البحر الرائق شرح كنز الدقائق ط احياء التراث

 ج / 8 ص -330-     44- كتاب الذبائح
______
44- كتاب الذبائح
قال جمهور الشراح: المناسبة بين المزارعة والذبائح كونها إتلافا في الحال للانتفاع في المآل فإن المزارعة إتلاف الحب في الأرض للانتفاع بما ينبت منها, والذبح إتلاف الحيوان بإزهاق روحه للانتفاع به بعد ذلك قيل هذا إنما يقتضي تعقيب المزارعة بالذبائح دون تعقيب المساقاة وأجيب بأن المساقاة كالمزارعة في غالب الأحكام فكانت المناسبة المذكورة بين المزارعة والذبائح لدخول المساقاة في المزارعة ضمنا فاكتفي بذلك, ويحتاج إلى معرفة تفسير الذكاة لغة وشرعا وركنها وشرط جوازها وحكمها. أما تفسيرها لغة فهي إما مشتقة من الحدة يقال سراج ذكي إذا كان يراه في غاية الحدة ويقال فلان ذكي إذا كان سريع الفهم والإدراك لحدة خاطره وفهمه ويقال مسك ذكي إذا كان طيب الرائحة يقوم منه الريح, وإما مشتقة من الطهارة قال عليه الصلاة والسلام:
"دباغ الأديم ذكاة"1 أي طهارته وقال: "ذكاة الأرض يبسها"2 أي طهارتها, وكلا المعنيين موجود في الذكاة فإن فيها حدة من حيث إنها مسرعة إلى الموت وتطهر الحيوان عن الدماء المسفوحة والرطوبات السائلة النجسة, وأما ركنها فهو القطع, والجرح, وأما شرطها فأربعة: آلة قاطعة جارحة, والثاني كون الذبح ممن له ملة حقيقة كالمسلم, أو ادعاء كالكافر, والثالث كون المحل من المحللات إما من كل وجه كمأكول اللحم أو من وجه كغيره وهو ما يباح الانتفاع بجلده وشعره, والرابع التسمية عندنا لما سيأتي,
وأما حكمها فطهارة المذبوح وحل أكله إن كان من المأكولات وطهارة عينه للانتفاع إذا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه أحمد في "مسنده" "3511".
2 قال ابن حجر في التلخيص "31": لا أصل له في المرفوع. 

 

 ج / 8 ص -331-     هي جمع ذبيحة والذبح قطع الأوداج وحل ذبيحة مسلم وكتابي
______
كان لا يؤكل كذا في المحيط, وأما شرعا فهو قوله: والذبح إلى آخره, وترجم بالذبائح والظاهر أنه أراد بالذبائح الذبح الذي هو الذكاة والمؤلف أبقاه على ظاهره فلذا
قال: "هي جمع ذبيحة" وهي اسم لما يذبح يعني: الذبائح جمع ذبيحة والذبيحة اسم للشيء المذبوح ولا يخفى أن المناسب أن يترجم بالذبح لأنه فعل والمكلف إنما يبحث عن الأفعال أولا بالذات لا عن الأعيان إلا بطريق التبع وقوله: جمع ذبيحة الأولى تركه لأن الفقيه لا يبحث عن الإفراد والجمع وإنما يبحث عن الأحكام.
قال رحمه الله: "والذبح قطع الأوداج" لقوله عليه الصلاة والسلام:
"أفر الأوداج بما شئت"1 والمراد الحلقوم والمريء والودجان, وإنما عبر عنه بالأوداج تغليبا وبه يحل المذبوح لقوله تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: من الآية3] ولأن المحرم هو الدم المسفوح وبالذبح يقع التمييز بينه وبين اللحم فيطهر به إن كان غير مأكول ويقال: ذكاء السن بالمد لنهاية الشباب, وذكاة النار بالقصر لتمام اشتعالها, وهي اختيارية واضطرارية فالأول الجرح ما بين اللبة واللحيين والثاني الجرح في أي موضع كان من البدن وهذا كالبدل عن الأول لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأول وإنما كان كذلك لأن الأول أبلغ في إخراج الدم من الثاني فلا يترك إلا بالعجز عنه ويكتفى بالثاني للضرورة لأن التكليف بحسب الوسع وذهب العراقيون من مشايخنا إلى أن الذبح محظور عقلا لما فيه من إيلام الحيوان ولكن الشرع أحله قال شمس الأئمة السرخسي في المبسوط: وهذا عندي باطل لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتناول اللحم قبل البعثة ولا يظن به أنه كان يأكل ذبائح المشركين لذبحهم بأسماء آلهتهم فعرفنا أنه كان يصطاد ويذبح بنفسه وما كان يفعل ما هو المحظور عقلا كالكذب والظلم والسفه.
قال رحمه الله: "وحل ذبيحة مسلم وكتابي" لقوله تعالى:
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: من الآية5] والمراد به ذبائحهم لأن مطلق الطعام غير المذكى يحل من أي كافر ولا يشترط أن يكون من أهل الكتاب ولا فرق في الكتابي بين أن يكون ذميا, أو حربيا, ويشترط أن لا يذكر فيه غير الله تعالى حتى لو ذكر الكتابي المسيح, أو عزيرا لا يحل لقوله تعالى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} وهو كالمسلم في ذلك فإنه لو أهل به لغير الله لا يحل قال في العناية الكتابي إذا أتى بالذبيحة مذبوحة أكلنا فلو ذبح بالحضور فلا بد من الشرط وهو أن لا يذكر غير اسم الله ولا فرق في الذابح بين أن يكون صبيا, أو مجنونا قال في النهاية


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/187" وقال أخرجه أبو داود

 

 ج / 8 ص -332-     وصبي وامرأة وأخرس وأقلف لا مجوسي ووثني ومرتد ومحرم وتارك التسمية عمدا
______
المراد بالمجنون المعتوه لأن المجنون لا قصد له ولا بد من التسمية وهي القصد وهو أن يعقلها.
قال رحمه الله: "وصبي وامرأة وأخرس وأقلف" يعني تحل ذبيحة هؤلاء والمراد بالصبي الذي يعقل التسمية ويضبط, وإن لم يكن كذلك لا يحل لأن التسمية على الذبيحة شرط بالنص وذلك بالعقد وصحة العقد بالمعرفة والضبط هو أن يعلم شرائط الذبح من فري الأوداج والتسمية والمعتوه كالصبي إذا كان ضابطا والقلفة1 ولا الفراسة لا تحل بذلك فيحل والأخرس عاجز عن الذكر فيكون معذورا وتقوم الملة مقامه كالناسي بل أولى لأنه ألزم.
قال رحمه الله: "لا مجوسي ووثني ومرتد ومحرم وتارك التسمية عمدا" يعني لا تحل ذبيحة هؤلاء أما المجوسي فلقوله عليه الصلاة والسلام:
"سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم"2 ولأنه ليس له دين سماوي فانعدم التوحيد اعتقادا ودعوى, والوثني كالمجوسي فيما ذكرنا لأنه مشرك مثله, وأما المرتد فلأنه لا يقر على ما انتقل إليه ولهذا لا يجوز نكاحه بخلاف اليهودي إذا تنصر وبالعكس أو تنصر المجوسي, أو تهود لأنه يقر على ما انتقل إليه عندنا فتؤكل ذبيحته ولو تمجس اليهودي لا تؤكل ذبيحته ولا فرق في المرتد بين أن يرتد إلى دين اليهودية أو النصرانية, أو إلى غير ذلك كذا في شرح الطحاوي والمتولد بين الكتابي والمجوسي يعتبر كتابيا, وأما المحرم فالمراد به في حق الصيد لأن ذبيحته في حق الصيد لا تؤكل لأن فعله فيه غير مشروع وكذا الحلال في حق صيد الحرم وكذا الكتابي لو ذبح صيدا في الحرم لا يحل أكله, وأما تارك التسمية عمدا فلقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: من الآية121] ولقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل"3 الحديث وقال الشافعي تؤكل قيدنا بقولنا عمدا لأنه لو ترك التسمية ناسيا يحل أكلها وهو مذهب علي وابن عباس وقال أبو يوسف والمشايخ: إن متروك التسمية عمدا لا يسوغ فيه الاجتهاد حتى لو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ قضاؤه لكونه مخالفا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في العبارة سقط فلينظر.
2 ذكره الزيلعي في نصب الراية "3/170".
3 الحديث: أخرجه البخاري في الذبائح ىوالصيد باب صيد المعراض "5476" ومسلم في الصيد والذبائح باب الصيد بالكلاب "1929".

 

 ج / 8 ص -333-     وحل له ناسيا
______
للإجماع, ولو ذبح شاتين فسمى على الأولى دون الثانية تحل الأولى دون الثانية ولو رمى سهما إلى صيود فأثخن الكل يكفيه تسمية واحدة, وإن حصل بها ذكاة صيود كثيرة, فأما ذبح الشاة الثانية فلا بد له من تسمية ثانية حتى لو أضجع شاتين إحداهما على الأخرى وذبحهما بحديدة يحلان بتسمية واحدة ولو أضجع شاة ليذبحها, ثم ألقى تلك السكين وأخذ سكينا أخرى فذبح بها لا بأس به بخلاف ما لو أخذ سهما فوضع ذلك ورفع آخر ولم يسم لم يحل أكله لأن التسمية في الذكاة الاختيارية مشروعة على الذبح لا على آلته والذبيحة لم تتغير, وفي الذكاة الاضطرارية التسمية على الآلة لا على الذبيحة والآلة قد تغيرت وعن أبي يوسف ولو أضجع شاة وسمى فأرسلها وأخذ غيرها وذبحها بتلك التسمية لم تجز ولو رمى إلى صيد فأصاب آخر يحل لما بينا. سمى واشتغل بآخر إن كان قليلا كما لو كلم إنسانا, أو شرب ماء يحل, وإن كان طويلا فلا لأن إيقاع الذبح متصل بالتسمية بحيث لا يتخلل بينهما شيء ولا يمكن إلا بجرح فأقيم المجلس مقام الاتصال والعمل القليل لا يقطع المجلس فيكون مذبوحا على التسمية والكثير يقطع فيفصل بينهما فيكون مذبوحا بغير تسمية. ولو قال: بسم الله جاز, نوى, أو لم ينو ; لأنه صريح في التسمية وظاهر حاله يدل على أنه أراد به التسمية على الذبيحة فيقع عنها ما لم يوجد منه الصرف عنها حتى لو أراد به التسمية على غيره كمن قال: الله أكبر وأراد به إجابة الأذان لا افتتاح الصلاة ولم يصر شارعا فيها ولو سبح, أو حمد الله, أو كبر يريد به التسمية على الذبيحة تحل, وإلا فلا ; لأن هذه الألفاظ كناية عن التسمية والكناية إنما تقوم مقام الصريح بالنية ولو قال: بسم الله بغير هاء الله إن أراد به التسمية يحل, وإلا فلا ; لأن العرب قد تحذف حرفا ترخيما كذا في المحيط, وفي التتمة رجل ذبح للضيف شاة فذكر اسم الله عليها فقال: يحل أكله ولو ذبح لأجل قدوم الأمير أو قدوم واحد من العظماء وذكر اسم الله يحرم أكله لأنه ذبحها لأجله تعظيما له, وفي جامع الفتاوى ذبح شاة مجوسي لأجل بيت نارهم, أو ذبح كافر لآلهتهم لا تؤكل ذبيحتهم ولا فرق في الذابح بين أن يكون ذكرا أو أنثى حرا, أو عبدا صبيا, أو بالغا ناطقا أم أخرس أو أقلف. ا هـ..
قال رحمه الله: "وحل لو ناسيا" يعني حل المذكى لو ترك التسمية ناسيا وقال مالك رحمه الله تعالى لا تحل لما ذكرنا من الدليل لأنه لا فصل فيه قلنا: إن النسيان مرفوع الحكم بقوله عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"1, وفي اعتباره حرج والحرج مرفوع بالنص والنص غير مجرى على إطلاقه لأنه لو أريد به مطلقا لما جرت المحاججة بين


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه ابن ماجة في الطلاق، باب طلاق المكره والناسي "2043".

 

 ج / 8 ص -334-     وكره أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره وأن يقول عند الذبح: اللهم تقبل من فلان, وإن قال قبل التسمية والإضجاع جاز
______
السلف وارتفع الخلاف بينهم, وإقامة الملة مقام التسمية في حق الناسي لأنه معذور لا يدل على إقامتها في حق العامد لعدم عذره ولا يقال: الآية مجملة لأنه لا يدرى هل أريد به حالة الذبح, أو حالة الطبخ, أو حالة الأكل لأنا نقول أجمع السلف على أن المراد بها حالة الذبح فتكون مفسرة فتم الاحتجاج بها, ثم التسمية في ذكاة الاختيار يشترط أن تكون عند الذبح قاصدا التسمية على الذبيحة, وفي الينابيع ولو سمى بالفارسية جاز. وفي الأصل ولو ذبح الشاة وسمى فهو على ثلاثة أوجه: إن لم يكن له نية, أو أراد التسمية على الذبيحة, وفي هذين الوجهين يجوز, وإن أراد غير التسمية على الذبيحة لا يجوز, وفي الحاوي سئل أبو القاسم عمن قال بسم الله ولم يذكر الهاء قال: لا يجوز, وقال الفقيه: إن لم يقصد ترك الهاء يجوز ا هـ.
قال رحمه الله: "وكره أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره وأن يقول عند الذبح: اللهم تقبل من فلان, وإن قال قبل التسمية والإضجاع جاز" وهذا النوع على ثلاثة أوجه: أحدهما أن يذكره موصولا من غير عطف فيكره ولا تحرم الذبيحة مثل أن يقول: بسم الله محمد رسول الله بالرفع لأن اسم الرسول غير مذكور على سبيل العطف فيكون مبتدأ لكن يكره لوجود الوصل صورة, وإن قال بالخفض لا يحل ذكره في النوادر وقال بعضهم هذا إذا كان يعرف النحو والأوجه أن لا يعتبر الإعراب بل يحرم مطلقا ومن هذا النوع أن يقول: اللهم تقبل من فلان لأن الشركة لم توجد ولم يكن الذبح واقعا عليه ولكن يكره لما ذكرنا, والثاني أن يكون موصولا على سبيل العطف والشركة نحو أن يقول باسم الله واسم فلان أو باسم الله ومحمد بالجر تحرم الذبيحة ; لأنه أهل به لغير الله لقوله تعالى
{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية173] ولقوله عليه الصلاة والسلام: "موطنان لا أذكر فيهما عند العطاس والذبح"1, ولو رفع المعطوف على اسم الله يحل لأنه مبتدأ واختلفوا في النصب قيل يكره فيها بالاتفاق لوجود الوصل صورة. الثالث أن يقول مفصولا عنه صورة ومعنى بأن يقول قبل أن يضجع الشاة, أو قبل التسمية, أو بعد الذبح اللهم تقبل هذا مني, أو من فلان وهذا لا يكره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد الذبح: "اللهم تقبل هذا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ"2 وكان عليه الصلاة والسلام يقول إذا أراد الذبح: "اللهم هذا منك ولك إن صلاتي ونسكي"3 إلخ والشرط هو الذكر


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكره ابن قدامة في المغني "9/294".
2 الحديث: أخرجه أحمد في "مسنده" "26649". 
3 الحديث: أخرجه الدارمي في الأضاحي، باب السنة في الأضحية "1946".

 

 ج / 8 ص -335-     والذبح بين الحلقة واللبة
______
الخالص حتى لو قال: اللهم اغفر لي واكتفى لا يحل لأنه دعاء وسؤال ولو قال الحمد لله, أو سبحان الله وأراد به التسمية حل ولو عطس عند الذبح وقال الحمد لله لا يحل في الأصح لأنه أراد بذلك الحمد على النعمة دون التسمية وذكر الحلواني أن المستحب أن يقول باسم الله الله أكبر ثلاثا, وفي النوازل إذا قال بسم الله ومحمد بالخفض قال بعضهم على قياس ما روي عن محمد في باب الصلاة تحرم الذبيحة وكذا لو قال بسم الله وصلى الله على سيدنا ومحمد بالواو لو قال بغير واو حلت الذبيحة ولكن يكره, وفي خزانة الفقه رجلان ذبحا صيدا وسمى أحدهما وترك الآخر التسمية لم يحرم أكله, وفي الذخيرة والينابيع ولو ذبح شاة فسمى, ثم ذبح أخرى فظن أن التسمية الأولى تجزيه عنها لم تؤكل, وفي الحاوي جمع العصافير فذبح واحدة وسمى وذبح أخرى على إثره بتلك التسمية لا تؤكل ولو أمر السكين عليهم بتسمية واحدة جاز, وفي شرح الطحاوي: وذبيحة أهل الكتاب إنما تؤكل إذا أتى بها مذبوحة وإن ذبح بين يديك فإن سمى الله تعالى لا بأس بأكلها وكذا إذا لم يسمع منه شيء, وإن سمى بسم المسيح وسمعه منه فلا يؤكل, وفي جامع الجوامع: من اشترى لحما وعلم أنه ذبيحة مجوسي وأراد الرد فقال البائع: الذابح مسلم لا يرد ويحل أكله مع الكراهية وفيه عن أبي يوسف: ذئب أخذ حلقوم شاة وأوداجها فذبحها فأكلها إذا كانت تضطرب إذا سمى تحل ولو انفلتت الشاة, أو البقر من يده وقامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها اكتفى بتلك التسمية, وإن ذبح الذابح وسمى صاحب الأضحية, أو غيره لم يجز ا هـ.
قال رحمه الله: "والذبح بين الحلقة واللبة" بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة, وفي الجامع الصغير لا بأس بالذبح في الحلق كله وأعلاه وأسفله والأصل فيه ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال
"الذكاة في الحلق" ولأنه مجمع مجرى النفس ومجرى الطعام ومجرى العروق فيحصل بقطعه المقصود على أبلغ الوجوه وهو إنهار الدم والتقييد بالحلق واللبة يفيد أنه لو ذبح أعلى من الحلقوم, أو أسفل منه يحرم لأنه أهل في غير محل الذكاة ذكره في الواقعات, وفي فتاوى السمرقندي ونقل في النهاية عن الإمام الرستغفني رحمه الله تعالى سئل عمن ذبح شاة فبقيت عقدة الحلقوم مما يلي الصدر وكان يجب أن يبقى غير ما يلي الرأس أيؤكل أم لا؟ قال: هذا قول العوام من الناس وليس هذا بمعتبر ويجوز أكلها سواء كانت العقدة مما يلي الصدر, أو مما يلي الرأس قال لأن المعتبر عندنا قطع الأوداج وقد وجد وذكر أن شيخه كان يفتي به وهذا مشكل فإنه لم يوجد فيه قطع الحلقوم ولا المريء وأصحابنا رضي الله عنهم, وإن شرطوا قطع الأكثر فلا بد من قطع أحدهما عند الكل, وإذا بقي شيء من عقدة

 

 ج / 8 ص -336-     والمذبح المريء والحلقوم والودجان وقطع الثلاث كاف ولو بظفر وقرن وعظم وسن منزوع وليطة ومروة وما أنهر الدم إلا سنا وظفرا قائمين
______
الحلقوم مما يلي الرأس لم يحصل قطع واحد منهما فلا يؤكل بالإجماع, وفي الواقعات لو قطع الأعلى, أو الأسفل ثم علم بها فقطع مرة أخرى الحلقوم من قبل أن يموت ينظر فإن قطع بتمامه لا يحل لأن موته بالأول أسرع منه بالقطع الثاني, وإلا حل وذكر في فتاوى أهل سمرقند: قصاب ذبح شاة في ليلة مظلمة فقطع أعلى من الحلقوم, أو أسفل منه يحرم أكلها ا هـ.
قال رحمه الله:
"والمذبح المريء والحلقوم والودجان" لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "أفر الأوداج بما شئت"1 وهي عروق الحلق في المذبح والمريء مجرى الطعام والشراب والحلقوم مجرى النفس والمراد بالأوداج كلها وأطلق عليه تغليبا, وإنما قلنا ذلك لأن المقصود يحصل بقطعهن وهو إزهاق الروح, وإخراج الدم لأنه بقطع المريء والحلقوم يحصل الإزهاق وبقطع الودجين يحصل إنهار الدم ولو قطع الأوداج وهي العروق من غير قطع المريء والحلقوم لا يموت فضلا عن التوجه فلا بد من قطعهما ليحصل التوجه ولا بد من قطع الودجين, أو أحدهما ليحصل إنهار الدم, وفي المحيط والمريء وهو مجرى النفس والودجان مجرى الدم والحلقوم مجرى الطعام والشراب ولو خر عنق شاة بسيف من قبل الأوداج وسمى يحل لأنه أتى بالذكاة وزيادة وقد أساء لأنه جاوز النخاع ا هـ. قال رحمه الله: "وقطع الثلاث كاف" والاكتفاء بالثلاث مطلقا هو قول الإمام وقول أبي يوسف أولا وعن أبي يوسف أنه يشترط قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وعن محمد لا بد من قطع الأكثر من كل واحد من هذه الأربعة وأجمعوا أنه يكتفى بقطع الأكثر من هذه العروق الأربعة فأما الحلقوم والمريء فمخالفان للأوداج وكل واحد منهما مخالف للآخر فلا بد من قطعهم وأبو حنيفة يقول: الأكثر يقوم مقام الكل, وفي التتمة سئل أبو علي عن انتزاع السبع رأس الشاة وفيها حياة هل تحل بالذكاة, وإن كانت تتحرك.
قال رحمه الله: "ولو بظفر وقرن وعظم وسن منزوع وليطة ومروة وما أنهر الدم إلا سنا وظفرا قائمين" يعني يكفي في الحل بما ذكر لقوله عليه الصلاة والسلام:
"كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج"2 ولقوله عليه الصلاة والسلام: "أفر الأوداج بما شئت" وما روي من


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم تخريجه.
2 الحديث: أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب لا يذكى بالسن والعظم والظفر "5506" والترمذي في الأحكام والفوائد، باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره "491".

 

 ج / 8 ص -337-     وندب حد شفرته وكره النخع وقطع الرأس والذبح من القفاء
______
المنع في الظفر والسن محمول على غير المشروع فإن الحبشة كانوا يفعلون ذلك إظهارا للجلد والمشروع آلة جارحة فيحصل به المقصود وهو إنهار الدم, والليطة القصب الفارسي, والمروة الحجر الذي له حد والدليل على جواز الذبح بهما ما روي عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله نجد الصيد وليس معنا سكين إلا المروة وشقة العصا فقال عليه الصلاة والسلام:
"أفر الأوداج بما شئت واذكر اسم الله"1 رواه البخاري والظفر والسن المنزوع آلة جارحة بخلاف غير المنزوع لأن الذبح به يكون بالثقل لا بالآلة ا هـ.
قال رحمه الله: "وندب حد شفرته" لقوله عليه الصلاة والسلام:
"إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"2 رواه مسلم وغيره ويكره أن يضجعها, ثم يحد الشفرة لقوله عليه الصلاة والسلام لمن أضجع الشاة وهو يحد شفرته: "لقد أردت أن تميتها موتتين هلا حددتها قبل أن تضجعها"3 الحديث, والآلة على ضربين ; قاطعة وغير قاطعة, والقاطعة على ضربين ; حادة وكليلة, فالحادة اختيارية وضرورية فالحادة يجوز الذبح بها من غير كراهة والكليلة يجوز الذبح بها ويكره لما مر من الإبطاء في الإراقة كذا في المحيط.
قال رحمه الله: "وكره النخع وقطع الرأس والذبح من القفاء" النخع هو أن يصل النخاع وهو خيط أبيض في جوف عظم الرقبة وهو بالفتح, والضم لغة فيه, قال في النهاية: ومن قال هو عرق أبيض فقد سها واعترضه صاحب العناية أن من سمى بما ذكر لم يغلط لأن أهل اللغة ذكروه بلفظ الخيط, وإنما كره لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أن ننخع الشاة إذا ذبحت"4 وتفسيره ما ذكرنا وقيل أن يمد رأسها حتى يظهر مذبحها وقيل أن يكسر رقبتها قبل أن تسكن من الاضطراب وكل ذلك مكروه وفي قطع الرأس زيادة تعذيب فيكره ويكره أن يجر ما يريد ذبحه وأن يسلخ قبل أن يبرد, ويؤكل في جميع ذلك لأن الكراهة لمعنى زائد وهو زيادة الألم فلا يوجب الحرمة ويكره أن يذبحها موجهة لغير القبلة لمخالفة السنة في توجيهها للقبلة وتؤكل, وفي الذبح من القفا زيادة ألم فيكره ويحل لما ذكرنا إذا بقيت حية


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود في سننه "2824" وابن ماجة في سننه "3177".
2 الحديث: أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل "1955" والترمذي في الديات عن رسول الله باب ما جاء في النهي عن المثلة "1409".
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "7563" "4/257".
4 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/188".

 

 ج / 8 ص -338-     وذبح صيد استأنس وجرح نعم توحش أو تردى في بئر وسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم وكره عكسه وحل
______
حتى يقطع العروق لتحقق الموت بالذكاة, وإن ماتت قبل قطع العروق لا تؤكل لوجود الموت بما ليس بذكاة.
قال رحمه الله: "وذبح صيد استأنس وجرح نعم توحش أو تردى في بئر" الواو عاطفة على قوله "وحل ذبيحة مسلم", وذبح صيد يعني وحل أكل صيد استأنس بالذبح وهو الذكاة الاختيارية لقدرته عليها وحل أكل نعم توحش, أو تردى بالجرح لعجزه عن الذكاة الاختيارية هذا إذا علم أنه مات من الجرح, وإن علم أنه لم يمت من الجرح لم يؤكل فإن أشكل ذلك أكل لأن الظاهر الموت به وكذا الدجاجة إذا تعلقت على شجرة وخاف موتها صارت ذكاتها بالجرح, وفي الكتاب أطلق فيما توحش من النعم وكذا فيما تردى فشمل ما إذا كان في المصر والصحراء وعن محمد أن الشاة إذا ندت في المصر لا تحل بالعقر, وإن ندت في الصحراء تحل بالعقر لتحقق العجز عن الذكاة الاختيارية, وفي البقر والإبل يتحقق العجز سواء ندت في المصر, أو في الصحراء فتحل بالعقر, والصائل كالناد إذا كان لا يقدر على أخذه حتى لو قتله المصول عليه وهو يريد ذكاته وسمى حل أكله خلافا لمالك ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان في سفر فند بعير من الإبل ولم يكن معهم حبل فرماه رجل منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها فافعلوا به هكذا"1 رواه البخاري ومسلم ولأنه قد تحقق العجز عن الذكاة الاختيارية فصار إلى البدل, وفي النوازل لو أن بقرة تعسر عليها الولادة فأدخل صاحبها يده وذبح الولد حل أكله وإن جرحها في غير موضع الذبح إذا كان لا يقدر على ذبحه يحل, وإن كان يقدر لا يحل. ا هـ. وفي المحيط فإن أصاب قرنه, أو ظفره, أو حافره فإن أدماه ووصل للحم حل أكله وإلا فلا لأن الذكاة تصرف في محل الحياة, وإن أبان عنه غير الرأس فمات يؤكل كله إلا ما أبان من الحي فهو ميت ولا يظهر فيه حكم الذكاة ولا كذلك إذا بان الرأس لأنه لا يتصور حياة الجسد مع إبانة الرأس, وإن تعلق منه جلدة فإن كان يلتئم ويتبدل لو تركه حل أكله, وإلا فهو مبان ولو قطع الصيد نصفين طولا وعرضا حل ولو أبان طائفة من الناس البدن إن كان أقل من النصف لا يحل المبان, وإن كان النصف يحل كلاهما ا هـ.
قال رحمه الله: "وسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم وكره عكسه وحل" وإنما كان هذا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه البخاري في الشركة باب قسمة الغنم "2488" ومسلم في الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر "1968".

 

 ج / 8 ص -339-     ولم يذك جنين بذكاة أمه
______
الفعل مسنونا لأنه هو المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: من الآية67] وقال تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] قالوا: المراد نحر الجزور, وفي البقر والغنم الذبح أيسر, وفي الإبل النحر أيسر, وإنما كره العكس لترك السنة, والنحر قطع العروق في أسفل العنق عند الصدر والذبح قطع العروق من أعلى العنق تحت اللحيين, وفي الجامع الصغير والسنة في النحر أن ينحر قائما, وفي الشاة والبقر أن تذبح مضطجعة ا هـ. وفيه أيضا ولا بأس بالذبح في الحلق كله أسفله وأوسطه وأعلاه لأن ما بين اللبة واللحيين هو الحلق ولأن كله مجتمع العروق فصار حكم الكل واحدا فإن قلت هذا ينافي ما تقدم من التقييد قلنا: لا لأن النحر في أسفله.
قال رحمه الله: "ولم يذك جنين بذكاة أمه" يعني لا يصير الجنين مذكى بذكاة أمه حتى لا يحل أكله بذكاتها وهذا عند الإمام وزفر والحسن رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد وجماعة أخرى إذا تم خلقه حل أكله بذكاتها لقوله عليه الصلاة والسلام "ذكاة الجنين ذكاة أمه" ولقوله عليه الصلاة والسلام لما قيل له: إنا ننحر الناقة ونذبح الشاة, وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله قال: "كله إن شئت1 فإن ذكاته ذكاة أمه" ولأنه جزء من أمه حقيقة لكونه متصلا بها حكما حتى يدخل في الأحكام الواردة على الأم من البيع والهبة والعتق وللإمام قوله تعالى إن الله حرم الميتة وهو اسم لحيوان مات من غير ذكاة والجنين مات حتف أنفه فيحرم بالكتاب ويكره ذبح الشاة إذا تقارب ولادتها لأنه يضيع ما في بطنها. الدجاجة إذا تعلقت فرماها وأصابها ينظر إن كان لا يهتدي إلى منزله حل أكله لأنه عجز عن الذكاة الاختيارية, وإن كان يهتدي ذكر الفقيه أبو الليث إن أصاب المذبح حل, وإن أصاب غيره فعند محمد لا يحل وعن غيره يحل. ا هـ. والله تعالى أعلم.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث: أخرجه مسلم في الصيد والذبائح، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع "1934"، والترمذي في الصيد عن رسول الله، باب ما جاء في كراهية كل ذي ناب وذي مخلب "1478".

فصل فيما يحل
______
"فصل فيما يحل ولا يحل"
لما ذكر أحكام الذبائح شرع في تفصيل المأكول منها وغير المأكول, إذ المقصود الأصلي من شرع الذبائح التوصل إلى الأكل وقدم الذبح لأنه وسيلة الشيء فتقدم عليه في الذكر.

 

 ج / 8 ص -340-     ولا يؤكل ذو ناب ولا مخلب من سبع وطير وحل غراب الزرع لا الأبقع - الذي يأكل الجيف - والضبع والضب والزنبور والسلحفاة والحشرات والحمر الأهلية والبغل
______
قال رحمه الله: "ولا يؤكل ذو ناب ولا مخلب من سبع وطير" يعني لا يحل أكل ذي ناب من سباع البهائم وذي مخلب من سباع الطير لما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن أكل ذي ناب ومخلب من سبع وطير.1 رواه مسلم والجماعة والسباع جمع سبع وهو كل مختطف منتهب جارح قاتل عادة والمراد بذي المخلب ما له مخلب هو سلاح وهو مفعل من الخلب وهو مزق الجلد ويعلم بذلك أن المراد بذي مخلب هو سباع الطير لأن كل ما له مخلب وهو الظفر كما أريد به في ذي ناب من سباع البهائم لا كل ما له ناب ولأن طبيعة هذه الأشياء مذمومة شرعا فيخشى أن يتولد من لحمها شيء من طباعها فيحرم إكراما لبني آدم وهو نظير ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "لا ترضع لكم الحمقاء فإن اللبن يغذي"2 ويدخل في الحديث الضبع والثعلب لأن لهما نابا وما روي أنه عليه الصلاة والسلام أباح أكلها محمول على الابتداء ويدخل فيه الفيل أيضا لأنه ذو ناب واليربوع وابن عرس من سباع الهوام والرخمة والبغاث لأنهما يأكلان الجيف والرخم جمع رخمة وهو طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة يقال له الأنوف والبغاث مائل إلى الغبرة دون الرخم بطيء الطيران كذا في الصحاح قال: والسباع الأسد والذئب والنمر والفهد والثعلب والضبع والكلب والفيل والقرد واليربوع وابن عرس والنسور الأهلي والبري ومن الطير الصقر والباز والعقاب والنسر والشاهين ا هـ.
قال رحمه الله: "وحل غراب الزرع" لأنه يأكل الحب وليس من سباع الطير ولا من الخبائث
قال رحمه الله: "لا الأبقع - الذي يأكل الجيف - والضبع والضب والزنبور والسلحفاة والحشرات والحمر الأهلية والبغل" يعني: هذه الأشياء لا تؤكل أما الغراب الأبقع فلأنه يأكل الجيف فصار كسباع الطير والغراب ثلاثة أنواع: نوع يأكل الجيف فحسب فإنه لا يؤكل, ونوع يأكل الحب فحسب فإنه يؤكل, ونوع يخلط بينهما وهو أيضا يؤكل عند الإمام وهو العقعق لأنه يأكل الدجاج وعن أبي يوسف أنه يكره أكله لأنه غالب أكله الجيف, والأول أصح قال في النهاية: ذكر في بعض المواضع أن الخفاش يؤكل وذكر في بعضها أنه لا


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم في صحيحه "1934" وأبو داود "3803" والنسائي "4348" وابن ماجة "3234".
2 ذكره الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب "5/41".

 

 ج / 8 ص -341-     وحل الأرنب وذبح ما لا يؤكل لحمه يطهر لحمه وجلده إلا الآدمي والخنزير ولا يؤكل مائي السمك غير طاف
______
يؤكل لأن له نابا, وأما الضبع فلما روينا وبينا ولأنه يأكل الجيف فيكون لحمه خبيثا, وأما الضب والزنبور والسلحفاة والحشرات فلأنها من الخبائث وقد قال تعالى
{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف: من الآية157] وما روي من الإباحة محمول على ما قبل التحريم, ثم حرم الخبائث لأنه لم يكن محرما في الابتداء إلا ثلاثة أشياء على ما قاله الله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [الأنعام: من الآية145] إلى آخر الآية ثم حرم بعد ذلك أشياء, وأما الحمر الأهلية فلما روى البخاري رحمه الله: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية.1, وأما البغل فلأنه من نسل الحمار فكان كأصله حتى لو كانت أمه فرسا فعلى الخلاف المعروف في الخيل لأن المعتبر هو الأم.
قال رحمه الله: "وحل الأرنب" لأنه عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه أن يأكلوه حين أهدي إليه مشويا.2 رواه أحمد والنسائي ولأنه ليس من السباع ولا يأكل الجيف فأشبه الظبي.
قال رحمه الله: "وذبح ما لا يؤكل لحمه يطهر لحمه وجلده إلا الآدمي والخنزير" وقال الشافعي رحمه الله تعالى الذكاة لا تؤثر في جميع ذلك لأن أثر الذكاة في إباحة اللحم أصل, وفي طهارته وطهارة الجلد تبع ولا تبع دون الأصل فصار نظير ذبح المجوس ولنا أن الذكاة مؤثرة في إزالة الرطوبات النجسة فإذا زالت طهرت كما في الدباغ وهذا الحكم مقصود في الجلد كالتناول في اللحم, وفعل المجوسي غير معتد به فلا بد من الدباغ وكما يطهر لحمه يطهر شحمه أيضا حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده وهل يجوز الانتفاع به لغير الأكل قيل لا يجوز اعتبارا بالأكل وقيل يجوز كالزيت إذا خالطه شحم الميتة والزيت غالب فإنه ينتفع به في غير الأكل, والخنزير لا يؤثر فيه الدباغ لنجاسته, والآدمي لكرامته, وفي رواية لا يطهر بالذكاة لحم ما لا يؤكل لحمه والجلد يطهر هو الصحيح وقد مر في كتاب الطهارة ا هـ.
قال رحمه الله: "ولا يؤكل مائي السمك غير طاف" وقال مالك رحمه الله تعالى: يؤكل جميع حيوان الماء واستثنى بعضهم الخنزير والسباع والكلب والآدمي وعن الشافعي رحمه الله تعالى أباح ذلك كله وقال صاحب الهداية والخلاف في الأكل والبيع واحد


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية، "5527" ومسلم في الصيد والذبائح، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية "1939".
2 الحديث أخرجه النسائي في الصيام، باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر "2421" وأحمد في "مسنده" "210".

 

 ج / 8 ص -342-     وحل بلا ذكاة كالجراد ولو ذبح شاة فتحركت, أو خرج الدم حلت, وإلا لم يدر حياته
______
وينبغي أن يجوز بيعه بالإجماع لطهارته, لهم قوله تعالى
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: من الآية96] من غير فصل ولأنه لا دم في هذه الأشياء لأن الدموي لا يسكن الماء والمحرم هو الدم فأشبه السمك وروى جابر أنهم أصابهم جوع شديد في الغزو فألقى البحر حوتا ميتا يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر قال: فلما قدمنا المدينة وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا رزقا أخرجه الله لكم أطعمونا إن كان معكم"1 الحديث ولنا قوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف: من الآية157] وهذا منها قال في النهاية إن كراهة الخبائث تحريمية وما سوى السمك خبيث ونهى عليه الصلاة والسلام عن دواء اتخذ فيه الضفدع2 ونهى عن بيع السرطان3, والميتة المذكورة فيما تلي محمولة على حالة الاضطرار وهو مباح فيما لا يحل أكله والميتة والمذكاة فيهما سواء وقوله عليه الصلاة والسلام "أحل لنا ميتتان ; السمك والجراد, ودمان ; الكبد والطحال"4 لا دليل لهم في هذا الحديث لأن المراد بالميتة ما ألقاه البحر حتى يكون موته مضافا إلى البحر ولا يتناول ما مات فيه بمرض, أو نحوه, وأما الطافي فيكره أكله لقول جابر إنه عليه الصلاة والسلام قال: "ما نضب عنه الماء فكلوا وما طفا فلا تأكلوه"5 وهو حجة على مالك في إباحة الطافي فالأصل في هذا ما عرف سبب موته كلفظ البحر, أو يحبسه في مكان كالحظيرة الصغيرة بحيث يمكن أخذه من غير حيلة, أو ابتلاع سمكة, أو بقتل طير الماء إياها, أو إجماد الماء عليها حل أكلها لأن سبب موتها معلوم ولو ماتت من شدة حر الماء, أو برده أو انحسر الماء عن بعضه ومات روى هشام عن محمد إن كان رأسه على الماء لا يؤكل, وإن كان ذنبه في الماء ورأسه انحسر عنه الماء أكل لأن خروج رأسه من الماء سبب لموته فكان معلوما بخلاف خروج ذنبه فحاصله أن الشرط فيه أن يعلم سبب موته حتى لو أبان عضوا يضره فإنه يؤكل ويؤكل العضو أيضا.
قال رحمه الله: "وحل بلا ذكاة كالجراد" يعني يحل السمك بلا ذكاة كالجراد لما روينا.
قال رحمه الله: "ولو ذبح شاة فتحركت, أو خرج الدم حلت, وإلا لم يدر حياته" لأن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة سيف البحر وهو يتلقون عيرا لقريش وأميرهم "4362".
2 الحديث أخرجه النسائي في الصيد والذبائح، باب الضفدع "4355" وأبو داود في الطب، باب في الأدوية المكروهة "3871".
3 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/201".
4 الحديث أخرجه ابن ماجة في الأطعمة، باب الكبد والطحال "3314" وأحمد في "مسنده" "5690".
5 ذكره الزيلعي في نصب الراية "4/202".

 

 ج / 8 ص -343-     وإن علم حياته, وإن لم تتحرك ولم يخرج الدم
______
الحياة, أو خروج الدم لا يكونان إلا من الحي لأن الميت لا يتحرك ولا يخرج منه الدم فيكون وجودهما أو وجود أحدهما دليل الحياة فيحل, وعدمهما علامة الموت فلا يحل وذكر محمد بن مقاتل إن خرج الدم ولم تتحرك لا تحل ; لأن الدم لا يجمد عند الموت فيجوز بخروج الدم وهذا سيأتي في المنخنقة والمتردية والنطيحة والتي بقر الذئب بطنها لأن ذكاة هذه الأشياء تحلل وإن كانت حياته خفية في ظاهر الرواية لقوله تعالى
{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: من الآية3] وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنها تحل إذا كانت بحال تعيش يوما لولا الذكاة, وعن الثاني إن كان لا يعيش مثلها لا تحل وعن محمد إن كانت بحال يعيش فوق ما يعيش المذبوح حل, وإلا فلا ولو ذبح شاة مريضة ولم يتحرك منها إلا فرهها قال محمد بن سلمة: إن فتحت فاها لا تؤكل, وإن ضمته تؤكل, وإن فتحت عينها لا تؤكل, وإن ضمت عينها أكلت, وإن مدت رجلها لا تؤكل, وإن ضمتها تؤكل, وإن قام شعرها تؤكل, وإن نام لا تؤكل وهذا صحيح لأن الحيوان يسترخي بالموت ففتح الفم والعين ومد الرجل ونوم الشعر علامة الموت لأنها استرخاء, وضم الفم وتغميض العين وقبض الرجل وقيام الشعر ليس باسترخاء بل حركات تختص بالحي فتدل على الحياة, وفي السراجية إذا شق الذئب بطن الشاة ولم يبق فيها من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح بعد الذبح فذبحت حلت وعليه الفتوى ا هـ. ولو ذبحت شاة على سطح فوقعت فماتت تحل لأنها صارت مذكاة بقطع محل الذكاة كذا في المحيط وفيه أيضا إذا شق الذئب بطن الشاة إن كان فيها حياة مستقرة حلت بالإجماع, وإلا لا سواء عاش, أو لم يعش عند الإمام وهو الصحيح وعليه الفتوى ا هـ.
قال رحمه الله: "وإن علم حياته, وإن لم تتحرك ولم يخرج الدم" يعني إذا علم حياة الشاة وقت الذبح حلت بالذكاة تحركت أو لا خرج منها دم, أو لا كذا في المحيط والله تعالى أعلم بالصواب.