البناية شرح الهداية

باب المسح على الخفين
المسح على الخفين جائز بالسنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب المسح على الخفين]
م: (باب المسح على الخفين) ش: أي هذا باب في أحكام المسح على الخفين. وجه المناسبة بين البابين من حيث إن كلاً منهما بدل، فالتيمم بدل عن الوضوء، والمسح على الخفين بدل غسل الرجلين.
فإن قلت: كان ينبغي تقديم المسح على التيمم؛ لأنه بدل عن البعض، والبعض بدل مقدم على الكل.
قلت: نعم، ولكن ثبوت التيمم بالكتاب والمسح بالسنة فالأول أقوى. وقال الأترازي: قيل: وجه مناسبة هذا الباب لما تقدم من حيث الرخصة؛ لأن المسح شرع رخصة كالتيمم أو من حيث المعارضية؛ لأن الأصل هو غسل الرجل كما أن الوضوء هو الأصل، والمسح والتيمم عارضان أو من حيث التوقيت؛ لأن لكل منهما وقتاً، أو من حيث أن كلاً منهما يكتفى فيه بالبعض، انتهى.
قلت: هذه أربعة أوجه، فالوجه الثالث: أخذه عن السغناقي. قال: وللسغناقي وجهين آخرين:
أحدهما: أن كلاً منهما طهارة، غير أن أحدهما بالتراب والآخر بالماء.
والوجه الثاني: أن كلاً منهما بدل عن الغسل، والأترازي أخذ هذا الوجه، والثاني من تاج الشريعة في " شرحه ". وقال الأكمل: إنما أعقب المسح على الخفين عن التيمم؛ لأن كلاً منهما طهارة مسح، أو لأنهما بدلان عن الغسل، أو من حيث إنهما رخصة مؤقتة إلى وقت، فالأول والثاني أخذهما من " النهاية "، والثالث من " الكفاية ".

[حكم المسح على الخفين]
م: (المسح على الخفين جائز بالسنة) ش: معنى جائز أنه إن فعله جاز وإن لم يفعله جاز، فهو مخير بين المسح ونزع الخف والغسل. وفي " المستصفى ": إنما قال جائز لكون الغسل أفضل؛ لأنه أبعد عن مظنة الخلاف، وفي " القنية ": المسح أفضل أخذا باليسر. وقال الأترازي: إنما قال جائز؛ لأن الشخص إذا لم يمسح أصلاً ونزع خفيه وغسل رجليه لا يأثم.
قلت: بشرط أن لا يرى المسح ولا يكره، وقال الأكمل: المسح على الخفين جائز بالسنة، أي بقوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله، ولم يزد على هذا. وقال تاج الشريعة: إنما قال جائز ولم يقل واجب؛ لأنه مخير كما ذكرناه. وقوله: نفي لما قال بعضهم أن ثبوته بالكتاب الكريم، وهو قراءة الجر في قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] وقد تكلمنا في أول الكتاب في الآية الكريمة مستقصى، وإنما قال بالسنة، ولم يقل بالحديث؛ لأن تقرير المسح ثبت بالسنة زيادة بالمشهور على الكتاب وهي جائزة به، وإن

(1/570)


والأخبار فيه مستفيضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان ناسخاً على ما عرف في أصول الفقه.
قلت: لم يقصد المصنف ما قاله، وإنما مراده هاهنا أن أصل المسح ثبت بالسنة وإن كان مقداره أيضاً ثبت بالسنة.
م: (والأخبار فيه) ش: أي في المسح على الخفين م: (مستفيضة) ش: أي كثيرة شائعة قولاً وفعلاً، وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة أنه قال: ما قلت بالمسح حتى جاء في مثل ضوء النهار. وفي " الأسبيجابي ": حتى وردت آثار أضوأ من الشمس. وفي " المحيط " عن أبي حنيفة: من أنكر المسح على الخفين يخاف عليه الكفر. وفي " المفيد ": لو كان المسح مما يختلف فيه لمسحنا.
وفي " النوادر ": من أنكر المسح على الخفين، عن الكرخي يخاف عليه الكفر. وفي " المفيد "، قال: لأنه ورد فيه الأخبار ما يشبه التواتر، قال: وكتب في " السمرقنديات " على قياس قول أبي يوسف وعلى قول محمد: لا يكفر؛ لأنه بمنزلة الآحاد، ومن أنكر خبر الآحاد لا يكفر، قيل لمحمد: لم جوزت [المسح] على الخفين إذا كان خبر المسح من الآحاد، وفيه نسخ لكتاب الله، فقال: ما نسخت كتاب الله بل خصصته به، قال: يريد به تخصيص الحال؛ لأنها عمت حالة الستر والكشف، والحديث بين الأمر بالغسل مختص بحالة الكشف دون الستر بالخف، قال: وتخصيص الكتاب بالآحاد جائز عندي.
قلت: مراده بالآحاد التي اشتهرت، قيل: يجوز جوازه بالكتاب أيضاً، قال: قراءة الجر.
قلت: فيه ضعف؛ لأن المسح إلى الكعبين غير واجب إجماعاً. وقال أبو البقاء القدوري عن أحمد: روى حديث المسح على الخفين سبعة وثلاثون من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال ابن أبي حاتم: رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحد وأربعون صحابياً، ومثله عن أحمد ذكره في " المغني "، ومثله عن أبي عمر ذكره في الاستذكار، وفي " الإشراف " عن الحسن حدثني به سبعون صحابياً، وفي " البدائع ": روي عن الحسن البصري أنه قال: أدركت سبعين بدرياً من الصحابة يرون المسح على الخفين. وقال السروجي: وممن نقل المسح على الخفين عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عمر، وعلي، وسعيد، وابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وأبو أيوب، وخالد بن زيد الأنصاري، وأبو أمامة الباهلي، وسهل بن سعد، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وحذيفة، وعمار، وأبو مسعود الأنصاري، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأبو بكرة، وبلال، وصفوان، وعبد الله بن الحارث بن حزم، وأبو زيد الأنصاري، وسليمان، وثوبان، وعبادة بن الصامت، ويعلى بن مرة، وأسامة بن شريك، وعمرو بن أمية الضمري، وبريدة، وأسامة بن زيد، وأبو هريرة، وعوف بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

(1/571)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هؤلاء تسعة وثلاثون نفراً ذكرهم مجردين ولم يذكر المخرجين عنهم. وقد ذكرت في " شرح معاني الآثار " سبعة وستين صحابياً، وأشرت إلى مخرج كل واحد بإشارة لطيفة، فمنهم الجماعة المذكورون والبقية: أبو عبيدة بن الجراح، ورجل له صحبة، وبديل بن ورقاء، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن رواحة، وفضالة بن عبيد، وأبو بردة الأسلمي، وأبو عوسجة، وشعيب بن غالب الكندي، ويسار جد عبد الله بن أسلم، وأبو زيد رجل من الصحابة، وأبي بن عمارة، وعقبة بن عامر، ومالك بن سعد، وأبو ذر، وكعب بن عجرة، وأبو طلحة، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبو العلاء الدارمي، وأويس الثقفي، وربيعة بن كعب، وخالد بن عرفطة، وعبد الرحمن بن حسنة، وعمرو بن حزم، وعروة بن مالك، وميمونة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأم سعد بنت ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي شيبة بسند حسن، وحديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار: ضعيف، وحديث المغيرة عند الجماعة، وحديث خزيمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن حبان في " صحيحه ". وحديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البزار في " مسنده "، وحديث جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة. وحديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة، وابن حبان. وحديث قيس بن سعد عند البيهقي. وحديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي أيضاً. وحديث عمرو بن العاص عنده أيضاً. وحديث أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وإسحاق بن راهويه، وعند النيسابوري في كتاب " الآداب ": صحيح. وحديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند عبد الله بن وهب بسند ضعيف، وحديث سهل بن سعد عند القاضي أبي أحمد بسند جيد. وحديث جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار والطبراني في " الأوسط ". وحديث أبي سعيد الخدري عند البيهقي. وحديث حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند مسلم، وحديث عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي.
وحديث أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بن عبد البر. وحديث جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي مرفوعاً، وعند ابن أبي شيبة موقوفاً. وحديث البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني. وحديث أبي بكرة بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن خزيمة في " صحيحه "، والطبراني في " معجمه "، والبيهقي في " سننه ". وحديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند مسلم، وابن خزيمة في " صحيحه ". وحديث صفوان بن غالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري والترمذي وابن ماجه والطحاوي والطبراني في " الكبير ". وحديث عبد الله بن الحارث - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البيهقي. وحديث أبي زيد الأنصاري - رضي الله

(1/572)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه - عند مسلم. وحديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن حبان في " صحيحه ". وحديث ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند أبي داود وأحمد في " مسنده "، والحاكم في " مستدركه " وقال: على شرط مسلم.
وحديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن وهب. وحديث يعلى بن مرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في كتاب " الآداب ". وحديث أمامة بن شريك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي يعلى الموصلي، وأبي طاهر الذهلي بسند لا بأس به. وحديث عمرو بن أمية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البخاري.
وحديث بريدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الجماعة إلا البخاري. وحديث أسامة بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في " سننه "، وابن قانع " بمسنده "، ومسلم في كتاب " التمييز ". وحديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أحمد في " مسنده " والبيهقي في " سننه "، وعند ابن عبد البر. وحديث عوف بن مالك الأشجعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أحمد في " مسنده "، وإسحاق بن راهويه والبزار والطبراني في " معجمه ". وحديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند البيهقي. وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند الدارقطني بسند جيد. وحديث أبي عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بإسناد حسن. وحديث رجل له صحبة عند البخاري وأعله. وحديث بديل بن ورقاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند العسكري في كتاب " الصحابة ". وحديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر بإسناد جيد. وحديث عبد الله بن رواحة عند ابن قانع والطبراني. وحديث فضالة بن عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر، وحديث أبي بردة الأسلمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند البزار والنيسابوري في الآداب. وحديث أبي عوسجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني والبزار وأعله. وحديث شعيب بن غالب الكندي عند أبي نعيم في " معرفة الصحابة ". وحديث يسار جد عبد الله بن مسلم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي حاتم وأعله. وحديث أبي بن عمارة عند الحاكم وصححه. وحديث عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري في "الآداب"، وانفرد به. وحديث مالك بن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي نعيم في كتاب " الصحابة "، وحديث أبي زرعة عند ابن حزم وصححه، وحديث كعب بن عجرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنده أيضاً وصححه. وحديث أبي طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني في " الصغير ".
وحديث عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أبي عمر. وحديث الزبير بن العوام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني. وحديث خالد بن سعد بن العاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند النيسابوري، وحديث أبي العلاء الدارمي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الحافظ ابن عساكر في ترجمة: أحمد بن علي.

(1/573)


حتى قيل: إن من لم يره لم كان مبتدعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وحديث أوس الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند ابن أبي شيبة في " مصنفه ".
وحديث ربيعة بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وحديث خالد بن عرفطة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند أسلم بن سهل الواسطي في " تاريخ واسط "، وخالد هذا له حديث واحد عند الترمذي والنسائي، وحديث عبد الرحمن بن حسنة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عند الطبراني، وحديث عمرو بن حزم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنده أيضاً. وحديث عروة بن مالك. وحديث ميمونة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند الدارقطني بسند صحيح. وحديث أم سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند النيسابوري. وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يرو عن أحد من الصحابة إنكار المسح على الخفين إلا عن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أما ابن عباس وأبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فقد جاء عنهما موافقة سائر الصحابة بأسانيد حسان. وأما عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقد أحالت علم ذلك على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وذلك في " صحيح مسلم "، وقال: لا ينكر المسح إلا مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر.
وقال البيهقي: إنما بلغنا كراهة ذلك عن علي وابن عباس وعائشة، فأما الرواية عن علي سبق في كتاب المسح على الخفين، فلم يرد ذلك عنه بإسناد موصول يثبت مثله. وأما ابن عباس فإنما [كان] حين لم يثبت مسح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد نزول المائدة، فلما ثبت رجع إليه. وقال الكاساني: وأما الرواية عن ابن عباس فلم تصح؛ لأن مداره على عكرمة، وروي أنه لما بلغ ذلك عطاء قال: كذب عكرمة. وروي عن عطاء قال: كان ابن عباس يخالف الناس في المسح على الخفين فلم يمت حتى وافقهم. م: (حتى قيل: إن من لم يره كان مبتدعاً) ش: قال شيخ الإسلام وغيره: ومعنى لم يره أي من لم يعتقد المسح كان مبتدعاً لمخالفة السنن المشهورة، والمبتدع هو الذي يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة، وقد مر عن الكرخي أنه قال: من أنكر المسح يخاف عليه من الكفر.
وقالت الخوارج والإمامية: لا يجوز المسح على الخفين، وبه قال أبو بكر بن أبي داود وخالف أباه في ذلك، فكأنهم تعلقوا بما روي «عن ابن عباس أنه قال: مسح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد سورة المائدة، ولأن أمسح على طهر في صلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين» وإنما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لأن تقطع قدماي أحب إلي من المسح على الخفين. والجواب عما روي عن ابن عباس فقد ذكرناه آنفا.
وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال ابن الجوزي في " العلل المنتاهية " هذا حديث موضوع، وضعه محمد بن مهاجر على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فقال ابن حبان: محمد بن مهاجر كان يضع الحديث، فظهر أن الحديث باطل لا أصل له. وأما الرافضة فإنهم يرون المسح على الرجلين من غير حائل، وقال النووي: حكى المحاملي في المجموع وغيره عن مالك ست

(1/574)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
روايات: إحداها: لا يجوز المسح أصلاً. ثانيها: يكره، ثالثها: يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه. رابعها: يجوز مؤقتاً. خامسها: يجوز للمسافر دون المقيم. سادسها: قال النووي: كل هذا الخلاف باطل مردود. وقال أبو بكر: ومن روى عن مالك إنكاره مستدلاً بأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أقاموا بالمدينة أعمارهم ولم يرو عن أحد منهم أنه مسح على الخفين فهو وهم منه، ولا يلزم؛ لأن هذه الحيلة العزيزة الكريمة فعلت الأفضل في ترك المسح وسن الجواز رفقاً بالأمة.
قلت: روي «عن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " كنت معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً فتوضأ ومسح على خفيه» رواه مسلم، وفي رواية البيهقي: «سباطة قوم بالمدينة» . وعن الإسماعيلي الحافظ كذلك، وقال في " الإمام ": وقد وقع لنا من جهة ابن أبي نعيم «عن المغيرة أنه مسح مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة،» وقد علم أن الإثبات مقدم على النفي.
فإن قلت: المسح أفضل أم الترك؟ قلت: الغسل أفضل، وبه قال الشافعي، ومالك، وروى ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. ورواه البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري أيضاً. وقال الشعبي، والحاكم، وحماد، والإمام الرستغفني من أصحابنا: إن المسح أفضل، وهو أصح الروايتين عن أحمد. إما لنفي التهمة عن نسبته إلى الروافض والخوارج، فإنهم لا يرونه كما قلنا، وإما للعمل بقراءة النصب والجر. وعن أحمد في رواية أخرى عنه أنها سواء، وهو اختيار ابن المنذر. واحتج من فضل المسح بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث المغيرة: «بهذا أمرني ربي» ، رواه أبو داود، والأمر إذا لم يكن للوجوب يكون ندباً.
ولنا ما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للحاضر» . ذكره ابن خزيمة في " صحيحه ". وفي حديث صفوان: «رخص لنا أن لا ننزع خفافنا» رواه النسائي، والأخذ بالعزيمة أولى. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، والروايات الصحاح بخلاف ذلك.

(1/575)


لكن من رآه ثم لم يمسح آخذا بالعزيمة
كان مأجورا.
ويجوز من كل حدث موجب للوضوء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: فيه نظر لما روي في " مصنف " ابن أبي شيبة من أن مجاهداً وسعيد بن جبير وعكرمة كرهوا، وكذا حكاه أبو الحسين النابه، عن محمد بن على بن الحسين وأبي إسحاق السبيعي، وقيس بن الربيع. م: (لكن من رآه ثم لم يمسح) ش: حال كونه م: (آخذا) ش: على صيغة الفاعل، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الفاعل أيضاً م: (بالعزيمة) ش: الباء تتعلق بأخذ. قال الأترازي: آخذا بالعزيمة: أي: للأخذ بما هو أصل.
قلت: جعل انتصاب أخذ على التعليل، وما قلنا هو الأحسن، لأن الحال قيد، وكون الأخذ قيداً أولى من كونه علة. والعزيمة في اللغة عبارة عن الإرادة المؤكدة، دل على هذا قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] (طه: الآية 115) ، أي قصداً بليغا. وفي الشريعة ثابتاً ابتداء غير متصل بعارض.

م: (كان مأجوراً) ش: يعنى مثاباً؛ لأن العمل بالعزيمة أولى.
فإن قلت: تجب لا يكون مأجوراً لما أنه رخصة إسقاط، وفيها لا ينفي العزيمة مشروعة أصلاً فلأجل ذلك قيل: إن المصنف بأخذه بهذه الآية خالف رواية أصول الفقه، فإن المذكور فيها أن المسح عسلى الخفين رخصة إسقاط كالصلاة في السفر، والعزيمة لم تكن مشروعة فيها فكيف يؤجر على غير المشروع.
قلت: ليس الأمر كذلك؛ لأن المسح إنما كان رخصة إسقاط ما دام المكلف مخففاً، وأما إذا نزع خفيه أو أحدهما، والنزع مشروع في حقه، فلا يكون حينئذ من ذلك النوع، نظير هذا من ترك السفر فإنه يسقط عنه سبب الرخصة.
وأما أخذ المصنف بهذا فغير موجه؛ لأنه تبع في هذا شيخ الإسلام خواهر زاده، في " مبسوطه "، فإن ذكر فيه وقال: كان مأجوراً، وقال تاج الشريعة: فإن قلت: كيف يكون مأجوراً، وأنه رخصة إسقاط فكان نظير الصلاة في حق المسافر، ولو صلى المسافر أربعاً لا يؤجر بل يكره، قلت: إن الغسل أشق من المسح ويكون أبعد عن الخلاف.

[شروط المسح على الخفين]
م: (ويجوز) ش: أي المسح على الخفين م: (من كل حدث موجب للوضوء) ش: موجب بكسر الجيم من الإيجاب، وجعل الحدث موجباً مجازاً؛ لأنه ناقض للوضوء، فكيف يكون موجباً والموجب إرادة الصلاة والحدث شرطه، فجاز أن يضاف الإيجاب إليه كما في صدقة الفطر.
فإن قلت: ذكر في " المبسوط " و " خير مطلوب ": أن الحدث هو السبب.
قلت: نعم، ذكره هكذا، ولكنه غير صحيح، والحدث شرط على الصحيح، وقيده بقوله: موجب للوضوء احترازاً عن موجب الجنابة على ما يأتي عن قريب عن شاء الله تعالى.

(1/576)


إذا لبسهما على طهارة كاملة ثم أحدث خصه بحدث موجب للوضوء؛ لأنه لا مسح من الجنابة على ما نبين إن شاء الله. وبحدث متأخر؛ لأن الخف عهد مانعا، ولو جوزناه بحدث سابق كالمستحاضة إذا لبست ثم خرج الوقت،
والمتيمم إذا لبس الخفين ثم رأى الماء لكان الخف رافعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إذا لبسهما) ش: أي الخفين م: (على طهارة كاملة) ش: قيد بهذا احترازاً مما إذا توضأ بسؤر الحمار أو بنبيذ التمر لا يجوز المسح عليهما؛ لأن نبيذ التمر بدل عن الماء عند أبي حنيفة، ولهذا لو وجد في خلال صلاته يفسد صلاته، فلو جاز المسح كان هذا بدل البدل، وذا لا يجوز، وفي زيادة الحاكم الشهيد لا يمسح بنبيذ التمر لعدم الضرورة، ويمسحبسؤر الحمار؛ لأنه ماء مطلق عند طهوره، وفي " زيادات قاضي خان " اختلف المشايخ في جواز المسح على الخفين بنبيذ التمر. وفي " خواهر زاده ": نبيذ التمر ذكره عنه المرغيناني. وفي " جوامع الفقه " للعتابي في جواز المسح بنبيذ التمر روايتان عن أبي حنيفة، وحكى الجواز الأسبيجابي أيضاً.
م: (ثم أحدث) ش: أي ثم أحدث بعد لبسهما على طهارة كاملة، وأشار بكلمة ثم إلى أن المسح بعد الحدث لا بعد اللبس، وهذه عبارة القدوري، وباقي ما قاله المصنف فيه م: (خصه بحدث) ش: أي خص القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - المسح بحدث م: (موجب للوضوء) ش: فسر المصنف قول القدوري هذا بقوله (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لا يمسح) ش: على الخفين م: (من الجنابة على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: لأن الجنابة ألزمت غسل جميع البدن ومع الخف لا يتأتى.
م: (وبحدث متأخر) ش: أي خص القدوري المسح أيضاً بحدث متأخر عن الوضوء، كذا ما قاله الأكمل. وقال الأترازي متأخر عن اللبس وهو الأوجه م: (لأن الخف عهد) ش: أي عرف وهو صيغة المجهول، والعهد يأتي لمعان كثيرة بمعنى: اليمين، والأمان، والذمة، والحفظ، ورعاية الحرمة، والوصية، فكل واحد من هذه يذكر لما يناسبه بحسب الداعي م: (مانعاً) ش: نصب على الحال من الضمير الذي في عهد، يعني مانعاً من سراية الحدث إلى القدم لا رافعاً للحدث؛ لأن الرفع هو المطهر والخف ليس كذلك م: (ولو جوزناه) ش: أي ولو جوزنا المسح على الخفين م: (بحدث سابق على اللبس كالمستحاضة إذا لبست) ش: الخفين، الدم يسيل م: (ثم خرج الوقت) ش: قيد به؛ لأن المستحاضة يجوز لها أن تمسح ما دام الوقت باقياً، فإذا خرج الوقت ففيه الخلاف، فعندنا لا تمسح، وعند زفر تمسح مدة المسح على حسب السفر والإقامة.

م: (والمتيمم) ش: أي وكالمتيمم م: (إذا لبس الخفين ثم رأى الماء) ش: وتوضأ لا يمسح؛ لأنه برؤية الماء ظهر الحدث السابق م: (لكان الخف رافعاً) ش: للحدث السابق، والحكم في مسألة المتسحاضة أن يكون الدم سائلاً عند الوضوء واللبس أو عند أحدهما أو بينهما، وإن كان منقطعاً عندهما أو بينهما فحكمه حكم الأصحاء، وعند زفر حكمها حكم الأصحاء في الوضوءات كلها، وعلى هذا سائر أصحاب الأعذار.

(1/577)


وقوله: إذا لبسهما على طهارة كاملة لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس، بل وقت الحدث، وهو المذهب عندنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقوله) شك أي قول القدوري لا يقال: إنه إضمار قبل الذكر، وكذلك الضمير في قوله: خصه بحدث؛ لأنه معلوم بقرينة الحال؛ لأن المصنف في صدد شرح كلام القدوري م: (إذا لبسهما على طهارة كاملة لا يفيد اشتراط الكمال وقت اللبس) ش: يعني اشتراط القدوري كمال الطهارة وقت لبس الخفين لا يجوز؛ لأن المذهب اشتراط الكمال وقت الحدث، أشار بكلمة الإضراب بقوله: م: (بل وقت الحدث) ش: أي بل اشتراط الكمال وقت الحدث هو الذي يفيده. وقال الأكمل: إن كان مراد المصنف هذا الذي قرروه ففي كلام القدوري تسامح، وإن كان غير ذلك يحتاج إلى بيان؛ لأن ظاهر كلام القدوري يفيد ذلك.
قلت: تحرير هذا أن القدوري ذكر اللبس وأراد به بقاءه، يعني إذا لبسهما باقياً عند الحدث يمسح؛ لأن ما له دوام يأخذ بقاؤه حكم ابتدائه كما لو حلف: لا يسكن هذه الدار، يحنث فيها بالبقاء، حتى لو غسل رجليه وأدخلهما خفيه، ثم أكمل طهارته يمسح، وكذا لو لبسهما وهو محدث ثم توضأ وخاض الماء حتى انغسلت رجلاه ثم أحدث يمسح لكمال الطهارة عند الحدث، ولو غسل رجليه الواحدة وأدخلها الخف وحدها ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف يجوز له المسح إذا أحدث، وبه قال الثوري، والمزني، وابن المنذر، والطبري، وداود الظاهري، ويحيى بن آدم، وأبو ثور. وقال الشافعي وأحمد: ينزع الخف الأول ثم يعيده إلى مكانه، وإن لم يفعله لا يجوز له المسح. وفي " المبسوط ": هذا اشتغال بما لا يفيد.
م: (وهو المذهب عندنا) ش: أي اشتراط الكمال وقت الحدث لا وقت اللبس هو المذهب عندنا خلافا للشافعي، فإنه يشترط الكمال وقت اللبس، واحتج الشافعي على ذلك بأحاديث منها في " الصحيحين " حديث المغيرة بن شعبة، وفيه: «ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال: " دع الخفين، فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهران» فمسح عليهما، واستدل الأترازي بهذا الحديث على اشتراط اللبس على الطهارة، وليس بظاهر على ما نقول في جوابه، وأقرب ما يستدل به حديث أخرجه الدارقطني عن أبي بكرة «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوماً وليلة إذا تطهر فلبس خفية أن يمسح عليهما» . فقالوا: إن الفاء للتعقيب، والطهارة إذا أطلقت إنما يراد بها الطهارة الكاملة.
والجواب عن ذلك: أنه ليس له حجة في الأحاديث التي تتعلق بنا، لأنا نقول بعدم جواز المسح إلا بعد غسل الرجل، ومحل الخلاف يظهر في المسألتين، إحداهما: إذا أحدث ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين ثم مسح عليهما، ثم أكمل وضوء الثانية إذا أحدث ثم توضأ، فلما غسل إحدى رجليه لبس عليها الأخرى ثم غسل الأخرى ثم لبس عليها الخف، فإن هذا المسح جائز عندنا

(1/578)


حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الصورتين، خلافا له، هذا تحرير مذهبنا. والشافعية يقولون هنا: إن الحنفية لا يشترطون كمال الطهارة في المسح، وهذا يدخل ما لو توضأ ولم يغسل رجليه ثم لبس الخفين وليس كذلك عندنا، بل لا يجوز له في الصورة؛ لأن الحدث باق في القدم.
وقال الخطابي في تعليل هذه المسألة: وذلك أنه جعل طهارة القدمين معاً قبل لبس الخفين شرطاً لجواز المسح عليهما وعلله بذلك، والحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه، ولكن لا نسلم أنه شرط كمال الطهارة وقت اللبس؛ لأنه لا يفهم من نص الحديث، غاية ما في الباب أخبر أنه لبسهما وقدماه كانتا طاهرتين، فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة لأجل جواز المسح، سواء كانت الطهارة لأجل جواز المسح حاصلة وقت اللبس، أو وقت الحدث، وتقييده بوقت اللبس أمر زائد لا يفهم من العبارة. وقال الطحاوي - رحمة الله عليه -: معنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدخلتهما وهما طاهرتان» يجوز أن يقال: طاهرتان إذا غسلهما وإن لم تكمل الطهارة، كما يقال: صلى ركعتين قبل أن يتم صلاته، ويحتمل أن يريدهما طاهرتان من جنابة أو خبث.
فإن قلت: إذا كان الخف مانعاً من سراية الحدث إلى القدم كان ينبغي أن يمسح عليه إذا غسل رجليه ولبس الخفين ثم أحدث قبل كمال الطهارة.
قلت: علم كونه مانعاً من سراية الحدث إلى القدم بالنص على خلاف القياس عند كمال الطهارة فيقتصر عليه. وأما حديث أبي بكرة فإنه ضعيف وفي إسناده: مهاجر بن مخلد، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: لين الحديث، ليس بذلك، ثم إنه قد روي بالواو: " ولبس خفية "، وعلى تقدير صحته فهو محمول على طهارة الرجلين.

م: (حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح) ش: هذه نتيجة قوله، وهو المذهب عندنا، قال الأكمل: قيل: لا يصح أن يكون نتيجة ما ذكر من اشتراط اللبس على طهارة كاملة، فإن عدم جواز المسح ها هنا باعتبار ترك الترتيب في الوضوء لا باعتبار اشتراط الطهارة الكاملة وقت اللبس.
قلت: هذا كلام السغناقي وصاحب " الدراية " بعده. ثم قال الأكمل: ويجوز أن يقال لما أثبت المصنف بالدليل فيما تقدم أن الترتيب في الوضوء ليس بشرط، صح أن يبني هذا الفرع على هذا الخلاف لكونه أثبت الدليل في الوضوء أن الترتيب ليس بشرط، بل يمكن أن يقال: إن هذا الفرع له وجهان في الفساد عند الشافعي، أحدهما: من جهة ترك الترتيب، والثاني: من جهة عدم كمال الطهارة وقت اللبس، فالمصنف في هذا على الوجه الثاني مع قطع النظر عن الأول.

(1/579)


وهذا؛ لأن الخف مانع حلول الحدث بالقدم فيراعي كمال الطهارة وقت المنع حتى لو كانت ناقصة عند ذلك كان الخف رافعا.
ويجوز للمقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا؛ لأن الخف مانع حلول الحديث بالقدم) ش: هذا استدلال من جهة العقل، ولم يذكر ما هو من جهة النقل م: (فيراعي كمال الطهارة وقت المنع) ش: الفاء فيه جواب شرط محذوف، أي: فإذا كان الخف مانعاً عن سريان الحدث إلي القدم فيراعي كمال الطهورية عن حلول الحدث ولا يراعى وقت اللبس.
م: (حتى لو كانت) ش: نتيجة ما قبلة، أي حتى لو كانت الطهارة م: (ناقصة عند ذلك) ش: أي عند حلول الحدث م: (كان الخف رافعاً) ش: وليس كذلك؛ لأنه عهد مانعاً، أراد أن الطهارة إذا لم تكن كاملة عند الحدث لا يجوز المسح كما إذا لبس خفيه بعد غسل رجليه ثم أحدث ثم توضأ لا يجوز المسح لما قلنا، ولأن الحدث وإن ارتفع عن الرجلين لم يرتفع حكمه، ولهذا لا تجوز صلاته فيكون الخف رافعاً حكماً وإن جعل مانعاً حقيقة، ولو توضأ للفجر وغسل رجليه ولبس خفيه، وصلى ثم أحدث وتوضأ للظهر، وصلى ثم للعصر كذلك ثم تذكر أنه لم يمسح برأسه في الفجر نزع خفيه ويعيد الصلوات؛ لأنه تبين أن اللبس لم يكن على طهارة كاملة، وإن تبين أنه لم يمسح للظهر فعليه إعادة الظهر خاصة؛ لأنه لبسه على طهارة كاملة فتكون طهارة الأصل كاملة.
فإن قلت: إذا غسل القدمان رفع الحدث عنهما حكماً، فإذا انضم إليه غسل بقية الأعضاء ارتفع الحدث بالمجموع فكان مانعاً لا رافعاً.
قلت: كلهم اتفقوا على أن المسح لا يجوز إلا بعد طهارة كاملة، واختلافهم في وقتها، فلو كانت الطهارة ناقصة عند حلول الحدث يلزمه أن يكون الخف رافعاً للحدث الحكمي الذي حل بالقدم؛ لأنه وإن زال بالماء حقيقة لكنه باق حكماً لعدم التجزئ، وعن بقية الأعضاء أيضاً يرد النقض على مسح الخف طهارة كاملة فكان مانعاً لا رافعاً وهو خلف.
فإن قلت: هذا يقتضي وجود الطهارة الكاملة وقت الحدث، نحن لا نمنع ذلك، وإنما نقول: إنها لا تكفي، بل يحتاج إلى وجودها وقت اللبس أيضاً، وما ذكرتم لا يدفع ذلك.
قلت: كلام المصنف لا يدفع ذلك، والدفع أن وجود الطهارة يحتاج إليه عند سريان ما يزيلها، وهو الحدث تحقيقاً للإزالة، وأما قبل ذلك فهي مستغنى عنها، فلا فائدة في اشترطها.

[مدة المسح على الخفين للمقيم والمسافر]
م: (ويجوز) ش: أي المسح م (للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها) ش: التوقيت في المسح قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال الخطابي: هو قول عامة الفقهاء. وقال ابن المنذر هو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن زيد الأنصاري، وعطاء، وشريح، والكوفيين، ويحكى عن الأوزاعي، وأبي ثور، والحسن بن

(1/580)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صالح، وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: لا توقيت في المسح، ويمسح ما شاء، يروى عن الشعبي، وربيعة، والليث، وأكثر أصحاب مالك، وسمع مطرف مالكا يقول: التوقيت بدعة، وقال الشافعي: لا توقيت فيه، قاله نصر. وقال النووي: هو قوله القديم: وهو ضعيف وواه جداَ، ولا تفريع عليه، وحكى ابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه يمسح من غدوه إلى الليل، وعن الشعبي، وأبي ثور وسليمان بن داود: أنه لا يصلي به إلا خمس صلوات إن كان مقيماً، وخمس عشرة إن كان مسافراً، وهو مذهب مردود؛ لأن التوقيت بالزمان لا بتعدد الصلوات.
وفى " المحيط ": لو خاف على رجله يمسح على خفيه من غير توقيت للضرورة، وفي " جوامع الفقه " المسافر بعد الثلاث يمسح على خفيه لخوف البرد للضرورة. وفي " الاستذكار ": روي عن مالك إنكار المسح على الخفين في الحضر والسفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه، وقد ذكرنا في أول الباب عن مالك ست روايات.
وقال ابن المنذر في كتاب " الإجماع ": أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين، وقد صح رجوع من كان مخالفهم، وكذلك لا أعلم أحداً من الفقهاء المسلمين روي عنه إنكار المسح إلا مالكاً، الرواية الصحيحة الرجوع بخلاف ذلك، وعلى ذلك جميع أصحابه، احتج من قال بعدم التوقيت بما خرجه أبو داود، والدارقطني، البيهقي، «عن أبي بن عمارة، وقد كان صلى مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى القبلتين قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنمسح على الخفين، قال: " نعم " قلت: يوم، قال: " ويومين " قلت: وثلاثة أيام قال: " نعم، وما شئت " وفي رواية: حتى بلغ سبعاً، فقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " نعم ما بدا لك.»
والجواب عنه: أن أبا داود قال: هذا الحديث ليس بالقوي، واختلف في إسناده، وقال الدارقطني: إسناده لا يثبت، وقال ابن القطان: فيه محمد بن زيد، وهو ابن أبي زياد صاحب حديث الصور، قال فيه أبو حاتم: مجهول، ويحيى بن أيوب مختلف فيه، وهو ممن عيب على مسلم إخراج حديثه. وقال ابن العربي: وفي طريقه ضعفاء أو مجاهيل، منهم: عبد الرحمن بن زيد، ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن، وقال البخاري: حديث مجهول، لا يصح. وقال أحمد: رجاله لا يعرفون، وقال الثوري: اتفقوا على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به.

(1/581)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: رواه الحاكم في " المستدرك " وقال: إسناده بصري، ولم ينسب واحد منهم إلى جرح، وأبي بن عمارة صحابي مشهور، ولم يخرجاه.
قلت: لا يؤخذ منه ما قاله مع وجود ما ذكرنا، وكيف يخرجه البخاري مع قوله: حديث مجهول.
فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما مستند أهل المدينة في المسح أكثر من ثلاث ويوم وليلة.
قلت: قال أبو زرعة: لهم فيه أثر صحيح من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه كان لا يوقت في المسح على الخفين وقتاً، واحتجوا أيضاً برواية حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن الحسن قال: سافرنا مع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانوا يمسحون خفافهم بغير وقت ولا عذر، رواه ابن الجهيم في " كتاب " وروى ابن الجهيم في " كتابه " بسنده إلى سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه خرج من الخلاء فتوضأ ومسح على خفيه، فقلت له: تمسح عليهما وقد خرجت من الخلاء، قال: نعم إذا أدخلت القدمين إلى الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما ولا تخلعهما إلا لجنابة.
وروى أيضاً بسنده إلى عروة أنه كان لا يوقت في المسح، وروي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، قاله ابن عبد البر في " الاستذكار "، وهم عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمر.
والجواب عن ذلك أن هذا لا يصادم الأحاديث الصحيحة في التوقيت على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى، على أن ابن حزم ضعف كثير بن شنير جداً، وعن يزيد بن مغفل عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، فدل ذلك على رجوع عمر إلى التوقيت في المسح.
وأخرج الطحاوي ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من ثمان طرق، وأخرجه البهيقي من حديث الأسود عن شبابة عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا عائذ بن حبيب، عن طلحة بن يحيى، عن أبان بن عثمان قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن المسح على الخفين فقال: نعم ثلاثة أيام ولياليهن

(1/582)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، فهذا أيضاً يدل على رجوعه إلى التوقيت، والمرجع في هذا إلى قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى.
فإن قلت: روى الحاكم في " مستدركه " حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ثم لا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة» . وقال الحاكم: إسناده صحيح على شرط مسلم ورواته آخرهم ثقات.
وروى الحاكم أيضاً من حديث عقبة بن عامر الجهني، أنه قدم على عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بفتح دمشق، قال: وعلي خفاف فقال لي عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كم لك يا عقبة منذ لم تنزع خفيك، فذكرت من الجمعة منذ ثمانية أيام، فقال: أحسنت وأصبت السنة، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ورواه الدارقطني، والبيهقي أيضاً.
قلت: الجواب عن الأول ما قاله ابن الجوزي في " التحقيق " أنه محمول على مدة الثلاث، وقال ابن حزم: هذا مما انفرد به أسد بن موسى عن حماد، وأسد منكر الحديث لا يحتج به.
قلت: ليس كذلك، فإن أسد ثقة، وليس له ذكر في شيء من كتب الضعف، ووثقه البزار وابن يونس. والجواب عن الثاني: ما قاله الطحاوي: ليس فيه دليل قطعي على أن قوله: أصبت السنة من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن السنة يحتمل أن تكون سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحتمل أن تكون سنة أحد من خلفائه، وقد تطلق أيضاً على قول أحد من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فإن قلت: روي عن خزيمة بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» ، ورواه أبو داود والطحاوي ثم قال أبو داود: رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي بإسناده، ولو استزدناه لزادنا، وفي رواية الطحاوي: ولو { ... } عليه السائل لزاده.
قلت: ذكر في " الإمام ": أن فيه ثلاث علل.

(1/583)


لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأولى: اختلاف إسناده وله ثلاثة مخارج، رواية إبراهيم التيمي وإبراهيم النخعي ورواية الشعبي، ثم ذكر الزيادات، أعني لو استزدناه لزادنا، وبعضها ليست فيه.
الثانية: الانقطاع، قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: لا يصح، وحديث خزيمة بن ثابت في المسح [ضعيف] ؛ لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من خزيمة.
الثالثة: قال ابن حزم: إن أبا عبد الله الجدلي لا يعتمد على روايته.
فإن قلت: لما روى الترمذي حديث خزيمة هذا قال: حديث حسن صحيح، وكيف ينقل عن البخاري أنه لا يصح.
قالت: والظاهر أن قوله - لم يصح - هو بالزيادة المذكورة مع الخلاف رواية، وأما تصحيحه وتحسينه فبغير الزيادة المذكورة، واسم أبي عبد الله الجدلي عبد بن عبيد، ويقال: عبد الرحمن بن عبيد.
وذكر الأكمل في احتجاج مالك حديثين: أحدهما: «حديث عمار بن ياسر، قال: قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمسح على الخفين يوماً؟ قال: نعم، فقلت: يومين؟ قال: نعم، حتى انتهيت إلى سبعة أيام، فقال: " إذا كنت في سفر فامسح ما بدا لك» .
والآخر: ما روى سعد بن أبي وقاص وجرير بن عبد الله، وحذيفة بن اليمان، في جماعة من الصحابة، فإنهم رووا المسح على الخفين غير مؤقت، ذكره أبو بكر الرازي في " شرح مختصر الطحاوي ".
فالحديث الأول: لمالك في عدم جواز المسح للمسافر، والثاني: أنه غير مؤقت، وكذا نقله الأترازي عن أبي بكر الرازي.
قلت: هذا عجز ظاهر حيث ذكر أحد الحديثين ونسبه إلى أحد من الفقهاء، أو نقله من كتاب الأصل، فكان [عليه أن] يبين مخرجه، ورجاله سنده، حتى يرضي الخصم بذلك.
وأما حد نسبة الأكمل الحديث الأول إلى عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه نظر؛ لأن الحديث لأبي عمارة، أخرجه أبو داود وغيره كما ذكرناه عن قريب. وأما حديث عمار فقد قال البيهقي: روينا عنه جواز المسح.

م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم يومياً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» ش: هذا الحديث أخرجه جماعة منهم الطبراني من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليها

(1/584)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وللمقيم يوم وليلة في المسح على الخفين»
ومنهم الحافظ أبو نعيم في كتاب " معرفة الصحابة " من حديث مليكة بنت الحارث قالت: حدثني أبي عن جدي مالك بن سعد أنه «سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: وسئل عن المسح على الخفين. قال: " ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» .
ومنهم أبو نعيم أيضاً من حديث مالك ين ربيعة قال: «رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على خفية» وروى «للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» .
ومنهم من حديث شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أسالها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فاسأله للمقيم فإنه كان مسافراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسألناه، فقال: «جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر للمقيم ويوماَ وليلة للمقيم» . ورواه ابن خزيمة في " صحيحة " بلفظ: «رخص لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسح على الخفين ثلاثة أيام إلى آخره» .
ومنهم أبو دود: من حديث خزيمة بن ثابت قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» ، أخرجه ابن ماجه، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ومنهم ابن أبي شيبة أخرجه في " مصنفه " من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمر بالمسح على ظاهر الخف للمسافر ثلاثة أيام ولياليها وللمقيم يوما وليلة» .
ومنهم الحافظ أبو بكر النيسابوري من حديث عمرو بن أمية الضمري أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة» .

(1/585)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومنهم البزار من حديث عوف بن مالك لا يخفى «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» .
ومنهم البزار أيضًا من حديث أبي هريرة «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المسح على الخفين فقال: " للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» .
ومنهم الدارقطني: من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة إذا طهر ولبس خفية أن يمسح عليهم» رواه ابن خزيمة أيضاً، والأثرم، وقال الطحاوي: هو صحيح الإسناد، وقال البخاري: حديث حسن.
ومنهم الطبراني في " الكبير " من حديث المغيرة: «آخر غزوة غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرنا أن نمسح على خفافنا للمسافر ثلاثة أيام ولياليها، وللمقيم يوماً وليلة ما لم يخلع» .
ومنهم الترمذي من حديث صفوان بن عسال بفتح العين المهملة وتشديد السين المهملة قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ويروى لا من جنابة، ولكن من غائط، وبول، ونوم» وقال: حديث حسن صحيح، ورواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في " صحيحه " وابن خزيمة، أيضاً قوله: " أو سفراً " شك من الراوي بفتح السين وسكون الفاء جمع مسافر كركب وراكب.
وقيل: اسم جمع، وذكر الغائط والبول والنوم خرج مخرج الغالب، وفي معناها: زوال العقل بالجنون، والإغماء، وكذا القيء، وخروج الدم، وكل ما كان حدثاً، وفي معنى الجنابة النفاس، والحيض على أصل أبي يوسف إذا كانت مسافرة؛ لأن أقل الحيض عنده يومان وليلتان وأكثره الثلاث، فيمكنها المسح في بقية المدة وما فيه غسل جميع البدن، ويؤخذ منها أنه لا يمسح على الخف من نجاسة.
قوله: لكن، حرف استدراك بعد النفي، وإذا استدرك بها الإثبات يختص بالجملة دون

(1/586)


قال: وابتداؤها عقيب الحدث؛
لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم فيعتبر المدة من وقت المنع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المعنى، وقيل: في لفظ الحديث إشكال؛ لأن قوله: «أمرنا أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة» معقب بالاستثناء فيصير إيجاباً، وقوله: بعد ذلك، لكن استدرك من إيجاب المفرد وذلك خلاف ما تقدم. قوله: وبول ونوم، بواو العطف في كتب الحديث ووقع في كتب الفقه كلها أو للتنويع.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وابتداؤها) ش: أي ابتداء مدة المسح م: (عقيب الحدث) ش: لا من وقت اللبس، وبه قال الشافعي والثوري وجمهور العلماء، وهو أصح الروايتين عن أحمد وداود، وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار، والراجح دليلاً ذكره النووي واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وعن الحسن البصري أن ابتداءها من وقت اللبس، ويلزم على قول الحسن أنه إذا مضى يوم وليلة على المقيم ولم يحدث وجب أن ينزع الخف ولا يجزئه المسح بعد ذلك وهو محال، وعلى من يعتبر من وقت المسح أنه إذا لبس خفيه وأحدث ولم يمسح ثم أغمي عليه بعد ذلك أسبوعاً أو شهراً أنه لا ينزع خفيه ويمسح عليهما وهو محال أيضاً، كذا في " مبسوط " شيخ الإسلام وشمس الأئمة.
ثم بيان الأقوال الثلاثة ممن توضأ عند طلوع الفجر، ولبس الخف ثم أحدث بعد طلوع الشمس ثم توضأ ومسح بعد الزوال فعلى قول العامة يمسح المقيم إلى وقت الحدث من اليوم الثاني وهو ما بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني، وعلى القول الثاني إلى وقت طلوع الفجر من اليوم الثاني وهو وقت اللبس، وعلى القول الثالث إلى ما بعد الزوال من اليوم الثاني وهو وقت المسح، والصحيح قول العامة.

م: (لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم) ش: أي مانع حلول الحدث بالرجل شرعاً م: (فتعتبر المدة من وقت المنع) ش: أي؛ لأن المانع عن الشيء إنما يكون مانعاً حقيقة عند سريان الممنوع، ثم الحقيقة أولى بالاعتبار، فتعتبر المدة من عنده. وفي " المبسوط ": لأن الحدث سبب للوضوء فتعتبر المدة من وقت السبب.
وقال أبو نصر الأقطع: عن إبراهيم الحربي قال: روي عن عشرة من الصحابة وعشرين من التابعين أن ابتداء المسح من وقت الحدث لا من وقت اللبس، ولأن الحدث سبب الرخصة حتى لو لم يحدث لا يحتاج إلى المسح، فتعتبر من وقت السبب، فأكثر ما يصلي به المقيم من الصلاة الوقتية ست صلوات، والمسافر ستة عشر وقتاً، إلا بعرفة والمزدلفة فإنها تكون سبعاً للمقيم وسبعة عشر للمسافر، ومثلها عند الشافعي في سائر الأماكن للجمع.

(1/587)


والمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كيفية المسح على الخفين]
م: (والمسح على ظاهرهما) ش: أي محل المسح على ظاهر الخفين، وهو المستحب عندنا، ومسح أسفل الخفين غير مستحب، وفي " البدائع " المستحب عندنا الجمع بن ظاهره وباطنه في المسح إذا لم يكن به نجاسة، وبه قال الشافعي، حكاه في " المهذب " حيث قال: والمستحب أن يمسح أعلى الخف وأسفله، والواجب عنده أقل جزء من أعلاه. وقال السغناقي: قال الإمام السرخسي في " المبسوط ": فإن مسح باطن الخف دون ظاهره لم يجز، فإن موضع المسح ظهر القدم.
وقال الشافعي: المسح على ظاهر الخف فرض، وعلى باطنه سنة. وقال صاحب " الهداية ": قوله على ظاهرهما احترازاً عن قول الشافعي، والزهري، ومالك، فإن السنة عندهم المسح على الخف وأسفله، إلا أن يكون على أسفله نجاسة، ولكن لو اقتصر على مسح أعلاه يجوز عندهم، ولو اقتصر على مسح أسفله لم يجز على ظاهر المذهب، وأظهر القولين عن الشافعي، ويجزئه في قول.
وأما مسح العقب فمن أصحابه من قال: يمسحه قولاً واحداً، ومنهم من قال: فيه قولان، أصحهما: أنه يمسحه، وفي الاقتصار على العقب قولان، الأظهر: أنه يجوز، وعندنا، والثوري وداود، وأحمد: لا مدخل لأسفل الخف في المسح ولا للعقب.
قلت: ما ذكر في " البدائع " هو قول علي، وأنس، وقيس بن سعد، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، الشعبي، وعطاء، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم، واختاره ابن المنذر، وروي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، ومالك وجوب مسح ظاهرهما وباطنهما، وحكى النووي عن ابن المنذر أن مسح أسفلهما استحباب عندهم، وبه قال الشافعي، وهو قول لمالك: السنة مسح أعلى الخف وأسفله.
قلت: هذا مخالف لما نقله النووي وما نقله السغناقي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الأكمل: وفي " المغني ": ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه، وبذلك قال عروة، وعطاء، وإسحاق، والنخعي، والأزواعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، ولا نعلم أحداً قال يجزئه مسح أسفل الخف إلا أشهب من أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي، والمنصوص عن الشافعي: أنه لا يجزئه. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين، ويقول: لا يجزئه المسح على أعلى الخف.
م: (خطوطاً بالأصابع) ش: قال الأكمل: هو منصوب على الحال بمعنى مخطوطاً.
قلت: أخذه من السغناقي، وكذا قال صاحب " الدراية "، وتاج الشريعة، ولم يبين أحد منهم أن لفظ " الخطوط " مصدر أو جمع، وأن ذا الحال ما هو فنقول: و " الخطوط " جمع خط. قال الجوهري: الخط واحد الخطوط، وكذا قال في " العبارات " فإن كان الخطوط مصدراً والمصدر

(1/588)


يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخط يقال: خط الكتابة خطاً. قال السغناقي: يقال خطه فلان كما يقال كتبه فلان، ثم قال في آخر الباب: وأكثر كتبه يدل على أنه من باب نصر ينصر، كذا في " دستور اللغة " وذا الحال هو المبتدأ، أي قوله: و " المسح " لأنه مرفوع على الابتداء، والخبر متعلق قوله: على ظاهرهما، وهو كائن أو جائز أو نحو ذلك، و " خطوطاً " على حاله من غير تأويل.
فإن قلت: المطابقة بين الحال وذي الحال شرط، وها هنا الحال جمع وذو الحال مفرد.
قلت: المصدر يتناول القليل والكثير، ويمكن أن يقال: إن ذا الحال محذوف والخطوط حال منه، والتقدير: ومسح الماسحين على ظاهر الخفين حال كونهم مخططين بالأصابع، فحينئذ يجوز خطوطاً بالمخططين على صيغة اسم الفاعل، لا للتأويل بالمفرد على ما قالوا من غير روية.
وقال الأترازي: وقوله خطوطاً بيان السنة لا شرط الجواز، وقال: هذا احتراز عن قول عطاء، فإنه يقول بتثليث المسح اعتبارا بالغسل، وذلك؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة واحدة.
قلت: هذا ليس باحتراز عن قول عطاء، فإنه لو قيل: خطوطا بالأصابع مرة كان احترازا عن قول عطاء قول؛ لأن الخطوط إنما تبقى إذا مسح مرة وفيه نظر؛ لأن بقاء الخطوط ليس بشرط، وغاية ما في الباب أن عطاء قاس مسح الخف على الغسل.

م: (يبدأ من قبل الأصابع إلى الساق) ش: هذا كيفية المسح أن يبدأ الماسح، وابتداؤه من قبل أصابع الرجل وانتهاؤه إلى الساق، وفيه إشارة إلى أن الساق لا يدخل؛ لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا، وعن هذا قال الحسن عن أبي حنيفة أنه يمسح ما بين أطراف الأصل إلى الساق، وهذا الذي ذكره هو مقدار الواجب في المسح. وقال أحمد: الواجب مسح أكثر ظاهره، وعند مالك " مسح جميعه إلا مواضع، وعند الشافعي: إن اقتصر على جزء من أعلاه أجزاء بلا خلاف، وإن اقتصر على بعض أسفله لا يجزئه، نصه في البويطي و " مختصر المزني ".
ولهم فيه طرق ثلاث: طريقة جمهورهم عدم الإجزاء ذكره النووي في " شرح المذهب ".
وقال أبو عمر: حديث المغيرة يبطل قول أشهب أنه لا يجوز الاقتصار على ظاهر الخف. وفي " المغني " عن أشهب وبعض الشافعية أنه يجوز الاقتصار على أسفله. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يقول بالمسح على الخفين أنه يجزئ المسح أعلى الخفين. وقال ابن بطال: الصحابة مجمعون على أنه إن مسح أسفله دون أعلاه لم يجزه. وفي " المحيط ": السنة إكمال الفرض في محله كالعقب، والساق، والجوانب، والكعب، ولو مسح بأصبع واحدة في ثلاثة مواضع أو بدءاً من الساق أو من ظهر القدم عرضاً جاز، ولو كان بعض خفه خالياً ومسح قدر ثلاثة أصابع على المغسول جاز على الحال، والبداءة من رءوس الأصابع مستحبة اعتباراً بالغسل، وهو قول

(1/589)


«لحديث المغيرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطوطا بالأصابع» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المرغيناني وظاهرهما من رءوس الأصابع إلى مقدار شراك النعل.
وفي " جوامع الفقه ": ولو مسح على إحدى رجليه مقدار إصبعين وعلى الأخرى مقدار خمسة أصابع لا يجزئه، فيعتبر مقدار ثلاث أصابع من رجل. ونص محمد على أن المعتبر فيه أكثر آلة المسح، ذكره في " المحيط " و " الزيادات " وقال الكرخي: ثلاث أصابع من الرجل واعتبره بالخرق، والأول أصح، ولا يجزئه أصبع ولا أصبعان كما في مسح الرأس، ولو أصابه مطر أو مشى على حشيش مبتل بالصر يجزئه، وكذا بالطل؛ لأنه ماء، وقيل: لا يجزئه؛ لأنه نفس دابة في البحر يجذبه الهواء فيرش على الأرض.
قال المرغيناني: الصحيح الأول، وفي " فتاوى قاضي خان ": وكيفية المسح أن يضع بعض أصابع يده اليمنى، وأصابع يده اليسرى على مقدم خفه الأيسر، ويمدهما إلى الساق فوق الكعبين ويفرج بين أصابعه، ولو بدأ من أصل الساق ومد إلى الأصابع جاز، وفي " المجتبى " إظهار الخطوط ليس بشرط في ظاهر الرواية. وقال الطحاوي: المسح على الخفين خطوط بالأصابع.
م: (لحديث المغيرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضع يديه على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحد، وكأني أنظر إلى أثر المسح على خف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطوطًا بالأصابع» ش: قلت: حديث المغيرة بن شعبه لم يرو على هذا الوجه، وإنما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه "، حدثنا الحنفي، عن أبي عامر الخزاز، ثنا الحسن، «عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه، (ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن) ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الخفين.» هذا الحديث مع غرابته يدل على أحكام:
الأول: أن السنة وضع اليدين على الخفين.
وعن محمد يضع أصابع يديه مقدم الرجل ويمدها، أو يضع كفه مع الأصابع إلى أعلاهما، والمد سنة؛ لأنه ورد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح بالمد وبغير المد» .

(1/590)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثاني: أن السنة في كيفية الوضع وضع يده اليمنى للأيمن واليسرى للأيسر.
الثالث: أن السنة المسح مرة واحدة.
فإن قلت: أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة «عن المغيرة قال: وضأت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك فمسح أعلا الخف وأسفله» .
قلت: ضعف هذا الحديث، فقال أبو داود: بلغني أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، قال الترمذي: حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم، وسألت محمدا وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور عن رجاء. قال: حديث كاتب المغيرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسل. وقال الدارقطني في " العلل ": حديث لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً، وكذا ضعفه أحمد بن حنبل - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قلت: حاصل ما ذكروا في الحديث أربع علل.
الأولى: أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، ويجاب عن هذا بأن البيهقي أسنده عن داود بن رشيد، حدثنا الوليد، عن ثور، حدثنا رجاء، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، وقد صرح فيها بأن ثوراً قال: حدثنا رجاء، وإن كان من رواه عنه قال عن رجاء.
الثانية: أن كاتب المغيرة قد أرسله، ويجاب عن هذا بأن الوليد مسلم زاد في الحديث ذكر المغيرة، وزيادة الثقة مقبولة.
الثالثة: أن كاتب المغيرة مجهول، ويجاب عن هذا بأن المعروف بكاتب المغيرة هو مولاه، وزاد الثقفي وكنيته أبو سعيد، ويقال: أبو الورد، سمع المغيرة، وروى عنه الشعبي، ورجاء بن حيوة، وأبو عون وغيرهم، وروى له الجماعة، وصرح ابن ماجه في " سننه " فقال: عن رجاء عن داود كاتب المغيرة، فصرح باسمه.
الرابعة: أن الوليد مدلس، ويجاب عن هذه بأن أبا داود قال عن الوليد: أخبرني ثور، فأمن بذلك تدليسه، فلذلك استدل به جماعة منهم الشافعي أن مسح أسفل الخفين مستحب عندهم.
قلت: وعن هذا قال صاحب " البدائع ": المستحب عندنا الجمع بين ظاهره وباطنه، وقد ذكرناه.

(1/591)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وجمهور أصحابنا استدلوا بما روي من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عبد خير «عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح عليه من ظاهره، وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين على ظاهرهما» ، رواه أبو داود وأحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود أيضاً من حديث الأعمش بإسناده قال: «ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على ظاهر خفيه.» وقال أبو داود: «أبو السوداء عن أبيه، قال: رأيت علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - توضأ فغسل ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله لظننت بطونهما أحق بالمسح» وقال البيهقي: والمرجع فيه إلى عبد خير، وهو لم يحتج به صاحبا " الصحيح ".
قلت: عدم احتجاج صاحبي " الصحيح "ليس بقادح في روايته، [....] وقد احتج به غيرهما، وحديثه صحيح. وقال إمام الحرمين في " النهاية في الحديث ": الصحيح أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على خفيه خطوطا فكأنه تبع القاضي حسين، فإنه قال: روي «حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، قال: فحكي عنه أنه قال: ولكني رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على ظاهر الخف خطوطاً بالأصابع» وتبعه الغزالي في " الوسيط ".
وقال النووي في "شرح المهذب ": هذا الحديث ضعيف، روي عن علي مرفوعاً، وعن الحسن البصري موقوفاَ.
قلت: وروى ابن أبي شيبة أثر الحسن البصري قال: من السنة أن يمسح على الخفين خطوطَا.
وقال في " التنقيح ": قول إمام الحرمين: إنه صحيح، غلط فاحش، لم نجده من مرويات علي، ولكن روى ابن أبي شيبة أثر الحسن المذكور.
قلت: كأن النووي أراد بقوله: هذا الحديث ضعيف، هو الذي نقله إمام الحرمين، وأما الذي رواه أبو داود فهو صحيح كما قلنا، والدليل على ذلك ما قاله صاحب " التنقيح ". وقال السروجي: في تعليل ترك مسح باطن الخفين؛ لأن المسح إذا تكرر على أسفل الخف خلق وبلى، وأضر به مع الدوس بالبلل على الأرض، كما ذكروا في ساق الخف، بل أولى؛ لأنه لا يلحق الأرض.

(1/592)


ثم المسح على الظاهر حتم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا التعليل معدول لا يخفى، وقال أيضاً: ولأنه معدول عن القياس فيقتصر على ما ورد به الشرع وهو ظاهر الخف دون باطنه.
قلت: القياس يقتضي مسح الظاهر والباطن؛ لأنه يدل على الغسل، والشرع كما ورد بالظاهر ورد بالباطن كما ذكرنا مستقصى.

م: (ثم المسح على الظاهر حتم) ش: أي ثم مسح الخف على ظاهره حتم أي واجب. قال الأترازي: يعني أنه واجب لا يحتمل غيره.
قلت: إن أراد بعدم الاحتمال عقلاً فممنوع ومنعه ظاهر، وإن أراد به شرعاً فممنوع أيضاً؛ لأنه ورد «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على باطن خفه» كما مر من حديث المغيرة بن شعبة.
وقال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن والقعر؛ لأنه خلف عن الغسل، فيجوز في جميع محل الغسل كما في مسح الرأس، فإنه يجوز المسح في جميع الرأس، وإن ثبت مسحه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في الناصية.
قلت: لا يجوز؛ لأن فعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابتداء شرع وهو غير معقول المعنى، فيعتبر جميع ما ورد به الشرع من رعاية الفعل والمحل بخلاف مسحه عليها، فإنه بيان ما ثبت بالكتاب لا نصب الشرع، فيجب العمل بمقدار ما يحصل به البيان وهو المقدار؛ لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى فعله بياناً له.
قلت: إن أراد بقوله لا يجوز يعني مسح البطن والعقب مع مسح الظاهر فلا نسلم بذلك؛ لأنه ورد مسح الظاهر والباطن بقوله، فيعتبر جميع ما ورد في الشرع من رعاية الفعل والمحل لا دليلاً لمدعي الاقتصار على الظاهر؛ لأنه ورد في الشرع فعل الباطن. وثبت أنه محل أيضاً لفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فكما أنه يراعى الفعل والمحل لو ورد الشرع بهما، فكذلك ينبغي أن يراعى ذلك في الباطن أيضاً، فإن الشرع ورد بهما أيضاً.
وقوله: لأن المحل معلوم بالنص فلا حاجة إلى نقله بياناً له - غير مسلم في حق المقدار.
قال صاحب " الدراية ": فإن قيل: ينبغي أن يجوز المسح على الباطن مع الظاهر لكونهما مرويين والجمع ممكن، فثبت فرضية مطلق المسح وسنية المسح عليهما كما قال الشافعي.
قلت: هذا السؤال غير وارد فلا يحتاج إلى قوله ينبغي.. إلخ، والعمل بما قاله الشافعي لو ورد حديث الظاهر والباطن، وإمكان الجمع بينهما في العمل وتأويله في جواب هذا السؤال بقوله: يحتمل أن يكون المراد من أعلاه مما يلي الساق، ومن أسفل ما يلي الأصابع، فلا يثبت سنية مسح الباطن، فالشك غير صحيح؛ لأن هذا مفسر فلا يحتاج إلى التأويل إذا لم يمكن الجمع، وقد أمكن كما ذكرنا.

(1/593)


حتى لا يجوز على باطن الخف، وعقبه، وساقه؛ لأنه معدول به عن القياس فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع، والبداية من رءوس الأصابع استحباب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (حتى لا يجوز على باطن الخف وعقبه وساقه) ش: هذه نتيجة قوله: ثم المسح على الظاهر حتم، قلت: إن أراد بقوله: لا يجوز الاقتصار على الباطن أو العقب أو الساق فمسلم. وإن أراد به مع الظاهر فغير مسلم كما ذكرنا. وقال الأكمل: يعني لا يجوز على باطن الخف وعقبه خلافاً للشافعي في قوله.
قلت: هذا لا يصح، فإنه لم ينقل عن الشافعي أنه أجاز مسح الباطن وحده، بل نص في الأم وغيره أن مسح الباطن وحده لا يجوز.
م: (لأنه معدول به عن القياس) ش: أي لأن المسح معدول به عن القياس؛ لأن المسح لا يطهر شيئاً ولا يزيله، فجعل قائما مقام الغسل للتخفيف رخصة. وقال الأترازي: قوله معدول به عن القياس إشارة إلى ما ذكرنا من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «لو كان الدين بالرأي» الحديث. قلت: يفهم من كلامه هذا أن القياس مسح الباطن، وعدل به عنه إلى الظاهر، وليس كذلك، بل القياس أن لا يجوز المسح أصلاً كما ذكرنا الآن.
م: (فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع) ش: هذه نتيجة قوله: لأنه معدول به عن القياس، ولكن ظاهر هذا الكلام لا يستقيم؛ لأن استيعاب ظاهر الخف والبداءة من رءوس الأصابع غير معتبر في الوجوب، فلو روعي جميع ما ورد به الشرع لوجب ذلك [ ... ] .
م: (والبداءة من رءوس الأصابع استحباب) ش: الخبر لا يطابق المبتدأ في المعنى، والمطابقة مستحبة وهو يتضمن الاستحباب، اللهم إلا إذا جعل هذا من قبيل زيد عدل، فافهم. ونتيجة قوله: " استحباب " أنه لو بدأ من الساق جاز. وسأل الأكمل ها هنا سؤالاً، وملخصه: أنه كان ينبغي أن تكون البداءة من الأصابع حتما لا مستحبا كالمسح على ظاهرهما؛ لأن الشرع ورد بمد اليدين من الأصابع إلى أعلاهما، ثم أجاب عن ذلك بقوله ما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على خفيه من غير مد إلى الساق. قلت: في حديث المغيرة الذي ذكره المصنف ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما.
فإن قلت: إن هذا غريب لم يرو حديث المغيرة هكذا.
قلت: روي في حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق» ، ورواه ابن ماجه.

(1/594)


اعتبارا بالأصل وهو الغسل، وفرض ذلك مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد. وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من أصابع الرجل، الأول أصح اعتبارا بآلة المسح،
ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كثير يبين منه قدر ثلاثة أصابع من الرجل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: في سنده جرير بن يزيد، قال صاحب " التنقيح ": وجرير هذا ليس بمشهور ولم يروعنه غير بقية، وفي سنده أيضاً: منذر بن زيادة الطائي، وقد كذبه الفلاس، وقال الدارقطني: متروك، وهذا الحديث مما استدركه الحافظ المزني على ابن عساكر، إذ لم يذكره في " أطرافه " وكأنه ليس في بعض نسخ ابن ماجه. قلت: أخرج الطبراني في " معجمه الأوسط " عن بقية، عن جرير بن يزيد الحميري، عن محمد بن المنكدر، «عن جابر بن عبد الله، قال: " مر رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل يتوضأ، وهو يغسل خفيه، فنخسه بيده، وقال: إنما أمرنا بالمسح هكذا، وأراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه.»
م: (اعتباراً بالأصل وهو الغسل) ش: اعتباراً على أنه مفعول مطلق، أي اعتبرنا في مسح الخف البداء من الأصابع اعتباراً بالأصل، وهو غسل الرجلين م: (وفرض ذلك) ش: أي فرض مسح الخف م: (مقدار ثلاث أصابع من أصابع اليد) ش: قال في " التحفة ": سواء كان المسح طولاً أو عرضا، أما التقدير بثلاث أصابع كما ذكر في حديث جابر المذكور آنفاً، وقد ذكر بلفظ الجمع وأقله ثلاثة، وأما اعتبارها من أصابع اليد فلكونها آلة كما في مسح الرأس.
م: (وقال الكرخي من أصابع الرجل) ش: وقال الشيخ أبو الحسن الكرخي في " مختصره ": إذا مسح مقدار ثلاث أصابع من الرجل أجزأه واعتبر بالخرق م: (والأول أصح) ش: أي اعتباراً لأصابع اليد م: (اعتباراً بآلة المسح) ش: لأن المسح فعل يضاف إلى الفاعل لا إلى المحل فتعتبر الآلة كما في الرأس.

[المسح على خف فيه خرق كبير]
م: (ولا يجوز المسح على خف فيه خرق كبير) ش: يروى كبير بالباء الموحدة وكثير بالثاء المثلثة، فالأول يقابله الصغير، والثاني يقابله القليل، والأول أيضاً يستعمل في الكمية المتصلة، والثاني في المنفصلة م: (يبين منه قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل) ش: هذه الجملة الفعلية في محل الرفع؛ لأنه صفة لقوله: كبير، وفي " المحيط " و " البدائع " و " الأسبيجابي ": الخرق المانع هو المفتوح الذي يكشف ما تحت الخف، أو يكون منضماً، لكن يفرج عند المشي ويظهر القدم، وإذا كان طويلاً منضماً لا ينكشف ما تحته لا يمنع، كذا روي عن أبي يوسف، ولو انكشف الطهارة وفي داخلها بطانة من جلد. وفي " الذخيرة " أو خرقة مخروزة بالخف لا يمنع، وقيل: ولو كان الخرق تحت القدم لا يمنع ما لم يبلغ أكثر القدم. وفي الكعب يمنع ثلاث أصابع لا ما دونها وما فوق الكعبين لا يمنع؛ لأنه ليس الموضع لمسح ولا لمشي، وفي " الذخيرة " الكبير ثلاث أصابع الرجل أصغرها، وفي بعض الواضع كالإبهام وجاز لها. قال الحلواني: إن كان الخرق عند أكبر الأصابع يعتبر أكبرها، وإن

(1/595)


فإن كان أقل من ذلك جاز. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وإن قل؛ لأنه لما وجب غسل البادي وجب غسل الباقي، ولنا أن الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فيلحقهم الحرج في النزع، وتخلو عن الكثير فلا حرج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان عند أصغر الأصابع يعتبر أصغرها، وهذا في الخرق المنفرج الذي يرى ما تحته من الرجل.
وإن كان طويلاً يدخل فيه ثلاث أصابع وأكثر، ولكن لا يرى شيء ما أصابع إلا ينفرج عند المشي لصلابته لا يمنع، وفي مقطوع الأصابع يعتبر الخرق بأصابع غيره، وقيل بأصابع نفسه له كانت قائمة. وفي " المرغيناني ": إن ظهرت من الخرق الإبهام والوسطى والخنصر شيء من الخف لم يجز المسح، ولو ظهر الإبهام ولكن قدر ثلاث أصابع الرجل أصغرها لا بأس بالمسح، وفي " صلاة الحسن ": يعتبر قدر ثلاث أصابع الرجل مضمومة لا ينفرج الخف الذي لا ساق له كذي الساق وصاحب الرجل الواحدة يمسح، وفي " المنية ": مقطوع الأصابع تحته خرق في موضع الأصابع مقدار ثلاث أصابع قدميه أصغرها لو كانت قائمة يمنع المسح ولا يعبأ بأصابع غيره، وإن كان موضع الإبهام، وخرجت هي وجارتها يمنع، وجارة واحدة منها لا يمنع في الأصح، وإن ظهرت الأصابع ولم تخرج لا يمنع.
م: (وإن كان أقل من ذلك جاز) ش: أي من ثلاث أصابع الرجل جاز المسح؛ لأن الخف لا يخلو عن الخرق القليل عادة فجعل عفواً لدفع الحرج.
م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز بخرق وإن قل) ش: أي الخرق. وقال أحمد: وعن الثوري، ويزيد بن هارون، وأبي ثور، جوازه على جميع الخفاف. وعند مالك: اليسير غير مانع، والكبير مانع، وعن الأوزاعي: إن ظهرت طائفة من رجله مسح على خفيه وعلى ما ظهر من رجليه. وعن الحسن: إن ظهر أكثر الأصابع لم يجز، وفي شرح " الوجيز ": ولو كان الخف متخرقاً ففيه قولان، في القديم: يجوز المسح عليه ما لم يتفاحش، وبه قال مالك. وحد الفحش ما قاله الأكثرون ما لم يتمالك في الرجل، ولا يتأتى المشي عليه، وإلا فليس بفاحش. وقيل: حده أن لا يبطل له اسم الخف، وبه قال النووي.
وفي الجديد: لا يجوز المسح عليه قليلاً كان الخرق أو كثيراً، وبه قال أحمد: والطحاوي.
م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الشأن م: (لما وجب غسل البادي) ش: أي الظاهر من الرجل م: (وجب غسل الباقي) ش: اعتباراً بالكثير عندنا، والجميع بين الغسل والمسح لا يجوز.
م: (ولنا أن الخفاف لا تخلو عن الخرق القليل عادة فيلحقهم الحرج في النزع) ش: أي في نزع الخف ولا سيما في حق المسافر م: (وتخلو) ش: أي الخفاف م: (عن الكثير فلا حرج) ش: فيه لندورته، وقولهم: لما وجب غسل البادي، قلنا: وجوب غسل البادي غير مسلم لهم فاليسير الذي

(1/596)


والكثير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها هو الصحيح؛ لأن الأصل في القدم هو الأصابع، والثلاث أكثرها، فيقام مقام الكل واعتبار الأصغر للاحتياط، ولا يعتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي، ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكروه، فإن مواضع [ ... ] الخف كان مثل ذلك فيه خرق، ألا ترى كيف يدخل التراب من ذلك.
م: (والكثير أن ينكشف قدر ثلاثة أصابع من أصابع الرجل أصغرها) ش: الكثير مبتدأ، وأن مصدرية في محل الرفع على الخبرية، والتقدير الكثير انكشاف قدر ثلاث أصابع الرجل.
قوله: " أصغرها " بالجر بدل من ثلاث أصابع، بدل البعض من الكل م: (هو الصحيح) ش: أي التقدير بثلاثة أصابع من أصابع الرجل هو الصحيح، واحتراز به عما روي عن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: قدر ثلاثة أصابع من أصابع اليد، وقال الأكمل قوله: هو الصحيح احتراز عن رواية الحسن كما ذكرنا، وعما قال شمس الأئمة الحلواني: المعتبر بأكبر الأصابع إن كان الخرق أكبرها وأصغرها إن كان عند أصغرها.
قلت: أخذ الأكمل هذا من السغناقي، وليس كذلك، بل قوله: هو الصحيح، احتراز عن رواية الكرخي، وأما الاحتراز عن رواية الحلواني فنقول أصغرها.
م: (لأن الأصل في القدم هو الأصابع والثلاث أكثرها) ش: أي ثلاثة أصابع أكثر القدم، وفيه نظر؛ لأنه جعل الأصل في القدم الأصابع، ثم قال: والثلاث أكثرها، وهذا يقتضي أن تكون الأصابع من أجزاء القدم وجزء الشيء لا يكون أصلاً له م: (فيقام مقام الكل) ش: أي إذا كان الثلاث أكثر القدم فيقام مقام الكل بضم الميم الأولى؛ لأن أكثر الشيء له حكم كله.
م: (واعتبار الأصغر للاحتياط) ش: وهذا كأنه جواب عما يقال: لم اعتبر الأصابع بثلاث الصغير؟ فأجاب بقوله: للاحتياط في باب العبادة م: (ولا معتبر بدخول الأنامل إذا كان لا ينفرج عند المشي) ش: أي لا عبرة بدخول الأنامل في حكم الأصابع، يعني إذا بدا مقدار ثلاثة من أصابع الرجل لا يمنع الجواز، وقيل: يمنع، وإليه مال السرخسي، والأصح أنه إذا بدا قدر ثلاثة من أصابع الرجل بكمالها يمنع، وإليه مال الحلواني. وفي " المجتبى " له ذلك من بطانة الخف دون الرجل، قال الفقيه أبو جعفر: الأصح أنه يمسح عند الكل كأنه كالجوارب المنعل، وحكم الكعب المرتفع حكم الخف؛ لأنه كالخف لا ساق له.
وفي " شرح الوجيز ": لو تخرقت البطانة وحدها أو الطهارة وحدها جاز المسح إن كان ما بقي ليس بضعيف، وإلا لا يجوز في أظهر القولين م: (ويعتبر هذا المقدار) ش: أي مقدار ثلاثة أصابع الذي يمنع بدورها عن المسح م: (في كل خف على حدة) ش: أي في كل واحد من الخفين منفرداً.

(1/597)


فتجمع الخروق في خف واحد، ولا يجمع في خفين؛ لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر،
بخلاف النجاسة المتفرقة؛ لأنه حامل للكل. وانكشاف العورة نظير النجاسة.
ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله: على حدة: أي على حال، والهاء فيه عوض عن الواو، وأصله وحده، ولما حذفوا الواو عوضوا بها الهاء في آخره على حدة، وكذلك أحد أصله وحد م: (فتجمع الخروق في خف واحد) ش: هذه نتيجة قوله: ويعتبر هذا المقدار في كل خف على حدة م: (ولا تجمع) ش: أي الحروق م: (في الخفين) ش: وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تجمع في خف أيضاً م: (لأن الخرق في أحدهما لا يمنع قطع السفر بالآخر) ش: أي بالخف الآخر بخلاف الخرق من الخفين.
قال الأكمل: قيل: ينبغي أن يجمع في الخفين أيضاً؛ لأن الرجلين صارا كعضو واحد لدخولهما تحت خطاب واحد. وأجيب بأنهما صارا كعضو واحد في حق حكم شرعي. والخرق أمر حسي فلا يكونان فيه كعضو واحد كما في قطع المناخر، ولهذا لو مد الماء من الأصابع إلى العقب جاز، ولم يظهر له حكم الاستعمال؛ لأنه عضو واحد، ولو مد الماء من إحدى الرجلين إلى الأخرى لم يجز. قلت: هذا السؤال مع جوابه في " الدراية " ولكن جواب صاحب " الدارية " قلت: نعم صار كعضو واحد في حق المسافر.
فإن قيل: هلا يغسل أحدهما؟ قلنا: لما كان العضوين واحداً في حق حكم شرعي، فلو غسلت إحداهما ومسح الأخرى يكون جمعاً بين المسح والغسل في عضو واحد حكماً، وهذا غير مشروع، كذا في " الكافي "، وفي " الإيضاح ": الوظيفة فيهما إن كانت متحدة حتى انتقض المسح بنزع أحدهما، ولكنهما في حق الغسل عضوان م:
(بخلاف النجاسة المتفرقة) ش: على الخفين بأن كانت في إحداهما قليلة وفي الأخرى كذلك يجمع بينهما م: (لأنه) ش: أي؛ لأن صاحب الخف م: (حامل للكل) ش: أي لكل النجاسة وهو ممنوع في الحمل. وقيل في الفرق بين النجاسة والخرق إنما يمنع المسح لا بعينة، بل لمعنى يتضمنه، وهو أنه لا يمكنه قطع السفر به بخلاف النجاسة، فإن المانع غيرها لا لمعنى يتضمنه، وهو أنه لا يمكنه قطع السفر بالنجاسة خصت به، فإذا كان كذلك فمتى بلغت النجاسة أكثر من قدر الدرهم تمنع الجواز. م: (وانكشاف العورة نظير النجاسة) ش: يعني أنه يجمع وإن كان في مواضع كما يجمع النجاسة المتفرقة في بدن الإنسان أو ثوبه أو خفه. وفي " الزيادات ": ولو انكشف شيء من فرجها وشيء من بطنها وشيء من فخذها وشيء من ساقها وشيء من شعرها، بحيث لو جمع يكون ربع ساقها أو شعرها أو فرجها لا تجوز صلاتها.

[المسح على الخفين لمن وجب عليه الغسل]
م: (ولا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل) ش: صورته رجل توضأ ولبس الخف، ثم أجنب ثم وجد ماء يكفي للوضوء ولا يكفي للاغتسال فإنه يتوضأ ويغسل رجليه ولا يمسح ويتيمم للجنابة، ذكر هذا في " المنتقى ". وقيل: صورته مسافر أجنب ومعه ماء يكفي للوضوء فتيمم للجنابة، ثم أحدث،

(1/598)


لحديث صفوان بن عسال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتوضأ بذلك الماء، ولبس خفيه ثم مر على الماء انتقض وضوؤه السابق لقدرته على الاغتسال، فلو لم يغتسل وعدم الماء ثم حضرت الصلاة وعنده ماء قدر ما يكفي الوضوء تيمم وتعود الجنابة لرؤية الماء، ولو أحدث بعده فتوضأ بذلك الماء، ولكن ينزع خفيه ويغسل رجليه، وفي الجنابة المسألة لا تحتاج إلى صورة معينة، فإن من أجنب بعد لبس الخف على طهارة كاملة لا يجوز له المسح مطلقاً؛ لأن الشرع جعل الخف مانعاً لرؤية الحدث الأصغر لا الأكبر. وقال شمس الأئمة السرخسي: الجنابة لزمها غسل جميع البدن، ومع الخف لا يتأتى ذلك.
م: «لحديث صفوان بن عسال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم» ش: هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " وابن خزيمة في " صحيحه "، وفي رواية الترمذي: الحديث معلول يتضمن قضية المسح والعلم والتوبة والهوى، ورواه الشافعي أيضاً وأحمد والدارقطني والبيهقي، ووقع في الدارقطني زيادة في آخر هذا المتن، وهو وقوله: " أو ريح "، ولكن وكيع تفرد بها عن مسعر.
قلت: إن كثيراً من الشراح المشهورين لم يتعرضوا لذكر هذا الحديث أصلاً، أما السغناقي فلم يذكره أصلاً، وكذلك الأترازي وتاج الشريعة. وأما الأكمل فإنه أمعن، وقال: عسال بالعين المهملة يباع له العسل ولم يذكر شيئاً غير ذلك. أما صاحب " الدراية " فأمعن فيه، وقال: الحديث في " المستصفى " ولكن ذكر فيه " إلا عن جنابة " وهكذا ذكره أكثر المحدثين.
قلت: روي إلا بكلمة الاستثناء وبكلمة لا للنفي وكلاهما صحيح، ولكن المشهور هو الأول، والمشهور أيضاً في كتب المحدثين بالواو في قوله: " أو غائط أو نوم " وكلمة " أو " في كتب الفقه، وقد تكلمنا فيه فيما مضى. وقال صاحب " الدراية ": روى الطحاوي في كتابه: " إلا عن جنابة " كما ذكر في المتن وهو الأشبه بالصواب، وقال: ولعل بعض الرواة أدخلها في كتابه، وكتب " إلا " مكان: " لا:، كذا في " شرح المصابيح "، ويحتمل أن الصحابي قال: كان عليه اللام يأمرنا بنزع خفافنا من بول وغائط ونوم إلا عن جنابة، فرواه مقلوباً، كذا قيل.
قلت: هذا كله تخمين وتصرف غير سديد، وقد قلت: إنه روي بوجهين عن صفوان، فلا يحتاج إلى هذا التكلف. وقال الأكمل بعد قوله: " والاستدلال به ظاهر " أي بحديث صفوان، وقال حميد الدين: الموضع موضع النفي فلا يحتاج إلى التصوير.

(1/599)


ولأن الجنابة لا تتكرر عادة، فلا حرج في النزع بخلاف الحدث؛ لأنه يتكرر.
وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء؛ لأنه بعض الوضوء، وينقضه أيضا نزع الخفين لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع، وكذا نزع أحدهما لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: مولانا حميد الدين لم يقل هذا المذكور في الحديث، وإنما قال في قول المصنف: لا يجوز المسح لمن وجب عليه الغسل؛ لأنهم قالوا: إن ذكر الصور بهذا تكلف، ولهذا قال في " المنافع " أيضاً هو موضع النفي فلا يحتاج إلى التصوير.
م: (ولأن الجنابة لا تتكرر عادة، فلا حرج في النزع بخلاف الحدث؛ لأنه يتكرر) ش: وفي نزع الخف فيه حرج، وشرعية المسح لدفع الحرج.
فإن قلت: قوله: " بخلاف الحدث " يتناول الحدث الأصغر والأكبر. قلت: دلت القرينة اللفظية على أن المراد هو الحدث الأصغر.

[نواقض المسح على الخفين]
م: (وينقض المسح كل شيء ينقض الوضوء) ش: لأنه بدل عن الغسل فصار كالتيمم م: (لأنه) ش: أي؛ لأن المسح م: (بعض الوضوء) ش: فيعتبر البعض بالكل م: (وينقضه أيضاً) ش: أي ينقض المسح أيضاً م: (نزع الخفين لسراية الحدث إلى القدم حيث زال المانع) ش: وهو الخف؛ لأنه لو كان المانع عن حلول الحدث السابق، فلما زال حل وعمل عمله م: (وكذا نزع أحدهما) ش: أي وكذا ينقض المسح نزع أحد الخفين م: (لتعذر الجمع بين الغسل والمسح في وظيفة واحدة) ش: وهي غسل الرجلين؛ لأن إتيان البدل إنما يتأتى عند عدم الأصل، ومن أصحاب مالك من قال: لا يلزمه ذلك، بل يمسح على الآخر ويغسل الرجل، وهو مذهب الزهري، وأبي ثور أيضاً، وهاهنا خمسة أشياء.
الأول: أنه قال: النزع في الصورتين، وحكم الانتزاع كذلك، وسراية الحدث السابق إلى القدمين كما ذكرنا.
والثاني: قال في وظيفة واحدة؛ لأنه إذا كان الجمع بين الغسل والمسح في وظيفتين لا يمنع كغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين.
الثالث: أن النزع أو الانتزاع غير ناقض، وإنما الناقض هو الحدث السابق، ولكن لما كان ظهور عمله عند وجود النزع أضيف النقض إليه مجازاً.
والرابع: أن التعذر الذي ذكره هو باعتبار ما تقتضيه القاعدة، وأما باعتبار غير لك فلا يقدر، وهذه الأربعة متعلقة بالكتاب.
والخامس: دخول الماء أحد خفيه حتى تصير رجله مغسولة ينقضه أيضاً، ويجب غسل رجله الأخرى لمنع المسح الجمع، وإن لم يبلغ لا ينقض.

(1/600)


وكذا مضي المدة لما روينا،
وإذا تمت المدة نزع خفيه وغسل رجليه وصلى وليس عليه إعادة بقية الوضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وزاد أبو جعفر في " نوادره ": أن الماء إذا أصاب أكثر الرجل ينقض، وفي " الحاوي " إذا ابتل جميع أحد القدمين ينق مسحه، ذكره في " الزيادات " غسلت إحدى الرجلين أو بعض الرجل لا يجوز المسح، وفي " المرغيناني " الأصح أن غسل أكثر القدم ينقضه، وفي " متنه " إذا بلغ الماء أكثر رجله الواحدة روايتان في انتقاض المسح. وفي " الذخيرة " قال في " صلاة العيون " الماسح على الخف إذا أحدث فانصرف ليتوضأ فانقضت مدة مسحه قيل فله أن يغسل رجليه ويبني على صلاته كالمتيمم إذا أحدث فانصرف فوجد ماء لا تفسد صلاته، وله أن يتوضأ ويبني على صلاته كذا ها هنا. قال: وذكر في " مجموع النوازل " نزعها لهذه المسألة فقال: لو انقضت مدة مسحه بعدما أعاد إلى مكان صلاته فسدت، وإذا انقضت مدة مسحه، وهو في الصلاة ولم بجد ماء فإنه يمضي على صلاته، ومن المشايخ من قال: تفسد صلاته.
م: (وكذا مضي المدة) ش: أي وكذا ينقض المسح لمضي يوم وليلة في المقيم وثلاثة أيام في المسافر م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» .
وقال الأكمل: لما روينا من رواية صفوان أ: «أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام» ، وكذا قال صاحب " الدراية "، والأكمل أخذه منه، والأوجه هو الأول على ما لا يخفى. وقوله: " لما روينا ": ليس على الحقيقة، وإنما هو حكاية أو مجرد نقل، والرواية غير ذلك على ما عرفت.
وقال ابن أبي ليلى: المسح على الخفين قائم مقام غسل الرجلين، فلو غسل رجليه ولبس خفيه، ثم نزع لم يجب عليه غسل رجليه فكذا ها هنا، قلنا: إنه قائم مقامه شرعاً في وقت مقدر، فإذا مضى لا يقوم مقامه كطهارة التيمم.

م: (وإذا تمت المدة) ش: وفي بعض النسخ " وإذا انقضت المدة " وهي اليوم والليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر م: (نزع خفيه وغسل رجليه وصلى) ش: لسريان الحدث إلى القدمين إذا كان متوضئاً. قال الأكمل: قيل هو تكرار؛ لأنه علم حكمه من قوله: وكذا مضي المدة، وأجيب بأنه ذكر تمهيداً لما رتب عليه من قوله: " ينزع خفيه وغسل رجليه " قلت: ليس كذلك، وإنما ذكره تمهيداً لما رتب عليه حكما آخر وهو قوله م: (وليس عليه إعادة بقية الوضوء) ش: قال الأكمل هذا احتراز عن قول الشافعي فإنه يقول: عليه أن يعيد الوضوء.
قلت: المصنف في صدد بيان مذهبه لم يلتزم بيان مذهب غيره إلا في مواضع لأجل نصب الدلائل رداً عليه، ثم عدم بقية الوضوء إذا كان متوضئاً، وأما إذا كان محدثاً فعليه أن يتوضأ وهو قول أبي عمر، والشعبي، والنخعي، وابن علية، والأسود، وأبي ثور، والليث، والشافعي

(1/601)


وكذا إذا نزع قبل المدة؛ لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما،
وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق؛ لأنه لا معتبر به في حق المسح، وكذا بأكثر القدم هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في أصح قوليه، ومالك، والليث، إلا أنهما قالا: إن أخر غسلهما يستأنف الوضوء.
وقال الحسن بن حي، والزهري، ومكحول، وابن سيرين: إذا خلع خفيه أعاد الوضوء من أوله، ولا فرق بين تراخيه وعدمه. وقال الحسن البصري، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن حرب: إذا نزع بعد المسح صلى كما هو، وليس عليه غسل رجليه، ولا تجديد الوضوء، واختاره ابن المنذر، واعتبروه بحلق الشعر بعد مسح الرأس.
وأجيب عن ذلك بأن الشعر من الرأس خلقة، ومسحه مسح الرأس بخلاف الخف فإنه منفصل عن الرجل فلا المسح عليه غسلاً للرجل فكان الحدث قائماً بالرجل بعد نزع الخف عنها.
م: (وكذا إذا نزع قبل مضي المدة) ش: أي وكذا ليس عليه إعادة بقية الوضوء إذا نزع الخف قبل مضي مدة المسح في حق المقيم والمسافر م: (لأن عند النزع يسري الحدث السابق إلى القدمين كأنه لم يغسلهما) ش: فإذا لم يغسلهما بقيتا بلا غسل ولا مسح مع الحدث بهما وهذا لا يجوز.

م: (وحكم النزع يثبت بخروج القدم إلى الساق) ش: لما كان لنزع الخف قبل مضي المدة حكم قدر ذكره إشارة بهذا إلى النزع الذي يترتب عليه الحكم ما هو حكمه، فقال: حكم النزع إلى ساق الخف ثبت بخروج القدم، أي بخروج قدم المتوضئ الماسح إلى موضع ساقه من الخف؛ لأن موضع المسح فارق مكانه فكأنه ظهر رجله.
م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الساق م: (لا معتبر به في حق المسح) ش: أي بالساق في حق المسح حتى لو لبس خفاً لا ساق له يجوز المسح إذا كان الكعب مستوراً، وإنما قلنا به مع أن الساق مؤنثة سماعية إما باعتبار لفظ المذكور وإما باعتبار العضو م: (وكذا بأكثر القدم) ش: أي وكذا ثبت كم النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف. وفي " مبسوط " شيخ الإسلام: أخرج رجليه إلى الساق ثم أعادهما لا يمسح عليهما بعد ذلك. وقال الشافعي في القديم: له المسح لما أنه لم ظهر من محل الفرض شيء فلا يلزمه الغسل، وفي الجديد: وهو الأصح، وهو قولنا، وقول مالك، وأحمد: لا يجوز المسح م: (هو الصحيح) ش: هو المروي عن أبي يوسف. وفي " شرح الطحاوي " إذا خرج أكثر العقب من الخف ينتقض مسحه. وعن محمد: إذا بقي في الخف من القدم قدر ما يجوز المسح عليه جاز وإلا فلا، وهذا إذا قصد النزع ثم بدا له أن لا ينزع، فإذا كان لزوال العقب فلبس الخف فلا ينتقض المسح.
وفي " الكافي ": على قول محمد أكثر المشايخ؛ لأن المعتبر هو محل الفرض، فما بقي لا

(1/602)


ومن ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها عملا بإطلاق الحديث،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ينقض مسحه. وفي " الذخيرة ": رجل أعوج يمشي على قدميه وقد ارتفع عقباه عن عقب الخف، أو كان لا عقب للخف وصدور قدميه في الخف، أو رجل صحيحة أخرج قدميه من عقب الخف إلا أن مقدم قدميه في الخف في موضع المسح له أن يمسح ما لم يخرج صدور قدميه من الخف إلى الساق.

م: (ومن ابتدأ المسح وهو مقيم) ش: أي والحال أنه مقيم م: (فسافر قبل تمام يوم وليلة مسح ثلاثة أيام ولياليها عملاً بإطلاق الحديث) ش: وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها» لأن إطلاق الحديث سبق رخصة المسح في كل مسافر - وهذا مسافر - فيمسح كما في سائر المسافرين، وبقولنا قال الثوري، وأحمد رجع إليه عن قوله الأول، وهو قول داود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقال الشافعي: إذا أحدث ومسح في الحضر ثم سافر قبل تمام يوم وليلة يتم يوما وليلة من حين أحدث، وبه قال مالك، وإسحاق، وأحمد، وداود في رواية عنهما، ولو أحدث في الحضر ثم سافر ومسح في السفر قبل خروج وقت الصلاة فإنه يتم مسح مسافر من حيث أحدث في الحضر عند الجمهور إلا ما نقل عن المزني أن يتم مسح مقيم، وقيل: ما نقله عنه غلط، بل قوله قول الجمهور. ولو لبس في الحضر وسافر قبل الحدث يمسح مسح مسافر بالإجماع، ولو أحدث في الحضر ثم سافر قبل خروج الوقت هل يمسح مسح مسافر أو مقيم فيه الوجهان، والصحيح مسح مسافر، والمسألة على أربعة أوجه، والمرأة كالرجل في المسح على الخف شرعيته، ومدته، وشروطه، ونواقضه كالتيمم، والمستحاضة كمن به سلس البول، عليه خف مغصوب جاز. وقال أحمد: لا يجوز، وكذا عليه خف من حرير عنده، وقال النووي: ولو اتخذ خفا من زجاج أو خشب أو حديد يمكن متابعة المشي عليه بغير عصى جاز المسح عليه. وقال إمام الحرمين والغزالي: يمسح على خف الحديد وإن عسر المشي فيه لثقله، وذلك لضعف اللابس، وإن كان يرى ما تحته لصفائه، بخلاف ستر عورته بزجاج يصف ما تحته حيث لا تجوز صلاته لعدم ستر العورة، وكذا عند الحنابلة وعندنا لا يجوز المسح على شيء من ذلك؛ لأن الشرع ورد بالمسح على الخف وهو اسم للمتخذ من الجلد الساتر للكعبين فصاعداً، وما ألحق به من المكعب والجرموق والخفاف المتخذة من [ ... ] على ما ذكره السرخسي، والصحيح عنده إن كانت تحتها أدم يجوز، ذكره في " البحر ". وجنب اغتسل وصب الماء في خفيه فانغسلت رجلاه وارتفعت الجنابة عنها وصحت صلاته وانقضت المدة فغسل رجليه في الخف صح، فلو أحدث بعد هذا لا يلزمه نزع خفيه، بل له أن يمسح عليهما، وقال الشافعي: ينزع خفيه ثم يلبسهما، ولو دميت رجله في الخف فغسلهما فيه جاز المسح بعده اتفاقا ولا يشترط نزعه، ونسي المسح على الخف ثم خاض ماء جار [
] الفرض بإصابة البلة ظاهر الخف، ولا يصير الماء مستعملاً عند أبي يوسف، وقال محمد: يصير

(1/603)


ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره،
بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر؛ لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخف ليس برافع،
ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الإقامة نزع؛ لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها؛ لأن هذه مدة الإقامة وهو مقيم،
ومن لبس الجرموق فوق الخف مسح عليه، خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مستعملاً ولا يجزئه عن المسح إذا كان الماء قليلاً غير جار.
م: (ولأنه حكم متعلق بالوقت فيعتبر فيه آخره) ش: أي؛ لأن المسح متعلق بالوقت وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، فيعتبر فيه آخر الوقت كالصلاة، فإنها حكم متعلق بالوقت، فاعتبر فيها آخر الوقت في الطهر، والحيض، والإقامة، والسفر، والبلوغ، والإسلام.

م: (بخلاف ما إذا استكمل المدة للإقامة ثم سافر) ش: يلزمه غسل رجليه م: (لأن الحدث قد سرى إلى القدم والخف ليس برافع) ش: بل هو مانع في المدة.

م: (ولو أقام وهو مسافر إن استكمل مدة الإقامة نزع؛ لأن رخصة السفر لا تبقى بدونه، وإن لم يستكمل أتمها؛ لأن هذا مدة الإقامة) ش: وهي يوم وليلة مدة الإقامة م: (وهو مقيم) ش: أي والحال أنه مقيم فيتمها.

[المسح على الجرموقين]
م: (ومن لبس الجرموق فوق الخف) ش: يعني قبل أن يحدث لبس الجرموق على الخف، والجرموق ما يلبس فوق الخف وساقه أقصر من الخف، ويقال وهو معرب عن يرموق م: (مسح عليه) ش: عندنا، وبه قال الثوري، والحسن، وأحمد، وداود، وجمهور العلماء، قال أبو حامد: هو قول العلماء كافة. وقال المزني: لا أعلم بين العلماء خلافا في جوازه، حكاه عنهما النووي في " شرح المهذب "، وهو قول الشافعي في القديم، وإلا فلا، وقال في الجديد: لا يجوز المسح عليه إلا إذا لبسه وحده بلا خف.
م: (خلاف للشافعي) ش: وبه قال مالك في رواية، وفي " شرح الوجيز " هذا لا يخلو عن أربعة أحوال، أحدها: أن يكون يمسح الأسفل بحيث لا يمسح على الخف أو بخرق الأعلى يمسح عليه، فالمسح على الأعلى والأسفل كاللفافة.
الثانية: أن يكون على العكس من ذلك، فيمسح على الأسفل القوي وما فوقه كخرقة، فلو مسح الأعلى فوصل البلل إليه، فإن قصد المسح على الأسفل أو عليهما جاز، وإن قصد الأعلى فقط لم يجز، وإن لم يقصد شيئاً فوجهان والأظهر الجواز.
والثالثة: أن لا يكون واحد منهما بحيث يمسح فلا يخفى بعذر المسح.
والرابعة: أن يكون كل منهما بحيث يمسح عليه، فهل يجوز المسح على الأعلى فيه قولان، في

(1/604)


فإنه يقول: البدل لا يكون له بدل، ولنا أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح على الجرموقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القديم: يجوز، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، وهو اختيار المزني، وفي الجديد: لا يجوز، وهو أشهر الروايتين عن مالك.
م: (فإنه يقول) ش: أي فإن الشافعي يقول م: (البدل لا يكون له بدل) ش: يعني الشرع ورد بالمسح على الخفين بدلاً عن غسل الرجلين، فلو جوز المسح عليهما أقامها مقام الخف، والخف لا يكون له بدل.
م: (ولنا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجرموقين فوق الخف» ش: هذا الحديث رواه بلال، وأنس، وأبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
أما حديث بلال فأخرجه أبو داود من حديث أبي عبد الله عن أبي عبد الرحمن أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالاً عن وضوء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «كان يخرج يقضي حاجة فآتيه بالماء فيتوضأ، ثم يمسح على عمامته وموقيه» ، رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والطبراني في " معجمه " من حديث شريح بن هانئ عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «زعم بلال أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الخفين والخمار» ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " من حديث أبي إدريس الخولاني عن بلال «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الموقين والخمار» .
وأما حديث أنس فرواه البيهقي من حديث عاصم الأحول عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الموقين والخمار» .
وأما حديث أبي ذر فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث عبد الله بن الصامت «عن أبي ذر قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الموقين والخمار.» وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": قد اختلفت عبارتهم في تفسير الموق فقال ابن سيده: الموق ضرب من الخفاف، والجمع أمواق، عربي صحيح، وحكى الأزهري عن الليث كذلك، وقال الفراء الموق: الخف، فارسي معرب، وكذا قال الهروي: الموق الخف، وقال الخطابي أيضاً: الموق نوع من الخف معروف وساقه إلى القصر، وقال النووي: أجاب أصحابنا عن الحديث أن

(1/605)


ولأنه تبع للخف استعمالا وغرضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموق هو الخف لا الجرموق لأوجه، الأول: لأنه اسمه عند أهل اللسان.
الثاني: أنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مسح على جرموقه.
الثالث: أن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين فينقد لبسه.
الرابع: أن الحاجة لا تدعو إليه في الغالب فلا تتعلق به الرخصة.
قال السروجي ما ملخصه: إن قوله الموق وهو الخف لا الجرموق غير مستقيم؛ لأن الجوهري والمطرزي والعكبري قالوا: إن الجرموق والموق يلبسان فوق الخف، فعلم أن الموق والجرموق متغايران وغير الخف، فبطل قوله: إن الموق هو الخف: وقال أبو البقاء وأبو نصر البغدادي: إن الموق هو الجرموق يلبس فوق الخف، فصار معنى قوله: إن الموق هو الخف لا الجرموق، وهذا ظاهر الفساد. وقوله: إنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان له جرموقان من صوف، والإثبات مقدم عليه. وقوله: إن الحجاز لا يحتاج فيه إلى الجرموقين ممنوع، بل يرده في الشتاء الشديد. وقوله: فإن الحاجة ما تدعو إليه إلخ يناقض مذهبهم في رخصة المسح عند عدم غلبة الحاجة، فعند عدم الحاجة أولى، وقد أثبتوها في هذه الأشياء عند عدم الحاجة، وهذا ظاهر بين ليس لهم معه كلام.
وقال الصنعاني في " العباب ": الجرموق الذي يلبس فوق الخف، ثم قال في باب الميم: الموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب، وهو تقريب مؤكد. وقال الليث: الموقان ضرب من الخفاف يجمع أمواق.
قلت: إذا ثبت أن الجرموق غير الخف، وأن الموق هو الجرموق يكون استدلال المصنف ببلال وغيره الذي ذكره مستقيماً، وإذا ثبت أن الموق هو الخف على ما ذكره الفراء والهروي وكراع يكون استدلاله بالحديث المذكور غير مستقيم، ولهذا قال الأترازي: ولنا ما روي في " المبسوط «عن أبي ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الجرموقين» ولم يذكر ما يذكره المصنف، ولكن قال النووي: لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مسح على جرموق. والجواب الذي ذكره السروجي على هذا غير مستقيم على ما لا يخفى، ولكن روى محمد في كتاب " الآثار " قال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يمسح على الجرموقين.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الجرموق م: (تبع للخف استعمالاً وغرضاً) ش: أي من حيث الاستعمال ومن حيث الغرض، أما الاستعمال فمن حيث المشي والقيام والقعود والانخفاض والارتفاع، فإنه أين ما دار الخف يدور معه، فكان تبعاً للخف في الاستعمال.
وأما الغرض من لبسه فإنه يلبس صيانة للخف عن الخرق والأقذار، كما أن الخف وقاية للرجل.

(1/606)


فصارا كخف ذي طاقين وهو بدل عن الرجل لا عن الخف،
بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره، ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصلح بدلا عن الرجل إلا أن تنفذ البلة إلى الخف.
ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فصارا كخف ذي طاقين) ش: أي فصار الخف من هاتين الجهتين كخف ذي طاقين ثم نزع أحد طاقيه، أو كان الخف شعراً فمح عليه ثم حلق الشعر فإنه لا يجب إعادة المسح. قلت: لما كانت تبعية في الاستعمال والغرض لم يكن بالأصالة، فإذا زال بالنزع زالت التبعية وحل الحدث بما تحته فيجب إعادة المسح. وأما طاقا الخف فلشدة اتصال أحدهما بالآخر كانا كالشعر مع البشرة، وقد تقدم أنه إذا مسح على الرأس ثم حلقه لا يجب عليه إعادة المسح.
م: (وهو) ش: أي الجرموق م: (بدل عن الرجل لا عن الخف) ش: هذا جواب عن قول الشافعي: البدل لا يكون له بدل، وهو أن يقال: لا نسلم أنه بدل عن الخف، وإنما هو بدل عن الرجل كالخف لم ينعقد فيه حكم المسح بعد.
فإن قلت: لا نسلم، أليس أنه لو نزع الجرموقين يلزمه المسح على الخفين، ولا يجب غسل القدمين، ولو كان الجرموق بدلاً عن الخف لوجب غسل القدمين عند نزعهما كما في نزع الخفين.
قلت: عدم سريان الحدث إلى الرجل لا؛ لأن الجرموق كان بدلاً عن الخف، بل لأن الخف لم يكن محلاً للمسح بعد نزع الجرموقين. وقيل: حلول الحدث على الخف لا يصير محلاً، فإذا لم يكن محلاً لم يكن الجرموق بدلاً عنه.

م: (بخلاف ما إذا لبس الجرموق بعدما أحدث؛ لأن الحدث حل بالخف فلا يتحول إلى غيره) ش: وهو الجرموق فلا يمسح عليه.
م: (ولو كان الجرموق من كرباس لا يجوز المسح عليه؛ لأنه لا يصح بدلاً عن الرجل) ش: إذا لم يمكن تتابع المشي عليه م: (إلا أن تنفذ البلة إلى الخلف لرقته) ش: فيكون المسح عليه كالمسح على الخف.

[المسح على الجوربين]
م: (ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الجورب يتخذ من جلد يلتبس في القدم إلى الساق لا على هيئة الخف، بل هو لبس فارسي معرب وجمعه جواربة، وفي " الصحاح ": ويقال جوارب أيضاً.
قلت: (الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد، وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول، يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب. وفي " المنافع ": وجورب مجلد إذا وضع

(1/607)


إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين. وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين لا يشفان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجلد على أعلاه وأسفله، والمنعل هو الذي وضع جلد على أسفله كالنعل للقدم. وفي " الصحاح ": أنعلت خفي ودابتي وفعل فعلت. وفي " المغرب ": أنعل الخف ونعله جعل له نعلاً، والنعل في الجورب يكون إلى الكعب، وقيل: مقدار القدمين. والمسح على الجوربين في ثلاثة أوجه: في وجه يجوز بالاتفاق، وهو ما إذا كانا ثخينين منعلين. وفي وجه: لا يجوز بالاتفاق، وهو أن لا يكونا ثخينين ولا منعلين. وفي وجه: لا يجوز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه خلافاً لصاحبيه، وهو أن يكونا ثخينين غير منعلين.
م: (إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين) ش: بضم الميم وسكون النون من أنعلت كما ذكرنا، وقيل: بالتشديد.
م: (وقالا: يجوز إذا كانا ثخينين) ش: ما تقوم على الساق من غير أن يشد بشيء م: (لا يشفان) ش: بفتح الياء آخر الحروف وكسر الشين المعجمة من شف الثوب إذا وصف ما تحته، من باب ضرب يضرب، والذي يقول: ها هنا لا ينشفان من نشف الثوب العرق، وهو من باب علم يعلم خطأ لا يعتمد عليه، وهذه الجملة في محل النصب إما على الحالية من ثخينين وإما على الوصفية، وإنما ذكرها تأكيداً للثخانية، وقولهما قول الجمهور من الصحابة كعلي بن أبي طالب، وأبي مسعود البدري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأبي أمامة البلوي، وعمر، وابنه، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن عمرو بن حريث، وسعيد، وبلال، وعمار بن ياسر، فهؤلاء الصحابة لا يعرف لهم مخالف، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والأعمش، وسعيد بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، وبه قال الثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأحمد، وكره ذلك مجاهد، وعمرو بن دينار، والحسن ابن مسلم، ومالك، والأوزاعي.
وقال: الشافعي: يجوز المسح عليهما بشرط أن يكون صفيقا منعلاً، نص عليه في " الأم "، وفي " الحلية "، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي. وبقولهما قال أحمد، وداود. وفي " الأسرار ": وقال الناطفي: لا يجوز على الكل. وفي " شرح الوجيز ": لا يجوز المسح على اللفائف والجورب المتخذة من اللبد والصوف؛ لأنه لا يمكن المشي عليهما، وكذا على الجوارب المتخذة من الجلد التي تكسر مع الكعب وهي الجوارب الصوفية، لا يجوز حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها، يعتبر قعود [ ... ] أو التجليد للقدمين والنعل على الأسفل والإلصاق بالكعب، وحكى بعضهم أنها كانت معقودة صفيقة، ففي اشتراط تجليد القدمين قولان. وكره مالك والأوزاعي المسح على الجوربين من [
] والرقيق من غزل أو شعر بلا خلاف، ولو كان ثخيناً بحيث يمشي به فرسخاً فصاعداً كجوارب أهل بدر فعلى الخلاف، وكذا الجورب من جلد رقيق

(1/608)


لما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: مسح على جوربيه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الخلاف، ويجوز على الجوارب اللبدية، ويجوز على الجورب المشقوق على ظهر القدم، ولو ازداد كخروق الخف يشد عليه فيستره؛ لأنه كغير المشقوق، وإن ظهر من ظهر القدم شيء فهو كلخف الدوراني الذي يعتاده سفهاء زماننا، فإن كان مجلداً يستر جلده الكعب يجوز وإلا فلا.
وفي " شرح الوجيز ": الخف المتخذة من الخشب أو الحديد إذا كانت رقيقاً يمكن المشي عليه ويجوز وإلا فلا. وفي " الوسيط ": يجوز المسح على الخف منه وإن عسر المشي عليه، وفي المتخذ من الذهب والفضة قولان.
م: (لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على جوربيه» ش: هذا الحديث روي عن المغيرة، وأبي موسي، وبلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وأما حديث المغيرة بن شعبة فروي من طريق أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» .
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال النسائي في " سننه الكبرى ": لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفين» .
وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: إنه حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين.
وقال النووي: كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي، مع أن الجرح مقدم على التعديل، قال: واتفق الحفاظ على تضعيفه، ولا يقبل قول الترمذي: إنه حسن صحيح.
وذكر البيهقي في " سننه " أن أبا محمد يحيى بن منصور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: رأيت مسلم بن الحجاج وضعف هذا الحديث. وقال: أبو قيس الأودي، وهذيل بن شرحبيل لا يحتملان، وخصوصاً مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الحديث عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين.
قلت: قال في " الإمام " أبو قيس: اسمه عبد الرحمن بن مروان، احتج به البخاري في " صحيحه " ووثقه ابن معين، وقال الجعفي: ثقة ثبت، وهذيل وثقه العجلي، وأخرج لهما البخاري في " صحيحه "، ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة، بل رويا أمراً زائداً على ما

(1/609)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواه بطريق مستقل غير معارض، فيحمل على أنهما حديثان، ولهذا لما أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان والترمذي، فإذا كان كذلك كيف يقبل قول النووي في حق الترمذي: ولا يقبل قول الترمذي في أنه حسن صحيح، فإذا طعن في الترمذي في تصحيحه هذا الحديث فكيف يؤخذ بتصحيحه في غيره.
وأما البيهقي فإنه نقل ما قاله واعتمد عليه من غير رواية؛ لأنه ادعى في هذا الحديث المخالفة للأئمة الحملة، وقد قلنا: إنه ليس فيه مخالفة، بل أمر زائد مستقل، فلا يكابر في هذه الأسانيد متعصب.
وأما حديث أبي موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه ابن ماجه في " سننه " والطبراني في " معجمه " عن عيسى ابن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبي موسى «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين» .
فإن قلت: هذا الحديث لم يذكره ابن عساكر في " الأطراف " فلذلك قال الزيلعي: لم أجده في نسختي. قلت: عزاه ابن الجوزي في " التحقيق " لابن ماجه، وكذا ذكر في " الإمام " أنه لابن ماجه، ويمكن أن يكون ساقطاً من بعض النسخ.
فإن قلت: قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل ولا بالقوي، وقال البيهقي: والضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان لا يحتج به. قلت: قال عبد الغني في " الكمال ": الضحاك بن عبد الرحمن سمع أباه، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وعيسى بن سنان، قال يحيى بن معين: إنه ثقة.
وأما حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرجه الطبراني في " معجمه " من طريق ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمسح على الخفين والجوربين» واحتج الأترازي لهما بحديث أبي موسى ولم ينسبه إلى أحد، وكذا الأكمل ثم قال: على أن أبا داود طعن فيه، وقال: ليس بالمتصل ولا بالقوي، ولم أر أحداً منهم يشد مذهبه بكلام يرد خصمه رداً قطعياً، ولا تكلم في حال حديث حين يذكره للاحتجاج، غاية قولهم: ويروى افترى ونحو ذلك، وليس فيه نفع ولا نفيع.

(1/610)


ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا، وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء فأشبه الخف. وله أنه ليس في معنى الخف؛ لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منعلا، وهو محمل الحديث، وعنه أنه رجع إلى قولهما وعليه الفتوى.
ولا يجوز المسح على العمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنه يمكنه المشي فيه إذا كان ثخينا، وهو أن يستمسك على الساق من غير أن يربط بشيء، فأشبه الخف) ش: فيلحق به في الحكم.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن الجورب م: (ليس في معنى الخف) ش: لأنه لا يمكن قطع مسافة السفر به، وهو معنى قوله: م: (لأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان) ش: أي الجورب م: (منعلاً) ش: وقد مر تفسيره م: (وهو محمل الحديث) ش: أي كون الجورب منعلاً وهو محمل الحديث الذي رواه أبو موسى وغيره، وأراد بهذا الكلام الجواب عن هذا الحديث الذي احتجا به؛ لأنه يقول: إن المسح على الخف ورد على خلاف القياس؛ لأن النص يقتضي الغسل فلا يلحق به غيره، إلا ما كان في معناه من كل وجه، فثبت بدلالة النص لا بالقياس، فلو لم يكن المنعل مراداً في حديث أبي موسى وغيره يكون زيادة على النص بخبر الواحد، وذا لا يجوز، كذا في " الكافي ".
م: (وعنه) ش: أي وعن أبي حنيفة م: (أنه رجع إلى قولهما) ش: أي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وهو أنه مسح على جوربيه في مرضه، ثم قال لأصحابه: فعلت ما كنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه إلى قولهم، كذا قال في " المبسوط "، ونقله الأكمل في شرحه وفيه نظر لا يخفى، وقد صرح بعضهم أنه رجع إلى قولهما قبل موته بسبعة أيام، وفي " فتاوى الكرخي ": ثلاثة أيام. م: (وعليه الفتوى) ش: أي وعلى قولهما الفتوى، أو على الذي رجع إليه أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الفتوى.

[المسح على العمامة والقلنسوة ونحوهما]
م: (ولا يجوز المسح على العمامة) ش: أراد اقتصار المسح عليها، وهو قول الجمهور حكاه الخطابي وقال ابن المنذر: حكي عن عروة بن الزبير، والشعبي، والنخعى، والقاسم، ومالك، وحكاه غيره عن علي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وفي " الحلية ": ويستحب لمن على رأسه عمامة لا يريد نزعها أن يمسح على ناصيته ويتمم المسح على العمامة، فإن اقتصر على مسحها لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، انتهى. وقالت طائفة بجواز الاقتصار على العمامة، قاله الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق، ومحمد بن جرير، وداود، وقال ابن المنذر: مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وبه قال عمر، وأنس بن مالك، وأبو أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وروي عن سعد بن أبي وقاص، وأبي الدراء، وعمر ابن عبد العزيز، ومكحول، والحسن، وقتادة، والأوزاعي، وشرط بعضهم أن يلبسها على طهارة، وهو مذهب أحمد فإنه شرط أن يكون قد تعمم على طهر. وفي " النهاية " قال بعض

(1/611)


والقلنسوة والبرقع والقفازين؛ لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء والرخصة لدفع الحرج،
ويجوز المسح على الجبائر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصحاب الحديث والشافعي في قول بجواز المسح عليها م: (والقلنسوة) ش: «لحديث بلال أنه قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على عمامته وخفيه» وجاء في حديث ثوبان «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعث سرية وأمرهم أن يمسحوا على المساود والتساخين» والمساود: العمائم، والتساخين: الخفاف، ولأنه لو سجد على كور عمامته يجوز، فكذا المسح.
قلت: حديث بلال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه البخاري، وحديث ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، رواه أبو داود بأسانيد جيدة، ذكره النووي، ورواه أيضاً الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، قوله: المساود، وقوله: التساخين، قيل: لا واحد لها من لفظها، وقيل: واحدها سخان وسخن، والتاء فيها زائدة، وقيل: أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما.
والجواب عن هذين الحديثين وأمثالهما «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقتصر على مسح بعض الرأس» فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها. وحديث المغيرة بن شعبة كالمقر له، وهو أنه وصف وضوءه ثم قال: «ومسح بناصيته وعلى عمامته» فدخل مسح الناصية بالعمامة ووقع أداء من مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس، وصارت العمامة تبعاً له كما روي «أنه مسح أسفل الخف وأعلاه» وكان الواجب في ذلك مسح أعلاه، وصار مسح أسفله كالتبع له، والأصل أن الله تعالى فرض المسح، وحديث ثوبان ونحوه يحتمل التأويل فلا يترك الأصل المقيد وجوبه بالأحاديث المتحملة للقلنسوة.
م: (والبرقع) ش: بضم الباء الموحدة. وقال الجوهري: البرقع والبرقع بضم القاف وفتحها النقاب تلبسه نساء الأعراب، وكذا البرقوع م: (والقفازين) ش: تثنية قفاز بضم القاف وتشديد الفاء. وقال النسفي: القفاز تلبسه النساء في أيديهن لتغطية الكف والأصابع، وقال غيره: القفاز شيء يعمل لليدين يحشى بالقطن وله أزرار تزر على الساعدين من البرد، تلبسه المرأة في يديها. قلت: ومنه الذي يلبسه الصيادون في أكفهم حين يحملون الطيور م: (لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء) ش: بخلاف الخف م: (والرخصة لرفع الحرج) ش: يعني الرخصة التي في مسح الخف كانت لرفع الحرج في نزع هذه، وجمهور العلماء ممن عرف بالفقه على عدم جواز المسح على هذه الأشياء، إلا ما ذكره الجلال عن أبي موسى أنه مسح على قلنسوته، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: إن شاء مسح على رأسه، وإن شاء على قلنسوته، قال ذلك بأسانيد صحاح.

[المسح على الجبائر]
[حكم المسح على الجبائر]
م: (ويجوز المسح على الجبائر) ش: جمع جبيرة، وهي العيدان التي تجبر بها العظام، ويقال: الجبيرة، والجبائر بكسر الجيم أعواد ونحوها تربط على الكسر ونحوه لتضم بعض العضو إلى

(1/612)


وإن شدها على غير وضوء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعضه ليلتحم م: (وإن شدها على غير وضوء) ش: كلمة إن بالكسر واصلة بما قبلها، وذلك لأنها إنما تربط حالة الضرورة، واشتراط الطهارة في ذلك يفضي إلى الحرج فلا يعتبر، وفي " المحيط ": لو ترك المسح على الجبائر والمسح يضر جاز، وإن لم يضر لم يجزه، ولا تجوز صلاته عندهما، ولم نجد في الأصل قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقيل عنده يجوز تركه، والصحيح أنه واجب وليس بفرض عنده حتى تجوز صلاته بدونه، وذكر في " منية المصلي " عن أبي حنيفة روايتين. وقال أبو علي النسفي: إنما يجوز المسح على الجبيرة إذا كان يضر المسح على القرحة، أما إذا قدر على المسح عليهما لا يجوز على الجبيرة، كما لو قدر على غسلها، وعلى هذا عصابة المفصد، وفي " المستصفى " الخلاف في المجروح، وفي المكسور: يجب المسح اتفاقاً. وفي " جوامع الفقه ": وقد صح رجوعه إلى قولهما فيه، وفي " تجريد القدوري ": الصحيح من مذهبه أن المسح على الجبيرة ليس بفرض.
وفي " المحيط ": إذا زادت الجبيرة على رأس الجرح، أو جاوز رباط الفصد موضع الجراحة إن كان حل الخرقة وغسل ما تحتها يضرها لجراحة يمسح على الكل تبعاً، وإن كان المسح والحل لا يضر بالجرح لا يجزئه مسح الخرقة، بل يغسل ما حول الجراحة. ويمسح عليها لا على الخرقة، وإن كان يضر المسح ولا يضر الحل يمسح على الخرقة التي على رأس الجرح ويغسل حواليها وتحت الخرقة الزائدة، ولو انكسر ظفره فجعل عليه دواء أو علكاً ويضر نزعه مسح عليه، وإن ضره المسح تركه، ذكره الكرخي. وقيل: لا يجوز تركه؛ لأنه لا يضره عادة، إن العادة تمنع شرب الماء.
وفي " منية المصلي ": في أعضائه شقوق يمر الماء عليها إن قدر، وإلا غسل ما حولها، ولو أدخل في أصبعه مرارة ومسح عليها عن محمد أنه يجوز بغير كراهة، وإن كانت بها بول شاة قيل: ينبغي أن يكون قول أبي يوسف كذلك للتداوي به. وعند أبي حنيفة: يكره بخلاف الخرقة النجسة. وفي " الحلية ": وضعها على طهر، لو ضرها مسح على جميعها في أظهر الوجهين، وهل يجب ضم التيمم إليه؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يضم إليه، ويصلي به ما شاء من الفرائض.
والثاني: يضم إليه ويتيمم لكل فرض، وهل يجب الإعادة بعد البرء فيه قولان، أحدهما: لا يجب، وهو قول أبي حنيفة، واختاره المزني، ولو وضعها على غير طهر وخاف من نزعها مسح عليها وأعاد قولاً واحداً، وقيل: فيه قولان وليس بشيء. وقال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: لا تعتبر الطهارة في مسحها ووضعها ولا يصلي ولا يعيد، وبه قال مالك، ولو زادت الجبائر أو عصابة الفصد على الجرح يجزئه المسح على خرقة المفتصد دون عصابته، وقيل: إن أمكنه شد العصابة بنفسه لم يجز.

(1/613)


لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك) ش: أي فعل المسح الجبيرة، ولم أر أحداً من الشراح المشهورين تعرض لهذا، غير أن الأكمل قال: والأصل في ذلك ما قال في الكتاب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل وأمر علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واكتفى بهذا الكلام ومضى.
قلت: فيه حديثان مرفوعان، أحدهما: أخرجه الدارقطني في " سننه " من حديث ابن عمر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمسح على الجبائر» وفي سنده أبو عمارة محمد بن أحمد، قال الدارقطني: هو ضعيف جداً، ولا يصح هذا الحديث مرفوعا. والحديث الآخر أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لما رماه ابن قميئة يوم أحد رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا توضأ حل عصابته ومسح عليها بالوضوء» وذكر الشيخ جمال الدين الحضرمي في " خير مطلوب ": أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مسح وجهه يوم أحد فداواه بعظم بال فعصب عليه، فكان يمسح على العصابة. وقال السروجي: وما رأيته في كتب الحديث.
قلت: مداواته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعظم بال وجهه يوم أحد ذكره أهل السير. وقال أبو سليمان حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني إبراهيم بن محمد، حدثني أبي عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوى وجهه يوم أحد بعظم بال.» والحديث غريب، وأبو أمامة هذا اسمه أسعد سماه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وورد في رواية للبخاري «أن فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها فأمسك الدم (وأمر) أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) أي بالمسح على الجبيرة.» قال الأترازي: والأصل في جواز المسح على الجبيرة ما روي «أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كسرت يده يوم أحد فسقط اللواء منها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اجعلوه في يساره، فإنه صاحب اللواء في الدنيا والآخرة " فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أصنع بالجبائر فقال: " امسح عليها» رواه الكرخي في " مختصره " بإسناده إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قلت: هذا الحديث لا أصل له، والذي روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هو انكسار إحدى زنديه، وأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالمسح على الجبائر، وهو أيضاً غير صحيح، رواه ابن ماجه في " سننه "

(1/614)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من حديث عمرو بن خالد، «عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قال: انكسرت إحدى زندي فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرني أن أمسح على الجبائر» وأخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في " سننهما "، قال الدارقطني: وعمرو بن خالد الواسطي: متروك. وقال البيهقي: وقد تابع عمرو بن خالد عليه ابن موسى بن دحية، فرواه عن زيد بن علي مثله، وابن دحية: متروك، منسوب إلى الوضع. وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عن آبائه، فقال: هذا حديث باطل لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك الحديث، وقال ابن القطان في " كتابه ": قال إسحاق بن راهويه: عمرو بن خالد: كان يضع الحديث. قال ابن معين: كذاب غير ثقة ولا مأمون، وروى العقيلي هذا الحديث في ضعفائه وأعله بعمرو بن خالد وقال: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ونقل تكذيبه عن جماعة. وقال السروجي: وجه وجوب المسح على الجبيرة ما أخرجه ابن ماجه عن زيد بن علي إلى آخره، فيه: «كسرت إحدى زندي يوم أحد» ... إلى آخره، ثم قال: وفي " المغرب ": «وكسرت إحدى زندي؛» لأن الزند مذكر، وذكر في " المبسوط " و " خير مطلوب ": والبادي يوم خيبر كما ذكره في " المغرب "، وصوابه يوم أحد كما ذكره ابن ماجه، وهكذا ذكره في " المحيط ". قلت: لأن هذا جواب ولا زال الحديث ليس له أصل كما ذكرنا. والعجب من السروجي كيف رضي بهذا الذي قاله مع ابتاعه الأحاديث التي لها أصل في الصحاح أو الحسان.
وكان يمكن للأترازي وغيره من الشراح أن يقول: الأصل في هذا الباب حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن الزبير بن خريق، عن عطاء، «عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خرجنا في سفرة فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم، فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بذلك فقال: " قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب (شك موسى) على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده» .

(1/615)


وأمر عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به، ولأن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف، فكان أولى بشرع المسح، ويكتفى بالمسح على أكثرها، ذكره الحسن، ولا يتوقت لعدم التوقيف بالتوقيت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال البيهقي في " المعرفة ": هذا الحديث أصح ما روي في هذا الباب مع اختلاف في إسناده، والزبير بن خريق بضم الزاء في الزبير وضم الخاء المعجمة في خريق، والعي: بكسر العين المهملة، وتشديد الياء: الجهل.
قوله: بمعنى يعصبه، وفي الحديث: دليل على جواز المسح على الجبائر بعد تعصيبها [و] يغسل بعضها.
فإن قلت: قال الخطابي في القصة: إنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافياً دون الآخر. وقال أصحاب الرأي: إن كان أقل أعضائه مجروحاً جمع بين الماء والتيمم، وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده. قلت: لم يأمر - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن يجمع بين التيمم والغسل، وإنما بين أن الجنب المجروح له أن يتيمم ويمسح على الجراحة ويغسل سائر بدنه، فيحمل قوله: يتيمم ويمسح، على ما إذا كان أكثر بدنه جريحاً، ويحمل قوله: ويغسل سائر جسده إذا كان أكثر بدنه صحيحاً، وعليه قوله: ويغسل سائر جسده إذا كان أكثر بدنه جريحاً، ويمسح على الجراحة، وأما نقل الخطابي مذهبنا على هذا الوجه فغلط غير صحيح، بل المذهب ما ذكرناه، وليس عندنا الجمع بين التراب والماء.
م: (ولأن الحرج فيه) ش: أي في نزع الجبيرة م: (فوق الحرج في نزع الخف) ش: لأنه يتضرر في ذلك دون نزع الخف م: (فكان أولى بشرع المسح) ش: أي فكان مسح الجبيرة أولى من مسح الخف في المشروعية م: (ويكتفى بالمسح على أكثرها) ش: أي على أكثر الجبيرة. وفي نسخة الأترازي: أي على أكثره ثم تكلف، وقال: يذكر الضمير على تأويل المجبور أو المذكور.
قلت: قوله: على تأويل المجبور غير صحيح، لأن المجبور هو صاحب الجبيرة، وليس المراد الاكتفاء بالمسح على أكثر صاحب الجبيرة، وإنما المراد الاكتفاء بمسح أكثر الجبيرة.
م: (وذكره الحسن) ش: ابن زياد، فإنه ذكر في " إملائه " أنه إذا مسح على الأكثر أجزأه، وإن مسح على النصف لا يجزئه. وفي " السروجي ": والغرض فيه الاستيعاب، وقيل الأكثر.
قلت: لم يذكر في ظاهر الرواية إلا الاكتفاء بالبعض دون البعض، وذكر في كتاب " الصلاة ": قال الحسن: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا مسح على العصابة فعليه أن يمسح على موضع الجرح وعلى جميع العصابة أو على الأكثر. وفي " الكافي ": الصحيح ما ذكره الحسن لئلا يؤدي إلى عامة الجراحة. م: (ولا يتوقت) ش: أي المسح على الجبيرة ليس له وقت معلوم م: (لعدم التوقيف بالتوقيت) ش: يعني لعدم سماعه شيئاً في الوقت حيث لم يرد فيه أثر ولا

(1/616)


وإن سقطت الجبيرة عن غير برء لا يبطل المسح؛ لأن العذر قائم والمسح عليها كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً.
وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر، وإن كان في الصلاة استقبل؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل. والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خبر، فيمسح إلى وقت البرء بخلاف مسح الخف، فإنه مؤقت بالحديث، وبين مسح الجبيرة ومسح الخف فرق من وجوه:
الأول: هذا المذكور.
الثاني: أن مسح الجبيرة يجوز وإن شدها بلا وضوء، ومسح الخف لا يجوز إذا لبسه قبل غسل الرجل.
والثالث: أن سقوط الجبيرة لا عن برء لا يبطل المسح، ونزع الخف يبطل المسح، فوجب غسل الرجل.

م: (وإن سقطت الجبيرة عن غير برء) ش: بضم الباء أي عن غير صحة م: (لا يبطل المسح؛ لأن العذر قائم) ش: فيعمل المرخص عمله م: (والمسح عليها) ش: أي على الجبيرة م: (كالغسل لما تحتها ما دام العذر باقياً، وإن سقطت عن برء بطل لزوال العذر) ش: فلا يزول المسح وإن زال الممسوح، كما لو مسح رأسه ثم حلق شعره بخلاف الخف؛ لأنه مانع لا لعلة العذر. وفي " المجتبى ": المسح على الجبيرة كالغسل لما تحتها بخلاف المسح على الخف، وفائدته تظهر في عشر مسائل: الثلاثة الأولى كما ذكرناها.
والرابعة: إذا مسح ثم شد عليها أخرى أو عصابة جاز المسح على العليا.
الخامسة: مسح على الجبائر في الرجلين ثم لبس الخفين ثم يمسح عليهما.
السادسة: الاستيعاب في المسح عليهما أو أكثرها شرط على اختلاف الروايتين.
السابعة: إذا أدخل الماء تحت الجبائر أو العصابة لا يبطل المسح.
الثامنة: أنه لا يشترط الشد في جميع الروايات فيه.
التاسعة: من التثليث فيه عند البعض إذا لم يكن على الرأس.
العاشرة: إذا كان الباقي أقل من ثلاث أصابع اليد كاليد المقطوعة أو الرجل جاز المسح عليها بخلاف المسح على الخف.
م: (وإن كان) ش: أي سقوط الجبيرة م: (في الصلاة استقبل؛ لأنه قدر على الأصل) ش: وهو المسح على الخفين م: (قبل حصول المقصود بالبدل) ش: وهو مسح الجبيرة، فصار كالمتيمم يجد الماء في خلال صلاته فإنه يصليها لذلك. وذكر في " الزيادات ": أن مسح الجبيرة كالغسل لما تحتها

(1/617)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وليس ببدل مبدل، والمسح على الخفين بدل عن الغسل، ولهذا لا يمسح على الخفين في إحدى الرجلين ويغسل الرجل الأخرى؛ لأنه يؤدي إلى الجمع بين الأصل والبدل، ولو مسح على الخف في الأخرى يكون جمعاً بينهما فلا يجوز، ويجب غسلها، فثبت أن المسح على الجبيرة ما دام العذر باقياً أفضل، وهو أصل لا بدل.
وأورد مسألة التحري إذا ظهر الخطأ فيه لا يستقبل مع أن جهة التحري بدل عن جهة الكعبة. وأجيب بأن ذلك بعلامة النسخ لما قبلة أن أصله كان بطريق النسخ فبقي في حق التحري كذلك، والنسخ يظهر في حق القائم لا في حق الغائب فلذلك يبني، ولا يستقبل، والله أعلم بالصواب.

(1/618)