البناية
شرح الهداية كتاب المفقود إذا غاب الرجل فلم يعرف له
موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم عليه ويستوفي
حقه؛ لأن القاضي نصب ناظرا لكل عاجز عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة،
وصار كالصبي والمجنون، وفي نصب الحافظ لماله والقائم عليه نظر له، وقوله:
ليستوفي حقه لإخفاء أنه يقبض غلاته، والدين الذي أقر به غريم من غرمائه
لأنه من باب الحفظ، ويخاصم في دين وجب بعقده لأنه أصيل في حقوقه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب المفقود]
[حفظ مال من غاب فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي
هو أم ميت]
م: (كتاب المفقود) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام المفقود، ووجه مناسبة هذا
الباب بالباب الذي قبله قد ذكرناه، يقال فقدت الشيء أي غاب عني فقداً
وفقوداً وفقداناً فهو مفقود أي غائب، وهو من الأضداد. يقال فقدت الشيء أي
ضللته، وفقدته أي طلبته وكلا المعنيين موجود في المفقود وقد ضل عن أهله وهو
في طلبه، إذ هو اسم لحر غائب لم يرد موضعه ولا حياته ولا مماته وأهله في
طلبه. وفي " المبسوط " هو حي غائب عن بلده أو أسر وأهله في طلبه، وقد انقطع
خبره واستتر عليهم أثره ففي مستقره في الحد قد يصلون إلى المراد وربما
يتأخر اللقاء إلى يوم التناد.
وفي ذكر المصنف في الكتاب ما ينفر مرامه الشرعي وهو قوله م: (إذا غاب الرجل
فلم يعرف له موضع ولا يعلم أحي هو أم ميت نصب القاضي من يحفظ ماله ويقوم
عليه) ش: أي على حفظ ماله م: (ويستوفي حقه لأن القاضي نصب ناظراً لكل عاجز
عن النظر لنفسه، والمفقود بهذه الصفة) ش: أي الصفة المذكورة وهي قوله إذا
غاب الرجل إلى آخره م: (وصار) ش: أي المفقود م: (كالصبي والمجنون) ش: حيث
يحتاجان إلى من ينظر في أمرهما م: (وفي نصب الحافظ لماله) ش: أي وفي نصب
القاضي الحافظ المقصود م: (والقائم عليه) ش: أي على مال المفقود م: (نظر
له) ش: أي للمفقود وارتفاع نظر على أنه مبتدأ وله خبره.
م: (وقوله) ش: أي قول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ليستوفي حقه) ش:
وهذا من لفظه في " مختصره " أي يستوفي الذي نصب له لحفظ ماله، والقيام عليه
حق المفقود، ولما كان هذا محتاجاً إلى إيضاحه أوضحه المصنف بقوله م:
(لإخفاء أنه يقبض غلاته) ش: لأنها من جملة حقه.
م: (والدين) ش: أي ويقبض الدين م: (الذي أقر به غريم من غرمائه) ش: أي من
غرماء المفقود م: (لأنه) ش: أي لأن قبض كل واحد من غرمائه الدين المذكور م:
(من باب الحفظ ويخاصم) ش: أي الذي نصب له م: (في دين وجب بعقده) ش: أي بعقد
الذي له.
م: (لأنه) ش: أي لأن الذي نصب له م: (أصيل في حقوقه) ش: أي في حقوق العقد
الذي
(7/357)
ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود. ولا في
نصيب له عقار أو عروض في يد رجل؛ لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه إنما هو وكيل
بالقبض من جهة القاضي وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف. وإنما الخلاف في
الوكيل بالقبض من جهة المالك في الدين، وإذا كان كذلك يتضمن الحكم به قضاء
على الغائب، وأنه لا يجوز إلا إذا رآه القاضي وقضى به؛ لأنه مجتهد فيه، ثم
ما كان يخاف عليه الفساد يبيعه القاضي لأنه تعذر عليه حفظ صورته فينظر له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تولاه المفقود، وفائدته أن لا يقبل البينة عليه لأنه ليس من باب النظر
للمفقود، وأنه قضاء على الغائب ولا في نصب له.
م: (ولا يخاصم في الذي تولاه المفقود ولا في نصيب له) ش: في نصيب للمفقود
كائناً م: (في عقار أو عروض في يد رجل لأنه) ش: أي لأن الذي نصب م: (ليس
بمالك ولا نائب عنه) ش: أي عن المفقود م: (إنما هو وكيل بالقبض من جهة
القاضي، وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف، وإنما الخلاف في الوكيل بالقبض من
جهة المالك في الدين) ش: يعني الوكيل يقبض الدين من جهة المالك ويملك
الخصومة عند أبي حنيفة خلافاً لهما.
م: (وإذا كان كذلك) ش: أي وإذا كان الوكيل بالقبض من جهة القاضي لا يملك
الخصومة م: (يتضمن الحكم به) ش: أي حكم القاضي بثبوت ذلك م: (قضاء على
الغائب وأنه) ش: أي وأن قضاء القبض على الغائب م: (لا يجوز إلا إذا رآه
القاضي) ش: إلا إذا رأى القاضي ذلك مصلحة.
م: (وقضى به) ش: أي بما رآه جاز ذلك م: (لأنه مجتهد فيه) ش: أي في الحكم
على الغائب، وعند الشافعي يجوز لأن القضاء إذا لاقى فضلاً مجتهداً فيه بعد.
وفي " الخلاصة " ذكر الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا بناء على أن
القاضي هل يقضي على الغائب وهل ينصب وكيلاً على الغائب، فعندنا لا وهي
معروفة، أما لو فعل وقضى على الغائب فقد جاز بالإجماع. وهكذا ذكر في
الزيادات، فإن قيل المجتهد نفس القضاء فينبغي أن يتوقف على إمضاء قاض آخر.
قلنا: لا بل المجتهد سبب القضاء وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر
للقضاء أم لا، فإذا رآها القاضي حجة وقضى بها بقذف كما لو قضى بشهادة
المحدود في القذف ثم قال في " الخلاصة " و " الفتوى " على هذا.
ونقل الأستروبشتي في فصوله عن فتاوى ظهير الدين أن نفس القضاء مختلف فيه
فيتوقف على إمضاء قاض آخر كما لو كان القاضي محدوداً في القذف م: (ثم ما
كان يخاف عليه الفساد) ش: (مثل الثمار ونحوها م: (يبيعه القاضي لأنه تعذر
عليه) ش: أي على القاضي م: (حفظ صورته) ش: ومعناه وهو ما ينساه أراد أن حفظ
صورته وحفظ ماله كليهما متعذر م: (فينظر له) ش: أي
(7/358)
بحفظ المعنى. ولا يبيع ما لا يخاف عليه
الفساد في نفقته ولا في غيرها؛ لأنه لا ولاية له على الغائب إلا في حفظ
ماله. فلا يسوغ له ترك حفظ الصورة وهو ممكن. قال: وينفق على زوجته وأولاده
من ماله، وليس هذا الحكم مقصورا على الأولاد بل يعم جميع قرابة الولاد،
والأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله حال حضرته بغير قضاء القاضي ينفق
عليه من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء حينئذ يكون إعانة، وكل من لا يستحقها
في حضرته إلا بالقضاء لا ينفق عليه من ماله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للمفقود م: (بحفظ المعنى) ش: وهو المالية وهي تبقى بحفظ الثمن والحفظ من
وجه أولى من ترك الحفظ من كل وجه.
م: (ولا يبيع) ش: أي القاضي م: (ما لا يخاف عليه الفساد في نفقته) ش: أي
لأجل نفقته، وهو يتعلق بقوله ولا يبيع م: (ولا في غيرها) ش: أي ولا في غير
النفقة وما لا يخاف عليه الفساد، وسواء كان منقولاً أو عقاراً، وبه صرح
خواهر زادة في مبسوطه م: (لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (لا ولاية له على
الغائب إلا في حفظ ماله فلا يسوغ له) ش: أي فلا يجوز له م: (ترك حفظ
الصورة، وهو ممكن) ش: الواو فيه للحال قيد بالإمكان لأن عند عدمه له أن
يبيعه م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وينفق على زوجته)
ش: أي زوجة المفقود. م: (وأولاده من ماله) ش: أي من مال المفقود، أي هذا
لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وليس هذا الحكم مقصوراً على الأولاد
بل يعم) ش: أي الحكم م: (جميع قرابة الولاد) ش: كالآباء والأجداد وإن علوا
والأولاد وإن سفلوا والجدات وإن علون.
م: (والأصل) ش: أي في هذا الباب الذي يبنى عليه أحكام هذا الباب م: (أن كل
من يستحق النفقة في ماله) ش: أي مال المفقود م: (حال حضرته بغير قضاء
القاضي) ش: كالأبوين والأولاد الصغار ذكوراً كانوا أو إناثاً، والأولاد
الكبار من النساء، والزمنى الذكور الكبار، م: (ينفق) ش: أي القاضي.
م: (عليه) ش: أي على من يستحق النفقة م: (من ماله عند غيبته؛ لأن القضاء
حينئذ) ش: أي حين إنفاق القاضي عليهم م: (يكون إعانة) ش: أي تمكيناً
للمستحق من الأخذ، ولهذا لو تمكنوا من ذلك لهم الأخذ فيعينهم القاضي على
ذلك إلزاماً إذ اللزوم ثابت قبل القضاء، ولأن للقاضي إن يعين صاحب الحق على
إيفاء حقه حال غيبته كما لو علم بوجوب الدين فإنه يعطيه الدين من مال
الغائب.
م: (وكل من لا يستحقها) ش: أي النفقة م: (في حضرته) ش: أي في حضرة المفقود
م: (إلا بالقضاء) ش: كما في الأخ والأخت والخال والخالة م: (لا ينفق عليه
من ماله) ش: أي لا ينفق
(7/359)
في غيبته؛ لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء،
والقضاء على الغائب ممتنع، فمن الأول الأولاد الصغار والإناث من الكبار
والزمنى من الذكور الكبار، ومن الثاني الأخ والأخت والخال والخالة. وقوله:
من ماله مراده الدراهم والدنانير؛ لأن حقهم في المطعوم والملبوس، فإذا لم
يكن ذلك في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان والتبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القاضي عليه من مال المفقود م: (في غيبته لأن النفقة حينئذ تجب بالقضاء،
والقضاء على الغائب ممتنع) ش: خلافاً للشافعي.
م: (فمن الأول) ش: أي فمن يستحق النفقة بغير قضاء القاضي م: (الأولاد
الصغار والإناث من الكبار والزمنى من الذكور الكبار ومن الثاني) ش: أي وممن
لا يستحق النفقة بغير قضاء القاضي م: (الأخ والأخت والخال والخالة) ش:
والعم والعمة.
وإنما كان هذا من الثاني؛ لأنها نفقة ذي الرحم المحرم وهي مجتهد فيها، فلا
تجب إلا بالقضاء والرضاء، ولهذا لم يكن لهم الأخذ بدون القضاء.
والعرف بين قرابة الأولاد وغيرهم من سائر المحارم وحيث استحق الأولون
النفقة بلا قضاء ولم يستحق الآخرون إلا بالقضاء فإن حق ولاية الأولاد في
النفقة مثل الدين من حق غيرهم؛ لأنهم يستحقون النفقة بالقرابة المحرمة
للنكاح وبالولاد، وغيرهم بالقرابة المحرمة لا بالولاد.
فلما ظهر لهم فضل مزية ثبت استحقاق النفقة بلا قضاء بخلاف قرابة الإخوة
والأخوات وسائر المحارم. وممن لا يستحق النفقة بغير قضاء القاضي الأخ
والأخت والخال والخالة والعم والعمة.
وأما الزوجة فحقها في النفقة آكد أيضاً من قرابة الولاد، ولهذا تستحق
النفقة، وإن كانت غنية، وإن كان الورثة كباراً ليس لهم زمانة ولا فيهم
امرأة، وكانوا إخوة من الرضاع أو بني عم لم ينفق عليهم القاضي من مال
المفقود لأنهم لا يستحقون النفقة حال حضرة المفقود.
وكذا حال غيبته، وقال خواهر زاده في " مبسوطه ": وإن استوثق منهم بكفيل
فحسن لجواز أنهم أخذوا نفقة هذه المدة من المفقود، ومرة فيأخذ منهم كفيلاً
حتى إذا حضر المفقود وأثبت أنه دفع إليهم نفقة هذه المدة مرة وإن لم يقدر
عليهم أخذ من الكفيل وإن شاء ضمنهم.
م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (من ماله) ش: يعني
في قوله وينفق على زوجته وأولاده من ماله م: (مراده) ش: أي القدوري -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الدراهم والدنانير؛ لأن حقهم) ش: أي حق قرابة
الولاد والزوجة م: (في المطعوم والملبوس) ش: لا في غيرها م: (فإذا لم يكن
ذلك) ش: أي المطعوم والملبوس م: (في ماله يحتاج إلى القضاء بالقيمة وهي) ش:
أي القيمة م: (النقدان) ش: وهما الدراهم والدنانير فكانت من جنس حقهم م:
(والتبر) ش: وهو ما كان غير
(7/360)
بمنزلتهما في هذا الحكم لأنه يصلح قيمة
كالمضروب، وهذا إذا كانت في يد القاضي، فإن كانت وديعة أو دينا ينفق عليهم
منهما إذا كان المودع والمديون مقرين بالوديعة والدين والنكاح والنسب، وهذا
إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي، فإن كانا ظاهرين فلا حاجة إلى الإقرار،
وإن كان أحدهما ظاهرا يشترط الإقرار بما ليس بظاهر، هذا هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مضروب من الفضة والذهب كما قاله في " المغرب " م: (بمنزلتهما) ش: أي بمنزلة
النقدين م: (في هذا الحكم) ش: أي في القضاء بالقيمة م: (لأنه يصلح قيمة
كالمضروب) ش: أي كالدراهم والدنانير فلهم أخذ جنس حقهم، وللقاضي إعانته في
ذلك.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه من إنفاق القاضي عليهم من الدراهم
والدنانير م: (إذا كانت في يد القاضي، فإن كانت وديعة) ش: عند رجل م: (أو
دينا ينفق) ش: أي القاضي م: (عليهم منهما) ش: أي من الوديعة والدين م: (إذا
كان المودع) ش: بفتح الدال م: (والمديون مقرين بالوديعة والدين والنكاح) ش:
بين المفقود دون وجه م: (والنسب) ش: بينه وبين من يستحق عليه النفقة م:
(وهذا) ش: أي الاحتياج إلى الإقرار إنما هو م: (إذا لم يكونا ظاهرين عند
القاضي) ش: أي الدين والوديعة والنكاح وبعد النسب جعل الدين والوديعة شيئاً
واحداً، والنكاح والنسب كذلك، فكذلك ذكرهما بلفظ التنبيه بدليل قوله بعد م:
(فإن كانا ظاهرين) ش: أي الوديعة والدين والنكاح والنسب ظاهرين عند القاضي
م: (فلا حاجة إلى الإقرار) ش: أي إقرار المودع أو المديون.
م: (وإن كان أحدهما ظاهراً) ش: أي أحد الشيئين اللذين أحدهما الوديعة
والدين، وقد ذكرناه أنه جعلهما واحداً، والآخر من الشيئين هو قوله أو
النكاح والكسب، أي أو كان الظاهر عند القاضي النكاح والكسب م: (يشترط
الإقرار بما ليس بظاهر) ش: مثلها إن لم تكن الزوجية ظاهرة عند القاضي يشترط
إقرار المودع والمديون، كأن يقول: هذه زوجة فلان المفقود أو يقول هذا ابن
فلان المفقود.
وكذا إذا لم يكن الدين أو الوديعة ظاهراً عند القاضي يقول من في يده المال
هذه وديعة فلان المفقود أو دين فلان المفقود، وقال خواهر زاده في " مبسوطه
": ولم يذكر في الكتاب يعني في " المبسوط " أنه إذا كان للمفقود ديناً
ووديعة ينفق أولاً من الوديعة أو من الدين ثم قال: وذكر في " السير الكبير
": ينفق من الوديعة أولاً؛ لأن النظر للغائب في هذا لأنه إذا أنفق أولاً من
الدين ربما تهلك الوديعة في يد المودع في مدة الإنفاق.
فإذا حضر الغائب لا يلقى إلا الدين ولا يجد الوديعة، والدين لا ينوى م:
(هذا هو الصحيح) ش: أي الإنفاق من الوديعة والدين على الزوجة وقرابة
الولاد، هو الصحيح وهو وجه الاستحسان، واحترز بقوله هو الصحيح عن وجه
القياس، وهو قول زفر؛ لأنه قضاء على الغائب
(7/361)
فإن دفع المودع بنفسه أو من عليه الدين
بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون؛ لأنه ما أدى إلى صاحب الحق
ولا إلى نائبه، بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي؛ لأن القاضي نائب عنه. وإن
كان المودع والمديون جاحدين أصلا أو كانا جاحدين الزوجية والنسب، لم ينتصب
أحد من مستحقي النفقة خصما في ذلك؛ لأن ما يدعيه للغائب لم يتعين سببا
لثبوت حقه، وهو النفقة لأنها كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود.
قال: ولا يفرق بينه وبين امرأته، وقال مالك: إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي
بينه وبين امرأته وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - هكذا قضى في الذي استهواه الجن بالمدينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فلا يجوز.
وجه الاستحسان: أن الوديعة والدين مال المفقود وهو جنس حقهم، فكان للقاضي
أن ينفق عليهم من ذلك كما ينفق من المال الذي في يده أو في بيته.
م: (فإن دفع المودع) ش: بفتح الدال م: (بنفسه أو من عليه الدين) ش: أي أو
أعطى من عليه الدين م: (بغير أمر القاضي يضمن المودع ولا يبرأ المديون لأنه
ما أدى إلى صاحب الحق ولا إلى نائبه بخلاف ما إذا دفع بأمر القاضي؛ لأن
القاضي نائب عنه) ش: أي عن المفقود.
م: (وإن كان المودع والمديون جاحدين أصلاً) ش: يعني منكرين بالكمية ولا
يعتبران لا بالوديعة ولا بالدين ولا بالنكاح والنسب م: (أو كانا جاحدين
الزوجية والنسب لم ينتصب أحد من مستحقي النفقة خصماً في ذلك) ش: لأن
الخصومة إما دفع من المالك أو نائب المالك، ولم يوجد لا هذا ولا ذاك م:
(لأن ما يدعيه) ش: أي الآخذ من المتحققين.
م: (للغائب) ش: أي لأجله م: (لم يتعين سبباً لثبوت حقه وهو النفقة؛ لأنها)
ش: أي لأن النفقة م: (كما تجب في هذا المال تجب في مال آخر للمفقود) ش: فلم
يكن خصماً عن المفقود حكماً، وقال شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حاصله
أن ما يدعيه الزوجة والأولاد أن هذا المال هو الدين والوديعة مال للغائب لم
يتعين لنفقتهم؛ لأنه كما تجوز النفقة في الدين والوديعة تجوز في مال آخر
أيضاً للمفقود فلم ينتصب خصماً.
وقوله: لم يتعين سبباً لثبوت حقه أي لم يتعين محلاً لثبوت حق آخذ مستحق
النفقة، وإنما ذكر السبب مقام ذكر المحل لمناسبة بينهما، لما أن السبب يعمل
في المحل.
[حق امرأة المفقود]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ولا يفرق بينه وبين
امرأته، وقال مالك: إذا مضى أربع سنين يفرق القاضي بينه وبين امرأته وتعتد
عدة الوفاة ثم تتزوج من شاءت؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا قضى
في الذي استهواه الجن بالمدينة) ش: هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه) في
(7/362)
وكفى به إماما، ولأنه منع حقها بالغيبة
فيفرق القاضي بينهما بعد مضي المدة اعتبارا بالإيلاء والعنة، وبعد هذا
الاعتبار أخذ المقدار منهما: الأربع من الإيلاء والسنين من العنة عملا
بالشبهين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كتاب " النكاح ".
حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة أن رجلاً استهواه الجن على
عهد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فأتت امرأته عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه بعد أربع سنين أن
يطلقها، ثم أمرها أن تعتد، فإذا انقضت عدتها تزوجت، فإن جاء زوجها خير بين
امرأته والصداق.
ورواه عبد الرزاق أيضاً في " مصنفه "، وفي آخره فخير عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - بينها وبين الصداق الذي أصدقها، ورواه من طريق آخر، وفي آخره فقال
له عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن شئت رددنا إليك امرأتك وإن شئت
زوجناك غيرها، قال: بل زوجني غيرها، ثم جعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
يسأله عن الجن، وهو يخبره.
قوله: استهواه الجن، قال الكاكي: أي جرته الجن وتهمته. قلت: يقال استهواه
أي جره إلى المهاوي وهي المساقط والمهالك.
م: (وكفى به) ش: أي بعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (إماماً) ش: أي من
حيث الإمامية م: (ولأنه) ش: أي ولأن المفقود م: (منع حقها) ش: أي حق امرأته
م: (بالغيبة فيفرق القاضي بينهما بعد مضي المدة اعتباراً بالإيلاء والعنة)
ش: يعني يفرق بينه وبين امرأته كما يفرق بين العنين والمولى دفعاً للضرر
عنها كي لا تبقى معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة.
م: (وبعد هذا الاعتبار) ش: أي بالإيلاء والعنة م: (أخذ) ش: أي مالك م:
(المقدار) ش: أي المقدار الذي يفرق م: (منهما) ش: أي من الإيلاء والعنة م:
(الأربع) ش: أي أخذ الأربع م: (من الإيلاء) ش: لأن مقداره أربعة أشهر م:
(والسنين) ش: أي أخذ السنين م: (من العنة) ش: لأن المقدار فيها سنة م:
(عملاً بالشبهين) ش: أي شبه الإيلاء وشبه العنة.
حاصله أن امرأة المفقود تشبه امرأة المولى من حيث إن حقها في الجماع فات
بالسفر كفوات حق امرأة المفقود وشبهه امرأة المولى فالجماع بصفته وهو
الإيلاء.
وتشبه امرأة العنين من حيث إن حقها في الجماع فات من جهة الزوج بسبب هو فيه
معذور؛ لأن العنة مباح كما أن حق امرأة العنين فات في الجماع، ونفقة الزوج
وهو فيها معذور فضربناها مدة الخلاص متصل إلى حقها في الجماع أربع سنين
اعتباراً بالشبهين.
(7/363)
ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في
امرأة المفقود: «إنها امرأته حتى يأتيها البيان» وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فيها هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت أو طلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (في امرأة المفقود إنها «امرأته حتى يأتيها
البيان» ش: هذا أخرجه الدارقطني في " سننه " عن سوار بن مصعب حدثنا محمد بن
شرحبيل الهمداني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان» ويروى:
«حتى يأتيها الخبر» .
وهذا حديث ضعيف. قال ابن أبي حاتم في كتاب " العلل ": سألت أبي عن حديث
رواه سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة، قال أبي: هذا
حديث منكر، ومحمد بن شرحبيل: متروك الحديث، يروي عن المغيرة مناكير
وأباطيل، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة الدارقطني، وأعله بمحمد بن
شرحبيل وقال: إنه متروك. وقال ابن القطان في " كتابه ": سوار بن مصعب أشهر
المتروكين منه، ودونه صالح بن مالك، ولا يعرف، ودونه محمد بن الفضل ولا
يعرف حاله.
وقال الأترازي: ولنا ما روى علماؤنا في " المبسوط " عن المغيرة بن شعبة عن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " في امرأة المفقود
إنها «امرأته حتى يأتيها البيان» ... انتهى
قلت: كأنه لم يقف على رواية الدارقطني فلهذا نسب روايته إلى أصحابنا من غير
إسناد، قلت: الأول: مسلم، والثاني: ممنوع على ما لا يخفى.
م: (وقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: مرفوع بالابتداء وخبره قوله
خرج بياناً، والجملة عطف على قوله: ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م:
(فيها) ش: أي في امرأة المفقود م: (هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يتبين موت
أو طلاق) ش: هذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " في كتاب الطلاق أخبرنا محمد
بن عبد الله العرزمي عن الحكم بن عتيبة أن علياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قال في امرأة المفقود: هي امرأة ابتليت، فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق.
وأخبرنا معمر عن ابن أبي ليلى عن الحكم أن علياً قال، فذكره سواء، أخبرنا
سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، قال تتربص حتى تعلم أحي هو أم ميت.
(7/364)
خرج بيانا للبيان المذكور في المرفوع، ولأن
النكاح عرف ثبوته، والغيبة لا توجب الفرقة والموت في حيز الاحتمال، فلا
يزال النكاح بالشك، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إلى قول علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولا معتبر بالإيلاء؛ لأنه كان طلاقا معجلا،
فاعتبر في الشرع مؤجلا، فكان موجبا للفرقة ولا بالعنة؛ لأن الغيبة تعقب
الأوبة، والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (خرج بياناً) ش: خبر المبتدأ أعني قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
كما ذكرنا، أي خرج مظهراً م: (للبيان المذكور في المرفوع) ش: أي لمعنى
البيان المذكور في الحديث المرفوع، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في
المفقود: إنها «امرأته حتى يأتيها البيان؛» لأن قوله البيان مجمل في أن
إتيان البيان من أي طريق يكون فبين علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذلك
المجمل بقوله: حتى يتبين موت أو طلاق، وفي هذا المكان تأمل لا يخفى.
م: (ولأن النكاح عرف ثبوته) ش: عمن يعرف المفقود وامرأته م: (والغيبة) ش:
أي غيبة المفقود م: (لا توجب الفرقة) ش: كما في غيبة غير المفقود م:
(والموت في حيز الاحتمال) ش: أي في جهة الاحتمال، يقال هذا الكلام في حيز
التواتر أي في جهته ومكانه وهو مجاز.
م: (فلا يزال النكاح) ش: أي الذي بين المفقود وامرأته م: (بالشك) ش: لأن
الشك لا يزيل الثابت م: (وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إلى قول علي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: هذا جواب عن استدلال مالك بقوله: لأن عمر -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هكذا قضى في الذي استهوته الجن، ولم يبين وجه
الرجوع.
وقال الكاكي: وذكر عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- رجع عن ثلاث قضيات إلى قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحدها مال
المفقود وغيرها مذكور في " المبسوط ".
وقال الأترازي فلما ثبت أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع إلى قول علي
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كان ذلك إجماعاً على قول علي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وفيه تأمل لا يخفى.
م: (ولا معتبر بالإيلاء) ش: هذا جواب عن قياس مالك صورة النزاع على
الإيلاء، بيانه ما ذكره من قوله م: (لأنه) ش: أي لأن الإيلاء م: (كان
طلاقاً معجلاً) ش: في الابتداء م: (فاعتبر في الشرع مؤجلاً) ش: أي طلاقاً
مؤجلاً م: (فكان) ش: أي الطلاق م: (موجباً للفرقة) ش: أي مزيلاً لملك
النكاح، وليس كذلك امرأة المفقود؛ لأنه لم يوجد من الزوج طلاق أصلاً، لا
طلاق معجل ولا مؤجل.
م: (ولا بالعنة) ش: أي ولا معتبر أيضاً بالعنة م: (لأن الغيبة) ش: وفي بعض
النسخ لأن الغربة م: (تعقب الأوبة) ش: أي الرجوع إذ الظاهر حال الغائب أنه
يؤوب م: (والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة) ش: أي بعد استحكامها سنة،
إيضاح ذلك أنه ثبت في باب العنة حق الفرقة
(7/365)
قال: وإذا تم له مائة وعشرون سنة من يوم
ولد حكمنا بموته. قال: وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ
-، وفي ظاهر المذهب يقدر بموت الأقران، وفي المروي عن أبي يوسف بمائة سنة،
وقدره بعضهم بتسعين، والأقيس أن لا يقدر بشيء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لفوات حق المرأة في الجماع على التأبيد.
لأن أمر العنة متردد بين أن يكون خلقة وبين أن يكون عارضاً، فجعل الشارع
العامل الفاصل بينهما مضي سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة المشتملة على
الطبائع، فإذا مضت منه ولم تزل العنة علم أنها كانت خلقة، وما كان خلقة لا
يزول أبداً، وهو الظاهر، ولا يزول غالباً بخلاف امرأة المفقود فإن حقها في
الجماع لم يفت على التأبيد؛ لأنه يرجى مجيئه بعد أربع سنين، كما قيل ذلك
بعد القياس هذا حاصل ما ذكره خواهر زاده في " مبسوطه ".
[إذا تم للمفقود من عمره مائة وعشرون منذ ولدته
أمه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وإذا تم له مائة وعشرون
سنة من يوم ولد حكمنا بموته) ش: أي إذا تم للمفقود من عمره مائة وعشرون منذ
ولدته أمه حكمنا بموته قبل هذا يرجع إلى أهل قول الطبائع والنجوم، فإنهم
يقولون: لا يجوز أن يعيش أحد أكثر من هذه المدة، وقولهم باطل بالنصوص
الواردة في طول عمر من كان قبلنا لنوح وغيره - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -.
م: (قال) ش: أي المصنف م: (وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وفي ظاهر المذهب يقدر بموت الأقران) ش: كذا اعتبر محمد في الأصل،
ولم يذكر محمد أنه يعتبر موت أقرانه من أهل بلده، وقال خواهر زاده في "
مبسوطه ": قال بعضهم: يعتبر أقرانه في السن في جميع البلدان؛ لأنه ذكر
الأقران مطلقاً، فيتناول أقرانه في السن في جميع البلدان لا بلده خاصة.
وقال بعضهم: يعتبر أقرانه في السن من أهل بلده؛ لأن الأعمار تتفاوت وتختلف
باختلاف الأقاليم والبلدان، حتى قالوا: الصقالبة أطول أعماراً من أهل
الروم، فإذا كان كذلك يعتبر أقرانه في السن من أهل بلده لا من جميع
البلدان، ثم قال خواهر زاده: وهذا القول أصح وأرفق بالناس.
م: (وفي المروي عن أبي يوسف بمائة سنة) ش: كذا في " الشامل " وشرح الطحاوي،
وفي رواية عنه بثمانية وخمسين سنة م: (وقدره بعضهم بتسعين) ش: لأنه متوسط
ليس بغالب ولا نادر، وقال الصدر الشهيد: عليه الفتوى، كذا قال في الخلاصة،
وقال المتأخرون من مشايخنا ستين سنة رفقاً بالناس هاهنا لرفع الحرج عنهم.
وفي " فتاوى الولوالجي " قال بعضهم: هو مفوض إلى رأي القاضي، يعني أي وقت
رأى المصلحة حكم بموته.
م: (والأقيس أن لا يقدر بشيء) ش: الأقيس أفعل التفضيل للمفضول كالأشهر في
تفضيل
(7/366)
والأرفق أن يقدر بتسعين، وإذا حكم بموته
اعتدت امرأته عدة الوفاة من ذلك الوقت، وقسم ماله بين ورثته الموجودين في
ذلك الوقت كأنه مات في ذلك الوقت معاينة، إذ الحكمي معتبر بالحقيقي، ومن
مات قبل ذلك لم يرث منه لأنه لم يحكم بموته فيها فصار كما إذا كانت حياته
معلومة، ولا يرث المفقود أحد مات في حال فقده، لأن إبقاءه حيا في ذلك الوقت
باستصحاب الحال وهو لا يصلح حجة في الاستحقاق،
وكذلك لو أوصى للمفقود ومات الموصي ثم الأصل أنه لو كان مع المفقود وارث لا
يحجب به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المشهور، ولا تفضيل للمفعول إلا شاذاً كما في قولهم اشتعل من ذات الختين
كفى من المقادير المذكورة كالمائة والتسعين ونحو ذلك، بل يعتبر بموت
الأقران؛ لأن حياة الإنسان بعد موت جميع أقرانه نادر ولا عبرة بالنادر.
م: (والأرفق أن يقدر بتسعين) ش: لأن الحياة بعده نادر.
وفي " الكافي " وعليه الفتوى م: (وإن حكم بموته اعتدت امرأته عدة الوفاة من
ذلك الوقت) ش: أي من وقت الحكم بالموت م: (وقسم ماله بين ورثته الموجودين
في ذلك الوقت) ش: أي وقت الحكم بالموت م: (كأنه) ش: أي كأن المفقود م: (مات
في ذلك الوقت معاينة) ش: أي عياناً م: (إذ الحكمي) ش: أي الموت الحكمي م:
(معتبر بالحقيقي) ش: فلو ثبت موته حقيقة تعتد امرأته، وقسم ماله بين ورثته،
فكذلك في الموت الحكمي.
م: (ومن مات قبل ذلك) ش: أي من مات من ورثة المفقود م: (لم يرث منه لأنه لم
يحكم بموته فيها) ش: أي في مدة الفقد م: (فصار كما إذا كانت حياته معلومة
ولا يرث المفقود أحد مات في حال فقده؛ لأن إبقاءه حياً في ذلك الوقت
باستصحاب الحال وهو) ش: أي استصحاب الحال م: (لا يصلح حجة في الاستحقاق) ش:
واستصحاب الحال عبارة عن بقاء ما كان على ما كان لعدم الدليل المزيل فيصلح
الاستصحاب عندنا حجة للدفع لا للاستحقاق. فلهذا اعتبر المقصود حياً في مال
غيره حتى لا يرث من المفقود في حال فقده، ولا يرث المفقود عن أحد بل يوقف
نصيبه من حال مورثه، فإذا مضت المدة أو علم موته يرد الموقوف لأجله إلى
وارث مورثه الذي ورث من ماله.
[أوصى للمفقود ومات الموصي]
م: (وكذلك لو أوصى للمفقود ومات الموصي) ش: أي لا يقضى للمفقود بالوصية إذا
مات الموصي في حال فقده، بل تكون الوصية موقوفة كالميراث إلى أن يظهر حاله،
وفي " الذخيرة ": لا يقضى بصحتها. ولا تبطل حتى يظهر حال المفقود، ولأن
الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يحبس حصة المفقود إلى أن يظهر حاله من
الميراث، فكذا في الوصية.
م: (ثم الأصل) ش: أي في مال المفقود م: (أنه لو كان مع المفقود وارث لا
يحجب به) ش: أي
(7/367)
ولكنه ينتقص حقه به ويعطى أقل النصيبين
ويوقف الباقي.
وإن كان معه وارث يحجب به لا يعطى أصلا، بيانه: رجل مات عن ابنتين وابن
مفقود وابن ابن وبنت ابن والمال في يد الأجنبي، وتصادقوا على فقد الابن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يكون محروماً، وما ليست المفقود م: (ولكنه) ش: أي ولكن الوارث م: (ينتقص
حقه به) ش: أي بالمفقود م: (ويعطى) ش: على صيغة المجهول أي يعطى الوارث م:
(أقل النصيبين ويوقف الباقي) ش: صورته تركت امرأة زوجاً وأماً وأختاً لأم
وأخاً كذلك مفقوداً فللأم السدس على تقدير حياته وعلى تقدير موته الربع.
وللزوج النصف على تقدير حياته وعلى تقدير موته ربع الثمن، وكذلك الأخت على
تقدير مماته وعلى تقدير حياته لها التسع، فيعطى كل واحد منهم الأقل ويوقف
الباقي من نصيبه.
وهذه المسألة تصح من ثمانية عشر على تقدير الحياة، وعلى تقدير الوفاة من
ثمانية بينهما موافقة بالنصف، فإذا ضربت نصف أحدهما في جميع الآخر تصير
اثنين وسبعين، فمنه تصح للزوج سبعة وعشرون، وتسعة موقوفة من نصيبه.
وللأم اثني عشر وستة موقوفة من نصيبها، وللأخت ثمانية وعشرة موقوفة من
نصيبها، فإذا ظهرت حياته كان مستحقاً على ذلك التقدير، فيكون للزوج ستة
وثلاثون ويبقى الذي أصاب الأم والأخت بحال.
لأن الحاصل لهما على تقدير حياته هو الأقل، والباقي للأخ وهو ستة عشر
سهماً، وإن حكم بموته بقي الزوج بحاله، وكمل للأم والأخت ما كان موقوفاً من
نصيبهما.
م: (وإن كان معه) .
أي مع المفقود م: (وارث يحجب به لا يعطى أصلاً، بيانه رجل مات عن ابنتين
وابن مفقود وابن ابن وبنت ابن والمال في يد الأجنبي وتصادقوا) ش: أي الورثة
المذكورون والأجنبيون م: (على فقد الابن) ش: قبل التصادق؛ لأن الأجنبي الذي
في يده المال إذا قال قد مات المفقود قبل ابنه فإنه يجبر على دفع الثلثين
إلى البنتين؛ لأن إقرار ذي اليد فيما في يده معتبر.
وقد أقر أن ثلثي ما في يده لهما فيجبر على تسليم ذلك إليهما، وقول أولاد
الابن: أبونا مفقود لا يمنع إقرار ذي اليد؛ لأنهم لا يدعون لأنفسهم شيئاً
بهذا القول ويوقف الباقي على يد ذي اليد، حتى يظهر مستحقه هذا إذ أقر من في
يده المال.
أما لو جحد أن يكون المال في يده للميت فأقامت البنتان البينة أن أباهما
مات، وترك هذا المال ميراثاً لهما ولأخيهما المفقود، فإن كان حياً فهو
الوارث معهما وإن كان ميتاً فولده الوارث معهما، فإنه يدفع إلى البنتين
النصف لأنهما بهذه البينة ثبت أن الملك لأبيهما في هذا المكان،
(7/368)
وطلبت الابنتان الميراث تعطيان النصف؛ لأنه
متيقن به، ويوقف النصف الآخر، ولا يعطى ولد الابن لأنهم يحجبون بالمفقود،
ولو كان حيا فلا يستحقون الميراث بالشك، ولا ينزع من يد الأجنبي إلا إذا
ظهرت منه خيانة ونظير هذا الحمل، فإنه يوقف له ميراث ابن واحد على ما عليه
الفتوى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأب ميت وأحد الورثة ينتصب خصماً عن الميت في إثبات الملك له بالبينة.
وإذا ثبت ذلك يدفع إليهما النصيب وهو النصف ويوقف الباقي على عدل لأن الذي
في يده حجة فهو غير مؤتمن عليه، وإنما قيد بقوله والمال في يد أجنبي؛ لأنه
إذا كان في يد الابنتين والمسألة بحالها. فإن القاضي لا ينبغي له أن يحول
المال من موضعه، ولا يوقِف منه شيئاً للمفقود، ومراده بهذا اللفظ أنه لا
يخرج المال من أيديهما؛ لأن النصف صار بينهما بتصرف النصف الباقي للمفقود
من وجه، ويريد بقوله: ولا يوقف منه شيئاً للمفقود، أن لا يجعل شيئاً مما في
يد الاثنين ما كان للمفقود على الحقيقة.
وكذلك لو كان المال في يد ولدي الابن المفقود تطلب النساء ميراثهما، وإن
وافقوا أن الابن مفقود فإنه يعطى البنتان النصف، وهو أدنى ما يصيبهما ويترك
الباقي في يد ولدي الابن المفقود من غير أن يقضى به لهما ولا لأبيهما لأنا
لو قدرنا الابن المفقود كان نصيبهما الثلثين، فكان النصف منقضياً به،
وقوله: تصادقوا، قد ذكرنا معناه وذكرنا وجه قيد التصادق.
م: (وطلبت الابنتان الميراث تعطيان النصف لأنه) ش: أي لأن النصف م: (متيقن
به) ش: لأنا لو قدرنا المفقود ميتاً كان نصيبهما الثلثين، ولو قدرناه حياً
كان نصيبهما النصف، فالنصف متيقن به م: (ويوقف النصف الآخر) ش: إلى أن يظهر
حال المفقود م: (ولا يعطى ولد الابن لأنهم يحجبون بالمفقود، ولو كان حياً)
ش: لأن المفقود لو كان حياً كان ابنه يحجب أولاده، ولما لم يعلم حياة
المفقود ولا مماته حصل الشك.
م: (فلا يستحقون الميراث بالشك ولا ينزع) ش: أي النصف الموقوف م: (من يد
الأجنبي) ش: لأن المال لا يخرج من يد ذي اليد إلا بالخصم م: (إلا إذا ظهرت
منه) ش: أي من الأجنبي م: (خيانة) ش: بأن يكون جحده، بأن قال: ليس للميت
مال في يدي؛ لأنه لما جحد ظهرت خيانته، فلا يترك مال الغير في يد الخائن،
ويوضع على يد عدل إلى أن يظهر المستحق.
م: (ونظير هذا) ش: أي نظير المفقود م: (الحمل) ش: في حق وقف النصف م:
(فإنه) ش: أي فإن الحمل م: (يوقف له ميراث ابن واحد على ما عليه الفتوى) ش:
احترز به عما روي أنه يوقف له نصيب أكثر من واحد، وروى ليث بن سعد عن محمد
أنه يوقف نصيب ثلاثة.
وفي رواية هشام نصيب ابنتين، وهي إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وروى ابن
المبارك
(7/369)
ولو كان معه وارث آخر إن كان لا يسقط بحال،
ولا يتغير بالحمل يعطى كل نصيبه، فإن كان ممن يسقط بالحمل لا يعطى، وإن كان
ممن يتغير به يعطى الأقل للتيقن به كما في المفقود، وقد شرحناه في كفاية
المنتهي بأتم من هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عن أبي حنيفة أنه يوقف نصيب أربعة بنين ويوقف ثلث ماله، وبه أخذ ابن
المبارك وإبراهيم النخعي ومالك وشريك.
م: (ولو كان معه) ش: أي مع الحمل م: (وارث آخر) ش: فلا يخلو م: (إن كان) ش:
هذا الوارث م: (لا يسقط بحال) ش: كالابن والجدة مثلاً م: (ولا يتغير
بالحمل) ش: ولا شك أن الابن يتغير بالحمل فإذا كان كذلك م: (يعطى كل نصيبه)
ش: لعدم فائدة تأخيره عما يستحقه من الإرث، وأما إن كان سقط وهو معنى قوله
م: (فإن كان) ش: أي الوارث م: (ممن يسقط بالحمل) ش: كابن الابن والأخ والعم
م: (لا يعطى، وإن كان ممن يتغير به) ش: أي بالحمل ولكن لا يسقط كالأم
والزوجة م: (يعطى الأقل للتيقن به) ش: أي بالأقل م: (كما في المفقود) ش:
فإنه إذا مات وترك ابنا مفقودا أو جدة معه أو أخا أو أما فللجدة السدس
والباقي موقوف لأن الجدة لا تسقط، ولا يغير نصيبها ولا يعطى الأخ شيئاً
لأنه يسقط بالابن.
وتعطى الأم السدس لكونه نصيباً؛ لأنه أقل من الثلث؛ لأن المفقود وإن كان
حياً استحقت الأم السدس، وإن كان ميتاً استحقت الثلث فيعطى السدس والباقي
يوقف إلى أن يظهر حال المفقود م: (وقد شرحناه في كفاية المنتهى بأتم من
هذا) ش: أي شرحنا حكم مسألة المفقود في الشرح المسمى " بكفاية المنتهي "
ببيان أتم من هذا البيان. وبالله التوفيق وعليه التكلان.
(7/370)
|