البناية
شرح الهداية باب الحيض والاستحاضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الحيض والاستحاضة]
[تعريف الحيض وأركانه]
م: (باب الحيض والاستحاضة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الحيض وأحكام
الاستحاضة وارتفاعه، على أنه خبر مبتدأ محذوف كما ذكرنا، ويجوز أن ينتصب
على تقدير خذ باب الحيض. والباب النوع والكتاب يشتمل على الأنواع.
وجه المناسبة بين البابين من حيث إن الخف مسقط لركن الوضوء إذ هو رخصة
إسقاط، والحيض مسقط لجميع أركانه، والجزء مقدم ومسقط كذلك، وقيل: لأنه في
بيان الطهارة أصلاً وخلفاً، والتيمم خلف الكل، والمسح خلف من البعض، فأخر
الحيض؛ لأنه مسقط.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لما فرغ من بيان أحكام الطهارة من
الأحداث أصلاً وخلفاً، شرع في بيان الطهارة عن الأنجاس، وقدم الحيض
لاختصاصه بأحكام على حدة، أو لكثرة مناسبته بالأحداث من حيث حرمة الصلاة
وقراءة القرآن ودخول المسجد وغير ذلك.
وقال السغناقي ما حاصله: إن الأحق بالتقديم ما يكثر وقوعه وهو الحدث الأصغر
والأكبر، فلذلك قدم ذكرهما مع متعلقاتهما، ثم رتب عليه ما يقل وقوعه
بالنسبة إلى ذلك وهو الحيض والنفاس، والحيض لما كان أكثر وقوعاً من النفاس
قدمه عليه، لا يقال: كان الأولى تأخير باب الحيض؛ لأنه بين الطهارة عن
الأحداث فيحتاج إلى بيان الطهارة عن الأنجاس، ثم يرتب عليه باب الحيض
باعتبار أنه طهارة من الأنجاس؛ لأنا نقول: إن حكم الحيض حكم الجنابة،
فينبغي ذكره في طهارة الأحداث دون الأنجاس.
فإن قلت: يصح تسمية النجاسة باعتبار أن الدم نجس مغلظ.
قلت: البول والغائط يشاركان في هذا الحكم، فالطهارة عنهما طهارة عن
الأحداث، فكذا الطهارة عن الحيض؛ لأن أكثر الأحكام المذكورة في هذا الباب
مختصة بالأحداث لا بالأنجاس كحرمة قراءة القرآن والطواف ودخول المسجد
وغيرها.
فإن قلت: لم لقب هذا الباب بالحيض دون النفاس، وإن كان مشتملاً عليهما،
قلت: لأن الحيض حالة معودة بين بنات آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دون
النفاس [ ... ] وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحيض: «هذا
شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم» .
وقال بعضهم: كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل، رواه البخاري معلقاً.
وأخرج
(1/619)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: «كان الرجل والنساء في بني
إسرائيل يصلون جميعاً، كانت المرأة تستشرف للرجل، فألقى الله تعالى عليهن
الحيض ومنعهن من المساجد» وعنده عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -،
نحوه.
وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح «عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أن ابتداء الحيض كان على حق حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - بعد
أن هبطت من الجنة» .
قلت: هذا أقرب وأوجه؛ لأن الطبري روى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -، وغيره: أن قَوْله تَعَالَى في قصة إبراهيم - عَلَيْهِ
السَّلَامُ -: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: 71] (هود: الآية
71) ، أي حاضت، والقصة في سورة بني إسرائيل بلا ريب. ثم الكلام فيه في عشرة
مواضع في: تفسيره لغة، وشرعاً، وسببه، وركنه، وشرطه، وقدره، وألوانه،
وأوانه، ووقت ثبوته، وحكمه.
أما تفسيره لغة: فقال صاحب " الدراية ": الدم الخارج، يقال: حاضت السمرة
وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم، ويقال حاضت الأرنب إذا خرج منها شيء كالدم،
وقال الأترازي: الحيض في اللغة: خروج الدم، يقال: حاضت الأرنب إذا خرج منها
الدم. وقال الأكمل: الحيض في اللغة الدم الخارج، ومنه حاضت الأرنب، وكذلك
قال السغناقي وتاج الشريعة.
قلت: ليس كذلك، بل الحيض في اللغة عبارة عن السيلان، سواء كان دماً أو ماء
أو نحوهما، يقال: حاض السيل والوادي، وحاض المشجون إذا قذف شيئاً أحمر يشبه
الدم. وفي " المبسوط ": حاضت السمرة: إذا خرج منا الصمغ الأحمر، قال عمار
بن عقيل:
حالت حضاهن الذراري وحيضت ... عليهن حيضات السيول الطواحم
وقال الصاغاني: التحييض التسييل، ثم أنشد هذا البيت. والطواحم جمع طاحمة من
طحمة السيل، وهي دفعة ومعظمه كذلك طحمة الليل. ويقال: حاضت الأرنب وحاضت
المرأة تحيض حيضاً ومحاضاً ومحيضاً، وعن اللحياني: حاض وحاض وحاض وجاز كلها
بمعنى، وفي " المغرب ": المحيض موضع الحيض، وهو الفرج.
قلت: يتصرف منه العد والموضع والزمان والهيئة، وكلها وردت في ألفاظ الحديث.
والمرأة حائض، وفي اللغة الفصيحة الثابتة بغير تاء، واختلف النحاة في ذلك،
فقال الخليل: لما لم تكن جائزة على الفعل كان منزلة المنسوب عنده بمعنى
حائض، أي ذات حيض، كذارع وتامر وطامس ولابن، وكذا طالق وطامث وقاعد للآية:
أي ذات طلاق، بمعنى أن الطلاق ثابت
(1/620)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيها. وقال السروجي يرد عليه قَوْله تَعَالَى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}
[الحاقة: 21] (الحاقة: الآية 21) قالوا: بمعنى ذات رضا وقد أتى بالتاء.
قلت: راضية بمعنى مرضية فلا يرد، ومذهب سيبويه أن ذلك معنى مذكور [ ... ]
أو شخص حائض وطامث وطامس وطالق، ونظيره غلام نصفة وربعة على تأويل نفس،
لكنه لا يطرد؛ لأنه مقصور على السماع، ومذهب الكوفيين أنه استغنى عن علامة
التأنيث؛ لأنه مخصوص بالمؤنث و [
... ] نحو حاضت المرأة فهي حائضة، وأرضعت فهي مرضعة.
وللحائض عشرة أسماء: الحائض، والطامث، والطامس، والدارس، والعارك، والضاحك،
والفارك، والكابر. وقال النووي: الكبر والمصبر والنافس والطامث بالثاء
المثلثة والطاء، بالهمزة في آخره، ونساء حيض وحوائض، والحيض بالفتح:
المرأة، وبالكسر اسم للدم والخرقة التي تستر بها المرأة والحالة، وفي "
تهذيب " النووي: إذا أقبلت الحيضة. قال الخطابي: قال المحدثون بالفتح، وهو
خطأ، والصواب بالكسر؛ لأن المراد بها الحالة، ورده القاضي عياض وآخرون
وقالوا: الأظهر الفتح؛ لأن المراد إذا أقبل الحيض.
وأما تفسيره شرعاً، فقال صاحب " البدائع ": وهو عبارة عن الدم الخارج من
الرحم، وهو موضع الجماع والولادة، لا يعقب ولادة مقداراً في وقت معلوم.
وقال أبو منصور الأزهري: الحيض دم ينفض رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات
معتادة من معدن الرحم. وقال ابن عرفة: الحيض اجتماع الدم، ومنه الحوض يجتمع
فيه الماء. وقال السروجي: هذا حده لفظاً ومعنى؛ لأن الحيض من السيلان دون
الاجتماع، وهو من معتل العين بالياء دون الواو.
قلت: أخطأه المخطئ؛ لأن العرب تدخل الواو على الياء، والياء على الواو؛
لأنهما من حد واحد وهو الهواء. قال الأزهري: ومنه قيل للحوض حوض؛ لأن الماء
يحيض إليه أي يسيل. وقال الكرخي: الحيض دم تصير به المرأة بالغة بابتداء
خروجه. وقال صاحب " الدراية ": هو دم ممتد خارج عن موضع مخصوص وهو القبل.
وقال الفضلي: هو دم ينفضه رحم المرأة السليمة من الداء والصغر، ومنه أخذ
صاحب " الكافي ".
قوله: رحم المرأة: احترز عن الرعاف والدماء الخارجة من الجراحات ودم
الاستحاضة؛ لأنها دم عرق لا دم رحم. وقوله: السليمة من الداء احتراز عن
النفاس، فإن النفاس في حكم المريضة حتى اعتبرت تبرعاتها من الثلث، وقوله:
والصغر احتراز عن دم تراه الصغيرة قبل بلوغها بتسع سنين فإنه لا يعتبر في
الشرع.
فإن قلت: ما تراه الصغيرة ليس بدم رحم ظاهراً، وقد خرج ذلك بقوله: ينقضه
رحم امرأة.
(1/621)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: دم ولكنه فاسد، والذي يخرج من رحم المرأة ليس بفاسد.
فإن قلت: الذي تراه الصغيرة استحاضة، فلذلك احترز بقوله: والصغر.
قلت: لا يقال له: استحاضة؛ لأنها لا تكون إلا على أثر حيض على صفة لا يكون
حيضاً، فلذلك قلنا: إنه دم فاسد.
وأما سبب الحيض في الابتداء، فقيل: إن أمنا حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ -
لما تناولت من شجرة الخلد ابتلاها الله بذلك وبقي في بناتها إلى يوم
القيامة.
وأما ركنه: فامتداد دور الدم؛ لأن ركن الشيء ما يقوم به ذلك الشيء، والحيض
يقوم به.
وأما شرطه: فتقدم نصاب الطهر حقيقة وحكماً وفراغ الرحم عن الحبل.
وأما قدره: فنوعان الأقل والأكثر، وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى.
وأما ألوانه: فسيجيء إن شاء الله تعالى عند قوله: وما تراه المرأة.. إلى
آخره، وقدم الكمية على الكيفية؛ لأن الكمية: عبارة عن المقدار في الذات،
والكيفية راجعة إلى الصفة، والذات مقدمة على الصفة.
وأما بيان أوانه: فقد اختلف في مدة الحكم ببلوغها، فقال بعضهم: ست سنين،
وقيل: سبع سنين. وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ وهو
[قول] الشافعي وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وقال أبو علي الدقاق:
اثنتا عشرة سنة اعتباراً للعادة في زماننا، كذا في " المحيط ".
واختلف في زمان الإياس، فقيل: ستون سنة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
المولدات ستون سنة، وفي الروميات خمس وخمسون سنة، وقيل: أقرابها من
قرابتها، وقيل: يعتبر تركيبها لاختلاف الطبائع باختلاف البلدان، وعن أحمد
خمسون سنة في العجمية وستون في العربية.
وقال الصاغاني: ستون سنة، وقيل: لم يقدر بشيء، فإذا غلب على ظنها الإياس
فاعتدت بالشهور، ولو رأت دماً في أثناء الشهور وانقضى ما مضى من عدتها وبعد
تمامها لا تبطل وهو المختار، وعند الأكثر: خمس وخمسون سنة، والفتوى في
زماننا عليه، وهو قول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وسفيان الثوري،
وابن المبارك، ومحمد بن مقاتل الرازي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وبه أخذ
نصر بن يحيي، وأبو الليث السمرقندي، والمصنف لم يذكر الوقت، وابتدأ الباب
ببيان المقدار، ثم باللون، ثم بالحكم.
(1/622)
أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الاستحاضة فهو استفعال من الحيض، يقال: استحاضت المرأة إذا استمر بها
الدم بعد أيامها فهي مستحاضة. وفي الشرع: اسم لما نقص عن أقل الحيض أو زاد
على أكثره.
فإن قلت: ما وجه بناء الفعل للفاعل في الحيض والمفعول في الاستحاضة.
قلت: لما كان الأول معتاداً ومعروفا بني إليها، والثاني: لما كان نادراً
غير معروف الوقت، وكان منسوباً إلى الشيطان، كما ذكرنا أنها ركضة من
الشيطان بني لما لم يسم فاعله.
فإن قلت: ما هذه السين فيه؟ قلت: يجوز أن تكون للتحول كما في استحجر الطين،
ويعني أيضاً تحول دم الحيض إلى غير دمه وهو دم الاستحاضة
[مدة الحيض]
[أقل الحيض]
م: (أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها) ش: أي أقل مدة الحيض، وإنما قيدنا هذا؛
لأن الأقل والأكثر بعض المضاف إليه، والثلاثة هي الأيام، والأيام ليست
حيضاً فلا بد من التقدير ونظيره: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}
[البقرة: 197] (البقرة: الآية 197) أي مدة الحج أو زمانه أو وقته، ويجوز
رفع ثلاثة أيام ونصبها، أما الرفع فلكونها خبر المبتدأ، وأما النصب على
الظرف.
ثم اعلم أن ظاهر الرواية هو الذي ذكره المصنف، وبه قال الثوري، وروى الحسن
عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه ثلاثة أيام وما يتخللها من
الليالي، وهو الليلتان، ذكره في " المبسوط "، وقال في " الينابيع ": يريد
بقوله: لياليها ليال تقع في بعض هذه الأيام، ولا يريد الثلاث ليال مقدرة
لتقديره بثلاثة أيام، فعلى هذا قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
لو رأت في أول اليوم غدوة دما وانقطع ثم رأته في اليوم الثاني ساعة، ثم
رأته في اليوم الثالث ثم انقطع بالعشي، هذا حيض كله. ثم اعلم أن كون الدم
يمتد إلى ثلاثة أيام بحيث لا ينقطع ساعة حتى يكون حيضاً غير شرط؛ لأن ذلك
لا يكون إلا نادراً بل انقطاع ساعة أو ساعتين فصاعداً غير مبطل للحيض، وهو
قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في التقدير بيوم وليلة، وفي " الحلية ": أقل
الحيض يوم، وقال في موضع آخر: يوم وليلة، فمن أصحابنا من قال: فيه قولان،
ومنهم من قال قولاً واحداً يوم وليلة، وهو قول أحمد - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -، وهو الأظهر، ونص عليه الشافعي وتفرع عليه أحكام الحيض. ومنهم من
قال: يوماً قولاً واحداً وهو قول داود.
وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا حد لأقله في العبادات، وروى عنه
ابن وهب: أن أقله في العدة والاستبراء خمسة أيام بلياليها، وقال محمد بن
جرير الطبري: أجمعوا على أنها لو رأت الدم ساعة وانقطع لا يكون حيضاً كأنه
لم يتصوره، بخلاف مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه يقول: أقله دفعة، وقالت:
طائفة: ليس لأقله ولا لأكثره حد بالأيام، بل الحيض إقبال الدم المنفصل عن
دم الاستحاضة.
(1/623)
فما نقص من ذلك فهو استحاضة لقوله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام
ولياليها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فما نقص من ذلك) ش: أي من أقل الحيض الذي هو ثلاثة أيام ولياليها م:
(فهو) ش: أي الناقص م: (استحاضة) ش: عندنا ولو بساعة، وعليه الفتوى، قاله
الصدر الشهيد؛ لأن الأيام إذا ذكرت بلفظ الجمع انتظمت ببيان أنها من
التوالي، فنقصان ساعة منها تنفي الحيض كما ذكرنا م: (لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام
ولياليها» ش: هذا الحديث روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -[وعن بعض]
من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
الأول: حديث أبي أمامة رواه الطبراني في " معجمه ". والدارقطني في " سننه "
من حديث حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء بن كثير، عن مكحول، عن
أبي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة، وأكثر ما يكون
عشرة أيام، فإذا زاد فهي مستحاضة» .
الثاني: حديث واثلة بن الأسقع رواه الدارقطني في " سننه " من حديث حماد بن
المنهال البصري، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع قال: قال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقل الحيض ثلاثة أيام
وأكثره عشرة أيام» .
الثالث: حديث معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في "
الكامل " عن محمد بن سعيد الشامي، حدثني عبد الرحمن بن غنم، سمعت معاذ بن
جبل يقول: إنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
«لا حيض دون ثلاثة أيام، ولا حيض فوق عشرة أيام، فما زاد على ذلك فهي
مستحاضة تتوضأ لكل صلاة إلا أيام أقرائها، ولا نفاس دون أسبوعين، ولا نفاس
فوق أربعين يوماً، فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت وصلت، ولا
يأتيها زوجها إلا بعد أربعين» .
(1/624)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرابع: حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه ابن الجوزي
في " العلل المتناهية " من حديث أبي داود النخعي، حدثني أبو طوالة، عن أبي
سعيد الخدري، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل
الحيض ثلاث وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوماً» .
الخامس: حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه ابن عدي في " الكامل "
عن الحسن بن دينار، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل
الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة، فإذا جاوز
العشر فهي مستحاضة» .
السادس: حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذكره ابن الجوزي في "
التحقيق " قال: وروى حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أنه قال: «أكثر الحيض عشر وأقله ثلاث» .
فإن قلت: هذه الأحاديث كلها ضعيفة فلا يصح الاحتجاج بها، ففي حديث أبي
أمامة: عبد الملك مجهول، والعلاء بن كثير ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من
أبي أمامة، قاله الدارقطني.
وفي حديث واثلة: حماد بن المنهال، قال الطبراني: مجهول، وفيه محمد بن راشد،
قال ابن حبان: كثير المناكير في روايته فاستحق الترك، وفي سنده أيضاً محمد
بن أحمد بن أنس ضعيف.
وفي حديث معاذ: محمد بن سعيد، فالبخاري، وابن معين، والثوري قالوا: إنه يضع
الحديث.
وفي حديث الخدري: أبو داود والنخعي، واسمه: سليمان، قال ابن حبان: كان
سليمان يضع الحديث، وقال أحمد: كان كذاباً، وقال البخاري: هو معروف بالكذب.
وفي حديث
(1/625)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنس: الحسن بن دينار، وقال ابن عدي: إن جميع من تكلم في الرجال أجمع على
ضعفه.
وفي حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حسين بن علون، قال ابن حبان:
كان يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه، كذبه أحمد ويحيى بن معين.
قلت: أجاب القدوري في " التجريد " أن ظاهر الإسلام يكفي لعدالة الراوي ما
لم يوجد فيه قادح، وضعف الراوي لا يقدح إلا أن تقوى جهة الضعف، وقد ذكر
النووي في " شرح المهذب " أن الحديث إذا روي من طرق ومفرداتها ضعيفة يحتج
به. وقال الدارقطني: مكحول لم يسمع أبا أمامة، غير مسلم؛ لأنه أدرك أبا
أمامة وسمع في عصره، وإذا روى عنه فالظاهر السماع؛ فإن الشرط عند مسلم
إمكان اللقي، ولو ثبت إرساله فالمرسل حجة عندنا.
فإن قلت: قال أحمد: أخبرتني امرأة ثقة أنها تحيض سبعة عشر. وقال ابن
المنذر: بلغني عن نساء الماجشون أنهن يحضن سبعة عشرة يوماً، وكذا حكى عنهن
أحمد، وروى إسحاق بن راهويه أن امرأة من نساء الماجشون كانت تحيض عشرين،
وعن ميمون بن مهران أن زوجته بنت سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
كانت تحيض شهرين من السنة. وقال يزيد بن هارون: عندي امرأة تحيض يومين، وعن
عبد الرحمن بن مهدي: كانت امرأة يقال لها: أم العلاء، تقول: حيضتي من أيام
الدهر يومان. قال النووي: روينا ذلك بإسناد صحيح.
قلت: [ذكر] مالك ما حكي عن نساء الماجشون، وقال إسحاق: كنت أرى ما زاد على
خمسة عشر صحيحاً، وما ذكر عن إسحاق ويزيد بن هارون أنكره أبو بكر بن إسحاق
الفقيه، على أنا نقول: قد شهد لمذهبنا عدة أحاديث من عدة عن الصحابة من طرق
مختلفة كثيرة [يشد] بعضها بعضاً، وإن كان كل واحد ضعيفاً، لكن يحدث عند
الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد، على أن بعض طرقها صحيحة، وذلك يكفي
للاحتجاج؛ خصوصاً في المقدرات، والعمل به أولى من العمل بالبلاغات،
والحكايات المروية عن نساء مجهولة، ولا يجوز ترك الحجة بغير الحجة، ولأنا
لو فتحنا باب اتساع وجود الدم في كل ما يحدث يظهر الخطأ والاضطراب، ونحن مع
هذا لا نكتفي بما ذكرنا، بل نقوي ما ذهبنا إليه بالآثار المنقولة عن
الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أنس
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه البيهقي من حديث الجلد بن أيوب، عن معاوية
بن قرة، عن أنس بن مالك أنه قال: قرء المرأة، أو قال: حيض المرأة ثلاث أو
أربع حتى ينتهي إلى عشرة، فتزاد في رواية، ثم تغتسل وتصوم وتصلي، وزاد
غيره: فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة.
قال في " الإمام ": هذا مشهور برواية جعد عن أنس مرفوعاً، رواه جماعة من
الأكابر منهم:
(1/626)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سفيان الثوري، وبه أخرجه الدارقطني من رواية وكيع، وأبي أحمد الزبيري عن
الثوري، ففي رواية أبي أحمد: أدنى الحيض ثلاثة وأقضاه عشرة.
وقال وكيع: الحيض ثلاثة إلى عشرة، فما زاد فهو استحاضة. ومنهم حماد بن زيد،
ولفظه عن أنس: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر. ومنهم
إسماعيل بن إبراهيم [ ... ] يكنى أبا بشر، مولى أنس بن خزيمة، بصري ثقة،
ينسب إلى أمه علية، ذكر ذلك في " العلم المشهور ".
ومنهم: هشام بن حسان وسعيد، أخرجه الدارقطني، ولفظه: الحائض تنتظر ثلاثة
أيام إلى عشرة أيام، فإذا جاوزت فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، فإن البيهقي ذكر
تضعيفه عن جماعة. وقال ابن عدي: لم ير للجعد حديثاً منكراً جداً، وقد جاء
لحديثه متابعات من سواهن، منها ما أخرجه الدارقطني من حديث الربيع بن صبيح
بفتح الصاد وكسر الباء الموحدة عمن سمع أنساً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
يقول: لا يكون الحيض أكثر من عشر، والربيع هذا وثقه يحيى بن معين، وقال
أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بأس به رجل صالح. وقال شعبة: هو من
سادات المسلمين.
فإن قلت: قولهم: " عمن سمع أنساً ": مجهول.
قلت: هو معاوية بن قرة، صرح بذلك عبد الرزاق في " مصنفه "، وله طريقان
آخران عن أنس أحدهما: أخرجه الدارقطني، والآخر أخرجه البيهقي، وروي أيضاً
عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الدارقطني، وروي أيضاً عن
عثمان بن أبي العاص أخرجه الدارقطني أنه قال: الحائض إذا جاوزت عشرة أيام
فهي بمنزلة الاستحاضة تغتسل وتصلي.
قال البيهقي: هذا الأثر لا بأس بإسناده. وحديث آخر رواه العقيلي عن معاذ بن
جبل: لا حيض أقل من ثلاثة ولا فوق عشرة، وهو من حديث محمد بن الحسن الصدفي،
وفي " الإمام ": عن جعفر بن محمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبيه عن
جده، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أقل الحيض
ثلاث، وأكثره عشر، وأقل ما بين الحيضين خمسة عشر يوماً» وذكر أبو بكر
الخطيب بسنده إلى يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال القدروي: وقد روي مثل قولنا عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأنس، وابن
مسعود، وعثمان بن أبي العاص الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ولا يعرف
لقولهم مخالف، فوجب تقليدهم، أو نقول: إن ما لا يدل عليه القياس يحمل فيه
قول الصحابي على أنه قاله سماعاً، فكأنه رواه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولنا وجه آخر من هذا الباب احتج به الطحاوي، الثلاث
والعشر، وهو «حديث أم سلمة أنها سألت عن المرأة تهرق الدم، فقال - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " تنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض
(1/627)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الشهر، فلتترك قدر ذلك من الشهر، ثم تغتسل وتصلي» فأجابها بذكر عدد
الليالي والأيام من غير مسألة لها عن مقدار حيضها قبل ذلك، وأكثر ما
يتناوله الأيام عشرة وأقله ثلاثة.
قلت: روى هذا الحديث أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث
سليمان بن يسار عنها. قال النووي: إسناده على شرطهما. وقال البيهقي: هو
حديث مشهور، إلا أن سليمان لم يسمعه منها، وفي رواية لأبي داود عن سليمان
أن رجلاً أخبره عن أم سلمة، والدارقطني عن سليمان: أن فاطمة بنت أبي حبيش
استحيضت فأمرت أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وقال المنذري: لم يسمعه
سليمان، وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع، عن سليمان بن يسار عنها، وساقه
الدارقطني من حديث جويرية عن نافع عن سليمان، أنه حدثه رجل عنهما.
قوله: تهراق على صيغة المجهول في الرواية والدم منصوب، وفي رواية: الدماء،
أي تهراق هي الدماء فينصب الدماء على التمييز، وإن كان معرفة وله نظام،
ويجوز رفع الدماء على تقدير تهراق دماءها وتكون الألف واللام بدلان عن
الإضافة. وقوله: " لتنظر عدد الليالي والأيام "، أي تحتسب عدد الليالي
والأيام التي تحيض فيها قبل أن يصيبها الذي أصابها وهو الاستحاضة فلتترك
الصلاة قدر ذلك أي قدر ما كنت تراه قبل ذلك، مثلاً إن كانت عادتها من كل
شهر عشرة أيام، إما من أولها وإما من أوسطها وإما من آخرها تترك الصلاة
عشرة أيام من هذا الشهر فغير ذلك.
فإن قلت: من أين كانت تحفظ هذه المرأة عدد أيامها التي كانت تحيضها أيام
الصحة.
قلت: ولم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر» ، قبل أن يصيبها
الذي أصابها معنى لا يجوز، يردها إلى رأيها ونظرها في أمر هي غير عارفة
بكنهه.
فإن قلت: كيف الأمر فيمن لم تحفظ عدد أيامها.
قلت: هذه مسألة مشهور في الفروع، وهي أنه يجب من كل شهر عشرة أيام حيضها،
ويكون الباقي استحاضة، واحتج الأترازي لأصحابنا بما احتج به أبو بكر الرازي
في " شرح مختصر الطحاوي " على تقدير أقل الحيض وأكثره، فقال: والأصل فيه ما
روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لفاطمة بنت
أبي حبيش «دعي الصلاة أيام محيضك» وفي بعض الألفاظ: أيام أقرائك من كل شهر،
وقال: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، وأقل ما يتناوله اسم الأيام
ثلاثة أيام.
(1/628)
وأكثره عشرة أيام، وهو قول أنس - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير
بيوم وليلة. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يومان، والأكثر من
اليوم الثالث إقامة للأكثر مقام الكل، فقلنا: هذا نقص عن تقدير الشرع،
وأكثره عشرة أيام، والزائد استحاضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أكثر الحيض]
م: (وأكثره عشرة أيام) ش: فقد أفادنا هذا الخبر مقدار الأقل والأكثر؛ لأن
ما دون الثلاثة لا يسمى أياماً، ونقول ثلاثة إلى عشرة، ثم نقول أحد عشر
يوماً، انتهى كلامه.
قلت: لم يبين من راوي هذا الحديث من الصحابة، ومن أخرجه من أهل الحديث،
ورواه أبو داود والنسائي من «حديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها سألت رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدم فقال: " إذا أتاك قرؤك فلا
تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري وصلي ما بين القرء إلى القرء» .
ورواه النسائي من حديث الزهري، عن عمرة من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - «أن أم حبيبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كانت مستحاضة، فسألت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمرها أن تترك الصلاة قدر
أقرائها وحيضها» ورواه ابن حبان من طريق هشام عن أبيه عنها نحوه.
ورواه البيهقي موقوفاً، والطبراني في " الصغير " مرفوعاً من طريق قمير بن
أبي مسروق عنها وزاد: «إلى مثل أيام أقرائها» .
م: (وهو قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي المذكور في الحديث
المذكور قول أنس بن مالك، وليس هذا في كثير من النسخ، وقد ذكرناه عن قريب
مفصلاً.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على الشافعي في التقدير بيوم وليلة)
ش: وعلى مالك أيضاً فيماً ذهب إليه من أن الدفعة حيض، وعلى أبي يوسف أيضاً
فيما ذهب إليه من أن أقله يومان والأكثر من اليوم الثالث، ولكنه رواية عنه
أشار المصنف إليه بقوله م: (وعن أبي يوسف أنه يومان والأكثر من اليوم
الثالث إقامة الأكثر مقام الكل) ش: بضم الميم وإقامة نصب على أنه مفعول
مطلق، والتقدير أقمنا إقامة أو أقيمت إقامة.
م: (قلنا هذا نقص عن تقدير الشرع) ش: هذا جواب عما ذهب إليه أبو يوسف،
تقديره: أن الشرع نص على عدد معين فلا يجوز تغييره، فلو جاز النقص فيه لجاز
في إقامة اليومين مقام الثلاثة؛ لأنها أكثرها ولأن العدد بعد النص عليه،
يعتبر عليه كما له، كأعداد الركعات وأيام الصيام وغيره أي يومين لمراعاة نص
العدد.
م: (وأكثره) ش: أي أكثر الحيض م: (عشرة أيام والزائد) ش: على العشرة م:
(استحاضة) ش:
(1/629)
لما روينا وهو حجة على الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في التقدير بخمسة عشر يوما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فتجري فيه أحكام الاستحاضة م: (لما روينا) ش: والمصنف لم يرو الحديث ولا
يشير لأحد من الصحابة، وإنما ذكره م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة
على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التقدير) ش: أي في تقدير أكثر الحيض
م: (بخمسة عشر يوماً) ش: وبه قال مالك، وأحمد في رواية، وأبو يوسف أيضاً في
رواية، وأبو حنيفة أولاً، وداود، وأظهر الروايات عن أحمد: أنه سبعة عشر
يوماً، وهو رواية عن مالك. وعنه: لا حد لقليله ولا لكثيره، ولم يذكر المصنف
حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا حجة مالك.
وأما حجة الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن وافقه فهو حديث رووه عن
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تمكث إحداكن
شطر عمرها أو دهر لا تصلي» وقال الشطر: النصف، فدل على أن أكثره خمسة عشر
يوماً.
قلت: ذكر السغناقي هذا الحديث ولفظه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في نقصان دين المرأة: " تقعد «إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا
تصلي» ، وذكره الأترازي فقال قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ما رأيت ناقصات عقل ودين أقدر على سلب عقول ذوي الألباب، قيل: يا رسول
الله! ما نقصان عقلهن ودينهن؟ فقال: أما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين شهادة
رجل، وأما نقصان دينهن: فلأن إحداهن تمكث شطر عمرها لا تصلي» فعلم بهذا أن
أكثر الحيض مقدر بخمسة عشر يوماً. وقال ابن منده: لا يثبت عن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوجه من الوجوه، وقال ابن الجوزي: هذا
لا يعرف. وقال النووي: هذا حديث باطل لا يعرف.
وقال البيهقي في كتاب " المعرفة ": والذي يذكره بعض فقهائنا من قعودها شطر
عمرها أو دهرها لا تصلي، قد طلبت كثراً فلم أجده في شيء من كتب أصحاب
الحديث، ولم أجد له إسناداً بحال، فهذا الحديث لم يثبت، وإنما الثابت من "
الصحيحين " حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب
منكن، قال: وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان، فهذا نقصان الدين» والعجب
من الأترازي يذكر هذا الحديث ويرضى به ويسكت، مع ادعائه أن له يداً في
الحديث، ولم يكن له فيه غير قوله: لا نسلم أن مكث إحداهن شطر عمرها يدل على
ما قلتم، بل المكث بهذه الصفة حاصل فيما قلنا، ألا ترى أن المرأة إذا بلغت
بخمسة عشر سنة ثم حاضت من كل شهر عشرة أيام ثم ماتت بعد ستين سنة تكون
تاركة الصلاة نصف عمرها لا محالة.
وقال السغناقي في جوابه: المراد ليس حقيقة الشطر؛ لأن في عمرها زمان الصغر
ومدة الحبل وزمان الإياس، ولا يختص في شيء من ذلك، فعرفنا أن المراد به ما
يقارب الشطر حيضاً، وإذا قدرنا بالعشرة بهذه الآثار فقد جعلنا ما يقارب
الشطر حيضاً. وأما حجة مالك فإنه يقول: الكتاب
(1/630)
ثم الزائد والناقص استحاضة؛ لأن تقدير
الشرع يمنع إلحاق غيره به، وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في
أيام الحيض فهو حيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مطلق عن التقييد بالزمان وهو قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ
فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 22) ، والتقييد ينافي
الإطلاع، والجواب عنه أن الذي استدل به مجمل يحتاج إلى البيان، فالأحاديث
المذكورة إجمالاً.
م: (ثم الزائد) ش: على العشرة م: (والناقص) ش: عن الثلاثة م: (استحاضة؛ لأن
تقدير الشرع يمنع إلحاق غيره به) ش: أي غير تقدير الشرع بتقدير الشرع؛ لأن
العقل لا ابتداء له في المقادير، ويقال: إن الدم الزائد والناقص إما أن
يكون دم حيض، أو نفاس، أو استحاضة، فانتفى الأولان فتعين الثالث.
ثم اعلم أن هذه الأيام والليالي المقدرة في أقل الحيض والمرأة تعتبر
بالساعات حتى لو رأت وقد طلع نصف قرص الشمس وانقطع في الرابع وقد طلع دون
نصفه فليس بحيض فتتوضأ وتقضي الصلوات، ولو طلع تمام القرص تغتسل ولا تقضي،
وكذا لو رأت معتادة بخمسة وقد طلع نصف الشمس وانقطع في الحادي عشر وقد طلع
أكثرها اغتسلت وقضت صلوات خمسة أيام وإلا فلا.
وقال أبو إسحاق الحفاظ: هذا في أقل الحيض وأقل الطهر، وفيما سواها إن كانت
المرأة أنها طهرت في الحادي عشر حد بها بعشرة وفي العاشرة سبعة وفي الطهر
مثله، وما كان يتعرض للساعات وعليه الفتوى. م: (وما تراه المرأة من الحمرة
والصفرة والكدرة في أيام الحيض) ش: بضم الكاف وهي التي لونها كلون الماء
الكدر في أيام الحيض م: (فهو حيض) ش: ارتفاع حيض على أنه خبر ما الموصولة
أعني الألوان التي ذكرناها في أول الباب الموعود بذكره والألوان ستة:
السواد، والحمرة، والصفرة، والكدرة، والخضرة، والتربية، وهي التي على لون
التراب وهي نوع من الكدرة فحكمها حكم الكدرة وهي بضم التاء المثناة من فوق
وسكون الراء وبكسر الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف.
وقال التربية: نسبة إلى الترب، والتراب والترب بضم التاء وهو التراب، وقيل:
التاء بدل من الواو من لفظة ورأ؛ لأنها من لفظة ترى بعد الحيض. وقيل: هي
تربية على وزن تفعله من برئي بفتح الباء وسكون الراء وكسر الهمزة وفتح
الياء آخر الحروف، وقيل: فعلية ذكره الفراء. وقيل: تربة بتشديد الراء
وتخفيفها مع الإدغام، وفي " قاضي خان ": الربية على وزن البرية. وذكر "
المغرب " هي الرية؛ لأنها على لونها.
فإن قلت: لم يذكر السواد.
(1/631)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لا إشكال في كونه حيضاً، واستدل به صاحب " الدراية " ثم الأكمل في ذلك
بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «دم الحيض أسود غليظ محترم» ، وذكره
الأترازي أيضاً ولم بين أحد منهم راويه من هو، ولا مخرجه من هو.
قلت: هذا روي من وجوه مختلفة، فروى أبو داود من حديث فاطمة بنت أبي حبيش
أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة،
فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما ذلك عرق» .
وأخرجه النسائي أيضاً وزاد بعضهم فيه: و «أنه له رائحة» بعد قوله: " تعرف
"، وليس كذلك بقولهما ودفع الشافعية تبعاً للنهاية بعد قوله: فإنما هو عرق
انقطع، وأنكر ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة قوله: " انقطع " وليس كذلك
فإنه موجود في " سنن " الدارقطني والحاكم، والبيهقي، من طريق ابن أبي
مليكة: جاءت خالتي فاطمة بنت حبيش إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
فذكر الحديث، وفيه: «فإنما هو داء عرض، أو ركضة من الشيطان أو عرق انقطع» .
وذكر الشافعية في صفته الأسود؛ لأنه محترم وليس له أصل، بل وقع في " تاريخ
" العقيلي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: دم الحيض أحمر قاني،
ودم الاستحاضة كغسالة اللحم، ووقعت الصفة المذكورة في كلام الشافعي في "
الأم "، وذكروا أيضاً في صفته أنه أحمر سرق وليس له أصل، ولكن روى
الدارقطني، والبيهقي، والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً: «دم الحيض أسود
خاثر تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة أسود رقيق» ، وفي رواية: «دم الحيض لا يكون
إلا أسود غليظا تعلوه حمرة، ودم الاستحاضة دم رقيق تعلوه صفرة» ، وذكر صاحب
" المحيط " حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفيه: «ليست بالحيضة، إنما هي ركضة من
الشيطان، أو عرق عند، أو داء اعترض» .
قلت: قوله: " عرق عند "، ليس في كتب الحديث، وقوله: " أو داء اعترض " ذكره
الدارقطني، ووقع في الطحاوي: «ولكن عرق فتقه إبليس» ، وذكر أصحابنا في
الحديث «عرق انفجر» ، وهذا ذكره الشيخ تقي الدين في " شرح العمدة "، والذي
وقع في البخاري ومسلم: «فإنما هو عرق» أي دم عرق، وهذا العرق يسمى العاذل.
وفي " المبسوط ": قالت فاطمة بنت قيس لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إني أستحاض فلا أطهر، هذا وهم، وليست هي فاطمة بنت قيس، وإنما
هي فاطمة بنت أبي حبيش كما مر آنفا، وفاطمة بنت قيس هي التي بت طلاقها
زوجها، وقالت: لم يجعل لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نفقة ولا سكنى.
(1/632)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله: محترم: بالحاء المهملة، قال الجوهري: احترام الدم اشتدت حمرته حتى
يسود، وفسره الأكمل بقوله: أي طري شديد الحمرة إلى السواد. قلت: قوله: طري
ليس له دخل تفسيره. قوله: " أو عرق عند " بفتح العين المهملة وكسر النون،
ويقال له: العاذل أيضاً من عند العرق سال، ولم يرقأ. والعاذل: بالعين
المهملة وكسر الذال المعجمة اسم للعرق الذي يسيل منه دم الاستحاضة، وسئل
ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن دم الاستحاضة فقال: ذاك العاذل
يغذ وتستشفر بثوب ولتصل. وقوله: يعذر أي يسيل.
وأما الحمرة فهو اللون الأصلي للدم إلا عند غلبة السوداء يضرب إلى سواد.
وعند غلبة الصفرة يضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن افتصد.
وأما الصفرة فهي من ألوان الدم إذا رق، وقيل: هي كصفرة البيض أو كصفرة
القز. وفي " قاضي خان ": الصفرة تكون كلون السبر أو لون التين. وفي "
المجتبى ": وهذه الثلاثة أعني الأسود والأحمر والأصفر حيض. وعن الصحابة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: السواد والحمرة والصفرة حيض. وفي "
مبسوط أبي بكر " عن أبي منصور الماتريدي: لو اعتادت أن ترى أيام طهرها صفرة
وأيام حيضها حمرة فحكم صفرتها حكم الطهر بدلالة الحال.
وقيل: إنما اعتبر ذلك في صفرة عليها بياض ولها حكم الطهر على قول أكثر
المشايخ، وعن أبي بكر الإسكاف: إن كانت الصفرة على لون البقم فهي حيض وإلا
فلا، والمنقول عن الشافعي في " مختصر المزني ": الصفرة والكدرة في أيام
الحيض حيض، واختلف أصحابه في ذلك على ستة أوجه الصحيح المشهور ما قاله ابن
شريح، وأبو إسحاق، المروزي، وجماعة من المتقدمين، أو من المتأخرين أن
الصفرة والكدرة في زمان الإمكان، وهو خمسة عشر يوماً يكونان حيضاً سواء
كانت مبتدأة أو معتادة خالف عادتها أو وافقها كما لو كان أسود أو أحمر
وانقطع بخمسة عشر.
الثاني: قول الإصطخري أن الصفرة والكدرة في أيام العادة حيض وإن رأتهما
مبتدأة أو معتادة في غير أيام العادة. قلت: محيض.
الثالث: أبو علي الطبري أنه إن تقدم الصفرة، والكدرة، دم أسود قوي أو أحمر،
ولو بعض يوم كان حيضا، وإن لم يتقدم منها شيء لم يكن حيضاً تبعاً للقوي،
وإن تقدمها دون يوم وليلة قبلت حيضاً.
الخامس: حكاه ابن كج إن تقدمها دم قوي كانت حيضاً وإلا كانت استحاضة.
السادس: حكاه السرخسي إن تقدمها دم قوي يوم وليلة ولحقها دم قوي يوماً
وليلة كانت حيضاً وإلا فلا.
(1/633)
حتى ترى البياض خالصا. وقال أبو يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تكون الكدرة من الحيض إلا بعد الدم؛ لأنه لو كان من
الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، ولهما ما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الكدرة فهي حيض عند أبي حنيفة ومحمد سواء رأت في أول أيامها أو آخرها.
وأما الخضرة فقال في " البدائع ": اختلف المشايخ فيها، فقال الشيخ الإمام
أبو منصور إذا رأتها في أول الحيض يكون حيضا، وإن رأتها في آخر الحيض واتصل
بها أيام الحيض لا يكون حيضاً، وجمهور الأصحاب على كونها حيضاً كيفما كان،
وفيل: الخضرة مثل الكدرة، وقيل الخضرة، والتربية، والكدرة، والصفرة إنما
يكون حيضا على الإطلاق في غير العجائز، وفيهن إن وجدتها على الكرسف شدة
وصفة تربية فهي حيض، وإن طالت لم تكن حيضاً؛ لأن أرحام العجائز تكون منتنة
فيتغير الماء بطول المكث ودم النفاس كدم الحيض.
م: (حتى ترى البياض خالصاً) ش: كلمة حتى للغاية والمعنى أنها تراه الحائض
من الألوان المذكورة في أيام الحيض حيض إلى أن تري البياض خالصاً على أنه
حال من البياض.
م: (وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضاً إلا بعد الدم) ش: يعني إذا رأتها
في آخر أيام الحيض، وإذا رأتها في أول أيام الحيض لا تكون حيضاً وبه قال
أبو ثور، واختاره ابن المنذر وقال داود: لا تكون الكدرة والصفرة حيضاً
بحال. وقال الشافعي: إن كانتا في زمن الإمكان بأن لا يكون أقل من يوم وليلة
حيض كما أيام العادة، ونقل ذلك ابن الصباغ صاحب " الشامل " عن ربيعة،
ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الكدرة،
إنما ذكر الضمير باعتبار الكدر أو باعتبار المذكور م: (لو كان من الرحم
لتأخر خروج الكدر عن الصافي) ش: لأن الكدرة من كل شيء يتبع صافيه، فلو جعلت
حيضاً ولم يتقدم عليها دم كانت حيضاً مقصودة لا تبعاً.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (ما روي أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضاً) ش: روى مالك عن محمد في "
موطئهما " عن علقمة بن أبي علقمة عن أمة مولاة عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - أنها قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - في الدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض فسألتها عن الصلاة
فتقول لهن: لا تعلجن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيض.
ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر، عن علقمة بن أبي علقمة به
سواء، أخرجه
(1/634)
وهذا لا يعرف إلا سماعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البخاري في " صحيحه " تعليقاً، ولفظه: قال: وكن يبعثن إلى عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - بالكرسف فيه الصفرة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة
البيضاء.
قوله: بالدرجة: بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، مثل حرج حرجة، وترس وترسة،
والدرج كالغط الصغير، تضع فيه المرأة حق متاعها وطيبها، وقيل: إنما هي
الدرجة، وبالضم تأنيث درج، وجمعها الدرجة بضم الدال.
والكرسف بضم الكاف، قال ابن الأثير: هو القطن، وقال غيره: الكرسف خرقة أو
قطنة ونحو ذلك تدخله المرأة فرجها لتعرف هل بقي شيء من أثر الحيض أم لا،
ويستحب أن تكون مطيبة بالمسك أو الغالية لتدفع رائحة دمها، قال - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لامرأة استحيضت: «خذي فرصة ممسكة» ، والفرصة بضم
الفاء قطعة من صوف أو قطن أو خرقة، والممسكة المطيبة بالمسك، وفي رواية عن
بعضهم حكاه أبو داود: قرصة، بالقاف، أي شيئاً يسيراً مثل القرصة بطرف
الأصبعين، وحكي عن أبي قتيبة، قرضة بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة من القرض
هو القطع، والقصة بفتح القاف، وتشديد الصاد المهملة الجصة يشبة الرطوبة
الصافية بعد الحيض بالجص، وقيل: القصة شيء يشبه الخيط الأبيض يخرج من قبل
النساء في آخرهن أيامهن تكون علامة طهرهن، وقيل: ماء أبيض يخرج في آخر
الحيض.
وفي " المحيط ": القصة في حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الطين
الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفر، أرأيت أنها لا تخرج من
الحيض حتى ترى البياض الخالص، ويخرج من الطين بالحفوف أيضاً. وفي " المبسوط
": القصة الببلون الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لون إلى الصفرة.
قلت: الببلون بفتح الباء الموحدة وسكون الباء الأخيرة وضم اللام وسكون
الواو وفي آخره نون وهو الذي يقال له الطفل وهو لغة بلدية.
م: (وهذا لا يعرف إلا سماعاً) ش: أي هذا الذي جعلته عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - لا يعرف إلا من حيث السماع فيحمل على أنها سمعت من النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن العقل لا يهتدي لمثل هذا، وقال
الأترازي: وهذا الذي قلنا مذهب علمائنا.
قلت: مقصوده هو الذي قاله لا يهتدي إليه إلا من طريق السماع من النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والذي ذكرنا أجود وأصوب ولا يقال: إن
قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دم الحيض أسود عبيط محترم»
يدل على أن هذه الأشياء ليست بحيض وهو أقوى من فعل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - فلا يجوز تركه به؛ لأنا نقول: تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي
ما عداه، وقد عرف في الأصول.
(1/635)
وفم الرحم منكوس فيخرج الكدر أولا كالجرة
إذا ثقب أسفلها.
وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون حيضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفم الرحم منكوس) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف؛ لأنه لو كان من الرحم
لتأخر خروج الكدر عن الصافي، وتقريره أن يقال: نعم هو كذلك إذا لم يكن
المخرج من أسفل، وفم الرحم منكوس: يعني من الأسفل لا من الأعلى، فيخرج
الكدر أولاً ثم الصافي كالجرة إذا ثقب أسفلها فإنه يخرج الكدر أولاً، وإن
من خاصة الطبيعة أنها تدفع الكدر أولاً كما في الفصد والبول والغائط.
قلت: على هذا لو خرج الصافي أولاً ثم الكدر لا ينبغي أن يكون الكدر حيضاً
م: (فيخرج الكدر أولاً) ش: نتيجة قوله: وفم الرحم منكوس م: (كالجرة إذا ثقب
أسفلها) ش: هذا شبه فم الرحم بالجرة إذا ثقب أي يحسن أسفلها فإنه حينئذ إذا
كان فيها شيء من المائعات يخرج من الكدر منها أولاً، والرحم كذلك؛ لأن فيه
من أسفل، والتشبيه بالجرة الموضوعة هكذا لا بالجرة المطلقة؛ لأن التشبيه لا
يكون إلا في صفة مخصوصة كما في قولك: زيد كالأسد، فإن التشبيه فيه في
الشجاعة مطلقاً.
واعلم أن للمرأة فرجاً داخلاً، وفرجا خارجا، فالداخل بمنزلة الدبر، والخارج
بمنزلة الأليتين، فإذا وضعت الكرسفة في الخارج فابتدأ الجانب الداخل منه
كان ذلك حيضاً وإن لم ينفذ إلى الخارج، وإن وضعته في الفرج الداخل فابتدأ
منه لم يكن ذلك حيضاً؛ لأنه بمنزلة خصية الذكر وإن نفذت البلة إلى الجانب
الخارج، فإن كان الدبر عالياً عمل على رأس الفرج أو محاذيا له يكون حيضاً
لظهور البلة، وإن كان منتقلا عنه لم يكن حيضاً وعلى هذا التفصيل إذا حشى
الرجل إحليله بقطنة فابتلت، وهذا كله إذا لم يسقط الكرسف، فإن سقط فهو حيض
كيف ما كان لظهور البلة، وكذلك الحكم في النفاس.
وعن محمد بن سلمة أنه كان يكره للمرأة أن تضع كرسفها في الفرج الداخل؛ لأنه
يشبه النكاح بيدها، ولو وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت فنظرت
الكرسف فرأت البياض الخالص يلزمها قضاء العشاء؛ لأنا تيقنا بطهرها من حيث
وضعت الكرسف، ولو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم أصبحت ووجدت البلة
على الكرسف فإنها تجعل حائضاً من أقرب الأوقات، وهو ما بعد الصبح أخذا
باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء إن لم تكن صلت.
م: (وأما الخضرة فالصحيح أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء) ش: أي الحيض
م: (تكون حيضاً) ش: هذا أحد ألوان الحيض، فلذلك ذكره بكلمة التفصيلية وقد
ذكرنا أنا ستة فذكر منها الثلاثة الأولى وهي الحمرة والصفرة والكدرة، وذكر
هنا الرابعة وهو الخضرة ولم يذكر اللونين وهما
(1/636)
ويحمل على فساد الغذاء،
وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة تحمل على فساد المنبت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأسود والتربية. وقال صاحب " الدراية ": وإنما لم يذكر الثلاثة من ألوان
الحيض؛ لأن الثلاث متداخلة في الثلاثة المذكورة؛ لأن الحمرة إذا اشتدت صارت
سوادء والخضرة قريبة إلى الصفرة، والتربية تكون داخلة في الحمرة إذا رقت
الحمرة تضرب إلى التربية.
قلت: ليس الأمر كذلك، فإنه ذكر الأربعة وهي الحمرة والصفرة والكدرة
والخضرة، وأما الأسود فلأنه أصل في باب الحيض معهود فاستغنى عن ذكره، وأما
التربية فإنها نادرة فلذلك تركها. وأما الخضرة فقد اختلف فيها مشايخنا،
فمنهم من أنكر وجودها حتى استبعده أبو نصر بن سلام حين سئل عنها فقال:
كأنها أكلت فصيلاً. وذكر أبو علي الدقاق: أن الخضرة نوع من الكدرة، وأشار
المصنف إلى أن الصحيح من المذهب أن المرأة إذا كانت من ذوات الأقراء تكون
الخضرة حيضاً.
ثم أشار إلى سبب كون الدم أخضر بقوله م: (ويحمل ذلك على فساد الغذاء) ش:
يعني يجعل كأنها أكلت غذاء فاسداً ففسد دمها فصار لونه أخضر، ولهذا قال أبو
نصر: كأنها أكلت فصيلاً.
م: (وإن كانت) ش: أي المرأة م: (كبيرة) ش: أي آيسة م: (لا ترى غير الخضرة)
ش: لا يكون حيضاً م: (تحمل) ش: ما تراه من الخضرة م: (على فساد المنبت) ش:
بفتح الميم وسكون النون وكسر الياء الموحدة وفي آخره تاء مثناة من فوق وهو
موضع النبات، والمعنى أنه يحمل الخضرة على أنها لم تكن في الأصل دماً، فإن
الدم في الأصل لا يكون أخضر.
ثم اعلم أن قوله: وإن كانت كبيرة إشارة إلى الإياس، وإن لم يبين هنا حده،
وقد ذكرنا في أول الباب أن الكلام في الحيض فقال أبو نصر بن سلام: ست سنين،
وقيل: سبع سنين وقال محمد بن مقاتل: تسع سنين، وبه أخذ أكثر المشايخ، وهو
قول الشافعي ومحمد، وقال أبو علي الدقاق: ثنتي عشرة سنة اعتباراً للعادة في
زماننا، كذا في " المحيط "، وفي البخاري وغيره: قالت: عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا -: إذا بلغت تسع سنين فهي امرأة، قال ابن تيمية: ورواه
القاضي أبو يعلى بإسناده، يعني إذا حاضت، وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قال: إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة، ذكره ابن عدي، وروى
الدارقطني عن عباد المهلبي قال: أدركت قبا يعني المهالبة امرأة صارت جدة
وهي بنت ثماني عشرة سنة، ولدت تسع سنين بنتا، فولدت بنتها تسع سنين ابنا،
وهو محمول على غير مدة الحمل فيهما، وإنما لم يذكر الراوي لنقصها عن السنة
واجتماع سنة من الزيادتين لا تمنع قوله صارت جدة في ثماني عشرة سنة لا
يحتمل أن تكون بترك الكسرين أو شك في قدره. وقال الأسبيجابي: ابنة لأبي
مطيع البلخي صارت جدة في ثماني عشرة سنة وهو بالتفسير الذي تقدم.
(1/637)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واعلم أنه بقي من الأنواع العشرة نوعان: أحدهما وقت ثبوت الحيض والآخر
حكمه، والمصنف ذكر حكمه على ما يأتي عن قريب.
وأما ثبوته فلا يكون إلا بالبروز، وعن محمد أنها إذا أحست بالبروز يثبت حكم
الحيض والنفاس أيضاً إلا بالبروز. وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا توضأت
المرأة ووضعت الكرسف ثم أحست أن الدم نزل منها فأدخلت الكرسف قبل غروب
الشمس فالصوم تام عند محمد، وعندهم تقضي. ثم البروز إنما يعلم بمجاوزة موضع
البكارة اعتباراً بنواقض الوضوء، والاحتشاء يسن للثيب ويستحب للكبر حالة
الحيض، وأما في حالة الطهر فيستحب للثيب دون البكر، ولو صلتا بغير كرسف
جاز. وفي " المفيد " قيل في بنت سبع سنين يكون ما تراه حيضاً، لقوله -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أمرههم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً»
والأمر للوجوب، والصحيح أنه استحاضة والأمر للاستحباب ليتمرنوا على الصلاة،
ويتخلقوا بها كما يؤمر المراهق بالغسل من الجماع تخلقا به، ولهذا لم يؤمر
بوضوئه، بخلاف التسع «فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بنى بعائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - وهي بنت تسع سنين» والظاهر أنه كان بعد بلوغها.
وفي " الأسبيجابي " عن أبي نصر: بنت ست لو رأت الدم من غير آفة حيض، وما
دون الست إجماع أنه ليس بحيض، وبنت ست اتفاق أنه حيض واختلفوا فيما بينهما،
وفي " المفيد " الصغيرة جداً لو جعل ذلك منها حيضاً به بالغة وتبقى أهلاً
للتكاليف الشرعية، وهي غير صالحة، وفي " المحيط ": ابنة ثنتي عشرة إذا رأت
الدم من غير داء فهو حيض عند بعضهم، وفيه الكبيرة العجوز لو رأت الدم في
مدة الحيض فهو حيض كما رأته على الدوام كان حيضاً فانقطاعه بينهما لا يمنع
حيضاً؛ لأن في إياسها به فمتي عاودها الدم كان حيضاً ولم تكن آيسة لما تبين
من عود الدم، وزوجة الخليل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حاضت
وولدت وهي بنت تسعين سنة أو ثنتي وثمانين، وزوجة زكريا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولدت يحيى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهي بنت ثمان
وتسعين سنة، وكذا روي عن ابن عباس - رض الله عنهما. والإياس المبيح
للاعتداد بالأشهر: أن لا تري الدم سن لا يحيض في مثله غالباً لا يقينا
بدليل قوله: إن ارتبتم. وقال محمد بن مقاتل الرازي قاضي بغداد: حده خمسون
سنة وما تراه بعده لا يكون حيضاً، وهو قول أبي عبد الله الزعفران، والثوري،
وابن المبارك، واختاره أبو الليث، ونصر بن يحيى، وبه قال أحمد هذا إذا لم
يحكم بإياسها، فإن حكم به ثم رأت الدم لا يكون حيضاً، قال في " المحيط ":
وهو الصحيح؛ لأن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله؛ لأنه يجوز أن يكون الدم
بعد ذلك فاسداً، وما نقل كان معجزة فلا يجود إلا على وجه الإعجاز.
وقيل: إن رأته سائلاً كما تراه في حيضها فهو حيض، وإن رأت بلة يسيرة لم يكن
حيضاً بل يكون ذلك من نتن الرحم. وقيل: إن رأته أسود أو أحمر يكون حيضاً،
وأصفر وأخضر لا يكون
(1/638)
فلا يكون حيضا،
والحيض يسقط عن الحائض الصلاة،
ويحرم عليها الصوم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيضاً، ولو اختار هذا إنساناً كان حسنا إلا في بطلان الاعتداد بالأشهر،
وقيل في حد الإياس تعتبر أقراؤها من قرابتها، وقيل: تركها لاختلاف الطبائع
باختلاف البلدات والأهوية والأزمان، ألا ترى أن النعمة تبطئ الإياس، والفقر
يسرع به. وعن محمد أنه قدره بستين سنة، وعنه في المولدات ستين سنة، وفي
الروميات بخمس وخمسين سنة؛ لأن الروميات أنعم من المولدات فكن أسرع تكسراً
من المولدات. وعن أحمد: خمسون في العجمية ستون في العربية. وعن عائشة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد خمسين سنة.
وقال صاحب " الإمام ": لم أقف على سنده.
قلت: قال ابن تيمية: رواه الدارقطني في " مسنده " عن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا -. وفي " المحيط ": أفتى عامة المشايخ بخمس وخمسين سنة وهو
أعدل الأقوال في سائر الأوقات وأقرب العادات، وفي رواية يقدر للإياس مدة،
فإذا غلب على ظنها آيسة اعتدت بالأشهر ثم رأت الدم وفي أثناء الشهور انتقض
ما مضى من عدتها وبعد تمامها لا تبطل وهو المختار، ولو أنا لم تحض قط وقد
بلغت مبلغاً تحيض أمثالها فيه غالباً يحكم بإياسها. وفي " الجامع الصغير ":
إذا بلغت ثلاثين سنة ولم تحض يحكم بإياسها.
م: (فلا يكون حيضاً) ش: نتيجة قوله: وإن كانت كبيرة ... وإلخ، وفي بعض
النسخ: بالواو ولا يكون حيضاً ويكون عطفاً على قوله: يحمل على فساد المنبت.
[ما يسقطه الحيض من العبادات]
م: (والحيض يسقط) ش: من الإسقاط م: (عن الحائض الصلاة) ش: هذا شروع في بيات
حكم الحيض الذي هو من العشرة التي ذكرناها في أول الباب. وقال السغناقي
وغيره: أي أحكام الحيض اثنا عشر، وثمانية يشترك فيها الحيض والنفاس، وأربعة
مختصة بالحيض دون النفاس.
أما الثمانية: فتترك الصلاة لا إلى قضاء، وتترك الصوم إلى قضاء، وحرمة
الدخول في المسجد، وحرمة الطواف بالبيت، وحرمة قراءة القرآن، وحرمة مس
المصحف، وحرمة جماعها، والثامن: وجوب الغسل عند انقطاع الحيض، وأما الأربعة
الخصوصة: فانقضاء العدة والاستبراء والحكم ببلوغها والفصل بين طلاقي السنة
والبدعة، فالسبعة الأولى تتعلق بروز الدم عندها وبالإحساس عند محمد،
والثامن: وهو الحكم ببلوغها معلق، والأربعة الباقية: تتعلق بانقضائه وهو
وجوب الاغتسال مع الثلاثة من الأربعة المخصوصة.
[ما يحرم على الحائض]
م: (ويحرم عليها) ش: أي على الحائض م: (الصوم) ش: فإن قلت: قال في الصلاة
تسقط، وفي الصوم يحرم لماذا من الفائدة.
قلت: إنما تسقط في الصلاة على القاضي أبي زيد، فإن عنده نفس الوجوب ثابت
على
(1/639)
وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، «لقول عائشة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانت إحدانا على عهد رسول الله - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة» ولأن في قضاء
الصلوات إحراجا لتضاعفها، ولا حرج في قضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصبي، والمجنون، والحائض لقيام الذمة الصالحة للإيجاب، ولكن يسقط بالعذر،
والمسقوط يقتضي سابقة الوجوب، وأما على قول عامة المشايخ: لا يجب فيكون
المراد من قوله: فيسقط: يمنع. وأما في الصوم فلم يقل يسقط إشارة إلى أن
الصوم يقضى، وهل هو على التراخي أم على الفور؟ ففي " المجتبى " الأصح عند
أكثر المشايخ أنه على التراخي، وعند أبي بكر الرازي على الفور، والمبتدأة
إذا رأت دماً تركت الصلاة والصوم عند أكثر مشايخ بخارى، وعن أبي حنيفة: لا
تترك حتى يستمر الدم ثلاثة أيام.
[ما تقضيه الحائض من العبادات]
م: (وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) ش: هذا فائدة الإسقاط والتحريم م: «لقول
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كانت إحدانا على عهد رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا طهرت من حيضها تقضي الصيام ولا تقضي
الصلاة» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم " من حديث معاذة بنت
عبد الله العدوية بلفظ مسلم، «قالت - يعني معاذة -: سألت عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ فقالت:
أحرورية أنت؟! قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر
بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» .
وفي رواية البخاري: «لقد كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فلا يأمرنا، أو قالت: فلا نفعله» وفي رواية لمسلم: «قد كانت
إحدانا تحيض على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم
لا نؤمر بالقضاء» ولفظ أبي داود «عن معاذة: أن امرأة سألت عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض
على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا نقضي ولا
نؤمر بالقضاء» وفي رواية «فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» .
وفي رواية للترمذي: «كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة» «عن معاذة
العدوية أن امرأة سألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أتقضي الحائض
الصلاة إذا طهرت، فقالت: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض على عهد رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نتطهر فيأمرنا بقضاء الصوم، ولا
يأمرنا بقضاء الصلاة» .
وفي رواية ابن ماجه «عن معاذة العدوية عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أن امرأة سألتها أتقضي الحائض الصلاة؟ قالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا -: أحرورية أنت؟! قد كنا نحيض عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نطهر ولم يأمرنا بقضاء الصلاة.» قولها: أحرورية
أنت؟ الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار، أي هذه طريقة الحرورية،
(1/640)
الصوم
ولا تدخل المسجد، وكذا الجنب؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فإني لا أحل
المسجد لحائض، ولا جنب» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبئست الطريقة، والحرورية طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء قرية على
ميلين من الكوفة تمد وتقصر، وكان أول اجتماعهم فيها على عهد علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، وقيل: إنها خرجت عن الجماعة وخالفت السنة كما خرج هؤلاء
عن جماعة المسلمين، وقيل: كانوا يرون على الحائض قضاء الصلاة وشددوا في
ذلك، وكانوا يتعمقون في أمور الدين حتى خرجوا منه، والسائلة أيضاً كأنها
تعمقت في سؤالها فكذلك قالت لها عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أحرورية
أنت؟
فإن قلت: وجوب القضاء يبنى على وجود الأداء في الأحكام، فكيف تخلف هذا
الحكم هاهنا. قلت: الأصل هذا، ولكنه ثبت على خلاف القياس.
م: (ولأن في قضاء الصلوات إحراجا) ش: هذا دليل عقلي لوجود الحرج م:
(لتضاعفها) ش: أي لتضاعف الصلاة؛ لأنها خمس صلوات في كل يوم وليلة م: (ولا
حرج في قضاء الصوم) ش: لأنه في السنة مرة واحدة مع انضمام النص إليه فوجب.
[ما يحرم على الحائض والجنب]
[دخول الحائض والجنب المسجد]
م: (ولا تدخل المسجد) ش: أي لا تدخل الحائض المسجد وبه قال مالك والثوري
وابن راهويه، وهو مروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وكذا
الجنب) ش: أي كالحائض لا يدخل المسجد الجنب أيضاً م: (لقوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» ش: هذا شطر
من حديث رواه أبو داود بإسناده من حديث دجاجة قالت: سمعت عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - تقول: «جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ووجوه بيوت أصحابنا شارعة في المسجد فقال: "وجهوا هذه البيوت
عن المسجد" ثم دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يصنع
القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم رخصة، فقام إليهم بعد فقال: "وجهوا هذه البيوت
عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» . وأخرجه البخاري في " تاريخه
الكبير " وفيه زيادة، وذكر بعده حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سدوا هذه الأبواب إلا باب
أبي بكر» ، ثم قال: وهذا أصح، وقال ابن القطان في "كتابه ": قال أبو محمد
عبد الحق في حديث جسرة هذا أنه لا يثبت من قبل إسناده، ولم يبين ضعفه ولست
أقول: إنه حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، لأن أبا داود يرويه عن مسدد وهو
يرويه عن عبد الواحد ابن زياد وهو ثقة لم يذكر بقدح، وعبد الحق احتج به في
غير موضع من كتابه وهو يرويه عن فليت ابن خليفة، قال أحمد: ما أرى به
بأساً، وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: شيخ.
وفليت بضم الفاء، ويقال: أفلت أيضاً وهو يروي عن جسرة بفتح الجيم وسكون
السين المهملة بنت دجاجة بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج. قال أحمد: تابعية
ثقة، وذكرها ابن حبان في "الثقات ". وقال البخاري: إن فليتا سمع من جسرة
بنت دجاجة.
(1/641)
وهو بإطلاقه حجة على الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في إباحة الدخول على وجه العبور والمرور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: قال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث، وقالوا: إن أفلت راويه مجهول لا
يصح الاحتجاج بحديثه.
قلت: قد قال المنذري: فيما قاله نظر، فإنه فليت بن خليفة ويقال: أفلت كذا
يري، ويقال: الدهلي كنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين، روى عنه سفيان
الثوري وعبد الواحد بن زياد ويؤيد هذه الرواية ما رواه ابن ماجه في "سننه "
عن أبي بكر بن أبي شيبة والطبراني في "معجمه " عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - قالت: «دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: "إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض» ".
قوله: ووجوه بيوت أصحابه: البيت أبوابها ولذلك قيل لناحية البيت التي فيها
الباب وجه الكعبة، ومعنى شارعة في المسجد مفتوحة فيه، يقال: شرعت الباب إلى
الطريق أي أنفذته إليه فالشارع الطريق الأعظم، قوله: وجهوا هذه البيوت، أي
اصرفوا وجوهها عن المسجد، يقال: وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه
إليها ووجهته إذا صرفته عن وجهها إلى جهة غيرها. قوله: رجاء أن تنزل لهم
رخصة أي لترجي بنزول الرخصة ونصبه على التعليل، وأن مصدرية محلها الجر
بالإضافة، فخرج إليهم بعد ذلك. قوله: فإني لا أحل من الإحلال من الحل الذي
هو ضد الحرام، والألف واللام في المسجد للعهد وهو مسجد النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحكم غيره مثل حكمه، ويجوز أن تكون للجنس
فيدخل فيه جميع المساجد وهو أولى.
فإن قلت: لم قدم الحائض على الجنب. قلت: للاهتمام في المنع والحرمة لأن
نجاستها أغلظ والنفساء مثل الحائض، وروى الترمذي في "جامعه " في مناقب علي
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يا علي لا يحل
لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك» وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو نعيم:
قال ضرار بن صرد: معناه لا يحل لأحد يطرقه جنباً غيري وغيرك.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (بإطلاقه) ش: يعني بكونه غير مقيد بشيء
م: (حجة على الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحة الدخول على وجه العبور
والمرور) ش: أي في إباحة دخول المسجد على وجه العبور من غير مكث، والمرور
بأن كان فيه طريق يمر فيه الناس، وبقوله قال أحمد، وعن أحمد: له المكث فيه
إن توضأ وهو خلاف قول الجمهور، ولأنه لا أثر للوضوء في الجنابة لعدم
تحريكها اتفاقاً. وعن الحسن البصري، وابن المسيب، وابن جبير، وابن دينار،
مثل قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقول المزني، وداود، وابن
المنذر: يجوز له المكث فيه مطلقا، ومثله عن زيد بن أسلم واعتبروه بالشرك بل
أولى، وتعلقوا بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المؤمن
(1/642)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا ينجس» ، قلنا: معناه لا يصير نجس العين حتى لو تلطخ بالنجاسة منع عن
الصلاة ودخول المسجد لتنجسه بمجاورة النجاسة.
وفي " شرح الوجيز " في العبور وجهان: لو خافت تلويث الدم إما لغلبة الدم،
وإما أنها لم تستوثق، فليس لها العبور صيانة له، وكذا المستحاضة ومن به سلس
البول، فإن أمنت التلويث فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز لإطلاق الحديث وأصحهما
الجواز.
واحتج الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجنب بظاهر قَوْله تَعَالَى:
{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]
(النساء: الآية 43) ، قلنا: إلا هاهنا بمعنى لا قاله أهل التفسير، ونظير
قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) والمعنى لا خطأ. وقال الزجاج:
معنى الآية: ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنبا إلا عابري سبيل أي إلا مسافرين،
قال: لأن المسافر قد يفوته الماء فخص المسافرين بذلك، وقال أبو بكر الرازي
في " أحكام القرآن ": روي علي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن
المراد بعابري السبيل المسافرين إذا لم يجدوا الماء يتيممون ويصلون به،
قال: والتيمم لا يرفع الجنابة فأبيح لهم الصلاة به تخفيفا من الله تعالى عن
المكلف.
قلت: هذا اختياره، وظاهر المذهب أن التيمم رفع الحدث إلى غاية القدرة على
استعمال الماء الكافي، ولكن لما كان يعود جنبا عند ذلك سماه جنبا باعتبار
عاقبته. وقال الزمخشري من فسر الصلاة بالمسجد مع ما بعده فمعناه لا تقربوا
المسجد جنبا إلا مجتازين فيه إذا كان الطريق إلى الماء أو كان الماء فيه،
وقول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ليس في الصلاة عبور سبيل، إنما
عبور السبيل في موضعها وهو المسجد. قلنا عبور السبيل هو السفر، ففي الصلاة
حينئذ عبور سبيل فاندفع قوله. أما إذا حملنا الصلاة على المسجد مجازاً فليس
له جواب عن قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:
43] (النساء: الآية 43) ، فإن حمل الصلاة والمسجد معاً فقد جمع بين الحقيقة
والمجاز في البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال «أقيمت
الصلاة وعدلت الصفوف قياماً فخرج إلينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم ثم
رجع فاغتسل وخرج إلينا ورأسه يقطر فكبرنا وصلينا معه» .
وقال ابن بطال في شرحه: قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا كان
الماء في المسجد يتيمم الجنب ويدخل المسجد فيخرج الماء عنه قال وهذا الحديث
يدل على خلاف قوله لأنه لما لم يلزمه التيمم للخروج كذا من المضطر إلى
المرور فيه جنب لا يحتاج إلى التيمم. قلت: هذا الحديث لم يرد في دخول
المسجد وإنما ورد في خروجه منه والخروج ضد الدخول فلا يدل عليه بوجه من
وجوه الدلالات الثلاث المطابقة والتضمن والالتزام فثبت أن الحديث لا يدخل
على إباحة الدخول بوجه
(1/643)
ولا تطوف بالبيت لأن الطواف في المسجد ولا
يأتيها زوجها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإنما يدل عليه القياس إذا لم يذكر الفرق بينهما. وقوله: وهذا الحديث يدل
على خلاف قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - من حمل مر بالفقه وأصوله وليس
في الحديث نفي التيمم بل هو مسكوت عنه فلعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تيمم
ثم خرج ولا يلزم من عدم التصريح بذكره عدم وقوعه. اختلف فيمن أجنب في
المسجد هل يخرج لوقته أو يتيمم ثم يخرج.
فإن قلت: روى سعيد بن منصور عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنا نمر
بالمسجد جنبا مجتازين، وعن عطاء قال رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلسون في المسجد وهم جنبون إذا
توضؤوا وضوء الصلاة، رواه سعيد بن منصور، ولا حجة في ذلك على جواز مكث
الجنب في المسجد ولا على جواز دخوله فيه لأنه لم ينقل أنه - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - علم ذلك منهم فأقرهم عليه.
[طواف الحائض والجنب]
م: (ولا تطوف) ش: أي الحائض م: (بالبيت) ش: أراد به الكعبة المشرفة وهو من
الأسماء الغالبة كالنجم والصعق، وكذلك الجنب لا يطوف بالبيت.
فإن قلت: عدم جواز طواف الحائض بالبيت فهم من قوله: "ولا يدخل المسجد" لأن
الطواف لا يكون إلا فيه. قلت: نعم فهم لكن بطريق الالتزام لا بطريق
المطابقة وهي الدلالة الحقيقية، وربما يختص حالة الشروع في الطواف بعد
الدخول فيحتاج إلى ذكر المنع عن الطواف قصداً.
وجواب آخر وهو أنه إنما ذكره مع ظهوره لئلا يتوهم أنه لما جاز فيهما الوقوف
مع أنه أوقى أركان الحج فإن الطواف أولى. وجواب آخر: وهو أنه لو قدر أن
الطواف لم يكن في المسجد فإنه لا يجوز مع أنه عارض لم يكن في زمان إبراهيم
الخليل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. والحاصل أن حرمة الطواف على الحائض والجنب
لدخول انتقض فيه لا لدخولهما المسجد ولهذا يجب عليهما [ ... ] .
م: (لأن الطواف في المسجد) ش: هذا تعليل لقوله: "ولا يطوف". قال الأكمل ولو
علل بقوله لأن الطواف بالبيت صلاة كان أشمل واندفع السؤال قلت: كون الطواف
بالبيت صلاة ليس بطريق الحقيقة. ولهذا يجوز محدثا.
م: (ولا يأتيها زوجها) ش: أي ولا يأتي الحائض زوجها بمعنى لا يطأها، وفيه
رعاية الأدب حيث ذكره بطريق الكناية عن الشك م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية
222)) ش: هذا نهي عن القربان في حالة الحيض فيقتضي التحريم فلا يجوز الجماع
وعليه إجماع المسلمين واليهود والمجوس خلاف النصارى. وذكر القرطبي عن مجاهد
قال: كانوا في الجاهلية يجتنبون النساء ويأتونهن في إدبارهن في مدته،
والنصارى يجامعوهن في فروجهن في زمان الحيض، والمجوس واليهود يتغالون في
تجنب الحيض وهجرانهن في مدة الحيض فأمر الله تعالى
(1/644)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالقصد بين ذلك. وقال غيره واليهود يعتزلون النساء بعد انقطاع الدم
وارتفاعه سبعة أيام اعتزالاً يفرطون فيه إلى حد أن أحدهم لو لبس ثوبه مع
ثوب امرأة لنجسوه مع ثوبه وإن ذلك من أحكام التوراة التي بأيديهن، وأن فيها
أيضا من مص عظماً أو وطئ قبراً أو حضر ميتاً عند موته فإنه يصير من النجاسة
بحال لا يتخرج له منها إلا برباد البقرة التي كان الإمام الهاد تحرقها وهذا
نص من يتداولونه.
ثم اعلم أنه لو وطئ الحائض مع العلم بالتحريم فليس عليه إلا التوبة
والاستغفار عندنا وهو قول عطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومكحول، وسعيد
بن جبير، وحماد، وربيعة ويحيى بن سعيد، وأيوب السختياني، والليث، ومالك،
والشافعي في الجديد وأحمد في رواية وحكاه الخطابي عن أكثر العلماء. وقال
بعض العلماء: تجب الكفارة ديناراً، في الإقبال ونصف في الإدبار وهو القول
القديم للشافعي. وحكي ابن المنذر عن ابن عباس وقتادة والحسن والأوزاعي
وأحمد في رواية
وإسحاق، وعن سعيد بن جبير أن عليه عتق رقبة وعن الحسن البصري أن عليه ما
على المجامع في نهار رمضان.
واحتج: من أوجب الدينار أو نصفه بحديث صفية عن مقسم بن بجرة عن ابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«إذا وقع الرجل على أهله وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار» ، رواه أبو
داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، ثم أعله البيهقي بأشياء،
منها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن عباس وأن شعبة رجع عن رفعه،
ومنها أنه روي مفصلاً، ومنها أن في سنده اضطراباً لأنه روي بدينار أو نصف
دينار على الشك، وروي يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار وروي يتصدق
بخمسي دينار وروي يتصدق بنصف دينار وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم
أو في انقطاع الدم، وروي أنه إذا كان دماً أحمر فدينار وإذا كان أصفر فنصف
دينار، وروي إن كان الدم عبيطاً فيتصدق بدينار , وإن كان أصفر فنصف دينار.
والجواب: عن ذلك كله أن الحاكم أخرجه في "مستدركه " وصححه، وكذا ابن القطان
صححه وذكر الخلال عن أبي داود أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد، وهو
ما رواه أبو داود حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم عن
عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينا أو
بنصف دينار» قيل لأحمد أتذهب؟ إليه قال: نعم، إنما هو كفارة، ولئن سلمنا أن
شعبة رجع عن رفعه، فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعاً، وعن عمرو بن قيس
الملائي، إلا أنه أسقط عبد الحميد، وكذا أخرجه من طريق النسائي، وعمر هذا
ثقة، وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعاً، وهو أيضاً أسقط عبد الحميد، ومقتضى
القواعد أن رواية الرفع أشبه بالصواب؛ لأنه زيادة ثقة.
(1/645)
وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: فعلى هذا يثبت الوجوب. قلت: يحمل على الاستحباب كما ورد عن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من ترك الجمعة بغير عذر فليتصدق
بدينار فإن لم يجد فنصف دينار» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد.
فإن قلت: ما القرينة على أن الأمر للاستحباب. قلت: التخيير بين الدينار
ونصفه إذ لا تخيير في جنس الواحد بين الأقل والأكثر وأمر أبو بكر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فيه بالاستغفار وأن لا يعود.
واحتج: من أوجب العتق بحديث ابن عباس: «جاء رجل فقال يا رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصبت امرأتي وهي حائض فأمره بعتق نسمة وقيمة
النسمة يومئذ دينار» قلنا هذا ضعيف ولئن سلمنا صحته فالأمر للاستحباب كما
ذكرنا ولا كفارة في الوطء بعد انقطاع الدم قبل الغسل عند الجميع خلافاً
لقتادة والأوزاعي وهذا كله إذا وطئ عامداً عالماً بالتحريم فإن وطئها
ناسياً أو جاهلاً به أو بأنها حائض لا شيء عليه. وقال بعض أصحاب الحديث
يجيء على قوله القديم عليه الكفارة كذا في " شرح الوجيز "، قال أبو حنيفة
وهو رواية عن أبي يوسف يجوز الاستمتاع بالحائض بما فوق السرة وما تحت
الركبة.
وتحرم المباشرة بين السرة والركبة بدون الإزار، وهو قول سعيد بن المسيب،
وسالم، والقاسم، وشريح، وطاووس، وقتادة، وسليمان بن يسار، ومالك، والشافعي
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحكاه البغوي عن أكثر العلماء. وقال محمد: يجوز
الاستمتاع بما دون السرة بلا إزار، ويجب عليه اجتناب شعار الدم وهو قول
عطاء، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأحمد، وأصبغ المالكي، وأبي ثور، وإسحاق،
وابن المنذر، وداود، واحتجوا بما روي عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى:
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية
222) ، أي فاعتزلوا نكاح فروجهن، وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اصنعوا
كل شيء إلا النكاح» ، رواه الجماعة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه: "إلا
الجماع". ولهما ما روي في "الصحيحين «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يباشرها أمرها أن تتزر ثم يباشرها» . وعن ميمونة
نحوه، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: «كان يباشر نساءه فوق الإزار؛» يعني
في الحيض، والمراد بالمباشرة التقاء البشرتين على أي وجه كان.
والجواب عن الحديث المذكور: أنه محمول على القبلة ومس الوجه واليد ونحو
ذلك، وفي " النوادر ": امرأة تحيض من دبرها لا تدع الصلاة لأنه ليس بحيض.
ويستحب الاغتسال عند انقطاعه ويستحب للزوج أن لا يأتيها.
[قراءة القرآن للحائض والجنب]
م: (وليس للحائض والجنب والنفساء قراءة القرآن) ش: على قصد القرآن دون قصد
الذكر
(1/646)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثناء، وكذلك ولا قراءة التوراة والإنجيل والزبور لأن الكل كلام الله إلا
ما بدل منها وحرف وبه قال الحسن وقتادة وعطاء وأبو العالية والنخعي والزهري
وإسحاق وأبو ثور والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في أصح قوليه، وهو
قول عمر وعلي وجابر وأبي وائل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وأباحها سعيد
بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وداود وعن ابن عباس كالمذهبين، ولو علم
الصبيان حرفاً حرفاً فلا بأس به لحاجة.
م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا تقرأ الحائض ولا
الجنب شيئاً من القرآن» ش: الحديث روي عن ابن عمر، وعن جابر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا -.
أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن
عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن» ورواه البيهقي في
"سننه " وقال: قال البخاري فما بلغني عنه إنما روى هذا إسماعيل بن عياش عن
موسى ابن عقبة، وأعرفه من حديث غيره، وإسماعيل منكر الحديث عن أهل الحجاز
وأهل العراق، ثم قال: وقد روي عن غيره عن موسي بن عقبة وليس بصحيح، وقال
ابن عرفة: هذا حديث تفرد به إسماعيل بن عياش، وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة
لا يحتج بها، قاله أحمد ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ، وقد روي هذا عن
غيره وهو ضعيف، وقال ابن أبي حاتم في "علله ": سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل
بن عياش هذا فقال: خطأ إنما هو من قول ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وقال ابن عدي في "الكامل ": هذا الإسناد لهذا الحديث، لا يروى عن غير
إسماعيل بن عياش وضعفه أحمد والبخاري وغيرهما، وصوب أبو حاتم وقفه على ابن
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وأما حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فرواه الدارقطني في "سننه " في
آخر الصلاة من حديث محمد بن الفضل عن أبيه عن طاوس عن جابر مرفوعاً نحوه،
ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بمحمد بن الفضل، وأغلظ في تضعيفه عن
البخاري والنسائي وابن معين.
فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم يبق في الحديث المذكور وجه الاستدلال في
المذهب. قلت: روي حديث صحيح في منع الجنب عن القراءة، أخرجه الأربعة من
حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة بكسر اللام عن علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يحجبه
أو لا تحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه
ابن حبان في "صحيحه " والحاكم في "المستدرك " وصححه.
قوله: لا يحجبه، ورواية أبي داود ولم يكن يحجره أو يحجزه الأول من الحجر
بالراء المهملة
(1/647)
وهو حجة على مالك في الحائض، وهو بإطلاقه
يتناول ما دون الآية فيكون حجة على الطحاوي في إباحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو المنع، والثاني بالزاي من حجزه بمعنى منعه أيضاً وكلاهما من باب نصر
ينصر.
قوله: ليس الجنابة، بمعنى غير الجنابة، وهذا الحديث يقوي الحديثين الأولين.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في
الحائض) ش: فإنه يجوزها للحائض لكونها معذورة محتاجة إلى القراءة عاجزة عن
تحصيل الطهارة بخلاف الجنب فإنه قادر عليه بالغسل والتيمم م: (وهو) ش: أي
الحديث المذكور: م: (بإطلاقه) ش: أي بعمومه وشموله م: (يتناول ما دون
الآية) ش: لأن قوله: شيئاً، نكره في سياق النفي يتناول ما دون الآية فتمنع
قراءته كالآية م: (فيكون حجة على الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في إباحته)
ش: أي في إباحة ما دون الآية.
قلت: فللطحاوي أن يقول هذا الحديث ما يثبت عندي، وعندي حديث ما يدل على ما
ذهب إليه وهو ما رواه أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مسنده " حدثنا عائذ بن
حبيب حدثني عامر بن السمط «عن أبي الغريف الهمداني قال: أنبأني علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بوضوئه فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجه ثلاثا وغسل
يديه ثلاثا، وذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثم قال: هكذا رأيت
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ ثم قرأ شيئاً من
القرآن ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية» ورواه الدارقطني
موقوفاً بغير هذا اللفظ، وفيه «ثم قرأ صدراً من القرآن، ثم قال: اقرءوا
القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابه فلا ولا حرفاً أو قال واحداً» قال
الدارقطني: هو صحيح عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
فإن قلت: كيف يساعد هذا الحديث الطحاوي.
قلت: مساعدة المرفوع ظاهرة وأما الموقوف فعليه، فإن قال الطحاوي: تمنع كون
ما دون الآية من القرآن لوجود هذا المقدار في كلام من لا يعرف القرآن من
الأعراب أصلاً مثل قوله: الحمد لله وبسم الله إلا إذا قصد الشخص به قراءة
القرآن، وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " العيون ": لا يقرأ الجنب آية
كاملة، ويجوز أقل من آية، ولو أنه قرأ الفاتحة على سبيل الدعاء أو شيئاً من
الآيات التي فيها معنى الدعاء ولم يرد به القراءة فلا بأس به. قال
الأترازي: وهو المختار. وقال الهندواني: لا أفتي بهذا وإن روي في " العيون
" وغيرها.
وأورد الحافظ بأن العزيمة لو كانت صغيرة من القرآن لكان ينبغي إذا قرأ
الفاتحة في الأوليين بنية الدعاء يجزئه، وأجاب بأنها إذا كانت في محلها لا
يتغير بالعزيمة حتى لو لم يقرأ في الأوليين فقرأ في الآخرين بنية الدعاء لا
تجزئه.
(1/648)
وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه ولا أخذ
درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته، وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه؛
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يمس القرآن إلا طاهر» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مس المصحف للمحدث والحائض والجنب]
م: (وليس لهم) ش: أي للحائض والجنب والنفساء م: (مس المصحف إلا بغلافه) ش:
وكذا مس اللوح المكتوب عليه آية من القرآن م: (ولا أخذ درهم فيه سورة من
القرآن إلا بصرته) ش: أي ولا مس الدرهم المكتوب عليه آية إلا بصرته، وأراد
بالسورة الآية من قبيل ذكر الكل وإرادة الجزء لأن السورة تشتمل على ما فوق
الآية. فإذا جعل السورة قيداً يلزم منه عدم كراهة مس الدرهم الذي عليه آية،
ومع هذا هو مكروه به، قال ابن عمر وعطاء والحسن ومجاهد وطاووس ومالك
والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشعبي وابن سيرين،
ورخص فيه سعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان والظاهرية، وحملوا قَوْله
تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (الواقعة:
الآية 79) ، على الكرام البررة، وتعلقوا بكتابة النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى هرقل، وذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه " أن سعيد بن
جبير رفع مصحفه إلى غلام وهو مجوسي ومنع الحكم بمس المصحف بباطن الكف خاصة.
م: (وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه) ش: أي لا يجوز للحائض والجنب
والنفساء مس المصحف إلا بغلافه كذلك لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف إلا
بغلافه م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا يمس المصحف
إلا طاهر) ش: هذا الحديث رواه خمسة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
الأول: عمرو بن حزم، أخرج حديث النسائي في "سننه " في كتاب الديات وأبو
داود في "المراسيل " من حديث محمد بن بكار بن بلال عن يحيى بن حمزة عن
سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن
جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات: «ولا يمس القرآن إلا طاهر» .
أورد هنا أيضاً من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة حدثنا سليمان بن
داود الخولاني حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن
جده نحوه، قال أبو داود: وهم فيه الحكم بن موسى يعني في قوله: سليمان بن
داود، وإنما هو سليمان بن أرقم، وقال النسائي: الأول أشبه بالصواب، وسليمان
بن أرقم: متروك.
وبالسند الثاني: رواه ابن حبان وقال: سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق
ثقة مأمون، وأخرجه الحاكم في "مستدركه " وقال: هو من قواعد الإسلام
والطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي في "سننهما " وأحمد في "مسنده
" وابن راهويه، وروي هذا الحديث من طرق أخرى بعضها مرسل.
الثاني: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديث الطبراني
في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في "سننهما " من حديث ابن جريج
عن سليمان بن موسى عن
(1/649)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الزهري قال: سمعت سالماً يحدث عن أبيه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لا يمس القرآن إلا طاهر» ، وسلمان بن موسى الأشدق
مختلف فيه فوثقه بعضهم، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس
بالقوي.
الثالث: حكيم بن حزام، أخرج حديثه الحاكم في "المستدرك " في كتاب الفضائل
من حديث سويد بن أبي حاتم حدثنا مطر الوراق عن حسان بن بلال «عن حكيم بن
حزام قال: لما بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر» وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه
الطبراني في "معجمه " والدارقطني ثم البيهقي من جهته في "سننهما ".
الرابع: عثمان بن أبي العاص أخرج حديثه الطبراني في "معجمه " بإسناده إلى
المغيرة بن شعبة عن عثمان بن أبي العاص أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمس القرآن إلا طاهر» .
الخامس: ثوبان أخرج حديثه علي بن عبد العزيز في "منتخبه " من حديث أبي
أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «لا يمس القرآن إلا طاهر والعمرة هي الحج الأصغر» ، وإسناده
ضعيف جداً، قلت: ولو استدل المصنف على ذلك بقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ
إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] (الواقعة: الآية 79) ، لكان أولى
وأقوى.
وقال الأكمل. فإن قلت: ما بال المصنف لم يستدل بقوله تعالى: {إِنَّهُ
لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78]
{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] فإنه ظاهر في النهي
عن مس المصحف بغير الطاهر.
قلت: لأن بعض العلماء حملوه على الكرام البررة فكان محتملاً فترك الاستدلال
به. قلت: هذا الاحتمال البعيد لا يضر الاستدلال به، لأن حمل الآية على مس
الملائكة بعيد لأنهم كلهم مطهرون، وتخصيص بعض الملائكة من بين سائر
المطهرين على خلاف الأصل مع وجود الأحاديث المذكورة.
[فروع فيما يكره للحائض والجنب]
فروع: يكره للجنب أو الحائض أن يكتب الكتاب الذي في بعض سطوره آية من]
القرآن وإن كانا لا يقرآن لأن فيه من القرآن. وفي " فتاوى أبي الليث ":
الجنب لا يكتب القرآن وإن كانت الصحيفة على الأرض ولا يضع يده عليها وإن
كان ما دون الآية، وفي " المحيط " لا بأس لهما بكتابة المصحف إذا كانت
الصحيفة على الأرض عند أبي يوسف لأنه لا يمس القرآن بيده وإنما يكتب حرفاً
فحرفاً، وليس الحرف الواحد بقرآن. وقال محمد: أحب إلي أن لا يكتب، ومشايخ
بخارى أخذوا بقول محمد، كذا في " الذخيرة " ويكره لهما أن يمسكا بكمهما ما
عليه سورة من القرآن.
وأما الأذكار فلم ير بعضهم بمسه بأساً، والأولى عند عامة المشايخ: أن لا
يمس إلا بحائل
(1/650)
ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في
حكم المس والجنابة حلت الفم دون الحدث فيفترقان في حكم القراءة وغلافه ما
يكون متجافيا عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كما في غيره.
ويكره كتاب القرآن وأسماء الله تعالى على ما يبسط ويفرش، وكتابة القرآن على
المحاريب والجدران ليست بمستحبة، ويكره كتابة سورة الإخلاص على الدراهم حين
تضرب. وفي " المفيد ": قيل لا يكره من حواشي المصحف والبياض الذي لا كتابة
عليه، وإنما المكروه مس موضع الكتابة لا غير، والصحيح منعه لأنه تبع
للقرآن، ولا بأس أن يلقن الكافر القرآن، لأنه ربما أسلم إذا عرف نجاسته
ويكره المسافرة بالقرآن إلى دار الحرب.
م: (ثم الحدث والجنابة حلا اليد فيستويان في حكم المس) ش: هذه إشارة إلى
بيان اشتراك الحدث والجنابة في حرمة المس وافتراقهما في حكم القراءة بين
صورة الاشتراك بقوله: ثم الحدث والجنابة حلا اليد - أي نزلا بها يعني ثبت
حكم الحدث والجنابة في اليد فيستوي كلاهما في حكم المس وهو حرمته للمحدث
والجنب وبين صورة الافتراق بقوله م: (والجنابة حلت الفم) ش: أي نزلت به م:
(دون الحدث) ش: يعني لم ينزل الحدث بالفم م: (فيفترقان) ش: أي الحدث
والجنابة م: (في حكم القراءة) ش: حيث جازت قراءة المحدث لأنه لم يثبت حكم
الحدث في الفم، ولهذا لا يجب غسله ويثبت حكم الجنابة فيه، ولهذا وجب غسله
فلم تجز قراءة الجنب.
فإن قلت: الحدث حل الفم أيضاً لأن المرء إذا صار محدثا يحل الحدث جميع
البدن لعدم التجزؤ، لكن الاقتصار على غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس ثبت
تعبداً. قلت: هذا حدث ضعيف، ولهذا سقط في ضمن الغسل فلا يحل الفم لأنه باطن
من وجه بخلاف الجنابة فإن حدث قوي يحل الفم لأنه ظاهر من وجه، ولهذا يجب
غسله، وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": فإن غسل الجنب فمه ليقرأ
أو يديه ليمس أو غسل المحدث يده ليمس لم تطلق القراءة ولا المس للجنب ولا
المس للمحدث هذا هو الصحيح لأن ذلك لا يتجزأ وجوداً ولا زوالاً.
م: (وغلافه) ش: أي غلاف المصحف، أشار بهذا إلى بيان الغلاف الذي يجوز مس
المصحف به لأنه قال: وكذا المحدث لا يمس المصحف إلا بغلافه، واختلف المشايخ
فيه، فقال بعضهم: هو الجلد الذي عليه، وقال بعضهم: هو الكم، وقال بعضهم: هو
الخريطة يعني الكيس الذي يوضع فيه المصحف وهو الصحيح، أشار إليه بقول:
وغلافه م: (ما يكون متجافياً عنه) ش: أي متباعداً عن المصحف وهو الكيس وأصل
مادته من الجفائف بالمد من جفا يجفو، وأصل معناه البعد والرفع، ومنه
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] (السجدة: الآية
16) ، أي
(1/651)
دون ما هو متصل به كالجلد المشرز، هو
الصحيح.
ويكره مسه بالكم هو الصحيح؛ لأنه تابع له بخلاف كتب الشريعة لأهلها، حيث
يرخص في مسكها بالكم لأن فيه ضرورة، لأنه تابع لليد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعدت عن مضاجعهم م: (دون ما هو متصل به) ش: أي بالمصحف م: (كالجلد المشرز)
ش: أي اللصوق به، فيقال: مصحف مشرز أجزاؤه أي مسد وبعضها من الشيرازة وليست
بعربية، وفي " العباب " مصحف مشرز أي مضموم الكراريس والأجزاء بعضها إلى
بعض، مضموم الطرفين، فإن لم يضم طرفاه فهو مشرش بشينين وليس مشرز مشتق من
الشيرازة وهو فارسية، والشيراز الذي يؤكل المستجد من اللبن وأصله شراز
بالتشديد قلبت أحد الراءين ياء آخر الحروف كما في قيراط وديباج أصلها قراط
ودباج بالتشديد.
م: (هو الصحيح) ش: أي المذكور وهو كون الغلاف متباعداً من المصحف هو الصحيح
لأنه منفصل عنه، ولهذا لا يدخل في بيع المصحف إلا بالذكر.
م: (ويكره مسه بالكم) ش: أي مس المصحف بكم الماس م: (هو الصحيح لأنه تابع
له) ش: أي كون مسه بالكم مكروهاً هو الصحيح، وفي " المحيط ": لا يكره مسه
بالكم عند عامة المشايخ لعدم المس باليد؛ لأن المحرم هو المس وهو اسم
للمباشرة باليد بلا حائل، ولهذا لو وقعت امرأة أجنبية في طين وردغت حل
للأجنبي أن يأخذها بيدها بحائل ثوب، وكذا لا تثبت حرمة المصاهرة بالمس
بحائل. وفي " الذخيرة " عن محمد أنه لا بأس بالمس بالكم، وقيل عنه روايتان.
م: (بخلاف كتب الشريعة لأهلها حيث يرخص لأهلها في مسها بالكم لأن فيه
ضرورة) ش: وهذا قول عامة المشايخ، وكرهه بعضهم، وفي " الذخيرة " ويكره لهم
مس كتب الفقه والتفسير والسنن لأنها لا تخلو عن آيات من القرآن، ولا بأس
بمسها بالكم بلا خلاف. وفي " الإيضاح ": يمنع الكافر عن مسه وإن اغتسل. وفي
" الفوائد الظهيرية " النظر إلى المصحف لا يكره للجنب والحائض ويكره للمحدث
كتابة القرآن عند محمد وهو قول مجاهد والشعبي وابن المبارك، وبه أخذ الفقيه
أبو الليث. قال تاج الشريعة: وعليه الفتوى. وعن أبي يوسف: لا بأس به إذا
كانت الصحفة على الأرض.
م: (لأنه تابع لليد) ش: أي لأن الكم تابع لليد، ولهذا لو بسط كمه على
النجاسة وسجد عليها لا يجوز، وكذا لو قام متخففاً أو مستقلاً على النجاسة،
وكذا لو حلف لا يجلس على الأرض فجلس على ثيابه على الأرض يحنث بخلاف كتب
الشريعة مثل كتب التفسير والحديث والفقه وما فيه ذكر الله تعالى حيث يرخص
لأهلها في مسها بالكم؛ لأن فيه ضرورة أي لأن مسها بالكم ضرورة، وهي مدفوعة
وقد ذكرناه الآن.
(1/652)
ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان لأن في
المنع تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهر حرجا بهم، وهذا هو الصحيح،
وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام لم يحل وطؤها حتى تغتسل لأن الدم
يدر تارة، وينقطع أخرى، فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[دفع المصحف إلى الصبيان المحدثين]
م: (ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان) ش: المحدثين أي لا بأس للطهارة من
يدفع المصحف إلى الصبيان المحدثين م: (لأن في المنع) ش: أي في منع دفع
المصحف إليهم م: (تضييع حفظ القرآن) ش: لأن الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر
والحفظ في الكبر كالنقش على المدر م: (وفي الأمر بالتطهر حرجاً بهم) ش: أي
في أمر الأولياء بتطهر الصبيان حرجاً بهم أي مشقة وكلفة والضمير في بهم
يرجع إلى الصبيان وأعاده الأكمل إلى الأولياء حيث حال حرج الأولياء أو
المعلمين الدافعين والأوجه ما قلنا على ما لا يخفى.
ثم اعلم أن ذكر المصنف هذه المسألة أعني دفع المصحف إلى الصبيان من أنهم
غير مخاطبين بشبهة ترد وهي أن الدافع البالغ إلى الصبي المحدث يجب أن لا
يدفع إليه كما يجب أن لا يلبس الذكر منهم الحرير وأن لا يسقيه الخمر ولا
يوجه إلى جهة القبلة في قضاء حاجة، ثم أشار إلى دفع تلك الشبهة بقوله: لأن
في المنع يضيع حفظ القرآن. أه وحاصل هذا الكلام أن كل ذلك ممنوع غير أن دفع
المصحف تعلق أمر ديني وهو حفظ القرآن [ ... ] .
م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي الذي ذكرناه من جواز دفع المصحف إلى الصبيان هو
الصحيح، واحترز به عن قول بعض المشايخ أن ذلك مكروه بناء على أن الدافع
مكلف بعدم الدفع.
[انقطاع دم الحيض لأقل من عشرة أيام]
قال أي القدوري م: (وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة أيام) ش: مثلاً انقطع
دمها لتسعة أيام ولثمانية أيام أو نحو ذلك، والحال أن هذه الأيام كانت
عادتها م: (لم يحل وطؤها حتى تغتسل) ش: أي لم يحل لزوجها أن يطأها حتى
تغتسل.
م: (لأن الدم يدر) ش: بكسر الدال وضمها أي يسيل م: (تارة وينقطع تارة أخرى
فلا بد من الاغتسال ليترجح جانب الانقطاع) ش: أي انقطاع الدم بوجود ما زاد
على زمان عادتها من مدة الاغتسال لصيرورتها من الطاهرات حقيقة. وفي "
البدرية ": إذا كانت المرأة مبتدأة أو ذات عادة فانقطع دمها على العادة أو
فوقها، أما لو انقطع إلى ما دونها يكره وطؤها إلى تمام العادة وإن اغتسلت،
وفي " المحيط ": لو انقطع مما دون العشرة ولكن بعد مضي ثلاثة أيام فاغتسلت
أو مضى عليها الوقت كره للزوج وطؤها حتى تأتي عادتها وتغتسل، أما لو انقطع
على رأس عادتها أخرت الاغتسال إلى آخر الوقت، قال الهندواني: تأخر في هذه
الحالة بطريق الاستحباب ومما دون عادتها بطريق الوجوب.
(1/653)
ولو لم تغتسل ومضى عليها أدنى وقت الصلاة
بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة حل وطؤها؛ لأن الصلاة صارت دينا في
ذمتها فطهرت حكما،
ولو انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث، لم يقربها حتى تمضي عادتها، وإن
اغتسلت؛ لأن العود في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب، وإن انقطع
الدم لعشرة أيام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو لم تغتسل) ش: أي هذه المرأة التي انقطع دمها لأقل من عشرة أيام م:
(ومضى عليها أدنى وقت الصلاة) ش: وهو قدر أن تقول فيه: الله بعد الاغتسال
عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدر أن تقول: الله أكبر م:
(بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة) ش: وهو قول الله أو الله أكبر على
الاختلاف المذكور م: (حل وطؤها لأن الصلاة صارت دينا في ذمتها) ش: لأنها
إذا أدركت من الوقت ما يسع الاغتسال والتحريمة فعليها القضاء؛ لأن
بالاغتسال يحكم بطهارتها، وإذا بقي من الوقت ما يسع فيه التحريمة فقد أدركت
جزءا من الوقت وهي طاهرة فعليها قضاء تلك الصلاة، وإن عجزت عن الأداء؛ لأن
نفس الوجوب لا يفتقر إلى القدرة على الأداء، ألا ترى أن النائم إذا استيقظ
يخاطب بالقضاء بخلاف ما إذا بقي من الوقت ما يسع فيه التحريمة والاغتسال؛
لأنه لا يحكم بطهارتها.
م: (فطهرت حكما) ش: أي من حيث الحكم لا من حيث الحقيقة لأن الشرع إذا حكم
عليها بوجوب الصلاة ولا يصح حال كونها حائضاً إذ أنه حكم بطهارتها. وفي بعض
النسخ: أو يمضي عليها وقت صلاة كامل. وقال السغناقي: فقد قلت: قوله: كامل،
إن كان صفة لوقت يجب أن يكون مرفوعاً، وإن كان صفة لصلاة يجب أن يقال:
كاملة، فلما وجهه؟ قلت: صفة لوقت وانجراره للجواز كما في: حجر صب حرب.
قلت: هذا السؤال مع جوابه لا طائل تحته؛ لأنه لم يتعين جر كامل حتى يضطر
إلى تشبيهه حجر صب حرب، وأغرب من هذا أن الأكمل أخذ هذا السؤال من السغناقي
فقال: إن كان كامل صفة للوقت كان مرفوعاً، وليس بمروي بجعل الأصل أداة
التشبيه المذكور عدم كونه مروياً، وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: أن هذا خبر
ثابت في حال النسخ، والثاني: على تقدير الثبوت هو اللفظ النبوي حتى يراعى
فيه الرواية فارفع أنت الكامل وأرح نفسك من الناقص.
م: (ولو كان انقطع الدم دون عادتها فوق الثلاث) ش: أي ثلاثة أيام م: (لم
يقربها حتى تمضي عادتها) ش: المعتادة، وذكر قوله: فوق الثلاث مستغنى عنه
لكونه خرج مخرج الغالب م: (وإن اغتسلت) ش: واصل بما قبله: م: (لأن العود)
ش: أي عود الدم م: (في العادة غالب فكان الاحتياط في الاجتناب) ش: عن
القربان.
م: (وإن انقطع الدم) ش: أي دم المرأة م: (لعشرة أيام) ش: قلت: قيد الانقطاع
مستغن
(1/654)
حل وطؤها قبل الغسل
لأن الحيض لا مزيد له على العشرة إلا أنه لا يستحب قبل الاغتسال للنهي في
القراءة بالتشديد. قال:
والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو كالدم المتوالي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عنه؛ لأن الدم إذا انقطع لعشرة أيام حل وطؤها قبل الغسل وكذا لو لم ينقطع
لكنه ذكره؛ لأنه وقع في مقابلة قوله: وإذا انقطع دم الحيض لأقل من عشرة
أيام، وأخرجه مخرج المعتادة ثم حل القربان قبل الاغتسال لتمام العشرة،
مذهبنا. وقال زفر والشافعي وأحمد ومالك وأبو ثور - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
-: لا يحل قبله وإن انقطع دمها لأكثر الحيض؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى
يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، بالتشديد أي يغتسلن. وقال
داود: لو غسلت فرجها من الدم بعد الانقطاع حل وطؤها، وعن طاوس ومجاهد: لو
توضأت حل وطؤها.
قلنا: قراءة التشديد تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الاغتسال، وقراءة التخفيف
تقتضي حرمة الوطء إلى غاية الطهر وهو انقطاع الدم، فحملنا قراءة التشديد
على ما إذا كان الانقطاع لأقل من عشرة، وقراءة التخفيف على ما إذا كان
الانقطاع لعشرة أيام رفعاً للتعارض بين القراءتين.
م: (حل وطؤها قبل الغسل، لأن الحيض لا مزيد له على العشرة) ش: أي لا زيادة
للحيض على العشرة لأنها أكثر الحيض، والمزيد مصدر بمعنى الزيادة م: (إلا
أنه) ش: استثناء من قوله: حل وطؤها والضمير في أنه للشأن م: (لا يستحب
وطؤها قبل الاغتسال للنهي في القراءة بالتشديد) ش: {حَتَّى يَطْهُرْنَ}
[البقرة: 222] لأن ظاهر النهي فيما يوجب حرمة الوطء قبل الاغتسال في
الحالين بإطلاقه، فما ذهب إليه زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
والمراد من النهي قول تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
[البقرة: 222] (البقرة: الآية 222) ، فإنه قرئ بالتشديد والتخفيف، وقد
ذكرنا الآن التوفيق بين القراءتين وفيما قلنا يكون لكل قراءة فائدة وفيما
قال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فائدة واحدة في القراءتين،
والأول أولى، غير أنا أوجبنا الغسل في الصورة الأولى، واستحسناه في الثانية
احتياطاً فيصير نظيراً لمن توضأ ثلاثا ثلاثا فإنه أولى وأحب ممن توضأ مرة
مرة.
فروع: القرآنية إذا انقطع دمها فيما دون العشرة، ولم يبق من الوقت إلا قدر
ما تغتسل يحل وطؤها قبل الاغتسال وتتزوج بغيره وتبطل رخصتها بنفس الانقطاع،
ولو أسلمت بعده تصوم وتصلي ويأتيها زوجها، ولها أن تتزوج وتنقطع الرجعة إن
كان آخر عدتها؛ لأنها خرجت من الحيض بنفس الانقطاع؛ لأن الاغتسال لا يعرض
عليها لأنها لا تخاطب بالشرائع، ولكنها لا تقرأ القرآن ما لم تغتسل؛ لأنها
بمنزلة الجنب، وهذه تدل على أن الكافرة إذا أجنبت ثم أسلمت يلزمها
الاغتسال، ولو أسلمت ثم انقطع دمها فهي والمسألة سواء.
م: (قال) ش: أي القدوري
[حكم الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الحيض]
م: (والطهر إذا تخلل بين الدمين في مدة الحيض فهو) ش: أي الطهر المتخلل
بينهما م: (كالدم المتوالي) ش: أي بحكم المتواصل؛ لأنه ليس بطهر معتبر،
صورته: مبتدأة رأت يوماً دماً وثمانية طهراً ويوماً دماً فالكل حيض؛ لأن
الطهر فاسد فيصير كله دماً، ولو
(1/655)
قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هذه إحدى
الروايات عن أبي حنفية - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ووجهه أن استيعاب الدم مدة
الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره كالنصاب في باب الزكاة. وعن أبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وقيل: هو آخر أقواله أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل، وهو
كله كالدم المتوالي؛ لأنه طهر فاسد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رأت يوماً دما وتسعة طهراً ويوما دماً لم يكن شيئاً منها حيضاً، كذا في "
المبسوط ".
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي قال المصنف م: (هذا) ش: أي هذا
المذكور م: (إحدى الروايات عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش:
والروايات عن أبي حنيفة في هذا خمسة: رواه خمسة من أصحابه، وهم: أبو يوسف،
ومحمد، وزفر، والحسن بن زياد، وعبد الله بن المبارك - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -، فروى كل واحد منهم في هذه المسألة رواية، والمذكور هو رواية
محمد عن أبي حنيفة، وأصل ذلك أن الشرط أن يكون الدم محيطاً بطرفي العشرة،
فإذا كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلاً بين الدمين، وإلا كان فاصلا
وعلى هذه الرواية لا تجوز بداية الحيض، ولا ختمه بالطهر، قال: لأن الطهر ضد
الحيض فلا يبدأ الشيء بما ضاده ولا يختم به، ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل
تبعاً لهما كما قلنا في الزكاة، وإن كمال النصاب وحده شرط لوجوب الزكاة
ونقصانه في خلال الحول لا تفرد بين هذا في المسائل كما ذكرناه الآن.
م: (ووجهه) ش: أي وجه المروي في ذلك عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- م: (أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط بالإجماع فيعتبر أوله وآخره) ش:
نتيجة عدم اشتراط استيعاب الدم مدة الحيض م: (كالنصاب في باب الزكاة) ش: أي
إذا كان الاستيعاب غير شرط فيها كمال النصاب في أول الحيض وآخره كما ذكرناه
الآن.
م: (وعن أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: الضمير:
أعني قوله: وهو يرجع إلى متعلق بكلمة عن في قوله: وعن أبي يوسف، تقديره:
والمروي عن أبي يوسف وهو مروي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا
يقال: إنه إضمار قبل الذكر؛ لأنه في حكم الملفوظ به فيبعد عن الجار المتعلق
كما عرف في موضعه.
م: (وقيل هو آخر أقواله) ش هذه جملة معترضة بين قوله: عن أبي حنيفة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبين قوله: أن الطهر، وكلمة "أن" مصدرية، والعامل
فيه متعلق كلمة "عن" والتقدير وهو رواية تثبت عن أبي حنيفة كون الطهر إذا
كان أقل من خمسة عشر يوماً غير فاصل، فإذا كان كذلك يكون قوله م: (أن
الطهر) ش: في محل الرفع لأنه فاعل، وقوله م: (إذا كان أقل من خمسة عشر
يوماً) ش: جملة ظرفية فيها معنى الشرط وقوله م: (لا يفصل) ش: جملة في محل
الرفع لأنها خبر "أن" أي لا يفصل بين الدمين م: (وهو كله كالدم المتوالي)
ش: أي المتابع والمتواصل م: (لأنه طهر فاسد
(1/656)
فيكون بمنزلة الدم والأخذ بهذا القول أيسر
وتمامه يعرف في كتاب الحيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيكون بمنزلة الدم) ش: المستمر؛ لأن أقل مدة الطهر خمسة عشر يوماً، صورته:
مبتدأة رأت يوما دماً وأربعة عشر يوماً طهراً، ويوماً دماً فالعشرة من أول
ما رأت عند أبي يوسف حيض يحكم ببلوغها به، وكذلك إذا رأت يوماً دماً وتسعة
طهراً ويوماً دماً، والطهر إذا كان بخمسة عشر يوما فصاعدا يكون فاصلا لكنه
لا يتصور ذلك إلا في مدة النفاس؛ لأن أكثر الحيض عشرة م: (والأخذ بهذا
القول) ش: أي الأخذ بقول أبي يوسف م: (أيسر) ش: على المفتي والمستفتي؛ لأن
في قول محمد تفاصيل يشق ضبطها خصوصاً على الحيض القاصرات العقل م: (وتمامه
يعرف في كتاب الحيض) ش: أي تمام ما ذكر من قوله هذا إحدى الروايات يعرف في
كتاب الحيض لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسنبين ذلك بتوفيق الله تعالى. وقد
قلنا: إن الروايات عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خمسة؛ وقد ذكر المصنف
قولين وبقيت ثلاثة:
الأول: قول زفر فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها إذا
رأت في طرفي العشرة ثلاثة أيام دما فهي حيض وإلا فلا؛ لأن الطهر يجعل دما
تبعا للدمين فلا بد من أن يكون من أنفسهما صالحين للحيض في وقت الحيض،
وعبارة " المحيط ": قال زفر: وهو رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أنه إذا رأت أقل الحيض في العشرة يحصل حيضا، ولا عبرة بالطهر في العشرة حتى
لو رأت يوما في أولها ويومين في آخرها دما وطهرا بينهما كان الكل حيضا،
وكذا يومين في أولها ويوما في آخرها، وأما لو كانت رأت يوما في ألها ويوما
في آخرها فلا، وكذا أقل منهما وإن رأت يوماً في أولها ويوماً في آخرها
ويوماً متخللا بين أيام طهرها فهو حيض.
الثاني: قول الحسن بن زيادة فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فكان
كله كالدم المتوالي، فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام ولياليها كان فاصلاً، على
كل حال، مثاله: مبتدأة رأت يوماً دما ويومين طهراً ويوماً دماً فالأربعة
حيض، وكذا لو رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعة طهرا، وساعة دما فالكل
حيض، فإن رأت يومين دما وثلاثة أيام طهراً ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا
على قوله؛ لأن الطهر المتخلل ثلاثة أيام، وإن رأت ثلاثة دما وثلاثة طهراً
وثلاثة دما فالحيض عنده الثلاثة الأول؛ لأنه أسرعهما إمكانا.
الثالث: قول ابن المبارك، فإنه روى عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أن المروي في أكثر الحيض إذا كان مثل أقله فالطهر المتخلل لا يكون فاصلاً،
وإن لم يكن شيء منه حيضا، مثاله: لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما
لم يكن شيء منه حيضا على هذه الرواية؛ لأن المروي من الدم دون الثلاث، ولو
رأت يومين دما وسبعة طهرا أو يوما دما وسبعة طهرا ويومين دما فالعشرة حيض.
فهذه الروايات الخمسة المروية عن أبي حنيفة.
(1/657)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المبسوط ": اختلف المشايخ في فصل هذه الجملة على قول محمد وهو أنه
إذا اجتمع طهران معتبران وصار أحدهما لإحاطة الدم بطرفيه واستوائه كالدم
المتوالي، ثم هل يتعدى حكمه إلى الطهر الآخر، قال أبو زيد: يتعدى، وقال أبو
سهل الغزالي: لا يتعدى، وهو الأصح ذكره في " المحيط ". بيان ذلك: مبتدأة
رأت يوماً دما وثلاثة طهرا، ويوما دما فعلى قول أبي زيد العشرة كلها حيض،
عند محمد، وعلى قول أبي سهل: حيضها السبعة الأولى، ولو رأت يوما دما وثلاثة
طهرا ويومين دما وثلاثة طهرا، ويوما دما، على قول أبي زيد: العشرة حيض
لاستواء الدم والطهر، وعلى قول أبي سهل حيضها الستة الأخيرة [ ... ] ، وإن
رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم، فعلى
قول أبي زيد يحسب يوماً [من] أول الاستمرار إلى ما سبق، فتكون العشرة كلها
حيض، وعلى قول أبي سهل حيضا عشرة بعد اليوم، والثلاثة الأولى أولى
بالاستمرار [
] حيض، ولو رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها
الدم فعلى قول أبي زيد حيضها من أول ما رأت فيكون أول يوم من الاستمرار من
جملة حيضها، وبه تتم العشرة، وعلى قول أبي سهل: حيضها ستة أيام من أول ما
رأت فلا يكون من أول الاستمرار حيضا، وكذلك لو رأت يوماً دما وثلاثة طهرا
أو يومين دما وثلاثة طهرا ثم استمر بها الدم.
وفي " المحيط ": رأت يوما دما، ويوما طهرا، ويوما دما فالثلاثة حيض عند
الكل إلا زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الطهر قاض عن ثلاثة أيام فلم يفصل،
وعند زفر: الدم قاض يتبعه فلا يتبع غيره. ولو رأت يومين دما وخمسة طهرا
وثلاثة دما فالعشرة حيض عند الكل إلا الحسن فإن عنده الثلاثة حيض، واليومان
استحاضة؛ لأنه وجد الفاصل عنده، وكذا لو رأت يوماً دما وثلاثة طهراً ويومين
دماً فالستة حيض؛ لأنهما ثلثاه فلا يصير الطهر فاصلا بين الدمين عندهم
وغيره ليس بشيء من ذلك بحيض لوجود الفاصل بينهما، أو لو رأت يوماً دماً
وثلاثة طهراً ويوماً دما لم يكن شيء منه حيضا عند محمد وزفر والحسن، أما
عند محمد فلأن الطهر ثلاثة أيام وهو غالب على الدمين فصار فاصلاً، وكذا عند
الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد وجد الفاصل، وعند زفر لم يوجد الصالح للحيض.
ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا ويوما دما، فعند محمد والحسن الثلاثة الأولى
حيض؛ لأن الطهر أكثر من الدمين فيفصل بينهما لوجود الفاصل واليوم الأخير
استحاضة، وكذلك لو رأت يوماً دما وستة طهرا وثلاثة دما فالثلاثة الأخيرة
حيض عندهما وعند الكل حيض في المسألتين. ولو رأت ثلاثة دما وستة طهرا
وثلاثة دما فالثلاثة حيض عندهما؛ لأن عدد الدمين في العشرة أربعة وعدد
الطهر ستة فيكون الطهر أكثر فيفصل بينهما، والثلاثة الأخيرة استحاضة؛ لأنه
لم يتخلل بين الدمين طهر صحيح، وعند الحسن وجد الطهر الصحيح لكن الطرف
الأخير لا
(1/658)
وأقل الطهر خمسة عشر يوما، هكذا نقل عن
إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصلح للحيض، ولو كان يصلح لكان أولى؛ لأنه أسرعهما إمكاناً، وعندهما العشرة
من أول ما رأت حيض والباقي استحاضة.
وقال تاج الشريعة في الأقوال الستة: صورة تجمع هذه الأقوال الستة: مبتدأة
رأت يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما وثمانية طهرا ويوما دما وسبعة
طهرا، ويومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما ويومين طهرا ويومين دما فهذه خمسة
وأربعون يوما، فالعشرة الأولى والرابعة حيض عند أبي يوسف، وأبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لقصور الطهر عن خمسة عشر يوما هو كالدم المتوالي
عندهما، وجواز بداءة الحيض وختمه به عندهما، والعشرة بعد الطهر الأول حيض
في رواية محمد لإحاطة الدم بطرفيه في العشرة، والعشرة بعد الطهر الثالث حيض
عنده فيحسب. وعند الحسن الأربعة الأخيرة حيض لقصور الطهر فيها من الثلاثة.
[أقل الطهر]
م: (وأقل الطهر خمسة عشر يوماً) ش: أي الطهر الذي يكون بين الحيضتين، وبه
قال الثوري والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قال ابن المنذر: ذكر
أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه فيما يعلم، وفي " المهذب ": لا أعرف فيه
خلافاً. وقال الكامل: أقل الطهر خمسة عشر يوماً بالإجماع ونحوه في "
التهذيب "، وقال القاضي أبو الطيب: أجمع الناس على أن أقل الطهر خمسة عشر
يوماً، قال النووي - رحمه لله -: دعوى الإجماع غير صحيحة؛ لأن الخلاف فيه
بين العلماء مشهور، فإن أحمد وإسحاق أنكرا التحديد في الطهر فأول أحمد
الطهر بين الحيضتين على ما يكون. وقال إسحاق: توقيتهم الطهر، بخمسة عشر
يوماً غير صحيح، وقال ابن عبد البر: أما أقل الطهر، فقد اختلف فيه قول مالك
وأصحابه، فروى أبو القاسم عنه عشرة أيام، وروى أيضاً عنه ثمانية أيام، وهو
قول سحنون، وقال عبد الملك بن الماجشون أقل الطهر خمسة أيام وهو رواية عن
مالك.
م: (وهكذا نقل عن إبراهيم النخعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ليس هذا موجود
في الكتب المتعلقة بنفس الأحاديث والأخبار، وقال بعض الشراح: الظاهر أنه
سمع من الصحابي، وهو سمع من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
لأن منصبه أجل عن الكذب. قلت: هذا يسلم إذا ثبت النقل عنه، وقال الأكمل:
الظاهر أنه منقول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قلت:
هذا أيضاً إنما يصح إذا ثبت عنه أولاً، ولم يثبت، فكيف يقال: الظاهر أنه
منقول؟ وهذا مثل ما يقال: اثبت العرش ثم انقشه.
واحتج بعض أصحابنا في ذلك بما روى أبو طوالة عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وجعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر وأقل ما بين
الحيضتين خمسة عشر يوماً» وفيه كلام. ومثله عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب عن
(1/659)
وأنه لا يعرف إلا توقيفا ولا غاية لأكثره؛
لأنه يمتد إلى سنة وسنتين فلا يتقدر بتقدير إلا إذا استمر بها الدم، فاحتيج
إلى نصب العادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي داود النخعي
ذكره في " الإمام " وتكلم في أبي داود. وفي " المحيط ": أنه قال: أقام
الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام الطهر والحيض، وما أضيف إلى شيئين ينقسم
عليهما نصفين فينبغي أن يكون نصف الشهر في حق الآيسة والصغيرة مقام حيضة
ونصف طهر إلا أنه قام الدليل على نقصان الحيض عن النصف فيبقى الطهر على
ظاهر القسمة، وهذا الاستدلال منقول عن أبي منصور الماتريدي.
وفي " المبسوط ": مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إنها تعيد ما كان
ساقطا من الصوم والصلاة ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض ثلاثة أيام اعتباراً
بأقل مدة السفر، فإن كلاً منهما يؤثر في الصوم والصلاة، وفي كل واحد منهما
نظر لا يخفى.
م: (وأنه) ش: أي وأن كون أقل الطهر خمسة عشر يوماً م: (لا يعرف إلا
توقيفاً) ش: أي من حيث التوقيف على السماع، لأن المقدرات لا اهتداء للعقل
فيها م: (ولا غاية لأكثره) ش: أي لأكثر الطهر، ومعناه أنه تصلي وتصوم ما
ترى الطهر وإن استغرق عمرها م: (لأنه) ش: أي لأن الطهر م: (يمتد إلى سنة
وسنتين) ش: ومن النساء من تحيض في الشهر مرة ومرتين، ومنهن من تحيض في
شهرين مرة م: (فلا يتقدر بتقدير) ش: لأنه لا يدخل تحت الضبط م: (إلا إذا
استمر بها الدم) ش: استثناء من قوله: فلا يتقدر بتقدير، يعني في وقت
استمرار الدم بما له غاية.
م: (فاحتيج إلى نصب العادة) ش: أي فاحتيج عند الاستمرار إلى نصب العادة
فتكون له عادة عند ذلك عند عامة العلماء خلافا لأبي عصمة سعد بن معاذ
المروزي وأبي حازم القاضي فإنه لا غاية لأكثره عندهما على الإطلاق لأن نصب
المقادير بالسماع ولا سماع هاهنا وعلى هذا إذا بلغت امرأة فرأت عشرة دماً
وسنة أو سنتين طهراً ثم استمر بها الدم فعندهما طهرها ما رأت، وحيضها عشرة
أيام تدع الصلاة في أول زمان الاستمرار عشرة أيام وتصلي سنة أو سنتين، فإن
طلقها زوجها تنقض عدتها بثلاث سنين أو ست سنين وثلاثين يوماً.
وأما العامة فاختلفوا في المقادير، فقال محمد بن شجاع: طهرها تسعة عشر
يوماً، لأن أكثر الحيض في كل شهر عشرة والباقي طهره تسعة عشر بيقين.
وقال محمد بن سلمة: طهرها سبعة وعشرون يوماً فما دونها لأن أقل الحيض ثلاثة
أيام فيرفع عن كل شهر فيبقى سبعة وعشرون يوماً.
وقال محمد بن إبراهيم الميداني: طهرها ستة أشهر إلا ساعة وعليه الأكثر، لأن
أقل المدة التي يرتفع الحيض فيها ستة أشهر، وهو أقل مدة الحمل إلا أن ما
عليه الأصل أن مدة الطهر أقل
(1/660)
ويعرف ذلك في كتاب الحيض،
ودم الاستحاضة كالرعاف لا يمنع الصوم ولا الصلاة ولا الوطء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من مدة الحمل فنقص منه شيء يسير وهو ساعة فتقضي عدتها بتسعة عشر شهرا إلا
ثلاث ساعات لجواز أن يكون وقوع الطلاق عليها في حالة الحيض فيحتاج إلى
ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وكل حيض عشرة أيام.
وقال الحاكم الشهيد: طهرها شهران، وهو راية ابن سماعة عن محمد، لأن العادة
مأخوذة من المعاودة والحيض والطهر ما يتكرر في الشهرين عادة، إذ الغالب أن
النساء يحضن في كل شهر مرة فإذا طهرت شهرين فقد طهرت في أيام عادتها،
والعادة تنتقل بمرتين فصار ذلك الطهر عادة لها فوجب التقدير به وهو اختيار
أبي سهل.
قال الإمام برهان الدين عمر بن علي: الفتوى على قول الحاكم الشهيد لأنه
أيسر على المفتي والنساء، وقال ابن مقاتل الرازي وأبو علي الدقاق: تقدر
طهرها بنصب العادة سبعة وخمسين يوما لأنه إذا زاد على ذلك لم يبق في
الشهرين ما يحصل حيضاً فتنصف هو بالكثرة.
وقال الزعفراني: أكثر الطهر في حقها مقدر بسبعة وعشرين يوماً؛ لأن الشهر في
الغالب يشتمل على الحيض والطهر، وأقل الحيض ثلاثة أيام فيبقى الطهر سبعة
وعشرين يوماً، حتى لو رأت مبتدأة عشرة دما وستة طهراً ثم استمر بها الدم،
فعند أبي عصمة تدع من أول الاستمرار عشرة وتصلي سنة، هكذا أدامها إذ لا
غاية للطهر عنده.
وقال في " الخلاصة ": أكثر مدة الطهر الذي يصلح لنصب العادة شهر كامل، وهو
الذي ذكرناه في حق العادة. أما في حق سائر الأحكام لم يقدر الطهر بشيء
بالاتفاق، بل تجتنب أبداً ما تجتنبه الحائض من قراءة القرآن ومسه ودخول
المسجد ونحو ذلك، ولا يأتيها زوجها وتغتسل لكل صلاة فتصلي به الفرض والوتر
وتقرأ فيهما قدر ما تجوز به الصلاة ولا تزيد، وقيل: تقرأ الفاتحة وسورة
لأنهما واجبتان، وإن حجت تطوف طواف الزيارة لأنه ركن ثم تعيد بعد عشرة أيام
وتطوف للصدر لأنه واجب وتصوم شهر رمضان لاحتمال أنها طاهرة ثم تقضي خمسة
وعشرين يوماً لاحتمال أنها حاضت في رمضان خمسة عشر يوماً خمسة عشر في أوله
وخمسة في آخره وبالعكس ولا يتصور حيضها في شهر واحد أكثر من ذلك، ثم يحتمل
أنها حاضت في القضاء عشرة فيسلم في خمسة عشر بيقين.
م: (ويعرف ذلك في كتاب "الحيض") ش: لما كان الأقوال في المسألة المذكورة
كثيرة قال: ويعرف ذلك في "كتاب الحيض" الذي صنفه محمد بن الحسن كتاباً
مستقلاً في أحكام الحيض.
[حكم دم الاستحاضة]
م: (ودم الاستحاضة كالرعاف الدائم لا يمنع الصلاة ولا يمنع الصوم ولا
الوطء) ش: أي ولا يمنع وطء الزوج إياها أيضاً وهو قول أكثر العلماء، ونقله
ابن المنذر في " الإشراف " عن ابن عباس
(1/661)
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «توضئي
وصلي وإن قطر الدم على الحصير»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وابن المسيب وعطاء وسعيد بن جبير وقتادة وحماد بن أبي سليمان وبكر بن عبد
الله المزني والثوري وإسحاق وأبي ثور، وقال ابن المنذر: وبه أقول، وحكي عن
عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - والنخعي والحكم وابن سيرين منع ذلك، وقال
البيهقي وغيره: إن تفصيل المنع عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ليس
بصحيح عنها بل هو قول الشعبي أدرجه بعض الرواة في حديثها. وقال أحمد: لا
يجوز الوطء إلا إذا خاف العنت، وفي رواية: لا يأتيها زوجها إلا أن يطول،
واحتجوا بأن دم الاستحاضة كالحيض حتى يجب غسله من البدن والثوب والمنع في
الحيض بمعنى الأذى وهو موجود فيها فأشبهت الحائض.
واحتج المصنف لنا ولمن وافقونا بحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وهو
قوله: م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «توضئي وصلي وإن
قطر الدم على الحصير» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في "سننه " من حديث
وكيع عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن عروة بين الزبير عن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله إني امرأة مستحاضة فلا
أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليس بالحيض اجتنبي الصلاة أيام
حيضك ثم اغتسلي وصلي وتوضئي لكل صلاة وإن قطر الدم» . وكذا أخرجه أحمد في
"مسنده " وأخرجه أبو داود ولكن لم يقل فيه: «وإن قطر الدم على الحصير» ولم
ينسب عروة فيه كما نسبه ابن ماجه بأن عروة بن الزبير، وأصحاب الأطراف لم
يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير وإنما ذكروه في ترجمة عروة المزني، معتمدين
في ذلك على قول ابن المديني أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع عن عروة بن
الزبير، ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة والبزار في "مسانيدهم "
ولم ينسبوا عروة.
ولكن ابن ماجه والبزار أخرجاه في ترجمة ابن الزبير عن عائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - وفي لفظ لابن أبي شيبة بهذا الإسناد أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تصلي المستحاضة وإن قطر الدم على
الحصير» ، ورواه الدارقطني في "سننه "، وقال عروة بن الزبير في بعض ألفاظه،
وضعف الحديث. قال: وزعم سفيان الثوري أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة
بن الزبير ثم نقل عن أبي داود أنه ضعفه بأشياء منها أن حفص بن غياث رواه عن
الأعمش فوقفه على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وأنكر أن يكون مرفوعاً.
ووقفه أيضاً أسباط بن محمد عن الأعمش أيضاً رواه مرفوعاً أوله،
(1/662)
وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء
بنتيجة الإجماع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأنكر أن يكون عنه الوضوء عند كل صلاة، وبأن الزهري رواه عن عروة عن عائشة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وقال فيه: وكانت تغتسل لكل صلاة. قلت: حاصل
الكلام أن قصدهم إبطال احتجاج الحنفية فيما ذهبوا إليه بهذا الحديث، ولكن
لا يمشي هذا منهم لأنهم تعلقوا في هذا بأمور:
الأول: أنهم قالوا: ليس فيه وإن قطر الدم على الحصير، الجواب عنه: أنه ثبت
ذلك في رواية ابن أبي شيبة وفي رواية الدارقطني أيضاً.
الثاني: قالوا: إن عروة لم ينسبه إلا ابن ماجه، والجواب عنه أن الدارقطني
نسبه في رواية، وكذلك البزار في رواية.
الثالث: قالوا: إن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير، الجواب
عنه: أن أبا عمر قال: وحبيب لا شك أنه أدرك عروة، وقد روى عنه أبو داود في
كتاب "السنن "، وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حديثا صحيحاً، وهذا أشد تظاهراً على أن حبيبا سمع
من عروة، وهو مثبت فيقدم على من ينفي، وأيضا حبيب لا ينكر لقاءه بعروة
لروايته عمن هو أكبر من عروة وأجل وأقدم ثبوتا.
الرابع: قالوا أنه موقوف، والجواب عنه إن كان هاهنا قد روي موقوفا من جهات
ثقات مثل وكيع ومثله، فقد رواه أيضاً ثقات كرواية وكيع مرفوعاً عن الأعمش
مثل الجريري وسعيد بن محمد الوراق وعبد الله بن نمير فهؤلاء كبار رووا عن
الأعمش الرفع فوجب على مذهب الفقهاء، وأصل الأصول ترجيح روايتهم لأنها
زيادة ثقة ويحمل رواية من وقفه على عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها
سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فروته مرة، وقالت به
مرة أخرى.
م: (وإذا عرف حكم الصلاة ثبت حكم الصوم والوطء بنتيجة الإجماع) ش: هذا جواب
عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: إنكم قلتم أن دم الاستحاضة لا يمنع الصلاة
الصوم والوطء،، ودليلكم لا يدل إلا على أحكام الصلاة فقط، فأجاب عنه بأن
حكم الصلاة وهو جوازها مع سيلان دم الاستحاضة إذا عرف فإنه كالعدم في حكم
الصلاة مع المنافاة الثابتة بينهما لكونه منافيا للطهارة التي هي شرط
الصلاة يثبت حكم الصوم والوطء مع عدم المنافاة بينهما وبينه وذلك أن الصوم
نقيضه الفطر لا الدم، والوطء نقيضه تركه لا الدم.
وقال المصنف: ثبوت حكم الصوم والوطء نتيجة الإجماع. وقال صاحب " الدراية "
مثله ثم قال: فإن الإجماع على أن دم العرق لا يمنع الصلاة والصوم والوطء
بخلاف دم الرحم فإنه يمنع منها، فكما لم يمنع هذا الدم الصلاة على أنه دم
عرق فلا يمنع الصوم والوطء بدلالة الإجماع.
(1/663)
ولو زاد الدم على عشرة أيام ولها عادة
معروفة دونها ردت إلى أيام عادتها والذي زاد استحاضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الكافي " تفسير نتيجة الإجماع بدلالة غير صحيح لفظاً لا معنى،
والتفسير بالحكم أشد إطباقاً، وقال الشيخ عبد العزيز - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
قد يجوز أنه نتيجة من حيث إن دلالة النص أو الإجماع لا يكون إلا به،
ومستحيل أن يثب قبله فكأنها نتيجة والنص والإجماع أصل، ولو فسرت بالحكم
لأوهم أن دلالة النص أو الإجماع لا تكون إلا لذلك فلذلك فسرت بالدلالة.
قلت: حكم الصلاة لم يثبت ابتداء بالإجماع، وإنما يثبت بالنص، فكيف يكون حكم
الصوم والوطء بدلالة الإجماع مع أنه ورد خبر صحيح بجواز وطء المستحاضة،
ورواه أبو داود وغيره من حديث عكرمة عن حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة
وكان زوجها يغشاها، وفي لفظ له قال: كانت أم حبيش مستحاضة وكان زوجها
يغشاها، ورواه البيهقي وغيره، وزوج حمنة طلحة بن عبد الله.
م: (ولو زاد الدم على عشرة أيام) ش: التي أكثر الحيض فالمرأة لا تخلو إما
أن تكون معتادة أو مبتدأة أو مختلفة العادة، وأشار إلى القسم الأول بقوله:
(ولها عادة معروفة دونها) ش: أي دون العشرة بأن كانت عادتها ستة أيام أو
سبعة أيام أو ثمانية أيام أو تسعة أيام فزاد الدم على عادتها وعلى العشرة
أيضاً م: (ردت إلى أيام عادتها) ش: باتفاق أصحابنا فيكون الحيض أيام عادتها
وما زاد على عادتها المعروفة إلى ما فوق العشرة إلى أن ينتهي يكون استحاضة
وهو معنى قوله: م: (والذي زاد) ش: يعني على العادة المعروفة م: (استحاضة)
ش: فيصير حكمها حكم المستحاضات.
وأما إذا زاد على عادتها المعروفة دون العشرة فقد اختلف فيه المشايخ، فذهب
أئمة بلخ إلى أنها تؤمر بالاغتسال والصلاة لأن حال الزيادة مترددة بين
الحيض والاستحاضة لأنه إذا انقطع الدم قبل العشرة كان حيضا وإن جاوز العشرة
كان استحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد.
وقال مشايخ بخارى: لا تؤمر بالاغتسال والصلاة لأنا عرفناها حائضا بيقين،
ودليل بقاء الحيض وهو رؤية الدم قائم فلا تؤمر حتى يتبين أمرها، فإن جاوز
العشرة أمرت بقضاء ما تركت من الصلاة بعد أيام عادتها. وفي " المجتبي ":
وهو الصحيح.
وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما زاد على عادتها يميز باللون.
فإن كان أسود غليظا أو أحمر غليظا أو أحمر خالصا يجعل حيضها ولا عبرة
للأيام، وإن لم يكن أسود كان دم الاستحاضة، وإن لم يكن التمييز باللون بأن
لم يكن أسود خالصا أو أحمر خالصا بل يشبه كلاهما فحينئذ تعتبر الأيام فترد
إلى أيامها.
وفي " الحلية ": معتادة تميز وهي التي ترى في بعض الأيام دماً أسود، وفي
بعضها دماً أحمر وجاوز الدم الأكثر فحيضها الأسود لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دم الحيض أسود» فهذا يبقى بظاهره كون غيره
(1/664)
لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة
تدع الصلاة أيام أقرائها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيضاً.
وقال ابن حبان والإصطخري: تقدم العادة على المتميز، وقال مالك: الاعتبار
للمتميز لا العادة، فإن لم يكن لها تمييزا استظهرت بقدر زمان العادة بثلاثة
أيام إلى أن تجاوز خمسة عشر، وإن كانت غير مميزة فحيضها أيام عادتها.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تدع الصلاة
أيام أقرائها» ش: هذا الحديث روي عن جد عدي بن ثابت وعائشة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - وأم سلمة وسودة بنت زمعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
أما حديث جد عدي فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث شريك عن أبي
اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي» قال
الترمذي: هذا حديث تفرد به شريك عن أبي اليقظان، قال: وسألت محمداً يعني
البخاري عن هذا الحديث، فقلت له: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، جد عدي ما
اسمه؟ فلم يعرفه، وذكرت له قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به.
وقال أبو داود: حديث عدي بن ثابت هذا ضعيف لا يصح، ورواه أبو اليقظان عن
عدي ابن ثابت عن أبيه عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وشريك هذا هو ابن
عبد الله النخعي الكرخي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد، وأبو اليقظان اسمه
عثمان بن عمر الكوفي ولا يحتج بحديثه.
قلت: قال أبو نعيم: وقال غير يحيى: أن جد عدي اسمه قيس الخطي، وقيل لا يعرف
من جده، وذكر ابن حبان في " الثقات ": أن ثابتا هو ابن عدي بن عدي أخي
البراء بن عازب، وعن يحيى بن معين قال: شريك صدوق ثقة، وقال أحمد بن عبد
الله العجلي: كوفي ثقة.
وأما حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في "معجمه
الصغير " من حديث يزيد ابن هارون أخبرنا أيوب أبو العلاء عن عبد الله بن
شبرمة القاضي عن قمراء امرأة مسروق عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في المستحاضة: «تدع
الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل مرة ثم تتوضأ إلى مثل أيام أقرائها» ، ورواه
ابن حبان في "صحيحه " من حديث أبي عوانة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عن المستحاضة فقال: «تدع
(1/665)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة» ". وأما
حديث أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الدارقطني في "سننه " من
حديث معلى بن أسد أخبرنا وهيب حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار «أن فاطمة بنت
أبي حبيش استحيضت فأمرت أم سلمة أن تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستدفر
بثوب وتصلي» وقال الدارقطني: رواته كلهم ثقات، ورواه ابن أبي شيبة في
"مسنده " حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حجاج عن نافع «عن سليمان بن يسار أن
امرأته أتت أم سلمة لكي تسأل لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عن المستحاضة فقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "تدع
الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستثفر بثوب وتتوضأ لكل صلاة وتصلي إلى مثل
ذلك» انتهى. وهذه المرأة هي فاطمة بنت أبي حبيش يفسره رواية الدارقطني
المذكورة. وأما حديث سودة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فرواه الطبراني في
"معجمه الأوسط " من حديث الحكم بن عتيبة عن أبي جعفر عن سودة بنت زمعة
قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة
تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ
لكل صلاة» ".
قوله: تدع: أي تترك، والأقراء: جمع قرء بمعنى الحيض. قوله: تستثفر: أي تسد
فرجها بثوب وهو مأخوذ من ثفر الدابة التي تجعل تحت دنها. وقوله: تستدفر من
الدفر وهو الرائحة، ومعناه تستعمل طيباً في الثوب تزيل به الرائحة، وقد
يسمى الثوب طيباً، لأنه يقوم مقام الطيب.
وأصح ما روي في هذا الباب ما روى أبو داود أخبرنا عبد الله بن مسلم عن مالك
عن نافع عن سليمان بن يسار «عن أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زوج
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن امرأة كانت تهراق الدم على
عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستفتت لها أم سلمة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فقال: "لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن
يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل
ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل [فيه» ، رواه مالك في "موطئه "
(1/666)
ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على
العشرة فيلحق به
وإن ابتدأت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والشافعي في "مسنده " وأحمد في "مسنده " والنسائي في "سننه " بأسانيد صحيحة
على شرط البخاري ومسلم وقد مر في أول الباب بما فيه من المعاني والأحكام.
م: (ولأن الزائد على العادة يجانس ما زاد على العشرة فيلحق به) ش: هذا دليل
آخر تقديره أن يقال: الزائد على العادة يجانس الدم الذي يدل على العشرة من
حيث الندرة ومن حيث كونه زائداً على العادة المعروفة ولا يجانس الواقع
المعروف إلا من وجه واحد وهو أنهما وقعا في المدة الأصلية للحيض وهي العشرة
فكان إلحاقها لما وقع خارج العشرة أولى، وهو معنى قوله: فيلحق أي يلحق
بالزائد على العشرة.
وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر عندي لأن للقائل أن يقول: كما أن
النجاسة حاصلة بين الزائدتين فكذلك حاصلة بين ما رأت في معرفتها وبين
الزائد إلى العشرة لأن كل واحد منهما في مدة الحيض لا بل المجانسة هنا أكثر
لأن أحد الزائدين في مدة الحيض والآخر في غيرها.
قلت: لو تأمل الأترازي في هذا وقدح فكره لم يقل: في هذا التعليل نظر عندي
والتأمل فيه يحدث عن هذا النظر بما قررناه الآن. وقال الأكمل وعورض فإن
الزائد على العادة يمكن أن يكون حيضا بخلاف الزائد على العشرة فإنهما
يتجانسان.
قلت: هذا الذي ذكره سأله صاحب " الدراية " بقوله فإن قيل: الزائد على
العشرة لا يمكن أن يكون حيضاً والزائد على العادة يمكن أن يكون حيضاً فكيف
يتجانسان ثم أجاب بقوله:
قلت: في مسألتنا لا يمكن أن يكون عليها حيضاً لأن ما زاد على العشرة
استحاضة بيقين، وأما في أيام حيضها حيض يقينا، ففيما زاد إلى تمام العشرة
إن ألحقناه بما بعده كان استحاضة، وإن ألحقناه بما قبله كان حيضا فوقع الشك
في كونه حيضا فلا تترك الصلاة بالشك لأن وجوب الصلاة كان ثابتا بيقين فلا
تترك إلا بيقين فحينئذ يتجانسان من حيث عدم منع الصلاة.
وجواب الأكمل غير هذا، وملخصه أن التجانس بين الزائد من الوجهين وبين
الزائد والعادة من وجه فكان الأول أولى، وهذا محصل بما قررناه أولاً. وقال
صاحب " الدراية ":
فإن قيل: كيف يكون وجوب الصلاة بيقين، فإنها لا تجب عليها في الأصح في أيام
حيضها. قلنا وجوبها عليها بيقين نظراً إلى انقضاء العدة وفي كون ما زاد على
العادة حيضا شك فلا يزول ذلك اليقين.
م: (وإن ابتدأت) ش: أي المرأة هذا شروع في بيان حالة المرأة المبتدأة وقد
ذكرنا أن المرأة لا يخلو إما أن تكون معتادة أو مبتدأة أو مختلفة العادة،
وقد ذكر حال العادة وهذا في بيان المبتدأة.
(1/667)
مع البلوغ مستحاضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله: ابتدأت على صيغة المبني للفاعل، ويروى على صيغة المبني للمفعول بضم
التاء.
وقال الأترازي: والأول أوجه عندي من الثاني لأن المرأة مبتدأة على صيغة
المفعول فلذلك اختار صاحب " النهاية " صيغة المفعول في ابتدأت.
م: (مع البلوغ) ش: يعني كما بلغت استمر عليها الدم وهو معنى قوله م:
(مستحاضة) ش: وهو نصب على الحال المقدرة، أي حال كونها مقدرة للاستحاضة،
وذلك لأنه لم تثبت الاستحاضة حال ابتداء رؤيتها الدم ولكن يعلم عند الزيادة
على العشرة فحينئذ تكون العشرة في كل شهر أيضاً والباقي وهو الزائد على
العشرة استحاضة.
وعند زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ترد إلى أقل الحيض لأنه
متيقن والباقي مشكوك وبه قال أحمد، وفي قول للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يعتبر حيضها بنساء عشيرتها وفي قوله الآخر بالوسط وهو ست أو سبع
وبه قال الثوري وأحمد في رواية، وعند مالك تقعد ما دام يأتيها ولتستظهر بعد
ذلك بثلاثة أيام ما لم يتجاوز ذلك مجموع خمسة عشر يوماً، وعن مالك رواية
أخرى أنها تجلس ما دام الدم بثلاثة أيام إلى أن يبقى خمسة عشر يوماً وهو
رواية عن أحمد.
فإن قلت: كيف يكون نصب العادة في المبتدأة؟.
قلت: أول ما رأت المبتدأة دما تترك الصلاة كما رأيته عند مشايخنا، وعند أبي
حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها لا تترك حتى يستمر بها الدم ثلاثة
أيام، والأول أصح، ولو رأت خمسة دما خمسة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فإنها
تترك الصلاة من أول الاستمرار خمسة ثم تصلي خمسة عشر يوما وذلك عادتها لأن
الانتقال عن حالة الصغر عادة في النساء فتحصل بمرة واحدة، وأما الانتقال عن
العادة الثانية في العادة ليس بعادة لها فلا يحصل بالمرة عند أبي حنيفة
ومحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وبه قال بعض الشافعية وهو رواية عن
أحمد، وفي أشهر الروايتين لا يثبت إلا بالتكرار ثلاثا.
وقال أبو يوسف والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ثبت بمرة واحدة.
وقال مالك: يثبت بمرة لكن إذا اختلف بالزيادة والنقصان ثم استحيضت جلست
أكثر ما كانت تجلسه ثم تستظهر بالثلاث.
ثم اعلم أن العادة على نوعين أصلية وجعلية، فالأصلية على نوعين: أحدهما أن
ترى دمين خالصين وطهرين خالصين متعقبين على التوالي بأن رأت مبتدأة ثلاثة
دما وخمسة عشر طهراً وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا
ثم استمر بها الدم فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثا وتصلي خمسة عشر
يوماً.
(1/668)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن ذلك صار عادة لها بالتكرار وكذا لو رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً أو
أربعة دما وستة عشر طهرا ثم استمر بها الدم فحيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر
عادة أصلية لها فتصلي من أول الاستمرار ستة عشر لأنها حين رأت أربعة دما
فثلاثة منها مدة حيضها ويوم من حساب طهرها، فلما طهرت ستة عشر فأربعة عشر
تمام طهرها ويومان من حيضها لم تر فيهما الدم فتصلي إلى موضع حيضها الثاني
وذلك ستة عشر ثم تدع الصلاة وتصلي خمسة عشر.
والثاني: أن ترى دمين وطهرين مختلفين بأن رأت مبتدأة ثلاثة دما وخمسة عشر
طهراً، ثم استمر بها الدم فعند أبي يوسف أيام حيضها وطهرها ما رأت آخر مدة،
واختلفوا على قولهما: قبل عادتها ما رأته أول مدة لأن العادة لا تنتقل
برؤية الخالف مرة واحدة عندهما فيكون حيضها ثلاثة وطهرها خمسة عشر فلما رأت
في المرة الثانية فاليوم الرابع من طهرها ولما رأت ستة عشر فأربعة عشر منها
بقية طهرها ويومان من حيضها الثاني وذلك ستة عشر.
وقيل: عادتها أقل المرتين فتترك من أول الاستمرار ثلاثة وتصلي خمسة عشر لأن
العادة في المبتدأة تحصل بمرة واحدة.
وأما العادة الجعلية فهي أن ترى ثلاثة دما وأطهاراً مختلفة ثم استمر بها
الدم بأن رأت خمسة دماً وسبعة عشر طهرا أو أربعة دما وستة عشر طهرا وثلاثة
دما وخمسة عشر طهرا، قال بعضهم: تجعل عادتها أوسط الاعتداد فتدع من أول
الاستمرار أربعة وتصلي ستة عشر. وقال بعضهم: أقل المدتين الأخيرتين تدع من
أول الاستمرار [ ... ] وتصلي خمسة عشر والفتوى على هذا لأنه أيسر على
النساء.
مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهرا وأربعة دما وستة عشر طهرا وخمسة دما
وسبعة عشر طهرا، ثم استمر بها الدم فعادتها أربعة في الدم وستة عشر في
الطهر اتفاقا، مبتدأة رأت ثلاثة دما وخمسة عشر طهراً، وأربعة دما وستة عشر
طهراً، وثلاثة دما وخمسة عشر طهرا فإنها تدع الصلاة من أول الاستمرار ثلاثة
وتصلي خمسة عشر، وتلك العادة جعلية لها فإن طرأت الجعلية على العادة
الأصلية لأنها دونها والشيء لا ينقض بما هو دونه كالوطن الأصلي لا ينقضه
الوطن الإقامة.
وقال مشايخ بخارى: تنقض العادة بالجعلية، ومثاله إن كانت العادة الأصلية في
الحيض خمسة لا تثبت الجعلية إلا برؤية ستة وسبعة وثمانية ويتكرر فيها بخلاف
العادة الأصلية مراراً لأن سبعة وثمانية بتكرارها ستة والعادة الأصلية تنقض
بالتكرار بخلافها لكونها مختلفة متفاوتة في نفسها بكون العادة الثانية
جعلية لا أصلية.
(1/669)
فحيضها عشرة أيام من كل شهر وباقي الشهر
استحاضة لأنا عرفناه حيضا فلا يخرج عنه بالشك والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فحيضها عشرة أيام من كل شهر) ش: ففي الشهر الأول تكون العشرة من أول ما
رأت حيضا م: (وباقي الشهر استحاضة) ش: فحكمها حكم الطاهرات لكنها تتوضأ
لوقت كل صلاة ثم بعد ذلك حيضها أيام من كل شهر م: (لأنا عرفناه حيضا فلا
يخرج عنه بالشك) ش: أي عرفنا الدم المرئي في العشرة حيضا فلا يخرج عن كونه
حيضا بالشك لأنا تيقنا بالدخول فيه والأيام صالحة له، فإذا تجاوز الدم
العشرة تيقنا بخروجها فكانت طاهرة حكما.
(1/670)
فصل والمستحاضة ومن به سلس البول والرعاف
الدائم والجرح الذي لا يرقأ يتوضؤون لوقت كل صلاة، فيصلون بذلك الوضوء في
الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في وضوء المستحاضة ومن به سلسل البول
والرعاف الدائم]
م: (فصل) ش: الفصل منها فصل لا ينون ومنها فصل ينون لأن الإعراب لا يكون
إلا بعد العقد والتركيب وعقد هذا الفصل لأحكام الاستحاضة وقدمها على النفاس
لأنها أكثر وقوعاً.
م: (والمستحاضة) ش: مبتدأ وقد تكلمنا فيها أول الباب مستقصى م: (ومن به سلس
البول) ش: وكلمة "من" موصولة عطف على ما قبله، وسلس البول كلام إضافي مبتدأ
وخبره مقدم وهو قوله: (به) ، والجملة صلة الموصول. وسلس البول بفتح اللام،
والرجل سلس البول بالكسر يقال: شيء سلس أي سهل، وأصل سلس بالكسر أي لين
معتاد وفلان سلس البول بالكسر إذا كان لا يستمسك، وسلس بوله بالكسر يسلس
بالفتح من باب علم يعلم.
م: (والرعاف الدائم) ش: بالرفع عطف على ما قبله وهو دم الأنف لا يرقأ أي لا
يسكن م: (والجرح الذي لا يرقأ) ش: بالرفع أيضاً عطف على ما قبله يقال: رقأ
الدمع يرقأ رقاء ورقوا أي سكن وكذلك الدم.
م: (يتوضؤون) ش: جملة في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ المذكورة أعني
قوله: المستحاضة وما أضيف إليه م: (لوقت كل صلاة) ش: اللام فيه للتعليل م:
(فيصلون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل) ش: وبه قال
الأوزاعي والليث وأحمد هكذا ذكره عنه أبو الخطاب في الهداية، ولم يحك
خلافاً، وفي " المغني " لابن قدامة تتوضأ لكل صلاة وبه قال الشافعي وأبو
ثور، وعزى هذا إلى أصحابنا أيضاً وهو غلط منه.
وقال ابن تيمية الحراني في هذه رواية عن أحمد، وقال مالك - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: لا يجب الوضوء على المستحاضة ومن به سلسل البول ونحوه، وهو قول
ربيعة وعكرمة وأيوب، وأما الوضوء به مستحب لكل صلاة عنده ذكره في " التمهيد
" وذكر كثير من أصحابنا في كتبهم عنه أنها تتوضأ لكل صلاة. وقال الثوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمستحاضة تتوضأ لكل فريضة وهو مذهب الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا كما نذكره الآن.
وقال النخعي: تغتسل في آخر وقت الظهر، أول وقت العصر، والعصر في آخر وقته،
وكذلك تغتسل في آخر وقت المغرب فتصلي وكذلك في العشاء والفجر، وعن ابن عمر
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وجوب الغسل عليها لكل صلاة وعندنا لا يجب عليها الغسل
إلا مرة واحدة لخروجها عن الحيض وهو قول عامة أهل العلم من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم كعلي وابن
(1/671)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مسعود وابن عباس وعائشة وعروة وأبي سلمة وعبد الرحمن والشافعي وأحمد ومالك
في رواية.
وقال بعضهم: تغتسل كل يوم غسلا، روي ذلك عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب. وقال بعضهم: تجمع بين الظهر والعصر بغسل
وبين المغرب والعشاء وتصلي الصبح بغسل.
احتج من قال بوجوب الغسل لكل صلاة بما «روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فأمرها أن تغتسل لكل صلاة» والجواب عن ذلك أن هذا لم يرفعه إلا
محمد بن إسحاق عن الزهري، وأما سائر أصحاب الزهري فإنهم يقولون فيه عن عروة
عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عن أم حبيبة بنت جحش [أنها] استحيضت
فسألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: "إنما هو عرق
وليس بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلي» ففهمت ذلك عنه فكانت تغتسل لكل صلاة.
وقال أبو عمر في " التمهيد " عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها
استفتت بعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المستحاضة
أنها تتوضأ لكل صلاة، فأفتوها بذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، دلت على نسخ ما روت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذ لا يسوغ لها خلاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، ويحمل ذلك على الاستحباب أو على الثانية [أي] أيام عادتها
فافهم.
فإن قلت: روي أبو داود: «أن امرأة كانت تهريق على عهد رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أمرها أن تغتسل عند كل صلاة» .
قلت: أجاب النووي عن ذلك أن الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي
وغيرهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرها بالغسل لكل
صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها، واحتج من قال:
تغتسل في كل يوم مرة في أي وقت شاءت من النهار، بما رواه أبو داود في "سننه
" من حديث معقل الخثعمي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: المستحاضة
إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم لأجل الاحتياط، وأما الصوف التي فيها السمن
أو الزيت فإن بها يدفع الدم وينشفه. ومعقل بالعين المهملة وبالقاف.
(1/672)
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تتوضأ
المستحاضة لكل مكتوبة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ لكل
صلاة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحتج من قال بأنها تغتسل من طهر إلى طهر بما رواه مالك عن سمي مولى أبي
بكر بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن
المستحاضة فقال: تغتسل من طهر إلى طهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها الدم
استثفرت. الجواب عن ذلك أن أبا داود قال: قال مالك: إني لا أظن حديث ابن
المسيب من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة، إنما هو من طهر إلى طهر بالطاء
المهملة ولكن الوهم دخل فيه، فعليه الناس من ظهر إلى ظهر بالمعجمة.
وقال الخطابي: لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها ولا
أعلمه قولاً لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر إلى طهر بالمهملة فيهما وهو
انقطاع دم الحيض، وقد يجيء بما روي من الاغتسال من ظهر إلى ظهر بالمعجمة
فيهما في بعض الأحوال لبعض النساء، وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي
كانت عادتها ونسيت الوقت أيضاً، إلا أنها تعلم أنها كلما انقطع دمها في
أيام العادة كانت وقت الطهر فهل يلزمها أن تغتسل عند كل طهر وتتوضأ لكل
صلاة وما بينهما وبين الطهر من اليوم الثاني، فقد يحتمل أن يكون سعيد بن
المسيب إنما سئل عن امرأة هذه حالها فنقل الراوي الجواب ولم ينقل السؤال
على التفصيل.
وفي " الاستذكار " ليس في ذلك وهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه في
الاستحاضة تغتسل كل يوم من ظهر إلى ظهر، وكذلك رواه ابن عيينة عن موسى مولى
أبي بكر ابن عبد الرحمن قالت: سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة فقال:
تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة، فإن كان عليها استثفرت وصلت.
واحتج مالك فيما ذهب إليه من أن المستحاضة ليس عليها وضوء بما رواه في
الموطأ عن هشام ابن عروة عن أبيه «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إني لا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: "إنما ذلك عرق، وليست
بالحيضة [فإذا أقبلت] فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي»
وأخرجه الجماعة. وجه التمسك به أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال لها:
"فاغتسلي وصلي" ولم يذكر الوضوء لكل صلاة. والجواب عنه الوضوء مذكور في
غيره على ما نذكره.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - تتوضأ المستحاضة لكل مكتوبة لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المستحاضة تتوضأ لكل صلاة» ش:
الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه
عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المستحاضة
تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وتصوم» رواه أبو
داود، ولفظه: والوضوء عند كل صلاة، وله شواهد، منها ما أخرجه أبو داود،
وابن ماجه من حديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: جاءت فاطمة بنت
أبي
(1/673)
ولأن اعتبار طهارتها لضرورة أداء المكتوبة
فلا تبقى بعد الفراغ منها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حبيش.. الحديث، وفي آخره: «اغتسلي وتوضئي لكل صلاة» .
ومنها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث فاطمة بنت أبي حبيش وفي
آخره: «فاغتسلي وتوضئي لكل صلاة» ".
ومنها: ما رواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده " من حديث جابر «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة» .
م: (ولأن اعتبار طهارتها) ش: دليل عقلي، أي طهارة المستحاضة م: (لضرورة
أداء المكتوبة فلا تبقى) ش: أي الضرورة م: (بعد الفراغ منها) ش: أي من
المكتوبة، وقال الأترازي في جواب دليل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن
طهارة المستحاضة ضرورية لكن لا نسلم أن لا ضرورة لها في حكم أداء مكتوبة
أخرى.
قلت: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقول بعد التسليم أنها ضرورية كيف
يمنع عدم الضرورة في حقها مكتوبة أخرى، ومطلق الضرورة موجود عند كل مكتوبة،
وتقدير الطهارة في المكتوبة والنافلة يقدر بتلك الضرورة لأنه ليس من
المعقول التجاوز عن قدر الضرورة، ثم منع الأترازي هذا بقوله: ولا نسلم أنها
تقدر بقدر الضرورة عند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقد جاز لها أداء
النوافل ما شاءت بالاتفاق، وللشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أن يقول: لا
ضرورة في النوافل بعد أداء الفرض، ولكن هي تابعة للفرض فيدخل في حكم
المتبوع بعد الشروع بخلاف مكتوبة أخرى، لأنها عبادة أخرى مستقلة تحتاج إلى
طهارة أخرى، لكون الطهارة ضرورية في حق الأولى فلم يجاوز إلى غيرها.
ثم قال الأترازي: إنا نقول: هل بقيت الطهارة بعد المكتوبة الواحدة أم لا؟
فإن قلت: نعم، فقل: تصلي الفرائض والنوافل، وإن قلت: لا، فقل لا تصلي
الفرائض والنوافل أصلاً، إلا بوضوء جديد، فالشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
يقول: هذه الترديد مردود، فإني لم أقل إلا أنها تصلي فرضاً واحدا مع تبعية
النفل ثم لا تصلي فرضا آخر إلا بوضوء جديد، لأن الشارع لما أسقط حكم سيلان
الدم لضرورة الحاجة إلى أداء فرض الوقت الذي هو الأصل سقط كذلك في حق التبع
بخلاف فرض آخر كما ذكرنا، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الأترازي وهذا
الإلزام شيء يسكت الخصم.
(1/674)
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» وهو المراد بالأول، لأن اللام تستعار
للوقت، يقال: آتيك لصلاة الظهر أي وقتها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقد أورد الأكمل هاهنا إيرادا على الشافعية ملخصه: أن الصلاة في قوله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لكل صلاة، أعم من أن تكون مكتوبة أو غيرها
فاختصاصها بالمكتوبة تحكم. ثم أجاب عن ذلك بأن الصلاة مطلق وهو منصرف إلى
الكمال والكامل هو المكتوبة ثم رد هذا بأن الصلاة عام بدخل كلمة كل فليس
كما ذكرتم.
قلت: فلهم أن يقولوا سلمنا العموم ولكنه يحتمل التخصيص، وهاهنا التخصيص
موجود وهو الضرورة المؤخرة للصلاة مع سيلان الدم، مع أن القياس لا يقتضي
الجواز أصلاً ولكن النص حكم عليه للضرورة فيقتصر علها ويتقدر بقدرها.
والجواب المسكت ورود لفظة: هذه الصلاة مقيدة بالوقت في حديث آخر على ما
نقرره عن قريب.
ثم أجاب الأكمل بجواب آخر وهو أن الطهارة بعد أداء المكتوبة إن كانت باقية
تساوت الفرائض والنوافل في جواز الأداء بها وإلا فلا، ثم قال: وفيه نظر.
وجه التنظير هو أن يقال: نعم باقية بالنسبة إلى النوافل دون الفرائض.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المستحاضة تتوضأ
لوقت كل صلاة» ش: قال بعضهم: هذا غريب يعني بلفظ: لوقت كل صلاة، قلت: ليس
كذلك لأنه لا يلزم من عدم اطلاعه عليه أن يكون غريباً، بل روي هذا الحديث
بهذه اللفظة في بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش: "وتوضئي لوقت كل صلاة"
ذكره ابن قدامة في " المغني "، ورواه الإمام أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
- هكذا: «المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة» ، ذكره السرخسي في " المبسوط "،
وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنه - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة، والغسل يغني عن
الوضوء فبطل الاشتراك لكل صلاة.
م: (وهو المراد بالأول) ش: هذه إشارة إلى الجواب عما احتج به الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في كون الوضوء للصلاة أي لوقت الصلاة وهو المراد
بالحديث الأول وهو ما احتج به الشافعي م: (لأن اللام تستعار للوقت، يقال:
آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها) ش: لأن اللام كثير الاستعمال في الوقت.
ورد ذلك في الكتاب والسنة ومتعارف الناس. أما الكتاب فقوله تعالى:
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] (مريم:
الآية 59) ، أي وقت الصلاة، وأما السنة فقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
«جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأينما أدركتني الصلاة تيممت» أراد وقت
الصلاة لأنه فعله وفعله لا يسبقه لأن المدرك هو الوقت لا الصلاة، وقال -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن للصلاة أولا وآخرا كوقتها» ، وأما
تعارف الناس فيقال: آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها، فحينئذ يكون ما
(1/675)
ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيرا فيدار
الحكم عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رواه الشافعي محتملاً، وما رواه الحنفي مفسراً بالوقت فيحمل المحتمل على
المفسر، وهذا هو التوفيق بين الحديثين دفعاً للتعارض.
فإن قلت: لم لا ينعكس الحمل. قلت: لأنه يلزم ترجيح المحتمل على المفسر.
م: (ولأن الوقت أقيم مقام الأداء تيسيراً) ش: هذا دليل عقلي تقريره أن
الشرع أسقط اعتبار الحدث للحاجة إلى الأداء، والناس يختلفون فيه، فمنهم
المطول، ومنهم المقتصر، ومنهم من يرى الأداء في أول الوقت، ومنهم بالعكس،
ومنهم من يحتاج إلى تأخيره لمانع منه لبعد الماء منه، ومنهم من يوسوس إلى
إعادة الصلاة دفعاً للوسوسة فلذلك جعل الوقت مقام الأداء ليستوي الكل في
بقاء [الأداء] تيسيراً للأمر على المأمور، فأدير الحكم على الوقت وسقط
اعتبار الحدث، وإذا أقيم شيء مقام شيء آخر يكون المنظور إليه بذلك الشيء
فيكون المنظور إليه هنا الوقت فتكون الطهارة باقية ما دام الوقت باقياً،
فتقدير الطهارة بالوقت دفعاً للحرج.
فإن قلت: إذا قدرت طهارة كل شخص بأدائه ارتفع الحرج. قلت: هذا ممنوع، لأنه
إذ قدر ذلك وفرض الفراغ منه وأوجب عليه وضوء آخر كل ما يصلي من قضاء أو
واجب أو نذر في وقته أو مكتوبة أخرى في وقت آخر تحقق الحرج في موضع التخفيف
وذلك باطل، ولأن الوقت معلوم ولا يتفاوت والأداء غير معلوم فيكون في تقدير
الطهارة به بعض الجهالة.
م: (فيدار الحكم عليه) ش: أي على الوقت وأراد بالحكم جواز الصلاة، ودليل
آخر أن الأصول شاهدة لاعتبار الوقت دون فعل الصلاة، لأنا فيها رخصة مقدرة
بالوقت وهي المسح على الخفين، ولم نجد رخصة مقدرة بفعل الصلاة.
وقال الطحاوي: [ومذهبنا قوي من جهة النظر وذلك أنا عهدنا للأحداث إما خروج
خارج أو خروج وقت، فخروج الخارج معروف، وخروج الوقت وانقضاء المدة حدث في
المسح على الخفين، فرجعنا في هذا الحديث المختلف فيه، فجعلناه كالحديث
المختلف فيه الذي أجمع عليه ووجد له أصل ولم يجعله كما لم يجمع عليه، ولم
نجد له أصلاً لأنها لم يعهد الفراغ من الصلاة حدثا قط] .
وأجاب بعضهم عن الحديث الذي احتج به الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه
ضعيف، وقال: اتفق الحفاظ عل ضعف الحديث الذي فيه الوضوء لكل صلاة، حكاه
النووي في " المهذب ".
قلت: هذه اللفظة: أعني قوله: وتتوضأ لكل صلاة، معلقة عند البخاري عن عروة
في
(1/676)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
"صحيحه " وأخرجها الترمذي عن أبي معاوية متصلاً، ثم قال في آخره: حديث حسن
صحيح.
وقال ابن رشد في قواعده: وصحح قوم من أهل الحديث هذه الزيادة يعني تتوضأ
لكل صلاة، وقال في موضع آخر: صححها أبو عمر بن عبد البر، وذكر البيهقي عن
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قيل له روينا أنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، قال: نعم، قد رويتم
ذلك وبه نقول قياسا على سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في الوضوء مما خرج من دبر أو ذكر أو فرج ولو كان محفوظاً لكان أحب إلينا
من القياس. قلت: يلزم على قياس الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن لا
تختص المستحاضة بفرض واحد كالوضوء مما يخرج من أحد السبيلين.
فإن قلت: الفرق أن حديث المستحاضة بعد الفرض موجود قائم.
قلت: فواجب أن لا تصلي بعد ذلك نافلة، ثم إنه خصص العموم وجوز من النوافل
ما شاءت، وجعل التقدير لكل صلاة فرض، فكما أضمر ذلك فلزمه أن يضمر الوقت
ويقول التقدير لوقت كل صلاة على أنا نقول قد روى ذلك على ما ذكرنا.
فإن قلت: ذكر البيهقي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما
أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة» وحكي عن أبي بكر الفقيه أنه قال: أخبر -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أن الله تعالى أمره بالوضوء إذا قام
إلى الصلاة لا دخول وقت الصلاة أو خروجه.
قلت: ظاهره متروك بالإجماع بين الفقهاء، وإنما يؤمر بالوضوء من قام إلى
الصلاة وهو فرض، ومن قال: بانتقاض طهارتها عند خروج الوقت أو دخوله لا
يأمرها بالوضوء عند ذلك، وإنما يقول: طهارتها مقيدة بالوقت على مقتضى ما
مر، فإذا خرج الوقت أو دخل على حسب اختلافهم عمل على حكم الحديث السابق.
فإذا أرادت الصلاة بعد ذلك فقد أرادتها وهي محدثة فتؤمر بالوضوء عملاً بذلك
الحديث، ونظير هذا الماسح على الخف إذا انقضت مدته فإنه تنقض طهارته بلا
خلاف وإن كان لم يقم إلى الصلاة، ولما ألغى الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - طهارتها في حق النوافل وإن كان في ذلك مخالفة لطرد هذا الحديث
أعني قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أمرت بالوضوء إذا
قمت إلى الصلاة» فلذلك خصه بنفي طهارتها في حق الصلاة كلها ما دام الوقت
باقياً عملاً بحديث المستحاضة "تتوضأ لكل صلاة" بإضمار الوقت كما ذكرنا.
1 -
(1/677)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فروع: المستحاضة تستوثق بالشد والثلجم وحشو فرجها بقطنة أو خرقة دفعاً
للنجاسة أو تقليلاً لها إلا أن تكون صائمة أو يضرها ذلك، «وفي حديث أم سلمة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لتستثفر بثوب» وهو أن تشد ثوباً تحتجز به تمسك
موضع الدم، «وفي حديث حمنة بنت جحش قال: فتلجمي قالت: إنما أشج شجاً» .
الحديث رواه أبو داود والترمذي وصححه أحمد.
وفي " المبسوط " و " شرح مختصر الكرخي " للقدوري: قال: فاطمة بنت قيس لم
تذكر في المستحاضات، والتي قالت: أشج، هي حمنة لا فاطمة، فالوهم بينهما في
موضعين في جعل فاطمة بنت قيس المستحاضة، وفي نسبة شدها وتعصيب جسمها تيسير
ولأنه نجس وحدث، فإن غلب الدم وخرج بعد الشد لم يقر في الوقت لما روت عائشة
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: اعتكفت امرأة من أزواج النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانت ترى الدم الصفرة والطست تحتها وهي
تصلي، رواه البخاري، وكان زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - به سلس
البول وكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ولا يبالي بما أصاب ثوبه،
وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يصلي يثعب دما، رواه أحمد والدارقطني.
وفي " الذخيرة ": إذا حشت فرجها ومنعته من الخروج لا ينتقض وضوءها في إحدى
الروايتين، وفي " الحاوي " قال: لا ينتقض، ولم يحك خلافا.
وفي " المبسوط " و" المحيط " وغيرهما: إذا أصاب ثوبها من ذلك الدم فعليها
أن تغسله إن كان مقيداً بأن لا يصيبه مرة أخرى حتى لو لم تغسله وهو أكثر من
قدر الدرهم لم يجزها، وإن لم يكن مقيداً بأن كان يصيبها مرة بعد مرة أخرى
أجزأها ولا يجب غسله ما دام القدر قائماً، ومثله سلس البول والجرح السائل.
وفي " المحيط ": وقيل: إذا أصابه خارج الصلاة يغسله لأنه قادر على أن يفتتح
الصلاة في ثوب طاهر وفي الصلاة لا يمكنه التحرز منه فسقط عنه.
وفي " الحاوي ": الرباط إذا امتنع منه السيلان لا ينتقض الوضوء وأجزأه من
الحدث، فإن نشف الدم في الخرقة فهو سائل، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول
في الدم ونحوه: عليه غسل ثوبه عند وقت كل صلاة مرة كالوضوء.
وغيره من المشايخ قال: لا يلزمه ذلك، وكذا لا يلزم عندنا إعادة الشد وغسل
الدم ولا إبداله ولا الاستنجاء لوقت كل صلاة للحرج. ثم الطهارة إذا وقعت
للسيلان لا ينتقض به في الوقت.
وينتقض بحدث آخر عند خروج الوقت، وشرط وقوعها السيلان بأن لا يكون السيلان
مقارناً لها أو طارئاً عليها وهو يحتاج إليها لأجله، وعند خروج الوقت يظهر
حكم الحدث السابق حتى يغسل التي هو فيها عند خروجه ويتوضأ ويستقبل ولا
يبني، ولو كانت نافلة يجب القضاء لصحة
(1/678)
وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا
الوضوء لصلاة أخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشروع فيها، ولو توضأ لأجل مكتوبة وسال من الأجزاء انتقض، ولو توضأ لهما
فانقطع أحدهما فهو على وضوئه ما بقي الوقت. وعلى هذا القروح إن تجدد فيها
زيادة بعد الوضوء أو انقطع الدم من بعضها.
م: (وإذا خرج الوقت بطل وضوؤهم واستأنفوا الوضوء لصلاة أخرى) ش: أي إذا خرج
وقت صلاة المعذورين بطل وضوؤهم، وإضافة البطلان إلى الخروج مجاز لأنه لا
يوصف بذلك فضلاً عن أن يكون حدثا، وإنما الانتقاض بالحدث السابق لكن أثره
يظهر عنده، لأن الوقت مانع، فإذا زال أثره ظهر والشرط يقام مقام العلة في
حق إضافة الحكم.
وقال: الأكمل: قيل قوله: واستأنفوا الوضوء مستدرك لأن بطلان الوضوء
يستلزمه.
قلت: هذا السؤال مع جوابه للسغناقي ولكنه قال في الجواب قال شيخي في جوابه:
جاز أن يبطل الوضوء بحق صلاة ولا يبطل بحق صلاة أخرى، ولا يجب عليهم
الاستئناف في حق تلك الصلاة كما قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ببطلان طهارة المستحاضة للمكتوبة بعد أدائها وبقاء طهارتها للنوافل وكذلك
قوله في التيمم أيضاً، وكما قال بعض أصحابنا في حق المتيمم لصلاة الجنازة،
وفي المضطر ببقاء تيممه في حق جنازة أخرى لو حضرت هناك على وجه لو اشتغل
بالوضوء تفوته صلاة الجنازة ويبطل في حق غيرها.
وذكر صاحب " الدراية " أيضاً هذا السؤال ثم قال في جوابه: قال مولانا حافظ
الدين في جوابه ما قاله الشيخ السغناقي وهو الشيخ عبد العزيز ولكنه لم يذكر
من قوله وكما قال أصحابنا إلى آخره، ثم قال الأكمل: وفيه تمحل كما ترى أراد
بالتمحل أن الكلام في الوضوء لا في التيمم. قلت: فيما قاله تمحل لأنه نظر
في ذلك بما قاله الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الوضوء، وأما التيمم
فإنه كالوضوء لأنه خلف عنه قائم مقامه، ثم قال الأكمل: يجوز أن يكون
تأكيداً.
قلت: إنما يصح ذلك لو كان في قوله: بطل وضوؤه احتمال لعدم البطلان بوجه من
الوجوه، وقال أيضاً: ويجوز أن يكون كالتفسير الأول، ثم علله بعلة لا تجدي،
قلت: إنما يصح ذلك لو كان قوله: بطل وضوؤهم احتمالاً أو إبهاماً، وقال
أيضاً: ويجوز أن يكون الأول لبيان المذهب والثاني نفي لقول زفر فإنه يقول
بقوله إذا دخل الوقت.
قلت: وهذا صادر من غير تدور لأنه لا خلاف في الاستئناف المستلزم للبطلان
وإنما الخلاف في أن البطلان بدخول الوقت أو خروجه أو بكليهما على ما يأتي
بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، فكيف يقول بنفي قول زفر وهو لا يقول
بالاستئناف حتى ينفي قوله، ولئن سلمنا ما ذكره وأنه لا يحتاج إلى نفي قول
زفر بقوله واستأنفوا لأنه خرج بقول زفر بقوله: وقال زفر:
(1/679)
وهذا عند أصحابنا الثلاثة - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ - وقال زفر: استأنفوا إذا دخل الوقت، فإن توضؤوا حين تطلع الشمس
أجزأهم حتى يذهب وقت الظهر، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وزفر -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر، وحاصله أن طهارة المعذور
تنتقض بخروج الوقت بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استأنفوا على ما نذكره الآن.
م: (وهذا عند علمائنا الثلاثة) ش: أي بطلان الوضوء بخروج الوقت عند أبي
حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقال: زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - استأنفوا) ش: أي وضوءهم م: (إذا دخل
الوقت) ش: أي وقت صلاة أخرى م: (فإن توضؤوا حين تطلع الشمس أجزأهم حتى يذهب
وقت الظهر) ش: أي فإن توضأ هؤلاء المعذورون وقت طلوع الشمس كفاهم هذا
الوضوء إلى خروج وقت الظهر، وأصل هذا أن طهارة هؤلاء تبطل بخروج الوقت عند
علمائنا الثلاثة، وعند أبي يوسف تبطل بالدخول أيضاً، وعند زفر لا تبطل
بالدخول لا غير على رواية الشيخ الإمام إسماعيل الزاهد وبالدخول والخروج
جمعاً على رواية الشيخ الإمام أبي عبد الله الخراجي كما هو قول أبي يوسف
ذكر الروايتين عن زفر في " شرح الجامع الكبير " لأبي بكر محمد بن الحسين
البخاري المعروف بخواهر زاده، وخواهر زاده ابن [ ... ] القاضي نائب قاضي
سمرقند، ولأن سير المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الأصل المذكور، وإنما
قدم هذه الصورة لكون أبي يوسف مع زفر أشار إليه بقوله م: (وهذا عند أبي
حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: أي هذا الذي ذكرنا ذكرنا من بقاء وضوئهم
إلى أن يذهب وقت الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.
م: (وقال أبو يوسف وزفر - رحمهما الله - أجزأهم حتى يدخل وقت الظهر) ش: أي
كفاهم لوجود الدخول عندهما، وإنما ذكرنا هذه الصورة عقيب تلك الصورة إشارة
لكون أبي يوسف مع زفر لا يخالفهما فيهما إلا أبو حنيفة ومحمد.
م: (وحاصله) ش: أي حاصل ما ذكرنا من الاختلاف في المسألة المذكورة م: (أن
طهارة المعذور تنتقض) ش: محلا رفع لأنها مع اسمها وخبرها أعني قوله: تنتقض
خبر المبتدأ أعني قوله: حاصله، م: (بخروج الوقت) ش: أي وقت المكتوبة أي
عنده هذا تفسير لقوله: خروج الوقت يعني المراد بخروج الوقت عند الخروج م:
(بالحدث السابق عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: لأن الخروج شرط
الانتقاض والعلة هي الحدث السابق، وإنما لم يظهر أثره في الوقت للضرورة،
فإذا خرج الوقت زالت الضرورة فظهر أثره، ولهذا لم يجز مسح المستحاضة بعد
خروج الوقت على الخفين إذا كان الدم سائلاً وقت الوضوء أو اللبس.
(1/680)
وبدخول الوقت عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ
-، وبأيهما كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفائدة الاختلاف لا تظهر
إلا فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا أو قبل طلوع الشمس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأكمل: وإنما قال: أي عنده لأن خروج الوقت ليس من مقدور الإنسان
فضلاً أن يكون حدثا، فكان الانتقاض بالحدث السابق لكن الوقت مانع، فإذا زال
ظهر أثر الحدث فكانت السببية إلى الخروج مجازاً واعترض بأن الانتقاض لو
أسند إلى الحدث السابق لما وجب القضاء على ما شرع في التطوع ثم خرج الوقت
لأنه ظهر أنه شرع فيه بلا طهارة. قلت: أخذ هذا كله من " الغاية " و"
الذخيرة "، وتقدير الجواب ليس هذا بظهور من وجه أيضاً ومن وجه فأظهرنا
الاقتصار في القضاء والظهور في حق المسح، وإنما لم يعكس الاقتصار والظهور
لما ذكرنا ليكون عملاً بالاحتياط وفي عكسه لا يكون عملاً به.
م: (وبدخول الوقت عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي تنتقض بدخول الوقت
فقط عند زفر م: (وبأيهما كان عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني
تنتقض بأي شيء كان من الدخول والخروج عنده م: (وفائدة الخلاف لا تظهر إلا
فيمن توضأ قبل الزوال كما ذكرنا) ش: يعني ثمرة الاختلاف إنما تظهر في
الصورتين، إحداهما: فيمن توضأ قبل الزوال، ثم دخل الوقت لا تنتقض طهارته
ويصلي بها الظهر عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - خلافا لأبي يوسف وزفر
- رحمهما الله - لوجود الدخول بلا خروج.
والثانية: هي قوله م: (أو قبل طلوع الشمس) ش: أي لو توضأ قبل طلوع الشمس
بعد طلوع الفجر ثم طلعت الشمس تنتقض طهارته عندهما لوجود الخروج وكذا عند
أبي يوسف لوجود أحد الأمرين خلافاً لزفر لعدم الدخول.
فإن قلت: لم حصرت الفائدة في الصورتين؟ لأن في الأول دخولاً بلا خروج، وفي
الثانية خروجا بلا دخول، هذا ظاهر كلام المصنف، وقال المحققون من مشايخنا
مثل فخر الإسلام ومن تابعه على قول أبي يوسف: لا تنتقض طهارته بدخول بلا
خروج، وإنما تنتقض بخروج بلا دخول كما هو قولهما وفيما إذا توضأت المستحاضة
قبل الزوال ودخل وقت الظهر إنما يحتاج إلى الطهارة لأجل الظهر عنده لا لكون
طهارتها انتقضت بدخول الوقت بلا طهارة، لأن طهارتها ضرورية ولا ضرورة في
تقديم الطهارة على الوقت.
وكذا ذكر فخر الإسلام أيضاً في طرق عن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً،
وقال: فظن السائل أن زفر لم يجعل الخروج حدثا بل جعل الدخول حدثا وليس
كذلك، بل الصحيح من مذهبه أن شيئاً من ذلك ليس بحدث، وإنما لم تنتقض
الطهارة بطلوع الشمس عنده، لأن قيام الوقت جعل عذراً وقد بقيت شبهته حتى لو
قضى صلاة الفجر قضاها مع سنتها فكان كمال الخروج بدخول وقت
(1/681)
لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اعتبار
الطهارة مع المنافي للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر. ولأبي
يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة مقصورة على الوقت فلا تعتبر قبله ولا
بعده، ولهما أنه لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء كما
دخل الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آخر، ولم يوجد فبقيت شبهته فصلحت لبقاء حكم العذر تخفيفاً.
وقال السغناقي: وبهذا التقدير يعلم أن العلماء الأربعة كلهم متفقون على أن
الحدث السابق إنما يعمل عند خروج الوقت لا غير إلا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ - تقديم الطهارة غير معتبر لعدم الحاجة فيجب عليها الوضوء ثانياً
بعد خروج الوقت، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يوجد الخروج من كل وجه
ما لم يدخل وقت مكتوبة أخرى، فلذلك يجب عليها الوضوء بعد خول الوقت عنه.
م: (لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن اعتبار الطهارة مع المنافي) ش: وهو سيلان
الدم م: (للحاجة إلى الأداء ولا حاجة قبل الوقت فلا تعتبر) ش: أي الطهارة
قبل الوقت.
فإن قيل: فغير المعتبر كيف يوصف بالانتقاض عند دخول الوقت. أجيب بأن عدم
الاعتبار قبل الوقت إنما هو بالنسبة إلى الوقتية لقيامه مقام الأداء فلا
تعتبر قبله وبعده. قلت: هذا السؤال والجواب للسغناقي ذكرهما الأكمل في
شرحه.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة) ش: إلى الأداء م: (مقصورة
على الوقت فلا تعتبر قبله ولا بعده) ش: أي فلا تعتبر الطهارة قبل الوقت ولا
بعد الوقت.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أنه) ش: أي أن
الشأن م: (لا بد من تقديم الطهارة على الوقت ليتمكن من الأداء) ش: لأن
الشرع أمر بالصلاة في أول الوقت، ولهذا استغرق جملة الوقت بالصلاة. فيجب أن
يتمكن من ذلك ولا يتمكن منه إلا بتقديم الطهارة على الوقت، فلو كان دخول
الوقت ناقضاً للطهارة لما انتفع بالتقديم.
فإن قلت: قوله: لا بد من تقديم الطهارة يورث وجوب التقديم، لأن لفظة لا بد
تستعمل في الوجوب وليس كذلك. قلت: فيه تسامح، والمضاف محذوف تقديره لا بد
من جواز تقديم الطهارة.
م: (كما دخل الوقت) ش: الكاف فيه للمفاجأة، وكلمة ما مصدرية وليست الكاف
للتشبيه أي لتفاجئ تمكن الأداء بدخول الوقت، لأن الوقت قائم مقام الأداء
وتقديمها على الأداء واجب فكان تقديمها على خلفه وهو وقت الأداء جائز.
ولهذا قال بعضهم على قياس قولهما لو توضأت للعصر قبل العصر جاز أن تصلي
العصر
(1/682)
وخروج الوقت دليل زوال الحاجة فظهر اعتبار
الحدث عنده، والمراد بالوقت وقت المفروضة حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد
له أن يصلي الظهر به عندهما وهو الصحيح، لأنها بمنزلة صلاة الضحى، ولو توضأ
مرة للظهر في وقته وأخرى فيه للعصر فعندهما ليس له أن يصلي العصر به
لانتقاضه بخروج وقت المفروضة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
به، وقال بعضهم: لا يجوز، لأن هذا دخول مشتمل على الخروج وبه تنتقض لا
بالدخول، وإليه أشار المصنف بقوله: وعندهما أي عند أبي حنيفة ومحمد ليس له
أن يصلي العصر به على ما يجيء عن قريب.
م: (وخروج الوقت دليل زوال الحاجة) ش: يعني أن خروج الوقت يدل على انقضاء
الطهارة وانقضاؤها لا يستدعي بقاء الطهارة فنجعل الحدث السابق في انقضاء
الطهارة، وأما دخول الوقت فيدل على تحقق الحاجة، وتحقق الحاجة يستدعي ثبوت
الطهارة، فكان خروج الوقت الذي لا يستدعي بقاء الطهارة أحق بأن يضاف إليه
انتقاض الطهارة من الدخول الذي يستدعي بقاؤها م: (فظهر اعتبار الحدث عنده)
ش: أي عند خروج الوقت.
م: (والمراد بالوقت وقت المفروضة) ش: أي المراد بالوقت الذي اعتبر خروجه
ودخوله وقت الصلاة المفروضة م: (حتى لو توضأ المعذور لصلاة العيد له أن
يصلي الظهر به) ش: أي بذلك الوضوء وليس هذا بإضمار قبل الذكر، لأن قوله:
توضأ يدل على الوضوء، كما في قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (المائدة: الآية 8) ، م: (عندهما) ش: أي عند أبي
حنيفة ومحمد، وإنما خصهما بالذكر مع أن الحكم عند الكل كذلك لما أن الشبهة
ترد على قولهما حيث جوز تقديم الوضوء على الوقت، وما قالا بالانتقاض
بالدخول م: (وهو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعضهم أنه ليس له أن يصلي
الظهر به لأن خروج وقت صلاة واجبة لأن صلاة العيد واجبة م: (لأنها) ش: أي
لأن صلاة العيد.
وإنما ذكر الضمير إما باعتبار المذكور، وإما باعتبار لفظ العيد م: (بمنزلة
صلاة الضحى) ش: من حيث إنها ليست بمفروضة. وقال فخر الإسلام البزدوي في "
شرح الجامع الصغير ": فإن توضأ صاحب العذر يوم العيد بعد طلوع الشمس لصلاة
العيد هل يصلي به الظهر؟ فقد قيل: ليس له ذلك، ثم قال: ولا رواية فيه،
وقيل: بل هي صلاة الضحى في الأصل فأشبه سائر الأيام.
م: (ولو توضأ مرة للظهر في وقته وأخرى فيه) ش: أي توضأ مرة أخرى في وقت
الظهر م: (للعصر) ش: أي لأجل صلاة العصر م: (فعندهما) ش: أي فعند أبي حنيفة
ومحمد م: (ليس له أن يصلي العصر به) ش: أي بذلك الوضوء م: (لانتقاضه) ش: أي
لانتقاض ذلك الوضوء م: (بخروج وقت المفروضة) ش: وهو صلاة الظهر.
(1/683)
والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت صلاة
إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: ما الفائدة في وضع المسألة في وقت الظهر؟ قلت: لتبيين أنه ليس بين
وقت العصر وبين وقت الظهر وقت مهمل، كما هو مذهب الحسن بن زياد فإنه روى عن
أبي حنيفة أنه إذا صار الظل قائما يخرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر وهو
الذي تسميته بين الصلاتين وليس هذا بصحيح.
م: (والمستحاضة هي التي لا يمضي عليها وقت الصلاة إلا والحدث الذي ابتليت
به يوجد فيه) ش: أي في الوقت هذا تعريف المستحاضة بعد ذكر أحكامها، وكان
ينبغي تقديم تعريفها على بيان أحكامها ثم هذا الحد في حق الدوام والبقاء،
وأما اشتراط استيعاب الوقت بالسيلان لثبوت العذر ليس بشرط عند المصنف، وهو
الذي ذهب إليه صاحب " البدائع " و" فتاوى قاضي خان " و" المفيد " و" المزيد
" و" الينابيع "، وإنما قلنا هكذا لئلا يرد عليه ما لو رأت الدم في أول
الوقت ثم انقطع فتوضأت على الانقطاع ودام الانقطاع حتى خرج الوقت فإنه لا
تنقض طهارتها، ولو لم يؤول كلامه إلى ما ذكرنا لما كانت طهارة المستحاضة
تنتقض بخروج الوقت فلا بد من العناية المذكورة لدفع هذا الإيراد.
وذكر في " الذخيرة " و" فتاوى المرغيناني " و" الواقعات و" الحاوي " و" خير
مطلوب " و" جامع الخلاطي " و" المنافع " و" الحواشي " أنه يشترط استيعاب
الوقت بالسيلان فلا يثبت حكم الاستحاضة حتى يستمر الدم في وقت صلاة كامل.
وذكر في " الذخيرة ": ولو سال الدم في وقت صلاة فتوضأت وصلت ثم خرج الوقت
ودخل وقت صلاة أخرى، وانقطع دمها ودام الانقطاع إلى آخر الوقت توضأت وأعادت
تلك الصلاة، وإن لم ينقطع في وقت الصلاة الثانية حتى يخرج الوقت لا تعيدها
لأن في الوجه الأول لم يستوعب السيلان وقت صلاة، فلم يحكم باستحاضتها وفي
الوجه الثاني تستوعبه فيحكم باستحاضتها.
وقال تاج الشريعة في حد المصنف للاستحاضة: هذا حد المستحاضة بقاء، ولم
يتعرض إلى شيء غير ذلك، وكذلك السغناقي وصاحب " الدراية "، ولم يتعرض إليه
إلا الأترازي فإنه قال: هذا الذي قاله صاحب " الهداية " فيه نظر عندي، لأن
التعريف ينبغي أن يكون جامعا ومانعا وهو ليس بجامع، لأن حقيقة المستحاضة لا
يوجد بهذا القدر، قال: حتى يوجد الاستغراق في الابتداء وليس بمانع لدخول
الحائض تحته، لأن الحائض قد تكون بهذه المثابة بأن لا يمضي عليها وقت صلاة
إلا والحدث الذي ابتليت به يوجد فيه.
قلت: نظره ضعيف، لأنه إنما يلزم ما ذكره لو لم يحمل كلامه على ما بعد
الثبوت أي بعد ما ثبت أنها مستحاضة، لأنا ذكرنا أن حده الذي ذكره في حق
الدوام والبقاء، وكذا قال الإمام حميد الدين الضرير في "شرحه " هذا حد
المستحاضة بقاء، أما في قوله: مستحاضة ابتداء، فالشرط أن
(1/684)
وكذا كل من هو في معناها وهو من ذكرناه ومن
به استطلاق بطن وانفلات ريح، لأن الضرورة بهذا تتحقق وهي تعم الكل. والله
أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون الحدث مستغرقا لجميع الوقت حتى لو لم تستغرق كل الوقت لا تكون
مستحاضة، وإنما استغرق مدة لا تحتاج إلى الاستغراق بعد ذلك بل وجوده في
الوقت مرة كاف، وقال الأترازي وبعد أن قال فيه نظر، وهذا الذي قال الإمام
حميد الدين لأنه قال: هذا حد المستحاضة بقاء.. إلخ، وذلك يقتضي تعدد حقيقة
الشيء وهو فاسد، وأخذ الأكمل منه فقال: يلزم اختلاف حقيقة الشيء بالنسبة
إلى الحالتين والحقائق لا تختلف.
قلت: هذا أعجب من العجب لأن عدم وجواز اختلاف الحقائق بالنظر إلى ذات
الشيء، وأما بالنظر إلى صفاته فلا مانع منه، لأن ذات المستحاضة من سال دمها
في غير أوقات معلومة، ومن غير عرق الحيض.
وأما صفتها التي هي التعريف الشرعي فهو الذي ذكره المصنف مع قيد في الدوام
والبقاء، وأما كونه مستحاضة ابتداء فله شرط آخر على ما ذكرناه، ثم طول
الأترازي في حد الاستحاضة، وادعى أنه وقع في خاطره من الأنوار الربانية
والأسرار الإلهية، وكذلك طول الأكمل فيه، وقال ولعل الصواب أن يقال في
تعريفها إلى آخر ما ذكره، وطوينا ذكرهما خوفاً من التطويل لما فيهما من
التعسف.
م: (وكذلك كل من هو في معناها) ش: أي في معنى المستحاضة أن يكون حكمه حكم
المستحاضة م: (وهو من ذكرناه) ش: أراد به قوله: ومن به سلس البول الرعاف
الدائم والجرح الذي لا يرقأ م: (ومن به استطلاق بطن) ش: عطف على قوله: من
ذكرناه، واستطلاق البطن عبارة عن الإسهال.
وقال الجوهري: استطلاق البطن فيه م: (وانفلات ريح) ش: عطف على ما قبله،
والانفلات خروج الشيء فلتة أي بغتة، كذا قاله المطرزي م: (لأن الضرورة
بهذا) ش: أي بما ذكر من الانفلات أو بما ذكر من الأحداث م: (تتحقق وهي) ش:
أي الضرورة م: (تعم الكل والله أعلم) ش: أي تشمل كل ما ذكر فيكون حكم الكل
حكم المستحاضة، ويعرف المعذور بمن حصل به دوام حدث وقت صلاة كاملة ثم لا
يخلو عنه منذ توضأ فيه.
(1/685)
|