البناية
شرح الهداية باب قضاء الفوائت ومن فاتته صلاة قضاها إذا
ذكرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب قضاء الفوائت]
[كيفية قضاء الفوائت]
م: (باب قضاء الفوائت) ش: أي هذا باب في بيان حكم قضاء الصلوات الفوائت وهو
جمع فائتة من فات يفوت، والقضاء أصله قضاي، لأنه من قضيت وقعت الياء بعد
ألف زائدة فقلبت همزة كما عرف في التصريف.
وهو مستعمل على وجه بمعنى الحكم، ومنه: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23]
(الإسراء: الآية 23) ، وفرغ ومنه قضى حاجته والقتل، ومنه ضربه: {فَقَضَى
عَلَيْهِ} [القصص: 15] (القصص: الآية 19) ، واسم قاض أي قاتل والموت، ومنه
قضى نحبه، أي مات، والإنهاء ومنه {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ}
[الحجر: 66] والمعنى، ومنه {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] ، والصنع
والتقدير ومنه: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] (فصلت: الآية
12) ومنه القضاء والقدر والصلح، ومنه في حديث الحديبية قاضاهم على أن
يؤدوا، أي صالحهم، والطلب ومنه اقتضى دينه وتقاضاه، والأداء ومنه: {فَإِذَا
قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] (الجمعة:
الآية 10) .
وأما معناه الشرعي فالقضاء إسقاط الواجب بمثل من عند المأمور وهو حقه،
والأداء تسليم عين الواجب بسببه إلى مستحقه، هذا اختيار شمس الأئمة
السرخسي، وعبارة فخر الإسلام البزدوي اسم لتسليم نفس الواجب بالأمر،
والقضاء اسم لتسلم مثل الواجب به، ثم القضاء يجب بالسبب الذي يجب به
الأداء، ولهذا يجهر الإمام بالقراءة إذا قضاها في الإقامة، ويصلي صلاة
الإقامة أربعا إذا قضاها في السفر، وقيل: يجب بسبب جديد، وقد عرف في موضع،
ولما كان المأمور به على نوعين أداء وقضاء، وقد فرغ من الأداء وشرع في
القضاء كذا قاله الشراح.
قلت: معنى صلاة الجمعة والعيدين وصلاة الجنازة، وأما المناسبة بين البابين
فمن حيث وجود معنى الإدراك فيهما.
م: (ومن فاتته صلاة) ش: فيه رعاية الأدب حيث لم يقل: من تركها؛ لأن ترك
الصلاة لا يليق بحال لمسلم [ ... ] تحسينا للظن به، وحملا لأمره على الصلاح
لذلك في قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها» فإن
الحكم غير مقتصر على النوم والنسيان، لأنه إذا ترك فسقا أو مجانة يجب
القضاء أيضا بالإجماع، لكن أخرجه صاحب الشرع مخرج العبارة والظن بالخير م:
(قضاها إذا ذكرها) ش: سواء كان فوتها ناسيا أو بغير عذر النسيان أو عامدا
وبه قال مالك والشافعي، وقال أحمد وابن حبيب: لا يقضي المتعمد في الترك،
لأن تاركها مرتد.
(2/582)
وقدمها على فرض الوقت، والأصل فيه أن
الترتيب بين الفوائت وبين فرض الوقت عندنا مستحق، وعند الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ - مستحب. لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطًا لغيره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولنا ما رواه مسلم عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه قال: «إذا رقد
أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها» فإن الله عز وجل يقول:
{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، قوله: لذكري أي لذكر صلاتي من
مجاز الحذف أو من مجاز الملازمة، لأنه إذا قام إليها فقد ذكر الله فيها،
وإنما خصص الشارع النائم والغافل بالذكر لذهاب الإثم في حقهما الذي هو من
لوازم الوجوب فتوهم انتفاء القضاء لانتفاء الوجوب، فأمر الشارع بالقضاء من
باب التبيين بالأدنى على الإعلام الذي هو المعتمد.
م: (وقدمها على فرض الوقت) ش: أي قدم الفائتة على الوقتية لوجوب الترتيب
على ما يأتي الآن م: (والأصل فيه) ش: في هذا الباب م: (أن الترتيب بين
الفوائت وبين فرض الوقت مستحق) ش: أي واجب م: (عندنا) ش: وبه قال النخعي
والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري والليث ومالك وأحمد وإسحاق، وعن ابن عمر ما
يدل عليه م: (وعند الشافعي مستحب) ش: أي الترتيب مستحب غير واجب، وهو قول
طاوس وأبي ثور ومذهب ابن القاسم وسحنون أن الترتيب غير واجب ولا شرط.
وفي " الذخيرة " وظاهر " المدونة " الوجوب والشرطية لقضائه تعاد الحاضرة.
ومذهب الظاهرية عدم وجوب الترتيب واعتبروه مضافا، ومذهب مالك أن الترتيب
واجب كما قلنا ولكنه لا يسقط بالنسيان ولا بضيق الوقت ولا يكره الفوائت،
كذا في " شرح الإرشاد "، وفي " شرح المجمع " والصحيح المعتمد عليه من مذهب
مالك سقوط الترتيب بالنسيان كما نطقت به كتب مذهبه، وعند أحمد لو تذكر
الفائتة في الوقتية يتمها ثم يصلي الفائتة ثم يعيد الوقتية، وذكر بعض
أصحابه، أنها تكون نافلة وهذا يفيد وجوب الترتيب، ولو اجتمعت الفوائت وجب
عليه الترتيب مع الذكر، ولا فرق بين قليلها وكثيرها إلا أن يضيق الوقت فعنه
روايتان كذا في " الحلية ".
م: (لأن كل فرض أصل بنفسه فلا يكون شرطا لغيره) ش: فإذا كان الترتيب فرضا
يلزم أن يكون إذا الفائت شرطا لصحة الوقتية فلا يجوز لأن شرط الشيء تبع
لذلك الشيء وكل صلاة أصل بنفسها وبين كون الشيء أصلا وتبعا ينافي ذلك
كالصيامات المتروكة والمدلولات وسائر العبادات، فإن صوم اليوم الأول لا
يتوقف على صحة اليوم الثاني فإن قلت: يرد على ما ذكرته الإيمان؛ فإنه أصل
جميع العبادات، وهو شرط لصحتها، والصوم فرض مستقل، وهو شرط الاعتكاف الواجب
بالاتفاق. قلت: الأصل هذا وهو أن الشيء إذا كان مقصودا بنفسه لا يكون شرطا
لغيره، ولكن إذا قام دليل على أنه شرط لغيره يصح أن يكون شرطا لغيره مع
بقائه مقصودا
(2/583)
ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام
فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في نفسه، وما ذكره من المنافاة لا يلزم عند اختلاف الجهة فالله تعالى جعل
الإيمان شرطا لصحة سائر العبادات في قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ
الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94]
(الأنبياء: الآية 94) ، وكذلك نفي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صحة
الاعتكاف بدون الصوم في قوله: «لا اعتكاف إلا بصوم» ، فصار كل واحد منهما
شرطا لغيره، وهذين النصين مقام الدليل وأما ما لم يقم الدليل على تعيينه
فهو على حقيقته أن لا يصير شرطا لغيره وفي " الجنازية " و " الكافي " سائر
العبادات فرع الإيمان والفرع لا يوجد بدون الأصل، فيكون الأفعال على نوعين:
افتقار المشروط إلى الشرط، وافتقار الفرع إلى الأصل، وفيما نحن فيه لا يجوز
الافتقار بنوعيه فلا يكون شرطا لغيره ولا فرعا له، لأن كل واحد له أصل
بنفسه.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «من نام عن صلاة أو نسيها فلم
يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليصل
التي صلاها مع الإمام» ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في "
سننيهما " عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليتم
صلاته، فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد التي صلاها مع الإمام» ،
وقال الدارقطني: الصحيح أنه من قول ابن عمر كذا رواه مالك عن ابن عمر من
قوله، وقال عبد الحق: وقد وقفه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ووقفه يحيى بن
معين.
قلت: وأخرجه أيضا أبو حفص بن شاهين مرفوعا.
فإن قلت: روى الدارقطني عن ابن عباس، أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال:
«إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها، وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها،
فإذا فرغ صلى التي نسيها» .
قلت: هو مقطوع ضعيف يرويه بقية بن الوليد عن عمر بن أبي عمر عن مكحول عن
ابن عباس، ودلالة حديث الكتاب على وجوب الترتيب ظاهرة حيث أمر بإعادة ما هو
فيها عند التذكير. وقال الأكمل: وفيه من أوجه.
قلت: ذكر أربعة أوجه أخذه من كلام السغناقي وغيره ولم يعب التلخيص [.....]
الأول أنه متروك للظاهر لأنه يدل على وجوب القضاء على النائم والناسي لا
غير.
والوجوب ثابت على من فوت الصلاة عمدا أيضا بالإجماع، ومتروك الظاهر لا يكون
حجة خصوصا في إفادة الفريضة. وأجيب بأنه يدل على ذلك بدلالته لأنه لما وجب
على المعذور فعلى غيره أولى. فقال الأكمل: يروه أن هذا إنما يستقيم إن لو
كان قضاء الفائتة عقوبة، وليس
(2/584)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك بل هو رحمة ولا يلزم من استحقاق المعذور ذلك استحقاق غيره العاصي وفيه
نظر، لأن المفوت عاص والعاصي مستحق العقوبة وإن كان رحمة الله نعمة وعبرة.
والثاني: أن هذا خبر واحد وهو لا يوجب العلم فكيف يثبت به الفرض. وأجاب
الأترازي عن هذا بقوله.
قلت: لما ورد بيانا لمجمل الكتاب فالتحق به فصار كأن فرض الترتيب يثبت
بالكتاب وفيه نظر، لأن دعوى الإجمال غير مسلمة.
وقال الأكمل في هذا الوجه: إن هذا خبر واحد لا يعارض المشهور فإن الجواز
يثبت به كما زالت الشمس مثلا. فلو كان الترتيب فرضا بما رويتم بطل بما تثبت
بالمشهور ثم أجاب عنه بقوله: بأنا ما أبطلنا به العمل بالمشهور، بل أخرناه
عملا بالحديث الآخر احتياطا، أو كان ذلك أهون من إعمال العمل بخبر الواحد
أصلا على أنهم قالوا: إنه ليس خبر واحد بل هو مشهور تلقته الأمة بالقبول،
فإنهم اجتمعوا على وجوب القضاء الثابت به.
قلت: هذان جوابان.
الأول: مذكور في " مبسوط شيخ الإسلام ".
والثاني: وهو قوله عليه أنهم قالوا إلخ جواب في التعيين، وقد قال في الجواب
الأول: هذا استدلال ذهب إليه العراقيون من مشايخنا، وهو فاسد؛ لأن فيه
معارضة الخبر الواحد الكتاب، فإن للكتاب يقتضي الجواز، والخبر يقتضي عدمه
والصحيح أن يقال: إن هذا حديث مشهور وهو موجب للعمل الاستدلالي المضاهي
للعلم الضروري، ولهذا يضلل جاحده، فجاز أن يعارض الكتاب.
قلت: قول الأكمل فإنهم أجمعوا على وجوب القضاء الثابت به فيه نظر؛ لأن
إجماعهم على وجوب القضاء به لا يستلزم وجوب الترتيب، وذكروا هنا ثلاثة
أجوبة أخرى كلها لا تخلو عن التأويل الأول: قال الخبازي لا نسلم أن الكتاب
يقتضي جواز الوقتية فرضا كما زالت الشمس فإنه يقع نفلا عند أهل العلم، فلم
يكن الكتاب متعرضا لجوازه فرضا لمكان الاختلاف.
الثاني: ذكره النسفي، والترتيب ثابت بالنص فإن الكتاب يقتضي أن أداء الفجر
قبل أداء الظهر والعصر بحكم الأداء فيلزم القضاء كما يلزم الأداء.
والثالث: ذكره الشيخ عبد العزيز موجب الدليل القطعي الجواز في الوقت بلا
تعيين جزء منه له، وهو الموجب الأصلي له، والجواز قبل الفائتة ليس بحكم
أصلي؛ لأنه يجوز تفويته بترك الأداء بلا ضرورة ولا إثم، لإمكان تحصيله في
الأجزاء الباقية والعمل بخبر الواحد عند.
(2/585)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التسعة لا يفوت بالموجب الأصلي ولكن يفوت الجواز الذي يباح بالترك، ومثل
هذا التفويت لا يمنع العمل بخبر الواحد لأن تفويته لما جاز، فالاستقبال
بالعمل بخبر الواحد جاز بالطريق الأولى بخلاف العمل بخبر الواحد في الطواف
والتعديل والقراءة ونحوها لأنه يفوت العمل بموجب الدليل القطعي الذي هو
الإطلاق وهو الموجب الأصلي فيها فلا يجوز تركه.
الوجه الثالث: إنكم عملتم بهذا الحديث ولم تعملوا بخبر الواحد وهما خبر
واحد فكان تناقضا، وقال الأكمل في جوابه: إن العمل بخبر الفاتحة على وجه
يلزم فساد الصلاة بتركها موجب النسخ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (المزمل: الآية 20) وذلك لا يجوز
بخلاف صورة النزاع فإن فيها العمل بالكتاب والخبر جميعا وذلك لأن قَوْله
تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء:
الآية 78) يدل على أن هذا الوقت وقت الظهر، ولا يتعرض بتقديم الفائتة عليه
لا بنفي ولا إثبات، وخبر الترتيب يدل على التقديم فعملنا بهما انتهى قلت:
توضيح هذا الوجه الذي ذكره هو أن الحال ما علمتم بخبر الفاتحة مثلما علمتم
بخبر وجوب الترتيب حيث قلتم بفساد الصلاة عند ترك الترتيب، وما قلتم بفساد
الصلاة عند ترك الفاتحة مع أن كلا منهما ثبت بخبر الواحد، وتوضيح الجواب أن
القراءة ركن في الصلاة ولا يجوز إثبات الركن بمثل هذا الخبر، والترتيب شرط
فجاز إثبات الشرط به، وجوب آخر أن صيغة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لا
صلاة، يستعمل استعمالا ظاهرا لنفي الكمال، كما في قوله لا فتى إلا علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فيمكن أن يحمل على نفي الكمال، وحديث الترتيب ورد
في وجوبه، ففيه بيان النهاية ولا يحتمل غيره.
الوجه الرابع: أن الترتيب يسقط بالنسيان وضيق الوقت وكثرة الفوائت وشرط
الصلاة لا يسقط بشيء من ذلك كالطهارة واستقبال القبلةِ. قلت: هذا الوجه
ذكره صاحب " المحيط " من جهة الشافعي توضيحه أن كل واحد من الفرضين ليس
بشرط للآخر في حق الجواز، ولهذا يسقط الترتيب عند النسيان وضيق الوقت وكثرة
الفوائت، وشرائط الصلاة لا تسقط بعذر النسيان وضيق الوقت كالطهارة واستقبال
القبلة ولا يلزمني وجوب الترتيب بين الصلوات حالة الأداء لأنه في هذه
الصورة في أوقاتها وذلك لا يوجد في الفوائت لأنها صارت مرسلة عن الوقت
ثابتة في الذمة، وأجاب عنه السغناقي بما ذكره صاحب " المبسوط " و " المحيط
" بأن حالة النسيان ليست بوقت للفائتة، لأن وقت الفائتة وقت التذكر وهو ناس
فلا يكون وقتا لها فكان وقت الفرائض الوقت، وأما حال ضيق الوقت لأنه ثبت
بخبر الواحد وهو لا يعارض الكتاب والمتواتر وكثرة الفوائت بمعنى ضيق الوقت
وأما قوله لأنها صارت مرسلة عن الوقت فغير مسلم بهذا الحديث، وذكر شمس
الأئمة السرخسي في " الجامع الصغير " في تعليل وجوب الترتيب مراعاة
(2/586)
ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها؛
لأن الترتيب يسقط بضيق الوقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الترتيب بين الصلوات ثابتة وقتا وفعلا، أما وقتا فظاهر.
وأما فعلا فلأن الظهر والعصر بعرفات اجتمعا في حق الحاج في وقت واحد، ثم لو
بدأ بالعصر قبل الظهر لا يجوز فكذلك هاهنا كما أنه لو فاتته مراعاة الترتيب
وقتا يلزمه فعلا لأن وقت التذكر وقت للفائتة وقد فاتته وقتا فيلزمه إعادته
فعلا كما في الصورة المتقدمة.
فإن قلت: كون الترتيب يسقط مع النسيان يوجب أن يسقط مع الذكر كما إذا فاته
يومان من رمضان.
قلت: هذا القياس غير صحيح. لأن النسيان عذر والذكر لا، فقياس ما ليس بعذر
على ما هو عذر باطل. وأما قضاء رمضان فإنه فرض مكرر ولا كلام لنا في
المتكرر. لأن الصلاة إذا تكررت لفظة الترتيب فيها أيضا.
فإن قلت: لو كان وقت التكرار وقتا لفائتة لجازت الفائتة بنية الوقتية ولجاز
أداء الفائتة عند احمرار الشمس لأنه وقت التذكر كما جاز أداء عصر يومه.
قلت: اسم الوقتي مطلقا ينصرف إلى ما هو الوقتي بصفة الكمال وهو ما ثبت وقته
بالكتاب والخبر المتواتر، والذي قلنا وجوب الترتيب بخبر الواحد ما قلنا إلا
للاحتياط في العمل، وأما عدم جواز قضاء الفائتة عند احمرار الشمس فلوجوبها
في ذمته بصفة الكمال فلا يؤدي في الوقت الناقص للاحتياط بخلاف عصر يومه
لنقصان السبب في حقه.
م: (ولو خاف فوت الوقت يقدم الوقتية ثم يقضيها) ش: أي ولو كانت عليه فائتة
وأراد أن يقضيها في وقت من أوقات الصلاة، فخاف خروج هذا الوقت يقدم الصلاة
الوقتية، لأن الحكمة لا تقتضي إضافة الموجود في طلب المفقود م: (لأن
الترتيب يسقط بضيق الوقت) ش: وإنما يسقط به لئلا يلزم ترك العمل بكتاب
الله، ولأن فرض الوقت آكد من فرض الترتيب، وفي " المحيط " اختلف المشايخ
فيما بينهم. أن العبرة لأصل الوقت أم للوقت المستحب الذي لا كراهية فيه،
قال بعضهم: العبرة للوقت المستحب، وقال الطحاوي: على قياس قول أبي حنيفة
وأبي يوسف، العبرة لأصل الوقت، وعلى قياس قول محمد: العبرة للوقت المستحب.
بيانه إذا شرع في العصر وهو ناس للظهر ثم تذكر الظهر في وقت أو اشتغل
بالظهر يقع العصر في وقت مكروه، فعلى قول من قال العبرة لأصل الوقت، يقطع
العصر ويصلي الظهر بعد غروب الشمس وفي " المنتقى " وفي " نوادر الصلاة ":
إذا افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر ثم احمرت الشمس، ثم ذكر الظهر
يمضي في العصر، وهذا نص على أن العبرة للوقت المستحب، وفي " جامع قاضي خان
" يعتبر ضيق الوقت عند الشروع حتى لو شرع مع تذكر الفائتة
(2/587)
وكذا بالنسيان بكثرة الفوائت كيلا يؤدي إلى
تفويت الوقتية؛
لأن النهي عن تقديمها لمعنى في غيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في أول الوقت وأطال القراءة حتى ضاق الوقت لا يجوز إلا أن يقطع فشرع عند
الضيق.
م: (وكذا بالنسيان) ش: أي وكذا يسقط بالنسيان، وقال شيخ الإسلام: من جهل
فرضية الترتيب لا يفترض عليه كالناسي. رواه مسلم عن أبي حنيفة وهو قول
جماعة من أئمة بلخ.
م: (بكثرة الفوائت) ش: أي وكذا يسقط بكثرة الفوائت م: (كيلا يؤدي إلى تفويت
الوقتية) ش: أما في النسيان فلأن الحديث شرط الذكر وأما بكثرة الفوائت
فلأنه إذا اشتغل بها تفوته صلاة الوقت وهي أيضا في معنى ضيق الوقت، وعند
زفر لا يسقط الترتيب إلى شهر حتى إذا تركه فسدت صلاة الشهر كلها وهو
المذكور في " شرح الطحاوي " و " المنظومة " و " المختلف "، وفي " شرح
الأقطع " قال زفر: لا يسقط الترتيب أبدا.
وفي " المحيط " قال زفر: الترتيب لا يسقط بكثرة الفوائت إذا كان الوقت يتسع
لها، وللوقتية، وإن كانت الفوائت عشرا أو أكثر. فيفهم من ذلك أن يكون عند
زفر ثلاث روايات كما ترى، وعند ابن أبي ليلى: لا يسقط الترتيب إلى سنة،
وعند بشر بن غياث: لا يسقط في جميع عمره.
م: (ولو قدم الفائتة جاز) ش: عطف على قوله ولو خاف فوت الوقت فقدم الوقتية
يعني الواجب عليه تقديم الوقتية ولو قدم الفائتة عليها عند ضيق الوقت جاز
أيضا م: (لأن النهي عن تقديمها) ش: أي عن تقديم الفائتة م (لمعنى في غيره)
ش: أي لمعنى في غير الفرض الفائت وهو أداء الوقتية في وقتها لهذا التأويل
ذكر الضمير في غيره مع أنه راجع إلى الفائتة يعني حتى إنه أثبت في قوله عن
تقديم والنهي بمعنى في غيره لا بعدم المشروعية كما في الصلاة في الأرض
المغصوبة.
وفي " المبسوط ": لو بدأ بالفائتة عند ضيق الوقت يجوز بخلاف ما لو بدأ
بالوقتية عند سعة الوقت حيث لم تجز؛ لأن النهي عن بداية فرض الوقت لمعنى في
عينه، وهو كونه مؤدى قبل وقته الثابت بالخبر فتقدم مشروعيته كالنهي عن بيع
الخمر والنهي عن البداءة بالفائتة عند لبس لمعنى في عينها بل لما فيه من
تفويت فرض الوقت، والنهي متى لم يكن في غير المنهي عنه لا يمنع جوازه.
فإن قلت: ضده، أين مورد النهي عن الفائتة عند ضيق الوقت.
قلت: المراد من النهي قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ
الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (الإسراء: الآية 78) لأن الأمر نهي عن ضده، وفيه
كلام بين في الأصول وقيل المراد به الإجماع لا نهي الشارع. فإن الإجماع
منعقد على تقديم الوقتية عند ضيق الوقت وهو الأصح.
(2/588)
بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم
الوقتية حيث لا يجوز لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث.
ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا يجوز) ش: قد بينا
الفرق بين هذه المسألة وبين التي قبلها، ناقلا عن " المبسوط " وعلل المصنف
لهذا بقوله م: (لأنه أداها) ش: أي لأن المصلي أدى الوقتية م: (قبل وقتها)
ش: الفائت م (الثابت بالحديث) ش: أي قبل وقت الوقتية الذي ثبت ذلك الوقت
بها بالحديث المذكور وهو واجب العمل.
ثم اعلم أن المصنف ذكر الأعذار التي يسقط بها الترتيب:
الأول: الظن المعتبر ذكره في " الجامع "، فيمن توضأ للظهر والدم سائل ثم
انقطع فصلى الظهر ودخل وقت العصر فتوضأ وصلى العصر ودخل وقت المغرب فسال
الدم أو لم يسل.
فإنه يعيد الظهر لأنه صلاها بالطهارة دون الأعذار [....] ، ولا يعيد العصر
لأنه حين صلاها لم يتحقق بفساد الظهر فهو مظن صحته.
الثاني: بخلاف في فسادها ووجوب إعادتها مسألة صلى الفجر بغير وضوء ثم صلى
الظهر وهو ذاكر للفجر.
ويرى أنه يجزيه فإنه يعيد الفجر ويرى أنه يجزيه فإنه يعيد الفجر والظهر،
ولو أعاد الفجر ولم يعد الظهر حتى صلى العصر، فإن العصر يجزئه، إذ في جواز
الظهر اختلاف ويعيد الظهر، لأنه صلاها وعليه الفجر ذاكرا لها، والاختلاف في
إعادتها ذكره الأسبيجابي.
وفي " جوامع الفقه " لأن الظهر ليس عليه التعيين بخلاف الفجر، قيل هذا قول
أبي حنيفة، وأما على قول زفر والحسن ورواية عن أبي يوسف إن كان عنده أن تلك
وقعت جائزة يجوز الوقتية وإلا فلا، قال في ظاهر الرواية يجوز مطلقا.
الثالث: اختلف المشايخ فيه ذكره في " مختصر البحر المحيط " امرأة تركت
الظهر ثم حاضت في العصر ثم طهرت سقط الترتيب، وكذا لو فاتها ثلاث أو أربع
قبل الحيض، وقال المرغيناني لا يسقط قيل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
ورواية عن محمد وفي رواية محمد أنه لا تصح الوقتية، وقال محسن هذا بناء على
أن الاعتبار في الكثرة بالمدة عندهما، وعند محمد بالصلاة ذكرها محسن: فيمن
نسي فائتة، ثم ذكرها بعد شهر، وإذا أضفنا إلى هذه الستة ما نقله شيخ
الإسلام عن الحسن عن أبي حنيفة أن الجاهل بالترتيب كالناسي يكون الأعذار
التي يسقط بها الترتيب سبعة.
م: (ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل) ش: أراد بهذا أن
بيان الترتيب كما أنه فرض بين الوقتية والفائتة فكذلك بين الفوائت نفسها،
إلا أن يزيد على ست كما يأتي بيانه إن
(2/589)
«لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن
أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا، ثم قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شاء الله تعالى، قوله كما وجبت أي كوجوبها في ابتداء الفرض مرتبة م: (لأن
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا،
ثم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ش: هذا الحديث روي عن ابن مسعود وأبي
سعيد الخدري وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
فحديث ابن مسعود أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله
بن مسعود، قال: قال ابن مسعود: «إن المشركين شغلوا رسول الله عن أربع صلوات
يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى
الظهر ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه
أحمد في " مسنده ".
وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، ووهم
الشيخ علاء الدين مقلدا لغيره، فنقل كلام الترمذي إلا أن أبا عبيدة لم يدرك
أباه، والترمذي لم يقل ذلك في جميع كتابه، وإنما قال لم يسمع منه، ذكره في
خمس مواضع من كتابه، وكذلك قال النسائي في " سننه الكبرى " في باب صف
القدمين وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وقال أبو داود: توفي عبد الله بن مسعود ولولده أبي عبيدة سبع سنين، واسم
أبي عبيدة عامر.
وحديث أبي سعيد رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن
أبيه، قال: «حبسنا يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا
ذلك، فأنزل الله تعالى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}
[الأحزاب: 25] (الأحزاب: الآية 25) فقال رسول الله فأمر بلالا فأقام ثم صلى
الظهر كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك،
ثم أقام فصلى المغرب كما كان يصليها قبل ذلك، ثم أقام للعشاء، فصلاها كما
كان يصليها قبل ذلك، وذلك قبل أن ينزل {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}
[البقرة: 239] (البقرة: الآية 239) » ورواه ابن حبان في " صحيحه ".
وحديث جابر أخرجه البزار في " مسنده " عن مجاهد عن جابر بن عبد الله «أن
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر، والعصر
والمغرب والعشاء، حتى ذهبت ساعة من الليل، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى
الظهر ثم أمره فأذن وأقام يصلي العصر، ثم أمره فأذن وأقام وصلى المغرب، ثم
أمره فأذن وأقام وصلى العشاء، ثم قال: " ما على ظهر الأرض قوم يذكرون الله
(2/590)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في هذه الساعة غيركم» ، وفيه عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف، قوله يوم
الخندق، أي يوم حفر الخندق بالمدينة، وكان في سنة خمس من الهجرة، وذكر
السغناقي في هذا الموضوع روي أنه شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن من
بعد يؤدي من الليل مرتبا، ثم قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» فوقع التشبيه
على أصله ووصفه، فدل أن أداءها بوصف الترتيب شرط ثم قيل ولم يقل النبي كما
صليت، بل قال: «كما رأيتموني أصلي» ، لأنه لا يمكن لأحد أن يصلي مثل صلاة
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكره الأكمل مختصرا، ولم
يبين من هو الراوي لهذا الحديث. وقال الأكمل: أمر بالتشبيه مطلقا، والكامل
منه ما يقع على كنهه وكيفيته فدل على أن الأداء بوصف الترتيب شرط، وإنما لم
يقل كما صليت لذا، انتهى.
وذكر صاحب " الدراية " كما ذكره السغناقي غير أنه قال في آخره رواه أبو
سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثم
قال: وعن الإمام العلامة الكردري في قوله «كما رأيتموني أصلي» ولم يقل كما
رأيتموني صليت، لأنه ليس في وسع أحد أن يصلي مثل صلاته، وهؤلاء كلهم ذهلوا
عن بيان حقيقة هذا الحديث، ولو وقفوا على حقيقته لشبهوا على قوله: «صلوا
كما رأيتموني أصلي» فإنه ليس في هذا الحديث وهو في حديث مالك بن الحويرث
أخرجه البخاري في الأذان عن أبي قلابة حدثنا مالك بن الحويرث [....] وفيه:
«صلوا كما رأيتموني أصلي» .
والمصنف أيضا ما تنبه على هذا، ولو قال: وقال: «وصلوا كما رأيتموني أصلي»
بواو العطف لا بكلمة ثم لكان أجود وأصوب، وأيضا متن الحديث الذي ذكره صاحب
" الدراية " ليس لأبي سعيد وإنما هو لعبد الله بن مسعود والذي ذكره
السغناقي في توجيه معنى قوله «صلوا كما رأيتموني أصلي» - غير سديد، بل الذي
يقال فيه أنه تشبيه، والتشبيه لا عموم له، وأما الأكمل فإنه لم يظهر السر
الذي أخفاه.
فإن قلت: قوله فقضاهن الضمير فيه يرجع إلى قوله عن أربع صلوات - وذكر منها
العشاء والعشاء ما فاتته فظاهر يدل على أن العشاء أيضا من الفوائت وليس
كذلك.
قلت: نعم صلاها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وقتها ولكن
لما أخرها عن وقتها المعتاد لها سماها الراوي فائتة مجازا، والدليل على ذلك
أن ابن حبان روى هذا الحديث في " صحيحه "، ولم يذكر فيه العشاء وهذا يوضح
أن العشاء لا تعد من الفوائت إلا مجازا فافهم.
(2/591)
إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (إلا أن تزيد الفوائت على ست صلوات) ش: استثناء من قوله ومنها في القضاء
والمعنى الذي يراد به هاهنا إلا أن تصير الفوائت ستا، ولأجل عدم إفادة ظاهر
التركيب المقصود منه اختلف الشراح فيه، فقال السغناقي: ظاهر هذا الكلام
يقتضي أن تصير الفوائت تسعا، لأنه ذكر الفوائت بلفظ الجمع والزيادة غير
المزيد عليه والمزيد عليه ست فيصير المجموع تسعة، لكن معناه أن لا تصير
الفوائت في نفسها زائدة على ست صلوات، والمراد من الصلوات أوقاتها، فإن فوت
الصلاة السابعة ليس بشرط بالإجماع ورواه الأكمل بقوله فإنه يقتضي أن تزيد
الفوائت على ستة أوقات، وذلك إنما يكون السابعة وليس بمراد.
قلت: هذا يراد من كلام الأترازي لأنه قال وقال بعض الشارحين المراد بست
صلوات الأوقات ثم قال وفيه نظر عندي وذكره وأراد ببعض الشارحين السغناقي.
وقال الأكمل: وقيل أراد أوقات الفوائت بحذف المضاف، ورد بأنه يستدعي زيادة
الأوقات على ست صلوات، وذلك إنما يكون بفوات وقت السابعة وليس بمراد.
قلت: هذا أيضا من كلام الأترازي وهذا نقله عن تاج الشريعة.
قلت: هذا الرد ليس له وجه، لأنه إذا مضى جزء من وقت الصلاة السابعة فقد زاد
الوقت على السبعة، وبدخول جزء منه لا تكون السابعة فائتة، ثم إطلاق اسم
الفائتة عليه يكون تغليبا.
وقال الأكمل أيضا: وقيل: أراد بالفوائت الأوقات، ومعناه إلا أن تزيد
الأوقات على ست صلوات، ورد برد يشتمل على ما تقدم عليه من الوجهين وهو أن
الزيادة لا بد أن تكون من جنس المزيد عليه، وذلك معدوم في هذه التأويلات
كلها كما ترى.
قلت: قائل هذا القول بعضهم، نقله صاحب " الدراية " عنه يوضح كلامه أنه لا
شك أن المزيد يكون غير المزيد عليه، وأن يكون من جنسه، والوقت ليس من جنس
الصلاة، والفوائت جمع فائتة أقله ثلاثة فيقتضي التركيب أن تكون الفوائت
سبعا حتى يسقط الترتيب وليس كذلك، ونحن نقول: إن المراد من مثل هذا التركيب
أن يكون في نفسه أكثر من العدد المذكور، لأن المزيد والمزيد عليه كلاهما
مرادان جميعا، كقولهم هذه الدراهم تزيد على مائة معناه عددها يزيد على عدد
المائة لا أن تكون الدراهم مع المائة مرادا به.
ومنه قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ
يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] (الصافات: الآية 147) ، فإذا كان كذلك لم يشترط
لصحة الكلام أكثر من واحد، لأن الأكثرية على المذكور يحصل به فيقتضي اشتراط
السبع دون التسع، وقيل دخلت اللام في الجمع والمراد الجنس فلا يشترط
الثلاثة، وهذا أحسن مما قاله الأكمل وإسحاق أن يقدر مضافان وتقديره إلا أن
يزيد أوقات الفوائت على أوقات ست صلوات بحسب دخول الأوقات دون خروجه.
(2/592)
لأن الفوائت قد كثرت فتسقط الترتيب فيما
بين الفوائت نفسها كما سقط بينها وبين الوقتية، وحد الكثرة أن تصير الفوائت
ستا لخروج وقت الصلاة السادسة، وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير "
وهو قوله:
وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها؛ لأنه إذا زاد على
يوم وليلة تصير ستا، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه اعتبر دخول وقت
السادسة والأول هو الصحيح؛ لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار، وذلك في
الأول. ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن الفوائت قد كثرت فيسقط الترتيب فيما بين الفوائت نفسها كما سقط
بينها وبين الوقتية) ش: لأن كثرة الفوائت لما كانت مسقطة للترتيب في
اعتبارها كانت مسقطة له في نفسها بالطريق الأولى، لأن العلة إذا كان لها
أثر في غير محلها فلأن يكون لها أثر في محلها أولى، والحاصل أن العلة إذا
قامت بشيء يوجب الحكم في ذلك الشيء لا غيره فإذا أثر في غيره فأولى أن يؤثر
في نفسه.
م: (وحد الكثرة أن تصير الفوائت ستا) ش: أي ست صلوات م: (لخروج وقت الصلاة
السادسة) ش: المستلزمة لدخول وقت السابعة في الأغلب، وفي " المجتبى " إلا
أن تزيد الفوائت على خمس صلوات، لأن كثرة الفوائت في معنى ضيق الوقت
والكثرة بالست للتكرار، فإذا دخل وقت السابعة سقط الترتيب عندهما، وعند
محمد إذا دخل وقت السادسة، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " عن أصحابنا أنه يسقط
الترتيب بالخمس لأنها كل الجنس م: (وهو المراد بالمذكور في " الجامع الصغير
") ش: أي الفوائت ستا بخروج وقت السادسة وهو المراد بالمذكور في " الجامع
الصغير " م: (وهو) ش: أي المذكور هو م: (قوله) ش: أي قول محمد في " الجامع
الصغير ".
م: (وإن فاتته أكثر من صلاة يوم وليلة أجزأته التي بدأ بها) ش: أي أجزأته
الصلاة التي بدأ بها م: (لأنه إذا زاد على يوم وليلة تصير ستا) ش: فيدخل
وقت السابعة.
م: (وعن محمد أنه اعتبر دخول وقت السادسة) ش: لأن بدخول وقت السادسة يصير
عدد الفوائت خمسا، والكثير من كل جنس ما يستغرق جنسه وجنس المكتوبة الخمس
م: (والأول هو الصحيح) ش: أي المذكور من " الجامع الصغير " هو الصحيح م:
(لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار، وذلك في الأول) ش: معناه أن الشيء إنما
يستحق اسم الكثرة بالتكرار كالكثرة في المقدم لا يظهر إلا بالزيادة من أحد
القسمين على الآخر، وأدنى مدة التكرار في حق خروج وقت السادسة، لأن به تصير
الفوائت ستا والواحدة من الصلوات تتكرر بوصف الكثرة يثبت لها قوله وذلك
إشارة إلى قوله لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار.
وقوله في الأول أراد به المذكور في " الجامع الصغير "، فافهم
م: (ولو اجتمعت الفوائت القديمة والحديثة) ش: صورة الفوائت القديمة أن يترك
الشخص صلاة.
(2/593)
قيل: تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة
الفوائت. وقيل: لا تجوز ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له عن التهاون،
ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب عند البعض وهو الأظهر، فإنه
روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من
الغد مع كل وقتية فائتة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شهر أو سنة مجانة وفسقا، ثم يقبل على الصلاة ندما على سوء صنيعه، ثم يترك
أقل من صلاة يوم وليلة فهل يجوز له الوقتية مع تذكر ما فات أقل من يوم
وليلة. اختلفوا فيه إشارة إليه بقوله.
م: (قيل: تجوز الوقتية مع تذكر الحديثة لكثرة الفوائت) ش: الجواز هو
القياس، لأن الحديثة ليس أداؤها بأحق من القديمة فتحقق كثرة الفوائت وهي
مسقطة للترتيب
م: (وقيل: لا تجوز) ش: أي الوقتية بذكر الحديثة، وهو الاستحسان م: (ويجعل
الماضي) ش: وهو القديمة م: (كأن لم يكن) ش: يعني كأن لم يفت م: (زجرا له عن
التهاون) ش: أي لأجل الزجر لهذا المصلي عن الكسل والتهاون في إقامة الصلاة
في وقتها وإلى الجواز، قال أبو جعفر الكبير وعليه الفتوى.
وفي " المحيط " القول الأصح هو الأول، وفي " المجتبى " الثاني هو الأصح،
والقول الأول هو الأحوط.
وقيل: يجب الترتيب لأن المعصية لا تصير سببا للتخفيف، وفي " الذخيرة " لا
يجب الترتيب عند أبي حنيفة خلافا لهما.
م: (ولو قضى بعض الفوائت حتى قل ما بقي عاد الترتيب) ش: صورته أن يترك
الرجل صلاة شهر ثم قضاها إلا صلاة أو صلاتين، ثم صلى صلاة دخل وقتها وهو
ذاكر لما بقي عليه هل تجوز الوقتية، أو لم يجز، عن محمد فيه روايتان، في
رواية يجوز، واختارها شمس الأئمة السرخسي وفخر الإسلام علي البزدوي، فإنهم
قالا متى سقط الترتيب لم يعد في أصح الروايتين، ولهذا أخذ أيضا أبو حفص
الكبير، وفي رواية لا يجوز، وإليها مال بعض المشايخ، إشارة إليه بقوله م:
(عند البعض) ش: أي عند بعض المشايخ، منهم أبو علي الدقاق والفقيه أبو جعفر،
واختاره المصنف أشار إليه بقوله م: (وهو الأظهر) ش: أي عود الترتيب هو
الأظهر، وجه ذلك من وجهين، الأول من وجه الدراية، وهو أن علة السقوط الكثرة
المفضية إلى الحرج ولم يبق بالعود إلى القلة والحكم ينتهي بانتهاء علته،
فكان كحق الحضانة بالزوج، ثم ارتفعت الزوجية فإن الحق يعود.
الثاني: من وجه الرواية، أشار إلى هذا الوجه بقوله م: (فإنه روي عن محمد
فيمن ترك صلاة يوم وليلة وجعل يقضي من الغد مع كل وقتية فائتة) ش: يعني
يقضي الفجر بالفجر، والظهر بالظهر،
(2/594)
فالفوائت جائزة على كل حال، والوقتيات
فاسدة إن قدمها لدخول الفوائت في حد القلة، وإن أخرها فكذلك، إلا العشاء
الأخيرة لأنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها.
ومن صلى العصر وهو ذاكر أنه لم يصل الظهر فهي فاسدة إلا إذا كان في آخر
الوقت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والعصر بالعصر، على هذا الترتيب م: (فالفوائت جائزة على كل حال) ش: يعني
سواء قدمها على الوقتين أو أخر عنها م: (والوقتيات فاسدة إن قدمها لدخول
الفوائت في حد القلة) ش: لأنه متى أدى شيئا منها صارت سادسة المتروكات إلا
أنه إذا قضى متروكة بعدها عادت خمسا ثم لا يزال كذلك فلا يعود إلى الجواز.
م: (وإن أخرها) ش: أي وإن أخر الوقتيات كلها م: (فكذلك) ش: أي فكذلك تفسد
كلها م: (إلا العشاء الأخيرة) ش: لأنه صلاها وقد صلى ما عليه عنده فصار
كالناسي، وقد علل المصنف بعدم فساد العشاء الأخيرة بقوله م: (لأنه لا فائتة
عليه في ظنه حال أدائها) ش: أي حال أداء العشاء الأخيرة الوقتية، والظن متى
لاقى فصلى مجتهدا فيه وقع معتبرا وإن كان خطأ، والشافعي لا يوجب الترتيب
فكان ظنه موافقا لرأيه، وصار كما إذا عفى أحد من له القصاص وظن صاحبه أن
عفو صاحبه غير مؤثر في حقه، فقتل ذلك القاتل لا يقتص منه، ومعلوم أن هذا
قتل بغير حق، لكن لما كان متأولا يجتهد في ذلك صار ذلك الظن مانعا وجوب
القصاص.
فإن قلت: يشكل هذا بما إذا صلى الظهر على غير وضوء ناسيا ثم صلى العصر على
وضوء ذاكرا للظهر وهو يحسب أنه يجزئه فعليه أن يعيدهما جميعا، وعلى قياس ما
ذكر هاهنا أنه لا فائتة عليه في ظنه حال أدائها كان ينبغي أن لا يجب عليه
قضاء العصر. ثانيا: لما أنه قضى الظهر قد وقع في ظنه أنه قضى جميع ما عليه
ولم يبق عليه شيء من الفائتة، والترتيب غير واجب على مذهب الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فكان يمكنه هاهنا أيضا موافقا لمذهبه كما ذكر.
ثم قلت: فساد الصلاة بترك الطهارة فساد قوي مجمع عليه، فظهر أثره فيما يؤدى
بعده، وأما فسادها بسبب ترك الترتيب فضعيف مختلف فيه، فلا تتعدى حكمه إلى
صلاة أخرى.
م: (ومن صلى العصر وهو ذاكر) ش: أي والحال أنه ذاكر م: (أنه لم يصل الظهر
فهي فاسدة) ش: أي العصر فاسدة م: (إلا أن يكون في آخر الوقت) ش: أي في آخر
وقت العصر فإنه يجوز العصر حينئذ بضيق الوقت.
فإن قلت: قد بين المصنف فيما مضى الحكم في هذه المسألة في جنس الصلوات، فلم
أعاده هاهنا؟.
قلت: لفائدة وهي الإشارة إلى الاختلاف في آخر وقت العصر، وهو أن الاعتبار
في ضيق الوقت لأصل الوقت أو للوقت المستحب، حكي عن الفقيه أبي جعفر
الهندواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله
الاعتبار بأصل الوقت، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(2/595)
وهي مسألة الترتيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالوقت المستحب، وعلى هذا فيما نحن فيه من المسألة إن يمكنه أداء الظهر
والعصر قبل غروب الشمس فعليه مراعاة الترتيب، وإن كان لا يمكنه أداء
الصلاتين قبل غروب الشمس سقط الترتيب، وعليه أداء العصر، وإن أمكنه أداء
الظهر قبل تغيرها ويقع العصر أو بعضها بعد تغيرها فعليه مراعاة الترتيب
عندهما خلافا لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن معنى الكراهة تسقط الترتيب
لخوف فوات أصل الوقت.
وإن لم يمكنه أداء الظهر قبل تغيرها يسقط الترتيب، لأن أداء شيء من الظهر
بعد تغير الشمس لا يجوز بالاتفاق، لأن ذلك الوقت وقت عصر اليوم ليس إلا.
م: (وهي مسألة الترتيب) ش: أي المسألة المذكورة هي مسألة مراعاة الترتيب
فيها. وقد ذكرنا وجه الإعادة.
1 -
فروع: راع في الفيافي يصبح في كل يوم فيصلي صلوات ذلك اليوم في وقت الفجر
تفريعا لعلة، فالفجر الأول جائز، وفي اليوم الثاني لا يجوز لبقاء الترتيب،
وقيل: على قول زفر والحسن إن لم يعلم أن المتروكة مانعة من الجواز يجوز
الفجر الثاني كما ذكر عنهما في " المبسوط "، والفجر الثالث وما تعدها يجوز
بسقوط الترتيب، وفي " جوامع الفقه " مسافر صلى المغرب شهرا ركعتين قصرا،
فالمغارب كلها باطلة ويفسد المغرب الأول وتجوز العشاء والفجر والظهر
والعصر، فصارت يجوز ما بعدها جميعا إلا المغرب.
وفي " المنتقى ": إذا غربت الشمس في خلال العصر ثم تذكر الظهر مضى، ولو
افتتحها ذاكرا ثم احمرت استقبل نسي صلاة ولم يعرفها يصلي خمس صلوات وهو قول
مالك والشافعي رحمهما الله قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " جوامع
الفقه ": وهو المختار، وقيل: يصلي أربع ركعات بثلاث قعدات ينوي ما عليه،
وهو قول بشر بن غياث، وفي " المهذب " وهو قول المزني، ومثله عن النووي،
وقال بعض مشايخ بلخ: يصلي الفجر بتحريمة والمغرب بتحريمة ثم يصلي أربعا
ينوي ما عليه من صلاة يوم وليلة، وقال الأوزاعي: يصلي أربع ركعات لا يقعد
إلا في الثانية والرابعة ويسجد للسهو وينوي في ابتدائها ما عليه في علم
الله تعالى.
قال ابن حزم: وبهذا نأخذ، وإن لم يدر الفائتة أمن سفر هي أم من حضر؟ يصلي
ثمان صلوات، وإن نسي صلاتين من يومين يعيد صلاة يومين، رواه ابن سماعة عن
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإن نسي ثلاث صلوات من ثلاثة أيام ولياليهن يعيد
صلاة ثلاثة أيام.
وفي " المحيط " ولو ترك ثلاث صلوات الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من
يوم، ولا يدري أيتها الأولى قيل يسقط الترتيب فيصلي كيف شاء، قال في "
المحيط " وهو الأصح.
(2/596)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " جوامع الفقه " وهو المختار، وقيل لا يجزئ لأن الفوائت تعتبر أن يكون
في نفسها ستا لسقوط الترتيب فيصلي سبع صلوات الظهر ثم العصر ثم الظهر ثم
المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر.
وإن فاتته أربع صلوات يعني العشاء مع ما قبلها من أربعة أيام يصلي سبع
صلوات ثم العشاء ثم يصلي سبع صلوات، وعلى هذا القياس تخريج جنس هذه المسائل
كذا في " الإيضاح " و " مبسوط شيخ الإسلام ".
وفي " الواقعات " يصلي إحدى وثلاثين صلاة، لأن في الأربع يصلي خمس عشرة ثم
يصلي خمس عشرة ثم يصلي الفجر فيعتبر ست عشرة صلاة، ثم يفعل كما كان يفعل
قبل الفجر، وذلك خمس عشرة صلاة فتصير الجملة إحدى وثلاثين صلاة.
وفي " المفيد " إذا نسي صلاة أو ركنا منها ولا يدري ذلك يعيد صلاة يوم
وليلة بلا خلاف بين أصحابنا، ظهر فات من يومين فنوى أحدهما لا بعينه قيل
يجوز لاتحاد الجنس والمذهب أنه لا يجزئه، لأن اختلاف الأوقات يجعلها
كالفرائض المختلفة. وفي " الذخيرة " رجل لم يصل الفجر شهرا وصلى غيرها، قيل
لا تجزئه الصلوات الأربع في اليوم الأول، وتجزئه في اليوم الثاني لسقوط
الترتيب ولا يجزئه في اليوم الثالث، ومن كل عشر ست فاسدة وأربع جائزة، وقيل
يجزئه خمس عشرة فجرا ولا يجزئه غيرها، وقيل يجزئه كل فجر إلا الفجر الثاني
لأنه صلاة وعليه أربع صلوات فلم يجز وبعدها كثرت الفوائت.
وفي " التحفة " ولو ترك صلاة ثم صلى شهرا وهو ذاكر للفائتة فعند أبي حنيفة
يعيد الفائتة لا غيرِ، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعيدها وخمسا
بعدها، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعيدها وأربعا بعدها من بعض صلاة
عمره من غير أن يكون فاته شيء، فإن كان لأجل نقصان دخل في صلاته أو لكراهة
فحسن، وإن لم يكن كذلك لا يفعل.
وفي " جوامع الفقه " إذا لم يتم ركوعه ولا سجوده يؤمر بالإعادة في الوقت لا
بعده. وفي " مختصر البحر " القضاء أولى في الحالين، وفيه شافعي ترك صلاة
سنة ثم صار حنفيا يقضيها على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الجحدري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: على أي مذهب قضاها جاز.
وفي " مختصر البحر " لو قضى فوائت ولم ينو صلوات نفي يجهل بها ثم علم فعليه
إعادة ما قضاه بدون هذه النية.
وقال المرغيناني: الأصح أنه ينوي الظهر والعصر وغيرهما، وليس عليه أن ينوي
أنها
(2/597)
وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة عند
أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تبطل؛
لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أصلا، ولهما
أنها عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية، فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان
الأصل، ثم العصر يفسد فسادا موقوفا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأولى.
م: (وإذا فسدت الفرضية لا يبطل أصل الصلاة) ش: يعني لو صلى العصر مثلا
ذاكرا أنه لم يصل الظهر فسدت تنقلب نفلا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش:
لكن عند أبي حنيفة بسبيل الوقف حتى لو أدى ست صلوات انقلب الكل فرضا وعند
أبي يوسف يكون عصرا بعدما فسدت نفلا بسبيل الثبات م: (وعند محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - تبطل) ش: أصلا، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو رواية عن
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفائدة الخلاف أنه قهقه قبل أن يخرج من
الصلاة أو عمل عملا منافيا ينتقض طهارته عندهما لبقاء التحريمة، وعند محمد
- رَحِمَهُ اللَّهُ - لا ينتقض م: (لأن التحريمة عقدت للفرض، فإذا بطلت
الفرضية بطلت التحريمة أصلا) ش: يعني لانتفاء الفرض للفرض ولا نفل، لأن
التحريمة وسيلة إلى تحصيله، فإذا بطل المقصود بطلت الوسيلة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله م: (أنها) أي أن
التحريمة م: (عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية) ش: يعني التحريمة انعقدت
الصلاة موصوفة بصفة الفرضية م: (فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل)
ش: لأن العارض ينافي صفة الفرضية لا أصل الصلاة فلا يلزم من انتفاء صفة
الفرضية انتفاء الصلاة.
فإن قلت: يجوز أن يكون الوصف متحصلا لأصله فيكون كالفعل المتبوع فيبطل
الأصل ببطلانه.
قلت: لا نسلم جواز أن يكون الوصف متحصلا لأن المحصل يجب تقدمه، والوصف لا
يقدم على الموصوف.
فإن قلت: وصف الفرضية لم يدخل فيما انعقدت التحريمة لأجله فكان جزاء والكل
ينتفي بانتفاء جزئه.
قلت: بلى له مدخل لذلك لكن من حيث تحصيله حتى يكون جزءا بل من حيث نفي غيره
مما يزاحمه في الوقت، فإذا كان كذلك لم يلزم من انتفائه انتفاء الكل، ثم إن
بعض أهل نظر من أصحابنا لم يبينوا هذا الاختلاف لأنهم لما اجتمعوا أن من
شرع في صوم الكفارة ثم أفسد فيه يبقى نفلا كان على حكم الصلاة كذلك، وعلى
الأول عامة المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (ثم العصر) ش: يعني في المسألة المذكورة م: (يفسد موقوفا) ش: يعني على
سبيل التوقف م:
(2/598)
حتى لو صلى ست صلوات، ولم يعد الظهر انقلب
الكل جائزة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما يفسد فسادا
باتا لا جواز لها بحال، وقد عرف ذلك في موضعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(حتى لو صلى ست صلوات ولم يعد الظهر) ش: أي الظهر التي كان تركها وصلى
العصر ذاكرا لها م: (انقلب الكل) ش: أي الصلوات م: (جائزا) ش: ولو أعاد
الظهر لانقلب جائزا م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو
استحسان، وفي " المبسوط " تفسيره لو صلى المتروكة قبل السادسة فيه الخمس
عنده.
قال شمس الأئمة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذه هي التي يقال لها واحدة تفسد
خمسا وواحدة تصحح خمسا، فالواحدة المصححة الخمس في السادسة قبل قضاء
المتروكة، والواحدة المفسدة للخمس هي المتروكة يقضي قبل السادسة، وجه
الاستحسان أن الكثرة صفة لهذه الجملة من الصلوات، فإذا ثبتت صفة استندت إلى
أولها بحكمها وهو سقوط الترتيب، فسقط الترتيب في آحادها كما سقط في
أغيارها، وهذا كمرض الموت لما ثبت له هذا الوصف بإيصاله بالموت أسند إلى
أوله بحكمه م: (وعندهما يفسد) ش: أي العصر م: (فسادا باتا) ش: بتشديد
المثناة من فوق أي قطعا، وفسره بقوله (لا جواز له بحال) ش: من الأحوال وهذا
هو القياس، ووجهه أن سقوط الترتيب حكم الكثرة وكل ما هو حكم العلة يتأخر عن
علة سقوط الترتيب إنما يكون مما يقع من الصلوات بعد الكثرة لا فيما قبلها.
فإذا ما قلت: وجه الاستحسان حصل لك الجواب عن وجه القياس على أن وجه قول
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن وجه نص التنزيل يقتضي جواز الوقتية في
الوقت، والحديث يمنع الجواز ليتوقف الجواز على زوال المانع، ووقف الجواز
على سنن أمر في الموقف غير متكفر في الشرع، كما قلنا في مغرب صلاها بعرفات
يتوقف حكمها إن أفاض إلى المزدلفة في وقت العشاء انقلبت نفلا ولزمته
إعادتها مع العشاء في المزدلفة، وإن لم يأت وأتى مكة من طريق آخر وأتى
المزدلفة بعد الإصباح يقع المغرب فرضا وكذا ظهر من صلاها يوم الجمعة في
منزله، وكذلك صاحبة العادة إذا انقطعت عادتها فما دون عادتها وصلت صلوات ثم
عاودها الدم تبين أن الصلوات لم تكن صحيحة وإن لم يعاودها كانت صحيحة،
وكذلك إذا زاد على أيام عادتها، فإذا انقطع لتمام العشرة وطهرت بعد ذلك
خمسة عشر يوما تبين أن الكل حيض وليس عليها قضاء الصلوات، وإن جاوز كان
عليها قضاء الصلوات، فعلم أن توقف الصلوات على أمر في المستقبل مشروع
يستعمل فيما بحرفه.
م: (وقد عرف ذلك في موضعه) ش: أي في كتاب الصلوات في " المبسوط "، صورته
ترك صلاة ثم صلى بعدها واحدة وثانية وثالثة ورابعة وخامسة فسدت الخمس كلها
عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي موقوفة قد ذكرناها عن
قريب.
(2/599)
ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر فهي
فاسدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وهذا بناء على أن
الوتر واجب عنده سنة عندهما ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن، وعلى هذا
إذا صلى العشاء ثم توضأ وصلى السنة والوتر ثم تبين أنه صلى العشاء بغير
طهارة فعنده يعيد العشاء والسنة دون الوتر؛ لأن الوتر فرض على حدة عنده،
وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو صلى الفجر وهو ذاكر أنه لم يوتر) ش: أي ولو صلى صلاة الفجر والحال
أنه ذاكر أنه لم يصل الوتر: م: (فهي) ش: أي الفجر م: (فاسدة عند أبي حنيفة)
ش: لأن الوتر فرض عملا عنده فيجب مراعاة الترتيب م: (خلافا لهما) ش: لأن
الوتر سنة عندهما، وأشار إلى ذلك بقوله م: (وهذا) ش: أي هذا الخلاف م:
(بناء) ش: أي يبني م: (على أن الوتر واجب عنده) ش: أي فرض عملا م: (سنة
عندهما) ش: فلا يجب مراعاة الترتيب بين الفرض والسنة، وأشار إلى ذلك بقوله
م: (ولا ترتيب فيما بين الفرائض والسنن) ش: أو لا ترتيب بواجب بين الفرائض
والسنن وإنما يجب الترتيب بين فرض وفرض، فلما ثبت هذا اختلاف وهو أن الوتر
واجب عنده سنة عندهما جاز أداء الفجر مع تذكر الوتر، لأنه سنة عندهما م:
(وعلى هذا أي على الخلاف وهو أن الوتر واجب عنده سنة عندهما إذا صلى العشاء
ثم توضأ وصلى السنة والوتر ثم تبين أنه صلى العشاء بغير طهارة فعنده) ش: أي
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (يعيد العشاء والسنة) ش: أما
العشاء فلوقوعها بغير طهارة، وأما إعادة السنة فلكونها تبعا للعشاء م: (دون
الوتر لأن الوتر فرض على حدة عنده) ش: يعني يعيد الوتر لأنه صار كأنه صلى
فرضا بنية فرض آخر.
م: (وعندهما يعيد الوتر أيضا لكونه تبعا للعشاء) ش: لأنه وإن كان سنة ولكن
أداه قبل دخول وقته، ووقته بعد العشاء على وجه الصحة ولم يوجد فكان مصليا
قبل وقته، ولو صلى الوتر في وقت العشاء قبل أن يصلي العشاء وهو ذاكر لذلك
لم يجزه بالاتفاق م: (والله أعلم) ش: بالصواب.
(2/600)
|