البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 8 ص -323-     43- كتاب المساقاة
هي معاقدة دفع الأشجار إلى من يعمل فيها على أن الثمرة بينهما
______
43- كتاب المساقاة
قال: في غاية البيان كان من حق الوضع أن يقدم كتاب المساقاة على كتاب المزارعة لأن المساقاة جائزة بلا خلاف ولهذا قدم الطحاوي في مختصره كتاب المساقاة على كتاب المزارعة إلا أن المزارعة لما كانت كثيرة الوقوع في عامة البلاد كانت الحاجة إليها أكثر من المساقاة فقدمت على المساقاة ا هـ. ولك أن تقول: وجه المناسبة أن في كل منهما دفعا إلا أن في المزارعة دفع الأرض وهي الأصل وفي المساقاة المقصود دفع الأشجار وهي فرع فقدم الأصل وهو دفع الأرض وهي في اللغة مفاعلة من السقي وسبب جوازها حاجة الناس إليها, وركنها الإيجاب والقبول والارتباط, ودليلها ما تقدم في المزارعة, وشرطها كون العاقد والساقي من أهل العقد, وشرط صحتها كون الثمرة تزيد بالعمل, وصفتها أنها جائزة وحكمها وجوب الشركة في الخارج وعند الفقهاء ما سنذكره
قال رحمه الله: "هي معاقدة دفع الأشجار إلى من يعمل فيها على أن الثمرة بينهما" فقوله "معاقدة" جنس وقوله "دفع الأشجار" أخرج البيع لأنه عقد تمليك العين لا دفعها, وقوله "إلى من يعمل فيها" أخرج الإجارة لأنها وإن كانت فيها دفع للانتفاع لا ليعمل فيها, وقوله "على أن الثمرة بينهما" أخرج المزارعة وأطلق من يعمل فشمل الشريك وغيره ولو زاد الأجنبي ليعمل فيها إلخ لكان أولى لأنه لو دفع أحدهما للآخر وهما مالكان لا يصح قال في فتاوى الفضلي إذا كان النخل بين اثنين فدفع أحدهما لصاحبه معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه وما خرج فهو بينهما أثلاثا ثلثه للدافع وثلثاه للعامل فهذه المعاملة فاسدة ولو كان مكانها مزارعة بأن كانت أرض بين اثنين ودفعها أحدهما لصاحبه مزارعة على أن الخارج ثلثه للدافع وثلثاه للعامل جاز على أصح الروايتين ا هـ.

 

 ج / 8 ص -324-     وهي كالمزارعة
______
قال رحمه الله: "وهي كالمزارعة" يعني لا يجوز عند الإمام ويجوز عندهما, وشرطها عندهما شروط المزارعة في جميع ما ذكرنا إلا في أربعة أشياء أحدها إذا امتنع أحدهما يجبر لأنه لا ضرر عليه في المضي بخلاف المزارعة على ما تقدم الثاني إذا انقضت المدة تترك بلا أجرة على ما تبين بخلاف المزارعة الثالث إذا استحق النخل يرجع العامل بأجرة مثله والزارع بقيمة الزرع والرابع في بيان المدة فإذا لم يبين المدة فيها فيجوز استحسانا لأن التيقن وقت إدراك الثمرة معلوم وقل ما يتفاوت فيه فيدخل ما هو المتيقن به, وإدراك البذر في أصول الرطبة في هذا بمنزلة إدراك الثمار لأن لها نهاية معلومة فلا يشترط فيها بيان المدة بخلاف الزرع لأن ابتداءه يختلف, والانتهاء ينبني عليه فتدخله الجهالة الفاحشة وبخلاف ما إذا دفع إليه غرسا قد نبت ولم يثمر بعد معاملة حيث لا يجوز إلا ببيان المدة لأنه يتفاوت بقوة الأرض وضعفها تفاوتا فاحشا فلا يمكن صرفه إلى أول ثمر يخرج منه وبخلاف ما إذا دفع نخلا, أو أصول رطبة على أن يقيم عليها حتى يذهب أصولها ونبتها لأنه لا يعلم متى ينقطع النخل. أو الرطب لأن الرطب ثمر ما دامت أصولها فتكون مجهولة فتفسد المساقاة وكذا إذا أطلق في الرطبة ولم يرد في قوله حتى يذهب بخلاف ما إذا أطلق في النخل حيث يجوز وينصرف إلى أول ثمرة تخرج منه والفرق أن ثمر النخل لإدراكه وقت معلوم فينصرف إليه ولا يعرف في الرطبة أول جزء منه حتى لو عرف جاز لعدم الجهالة ولو أطلق في النخل ولم يثمر في تلك السنة انقطعت المعاملة فيها لانتهاء مدتها فإن سمى فيها مدة يعلم أن الثمرة لا تخرج في المدة فسدت المساقاة لفوات المقصود وهو الشركة في الثمار, وإن ذكرا مدة يحتمل الطلوع فيها جازت لعدم التيقن بفوات المقصود, ثم إن خرج في الوقت المسمى فهو على الشركة لصحة العقد, وإن تأخر فللعامل أجر مثله لفساد العقد لأنه تبين الخطأ في المدة فصار كما لو علم ذلك ابتداء بخلاف ما إذا لم يخرج أصلا لأن الذهاب بآفة سماوية فلا يتبين أن العقد كان فاسدا فبقي العقد صحيحا ولا شيء لكل واحد منهما على صاحبه وفي الخلاصة, وإن ذكرا مدة قد يخرج وقد لا يخرج فهي موقوفة إن أخرجت في المدة صحت, وإن لم تخرج فسدت وهذا إذا خرجت في المدة المضروبة ما يرغب في مثله فإن أخرجت في شيء لا يرغب في مثله فهي فاسدة. ا هـ. وفي المحيط ولو دفع إليه رطبة ثابتة في الأرض وقد انتهى جوازها لكن بذرها لم يخرج ليقوم ليخرج البذر على أن البذر بينهما نصفان ولم يسميا وقتا جاز لأنه جعل الأجرة بعض ما يخرج من عمله ولو شرطا أن الرطبة بينهما نصفان لم تجز لأنه استأجره ببعض ما أوجد قبل عمله مقصودا, وفي جامع الفتاوى

 

 ج / 8 ص -325-     وتصح في الكرم والشجر والرطب وأصول الباذنجان فإن دفع نخلا فيه ثمر مساقاة والثمر يزيد بالعمل صحت وإن انتهت لا كالمزارعة
______
ولو دفع أرضا معاملة خمسمائة سنة لم يجز, وإن شرط مائة سنة وهو ابن عشرين سنة جاز, وإن كان أكثر من عشرين سنة لم يجز ا هـ.
قال رحمه الله: "وتصح في الكرم والشجر والرطب وأصول الباذنجان" وقال الشافعي رحمه الله تعالى: في الجديد لا تجوز إلا في الكرم والنخل ولنا ما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على ما يخرج من ثمر.1 وهذا مطلق فلا يجوز قصره على بعض الأشجار دون بعض لأنه تقييد فلا يجوز بالرأي وفي فتاوى أبي الليث دفع كرما معاملة وفيه أشجار لا تحتاج إلى عمل سوى الحفظ فإن كان بحال لو لم تحفظ يذهب ثمرها قبل الإدراك لا تجوز المعاملة في تلك الأشجار ولا نصيب للعامل فيها, وفي التجريد: رجل دفع نخلا إلى رجلين معاملة على أن لأحدهم السدس وللآخر النصف ولرب الأرض الثلث فهي جائزة ولو شرطوا لصاحب النخل الثلث وللآخر الثلثين وللثالث أجر مائة على العامل فهذا فاسد والخارج كله لرب النخل ويرجع العامل الذي شرط له الثلثان على رب النخل ولرب النخل الثلثان وللثالث الثلث فهي جائزة, وفي جامع الفتاوى لو دفع إلى رجلين جاز عند أبي يوسف ولا يجوز عند الإمام, وفي شرح الطحاوي: ولو أن رجلا دفع أرضه معاملة على أن يغرس العامل فيها أغراسا والغراس يكون بينهما فهذا يجوز فإذا انقضت المدة فلرب الأرض أن يطالبه بقلع الأشجار وليس له أن يتملكها بغير رضا المستأجر إذا لم يضر القلع بالأرض فإن كان يضرها ضررا فاحشا فله أن يتملكها بغير رضاه وفي الفتاوى العتابية: إذا دفع أرضه للغراس على أن الغراس بينهما فإن كان الغراس من جانب صاحب الأرض فغرس الغراس كله لصاحب الأرض, وإن كان للعامل وقال له اغرسها فالغراس لصاحب الأرض وللعامل عليه قيمتها. ا هـ.
وفي فتاوى أبي الليث لو غرس حافتي نهر فقال رجل: غرست لي لأنك كنت خادمي, وفي عيالي وقال الغارس لنفسي فإن عرف أن الغارس كان وقت الغراس في عياله يعمل له مثل هذا العمل فالشجر له, وإن لم يعرف ذلك فللغارس ذلك ا هـ.
قال رحمه الله: "فإن دفع نخلا فيه ثمر مساقاة والثمر يزيد بالعمل صحت وإن انتهت لا كالمزارعة" لأن العامل لا يستحق إلا بالعمل ولا أثر للعمل بعد التناهي فلو جاز بعد الإدراك


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث تقدم تخريجه.

 

 ج / 8 ص -326-     فإذا فسدت فللعامل أجر مثله وتبطل بالموت
______
لا يستحق إلا بلا عمل ولم يرد به الشرع ولا يجوز إلحاقه بما قبل التناهي لأن جوازه قبل التناهي للحاجة على خلاف القياس ولا حاجة إلى مثله فبقي على الأصل.
قال رحمه الله: "فإذا فسدت فللعامل أجر مثله" لأنها في معنى الإجارة كالمزارعة إذا فسدت وقد تقدم بيانه.
قال رحمه الله: "وتبطل بالموت" لأنها في معنى الإجارة كالمزارعة فإن مات رب الأرض, والخارج بسر فللعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم عليه قبل ذلك إلى أن تدرك الثمرة وليس لورثته أن يمنعوه من ذلك استحسانا كما في المزارعة لأن في منعه إلحاق الضرر به فيبقى العقد دفعا للضرر عنه ولا ضرر على الورثة ولو التزم العامل الضرر يخير ورثة الآخر بين أن يقسموا البسر على الشرط وبين أن يعطوه قيمة نصيبه من البسر وبين أن ينفقوا على البسر حتى يدرك فيرجعون على العامل بحصته من الثمر لأنه ليس له إلحاق الضرر به كما في المزارعة هكذا ذكر صاحب الهداية وغيره, وفي رجوعه في حصته إشكال وكان ينبغي أن يرجعوا عليه بجميعه لأن العامل إنما يستحق بالعمل وكان العمل كله عليه ولهذا إذا اختار المضي, أو لم يمت صاحبه كان العمل كله عليه فلو رجعوا عليه بحصته فقط يؤدي إلى أن العمل يجب عليهما حتى يستحق المؤنة بحصته فقط وهذا خلف لأنه يؤدي إلى استحقاق العامل بلا عمل في عمل بعض المدة وهذا الإشكال وارد في المزارعة أيضا كذا في الشارح وأجاب بعض الأفاضل بأن المعنى يرجعون في حصة العامل بجميع ما أنفقوا إلا بحصته كما فهمه فيرد على هذا المجيب بأن المنقول في الكافي للعلامة النسفي. وفي الحاكم الشهيد ما نص عبارته: ويرجعون بنصف نفقتهم في حصة العامل كما في المزارعة ا هـ. فحمله غير صحيح نقل في التتارخانية في فصل الموت في المزارعة: إذا أنفق ورثة رب الأرض بأمر القاضي يرجعون على المزارع بجميع النفقة مقدرا بالحصة, وإذا أنفق رب الأرض بإذن القاضي يرجع بنصف النفقة. ا هـ.
ولا يخفى أن المعاملة والمزارعة من باب واحد فما قاله الشارح ظهر منقولا ولو مات العامل فلورثته أن يقيموا عليه وليس لرب الأرض أن يمنعهم من ذلك لأن فيه النظر من الجانبين فإذا أرادوا أن يضربوه بسرا كان صاحب الأرض بين الخيارات الثلاث التي ذكرناها, وإن ماتا جميعا فالخيار لورثة العامل لقيامهم مقامه وهذا خيار في حق مالي وهو ترك الثمار على الأشجار إلى وقت الإدراك فيورث بخلاف خيار الشرط فإن أبوا ورثة العامل أن يقيموا عليه كان الخيار في ذلك لورثة رب الأرض على ما ذكرنا, وإذا انقضت مدة العامل وكان الخارج بسرا أخضر فهو كالمزارعة إذا انقضت مدتها للعامل أن يقيم عليها إلى أن تنتهي الثمار كما أن ذلك

 

 ج / 8 ص -327-     وتفسخ بالعذر كالمزارعة
______
للمزارع لكن هنا لا يجب على العامل أجرة حصته إلا أن يدرك لأن الشجر لا يجوز استئجاره بخلاف المزارعة حيث يجب على المزارع أجر مثل الأرض إلى أن يدرك الزرع لأن الأرض يجوز استئجارها وكذا العمل كله على العامل هنا وفي المزارعة عليهما لأنه لما وجب أجر مثل الأرض بعد انتهاء المدة في المزارعة لا يستحق العمل عليه كما كان يستحق قبل انتهائها.
قال رحمه الله: "وتفسخ بالعذر كالمزارعة" بأن يكون العامل سارقا, أو مريضا لا يقدر على العمل لأنها في معنى الإجارة وقد بينا أنها تفسخ بالأعذار, وكونه سارقا عذر ظاهر لأنه يسرق الثمر والسعف ويلحق الآخر الضرر ولو أراد العامل ترك العمل في الصحيح وقيل: يمكن, وقيل لا يمكن بالاتفاق قال: أصله أن المزارعة لازمة من جهة من لا بذر منه غير لازمة من جهة رب البذر, ثم مسائله على ثلاثة أقسام: قسم في الموت, وقسم في فسخ العقد من قبله بالدين, وقسم في انقضاء المدة, وإذا أراد رب الأرض أن يفسخ العقد وليس من قبله البذر قبل العمل ليس له ذلك إلا أن يكون عليه دين لا وفاء إلا منه فإن باعها بالدين لم يكن عليه من نفقة العامل شيء في حفر الأنهار, وإصلاحها لأن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد, أو شبهه ولم يوجد ذلك ومتى كان البذر من قبله بأن يكون مستأجرا للأرض فإن نبت الزرع لا يباع حتى يستحصد لكن القاضي يخرجه من الحبس ولا يحول بينه وبين الغرماء لأن في البيع إبطال حق العامل. وفي ترك البيع تأخير حق رب الدين, والتأخير أهون من الإبطال فلو زرع ولم ينبت فقد اختلفوا فيه قيل: لصاحب الأرض بيعها بالدين لأنه ليس للزرع في الأرض حق قائم لأن إلقاء البذر استهلاك وقيل ليس له البيع لأن إلقاء البذر من الاستنماء وليس باستهلاك وأما القسم الثاني وهو ما لو دفعها إليه ثلاث سنين, ثم مات رب الأرض في الأولى قبل الحصاد يبقى الزرع حتى يستحصد استحسانا فإذا حصد ينفسخ في السنتين الباقيتين ولو مات قبل الزرع بطلت المزارعة, وإن مات بعد الزراعة قبل النبات اختلفوا فيه على نحو ما ذكرنا في الدين ولو مات المزارع والزرع بقل فقد قدمنا بيانه وهذه فروع ذكرناها تتميما للفائدة ولو دفع أرضا بيضاء على أن يغرس فيها نخلا وشجرا على أن ما خرج من شجر, أو نخل فهو بينهما نصفين وعلى أن الأرض بينهما نصفين فهذا فاسد فإن فعل فما خرج من الأرض فجميعه لرب الأرض وللغارس أجر مثل عمله دفع أرضا على أن يغرسها المدفوع إليه لنفسه ما بدا له ويزرعها من عنده ما بدا له على أن الخارج نصفان بينهما وللعامل على رب الأرض مائة درهم فهو فاسد, والخارج للغارس ولرب الأرض أجر أرضه ولو كان البذر والغراس من رب الأرض على أن يغرس ويبذرها بهما والخارج نصفان بينهما ولرب الأرض على العامل مائة درهم فهو فاسد, والخارج لرب الأرض وللعامل أجر مثله وتوجيهه يطلب من المحيط. واشتراط العمل في المعاملة

 

 ج / 8 ص -328-     ...........................................
______
والمزارعة على أقسام أحدها أن يشترطا البعض على العامل وسكتا عن الباقي أو شرطا بعضه على الدافع وسكتا عن الباقي, أو شرطا بعضه على الدافع وبعضه على العامل, وكل قسم على قسمين: الأول لو شرطا البعض على العامل وسكتا عن الباقي فإن كان المسكوت عنه لا يخرج من ذلك شيء إلا به, أو يخرج شيء لا يرغب في مثله فالمعاملة فاسدة والثاني لو شرط على نفسه السقي والحفظ لا غير فالمزارعة فاسدة إلا إذا علم أن السقي لا يزيد فيه, الثالث: لو شرط السقي على رب النخل والحفظ والتلقيح على العامل لم يجز والمزارعة كالمعاملة في هذه الأحكام إذا كان البذر من رب الأرض وتوجيهه يطلب من المحيط, وأما المزارعة إذا شرط فيها المعاملة فالمعاملة متى شرطت في المزارعة بأن دفع أرضا فيها نخل على أن يزرعها من بذره بالنصف وعلى أن يعمل في النخل ويسقيه ويلحقه بالنصف فإنه ينظر إن كان البذر من قبل العامل فسدت لأنهما عقدان اشترط أحدهما في الآخر, وإن كان البذر من قبل رب الأرض جاز عقد واحد لأنه استأجره ليعمل في أرضه ونخله وتوجيهه يطلب من المحيط. وأما لو دفع المزارع, أو العامل الأرض, أو النخل لغيره مزارعة أو معاملة فهي على وجهين: إما أن يكون البذر من قبل رب الأرض, وفي هذا لا يملك أن يدفع الأرض مزارعة أو معاملة إلا أن يأذن له رب البذر في ذلك, أو يقول له: اعمل برأيك ولكن له أن يستأجر أجيرا من ماله لإقامة عمل المزارعة, وإن قال رب البذر: اعمل لله تعالى برأيك جاز له أن يدفعها لغيره مزارعة, وإذا لم يأذن له ولم يقل اعمل برأيك فدفعها لغيره مزارعة فصار مخالفا غاصبا وبطلت المزارعة بينه وبين رب الأرض ولرب الأرض أن يضمن أيهما شاء أجرة الأرض فإذا ضمن الأول لم يرجع على صاحبه, وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه مغرور من جهته كذا في الفتاوى الكبرى, وأما لو أذن له رب الأرض, أو قال له: اعمل برأيك فدفعها جاز, وإن كان رب الأرض شرط للمزارع النصف فدفعها للثاني بالنصف فما خرج منها فنصفه لرب الأرض ونصفه للمزارع الثاني وإن شرط المزارع الأول للثاني الربع وللأول الربع, وحكمهما حكم المضاربة, وفي فتاوى الخلاصة, وإن كان البذر من قبل العامل له أن يدفع إلى آخر مزارعة, وإن لم يأذن له رب الأرض أصلا ولو دفع صار الزارع الأول مؤجرا ما إذا استأجره إجارة فاسدة صار الأول مستأجرا للمزارع الثاني ببعض الخارج ويعمل في الأرض ا هـ.
وفي المحيط إذا عمل صاحب الأرض مع العامل بأمره, أو بغير أمره فهو على قسمين إما أن يكون البذر من قبل رب الأرض, أو من قبل العامل فلو كان من قبل رب الأرض بأن دفع أرضه وبذره مزارعة بالنصف فزرع العامل وسقى فلما نبت قام عليه رب الأرض حتى استحصد بغير أمر العامل فالخارج على الشرط ورب الأرض متطوع بعمله كما لو قام عليه

 

 ج / 8 ص -329-     ...........................................
______
أجنبي ولو بذر المزارع ولم ينبت ولم يسقه فسقاه رب الأرض وقام عليه حتى استحصد فالخارج لرب الأرض قياسا, وفي الاستحسان على الشروط ورب الأرض متطوع كما لو قام عليه أجنبي ولو لم يزرع العامل حتى زرعه رب الأرض وسقاه ثم قام عليه المزارع حتى استحصد فالخارج لرب الأرض والمزارع متطوع, وإن بذره رب الأرض بغير إذن الزارع ولم يسقه ولم ينبت فسقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج على الشرط. القسم الثاني: لو كان البذر من قبل المزارع فبذر ولم يسقه ولم ينبت فقام عليه رب الأرض حتى استحصد فالخارج بينهما وكذا لو بذره رب الأرض ولم ينبت ولم يسقه حتى قام عليه المزارع فالخارج على الشرط ولو كان رب الأرض سقاه حتى نبت, ثم قام عليه المزارع وسقاه فهو لرب الأرض, ويضمن البذر لربه والمزارع متطوع في سقيه وما علمته من الجواب في المزارعة فهو الجواب في المعاملة كذا في المحيط, وأما لو اختلفا في المزارعة أو المعاملة فلا يخلو إما أن يختلفا في العقد, أو الشرط أو في جواز العقد وفساده فلو اتفقا على جواز واختلفا في المشروط - والبذر من قبل رب الأرض - إن كان قبل المزارعة وأقاما بينة فبينة الزارع أولى لأنها أكثر إثباتا وإن لم تقم لأحدهما بينة تحالفا وترادا, وإن اختلفا بعد الزراعة والنبات فالقول لرب الأرض مع يمينه والبينة للآخر, وإن كان البذر من قبل العامل فالقول له والبينة للآخر بعد عقد المزارعة وقبلها يتحالفان, وبدئ بيمين رب الأرض, وأما لو اختلفا في الجواز والفساد فهو على ثلاثة أوجه: أما إن اختلفا قبل الزراعة فالقول لمدعي الفساد, وإن اختلفا بعد الزراعة فالقول لصاحب البذر هذا إذا كان البذر من قبل العامل فإن كان من قبل رب الأرض فاختلفا فالقول للعامل والبينة لرب الأرض سواء اختلفا قبل الزرع, أو بعده, وأما لو اختلفت ورثتهما بعد موتهما فإما أن يختلفا في مقدار الأنصباء والبذر من قبل العامل فالقول لورثة صاحب الأرض والبينة للآخر, وإن كان البذر من رب الأرض فالقول لورثة صاحب البذر والبينة للآخر, وإن أقاما معا بينة فبينة صاحب البذر أولى, وإن اختلفا في صاحب البذر كان القول قول ورثة المزارع والبينة للآخر, وإن اختلفا في البذر, وفي شرط وأقاما بينة فالبينة بينة رب الأرض, ولو مات المزارع بعد الاستحصاد ولم يدر ما فعل بحصة المزارع فضمان حصة المزارع في ماله لأنه مات مجهلا للوديعة ولو مات العامل بعدما انتهت الثمرة فلم يوجد في النخل شيء إن علم خروج الثمرة ضمن حصة الآخر, وإلا فلا كذا في المحيط وتفاصيله تطلب منه ا هـ. والله تعالى أعلم بالصواب, وإليه المرجع والمآب.