البناية
شرح الهداية باب سجود التلاوة قال: سجود التلاوة في
القرآن أربعة عشر سجدة، في آخر الأعراف وفي الرعد، والنحل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب سجود التلاوة]
[عدد سجدات القرآن]
م: (باب سجود التلاوة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام سجود التلاوة، والإضافة
فيه من قبيل إضافة المسبب إلى السبب كخيار العيب وخيار الرؤية وصلاة الظهر
وحج البيت، وأقوى وجوه الاختصاص اختصاص المسبب بالسبب.
فإن قلت: التلاوة سبب في حق التالي والسماع سبب في حق السامع، فكان ينبغي
أن يقول: باب في سجود التلاوة والسماع.
قلت: لا خلاف في كون التلاوة سببًا.
واختلفوا: في سببية السماع، فقال بعضهم: ليس السماع سببًا، وكذلك اقتصرت
إضافة السجدة إلى التلاوة دون السماع، أو يقول: إن التلاوة أصل في الباب،
لأنها إذا لم توجد لم يوجد السماع، فكان ذكرها مشتملًا على السماع من وجه،
فاكتفي به.
فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين.
قلت: من حيث وجود الرخصة في كل منهما، فالرخصة في الأول وفي الأركان وفي
هذين التداخل وذلك للخروج منهما.
وقول الشراح كان من حق هذا الباب أن يقترن بسجود السهو، لأن كلًّا منهما
سجدة، لكن لما كان صلاة المريض بعارض سماوي كالسهو ألحقها بها، فتأخر سجود
التلاوة ضرورة غير سديدة، لأن كون كل منهما سجدة لا يكفي للمناسبة ولأنه لا
ضرورة في تأخيره على ما لا يخفى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (سجود التلاوة في القرآن أربعة عشر) ش: أي
موضعًا.
وفي بعض النسخ كذلك م: (في آخر الأعراف) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ
الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ
وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] (الأعراف: الآية 206)
والرعد عند قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}
[الرعد: 15] (الرعد: الآية 15) .
م: (وفي الرعد) ش: م: (وفي النحل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ
وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] {يَخَافُونَ
رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]
(النحل: الآيتان 49، 50) .
(2/654)
وبني إسرائيل، ومريم، والأولى في الحج،
والفرقان، والنمل، والم تنزيل، وص، وحم السجدة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وبني إسرائيل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ
يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] (الإسراء: الآية 109) .
م: (ومريم) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ
الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] (مريم: الآية 58) .
م: (والأولى في الحج) ش: أي السجدة الأولى في الحج عند قوله: {أَلَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ
وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ
الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ
يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] (الحج: الآية 18) ، وسنذكر خلاف الشافعي
فيه إن شاء الله.
م: (والفرقان) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا
لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا
وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] (الفرقان: الآية 60) .
م: (والنمل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] (النمل: الآية 25) ، على قراءة العامة، وقال
الشافعي ومالك عند قوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] (النمل:
الآية 26) ، ونقل عن الزجاج والفراء أن السجدة على قراءة الكسائي ألا
يسجدوا المخففة.
وأما على قراءة الأكثرين ألا المشددة، فلا ينبغي أن تكون سجدة لأنها تتمة
خبر الهدهد عن حال بلقيس وقومها بخلاف المخففة، فإنها أمر مستأنف من الله
بالسجود والتقدير ألا يا قوم اسجدوا.
وهذا ليس بصحيح، إذ المشدد هي قراءة السواد الأعظم وفيها ذم على تركه،
كسجدة الفرقان والانشقاق، ويجوز أن يكون كلتا القراءتين حكاية عن خبر
الهدهد ولا يمنع ذلك من أن يكون سجدة.
م: (وألم تنزيل) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا
الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] (السجدة: الآية 15) .
م: (وص) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا
وَأَنَابَ} [ص: 24] (ص: الآية 24) .
وبه قال الشافعي ومالك، وروي عنه قوله: {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] .
م: (وحم السجدة) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا
فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: الآية 38) ، وبه قال الشافعي في
الجديد وأحمد.
(2/655)
والنجم، وإذا السماء انشقت، واقرأ باسم
ربك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال في القديم عند قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
[فصلت: 37] وبه قال مالك.
م: (والنجم) ش: عند قَوْله تَعَالَى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}
[النجم: 62] (النجم: الآية 62) .
وعند مالك ليس فيه سجدة م: (وإذا السماء انشقت) ش: عند قَوْله تَعَالَى:
{فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ
الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (الانشقاق: الآيتان 20، 21) .
وقال ابن حبيب المالكي: في آخر السورة، وعند مالك ليس فيه سجدة.
م: (واقر باسم ربك) س: عند قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:
19] (العلق: الآية 19) .
وفي " مختصر البحر " لو قرأ واسجد وسكت ولن يقل: واقترب تلزمه السجدة،
واعلم أن العلماء اختلفوا في عدد سجود القرآن على اثني عشر قولًا:
الأول: مذهبنا وقد ذكرناه.
الثاني: إحدى عشرة، بإسقاط الثلاثة من المفصل، وبه قال الحسن وابن المسيب
وابن جبير وعكرمة، ومجاهد وعطاء وطاوس ومالك في ظاهر الرواية والشافعي في
القديم.
الثالث: خمس عشرة، وبه قال المدنيون عن مالك تكملتها بآية الحج وهو مذهب
عمر وابنه عبد الله والليث وإسحاق، ورواية عن أحمد وابن المنذر واختاره
المروزي وابن شريح.
الرابع: أربع عشرة، بإسقاط ص وهو أصح قولي الشافعي وأحمد.
والخامس: أربع عشرة بإسقاط سجدة النجم، وهو قول أبي ثور.
السادس: اثنتا عشرة بإسقاط ثانية الحج وص والانشقاق، وهو قول مسروق.
السابع: ثلاث عشرة بإسقاط ثانية الحج والانشقاق، وهو قول عطاء الخراساني.
الثامن: إن عزائم السجود خمس؛ الأعراف وبنو إسرائيل والنجم والانشقاق واقرأ
باسم ربك، وهو قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
التاسع: عزائمه أربع، ألم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك، وهو مروي عن علي
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
والعاشرة: عزائم السجود ثلاث، قاله سفيان بن جبير، وهي ألم تنزيل، والنجم،
واقرأ باسم ربك.
الحادي عشر: عزائم السجود ألم تنزيل، والأعراف، وحم تنزيل، وبنو إسرائيل،
وهو مذهب عبيد بن عمير.
(2/656)
كذا كتب في مصحف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وهو المعتمد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والثاني عشر: عشر سجدات، قال به جماعة.
م: (كذا كتب في مصحف عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المعتمد عليه) ش:
أي أراد أن المكتوب في مصحف عثمان أربعة عشر سجدة، كما ذهبنا إليه، والعمدة
على ما كتب فيه. ثم اعلم أن الآيات المعدودة أربعة عشر كما ذكرنا، وكذلك
عند الشافعي أربعة عشر أيضا، لكن في الحج سجدتان وليس في ص سجدة.
واحتج الشافعي كون السجدتين في الحج بما رواه أبو داود والترمذي عن عبد
الله بن لهيعة ثنا «مشرح بن هاعان سمعت عقبة بن عامر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يقول: قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن
بسجدتين؟، قال: " نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما» ورواه أحمد في " مسنده
" والحاكم قي " مستدركه ". والجواب عنه: أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوي
وقال الحاكم: لم يثبت مسندًا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد
الأئمة، وإنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره. وقال المنذري في " مختصر
السنن ": عبد الله بن لهيعة ومشرح بن هاعان لا يحتج بحديثهما، وذكر أبو
الفرج بن لهيعة في الضعفاء والمتروكين.
وقال يحيى بن سعيد: قال لي بشر بن السري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه
حرفًا واحدًا، وكان يحيى بن سعيد: لا يراه شيئًا.
وقال يحيى بن معين: هو ضعيف قبل احتراق كتبه وبعده.
وقال عمرو بن علي الفلاس: هو ضعيف الحديث.
وقال أبو زرعة: ليس ممن يحتج به
وفي " المبسوط ": وتأويله مع ضعفه فصلت سجدتين إحداهما سجدة التلاوة
والأخرى سجدة الصلاة، ويدل عليه ذم تاركهما، وعند المخالف لنا هي مستحبة
والذم لا يستحق بترك المستحب فلا يستقيم ذلك على أصله. وفي " الذخيرة " هو
محمول على النسخ لإجماع قراء المدينة وفقهائها على ترك ذلك مع تكرار
القراءة ليلًا ونهارًا.
واحتج الشافعي أيضًا بحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه عن الحارث بن سعيد
العتقي عن عبد الله بن منين «عن عمرو بن العاص أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأه خمس عشر سجدة في القرآن، منها
(2/657)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثلاث عشرة في المفصل وفي سورة الحج سجدتان» .
والجواب: بأن عبد الله بن منين فيه جهالة. وقال عبد الحق في "أحكامه" عبد
الله بن منين لا يحتج به، ولئن سلمنا فالمراد بإحدى السجدتين سجدة التلاوة
وبالأخرى سجدة الصلاة.
فإن قلت: أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عند عبد الله بن ثعلبة قال: صلى بنا
عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصبح فيما أعلم فقرأ فيها بالحج
فسجد فيها سجدتين، ورواه الطحاوي أيضًا بإسناد صحيح والبيهقي وأخرج الطحاوي
والبيهقي أيضًا عن صفوان بن محرز أن أبا موسى الأشعري سجد فيها سجدتين،
وأخرجه أيضا عن جبير بن عفير أنه رأى أبا الدرداء يسجد في الحج بسجدتين،
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس أنهم
سجدوا في الحج سجدتين. قلت: هذه الآثار لا يحتج بها الخصم على قاعدته. وأما
جوابها عندنا فهو أنها لا تدل على أن السجدتين كلتيهما سجدة التلاوة،
والدليل على ذلك ما رواه الطحاوي عن ابن عباس أنه قال في سجود الحج: الأولى
عزيمة، والأخرى تعليم وإسناده صحيح.
فإن قلت: كيف تقول: صحيح وفيه عبد الأعلى الثعلبي؟ وعن أحمد أنه ضعيف، وقال
أبو حاتم: ليس بالقوي، قلت: وثقه يحيى بن معين والطحاوي، وروى له الأربعة،
قال الطحاوي: وبقول ابن عباس نأخذ.
واحتج الشافعي أيضًا في قوله: سجدة ص ليست بسجدة تلاوة ولكنها سجدة شكر.
واحتج أيضًا بما رواه النسائي «عن ابن عباس أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سجد في ص وقال: "سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا» ، وبحديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال «قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه،
فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنما هي توبة نبي، ولكني
رأيتكم تشزنتم للسجود" فنزل فسجد وسجدوا.» رواه أبو داود والحاكم في "
المستدرك " وقال: صحيح.
(2/658)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والجواب: أن هذا حجة لنا، لأنا نقول: سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران
والوعد بالزلفى وحسن المآب، ولهذا لا نسجد عندنا.
قوله: وأناب بل عقيب قوله مآب، وهذا نعمة عظيمة في حقنا، فكانت سجدة تلاوة،
لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة، وسبب وجوب هذه السجدة
تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على داود - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإطماعنا في نيل مثله، وكذا سجدة النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها تدل على
أنها سجدة تلاوة، وأما تركه في الجمعة الثانية حين القراءة فلا يدل على
أنها ليست بسجدة التلاوة، بل كان يريد التأخير وهي لا تجب على الفور عندنا،
على أنه سجدها أيضًا وسجد الناس معه لما تشزنونه.
وقوله تشزن الناس معناه هبوا للسجود وتهيؤوا له، ومادته شين وزاي معجمتان
ونون.
واحتج: من لم ير السجود في المفصل وهو من سورة محمد إلى آخر القرآن منهم
مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث رواه أبو داود «عن ابن عباس أن رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول
إلى المدينة» ولما رواه أبو داود أيضًا من حديث «زيد بن ثابت قال: قرأت على
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النجم فلم يسجد فيها»
وبما رواه ابن ماجه في "سننه " عن «أبي الدرداء قال: سجدت مع النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة ليس فيها شيء من
المفصل» الحديث.
والجواب: عنها أما حديث ابن عباس فإسناده ليس بالقوي قال عبد الحق: ويروى
مرسلا والصحيح حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وإسلامه
متأخر قدم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في السنة السابعة من الهجرة»
وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر، وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد
الإيادي ليس بشيء، وضعفه ابن معين، وفيه أيضًا مطر الوراق كان سيئ الحفظ،
وقد عيب على مسلم إخراج حديثه.
وأما حديث زيد بن ثابت، فالجواب عنه: أنه محمول على بيان جواز ترك السجود
عند من يقول: إنه سنة وليس بواجب، وأما الذين يقولون بوجوبه، فأجابوا عنه
بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد على الفور ولا يلزم
منه أنه ليس فيه سجدة ولا فيه نفي الوجوب.
(2/659)
والسجدة الثانية في الحج للصلاة عندنا،
وموضع السجدة في حم السجدة عند قوله: {لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] في قول
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهو المأخوذ للاحتياط،
والسجدة واجبة في هذه المواضع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما حديث أبي الدرداء ففي إسناده عثمان بن فائد، قال فيه ابن حبان: لا
يحتج به ووهاه ابن عدي وقال أبو داود في "سننه" وروي «عن أبي الدرداء عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة.» وإسناده
واه.
م: (والسجدة الثانية في الحج) ش: وهي قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] م: (للصلاة عندنا) ش: يعني لأجل الصلاة عندنا،
لأنها مقرونة بالركوع، وهي سجدة الصلاة لأنه يجمع بينهما في الصلاة، واحترز
بقوله عندنا عن مذهب الشافعي، فإن عنده في الحج سجدتان وقد ذكرناه مفصلًا
م: (وموضع السجود في حم السجدة عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت:
38] ش: يعني إذا قرأ آية السجدة في حم السجدة وهي قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ
آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا
لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا
فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] (فصلت: الآيتان 37، 38) ، فموضع السجود
عندنا قوله وهم لا يسأمون وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود وبه قال النخعي
وابن المسيب وابن سيرين وأبو وائل والثوري وطلحة بن مصرف والشافعي في
الصحيح وأحمد وإسحاق.
وقال الشافعي: في القديم عند قوله {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
[فصلت: 37] وبه قال مالك، وحكى ابن المنذر عن عمر والحسن البصري والنخعي
والليث م: (في قول عمر رضي الله عنه) ش: هذا وهم وليس قول عمر، وإنما هو
قول ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عنه أنه كان
يسجد في آخر الآيتين في حم السجدة عند قوله {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}
[فصلت: 38] ، وزاد في لفظ وأنه رأى رجلا سجد عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] فقال بعد عجلت، وإنما قال ذلك لأنه لا
يجوز التعجيل قبل السبب، ويجوز التأخير بعده لأن وقت أدائها موسع، فمتى أتى
بها يكون مؤديًا لا قاضيًا، ذكره في " الفتاوى الظهيرية ".
م: (وهو المأخوذ) ش: أي قول عمر الذي يؤخذ به م: (للاحتياط) ش: أي لأجل
الاحتياط، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يكون موضع السجود في الواقع عند قوله:
{إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] أو عند قوله: {وَهُمْ لَا
يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] فإن كان عند الأول يجوز أداء السجدة عند الشافعي،
لأنه لا يضره التأخير، وإن كان عند الثاني فلا يجوز أداؤها عند الأول، لأنه
يلزم تقديم المسبب على السبب وهو فاسد، ولأن تمام الكلام يقع بما قلنا،
والسجود عند تمام الكلام أولى.
[من تلزمه سجدة التلاوة]
م: (والسجدة واجبة في هذه المواضع) ش: الأربعة عشر المذكورة في الدراية،
والسجدة واجبة أي عندنا، وعند الشافعي ومالك وأحمد، وعند جماعة سنة، وقال
النووي قال مالك فيما
(2/660)
على التالي، والسامع سواء قصد سماع القرآن
أو لم يقصد، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «السجدة على من سمعها، وعلى من
تلاها» ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حكاه القاضي أبو محمد: هي فضيلة.
وقال الأترازي: سجدة التلاوة واجبة عند علمائنا.
وقال الشافعي: إنها سنة، وذكر النووي في "المهذب " أنها سنة للقارئ
والمستمع بلا خلاف عند الشافعية.
وفي " المبسوط" سنة مؤكدة.
قلت: هذا مذهبنا على ما اختاره البعض في حد الواجب م: (على التالي والسامع
سواء قصد) ش: أي السامع م: (سماع القرآن أو لم يقصد) .
ش: وقال الأكمل: وإنما قيل بهذا لأن في بعض لفظ الآثار السجدة على من جلس
لها، وفيه إيهام أن من لم يجلس له فليست عليه فقيل بذلك دفعًا لذلك.
قلت: هذا أخذه من السغناقي، وتبعه أيضًا صاحب الدراية وليس كل منهم بين
راوي الأثر ولا من أخرجه، وهل هو صحيح أم لا وليس هذا دأب من يتصدى لشرح
كتاب أو لبيان مذهب.
وقال الوبري: سبب وجوب سجدة التلاوة ثلاثة التلاوة والسماع والاقتداء
بالإمام، وإن لم يسمعها ولم يقرأها، وللشافعية أوجه:
الأول: أنه في حق السامع من غير فصل يستحب وهو الصحيح المنصوص في البويطي
وغيره، ولا يتأكد في حقه.
والوجه الثاني: هو كالمستمع.
والثالث: لا يسن له، وبه قطع أبو حامد والمنبجي، وعند أحمد هي سنة في حق
القارئ والمستمع دون السامع، وعنه إذا قرأ شيئًا في الصلاة يجب أن لا يدع
السجود وهو في الصلاة أوكد.
م: (لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السجدة على من سمعها
وعلى من تلاها» ش: هذا غريب لم يثبت، وإنما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال السجدة على من سمعها.
وفي البخاري قال عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن السجود على من استمع،
وهذا التعليق رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب
أن عثمان مر بقارئ فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان: إنما السجود على
من استمع ثم مضى ولم يسجد.
(2/661)
وهي كلمة إيجاب وهو غير مقيد بالقصد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي "المبسوط" و" الأسرار " و" المحيط " و" شروح الجامع الصغير " جعل هذا
الذي رفعه المصنف إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من
ألفاظ الصحابة لا من الحديث، فقال في " المبسوط ": وعن عثمان وعلي وابن
عباس وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم قالوا: السجدة على من
تلاها وعلى من سمعها وعلى من جلس لها، اختلفت ألفاظهم في هذه، وكذا في
غيره، وقد غمز الأكمل هاهنا على السغناقي في قوله من أقوال الصحابة، لأمن
الحديث، ثم قال، ولولا أنه ثبت عنده أنه من الحديث لما نعده حديثًا.
قلت: كلامه هذا صادق من غير تأمل، فإن غيره أيضًا ادعى أنه ليس بحديث. غاية
ما في الباب أن المصنف قلد غيره، وإلا فر من التقليد له.
م: (وهي كلمة إيجاب) ش: أي لفظه على كلمة إيجاب، يعني يدل على الوجوب م:
(وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (غير مقيد بالقصد) ش: يعني أن الإيجاب مطلق
عن قيد القصد يجب على كل سامع سواء كان قاصدًا للسماع أو لم يكن.
وقال الأكمل: اعترض بأنها لو كانت واجبة ... إلخ أخذه من السغناقي فإنه
جعله سؤالًا وجوابًا وما كان ينبغي إيراده على هذا الوجه، لأن السؤال حاصل
دلائل من يذهب إلى أن سجدة التلاوة غير واجبة.
والجواب: حاصل ما قاله أئمتنا في الرد عليهم، فبقول الخصم استدل على ما ذهب
إليه أولًا بحديث زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «قرأ النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنجم فلم يسجد فيها» أخرجه
البخاري ومسلم، وبحديث الأعرابي: «هل على غيرها؟ قال: "لا إلا أن تتطوع»
أخرجه البخاري ومسلم، وبما روي عن عمر أنه قرأ سورة النحل وفيه في الجمعة
القابلة قرأ آية السجدة، وفي الموطأ عن عمر فيه أن الله لم يفرض علينا
السجود إلا أن نشاء، وبما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ثنا ابن فضيل عن
عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: دخل سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - المسجد وفيه قوم يقرؤون فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقال له صاحبه يا
أبا عبد الله لولا أثنيت هؤلاء القوم، فقال ما لهذا غدونا، وأخرجه البخاري
والطحاوي أيضًا.
واستدلوا: إثباتًا بالمعقول من وجوه:
الأول: أنها لو كانت واجبة لما جازت بالركوع كالصلاتية.
الثاني: أنها لو كانت واجبة لما تداخلت.
الثالث: ما أديت بالإيماء من راكب يقدر على النزول.
الرابع: أنها تجوز على الراحلة، فصار كالتأمين.
(2/662)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخامس: لو كانت واجبة بطلت الصلاة بتركها كالصلاتية.
الجواب: عن حديث زيد بن ثابت قد مر فيما مضى، وعن حديث الأعرابي أنه في
الفرائض ونحن ندعي أن سجدة التلاوة فرض.
وعن حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنه موقوف وهو ليس بحجة عندهم،
وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله أولى. وعن حديث
سلمان كذلك.
والجواب: عن دليلهم العقلي:
أما عن الأول: فإن أداءها في ضمن شيء لا يتأتى وجوبها في نفسها كالسعي إلى
الجمعة يتأتى بالسعي إلى التجارة.
وعن الثاني: إنما جاز التداخل لأن المقصود منها إظهار الخضوع والخشوع، وذلك
يحصل بمرة واحدة.
وعن الثالث: لأنه أداها كما وجبت، فإن تلاوتها على الدابة مشروعة، فكان
كالشروع على الدابة في التطوع.
وعن الرابع: لأن تلاوتها على الراحلة مشروعة، فلا ينافي الوجوب.
وعن الخامس: أن القياس على الصلاتية فاسدة لأنها جزء الصلاة، والسجدة ليست
بجزء الصلاة.
وأما دليلنا على الوجوب فقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}
[الانشقاق: 20] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}
[الانشقاق: 21] (الانشقاق: الآية 21) ، فذمهم على ترك السجود، وإنما يستحق
الذم بترك الواجب وقوله تعالى في سورة النجم: {فَاسْجُدُوا} [النجم: 62]
وقوله تعالى في سورة اقرأ: {وَاسْجُدْ} [العلق: 19] ومطلق الأمر للوجوب،
ولأن في بعض آي السجدة ذكر طاعة الأنبياء عليهم السلام والأولياء وفي بعضها
ذكر استنكاف الكفار وموافقة الأنبياء والأولياء واجبة؛ لقوله تعالى:
{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] (الأنعام: الآية 90) ، وكذا
مخالفة الأعداء، ولأنها لو لم تكن واجبة لما جاز أداؤها في الصلاة لأن أداء
زيادة سجدة وهي تطوع توجب الفساد، وعند الخصم إذا كان عمدًا، وعندنا يكره،
ولأنه ركن مفرد عن أركان الصلاة الأصلية شرعت قربة خارج الصلاة، فوجب أن
تكون واجبة قياسًا على القيام في صلاة الجنازة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أنه «قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول يا
ويله» وروي: «يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت
(2/663)
وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها وسجدها
المأموم معه لالتزامه متابعته، وإذا تلا المأموم لم يسجد الإمام، ولا
المأموم في الصلاة، ولا بعد الفراغ عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -،
وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالسجود فأبيت فلي النار» .
ورواه مسلم وأحمد وابن ماجه، ووجه التمسك به أنه قال: أمر ابن آدم والأمر
للوجوب. ووجه آخر أنه قربة فالسجدة التي أمر بها وتلك كانت واجبة فكذا هذه.
فإن قلت: هذا حكاية قول إبليس وهو ليس بحجة كما في قوله: {أَنَا خَيْرٌ
مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]
(الأعراف: الآية 12) .
قلت: قد أخبر بذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنه،
ولم ينكره، بل قرره واستصوبه، فكان ما قاله صوابًا وحقًّا، وعن ابن عباس -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سجد، في النجم سجد معه المسلمون والمشركون والجن الإنس» رواه البخاري
والترمذي وصححه.
وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قرأ والنجم وسجد فيها، وسجد من كان معه غير أن شيخًا من قريش
أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته قال: يكفيني هذا، قال عبد الله
فلقد رأيته بعدا أن قتل كافرًا» متفق عليه، والشيخ قبل الوليد بن المغيرة.
ولأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب لأنها ثلاث أقسام، قسم هو أمر صريح
مثل التي في النجم، وفي اقرأ باسم ربك، والأمر للوجوب. وقسم فيه ذكر طاعة
الأنبياء كما قلنا. وقسم فيه استنكار الكفار عن السجود ومخالفتهم في ذلك
واجبة.
فإن قلت: لا يجب الاقتداء فيما فعلوه على وجه الاستحباب.
قلت: جهة الاستحباب غير معلومة، فيجب الاقتداء مطلقًا.
م: (وإذا تلا الإمام آية السجدة سجدها) ش: وفي بعض النسخ وإذا تلا الإمام
السجدة أي آية السجدة على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه سجدها أي
سجدها الإمام م: (وسجدها المأموم معه لالتزامه متابعته) ش: لأنه إذا لم
يسجد معه يلزم المخالفة بين الأصل والتبع، فلا يجوز، وفي حديث ابن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «قال كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا قرأ سجدة سجد وسجدنا معه.» رواه
البخاري ومسلم.
م: (وإذا تلا المأموم) ش: يعني المقتدي إذا قرأ آية السجد وسمعها الإمام
والقوم م: (لم يسجد الإمام ولا المأموم في الصلاة) ش: هذا بالاتفاق م: (ولا
بعد الفراغ) ش: أي لا يسجد الإمام والمأموم أيضًا بعد فراغهم من الصلاة م:
(عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال مجد الدين
بن تيمية الحراني: وهذا إجماع إلا عند محمد بن الحسن.
(2/664)
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يسجدونها
إذا فرغوا؛ لأن السبب قد تقرر، ولا مانع بخلاف حالة الصلاة؛ لأنه يؤدي إلى
خلاف وضع الإمامة، أو التلاوة. ولهما أن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ
تصرف الإمام عليه، وتصرف المحجور لا حكم له، بخلاف الجنب والحائض؛ لأنهما
منهيان عن القراءة إلا أنه لا يجب على الحائض بتلاوتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال محمد: يسجدونها إذا فرغوا) ش: من الصلاة م: (لأن السبب قد تقرر)
ش: أي سبب وجوب السجدة وهو التلاوة أو السماع قد تقرر ووجب م: (ولا مانع)
ش: معناه زال المانع، وهو كونهم في الصلاة كما لو سمع من غيره وهو في
الصلاة.
وفي " الدراية" وقال الشافعي: حيث قال: ويستحب أن يسجد بعد الفراغ من
الصلاة م: (بخلاف حالة الصلاة، لأنه يؤدي إلى خلاف موضوع الإمامة) ش: أن
يسجد التالي وتابعة الإمام، وذا لا يجوز بتقلب المتبوع تبعًا م: (أو
التلاوة) ش: أي يؤدي إلى خلاف موضوع التلاوة إن سجد الإمام وتابعه الباقي
فلا يجوز.
لحديث رواه الشافعي وأبو بكر بن أبي داود من حديث أبي هريرة أنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قال لرجل قرأ آية السجدة عنده: "إنك كنت
إمامنا لو سجدت لسجدنا» .
قلت: هذا مرسل، ورفعه أبو بكر بن أبي داود من حديث أبي هريرة، وفي سنده
إسماعيل بن عياش وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهما ضعيفان، وإن سجد
التالي وحده فلا يجوز أيضًا، لأنه يصير منفردًا بأداء سجدة في موضع
الاقتداء، وتحريمته انعقدت على أن يؤدي مع الإمام، فلا يجوز أن ينفرد بشيء.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن المقتدي محجور عن القراءة)
ش: وراء الإمام شرعًا م: (لنفاذ تصرف الإمام عليه) ش: أي على المقتدي في حق
القراءة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام
فقراءة الإمام قراءة له» م: (وتصرف المحجور لا حكم له) ش: لأنه لا ينعقد
مقيدًا لحكمه كما عرف في موضعه.
م: (بخلاف الجنب والحائض) ش: جواب عما يقال المقتدي في كونه ممنوعًا عن
القراءة، كالحائض والجنب والسجدة تجب على من سمعها، فكذا على من سمع
المقتدي، وتقرير الجواب قوله م: (لأنهما) ش: أي لأن الجنب والحائض م:
(منهيان عن القراءة) ش: وتصرف النهي له حكم كالملك بالبيع الفاسد بعد
القبض، فأثر الحجر في تعطيل السبب، وأثر النهي في حرمة الفعل دون التعطيل.
م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله لأنهما منهيان أشار بهذا إلى بيان الفرق
بين الجنب والحائض، أي إلا أن البيان م: (لا يجب على الحائض بتلاوتها) ش:
أي لا يجب السجدة عليها
(2/665)
كما لا يجب بسماعها لانعدام أهلية الصلاة
بخلاف الجنب، ولو سمعها رجل خارج الصلاة سجدها هو الصحيح؛ لأن الحجر ثبت في
حقهم فلا يعدوهم، وإن سمعوا وهم في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم في الصلاة
لم يسجدوها في الصلاة؛ لأنها ليست بصلاتية؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بسبب تلاوتها. م: (كما لا يجب بسماعها) ش: أي كما لا تجب السجدة بسماعها من
غيرها م: (لانعدام أهلية الصلاة) ش: في حقها، لأن السجدة ركن من أركان
الصلاة والحائض لا تلزمها الصلاة مع تعذر السبب، فلا تلزمها السجدة أيضًا
م: (بخلاف الجنب) ش: لأن الصلاة تلزمه، فكذلك السجدة.
وقال تاج الشريعة: على أنا نقول: الجنب والحائض ليسا بممنوعين عن قراءة ما
دون الآية على ما ذكره الطحاوي، وما دون الآية يوجب السجدة، ذكره شمس
الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح الصلاة، وهو ظاهر المذهب، أما
المقتدي فلما حجر عليه في قراءة الآية فما دونها حجر عليه في قراءة ما
دونها، فجاز أن يختص قراءتها بإيجاب السجدة.
م: (ولو سمعها رجل) ش: ولو سمع آية السجدة رجل حال كونه م: (خارج الصلاة
سجدها) ش: يعني بالاتفاق م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ
الذين قالوا بعدم الوجوب.
وفي " الدارية ": احترز عن قول بعض المشايخ حيث قالوا: لا يسجدها على
قولهما، خلافًا لمحمد.
وقال الأترازي: وهذا الذي قاله صاحب " الهداية " ضعيف، لأنه لما سلم أن هذا
الشخص محجوب وجب عليه أن يقول بعدم وجوب السجدة على السامع خارج الصلاة،
لأن قد ثبت من أصولنا أن تصرف المحجور لا حكم له، قلت: هذا المحجور بالنسبة
إلى وجه في حق من عليه الحجر، وغير محجور أولى.
فالأول: مستلزم شمول العدل.
والثاني: شمول الوجوب فافهم.
م: (لأن الحجر ثبت في حقهم) ش: هذا تعليل الصحيح، أي في حق المقتدين
والإمام، وهو أن علة الحجر هي الاقتداء، وهو مختص بهم فلا يعدوهم، أي فلا
يتجاوز الحجر غيرهم، فلا جرم يجب السجود بقراءة المقتدي على من هو خارج
الصلاة.
م: (وإن سمعوا وهم) ش: أي والحال أنهم م: (في الصلاة سجدة من رجل ليس معهم)
ش: يعني المقتدي إذا سمعوا آية السجدة من رجل خارج الصلاة م: (لم يسجدوها
في الصلاة لأنها) ش: أي لأن هذه السجدة م: (ليست بصلاتية) ش: يعني ليس من
أفعال هذه الصلاة، لأن أفعال الصلاة
(2/666)
لأن سماعهم هذه السجدة ليس من أفعال
الصلاة، وسجدوها بعدها لتحقق سببها، ولو سجدوها في الصلاة لم يجزئهم؛ لأنه
ناقص لمكان النهي فلا يتأدى به الكامل. قال: وأعادوها لتقرر سببها ولم
يعيدوا الصلاة؛ لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة. وفي " النوادر "
أنها تفسد؛ لأنهم زادوا فيها ما ليس منها، وقيل: هو قول محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إما واجب أو فرض، وسماعها ليس بواجب ولا فرض فلا يؤتى بها في الصلاة م:
(وسجدوها بعدها) ش: أي بعد الصلاة يعني بعد فراغها لتحقق سببها وهو السماع
ممن ليس بمحجور م: (ولو سجدوها في الصلاة لم يجزئهم لأنه) ش: أي لأن السجود
م: (ناقض لمكان النهي) ش: لأنه نهي عن إدخال ما ليس من الصلاة فيها، وقد
وجبت السجدة كاملة، فإذا فعلها وقعت ناقصة م: (فلا يتأدى به) ش: أي بالناقص
م: (الكامل) ش: لأن ما وجب كاملًا لا يتأدى ناقصًا.
م: (قال: وأعادوها) ش: أي قال المصنف، وأعادوا السجدة التي سجدوها في
الصلاة م: (لتقرر سببها) ش: وهو السماع من غير محجور م: (ولم يعيدوا
الصلاة، لأن مجرد السجدة لا ينافي إحرام الصلاة) ش: لأن سجدة التلاوة عبادة
والصلاة لا تنافيها، فصار كمن أتى سجدة زائدة متطوعًا فلا تفسد الصلاة م:
(وفي: " النوادر " أنها تفسد) ش: أي ذكر في " النوادر "، رواه ابن سماعة عن
أبي حنيفة وأبي يوسف أنه، أي أن السجود يفسد الصلاة.
وقوله: - يفسد - بضم الياء من الإفساد م: (لأنهم زادوا فيها) ش: أي في
الصلاة م: (وما ليس منها) ش: وذلك أنهم اشتغلوا في صلاتهم بشيء حكمه أن
يقعدوا بعد الصلاة فصاروا ناقضين صلاتهم، كمن صلى النفل في حال الفرض.
م: (وقيل: هو قول محمد) ش: أي قال بعضهم الذي ذكر في " النوادر " هو قول
محمد، وفي "مبسوط خواهر زاده " ذكر الفساد على قول محمد، ثم قال: والصحيح
أن لا تفسد الصلاة عند الكل، ثم قال: هكذا قال على العمى، ويقال: قول محمد
هو جواب القياس، وما ذكر هنا وهو وقولهم جواب الاستحسان بناء على أن زيادة
ما دون الركعة لا يفسدها عندهما، وعلى قوله: زيادة السجدة يفسدها.
وهذا الاختلاف بناء على اختلافهم في سجدة الشكر، فعند محمد السجدة الواحدة
عبادة مقصودة، لهذا حكم بأن سجدة الشكر مسنونة، فتفسد لشروعه في واجب قبل
إكمال الفرض.
وعند أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف أنها غير مسنونة، والسجدة
الواحدة بمنزلة الركعة، وفي كونها ركنًا من أركان الصلاة غير مستقلة عبادة.
وفي " المختلف " و" ملتقى البحار " قول أبي يوسف مع محمد في مشروعية سجدة
الشكر، وفي "قاضي خان " عن أبي يوسف روايتان فيها.
(2/667)
فإن قرأها الإمام، وسمعها رجل ليس معه في
الصلاة، فدخل معه بعدما سجدها الإمام، لم يكن عليه أن يسجدها؛ لأنه صار
مدركا لها بإدراك الركعة، وإن دخل معه قبل أن يسجدها سجدها معه؛ لأنه لو لم
يسمعها سجدها معه، فهاهنا أولى، وإن لم يدخل معه سجدها وحده، لتحقق السبب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإن قرأها الإمام وسمعها رجل ليس معه في الصلاة فدخل معه بعدما سجدها
الإمام، لم يكن عليه أن يسجدها، لأنه صار مدركًا لها بإدراك تلك الركعة) ش:
أي صار الرجل المذكور مدركًا للسجدة، بإدراك الركعة التي قرأها الإمام
فيها، لأنه لما صار مدركًا للقراءة بإدراكه في تلك الركعة صار مدركًا لما
تعلق بالقراءة.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: ذكر في " زيادات الزيادات " أنه لا يسقط عنه
ما لزمه بالسماع، ويسجد بعد الفراغ، ثم قال وذلك قياس ما ذكر في " نوادر
الصلاة " لأبي سليمان، ثم هذا الذي ذكرنا فيما إذا أدرك الإمام في تلك
الركعة، كما ذكرنا، أما إذا أدركه في الركعة الأخرى قيل ينبغي أن يسجدها
خارج الصلاة، وقال الإمام العتابي، وأشار في بعض النسخ إلى أنها تسقط عنه
لأنها صارت صلاتية.
فإن قلت: يشكل على هذا لو أدرك الإمام في الركوع في صلاة العيدين حيث لم
يصر مدركًا لتلك الركعة، ويأتي بالتكبيرات في حال الركوع خلافًا لأبي يوسف.
قلت: الأصل في جنس هذه أن كل ما لا يمكن أن يؤدى به في الركوع أو الركعة
فبإدراك الإمام في الركوع يصير مدركًا لتلك الركعة وما يتعلق بها، وكلما
يمكن له أن يؤتى به فيها فبإدراك الإمام في الركوع لا يصير مدركًا له إليه
وهاهنا الإدراك ممكن.
فإن قلت: السجدة من أفعال الصلاة ولا يجزي فيها النيابة.
قلت: لا نسلم ذلك، لأن الفعل إذا وجب لسبب يجري فيه النيابة، والسبب هو
القراءة.
م: (وإن دخل معه قبل أن يسجدها) ش: أي وإن دخل مع الإمام قبل أن يسجد
الإمام سجدة تلاوة م: (سجدها معه) ش: أي مع الإمام: م (لأنه) ش: أي لأن هذا
الداخل م: (لو لم يسمعها) ش: أي سجدة التلاوة من الإمام م: (سجدها معه) ش:
أي كان عليه أن يسجدها معه لوجوب السبب.
م: (فهاهنا أولى) ش: أي في هذه الصورة قد سمعها من الإمام، فأولى أن يسجد
م: (وإن لم يدخل معه سجدها) ش: أي لم يدخل الرجل مع الإمام في صلاته سجدها
هو خارج الصلاة م: (لتحقق السبب) ش: وهو التلاوة الصحيحة والسماع للتلاوة
الصحيحة على اختلاف المشايخ.
وقال مالك: لا يسجد لأن السماع بناء على التلاوة وهي وجدت في الصلاة، فكانت
صلاتية، فلا تؤدى خارجها.
(2/668)
وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها
لم تقض خارج الصلاة، لأنها صلاتية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلنا السماع وإن كان مبناه على التلاوة، ولكن الوجوب بالسماع.
فإن قلت: الصحيح أن التلاوة سبب في حق السامع، وكانت في الصلاة فكانت
السجدة صلاتية فلا يقضي خارجها.
قلت: لما اختلفوا في أن السماع سبب في حقه أو التلاوة، فقلنا بأدائها خارج
الصلاة احتياطًا.
فإن قلت: ينبغي أن لا يتابع الإمام فيما إذا لم يسجد حين شرع، لأن ما وجب
لصلاتية.
قلت: صارت صلاتية بالاقتداء أو للاقتداء تأثير في جعل غير الواجب واجبًا،
وفي جعل الواجب غير واجب فإن القعدة على رأس الركعتين واجبة للمسافر،
وباقتدائه بالمقيم لم تبق واجبة، وكذا لو يحرم للأربع نفلًا يلزمه ركعتان،
ولو اقتدى بمصلي الظهر لزمه الأربع، حتى لو قضى يقضي الأربع.
وذكر ابن الساعاتي في "شرحه للمجمع " ليس الخلاف في ذلك راجعًا إلى كونها
صلاتية بل الخلاف في ذلك راجع إلى أن مطلق السماع هو يوجب السجود، فالصحيح
أنه إذا قصد الاستماع سجد، وإلا فلا، فكذلك أورد المسألة في " المجمع "
بصيغة لا تفيد خلافًا.
[قضاء سجدة التلاوة]
م: (وكل سجدة وجبت في الصلاة فلم يسجدها فيها لم تقض) ش: أي لم تؤد،
والقضاء يأتي بمعنى الأداء كما في قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ
الصَّلَاةَ} [النساء: 103] (النساء: الآية 103) ، أي فإذا أديتم م: (خارج
الصلاة لأنها صلاتية) ش: لأنها منسوبة إلى الصلاة، واعترض عليه بأن هذا
خطأ، لأن تاء التأنيث لا تثبت في النسب، والصواب أن يقال: صلاته كما يقال
في النسب إلى الزكاة: زكاته.
وأجاب صاحب "الدراية " عن هذا بأن هذا خطأ مستعمل، فيكون خيرًا من صواب
[غير] مستعمل، ورضي الأكمل بمثله هذا، فأجاب بمثله.
قلت: كيف يكون الخطأ خيرًا من الصواب؟، وهذا لا يقول به أحد.
والصواب: أن يقال في جوابه أن الفقهاء قصدهم المعاني، وكثيرًا ما يتساهلون
في صور الألفاظ، لأن جل قصدهم المعنى.
فإن قلت: هذا الكل منقوض بما إذا سمعوا وهم في الصلاة ممن ليس معهم في
الصلاة فإنها سجدة وجبت في الصلاة ويسجدونها بعدها كما ذكره المصنف:
بقوله: وإن سمعوا وهم في الصلاة إلى أن قال وسجدوها بعدها.
(2/669)
ولها مزية الصلاة فلا تتأدى بالناقص.
ومن تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة فأعادها وسجد أجزأته السجدة عن
التلاوتين؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: قال صاحب " الدراية ": المراد من قوله وكل سجدة أي سجدة صلاتية، ولا
بد من هذا القيد حتى لا يرد النقض المذكور، ولكنه ترك هذا بعد ظهوره.
وقال الأكمل: وفيه نظر، لأن قوله وجبت في الصلاة إما أن تكون صفة موضحة أو
صفة ما يتميز عنها، لأن كل سجدة صلاتية واجبة في الصلاة أو صفة كاشفة، وعاد
السؤال أو غيرهما من التأكيد والمدح والذم والمقام لا يقتضيه.
فالصواب: أن يقال تقديره وكل سجدة عن تلاوة وجبت في الصلاة، أي ثبتت.
قلت: هذا الذي قاله إنما ينتهي إذا جعلنا قوله وجبت في الصلاة حالًا عن
تلاوة، وأما إذا جعلناها صفة فالإشكال على حاله.
فإن قلت: ذو الحال لا يكون نكرة.
قلت: ذو الحال هاهنا قرب من المعرفة بالوصف، فافهم.
فإن قلت: فلم يسجدها فيها غير مقصود، لأنها تؤدى سجدة الصلاة إذا سجد على
الفور، أما إذا أخرها فلا، لأنها تصير دينًا عليه بفوات وقتها فلا يتأدى في
ضمن الغير، قال قلت: وقتها موسع، فمتى سجد كان أداء لا قضاء.
قلت: هذا عند محمد [وعند أبي يوسف] ورواية عن أبي حنيفة أن وجوبها على
الفور لا على التراخي، فيجوز أن يكون المصنف اختار ذلك.
م: (ولها) ش: أي للسجدة م: (مزية الصلاة) ش: قال قاضي خان: إن الصلاتية
أقوى؛ لأنها وجبت بتلاوة يتعلق بها جواز الصلاة، ألا ترى أنه لو ضحك في
سجدة التلاوة في الصلاة تنتقض طهارته، ولو ضحك فيها خارج الصلاة لا تنتقض
فيكون لها مزية م: (فلا تتأدى بالناقص) ش: لأن الكامل لا يجوز أداؤه
بالناقص.
م: (ومن تلا سجدة فلم يسجدها حتى دخل في صلاة) ش: أي في مكان واحد.
فإن قلت: مجلس التلاوة غير مجلس الصلاة.
قلت: بل واحد حقيقة وحكمًا.
أما حقيقة فظاهر، وأما حكمًا فلأن مجلس التلاوة مجلس العبادة فكان من جنس
مجلس الصلاة م: (وأعادها) ش: أي في الصلاة تلك الآية التي قرأها خارج
الصلاة، م: (وسجد أجزائه السجدة عن التلاوتين) ش: أي التلاوة التي وقعت
خارج الصلاة، والتلاوة التي وقعت في الصلاة
(2/670)
لأن الثانية أقوى؛ لكونها صلاتية فاستتبعت
الأولى. وفي " النوادر ": يسجد أخرى بعد الفراغ؛ لأن للأولى قوة السبق،
فاستويا، قلنا: للثانية قوة اتصال المقصود، فترجحت بها. وإن تلاها فسجد ثم
دخل في الصلاة فتلاها سجد لها، لأن الثانية هي المستتبعة، ولا وجه إلى
إلحاقها بالأولى؛ لأنه يؤدي إلى سبق الحكم على السبب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن الثانية) ش: أي السجدة الثانية م: (أقوى لأنها صلاتية فاستتبعت
الأولى) ش: أي جعلت السجدة الثانية السجدة الأولى تابعة لها، لأن المتلوة
في الصلاة أفضل من الصلاة بغيرها، هذا على رواية " الجامع الكبير " و"
المبسوط " و" نوادر الصلاة " التي رواها أبو حفص.
م: (وفي " النوادر ") ش: أي أراد به " نوادر الصلاة " التي رواها أبو
سليمان لا تستتبع إحداهما، فإذا كان كذلك م: (سجد أخرى بعد الفراغ، أي من
الصلاة، لأن للأولى قوة السبق فاستويا) ش:، أي في الوجوب فلا تستتبع
إحداهما الأخرى م: (قلنا: للثانية) ش: أي السجدة الثانية التي هي الصلاتية
م: (قوة اتصال المقصود) ش: وهو أداء السجدة، لأن المقصود من وجوب السجدة
أداؤها.
م: (فترجحت بها) ش: أي فترجحت الثانية بقوة الاتصال بالمقصود، لأن الأصل
اتصال السبب بالمسبب.
فإن قلت: هذه المسألة لبيان التداخل وإلحاق الأولى بالثانية خلاف موضوع
التداخل، لأن السابق قد مضى واضحًا فكيف يكون ملحقًا باللاحق.
قلت: السابق قد يكون تبعًا إذا كان اللاحق أقوى كالسنة قبل الفريضة، ولأن
التكرار قائم بهما، فكان إلحاق الأولى بالثانية ممكنًا.
م: (وإن تلاها) ش: أي وإن تلا آية السجدة رجل وكان خارج الصلاة م: (فسجد
لتلاوته ثم دخل في الصلاة فتلاها) ش: أي تلك الآية م: (سجد لها) ش: يعني
يجب عليه أن يسجد لها م: (لأن الثانية) ش: أي السجدة الثانية م: (هي
المستتبعة) ش: أي أراد أن المتلوة في الصلاة هي المستتبعة لقوتها للمتلوة
في غير الصلاة لضعفها، فلو قلنا بعدم تعدد الوجوب بإلحاق الثانية بالأولى
يلزم استتباع التابع متبوعه، فلا يجوز م: (ولا وجه إلى إلحاقها بالأولى) .
ش: قال الأكمل: أي لا وجه لإلحاق السجدة المفعولة بالأولى، أي بالتلاوة
الأولى، لأنها إن ألحقت بها وهي تابعة للثانية كانت السجدة ملحقة بالتلاوة
الثانية، وذلك م: (لأنه يؤدي إلى سبق الحكم قبل السبب) ش: فتبين أن التداخل
في هذه الصورة متعذر فتجب سجدة ثانية للتلاوة الثانية، ثم قال: وإياك أن
ترد ضمير إلحاقها إلى التلاوة الثانية كما فعله بعض الشارحين.
واعترض على المصنف، فإنه فاسد قلت: أراد ببعض الشارحين الأترازي، فإنه قال
في هذا الموضع بيانه أنا لو ألحقنا المتلوة في الصلاة بالمتلوة في غيرها.
بأن قلنا: السجدة المفعولة خارج
(2/671)
ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد
أجزأته سجدة واحدة، فإن قرأها في مجلسه فسجدها ثم ذهب ورجع، فقرأها سجد
ثانية وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان، فالأصل أن مبنى السجدة على
التداخل دفعا للحرج،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصلاة تجري في التلاوتين جميعًا يلزم تقدم الحكم وهو السجدة على السبب وهو
التلاوة، وتقديمه عليه لا يجوز، ثم قال: وفي هذا التعليل نظر عندي، لأنا لا
نسلم تقدم الحكم على السبب، لأن مبنى السجدة على التداخل في السبب، فعلى
تقدير إلحاق الثانية بالأولى لا يلزم ما قال، لأنه يكون السبب هو الأولى
وحدها وقد تقدم السبب، فتلاه بحكمه، انتهى كلامه.
قلت: الصواب كما قاله الأكمل والأصوب من كلامهما أن تقول: لما لم يمكن
القول بالتداخل هاهنا وجبت لكل تلاوة سجدة على حدة، على أن في بعض النسخ
ولا وجه إلى كونها مستتبعة للأولى، فافهم.
[تكرار تلاوة سجدة التلاوة في المجلس الواحد]
م: (ومن كرر تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد أجزأته سجدة واحدة) ش: قيد
بقوله: سجدة واحدة، لأنه إذا كرر سجدات مختلفة يجب لكل واحدة سجدة، وبقوله:
في مجلس واحد؛ لأنه إذا كان في مجالس مختلفة تعدد السجود على ما سيجيء
بيانه إن شاء الله تعالى.
وقال النووي: إن لم يسجد للأولى كفته سجدة واحدة، وإن سجد لها ثلاثة أوجه:
أصحها: يسجد، وبه قال مالك وأحمد.
والثاني: يكفيه الأولى، قال ابن شريح: ورجحه صاحب " العدة "، وقطع به أبو
حامد.
الثالث: إن طال الفصل قرأها فسجد ثم ذهب يعني أنه مشى ثلاث خطوات، ورجع
فقرأها وسجد ثانيًا، وإن لم يسجد للأولى فعليه سجدتان.
م: (فإن قرأها في مجلسه فسجدها فذهب ورجع فقرأها سجد ثانية) ش: لتعدد
السبب.
م: (وإن لم يكن سجد للأولى فعليه سجدتان) ش: أراد أنه ذهب عن مجلسه بعد
قراءته ولم يسجد لها ثم رجع إليه فقرأها ثانيًا، فعليه أن يسجد لكل تلاوة
سجدة م: (والأصل) ش: في هذا م: (أن مبنى السجدة على التداخل) ش: يعني في
الاستحسان والقياس أن يجب لكل تلاوة سجدة، سواء كانت في مجلس واحد أو لم
تكن، لأن للسجدة حكم التلاوة، والحكم يتكرر بتكرر السبب.
وأما وجه الاستحسان فهو قوله: م: (دفعًا للحرج) ش: وذلك أن المسلمين
يحتاجون إلى تعليم القرآن وتعلمه، وذلك يحتاج إلى التكرار غالبًا، فإلزام
التكرار في السجدة يفضي إلى الحرج لا محالة، والحرج مدفوع ويؤيد هذا ما روي
أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقرأ على
(2/672)
وهو تداخل في السبب دون الحكم وهو أليق
بالعبادات، والثاني بالعقوبات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويقرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - على أصحابه ويسجد مرة واحدة.
وقال الأكمل: وقد صح أن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان
ينزل بآية السجدة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وتكرر عليه، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد
لها مرة واحدة تعليمًا لجواز التداخل.
قلت: نزول جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بآية السجدة وغيرها
من القرآن على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صحيح لا شك
فيه، ولكن صحة بقية القضية من أين؟، ولم يتعرض إليه فاكتفي بمجرد النقل،
وكان أبو موسى الأشعري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يلقن الناس القرآن في
مسجد البصرة وتكرر السجدة مرة واحدة.
وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وهو معلم الحسن والحسين - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أنه كان يعلم الآية الواحدة مرارًا ولا يزيد على سجدة واحدة،
وقد أخذ التلاوة عن الصحابة، فالظاهر أنه أخذ حكمها عنهم.
م: (وهو تداخل في السبب دون الحكم) ش: أي التداخل الذي عليه مبنى السجدة هو
تداخل في السبب وهو التلاوة دون الحكم، وهو وجوب السجدة، وهو أن يجعل
التلاوات الموجودة في المجلس تلاوة واحدة، فلم تكن الثانية والثالثة، سببًا
للوجوب، إذا السبب إذا تحقق لا يجوز ترك حكمه في العبادات احتياطًا. وضعف
السرخسي التداخل، وقال: الصحيح أن سبب الوجوب حرمة المتلوة، فالثانية تكرار
محض فلم تكن سببًا، فلا يجب بها شيء.
وقال الماتريدي: سبب وجوبها تلاوة مقصودة، ولم يوجد في الثانية لأنها تبع
للأولى وتكرير للحفظ والتفكر وذلك وسيلة.
م: (وهذا) ش: أي التداخل في السبب م: (أليق بالعبادات) ش: لأنه لو حكم
بتعدد الأسباب يلزمه ترك الاحتياط في أمر العبادة، لأنه يلزم الإسقاط بعد
وجوب سبب الإثبات، فلا يجوز لأن العبادة يحتاط في إثباتها لا في إسقاطها.
م (والثاني بالعقوبات) ش: أي التداخل في الحكم دون السبب أليق بالعقوبات،
لأنها ليست مما يحتاط فيها بل في درئها فيجعل التداخل في الحكم ليكون عدم
الحكم مع وجود الموجب مضافًا إلى عفو الله وكرمه، فإنه هو الموصوف بسبوغ
العفو وكمال الكرم.
وثمرة هذين الفصلين تظهر في:
الأول: فيما إذا تلا آية سجدة فسجد، ثم قرأ تلك الآية في ذلك المجلس مرات
تكفيه تلك السجدة عن التلاوة التي توجد بعدها.
(2/673)
وإمكان التداخل عند اتحاد المجلس لكونه
جامعا للمتفرقات، فإذا اختلف عاد الحكم إلى الأصل، ولا يختلف بمجرد القيام
بخلاف المخيرة؛ لأنه دليل الإعراض وهو المبطل هناك،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الثاني: إذا زنى فجلد ثم زنى ثانيًا يجلد ثانيًا، وكذلك ثالثًا ورابعًا
بعدم التداخل في الأسباب، بخلاف ما إذا زنى ولم يحد ثم زنى يحد مرة واحدة
لتداخل الحكم والعقوبة.
م: (وإمكان التداخل) ش: أراد به الإمكان الشرعي م: (عند اتحاد المجلس لكونه
جامعًا للمتفرقات) ش: أي ألا ترى أن شطري العقد يجمعهما المجلس وإن تفرقا
بالأقوال، واتحاد المجلس له أثر في جميع المقدورات كما في الإيجاب والقبول
والأقادير، ألا ترى أن من أقر بالزنا أربع مرات في مجلس واحد يجعل مقرا مرة
واحدة، وفي المجالس المختلفة يجعل مقرا أربع مرات، فكذا هاهنا م: (فإذا
اختلف) ش: أي المجلس م: (عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب التكرار لعدم
الجامع.
فإن قلت: لم لا يجمع الجامع بين الآيات في المجلس كما جمع بين المرات فيه؟.
قلت: لعدم الحرج، فإن آية السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في
المجلس، بخلاف التكرار للتعليم، فإنه ليس بمحصور.
م: (ولا يختلف) ش: أي المجلس م: (بمجرد القيام) ش: ولهذا لو باع وهو قاعد
وقام ثم قبل المشتري صح قبوله. كذا في " الكافي "، ولو قرأها وهو قاعد ثم
قام فقرأها لا يجب إلا سجدة واحدة م: (بخلاف المخيرة) ش: وهي التي قال لها
زوجها اختاري، فقامت فقالت اخترت نفسي لا يقع الطلاق م: (لأنه) ش: أي لأن
قيام المخيرة م: (دليل الإعراض) ش: لأن المجلس تبدل حقيقة م: (وهو) ش: أي
الإعراض م: (يبطل هناك) ش: أي في المخيرة، ثم المجلس إنما يختلف إذا ذهب عن
ذلك المجلس بعيدًا، فإن كان قريبًا لا يختلف، فالفاصل بينهما ما ذكر في "
المحيط " إذا مشى خطوتين أو ثلاثًا فهو قريب، وإن كان أكثر من ذلك فهو
بعيد.
وفي " المبسوط " في رواية ابن رستم عن محمد قال محمد نحو عرض المسجد أو
طوله فهو قريب.
وفي " المبسوط " فإن نام قاعدًا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملًا
يسيرًا ثم قرأ فليس عليه أخرى، لأن هذا القدر لا يبدل المجلس وفي الروضة
بالأكل لا يختلف المجلس حتى يشبع، وبالشرب حتى يروى، وبالكلام والعمل يكثر
استحسانًا.
وفي " شرح المجمع " الأمكنة التي تتحد حكمها كالمجسد والجامع والبيت
والسفينة سائرة كانت أو واقفة والحوض والغدير والنهر الواسع والدابة
السائرة وراكبها في الصلاة قال: في هذه الأماكن إذا كرر التلاوة لا يلزمه
إلا سجدة واحدة وهو مخير إن شاء سجدها عند التلاوة الأولى،
(2/674)
وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب، وفي المنتقل
من غصن إلى غصن كذلك في الأصل، وكذا في الدياسة للاحتياط،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإن شاء سجدها عند الأخيرة، والأمكنة التي يختلف حكمها ويتعدد الوجوب
كالدابة السائرة وراكبها ليس في الصلاة، والماشي في الصحراء، أو السباح في
البحر والنهر العظيم.
م: (وفي تسدية الثوب يتكرر الوجوب) ش: قال شيخ الإسلام خواهر زاده: في
"مبسوطه" إن كان يسدي الكرباس ويقرأ آية واحدة مرارًا اختلف المشايخ، قال
بعضهم: يكفيه سجدة واحدة، لأن المجلس واحد من حيث الاسم.
وقال بعضهم: يلزمه بكل تلاوة سجدة، لأن المجلس تبدل حقيقة بتبدل المكان،
ولا يعتبر اتحاد العمل كما في سير الدابة وهو الأصح.
م: (وفي المنتقل من غصن إلى غصن كذلك في الأصل) ش: أي يتكرر الوجوب في
الأصح يرجع إلى المذكورين تسدية الثوب والمنتقل م: (وكذا في الدياسة) ش:
وقال الأترازي: واختلف في تسدية الثوب والدياسة، والذي يدور حول الرحى
والذي يسبح في الحوض أو النهر، والذي علا على غصن ثم انتقل إلى غصن آخر
والأصح هو الإيجاب م: (للاحتياط) ش: أي بالنظر إلى اتحاد العمل واتحاد
والمجلس لا يتبدل المجلس، فلا يتكرر الوجوب بالنظر إلى حقيقة اختلاف المكان
يتكرر الوجوب فقلنا بالتكرار احتياطًا.
وفي " الدراية " وفي لفظ الكتاب إشارة إلى أنه لا خلاف في التسدية لأنه
قطعها بالجواب من غير تردد، ويدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن
إلى غصن وفي الدياسة وفي النهاية وهذا اللفظ أشار به إلى التسدية والمنتقل
كما ترى يدل على أن اختلاف المشايخ في المنتقل من غصن إلى غصن وفي الدياسة
لا في تسدية الثوب، لأنه قطعها بالجواب من غير تردد، ثم شبه الجواب الثاني
بذكر الأصح، ولكن ذكر الاختلاف في " شروح الجامع الصغير " في المسائل
الثلاث كلها.
وقال الأكمل: وقال صاحب " الدراية " وذكره...... إلخ ما ذكره ثم قال: وليس
بواضح جواز أن يكون قوله في الأصح متعلقًا بالمسلمين جميعًا.
وقوله: للاحتياط يجوز أن يكون وجه الأصح في الصور الثلاث المذكورة.
قلت: الظاهر أن قوله في الأصح متعلق بمسألة المنتقل من غصن إلى غصن.
وقوله: للاحتياط متعلق بمسألة الدياسة، وقطع صاحب " الهداية " بالجواب في
مسألة بنفي أو إثبات لا يستلزم نفي كون الخلاف فيه في الحقيقة.
(2/675)
ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر
الوجوب على السامع؛ لأن السبب في حقه السماع، وكذا إذا تبدل مجلس التالي
دون السامع على ما قيل، والأصح أنه لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا،
ومن أراد السجود كبر، ولم يرفع يديه، وسجد ثم كبر ورفع رأسه اعتبارا بسجدة
الصلاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو تبدل مجلس السامع دون التالي يتكرر الوجوب على السامع) ش: باتفاق
المشايخ، وبه صرح الإمام الزاهد السغناقي، فعلى قول من يقول السبب في حق
السامع السماع فظاهر، وعلى قول من يقول السبب في حقه التلاوة فكذلك الظاهر،
لأن الشرع أبطل تعدد التلاوة المتكررة في حق التالي حكمًا لاتحاد مجلسه لا
حقيقة، فلم يظهر ذلك في حق السامع، فاعتبرت حقيقة التعدد فكرر الوجوب عليه
م: (لأن السبب) ش: أي سبب وجوب السجدة م: (في حقه) ش: أي في حق السامع م:
(السماع) ش: فتكرر السبب بتكرار الوجوب م: (وكذا) ش: يتكرر الوجوب. م: (إذا
تبدل مجلس التالي دون السامع على ما قلنا) ش: على قول بعض المشايخ، وهو قول
فخر الإسلام أيضًا.
م: (والأصح أن لا يتكرر الوجوب على السامع لما قلنا) ش: أشار به إلى قوله
لأن السبب في حقه السماع، ومكان السماع متحد فلا يتكرر الوجوب، وهذا قول
القاضي الأسبيجابي صاحب " شرح الطحاوي ".
م: (ومن أراد السجود) ش: أي سجود التلاوة م: (كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم
كبر ورفع رأسه اعتبارًا بسجدة الصلاة) ش: يعني اعتبروه اعتبارًا بسجدة
الصلاة.
وقوله: كبر إشارة إلى أن التكبير فيها سنة كما في المسببة به.
وقال الأسبيجابي: ويرفع صوته، وفيه إشارة إلى التكبير ليس بواجب بل هو سنة
لما ذكرنا، وأيد ذلك ما ذكره في " المحيط "، فقال: ورى الحسن عن أبي حنيفة
أنه لا يكبر عند الانحطاط، لأن تكبير الانتقال من الركن، وعند الانحطاط،
وهاهنا لا ينتقل، وهي رواية الحسن عن أبي يوسف.
وفي " الذخيرة ": وقيل: يكبر في الابتداء ولا يكبر في الانتهاء، وهي رواية
الحسن عن أبي حنيفة، وقيل: يكبر في الابتداء بلا خلاف، وفي الانتهاء خلاف
بين أبي يوسف ومحمد على قول أبي يوسف لا يكبر، وعلى قول محمد يكبر.
وعند جمهور الشافعية يكبر للهوي إلى السجود، وعند رفعه. وقال ابن أبي
هريرة: منهم من لا يكبر فيهما وفي غير الصلاة يكبر للافتتاح ثم للهوي ثم
للرفع، وهو قول أحمد وهو شرط في المشهور، وفي وجه يستحب، وفي الثالث لا
يشرع أصلًا وهو قول أبي جعفر منهم.
(2/676)
وهو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -
ولا تشهد عليه ولا سلام؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقوله: ولم يرفع يديه احترازا عن قول الشافعي، فإن عنده حقها أن يسجد سجدة
واحدة فيكبر رافعًا يديه ناويًا، ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه ثم يكبر
للرفع ويسلم، وأقلها وضع الجبهة على الأرض بلا شروع ولا سلام، كذا في "
الخلاصة الغزالية ".
وقال القاضي من الحنابلة: وقياس المذهب أن لا يرفع يديه [....] لم يرد به
الشروع، وفي حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كان - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - لا يقعد في السجود حتى لا يرفع يديه» وهو حديث متفق عليه،
وبقولنا قال إبراهيم والحسن وأبو قلابة وابن سيرين وأبو عبد الرحمن وعامر،
ذكر ذلك كله ابن أبي شيبة.
م: (وهو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني المذكور
من صفة سجدة التلاوة هو مروي عن عبد الله بن مسعود، وهذا غريب لم يثبت،
وإنما روي عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر
بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» رواه أبو داود.
م: (ولا تشهد عليه) ش: أي على من يسجد للتلاوة، وبه قال مالك، وعن الشافعي
فيه قولان، وقال البويطي: لا يتشهد.
وقال خواهر زاده: قال الشافعي في كتابه: ليس فيها تسليم ولا تشهد، وبه أخذ
بعض أصحابه، ومن أصحابه من لم يأخذ بما قال الشافعي: لكن قال: فيها تشهد
وتسليم، وكان ابن شريح يقول فيها تسليم، ولكن لا يحتاج فيها إلى تشهد.
وفي " التنبيه " قيل: يتشهد ويسلم، وقيل: يسلم ولا يتشهد، والمنصوص أنه لا
يتشهد ولا يسلم.
واعترض على صاحب " التنبيه " فيه بشيئين:
أحدهما: أنه صرح بنص الشافعي أنه لا يسلم وأنه ليس له نص غيره، وليس الأمر
كذلك بل القولان مشهوران في اشتراط السلام.
الثاني: أنه صرح بأن الراجح في المذهب أنه لا يسلم.
وليس كذلك، بل الصحيح عند الأصحاب على ما حكاه النووي اشتراط السلام، قال:
وممن صححه أبو حامد وأبو الطيب في تعليقهما والرافعي وآخرون، ولا يتشهد عند
الحنابلة، نص عليه في رواية الأثرم.
م: (ولا سلام) ش: أي ولا سلام عليه أيضًا، وبه قال النخعي والحسن وسعيد
ويحيى ابن وثاب ومالك وعطاء وأبو صالح، وقال ابن المنذر: قال أحمد أما
التسليم فلا أدري ما هو، وعنه أنه فرض ويجزئه تسليمة، وعنه تسليمتان ولا
يسلم في البويطي، وقال المزني: يسلم.
(2/677)
لأن ذلك للتحلل وهو يستدعي سبق التحريمة
وهي منعدمة، قال: ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها، ويدع آية
السجدة؛ لأنه يشبه الاستنكاف عنها، ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما
سواها؛ لأنه مبادرة إليها، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أحب إليّ أن
يقرأ قبلها آية، أو آيتين دفعا لوهم التفضيل، واستحسنوا إخفاءها شفقة على
السامعين، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن ذلك) ش: أي السلام م: (للتحلل وهو) ش: أي التحليل م: (يستدعي) ش:
أي يقتضي م: (سبق التحريمة) ش: لأنها معتبرة بسجود الصلاة وسجود الصلاة لا
يقتضي التسليم م: (وهي) ش: أي التحريمة م: (منعدمة) ش: هذا اللفظ خطأ عند
أهل التصريف، وصوابه معدومة.
فإن قلت: كيف يكون معدومة وقد ذكر من أراد السجود كبر، والتكبير للتحريمة
كما في الشروع في الصلاة.
قلت: ذاك التبكير لا للتحريمة بل للمشابهة بينهما وبين سجدة الصلاة،
والتكبير لها ليس للتحريمة بل للانتقال إلى السجود فكذا هاهنا.
م: (وقال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م:
(ويكره أن يقرأ السورة في الصلاة أو غيرها أو يدع) ش: أي يترك، ولم يستعمل
معنى هذه اللفظة إلا في قراءة: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] (الضحى:
الآية 3) ، بالتخفيف، وهي شاذة ويدع م: (آية السجدة لأنه يشبه الاستنكاف
عنها) ش: أي الإعراض عن السجدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين، وهو يؤدي
أيضًا إلى هجران بعض القرآن.
وقال الشافعي: يكره قراءة آية السجدة في الصلاة، سواء كانت صلاة السر أو
الجهر.
وقال مالك: يكره قراءتها في جميع الصلوات، وعندنا يكره فيما يسر دون ما
يجهر، وبه قال أحمد.
م: (ولا بأس بأن يقرأ آية السجدة ويدع ما سواها، لأنه مبادرة) ش: أي مسارعة
م: (إليها) ش: أي إلى السجدة م: (قال) ش: أي قال محمد: في كتاب الصلاة م:
(وأحب إلي أن يقرأ قبلها آية أو آيتين دفعًا لوهم التفضيل) ش: أي تفضيل بعض
الآيات على البعض م: (واستحسنوا) ش: أي استحسن المشايخ.
م: (إخفاءها) ش: أي إخفاء آية السجدة م: (شفقة) ش: أي لأجل الشفقة م: (على
السامعين) ش: لأن السامع ربما لا يؤديها في الحال لمانع فلا يؤديها بعد ذلك
بسبب النسيان فيبقى عليه الواجب فيأثم.
وفي " المحيط ": إذا كان التالي وحده يقرأ كيف شاء جهر أو أخفى، وإن كان
معه جماعة، قال مشايخنا: إن كان القوم مهيئين للسجود، ووقع في قبله أنه لا
يشق عليهم أداؤها ينبغي أن
(2/678)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يجهر حتى يسجد القوم معه، وإن كانوا محدثين ويظن أنهم لا يسجدون أو يشق
عليهم أداؤها ينبغي أن يقرأها في نفسه ولا يجهر تحرزًا عن إتيانهم بالسلام.
1 -
فروع: يختلف المجلس بالنوم مضطجعًا. وقاعدًا لا يختلف ذكره في " المحيط ".
وفي "جوامع الفقه " القيام والقعود والاتكاء والركوب والنزول لا يوجب
اختلاف المجلس، وكذا الانتقال في البيت والمسجد من زاوية إلى زاوية، أو من
جانب طولًا أو عرضًا.
وقيل: إن كان البيت كبيرًا أو المسجد كثيرًا كالمسجد الجامع تختلف. وفي "
المنتقى " عن محمد في المسجد الجامع لا يتكرر من غير تفصيل. وفي " جوامع
الفقه " سئل أبو بكر عمن قرأ القرآن كله وسجد لكل سجدة ثم قرأ ثانيًا يجب
ثانيًا.
وفي " المرغيناني " لو تلاها ثم سبح أو هلل كثيرًا ثم تلاها يكفيه سجدة،
وفيه ولا يجوز أداؤها في الأوقات المكروهة، إلا يقرأها فيها، فإن قرأها في
وقت مكروه سجدها في وقت غير مكروه.
قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: إن قرأها عند الطلوع وسجدها عند الغروب
يجوز ولا يجوز العكس.
وفي الأصل إذ قرأ سجدة في آخر السورة في صلاته إن كان بعدها آية أو آيتان
إلى آخر السورة إن شاء ركع وإن شاء سجد، يعني إن شاء ركع لها ركوعًا على
حدة، وإن شاء سجد لها سجدة على حدة والسجدة أفضل، وإن سجد يعود إلى القيام،
لأنه يحتاج إلى الركوع ويقرأ بنفسه السورة ثم يركع وإن شاء ضم إليها آية من
السورة الأخرى حتى يصير ثلاث آيات، ويكره لو لم يقم بعدها شيئًا إلى الركوع
يحتاج إلى النية لمخالفة بينهما، وفي السجدة لا يحتاج إليها.
وقيل: إن شاء أقام ركوع الصلاة مقام سجدة التلاوة، نقله عن أبي حنيفة وأبي
يوسف.
وروى الحسن عن أبي حنيفة ما يدل على أن سجدة الركعة تنوب عن سجدة التلاوة،
وقد روي عنه إذا كانت السجدة في آخر السورة كالأعراف والنجم أو قريبًا منه
كبني إسرائيل وانشقت، فركع حين فرغ من السورة أجزأته سجدة الركعة عن
التلاوة.
واختلف المشايخ فيما إذا ركع وسجد للصلاة دون التلاوة فالركوع ينوب عنها أو
سجدة الصلاة قبل الركوع لقربه منها، ثم اتفقوا على أن الركوع لا ينوب عن
السجدة بدون النية، واختلفوا في السجود.
قال ابن سماعة وجماعة من أئمة بلخ: لا ينوب ما لم ينوب في ركوعه أو بعد
استوائه قائمًا إذا سجد لصلاته وتلاوته.
(2/679)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال غيرهم: إن النية فيها ليست بشرط، والصلاتية أقوى فتنوب عنهما، كذا في
" الذخيرة " وفي " المحيط " لو لم ينو في السجود لم يجزه، نص عليه في "
النوادر "، لأن الصلاتية تخالفها حكمًا فلا ينوب عنها شيئًا إلا بالنية.
وقيل: يجوز بدون النية، وروى الحسن عن أبي حنيفة أن السجود ينوب دون الركوع
وفي المبسوط الأصح أن سجدة الصلاة تنوب عنها دون الركوع.
وفي قاضي خان وقال عامة المشايخ: لا يحتاج إلى النية، وتصير مؤادة
بالصلاتية لأنها أقوى، إلا إذا انقطع العود فيحتاج إلى النية، وإن كان
بعدها ثلاث آيات إلى آخر السورة، أو كانت في آخر السورة، أو كانت في وسط
السورة فالحكم في هذا كله ما ذكرناه.
فلو أنه لم يركع لها ولم يسجد لها في هذه الوجوه على الفور، ولكن قرأ ربعًا
من السورة أو خرج إلى سورة أخرى فقرأ منها شيئًا إن قرأ بعدها ثلاث آيات،
أو كانت السجدة في وسط السورة لم يجزئه الركوع وسجدة الصلاة عن التلاوة،
لأنها صارت دينًا عليه لفوات محلها، وفي الأصل والبحر أن الآيات الثلاث
إنما تصير فاصلة ومانعة وقوع الركوع والسجود عن التلاوة، وإذا كانت في وسط
السورة ولا تصير مانعة في آخرها.
وفي "المرغيناني " عن شيخ الإسلام إذا قرأ ثلاث آيات بعدها سقط العود ولا
ينوب الركوع عن التلاوة، وقال الحلواني: لا ينقطع ما لم يقرأ أكثر من ثلاث
آيات، وكذا في قاضي خان.
وفي " جوامع الفقه ": ينوي بها عند الركوع، ولو قرأها في الركوع اختلفوا
فيه وبعدما رفع رأسه لا يجوز إلا رواية عن أبي حنيفة، ولا ينبغي للإمام أن
يقرأ سجدة في صلاة لا يجهر بها، لأنه إذا لم يسجد يصير تاركًا للواجب، وإن
سجد يظن القوم أنها صلاتية يأتي بها قبل الركوع فلا يتابعونه.
يشترط في السجد الطهارة من الأحداث والأنجاس بدنًا ومكانًا وثيابًا، وستر
العورة واستقبال القبلة والنية، وكل ما يفسد الصلاة يفسدها. وفي " المفيد "
المحاذاة لا يفسدها.
وفي رواية ابن السكن عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء. وعن الشعبي
مثله، وفي " مصنف ابن أبي شيبة " عن عثمان بن عفان وابن المسيب أن الحائض
تومئ برأسها. قال ابن المسيب ويقول اللهم لك سجدت، هذا خلاف ما عليه
الجمهور من أصحاب المذاهب الأربعة.
وعن النخعي في رواية يتمم ثم يسجد كما في الجنازة، وذكر ابن بطال عن ابن
عباس وأبي عبد الرحمن أنه يشترط فيها استقبال القبلة، وقال ابن المنذر: وقد
روينا عن الشعبي أنه كان يسجد حيث كان وجهه ذكره في "الأشراف "، وفي "
خزانة الأكمل " لو سجدها بغير القبلة جهلًا
(2/680)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جازت، وذكر ابن تيمية الحنبلي أن القارئ إذا كان محدثًا، لم يسجد ولم يقضها
إذا توضأ، وكذا المستمع، وكذا المتطهر إذا طال الفصل، وقال الثوري: إن لم
يسجد وطال الفصل لم يسجد، ويروى ذلك عن النخعي والأوزاعي، وعندنا يسجد إذا
توضأ، وبه قال مكحول والثوري وإسحاق وجماعة.
وفي " مختصر البحر " يستحب تقدم التالي في السجود على السامعين، ويصطف
السامعون خلفه ولا يرفعون رؤوسهم قبله، فإذا سجد التالي يسجدون معه حيث
كانوا، وفي "جوامع الفقه " خلفه أو قدامه ولا يرون تسوية الصف خلفه.
وفي خزانة الأكمل: لا يرفع السامع رأسه قبل التالي استحسانًا ومثله في "
المبسوط " وذكره النووي أنه لا ينوي الاقتداء به والرفع قبله ولو ذهب
التالي ولم يسجد سجد السامع، وبه قال الشافعي، ولو قرأ على المنبر إن شاء
سجد عليه، وإن شاء نزل وسجد على الأرض، وفي الأصل إمام صلى وقرأ سجدة ونسي
أن يسجد بها فتذكر ذلك وهو راكع يخر ساجدًا لها ثم يقوم فيعود في ركوعه
ويمضي في صلاته، وعليه سجدتا السهو.
وفي " الذخيرة " عن السعدي أن المصلي إذا تلا آية السجدة ونسي أن يسجدها
فليس عليه سهو، وفيه رأى الأبكم والأصم [....] يسجد والتلاوة لا يجب عليه
أن يسجدها.
مسألة غريبة: ذكرها في " عدة المفتي " رجل صلى الفجر بعشرين سجدة كيف هذا،
قال الشهيد: هذا رجل أدرك الإمام في السجدة في الركعة الثانية، وعلى الإمام
سهو فسجد سجدتين، ثم تذكر الإمام أنه ترك سجدة تلاوة فسجد لها ثم تشهد وسجد
للسهو ثم أقام المسبوق وقرأ آية السجدة، ونسي أن يسجد لها وسجد سجدتي
الركعة الثانية، ثم تذكر أنه قعد بين الركعتين ناسيًا فسجد سجدتين ثم تذكر
سجدة التلاوة، فسجد لها ثم تشهد وسلم وسجد للسهو سجدتين والله أعلم.
ولو سبقه الحدث فيها توضأ وأعاد، قيل: هذا قول محمد، وعند أبي يوسف لا
يعيدها لتمامها بالوضع عنده، ولو قرأها على الدابة يومئ لها، قال الحلواني:
هذا في خارج المصر، فإن كان في المصر فأولى لتلاوته لا يجزئه في قول أبي
حنيفة، ولو تلاها المصلي للراكب مرارًا في ركعة، والدابة تسير ورجل يسوقها
فعلى التالي واحدة، وعلى السائق لكل تلاوة سجدة.
وفي "المنتقى ": لو كان كل واحد منهما على دابة يصلي فقرأها كل واحد مرارًا
يصلي كل واحد منهما بتلاوته سجدة، وتلاوة صاحبه بعدد قراءتها على الدابة،
ولو ضحك في سجدة التلاوة يكون حدثًا.
(2/681)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " المجتبى " يعيدها ولا يعيد الوضوء وأداؤها في الصلاة على الفور، وكذا
خارجها عند أبي يوسف وعند محمد والكرخي على التراخي، ثم على رواية الفور
مثل مباح الاشتغال بالحوائج، ولا يباح التأخير عند النزاع والاستطاعة،
والصحيح خلافه، وذكر الطحاوي أن تأخيرها مكروه مطلقًا، والمرأة تصلح إمامًا
للرجل فيها.
وفي " المبسوط " لم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ماذا يقول في سجوده،
والأصح أن يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجود الصلاة وبه قال
الشافعي، واستحسنوا أن يقوم فيسجد، لأن الخرور سقوط من القيام، والقرآن ورد
به، وإن لم يفعل فلا يضر به.
وفي " المجتبى " وإن أتى بغير تسبيح الصلاة جاز، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة
في "مصنفه" عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قالت: «كان رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في سجود القرآن: "سجد وجهي للذي
خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» ، وعن ابن عمر أنه كان يقول في
"سجوده اللهم لك سجد سوادي ربك آمن فؤادي، اللهم ارزقني علما ينفعني، وعملا
يرفعني"، وعن قتادة أنه كان يقول إذا قرأ السجدة: سبحان ربنا إن كان وعد
ربنا لمفعولًا، سبحان الله وبحمده ثلاثًا، وعن عبد الله أنه كان يقول في
سجوده: لبيك وسعديك والخير في يديك، وعن داود - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه
كان يقول: سجد وجهي مستغفرًا في التراب خالقي، وحق له.
تم المجلد الثاني من تجزئة المحقق
يليه المجلد الثالث أوله: "باب صلاة المسافر"
`
(2/682)
|