البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث
ج / 8 ص -248-
كتاب الشفعة
هي تملك البقعة جبرا على المشتري بما قام عليه
______
كتاب الشفعة
وجه مناسبة الشفعة بالغصب تملك الإنسان
مال غيره بلا رضاه في كل منهما والحق تقديمها
عليه لكونها مشروعة دونه ولكن توفر الحاجة إلى
معرفته لكثرة الأحكام المتعلقة به أوجبت
تقديمه والكلام فيها من وجوه الأول في معناها
لغة والثاني شرعا والثالث في بيان دليلها
والرابع في بيان سببها والخامس في ركنها
والسادس في شرطها والسابع في حكمها وصفتها فهي
لغة مأخوذة من الشفع الذي هو ضد الوتر وشرعا
ما يذكره المؤلف ودليلها ما روي أنه عليه
الصلاة والسلام قضى بالشفعة في كل شركة لم
تقسم ربعة أو حائط. وقال عليه الصلاة والسلام:
"الجار أحق بشفعة جاره"1 وسببها دفع الضرر الذي ينشأ من سوء المجاورة على الدوام من حيث
إيقاد النار وإعلاء الجدار وإثارة الغبار
وركنها هو الأخذ من المشتري أو من البائع
وشرطها كون المحل عقارا علوا كان أو سفلا
مملوكا ببدل هو مال, أما حكمها فهو جواز طلب
الشفعة عند تحقق سببها وصفتها أن الأخذ بها
بمنزلة شراء مبتدأ حتى يثبت ما يثبت بالشراء
نحو الرد بخيار الرؤية والشرط.
قال رحمه الله "هي تملك البقعة جبرا على
المشتري بما قام عليه" هذا في الشرع وزاد
بعضهم شركة أو جوارا فقوله تمليك جنس شمل
تمليك العين والمنافع وقوله البقعة فصل أخرج
به تمليك المنافع وقوله جبرا أخرج به البيع,
فإنه يكون بالرضا وقوله بما قام عليه يعني
حقيقة أو حكما كما سيأتي في الخمر وغيره
والمراد تمليك البقعة أو بعضها ليشمل ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه أبو داود في البيوع، باب في
الشفعة "3518" وابن ماجة في الأحكام باب
الشفعة بالجوار "2494".
ج / 8 ص -249-
وتجب للخليط في نفس المبيع
______
إذا اشتراها أحد شفعائها ففي التتارخانية
اشترى الجار دارا ولها جار آخر من جانب آخر
وطلب الشفعة تقسم الدار بين المشتري والجار
نصفين وفي التتارخانية, وإنما تجب في الأراضي
التي يملك رقابها حتى لا تجب في الأراضي التي
حازها الإمام لبيت المال وتدفع للناس مزارعة
فصار لهم فيها بناء وأشجار, فإن بيع هذه
الأراضي باطل, وإنما تجب بحق الملك في الأراضي
حتى لو بيعت دار بجنبها دار الوقف فلا شفعة
للوقف ولا يأخذها المتولي قال ابن القاضي زاده
إذا كان حقيقة الشفعة التمليك لزم أن لا يكون
لقوله الشفعة تثبت بعقد البيع وتستقر بالإشهاد
صحة إذ الثبوت لا يتصور بدون التحقق وحين عقد
البيع والإشهاد لم يوجد الأخذ بالتراضي ولا
بقضاء القاضي ولم يوجد التمليك أيضا فعلى
تقدير أن تكون الشفعة نفس ذلك التمليك كيف
يتصور ثبوتها بعقد البيع واستقرارها بالإشهاد,
وأيضا قد صرحوا بأن حكم الشفعة جواز الطلب
وثبوت الملك بالقضاء أو بالتراضي فلو كان نفس
التمليك لما صلح شيء من جواز طلب الشفعة وثبوت
الملك بالقضاء أو بالتراضي ; لأن يكون حكما
للشفعة أما الأول فلأنه لا شك أن المقصود من
طلب الشفعة إنما هو الوصول إلى ملك المنفعة
المشفوعة وعند حصول تملكها الذي هو الشفعة على
الفرض المذكور لا يبقى جواز طلب الشفعة ضرورة
بطلان طلب الحاصل وحكم الشيء يقارنه أو يعقبه
فالأظهر عندي في تعريف الشفعة ما ذكره صاحب
غاية البيان حيث قال ثم الشفعة عبارة عن حق
التملك في العقار لدفع ضرر الجوار ا هـ.
والجواب أن المراد بالوجوب والاستقرار استقرار
حق الأخذ لا نفسه وقولهم حكم الشفعة جواز
الطلب يعني حكم حق الأخذ فلا إيراد
قال رحمه الله "وتجب للخليط في نفس المبيع"
يعني تثبت للشريك في نفس المبيع لما روي أنه
عليه الصلاة والسلام قضى بالشفعة1 في كل شركة
لم تقسم ربعة. واعترض بأن الحديث, وإن دل على
بعض المدعى وهو ثبوت حق الشفعة للشريك الآخر
إلا أنه يبقى بعضه الآخر وهو ثبوتها لغير
الشريك أيضا كالجار الملاصق ; لأن اللام في
الشفعة المذكورة للجنس لعدم العهد. وتعريف
المسند إليه فاللام الجنس يفيد قصر المسند
إليه على المسند فاقتضى انتفاء حق الشفعة من
غير الشريك كالجار والجواب أن ثبوت حق الشفعة
للجار أفاده حديث آخر فظهر أن القصر غير حقيقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه البخاري في البيوع باب بيع
الأرض والدور والعروض مشاعا غير مقسوم "2214"
ومسلم في المساقاة باب الشفعة "1608".
ج / 8 ص -250-
وتجب للخليط في نفس المبيع ثم في حق المبيع
كالشرب والطريق إن كان خاصم ثم للجار الملاصق
______
قال رحمه الله "وتجب للخليط في نفس المبيع ثم
في حق المبيع كالشرب والطريق إن كان خاصم ثم
للجار الملاصق" يعني يثبت بعد الأول للشريك في
حق المبيع كالشرب والطريق أما الطريق فقد تقدم
دليله. أما الجار فلقوله عليه الصلاة والسلام "الجار أحق بشفعة جاره", وإنما وجبت مرتبة على الترتيب الذي ذكره هنا ; لأنها وجبت لدفع
الضرر الدائم الذي يلحقه وكل ما كان أكثر
اتصالا كان أخص ضررا أو أشد فكان أحق بها لقوة
الموجب لها فليس للأضعف أن يأخذه مع وجود
الأقوى لا إذا ترك فله أن يأخذ إن شهد وقال
الشافعي لا تجب للجار وقوله إن كان خاصا يعني
الشرب والطريق, وإن لم يكن خاصا لا يستحق به
الشفعة والطريق الخاص أن يكون غير نافذ, وإن
كان نافذا فليس بخاص, وإن كان سكة غير نافذ
يتشعب منها سكة غير نافذة فبيعت دار في السفلى
فلأهلها الشفعة لا غير, وإن بيعت في العليا
كان لهم وللعليا جميعا ; لأن في العليا حقا
لأهل السكتين حتى كان لهم كلهم أن يمروا فيها
وليس في السفلى حق لأهل العليا حتى لا يكون
لهم أن يمروا فيها ولا لهم فتح باب والشرب
الخاص عند الإمام ومحمد أن يكون نهرا صغيرا لا
تمر فيه السفن, فإن كانت تمر فيه السفن فليس
بخاص, فإذا بيعت أرض من الأراضي التي تسقى منه
لا يستحق أهل النهر الشفعة والجار أحق منهم
بخلاف النهر الصغير وقيل إن كان أهله يحصون
فهو صغير, وإن كانوا لا يحصون فهو كبير وعليه
عامة المشايخ لكن اختلفوا في حد ما يحصى وما
لا يحصى فقدر ما يحصى بخمسمائة وقيل هو مفوض
إلى رأي المجتهدين في كل عصر, فإن رأوه كثيرا
كان كثيرا, وإن رأوه قليلا كان قليلا هو أشبه
الأقاويل بالفقه والجار الملاصق وهو الذي ظهر
بيته إلى ظهر بيت هذا وبابه في سكة أخرى وفي
شرح الطحاوي صورته دار فيها منازل وباب الدار
إلى سكة وغير نافذة وأبواب هذه المنازل إلى
هذه الدار وكل منزل لرجل على حدة إلا منزلا
منها لرجلين ولهذا المنزل المشترك جار ملاصق
على ظهره فباع أحد الشريكين نصيبه فالشفعة
أولا للذي لم يبع. فإن سلم أو لم يطلب فالشفعة
لأرباب المنازل ولو لم يطلبوا وسلمها فالشفعة
لأهل السكة ويستوي في ذلك الملاصق وغيره
والجار الذي له الشفعة عندنا الملازق الذي
داره لزيق الدار الذي وقع فيها الشراء والجار
الذي هو مؤخر عن الشريك هو أن لا يكون شريكه
في الأرض لا في الطريق والمسيل وفي المحيط سكة
غير نافذة فيها عطف, فإن كان مربعا فأهل العطف
أولى بما بيع فيه ; لأن المربع كالمنفصل ولهذا
لهم أن ينصبوا الدرب في أعلاه, وإن كان العطف
مدورا فالكل سواء ; لأن المدور كالمتصل وفي
نوادر ابن هشام قال أبو يوسف المدور والمربع
والمستطيل سواء درب غير نافذ في أسفله مسجد
ظهره إلى
ج / 8 ص -251-
والشريك في خشبة وواضع الجذوع على الحائط جار
______
الطريق الأعظم خطه الإمام فباع رجل من أهل
الدرب داره فلا شفعة لأهل الدرب إلا من
جاورها, وإن كان حول المسجد بيوت تحول بينه
وبين الطريق فالشفعة لكل أهل الدرب إلا من
جاورها ; لأن الإمام لما خط المسجد للطريق كان
له أن يفتح إلى الطريق ويدخل الناس منه إلى
الصلاة وإمكان الفتح الآن كالفتح السابق وفي
التتارخانية ولو كان المبيع بعضه يلازقه وبعضه
لا يلازقه فالشفعة فيما يلازقه أرضا كان أو
بستانا أو غيره ولم يتعرض المؤلف لما إذا كان
شريكا في الطريق والآخر في المسيل من يقدم وفي
التتارخانية وصاحب الطريق أولى بالشفعة من
صاحب المسيل إذا لم يكن المال مسيل الماء
لكاله1. ا هـ.
قال رحمه الله "والشريك في خشبة وواضع الجذوع
على الحائط جار" لا يكون شريكا ; لأن الشركة
المعتبرة هي الشركة في العقار لا في المنقول
والخشبة منقولة وواضع الجذوع على الحائط لا
يصير شريكا بل جار ملاصق لوجود اتصال بقعة
أحدهما ببقعة الآخر فيستحق الشفعة على أنه جار
ملاصق ولا يرجح بذلك على غيره من الجيران وكذا
إذا كان بعض الجيران شريكا في الجدار لا يقدم
على غيره من الجيران ; لأن الشركة في البناء
المجرد بدون الأرض لا يستحق به الشفعة ولو كان
البناء والأرض الذي عليها البناء مشتركا
بينهما كان هذا أولى ; لأنه شريك في بعض
المبيع ويتأتى ذلك فيما بينا أولا على وجه
الشركة ثم تقسم الأرض غير موضع البناء فيبقى
البناء وموضعه مشتركا فهو شريك فيقدم على
الجار هذه رواية وفي رواية هو والجار سواء في
غير موضع الجدار ; لأن الشفعة في غير موضع
الجدار بالجوار وهو فيه سواء وفي الجامع
الصغير الحسامي ولو كان خليطا من وجه كان
مقدما على الجار وفي أدب القاضي للخصاف الجار
الذي هو مؤخر عن الشريك في الطريق هو من لا
يكون شريكا في الأرض فلو كان شريكا في منزل في
الدار أو بيت منها فبيعت الدار كان هو أحق في
المنزل لما ذكرنا واستويا في البقعة في رواية
; لأنهم كلهم جيران في حق البقعة ولو كان دار
بين رجلين لأحدهما فيها منزل مشترك بينه وبين
آخر غير شريكه في الدار فباعها كان الشريك في
الدار أولى بشفعة الدار ; لأنه شريك فيها
والشريك في البئر أولى بالبئر ; لأنه شريك
فيها والآخر جار. وعلى هذا لو كان سفل بين
رجلين وعليه علو لأحدهما مشترك بينه وبين
الآخر فباع هو السفل والعلو كان لشريكه في
العلو والسفل لشريكه في السفل ; لأن كل واحد
منهما شريكه في نفس المبيع وجار في حق الآخر
كذا في الشارح وغيره قال ابن قاضي زاده في هذا
التمثيل قصور ; لأن المنزل عند الفقهاء دون
الدار وفوق البيت وأقله بيتان أو ثلاثة نص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العبارة فيها اضطراب ولعل الصواب هكذا: إن
لم يكن صاحب مسيل الماء مالكا له.
ج / 8 ص -252-
على عدد الرءوس بالبيع
______
عليه في المغرب وقد تقدم ذلك في بيان الحقوق
فتمثيل الشريك في المنزل بشركة في بيت يخالف
ما تقدم ولا ضرورة تدعو إليه. ا هـ. والجواب
أنه تقدم أن الفرق بين المنزل والبيت اصطلاح
طائفة وعند طائفة أخرى لا فرق فهذا على عدم
الفرق فلا قصور وفي المحيط دار بيعت ولها
بابان وفي زقاقين ينظر إن كانت في الأصل دارين
باب كل منهما في زقاق اشتراهما رجل واحد في
رفع الحائط من بينهما وصارت دارا واحدة ولها
باب فالشفعة لأهل الزقاقين في الدار جميعا على
السواء فكان العبرة للأصل دون العارض ونظير
هذين الزقاقين إذا كان أسفله زقاق إلى جانب
آخر فرفع الحائط من بينهما فصار الكل سكة
واحدة كان لأهل كل زقاق الشفعة في الذي يليهم
خاصة ولا شفعة في الجانب الآخر قوم اقتسموا
دارا ورفعوا طريقا بينهم فجعلوها نافذة ثم
بنوا دورا وجعلوا أبواب الدور مشارعة إلى سكة
فباع بعضهم داره فالشفعة بينهم بالسواء ; لأن
هذه السكة, وإن كانت نافذة فكأنها غير نافذة
وإذا بيع السفل فلصاحب العلو الشفعة, فإن لم
يأخذ حتى انهدم أو كان مهدوما حين البيع فلا
شفعة له عند الثاني وقال الثالث له الشفعة ;
لأن الشفعة تستحق بسبب إقرار البناء وهو حق
التعلي وهو قائم ولأبي يوسف أن الشفعة إنما
تجب بما هو مملوك له وهو البناء والهواء وحق
التعلي ليسا بمملوكين
قال رحمه الله "على عدد الرءوس بالبيع" يعني
تجب الشفعة بالبيع وتقسم على عدد الرءوس إذا
كانوا كثيرين والباء في قوله بالبيع تتعلق
بتجب في قوله تجب للخليط معناه تجب الشفعة
بعقد البيع أي بعده ; لأنه سبب له ; لأن السبب
هو الاتصال على ما بيناه وأورد عليه أن مجيء
الباء بمعنى بعد لم يذكر في مشاهير كتب
العربية فالأظهر أن تكون الباء للمصاحبة
والمقارنة, فإنه كثير مذكور في كتب العربية
قال في العناية لو كان السبب هو الاتصال لجاز
تسليمها قبل البيع لوجوده بعد السبب كالإبراء
بعد وجود الدين وأجيب بأن البيع شرط ولا وجود
للمشروط بعده ورد بأنه لا اعتبار لوجود الشرط
بعد تحقق السبب. وقال الشافعي على مقدار
الأنصباء ; لأن الشفعة من مرافق الملك ألا ترى
أنها لتكميل المنفعة فأشبهت العلة والربح
والولد والثمرة, ولنا أنهم استووا في سبب
الاستحقاق وهو علة استحقاق الكل في حق كل واحد
منهم ولهذا لو انفرد واحد أخذ الكل والاستواء
في العلة يوجب الاستواء في الحكم ولا ترجيح
بكثرة العلل بل بقوتها وما استشهد به من الولد
وغيره متولد من الملك فيستحق بقدر الملك
بخلافه هنا ولو أسقط أحدهم حقه قبل القضاء,
فإن لمن بقي أن يأخذ الكل ; لأن التشقيص
للمزاحمة وقد زال بخلاف ما إذا أسقط حقه بعد
القضاء حيث لا يكون له أن يأخذ نصيب الآخر ;
لأنه بالقضاء قطع كل واحد منهما عن نصيب الآخر
ولو كان بعضهم غائبا يقضي
ج / 8 ص -253-
وتستقر بالإشهاد وتملك بالأخذ بالتراضي أو
قضاء القاضي
______
بالشفعة بين الحاضرين ; لأن الغائب يحتمل أن
لا يطلب فلا يؤخر بالشك وكذا لو كان الشريك
غائبا فطلب الحاضر يقضي بالشفعة لما ذكرنا ثم
إذا حضر الغائب فطلب قضى له لتحقق طلبه غير أن
الغائب إذا كان يقاسم الحاضر لا يقضي له بالكل
إذا أسقط الحاضر حقه لتحقق انقطاع حقه عن
الباقي بالقضاء وهو نظير ما إذا قضى للشريك ثم
ترك ليس للجار أن يأخذه ; لأنه بالقضاء للشريك
انقطع حقه ولو أراد أخذ البعض وترك البعض فليس
له ذلك إلا برضا المشتري ولو جعل بعض الشفعاء
نصيبه لبعض لا يصح ويسقط حقه لإعراضه ويقسم
على عدد الرءوس ولو كان أحد الشفعاء حاضرا
والآخر غائبا وطلب الحاضر الشفعة في النصف على
حساب أنه يستحق في النصف بطلت شفعته ; لأنه
يستحق الكل والقسمة للمزاحمة ولو كانا حاضرين
وطلب كل واحد منهما النصف بطلت شفعتهما ولو
طلب أحدهما النصف والآخر الكل بطل حق من طلب
النصف وللآخر أن يأخذ الكل قال في المحيط ولو
كانت دار بين ثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث
وللآخر السدس فباع صاحب النصف نصيبه, فإنه
يقسم ما باع بين الشريكين نصفين ; لأنهما
استويا في علة الاستحقاق وهو الاتصال والضرر
ولهذا لو كانت الدار بين اثنين لأحدهما الأكثر
وللآخر الأقل, فإذا باع صاحب الكثير أخذ صاحب
القليل كله ولو كان باعتبار الملك لأخذ بقدر
ملكه
قال رحمه الله تعالى "وتستقر بالإشهاد" ;
لأنها حق ضعيف يبطل بالإعراض فلا بد من
الإشهاد بعد طلب المواثبة للاستقرار ولأنه
يحتاج إلى إثبات طلبه عند القاضي ولا يمكنه
ذلك إلا بالإشهاد نظرا إلى إثباته وهو أن
الاحتياج إلى إثباته إذا أنكر المشتري طلبه,
وأما إذا لم ينكر فلا يحتاج فعلى هذا ينبغي أن
لا تبطل بترك الإشهاد إذا لم ينكر مع أن
الظاهر من كلامهم بطلانها بترك ذلك مطلقا قلت:
وقت الإشهاد متقدم على وقت الخصومة ففي إنكار
وقت الإشهاد إنكار الخصم طلبه وعدم إنكاره غير
معلوم, فإذا ترك الإشهاد في ذلك الوقت لم تعلم
رغبته فيه بل يحتمل إعراضه فلذا تبطل الشفعة
بترك الإشهاد مطلقا
قال رحمه الله "وتملك بالأخذ بالتراضي أو قضاء
القاضي" قوله أو قضاء القاضي معطوف على الأخذ
لا على التراضي ; لأنه بالقضاء ثبت الملك فيها
قبل الأخذ يعني يملك الدار بأحد هذين الأمرين
إما بالأخذ إذا سلمها المشتري برضاه أو بحكم
الحاكم من غير أخذ ; لأن ملك المشتري قد تم
بالشراء فلا يخرج عنه الشفيع إلا برضاه أو
بحكم الحاكم ; لأن للحاكم ولاية عامة إلا أن
أخذ الشفعة بقضاء القاضي أحوط حتى كان للشفيع
أن يمنع عن الأخذ إذا سلم المشتري له بغير
قضاء ; لأن في القضاء زيادة فائدة وهي صيرورة
الحادثة معلومة
ج / 8 ص -254-
______
للقاضي وتبين ملكه له, فإذا كانت تملك بأحد
الأمرين لا يثبت له فيها شيء من أحكام الملك
قبله حتى لا تورث عنه إذا مات في هذه الحالة
لا يستحقها بالشفعة لعدم ملكه فيها والله
تعالى أعلم
باب طلب الشفعة
فإن علم الشفيع بالبيع
أشهد في مجلسه على الطلب
______
باب طلب الشفعة
لما لم تثبت الشفعة بدون الطلب شرع في بيانه
وكيفيته وتقسيمه زاد في الهداية والخصومة فيها
ووجهه لما كان للخصومة في الشفعة شأن مخصوص
وتفاصيل زائدة على سائر الخصومات شرع في
بيانها أيضا
قال رحمه الله "فإن علم الشفيع بالبيع أشهد في
مجلسه على الطلب" وهو طلب المواثبة وسمي به
لقوله عليه الصلاة والسلام
"الشفعة لمن واثبها"1 ولا بد منه لما بينا والشرط أن يطلب إذا علم الفور من غير تأخير
ولا سكوت ; لأن سكوته بعد علمه يدل على رضاه
بالمشتري فتبطل شفعته إذا كان بعد العلم
بالمشتري والثمن ; لأن السكوت إنما يكون دليل
الرضا بالعلم بها, فإذا أخبر بحضرة شهود
يشهدهم عليه, وإن لم يكن بحضرته أحد يطلب من
غير إشهاد والإشهاد لمخالفة الجحود والطلب لا
بد منه كي لا يسقط حقه فيما بينه وبين الله
تعالى ولتمكنه من الحلف إذا حلف ولئلا يكون
معرضا عنها وراضيا, وكون الطلب متصلا يعني على
الفور هذا عند عامة المشايخ وروى هشام عن محمد
أن له التأمل إلى آخر المجلس كالمخير ; لأنه
تملك ولا بد من التأمل وهو اختيار الكرخي وبعض
المشايخ وفي التجريد هو أصح الروايتين وفي
الفتاوى العتابية ولو سكت مكرها لا يبطل
وكيفية الطلب على الصحيح أن يكون بلفظ الماضي
أو المستقبل إذا كان لفظه يفهم منه طلب الشفعة
وفي الظهيرية شفعته لي كان ذلك طلبا ومن الناس
من لو قال طلبت وأخذت بطلت شفعته ; لأن كلامه
وقع كذبا في الابتداء والصحيح أنه لا يبطل ;
لأنه أنشأ عرفا ولو قال بعدما بلغه الخبر
الحمد لله أو لا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم أو سبحان الله لا تبطل شفعته على ما
اختاره الكرخي ; لأن الأول حمد على الخلاص
والثاني تعجب والثالث لافتتاح الكلام ولا يدل
شيء منها على الأعراض وكذا إذا قال من ابتاعها
أو بكم بيعت ; لأنه يرغب فيها بثمن دون ثمن
وكذا لو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "14406".
ج / 8 ص -255-
ثم على البائع لو في يده أو على المشتري أو عند العقار
______
قال خلص الله ولا يجب الطلب حتى يخبره رجلان
غير عدلين أو واحد عدل أو رجل وامرأتان ; لأنه
فيه التزام من وجه فيشترط له أحد شطري الشهادة
هذا قول الإمام وعندهما يجب عليه الطلب إذا
أخبره واحد حرا كان أو عبدا صغيرا كان أو
كبيرا إذا كان الخبر حقا ولو أخبره المشتري
بنفسه يجب عليه الطلب بالإجماع كيفما كان ;
لأنه خصم والعدد والعدالة لا تعتبر في الخصم.
قال رحمه الله "ثم على البائع لو في يده أو
على المشتري أو عند العقار" وهذا طلب التقرير
وفيه طلب ثالث وهو طلب الأخذ ولا بد من هذه
الثلاثة ولا بد من الإشهاد في هذا ; لأنه
يحتاج إليه لإثباته عند القاضي كما تقرر ولا
يمكنه الإشهاد على طلب المواثبة ظاهرا حتى لو
أمكنه ذلك وأشهد عند طلب المواثبة بأن بلغه
بحضرة الشهود والمشتري والبائع حاضر وكان ذلك
عند العقار يكفيه ويقوم ذلك مقام الطلبين ذكره
شيخ الإسلام وفي العناية ولو باع إلى أجل فاسد
فعجل المشتري الثمن جاز البيع وثبتت الشفعة
وكذا إذا باع الأرض وفيها زرع وفي الخيار
المؤبد والأجل إلى القطاف جاز أخذه بالشفعة,
فإن لم يطلب بطلت وإذا اشترى رجل من أهل البغي
دارا من رجل في عسكر أهل العدل, فإن كان لا
يقدر أن يبعث وكيلا ولا يدخل بنفسه هو على
شفعته ولا يضره ترك طلب الإشهاد, وإن كان يقدر
على ذلك فلم يطلب طلب المواثبة بطلت شفعته
وكيفية هذا الطلب أن ينهض من المكان الذي سمع
فيه ويشهد على البائع إن كان المبيع في يده أو
على المشتري أو عند العقار, فإذا فعل ذلك
استقرت شفعته, وإنما صح الإشهاد عند هؤلاء
الثلاثة ; لأن المشتري والبائع خصم فيه بالملك
وباليد, أما عند العقار فلتعلق الحق به ولا
يكون البائع خصما بعد تسليم المبيع إلى
المشتري لعدم الملك واليد فلا يصح الإشهاد
عليه بعده هكذا ذكره القدوري والناطفي. وذكر
شيخ الإسلام أنه يصح استحسانا ومدة هذا الطلب
مقدرة بالتمكن من الإشهاد مع القدرة على أحد
هؤلاء الثلاثة حتى لو تمكن ولم يطلب بطلت
شفعته, وإن قصد الأبعد بعد هذه الثلاثة وترك
الأقرب, فإن كانوا جميعا في مصره جازا
استحسانا ; لأن نواحي المصر جعلت كناحية واحدة
حكما كأنهم في مكان واحد ولو كان بعضهم فيه
والبعض في مصر آخر أو في الرستاق وقصد الأبعد
وترك الذي في مصره بطلت شفعته قياسا واستحسانا
لتباين المكانين حقيقة وحكما, وإن كان الشفيع
غائبا يطلب طلب المواثبة حين يعلم ثم يعذر في
طلب التقدير بقدر المسافة إلى أحد هذه الثلاثة
وصورة هذا الطلب أن يقول إن فلانا اشترى هذه
الدار وأنا شفيعها وقد كنت طلبت الشفعة
وأطلبها الآن فاشهدوا على ذلك وعن أبي يوسف
أنه يشترط تسمية المبيع وتحديده ; لأن طلبه
غير معلوم لا يصح. فإذا لم يبين المطلوب لم
تكن المطالبة
ج / 8 ص -256-
...........................................
______
لها اختصاص بالبيع فلم يكن لها حكم حتى يتبين
المطلوب, أما الثالث وهو طلب الأخذ والتملك
فلا بد منه أيضا ; لأنه لا يحكم له به بدون
طلبه ونبين كيفية هذا الطلب من قريب إن شاء
الله تعالى وفي الهداية ويشترط الطلب عند سقوط
الخيار في الصحيح فلو ترك الطلب قبله لم تبطل
شفعته وفي الخانية لو عجز عن طلب الإشهاد بأن
كان البائع أو المشتري في البغاة أو دار
الحرب, فإن أمكنه أن يوكل بالطلب أو يكتب
كتابا به ولم يفعل بطلت شفعته, فإن لم يمكنه
التوكيل والكتابة لا تبطل وفي فتاوى أبي الليث
إن كانت شفعته عند القاضي فطلب إلى السلطان
الذي يولي القضاء بطلت شفعته, وإن كانت شفعته
عند الباشاه والسلطان وامتنع القاضي من إحضاره
فهو على شفعته وفي النوادر إذا أراد أن يفتتح
الصلاة بجماعة فلم يذهب للطلب بطلت شفعته وفي
الأصل الشفيع إذا علم بالبيع نصف الليل ولم
يقدر على الخروج للإشهاد, فإن أشهد حين أصبح
صح, وإن ترك الإشهاد حين أصبح بطلت, اليهودي
إذا علم يوم السبت وترك الطلب بطلت شفعته وفي
فتاوى أهل سمرقند الشفيع بالجوار إذا خاف أن
يطلب الشفعة والقاضي لا يراها فترك الطلب لا
تبطل شفعته إذا اتفق البائع والمشتري أن
الشفيع علم بالشراء منه أياما ثم اختلفا بعد
ذلك في الطلب فقال الشفيع طلبت منذ علمت وقال
المشتري ما طلبت القول قول المشتري وفي
الظهيرية لو قال المشتري علمت قبل ذلك ولم
تطلب فالقول قول الشفيع وفي نوادر أبي يوسف
إذا قال الشفيع طلبت الشفعة حين علمت فالقول
قوله ولو قال علمت أمس وطلبت أو كان البيع أمس
وطلبتها في ذلك الوقت لم يصدق إلا ببينة.
وهكذا ذكر الخصاف في أدب القاضي حكي عن الشيخ
عبد الواحد الشيباني رضي الله تعالى عنه أنه
قال إذا قال الشفيع علمت بالشراء وطلبت طلب
المواثبة لا يقبل بلا بينة منه لكن إذا قال
بعد ذلك علمت منذ كذا وطلبت لا يصدق على الطلب
ولو قال ما علمت إلا الساعة يكون كاذبا
فالحيلة في ذلك أن يقول لإنسان أخبرني بالشراء
ثم يقول الآن أخبرت فيكون صادقا. وإن أخبر قبل
ذلك كما في الصغيرة إذا بلغت في نصف الليل
واختارت نفسها وأرادت أن تشهد على ذلك تقول
حضت الآن ولا تقول حضت نصف الليل واخترت نفسي,
فإنها لا تصدق في اختيارها نفسها لكن تقول على
نحو ما سبق وتكون صادقة في قولها الآن حضت
وذكر محمد بن مقاتل في نوادره إن كان الشفيع
قد طلب الشفعة من المشتري في الوقت المتقدم
ويخشى أنه إذا أقر بذلك يحتاج إلى البينة فقال
أخبرت وأنا أطلب الشفعة يسعه أن يقول ذلك
ويحلف على ذلك ويستثني في يمينه, وإن قال
الشفيع كنت طلبت الشفعة حين علمت بالبيع وأنكر
المشتري ذلك وطلب الشفيع يمين المشتري ذكر في
الهاروني وأدب القاضي للخصاف أنه يحلف المشتري
على نفي العلم أنه ما
ج / 8 ص -257-
ثم لا تسقط بالتأخير فإن طلب عند القاضي سأل
المدعى عليه, فإن أقر بملك ما يشفع به أو نكل
أو برهن الشفيع سأله عن الشراء, فإن أقر أو
نكل أو برهن الشفيع قضى بها
______
طلب شفعته وأنه ما طلب ولم يذكر فيه خلافا
وذكر الفقيه أنه قول أبي يوسف وقال محمد رحمه
الله تعالى أحلفه على البت بالله تعالى ما
طلبت شفعته حين بلغك الشراء فإن قال المشتري
للقاضي حلفه بالله لقد طلب هذه الشفعة طلبا
صحيحا ساعة علم بالشراء من غير تأخير حلفه
القاضي على ذلك, وإن أقام المشتري بينة أن
الشفيع علم بالبيع منذ زمان ولم يطلب الشفعة
وأقام الشفيع بينة أنه طلب الشفعة حين علم
بالمبيع فالبينة بينة الشفيع في قول أبي حنيفة
وقال أبو يوسف البينة بينة المشتري وفي فتاوى
أبي الليث رحمه الله تعالى المشتري إذا أنكر
طلب الشفعة فالقول قوله مع يمينه فبعد ذلك
ينظر عند سماع البيع يحلف على العلم بالله ما
تعلم أن الشفيع حين سمع البيع طلب الشفعة, وإن
أنكر طلبه عند اللقاء يحلف على البتات في
سماعه
قال رحمه الله "ثم لا تسقط بالتأخير" يعني لا
تسقط الشفعة بتأخير هذا الطلب وهو طلب الأخذ
بعدما استقرت شفعته بالإشهاد وهذا قول الإمام
وأبي يوسف في ظاهر الرواية وفي العيني الفتوى
على قول الإمام وعن الثاني إذا ترك المخاصمة
في مجلس من مجالس القاضي من غير عذر بطلت
شفعته وقال محمد إن أخر إلى شهر من غير عذر
بطلت شفعته لتغير أحوال الناس في قصد الإضرار
بالغير ومحل الخلاف إذا أخر بغير عذر ولو كان
بعذر من مرض أو حبس ولم يمكنه التوكيل أو قاض
لا يرى الشفعة بالجوار في بلدته لا تسقط
بالإجماع, وإن طالت المدة لكونه لا يتمكن من
الخصومة في مصره وجه قول الإمام أن حقه قد
تقرر فلا يسقط بالتأخير بعد ذلك وما ذكره من
الضرر يمكن دفعه بأن يرفع المشتري الأمر إلى
الحاكم فيؤمر الشفيع بالأخذ أو الترك على أنه
مشكل فيما إذا كان الشفيع غائبا حيث لا يسقط
بالتأخير ولو كان ضرورة تراعى لسقطت إذ لا فرق
في الضرر بين أن يكون حاضرا أو غائبا وفي
الكافي لو لم يكن في البلدة قاض لا تبطل
بالتأخير بالإجماع
قال رحمه الله "فإن طلب عند القاضي سأل المدعى
عليه, فإن أقر بملك ما يشفع به أو نكل أو برهن
الشفيع سأله عن الشراء, فإن أقر أو نكل أو
برهن الشفيع قضى بها" يعني إذا تقدم الشفيع
وادعى الشراء وطلب الشفعة عند القاضي سأل
القاضي المشتري عن الدار التي يشفع بها الشفيع
هل هي ملك الشفيع أم لا, وإن أقر بأنها ملكه
أو أنكر أو نكل عن اليمين أو أقام الشفيع بينة
أنها ملكه سأل القاضي المدعي عن الشراء فيقول
له هل اشتريت أو لا, فإن أقر بأنه اشترى أو
نكل عن اليمين أو أقام الشفيع بينة فقضى
بالشفعة لثبوته عنده وهذا هو
ج / 8 ص -258-
ولا يلزم الشفيع إحضار الثمن وقت الدعوى
______
طلب الأخذ الموعود به فذكر هنا سؤال القاضي
المدعى عليه عن ملك الشفيع أولا عقيب طلب
الشفعة وليس كذلك بل القاضي يسأل أولا المدعي
قبل أن يقبل على المدعي عليه عن موضع الدار من
مصر ومحلتها وحدودها ; لأنه ادعى فيها حقا فلا
بد أن يكون معلوما ; لأن دعوى المجهول لا تصح,
فإن بين ذلك سأله هل قبض المشتري الدار أو لا
; لأنه إذا لم يقبضها لم تصح دعواه على
المشتري حتى يحضر البائع, فإذا بين ذلك سأله
عن سبب شفعته وعن حدود ما يشفع به ; لأن الناس
يختلفون فيه فلعله ادعاه بسبب غير صحيح أو
يكون محجوبا بغيره, فإن بين سببا صالحا ولم
يكن محجوبا بغيره سأله متى علم وكيف صنع حين
علم ; لأنها تبطل بطول الزمان وبالإعراض وبما
يدل عليه فلا بد من كشف ذلك وسأله عن طلب
التقرير كيف كان وعمن أشهد وهل كان الذي
استشهد عنده أقرب من غيره أو لا, فإذا بين ذلك
كله ولم يخل بشيء من شروطه تمت دعواه وأقبل
على المدعى عليه وسأل كما ذكر المؤلف, فإذا
عجز الشفيع عن البينة وطلب يمين المشتري
استحلفه القاضي بالله ما تعلم أنه مالك للذي
ذكره مما يشفع به وهذا قول أبي يوسف ; لأن
الدار في يد غيره وعند محمد يحلف على البتات ;
لأنه يدعي عليه استحقاق الشفعة بهذا السبب
وبعد ذلك سأل القاضي المدعى عليه فيقول هل
اشتريت أم لا, فإن أنكر الشراء قال للشفيع أقم
البينة أنه اشتراه ; لأن الشفعة لا تجب إلا
بالشراء فلا بد من إثباته بالحجة فإن عجز عن
إقامة البينة وطلب يمين المشتري استحلفه بالله
ما اشترى أو بالله ما يستحق في هذه الدار شفعة
من الوجه الذي ذكره فهذا تحليف على الحاصل وهو
قول الإمام ومحمد والأول على السبب وهو قول
أبي يوسف, وإنما يحلف على البتات ; لأنه تحليف
على فعل نفسه, فإن نكل أو أقر أو أقام الشفيع
بينة قضى به لظهور الحق بالحجة وفي الجوهرة
قال المدعى عليه هذه الدار في يده ولكنها ليست
ملكه قال الأول والثالث لا يقضي لهم حتى يقيم
البينة أنها ملكه وعن الثاني إذا أقر باليد
كان القول قول الشفيع أنها ملكه
قال رحمه الله "ولا يلزم الشفيع إحضار الثمن
وقت الدعوى" بل يجوز له المنازعة, وإن لم يحضر
الثمن إلى مجلس القاضي, فإن قضى له بالشفعة
يأمره بإحضار الثمن وهو ظاهر الرواية وعن محمد
أنه لا يقضي له بالشفعة حتى يحضر الثمن
احترازا طلب الشفيع الشفعة ورافعه إلى القاضي
والقاضي يؤجله ثلاثة أيام لنقد الثمن, فإن جاء
به إلى هذه المدة وإلا أبطل شفعته وفي فتاوى
أبي الليث الشفيع إذا طلب الشفعة فقال المشتري
هات الدراهم وخذ شفعتك, فإن أمكنه إحضار
الدراهم في ثلاثة أيام وإلا بطلت شفعته قال
الصدر الشهيد والمختار أنها لا تبطل وفي
الحاوي أنها تبطل وفي جامع الفتاوى الفتوى
اليوم على قول الحاوي. ا هـ. ثم إذا قضى
القاضي بالشفعة قبل إحضار الثمن فللمشتري أن
يحبس العقار عنه
ج / 8 ص -259-
وخاصم البائع ولو في يده ولا تسمع البينة حتى
يحضر المشتري فيفسخ البيع بمشهده والعهدة على
البائع
______
حتى يدفع الثمن إليه وينفذ القضاء عند القاضي
محمد ولو أخر دفع الثمن بعدما قال له ادفع لا
تبطل بالإجماع لتأكده بالقضاء بخلاف ما إذا
أخر قبل القضاء بعد الإشهاد عند محمد حيث يبطل
لعدم تأكده وفي الجوهرة, فإن طلب تأجيلا في
الثمن يؤجله يوما أو يومين أو ثلاثا, فإن سلم
وإلا حبسه القاضي حتى يدفع الثمن ولا ينقض
القضاء بالشفعة وفي شرح الطحاوي اختصما إلى
القاضي يؤجل الشفيع قدر ما يرى لإحضار الثمن,
فإن أحضر في المدة قضى له وإلا بطلت شفعته كذا
في الخلاصة وفي ابن فرشتا باع المشتري الدار
أو وهبها من غيره ثم غاب الأول فادعى الشفيع
على الحاضر الذي هو المشتري الثاني أو الموهوب
له فأنكر الحاضر فأراد الشفيع إقامة البينة
قال أبو يوسف هو خصمه فتقام البينة عليه وقالا
لا يكون خصما ولا تقام البينة عليه لهما أن
القضاء على الغائب قصدا لا يجوز وفي جعله خصما
إبطال حق الغائب قصدا فلا يجوز بخلاف ما إذا
صدقه ; لأن الإقرار حجة قاصرة فلا تعدو عن
نفسه
قال رحمه الله "وخاصم البائع ولو في يده" يعني
للشفيع أن يخاصم البائع إذا كان المبيع في يده
; لأن له يدا محقة أصالة فكان خصما كالمالك
بخلاف المودع والمستعير ونحوهما ; لأن يدهم
ليست أصالة فلا يكون خصما
قال رحمه الله "ولا تسمع البينة حتى يحضر
المشتري فيفسخ البيع بمشهده والعهدة على
البائع" ; لأن الشفيع مقصوده أن يستحق الملك
واليد فيقضي القاضي بهما له فلا يشترط حضور
البائع والمشتري للقضاء عليهما بهما ; لأن
لأحدهما يدا وللآخر ملكا فلا بد من اجتماعهما
; لأن القضاء على الغائب لا يجوز ولأن أخذه من
يد البائع يوجب فوات المبيع قبل القبض وفواته
قبل القبض يوجب الفسخ لكونه قبل تمامه كما إذا
هلك قبل القبض ولا يجوز الفسخ عليهما إلا
بحضرتهما بخلاف ما بعد القبض حيث لا يشترط
حضور البائع ; لأن العقد قد انتهى بالتسليم
وصار البائع أجنبيا عنهما. ثم وجه هذا الفسخ
المذكور هنا أن يجعل فسخا في حق الإضافة إلى
المشتري ; لأن البيع قد فات بالأخذ قبل القبض
وهو يوجب الفسخ فقلنا بأنه انفسخ بالإضافة إلى
المشتري وبقي أصل العقد مضافا إلى الشفيع
قائما مقام المشتري كأن البائع باعه له وخاطبه
بالإيجاب فجعل العقد متحولا إلى الشفيع فلم
ينفسخ أصله, وإنما انفسخ إضافته إلى المشتري
ونظيره في المحسوسات من رمى سهما إلى شخص
فتقدم غيره فأصابه فالرمي بنفسه لم ينقض,
وإنما انتقض التوجه إلى الأول بتخلل الثاني
وهذا اختيار بعض المشايخ وهو المختار وقال بعض
المشايخ تنتقل الدار من المشتري إلى الشفيع
بعقد جديد
ج / 8 ص -260-
والوكيل بالشراء خصم ما لم يسلم إلى الموكل
______
ولو كان بطريق التحويل لم يكن للشفيع خيار
الرؤية إذا كان المشتري رآها ولما كان له الرد
بالعيب إذا كان المشتري أبرأ البائع من ذلك
العيب, والجواب أن العقد يقتضي سلامة المعقود
عليه للشفيع ولم يوجد من الشفيع ما يبطل خيار
الرؤية والعيب فله ذلك والمراد بالعهدة ضمان
الثمن عند الاستحقاق وفي التتارخانية عن
الثاني إذا كان المشتري نقد الثمن ولم يقبض
الدار حتى قضى القاضي للشفيع بالشفعة فينقد
الشفيع الثمن للمشتري فالعهدة على المشتري,
وإن كان لم ينقد الثمن ودفع الشفيع الثمن إلى
البائع فالعهدة على البائع وإذا رد الشفيع
الدار في هذه الصورة بعيب فرده على البائع أو
على المشتري بقضاء فأراد المشتري أن يأخذ
بشرائه صح له وإذا أراد البائع أن يردها على
المشتري بحكم ذلك الشراء فالمشتري بالخيار إن
شاء أخذها, وإن شاء تركها وحكى في كتاب الشفيع
شراء المشتري أولا ثم رتب عليه الأخذ بالشفعة
قال رحمه الله "والوكيل بالشراء خصم ما لم
يسلم إلى الموكل" ; لأن الخصومة فيه من حقوق
العقد وهي إلى العاقد أصيلا كان أو وكيلا
ولهذا لو كان البائع وكيلا كان للشفيع أن
يخاصمه ويأخذها منه بحضور المشتري كما إذا كان
البائع هو المالك إلا أنه إذا سلمها إلى
الموكل لا يد للوكيل ولا ملك له ولا يكون خصما
بعده فصار كالبائع, فإنه يكون خصما ما لم
يسلمه إلى المشتري, فإذا سلمها إليه لم يبق له
يد ولا ملك فيخرج من أن يكون خصما غير أنه لا
يشترط للقضاء حضور الموكل ; لأن الوكيل نائب
عنه والأب والوصي كالوكيل وظاهر العبارة أنه
خصم ما لم يسلم أقام البينة على الوكالة أو لا
أشهد أنه اشتراها لفلان أو لا وفي جامع
الفتاوى عن الثاني فيمن اشترى دارا فقال عند
عقد البيع اشتريتها لفلان وأشهد على ذلك ثم
جاء الشفيع يطلبها فهو خصم إلا أن يقيم البينة
أن فلانا وكله فحينئذ لا يكون خصما وفي الأصل
إذا قال المشتري قبل أن يخاصم في الشفعة
اشتريت هذه لفلان وسلمها إليه ثم حضر الشفيع
فلا خصومة بينهما ولو أقر بذلك بعدما خاصمه لم
يقبل منه ولو أقام البينة لم تقبل وفي المنتقى
مثل ما في جامع الفتاوى وفي السراجية وكيل باع
دارا وقبضها المشتري فوكل الشفيع البائع في
أخذها في الشفعة لم يصح وفي الكافي إذا كان
البائع وكيل الغائب فللشفيع أخذها منه إذا
كانت في يده ولو سلمها إلى الموكل لا يطلب ولا
يأخذها منه وفي فتاوى سمرقند إذا وكل رجلا
ببيع داره فباعها بألف درهم ثم حط المشتري
مائة درهم وضمن ذلك الأمر فليس للشفيع أن
يأخذها بالشفعة إلا بألف. ا هـ. وفي
التتارخانية لو اشترى لغيره بغير أمره فهو خصم
ما لم يسلم العين لمن اشتراها له فلو قال
المؤلف والمشتري
ج / 8 ص -261-
وللشفيع خيار الرؤية والعيب, وإن شرط المشتري
البراءة منه وإن اختلف الشفيع والمشتري في
الثمن فالقول للمشتري
______
لغيره خصم ما لم يسلم لكان أولى ; لأنه يشمل
الفضولي والأب والوصي ويفيد أن الوكالة ليست
بقيد
قال رحمه الله "وللشفيع خيار الرؤية والعيب,
وإن شرط المشتري البراءة منه" ; لأن الأخذ
بالشفعة شراء من المشتري إن كان الأخذ بعد
القبض, وإن كان قبله فهو من البائع ليحول
الصفقة إليه فيثبت له الخياران كما إذا اشترى
منهما ولا يسقط خياره برؤية المشتري ولا تشترط
البراءة منه ; لأن المشتري ليس بنائب عن
الشفيع فلا يعمل شرطه ورؤيته في حقه. ا هـ.
قال رحمه الله "وإن اختلف الشفيع والمشتري في
الثمن فالقول للمشتري" ; لأن الشفيع يدعي عليه
استحقاق الأخذ عند نقد الأقل والمشتري ينكر
ذلك والقول للمنكر مع يمينه ولا يتحالفان ;
لأن التحالف عرف بالنص فيما إذا وجد الإنكار
من الجانبين والدعوى من الجانبين والمشتري لا
يدعي على الشفيع شيئا فلا يكون الشفيع منكرا
فلا يكون في معنى ما ورد به النص فامتنع
القياس. ا هـ. وفيه نظر من وجوه: الأول: قوله:
لأن التحالف عرف بالنص فيما إذا وجد الإنكار
فيه ولا دعوى إلا من جانب واحد كما إذا اختلف
المتبايعان بعد القبض كما صرحوا به في كتاب
الدعوى. الثاني قوله فامتنع القياس لا يخفى أن
امتناع القياس هاهنا لا يتم المطلوب فحق
العبارة أن يقول فلا يلحق به ليعم القياس
والدلالة وأطلق المؤلف رحمه الله فشمل ما إذا
وقع الاختلاف قبل قبض الدراهم ونقد الثمن أو
بعدهما قبل التسليم إلى الشفيع أو بعده لكن في
التتارخانية اشترى دارا وقبضها ونقد الثمن ثم
اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول
للمشتري. ا هـ. ولو قال في بدل الدار لكان
أولى ; لأنه يشمل الثمن والعروض ; لأنه لا فرق
بينهما إذا كان ثمن الدار دراهم أو عروضا كما
أشار إلى ذلك في شرح الطحاوي حيث قال اختلف
الشفيع والمشتري في قيمة العروض الذي هو بدل
الدار فالقول قول المشتري, وإن أقاما جميعا
البينة فالبينة بينة المشتري أيضا وفي المنتقى
رجل اشترى دارا وقبضها فجاء الشفيع يطالب
الشفعة فقال المشتري اشتريت بألفين وقال
الشفيع بألف ولا بينة فحلف المشتري وأخذها
الشفيع بألفين ثم قدم شفيع آخر وأقام البينة
على أنه اشتراها بألف فيأخذ نصف الدار
بخمسمائة ويرجع الشفيع الأول على المشتري
بخمسمائة نصيب حصة النصف الذي أخذه الثاني
ويقال للشفيع الأول إن شئت فأعد البينة على
المشتري من قبل النصف الذي في يدك وإلا فلا
شيء لك ولو كان لهما شفيعان فقال المشتري
اشتريتها بألف وصدقه الشفيع في ذلك بألف ثم
جاء الشفيع الثاني وأقام البينة أنه اشتراها
ج / 8 ص -262-
وإن برهنا فللشفيع
______
بخمسمائة فالشفيع الثاني يأخذ من الشفيع الأول
نصفها مائتين وخمسين ويرجع الشفيع الأول على
المشتري بخمسمائة وفي العتابية اشترى دارا
فجاء الشفيع وأخذها من المشتري بقوله: إنها
بألف درهم ثم وجد بينة أنه اشتراها بخمسمائة
قبلت بينته ولو صدق المشتري أو لا فبينته على
خلاف ذلك لا تقبل إذا وقع بعد تسليم المبيع
إلى الشفيع. قال في الحاوي سئل علي بن أحمد
تنازع في الثمن المشتري والشفيع بعدما سلم
المشتري إلى الشفيع قال لا يأخذها إلا برضا
المشتري وأن يثبت ما قاله الشفيع ثم يأخذ بذلك
وفي قاضي خان اشترى دارا بالكوفة بكر حنطة
تغير عينه فخاصم الشفيع إلى القاضي بمروان
وقضى له بالشفعة ذكر في النوادر أنه إن كان
قيمة الكوفي في الموضعين سواء أعطاه الشفيع
الكر حيث قضى له القاضي, وإن كانت القيمة
متفاضلة, فإن كان الكر في الموضع الذي يريد
الشفيع أن يعطيه القيمة في ذلك إلى الشفيع
يعطيه حيث شاء, وإن كان أرخص ورضي المشتري
بذلك أعطاه الشفيع في الموضع الذي يكون قيمته
مثل قيمته في موضع الشراء. ا هـ.
قال رحمه الله "وإن برهنا فللشفيع" يعني ولو
قاما فالبينة بينة الشفيع وهذا قول الإمام
ومحمد وقال أبو يوسف والشافعي البينة بينة
المشتري ; لأنها تثبت الزيادة والبينة المثبتة
للزيادة أولى كما إذا اختلف المشتري والبائع
والوكيل بالشراء مع الموكل في مقدار الثمن أو
المشتري من العدو من المالك القديم في ثمن
العبد المأسور وأقاما البينة فالبينة بينة
مثبت الزيادة, فإن قلت البينة إنما تسمع من
المدعي والمشتري لا يدعي على الشفيع شيئا
ولهذا لا يتحالفان بالاتفاق فلزم أن لا تصح
بينته فضلا عن أن ترجح على بينة الشفيع كما
قال أبو يوسف قلت الجواب أن المشتري, وإن كان
مدعى عليه في الحقيقة إلا أنه مدع صورة حيث
يدعي زيادة الثمن ومن كان مدعيا صورة تسمع
بينته إذا أقامها كما في المودع إذا ادعى رد
الوديعة وأقام عليه بينة على ما عرف في محله,
أما الحلف فلا يجب إلا على مدعى عليه حقيقة
ولا يجب على من كان مدعى عليه صورة. ألا ترى
المودع إذا ادعى رد الوديعة على المودع وعجز
عن إقامة البينة عليه, وإنما يجب الحلف على
المودع لكونه منكرا للضمان حقيقة ولا يجب على
المودع مع كونه في صورة المدعى عليه برد
الوديعة ولهما أن بينة الشفيع أكثر إثباتا ;
لأنها ملزمة للمشتري وبينة المشتري ليست
بملزمة للشفيع لتخيره بين الأخذ والترك ولأنه
لا تنافي في البينتين في حق الشفيع ; لأنه
أمكن أن يعمل بهما بأن ثبت العقدان فيأخذ
المشتري بأيهما شاء فلا يصار إلى الترجيح إلا
عند تعذر العمل بهما وهو نظير ما إذا اختلف
المولى والعبد فقال المولى قلت لك إذا أديت
إلي ألفين فأنت حر وقال العبد قلت لي إذا أديت
ألفا فأنت حر فأقاما البينة فالبينة بينة
العبد إما ; لأنه تلزمه أو ; لأنه لا تنافي
ويثبت التعليقان ويعتق العبد بإعطاء
ج / 8 ص -263-
...........................................
______
أي المالين شاء بخلاف المسائل المسلم بها, فإن
كل واحدة من البينة تلزمه حتى يخير كل منهما
ولا يمكن الجمع بينهما حتى يأخذ بأيهما شاء ;
لأن العقد الثاني يكون فسخا للأول في حقهما
فلما تعذر الجمع صرفا إلى الترجيح بالزيادة
وفيما نحن فيه لا يتعذر الجمع ; لأنه لا ينفسخ
الأول بالعقد الثاني في حق الشفيع فيأخذ بأي
العقدين شاء ولهذا لو باعه المشتري من غيره
كان له أن يأخذه بالبيع الثاني, وإن شاء
بالأول, أما الوكيل مع الموكل فقد روى ابن
سماعة عن محمد أن البينة بينة الموكل فلا يرد
والفرق على الظاهر أن الوكيل مع الموكل
كالبائع مع المشتري. ولهذا يجري التحالف
بينهما, أما المالك القديم مع المشتري فقد ذكر
في السير أن البينة بينة المالك القديم ولا
يرد ولئن سلمنا ففيها العمل بالبينتين غير
ممكن ; لأن البيع الأول ينفسخ بالثاني فوجد
التعارض فصرنا إلى الترجيح بالزيادة, فإن قلت
ما وجه ظهور الفسخ في الملك القديم وعدم ظهوره
في حق الفسخ وما الفرق بينهما قلت حق الشفيع
تعلق بالدار من وقت وجود البيع الأول, أما حق
المالك القديم فلم يتعلق بالعبد المأسور إلا
بعد الإخراج إلى دار الإسلام والإخراج إليها
لم يكن إلا بالبيع الثاني فافترقا وهذا يجب
حفظه هنا ولم يذكر المؤلف والشارح الاختلاف
بينهما في نفس المبيع أو البيع ففي المحيط قال
المشتري اشتريت البناء ثم العرصة فلا شفعة لك
في البناء وقال الشفيع اشتريتهما جميعا فالقول
للشفيع مع يمينه على العلم ; لأن المشتري يدعي
عليه سقوط الشفعة بعدما أقر بثبوت حقه بالشراء
وإن أقاما البينة فالبينة بينة المشتري عند
الثاني وعند الثالث البينة بينة الشفيع كما مر
ولو قال المشتري باع لي الأرض ثم وهب لي
البناء وقال الشفيع بل اشتريتهما جميعا فالقول
للمشتري ويأخذ المبيع بلا بناء إن بناه ; لأنه
لم يقر بشراء البناء أصلا ولو قال وهب هذا
البيت بطريقه ثم باع مني بقية الدار وصدقه
البائع. وقال الشفيع بل اشتريت الدار كلها
فالبينة بطريقه للمشتري ويأخذ الشفيع بقية
الدار ; لأنه لم يقر بالشراء في ذلك البيت
أصلا اشترى دارا و قبضها فقال المشتري أحدثت
فيها هذا البناء وكذبه الشفيع فالقول للمشتري
; لأن المشتري لم يعترف بشراء البناء والبقعة
للشفيع وكذا الحرث والزرع, فإن قال المشتري
أحدثت فيها النخل أمس لم يصدق وكذا فيما لا
يحدث مثله من البناء ; لأنه ظهر كذبه بيقين
ولو اشترى دارين ولهما شفيع ملازق فقال
المشتري اشتريت دارا بعد دار فأنا شريك في
الثانية وقال الشفيع بل اشتريتهما دفعة واحدة
فلي فيهما الشفعة فالقول قول الشفيع ; لأن
المشتري أقر بالشراء ثم ادعى ما يسقط الشفعة
فلا يقبل قوله ولو قال المشتري اشتريت الجميع
وقال الشفيع بل اشتريت نصفا فنصفا فالقول
للمشتري ويأخذ الشفيع الكل أو يدع وفي النوادر
عن أبي يوسف تصادق البائع والمشتري أن البيع
كان فاسدا وقال الشفيع كان جائزا فالقول
ج / 8 ص -264-
ولو ادعى المشتري ثمنا وادعى البائع أقل منه
ولم يقبض الثمن أخذها الشفيع بما قال البائع
وإن كان قبض الثمن أخذها بما قال المشتري
______
للشفيع كما لو اختلف المتعاقدان في الصحة
والفساد القول قول مدعي الصحة وهذا إذا ادعيا
الفساد بأجل مجهول أو شرط فاسد أما إن ادعيا
الفساد بأن الثمن خمر أو خنزير فالقول قول
مدعي الفساد وعلى قول الإمام ومحمد لا تجب
الشفعة. ا هـ. وفي المنتقى لو اشتراها بألف
درهم السلم من الخمر فهو على الاختلاف وفي
فتاوى الفضلي رجلان تبايعا دارا فطلب الشفيع
الشفعة بحضرتهما فقال البائع كان البيع بيننا
مواضعة وصدقه المشتري على ذلك لا يصدقان على
الشفيع إلا إذا كان الحال يدل عليه بأن كان
المنزل كبيرا و بيع بثمن لا يباع به مثله
فحينئذ يكون القول قولهما ولا شفعة للشفيع. ا
هـ.
قال رحمه الله "ولو ادعى المشتري ثمنا وادعى
البائع أقل منه ولم يقبض الثمن أخذها الشفيع
بما قال البائع" ; لأن الأمر كان كما قال
البائع فالشفيع يأخذها به, وإن كان كما قال
المشتري يكون حطا عن المشتري بدعواه الأقل وحط
البعض يظهر في حق الشفيع كما بينا ولأن تملك
المشتري بإيجاب البائع فكان القول قوله في
مقدار الثمن ما دامت مطالبته باقية فيأخذها
الشفيع ولو كان ما ادعاه البائع أكثر مما
ادعاه المشتري تحالفا وأيهما نكل ظهر أن الثمن
ما يقوله الآخر فيأخذها الشفيع بذلك, وإن فسخ
القاضي العقد بينهما يأخذ الشفيع بما يقوله
البائع ; لأن الفسخ لا يوجب بطلان حق الشفيع.
ألا ترى أن الدار إذا ردت على البائع بعيب لا
يبطل حقه, وإن كان الرد بقضاء
قال رحمه الله "وإن كان قبض الثمن أخذها بما
قال المشتري" يعني لو كان البائع قبض الثمن
أخذها الشفيع بما قال المشتري إذا ثبت ذلك
بالبينة أو بيمينه على ما بينا ; لأن البائع
بالاستيفاء خرج من البين والتحق بالأجانب
لانتهاء حكم العقد به فبقي الاختلاف بين
الشفيع والمشتري والقول فيه للمشتري ولو كان
قبض الثمن غير ظاهر فقال البائع بعت الدار
بألف وقبضت الثمن يأخذها الشفيع بألف ; لأنه
لما بدأ بالإقرار بالبيع تعلقت الشفعة به ;
لأنه إقرار بمقدار الثمن صحيح قبل قبض الثمن
وبعده لا يصح والثمن غير مقبوض ظاهرا ; لأن
الأصل عدم القبض فيبقى حتى يوجد ما يبطله
وبقوله بعد ذلك قبضت الثمن ويريد إبطال حق
الشفيع ; لأنه إذا قبض الثمن يخرج من البين
فيكون أجنبيا فلا يقبل إقراره بمقدار الثمن
على ما بينا فلا يقبل قوله قبضت في حق الشفيع
; لأنه يريد بذلك أن يجعل نفسه أجنبيا حتى لا
يقبل قوله بمقداره فيرد عليه فيأخذها الشفيع
بألف ولو بدأ بقبض الثمن قبل بيان القدر بأن
قال بعت الدار وقبضت الثمن وهو ألف درهم لم
يلتفت إلى قوله في مقدار الثمن ; لأنه لما بدأ
ج / 8 ص -265-
وحط البعض يظهر في حق الشفيع لا حط الكل
والزيادة
______
بقبضه أولا خرج من البين فصار أجنبيا. قال في
النهاية نظيره ما إذا قال الموصي اشتريت مال
الميت على غريمه فلان وهو ألف درهم وقال
الغريم بل كان علي ألفا درهم وقد أوفيتك جميع
ذلك فالوصي يضمن الألف ولا شيء له على الغريم
ولو قال استوفيت منه ألف درهم وهو جميع مال
الميت عليه فقال الميت بل كان علي ألفا درهم
وقد أوفيتك الكل فللوصي أن يرجع عليه بألف
درهم أخرى ; لأنه لما بين قوله في قبض الجميع
صار أجنبيا فلا يقبل قوله بين قبض القدر بعد
ذلك وما لم يبين أنه قبض الجميع لا يكون
أجنبيا فيقبل قوله في بيان القدر وفي المحيط
ولو هدم رجل بناء الدار فاختلفا الشفيع
والمشتري في قيمة البناء فالقول للمشتري مع
يمينه ولو أقاما بينة فالبينة للمشتري على
قياس قوله وعلى قول محمد بينة الشفيع أولى ولو
استحق بعض الدار أو عرف فقال المشتري بنى
نصفها وقال الشفيع ثلثها فالقول للمشتري
قال رحمه الله "وحط البعض يظهر في حق الشفيع
لا حط الكل والزيادة" حتى يأخذه بما بقي فلا
يظهر حط الكل في حقه ولا الزيادة على الثمن
بعد عقد البيع حتى لا تلزمه الزيادة ولا يسقط
عنه شيء من الثمن فيأخذه بجميع المسمى عند
العقد ; لأن الحط لما التحق بأصل العقد صار
الباقي هو الثمن ولا فرق في ذلك بين أن يكون
الحط قبل أخذه بالشفعة أو بعده لوجود الالتحاق
في الصورتين فيرجع الشفيع على المشتري
بالزيادة إن كان أوفاه الثمن ولو حط بعض الثمن
بعد تسليمه الشفعة كان له أن يأخذها بالباقي ;
لأنه تبين أن الثمن أقل فلا يصح تسليمه بخلاف
حط الكل حيث لا يلتحق بأصل العقد ; لأنه لو
التحق به كان هبة أو بيعا بلا ثمن وهو فاسد
فلا شفعة فيهما. وكذلك الزيادة تلتحق بأصل
العقد, وإنما لا تظهر في حق الشفيع ; لأنه
استحق أخذها بالمسمى قبل الزيادة فلا يملك
إبطاله بالزيادة فلا يتغير العقد كما لا يتغير
بتجديد العقد لما يلحقه بذلك من الضرر قال في
العناية حط بعض الثمن والزيادة يستوفيان في
باب المرابحة دون الشفعة ; لأن المرابحة ليس
في التزام الزيادة إبطال حق مستحق بخلاف
الشفعة, فإن في الزيادة إبطال حق ثبت للشفيع
بأقلهما فظاهر عبارة المؤلف أن الحط يصح لمن
باشر العقد ولو وكيلا في حالة الصحة أو المرض
كان الشفيع وارثا أو لا وفي المحيط خلافه قال
ولو وكل رجلا ببيع داره فباعها بألف ثم حط عن
المشتري مائة درهم وضمن ذلك للآمر ليس للشفيع
أن يأخذها إلا بالألف ; لأن حط الوكيل لا
يلتحق بأصل العقد وفيه أيضا لو طلب الشفيع
الشفعة فسلمها المشتري إليه ثم نقد المشتري
للبائع الثمن فوهب له البائع خمسة دراهم من
الثمن وقد قبض المشتري من الشفيع جميع الثمن
فعلم الشفيع بالهبة فليس له أن يسترد شيئا ;
لأن الهبة ليست بحط ; لأن الثمن صار عينا
بالتسليم ولو وهب البائع
ج / 8 ص -266-
وإن اشترى دارا بعرض أو عقار أخذها الشفيع
بقيمته وبمثله ولو مثليا وبحال لو مؤجلا أو
يصبر حتى يمضي الأجل فيأخذها
______
خمس دراهم قبل قبض الثمن كان للشفيع أن
يستردها منه ; لأنها هبة الدين والثمن دين في
ذمته. ولو باع دارا بثلاثة آلاف وتقابضا
فأخذها ورثة البائع بالشفعة فحط البائع عن
المشتري في مرضه ألفا فالحط باطل ; لأن
المشتري نزل منزل الشفيع ; لأن الحط يظهر في
حقه فكأنه وارثه ولو حط قبل الأخذ توقف على
أخذ المشتري, فإن أخذ بطل, وإن ترك صح ولو لم
يكن الوارث شفيعا ولكن أخذها من المشتري تولية
أو مرابحة ثم حط عن المشتري في مرض موته صح
الحط ويحط المشتري عن الوارث ما حط عنه وحصته
من الربح في المرابحة ; لأن الحط وقع في بيع
الأجنبي لا حق للوارث فيه باع دارا بمائة درهم
للمقر حنطة فأخذها الشفيع بهما ثم حط البائع
النقد فوجد البائع بالكر عيبا رده وأخذ مثله
وللمشتري أن يعطيه الكر الذي قبضه الشفيع, وإن
كان المشتري ولاها رجلا بمائة درهم وبمثل ذلك
الكر فحط البائع وحط هو عن الثاني ثم وجد
البائع الأول بالكر عيبا فرده رجع بقيمة الدار
على المشتري الأول والفرق أن البيع, وإن انفسخ
يرد الكر في الموضعين إلا أنه تعذر في الأول
إيجاب قيمة الدار بأخذ الشفيع فأوجبنا الكر
وفي التولية لم يتعذر فأوجبنا قيمة الدار
قال رحمه الله "وإن اشترى دارا بعرض أو عقار
أخذها الشفيع بقيمته وبمثله ولو مثليا" ; لأن
الشفعة يتملكها بمثل ما يملكها المشتري به ثم
المثل لا يخلو إما أن يكون مثلا له صورة ومعنى
كالمكيل والموزون والعددي المتقارب أو معنى لا
صورة وهو ما عدا ذلك فيعتبر ذلك المثل كما في
ضمان العدوان فيأخذ به ; لأنه بدل لها ولهذا
لو اشترى عقارا بعقار يأخذ كل واحد منهما
بقيمة الآخر وقدمنا لو اختلفا في قيمة العروض
قال رحمه الله "وبحال لو مؤجلا أو يصبر حتى
يمضي الأجل فيأخذها" يعني يأخذها الشفيع من
المشتري بثمن حال إذا كان الثمن مؤجلا أو يصبر
حتى يمضي الأجل فيأخذها عند ذلك وليس له أن
يأخذها في الحال بثمن مؤجل وقال زفر والشافعي
ومالك له ذلك ; لأنه يأخذ بمثل ما أخذ المشتري
بصفته والأجل صفة الدين ولنا أن الأجل يثبت
بالشرط وليس من لوازم العقد فاشتراطه في حق
المشتري لا يكون اشتراطا في حق الشفيع لتفاوت
الناس فيه ولأن الأجل حق المطلوب والدين حق
الطالب ولهذا لو باع ما اشتراه بثمن مؤجل
مرابحة أو تولية لا يثبت الأجل من غير شرط ولو
كان صفة له لثبت ثم إن أخذها من البائع بثمن
حال سقط الثمن عن المشتري لتحول الصفقة إلى
الشفيع على ما بينا ورجع البائع على الشفيع,
وإن أخذها من المشتري رجع البائع على المشتري
بثمن مؤجل, وإن اختار الانتظار كان له ذلك
وقوله أو
ج / 8 ص -267-
وبمثل الخمر وقيمة الخنزير إن كان الشفيع ذميا
وبقيمتها لو مسلما
______
يصبر عن الأخذ أما الطلب فلا بد منه في الحال
حتى لو سكت ولم يطلب بطلت شفعته عند أبي حنيفة
ومحمد وبه كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع عنه
وقال لا تبطل شفعته بالتأخير إلى حلول الأجل
قال رحمه الله "وبمثل الخمر وقيمة الخنزير إن
كان الشفيع ذميا وبقيمتها لو مسلما" يعني إذا
اشترى ذمي من ذمي عقارا بخمر أو خنزير, فإن
كان شفيعها ذميا أخذها بمثل الخمر وقيمة
الخنزير ; لأن هذا البيع بهذا الثمن صحيح فيما
بينهم, فإذا صح رتب عليه أحكام البيع ومن جملة
الأحكام وجوب الشفعة فيستحقه ذميا كان أو
مسلما غير أن الذمي لا يتعذر عليه تسليم الخمر
فيأخذها به ; لأنه من ذوات الأمثال والمسلم لا
يقدر على ذلك لكونه ممنوعا من تمليكه وتملكه
فيجب عليه قيمته كما ذكرنا في ضمان العدوان
والخنزير من ذوات القيم فيجب عليهما قيمته ولا
يقال قيمة الخنزير تقوم مقام عينه ; لأنه قيمي
فوجب أن يحرم على المسلم تمليكه بخلاف قيمة
الخمر على ما عرف في موضعه ; لأنا نقول إنما
يحرم عليه إذا كانت القيمة بدلا عن الخنزير,
أما إذا كانت بدلا عن غيره فلا يحرم وهاهنا
بدل عن الدار لا عن الخنزير, وإنما الخنزير
مقدر بقيمة بدل الدار فلا يحرم عليه تمليكها,
فإن أسلم المشتري قبل الأخذ بالشفعة, فإن
الشفيع يأخذها بقيمة الخنزير. ولو كان شفيعها
مسلما أو ذميا أخذ كل واحد منهما النصف بما
ذكرنا من قيمة الخنزير اعتبارا للبعض بالكل
ولو أسلم الذمي صار حكمه حكم المسلم من
الابتداء فيأخذها بقيمة الخنزير كما إذا كان
الثمن مثليا فانقطع قبل الأخذ بالشفعة, فإنه
يأخذها بقيمته للتعذر كذا هذا والمستأمن
كالذمي في جميع ما ذكرنا من الأحكام لالتزامه
أحكامنا مدة مقامه في دارنا ولا فرق بين أن
يكون المشترى دارا أو بيعة أو كنيسة, فإن
الشفيع يأخذها بالشفعة ; لأن ملك الذمي فيها
ثابت إذا كان يعتقد أن ملكه لا يزول بجعله
بيعة أو كنيسة, وإن كان يعتقد أنه يزول فكذلك
أيضا ; لأنه بالإقدام على البيع صار معتقدا
الجواز الذمي إذا دان بديننا ينفذ تصرفه على
مقتضى ديننا, وإن كان في دينهم لا يجوز ولهذا
لو ترافعا إلينا نحكم بديننا والمرتد لا شفعة
له وبطريق معرفة قيمة الخمر والخنزير تقدم
مرارا ولو أسلم أحد المتعاقدين والخمر غير
مقبوض انتقض البيع ; لأن الإسلام يمنع قبضها
ولكن لا تبطل الشفعة ; لأنها وجبت فلا يبطل
بانتقاضه كما إذا اشترى دارا بعبد فهلك العبد
قبل القبض, فإن البيع ينتقض بهلاكه ولكن لا
تبطل الشفعة فيأخذها الشفيع بقيمة العبد قيد
بكون الثمن خمرا أو خنزيرا ; لأنه لو كان ميتة
أو دما فلا شفعة له لما في الأصل اشترى نصراني
من نصراني دارا بميتة أو دم فلا شفعة للشفيع.
ا هـ. ولم يتعرض المؤلف لما إذا صار خلا ثم
أسلم البائع أو المشتري ثم استحق نصف الدار
وحضر الشفيع فيأخذ النصف بنصف الخمر ولا يأخذ
ج / 8 ص -268-
وقيمة البناء والغرس لو بنى المشتري أو غرس أو
كلف قلعهما
______
بنصف الخل ثم يرجع المشتري على البائع بنصف
الخل إن كان قائما, وإن كان هالكا رجع عليه
بنصف قيمة الخل وفي المبسوط باع المرتد دارا
فمات أو قتل على الردة أو لحق بدار الحرب بطل
البيع ولا شفعة للشفيع وفي السغناقي ولو أسلم
البائع قبل اللحوق بدار الحرب جاز البيع
وللشفيع الشفعة ولو كان الشفيع مرتدا فمات أو
قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فلا شفعة
لوارثه ولو كان المرتد لم يلحق بدار الحرب ثم
بيعت الدار كان لوارثه الشفعة, وإن اشترى
المستأمن دارا ولحق بدار الحرب فالشفيع على
شفعته حتى يلقاه, وإن كان الشفيع هو الحربي
ودخل دار الحرب بطلت شفعته, وإن كان الشفيع
مسلما أو ذميا فدخل دار الحرب إن لم يعلم
بالبيع فهو على شفعته, وإن علم ودخل ولم يطلب
بطلت شفعته, وإن اشترى المسلم دارا في دار
الحرب وشفيعها مسلم ثم أسلم أهل الدار فلا
شفعة للشفيع وهاهنا أصل تنبني عليه هذه
المسائل يجب العلم به وهو أن كل حكم لا يفتقر
إلى قضاء القاضي فدار الإسلام ودار الحرب في
ذلك الحكم على حد سواء وكل حكم مفتقر إلى قضاء
القاضي لا يثبت ذلك في حق من كان من المسلمين
في دار الحرب بمباشرة ذلك الحكم في دار الحرب
نظير الأول البيع والشراء وصحة الاستيلاء
ونفوذ العتق ووجوب الصوم والصلاة, فإن هذه
الأحكام كلها من أحكام المسلمين وتجري على من
كان في دار الحرب من المسلمين ونظير الثاني
الزنا, فإن المسلم إذا زنى في دار الحرب ثم
دخل دار الإسلام لا يقام عليه الحد
قال رحمه الله "وقيمة البناء والغرس لو بنى
المشتري أو غرس أو كلف قلعهما" يعني إذا بنى
المشتري أو غرس في الأرض المشفوعة ثم قضي
للشفيع بالشفعة فالشفيع بالخيار إن شاء أخذها
بالثمن وقيمة البناء والغرس مقلوعا, وإن شاء
كلف المشتري قلعه فيأخذ الأرض فارغة وعن أبي
يوسف أنه لا يكلف بالقلع ولكنه بالخيار إن شاء
أخذها بالثمن وقيمة البناء والغرس, وإن شاء
ترك وبه قال الإمام الشافعي ومالك ; لأنه ليس
متعديا في البناء والغرس لثبوت ملكه فيه
بالشراء فلا يعامل بأحكام العدوان فصار
كالموهوب له والمشتري شراء فاسدا عند الإمام
وكما إذا زرعها المشتري, فإن كل واحد منهم لا
يكلف بالقلع لتصرفه في ملكه وهذا ; لأن ضرر
الشفيع بإلزام قيمة البناء والغرس أهون من ضرر
المشتري بالقلع ; لأن الشفيع يحصل له بمقابلة
الثمن عوضان وهو البناء والغرس فلا يعد ضررا
ولم يحصل للمشتري بمقابلة القلع شيء فكان
الأول أهون فكان أولى بالتحمل ووجه ظاهر
الرواية أنه بنى في محل تعلق به حق متأكد
لغيره من غير تسليط منه فينتقض كالراهن إذا
بنى في المرهون ولهذا تنتقض جميع تصرفات
المشتري حتى الوقف والمسجد والمقبرة بخلاف
الموهوب على قول أبي
ج / 8 ص -269-
وإن قلعهما الشفيع فاستحقت رجع بالثمن فقط
وبكل الثمن إن خربت الدار وجف الشجر
______
حنيفة والمشتري شراء فاسدا ; لأنه فعل بتسليط
من المالك ولهذا لا ينتقض تصرفهما وفي الزرع
القياس أن يقلع إلا أننا استحسنا ولذا قلنا لا
يقلع ; لأن له نهاية وليس على الشفيع كبير ضرر
بالتأخير ; لأنه يترك بأجرته, فإن قلت
الاسترداد عندهما بعد البناء, فإن جواز
الاسترداد ينافي أنه لا يكلف القلع بل يقتضي
القلع كما في الشفيع قلت يجوز أن يكون مراده
بقوله والمشتري شراء فاسدا احتجاج من أبي يوسف
عن أبي حنيفة بمذهب أبي حنيفة كما أفصح به
صاحب غاية البيان وهذا بعيد والأوجه أن يقال
لأبي يوسف في البناء بعد الشراء الفاسد القول
المذكور والثاني كما قال الإمام ذكره في
الإيضاح قيد بما ذكر احترازا عن الزخرفة وفي
قاضي خان ولو اشترى الرجل دارا وزخرفها
بالنقوش شيء كثير كان للشفيع الخيار إن شاء
أخذها وأعطاه ما زاد فيها, وإن شاء ترك. ا هـ.
قال في المحيط ; لأن نقص صفته لا يمكن وفيه
نظر ; لأن المشتري إذا بنى على الدار المشفوعة
كان للشفيع أن ينقض البناء ويأخذ الدار ويعطيه
ما زاد فيها وأجيب بأن البناء إذا قلع له قيمة
في الجملة بخلاف الزخرفة قوله أو بنى أو غرس
مثال وليس بقيد لما في المحيط ولو أن المشتري
زرعها رطبة أو كرما يؤمر بقلعه كالبناء
قال رحمه الله "وإن قلعهما الشفيع فاستحقت رجع
بالثمن فقط" يعني أن الشفيع إذا أخذ الأرض
بالشفعة فبنى أو غرس ثم استحقت فكلف المستحق
الشفيع بالقلع فقلع البناء والغرس رجع الشفيع
على المشتري إن أخذها منه أو على البائع إن
أخذها منه بالثمن ولا يرجع بقيمة البناء
والغرس وعن أبي يوسف أنه يرجع بذلك كالمشتري
والفرق بينه وبين المشتري أن المشتري مغرور
ومن جهة البائع ومسلط عليه من جهته ولا غرور
ولا تسليط للشفيع من جهة المشتري ولا البائع ;
لأن الشفيع أخذها منه جبرا ونظيره الجارية
المأسورة إذا استردها المالك القديم من مالكها
الجديد بقيمتها أو بالثمن فاستولدها ثم استحقت
من يده وضمن قيمة الولد رجع عليه بما دفع له
من القيمة أو الثمن ولا يرجع بقيمة الولد ;
لأنه لم يغره بخلاف ما لو كان مشتريا حيث يرجع
بهما على البائع ; لأنه مغرور من جهته
قال رحمه الله "وبكل الثمن إن خربت الدار وجف
الشجر" يعني لو اشترى أرضا فيها بناء أو غرس
فانهدم البناء من غير صنع أحد يأخذها الشفيع
بكل الثمن ولا يسقط من الثمن شيء ; لأنهما
تابعان للأرض يدخلان في بيعها من غير ذكر فلا
يقابلها شيء من الثمن ولهذا يبيعها في هذه
الحالة مرابحة من غير بيان بخلاف ما إذا تلف
بعض الأرض بغرق حيث يسقط من الثمن بحصته ; لأن
الغالب بعض الأصل هذا إذا انهدم البناء ولم
يبق له نقض ولا من الشجر شيء من
ج / 8 ص -270-
وبحصة العرصة إن نقض المشتري البناء والنقض له
وبثمرها إن ابتاع أرضا ونخلا وثمرا أو أثمر في
يده وإن جذه المشتري سقط حصته من الثمن
______
حطب أو خشب, أما إذا بقي شيء من ذلك وأخذه
المشتري فلا بد من سقوط بعض الثمن بحصته ذلك ;
لأنه عين مال قائم بقي يحبس عند المشتري فيكون
له حصة من الثمن فيقسم الثمن على قيمة الدار
يوم العقد وعلى قيمة النقض يوم الأخذ قيد
بقوله وجف الشجر ليخرج الثمر إذا هلك من غير
صنع قال في التتارخانية ولو هلك الثمر من غير
صنع أحد ولم يبق منه شيء سقط حصته من الثمن
بخلاف البناء وسيأتي ما يخالفه
قال رحمه الله "وبحصة العرصة إن نقض المشتري
البناء" يعني أخذ الشفيع العرصة بحصتها من
الثمن إن نقض المشتري البناء ; لأنه صار
مقصودا بالإتلاف ويقابله شيء من الثمن فيقسم
الثمن على قيمة الأرض والبناء يوم العقد ونقض
الأجنبي البناء كنقض المشتري وفي التتارخانية
لو لم يهدم المشتري البناء ولكن باعه من غير
إرضاء ثم حضر الشفيع فله أن ينقض البيع ويأخذ
الكل وكذا النبات والنخل
قال رحمه الله "والنقض له" يعني النقض للمشتري
; لأن الشفيع إنما كان يأخذه بطريق التبعية
للعرصة وقد زالت بالانفصال
قال رحمه الله "وبثمرها إن ابتاع أرضا ونخلا
وثمرا أو أثمر في يده" يعني يأخذها الشفيع مع
ثمرها إن كان المشتري اشترى الأرض مع الثمر
بأن شرطه في البيع أو أثمر عند المشتري بعد
الشراء ; لأن الثمر لا يدخل في البيع إلا
بالشرط بخلاف النخل. والقياس أن لا يكون له
أخذ الثمر لعدم التبعية كالمتاع الموضوع فيها
وجه الاستحسان أن الاتصال خلقة صار تبعا من
وجه ولا يتولد من البيع فيسري إليه الحق
الثابت في الأصل كالمبيعة إذا ولدت قبل القبض,
فإن المشتري يملك الولد تبعا للأم كذا هنا وفي
الخانية لو اشترى قرية فيها أشجار ونخل فقطع
المشتري بعض الأشجار وهدم بعض البناء فحضر
الشفيع يأخذ الأرض وما لم يقطع من الأشجار وما
لم يهدم من البناء وليس له أن يأخذها بالشفعة
ويقسم الثمن على قيمة البناء والأرض فما أصاب
البناء سقط وما أصاب العرصة يأخذها به وينقص
بناء المشتري الذي أحدثه وهذا القول ظاهر
الرواية
قال رحمه الله "وإن جذه المشتري سقط حصته من
الثمن" يعني في الفصل الأول وهو ما اشتراها
بثمرها بالشرط فكان له فيسقط من الثمن بحصته,
وإن هلك بآفة سماوية فكذلك ; لأنه لما دخل في
البيع صار أصلا فسقط حصته من الثمن بفواته,
أما في الأصل الثاني فيأخذ الأرض والنخل بجميع
الثمن ; لأن الثمن لم يكن موجودا عند العقد
فلا يقابله شيء من الثمن
ج / 8 ص -271-
______
وكان أبو يوسف يقول أولا أنه يحط من الثمن في
الفصل الثاني ; لأن حال المشتري مع الشفيع
كحال البائع مع المشتري قبل القبض. ولو أكل
البائع الثمر الحادث بعد القبض سقط حصته من
الثمن فكذا هنا ثم رجع إلى ما ذكر في الكتاب
من أنه لا يسقط شيء من الثمن ; لأن الشفيع
يأخذ بما قام على المشتري وهو قائم عليه
المبيع بدون الثمن بجميع الثمن بخلاف ما إذا
كانت موجودة عند العقد ; لأنه دخل في البيع
قصدا وبخلاف الحادث عند البائع قبل القبض ;
لأنه حدث على ملك المشتري فيكون له حصة من
الثمن بالاستهلاك وليس للشفيع أن يأخذ الثمن
بعد الجذاذ في الفصلين لزوال التبعية
بالانفصال قبل الأخذ والله تعالى أعلم
باب ما يجب فيه
الشفعة وما لا يجب
إنما تجب الشفعة في عقار ملك بعوض هو مال
______
باب ما يجب فيه الشفعة وما لا يجب
ذكر تفصيل ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب بعد
ذكر نفس الوجوب مجملا ; لأن التفصيل بعد
الإجمال أوقع في النفس كذا في العناية
قال رحمه الله "إنما تجب الشفعة في عقار ملك
بعوض هو مال" قوله في عقار يتناول ما يقسم وما
لا يقسم وقال الشافعي لا تجب فيما لا يقسم
كالبئر والرحا والحمام والنهر والطريق وهذا
مبني على أصل عنده وهو أن الشفعة تجب لدفع ضرر
أجرة القسام عنده وعندنا لدفع ضرر سوء العشرة
واحترز بقوله بعوض عما إذا ملك بالهبة, فإن
الشفعة لا تجب فيها وبقوله هو مال عما إذا ملك
بعوض غير مال كالمهر والخلع والصلح عن دم عمد
والعتق, فإن الشفعة لا تجب في هذه الأشياء على
ما بينه قريبا والعقار لغة الضيعة وقيل ما له
أصل من دار وضيعة نقله الإمام المطرزي ونقل
الشراح هنا العقار كل ما له أصل من دار وضيعة.
ا هـ.. فهو مطابق للتفسير الثاني ونقل الجوهري
في فصل العين من باب الراء العقار بالفتح
الأرض والضياع والنخل ومنه قولهم ما له دار
ولا عقار والجمع ضياع وفي فصل الضاد من باب
العين الضيعة العقار. ا هـ. وفي كلامه اختلال
; لأنه فسر العقار أولا بما يشمل الأقسام
الثلاثة الأرض والضياع والنخل ثم فسر الضيعة
بالعقار فلزم تفسير الأخص بالأعم كما ترى وفي
المحيط ويدخل في الحمام ما كان مركبا في
بنيانه دون المنفصل كالقصعة ويدخل في الرحا
الحجر الأسفل دون الأعلى ; لأنه مبني في الأرض
ولو اشترى أجمة فيها قصب وسمك يوجد بلا صيد
استحق الأجمة والقصب بالشفعة دون السمك ; لأنه
منقول والقصب يشعب الأرض وفي التتارخانية,
وإنما تجب في الأراضي التي تملك رقابها حتى
تجب في الأراضي التي
ج / 8 ص -272-
لا في عرض وفلك وبناء ونخل بيعا بلا عرصة ودار جعلت مهرا أو أجرة أو
بدل خلع أو بدل صلح عن دم أو عوض عتق أو وهبت
بلا عوض مشروط
______
حازها الإمام للمسلمين يدفعها بزراعة, وإنما
تجب لحق الملك في الأراضي حتى لو بيعت دار
بجنبها دار الوقف فلا شفعة للواقف ولا للمتولي
لعدم الملك كذا في المحيط وغيره وفي السراجية
رجل له دار في أرض الوقف فلا شفعة له ولو باع
هو عمارته فلا شفعة لجاره وفي التجريد ولو جعل
داره مسجدا وأفرزه وجعل بابه إلى الطريق فبيعت
دار إلى جنب المسجد لم يكن للواقف ولا للمتولي
شفعة لعدم الملك وفي المحيط وغيره ما لا يجوز
بيعه في العقارات كالأوقاف والحانوت المسبل
فلا شفعة في ذلك عند من يرى جواز الوقف وفي
المبسوط لو اشترى أرضا فيها شجر صغار فأثمرت
أو فيها زرع فأدرك فللشفيع أن يأخذ ذلك بجميع
الثمر لاتصاله بالأرض. ا هـ.
قال رحمه الله "لا في عرض وفلك" يعني لا تجب
الشفعة في عرض وفلك وقال مالك لا تجب في
السفينة ; لأنها تسكن كالعقار ولنا ما روي عنه
عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا شفعة إلا في
ربع أو حائط" ولأن الأخذ بالشفعة ثبت على خلاف
القياس فلا يجوز إلحاق المنقول به ; لأنه ليس
في معنى العقار وهذا الاستدلال فيه شيء, فإن
ظاهره حصر ثبوت الشفعة في الربع والحائط فدل
ذلك على انتفاء حق الشفعة في غيرهما ومن
غيرهما العروض والسفن فيرد عليه أن مقتضى
الحصر أن لا تثبت الشفعة في عقار غير ربع
وحائط كضيعة خالية مثلا وليس كذلك قطعا فكيف
يتمسك به قلت يمكن حمل القصر على القصر
الإضافي دون الحقيقي فالقصر بالنسبة إليهما لا
بالنسبة إلى جميع ما عداهما فتأمل قال في
العناية الربع الدار والحائط البستان وأصله ما
أحاط به. ا هـ.
قال رحمه الله "وبناء ونخل بيعا بلا عرصة" ;
لأنهما منقولان فلا تجب فيهما إذا بيعا بلا
أرض, وإن بيعا معها تجب فيها الشفعة تبعا لها
بخلاف العلو حيث يستحق بالشفعة وتستحق به
الشفعة على أنه مجاوره وذلك إذا لم يكن طريقه
غير طريق السفل, وإن كان طريقهما واحدا يستحق
بالطريق الشفعة على أنه خليط في الحقوق.
قال رحمه الله "ودار جعلت مهرا أو أجرة أو بدل
خلع أو بدل صلح عن دم أو عوض عتق أو وهبت بلا
عوض مشروط" ; لأن الشارع لم يشرع التملك
بالشفعة إلا بما يملك به المشتري صورة ومعنى
أو معنى بلا صورة ولا يمكن ذلك إذا تملك
العقار بهذه الأشياء ; لأنها ليست بأموال ولا
مثل لها حتى يأخذها الشفيع بمثلها فلم يمكن
مراعاة شرط الشرع فيه وهو التملك بما يملك به
المشتري فلم يكن مشروعا وقال الإمام الشافعي
تجب فيهما الشفعة
ج / 8 ص -273-
...........................................
______
فيأخذها بقيمتها عند تعذر الأخذ بمثلها بخلاف
الهبة بلا عوض لتعذر الأخذ بلا عوض إذ هو غير
مشروع ولنا ما تقدم ولأن الشفيع يتملك بما
يملك به المشتري من السبب لا بسبب آخر وهاهنا
لو أخذه كان يأخذ بسبب آخر ولو تزوجها بغير
مهر ثم فرض لها عقارا مهرا لم يكن فيها الشفعة
; لأنه تعين بمهر المثل وهو مقابل بالبضع
بخلاف ما لو باعها العقار بمهر المثل أو
بالمسمى عند العقار أو بعده حيث تجب فيه
الشفعة ; لأنه مبادلة مال بمال ; لأن ما أعطاه
من العقار بدل عما في ذمته من المهر ولو
تزوجها على دار على أن يرد عليه ألف درهم فلا
شفعة في جميع الدار عند الإمام وقالا تجب
الشفعة في حصة الألف ; لأنه مبادلة مال بمال
في حقه ولهذا ينعقد بلفظ النكاح ولا يفسد بشرط
النكاح وهو يقول معنى البيع فيه تابع فلا شفعة
في الأصل فكذا في البيع. ألا ترى أن المضارب
إذا كان رأس ماله ألفا فاتجر وربح ألفا ثم
اشترى بالألفين دارا في جوار رب المال ثم
باعها بألفين فإن رب المال لا يستحق الشفعة في
حصة المضارب تبعا لرأس المال ; لأن المضارب
وكيل في حقه وليس في بيع الوكيل شفعة وكذا في
حق المضارب وهو البيع كذا في العتابية قوله
جعلت الدار مهرا مثال قال في العتابية ولو قال
صالحتك على أن تجعل هذه الدار مهرا لك وأعطيتك
هذه الدار مهرا فلا شفعة للشفيع فيها وقوله
جعلت مهرا محترز عن البيع ولو باعها دارا بمهر
مثلها أو صالحها على دار أو صالحها من دعوى حق
على دار ففيهما الشفعة والقول قول المصالح في
قيمة ذلك أو في قدره وفي السراجية صالح في دار
ادعاه على مائة درهم وهو جاحد لا شفعة فيها
فإن أقام الشفيع البينة أنها التي ادعاها فله
الشفعة وفي شرح الطحاوي رجل تزوج امرأة ولم
يسم مهرا ثم دفع لها دارا مهرا فهو على وجهين
إن قال الزوج جعلتها مهرك فلا شفعة فيها, وإن
قال جعلتها بمهرك ألفا ففيها الشفعة وفي
المحيط لو خالع امرأته على ذلك على أن ترد
عليه ألفا فهو كما لو تزوج على دار على أن ترد
عليه ألفا كما تقدم وفيه أيضا أسلم دارا لرجل
في مائة قفيز حنطة واستلم الدار فللشفيع أخذها
بالشفعة ولو افترقا قبل أن يقبض الدار بطل
السلم ولا شفعة. ا هـ. وفي العتابية لا شفعة
في دار هي بدل عن سكنى دار وخدمة عبد وقيد
بقوله عن دم عمد احترازا عن الخطأ قال في
المبسوط ولو كان عن جناية خطأ تجب الشفعة ولو
صالح بها عن جنايتين أحدهما عمدا والأخرى خطأ
فلا شفعة فيها على قول الإمام وعندهما تجب
فيها الشفعة فيما يخص جناية الخطأ ولو صالح عن
كفالة رجل بنفسه على دار فلا شفعة فيها ; لأن
هذا صلح باطل. ا هـ. قيد بقوله بلا عوض مشروط
; لأنه لو شرط في العقد تجب الشفعة ففي
الخانية وهب دارا من إنسان بشرط أن يعوضه كذا
فلا شفعة للشفيع ما لم يتقابضا وبعد التقابض
تجب الشفعة بمثل العوض إن كان مثليا وإلا
فبقيمته إن كان قيميا وفي
ج / 8 ص -274-
وإن بيعت بخيار البائع
______
السغناقي وهب له عقارا من غير عوض مشروط في
العقد ثم عوضه عن الدار دارا فلا شفعة في
الهبة ولا في العوض وفي الأصل لو وهب شقصا
مسمى في دار غير محجور ولا مقسوم على أن يعوضه
كذا فهو باطل ولا شفعة للشفيع والجواب في
الصدقة بألفاظها والعطية نظير الجواب في
الهبة, أما الوصية على هذا الشرط إذا قبل
الوصي له ثم مات, فإنه تجب فيه الشفعة قال في
الكتاب إذا قال أوصيت بداري لفلان بألف درهم
فقال الموصى له قبلت ثبت للشفيع الشفعة, وإن
قال أوصيت أن يوهب له على عوض ألف درهم فهو
مثل الهبة بالشرط, وإن ادعى حقا على إنسان
وصالحه المدعى عليه على الدار فللشفيع أن يأخذ
الدار بالشفعة كان الصلح عن إقرار أو إنكار
وفي الفتاوى العتابية والقول للمدعي في مقدار
الدين في حق الشفيع وكذا لو صالحه عن عيب على
دار بعد القبض فالقول للمصالح في نقصان العيب
ولو ادعى دارا في يد رجل وصالحه المدعى عليه
على أن يعطيه المدعي دراهم وترك الدار ينظر إن
كان الصلح عن إنكار فلا شفعة للشفيع. ا هـ.
قال رحمه الله "وإن بيعت بخيار البائع" ; لأن
خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه وبقاء
ملكه يمنع وجوب الشفعة ; لأن شرط وجوبها
الخروج عن ملكه, فإذا سقط الخيار أو سقط
الخيار عند سقوط الخيار ; لأن البيع إنما صار
سببا لإفادة الحكم في ذلك الوقت ووجوب الشفعة
تنبني على انقطاع حق الملك بالبيع وهو ينقطع
حينئذ, وإن اشترى بشرط الخيار وجبت الشفعة أما
عندهما فظاهر ; لأن المشتري تملكها, أما عنده
فلخروجه عن ملك البائع ألا ترى أن البائع إذا
أقر بالبيع وأنكر المشتري تجب الشفعة, فإذا
أخذها الشفيع في الثالث لزم البيع لعجز
المشتري عن الرد ولا خيار للشفيع ; لأن خيار
الشرط لا يثبت إلا بالشرط وهو كان للمشتري دون
الشفيع وإذا بيعت دار بجنبها والخيار لأحدهما
كان له الأخذ بالشفعة ; لأن البائع لم يخرج
المبيع عن ملكه إذا كان الخيار له ويلزم البيع
; لأن الأخذ بالشفعة نقض منه للبيع وكذلك
المشتري عند هما إن كان الخيار له ; لأن
المبيع دخل في ملكه عندهما ; لأنه يصير بالأخذ
مختارا للبيع فيصير إجازة وتملك به المبيع و ;
لأنه صار أحق به من غيره وذلك يكفي لاستحقاق
الشفعة كالمأذون له والمكاتب إذا بيعت دار
بجنب دارهما. وكذا إذا اشترى دارا ولم يرها
فبيعت دار بجنبها كان له أن يأخذها بالشفعة ;
لأن ملكها فيها ثابت وإذا أخذ المشفوعة لم
يسقط خياره ; لأن خيار الرؤية لا يبطل بصريح
الإبطال فبدلالته أولى, فإذا حضر شفيع الأولى
وهي التي اشتراها المشتري كان له أن يأخذها
بالشفعة ; لأنه أولى بها من المشتري وليس له
أن يأخذ الثانية وهي التي أخذها المشتري
بالشفعة إذا لم تكن متصلة بملكه لانعدام سبب
الشفعة في حقه, واتصاله لا يفيد لعدم ملكه
فيها وقت بيع الأخرى, وإن كانت متصلة بملكه
كان له أن يشاركه فيها بالشفعة, فإذا جاء
الشفيع الأول بعدما أخذ المشتري الثاني
بالشفعة كان لهذا الذي
ج / 8 ص -275-
أو بيعت فاسدا ما لم يسقط حق الفسخ بشيء يسقطه
كالبناء أو قسمت بين الشركاء
______
جاء أن يأخذها بالشفعة وليس له أن يأخذ
الثانية بالشفعة وفي التجريد ولو كان المشتري
شرط الخيار لغيره فأجاز وهو شفيعها فله الشفعة
ولو باع عقارا وشرط الخيار لغيره فأمضى ذلك
الغير البيع وهو شفيعها فلا شفعة له وفي
الفتاوى ولو باعه بخيار ثلاثة أيام ثم زاده
ثلاثة أخرى يأخذها الشفيع إذا انقضت المدة
الأولى.
قال رحمه الله "أو بيعت فاسدا ما لم يسقط حق
الفسخ بشيء يسقطه كالبناء" ; لأن البيع الفاسد
بعد القبض لا يفيد الملك للمشتري فلا يثبت
للشفيع فيه حق مع بقاء ملكه وبعد القبض, وإن
كان يفيده لكن حق البائع باق فيها ألا ترى أنه
واجب الدفع لدفع الفساد ولهذا يحرم على
المشتري التصرف فيه وفي إثبات الحق له تقرير
فلا يجوز وإذا سقط حق الفسخ زال المانع من
وجوب الشفعة فتجب وقوله بالبناء مثال ; لأنه
ينقطع حق البائع بإخراج المشتري المبيع عن
ملكه بالبيع أو غيره على ما تقرر في البيع
الفاسد, فإذا أخرجه عن ملكه بالبيع كان للشفيع
أن يأخذها بأي البيعين, فإن أخذها بالبيع
الأول أخذها بالقيمة, وإن أخذها بالبيع الثاني
أخذها بالثمن ; لأن البيع الثاني صحيح وإذا
أخرجها عن ملكه بالهبة أو جعلها مهرا أو غير
ذلك نقض تصرفه وأخذ بقيمته لما ذكرنا وإذا
بيعت دار بجنبها قبل القبض فللبائع الشفعة في
المبيع لبقاء ملكه فيها, وإن سلمها بعد الحكم
له لا تبطل, فإذا بيعت بعد القبض فاستردها
البائع منه قبل أن يقضي له بالشفعة بطلت شفعته
لخروجها عن ملكه قبل الأخذ فصار كما إذا باعها
قبله. وإذا استردها بعد الحكم له بقيت على
ملكه لما ذكرنا وقيد بقوله بيعت فاسدا ليفيد
أن الفاسد قارن العقد واستمر بعده قيدناه به ;
لأن الفساد إذا كان بعد انعقاده صحيحا فحق
الشفعة على حاله كذا في العناية واعترض على
هذا بأنه لم لا يجوز أن لا يثبت المفسد في حق
الشفيع كي لا يلزم تقرير الفساد وإذا ثبت في
حق المشتري كما قلنا في خيار الشرط لا يثبت في
حق الشفيع, وإن ثبت في حق المشتري وأجيب إن
فساد البيع إنما يثبت لمعنى راجع إلى العوض
فلو أسقطنا العوض بقي بيع بلا عوض وهو فاسد
أيضا والخيار ثبت لمعنى خارج عن العوضين فلو
أسقطنا الخيار بقي بيع بلا خيار وهو مشروع
قال رحمه الله "أو قسمت بين الشركاء" يعني لو
قسمت الدار بين الشركاء لا تجب الشفعة لجارهم
بالقسمة بينهم ; لأن القسمة فيها معنى الإفراز
ولهذا يجري فيها الخيار والشفعة لم تشرع إلا
في المبادلة المطلقة وهي المبادلة من كل وجه
قال في العناية ولأنها لو وجبت للقاسم لكونه
جارا بعد استحقاق الشفعة وهو غير صحيح ; لأن
سببه الإفراز وهو متأخر وهو لا بد أن يكون
متقدما على زوال الملك القائم كما تقدم وكونه
جارا متأخر وقول
ج / 8 ص -276-
أو سلمت شفعته ثم ردت بخيار رؤية أو شرط أو
عيب بقضاء وتجب لو ردت بلا قضاء أو تقايلا
______
صاحب غاية البيان و ; لأنها لو وجبت للقاسم ;
لأنه شريك والشريك أولى من الجار فيه نظر ;
لأنه قبل القسمة لا بعدها والكلام فيما بعدها.
قال رحمه الله "أو سلمت شفعته ثم ردت بخيار
رؤية أو شرط أو عيب بقضاء" يعني إذا أسلم
الشفيع الشفعة ثم ردت إلى البائع بخيار رؤية
أو شرط كيفما كان أو بيعت بقضاء القاضي لا تجب
الشفعة فيها ; لأنه فسخ من كل وجه فلا يمكن أن
يجعل عقدا جديدا فعاد إليه قديم ملكه والشفعة
تجب في الإنشاء لا في استمرار البقاء وعلى ما
كان ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفسخ قبل
القبض أو بعده وفي الجامع الصغير ولا شفعة في
قسمة ولا خيار رؤية بالجر معناه لا شفعة في
الرد بخيار رؤية وليس معناه أن خيار الرؤية لا
يثبت في القسمة ; لأن المذكور في كتاب القسمة
أن خيار الرؤية يثبت في القسمة وخيار الشرط
أيضا ; لأن ثبوتها لخلل في الرضا بالعقد الذي
لا ينعقد لازما إلا بالرضا والقسمة منه لما
فيها من معنى المبادلة والمبادلة أغلب في غير
الكيلي والوزني فيجوز فيه خيار الرؤية والشرط
ولا يجوز في المكيل والموزون ; لأن الإقرار
فيهما هو الغالب وقال في الكافي. وصحح شمس
الأئمة السرخسي أن خيار الرؤية لا يثبت في
القسمة سواء كانت بقضاء أو رضاء قاله الشيخ
وقلنا لا فرق بين أن يكون الفسخ قبل القبض أو
بعده كذا في العناية ولا عبرة بقول من قال
المراد بعد القبض ; لأنه لو كان هذا مرادا كان
مناقضا لقولهم في غير هذا المحل ولا فرق بين
أن يكون قبل القبض أو بعده كذا في العناية. ا
هـ.
قال رحمه الله "وتجب لو ردت بلا قضاء أو
تقايلا" يعني تجب الشفعة إن ردها المشتري بعيب
بغير قضاء أو تقايلا البيع وقال زفر لا تجب ;
لأن شفعته بطلت بالتسليم والرد بالعيب بغير
قضاء إقالة والإقالة فسخ لقصدهما ذلك والعبرة
بقصد العاقدين قلنا الإقالة سبب للملك
بتراضيهما كالبيع غير أنهما قصدا الفسخ فيصح
فيما لا يتضمن حق الغير ; لأن لهما ولاية على
أنفسهما فيكون فسخا في حقهما ولا ولاية لهما
على غيرهما فيكون بيعا جديدا في حق الشفيع
فيتجدد له به حق الشفعة قال الشارح قال صاحب
الهداية ومراده بالرد بالعيب الرد بعد القبض
قال رحمه الله وهذا إنما يستقيم على قول محمد
; لأن بيع العقار عنده قبل القبض لا يجوز كما
في المنقول, أما على قولهما يجوز بيعه قبل
القبض فلا يفيد القيد المذكور والله أعلم
ج / 8 ص -277-
باب ما تبطل به الشفعة
وتبطل بترك المواثبة أو التقرير وبالصلح عن
شفعته على عوض وعليه رده
______
باب ما تبطل به الشفعة
لما كان بطلان الشيء يقتضي سابقة وجوده
ذكر ما تبطل به الشفعة بعد ذكر ما تثبت به
الشفعة
قال رحمه الله "وتبطل بترك المواثبة أو
التقرير" حين علم مع القدرة عليه بأن لم يمنعه
أحد ولم يكن في الصلاة ; لأنها تبطل بالإعراض
وترك الطلبين أو أحدهما مع القدرة إعراض على
ما تقدم والأصل في هذا الباب أن تسليم الشفعة
قبل البيع لا يصح وأن من ثبت له الحق إذا
أسقطه بعد ثبوته له سقط علم بثبوته له أو لم
يعلم وتعبير المؤلف بترك الطلب أولى من تعبير
صاحب الهداية بترك الإشهاد ; لأنه يرد على
صاحب الهداية أن الإشهاد ليس بشرط وترك ما ليس
شرطا في الشيء لا يبطله وفي المحيط لو سلم
الشفعة للوكيل صح وسقط ويصح تعليق الإسقاط
بشرط ولو قال سلمت لك إن اشتريت لنفسك لم تبطل
إذا كان اشتراها لغيره ولو قال لأجنبي سلمت
شفعة هذا سقطت شفعته ; لأنه سلم مطلقا فصرفناه
إلى المشتري حملا لكلام العاقل على الصحة ولو
قال سلمت لك لا يصح ; لأن الأجنبي بمعزل عن
هذا العقد ولو قال له أجنبي سلم للمشتري فقال
سلمت لك صح استحسانا كأنه قال سلمت الشفعة
للمشتري لشفاعتك
قال رحمه الله "وبالصلح عن شفعته على عوض
وعليه رده" يعني تبطل الشفعة إذا صالح المشتري
الشفيع على عوض وعلى الشفيع رد العوض ; لأن حق
الشفيع ليس بمقرر في المحل, وإنما هو مجرد
التملك فلا يجوز أخذ العوض عنه ولا يتعلق
إسقاطه بالجائز من الشرط وفيما إذا قال الشفيع
أسقطت شفعتي فيما اشتريت على أن تسقط حصتك
فيما اشتريت أو على أن لا تطلب الثمن مني
لكونه ملائما حتى لو تراضيا سقط حق كل واحد
منهما ومع هذا لا يتعلق إسقاط الشفعة بهذا
الشرط بل يسقط بمجرد قوله أسقطت تحقق الشرط أو
لم يتحقق فأولى أن لا يتعلق بالشرط الفاسد وهو
شرط الاعتياض عن حق ليس بمال بل هو رشوة محضة
فيصح الإسقاط ويبطل الشرط وكذا إذا باع شفعته
بمال بما بينا ونظير ما نحن فيه إذا قال
للمخيرة اختاري بألف أو قال ألفين لامرأته
اختاري ترك الفسخ بألف فاختارت سقط الخيار ولا
يثبت المال والكفالة بالنفس في هذا بمنزلة
الشفعة في رواية وفي أخرى لا تبطل الكفالة ولا
يجب المال قال في شرح الجامع الكبير إذا لم
يجب العوض يجب أن لا تبطل شفعته كما في
ج / 8 ص -278-
وبموت الشفيع لا المشتري
______
الكفالة والفرق أن حق الشفيع قد سقط بعوض
معنى, فإن الثمن سلم له والمكفول له لم يرض
بسقوط حقه عن الكفيل بغير عوض ولم يحصل له
بعوض معنى, فإن الثمن سلم له عوضا أصلا فلا
يسقط حقه في الكفالة. ا هـ. قال الشارح والأصح
أن الكفالة والشفعة يسقطان ولا يجب المال قيد
بقوله صالح عن شفعته ; لأنه لو صالح على أخذ
نصيب الدار بنصف الثمن يجوز ولو صح عن أخذ بيت
بحصته من الثمن لا يجوز الصلح ولا تسقط شفعته
; لأنه لم يوجد منه الإعراض غير أن الثمن
مجهول ومثله من الجهالة يمنع صحة البيع ابتداء
والأخذ بالشفعة بيع وفي المبسوط ساوم الشفيع
المشتري أو سأله أن يوليه إياها بذلك الثمن
فقال نعم فهو تسليم منه. ا هـ. وفي المحيط
وهذه على ثلاثة أوجه أحدها ما ذكره المؤلف
الثاني أن يصالح على أن يأخذ نصف الدار بنصف
الثمن أو ثلث الدار بثلث الثمن فالصلح جائز ;
لأنه أخذ بعوض معلوم بثمن معلوم المسألة
الثالثة أن يأخذ بعضها غير معلوم أو شيئا
معلوما يبطل الصلح ولا تبطل شفعته ; لأن هذا
لا يدل على الإعراض وفي الجامع صالح أن يسلم
الشفعة على مال بطلت الشفعة بلا مال, فإن قال
المصالح على أن تكون الشفعة لي لم تبطل الشفعة
; لأنه لم يسقط حقه بل أقام الأجنبي مقام نفسه
في طلب الشفعة وفي ابن فرشتا ولو استأجر
الشفيع الدار أو أخذها منه مزارعة أو معاملة
مع علمه بالشراء بطلت شفعته. ا هـ. والله
تعالى أعلم
قال رحمه الله "وبموت الشفيع لا المشتري" يعني
بموت الشفيع قبل الأخذ بعد الطلب أو قبله تبطل
الشفعة ولا تورث عنه ولا تبطل بموت المشتري
وقال الإمام الشافعي لا تبطل بموت الشفيع أيضا
; لأنه حق معتبر كالقصاص وحق الرد بالعيب ولنا
أنه مجرد حق وهو حق التمليك وأنه مجرد رأي وهو
الصفقة فلا يورث عنه بخلاف القصاص ; لأن من
عليه القصاص صار كالمملوك لمن له القصاص ولهذا
جاز له أخذ العوض عنه وملك العين يبقى بعد
الموت فأمكن إرثه بخلاف الشفعة ; لأنه مجرد
رأي ولهذا لا يجوز الاعتراض عنها ولأن ملك
الشفيع فيما يأخذ به الشفعة يشترط أن يكون
باقيا من وقت البيع إلى وقت الأخذ بالشفعة ولم
يوجد في حق الميت وقت الأخذ ولا في حق الوارث
وقت البيع فبطلت ; لأنها لا تستحق بالملك
الحادث بعد البيع ولا بالزائل بعد الأخذ,
وإنما لا تبطل بموت المشتري ; لأن المستحق باق
ولم يتغير بسبب حقه, وإنما حصل الانتقال إلى
الورثة فصار كما إذا انتقل إلى غيره فيأخذها
قيدنا بقولنا قبل الأخذ قال في العناية إذا
مات بعد قضاء القاضي له بالشفعة أو سلم
المشتري الدار له فهي لورثته يأخذونها ولا
تباع الدار في دين المشتري ; لأن حق الشفيع
مقدم على حق المشتري, فإن باعها القاضي أو
وصيه في دين الميت فللشفيع أن ينقضه كما لو
باعها المشتري
ج / 8 ص -279-
وبيع ما يشفع به قبل القضاء بالشفعة ولا شفعة
لمن باع أو بيع له ولو شرط البائع الخيار
لثالث فأجاز فهو كالبائع أو ضمن الدرك عن
البائع
______
في حياته لا يقال بيع القاضي حكم منه فكيف
ينقض ; لأنه قضاء منه مخالف للإجماع. ا هـ.
قال رحمه الله "وبيع ما يشفع به قبل القضاء
بالشفعة" يعني تبطل الشفعة ببيع الدار التي
يشفع بها قبل الأخذ بالشفعة ; لأن سبب
استحقاقه قد زال قبل القضاء بالشفعة ولا فرق
بين أن يكون عالما وقت بيع الدار بشراء
المشفوعة أو لم يكن عالما وكذا إبراء الغريم ;
لأن كل ذلك إسقاط فلا يتوقف على العلم كالطلاق
والعتاق ألا ترى أنه لا يرتد برد المشتري ولو
باع التي يشفع بها بشرط الخيار لا تبطل شفعته
ولو اشتراها الشفيع من المشتري بطلت شفعته ;
لأنه بالإقدام على الشراء أعرض عن الشفعة ولمن
هو بعده من الشفعاء أو مثله أن يأخذها منه
بالشفعة بالعقد الأول, وإن شاء بالثاني بخلاف
ما إذا اشتراها ابتداء من غير أن يثبت له فيها
حق الأخذ ; لأن شراءها هناك لم يتضمن إعراضا.
ا هـ.
قال رحمه الله "ولا شفعة لمن باع أو بيع له"
يعني بيع له بالوكالة والأصل فيه أن من باع أو
بيع فلا شفعة له ومن اشترى أو اشتري له كان له
الشفعة ; لأن الأخذ بالشفعة في الأول يلزم منه
نقض ما تم من جهته وهو بالبيع ; لأن البيع
تمليك والأخذ تملك وبينهما منافاة وفي الثاني
لا يلزم الثاني ذلك بل فيه تقريره ; لأن الأخذ
بالشفعة مثل الشراء ولا فرق بين أن يكون ذلك
صدر من الأصيل أو الوكيل حتى لا تكون له
الشفعة في الأول ولا لموكله وفي الثاني لهما
ذلك فلو باع المضارب أو العبد المأذون العقار
ليس للمولى ولا لرب المال الأخذ بالشفعة ولو
اشترياها كان لرب المال الشفعة لما ذكرنا وكذا
للمولى إن كان على العبد دين, وإن لم يكن عليه
دين فلا فائدة بالأخذ ; لأنه ملكه والمخير
للعقد الذي باشره الفضولي كالموكل لما عرف
وفائدة قوله أن المشتري لا تبطل شفعته إن شارك
غيره من الشفعاء إن لم يتقدموا عليه وإن تقدم
هو على من هو بعده من الشفعاء فهي لا تسلم له
عند ترك غيره من الشفعاء والبائع ليس له أن
يطلب المبيع بالشفعة في دار أخرى غيرها بلزقها
لأنه لما باعها رغب عنها والأخذ رغبة فيها
فتنافيا بخلاف المشتري وفي التجريد ومن باع
دراهم وهو شفيعها فله الشفعة ا هـ. والظاهر
أنه ومن اشترى دارا ولا يخفى أن قوله ولا شفعة
لمن باع متكررا مع قوله وبيع ما يشفع كما تقدم
قال رحمه الله "ولو شرط البائع الخيار لثالث
فأجاز فهو كالبائع", فإن كان المشتري هو الذي
فعل ذلك فأجاز فهو كالمشتري وقد بيناه
قال رحمه الله "أو ضمن الدرك عن البائع" يعني
إذا ضمن الشفيع الدرك عن البائع فلا
ج / 8 ص -280-
ومن ابتاع أو ابتيع له فله الشفعة
______
شفعة له ; لأن تمام المبيع إنما كان من جهته
فليس له أن ينقض ما تم من جهته وقد بيناه
قال رحمه الله "ومن ابتاع أو ابتيع له فله
الشفعة" وقد بينا وجهه فيما تقدم وفي فتاوى
الفضلي الوكيل بشراء الدار إذا قبض الدار وهي
في يده يطلب الشفيع منه ويأخذها منه, فإن كان
سلم الدار إلى الموكل يطلب من الموكل ويأخذ
منه ولا يطلب من الشفيع وفي جامع الفتاوى
اشترى الوكيل فحضر الشفيع يأخذها من الوكيل
ولا يلتفت إلى حضرة الموكل ولو كان وكيلا
بالبيع فباع فحضر الشفيع يأخذها من الشفيع وعن
أبي يوسف رحمه الله تعالى والوكيل بالشراء لا
يملك الأخذ. ا هـ.
وفي الجامع دار لها شفيعان قال المشتري
لأحدهما اشتريت الدار لك فصدقه لا يبطل حقه,
وإن أقر بعد ذلك أنه لم يأمره ; لأنا تيقنا
ثبوت الشفعة له بالشراء سواء اشترى المشتري
الدار لنفسه أو اشتراها للمقر له بأمره ; لأن
من اشترى أو اشتري له كان له الشفعة ولم يوجد
منه ما يبطلها ; لأن تملكه الدار بالشراء طلب
منه للشفعة وزيادة ولأن من يطلب الشفعة يتملك
الدار بالشفعة في الطلب الثاني, فإذا ملكها
للحال قام ذلك منه مقام الطلب والزيادة ولو
قال المشتري هذه الدار كلها كانت لك ولم تكن
لي ولا للبائع أو قال كنت اشتريتها قبل أو قال
البائع وهبها لك فصدقه بطلت شفعته ولو لم
يصدقه على ذلك للشفيع الأخذ فله أن يأخذها
كلها بالشفعة ; لأن الشراء قد صح من حيث
الظاهر وجبت الشفعة للشفيعين بعدما ثبت لهما
من حيث الظاهر فبطل حق المصدق لتصديقه ولم
يبطل حق المكذب ; لأنهما يصدقان عليه وفي
النوادر ولو أقر الشفيع قبل القضاء له بالشفعة
أن هذه الدار لفلان الغائب وأنه لم يأمره
بالبيع وقال المشتري بل هو للبائع لم تبطل
شفعته وكذلك لو قال البائع وكلني صاحبها
بالبيع وقال الشفيع لم يأمره صاحبها بالبيع
فله الشفعة ; لأن قول الشفيع لا يصدق في حق
المتبايعين فكان المبيع محكوما بصحته في حقهما
فجاز للشفيع أن يطالب بحقوقه وكذلك لو ادعى
هذه الدار رجل فشهد له هذا الشفيع فلم يعدل ثم
باعها ذو اليد فللشفيع أن يأخذها بالشفعة ذكره
ابن سماعة ولو قال الشفيع هذه الدار لي, فإن
أقمت البينة وإلا أخذتها بالشفعة فلا شفعة ;
لأنه ادعى ملكها والشفعة للتملك ويمتنع أن
يملك ما هو على ملكه والشفعة حقه فلا يجوز أن
يتملك بالعوض ما هو على ملكه ذكره ابن سماعة
عن أبي يوسف وفي المسائل المتقدمة اعترف بكون
الشيء على ملك غيره فجاز أن يتملكه بعوض هذا
إذا علم أنه وكيل بالشراء فقد قدمنا حكمه, أما
إذا لم يعلم ذلك إلا بقوله وأنكر الشفيع
الوكالة فهو خصم ولا فائدة في هذه الخصومة ;
لأنا لو علمنا بالوكالة كان خصما ; لأن حقوق
العقد تتعلق
ج / 8 ص -281-
...........................................
______
به فكذا إذا لم تكن معلومة ولو قال المشتري
قبل أن يخاصمه الشفيع اشتريت لفلان وسلم ثم
حضر الشفيع فلا خصومة بينه وبين المشتري ; لأن
إقراره قبل الخصومة لفلان صحيح كما لو كانت
الوكالة معلومة ولو أقر بذلك بعدما خاصمه
الشفيع لم تسقط الخصومة عنه ; لأنه صار خصما
للشفيع وهو بهذا الإقرار يريد إسقاط حقه فلا
يملكه ولو أقام بينة أنه قال قبل شرائه أنه
وكيل فلان لم تقبل بينته ; لأنه يدفع بهذه
البينة الخصومة عن نفسه. وروى عن محمد أنه
تقبل بينته لدفع الخصومة حتى يحضر المقر له
والوكيل بطلب الشفعة خصم ; لأن الأخذ بالشفعة
يتضمن للشراء والخصومة والوكيل بهما جائز إلا
عند أبي حنيفة ; لأنه لا يصح إلا برضا الخصم
وعندهما جائز بغير رضا الخصم ولو طلب وكيل
الشفيع فقال المشتري قد سلم الشفيع لا يقبل
قوله وكذلك لو أراد يمينه أنه لم يفرط في طلب
الشفعة ولكن يؤمر بتسليم الدار إلى الوكيل ثم
يتبع الموكل ويستحلفه وصار كالوكيل بقبض الدين
إذا ادعى المديون الإبراء من الموكل, فإنه
يؤمر بدفع الدين للوكيل ثم يتبع الموكل
ويستحلفه على ذلك ولو سلم الوكيل الشفعة أو
أقر بالتسليم عند القاضي جاز تسليمه ; لأن من
ملك الأخذ بالشفعة ملك التسليم كما في الأب
والوصي ولا يجوز عند غير القاضي عندهما وقال
أبو يوسف يجوز بناء على أن الوكيل إذا أقر على
موكله بالتسليم في غير مجلس الحكم يقبل لما
يأتي في الوكالة للدار شفيعان فوكلا رجلا فقال
سلمت شفعة أحدهما ولم يبين أيهما هو وقال أطلب
الآخر ليس له ذلك حتى يبين ; لأن القاضي يحتاج
إلى أن يقضي بالشفعة لأحدهما وبالتسليم على
الآخر ولا يمكنه ذلك إلا بعد البيان وكل
الشفيع المشتري فأخذهما لم يصح ; لأن الأخذ
بالشفعة شراء. والواحد لا يصح وكيلا بالشراء
من الجانبين وكذلك لو وكل البائع استحسانا ;
لأنه يصير أخذا من نفسه فيؤدي إلى التضاد في
الحقوق إن كان المبيع في يده وبعد التسليم
يصير ساعيا في نقض ما قد تم من جهته ; لأنه
بأخذه ينفسخ العقد بينه وبين المشتري ولا يجوز
لأحد المتعاقدين السعي في نقض ما تم به وكله
بأن يأخذ الشفعة بكذا أو كان المشتري اشترى
بأكثر لا يأخذ ; لأن الوكيل بالشفعة وكيل
بالشراء والوكيل بالشراء لا يملك الشراء بأكثر
مما بين له الموكل من الثمن وكذلك لو قال
اشترها من فلان فاشتراها من غيره لا ينفذ ;
لأنه خالف فخاصمه في أخرى ليس له ذلك إلا إذا
عمم في التوكيل ; لأن الوكيل بشراء دار بعينها
لا يملك شراء دار أخرى ولو طلب المشتري من
الوكيل بطلب الشفعة أن يكف عنه مدة على أنه
على خصومته وشفعته جاز ; لأن الشفيع لو أخر
وأمهل المشتري بعد الإشهاد بدون طلبه جاز
فكذلك بطلب وكيله ولا تبطل الشفعة بموت الوكيل
وتبطل بموت الموكل ولحاقه بدار الحرب مرتدا ;
لأن الحق ثابت للموكل لا للوكيل وفي المنتقى
ولو وكل رجلا بطلب كل حق له
ج / 8 ص -282-
فإن قيل للشفيع إنها بيعت بألف فسلم ثم علم
أنها بيعت بأقل أو ببر أو شعير قيمته ألف أو
أكثر فله الشفعة
______
وبالخصومة والقبض ليس له أن يطلب شفعته ; لأن
الشفعة شراء والوكيل بالخصومة لا يملك الشراء
وله أن يقبض شفعة قد قضي بها
قال رحمه الله "فإن قيل للشفيع إنها بيعت بألف
فسلم ثم علم أنها بيعت بأقل أو ببر أو شعير
قيمته ألف أو أكثر فله الشفعة" ; لأن تسليمه
كان لاستكثار الثمن أو لتعذر الجنس ظاهرا,
فإذا تبين له خلاف ذلك كان له الأخذ للتيسير
وعدم الرضا على تقدير أن الثمن غيره ; لأن
الرغبة في الأخذ تختلف باختلاف الثمن قدرا
وجنسا, فإذا سلم على بعض الوجوه لا يلزم منه
التسليم في الوجوه كلها وكذا كل موزون أو مكيل
أو عددي متفاوت بخلاف ما إذا علم أنها بيعت
بعروض قيمتها ألف أو أكثر ; لأن الواجب فيه
القيمة وهي دراهم أو دنانير فلا يظهر فيه
التيسير فلا يكون له الأخذ وكذا لو أخبر أن
الثمن عروض كالثياب والعبيد فظهر أنه مكيل أو
موزون أو أخبر أن الثمن مكيل أو موزون فظهر من
خلاف جنسه من المكيل والموزون فهو على شفعته
لما ذكرنا, وإن ظهر أنه جنس آخر من العروض
قيمته مثل قيمة الذي بلغه أو ظهر أنه ذهب أو
فضة قدره مثل قيمة ذلك فلا شفعة له لعدم
الفائدة ; لأن غير المكيل والموزون الواجب
القيمة فلا يظهر التفاوت قال صاحب النهاية
تقييده بقوله قيمته ألف أو أكثر غير مفيد,
فإنه لو كان قيمته أقل من ألف فتسلمه باطل
لإطلاق المبسوط والإيضاح حيث قالا ثم ظهر له
مكيل أو موزون فهو على شفعته. وأجيب بأنه مفيد
; لأنه إذا علم أن الشفعة لا تبطل إذ ظهر أنه
أكثر علم بطريق الأولى أنها لا تبطل إذ ظهر
أنه أقل وفي المحيط ولو بلغه أن الثمن عبد
فظهر أنه جارية ينظر إن كان قيمة الجارية
كقيمة العبد أو أكثر بطلت, وإن كان أقل من
قيمة العبد لا تبطل فهو كما لو أخبر بالثمن
ألف وظهر أقل ولو أخبر أن الثمن ألف درهم
فسلم, فإذا هو مائة دينار لم يذكره في الأصل
أيضا وذكر الكرخي ينظر إن كان قيمة الدنانير
ألف درهم أو أكثر صح التسليم وهو قول شيخ
الإسلام كذا في التجريد وروي عن زفر له في
الوجهين الشفعة وهو قول الإمام ولو أخبر أنه
باع نصفها فسلم ثم علم أنه باع كلها فله
الشفعة ; لأن من رغب عن البعض لعيب الشركة لا
يكون راغبا عن الكل وليس فيه عيب ولو أخبر أنه
باع الكل فسلم ثم علم أنه باع نصفها بطلت
شفعته ; لأن من رغب عنها وليس بها عيب الشركة
كان راغبا عنها وبها عيب الشركة بالطريق
الأولى قالوا وتأويلها أن يكون ثمن النصف ثمن
الكل فلو أخبر أنه باع الكل بألف ثم علم أنه
باع النصف بخمسمائة, فإنه يجب أن يكون على
شفعته ; لأنه إذا رغب في الأول لعجزه عن الألف
فلا يكون راغبا عن الخمسمائة. ولو أخبر أنها
بيعت بألف فسلم الشفيع الشفعة ثم حط البائع عن
ج / 8 ص -283-
ولو بان أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلا
شفعة له وإن قيل له إن المشتري فلان فسلم ثم
ظهر أنه غيره فله الشفعة
______
المشتري شيئا من الثمن وقبل الحط فله الشفعة ;
لأنه يلتحق بأصل العقد فصار كما لو أخبر أنها
بيعت بألف فظهر أنها بيعت بأقل منه ولو زاد
البائع مشتري الدار عليها عبدا أو أمة بعدما
سلم الشفيع الشفعة كان للشفيع أن يأخذ الدار
بحصتها من الثمن ; لأنه تبين أن حصة الدار من
الثمن أقل ولو قضى القاضي له بالشفعة ولم يعلم
بالثمن ثم علم فله الخيار ; لأن رضاه بالأخذ
إنما يتم إذا علم بالثمن. ا هـ.
وفي التجريد وغيره أخبر أن الثمن عبد أو جارية
فظهر أنه مكيل أو موزون فهو على شفعته. ا هـ.
قال رحمه الله "ولو بان أنها بيعت بدنانير
قيمتها ألف فلا شفعة له" وهو قول أبي يوسف وقد
بينا المسألة بفروعها فيما تقدم وفي المحيط
سلم الشفيع الشفعة فقال المشتري للبائع كان
تلجئة لا يتجدد شفعته ; لأنه بعدما سلم لم يبق
له حق فصح إقرارهما بأن البيع تلجئة فكان
فاسدا ولو ثبت معاينة أن البيع تلجئة لا يتجدد
للشفيع حق الشفعة بخلاف ما لو كان قبل التسلم
; لأن حق الشفيع ثبت من حيث الظاهر فإقرارهما
يتضمن إبطال حقه فلا يقبل تسلم الشفيع في هبة
بعوض فظهر أنه بيع لم تعد الشفعة ولو سلم في
هبة بغير شرط العوض ثم تصادقا أنه كان بشرط
العوض فله الشفعة وفي النوادر ولو سلم الشفعة
ثم جعل المشتري للبائع خيار يوم جاز, فإن نقض
البائع البيع في ذلك اليوم لا يتجدد للشفيع حق
الشفعة رواه ابن سماعة عن محمد وروى ابن سماعة
عن أبي يوسف أن له الشفعة ا هـ.
قال رحمه الله "وإن قيل له إن المشتري فلان
فسلم ثم ظهر أنه غيره فله الشفعة" لتفاوت
الناس في الأخلاق فمنهم من يرغب في معاشرته
ومنهم من يجتنب مخافة شره فالتسليم في حق
البعض لا يكون تسليما في حق غيره ولو علم أن
المشتري هو مع غيره كان له أن يأخذ نصيب غيره
; لأن التسليم لم يوجد في حقه قال محمد في
الجامع الصغير ولو قال الشفيع سلمت الشفعة في
هذه الدار إن كنت اشتريتها لنفسك وقد اشتراها
لغيره فهذا ليس بتسليم وذلك ; لأن الشفيع علق
التسليم بشرط وصح هذا التعليق ; لأن تسليم
الشفعة إسقاط الحق كالطلاق فصح تعليقه بالشرط
ولا يترك إلا بعد وجوده قال صاحب العناية
بعدما نقل كلام محمد هذا وهذا كما ترى يناقض
قوله ولا يتعلق إسقاطه بالشرط الجائز فبالفاسد
أولى. ا هـ. وقد يجاب بأنه فرق بين شرط وشرط
فما سبق كان من الشروط التي تدل على الإعراض
عن الشفعة والرضا بالجوار مطلقا وما ذكر هنا
من الشروط التي لا تدل على الإعراض ولا على
الرضا فتأمل.
ج / 8 ص -284-
وإن باعها إلا ذراعا في جانب الشفيع فلا شفعة
له وإن ابتاع منهما سهما بثمن ثم ابتاع
بقيمتها فالشفعة للجار في السهم الأول فقط
______
قال رحمه الله "وإن باعها إلا ذراعا في جانب
الشفيع فلا شفعة له" يعني إذا باع الدار إلا
مقدار ذراع في طول الحد الذي يلي الشفيع فلا
شفعة له ; لأن الاستحقاق بالجوار ولم يوجد
الاتصال بالمبيع وكذا لو وهب هذا القدر
للمشتري لعدم الاتصال وهو حيلة وفي
التتارخانية الحيلة في هذا الباب نوعان نوع
لإسقاطه بعد الوجوب وذلك بأن يقول للشفيع أنا
أبيعها منك فقال الشفيع نعم فتبطل شفعته وهو
مكروه بالإجماع كذا ذكره شيخ الإسلام وذكره
شمس الأئمة أنه لا يكره إذا لم يقصد المشتري
الإضرار بالشفيع وفي الينابيع قيل الاختلاف
قبل المبيع أما بعده فمكروه بالإجماع وهو
الأصح وفي العتابية ونوع منه يمنع وجوبه وقد
اختلف المشايخ قالوا على قول أبي يوسف وعلى
قول محمد مكروه وفي الذخيرة ومنهم من قال في
الشفعة لا تكره الحيلة لمنع وجوبها بلا خلاف
وفي الخلاصة الحيلة لإبطال الشفعة إن كان قبل
الوجوب لا بأس به سواء كان الشفيع عدلا أو
فاسقا فهو المختار وفي فتاوى الفضلي عن أبي
بكر بن سعيد فقال الحيلة بعد المبيع مكروهة
وفي الأحوال كلها وقبل البيع إن كان الجار
فاسقا يتأذى به فلا يكره وقيل يكره في جميع
الأحوال ا هـ.
قال رحمه الله "وإن ابتاع منهما سهما بثمن ثم
ابتاع بقيمتها فالشفعة للجار في السهم الأول
فقط" ; لأن الشفيع جار في السهم الأول
والمشتري شريك في السهم الثاني وهو مقدم على
الجار ولو أراد الحيلة يشتري السهم الأول
بجميع الثمن إلا درهما والسهم الثاني بدرهم
فلا يرغب الجار في أخذه لكثرة الثمن وكذا في
المسألة الأولى ما يأتي مثل هذه الحيلة بأن
يبيع ما يلي الجار بجميع الثمن إلا درهما ثم
يشتري الباقي بدرهم, فإن أخذه بالشفعة أخذ قدر
الذراع بجميع الثمن وليس له أن يأخذ الباقي ;
لأنه ليس بجار فأيهما خاف أن لا يوفي صاحبه
شرط الخيار لنفسه, وإن خافا شرط كل منهما
الخيار لنفسه ثم يخيران معا, وإن خاف كل منهما
إذا أجاز لا يجيز صاحبه وكل منهما وكيلا
ويشترط عليه أن يجيز بشرط أن يجيز صاحبه وفي
الفتاوى ومن جملة ذلك أن يتصدق بطبقة معينة
على المشتري من الدار بطريقها ويسلمها إليه ثم
يبيع الباقي منه فلا يكون للجار شفعة وفي
الخانية أو المشتري يتصدق بمثل الثمن على
البائع وهي والهبة سواء إلا أن في الهبة من
الأجنبي يملك الرجوع وفي الصدقة لا يملك
الرجوع ومنها أن يهب جزءا شائعا ثم يترافعا
إلى حاكم يرد هبة المشاع فيما يحتمل القسمة
فيحكم بجواز الهبة ثم يبيع بقية الدار منه
فيكون الموهوب له مقدما على الجار ومن جملة
ذلك أن يهب قدر ذراع من الجانب الذي هو متصل
بملك الجار ا هـ.
ج / 8 ص -285-
وإن ابتاعها بثمن ثم دفع ثوبا عنه فالشفعة
بالثمن لا بالثوب ولا تكره الحيلة لإسقاط
الشفعة والزكاة
______
قال رحمه الله "وإن ابتاعها بثمن ثم دفع ثوبا
عنه فالشفعة بالثمن لا بالثوب" ; لأن الثوب
عوض عما في ذمة المشتري فيكون البائع مشتريا
للثوب بعقد آخر غير العقد الأول وهذه الحيلة
تمنع الجار والشريك ; لأنه يبتاع العقد بأضعاف
قيمته ويعطيه بها ثوبا قدر قيمة العقار غير
أنه يخاف أن يتضرر البائع بذلك ; لأنه لو
استحقت الدار تبقى الدراهم كلها في ذمة البائع
لوجوبه عليه بالبيع وبراءته حصلت بطريق
المقاصة بثمن العقار, فإذا استحق تبين أنه ليس
عليه ثمن العقار فبطلت المقاصة فيجب على
البائع الثمن كله والحيلة فيه أن يدفع إليه
بدل الدراهم الثمن الدنانير بقدر قيمة العقار
فيكون صرفا بما في ذمته من الدراهم ثم إذا
استحق العقار تبين أن لا دين على المشتري
فيبطل الصرف للافتراق قبل القبض فيجب رد
الدنانير لا غير والحيلة الأولى تختص بالجوار
وهذه لا وحيلة أخرى تعم الجار والشريك أن
يشتريه بأضعاف قيمته من الدراهم ثم يوفيه من
الدراهم قدر قيمة العقار لا قدر قيمة الدنانير
مثلا ثم يعطيه الدنانير بالباقي فيصير صرفا
فيه, فإذا استحق المشفوع يرد ما قبض كله فغير
الدنانير على أنه بدل عن العقار المستحق
والدينار لبطلان الصرف, وإن كان الشفيع خليطا
في نفس المبيع فأراد أن يبيعها من أحدهم وتسقط
الشفعة من الباقين فالحيلة فيه أن يجعل الثمن
مجهولا والصبي والمجنون بمنزلة البالغ في هذه
المسألة بعد أن يكون مثل القيمة أو بنقصان
يتغابن فيه وهذه حيلة عامة وذكر الخصاف حيلة
لم يذكرها محمد وهو أن يدعي أن الدار لابن
صغير له في يد هذا الرجل ثم إن المدعي يدعي له
مائة دينار ولا يقول إنها من مال ابنه الصغير
على أنه يسلم الذي في الدار فيجوز ولا شفعة
فيها ; لأن الأب لم يأخذ الدار بطريق المعاوضة
ومن جملة الحيل أن يقر البائع بجزء معلوم من
الدار للمشتري ثم يبيع الباقي منه ومن الحيل
أن يوكل المشتري وكيلا بالشراء فيشتري الوكيل
ويغيب ولا يكون الموكل خصما للشفيع فهذا على
قول محمد وعلى قول أبي يوسف يكون خصما له ا
هـ.
قال رحمه الله "ولا تكره الحيلة لإسقاط الشفعة
والزكاة" هذا عند أبي يوسف وعند محمد يكره ;
لأن الشفعة وجبت لدفع الضرر وهو واجب وإلحاق
الضرر به حرام فكانت مكروهة ضرورة ولأبي يوسف
أنه يحتاج لدفع الضرر عن نفسه والحيلة لدفع
الضرر عن نفسه مشروع, وإن كان غيره يتضرر بذلك
وقد قدمنا هذه المسألة بفروعها قال في النهاية
قيل هذا الاختلاف بينهم قبل الوجوب, أما بعده
فمكروه بالإجماع ولقائل أن يقول إما أن يراد
بالإجماع والاختلاف إجماع المجتهدين واختلافهم
في نفس المسألة أو يراد إجماع المشايخ
ج / 8 ص -286-
وأخذ حظ البعض بتعدد المشتري لا بتعدد البائع
______
واختلافهم في الرواية أيما كان لا يخلو عن
اضطراب ; لأن الاختلاف بين المجتهدين مقرر
وبين المشايخ أيضا مقرر.
قال رحمه الله "وأخذ حظ البعض بتعدد المشتري
لا بتعدد البائع" يعني أن المشتري إذا تعدد
بأن اشترى جماعة عقارا والبائع واحد يتعدد
الأخذ بالشفعة بتعددهم حتى كان للشفيع أن يأخذ
نصيب بعضهم ويترك الباقي, وإن تعدد البائع بأن
باع جماعة عقارا مشتركا بينهم والمشتري واحد
لا يتعدد الأخذ بالشفعة بتعددهم حتى لا يكون
للشفيع أن يأخذ نصيب بعضهم دون بعض والفرق أن
الشفيع في الوجه الثاني لو أخذ نصيب بعضهم
تتفرق الصفقة على المشتري فيتضرر بعيب الشركة
وهي شرعت على خلاف القياس لدفع الضرر عن
الشفيع فلا تشرع على وجه يتضرر المشتري ضررا
زائدا على الأخذ بالشفعة وفي الأول لا تتفرق
الصفقة على أحد ولا فرق في هذا بين أن يكون
قبل القبض أو بعده في الصحيح إلا أن الشفيع
إذا اختار أخذ الجميع لا يمكنه أن يأخذ نصيب
أحدهم إذا نقد حصته من الثمن حتى ينقد الجميع
لئلا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع بمنزلة
المشترين أنفسهم ; لأنه كواحد منهم وكما إذا
كان المشتري واحدا فنقد البعض من الثمن وسواء
سمى لكل ثمنا أو سمى الكل جملة ; لأن العبرة
في هذا لاتحاد الصفقة لا لاتحاد الثمن
واختلافه والعبرة في التعدد والاتحاد للعاقد
دون المالك حتى لو وكل واحد جماعة بالشراء
فاشتروا له عقارا واحدا بصفقة واحدة يتعدد
وأخذه يتعدد وكان للشفيع أن يأخذ نصيب أحدهم.
ولو وكل جماعة واحدا ليس للشفيع أن يأخذ نصيب
بعضهم ; لأن حقوق العقد تتعلق بالعاقد وهو أصل
فيه فيتحدد باتحاده ويتعدد بتعدده قيدنا
بقولنا لا فرق بين أن يكون الأخذ قبل القبض أو
بعده في الصحيح وروى الحسن عن الإمام أنه فصل
فقال إن أخذ قبل القبض نصيب أحدهم ليس له ذلك
وبعده كان له ذلك ; لأنه قبل القبض يتضرر
البائع بأخذ البعض منه بتفريق اليد عليه وبعده
لا يتضرر ; لأنه لم يبق له يد وجوابه له أن
يحبس الجميع إلى أن يستوفي جميع الثمن فلا
يؤدي إلى تفريق اليد عليه وإذا اشترى الرجل
دارين صفقة واحدة وشفيعها واحد فأراد أن يأخذ
أحدهما دون الآخر فليس له ذلك وفي فتاوى
العتابية ولو كانا متلاصقين وشفيع أحدهما خاصة
ولو كانا أرضين أو قرية أو أرضها أو قريتين
وأرضهما وهو شفيع ذلك كله, فإنما له أن يأخذ
جميع ذلك كله, فإنما له أن يأخذ جميع ذلك أو
يدعه سواء كانا متلاصقين أو في مصرين أو
قريتين بعد أن يكون ذلك صفقة. وذكر شيخ
الإسلام في شرحه أن له أن يأخذ الدار الذي هو
شفيعها في ظاهر الرواية ولو اشترى الدار بمتاع
فيها صفقة واحدة فالشفيع يأخذ الدار مع المتاع
أو يدع الكل وذكر شمس الأئمة السرخسي في شرحه
كان أبو حنيفة يقول أولا هذا ثم رجع وقال يأخذ
واحدا منهما ثم رجع وقال يأخذ الذي هو
ج / 8 ص -287-
وإن اشترى نصف دار غير مقسوم أخذ الشفيع حظ
المشتري بقيمته وللعبد المأذون الأخذ بالشفعة
من سيده كعكسه
______
شفيعها خاصة وفي الفتاوى العتابية ولو اشترى
دارين ورفع الحائط من الدار الأخرى وجعلها
دارا واحدة أخذ الشفيع كلها, وإن كان ذلك
الباب بحاله ; لأنه دار لها بابان ولو فتح باب
البيت التي اشتراها إلى داره وسد الباب الأول
وصار معروفا بهذا البيت معها أخذها بالشفعة.
قال رحمه الله "وإن اشترى نصف دار غير مقسوم
أخذ الشفيع حظ المشتري بقيمته" يعني لو اشترى
نصف دار غير مقسوم فقاسم المشتري البائع يأخذ
الشفيع نصيب المشتري الذي حصل له بقيمته وليس
له أن ينقض القسمة سواء كانت بقضاء أو تراض ;
لأن القسمة من تمام القبض لما فيه من تكميل
الانتفاع والشفيع لا ينقض القبض ليجعل العهدة
على البائع ولهذا لو باع أو أجر يطيب له الثمن
والأجرة وليس للشفيع فيه ملك, وإنما له حق
الأخذ بالشفعة وذلك لا يمنع نفوذ تصرفاته غير
أنه ينقض تصرفا يبطل حقه لدفع الضرر عن نفسه
ولا ضرر في القسمة فيبقى على الأصل في حق
البيع الأول وفي حق ما له حكمه وهو القبض
بجهته فظاهر عبارة الشارح أنه يأخذ سواء وقع
في جانب الدار المشفوع بها أو لا وفي التجريد
عن الإمام أن الشفيع إنما يأخذ النصيب الذي
أصاب المشتري إذا وقع في جانب الدار المشفوع
بها وفي واقعات الناطفي أن القسمة إذا كانت
بحكم ففي نقض القسمة روايتان. قال الصدر
الشهيد في واقعاته والمختار لا نقض بخلاف ما
إذا أخذ أحد الشريكين نصيبه من الدار المشتركة
وقاسم المشتري الشريك الذي لم يبع حيث يكون
للشفيع نقضه ; لأن العقد لم يقع من الذي قاسم
فلم تكن القسمة من تمام القبض الذي هو حكم
البيع الأول بل هو تصرف بحكم الملك فينقضه
الشفيع كما ينقض بيعه وهبته وفي التجريد رجلان
اشتريا دارا وهما شفيعان ولهما شفيع ثالث
اقتسماها ثم جاء الثالث فله أن ينقض القسمة
سواء اقتسماها بقضاء أو بغير قضاء. ا هـ. أما
إذا لم يكن للشفيع نقض القسمة في مسألة الكتاب
فيأخذ نصيب المشتري في أي جانب كان ; لأنه
استحقه بالشراء والمشتري لا يقدر على إبطاله
فيأخذه وهو قول أبي يوسف وإطلاق الكتاب يدل
عليه وقدمنا قول الإمام وإطلاق الماتن صادق
على ما إذا قاسم البائع أو غيره وليس كذلك فلو
زاد أو قاسم البائع لسلم من الاعتراض ا هـ.
قال رحمه الله "وللعبد المأذون الأخذ بالشفعة
من سيده كعكسه" يعني إذا باع رجل دارا وللبائع
عبد مأذون له في التجارة وعليه دين يحيط
برقبته وماله فللعبد أن يأخذ الدار بالشفعة
وكذا عكسه وهو ما إذا كان العبد المأذون هو
البائع فلمولاه الأخذ بالشفعة ; لأن الأخذ
بالشفعة
ج / 8 ص -288-
وصح تسليمهم الشفعة من الأب والوصي والوكيل
______
بمنزلة الشراء وشراء أحدهما من صاحبه جائز إذا
كان على العبد دين ; لأنه يفيد ملك اليد للعبد
لكون المولى لا يملك ما في يد عبده المديون أو
لكون العبد أحق به بخلاف ما إذا لم يكن عليه
دين والعبد بائع ; لأن بيعه لمولاه ولا شفعة
لمن يبيع له بخلاف ما إذا اشترى ; لأنه ابتيع
له وقد بينا أن من ابتاع أو ابتيع له لا تبطل
شفعته ولو قيد بالمديون لكان أولى.
قال رحمه الله "وصح تسليمهم الشفعة من الأب
والوصي والوكيل" يعني أن الحمل والصغير في
استحقاق الشفعة كالكبير لاستوائهما في سببه
فيقوم بالطلب والأخذ والتسلم من يقوم مقامهما
وهو الأب ثم وصيه ثم أب الأب ثم وصيه ثم الوصي
الذي نصبه القاضي, فإن لم يكن أحد فهو على
شفعته حتى يدرك وهذا قول الإمام وأبي يوسف
وقال محمد وزفر هو على شفعته إذا بلغ وعلى هذا
الخلاف بطلان الشفعة بسكوت الأب والوصي عند
العلم بالشراء للإمام ومحمد وزفر أن هذا إبطال
لحق الصبي فلا يصح كالعفو عن القود وإعتاق
عبده وإبراء عن يمينه ولأن تصرفهما نظري
والنظر في الأخذ يتعين ألا ترى أنه شرع لدفع
الضرر فكان في إبطاله إلحاق الضرر به فلا يملك
ولهما أن الأخذ بالشفعة في معنى التجارة بل هو
عينها ألا ترى أنه مبادلة المال بالمال وترك
الأخذ بها ترك التجارة فيملكه كما يملك ترك
التجارة أنه لو أخذه بالشفعة ثم باعه من ذلك
الرجل بعينه جاز. فكذا إذا سلمه إليه بل أولى
; لأنه أخذه ثم باعه من ذلك الرجل بعينه جاز
كانت العهدة على الصبي وفي الأول على البائع
أو المشتري و ; لأن هذا تصرف دائر بين النفع
والضرر فيحتمل أن يكون الترك أنفع بإيفاء
الثمن على ملك الصبي بخلاف العفو عن القود وما
ذكر معه ; لأنه محض غير متردد ولأنه إبطال
بغير عوض هذا إذا بيعت بمثل قيمتها, وإن بيعت
بأكثر من قيمتها بما لا يتغابن الناس في مثله
قيل جاز التسليم بالإجماع ; لأن النظر متعين
فيه وقيل لا يجوز التسليم بالإجماع وهو الأصح
; لأنه لا يملك الأخذ فلا يملك التسليم
كالأجنبي, وإن بيعت بأقل من قيمتها بمحاباة
كثيرة فعند الإمام لا يصح تسليم الأب والوصي
ولا رواية عن أبي يوسف قال في النهاية ولما لم
يصح التسليم على قول الإمام لا يصح على قول
محمد وزفر بالأولى ولو كان المشتري هو الأب
لنفسه كان له أن يأخذه بالشفعة ما لم يكن فيه
ضرر ظاهر على الصغير وكذا لو اشترى لابنه
الصغير كان له أن يأخذه بالشفعة ما لم يكن فيه
ضرر ظاهر وهو أن لا يكون فيه غبن فاحش فكذا في
الأخذ والوصي كالأب في هذا إلا أنه يشترط في
حقه أن يكون فيه نفع بالصغير ظاهر حتى إذا كان
بمثل القيمة لا يجوز. وكذا إذا باع من نفسه
بمثل القيمة لا يجوز حتى يكون أكثر وفي الأب
يجوز إذا كان بمثل القيمة فيهما ثم كيفية طلبه
أن يقول اشتريت وأخذت بالشفعة متصلا ولو باع
كل واحد منهما مال الصغير أو مال نفسه ليس له
أن يأخذ بالشفعة لا لنفسه ولا للصغير لما
ذكرنا أن
ج / 8 ص -289-
والوكيل
______
من باع أو بيع له إلخ, وإن كان في الشراء غبن
فاحش كان للصغير أن يطلب الشفعة إذا بلغ وفي
الأصل الحمل, فإن وضعت لأقل من ستة أشهر منذ
وقع الشراء, فإنه لا شفعة لها إلا أن يكون
أبوه مات قبل البيع ورث الحمل عنه حينئذ يستحق
الشفعة, وإن جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وفي
السغناقي وإذا كانت الشفعة لكبير وصغير وحمل
وقد ثبت نسبه من الميت شركهم في الشفعة, وإن
جاءت لأكثر من ستة أشهر. ا هـ.
وفي التتمة وإذا بيعت بأقل من قيمتها فتسليم
الأب والوصي لا يصح والصغير على شفعته إذا بلغ
وفي الأصل إذا اشترى الأب لنفسه دارا وابنه
الصغير شفيعها فلم يطلب الشفيع للصغير حتى بلغ
قياس قول أبي حنيفة لا شفعة للصغير أما الوصي
فهو على شفعته ويجب أن يكون الجواب في شراء
الأب دارا وابنه الصغير شفيعها على التفصيل إن
لم يكن فيه ضرر فلو وقع بأكثر من القيمة بما
يتغابن الناس فيه لا يكون للصغير شفعة إذا
بلغ, وإن وقع شراء الأب بأكثر من القيمة بما
لا يتغابن الناس فيه كان للصغير الشفعة إذا
بلغ. ا هـ.
قال رحمه الله "والوكيل" بالجر عطفا على الأب
يعني الوكيل بالشراء تسليم الشفعة منه صحيح
والمراد بالوكيل هاهنا الوكيل بطلب الشفعة أما
الوكيل بالشراء فتسليمه الشفعة صحيح بالإجماع
وكذا سكوته إعراض بالإجماع والوكيل بطلب
الشفعة إنما يصح تسليمه في مجلس القاضي عند
الإمام وعند أبي يوسف يصح في مجلس القاضي
وغيره وعند محمد وزفر لا يصح تسليمه أصلا ;
لأنه أتى بضد ما أمر به فصار كما وكله
باستيفاء الدين فأبرأه منه ولهما أن الوكيل
بالشراء له ; لأن الأخذ بها شراء والوكيل
بالشراء له أن يشتري فله أن يترك الشفعة غير
أن أبا يوسف يقول هو وكيل مطلق فينفذ تصرفه
مطلقا والإمام يقول الوكيل بطلب الشفعة وكيل
بالخصومة ولا تعتبر الخصومة في غير مجلس
القاضي فلا يكون وكيلا في غير مجلس الحاكم ولو
أقر الوكيل بطلب الشفعة على موكله بأن سلم
الشفعة جاز إقراره عليه عند الإمام ومحمد إذا
كان في مجلس القاضي, وإن كان في غيره فلا يجوز
إلا أنه يخرج من الخصومة. ا هـ. وقال أبو يوسف
يجوز مطلقا وقال زفر لا يجوز مطلقا وقد قدمنا
بعض هذه والله سبحانه وتعالى أعلم. |