البناية شرح الهداية

باب سجود السهو يسجد للسهو في الزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب سجود السهو] [كيفية سجود السهو]
م: (باب سجود السهو) ش: أي هذا باب في بيان أحكام سجود السهو، ولما فرغ من بيان الأداء والقضاء، شرع في بيان جابر لنقصان يقع فيهما، ولكن المناسبة بين البابين من حيث إن الباب الأول في بيان قضاء الفوائت وقضاؤها جبر لها عن تأخيره عن وقتها، وهذا الباب أيضا في بيان جبر لها لترك واجب أو لتأخير ركن أو لزيادة في غير محلها، والإضافة في سجود السهو إضافة الحكم إلى السبب وهي الأصل في الإضافات، لأن الإضافة للاختصاص، وأقوى وجوه الاختصاصات إضافة المسبب إلى السبب.
قلت: علم من هذا أن سجود السهو يجب بنفس السهو، ولهذا لا يجب في العمد وبعض المالكية يقولون: سببه الزيادة والنقصان، ذكره ابن رشد المالكي في " قواعده ". وعن الشافعي يسجد في العمد بطريق الأولى.
وفي " الينابيع ": لا يجب سجود السهو إلا في مسألتين: أحديهما: إذا أخر إحدى سجدتي الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، والثانية: إذا ترك القعدة الأولى فإنه يسجد للسهو فيهما سواء كان عامدا أو ناسيا، قال صاحب " الينابيع ": ذكرهما في " أجناس الناطفي " ولم أقف في غيره من كتب أصحابنا.
م: (يسجد للسهو للزيادة) ش: من جنس الصلاة كزيادة ركوع أو سجود، والزيادة من غير جنسه تبطل الصلاة، واللام في الزيادة لإثبات معنى السببية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) .
م: (والنقصان) ش: أي يجب للنقصان أيضا، وفيه نفي لقول مالك، فإن عنده إذا كان عن نقصان سجد قبل السلام، وإن كان عن زيادة فبعد السلام، ويأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى م: (سجدتين بعد السلام) ش: اختلفوا فيه على أقوال خمسة:
مذهبنا بعد السلام كما ذكره، وهو مذهب علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ومن التابعين: الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، وعمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. ومذهب الشافعي: قبل السلام على الأصح عندهم، وهو قول أبي هريرة، ومكحول، والزهري، وربيعة، والليث، ومذهب مالك [....] إن كان للنقصان فقبل السلام، وإن كان

(2/601)


ثم يتشهد ثم يسلم، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجد قبل السلام لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد للسهو قبل السلام» ، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للزيادة فبعد السلام وهو قول للشافعية.
ومذهب الحنابلة: أنه يسجد قبل السلام في المواضع التي سجد فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل السلام، وبعد السلام في المواضع التي سجد فيها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد السلام، وما كان من السجود في غير تلك المواضع يسجد له قبل السلام أبدا.
ومذهب الظاهرية: لا يسجد للسهو إلا في المواضع التي سجد فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقط، وغير ذلك إن كان فرضا أتى به، وإن كان ندبا فليس عليه شيء.
والمواضع التي صلى فيها رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خمسة.
أحدها: قام على اثنين على ما جاء في حديث ابن بحينة.
والثاني: سلم من اثنين كما جاء في حديث ذي اليدين.
والثالث: سلم من ثلاث كما جاء في حديث عمران بن حصين.
والرابع: أنه صلى خمسا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود.
والخامس: السجود على الشك كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري. وسيأتي بيان أحاديثهم مفصلا إن شاء الله تعالى.
م: (ثم يتشهد ثم يسلم) ش: أي بعد أن يتشهد في آخر صلاته يسجد سجدتين ثم يتشهد أيضا ثم يسلم، وبه قال ابن مسعود والشعبي والثوري وقتادة والحكم وحماد والليث ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال ابن سيرين وسعد وحماد وابن أبي ليلى: يسلم ولا يتشهد، قال أنس والحسين وعطاء وطاوس: ليس في سجدتي السهو تشهد ولا سلام.
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجد قبل السلام لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد للسهو قبل السلام) ش: هذا الحديث رواه عبد الله بن مالك بن بحينة، أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - واللفظ للبخاري «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر فقام عن الركعتين الأوليين ولم يجلس، وقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة انتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» .
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» ش: روي هذا الحديث عن

(2/602)


وروي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد سجدتي السهو بعد السلام»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
أخرجه أبو داود وابن ماجه عنه عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «لكل سهو سجدتان بعدما يسلم» ورواه أحمد في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، والطبراني في " معجمه ".
م: (وروي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سجد سجدتي السهو بعد السلام) ش: هذا الحديث رواه أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه البخاري ومسلم عنه، قال: «صلى بنا رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فسلم في ركعتين، فقال ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ إلى أن قال: فأتم الرسول ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم» وفي هذا الباب عن عمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم عنه: «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات فقام رجل يقال له الخرباق فذكر له صنيعه فقال: " أصدق هذا؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم» ؟
وعن المغيرة بن شعبة أخرجه أبو داود والترمذي عن زياد بن علاقة «كان يصلي بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته وسلم وسجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع كما صنعت» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
عن أنس بن مالك، أخرجه الطبراني عن محمد بن صالح عن علي بن عبد الله بن عباس قال: «صليت خلف أنس بن مالك صلاة فسهى فيها فسجد بعد السلام ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصنع» .
وعن عبد الله بن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج ابن سعد في الطبقات عن عطاء بن أبي رباح قال: «صليت مع عبد الله بن الزبير المغرب فسلم في الركعتين ثم قام: فسبح به القوم فصلى بهم الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين، قال: فأتيت ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من فوري فأخبرته، فقال: لله أبوك ما فات عنه سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» .
قال النووي في " الخلاصة ": وروى الحاكم في " المستدرك " من حديث سعد بن أبي وقاص

(2/603)


فتعارضت روايتا فعله فبقي التمسك بقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعقبة نحوه، قال: وحديثهما صحيح على شرط الشيخين.
م: (فتعارضت روايتا فعله) ش: أي فعل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بيان المعارضة بين الفعلين بين الحديثين اللذين ذكرهما الشافعي، ولنا الظاهر، لأن حديث الشافعي يدل على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد قبل السلام، وحديثنا يدل على أنه سجد بعد السلام، قال بعض الشراح منهم السغناقي والأترازي: لما تعارض الفعلان عنه تركناهما جانبا، فعملنا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للسلامة عن المعارض وهو معنى قول المصنف م: (فبقي التمسك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لكل سهو سجدتان» .
قلت: فيه نظر، لأن الأحاديث قد وردت في السجود قبل السلام من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه مسلم عنه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فليطرح الشك وليبن على ما يتيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم» .
ومنها حديث أبي هريرة أخرجه الأئمة الستة عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لم يدر كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس» ، زاد فيه أبو داود وابن ماجه: «وهو جالس قبل التسليم» ، وفي لفظ: " قبل أن يسلم ثم يسلم ".
ومنها حديث عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أخرجه الترمذي وابن ماجه عنه قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا انتهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على اثنتين، فإن لم يدر صلى ثلاثا أو أربعا فليبن على الثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم» ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال البيهقي في " المعرفة ": روي عن الزهري أنه ادعى نسخ السجود بعد السلام، وأسنده الشافعي عنه ثم أكده بحديث معاوية أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجدهما قبل السلام، رواه النسائي في " سننه "، وقال: وصحبة معاوية متأخرة.
قلت: قال بعضهم إن قول الزهري منقطع. وهو غير حجة عندهم، وقال الطرطوسي: هذا لا يصح عن الزهري، وفي إسناده أيضا مطرف بن مازن، قال البيهقي: هو غير قوي.
قلت: قال يحيى: كذاب، وقال النسائي: غير قوي، وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه إلا [....] ، ولم يذكر البيهقي ذلك لموافقته رواية مذهبه، وأحاديث السجود قبل وبعد ثابتة قولا وفعلا، وتقدم بعضها على بعض غير معلوم برواية صحيحة والأولى جعل الأحاديث على

(2/604)


ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التوسع، وجواز الأمرين.
فإن قلت: قالوا: المراد بالسلام في الأحاديث التي جاءت بالسجود بعد السلام هو السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد، ويكون تأخيرها على سبيل السهو.
قلت: هذا بعيد مع أنه معارض بمثله، وهو أن يقال: حديثهم قبل السلام يكون على سبيل السهو، ويحمل حديثهم قبل السلام على السلام المعهود الذي يخرج به من الصلاة وهو سلام التحلل، ويبطل أيضا حملهم على السلام الذي في التشهد، إن سجود السهو لا يكون إلا بعد التسليم اتفاقا.
وقال الأكمل: في هذا الموضع اعترض عليه بوجهين.. إلخ، قلت: أخذ هذا من كلام السغناقي في تقدير الاعتراض الأول أن المعارضة بين الحجتين إنما يصار إلى ما بعدهما من الحجة لا إلى ما فوقهما، والقول فوق الفعل لأن القول موجب، والفعل لا، وكيف صير إلى القول عند معارضة الفعل، والاعتراض الثاني أنه يلزم من هذا الذي ذكره الترجيح بكثرة الأدلة، وهو غير جائز إذ كل ما يصلح علة لا يصلح حجة، وقول الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أقوى العلل، فكيف لا يصلح حجة.
أجيب عن الأول: بأن المعارضة تقتضي المساواة وليس المعارضة بين القول والفعل لقوة القول وضعف الفعل، ولما ثبتت المعارضة بين الفعلين لتساويهما في القوة، أخذنا بالقول، لأنه يشهد لنا فعملنا به. وقولهم: إن المعارضة إذا وقعت بين الحجتين يصار إلى ما بعدها، إنما يكون ذلك عند انعدام الحجة فيما فوقهما، وإن كانت الحجة فوقهما فلا تحتاج حينئذ إلى المعارضة، وهنا كذلك، وإن أنكروا ثبوته بنقل العدل. وأجيب عن الثاني: بأن ما قلتم إنما يلزم أن لو قلنا بترجيح الفعل بالقول، ولا نقول به، بل نقول لما تعارض فعله رجعنا إلى ما هو الحجة في الباب، وهو حديث القول.
قلت: فيه نظر لأن بين قوله أيضا تعارض كما ذكرنا، والأوجه في الجواب ما ذكرناه من جعل الأحاديث على جواز الأمرين، وأيضا حديث ذي اليدين منسوخ، وفي " الأنوار ": تأويل ما رواه الشافعي أن الراوي دخل في صلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في سجدتي السهو، وعاين السلام بعدهما، فروي كذلك أو كان منه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبيان الجواز قبل السلام لا لبيان المسنون.

م: (ولأن سجود السهو مما لا يتكرر فيؤخر عن السلام) ش: هذا دليل عقلي على كون سجود السهو بعد السلام تقديره أن القياس كان يقتضي أن لا يتأخر سجود السهو عن زمان سجود العلة، وهي السهو، إلا أنه لما كان مما لا يتكرر أخر عن السلام، وأما كونه لا يتكرر فلأنه إذا سجد زمان وجود السهو، ثم إذا سهى فلا يخلو إما أن يسجد ثانيا أو لا، فإن لم يسجد بقي بعض لازم لا

(2/605)


حتى لو سهى عن السلام يجبر به، وهذا الخلاف في الأولوية ويأتي بتسليمتين هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جبر له، وإن سجد يلزم التكرار، فلذلك أخر عن زمان العلة، فلهذا المعنى أخر عن السلام أيضا حتى لو سهى عن السلام بأن قام إلى الخامسة مثلا ساهيا يلزمه سجود السهو لتأخير السلام، ولو سهى بعد السلام لا يلزمه السجود لأنه يؤدي إلى ما لا يتناهى.
وقال الأترازي: سجود السهو ليس يتكرر بالإجماع، قلت: ليس كذلك، لأن مذهب ابن أبي ليلى أن السجود يتكرر بعد السهو. وقال الأوزاعي: إذا سهى سهوين يسجد أربع سجدات، ذكره النووي. ولو سهى في سجدتي السهو لم يسجد وهو قول الحسن والنخعي ومغيرة والشعبي ومنصور بن زاذان والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وهذا إجماع.
م: (حتى لو سهى عن السلام يجبر به) ش: هذا توضيح فيؤخر عن السلام وسهوه عن السلام يكون بالقيام إلى الخامسة، فإن سهى يجبر السلام بالسجود، ولأجل النقص م: (وهذا الخلاف في الأولوية) ش: أي الخلاف المذكور بيننا وبين الشافعي في الأولوية لا في الجواز، أراد أن الأولى عندنا أن يسجد للسهو بعد السلام، ويجوز عندنا ولو سجد قبل السلام يجوز أيضا والأولى عنده قبل السلام وبعد السلام يجوز أيضا هذا الذي ذكره المصنف، هذا جواب ظاهر الرواية، وقد ذكر في " النوادر " أنه إذا سجد للسهو قبل السلام لا تجبر به، لأنه أتى به في غير محله.
وفي " الذخيرة " لو سجد للسهو قبل السلام جاز عندنا. قال القدوري: هذا في رواية الأصول، قال: وروي عنهم أنه لا يجبر به. وقال صاحب " الحاوي " من الشافعية: لا خلاف بين الفقهاء أن سجود السهو جائز قبل السلام وبعده، وإنما الخلاف في الأولى، وفي قول التقديم والتأخير سواء في الفضيلة لصحة الأخبار في التقديم والتأخير قاله إمام الحرمين، وفي قول عنهم: إذا أخره لا يعتد به. قال النووي: وهو الصحيح.
م: (ويأتي بتسليمتين) ش: أي يأتي من عليه سجود السهو بتسليمتين عن يمينه وعن شماله، وبه قال الثوري وأحمد. وفي " المفيد ": يسلم عن يمينه ويساره كالمعهودتين م: (هو الصحيح) ش: أي الإتيان بتسليمتين هو الصحيح احترز به عما نقل عن فخر الإسلام من المذهب وفي " الينابيع " التسليمتان أصح و [.....] هو الصحيح وهو التسليم واحدة من تلقاء وجهه.
وفي " المحيط ": ينبغي أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وهو قول الكرخي، وهو الأصوب وبه قال النخعي. وفي " المفيد " و " المرغيناني " و " البدائع ": يسلم تلقاء وجهه عند البعض، لأن التسليمة الأولى للتحليل والثانية للتحية ولا تحية في الأولى فكان ضمها إلى الأولى عبثا، وينبغي أن لا ينحرف فيه لأنه للتحية دون التحليل، وقد سقط معنى التحية هنا أيضا، واختار فخر الإسلام وشيخ الإسلام وصاحب " الإيضاح " أيضا أن يسلم تسليمة واحدة ثم اختار فخر الإسلام أن تكون تلك التسليمة من تلقاء وجهه. ولا ينحرف عن القبلة. وقال شيخ

(2/606)


صرفا للسلام المذكور إلى ما هو المعهود ويأتي بالصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإسلام: ولو سلم بتسليمتين لا يأتي بسجود السهو بعد ذلك، لأنه كالكلام، ونسب أبو اليسر القائل بالتسليمة الواحدة إلى البدعة.
فإن قلت: ما فائدة قولهم: أن التسليمة الأولى تحليل وتحية، والثانية: تحية.
قلت: فائدة هذا أنه لا يصح الاقتداء بعد الأولى ولو قهقه بعد الأولى ولا تنتقض طهارته، وقيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف يسلم تسليمتين.
م: (صرفا للسلام المذكور إلى ما هو المعهود) ش: صرفا بالفتح نصب على أنه مفعول مطلق، كذا قيل، والصحيح أنه نصب على التعليل أي لأجل الصرف للسلام المذكور في قوله وفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المذكور بعد السلام إلى ما هو المعهود في الصلاة وهو التسليمتان.
م: (ويأتي بالصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - والدعاء في قعدة السهو) ش: أي يأتي من عليه سجود السهو بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قعدته الأخير وهي قعدة السهو أي سجود السهو.
وفي " الذخيرة ": اختلفوا في الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي الدعوات أنها في قعدة الصلاة أم في سجدتي السهو، ذكر أبو جعفر الأسروشتي أن ذلك كله قبل سلام السهو، وذكر الكرخي في " مختصره " أنها في قعدة سجدتي السهو، لأنها هي القعدة الأخيرة، واختار فخر الإسلام في " المصنف " وقال: م: (هو الصحيح) ش: أي الإتيان بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والدعاء في قعدة السهو هو الصحيح.
وقال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": فمن مشايخنا من اختار الدعاء قبل السلام وبعده، ثم قال: وهو الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لأن كل واحد من التشهدين في آخر الصلاة.
وفي " المحيط " اختلفوا في الصلاة على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وفي الدعوات قال الطحاوي: كل قعدة فيها سلام فيها صلاة، فعلى هذا يصلي في القعدتين جميعا عنده. وفي " فتاوى الظهيرية ": الأحوط أن يصلي في القعدتين، وقيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف يصلي ويدعو في الأولى دون الثانية بناء على أن سلام الإمام أو من عليه السهو يخرجه عن الصلاة عندهما وعند محمد في الأخيرة خاصة، لأن السلام لا يخرجه عنده، وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن الأصل المذكور متقرر، فلو كانت هذه المسألة مبنية على ذلك لكان الصحيح مذهبهما.
قلت: هذا النظر غير بين، لأنه لا يلزم من كون الأصل المذكور متقررا عدم جواز بناء المسألة المذكورة عليه، وقوله: لكان الصحيح مذهبهما، يرده ما ذكره في " المفيد " أنه هو الصحيح.

(2/607)


لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة.
قال: ويلزمه السهو إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها ليس منها، وهذا يدل على أن سجدة السهو واجبة هو الصحيح؛ لأنها تجب لجبر نقص تمكن في العبادة، فتكون واجبة كالدماء في الحج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن الدعاء موضعه آخر الصلاة) ش: هذا التعليل ما اختاره المصنف بقوله هو الصحيح، ومعناه أن الدعاء مشروع بعد الفراغ من الأداء أو الفراغ قبل الخبر.
قلت: لقائل أن يقول: آخر الصلاة حقيقة هو قعدة الصلاة الأخيرة، وسجدة السهو ليست من نفس الصلاة وقعدتها كذلك.

[متى يلزم سجود السهو]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويلزمه السهو) ش: هذا البيان ما ذكر في أول الباب بقوله يسجد للسهو للزيادة والنقصان لأنه لم يعلم من ذلك أنه، أي زيادة أو نقصان موجب ذلك، ففسر هناك بقوله ويلزمه السهو، أي يلزم الساهي في صلاته سجود السهو م: (إذا زاد في صلاته فعلا من جنسها) ش: أي من جنس الصلاة م (ليس منها) ش: أي والحال أن الذي زاد ليس من جنس الصلاة، كما إذا ركع ركوعين أو سجد ثلاث سجدات ساهيا، لأن الركوع الزائد والسجود الزائد من جنس الصلوات من حيث إنهما ركوع وسجود، ولكنهما ليسا من الصلاة لكونهما زيادة.
م: (وهذا) ش: أي قول القدوري ويلزمه السهو م: (يدل على أن سجدة السهو واجبة) ش: لأن لفظ اللزوم ينبئ عن ذلك، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا سهى الإمام وجب على المؤتم أن يسجد يدل عليه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم» ومطلق الأمر للوجوب، م: (وهو الصحيح) ش: أي كون سجود السهو واجبا هو الصحيح من المذهب، ذكره في " المحيط " و " المبسوط " و " الذخيرة " و " البدائع "، وبه قال مالك وأحمد في " فتاوى المرغيناني "، غير الكرخي من أصحابنا بقوله أنه سنة. وفي " التحفة " و " المفيد " قال القدوري: هو سنة، وقول الشافعي لأنه يجب بترك بعض السنن والخلف لا يكون فوق الأصل، كذا في " المحيط ".
م: (لأنها) ش: تعليل الوجوب، أي لأن سجود السهو م: (تجب لجبر نقص تمكن في العبادة، فتكون واجبة كالدماء في الحج) ش: عند وقوع الجناية.
فإن قلت: جبر النقصان في الصلاة بالسجدة، وفي باب الحج بالدم فما وجه تشبيه ذلك بهذا.
قلت: الأصل أن الجبر من جبر الكسر، وللمال مدخل في باب الحج فيجبر نقصانه بالدم ولا مدخل للمال في باب الصلاة، فجبر النقصان بالسجدة، ووجه التشبيه في كون كل منهما جبرا.

(2/608)


وإن كان واجبا لا يجب إلا بترك واجب أو تأخيره، أو تأخير ركن ساهيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا كان) ش: أي سجدتا السهو: (واجبا لا يجب إلا بترك واجب) ش: نحو ما إذا ترك القعدة الأولى أو القراءة فيها وقام إلى الثالثة ساهيا، لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - علق إيجابها بالسهو بقوله لكل سهو سجدتان، وإنما تضاف إلى الشروع في السهو إضافة لازمة، فلو أوجبنا ذلك في العمل لما لزمها الإضافة في السهو. وقال الشافعي: إن العمل إذا تعمد الخطأ فيما تجب فيه السجدة تجب سجدة السهو، لأنها تجبر النقصان، والنقصان يحصل فيها حالة العمد، كما يحصل حالة السهو، وفي " المجتبى " وفي العمد لا يجب السهو خلافا للشافعي إلا في مسألتين ذكرهما البديع، فلو ترك القعدة الأولى عمدا أو شك في بعض أفعال الصلاة فتفكر عمدا حتى شغله ذلك عن ركن يجب السجدة، فقلت له كيف يجب سجدة السهو بالعمد؟، قال: ذلك سجود العذر لا سجود السهو: (أو تأخيره) ش: أي تأخير واجب نحو ما إذا قام إلى الخامسة ساهيا، لأن إصابة لفظ السلام واجبة، أو بقي قاعدا على ظن أنه سلم ثم تبين أنه لم يسلم يجب عليه سجود السهو م: (أو تأخير ركن) ش: نحو ما إذا أتى بثلاث سجدات أو وعى في القعدة الأولى، لأن القيام ركن يتأخر بزيادة السجدة أو الدعاء م: (ساهيا) ش: نصب على الحال، وذو الحال محذوف تقديره يجب بترك المصلي الواجب حال كونه ساهيا، وكذلك مقدر في قوله أو تأخيره أو تأخير الركن فهذه ثلاث أشياء ذكرها المصنف.
وفي " الذخيرة " وتكلم الشيخ في هذا وأكثرهم على أنه يجب بستة أشياء بترك الترتيب فيما شرع مكررا كالسجدة وتقديم الركن وتأخيره وتكراره وترك الواجب وتغييره. وفي " المحيط " و " التحفة " و " القنية " يجب بترك الواجب الأصلي. قال في " التحفة " هو الذي يجب بسبب التحريمة، أما لو ترك واجبا ليس بأصلي في الصلاة كما لو وجب عليه سجدة التلاوة فذكرها في آخر الصلاة لا يجب عليه السهو لتأخيرها، وكذا لو سلم ساهيا ولم يتذكرها لا يسجد للسهو بتأخيرها. وذكر الأسبيجابي أنه يسجد للسهو بتأخير سجدة التلاوة عن موضعها.
ومثله في " المحيط ". وفي رواية " النوادر " لا يلزمه، وفي " الذخيرة " أما تقديم الركن قبل أن يركع وقبل أن يقرأ أو يسجد قبل أن يركع، وتأخير الركن أن يترك سجدة صلاتية سهوا فيذكرها في الركعة الثانية أو في آخر الصلاة أو تأخير القيام إلى الثالثة بالزيادة على التشهد. وتكرار الركن أن يركع ركوعين، أو يسجد ثلاث سجدات، وترك الواجب أن يترك القعدة الأولى في الفرائض. وفي " المرغيناني " في الفرائض أو التطوع وتغيير الواجب أن يجهر الإمام فيما يخافت أو يخافت فيما يجهر.
وفي " التحفة " و " الذخيرة " في رواية الأصل سوى بين الجهر والمخافتة وفي " النوادر " أن

(2/609)


هذا هو الأصل، وإنما وجبت بالزيادة؛ لأنها لا تعرى عن تأخير ركن أو ترك واجب. قال: ويلزمه إذا ترك فعلا مسنونا كأنه أراد به فعلا واجبا إلا أنه أراد بتسميته سنة أي وجوبها ثبت بالسنة. قال: أو ترك قراءة الفاتحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجهر فيما يخافت فعليه السهو قل أو كثر، وإن خافت فيما يجهر إن كان بفاتحة الكتاب أو أكثر فعليه السهو وإلا فلا، وفي غير الفاتحة إن خافت في ثلاث آيات قصار أو آية طويلة عند الكل أو قصيرة عنده فعليه السهو وإلا فلا، وعن ابن سماعة عن محمد إن جهر بأكثر من الفاتحة سجد ثم رجع إلى مقدار ما يجوز به الصلاة. وعن أبي يوسف إن جهر بحرف واحد فسجد والصحيح مقدار ما تجوز به الصلاة، والفاتحة وغيرها سواء، والمنفرد للسهو عليه ذكره في الأصل، وذكر الناطفي رواية مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المنفرد إذا جهر في المخافتة أن عليه السهو وفي ظاهر الرواية لا سهو عليه. وفي " المحيط " في رواية النوادر عليه السهو، وذكر الحلواني أن المنفرد لو كان عنده رجل يصلي وحده فعليه السهو. وفي " نوادر أبي سليمان " لو نسي حاله وظن أنه قام فجهر سجد للسهو.
م: (هذا هو الأصل) ش: يعني أن الأصل في وجوب سجدة السهو ترك الواجب أو تأخير الواجب أو تأخير الركن سهوا، فإن وجد واحدا منها يتحقق سبب الوجوب فيجب سجود السهو م: (وإنما وجب بالزيادة) ش: هذا جواب ما يقال لا يجب بالزيادة أيضا ولا ترك هناك ولا تأخير، فأجاب عن ذلك بقوله، م: (لأنها) ش: أي لأن الزيادة م: (لا تعرى عن تأخير ركن) ش: كما في زيادة السجود م: (أو ترك واجب) ش: أي الزيادة لا تعرى عن تأخير واجب كما في تأخير القيام بأن قام إلى الخامسة ساهيا، لأنه حينئذ يلزم بترك الواجب وهو إصابة لفظ السلام.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويلزمه) ش: أي ويلزم الساهي سجود السهو م: (إذا ترك فعلا مسنونا) ش: معناه ظاهرا فعلا ثابتا بالسنة، ولكن فسره بقوله م: (كأنه) ش: أي كأن محمدا م: (أراد به) ش: أي بقوله فعلا مسنونا م: (فعلا واجبا، إلا أنه أراد بتسميته سنة) ش: أي تسمية الواجب سنة، م: (أي وجوبها ثبت بالسنة) ش: يعني ثبوت وجوبها بالسنة من إطلاق اسم السبب على المسبب، وإنما أنث الضمير مع أنه يرجع إلى الفعل على تأويل القعدة لأنها واجبة بالسنة أو على تأويل سنة الفعل، وقيل أراد بقوله مسنونا ما ذكره صاحب " المحيط " وبترك سنة مضافة إلى جميع الصلاة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (أو ترك قراءة الفاتحة) ش: هذا البيان أنه كما يجب سجود السهو بترك الأفعال يجب لترك الفاتحة، وإن ترك أقلها فلا سهو عليه فكأنه قرأ كلها ذكره في " المحيط "، وإن قرأ الفاتحة مرتين في إحدى الأوليين فعليه السهو لتأخير الواجب، وهو السورة، ولو قرأ الفاتحة وسورة ثم أعاد الفاتحة فلا سهو عليه، وروى إبراهيم عن محمد إذا قرأ الفاتحة في الأوليين في ركعة مرتين فعليه السهو من غير فصل، وفي الأخيرتين لا سهو عليه، وفي " جمع

(2/610)


لأنها واجبة،
أو القنوت، أو التشهد أو تكبيرات العيدين؛ لأنها واجبات، فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: واظب عليها من غير تركها مرة، وهي أمارة الوجوب؛ ولأنها تضاف إلى جميع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التفاريق " كذلك في تكرار التشهد يعني إن كرره في القعدة الأولى فعليه السهو، وإن كرره في الثانية فلا سهو عليه، وفي " العيون " إذا تشهد مرتين فلا سهو عليه، ومثله في " المحيط ". ولو قرأ الفاتحة وآية قصيرة فعليه السهو، وإن أخر الفاتحة عن السورة فعليه السهو.
وفي " الذخيرة " و " العيون ": لو قرأ آية في ركوعه أو سجوده أو القومة أو القعود فعليه سجدتا السهو ولو تشهد في ركوعه أو سجوده أو القومة فلا سهو عليه. وذكر الناطفي في " أجناسه " عن محمد لو تشهد في قيامه قبل قراءة الفاتحة لا سهو عليه، وبعدها يلزمه وهو الأصح، وفي " المحيط " و " العيون " لو تشهد في ركوعه أو سجوده يلزمه السهو.

م: (أو القنوت) ش: أي ترك القنوت، ولو تذكره بعدما سجد عليه السهو، وكذا بعدما رفع رأسه من الركوع ويمضي ولا يقنت، ولو تذكر في الركوع ففي عوده إلى القنوت روايتان، ذكره في " المبسوط " وفي " الذخيرة "، وفي " الينابيع " وسجد للسهو فيهما أو التشهد أي ترك لو قعد قدر التشهد في الركعة الأخيرة، ولم يتشهد فعن أبي يوسف روايتان في سجود السهو، ولو ترك بعض التشهد يجب السهو، وفي " الفتاوى الظهيرية " قرأ التشهد قائما إن كان في الركعة الأولى لا يلزمه شيء، وإن كان في الثانية اختلف المشايخ فيه، والأصح أنه لا يجب م: (أو تكبيرات العيد) ش: أي أو ترك تكبيرات العيد. وفي " التحفة " والعيد لا يجب السهو بترك الأذكار. قال " الأسبيجابي " كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود لمجاريها إلا في أربعة وهي القراءة والقنوت والتشهد الأخير وتكبيرات العيدين. وفي " الأسبيجابي " إلا في خمسة وزاد تأخير السلام، وأطلق التشهد ولم يقيده بالآخر، ثم قال ويجب بتركه فيهما. وفي " التجريد و " مختصر البحر " لو ترك تكبيرة الركوع من صلاة العيد يجب السهو. قال " صاحب المحيط " والظاهر أنه أراد تكبيرة به الركوع الثاني، لأنه تبع لتكبيرات العيد، وفي " البدائع " لو زاد في تكبيرات العيدين يسجد، رواه الحسن عن أبي حنيفة.
م: (لأنها) ش: أي لأن القنوت والتشهد وتكبيرات العيدين م: (واجبات فإنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - واظب عليها) ش: أي على هذه الأشياء م: (من غير تركها مرة) ش: ومواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عليها معروفة، ولم ينقل الترك، وفي " المبسوط " ترك التشهد في القعدة الأولى أو قنوت الوتر أو تكبيرات العيدين الفائتة لا يسجد للسهو، لأن هذه الأركان سنة وبتركها لا يكون كثير من النقصان، كما إذا ترك الثناء والتعوذ، وفي الاستحسان يجب كما ذكره المصنف.
م: (وهي) ش: أي مواظبة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م: (أمارة الوجوب) ش: بفتح الهمزة، أي علامة للوجوب م: (ولأنها) ش: أي ولأن القنوت والتشهد وتكبيرات العيد م: (تضاف إلى جميع

(2/611)


الصلاة فدل على أنها من خصائصها وذلك بالوجوب، ثم ذكر التشهد يحتمل القعدة الأولى، والثانية، والقراءة فيها، وكل ذلك واجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة فقال: قنوت الوتر وتشهد الصلاة وتكبيرات صلاة العيد فدل) ش: أي الإضافة م: (أنها) ش: أي أن هذه الأشياء م: (من خصائصها) ش: أي من خصائص الصلاة، لأن الإضافة دليل الاختصاص م: (وذلك) ش: أي الاختصاص إنما يكون م: (بالوجوب) ش: لأن اختصاص الشيء بالشيء يقتضي وجوده معه، والوجوب طريق للوجود، والخصائص جمع خصيصة تأنيث الخصيص بمعنى الخاص، كالشريك والنديم بمعنى المشارك والمنادم م: (ثم ذكر التشهد) ش: أي ذكر القدوري التشهد في " مختصره " بقوله أو ترك فاتحة الكتاب أو القنوت أو التشهد م: (يحتمل القعدة الأولى والثانية والقراءة فيهما) ش: أي في الأولى والثانية وذلك لأن التشهد يطلق على الدعاء الذي فيه ذكر الشهادتين وتطلق على القعدتين م: (وكل ذلك واجب) ش: أي كل المذكور من القعدتين الأولى والثانية والقراءة فيهما واجب، وقد استشكل هاهنا من أربعة أوجه:
الأول: أن القعدة الثانية فرض، وذكر أنها واجبة.
والثاني: أن قراءة التشهد في القعدة الأولى عنده سنة، وذكر أنه واجب. والثالث: فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، إذ التشهد للقراءة فيهما حقيقة وللقعدة مجاز، إطلاقا لاسم الحال على المحل.
الرابع: أنه لو كان القعدة مرادة لزم التكرار، لأنه ذكر قبله إذا ترك فعلا مسنونا أي واجبا بالسنة.
فالجواب عن الأول: أنه أراد بقوله كل ذلك واجب غير القعدة الثانية، إذ التخصيص شائع، فإن ذكره سابقا أنها فرض دليل على أنها غير مرادة، وهو كقوله تعالى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] (النمل: الآية 23) ، مع نفي أنها لم تؤت كثيرا من الأشياء، فلهذا ذكره صاحب " الدراية " وفيه نظر، لأن ظاهره يناقض، ولأجل هذا حمله بعضهم على السهو من المصنف، وتشبيهه بقوله {وَأُوتِيَتْ} [النمل: 23] ليس بملائم، لأن التخصيص فيه بالحسن على أن قوما زعموا أن التخصيص لا يجري في الخبر كالنسخ. وأجاب الأترازي لأنه أراد وجوبها أنه إذا سهى عنها بأن قام إلى الخامسة ثم عاد إلى التشهد يلزمه سجود السهو لترك الواجب، لأنه كان يجب عليه أن لا يؤخر الركن وهو القعدة الأخيرة، فلما سهى عنها ترك الواجب.
قلت: فيه نظر أيضا، لأنه لا يدل شيء على ما ذكره من ظاهر لفظ المصنف ولا قامت قرينة تدل على ذلك، والأوجه أن يقال نعم القعدة الأخيرة فرض، ولكنها فرض ذاتا، وقد أشار إليه فيما سبق وأوجبه محلا وموضعا، ألا ترى أنه إذا قام إلى الخامسة يعود إلى القعدة ما لم يقيدها بالسجدة ويسجد للسهو ولا يعيد صلاته، فعلم أن اتصالها بالركعة الأخيرة واجب، وقد أشار

(2/612)


وفيها سجدة السهو، وهو الصحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إليه هاهنا فلا يندفع الإشكال إلا بهذا، ويحمل كلامه على السهو والخطأ فحمل كلامه على هذا الذي قررناه أحسن من حمله على السهو، وفي " النهاية " والأوجه فيه أن يحمل كلامه على رواية الحسن عن أبي حنيفة بأنه يجوز الصلاة بدون القعدة الأخيرة، وذكره في " الأسرار ".
قلت: هذا إنما يتمشى إذا كان المصنف ذهب إليه لظاهر المذهب خلاف ذلك، ويبعد عنه أن يكون هذا مذهبه.
وقال الأكمل: وأجيب بأن المراد بتركها تأخيرها بالقيام إلى الخامسة، فإن في التأخير نوع ترك، وتأخير الركن يوجب السجدة.
قلت: هذا جواب بعضهم نقله صاحب " النهاية "، ونقل عنه الأكمل ثم ينظر فيه بما حاصله أنه أراد حقيقة الترك في غيرها، ولو أريد به التأخير فيها لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا النظر أيضا لغيره، ومع هذا فلقائل أن يقول بجواز الجمع بينهما عند اختلاف المحل عند بعضهم فافهم.
الجواب عن الثاني: أن قراءة التشهد في القعدة الأولى فيها اختلاف، هل هي سنة أم واجبة، فالمصنف وإن كان يراها سنة وإنما ذكر أنها هاهنا واجبة على قول من يذهب إلى الوجوب.
وعن الثالث: أن المستحيل اجتماعها مرادين وهو مما يعارض للإرادة، إلا أن يقول القرء يحتمل الحيض والطهر وهو الجواب عن الرابع.

م: (وفيها سجدة) ش: أي في ترك قراءة الفاتحة والقنوت والتشهد وتكبيرات العيدين م: (سجدة السهو وهو الصحيح) ش: أي وجوب سجدتي السهو في هذه الأشياء هو الصحيح، واحترز به عن جواب القياس في هذه الأشياء حيث لا يجب فيها شيء، كما لو ترك الثناء والتعوذ.
وقال الأكمل: قوله وهو الصحيح احترازا عما قبل قراءة التشهد في القعدة الأولى سنة، وقال الأترازي: إنما قيد بالصحيح احترازا عما قال القاضي الإمام أبو جعفر الأستروشني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إن قراءة التشهد في القعدة الأولى سنة.
وقال صاحب " الدراية ": هو الصحيح احترازا عن جواب القياس في التشهد، وكذا قال السغناقي ثم قال ولكن جواب الاستحسان أنه واجب.
قلت: الكل متفقون على ما ليس بمراد المصنف، فالأوجه الاستدلال الذي ذكرته على ما لا يخفى على المصنف.
وفي " المحيط " قال الكرخي والطحاوي وبعض المتأخرين: القعدة الأولى واجبة وقراءة

(2/613)


ولو جهر الإمام فيما يخافت، أو خافت فيما يجهر تلزمه سجدتا السهو؛ لأن الجهر في موضعه، والمخافتة في موضعها من الواجبات. واختلفت الرواية في المقدار، والأصح قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين، لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه. وعن الكثير ممكن، وما تصح به الصلاة كثير غير أن ذلك عنده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التشهد فيها سنة عند بعض المشايخ وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة وهو الأصح، وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتفاق.
وقال السغناقي: وفيه احتراز أيضا عن إحدى الروايتين عن أبي يوسف في ترك قراءة التشهد في القعدة الثانية أنه لا يجب السهو في رواية عنه، وكذا في " جامع قاضي خان ".
م: (ولو جهر الإمام فيما يخافت) ش: يخافت على صيغة المجهول نحو صلاة الظهر والعصر م: (أو خافت فيما يجهر) ش: يجهر أيضا على صيغة المجهول، نحو صلاة المغرب والعشاء والصبح م: (يلزمه سجدتا السهو) ش: أي يلزمه سجود السهو م: (لأن الجهر في موضعه، والمخافتة في موضعها من الواجبات) ش: لمواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهما فبتركهما يلزم السهو.
وقال الشافعي: لا يجب السهو بترك الجهر والمخافتة لأنه لم يترك المقصود في المحل، وإنما ترك صفته، وقال مالك وأحمد: إن جهر في موضع الإسرار يسجد للسهو بعد السلام، وإن أسر في موضع الجهر سجد قبل السلام، وعن أحمد إن سجد فحسن، وإن ترك فلا بأس.
م: (واختلفت الرواية في المقدار) ش: وفي بعض النسخ، واختلفت بالواو وهذه أحسن، أي اختلفت الرواية عن أصحابنا في مقدار ما يتعلق به السهو من الجهر فيما يخفى، والإخفاء فيما يجهر، فذكر الحاكم الخليل عن ابن سماعة عن محمد أنه قال: إذا جهر بأكثر الفاتحة يسجد ثم رجع فقال إذا جهر مقدار ما يجوز به الصلاة تجب وإلا فلا.
وروى أبو سليمان عن محمد إن جهر بأكثر الفاتحة سجد، وإن جهر بغير الفاتحة بآية طويلة، وقد مر الكلام فيه مستقصى عن قريب.
م: (والأصح قدر ما يصح به الصلاة) ش: أي الأصح في المقدار الجهر الذي يجب به السهو القراءة قدر ما تصح به الصلاة وهو ثلاث آيات أو آية طويلة بالاتفاق أو آية قصيرة على مذهب أبي حنيفة، واحترز بقوله والأصح عما ذكره شمس الأئمة السرخسي أنه يجب سجدتا السهو، وإن كان ذلك كلمة م) في الفصلين) ش: أرد بهما جهر الإمام فيما يخفى والإخفاء فيما يجهر م: (لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه، وعن الكثير يمكن) ش: أراد بالإمكان وعدمه من حيث العادة م: (وما تصح به الصلاة كثير) ش: أي الذي تصح به الصلاة من القراءة يعد كثيرا، وما لا يصلح به الصلاة يعد يسيرا م: (غير أن ذلك) ش: أي الكثرة الذي تصح به الصلاة م: (عنده) ش:

(2/614)


آية واحدة، وعندهما: ثلاث آيات
وهذا في حق الإمام دون المنفرد؛ لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي عند أبي حنيفة م: (آية واحدة، وعندهما ثلاث آيات) ش: على ما عرف في موضعه.
فإن قلت: روى البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له عن أبي قتادة قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يصلي بنا يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، يسمعنا الآية أحيانا» ... الحديث. فدل على أن الإخفاء لم يكن واجبا كما ذهب إليه الشافعي.
قلت: هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية، وإن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل سبق اللسان للاستغراق في التدبر.

م: (وهذا) ش: أي وجوب السجدة في الفصلين م: (في الإمام) ش: أي في حق الإمام م: (دون المنفرد، لأن الجهر والمخافتة من خصائص الجماعة) ش: أي وجوبهما من خصائص الجماعة.
فإن قلت: هذا الجواب في حق المنفرد في حق الصلاة التي يجهر فيها صحيح، لأنه لا يجب الجهر على المنفرد، بل من مخير بين الجهر والمخافتة في حق الصلاة يخافت فيها ينبغي أن يجب سجدة السهو بالجهر فيها، لأن المخافتة على المنفرد واجبة فيها كالإمام.
قلت: هذا الذي ذكره جواب ظاهر الرواية.
وأما جواب رواية " النوادر " فإنه يجب عليه سجدة السهو، وكذا ذكر الناطفي في " واقعاته " رواية أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المنفرد، وإذا جهر فيما يخافت أن عليه السهو. وفي " نوادر الظهيرية " روى أبو سليمان أن المنفرد إذا ظن أنه إمام فجهر كما يجهر الإمام يلزمه سجود السهو وفي " المجتبى " سها الإمام فخافت بالفاتحة، ثم ذكر فجهر بالسورة لا يعيد الفاتحة، وقال شرف الدين العقيلي: لا خلاف أنه إذا جهر بأكثر الفاتحة، ثم ذكرها يتمها مخافتة ولو خافت بأكثر الفاتحة فيما يجهر، قيل يتمها ولا يعيد الفاتحة، وقال شمس الأئمة: وقياس مسائل " الجامع الصغير " أن يؤمر بالإعادة جهرا، وفي ترك الأولى في القراءة سهوا اختلاف بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد سهى عن قراءة البسملة في أول ركعة، فعن أبي يوسف يلزمه السهو، وفي " المنتقى " و " غريب الرواية " لو أم في النفل يجهر، فإن خافت فعليه السهو.
وفي " المحيط " زاد في التشهد الأول حرفا يجب السهو عندنا.
وقال أبو شجاع: إنما يجب إذا قال اللهم صل على محمد، وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنما يجب إذا قال معه، وعلى آل محمد، وقال المرغيناني: المعتبر قدر ما يؤدي فيه ركنا، وعن أبي يوسف ومحمد لا سهو عليه.

(2/615)


قال: وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود لتقرر السبب الموجب في حق الأصل، ولهذا يلزمه حكم الإقامة بنية الإمام، فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم؛ لأنه يصير مخالفا لإمامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الشافعي لو ترك الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول سجد للسهو.
م: (وسهو الإمام يوجب على المؤتم السجود) ش: السجود منصوب لأنه مفعول يوجب م: (لتقرر السبب الموجب في حق الأصل) ش: أراد بالسببية السهو، وبالأصل الإمام، فلما وجب عليه وجب على من خلفه، لأن النقصان المتمكن في صلاته متمكن في صلاة القوم، لأن صلاتهم متعلقة بصلاته صحة وفسادا، فوجب عليهم السجود م: (ولهذا) ش: أي ولأجل تقرر السبب الموجب في حق الأصل م: (يلزمه) ش: أي يلزم المؤتم م: (حكم الإقامة بنية الإمام) ش: يعني إذا نوى الإمام في وسط صلاته الإقامة يصير فرضهم أربعا، وإن لم يوجد من القوم النية.
م: (فإن لم يسجد الإمام لم يسجد المؤتم) ش: يعني لا يجب عليه أن يسجد م: (لأنه) ش: أي لأن المؤتم م: (يصير مخالفا لإمامه) ش: إذا سجد بدون أن يسجد الإمام، وبه قال المزني والبويطي من أصحاب الشافعي وأحمد في رواية، وعند الشافعي، ومالك وأحمد في رواية يسجد المأموم، ومذهبنا قول عطاء والحسن والنخعي والثوري والقاسم وحماد بن أبي سليمان.
وفي حديث ابن عمر «فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو» ذكر هذا الحديث ابن تيمية في " شرحه "، وكلمة على للوجوب.
فإن قلت: هاهنا إشكالان:
الأول: يشكل على هذه المسائل التسع التي ذكرت في " الخلاصة " و " الخزانة " أنها إذا لم يفعلها الإمام يفعلها القوم، وهي إذا لم يرفع الإمام يديه عند تكبيرة الافتتاح يرفع القوم. وإذا لم يبن فالمقتدي يبني، وإذا ترك تكبيرة الركوع وتسبيحته وتسميته وتكبيرة الانحطاط وقراءة التشهد والتسليم، يأتي بذلك كله المقتدي والتاسع تكبيرة التشريق.
قلت: هذه الأحكام لا تثبت في ضمن شيء باشره الإمام بل يثبت ابتداء على كل واحد من الإمام والمقتدي، ولا تجزئ فيه النيابة، بخلاف سجدة السهو، فإنها إنما تثبت في ضمن ما باشره الإمام، فلما لم يأت به لم يجب على غيره الإشكال.
الثاني: يرد على قوله لأنه يصير مخالفا وهو ما إذا قام المسبوق لقضاء ما سبق بعد فراغ الإمام والمقيم المقتدي بالمسافر يتم ركعتين بعد فراغ الإمام.
قلت: المخالفة بعد فراغ لا تعد مخالفة، وليس في المسألتين تعلق بصلاة الإمام فلا تكون مخالفة لا صورة ولا معنى.
وفي " مبسوط أبي اليسر ": ويسجد المسبوق مع الإمام للسهو سواء أدركه في القعدة أو في

(2/616)


وما التزم الأداء إلا متابعا،
فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود؛ لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه، ولو تابعه الإمام ينقلب الأصل تبعا،
ومن سها عن القعدة الأولى، ثم تذكر وهو إلى حالة القعود أقرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وسط الصلاة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فلا تختلفوا عليه» ولو لم يسجد معه وقام إلى قضاء ما سبق ثم سلم الإمام لا يلزمه سجدتا السهو بالقياس لأنه خرج عن صلاة الإمام، وفي " الاستحسان " يلزمه لأن هذه الصلاة كلها واحدة من حيث التحريمة يجب الإتيان بالكل.
وقال الشافعي: لو سها الإمام فيما أدركه بعد فسجد مع الإمام إذا سجد قبل السلام.
وعن ابن سيرين أنه لا يتابعه، وإن سجد الإمام بعد السلام لم يتابعه فيه وعندنا يتابعه، ولو سجد مع الإمام قبل السلام وقضى ما عليه يعيد سجود السهو في آخر صلاته في قوله الجديد، وفي القديم لا يعيد، ولو سها الإمام فيما لم يدركه المسبوق يلزمه حكم سهو إمامه، وقيل لا يلزمه، ولو قام المسبوق في قضاء ما سبق ولم يسجد آتيا للسهو فعليه أن يسجد ثلاثا.
م: (وما التزم الأداء إلا متابعا) ش: وما التزم المقتدي أداء الصلاة إلا حال كونه متابعا لإمامه، فلما لم يسجد إمامه لم يسجد هو أيضا تحقيقا للمتابعة.

م: (فإن سها المؤتم لم يلزم الإمام ولا المؤتم السجود) ش: السجود مرفوع لأنه فاعل لقوله لم يلزم م: (لأنه) ش: أي لأن المؤتم م: (لو سجد وحده) ش: أي بدون الإمام م: (كان مخالفا لإمامه) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ولا تختلفوا على المتكلم "، ولأنه لم يجز أن ينفرد بسهو نفسه فكذلك لم يجز أن ينفرد بسهو إمامه م: (لو تابعه الإمام) ش: أي لو تابع المقتدي إمامه في سجود السهو الذي سهاه المتقدي م: (ينقلب الأصل) ش: وهو الإمام م: (تبعا) ش: فلا يجوز لأنه متبوع، وهذا قلب الموضوع.
فإن قلت: سجود السهو يؤتى به في آخر الصلاة بعد السلام، فلم لا يصير إلى أن يسلم الإمام فيخرج عن متابعته ثم يسجد.
قلت: لا يمكن ذلك، لأن السنة أن يسلم الإمام والمأموم عقبه، فإذا سجد يقع سجوده بعد خروجه من الصلاة، لأنه يخرج بسلام الإمام.

م: (ومن سها عن القعدة الأولى) ش: أي في الفرائض الثلاثية والرباعية م: (ثم تذكر) ش: أي القعدة الأولى التي تركها م: (وهو إلى حالة القعود أقرب) ش: أي والحال أنه أقرب إلى القعود من القيام، وفي " الكافي " يعتبر ذلك بالنصف الأسفل، فإذا كان النصف الأسفل مستويا كان إلى القيام أقرب وإلا لا، وفي " الجنازية " وعلامة القرب بأن لم يرفع ركبتيه من الأرض.
وفي " المحيط ": ولو رفع أليتيه من الأرض وركبتاه عليها بعد ولم يرفعهما قعد ولا سهو عليه، وفي " البدائع " إذا كان إلى القيام أقرب فلوجود القيام وهو انتصاب النصف الأعلى.

(2/617)


عاد وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه، ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير، والأصح أنه لا يسجد كما إذا لم يقم ولو كان إلى القيام أقرب لم يعد؛ لأنه كالقائم معنى ويسجد للسهو؛ لأنه ترك الواجب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والنصف الأسفل جميعا وما بقي من الانحناء غير معتبر م: (عاد) ش: إلى القعود م: (وقعد وتشهد؛ لأن ما يقرب إلى الشيء يأخذ حكمه) ش: كفناء المصر له حق المصر في صلاة العيد والجمعة. وحريم البئر له حكم البئر، وما يقرب إلى العامر له حكم العامر في المنع من الإحياء.
م: (ثم قيل: يسجد للسهو) ش: أشار بهذا أن المشايخ اختلفوا في الصورة المذكورة، هل يلزمه سجود السهو، أم لا؟
فقال الولوالجي وأبو نصر السرخسي وغيرهما والشافعي وأحمد يسجد وهو معنى قوله ثم قيل يسجد للسهو م: (للتأخير) ش: أي لتأخير القعدة التي هي واجبة لأنه بهذا المقدار من القيام صار مؤخرا واجبا عن وقته م: (والأصح أنه لا يسجد) ش: وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل وبعض أصحاب الشافعي م: (كما إذا لم يقم) ش: يعني لو لم يقم ما كان يلزمه السهو، فكذا هاهنا، لأن كأنه لم يقم، لا إنه إذا كان إلى القعود أقرب كان له حكم القاعد فينتفي عنه إطلاق القيام عليه.
م: (ولو كان إلى القيام أقرب) ش: بأن رفع ركبتيه من الأرض م: (لم يعد إليه) ش: أي إلى القعود م: (لأنه كالقائم) ش: يعني ولو كان حقيقة القيام لما عاد إلى القعدة بالاتفاق، فكذا هاهنا لأنه أخذ حكمه بقربه منه، ثم إنما لا يعود عنه في حقيقة القيام كما أن القيام فرض والقعدة الأولى واجبة، فلا يترك الفرض لأجل الواجب م: (ويسجد للسهو لأنه ترك الواجب) ش: هذا خلاف بيننا وبين الشافعي، وأما عندنا فلأنه ترك للواجب وهو القعدة الأولى، وأما عند الشافعي فلأن عنده لا يتعلق السهو بترك السنة سوى التشهد الأول والقنوت والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التشهد الأول.
فإن قلت: يشكل على هذا ما لو قرأ آية السجدة في القيام، إن كان يترك القيام قصدا وهو فرض لأجل سجدة التلاوة وهي واجبة.
قلت: قال شيخ الإسلام: القياس هاهنا أن لا يترك القيام إلا أنه يجوز ذلك بالأثر، فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يسجدون ويتركون القيام لأجلها فترك القياس به.
وفي " المجتبى " قال الحسن: لو عاد بعد الانتصاب قيل يتشهد لنقضه القيام، والصحيح، أنه لا يتشهد ويقوم وينتقض قيامه بقعوده لم يؤمر به كمن قرأ الفاتحة والسورة، وركع لا ينتقض الركوع بسورة أخرى ينتقض ركوعه، ولو سها عن بعض التشهد فعليه السهو عند أبي حنيفة وأبي يوسف، ولو ذكر في ركوع الثالثة أنه لم يسجد في الثانية يعود فيسجد ويتشهد ثم يصلي الثالثة

(2/618)


وإن سها عن القعدة الأخيرة حتى قام إلى الخامسة، رجع إلى القعدة ما لم يسجد؛ لأن فيه إصلاح صلاته وأمكنه ذلك؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض. قال: وألغى الخامسة لأنه رجع إلى شيء محله قبله فيرتفض، وسجد للسهو لأنه أخر واجبا، وإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة؛ لأن ما دون الركعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بركوعها ولو ذكر بعد السجود يقضي السجدة ويتشهد ولا يعيد الركوع.
وفي " شرح الوجيز " إن عاد عمدا وهو عالم بأنه لا يجوز العود بطلت صلاته، وإن عاد ناسيا لم تبطل وعليه أن يقوم إذا تذكر، وإن عاد جاهلا ففي عدم الجواز وجهان ذكره في " التهذيب ". أحدهما أنه لا يعيد وتبطل صلاته لتقصيره بترك التعليم، وأصحهما أنه لا يعيد ولا تبطل صلاته كالناسي.
م: (وإن سها عن القعدة الأخيرة) ش: في ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء فقام إلى الخامسة، أو في ذوات الثلاث كالمغرب والوتر فقام إلى الرابعة أو في ذوات الاثنين كالفجر فقام إلى الثالثة. م: (حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد، لأن فيه) ش: أي لأن في رجوعه إلى القعدة م: (إصلاح صلاته وأمكنه ذلك) ش: أي إصلاح صلاته. م: (لأن ما دون الركعة بمحل الرفض) ش: لأنه ليس من تمام الصلاة، ولهذا لا يحنث به في يمينه لا يصلي.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وألغى الخامسة) ش: أي الركعة الخامسة التي قام إليها م: (لأنه رجع إلى شيء محله قبله) ش: أي رجع إلى القعود الذي محله قبل القيام إلى الخامسة م: (فيرتفض) ش: أي قيامه إلى الخامسة ليكون إتيانه القعود في محله م: (ويسجد للسهو لأنه أخر واجبا) ش: لأن الواجب عليه أن يأتي بالقعدة الأخيرة قبل القيام إلى الخامسة.
وفي " الكافي ": أراد بالواجب الواجب القطعي وهو الفرض وهو القعدة الأخيرة، لأن بتأخيره الفرض يجب السهو م: (وإن قيد الخامسة) ش: أي الركعة الخامسة التي قام إليها م: (بسجدة) ش: أي بأن سجد للخامسة م: (بطل فرضه عندنا) ش: لأن الركعة الواحدة بسجدة صلاة حقيقة وحكما حتى يحنث في يمينه لا يصلي م: (خلافا للشافعي) ش: ومالك وأحمد، فعندهم لا يبطل فرضه ويرجع ويقعد ويتشهد ويسلم لما روي «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى الظهر خمسا فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمسا. فسجد سجدتين بعدها» م: (لأنه) ش: دليلنا العقلي أي لأن الشأن م: (استحكم شروعه في النافلة قبل إكمال أركان المكتوبة) ش: والشروع في النافلة قبل إكمال الفرض يفسد له، كما لو صلى ركعتين بخلاف ما إذا لم يقيد الخامسة بسجدة م: (لأن ما دون الركعة) ش: ليس لها حكم الصلاة بدليل مسألة اليمين، وتأويل الحديث أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قعد على الرابعة بدليل أنه قال: " صلى الظهر خمسا " والظهر اسم لجميع الأركان، ومنها

(2/619)


ومن ضرورته خروجه عن الفرض، وهذا لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة، حتى يحنث بها في يمينه لا يصلي، وتحولت صلاته نفلا عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما مر فيضم إليها ركعة سادسة،
ولو لم يضم لا شيء عليه؛ لأنه مظنون،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القعدة، وإنما قام إلى الخامسة على ظن أن هذه القعدة الأولى حملا لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ما هو أقرب إلى الصواب م: (ومن ضرورته) ش: أي ومن ضرورة الشرع م: (خروجه عن الفرض) ش: لأن بينهما منافاة.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرنا من الركعة بلا سجدة لا تبطل صلاته، وإن كانت سجدة تبطل م: (لأن الركعة بسجدة واحدة صلاة حقيقة) ش: لأن الصلاة عبارة عن القراءة والقيام والركوع والسجود، وقد وجدت حكما م: (حتى يحنث بها في يمينه لا يصلي) ش: نتيجة ما قبله وقد مر الكلام فيه عن قريب م: (وتحولت صلاته نفلا) ش: أي الذي لم يقعد في الرابعة قدر التشهد، وقيد الخامسة بالسجدة تحولت، أي صارت تلك الصلاة التي صلاها نفلا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره في باب قضاء الفوائت أن بطلان الوصف لا يوجب بطلان الأصل عندهما خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيضم إليها ركعة سادسة) ش: يعني عندهما، لأن النفل شرع شفعا لا وترا للنهي عن النبي، وهل يجب عليه سجدة السهو لم يذكره، واختلفوا فيه، والأصح أنه لا يسجد، لأن النقصان بالفساد لا يجبر بالسجدة.

م: (ولو لم يضم لا شيء عليه) ش: يعني لا قضاء عليه م: (لأنه مظنون) ش: أي لأن الذي شرع فيه مظنون، والمظنون غير مضمون، لأنه قام على ظن أنها ثالثة، وهذا عند علمائنا الثلاثة، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن اقتدى به إنسان في الخامسة أو السادسة ثم أفسدها يلزمه قضاء ست ركعات في قول أبي يوسف لبقاء التحريمة ذكره في " قاضي خان ". وفي " المحيط " إن اقتدى به إنسان في الخامسة ثم أفسدها بأن عاد الإمام إلى القعدة يقضي أربعا، وإن قضى يقضي ستا عندهما.
وعند محمد لا يتصور القضاء لبطلان أصل الصلاة، قالوا: أخبر أبو يوسف بجواب محمد، فقال: زه صلاة فسدت يصلحها، الحديث، وهذا معنى ما يسأله العامة إنه صلاة يصلحها، الحديث، ففسد هذه الصلاة على قول محمد، وإنما قال أبو يوسف هذا لغيظ لحقه من محمد وهو أنه روي أن محمدا أمر بمسجد خراب قد راعت فيه الدواب وبالت فيه الكلاب فقال: هذا مسجد أبي يوسف، لأن مثل هذا يبقى مسجدا، إلى أن تقوم الساعة عنده، وعند محمد يعود إلى ملك الواقف أو إلى ورثته بعد وفاته.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زه، كلمة استعجاب عند أهل العراق، وإنما قالها أبو يوسف تهكما، وقيل الصواب: زه بالضم، والزاي ليست بخالصة كذا قال صاحب " المغرب "، وفي

(2/620)


ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه سجود كامل، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرفعه؛ لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع، ولم يصح مع الحدث، وثمرة الاختلاف فيما إذا سبقه الحدث في السجود بنى عند محمد خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولو قعد في الرابعة، ثم قام ولم يسلم عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم؛ لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع، وأمكنه الإقامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الفوائد الظهيرية ": زه بزاي مكسورة منقوطة من فوقها.
قلت: الصواب الكسر تقولها العجم عند إعجابهم بشيء فافهم.
م: (ثم إنما يبطل فرضه بوضع الجبهة عند أبي يوسف) ش: هذا بيان خلاف آخر بين أبي يوسف ومحمد، والأصل فيه أن الانتقال من الفرض إلى النفل لا يتحقق ما لم يسجد في الخامسة، ثم هذا الانتقال هل يحصل بمجرد وضع الجبهة أم لا؟، فعند أبي يوسف يحصل، لأن وجود السجدة بوضع الجبهة على الأرض لا بالرفع م: (لأنه) ش: أي لأن وضع الجبهة على الأرض م: (سجود كامل) ش: لكون السجود حقيقة في وضع الجبهة م: (وعند محمد يرفعه) ش: أي يرفع المصلي جبهته عن الأرض م: (لأن تمام الشيء بآخره وهو الرفع) ش: أي آخر السجود رفع الجبهة م: (ولم يصح مع الحدث) ش: أي لم يصح السجود مع الحدث بالاتفاق، إنما ذكر هذا لأن محمدا لما قال تمام الشيء بآخره وهو الفرع، قال لا خلاف بيننا أن الرفع لم يصح مع الحدث فلم يتم السجود.
ثم أشار المصنف إلى ثمرة هذا الخلاف بقوله م: (وثمرة الاختلاف فيما إذا سبقه الحدث في السجود) ش: يعني إذا سبقه الحدث في هذا السجود، فذهب ليتوضأ ثم تذكر أنه لم يقعد في الرابعة يتوضأ ويعود إلى القعدة ويبني على صلاته م: (وعند محمد) ش: يعني يتمها بالتشهد والسلام م: (خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فعنده لا يبني، لأن صلاته فسدت بوضع الجبهة، ولا بناء على الفاسد، قال فخر الإسلام: المختار للفتوى قول محمد لأنه أوفق وأقيس، لأن السجود لو تم قبل الرفع وجعل دوامه لتكراره لم ينقضه الحدث، يعني بالاتفاق أن الحدث ينقض كل ركن وجد هو فيه، حتى لو قضى وبنى على صلاته وجب عليه إعادة ذلك الركن الذي وجد فيه الحدث، ولو تم السجود بوضع الجبهة لما احتاج إلى إعادته كما لو وجد الحدث بعد الرفع.
م: (ولو قعد في الرابعة ثم قام ولم يسلم) ش: أي ولو قعد المصلي في آخر الركعة الرابعة ثم قام إلى الخامسة والحال أنه لم يسلم على ظن أنها القعدة الأولى م: (عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم) ش: يعني ما لم يقيد الركعة الخامسة بالسجدة، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام إلى الخامسة فسبح به فعاد وسلم وسجد سجدتي السهو م: (لأن التسليم في حالة القيام غير مشروع، وأمكنه الإقامة) ش: أي

(2/621)


على وجهه بالقعود؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض.
وإن قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر ضم إليها ركعة أخرى، وتم فرضه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أمكنه إقامة السلام م: (على وجهه) ش: أي على الوجه المسنون م: (بالقعود) ش: يعني بالعود إلى القعود م: (لأن ما دون الركعة محل الرفض) ش: كما لو أقام المؤذن وهو في الركعة الأولى، ولا يقيدها بالسجدة فإنه يرفضها.
فإن قلت: إذا سلم قائما ماذا حكمه؟.
قلت: لا تفسد صلاته، كذا في " الخلاصة " وغيرها، ثم في هذه المسألة إذا عاد لا يعيد التشهد، وكذا لو قام عامدا. وقال الناطفي: يعيد، ثم قيل: القوم يتبعونه، فإن عاد عادوا معه، وإن مضى في النافلة اتبعوه لأن صلاتهم تمت بالقعدة، والصحيح ما ذكره البلخي عن علمائنا أنهم لا يتبعونه، لأنه لا اتباع في البدعة، لكن ينتظرونه قعودا، فإن عاد قبل تقيد الخامسة بالسجدة اتبعوه بالسلام، فإن قيد سلموا في الحال، كذا في " المحيط " و " التمرتاشي ".

م: (وإن قيد الخامسة بالسجدة ثم تذكر) ش: أنه زاد ركعة خامسة، وأنه ترك السلام م: (ضم إليها) ش: أي إلى الخامسة م: (ركعة أخرى) ش: لفظ ضم وفي " المبسوط " ما يدل على الوجوب، فإنه قال: وعليه أن يضيف، وكلمة على للإيجاب.
وعند الشافعي: لا يضم لأن الركعة الواحدة مشروعة عنده م: (وتم فرضه) ش: لكن في الظهر والعصر والعشاء يضيف إليها السادسة لتكون الأربع الأول فرضا، والآخران نفلا، وعند الشافعي: يعود إلى القعدة ولا يضيف السادسة فإن أضافها فسدت صلاته لأنه انتقل إلى صلاة أخرى وعليه ركن، لأن إضافة لفظ السلام ركن عنده، وعندنا لا تفسد ظهره، لأنه انتقل إلى صلاة أخرى وليس عليه ركن لأن إصابة لفظ السلام ليس بركن عندنا، وإضافة السادسة للاحتراز عن البتيراء المنهية.
فإن قلت: النهي يدل على المشروعية عندكم كما عرف في الأصول.
قلت: يذكر النهي ويراد به المنفي كالفسخ يراد به النسخ يدل عليه قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما أخرت ركعة قط ولا يضيف السادسة في العصر، لأن التنفل بعد العصر مكروه، وعن هشام عن محمد أنه لا بأس به لأن التنفل بعد العصر إنما يكره إذا قصده أما إذا وقع فيه لا يقصده فلا يكره، لأنه لا يخصان إلا عن اختيار، كذا ذكر الصدر الشهيد في شرح " الجامع الصغير ". قال الصدر الشهيد: الفتوى على قول محمد. وقال قتادة والأوزاعي فيمن صلى المغرب أربعا تضيف إليها ركعة أخرى فتكون الركعتان له نافلة قال: وإن لم يضم إليها ركعة أخرى فلا شيء عليه لأنه مظنون.

(2/622)


لأن الباقي إصابة لفظ السلام وهي واجبة. وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان نفلا؛ لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن البتيراء، ثم لا تنوبان عن سنة الظهر وهو الصحيح؛ لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة، ويسجد للسهو استحسانا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن الباقي) ش: من صلاته م: (إصابة لفظ السلام وهي) ش: أي إصابة لفظ السلام م: (واجبة) ش: وترك الواجب لا يفسد الصلاة، ولكن يوجب سجدتي السهو م: (وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان) ش: الزائدتان على الأربع نفلا م: (لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البتيراء) ش: قد مر الكلام في حديث البتيراء في باب الوتر.
م: (ثم لا تنوبان) ش: أي هاتان الركعتان الزائدتان لا ينوبان، يعني لا تقومان ولا يجزئان م: (عن سنة الظهر) ش: وهي الركعتان المسنونتان بعده م: (وهو الصحيح) ش: يعني عدم إنابة هاتين الركعتين عن سنة الظهر هو الصحيح، واحترز بقوله عن قول بعض المشايخ أنهما ينوبان عن سنة الظهر وهي رواية ابن سماعة عن محمد.
وقيل: هو قول أبي يوسف ومحمد لأنه أتى بالركعتين في موضع السنة فيقومان عنها، كما قال شمس الأئمة الحلواني فيمن صلى آخر الليل ركعتين بنية التطوع على ظن أن الفجر لم يطلع فظهر أنه كان قد طلع عند افتتاحها لفظ هذا الجواب أنهما يجزئانه عن ركعتي الفجر، كذلك هنا، وإلى عدم جواز الإنابة ذهب فخر الإسلام البزدوي وأبو عبد الله الخير وشمس الأئمة وقاضي خان وجماعة من مشايخ بخارى، وقيل: هو قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (لأن المواظبة عليها بتحريمة مبتدأة) ش: أي لأن مواظبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على سنة الظهر كانت بتحريمة مبتدأة أي مستقلة لا مبنية على غيرها، لأن السنة عبارة عن طريقة النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وهو كان يتطوع بتحريمة مبتدأة قصدا، ولأن المشروع صلاة كاملة على صفة السنة فلا يتأدى بما هو مظنون ناقصا غير مضمون.
م: (ويسجد للسهو استحسانا) ش: أي من حيث الاستحسان، والقياس يقتضي أن لا يسجد للسهو، لأن السهو وإن تمكن في الفريضة فقد أدى بعدها صلاة أخرى ولزم من صحة الشروع فيها الانقطاع عن الفريضة، ومن سهى في صلاته لا يسجد في صلاة أخرى.
وجه الاستحسان وإن انتقل من الفرض إلى التنفل بناء على التحريمة فيجعل في حق وجوب السهو، فإنهما صلاة واحدة، وهذا كمن صلى ست ركعات تطوعا بتسليمة واحدة وسهى في الشفع الأول يسجد للسهو في آخر الصلاة، وإن كان كل شفع صلاة على حدة لكن كلها في حق التحريمة صلاة واحدة.

(2/623)


لتمكن النقصان في الفرض بالخروج لا على الوجه المسنون، وفي النفل بالدخول لا على الوجه المسنون، ولو قطعها لم يلزمه القضاء؛ لأنه مظنون، ولو اقتدى به إنسان فيهما يصلي ستا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه المؤدى بهذه التحريمة، وعندهما ركعتين لأنه استحكم خروجه عن الفرض، ولو أفسده المقتدي فلا قضاء عليه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبارا بالإمام،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم اختلف في هذه السجدة هل هي لنقص في النفل أو لنقص في الفرض؟، فقال أبو يوسف لنقص في النفل، وقال محمد لنقص في الفرض، وأشار المصنف إلى قوليهما من غير تصريح باسمهما بقوله م: (لتمكن النقصان في الفرض) ش: أشار هنا إلى قول محمد أراد أن النقصان تمكن في الفرض م: (بالخروج) ش: عنه م: (لا على الوجه المسنون) ش: هو خروجه بإصابة لفظ السلام بعد أربع ركعات، وقد ترك ذلك فيكون نقصانا في الفرض.
وقوله: م: (وفي النفل) ش: وهو الركعتان إشارة إلى قول أبي يوسف وهو تمكن النقصان في النفل م: (بالدخول) ش: أي بدخوله م: (لا على الوجه المسنون) ش: وهو كونه بلا تحريمة مبتدأة، وإنما قدم قول محمد على قول أبي يوسف لأنه هو المختار والمعتمد للفتوى، وذكره فخر الإسلام في " الجامع الصغير ".
م: (ولو قطعها) ش: أي ولو قطع الخامسة بأن لم يضف إليها سادسة م: (لا يلزمه القضاء) ش: عندنا خلافا لزفر م: (لأنه مظنون) ش: والمشروع من الصلاة أو الصوم على وجه الظن غير ملزم عندنا خلافا له م: (ولو اقتدى به) ش: أي بالمصلي المذكور م: (إنسان فيهما) ش: أي الركعتين المضمومتين م: (يصلي ستا) ش: أي ست ركعات م: (عند محمد لأنه هو المؤدى) ش: بفتح الدال م: (بهذه التحريمة) .
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (ركعتين) ش: أي يصلي ركعتين م: (لأنه استحكم خروجه من الفرض) ش: فلا يلزمه غير هذا الشفع، وذكر صاحب " خلاصة الفتاوى " الخلاف بين محمد وصاحبه كما ذكر صاحب " الهداية " ولكن المذكور في " شرح الجامع الصغير " للصدر الشهيد و " شرح الطحاوي " و " المنظومة " و " شروحها " أنه يصلي ستا عند محمد وركعتين عند أبي يوسف، ولم يذكر قول أبي حنيفة وهو الصحيح، لأنه ذكر الناطفي في " الأجناس " قول أبي يوسف عن النوادر المعلي وعن قول محمد عن نوادر ابن سماعة، ولم يذكر قول أبي حنيفة في كتب المتقدمين.

م: (ولو أفسده المقتدي) ش: أي لو أفسده المقتدي أي الواحد المقتدي ما شرع فيه م: (فلا قضاء عليه عند محمد اعتبارا بالإمام) ش: يعني اعتبر محمدا اعتبار الحال الإمام، فإن هذه الصلاة المظنونة غير مضمونة في حق الإمام، فلو صارت في حق المقتدي مضمونة لصار بمنزلة اقتداء المفترض بالمنتفل وهو باطل.

(2/624)


وعند أبي يوسف يقضي ركعتين؛ لأن السقوط بعارض يخص الإمام. وقال: ومن صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو، ثم أراد أن يصلي أخريين لم يبن لأن السجود يبطل لوقوعه في وسط الصلاة بخلاف المسافر إذا سجد للسهو، ثم نوى الإقامة حيث يبني؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعند أبي يوسف يقضي ركعتين لأن السقوط) ش: أي سقوط وصف الضمان م: (بعارض) ش: أي بسبب عارض م: (يخص الإمام) ش: وهو شروعه ساهيا على عزم أداء الواجب، ولم يوجد هذا العارض في حق المقتدي فيلزمه القضاء دون الإمام، لكن يقضي ركعتين لانقطاع إحرام الفرض عند أبي يوسف، والأصل فيه ما ذكر فخر الإسلام ناقلا عن " النوادر " أنه إذا شرع في صلاة مظنونة هل تكون هي مضمونة هل تكون هي مضمونة في حق المقتدي أم لا.
قال أبو يوسف هي مضمونة وقال محمد: غير مضمونة، وأما نقص الصلاة فهي مضمونة في الأصل لأن ابتداء النفل بلا ضمان غير مشروع إذا كان قصدا كاملا، بخلاف الصبي والمعتوه، فإن شروعهما ليس بملزم لقصور قصدهما فلو قصد قصر هذا الحصر بسبب شروعه ساهيا التحق بهما، بخلاف المقتدي فإنه شرع عامدا فلم يجز إلحاقه بهما وفتوى فخر الإسلام هنا على قول أبي يوسف، وفرق أبو يوسف بين هذا وبين ما إذا لم يقعد على الرابعة بأن هناك بطل فرضه، ولأن الإحرام في الابتداء منعقد بست ركعات، فإذا اقتضى به إنسان لزمه موجب تلك التحريمة، وأما هاهنا فقد تم فرضه لما ذكرنا، وشرع في النفل والمقتدي اقتدى به النفل فلا يلزمه غير ركعتين.
والحاصل أن هناك صلاة واحدة فيلزم الجميع، وهاهنا صلاتان فتلزم الأخرى. وقال الأكمل: قيل فرق الكلام عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
قلت: قائل هذا هو السغناقي فإن قال ذلك بدليل ما تقدم في قوله، وعندهما ركعتان بدليل ما ذكر في " الجامع الصغير " لقاضي خان، وعندهما يقضي الركعتين.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن صلى ركعتين تطوعا فسها فيهما وسجد للسهو، ثم أراد أن يصلي أخريين لم يبن) ش: يعني ليس ذلك م: (لأن السجود) ش: أي سجود السهو م: (يبطل لوقوعه في وسط الصلاة) ش: لأن سجود السهو لم يرع إلا في آخر الصلاة، ومع هذا لو بنى صح بناؤه لبقاء التحريمة وغير المذكور في ظاهر الرواية، كذا قال خواهر زادة في " مبسوطه "، ثم قال: وينبغي أن يعيد سجدتي السهو ثانيا لأن سجود السهو في وسط الصلاة لا يعيدها.
قال المرغيناني: ولو بنى جاز نص عليه في " الاعتصام "، وفي " المحيط " لو بنى جاز، وفي إعادة السجود اختلف المشايخ والمختار يعيد م: (بخلاف المسافر إذا سجد للسهو ثم نوى الإقامة) ش: يعني المسافر إذا سهى فسجد لسهوه ثم نوى الإقامة يتم، وإن كان يلزم إبطال سجود السهو.

(2/625)


لأنه لو لم يبن تبطل جميع الصلاة، ومع هذا لو أدى صح لبقاء التحريمة
ويبطل سجود السهو هو الصحيح، ومن سلم وعليه سجدتا السهو فدخل رجل في صلاته بعد التسليم، فإن سجد الإمام كان داخلا وإلا فلا، وهذا عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو داخل سجد الإمام أو لم يسجد؛ لأن عنده سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا؛ لأنها وجبت جبرا للنقصان، فلا بد من أن يكون في إحرام الصلاة، وعندهما يخرجه على سبيل التوقف؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه لو لم يبن تبطل جميع الصلاة) ش: أي صلاته أصلا، لأنه صار فرضه أربعا بنية الإقامة، وأبطل السجود في إبطال الصلاة، فلأجل هذه الضرورة، قلنا بمشروعية البنائية في حق المسافر دون المتطوع، حيث لا ضرورة في بنائه.
وفي " المبسوط " لأن ذلك بعذر شرعي قد يكون بغير صنعه كالجند يصيرون مقيمين بنية الإمام والمرأة بنية زوجها والعبد بنية سيده، وهنا بالمباشرة وقصده، وفي " المرغيناني ": لو نوى الإقامة بعد الصلاة قيل لم تصح صلاته بنية في هذه الصلاة، وقيل معناه مع كونه لم يبن ويسقط عنه سجود السهو. م: (ومع هذا) ش: أي ومع وقوع سجود السهو في وسط الصلاة م: (لو أدى صح لبقاء التحريمة) ش: في حق التطوع، وذكرنا أن الاختلاف في إعادة سجود السهو عند البناء.

م: (ومن سلم وعليه سجدتا السهو) ش: أي ومن سلم في آخر صلاته، والحال أنه عليه سجدتا السهو م: (فدخل رجل في صلاته بعد التسليم) ش: أي فاقتدى به رجل في الصلاة هذا الإدخال يفصل فإن سجد الإمام كان داخلا يعني فإن عاد الإمام إلى سجود السهو كان الرجل داخلا لكون الإمام في حرمة الصلاة بعوده إلى السجود م: (وإلا فلا) ش: يعني وإن لم يعد الإمام إلى السجود، فلا يكون الرجل داخلا م: (وهذا) ش: أي هذا الحكم بالقصد المذكور.
م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وأصل هذه المسألة أن سلام من عليه السهو لا يخرجه عن حرمة الصلاة، وإلا فلا، وأشار إلى هذا الأصل والتعليل من الجانبين بقوله م: (وقال محمد هو) ش: أي الرجل م: (داخل) ش: أي في صلاة الإمام م: (سجد الإمام أو لم يسجد، لأن عنده) ش: أي عند محمد.
م: (سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا) ش: يعني لا خروجا موقوفا ولا باتا م: (لأنها) ش: أي لأن سجدة السهو م: (وجبت جبرا للنقصان) ش: المتمكن في الصلاة م: (فلا بد من أن يكون في إحرام الصلاة) ش: أي فلا بد أن يكون الجابر للنقصان في إحرام الصلاة فحينئذ يسقط معنى التحليل على السلام، ولهذا لو سجد سقط معنى التحليل بالاتفاق.
م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي حنيفة وأبي يوسف م: (يخرجه) ش: أي يخرج سلام الإمام إياه عن الصلاة م: (على سبيل التوقف) ش: على العود فإن عاد كان الرجل داخلا وإلا فلا م: (لأنه)

(2/626)


محلل في نفسه، وإنما لا يعمل لحاجته إلى أداء السجدة فلا يظهر دونها ولا حاجة على اعتبار عدم العود ويظهر الاختلاف في هذا
وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة، وتغير الفرض بنية الإقامة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي لأن السلام م: (محلل في نفسه) ش: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تحليلها التسليم» ، وبالإجماع أيضا م: (وإنما لا يعمل) ش: أي السلام لا يعمل عمله هاهنا م: (لحاجته) ش: أي لحاجة المصلي وضرورته م: (إلى أداء السجدة فلا يظهر) ش: أي عمله م: (دونها) ش: أي دون الحاجة م: (ولا حاجة إلى اعتبار) ش: إعادتها م: (عدم العود) ش: فيعمل عمله حينئذ لتحقق المقتضى وزوال المانع.
فإن قلت: ينبغي أن لا يصح الاقتداء، وإن عاد إليها، لأن التحريمة عندهما يعود ضرورة يمكنه من السجود، فينبغي أن لا يظهر في حق غيره.
قلت: العود وإن ثبت بطريق الضرورة، لكن لما ثبت ثبت مع ما هو من لوازمه وضروراته وصحة الاقتداء من ضروراته، وهذا كما هو في حرة تحت عبد قالت لمولاه: أعتق عبدك عني بألف درهم، وقع العتق عنها وثبت الملك لها بطريق الضرورة، وجاء فساد النكاح وثبت الولاء لها، لأن الفساد من لوازم الملك والولاء من لوازم العتق، والشيء ثبت بلوازمه.
ولما بين الأصل والتعليل من الحديثين شرع في بيان ثمرة الاختلاف المذكور بقوله م: (ويظهر الاختلاف في هذا) ش: أي تظهر فائدة الاختلاف المذكور بين سجدة في المذكور من المسألة، وهو ما إذا دخل رجل في صلاة رجل، وعليهما السهو هل يكون داخلا أم لا؟ فعند محمد يكون داخلا سواء سجد للسهو أو لا، وعندهما إن سجد يكون داخلا وإلا فلا، ثم إذا سجد الإمام حتى صار الرجل داخلا في صلاته، فلو سجد مع الإمام ثم قام يقضي ما عليه لم يكن عليه أن يعيد السهو، وإن كان ذلك للسهو في وسط الصلاة، لأن هذا آخر صلاة الإمام حقيقة، فتكون آخر صلاته حكما تحقيقا للمتابعة، فإن سها الرجل فيما يقضي فعليه أن يسجد للسهو، وسجود الأول مع الإمام لا يجزئه مع سهوه، لأن المسبوق فيما يقضي منفردا فسجوده مع الإمام لا يجزئه عن سهوه في حالة انفراده.

م: (وفي انتقاض الطهارة بالقهقهة) ش: أي وتظهر فائدة الاختلاف المذكور يعني إن ضحك الذي سلم، وعليه سجود السهو تنقض طهارته عند محمد وزفر، لأنه ضحك في حرمة الصلاة، وعندهما لا تنقض، وكذلك لو ضحك المقتدي في هذه الحالة م: (وتغير الفرض بنية الإقامة) ش: أي وتظهر أيضا فائدة الخلاف المذكور في تغير الفرض بنية الإقامة يعني المسافر إذا نوى الإقامة في هذه الحالة قبل سجود السهو، فعند محمد وزفر يتغير فرضه أربعا كما نوى قبل السلام، وعندهما لا يتغير فرضه سواء سجد للسهو أو لا، والصورة التي ذكرها المصنف ثلاثة، والصورة الرابعة: فمن اقتدى به بنية التطوع ثم تكلم هذا المقتدي قبل أن يسجد الإمام للسهو لا

(2/627)


في هذه الحالة،
ومن سلم يريد به قطع الصلاة، وعليه السهو فعليه أن يسجد لسهوه؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قضاء على المقتدي عندهما، وعند محمد يلزمه قضاء ما سهى الإمام، كذا في " الجامع الصغير " لقاضي خان.
وسئل تاج الشريعة عن مسألة القهقهة بقوله:
فإن قلت: لما كان أمر الخروج موقوفا لم يحكم بتمامه، فكان ينبغي أن يلزمه الوضوء لصلاة أخرى.
قلت: وإن كان يتوقف فإن حرمة الصلاة هاهنا واقعة بالإضافة إلى حرمة الصلاة القائمة قطعا، فلا يساوي هتكها في إيجاب الزاجر وهو تجديد الوضوء هتك لهذه الحرمة، فأشبه هتك حرمة الصلاة على الجنازة.
وقال الأكمل: فإن قيل: إذا كان الخروج موقوفا كان خارجا من وجه دون وجه، وذلك يستدعي أن يكون حكم هذه المسائل عندهما فحكمها عنده احتياطا.
أجيب: بأنه ليس معناه الخروج من وجه دون وجه، بل معناه الخروج من كل وجه يمكن تعرضه العود.
قلت: سئل هذا الكلام من كلام السغناقي حيث قال: قلت: وهذا يعرف إن عندهما من سلم للسهو يخرج عن حرمة الصلاة من كل وجه، لا أن يكون معنى التوقف إن ثبت الخروج من وجه دون وجه، ثم بالسجود يدخل في حرمة الصلاة لأن لو كان في حرمة الصلاة من وجه لكانت الأحكام على حكمها عندهما أيضا، كما هو مذهب محمد من انتقاض الطهارة بالقهقهة، ولزوم الأداء بالاقتداء ولزوم الأربع عند غير الإقامة عملا بالاحتياط.
قلت: هذا لا يخلو عن نظر، لأنهم فسروا قوله سلام من عليه السهو لا يخرجه عن الصلاة أصلا بقولهم، لا خروجا موقوفا ولا باتا يعني عند محمد وعندهما يخرجه خروجا موقوفا، فافهم.
م: (في هذه الحالة) ش: قيد الصور الثلاثة يعني بعد السلام قبل سجود السهو.

م: (ومن سلم يريد قطع الصلاة) ش: يعني في عزمه أن لا يسجد للسهو، ومع هذا عليه السهو وهو معنى قوله م: (وعليه السهو) ش: أي والحال أن عليه السهو هاهنا حالان:
الأول: جملة فعليه مضارعة بدون الواو.
الثاني: جملة اسمية بالواو وعلى الأصل.
م: (فعليه أن يسجد لسهوه) ش: أي ما يوجب عليه أن يسجد لأجل سهوه، وهذا كما تراه

(2/628)


لأن هذا السلام غير قاطع، ونيته تغيير المشروع فلغت لا تصح نيته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مطلق، ولكن قيده في الأصل حيث قال إنه يسجد للسهو قبل أن يقوم أو يتكلم، وفي رواية قبل أن يتكلم أو يخرج من المسجد.
فالأول يدل على أنه متى قام عن مجلسه فاستدبر القبلة لا يأتي بسجود السهو، وإن لم يخرج من المسجد، والثاني يدل على أنه يأتي به قبل أن يتكلم ويخرج من المسجد، وأن يمشي وانحرف عن القبلة وهو قول بعض المشايخ من أصحابنا.
م: (لأن هذا السلام) ش: أي لأن السلام الذي أراد به قطع الصلاة م: (غير قاطع) ش: لحرمة الصلاة، أما عند محمد فظاهر، لأنه لا يخرجه عن حرمة الصلاة أصلا.
وأما عندهما فلا يخرجه [ ... ] ، فلا ينقطع الإحرام به مطلقا م: (ونيته) ش: أي إرادته بذلك السلام قطع الصلاة م: (تغيير المشروع) ش: لأن السلام غير قاطع شرعا، فجعله قاطعا بالنية تغيير المشروع وهو لا يتغير بالقصد والعزائم. م: (فلغت) ش: أي بنية قطع الصلاة بالسلام، كما إذا نوى الإبانة بصريح الطلاق م: (لا تصح نيته) ش: فيكون رجعيا، أو كما لو نوى الظهر ستا أو نوى المسافر أربعا تلغو نيته، كذا في " المبسوط ".
فإن قلت: لو سلم وهو ذاكر بسجدة صلاتية أو سجدة تلاوية أو التشهد فسدت صلاته، كذا في " المحيط "، وهذه النية تغيير للمشروع، فلم تلغ.
قلت: تلك الأشياء يؤتى بها في حقيقة الصلاة وقد بطلت بالسلام العمد وسجود السهو يؤتى بها في حرمتها وهي باقية إذا كان عليه سجود السهو.
فإن قلت: نية الكفر تبطل الإيمان، ولم تلغه وإن كانت بغير المشروع.
قلت: نية الكفر كفر، ومتى ثبت الكفر ارتفع الإيمان، لأنهما لا يجتمعان.
فإن قلت: السلام وحده يخرج عن حرمة الصلاة عندهما، فكيف لا يكون مخرجا مع نية القطع، وهذا تناقض.
قلت: هذان وإن كانا مختلفين صورة لكنهما متفقان معنى فلا تناقض، لأن سلام من عليه السهو يخرج عن إحرام الصلاة، لكن على عرضه العود إليه بالسجود من غير فصل بين أن ينوي العود أو ينوي عدمه أو لم ينو شيئا فلا عبرة لنيته، فكان الأول لبيان الإطلاق، والثاني لبيان التقييد فافهم.
واستشكل بأن النية هنا لم توجد مجردة عن العمل إذا لم يكن ذلك العمل المقرون به النية مستحقا على زمان اقتران النية والسلام زمان اقتران النية به تستحق عليه، لأنه يوجب عليه أن يسلم حتى يتمكن من أن يسجد للسهو فلا تعمل النية، فكانت النية مجردة عن العمل على هذا

(2/629)


ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا، وذلك أول ما عرض له استأنف؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التقدير.

[حكم الشك في عدد ركعات الصلاة]
م: (ومن شك في صلاته) ش: الشك في اللغة خلاف اليقين، وقد شككت في كذا ربت م: (فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا) ش: ذكره بالفاء تنبيها على معنى الشك بأنه عبارة عن تساوي الطرفين فإن عدم دراية صلاته بثلاث ركعات مثل عدم درايته بأربع ركعات فالطرفان متساويان وإلا فالتركيب كان يقتضي بواو الحال والهمزة فيه للتسوية لأنها خرجت عن الاستفهام الحقيقي، فعند ذلك ترد لمعان كثيرة منها التسوية وانتصاب ثلاثا بقوله صلى م: (وذلك) ش: أي الشك م: (أول ما عرض له) ش: اختلفوا في معناه، وقال صاحب " الأجناس " معناه أول ما سها في عمره، وقال شمس الأئمة السرخسي: معناه أن السهو ليس بعادة له لا أنه لم يشتبه في عمره، قال الفقيه: أول ما سها في هذه الصلاة، وقيل: أول السهو وقع له ولم يكن سها في صلاته قط من حين بلغ.
م: (استأنف) ش: أي استقبل الصلاة، وهذه الجملة وقعت جوابا م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة» ش: هذا بهذا اللفظ غريب ولم يبين أحد من الشراح حال هذا الحديث، فهذا عجيب منهم، وأعجب من ذلك ما قاله الأترازي ولنا ما روى خواهر زاده وغيره في " المبسوط " عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال «إذا شك أحدكم» .. إلخ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث ابن سيرين عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: أما أنا فإذا لم أدر كم صليت فإني أعيد، وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر في الذي لا يدري ثلاثا صلى أو أربعا قال: يعيد حتى يحفظ، وعن جرير عن منصور قال: سألت ابن جبير عن الشك في الصلاة، فقال: أما أنا فإذا كنت في المكتوبة فإني أعيد، وعن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يعيد. وكان شريح يقول يعيد، وعن ليث وعن طاوس قال: إذا صليت فلم تدر كم صليت فأعدها مرة، فإن التبست عليك مرة أخرى فلا تعدها، وقال عطاء: يعيد مرة، وروي ذلك عنه عن مالك وعبد الملك.
ومذهب الشافعي أنه يبني على الأقل وبه قال مالك في الأحوال كلها وبه قال أحمد في المنفرد، وعن أحمد في الإمام روايتان أحدهما أنه يبني على الأقل، والثانية أنه يبني على غالب الظن ويسجد للسهو، واحتج الشافعي بما رواه أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليلق الشك وليبن على اليقين» ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه أمر بالبناء على اليقين ولم يفصل، ونحن نقول: إن إلقاء الشك كما يكون بالبناء على الأقل يكون بالاستئناف بل الاستئناف أولى، لأنه أبعد من الشك، لكونه خروجا عن العهدة بيقين، والعجب أن أكثر الشراح يحتجون للشافعي بحديث أبي سعيد

(2/630)


وإن كان يعرض له كثيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المذكور، ثم يحتجون لهم بما ذكره المصنف، فما أبعد هذا من القواعد!
أقول: قال القدوري: قال أصحابنا: الشك يتحرى ولم يفصلوا وهذه رواية الأصول، ووجهه حديث ابن مسعود مرفوعا: «وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه» ، أخرجه البخاري ومسلم، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه يبني على اليقين كما في حديث أبي سعيد الخدري الذي احتج به الشافعي، ووفق أصحابنا بين الأحاديث، وحملوا حديث الاستقبال على الشك في أول أمره، لأنه لا حرج عليه فيه وحملوا حديث ابن مسعود على ما إذا كان يعرض له الشك كثيرا، أوله رأي لأن في الاستئناف في كل مرة حرجا بينا، وفي البناء على اليقين احتمال خلط النافلة بالفرض قبل تمامه، وحملوا حديث أبي سعيد على من تكرر له الشك وليس له ظن وترجيح.
وقال النووي: قال أبو حنيفة: إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته، وإن صار عادة له اجتهد وعمل بغالب ظنه، وإن لم يظن شيئا عمل بالأقل، ثم قال: قال أبو حامد: قال الشافعي في القديم: ما رأيت قولا أقبح من قول أبي حنيفة هذا، ولا أبعد من السنة.
قلت: قد ذكر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كل واحدة من الأحوال الثلاث حديث، فكيف يقبح الشافعي القول المؤيد بالحديث ويقول: ولا أبعد من السنة، مع كونه قول ابن عمر كما ذكرنا عن قريب، فذكرنا قوله أيضا عن جماعة من السلف الصالحين أئمة الهدى ممن بعده أبا حنيفة، فحينئذ ليس في تخصيصه قول أبي حنيفة بالتقبيح والتبعيد عن السنة معنى، وليس هذا من دأب أهل العلم.
ونقل النووي وابن قدامة وغيرهما من المخالفين لنا عن أبي حنيفة أنه قال إن حصل له الشك أول مرة بطلت صلاته ليس بصحيح، ولا يوجد هذا في أمهات كتب أصحابنا المشهورة، بل المشهور فيها أنهم قالوا استقبل لتقع صلاته على وصف الصحة بيقين.
وقال أبو نصر البغدادي المعروف بالأقطع: الاستئناف أولى لأنه يسقط به الشك بيقين، وفي " الذخيرة " عطف على مسألة الكتاب بقوله أو هل أحدث أم لا؟، أو هل أصاب ثوبه نجاسة؟ إن كان ذلك أول مرة استقبل ولا شك أن صلاته لا تبطل بالشك.

م: (وإن كان) ش: الشك م: (يعرض له كثيرا) ش: أي غالب أحواله ذلك، وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " كان أبو الحسن يقول معناه إن الشك يعتاده حتى يصير غالب حاله كلما أعاد شك ولا يتوصل إلى أداء فرضه باليقين إلا بمشقة، فجاز أن يرجع إلى الاجتهاد، وقال شيخ الإسلام: معناه أن السهو في صلاة واحدة مرتين، وقيل مرتين في عمره، وقيل: مرتين في

(2/631)


بنى على أكبر رأيه؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فليتحر الصواب» .
وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سنة م: (بنى على أكثر رأيه) ش: إن كان له رأي، وعند الشافعي ومالك بنى على الأقل كما ذكرناه م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من شك في صلاته فليتحر الصواب» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعا، ولفظهما «إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فيتم عليه» .
فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة " حديث ابن مسعود هذا رواه الحاكم بن عتيبة والأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله دون لفظ التحري، ورواه إبراهيم بن سويد عن علقمة عن عبد الله دون لفظ التحري، فأشبه أن يكون من جهة ابن مسعود أو من دونه فأدرج في الحديث.
قلت: تمام الحديث عن عبد الله بن مسعود «صلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فزاد أو نقص فلما سلم قيل يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟، قال: وما ذاك؟، قالوا صليت كذا وكذا، قال فثنى رجليه واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: " إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكني أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين» ، هذا لفظ البخاري في أوائل كتاب الصلاة في باب التوجه إلى القبلة حيث كان ولم يذكر مسلم السلام، ولفظه: " فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين "، وأخرجه أبو داود بلفظ البخاري، ولفظ ابن ماجه فيه بالواو، ولفظه: «ويسلم، ويسجد سجدتين» وأما النسائي فلم يذكر فيه وإذا شك أحدكم.. إلخ. وقد رأيت لفظ التحري مضافا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد رواه جماعة من الحفاظ كمسعود والثوري وشعبة ووهب بن خالد وفضيل بن عياض وجرير وغيرهم، والزيادة من الثقة مقبولة إذا لم يكن فيها خلاف الجماعة، والتحري طلب ما هو الأحرى وهو الصواب، هكذا فسره الأترازي والأكمل.
قلت: هذا من باب التفعل فلا يدل على الطلب المطلق، وإنما هو تكلف وإظهار التجلد فيه، ومعنى التحري تكلف ما هو الأحرى، والأحرى هو ما يكون أكثر رأيه عليه، وكيفيته إذا شك وهو قائم أو راكع أو ساجد يتم تلك الركعة ثم يقعد لاحتمال الرابعة والقعدة فيها فرض، ثم يصلي ركعة أخرى لاحتمال أنها كانت الثالثة فيحتاج إلى الرابعة ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو.

م: (فإن لم يكن له رأي بنى على اليقين) ش: أي على الأقل لأنه هو المتيقن صورته إذا وقع له الشك بين الركعة والركعتين يجعلها ركعة، وإن وقع بين الركعتين والثلاث يجعلها ركعتين، وإن وقع بين الثلاث والأربع يجعلها ثلاثا فيتم صلاته على ذلك هكذا رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف في " سننه الكبرى "، وفي " المنتقى " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي

(2/632)


لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل» . والاستقبال بالسلام أولى؛ لأنه عرف محللا دون الكلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وصححه وعليه أن يتشهد عقيب الركعة التي يقع الشك أنها آخر صلاته احتياطا، ثم يقوم ويضيف إليها ركعة أخرى ولو شك بعد الفراغ منها فلا إعادة عليه، ويجعل كأنه صلى أربعا أو خمسا، وإن شك أنه صلى فردا أو اثنتين أو ثلاثا، وفي الأربع أنه صلى أربعا أو خمسا، فإن كان قائما يقعد بجواز أن تكون هذه آخر صلاته، ثم يصلي ركعة أخرى احتياطا، وإن كان قاعدا فإن رأى أنها ثانية تجزئه، وإن لم يكن له رأي تفسد لجواز أنه ترك القعدة في الثانية فيحتمل الفساد ليفسد احتياطا ذكر هذا كلها في " المحيط ".
وفي " المجتبى " بنى على الأقل، أي يأخذ بالأقل لكن يقعد حتما في كل موضع يوهم أنه آخر صلاته، وفي القعدة الأولى اختلاف المشايخ حتى إن من شك في قيام ذوات الأربع أنها الثالثة أو الرابعة يأتي بركعتين بقعدتين، فلو شك أنها الثانية أو الثالثة أو الرابعة فثلاث ركعات بثلاث قعدات، وإن شك أنها الأولى أم الثانية أم الثالثة أم الرابعة فأربع ركعات بأربع قعدات، ولو شك في الخامسة يجلس بعد الركوع فيتشهد ثم يسجد سجدتين ثم يتشهد ثم يتم ثلاث ركعات بثلاث قعدات، ولو كان الشك في الخامسة بعد السجود فسدت، وكذا في الرابعة والخامسة، إلا أنه إذا ذكر أنه ترك سجدتين من ركعة وركوعا.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا بنى على الأقل» ش: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين من قبل أن يسلم» هذا لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ولفظ ابن ماجه: «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا شك في اثنتين أو ثلاث فليجعلها اثنتين وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم» ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ولفظه: «فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليتم، فإن الزيادة خير من النقصان» ، وقال صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي في " مختصره "، فإن فيه عمار بن مطرز الرهاوي، وقد تركوه. قلت: عمار ليس في " السنن ".
م: (والاستقبال بالسلام أولى) ش: هذا متعلق بقوله: استأنف يعني إذا استأنف الصلاة وفيها إذا عرض له السهو أول مرة استأنف بالسلام وهو أولى م: (لأنه) ش: أي لأن السلام م: (عرف محللا دون الكلام) ش: لأن السلام عرف محللا للصلاة شرعا، ولم يعلم ذلك بأن الكلام

(2/633)


ومجرد النية لغو، وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته، كيلا يصير تاركا فرض القعدة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موضع السلام شرعا، وإنما ذكر الكلام لدفع شبهة، فإنه عسى أن يهم الوهم بأن هذا لما كان قطعا للصلاة لاستقبال الصلاة من الابتداء لا يتفاوت الحكم من السلام والكلام، إذ كل منهما قاطع للصلاة، فإن استأنف بالكلام أيضا يجوز، لأنه أيضا قاطع كالسلام م: (ومجرد النية تلغو) ش: أي نفس النية بقطع الصلاة من غير اقتران السلام بها ليست بكافية للقطع، لأن النية بوصف التجرد لا تأثير لها في الشيء الذي يتوقف تحققه على النية، وعمل الجوارح وقطع الصلاة من هذا فلا يثبت بمجرد النية.
م: (وعند البناء على الأقل يقعد في كل موضع يتوهم آخر صلاته كيلا يصير تاركا فرض القعدة) ش: هذا متعلق بقوله شك في صلاته.. إلخ، وقد بيناه مفصلا عن قريب.
فروع: شك في صلاته أنه صلاها أم لا، فإن كان في الوقت يعيد، ولو شك خارج الوقت لا يعيدها شك في الركوع والسجود، وإن كان بعدما يأتي بهما وبعد الخروج منها، فالظاهر أنه لم يتركها، شك في الحدث وأيقن بالطهارة فهو متطهر وبالعكس فحدث شك في بعض وضوئه وهو أول ما عرض له غسل ذلك الموضع، وإن كان يعرض له كثيرا لا يلتفت إليه، وكذا لو شك أنه كبر للافتتاح، فإن كان أول ما عرض له استقبل، وإن كثر وقوعه يمضي، صلى يقوم شهرا ثم قال لهم صليت على غير وضوء لا يصدق، ولو عرض وغلب على ظنهم صدقه يجب عليهم القضاء قام المسبوق في قضاء ما سبق ثم تذكر الإمام أن عليه سجدة التلاوة، فعاد فسجدها، فإن عاد المسبوق إلى متابعته فسدت صلاته، وإن مضى على صلاته ففي فسادها روايتان.
وفي " الروضة " فالواجب على المسبوق بعد سلام الإمام القعود ولا يقوم إلى قضاء ما سبق، حتى يوجد من الإمام ما يفسد صلاته من الانحراف والكلام والشروع في صلاة أخرى، قال أبو شجاع: إذا قال في القعدة الأولى: اللهم صل على محمد يلزمه السهو، وعن أبي حنيفة إذا زاد حرفا يجب سجود السهو، وقال الإمام أبو منصور الماتريدي: لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد وعن الصفار: لا سهو عليه في هذا، وعن محمد أنه استقبح إن أوجب سجود السهو بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو قرأ فاتحة الكتاب قبل التشهد يلزمه السهو وبعده لا.

(2/634)