يوسف خلافا لمحمد وإن كانت الأجرة نقرة بعينها لا تجوز المصارفة بها بالإجماع والإبراء عن بعض الأجرة صحيح اتفاقا لأنه بمنزلة الحط كذا ذكره الولوالجي.
"قوله بل بالتعجيل أو بشرطه أو بالاستيفاء أو بالتمكن" يعني لا يملك الأجرة إلا بواحد من هذه الأربعة والمراد أنه لا يستحقها المؤجر إلا بذلك كما أشار إليه القدوري في مختصره لأنها لو كانت دينا لا يقال أنه ملكه المؤجر قبل قبضه وإذا استحقها المؤجر قبل قبضها فله المطالبة بها وحبس المستأجر عليها وحبس العين عنه وله حق الفسخ إن لم يعجل له المستأجر كذا في المحيط لكن ليس له بيعها قبل قبضها وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى

 

 ج / 7 ص -437-     فإن غصب منه سقط الأجر
_________
أن المستأجر لو باع المؤجر بالأجر شيئا وسلم جاز لتضمنه اشتراط التعجيل فتقع المقاصة بينهما فإن تعذر إيفاء العمل رجع بالدراهم دون المتاع والمراد من التمكن تسليم المحل إلى المستأجر بحيث لا مانع من الانتفاع فلو سلمه بعد مضي المدة فليس لأحدهما الامتناع من التسليم والتسلم في الباقي إذا لم يكن في مدة الإجارة وقت يرغب في الإجارة لأجله فإن كان في المدة وقت كذلك كحانوت يستأجر سنة لرواج السوق في بعضها أو دار بمكة تستأجر سنة لأجل الموسم فلم يسلم في الوقت الذي يرغب لأجله فإنه يتخير في قبض الباقي كما في البيع وفي الذخيرة من الفصل السابع والعشرين في الاختلاف لو اختلف المستأجر والآجر بعد شهر والمفتاح مع المستأجر وقال لم أقدر على فتحه وقال المؤجر بل قدرت على فتحه وسكنت ولا بينة لهما بحكم الحال وإن أقاماها فالبينة لرب المنزل لأنه لا عبرة لتحكيم الحال متى جاءت البينة بخلافه وفي القنية تسليم المفتاح في المصر مع التخلية بينه وبين الدار تسليم للدار حتى يجب الأجر بمضي المدة وإن لم يسكن وتسليم المفتاح في السواد ليس بتسليم الدار وإن حضر المصر والمفتاح في يده. ا هـ. وفي فتاوى الولوالجية ولو استأجر دارا على عبد بعينه ثم وهب العبد من المستأجر قبل القبض فإذا قال المستأجر قبلت كان هذا إقالة كالمشتري إذا قال للبائع وهبت منك العبد قبل القبض انتقض البيع كذا هنا. ا هـ. ومراد المصنف رحمه الله تعالى الإجارة المنجزة إذ الإجارة المضافة لا تملك فيها الأجرة بشرط التعجيل.
"قوله فإن غصب منه سقط الأجر" لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة لتمكن من الانتفاع فإذا فات التمكن فات التسليم وأشار بقوله سقط الأجر إلى أن العقد ينفسخ بالغصب كما صرح به في الهداية خلافا لقاضي خان وأطلقه فشمل ما إذا غصب في جميع المدة فيسقط جميع الأجر وما إذا غصب في بعضها فبحسابه وشمل العقار وغيره ومراده من الغصب هنا الحيلولة بين المستأجر والعين لا حقيقته إذ الغصب لا يجري في العقار عندنا وشمل ما إذا حال بينه وبين الساكن الأول فلو ادعى ذلك المستأجر وأنكره المؤجر ولا بينة يحكم الحال فإن كان المستأجر هو الساكن في الدار حال المنازعة فالقول للمؤجر وإن كان فيها غير المستأجر فالقول للمستأجر ولا أجر عليه كمسألة الطاحونة وهي لو وقع الاختلاف بين مستأجر الطاحونة والأجر بعد انقضاء المدة في جريان الماء وانقطاعه فإنه يحكم الحال فإن كان جاريا حال المنازعة فالقول قول من يدعي دوام التسليم وإلا فالقول لمدعي زواله ولا يقبل قول الساكن في المسألة الأولى على غيره لأنه فرد كذا في الذخيرة وشمل ما إذا حال بينه وبين العين المؤجر أيضا وكذا لو سلمه إلا بيتا فإنه يسقط عنه بحسابه كذا في المحيط وكذا لو سكن معه في الدار كذا في الخلاصة.

 

 ج / 7 ص -438-     ولرب الدار والأرض طلب الأجر كل يوم, وللجمال كل مرحلة, وللقصار والخياط بعد الفراغ من عمله, وللخباز بعد إخراج الخبز من التنور
_________
"قوله ولرب الدار والأرض طلب الأجر كل يوم" لأنه منفعة مقصودة وما دون اليوم لا حد له فصار كالنفقة لها طلبها عند المساء في كل ساعة أراد به ما إذا أطلقه أما إذا بين وقت الاستحقاق في العقد تعين لأنه بمنزلة التعجيل كما إذا قال آجرتك هذه الدار سنة على أن تعطي الأجرة بعد شهرين.
"قوله وللجمال كل مرحلة" لأن سير كل مرحلة مقصود.
"قوله وللقصار والخياط بعد الفراغ من عمله" لأن العمل في البعض غير منتفع به فلا يستوجب به الأجر وأراد به إذا سلمه فأفاد أنه لو هلك في يده قبل التسليم فلا أجر له وكذا كل من لعمله أثر وإن لم يكن لعمله أثر فكما فرغ منه استحق الأجر وإن لم يسلمها كالجمال والملاح فلا يسقط الأجر في الهلاك بعده وأطلقه فشمل ما إذا كان الخياط في بيت المستأجر فإنه لا يستحق ببعض العمل شيئا لما قدمناه واختاره في الهداية ويتفرع عليه أيضا ما إذا استأجره لبناء داره فبنى البعض ثم انهدم فلا أجر له ولا يستحق الأجر على البعض إلا في سكنى الدار وقطع المسافة واختار جماعة من مشايخنا خلافه ومسألة البناء منصوص عليها في الأصل أنه يجب الأجر بالبعض لكونه مسلما إلى المستأجر ونقله الكرخي عن أصحابنا وجزم به في غاية البيان ردا على الهداية فكان هو المذهب ولهذا اختاره المصنف في المستصفى وإن كانت عبارته هنا مطلقة وفي الفتاوى الظهيرية الخيط والمخيط على الخياط وهذا في عرفهم أما في عرفنا فالخيط على صاحب الثوب وفي المخيط الخياط إذا خاطه بأجر ففتقه رجل قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر للخياط ولا يجبر على الإعادة وإن كان الخياط هو الذي فتقه فعليه الإعادة كأنه لم يعمل بخلاف ما إذا فتقه الأجنبي ألا ترى أنه يلزمه الضمان وفي الخياط لا يلزمه. ا هـ. ولا يخفى أن ما ضمنه الأجنبي يكون للخياط لكونه بدل ما أتلفه عليه حتى سقطت أجرته وفي الخلاصة رجل دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه فقطعه ومات لا يجب شيء من الأجرة لأن الأجر في العادة للخياطة لا للقطع وهو الأصح. ا هـ.. وفي الفتاوى الصغرى إذا دفع ثوبا لقصار ليقصره ولم يسم له أجرا قال أبو حنيفة لا أجر له وقال محمد إن انتصب القصار لقبول ذلك من الناس بالأجر كما هو المعتاد يجب وإلا فلا قال في الخلاصة معزيا إلى الصدر الشهيد والفتوى على قول محمد.
"قوله وللخباز بعد إخراج الخبز من التنور" لأن تمام العمل بالإخراج أطلقه فأفاد أنه يستحق بإخراج البعض بقدره لأن العمل في ذلك القدر صار مسلما إلى صاحب الدقيق كذا في

 

 ج / 7 ص -439-     فإن أخرجه فاحترق فله الأجر ولا ضمان عليه, وللطباخ بعد الغرف, وللبان بعد الإقامة
_________________
غاية البيان والجوهرة ومراده إذا كان الخبز في بيت المستأجر لأنه صار مسلما إليه بمجرد الإخراج كما صرح به في مستصفاه أما إذا كان خارجا عن بيت المستأجر سواء كان في بيت الخباز أو لا فلا يستحق الأجرة إلا بالتسليم حقيقة وفي الجوهرة فإن سرق الخبز بعدما أخرجه فإن كان يخبز في بيت صاحب الطعام فله الأجرة وإن كان يخبز في بيت الخباز فلا أجرة له لعدم التسليم ولا ضمان عليه فيما سرق عند أبي حنيفة لأنه في يده أمانة خلافا لهما وهي مسألة الأجير المشترك.
"قوله فإن أخرجه فاحترق فله الأجر ولا ضمان عليه" لأنه صار مسلما بالوضع في بيته فاستحق المسمى ولم يوجد منه جناية فلا ضمان عليه إجماعا فأفاد أنه لو كان الخبز في غير بيت المستأجر فاحترق فلا أجر له ولا ضمان عند أبي حنيفة وعندهما إن شاء ضمنه دقيقا مثل دقيقه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمة الخبز وأعطاه الأجر ولا يجب عليه ضمان الحطب والملح وقيد بكونه احترق عقيب الإخراج لأنه إذا احترق قبل الإخراج فعليه الضمان في قول أصحابنا جميعا لأنه مما جنته يداه بتقصيره في القلع من التنور فإن ضمنه قيمته مخبوزا أعطاه الأجر وإن ضمنه دقيقا لم يكن له أجر كذا في غاية البيان.
"قوله وللطباخ بعد الغرف" أي بعد وضع الطعام في القصاع اعتبارا للعرف أطلقه فشمل كل طعام كما أطلقه في الفتاوى الظهيرية وقيده القدوري بأن يكون طعام الوليمة قال في الجوهرة إذ لو كان لأهل بيته فلا غرف عليه. ا هـ. وإنما لم يقيده المصنف به لأنه يرد عليه بقية أنواع الأطعمة فإن الوليمة طعام العرس والوكيرة طعام البناء والخرس طعام الولادة وما تطعم النفساء نفسها خرسة وطعام الختان إعذار وطعام القادم من سفره نقيعة وكل طعام صنع لدعوة مأدبة ومادية جميعا ويقال فلان يدعو النقري إذا خص وفلان يدعو الجفلي وإلا جفلا إذا عم كذا في غاية البيان معزيا إلى القتبي1 ولا يرد على المصنف طعام أهل بيته لأن العرف أنه لا يحتاج إلى طباخ وإن أفسد الطباخ الطعام أو أحرقه أو لم ينضجه فهو ضامن وإذا دخل الخباز أو الطباخ بنار ليخبز بها أو يطبخ بها فوقعت منه شرارة فاحترق بها البيت فلا ضمان عليه لأنه لم يصل إلى العمل إلا بإدخال النار وهو مأذون له في ذلك ولا ضمان على صاحب الدار إذا احترق شيء من السكان في الدار لأنه لم يكن متعديا في هذا السبب كمن حفر بئرا في ملكه كذا في الجوهرة.
"قوله وللبان بعد الإقامة" يعني من استأجر إنسانا ليضرب له لبنا استحق الأجر إذا أقامه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم فيما سبق.

 

 ج / 7 ص -440-     ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والقصار يحبسهما للأجر
_______________
عند أبي حنيفة وقالا لا يستحقها حتى يشرجه لأن التشريج من تمام عمله إذ لا يؤمن من الفساد قبله فصار كالإخراج من التنور وله أن العمل قد تم بالإقامة والتشريج عمل زائد كالنقل ألا ترى أنه ينتفع به قبل التشريج بالنقل إلى موضع العمل بخلاف ما قبل الإقامة لأنه طين منتشر وبخلاف الخبز لأنه غير منتفع به قبل الإخراج وفائدة الخلاف فيما إذا تلف اللبن قبل التشريج فعند أبي حنيفة تلف من مال المستأجر وعندهما من مال الأجير وأما إذا أتلف قبل الإقامة فلا أجرة إجماعا ومراده ما إذا كان ضرب اللبن في بيت المستأجر أما إذا كان في أرض الأجير فلا يستحقها إلا بتسليمة وهو بالعد بعد الإقامة عنده وبالعد بعد التشريج عندهما كذا ذكر الشارح وعبارة المصنف في المستصفى فأما إذا لم يكن في ملكه لم يكن له الأجر حتى يسلمه منصوبا عنده ومشرجا عندهما كذا في الإيضاح والمبسوط ا هـ. فلم يشترط العد وهو الأولى لأنه لو سلمه بغير عد كان له الأجر كما لا يخفى والإقامة النصف بعد الجفاف والتشريج أن يركب بعضه على بعض بعد الجفاف كذا في الجوهرة وفي فتاوى قاضي خان والظهيرية الملبن على اللبان والتراب على المستأجر وإدخال الحمل المنزل على الحمال ولا يكون عليه أن يصعد به على السطح أو الغرفة إلا أنه يشترط ذلك عليه وكذلك صب الطعام في الجفنة لا يكون عليه إلا بشرط ولو تكارى دابة ليحمل عليها صاحب الدابة الحمل فإنزال الحمل عن الدابة يكون على المكاري وإدخال الحمل في المنزل لا يكون عليه إلا أن يكون في موضع يكون ذلك عرفا لهم وفي استئجار الدابة الحمل والإكاف يكون على المكاري وكذلك الحبال والجوالق والحبر على الكاتب واشتراط الورق عليه فاسد ا هـ.
"قوله ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والقصار يحبسهما للأجر" لأن المعقود عليه وصف قائم في الثوب فله حق الحبس لاستيفاء البدل كما في المبيع أطلقه فشمل ما إذا لم يكن لعمله إلا إزالة الدرن بالغسل فقط على الأصح لأن البياض كان مستترا وقد ظهر بفعله فكأنه أحدثه فيه كذا ذكر قاضي خان في شرحه وصححه المصنف في مستصفاه معزيا إلى الذخيرة أن ليس له حق الحبس فاختلف التصحيح وينبغي ترجيح المنع وقد جزم به صاحب الهداية بقوله وغسل الثوب نظير الحمل ومراده إذا كان الأجر حالا أما إذا كان مؤجلا فليس له الحبس عليها لأن التسليم ليس بواجب عليه للحال فلا يملك الحبس كما لو باع شيئا بثمن مؤجل ليس له الحبس وأشار بقوله يحبسه إلى أنه عمله في بيته أو دكانه فأفاد أنه إذا خاطه أو صبغه في بيت المستأجر فليس له حق الحبس لأن المتاع وقع مسلما إلى المالك لكون المحل في يده كذا في الخلاصة وهو ضامن لما جنت يده عند الإمام وإن كان في بيت المستأجر بخلاف الملاح إذا غرقت السفينة بمده وصاحب المتاع فيها حيث لا يضمن المتاع لأنه في يد

 

 ج / 7 ص -441-     فإن حبس فضاع فلا أجر ولا ضمان, ومن لا أثر لعمله كالجمال والملاح لا يحبس للأجر, ولا يستعمل غيره إن شرط عمله بنفسه
___________
مالكه حقيقة والمد تصرف في السفينة دون المتاع فمتى كان مأذونا فيه من قبل المالك لم يكن متعديا في السبب فلا يؤاخذ بالضمان كذا في غاية البيان.
"قوله فإن حبس فضاع فلا أجر ولا ضمان" وهذا عند الإمام لأنه غير متعد في الحبس فبقي أمانة كما كان عنده ولا أجر له لهلاك المعقود عليه قبل التسليم وعندهما العين كانت مضمونة قبل الحبس فكذا بعده لكنه بالخيار إن شاء ضمنه غير معمول ولا أجر له وإن شاء معمولا وله الأجر.
"قوله ومن لا أثر لعمله كالجمال والملاح لا يحبس للأجر" لأن المعقود عليه نفس العمل وهو غير قائم في العين فلا يتصور حبسه فليس له ولاية الحبس فأفاد أنه لو حبسها ضمنها ضمان الغاصب وصاحبها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها محمولة وله الأجر وإن شاء غير محمولة فلا أجر له كذا في الجوهرة واختلفوا في المراد من الأثر فقيل أن تكون الأثرة متصلة بمحل العمل كالنشار والصبغ وقيل أن يرى ويعاين في محل العمل وثمرته تظهر في كسر الحطب وطحن الحنطة وحلق رأس العبد فليس له الحبس على الأول وله الحبس على الثاني وظاهر ما في القنية ترجيح الثاني والذي يظهر من كلامهم ترجيح الأول لما عللوا به في حق الحبس من أن المعقود عليه وصف في الثوب ومنهم من ضبط الحمال بالحاء المهملة ومنهم من ضبطها بالجيم والأولى الأول لأن الحمل يجوز أن يقع على الظهر وعلى الدابة فيكون أعم من لفظ الجمال بالجيم ولا يرد الآبق حيث يكون للراد حق حبسه لاستيفاء الجعل ولا أثر لعمله لأنه كان على شرف الهلاك وقد أحياه فكأنه باعه منه فله حق الحبس كذا في الهداية.
"قوله ولا يستعمل غيره إن شرط عمله بنفسه" لأن المعقود عليه العمل في محل بعينه كالمنفعة في محل بعينه واستثنى في الخلاصة الظئر فإن لها أن تستعمل غيرها والمراد من اشتراط العمل بنفسه أن يقول له اعمل بنفسك أو بيدك ولا تفعل بيد غيرك كما في الخلاصة أما إذا قال على أن تعمل فهو من قبيل ما إذا أطلق كذا في المستصفى وغاية البيان وفي الخلاصة رجل استأجر رجلين ليحملا له خشبة إلى منزله بدرهم فحمل أحدهما دون الآخر فله نصف درهم وإن لم يكونا شريكين في العمل قبل ذلك وكذا لو استأجر أحدهما لبناء حائط أو حفر بئر ولو كانا شريكين يجب كل الأجر بينهما وقيد باشتراط العمل لأنه لو اشترطا عليه أن يعمل اليوم أو غدا فلم يفعل فطالبه صاحبه مرات ففرط حتى سرق لا يضمن

 

 ج / 7 ص -442-     وإن أطلق فله أن يستأجر غيره, وإن استأجره ليجيء بعياله فمات بعضهم فجاء بما بقي فله أجره بحسابه, ولا أجر لحامل الكتاب للجواب, أو لحامل الطعام إن رده للموت.
__________
وأجاب شمس الإسلام بالضمان كذا في الخلاصة.
"قوله وإن أطلق كان له أن يستأجر غيره" لأن المستحق عمل في ذمته ويمكن استيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره بمنزلة إيفاء الدين وأشار بكونه له الاستئجار إلى أنه ليس له الدفع إلى غيره ولهذا قال في الخلاصة رجل دفع غزلا إلى رجل لينسجه كرباسا فدفع هو إلى آخر لينسجه فسرق من يده إن كان الثاني أجيرا للأول لا يضمن واحد منهما وإن كان الثاني أجنبيا ضمن الأول دون الآخر عند أبي حنيفة وعندهما في الأول ضامن مطلقا وفي الأجنبي إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الآخر.
"قوله وإن استأجره ليجيء بعياله فمات بعضهم فجاء بما بقي فله أجره بحسابه" لأنه أو في بعض المعقود عليه فيستحق الأجر بقدره ومراده إذا كانوا معلومين ليكون الأجر مقابلا بجملتهم وإن كانوا غير معلومين يجب الأجر كله إليه أشار في الهداية والله أعلم.

باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها
صح إجارة الدور والحوانيت بلا بيان ما يعمل فيها
__________
"باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها"
"قوله صح إجارة الدور والحوانيت بلا بيان ما يعمل فيها" لأن العمل المتعارف فيه السكنى فينصرف إليه وأنه لا يتفاوت فصح العقد والحوانيت الدكاكين كذا في الجوهرة وأشار إلى أنه لا يشترط أيضا بيان من يسكنها فله أن يسكنها بنفسه ويسكنها غيره بإجارة وغيرها وكذا من استأجر عبدا للخدمة له أن يؤجره لغيره بخلاف الدابة والثوب كذا في القنية وقيد بالدور والحوانيت لأن الثوب لا بد من بيان لابسه وكذا كل ما يختلف باختلاف المستعمل فله الوضوء والاغتسال وغسل الثياب وكسر الحطب المعتاد والاستنجاء بحائطه والدق المعتاد اليسير وأن يتد وتدا وربط الدواب في موضع معتاد له لا إن لم يكن معتادا وله ربطها على باب الدار وليس للآجر أن يدخل دابته الدار المستأجرة كذا في الخلاصة وفي القنية لمستأجر الدار المسبلة إلقاء ما اجتمع من كنس الدار من التراب إن لم يكن له قيمة وله أن يتد فيه وتدا ويستنجي بجداره ويتخذ فيه بالوعة إلا إذا كان فيه ضرر

 

 ج / 7 ص -443-     إلا أنه لا يسكن حدادا أو قصارا أو طحانا, والأراضي للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع فيها ما شاء
________________
بين ولو استأجر حانوتا مسبلا لدق الأرز له ذلك إن لم يضر بالبناء وليس لمستأجر الدار المسبلة أن يجعلها إصطبلا ا هـ. وفي الخلاصة ولو كان فيها ماء توضأ منها وشرب ولو فسدت البئر لا يجبر أحدهما على إصلاحها ولو بنى المستأجر التنور في الدار المستأجرة فاحترق شيء من الدار لم يضمن المستأجر.
"قوله إلا أنه لا يسكن حدادا أو قصارا أو طحانا" فيه وجهان الأول أن يكون بفتح الياء من الثلاثي المجرد فيكون انتصاب حدادا وما بعده على الحال ويفهم منه عدم إسكانه غيره دلالة بالأولى الثاني أن يكون بضم الياء وكسر الكاف وانتصاب ما بعده على المفعولية ويفهم منه عدم سكناه بنفسه بالإشارة لأنه إنما لم يجز أن يسكن غيره لأن ذلك يوهن البناء وفي سكنى نفسه ملتبسا بهذه الأشياء هذا المعنى حاصل كذا في غاية البيان وهذا إذا لم يرض به المالك أو لم يشترطه في الإجارة فإن استأجره لذلك كان له ذلك ولو اختلفا في الاشتراط فالقول للمؤجر كما لو أنكر أصل العقد وإن أقاما البينة فالبينة بينة المستأجر كذا في الخلاصة وفي القنية استأجر حانوتا مسبلا لدق الأرز له ذلك إن لم يضر بالبناء. ا هـ. وفي الخلاصة وإذا استأجر ليقعد قصارا فله أن يقعد حدادا إذا كان مضرتهما واحدة والمراد من الرحى غير رحى اليد أما رحى اليد فلا يمنع من الطحن عليها وإن كان يضر وعليه الفتوى كذا في الخلاصة ولو فعل ما لا يجوز له وجب عليه الأجر وإن انهدم البناء بعمله وجب عليه الضمان ولا أجر لما علم أنهما لا يجتمعان قيد بالدور والحوانيت لأن استئجار البناء وحده لا يجوز في ظاهر الرواية لأنه لا ينتفع بالبناء وحده وفي القنية يفتي برواية جواز استئجار البناء إذا كان منتفعا به كالجدران مع السقف ا هـ. وفي الجوهرة المستأجر إذا أجر بأكثر مما استأجر تصدق بالفضل إلا إذا أصلح فيها شيئا أو أجرها بخلاف جنس ما استأجر والكنس ليس بإصلاح وفي الجوهرة وإن أجرها من المؤجر لم يجز سواء كان قبل القبض أو بعده وهل هو نقض للعقد الأول فيه اختلاف المشايخ والأصح أن العقد ينفسخ.
"قوله والأراضي للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع فيها ما شاء" أي صح ذلك للإجماع العملي عليه ولا بد من البيان لأنها تستأجر للزراعة وغيرها وما يزرع فيها متفاوت فلا بد من التعيين كيلا تقع المنازعة وترتفع بتفويض الخيرة إليه أيضا وإلا فهي فاسدة للجهالة وتنقلب صحيحة بزرعها ويجب المسمى لارتفاعها كاستئجار ثوب لم يبين لابسه إذا ألبس شخصا انقلبت صحيحة وكذا الدابة والقدر للطبخ وللمستأجر الشرب والطريق لأنها

 

 ج / 7 ص -444-     ............................
__________
تنعقد للانتفاع ولا انتفاع إلا بهما فيدخلان تبعا بخلاف البيع لأن المقصود منه ملك الرقبة لا الانتفاع في الحال حتى جاز بيع الجحش والأرض السبخة دون إجارتها إلا بذكر الحقوق والمرافق كما عرف في البيوع وفي القنية استأجر أرضا سنة على أن يزرع فيها ما شاء فله أن يزرع فيها زرعين ربيعيا وخريفيا وفي الجوهرة ولا بأس باستئجار الأرض للزراعة قبل ريها إذا كانت معتادة للري في مثل هذه المدة التي عقد الإجارة عليها وإن جاء من الماء ما يزرع به بعضها فالمستأجر بالخيار إن شاء نقض الإجارة كلها وإن شاء لم ينقضها وكان عليه من الأجر بحساب ما روى منها ا هـ. وفي القنية ولو استأجرها ولا يمكنها الزراعة في الحال لاحتياجها إلى السقي أو كري الأنهار أو مجيء الماء فإن كان بحال تمكن الزراعة في مدة العقد جاز وإلا فلا كما لو استأجرها في الشتاء تسعة أشهر ولا يمكن زراعتها في الشتاء وجاز لما أمكن في المدة أما إذا لم يمكن الانتفاع بها أصلا بأن كانت سبخة فالإجارة فاسدة وفي مسألة الاستئجار في الشتاء يكون الأجر مقابلا بكل المدة لا بما ينتفع به فحسب وقيل بما ينتفع به ا هـ. واعلم أن الأرض لا ينحصر استئجارها للزراعة للبناء والغرس كما يوهمه المتون فقد صرح في الهداية بأن الأرض تستأجر للزراعة وغيرها وقال في غاية البيان أراد بغير الزراعة البناء والغرس وطبخ الآجر والخزف ونحو ذلك من سائر الانتفاعات بالأرض ا هـ. فإذا عرفت ذلك ظهر لك صحة الإجارات الواقعة في زماننا من أنه تستأجر الأرض مقيلا ومراحا قاصدين بذلك إلزام الأجرة بالتمكن منها مطلقا سواء شملها الماء وأمكن زراعتها أو لا ولا شك في صحته لأنه لم يستأجرها للزراعة بخصوصها حتى يكون عدم ريها فسخا لها في الولوالجية استأجر أرضا ليلبن فيها فالإجارة فاسدة ثم هي على وجهين إن كان للتراب قيمة ضمن قيمته ويكون اللبن له وإن لم يكن له قيمة فلا شيء عليه واللبن له وضمن نقصان الأرض إن نقصت. وفي فتاوى قارئ الهداية أن إجارة الأرض المشغولة بزرع الغير إن كان الزرع بحق بأن كان بإجارة لا يجوز أن تؤجر ما لم يستحصد الزرع إلا أن يؤجرها مضافة إلى المستقبل وإن كان الزرع بغير مستند شرعي صحت الإجارة لأن الزرع في هذه الصورة واجب القلع فإن المؤجر في هذه الصورة قادر على تسليم ما أجره بأن يجبر صاحب الزرع على قلعه سواء أدرك أم لا لأنه لا حق لصاحبه في إبقائه ا هـ. والدار المشغولة بمتاع الساكن الذي ليس بمستأجر تصح إجارتها وابتداء المدة من حين تسليمها فارغة كذا في القنية وفي الخلاصة ولو أجر الأرض المزروعة ثم سلمها بعدما فرغ وحصد ينقلب جائزا ولو قال المستأجر استأجرت منك الأرض وهي فارغة وقال المؤجر لا بل هي مشغولة بزرعي يحكم الحال كذا في المنتقى وفي فتاوى الفضلي القول قول الآجر. ا هـ.

 

 ج / 7 ص -445-     وللبناء والغرس, فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة, إلا أن يغرم له المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه. أو يرضى بتركه فيكون البناء والغرس لهذا والأرض لهذا
__________
"قوله وللبناء والغرس" أي صح استئجار الأرض للبناء والغرس وهو بفتح الغين بمعنى المغروس وقد جاء فيه الكسر كذا في المغرب لأنها منفعة تقصد بالأراضي وفي القنية ولا يجوز لمستأجر السبيل أن يبني فيه غرفة لنفسه إلا أن يزيد في الأجرة ولا يضر بالبناء وإن كان معطلا غالبا ولا يرغب المستأجر إلا على هذا الوجه جاز من غير زيادة في الأجرة إذا قال القيم أو المالك لمستأجرها أذنت لك في عمارتها فعمرها بإذنه يرجع على القيم والمالك وهذا إذا يرجع معظم منفعته إلى المالك أما إذا رجع إلى المستأجر وفيه ضرر بالدار كالبالوعة أو شغل بعضها كالتنور فلا ما لم يشترط الرجوع ذكره في الوقف.
"قوله فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة" لأنه لا نهاية لهما ففي إبقائهما إضرار بصاحب الأرض فوجب القلع وفي القنية استأجر أرضا وقفا وغرس فيها أو بنى ثم مضت مدة الإجارة فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر ولو أبى الموقوف عليهم إلا القلع ليس لهم ذلك ا هـ. وبهذا يعلم مسألة الأرض المحتكرة وهي منقولة أيضا في أوقاف الخصاف.
"قوله إلا أن يغرم له المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه" يعني بأن تقوم الأرض بدون البناء والشجر ويقوم بها بناء أو شجر لصاحب الأرض أن يأمره بقلعه فيضمن فضل ما بينهما كذا في الاختيار وهذا الاستثناء راجع إلى لزوم القلع على المستأجر فأفاد أنه إذا رضي المؤجر يدفع القيمة لا يلزم المستأجر القلع وهذا صحيح مطلقا سواء كانت الأرض تنقص بالقلع أو لا فلا حاجة إلى حمل كلام المصنف على ما إذا كانت الأرض تنقص بالقلع كما فعل الشارح تبعا لغيره لكن لا يتملكها المؤجر جبرا على المستأجر إلا إذا كانت الأرض تنقص بالقلع وأما إذا كانت لا تنقص فلا بد من رضاه.
"قوله أو يرضى بتركه فيكون البناء والغرس لهذا والأرض لهذا" يعني إذا رضي المؤجر بترك البناء أو الغرس لا يلزم المستأجر القلع فلا حاجة إلى جعل الضمير في يرضى عائدا إلى كل منهما ولا إلى التصريح برضاهما كما وقع في المجمع كما لا يخفى وهذا الترك من المؤجر يكون عارية لأرضه إن كان بغير أجر وإجارة وإن كان بأجر فقصره في غاية البيان على الأول مما لا ينبغي وعلى الأول لهما أن يؤجراهما من أجنبي فإن فعلا فلهما أن يقسما الأجر على قيمة الأرض من غير بناء وعلى قيمة البناء من غير أرض فيأخذ كل واحد منهما حصته كذا في شرح الأقطع وفي القنية من الوقف بنى في الدار المسبلة بغير إذن القيم ونزع

 

 ج / 7 ص -446-     والرطبة كالشجر, والزرع يترك بأجر المثل إلى أن يدرك, والدابة للركوب والحمل والثوب للبس
___________
البناء يضر بالوقف يجبر القيم على دفع قيمته للباني ويجوز للمستأجرين غرس الأشجار والكروم في الموقوفة إذا لم يضر بالأرض بدون صريح الإذن من المتولي دون حفر الحياض وإنما يحل للمتولي الإذن فيما يزيد الوقف به خيرا وهذا إذا لم يكن لهم حق قرار العمارة فيها أما إذا كان يجوز الحفر والغرس والحائط من ترابها لوجود الإذن في مثلها دلالة ا هـ.
"قوله والرطبة كالشجر" ولهذا قال في الجامع الصغير وإذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض رطبة فإنها تقلع لأن الرطاب لا نهاية لها فأشبه الشجر.
"قوله والزرع يترك بأجر المثل إلى أن يدرك" لأن له نهاية معلومة فأمكن رعاية الجانبين إذا انقضت مدة الإجارة بخلاف موت أحدهما قبل إدراكه فإنه يترك بالمسمى على حاله إلى الحصاد وإن انفسخت الإجارة لأن إبقاءه على ما كان أولى ما دامت المدة باقية ويلحق بالمستأجر المستعير فيترك إلى إدراكه بأجرة المثل وخرج الغاصب فإنه يؤمر بالقلع مطلقا لأن ابتداء الفعل ظلم وهو واجب الهدم لا التقرير وفي التقرير المراد بقول الفقهاء إذا انتهت الإجارة والزرع لم يستحصد يترك بأجر أي بقضاء أو بعقدهما حتى لا يجب الأجر إلا بأحدهما. ا هـ. وهو مما يجب حفظه.
"قوله والدابة للركوب والحمل والثوب للبس" أي صح استئجار الدابة والثوب لأن المنفعة مقصودة معهودة معلومة قيد بالركوب والحمل لأنه لو استأجر دابة ليجنبها ولا يركبها أو ليربطها على باب داره ليري الناس أن له فرسا فالإجارة فاسدة ولا أجر له وقيد باللبس في الثوب لأنه لو استأجر ثوبا ليزين بيته به أو حانوته فالإجارة فاسدة ومن هذا النوع ما إذا استأجر آنية يصفها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها أو دارا لا يسكنها لكن ليظن الناس أن له دارا أو عبدا على أن لا يستخدمه أو دراهم يضعها كذا في الخلاصة ووجهه أن هذه المنفعة ليست مقصودة من العين كما قدمناه أول الكتاب وخرج أيضا ما إذا استأجر فحلا لينزيه على أنثى فإنه لا يجوز وفي الخلاصة معاوضة الثيران في الكراب لا خير فيها أما إذا أعطى البقر ليأخذ الحمار جاز ويكفي في استئجار الثوب للبس التمكن منه وإن لم يلبس لما في الخلاصة رجل استأجر ثوبا ليلبسه كل يوم بدانق فوضعه في بيته سنين ولم يلبسه رد لكل يوم دانق إلى الوقت الذي لو لبسه إلى ذلك الوقت لتخرق فحينئذ سقط الأجر بعد ذلك ا هـ. وهو كالسكنى قال في المجمع ويجب بنفس القبض وإن لم يسكنها وفي الدابة لا يكفي التمكن لما في فصول العمادي من الفصل الثاني والثلاثين ولو استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فأمسكها في منزله في المصر لا يجب الأجر ويضمن لو هلك ا هـ. وفي الخلاصة ولو حبس

 

 ج / 7 ص -447-     وإن أطلق أركب وألبس من شاء. وإن قيد براكب أو لابس فخالف ضمن, ومثله ما يختلف
_______________
الدابة ليلة حتى أصبح فردها ولم يركب عليها لا أجر عليه. ا هـ. وفيها أيضا رجل استأجر دابة ليحمل عليها له أن يركبها وإن استأجرها ليركبها ليس له أن يحمل عليها ولو حمل عليها فلا أجر عليه لأن الركوب يسمى حملا يقال ركب فلان وحمل معه غيره ولا يسمى الحمل ركوبا أصلا. ا هـ. وفي فصول العمادي معزيا إلى الذخيرة استأجر دابة ليحمل عليها حنطة من موضع إلى منزله يوما إلى الليل وكان يحمل الحنطة إلى منزله وكلما رجع كان يركبها فعطبت الدابة قال أبو بكر الرازي يضمن لأنه استأجرها للحمل دون الركوب فكان غاصبا للركوب وقال الفقيه أبو الليث في الاستحسان لا يضمن لأن العادة جرت فيما بين الناس بذلك فصار مأذونا فيه دلالة وإن لم يأذن بالإفصاح ا هـ.
فالحاصل أنهم اتفقوا على أن من استأجرها للحمل له أن يركبها لكن الرازي قيده بأن لا يجمع بينهما والفقيه عممه.
"قوله وإن أطلق أركب وألبس من شاء" أراد بالإطلاق التعميم بأن يأتي بلفظ دال على العموم من غير تقييد براكب ولابس معين لا الإطلاق المصطلح عليه عند الأصوليين فلو قال على أن تركب من شئت أو تلبس من شئت صح العقد ولو استأجرها للركوب ولم يسم من يركبه لا تصح الإجارة والفرق أن في الثانية صار الركوبان مثلا من شخصين كالجنسين فيكون المعقود عليه مجهولا فلا يصح وفي الأولى رضي المالك بالقدر الذي يحصل في ضمن الركوب فصار المعقود عليه معلوما وإذا فسدت فلو أركبها أو ركب بنفسه وجب المسمى استحسانا وتنقلب صحيحة ولا ضمان عليه عند الهلاك وإذا صحت عند التعميم تعين أول راكب أو لابس لتعينه مرادا من الأصل فصار كالنص عليه ابتداء وفي الخلاصة وإذا تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل من مرض منهم أو من عيي منهم فهذا فاسد.
"قوله وإن قيد براكب أو لابس فخالف ضمن" يعني إذا عطبت لأن الناس يتفاوتون في العلم بالركوب واللبس ولا أجر عليه لأنه مع الضمان ممتنع وكذا لا أجر عليه إن سلم لأنه لما سلم تبين أنه لم يخالف وأنه مما لا يوهن الدار كذا في غاية البيان واستفيد من كلامه أنه إذا قيد ليس له الإجارة والإعارة كما أنه إذا عمم له ذلك وليس له الإيداع في الأول ولو لضرورة دون الثاني ذكره في فصول العمادي في مسألة ما إذا عيي الحمار في الطريق فأرسله إلى صاحبه مع آخر.
"قوله ومثله ما يختلف" باختلاف المستعمل في كونه يضمن إذا عطبت مع المخالفة والتقييد لما قدمناه.

 

 ج / 7 ص -448-     وفيما لا يختلف به بطل تقييده به كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره, وإن سمى نوعا وقدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا آخر كالملح, وإن عطبت الدابة بالأرداف ضمن النصف
_________
"قوله وفيما لا يختلف به بطل تقييده به كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره" لأن التقييد غير مفيد لعدم التفاوت والذي يضر بالبناء كالحدادة والقصارة خارج على ما قدمناه فلا يملكه إلا بالتنصيص.
"قوله وإن سمى نوعا وقدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا آخر كالملح" لأن الأصل أن من استحق منفعة مقدرة بالعقد فاستوفى تلك المنفعة أو مثلها أو أقل منها جاز وإن استوفى أكثر منها لم يجز فله أن يحمل كر حنطة لغيره لو استأجرها لحمل كر حنطة لأنه مثله ولو حمل كر شعير لأنه دونه وغلط من مثل بالشعير للمثل لأنه يلزم عليه أنه لو استأجرها لحمل كر شعير له أن يحمل كر حنطة وليس كذلك لأنه فوقه وعلى هذا زراعة الأراضي لو عين نوعا للزراعة له أن يزرع مثله وأخف منه لا أضر ومنه ما لو استأجرها لحمل قطن معلوم فحمل مثل وزنه حديدا أو مثل وزن الحنطة قطنا أو تبنا أو حطبا وأشار بالكاف في قوله ككر بر أنه لو سمى مقدارا من الحنطة فحمل عليها من الشعير مثل ذلك بالوزن لا يضمن وهو الأصح وبه كان يفتي الصدر الشهيد لأنه أخف من ضرر الحنطة.
"قوله وإن عطبت الدابة بالأرداف ضمن النصف" ولا اعتبار بالثقل لأن الدابة يعقرها جهل الراكب الخفيف ويخف عليها ركوب الثقيل لعلمه بالفروسية ولأن الآدمي غير موزون فلا يمكن معرفته بالوزن فاعتبر عدد الراكب كعدد الجناية في الجنايات وقيده المصنف في الكافي بكون الدابة تطيق حمل الاثنين أما إذا كانت لا تطيق ضمن جميع قيمتها وقيده الشارح بما إذا كان الرديف يستمسك بنفسه وإن كان صغيرا لا يستمسك يضمن بقدر ثقله وقيد بكون العطب بالإرداف لأنه لو حمله على عاتقه ضمن جميع قيمتها لكونه يجتمع في مكان واحد فيشق على الدابة وإن كانت تطيق حملها ذكره في النهاية وأطلق الإرداف فشمل ما إذا أردف خلفه ولد الناقة الذي ولدته بعد الإجارة وإن كان ملك صاحبها لعدم الإذن كما لو حمل على دابته شيئا آخر من ملك صاحبها ذكره في المحيط ولم يعين المصنف الضامن لأن المالك بالخيار إن شاء ضمن الرديف وإن شاء ضمن الراكب فالراكب لا يرجع بما ضمن والرديف يرجع إن كان مستأجرا من المستأجر وإلا فلا ولم يتعرض المصنف لوجوب الأجر والمنقول في النهاية والمحيط أنه يجب جميع الأجر إذا هلكت بعد بلوغ المقصد مع تضمين النصف ولا

 

 ج / 7 ص -449-     وبالزيادة على الحمل المسمى ما زاد
___________
يقال كيف اجتمع الأجر والضمان لأنا نقول إن الضمان لركوب غيره والأجر لركوبه بنفسه وقيد بكونها عطبت لأنها لو سلمت فلا شيء عليه غير الأجر المسمى كذا في غاية البيان وقيد بكونه أردفه حتى صار الأجنبي كالتابع له أما إذا أقعده في السرج صار غاصبا ولم يجب عليه شيء من الأجر لأنه رفع يده عن الدابة وأوقعها في يد متعدية فصار ضامنا والأجر لا يجامع الضمان كذا في غاية البيان وقيد بالإرداف لأنه لو ركبها وحمل عليها شيئا يضمن قدر الزيادة إن عطبت الدابة وليس المراد أن الرجل يوزن ويوزن الحمل لتعرف الزيادة لأن الرجال لا يوزنون بالقبان بل المراد أن يرجع إلى أهل البصيرة فيسأل منهم إن هذا الحمل كم يزيد على ركوبه في الثقل وهذا إذا لم يركب موضع الحمل بل يكون ركوبه في موضع والحمل في موضع آخر أما إذا ركب على موضع الحمل ضمن جميع القيمة ذكره خواهر زاده.
"قوله وبالزيادة على الحمل المسمى ما زاد" أي إذا استأجرها ليحمل عليها مقدارا فحمل عليها أكثر منه فعطبت يضمن ما زاد الثقل حتى لو كان المأذون مائة من وزاد عليه عشرين منا يضمن سدس الدابة ذكره المصنف في المستصفى قيد بكون المستأجر هو الذي حملها أما إذا حملها صاحبها بيده وحده فلا ضمان على المستأجر لما في فصول العمادي استكرى إبلا على أن يحمل كل بعير مائة رطل فحمل مائة وخمسين رطلا إلى ذلك الموضع ثم أتى الجمال بإبله وأخبره المستكري أنه ليس كل حمل إلا مائة رطل فحمل الجمال إلى ذلك الموضع وقد عطبت بعض الإبل لا ضمان على المستكري لأن صاحب الجمل هو الذي حمل فيقال له كان ينبغي لك أن تزن أولا. ا هـ. وإن حملاه معا وجب النصف على المستأجر ذكره في المحيط ولو حمل كل واحد جولقا وحده لا ضمان على المستأجر ويجعل حمل المستأجر ما كان مستحقا بالعقد ذكره في غاية البيان وقيده الشارح بأن تطيق الدابة مثله أما إذا كانت لا تطيق ضمن جميع القيمة وأشار بالزيادة إلى أنها من جنس المسمى فلو حمل جنسا آخر غير المسمى وجب جميع القيمة وأشار بها إلى أنه حمل الزيادة مع المسمى معا فلو حمل المسمى وحده ثم حمل الزيادة وحدها فهلكت ضمن جميع القيمة ولم يتعرض المصنف للأجر إذا هلك وفي غاية البيان أن عليه الكراء كاملا. ا هـ. ولا يقال كيف اجتمع الأجر والضمان لأنا نقول الأجر في مقابلة الحمل المسمى والضمان في مقابلة الزائد كما تقدم نظيره وكذا لم يتعرض للأجر إذا سلمت ولم أره صريحا والقواعد تقتضي أن يجب المسمى فقط وأما إن حمله الجمال بنفسه وحده فلا كلام وأما إذا حمله المستأجر زائدا على المسمى فمنافع الغصب لا تضمن عندنا ومن هنا يعلم حكم المكاري في طريق مكة وإن كان لا يحل للمستأجر الزيادة على المسمى إلا برضا صاحب الدابة ولهذا قالوا ينبغي أن يرى المكاري جميع ما يحمله.

 

 ج / 7 ص -450-     وبالضرب والكبح
___________
"قوله وبالضرب والكبح" أي يضمن بهما إذا هلكت وفي المغرب كبح الدابة باللجام إذا ردها وهو أن يجذبها إلى نفسه لتقف ولا تجري وقالا لا يضمن إذا فعل فعلا متعارفا لأن المتعارف مما يدخل تحت مطلق العقد فكان حاصلا بإذنه فلا يضمنه ولأبي حنيفة أن الإذن مقيد بشرط السلامة إذ يتحقق السوق بدونه وإنما هما للمبالغة فيتقيد بوصف السلامة كالمرور في الطريق قيد بالضرب والكبح لأنه لا يضمن بالسوق اتفاقا وظاهر ما في الهداية أن للمستأجر الضرب ولا إثم عليه للإذن العرفي فيه وإن كان مقيدا بشرط السلامة وفي غاية البيان إن ضربه للدابة يكون تعديا موجبا للضمان بخلاف العبد المستأجر فإنه ليس له ضربه ويضمن به اتفاقا لأنه يؤمر وينهى لفهمه فلا ضرورة إلى الضرب وللسيد ضرب عبده تأديبا وللأب والوصي ضرب الصغير للتأديب لكن مقيد عند أبي حنيفة بشرط السلامة حتى يضمنان لو هلك بضربهما لأن التأديب قد يقع بالزجر والتعريك وفي غاية البيان عن التتمة. الأصح أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما والمعلم والأستاذ ليس لهما ضرب الصغير إلا بإذن الأب أو الوصي فإن مات لا ضمان عليهما إذا كان بإذن وإلا ضمنا وأما ضربه دابة نفسه فقال في القنية وعند أبي حنيفة لا يضربها أصلا ولو كانت ملكه وكذا حكم كل ما يستعمل من الحيوانات ثم قال لا يخاصم ضارب الحيوان فيما يحتاج إليه للتأديب ويخاصم فيما زاد عليه ولا يجوز ضرب أختها الصغيرة التي ليس لها ولي بترك الصلوات إذا بلغت عشرا ثم قال له أن يضرب اليتيم فيما يضرب ولده به وردت الأخبار والآثار وفي الروضة له أن يكره ولده الصغير على تعلم القرآن والأدب والعلم لأن ذلك فرض على الوالدين ولو أمر غيره بضرب عبده حل للمأمور ضرب عبده بخلاف الحر قال رضي الله عنه فهذا تنصيص على عدم جواز ضرب ولد الآمر بأمره بخلاف المعلم لأن المأمور بضربه نيابة عن الأب لمصلحته والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة العلم وأما ضرب الزوجة فجائز في مواضع أربعة وما في معناها على ترك الزينة لزوجها وهو يريدها وترك الإجابة إلى الفراش وترك الغسل والخروج من المنزل. وفي ضرب امرأته وولده على ترك الصلاة روايتان كذا قالوا ومما في معناها ما إذا ضربت جارية زوجها غيرة ولا تتعظ بوعظه فله ضربها كذا في القنية ويلحق به ما إذا ضربت الولد الذي لا يعقل عند بكائه لأن ضرب الدابة إذا كان ممنوعا فهذا أولى ومنه ما إذا شتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته أو قالت له يا حمار يا أبله أو لعنته سواء شتمها أو لا على قول العامة ومنه ما إذا شتمت أجنبيا ومنه ما إذا كشفت وجهها لغير محرم أو كلمت أجنبيا أو تكلمت عامدا مع الزوج أو شاغبت معه ليسمع صوتها الأجنبي ومنه ما إذا أعطت من بيته شيئا من الطعام بلا إذنه إن كانت العادة لم تجر به وإن كانت العادة مسامحة المرأة بذلك بلا

 

 ج / 7 ص -451-     ونزع السرج والإيكاف والإسراج بما لا يسرج بمثله. وسلوك طريق غير ما عينه وتفاوتا
_________________
مشورة الزوج فليس له ضربها ومنه ما إذا ادعت عليه وليس منه ما إذا طلبت نفقتها أو كسوتها وألحت لأن لصاحب الحق يد الملازمة ولسان التقاضي كذا في البزازية من النوع الثالث في الضرب من الاختيار.
"قوله ونزع السرج والإيكاف والإسراج بما لا يسرج بمثله" يعني لو اكترى حمارا بسرج فنزع السرج فأسرجه سرجا لا يسرج بمثله الحمر أو أوكفه مطلقا أو نزع الإكاف وأسرجه بسرج لا يسرج بمثله فعطب ضمن جميع قيمته لأن الإكاف يستعمل لغير ما يستعمل له السرج وهو الحمل وأثره يخالف أيضا لأنه لا ينبسط انبساط السرج فكان في حق الدابة خلافا إلى جنس غير المسمى فلم يصر مستوفيا شيئا من المسمى فيضمن الكل كما لو أبدل الحديد مكان الحنطة قيد بكونه لا يسرج بمثله لأنه إذا استأجرها بإكاف فأوكفها بإكاف مثله أو أسرجها مكان الإكاف لا يضمن كذا في الخلاصة وإنما قلنا في الإكاف مطلقا لأن المنقول في الخلاصة أيضا أنه لو استأجرها بسرج فأوكفها بإكاف يوكف مثلها فهلكت ضمن كل القيمة عند أبي حنيفة وفيها أيضا لو استأجرها عريانة فأسرجها وركبها ضمن قال مشايخنا إن استأجرها من بلد إلى بلد لا يضمن وإن استأجرها ليركبها في المصر إن كان المستكري من الأشراف لا يضمن وإن كان من العوام الذين يركبون عريانا ضمن ولو تكارى دابة ولم يذكر السرج والإكاف وسلمها عريانة فركبها بهذا أو بهذا إن كان مثله يركب بسرج يضمن إذا ركبها بإكاف وإن كان يركب بكل واحد منهما لا يضمن إذا ركبها بهذا أو بهذا قال تأويله إذا ركب من بلد إلى بلد ا هـ. واعلم أن المنقول في الكافي للحاكم الشهيد الضمان مطلقا من غير تفصيل المشايخ فكان هو المذهب لأنه ظاهر الرواية كما لا يخفى وصحح قاضي خان في شرح الجامع الصغير أنه يضمن جميع القيمة لأنه ذكر الضمان مطلقا فينصرف إلى الكل لأنه خلافه صورة ومعنى وقال في غاية البيان قلت ينبغي أن يكون الأصح ضمان قدر الزيادة وفي الخلاصة ولو استأجرها بغير لجام فألجمها لا يضمن إلا إذا ألجم بلجام لا يلجم مثلها. ا هـ. وكذا إذا أبدله لأن الحمار لا يختلف باللجام وغيره كذا في غاية البيان.
"قوله وسلوك طريق غير ما عينه وتفاوتا" أي يجب الضمان إذا عين للمكاري طريقا أو لمستأجر الدابة طريقا وسلك غيره وكان بينهما تفاوت بأن كان المسلوك أبعد أو أوعر أو أخوف بحيث لا يسلك لصحة التقييد لكونه مفيدا وأما إذا كان بحيث يسلك فظاهر الكتاب أنه إن كان بينهما تفاوت ضمن وإلا فلا وأشار إلى أنهما لو تساويا لا ضمان وقيد بالتعيين لأنه لو لم يعين لا ضمان وفي الخلاصة الحمال إذا نزل في مفازة وتهيأ له الانتقال فلم ينتقل

 

 ج / 7 ص -452-     وحمله في البحر الكل, وإن بلغ فله الأجر, وبزرع رطبة وأذن بالبر ما نقص ولا أجر, وبخياطة قباء وأمر بقميص قيمة ثوبه وله أخذ القباء ودفع أجر مثله
_________________
حتى فسد المتاع بمطر أو سرقة فهو ضامن إذا كانت السرقة والمطر غالبا.
"قوله وحمله في البحر الكل" أي يضمن بحمله في البحر إذا قيد بالبر لأن التقييد مفيد بخطر البحر وبندرة السلامة فيه أطلقه فشمل ما إذا كان مما يسلكه الناس أو لا قيدنا بكونه قيد بالبر لأنه لو لم يقيد به لا ضمان.
"قوله وإن بلغ فله الأجر" قال الأتقاني السماع بالتشديد أي وإن بلغ الحمال المتاع ذلك الموضع الذي اشترطه ويجوز بالتخفيف على إسناد الفعل إلى المتاع أي إذا بلغ المتاع إلى ذلك الموضع وإنما وجب الأجر لارتفاع الخلاف ولا يلزم اجتماع الأجر والضمان لأنهما في حالتين.
"قوله وبزرع رطبة وأذن بالبر ما نقص ولا أجر" أي ضمن ما نقص من الأرض إذا زرع رطبة وقد أذن له بزرع الحنطة لأن الرطاب أكثر ضررا بالأرض من الحنطة ولا يجب الأجر المسمى ولا غيره لأنه غاصب قيد بكونه ما زرعه أشد ضررا لأنه لو كان أنقص ضررا لا ضمان ويجب الأجر.
"قوله وبخياطة قباء وأمر بقميص قيمة ثوبه وله أخذ القباء ودفع أجر مثله" لأنه لما كان يشبه القميص من وجه لأن الأتراك يستعملونه استعمال القميص كان موافقا من وجه مخالفا من وجه فإن شاء مال إلى جانب الوفاق وأخذ الثوب وإن شاء مال إلى جانب الخلاف وضمنه القيمة وإنما وجب أجر المثل دون المسمى لأن صاحبه إنما رضي بالمسمى عند حصول المقصود من كل وجه ولم يحصل أطلقه فشمل ما إذا كان يستعمل استعمال القميص وما إذا شقه وجعله قباء خلافا للإسبيجابي في الثاني حيث أوجب فيه الضمان من غير خيار وسيأتي أنهما لو اختلفا في المأمور به فالقول لرب الثوب والتقييد بالقباء اتفاقي إذ لو خاطه سراويل وقد أمره بالقباء كان الحكم كذلك على الأصح وفي الخلاصة والصباغ إذا خالف فصبغ الأصفر مكان الأحمر إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض وإن شاء أخذه وأعطاه ما زاد الصبغ فيه ولا أجر له ولو صبغ رديئا إن لم يكن فاحشا لا يضمن وإن كان فاحشا بحيث يقول أهل تلك الصنعة أنه فاحش يضمن قيمة ثوب أبيض وفيها أيضا رجل دفع إلى خياط ثوبا وقال له اقطعه حتى يصيب القدم وكمه خمسة أشبار وعرضه كذا فجاء به ناقصا إن كان قدر أصبع ونحوه فليس بشيء وإن كان أكثر يضمنه وفيها أيضا ولو قال للخياط انظر إلى هذا الثوب إن كفاني قميصا قطعه بدرهم وخيطه ثم قال أنه لا يكفيك يضمن الثوب ولو قال انظر أيكفيني

 

 ج / 7 ص -453-    
___________
قميصا فقال نعم فقال اقطعه ثم قال لا يكفيك لا يضمن والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب الإجارة الفاسدة
يفسد الإجارة الشرط. وله أجر مثله لا يجاوز به المسمى
___________
"باب الإجارة الفاسدة"
وهي كل عقد كان مشروعا بأصله دون وصفه وبين الفاسد والباطل هنا فرق أيضا فإن الباطل ما ليس بمشروع أصلا وحكمه أنه لا يجب فيه بالاستعمال أجر بخلاف الفاسد فإنه يجب فيه به أجرة المثل صرح به في الحقائق شرح المنظومة في مسألة إجارة المشاع وهكذا في جامع الفصولين لكن بين الإجارة والبيع فرق فإن الفاسد من البيع يملك بالقبض والفاسد من الإجارة لا يملك المنافع بالقبض حتى لو قبضها المستأجر ليس له أن يؤاجرها ولو أجرها وجب أجر المثل ولا يكون غاصبا وللآجر الأول أن ينقض هذه الإجارة كذا في الخلاصة.
"قوله يفسد الإجارة الشرط" أي الشروط المعهودة المتقدمة في باب البيع الفاسد التي ليست من مقتضى العقد لا كل شرط لأن الإجارة عقد معاوضة محصنة تقال وتفسخ فكانت كالبيع فكل ما أفسد البيع أفسدها وقد ضبطه الشيخ أبو الحسن الكرخي في مختصره فقال إذا كان ما وقع عليه عقد الإجارة مجهولا في نفسه أو في أجرة أو في مدة الإجارة أو في العمل المستأجر عليه فالإجارة فاسدة وكل جهالة تدخل في البيع فتفسده من جهة الجهالة فكذلك هي في الإجارة ا هـ. والشروط التي تفسدها تفصيلا كاشتراط تطيين الدار ومرمتها أو تعليق باب عليها أو إدخال جذع في سقفها على المستأجر وكذا اشتراط كري نهر الأرض أو ضرب مسناة عليها أو حفر بئر فيها أو أن يسرقنها على المستأجر وكذلك اشتراط رد الأرض مكروبة وكذا لو شرط إن انقطع الماء عن الرحى فالأجر عليه وكذا إن تكارى دابة إلى بغداد أو على أنه إن رزق شيئا أعطاه وإن بلغت بغداد فله كذا وإلا فلا شيء له فهي فاسدة وعليه أجر مثل ما سار عليها وكذا لو استأجر عبدا شهرا على أنه إن مرض فيه عمل في الشهر الذي بعده بقدر الأيام التي مرض فيها كذا في غاية البيان فخرج ما يقتضيه العقد كاشتراط أن يدفع له الأجر إذا رجع من السفر واشتراط أن يفرغ له اليوم وفي الخلاصة معزيا إلى الأصل لو استأجر دارا على أن يعمرها ويعطي نوائبها تفسد لأنه شرط مخالف لمقتضى العقد ا هـ. فعلم بهذا أن ما يقع في زماننا من إجارة أرض الوقف بأجرة معلومة على أن المغارم وكلفة الكاشف على المستأجر أو على أن الجرف على المستأجر فاسد كما لا يخفى.
"قوله وله أجر مثله لا يجاوز به المسمى" لأن الفاسد ملحق بالصحيح فوجد في قدر

 

 ج / 7 ص -454-     .............................
_________
المسمى شبهة العقد وفيما زاد عليه لم يوجد فيه عقد ولا شبهة فبقي على الأصل وأشار بعدم مجاوزته للمسمى إلى أن الكلام فيما إذا كان المسمى معلوما غير محرم لأنه لو كان الفساد لجهالة المسمى كله أو بعضه أو لعدمه ليس فيه مسمى حتى يصح أن تنتفي المجاوزة عنه فلهذا وجب أجر المثل بالغا ما بلغ وكذا لو كان الأجر خمرا أو خنزيرا فإنه يجب أجر المثل بالغا ما بلغ واستثنى الشارح أيضا ما إذا استأجر دارا على أن لا يسكنها فالإجارة فاسدة ويجب أجر المثل بالغا ما بلغ إن سكنها وفيه نظر لأن الأجرة إن لم تكن مسماة فهي المسألة المتقدمة وإن كانت مسماة ينبغي أن لا يجاوز به المسمى كغيرها من الشروط وقد ذكرها في الخلاصة ولم يتعرض للأجرة ثم قال وإن شرط أن يسكنها المستأجر وحده يجوز والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وهذا آخر ما نظمه بنان التحقيق في سمط الدراري وتحلى به عقود البيان ففاق اللآلئ في جيد الجواري ونهاية ما يسر الله تأليفه للعلامة الفاضل والأستاذ الكامل الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم رحمه الله تعالى وغفر الله لنا وله ولكل المسلمين أجمعين آمين والحمد لله رب العالمين1.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أقول: جاء في آخر الأصل ما يلي: وهذا آخر ما يسر الله تأليفه للمؤلف رحمه الله وغفر لنا وله ولكاتبه مباشرة وآمرا ولمن طالع فيه, وكان الفراغ من كتابته يوم الأحد ختام سنة خمسين ومائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها السلام على يدىالفقير محمد عبد المعطي السملاوي غفر الله له ولوالديه والمسلمين أمين.