البناية شرح الهداية

كتاب الشركة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الشركة]
[تعريف الشركة]
م: (كتاب الشركة) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الشركة، والشرك بمعنى واحد، قال ابن دريد: الشرك مصدر شركته رجلان الشركة شركاه في المال، وشريك الرجل وشاركه سواء، وقال تاج الشريعة: شركته في كذا شركاء، وشركته وهو شريك، وهم شركاء، والتركيب دال على الخليط ومنه الشركة تشابكها واختلاط بعضها ببعض.
ولهذا سمي النصيب الشائع شركاء. قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [فاطر: 40] (الأحقاف: الآية 4) ، أي نصيب شائع، فسمي هذا العقد بها؛ لأنه سبب لإجماع النصيبين وعشر في المال وتركها في شريك الحال اجتماع النصيبين، وفي شركة العقد الإيجاب والقبول.
وقال الكاكي: للشركة مناسبة بالمفقود والإباق واللقطة من حيث إن المال أمانة في يد الشريك، كما أن الآبق واللقطة ومال المفقود في يد من كان في يده أمانة، وللشركة مناسبة خاصة بالمفقود من حيث إن قريب المفقود لو مات كان فيه اختلاط مال المفقود الحاصل من الإرث بمال غيره من الوارث على تقدير الحياة.
وفي الشركة اختلاط المالين، فكذلك ذكرها عقيب المفقود وقدم المفقود لمناسبة خاصة له بالإباق، وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مناسبة الشركة بالمفقود من حيث إن المال في يد الشريك أمانة كما أن نصيب المفقود أمانة في يد من كان المال في يده. وأيضاً نصيب المفقود من مال مورثه مختلط بنصيب غيره كاختلاط المالين في الشركة، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثله أو قريباً منه.
قلت: إذا كان الذي ذكره الشراح وجهاً معتبراً في وجه المناسبة يمكن أن يذكر أحد عقب الصلاة أو الزكاة ما بأس أي من كان من أبواب الفقه؛ لأنه يمكن ذكر مناسبة بينهما مثلما ذكر. لأنه لا بد من وجه يوجد ولو كان بعيداً فيعتبر الواضع وجه المناسبة، وهذا كله بعيد وتركه أحسن.
ثم اعلم أن شرعية الشركة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، أما الكتاب قَوْله تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] (النساء: الآية 12) ، وقوله {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] (ص: الآية 24) ، والخلطاء هم الشركاء، وأما السنة فما رواه أبو داود عن محمد بن الزبرقان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانا خرجت

(7/371)


الشركة جائزة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث والناس يتعاملون بها فقرهم عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من بينهما» . ورواه الحاكم في " مستدركه " وصححه.
وقال الأترازي: قال أصحابنا في كتبهم روي «أن أسامة بن شريك جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أتعرفني؟ فقال: " وكيف لا أعرفك وكنت شريكي في الجاهلية. فكنت خير شريك لا تداري ولا تماري ... » انتهى. قلت: هذا أخرجه أبو داود وابن ماجه عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن قائد السائب عن السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداري ولا تماري» ورواه الحاكم وصححه، ورواه أحمد في " مسنده " من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن السائب «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاركه قبل الإسلام في التجارة فلما كان يوم الفتح جاءه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري، يا سائب قد كنت تعمل أعمالاً في الجاهلية لا تقبل منك، وهي اليوم تقبل منك، وإن كان ذا سلف وصدقة» .
وقال السهيلي في " الروض ": حديث السائب كثير الاضطراب فروي عن السائب ابن أبي السائب، وروي عن قيس بن السائب، وروي عن عبد الله، وهذا اضطراب لا يثبت به شيء ولا تقوم به حجة، والسائب بن أبي السائب من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم واضطرب في متنه أيضاً، فمنهم من يجعله من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أبي السائب، ومنهم من يجعله من قول أبي السائب في النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انتهى.
وقد عرفت أن قول الأترازي: إن أصحابنا قالوا: روي أن أسامة بن شريك جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى آخره ليس مستقيم؛ لأن أحداً من أصحاب الحديث لم يذكر أن هذا الحديث لأسامة بن شريك، وذكره الكاكي وقال: السائب بن شريك ثم قال: وفي " شرح الوجيز ": السائب بن يزيد وهذا أيضاً فيه ما فيه، وذكر " إبراهيم الحربي " في كتابه " غريب الحديث " أن يدارئ مهموز من المدارأة وهي الموافقة، وتمارى غير مهموز من المماراة وهي المجادلة، وأما الإجماع فإن الأئمة أجمعوا على جوازها، وأما المعقول فهي طريق لانتفاء الفضل وهو مشروع بالكتاب. م: (الشركة جائزة لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بعث والناس يتعاملون بها فقرهم عليه) ش: يعني لما كان الناس يعقدون

(7/372)


قال: الشركة ضربان: شركة أملاك، وشركة عقود، فشركة الأملاك العين يرثها الرجلان أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه وكل واحد منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي، وهذه الشركة تتحقق في غير المذكور في الكتاب كما إذا اتهب الرجلان عينا أو ملكاها بالاستيلاء لو اختلط مالهما من غير صنع أحدهما أو بخلطهما خلطا يمنع التمييز رأسا أو لا يخرج، ويجوز بيع أحدهما نصيبه من شريكه في جميع الصور، ومن غير شريكه بغير إذنه إلا في صورة الخلط والاختلاط فإنه لا يجوز إلا بإذنه، وقد بينا الفرق في " كفاية المنتهي ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عقد الشركة والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم ينكرها دل ذلك على جوازها، فلو لم تكن جائزة لأنكرها؛ لأنه مبعوث لبيان الحق.

[أنواع الشركة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الشركة ضربان، شركة أملاك وشركة عقود، فشركة الأملاك العين يرثها الرجلان أو يشتريانها فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه وكل واحد منهما في نصيب صاحبه كالأجنبي) ش: إلى هنا كلام القدوري.
وقال المصنف: م: (وهذه الشركة) ش: أي الشركة التي ذكرها القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: فشركة الأملاك إلى آخره م: (تتحقق في غير المذكور في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري "، والمذكور في الكتاب شيئان الإرث والشراء فقط، ثم أوضح بتحقق غير المذكور من الكتاب بقوله م: (كما إذا اتهب الرجلان عيناً) ش: أي بما وهبت لهما م: (أو ملكاها بالاستيلاء) ش: أي أو ملك العين رجلان بالاستيلاء على مال من أموال أهل الحرب م: (أو اختلط مالهما) ش: أي اختلط مال الرجلين م: (من غير صنع أحدهما) ش: نحوها إذا أشبق الكيسان فاختلط ما فيهما من الدراهم.
م: (أو بخلطهما) ش: أي أو اختلط مالهما بخليطهما العماء بأنفسهما م: (خلطاً يمنع التمييز رأساً) ش: يعني بالكلية كخلط الحنطة بالحنطة ونحوها م: (أو لا يخرج) ش: أي أو اختلط خلطاً لا يمكن التمييز كخلط الحنطة بالشعير، فهذه الأنواع أيضاً من شركة الأملاك، وكذا من شركة الأملاك الذي يملك الإنسان بصدقة أو [....] م: (ويجوز بيع أحدهما) ش: أي أحد الشريكين م: (نصيبه من شريكه في جميع الصور) ش: المذكورة.
م: (ومن غير شريكه بغير إذنه إلا في صورة الخلط، والاختلاط فإنه) ش: أي فإن بيع أحدهما نصيبه من غير شريكه م: (لا يجوز إلا بإذنه وقد بينا الفرق) ش: أي بين الجواز في الصورة المذكورة مطلقاً وبين عدم الجواز في صورة الخلط والاختلاط إلا بإذن شريكه.
وبينه في الكتاب الموسوم ب م: (" كفاية المنتهي ") ش: وإنما أحال بيانه عليه إما طلباً للاختصار، وإما بأن له مصنفاً آخر سمي بكفاية المنتهي، قيل: إن الفرق أن خلط الجنس بالجنس على سبيل التعدي سبب لزوال الملك عن المخلوط الخالط، فإن حصل بغير نقد كان سبب الزوال

(7/373)


والضرب الثاني شركة العقود وركنها الإيجاب والقبول، وهو أن يقول أحدهما شاركتك في كذا وكذا. ويقول الآخر قبلت، وشرطه أن يكون التصرف المعقود عليه عقد الشركة قابلا للوكالة ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركا بينهما فيتحقق حكم المطلوب من الشركة، ثم هي على أربعة أوجه: مفاوضة وعنان وشركة الصناع وشركة الوجوه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ماشياً من وجه دون وجه، فاعتبر نصيب كل واحد زائلاً إلى الشريك من حق البيع من الأجنبي غير زائل في حق البيع من الشريك، كأنه بيع ملك نفسه عملاً بالشبهين.
م: (والضرب الثاني شركة العقود) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي النوع الثاني من نوع الشركة شركة العقود م: (وركنها الإيجاب والقبول) ش: أي ركن شركة العقود الإيجاب من أحدهما، والقبول من الآخر.
وفسر ذلك بقوله م: (وهو أن يقول أحدهما) ش: أي أحد المتعاقدين م: (شاركتك في كذا وكذا) ش: في المال في البر ونحوه ... أو في عموم التجارات م: (ويقول الآخر قبلت) ش: هذه الشركة على هذا الوجه.
م: (وشرطه) ش: أي شرط الضرب الثاني وهو شركة العقود م: (أن يكون التصرف المعقود عليه) ش: أي أن يكون التصرف الذي وقع عليه العقد، وقوله: التصرف اسم يكون، وقوله: المعقود عليه بالدفع صفة التصرف.
وقوله م: (عقد الشركة) ش: منصوب على المصدر، وقوله م: (قابلاً) ش: نصب على أنه خبر يكون م: (للوكالة) ش: احترز به عن الشركة في التكري والأخشاش والاحتطاب والاصطياد بأن المسألة في هذه الصورة يقع عمن باشر منه خاصة لا على وجه الاشتراك.
وعقد الشركة يتضمن الوكالة؛ لأن المقصود من الشركة يحصل بالربح بالتجارة والتصرف في مال الغير لا يجوز إلا بولاية أو وكالة من طريق أو الحكم، ولم يوجد الولاية والمنطق بالتوكيل، فشراء من الثالث لتحقق الحكم المطلوب من الشركة وهو الربح. وهذا معنى قوله م: (ليكون ما يستفاد بالتصرف مشتركاً بينهما) ش: أي بين الشريكين، م: (فيتحقق حكم المطلوب من الشركة) ش: وهو الربح، وهذا معنى قوله ليكون ما يستفاد بالتصرف شركاً بينهما، أي بين الشريكين فتحقق حكم المطلوب منه.
أي حكم عقد الشركة المطلوب من عقد الشركة. م: (ثم هي) ش: أي الشركة م: (على أربعة أوجه: مفاوضة وعنان وشركة الصناع وشركة الوجوه) ش: المفاوضة يجوز فيها الرفع والنصب والجر، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدها مفاوضة.
وأما النصب فعلى تقدير أعني مفاوضة، وأما الجر فعلى أنه عطف بيان وما بعد مفاوضة

(7/374)


فأما شركة المفاوضة فهي أن يشترك الرجلان فيتساويان في مالهما وتصرفهما ودينهما؛ لأنها شركة عامة في جميع التجارات يفوض كل واحد منهما أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق إذ هي من المساواة. قال قائلهم:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
داخل في الوجوه المذكورة بحيث العطف ثم شرع بين هذه الأربعة بالفاء التفصيلية بقوله م: (فأما شركة المفاوضة فهي أن يشترك الرجلان فيتساويان في مالهما) ش: المراد من التساوي في المال التساوي في مال يصح فيه الشركة على ما يجيء عن قريب.
م: (وتصرفهما ودينهما لأنها شركة عامة في جميع التجارات يفوض كل واحد منهما أمر الشركة إلى صاحبه على الإطلاق) ش: يعني بغير قيد بشيء.
م: (إذ هي) ش: أن لأن المعاوضة م: (من المساواة) ش: يعني من حيث المعنى لا من حيث الاشتقاق، ولهذا قال صاحب " المبسوط ": اشتقاق المعاوضة من التعويض، إذ كل واحد منهما مفوض التصرف إلى صاحبه.. انتهى.
وليست هي منفعة من المساواة لعدم شرط الاشتقاق بل من جهة المعنى لأن معنى المعاوضة المساواة المشاركة والمفوضة الشركة والناس فوضى في هذا الأمر أي سواء لا تباين بينهم، كذا ذكره الزمخشري في " الفائق " واستدل المصنف على هذا بقوله م: (قال قائلهم) ش: وهو الأفوه الأدوي الشاعر:
م:
(لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا)
ش: وقبله:
يهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولت فبالجهال تنقاد
ومعنى البيت إذا لم يكن للناس أمير وسيد كان كل واحدا مستقلاً بنفسه فتتحقق المنازعة والفساد، والاستشهاد في قوله فوضى أي لا يصلح الناس المأذون في الأمر.
قوله لا سراة لهم حال، والسراة جمع سري قال في " الصحاح ": هو جمع عزيز لا يعرف غيره جمع فعيل على فعلة، وفي المفصل المسراة اسم جمع السري كركب في الراكب، والسري السيد من سرى فهو سري وهم سرات وسروات أي سارات.
كذا في " المغرب "، وفي " الصحاح " [.....] مروة يقال سرى يسرو ويسري بالكسر يسري سرواً فيهما ويسروا سراوة أي سار سرياً.

(7/375)


أي متساويين، فلا بد من تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء، وذلك في المال والمراد به ما تصح الشركة فيه،
ولا يعتبر التفاضل فيما لا يصلح الشركة فيه. وكذا في التصرف لأنه لو ملك أحدهما تصرفا لا يملكه الآخر لفات التساوي، وكذلك في الدين لما سنبين إن شاء الله تعالى. وهذه الشركة جائزة عندنا استحسانا وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي، وقال مالك لا أعرف ما المفاوضة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقصر المصنف فوضى بقوله م: (أي متساويين) ش: أي لا يصلح الناس إذا كانوا متساويين في الأمور، فكل منهم يريد مضي أمره فيقع الاختلاف، ولا يصلح الائتلاف.
م: (فلا بد من تحقيق المساواة ابتداء وانتهاء) ش: أما ابتداء فظاهر بناء على ما ذكر من مأخذ استقامة، وأما انتهاء فلأن المعاوضة من المفقود الجائزة فإن كان لكل واحد منهما الامتناع بعد عقد الشركة فكان لدوامهما حكم الابتداء في ابتداء المتفاوضة بشرط المساواة، فكذا في الانتهاء، حتى إذا زاد مال أحدهما بعد العقد لا تكون المساواة، فلا يبقى المعاوضة.
م: (وذلك) ش: أي تحقق المساواة م: (في المال، والمراد به ما تصح الشركة فيه) ش: أي المراد بالمال الذي اشترط فيه المساواة هو المال الذي تصلح الشركة فيه كالدراهم والدنانير والفلوس أيضاً على قولهما، لا ما لا يصلح فيه الشركة كالعروض والعقار التفاضل فيه يبطل المعاوضة، وهو معنى قوله:

[التفاضل فيما لا يصلح الشركة فيه]
م: (ولا يعتبر التفاضل فيما لا يصلح الشركة فيه) ش: كالنبات ونحوها، وكذا الديون لا تصلح فيها الشركة حتى لو كان لأحدهما ديون على الناس لا يبطل المعاوضة ما لم ينفر ذكره في " الإيضاح " و " الذخيرة ". م: (وكذا في التصرف) ش: عطف على قوله وذلك في المال، أي وكذا تحقيق المساواة في التصرف م: (لأنه لو ملك أحدهما تصرفاً لا يملكه الآخر لفات التساوي) ش: بأن كان الآخر عبداً أو صبياً أو ذمياً، فلا يصلح المفاوضة بين الحر والعبد والصبي والبالغ والمسلم والذمي م: (وكذا في الدين) ش: عطف على قوله وذلك م: (لما سنبين إن شاء الله تعالى) ش: عن قريب سنبين اشتراط التساوي في هذه الأشياء المذكورة م: (وهذه الشركة) ش: أي شركة المفاوضة م: (جائزة عندنا استحساناً، وفي القياس لا يجوز وهو قول الشافعي) ش: وبه قال أحمد.
م: (وقال مالك لا أعرف ما المفاوضة) ش: وفي " الكافي " وهذا تناقض لأنه إذا لم يعرفها كيف يحكم بالفساد إذ لا تصديق بلا تصور، ورد هذا بأن قوله لا أدري ما يكون حكماً بالفساد ولا بالجواز حتى يلزم التناقض.
وفي " الحلية ": والمعنى وحكي عن أصحاب مالك أن المفاوضة تجوز في الجملة وصفها عنده أن يفوض كل واحد إلى آخر التصرف مع حضوره وغيبته، وتكون يده كيده، ولا يشترط فيه

(7/376)


وجه القياس أنها تضمنت الوكالة بمجهول الجنس والكفالة بمجهول، وكل ذلك بانفراده فاسد. وجه الاستحسان قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاوضوا فإنه أعظم للبركة، وكذا الناس يتعاملون بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
التساوي في المال.
م: (وجه القياس أنها) ش: أي إن المفاوضة م: (تضمنت الوكالة بمجهول الجنس) ش: أي بشراء شيء مجهول الجنس م: (والكفالة) ش: أي تضمنت الكفالة م: (بمجهول، وكل ذلك) ش: أي المذكور من الوكالة بمجهول الجنس الكفالة بمجهول. م: (بانفراده فاسد) ش: فعند انضمامهما بالطريق الأولى ألا ترى أنه قال وكلتك بالشراء أو شراء الثوب لا تصح الوكالة والكفالة بمجهول لا يصح أيضاً بخلاف الكفالة بمعدوم، فإنها جائزة كما في قوله ما داب لك على فلان يعني به.
فإن قيل: الوكالة العامة جائزة كما إذا قال لآخر وكلتك في مالي اصنع ما شئت، فإنه يجوز له أن يتصرف فيما أصيب بالعموم ليس بمراد هاهنا، فإنه لا تثبت الوكالة في حق شراء الطعام والكسوة لأهله، فإذا لم يكن عاماً كان توكيلاً بمجهول الجنس فلا يجوز. م: (وجه الاستحسان قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «فاوضوا فإنه أعظم للبركة» ش: هذا غريب ليس له أصل، وقال الأترازي وجه الاستحسان ما روى أصحابنا في عامة كتبهم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهذا لا يرضى به الخصم.
وقال ابن قدامة في " المغني " لا يعرف الخبر ولا رواه أصحاب السنن، وقال الكاكي: قيل له هذا لا يدل على عدم صحته، إذ ليس من شرط صحة الحديث أن يرويه أصحاب السنن.
قلت: سلمنا ذلك ولكن لا بد من شرط صحة الحديث أن يروي ثقة عن ثقة إلى أن ينتهي إلى أحد من الصحابة ثم إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر الكاكي أيضاً قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذا فاوضتم فأحسنوا المفاوضة» .
قلت: أيضاً غريب مثل ذلك، نعم روى ابن ماجه في " سننه " في التجارات عن صالح بن صهيب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث فيهن البركة البيع إلى أجل والمفاوضة واختلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع..» انتهى.
قوله: المفاوضة بالقاف والواو في بعض نسخ ابن ماجه المفاوضة بالفاء، ورواه إبراهيم الحربي في كتاب " غريب الحديث "، وضبط المعاوضة بالعين والضاد، وفسر المعاوضة بأن بلغ عرضاه بعرض مثله. قال والعرض هو مأجور النفور من دابة أو غيرها، وقال العرض بفتح الراء حطام الدنيا، ومنه قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس» .
قلت: هذا أيضاً لا يصح به الاستدلال لوجه الاستحسان م: (وكذا الناس يتعاملون بها) ش:

(7/377)


من غير نكير وبه يترك القياس والجهالة متحملة تبعا كما في المضاربة.
ولا تنعقد إلا بلفظة المفاوضة لبعد شرائطها عن علم العوام حتى لو بينا جميع ما تقتضيه المفاوضة تجوز لأن المعتبر هو المعنى قال: فيجوز بين الحرين الكبيرين مسلمين أو ذميين، لتحقق التساوي، وإن كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا يجوز أيضا لما قلنا ولا تجوز بين الحر والمملوك، ولا بين الصبي والبالغ لانعدام التساوي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي بالمفاوضة م: (من غير نكير) ش: فكان دليلاً على جوازها.
م: (وبه) ش: أي بتعامل الناس بها م: (يترك القياس) ش: قال الكاكي: لأن التعامل كالإجماع، وقال أبو بكر الرازي في " شرحه لمختصر الطحاوي ": وقد رد جواز الشركة المفاوضة عن الشعبي وابن سيرين - رحمهما الله تعالى.
م: (والجهالة متحملة تبعاً) ش: هذا جواب عن جهة القياس تقديره أن الجهالة التي ذكرت فيه تحملت تبعاً لا قصداً، وكم من شيء يثبت ضمناً ولا يثبت قصداً بأن الوكالة لمجهولة الجنس لا يثبت قصداً ويثبت ضمناً بالإجماع م: (كما في المضاربة) ش: فإن الضارب وقت تصرفه وكيل عن رب المال لكن بمجهول الجنس فتحملت الجهالة لثبوتها في ضمن عقد المضاربة لا قصداً، ولأن الجهالة تبطل باعتبار المنازعة لا بد ولا منازعة هنا.

[حكم شركة المعاوضة]
م: (ولا تنعقد) ش: أي شركة المعاوضة م: (إلا بلفظ المفاوضة لبعد شرائطها عن علم العوام) ش: فإن أكثر الناس لا يعرفون جميع أحكامها م: (حتى لو بينا) ش: بلفظ التثنية أي حتى لو بين المتعاقدان م: (جميع ما تقتضيه المفاوضة تجوز لأن المعتبر هو المعنى) ش: لا اللفظ.
وهذا يجعل للكفالة بشرط براءة الأصل حوالة، والحوالة بشرط ضمان الأصل كفالة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (فيجوز بين الحرين الكبيرين مسلمين أو ذميين) ش: أي فتجوز المعاوضة بين حرين احترز به عن أن يكون بين الحر والعبد، وقوله: الكبيرين صفة الحرين احترز به عن أن يكون الكبير والصغير.
وقوله: مسلمين حال الضرر به عن أن يكون أحدهما مسلماً والآخر ذمياً، وقوله أو ذميين أي أو بين ذميين م: (لتحقق التساوي) ش: في جميع ذلك، ولم يذكر المصنف بعد قوله مسلمين لفظ عاقلين، ولا بد من ذلك.
م: (وإن كان أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين م: (كتابياً والآخر مجوسياً يجوز أيضاً لما قلنا) ش: وهو قوله لتحقق التساوي بينهما؛ لأن الكفر كله ملة واحدة.
م: (ولا تجوز) ش: أي المفاوضة م: (بين الحر والمملوك ولا بين الصبي والبالغ لانعدام التساوي)

(7/378)


لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة، والمملوك لا يملك واحدا منهما إلا بإذن المولى، والصبي لا يملك الكفالة ولا يملك التصرف إلا بإذن الولي. قال ولا بين المسلم والكافر. وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز للتساوي بينهما في الوكالة والكفالة، ولا يعتبر بزيادة تصرف يملكه أحدهما كالمفاوضة بين الشفعوي والحنفي فإنها جائزة، ويتفاوتان في التصرف في متروك التسمية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وفي بعض النسخ لعدم المساواة م: (لأن الحر البالغ يملك التصرف والكفالة والمملوك لا يملك واحداً منهما) ش: أي من التصرف والكفالة م: (إلا بإذن المولى) ش: يرجع إلى قوله: بين الحر والمملوك.
م: (والصبي لا يملك الكفالة) ش: أذن له وليه أو لا م: (ولا يملك التصرف إلا بإذن الولي) ش: إلى هنا من قوله ولا يجوز بين الحر والمملوك من كلام المصنف شرح لكلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقوله م: (ولا بين المسلم والكافر) ش: من كلام القدوري أي لا يجوز المفاوضة بينهما لعدم التساوي.
م: (وهذا) ش: أي وعدم جواز المفاوضة يبن المسلم والكافر م: (قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف يجوز للتساوي بينهما) ش: أي بين المسلم والكافر م: (في الوكالة والكفالة) ش: لأن كل منهما يملك التوكيل والتكفيل.
وذكر الشراح أن عند أبي يوسف يجوز ذلك لتساويهما في التصرف؛ لأن كل ما يملكه الذمي من شراء الخمر والخنزير يملكه المسلم أيضاً بالتوكيل، وجوابه أن الذمي يملكه بنفسه، والمسلم لا يملكه بنفسه فانعدم التساوي وصار كالحر مع العبد.
م: (ولا يعتبر بزيادة تصرف) ش: هذا جواب من جهة أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عما يقال: كيف يؤخذ التساوي بين المسلم والكافر، فالكافر يجوز له التصرف في الخمر والخنزير، ولا يجوز للمسلم فانعدم التساوي، وتقرير الجواب أنه لا يعتبر بزيادة تصرف م: (يملكه أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين م: (كالمفاوضة بين الشفعوي والحنفي فإنها جائزة) ش: بالاتفاق م: (ويتفاوتان في التصرف في متروك التسمية) ش: عمداً؛ لأنه يعتقد حلالاً بخلاف الحنفي.
وحاصل الكلام أن الاعتبار بالتساوي في أصل التصرف كما أن أحدهما يملك التصرف بأمر له أو نيابة، فكذلك الآخر لكن أحدهما اختص بزيادة تصرف، فلا يصرف ذلك كالمفاوضة بين الشافعي والحنفي، كما ذكرنا قوله بين الشفعوي نسبة إلى الشافعي.
فكذا لا يصح، بل الصواب أن يقال الشافعي المذهب، كما يقال للإمام الشافعي فإنه منسوب إلى شافع أحد أجداده، وفي نسخة شيخي العلاء بين الشافعي والحنفي على الصحة، وقال

(7/379)


إلا أنه يكره لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود، ولهما أنه لا تساوي بينهما في التصرف فإن الذمي لو اشترى برأس المال خمورا أو خنازير صح، ولو اشتراها مسلم لا يصح.
ولا يجوز بين العبدين ولا بين الصبيين ولا بين المكاتبين لانعدام صحة الكفالة، وفي كل موضع لم تصح المفاوضة لفقد شرطها، ولا يشترط ذلك في العنان كان عنانا لاستجماع شرائط العنان، إذ هو قد يكون خاصا، وقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكاكي: وفي بعض النسخ بين الشافعي والحنفي يعني بالفاء بعد النون، والصواب الحنفي منسوب إلى أبي حنيفة بالنسبة إلى فعيلة فعلاً بحذف الياء، والحنفي بالياء منسوب إلى الحنف بدون الياء.
م: (إلا أنه يكره) ش: استثناء من قوله، وقال أبو يوسف يجوز التساوي بينهما في الوكالة والكفالة، ووجه الكراهة، وهو ما ذكره بقوله م: (لأن الذمي لا يهتدي إلى الجائز من العقود) ش: لأنه لا يحترز من الدين، فلا يؤمن أن يكون شريكه حراماً.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد م: (أنه لا تساوي بينهما في التصرف، فإن الذمي لو اشترى برأس المال خموراً أو خنازير صح، ولو اشتراها) ش: أي الخمر والخنازير م: (مسلم لا يصح) ش: فلا يساوي.
فإن قلت: لكل معاوضة الكتابي المجوسي بحيث يصح، ولا مساواة في التصرف منها، فإن المجوسي يتصرف في الموقودة؛ لأنه يعتقد المالية، والكتابي لا يتصرف، وكذا الكتابي يؤاجر نفسه للذبح والمجوسي لا يؤاجر نفسه للذبح. قلت: من جعل الموقودة مالاً يفصل بين الكتابي والمجوسي فتحقق المساواة، والمساواة في المؤاجرة ثابتة، يعني فإن كل واحد من المجوسي والكتابي من أجل أن ينقل ذلك العمل عليه أن يقيمه بنفسه أو بنائبه، وإجارة المجوسي للذبح صحيحة مستوجب بها الأجر، وإن كان لا يحل ذبيحته.

[المفاوضة بين العبدين والصبيين والمكاتبين]
م: (ولا يجوز) ش: أي المفاوضة م: (بين العبدين ولا بين الصبيين ولا بين المكاتبين لانعدام صحة الكفالة) ش: أي من العبد والصبي والمكاتب والمفاوضة تتضمن الكفالة، فلا يصح مفاوضتهم. قال: لا بين المكاتبين.
وكذا لا يصح بين المكاتب والحر م.
(وفي كل موضع تصح المفاوضة لفقد شرطها، ولا يشترط ذلك في العنان) ش: أي والحال أنه لا يشترط ذلك الشرط في شركة العنان م: (كان عناناً) ش: لأنه أتى بمعنى العنان بعبارة المفاوضة م: (لاستجماع شرائط العنان) ش:.
م: (إذ هو) ش: أي عقد شركة العنان م: (قد يكون خاصاً) ش: في نوع من التجارة م: (وقد

(7/380)


يكون عاما. قال: وتنعقد على الوكالة والكفالة، أما الوكالة فلتحقق المقصود وهو الشركة في المال على ما بيناه. وأما الكفالة لتحقق المساواة فيما هو من مواجب التجارات وهو توجه المطالبة نحوهما جميعا. قال ما يشتريه كل واحد منهما تكون على الشركة إطعام أهله وكسوتهم، وكذا كسوته، وكذا الإدام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون عاماً) ش: في أنواع التجارة، والمفاوضة عامة فيها نظيره ما ذكرناه في " الشامل " في قسم " المبسوط ". وإن تعارض عبدان مسلم وذمي كانت شركة العنان والمفاوضة أعم من العنان، فإذا بطل يعني العموم فبقي معنى الخصوص، فجاز إثبات العنان بلفظ المفاوضة، كما جاز إثبات الخصوص بلفظ العموم.
وتنعقد أي المعاوضة في بعض النسخ م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وتنعقد على الوكالة والكفالة) ش: يعني أن كل واحد من الشريكين يكون فيما باشر وكيلاً عن الآخر وكفيلاً عنه م: (أما الوكالة فلتحقق المقصود وهو الشركة في المال) ش: لأن التصرف في مال الغير لا يجوز إلا بولاية أو وكالة، ولم توجد الولاية فتثبت الوكالة لتحقق المقصود من الشركة فيكون كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في النصف م: (على ما بيناه) ش: يعني عند قوله قبل هذا ليكون ما تستفاد بالتصرف مشتركاً بينهما.
م: (وأما الكفالة لتحقق المساواة فيما هو من مواجب التجارات) ش: أي وأما انعقاد المفاوضة على الكفالة فيتحقق معنى المفاوضة وهي المساواة في أمر هو من موجبات التجارة أي من مقتضياتها، أي الأمر الآخر الذي هو من مواجب التجارة ويوجب التجارة.
م: (وهو توجه المطالبة نحوهما جميعاً) ش: فيكون كل واحد منهما كفيلاً عن الآخر فيما وجب عليه بسبب التجارة، وإذا كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم الآخر عند أبي حنيفة، وخلافاً لهما على ما يجيء إن شاء الله تعالى. وإذا اشتراه كل واحد منهما وفي أكثر النسخ.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما يشتريه كل واحد منهما) ش: أي من المتعاوضين م: (تكون على الشركة إطعام أهله وكسوتهم) ش: فإنها تكون الذي اشتراه خاصة.
قال المصنف م: (وكذا كسوته) ش: أي وكذا كسوة الذي اشتراه يكون له خاصة م: (وكذا الإدام) ش: يعني يكون الذي اشتراه لا على الشركة، لكن يطالب كل واحد منهما بالثمن، ألا ترى إلى ما قاله الكرخي في " مختصره ".
وإذا اشترى أحدهما طعاماً لأهله أو كسوة أو ما لا بد لهم منه، فذلك جائز وهو قول خاصة دون صاحبه، وللبائع أن يطالب بثمن ذلك أيهما شاء على ما يجيء.
وكذا إذا اشترى أحدهما جارية ليطأها بإذن شريكه، وليس له أن يشتري جارية للوطء إذا

(7/381)


لأن مقتضى العقد للمساواة، وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف، وكان شراء أحدهما كشرائهما إلا ما استثناه في الكتاب فهو استحسان لأنه مستثنى عن المفاوضة للضرورة، فإن الحاجة الراتبة معلومة الوقوع ولا يمكن إيجابه على صاحبه ولا الصرف من ماله، ولا بد من الشراء فيختص به ضرورة، والقياس أن يكون على الشركة لما بينا، وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء المشتري بالأصالة، وصاحبه بالكفالة، ويرجع الكفيل على المشتري بحصته بما أدى؛ لأنه قبض دينا عليه من مال مشترك بينهما. قال: ولا يلزم كل واحد منهما من الديون بدلا عما يصح فيه الاشتراك فالآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يأذن له شريكه.
وكذلك إذا اشترى جارية للخدمة وفي " مختصر الكرخي " - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضاً وإن اشترى أحدهما جارية للوطء بإذن شريكه فاستولدها ثم استحقت فعلى الواطئ العقد يأخذ المستحق بالعقد أيهما شاء.
م: (لأن مقتضى العقد) ش: أي عقد شركة المفاوضة م: (للمساواة) ش: وهذا تعليل للمثنى منه، وهو قوله يكون على الشركة م: (وكل واحد منهما) ش: أي من المتعاوضين م: (قائم مقام صاحبه في التصرف وكان شراء أحدهما كشرائهما إلا ما استثناه في الكتاب) ش: أي في القدوري.
م: (فهو) ش: أي المستثنى منه م: (استحسان لأنه مستثنى عن المفاوضة للضرورة) ش: لأن كل واحد منهما حين يشارك شارك صاحبه عالم بحاجته إلى ذلك، ومعلوم أن كل واحد منهما لم يقصد بلفظ المفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه.
م: (فإن الحاجة الراتبة) ش: أي الراتبة من قولهم رتب الشيء إذا استقر ودام، وأمر مرتب دائم ثابت م: (معلومة الوقوع، ولا يمكن إيجابه) ش: أي إيجاب شراء أحد المتعاوضين م: (على صاحبه ولا الصرف) ش: أي صرف الثمن م: (من ماله، ولا بد من الشراء) ش: أي شراء طعام الأهل وكسوتهم م: (فيختص به) ش: أي يختص المشتري بالطعام والكسوة م: (ضرورة) ش: لأنه لا بد من شراء ذلك.
م: (والقياس أن يكون) ش: كل ذلك م: (على الشركة لما بينا) ش: وهو قوله لأن مقتضى العقد المساواة م: (وللبائع أن يأخذ بالثمن) ش: أي بثمن الطعام والكسوة والإدام م: (أيهما) ش: أي المتعاوضين م: (شاء المشتري) ش: أي يطالب المشتري م: (بالأصالة) ش: لأنه هو المباشر م: (وصاحبه) ش: أي يطالب صاحبه م: (بالكفالة) ش: لأنه كفيل عنه م: (ويرجع الكفيل على المشتري بحصته بما أدى) ش: يعني من مال الشركة م: (لأنه قضى ديناً عليه من مال مشترك بينهما) ش: أي بين المتعاوضين م: (وما يلزم كل واحد منهما من الديون بدلاً عما يصح فيه الاشتراك فالآخر) ش: أي

(7/382)


ضامن له تحقيقا للمساواة، فما يصح فيه الاشتراك الشراء والبيع والاستئجار، ومن القسم الآخر الخيانة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد وعن النفقة ولو كفل أحدهما بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال لا يلزم لأنه تبرع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فالشريك الآخر م: (ضامن له، تحقيقاً للمساواة) ش: أي يعني المساواة الذي تقتضيه شركة المتعاوضة م: (فما يصح الاشتراك فيه) ش: أي فمن جملة ما يصح الاشتراك فيه.
م: (البيع والشراء) ش: صورتهما ظاهرة، لكن الثمن في البيع الجائز، والقيمة في البيع الفاسد م: (والاستئجار) ش: صورته أن مستأجر أحد المتعاوضين أجير في تجارتهما أو دابة أو شيئاً من الأشياء فللمؤجر أن يأخذ الأجر أيهما شاء؛ لأن الإجارة من عقود التجارة، وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه لما يلزمه من التجارة.
وكذلك إن استأجره لحاجة نفسه أو استأجر إبلاً إلى مكة تحج عليها فللمكاري أن يأخذ أيهما شاء، إلا أن شريكه إذا أدى من خالص ماله يرجع به عليه؛ لأنه أدى ما كفل عنه بأمره وإن أدى من مال الشركة يرجع عليه نصيبه من الدرئ.
وأما في شركة العنان فلا يؤخذ به غير الذي استأجر لأنه هو الذي استأجره؛ لأنه هو الملتزم بالعقد وصاحبه ليس بكفيل عنه م: (ومن القسم الآخر) ش: أي مما لا يصح فيه الاشتراك م: (الخيانة) ش: أراد بها الخيانة على نفي الدم؛ لأن ضمان العقب يلزم الشريك، وفي " المبسوط " إذا ادعى رجل على أحدهما خطأ لهما إن شق مقدورات استحلفه فحلف، ثم أراد أن يستحلف شريكه ليس له ذلك إذ لا خصومة له مع شريكه إذ لا يكون أحد كفيلاً عن الآخر فيما ليس في التجارة.
م: (والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد) ش: ففي هذه الأشياء إذا ادعى رجل على أحدهما وحلفه ليس له أن يحلف الآخر بخلاف ما لو ادعى على أحدهما ببيع خادم يخدم للمدعي أن يحلف المدعى عليه على الثبات وشريكه على العلم، وصورة الخلع ما لو عقدت المرأة مع آخر عقد مفاوضة ثم خالعت زوجها بمال لا يلزم ذلك على شريكها، كذا لو أقرت ببدل الخلع لا يلزم شريكها.
م: (وعن النفقة) ش: أي وكذا الصلح عن النفقة على شيء لا يلزم شريكه شيء من ذلك م: (ولو كفل أحدهما) ش: أي أحد المفاوضين م: (بمال عن أجنبي لزم صاحبه عند أبي حنيفة، وقال: لا يلزمه) ش: أي لأن الكفيل متبرع على صيغة اسم الفاعل وفي بعض النسخ م: (لأنه تبرع) ش: بصفة المصدر أي لأن عقد الكفالة تبرع.
وكذا في نسخة شيخي العلاء، وقال الفقيه أبو الليث: وهذا إذا كفل بأن المكفول عنه وإن

(7/383)


ولهذا لا يصح من الصبي والعبد والمأذون والمكاتب ولو صدر من المريض يصح من الثلث وصار كالإقراض والكفالة بالنفس، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه تبرع ابتداء ومعاوضة بقاء؛ لأنه يستوجب الضمان بما يؤدي عن المكفول عنه إذا كانت الكفالة بأمره فبالنظر إلى البقاء صح لتضمنه المفاوضة وبالنظر إلى الابتداء لم تصح ممن ذكره،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كفل بغير إذنه ينبغي أن لا يجب شيء على صاحبه في قولهم جميعاً، وفي " شرح الطحاوي " إن كانت الكفالة بالنفس فلا يؤاخذ به صاحبه بالإجماع.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون عقد الكفالة متبرعاً م: (لا يصح من الصبي والعبد والمأذون والمكاتب) ش: لأنهم ليسوا من أهل التبرع م: (ولو صدر) ش: أي التكفل أو عقد الكفالة م: (من المريض) ش: مرض الموت م: (يصح من الثلث) ش: قال الكاكي: وقيد صدور الكفالة بحالة المرض؛ لأن المريض لو أقر بالكفالة السابقة في حالة الصحة يعتبر ذلك في جميع المال بالإجماع.
م: (وصار) ش: أي عقد الكفالة بالمال م: (كالإقراض) ش: حيث لا يلزم الشريك، وقال الكاكي: وفي الإقراض اختلاف فإنه ذكر في " الإيضاح ": لو قرض أحد المتفاوضين مالاً، وأعطاه رجلاً وأخذ الصحة كان جائراً عليهما ولا يضمن ثمن المال أولاً، وفي قياس قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضمن القرض صحة شريكه.
م: (والكفالة بالنفس) ش: حيث لا يؤاخذ به الآخر م: (ولأبي حنيفة) ش: أي عقد الكفالة م: (أنه تبرع ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر، ألا ترى أن المريض لو كفل يعتبر من الثلث، ولو كفل العبد المأذون لا يجوز كفالته م: (ومعاوضة بقاء) ش: أي في حالة البقاء ألا ترى أنه [ ... ] على الأداء م: (لأنه) ش: هذا تعليل لكون الكفالة مفاوضة بقاء، يعني أن الكفيل م: (يستوجب الضمان) ش: أي يستحقه على المكفول عنه م: (بما يؤدي عن المكفول عنه إذا كانت الكفالة بأمره) ش: أي بأمر المكفول عنه.
م: (فبالنظر إلى البقاء صح لتضمنه المفاوضة وبالنظر إلى الابتداء لم تصح) ش: وكلامنا في البقاء؛ لأنه يلزم شريكه بعد ما لزم عليه، وفي نسخة شيخنا العلاء لأنه مستوجب الضمان عما يؤدي على المكفول عنه.
فإذا كانت الكفالة بأمره فبالنظر إلى البقاء تتضمنه المعاوضة وبالنظر إلى الابتداء لم يصح، وكذا قال الأكمل فبالنظر إلى البقاء تتضمنه المفاوضة يعني وحاجتنا هاهنا إلى البقاء إذ المطالبة متوجه بعد الكفالة لأنها حكمها، فلما لزم المال على الشريك الضامن لزم الأجر.
وهذه هي حالة البقاء بخلاف الصبي وغيره لأن كلامنا ثمة في الابتداء بأنه قد يضمنه أولاً، فاعتبرنا [ ... ] النزع فيه ولم يعتبره هاهنا؛ لأن الابتداء ثمة محتاج إليه ولا كذلك هاهنا لصحة

(7/384)


ويصح من الثلث من المريض بخلاف الكفالة بالنفس لأنه تبرع ابتداء وانتهاء، وأما الإقراض فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يلزم صاحبه ولو سلم فهو إعارة فيكون لمثلها حكم عينها لا حكم البدل حتى لا يصح فيه الأجل فلا تتحقق معاوضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الابتداء، لكن الضامن من أهل الضمان دون الصبي ممن ذكره.
قال الأكمل: ويريد به الصبي والمجنون، وقال تاج الشريعة: يريد به المكاتب والصبي والعبد المأذون.. انتهى.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقول. م: (ممن ذكره) ش: أي ذكره أبو يوسف ومحمد لأن القياس أن تقول ذكراه بضمير الاثنين أو القياس أن يترك الضمير المنصوب ويذكر الفعل على صيغة المبني للمفعول، فلعله وقع هكذا من قلم الكاتب.. انتهى.
قلت: فيه نسبة المصنف إلى السهو بجنس العبارة وقوله ممن ذكره بضمير الإفراد صحيح لأن المسألة من مسائل " الجامع الصغير " الذي يذكر فيه منسوبًا إلى محمد، وإن كان أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه في مواضع وإفراده للضمير بهذا الاعتبار أي ممن ذكره محمد في " الجامع الصغير " فافهم.

[عقد الكفالة من المريض]
م: (ويصح) ش: أي عقد الكفالة. م: (من الثلث) ش: أي من ثلث المال. م: (من المريض) ش: مرض الموت، وقد مر بيانه. م: (بخلاف الكفالة بالنفس) ش: حيث لا يلزم شريكه. م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الكفالة بالنفس. م: (تبرع ابتداء وانتهاء) ش: إذ لا يستوجب الكفيل قبل المكفول عنه شيئًا.
م: (وأما الاقتراض) ش: هذا في الحقيقة جواب عن قولهما وصار كالإقراض بطريق المشبع، بيانه أن الإقراض. م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه الحسن. م: (أنه يلزم صاحبه) ش: عند أبي حنيفة ولا نسلم أنه لا يلزمه على رواية الحسن حتى لو فرض أحد المتعاوضين جاز عليه وعلى شريكه، ولا يضمن لشريكه شيئًا.
م: (ولو سلم) ش: جواب بطريق التسليم يعني ولو سلمنا أن الإقراض لا يلزم صاحبه عند أبي حنيفة. م: (فهو) ش: أي الإقراض. م: (إعارة) ش: لا معاوضة بدليل جوازه إذ لو كان معاوضة لكان فيه بيع النقد بالنسبة في الأموال الربوية، فإذا كان كذلك. م: (فيكون لمثلها) ش: أي لمثل الإعارة. م: (حكم عينها) ش: أي عين ما أقرضه. م: (لا حكم البدل) ش: كما في الإعارة الحقيقية. م: (حتى لا يصح فيه الأجل) ش: أي لا يلزم لأن تأجيل الإقراض والعارية جائز، ولكنه لا يلزمه المضي على ذلك التأجيل، وإذا كان الأمر كذلك. م: (فلا تتحقق المعاوضة) ش: في الإقراض في الأمراض.

(7/385)


ولو كانت بغير أمره لم تلزم صاحبه في الصحيح لانعدام معنى المفاوضة، ومطلق الجواب في الكتاب محمول على المقيد وضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه معاوضة انتهاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[الكفالة بغير أمر المكفول]
م: (ولو كانت) ش: الكفالة. م: بغير أمره) ش: أي بغير أمر المكفول عنه. م: (فالصحيح أنه لا يلزم صاحبه لانعدام معنى المفاوضة) ش: وإليه ذهب الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " وتبعه المصنف حيث قال. م: (ومطلق الجواب في الكتاب) ش: أي في " الجامع الصغير " عن قيد الكفالة بأمر المكفول عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا المقدار.
هذا إذا كانت الكفالة بأمر المكفول عنه، وعامة المشايخ لم يفرقوا في شروح " الجامع الصغير " بينهما إذا كان بأمره أو بغيره إطلاق جواب كتاب " الجامع الصغير ". م: (محمول على المقيد وضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة) ش: يعني في أنه يلزم شريكه. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة. م: (عند أبي حنيفة) ش: عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أنه لا يلزم الشريك. م: (لأنه معاوضة انتهاء) ش: لأن الغرض عند الطلب.
وقال الكاكي: يختص أبو حنيفة في قوله بمنزلة الكفالة عنده، إنما يصح في حق الكفالة لا في حق ضمان الغصب والاستهلاك، فإن فيهما محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أنه يلزمه شريكه وفي الكفالة مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكان حق الكلام أن يقول: وضمان الغاصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول أنه لا يلزم الشريك لأنه معاوضة انتهاء؛ لأن الغرض عند الطلب.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تخصيص أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله بمنزلة الكفالة عنه إنما يصح في حق الكفالة لا في حق ضمان الغصب والاستهلاك، فإن سيما محمد مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أنه يلزمه شريكه، وفي الكفالة مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال الأترازي: وكان حق الكلام أن يقول: وضمان الغصب والاستهلاك بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافًا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في غير رواية الأصول.
وقال الأكمل: تلميح تحرير المذاهب على هذا الوجه يظهر لك سقوط ما اعترض به على المصنف في قوله بمنزلة الكفالة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بأن محمدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في لزوم ضمان الغصب واستهلاك الشريك فلا يكون لتخصيص أبي حنيفة ولا لقوله بمنزلة الكفالة وجه.

(7/386)


وإن ورث أحدهما مالا تصح في الشركة، أو وهب له ووصل إلى يده بطلت المفاوضة وصارت عنانا لفوات المساواة فيما يصلح رأس المال؛ إذ هي شرط فيه ابتداء وبقاء وهذا لأن الآخر لا يشاركه فيما أصابه لانعدام السبب في حقه، إلا أنها تنقلب عنانا للإمكان، فإن المساواة ليست بشرط فيه ولدوامه حكم الابتداء لكونه غير لازم فإن ورث أحدهما عرضا فهو له. ولا تفسد المفاوضة، وكذا العقار لأنه لا تصح فيه الشركة، فلا يشترط المساواة فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[بطلان المفاوضة وصيرورتها عنانًا]
م: (وإن ورث أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين. م: (مالا تصح فيه الشركة) ش: هذه الجملة صفة لقوله مالًا، والمال كالدراهم والدنانير والفلوس النافقة. م: (أو وهب له) ش: أي لأحد المتعاوضين. م: (ووصل) ش: أي المال. م: (إلى يده بطلت المفاوضة وصارت) ش: أي الشركة. م: (عنانًا لفوات المساواة) ش: التي هي الشرط. م: (فيما يصلح رأس المال إذ هي) ش: أي المساواة. م: (شرط فيه) ش: أي في عقد الشركة المفاوضة. م: (ابتداء وبقاء) ش: أي في حال الابتداء وحالة البقاء. لا قضاء مساواة الدوام.
م: (وهذا) ش: أي بطلان المفاوضة وصيرورتها عنانًا. م: (لأن الآخر) ش: أي الشريك الآخر. م: (لا يشاركه) ش: أي لا يشارك صاحبه. م: (فيما أصابه) ش: من المال. م: (لانعدام السبب) ش: أي سبب الشركة وهي التجارة. م: (في حقه) ش: أي في حق الآخر. م: (إلا أنها) ش: أي غير أن المفاوضة. م: (تنقلب عنانًا للإمكان، فإن المساواة ليست بشرط فيه) ش: أي في العنان ابتداء، وكل ما ليس بشرط فيه الابتداء لا يشترط فيه دوامًا. م: (ولدوامه) ش: أي ولدوام العنان. م: (حكم الابتداء لكونه غير لازم) ش: أي لكونه عقدًا غير لازم فإن أحد الشريكين إذا امتنع عن المضي على موجب العقد لا يجبره القاضي على ذلك فصار كالوكالة المفردة، فصار كأنهما إنشاء الشركة في الحال، ولا مساواة بينهما فيكون عنانًا.
فإن قيل: الإجارة عقد لازم حتى لا يتفرد كل واحد من المتعاقدين بالفسخ ويجبرهما القاضي على المضي ومع ذلك لدوامها حكم الابتداء حتى لا يبقى بموت أحد المتعاقدين فكيف يصح التعليل بعدم اللزوم لإثبات مدعاه؛ إذ العقد اللازم لدوام حكم الابتداء كما في الإجارة.
قيل: في جوابه الإجارة عقد غير لازم كما قال شريح لكون العقود عليه معه، وما في الحال فكان بمنزلة العارية، إلا أنه عند معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات تحقيقًا للنظر من الجانبين كما في البيع والإجارة بموت أحدهما لا باعتبار كونه لازمًا باعتبار فوت المستحق؛ لأن رقبة الدار تنتقل إلى الوارث. م: (وإن ورث أحدهما) ش: أي أحد المتعاوضين. م: (عرضًا) ش: أي متاعًا من الأمتعة. م: (فهو له) ش: أي فالعرض له، يعني لا يكون في الشركة.
م: (ولا تفسد المفاوضة، وكذا العقار) ش: أي وكذا لا يفسد المفاوضة، إذا ورث أحدهما عقارًا. م: (لأنه لا تصح فيه الشركة ولا شرط المساواة فيه) ش: أي في العنان، والله أعلم بالصواب.

(7/387)


فصل ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة، وقال مالك: تجوز بالعروض والمكيل والموزون إذا كان الجنس واحدا؛ لأنها عقدت على رأس مال معلوم فأشبه النقود. بخلاف المضاربة؛ لأن القياس يأباها، لما فيها من ربح ما لم يضمن فتقتصر على مورد الشرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان ما يصلح من الأموال لرأس مال الشركة، ولما كان المبحث هنا غير المبحث فيما قبله ذكره بفصل على حدة فقال. م: (ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة) ش: قال الكاكي في " المبسوط ": تكون المفاوضة والعنان في شركة البقل والوجوه مع عدم المال فيهما فكان قوله لا تنعقد الشركة إلا بكذا كيف يتحصل.
قلت: المراد بقوله لا تنعقد الشركة هي شركة المفاوضة؛ لأن اللام للتعريف في الشركة فيصرف المذكور إلى السابق.
وقال صاحب " النهاية " أيضًا: المراد شركة المفاوضة؛ لأنه شرع فيه بعد بيان المفاوضة، ولهذا بدأ بعد هذا ببيان شركة العنان، بقوله أما شركة العنان. بقوله بالفلوس النافقة إلى الرابحة؛ لأن غير النافقة من العروض وكذا يجوز بالبر النافقة ولا خلاف في أن المشتركة تصح بالنقدين والفلوس النافقة والخلاف في العروض، فقال أصحابنا أحمد والشافعي في وجه: لا يجوز، وقال في وجه: إن كانت العروض مثليًا يجوز؛ إذ المثلي نسبة المفقود، ويرجع عند المعاوضة بمثلها.
م: (وقال مالك: يجوز بالعروض والمكيل والموزون أيضًا إذا كان الجنس واحدًا؛ لأنها) ش: أي لأن الشركة. م: (عقدت على رأس مال معلوم فأشبه النقود) ش: واشتراط اتحاد الجنس بناء على أن الخلط شرط عنده، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في ذلك خلاف مالك نظر لما تقدم من قوله، وقال مالك: لا أعرف، والمفاوضة إلا إذا ثبت عنه روايتان أو يكون تعريفًا على قول من يقول لها كما نقل عن أبي حنيفة في الزراعة. انتهى.
قلت: نقل هذا عن مالك غير صحيح، وإنما هذا منقول عن الشافعي، وعند مالك يجوز لما نقله المصنف، وعن أحمد في رواية تجوز الشركة والمضاربة بالعروض، وبه قال الأوزاعي وطاووس وحماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى. م: (بخلاف المضاربة) ش: من تتمة قول مالك يعني المضاربة مختصة بالدراهم والدنانير.
م: (لأن القياس يأباها) ش: أن يمنع جوازها. م: (لما فيها من ربح ما لم يضمن) ش: لأن المال ليس بمضمون على المضاربة بل هو أمانة في يده، فكان ما حصل من الربح ربح بمال غير مضمون، يستحق رب المال؛ لأنه لم يعمل في ذلك الربح، فلا يصح. م: (فيقتصر على مورد الشرع)

(7/388)


ولنا أنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن لأنه إذا باع كل واحد منهما رأس ماله وتفاضل الثمنان فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يملك وما لم يضمن بخلاف الدراهم والدنانير لأن ثمن ما يشتريه في ذمته؛ إذ هي لا تتعين، فكان ربح ما ضمن، ولأن أول التصرف في العروض البيع وفي النقود الشراء وبيع أحدهما ماله على أن يكون الآخر شريكا في ثمنه لا يجوز، وشراء أحدهما شيئا بماله على أن يكون البيع بينه وبين غيره جائزا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: وهي الدراهم والدنانير.
وأما في الشركة فإن كان واحدًا من الشريكين يعمل في ذلك المال فيستوي فيه العروض والنقود كما لو عمل واحد منهما في مال لنفسه يعتبر شركة يصح.
م: (ولنا أنه) ش: أي عقد الشركة بالعروض. م: (يؤدي إلى ربح ما لم يضمن) ش: وأنه لا يجوز لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك وأوضح فيما يروى أن ربح ما لم يضمن لا يجوز بقوله. م: (لأنه إذا باع كل واحد منهما) ش: أي من الشريكين من العروض. م: (رأس ماله وتفاضل الثمنان) ش: بأن باع أحدهما عرضه بأضعاف قيمته والآخر بمثل قيمته فاشتركا في الربح. م: (فما يستحقه أحدهما من الزيادة في مال صاحبه ربح ما لم يضمن) ش: وما لم يملك، وذلك لا يجوز م: بخلاف الدراهم والدنانير؛ لأن ثمن ما يشتريه) ش: كل واحد منهما برأس المال يتعلق الشراء برأس المال بعينه.
وإنما يتعلق بمثله دينًا. م: (في ذمته إذ هي) ش: أي الأثمان. م: (لا تتعين) ش: والتغيير. م: (فكان ربح ما يضمن) ش: لتحقق شرط طيب الربح وهو وجوب المال في الذمة.
م: (ولأن أول التصرف) ش: دليل آخر، أي أول التصرف في الشركة. م: (في العروض البيع) ش: أنه بيع العروض. م: (وفي النقود) ش: أي وفي الشركة في الدراهم والدنانير. م: (الشراء) ش: وهو ظاهر. م: (وبيع أحدهما) ش: أي أحد الشريكين.
م: (ماله على أن يكون الآخر شريكًا في ثمنه لا يجوز) ش: لأن الشركة تقتضي الوكالة والتوكيل على الوجه الذي تضمنه الشركة لا يصح في العروض، فإنه لو قال لغيره: بع عرضك على أن ثمنه بيننا لا يصح.
م: (وشراء أحدهما شيئًا بماله على أن يكون البيع بينه وبين غيره جائزًا) ش: ألا ترى أن من قال: اشتر بألف من مالك على أن ما تربح مشترك بيننا فالشركة جائزة وقدر صاحب " النهاية " هذا الدليل الثاني على وجه يئول إلى ربح ما لم يضمن، وذلك لأنه قال: لأن صحة الشركة باعتبار الوكالة في كل موضع لا تجوز الوكالة ملك الصفة لا تجوز الشركة، ومعنى هذا أن الوكيل بالبيع أن يكون أمينًا.
فإذا شرط له جزءًا من الربح ما لم يضمن، فأما الوكيل بالشراء فهو من [..] في ذمته،

(7/389)


وأما الفلوس النافقة تروج رواج الأثمان فألحقت بها. قالوا: هذا قول محمد لأنها ملحقة بالنقود عنده حتى لا تتعين بالتعيين، ولا يجوز بيع اثنين بواحد بأعيانها على ما عرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإذا شرط له جزءًا من الربح كان هذا ربح ما قد ضمن.

[الشركة بالفلوس النافقة]
م: (وأما الفلوس النافقة) ش: فلأنها. م: (تروج رواج الأثمان) ش: أي كرواج الأثمان. م: (فالتحقت بها) ش: أي بالأثمان. م: (قالوا) ش: أي قال المتأخرون. م: (هذا) ش: أي هذا الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - من جواز الشركة بالفلوس النافقة وهو. م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كذا فسره الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن ماله الفلوس التي ذكرها في أول الفصل، ذكرها القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره وغيره. قال: قوله هذا أي جواز الشركة بالفلوس النافقة قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأنها) ش: أي لأن الفلوس النافقة. م: (ملحقة بالنقود عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (حتى لا يتعين بالتعيين) ش: كالدراهم والدنانير.
م: (ولا يجوز بيع اثنين بواحد) ش: أي بيع فلسين بفلس واحد. م: (بأعيانها على ما عرف) ش: في نوع، وإنما قيد بأعيانها لتظهر ثمرة الاختلاف، فإنه لو باع فلسين بواحد من الفلوس نسيئة لا يجوز بالإجماع المركب.
أما عندهما فله وجه النسبة في الجنس الواحد، وأما عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلهذا أو لمعنى الثمن، وأما إذا كانت بأعيانهما فعندهما يجوز وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز.
ولم يذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفلوس النافقة خلافًا، وإنما ألحقها بالدراهم والدنانير، ولم يذكر الخلاف فيها، وكذلك حكم الشبهة لم يذكر الخلاف فيها.
وقال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": والأموال التي يصح بها عقد الشركة الدراهم والدنانير في قولهم جميعًا، ثم قال: وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يصح بالفلوس أيضًا.
وفي " الشامل " تجوز الشركة بالفلوس لأنها لا تتغير في العقد، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصح، وهو رواية عن أبي حنيفة لأنه بيع مكادة وثمن أخرى.
وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولو كان رأس مال أحدهما لم تجز الشركة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الفلوس إنما صارت ثمنًا باصطلاح الناس، وليس بثمن في الأصل، وعند محمد تجوز وهو قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأول.

(7/390)


أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا تجوز الشركة والمضاربة بها؛ لأن ثمنها يتبدل ساعة فساعة وتصير سلعة، ويروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - والأول أقيس وأظهر، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحة المضاربة بها. قال: ولا تجوز الشركة بما سوى ذلك إلا أن تعامل الناس بالتبر
والنقرة فتصح الشركة بهما هكذا ذكر في الكتاب. وفي " الجامع الصغير " ولا تكون المعاوضة بمثاقيل ذهب أو فضة، ومراده التبر. فعلى هذه الرواية التبر سلعة تتعين بالتعيين، فلا تصلح رأس المال في المضاربات والشركات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - لا تجوز الشركة ولا المضاربة بها) ش: أي بالفلوس. م: (لأن ثمنها يتبدل ساعة فساعة وتصير سلعة) ش: فلا تجوز الشركة ولا المضاربة بالسلعة.
م: (ويروى عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: يعني لا يجوز بيع الفلسين بفلس واحد، وهذا قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولًا. م: (والأول) ش: أي كون أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (أقيس) ش: أي أشبه. م: (وأظهر) ش: لأن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - جوز بيع الفلسين بفلس واحد إذا كانا عينين كأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وجعل الفلوس كالمعروض، فلما كان مذهبه في مسألة البيع مذهب أبي حنيفة كان مذهبه أيضًا في مسألة الشركة، لأن العروض لا تصلح رأس مال الشركة والمضاربة.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روي عن أبي حنيفة رواه الحسن عنه. م: (صحة المضاربة بها) ش: أي بالفلوس النافقة. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
م: (ولا تجوز الشركة بما سوى ذلك) ش: أي سوى المذكور من الدراهم والدنانير والفلوس النافقة. م: (إلا أن تعامل الناس بالتبر) ش: بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة وهو من الذهب والفضة ما كان غير مصوغ.

[عقد الشركة بما سوى المذكور من الدراهم والدنانير والفلوس النافقة]
م: (والنقرة) ش: بضم النون وهي القطعة المذابة من الفضة والذهب. م: (فتصح الشركة بهما) ش: أي بالتبر والنقرة. م: (هكذا ذكره في الكتاب) ش: أي في " مختصر القدوري " - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وذكر في الجامع الصغير ولا تكون المعاوضة بمثاقيل ذهب أو فضة ومراده التبر) ش: أي مراد محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " من قوله قبل ذهب أو فضة التبر.
م: (فعلى هذه الرواية) ش: أي رواية " الجامع الصغير ". م: (التبر سلعة تتعين بالتعيين، فلا تصلح رأس المال في المضاربات والشركات) ش: لأنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن.

(7/391)


وذكر في كتاب الصرف أن النقرة لا تتعين بالتعيين حتى لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل التسليم. فعلى تلك الرواية تصلح رأس المال فيهما، وهذا لما عرف أنهما خلقا ثمنين في الأصل، إلا أن الأول أصح لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنية تختص بالضرب المخصوص؛ لأنه عند ذلك لا يصرف أي شيء آخر ظاهرا، إلا أن يجري التعامل باستعمالهما ثمنا فينزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنا ويصلح رأس المال، ثم قوله: ولا يجوز بما سوى ذلك يتناول المكيل والموزون والعددي المتقارب ولا خلاف فيه بيننا قبل الخلط، ولكل واحد منهما ربح متاعه، وعليه وضيعته، وإن خلطا ثم اشتركا فكذلك لا يجوز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشركة شركة ملك لا شركة عقد وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح شركة العقد. وثمرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وذكر في كتاب الصرف) ش: من " الجامع الصغير ". م: (أن النقرة لا تتعين بالتعيين حتى لا ينفسخ العقد بهلاكه قبل التسليم. فعلى تلك الرواية تصلح رأس المال فيهما) ش: أي في المضاربات والشركات.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى أن النقرة لا تتعين بالتعيين. م: (لما عرف أنهما) ش: أن الذهب والفضة. م: (خلقا ثمنين في الأصل) ش: يعني رواية " الجامع الصغير " لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنين مختصين بالضرب المخصوص؛ لأن عند ذلك أي عند الضرب المخصوص لا يصرف أي شيء آخر ظاهرًا.
م: (إلا) ش: أن يجري التعامل. هذا استثناء من قوله. م: (أن الأول أصح لأنها وإن خلقت للتجارة في الأصل لكن الثمنية تختص بالضرب المخصوص؛ لأنه عند ذلك لا يصرف أي شيء آخر ظاهرًا، إلا أن يجري التعامل باستعمالها ثمنًا فينزل التعامل بمنزلة الضرب فيكون ثمنًا ويصلح رأس المال) ش: يعني أن الأول وهي رواية " الجامع الصغير " وهي أن النقرة لا تصلح إلا إذا جرى التعامل باستعمالها ثمنًا فينزل التعامل منزلة الضرب فيكون ثمنًا ويصلح رأس المال.
م: (ثم قوله) ش: أي ثم قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (ولا يجوز بما سوى ذلك) ش: أي لا يجوز عقد الشركة بما سوى المذكور من الدراهم والدنانير والفلوس النافقة. م: (يتناول المكيل والموزون والعددي المتقارب ولا خلاف فيه بيننا) ش: أي لا خلاف في عدم جواز الشركة بالمكيل والموزون. والعددي المتقارب. م: (قبل الخلط) ش: فيما بينا، أي باتفاق أصحابنا. م: (ولكل واحد فيهما ربح متاعه وعليه وضيعته) ش: أي خسته وفي " المختلف " فإن خلطا ثبت بينهما شركة ملك، فإذا باعا فالربح والوضعية على قدر مالها كسائر الأعيان.
م: (وإن خلطا ثم اشتركا فكذلك لا يجوز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشركة شركة ملك لا شركة عقد) ش: أي لا شركة عقد. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تصح شركة العقد، وثمرة

(7/392)


الاختلاف تظهر عند التساوي في المالين، واشتراط التفاضل في الربح فظاهر الرواية ما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه يتعين بالتعيين بعد الخلط كما يتعين قبله ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنها ثمن من وجه حتى جاز البيع بها دينا في الذمة وبيع من حيث إنه يتعين بالتعيين، فعملنا بالشبهين بالإضافة إلى الحالين بخلاف العروض لأنها ليست ثمنا بحال، ولو اختلفا جنسا كالحنطة والشعير والزيت والسمن فخلطا لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق، والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لاختلاف تظهر عند التساوي في المالين، واشتراط التفاضل في الربح) ش: عند أبي يوسف لا يستحق زيادة الربح بل لكل واحد من الربح بقدر ملكه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الربح بينهما على ما شرط.
م: (وظاهر الرواية ما قاله أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه) ش: أي كل من المذكور من المكيل والموزون والعددي المتقارب. م: (يتعين بالتعيين بعد الخلط كما يتعين قبله) ش: وشرط جواز الشركة أي لا يكون رأس المال مما يتعين بالتعيين لئلا يلزم ربح ما لم يضمن وما يصلح فيكون رأس مال الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدمه كالتعوذ.
فكذا ما لا يصلح رأس مال الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدمه لأن قبل الخلط إنما لا يجوز شرط العقد بها لأنها متعينة، وأول التصرف فيها بيع فيؤدي إلى ربح ما لم يضمن، وهذا المعنى موجود بعد الخلط بل يزداد، وتقديرًا بالخلط لأن الخلط لا يتقرر إلا في معين، والمخلوط المشترك لا يكون إلا معينًا فيقرر المعنى المقر فلا يكون مصححًا للعقد.
م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنها) ش: أي أن المكيل والموزون والعددي المتقارب. م: (ثمن من وجه حتى جاز البيع بها) ش: حال كونها. م: (دينًا في الذمة) ش: إذ هو من أحكام الثمن. م: (وبيع من حيث إنه يتعين بالتعيين، فعملنا بالشبهين) ش: أي سبب العرض والثمن.
م: (بالإضافة إلى الحالين) ش: أي حالة الخلط وحالة عدمه فأشبها بالعروض لا تجوز الشركة بها قبل الخلط ولشبهها بالأثمان تجوز بعد الخلط.
وهذا لأنه باعتبار الشبهين تضعف إضافة عقد الشركة إليها فيتوقف ثبوتها على ما يقويها، وهو الخلط يثبت شركة الملك لا محالة فتناول به شركة العقد لا محالة والعكس يتضمن ربح ما لم يضمن. م: (بخلاف العروض لأنها ليست ثمنًا بحال) ش: معين ليست بها جهة الثمنية، فلم تجز الشركة بها بعد الخلط أيضًا.
م: (ولو اختلفا) ش: أي لو اختلف المالان. م: (جنسًا) ش: أي من حيث الجنسية. م: (كالحنطة والشعير والزيت والسمن فخلطا) ش: على صيغة المجهول. م: (لا تنعقد الشركة بها بالاتفاق) ش: فإذا كان كذلك يحتاج محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى الفرق أشار إليه بقوله. م: (والفرق لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -)

(7/393)


أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال، ومن جنسين من ذوات القيم. فتمكن الجهالة كما في العروض، وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط قد بيناه في كتاب القضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: إنما احتاج إلى الفرق لأنه يقول بانعقاد الشركة بعد الخلط في جنس واحد ولا يقول بانعقادها إذا عقدا عقد الشركة بعد الخلط في جنسين، وبيان الفرق هو قوله. م: (أن المخلوط من جنس واحد من ذوات الأمثال) ش: حتى إن من أتلفه يضمن مثله. م: (ومن جنسين من ذوات القيم) ش: حتى إن من أتلفه ضمن قيمته فيمكن الجهالة؛ لأنه لا يمكن وصول كل واحد منهما إلى عين حقه من رأس المال قبل القسمة فلم تنعقد الشركة للجهالة بخلاف الجنس الواحد.
فإن كل واحد منهما يمكنه أن يصل إلى عين حقه من رأس المال قبل القسمة باعتبار الملك. انعقدت الشركة. م: (فتمكن الجهالة كما في العروض) ش: قال تاج الشريعة: قوله من ذوات القيم لهذا يجب مبلغه القيمة، فكان المخلوط بمنزلة العروض، ذكره أبو الفضل. م: (وإذا لم تصح الشركة فحكم الخلط قد بيناه في كتاب القضاء) ش: أي إذا لم تصح شركة العقد يعني إذا عقداها بعد الخلط في جنس، أما شركة الملك فتثبت لا محالة لاختلاط المالين برضا صاحبيهما، ومعنى قوله فحكم الخلط يعني أن الحنطة إذا كانت وديعة عند رجل فخلطها الرجل بغير نفسه والحل بفتح فيقطع حق المالك إلى الضمان، وكذا إذا خلط المودع الحل الوديعة زيت نفسه، والحل بفتح الحاء المهملة، دهن السمسم.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله قد بيناه في كتاب " القضاء " فيه نظر؛ لأن صاحب " الهداية " لم يذكر حكم الخلط فيه، بل ذكره في كتاب الوديعة، وإنما ذكروا حكم الخلط في كتاب القضاء في " شرح الجامع الصغير " والله أعلم بصحة ما قال، إلا إذا قيل إنه بينه في " كفاية المنتهي " فله وجه إن صح ذلك.
قال الكاكي: قوله في كتاب القضاء أراد القضاء في " الجامع الصغير "، وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذلك، أي كتاب القضاء الجامع، وأما في هذا الكتاب فقد بينه في كتاب الوديعة والدليل على أن مراده قضاء " الجامع الصغير " قوله: قد بيناه بلفظ الماضي، ولو كان مراده كتاب القضاء من هذا الكتاب لقال بينه، وقال تاج الشريعة قوله في كتاب القضاء، أورد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في كتاب الوديعة.. انتهى.
قلت: قد رأيت أن أحدًا من هؤلاء لم ينف القليل ولم يرو القليل.
قلت: إن كان مراده في كتاب القضاء الذي ذكره في " كفاية المنتهي " على ما قيل لا يرد عليه شيء، وإن كان مراده كتاب القضاء الجامع على ما نص عليه أكثر الشراح فيحمل على أنه بينه هناك بكتابة شيء من الحواشي وتقديره بينا في قدريته.

(7/394)


قال: وإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقد الشركة. قال: وهذه شركة ملك لما بينا أن العروض لا تصلح رأس مال الشركة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مختصره. م: (فإذا أرادا الشركة بالعروض باع كل منهما نصف ماله بنصف مال الآخر ثم عقد الشركة) ش: هذه حيلة في تجويز عقد الشركة بالعروض توسعة على الناس، وقوله باع كل واحد منهما إلى آخره، صورة هذه الشركة إذا باع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر صار نصف مال واحد منهما مضمونًا على الآخر بالثمن، فيكون الربح الحاصل ربح ماله مضمون، فيكون العقد صحيحًا.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهذه شركة ملك لما بينا أن العروض لا تصلح رأس مال الشركة) ش: وفي الكاكي هذا مشكل لأن ذلك يحصل بمجرد البيع فلا يحتاج إلى قوله ثم عقد الشركة إلا أن يقال أراد بقوله عقد الشركة أي شركة ملك وفيه بعد.
وقال الأترازي: ظاهر كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن هذا شركة العقد لا شركة الملك لأنه قال ثم عقد الشركة.
وقال صاحب " النهاية " وهذه شركة ملك، وهذا عجيب منه وبعيد وقوله عن مثله قضاء تحقيقًا، وملخص النص ما ذكره في " المبسوط " ولو كان لأحدهما عروض وللآخر دراهم فباع هذا نصف العروض بنصف تلك الدراهم وتقابضا واشتركا شركة أو معاوضة جاز والحق العنان والمعاوضة في هذه الشركة وهما من شركة العقود.
لأنه شركة الملك وملخص التحقيق أن العروض إنما لا تصلح رأس المال الشركة قبل البيع لأنه يقتضي ربح ما لا يضمن بخلاف ما إذا كان بعد البيع على الوجه المذكور الربح فيه يحصل من مال مضمون كما ذكرناه.
وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قال شيخي العلامة عدم جواز الشركة بالعروض كناية عن معنيين أحدهما: ربح مال يضمن كما بينا.
والثاني حرما له رأس المال، فإذا باع أحدهما نصف عرضه بنصف عرض عن الآخر ثم عقد الشركة فقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي يجوز، واختاره شيخ الإسلام وصاحب " الذخيرة " وصاحب " شرح الطحاوي " والمزني من أصحاب الشافعي لأن رأس المال صار معلومًا، وصار نصف مال كل منهما بالبيع مضمومًا على صاحبه بالثمن، فكان الربح الحاصل في ماليهما ربح مال مضمون عليهما فيجوز.
ثم قال الكاكي ثم المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اختار عدم الجواز وعدم ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروي ما علله وقال وهو نظير ما ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويستحب للمتأخر

(7/395)


وتأويله إذا كانت قيمة متاعهما على السواء، ولو كانت بينهما تفاوت بيع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة.
قال: وأما شركة العنان فتنعقد على الوكالة دون الكفالة وهي أن يشترك اثنان في نوع بز أو طعام أو يشرك في عموم التجارات. ولا يذكرن الكفالة وانعقاده على الوكالة لتحقق مقصوده كما بيناه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن ينوي الطهارة ثم عدم المصنف بقوله فالنية والوضوء سنة، وله في هذا الكتاب نظائر كثيرة. انتهى.
قلت: قد طول الشراح هنا كلامهم، والأحسن أن يقال: إن صاحب القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - اختار ما ذكره واختار صاحب " الهداية " ما ذكره وليس فيه اعتراض لأحدهما على الآخر ولا لغيرهما اعتراض عليها فافهم.
م: (وتأويله) ش: أي تأويل ما قاله القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " من بيع نصف عرض أحدهما بنصف عرض الآخر. م: (إذا كانت قيمة متاعيهما على السواء. ولو كانت بينهما) ش: أي بين متاعيهما. م: (تفاوت بيع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة) ش: مثل أن تكون قيمة عرض أحدهما أربعمائة وقيمة عرض الآخر مائة يبيع صاحب الأقل أربعة أخماس عرضه بخمس عرض آخر، فيكون الربح الحاصل في المالين ربح مال مضمون على كل واحد منهما فيطيب ويصير المتاع كله أخماسًا ويكون الربح بينهما على قدر رأس ماليهما.

[صورة شركة العنان]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (وأما شركة العنان) ش: وهذا عطف على قوله فأما شركة المفاوضة في أوائل الكتاب. م: (فتنعقد على الوكالة دون الكفالة) ش: ويجيء بيانه عن قريب.
م: (وهي) ش: أي شركة العنان أي صورتها. م: (أن يشترك اثنان في نوع بز) ش: بفتح الباء الموحدة وتشديد الزاء، قال ابن دريد: البز متاع البيت من الثياب خاصة، وعن الليث ضرب من الثياب ومنه البز متاع جاريته إذا جوزها من الثياب.
وعن ابن الرنسباري رجل حبس البز أي الثياب، وعن الجوهري وهو من الثياب، وقال في " السير الكبير " عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز، ويقال البزاز لبائعه، والبز حرفته، والبز بكسر الباء كقولهم رجل حسن البزة.
م: (أو طعام) ش: أي أو اشتركا في طعام أي حنطة. م: (أو يشترك في عموم التجارات) ش: عطف على قوله أن يشترك. م: (ولا يذكرن الكفالة) ش: أي في العقد. م: (وانعقاده) ش: أي انعقاد عقد شركة العنان. م: (على الوكالة لتحقق مقصوده) ش: أي لتحقق المقصود من العقد وهو التصرف في مال الغير فلا يكون ذلك إلا بالوكالة عند عدم الوكالة. م: (كما بيناه) ش: أي فيما مضى في

(7/396)


ولا ينعقد على الكفالة لأن اللفظ مشتق من الأعراض يقال عن له أي عرض وهذا لا ينبئ عن الكفالة، وحكم التصرف لا يثبت بخلاف مقتضى اللفظ. ويصح التفاضل في المال للحاجة إليه، وليس من قضية اللفظ المساواة ويصح أن يتساويا في المال ويتفاضلا في الربح، وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أول الكتاب من قوله وشرطه أن يكون التصرف المقصود عليه عقد الشركة قابلًا للوكالة ليكون ما استفاد بالتصرف مشتركًا بينهما فيتحقق حكمه المطلوب له.
م: (ولا ينعقد على الكفالة) ش: أي لا تنعقد شركة العنان على الكفالة بأن لا يكون كل واحد منهما كفيلًا عن الآخر. م: (لأن اللفظ) ش: أي لفظ العنان. م: (مشتق من الأعراض) ش: أراد بالاشتقاق من جهة المعنى لا من جهة اللفظ؛ لأن لفظ العنان غير مشتق يجب الاصطلاح من الأعراض بل من حيث المعنى.
ولهذا قال. م: (يقال عن له أي عرض) ش: يقال كذا أي عرض؛ قال امرؤ القيس:
فعن لنا سرب كأن نعاجه
معناه ظهر لنا قطيع من بقر الوحش. وقال ابن المكسر كأنه عن لهما شيء فاشتركا فيه، وقال بعض أهل اللغة هذا شيء أخذ به أهل الكوفة ولم يتكلم به العرب، وليس كذلك بما ذكرنا من شعر امرئ القيس.
وقيل هذا مأخوذ من عنان الفرس كما ذهب إليه النسائي والأصمعي إذ كل منهما جعلا عنان التصرف في بعض ماله إلى صاحبه، أو لأنه يجوز أن مقارنًا في المال والربح، كما يتفاوت العنان في يد الراكب حالة المد والادخار، كذا في " المبسوط " و" الإيضاح ".
م: (وهذا) ش: أي معنى العنان. م: (لا ينبئ عن الكفالة) ش: أي لا يفهم منه معنى الكفالة فلا ينعقد عليها. م: (وحكم التصرف لا يثبت بخلاف مقتضى اللفظ) ش: أي حكم التصرف في اللفظ لا يثبت بخلاف ما يقتضيه ذلك اللفظ، فلفظ العنان لا يدل على معنى الكفالة فلا يتضمنها. م: (ويصح التفاضل في المال للحاجة إليه) ش: لأنه لا يقتضي المساواة فجاز التفاضل، وهو معنى قوله. م: (وليس من قضية اللفظ المساواة) ش: أي ليس من مقتضى لفظ العنان المساواة مثل المفاوضة.
م: (ويصح أن يتساويا) ش: أي الشريكان شركة العنان. م: (في المال ويتفاضلا في الربح) ش: وبه قال أحمد. م: (وقال زفر والشافعي: لا يجوز) ش: وبه قال مالك.
وفي " فتاوى قاضي خان " لو شرط المساواة في الربح أو شرطا لأحدهما فضل ربح أي شرطا العمل عليها كان الربح بينهما على ما شرطا عملًا جميعًا أو عمل أحدهما وإن شرطا العمل على أقليهما ربحًا لا يجوز في " الذخيرة ".

(7/397)


لأن التفاضل فيه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن، فإن المال إذا كان نصفين والربح أثلاثا فصاحب الزيادة يستحقها بلا ضمان إذ الضمان بقدر رأس المال، ولأن الشركة عندهما في الربح للشركة في الأصل لهذا يشترطان الخلط، فصار ربح المال بمنزلة نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الربح ما على شرطا والوضيعة على قدر المالين، ولم يفصل، ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة. وقد يكون أحدهما أحذق وأهدى وأكثر عملا وأقوى، فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأصل أن في هذه الشركة حقوق العقد ترجع إلى العاقد لا غير، وإذا شرطا في هذه الشركة العمل وشرطا التفاوت في الربح مع التساوي في المال جاز عند علمائنا الثلاثة.
م: (لأن التفاضل فيه) ش: أي في الربح. م: (يؤدي إلى ربح ما لم يضمن) ش: وهو لا يجوز. م: (فإن المال إذا كان نصفين والربح أثلاثًا) ش: أي وكان الربح أثلاثًا. م: (فصاحب الزيادة يستحقها بلا ضمان إذ الضمان بقدر رأس المال) ش: ولهذا يصح الشرط معه على هذا الوجه. م: (ولأن عقد الشركة عندهما) ش: أي عند زفر والشافعي. م: (في الربح للشركة في الأصل يشترطان الخلط) ش: في المالين حتى لو لم يخلطا رأس مالهما لا تثبت الشركة عندهما. م: (فصار ربح المال بمنزلة نماء الأعيان فيستحق بقدر الملك في الأصل، ولنا قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: (الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر المالين) ش: هذا غريب جدًا وليس له أصل، ويوجد في بعض كتب الأصحاب من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وعن هذا قال الأترازي: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الربح على ما اشترط العاقدان والوضيعة على قدر المال، وكذا قال أكثر الشراح. م: (ولم يفصل) ش: يعني بين التساوي والتفاضل، وفي بعض النسخ من غير فصل. م: (ولأن الربح كما يستحق بالمال يستحق بالعمل كما في المضاربة) ش: أي كما يستحق بالعمل في المضاربة.
فإن قيل: في المضاربة لو شرطا العمل على رب المال تفسد العقود وهاهنا لا يفسد، فكيف جواز إلحاقه بالمضاربة؟
قلنا: المضاربة أمانة، وتمام الأمانة تقف على التخلية فإذا شرط على رب المال لم توجد التخلية، أما هاهنا فكل واحد كالأجير من مال الآخر فشرطه على رب المال لا يبطل العقد، فإن من استأجر أجيرًا لنفسه على العمل جاز. كذا في " الإيضاح ".
م: (وقد يكون أحدهما) ش: أي أحد شريكي العنان. م: (أحذق) ش: بالحاء المهملة والذال المعجمة أي أنفس في أسماء المالية. م: (وأهدى) ش: إلى طريق الصواب في تصرفاته. م: (وأكثر عملًا وأقوى) ش: في عمله من صاحبه. م: (فلا يرضى بالمساواة فمست الحاجة إلى التفاضل) ش:

(7/398)


بخلاف اشتراط جميع الربح لأحدهما؛ لأنه يخرج العقد به من الشركة ومن المضاربة أيضا إلى قرض باشتراطه للعامل أو إلى بضاعة باشتراطه لرب المال،
وهذا العقد يشبه المضاربة من حيث إنه يعمل في مال الشريك ويشبه الشركة اسما وعملا فإنهما يعملان فعملنا بشبه المضاربة، وقلنا يصح اشتراط الربح من غير ضمان وبشبه الشركة. حتى لا يبطل باشتراط العمل عليهما. قال ويجوز أن يعقدها كل واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيجوز كذلك. م: (بخلاف اشتراط جميع الربح لأحدهما) ش: هذا جواب عما يقال إذا شرط جميع الربح لأحدهما لا يجوز، فكذا إذا شرط الفضل.
والجامع القول بالربح عن العيط على قدر المال، وتقدير الجواب هو قوله. م: (لأنه) ش: أي لأن اشتراط الربح أحدهما. م: (يخرج العقد به) ش: أي باشتراط الربح لأحدهما. م: (من الشركة) ش: لأن الشركة هي أن يكون الربح مشتركًا.
م: (ومن المضاربة أيضًا) ش: أي ويخرج باشتراط جميع الربح لأحدهما من عقد المضاربة أيضًا. م: (إلى قرض) ش: يتعلق بقوله يخرج العقد به أراد أن اشتراط الربح أحدهما إن كان للعامل فيكون قرضًا، وهو معنى قوله إلى قرض. م: (باشتراطه) ش: أي باشتراط الربح. م: (للعامل أو إلى بضاعة) ش: أي أو يخرج العقد باشتراط الربح لأحدهما إلى بضاعة يعني يصير بضاعة إن كان هو رب المال.
وهو معنى قوله إلى بضاعة. م: (باشتراطه لرب المال) ش: ويخرج عن كونه شرطة لأنه إما أن يكون قرضًا وإما أن يكون بضاعة.

م: (وهذا العقد يشبه المضاربة) ش: هذا جواب لقول زفر والشافعي - رحمهما الله - إن التفاضل في الربح مع التساوي في المال يؤدي إلى ربح ما لم يضمن بطريق التسليم بيانه أن هذا العقد أي شركة العنان تشبه المضاربة. م: (من حيث إنه يعمل في مال الشريك) ش: لأنه يحل لواحد منهما [أن] يعمل في مال صاحبه كالمضارب يعمل في مال رب المال.
م: (ويشبه الشركة) ش: أي شركة المفاوضة. م: (اسمًا) ش: أي من حيث الاسم؛ لأن كل واحد من العنان والمفاوضة يسمى شركة. م: (وعملًا) ش: أي من حيث العمل. م: (فإنهما يعملان) ش: لأن شريك العنان يعمل في نصيب صاحبه كالمفاوضة فصار لهما شبهان شبه المضاربة وشبه بالشركة المفاوضة. م: (فعملنا بشبه المضاربة وقلنا يصح اشتراط الربح من غير ضمان وبشبه الشركة) ش: أي عملها يشبه شركة المفاوضة.
م: (حتى لا يبطل باشتراط العمل عليهما) ش: أي على الشريكين. م: (قال) ش: أي القدوري في " مختصره ". م: (ويجوز أن يعقدها) ش: أي أن يعقد شركة العنان. م: (كل واحد منهما) ش: أي

(7/399)


ببعض ماله دون البعض لأن المساواة في المال ليس يشترط فيه إذ اللفظ لا يقتضيه، ولا يصح إلا بما بينا أن المفاوضة تصح للوجه الذي ذكرناه، ويجوز أن يشتركا، من جهة أحدهما دنانير ومن الآخر دراهم. وكذا من أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود. وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وهذا بناء على اشتراط الخلط وعدمه فإنه عندهما شرط، ولا يتحقق ذلك في مختلفي الجنس، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى.
قال وما اشتراه كل واحد منهما للشركة طولب بثمنه دون الآخر لما بينا أنه يتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل في الحقوق. قال ثم يرجع على شريكه بحصته منه معناه إذا أدى من مال نفسه لأنه وكيل من جهته في حصته فإذا نقد من مال نفسه رجع عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الشريكين. م: (ببعض ماله دون البعض) ش: بأن يكون مال آخر مما يجوز عليه الشركة سوى المال الذي اشتركا فيه. م: (لأن المساواة في المال ليست بشرط فيه) ش: أي في العنان. م: (إذ اللفظ) ش: أي لفظ العنان. م: (لا يقتضيه) ش: أي لا يقتضي المساواة بتأويل الاستواء بخلاف لفظ المفاوضة. م: (ولا يصح) ش: أي شركة العنان. م: (إلا بما بينا) ش: عند قوله ولا تنعقد الشركة إلا بالدراهم والدنانير والفلوس النافقة، ولا تصح بالعروض. م: (أن المفاوضة تصح للوجه الذي ذكرناه) ش: يعني ما ذكره في أول هذا الفصل أنه يؤدي إلى ربح ما لم يضمن. م: (ويجوز أن يشتركا، من جهة أحدهما دنانير ومن الآخر دراهم) ش: لفظ القدوري.
وقال المصنف. م: (وكذا من أحدهما دراهم بيض ومن الآخر سود) ش: وفي " الأسرار " وكذا الصحاح والكبيرة. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا يجوز وهذا بناء) ش: أي هذا الخلاف مبني. م: (على اشتراط الخلط وعدمه فإنه عندهما) ش: أي عند زفر والشافعي - رحمهما الله - الخلط. م: (شرط، ولا يتحقق ذلك) ش: أي الخلط. م: (في مختلفي الجنس) ش: لأن الدراهم والدنانير مالان لا يختلطان. م: (وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى) ش: أي سنبين أشياء الخلط في جواز الشركة عند زفر والشافعي - رحمهما الله - وعدم اشتراطه عندنا عند قوله وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال.

م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وما اشتراه كل واحد منهما) ش: أي من الشريكين العنان. م: (للشركة) ش: أي لأجل الشركة. م: (طولب) ش: أي الذي اشتراه. م: (بثمنه) ش: أي بثمن الذي اشتراه. م: (دون الآخر) ش: أي الشريك الآخر، أي لا يطالب به. م: (لما بينا) ش: فيما مضى. م: (أنه) ش: أي إن العنان. م: (يتضمن الوكالة دون الكفالة، والوكيل هو الأصل في الحقوق) ش: يعني هو الطالب فيها. م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ثم يرجع) ش: أي الذي اشتراه. م: (على شريكه بحصته منه) ش: أي من الثمن. م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري. م: (إذا أدى من مال نفسه لأنه وكيل من جهته في حصته) ش: أي في حصة صاحبه. م: (فإذا نقد من مال نفسه رجع عليه) ش: أي

(7/400)


فإن كان لا يعرف ذلك إلا بقوله فعليه الحجة لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر، وهو منكر. والقول للمنكر مع يمينه.
قال وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئا بطلت الشركة لأن المعقود عليه في عقد الشركة المال فإنه يتعين فيه كما في الهبة والوصية وبهلاك المعقود عليه يبطل العقد كما في البيع بخلاف المضاربة والوكالة المفردة؛ لأنه لا يتعين الثمنان فيهما بالتعيين، وإنما يتعينان بالقبض على ما عرف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على شريكه. م: (فإن كان لا يعرف ذلك إلا بقوله) ش: يعني إذا لم يعرف أنه أدى الثمن من مال نفسه أو من مال الشركة إلا بقوله. م: (فعليه الحجة) ش: أي فعليه إقامة البينة. م: (لأنه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر، وهو منكر) ش: أي والآخر منكر. م: (والقول للمنكر مع يمينه) ش: بالنص.

[هلك مال الشركة أو أحد المالين قبل أن يشتريا شيئًا]
م: (قال) ش: أي القدوري في " مختصره ". م: (وإذا هلك مال الشركة أو أحد المالين) ش: أي أو هلك أحد المالين. م: (قبل أن يشتريا شيئًا بطلت الشركة لأن المعقود عليه في عقد الشركة المال) ش: أي المعقود عليه هو المال فإذا فات المعقود عليه لا يبقى العقد كما في البيع. م: (فإنه) ش: أي فإن المال. م: (يتعين فيه) ش: أي في عقد الشركة، وإن كان لا يتعين في سائر المعاوضات عندنا خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. م: (كما يتعين) ش: أي المال. م: (في الهبة والوصية) ش: والوديعة أيضًا.
م: (وبهلاك المعقود عليه يبطل العقد كما في البيع) ش: أي كما يبطل في البيع لأن الركن فيه هو المال. م: (بخلاف المضاربة والوكالة المفردة) ش: احترز بالمفردة عن الوكالة الثابتة في ضمن عقد الشركة وفي ضمن عقد الرهن؛ لأن المعقود يتعين فيهما. م: (لأنه) ش: أي لأن الثمنين. م: (لا يتعين الثمنان) ش: أراد بهما الدراهم والدنانير. م: (فيهما) ش: أي المضاربة والوكالة المفردة. م: (بالتعيين وإنما يتعينان بالقبض على ما عرف) ش: في موضعه، والوكالة المفردة، فمن وكل رجلًا بشراء عبد دفع إليه دراهم فهلك فإنها لا تبطل.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فيه نظر؛ لأن المعقود يتعين في المضاربة والشركة جميعًا قبل القبض والتسليم حتى إذا هلك قبل التسليم بطلت نص عليه، وفي الزيادات بخلاف الوكالة فإن النقود فيها لا تتعين قبل التسليم. أما بعد التسليم ففي نفسها اختلاف المشايخ، فقال بعضهم: تتعين فيها النقود، وقال بعضهم: لا تتعين. وقال شيخي العلاء: الذي ذكره في الزيادات من اشتراط قبض رأس المال في المضاربة محمول على عقد المضاربة بالتعاطي وهو أن يقول رب المال للمضارب خذ هذا المال مضاربة بالنصف فإن المضاربة رب لو لم تعرف تبطل المضاربة، وهذا يرد نظر الأترازي.

(7/401)


وهذا ظاهر فيما إذا هلك المالان، وكذا إذا هلك أحدهما لأنه ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا ليشركه في ماله، فإذا فات ذلك لم يكن راضيا بشركته فيبطل العقد لعدم فائدته أيهما هلك من مال صاحبه إن هلك في يده فظاهر، وكذا إذا كان هلك في يد الآخر؛ لأنه أمانة في يده بخلاف ما بعد الخلط حيث يهلك على الشركة؛ لأنه لا يتميز فيجعل الهلاك من المالين. وإن اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا؛ لأن الملك حين وقع مشتركا بينهما لقيام الشركة وقت الشراء، فلا يتغير الحكم بهلاك مال الآخر بعد ذلك، ثم الشركة شركة عقد عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا للحسن بن زياد، حتى إن أيهما باع جاز بيعه لأن الشركة قد تمت في المشترى، فلا تنتقض بهلاك المال بعد تمامها. قال ويرجع على شريكه بحصة من ثمنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا ظاهر) ش: أي بطلان الشركة ظاهر. م: (فيما إذا هلك المالان) ش: لفوات المعقود عليه. م: (كذا إذا هلك أحدهما) ش: أي أحد المالين.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشريك الذي لم يهلك ماله. م: (ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا ليشركه في ماله، فإذا فات ذلك لم يكن راضيًا بشركته فيبطل العقد لعدم فائدته) ش: أي فائدة العقد. م: (وأيهما) ش: أي المالين. م: (هلك من مال صاحبه إن هلك في يده فظاهر) ش: وإن هلك في يد صاحبه فكذلك، وهو معنى قوله: م: (وكذا إذا كان) ش: أي الهالك. م: (هلك في يد الآخر؛ لأنه أمانة في يده) ش: ولا ضمان على الأمين. م: (بخلاف ما بعد الخلط) ش: أي بخلاف ما إذا كان هلاك المال ما بعد الخلط. م: (حيث يهلك على الشركة؛ لأنه لا يتميز فيجعل الهلاك من المالين) .
ش: وفي بعض النسخ: فيجعل الهلاك من المالين أي يجعل الهلاك هلاكًا من المالين. م: (وإن اشترى أحدهما) ش: أي أحد الشريكين. م: (بماله وهلك مال الآخر قبل الشراء فالمشترى بينهما على ما شرطا؛ لأن الملك حين وقع مشتركًا بينهما لقيام الشركة وقت الشراء، فلا يتغير الحكم) ش: أي حكم الملك. م: (بهلاك مال الآخر بعد ذلك، ثم الشركة شركة عقد عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافًا للحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: فإن عنده شركة ملك وفائدة هذا الخلاف تظهر في قوله. م: (حتى إن أيهما باع جاز بيعه) ش: عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ولا يجوز عند الحسن أن يتصرف في نصيب الآخر لأنه شركة ملك، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - شركة عقد. م: (لأن الشركة قد تمت في المشترى، فلا تنتقض بهلاك المال بعد تمامها) ش: فجاز تصرف كل منهما في نصيب الآخر.
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ويرجع على شريكه بحصة من ثمنه) ش: أي بحصة الشريك

(7/402)


لأنه اشترى نصفه بوكالته ونقد الثمن من مال نفسه وقد بيناه هذا إذا اشترى أحدهما بأحد المالين أولا ثم هلك مال الآخر، أما إذا هلك مال أحدهما ثم اشترى الآخر بمال الآخر إن صرحا بالوكالة في عقد الشركة، فالمشترى مشترك بينهما على ما شرطا لأن الشركة إن بطلت فالوكالة المصرح بها قائمة، فكان مشتركا بحكم الوكالة وتكون شركة ملك ويرجع على شريكه بحصته من الثمن لما بيناه، وإن ذكرا مجرد الشركة ولم ينص على الوكالة فيها كان المشترى للذي اشتراه خاصة لأن الوقوع على الشركة حكم الوكالة التي تضمنتها الشركة حتى إذا بطلت يبطل ما في ضمنها بخلاف ما إذا صرح بالوكالة لأنها مقصودة.
قال وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال، وقال زفر والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز لأن الربح فرع المال ولا يقع الفرع على الشركة إلا بعد الشركة في الأصل وإنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثمن المشتري، وذلك. م: (لأنه اشترى نصفه) ش: وهو حصة الشريك. م: (بوكالته ونقد الثمن من مال نفسه) ش: والوكيل إذا قضى الثمن من مال نفسه يرجع على الموكل، فكذا هنا.
م: (وقد بيناه) ش: أي عند قوله إذا أدى من مال نفسه. م: (هذا) ش: أي هذا الذي قلنا فيها.
م: (إذا اشترى أحدهما بأحد المالين أولًا ثم هلك المال الآخر) ش: بالرفع صفة للمال، وفي بعض النسخ في مال الآخر، أي الشريك الآخر. م: (أما إذا هلك مال أحدهما) ش: أي أحد المالين. م: (ثم اشترى الآخر بمال الآخر إن صرحا بالوكالة في عقد الشركة فالمشترى مشترك بينهما على ما شرطا لأن الشركة إن بطلت فالوكالة المصرح بها قائمة، فكان مشتركًا بحكم الوكالة) ش: المقصودة لا بحكم عقد الشركة. م: (وتكون شركة ملك) ش: لا فلوس، لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر إلا بإذنه؛ لأن الملك بالوكالة، والوكيل لا يتصرف في المشترى بدون إذن الوكيل فكذا هذا.
م: (ويرجع على شريكه بحصته من الثمن لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله لأنه وكيل من جهته. م: (وإن ذكرا مجرد الشركة ولم ينص على الوكالة فيها) ش: أي في الشركة. م: (كان المشترى للذي اشتراه خاصة؛ لأن الوقوع على الشركة حكم الوكالة التي تضمنتها الشركة فإذا بطلت يبطل ما في ضمنها) ش: أي فإذا بطلت الشركة بطلت الوكالة البائعة في عقد الشركة أيضًا. م: (بخلاف ما إذا صرح بالوكالة؛ لأنها مقصودة) ش: أي لأن الوكالة مقصودة، فيكون المشترى بينهما بحكم الوكالة المقصودة.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال) ش: وبه قال أحمد ومالك - رحمهما الله - إلا أن مالكًا شرط أن تكون أيديهما عليه بأن يجعل في حانوت لهما أو في يد وكيل لها. م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز لأن الربح فرع المال ولا يقع الفرع على الشركة إلا بعد الشركة في الأصل) ش: الذي هو المال. م: (وإنه) ش: أي وإن الشركة على

(7/403)


بالخلط، وهذا لأن المحل هو المال، ولهذا يضاف إليه ويشترط تعين رأس المال بخلاف المضاربة؛ لأنها ليست بشركة وإنما هو يعمل لرب المال فيستحق الربح على عمالة عمله، أما هنا بخلافه، وهذا أصل كبير لهما حتى يعتبر اتحاد الجنس ويشترط الخلط ولا يجوز التفاضل في الربح مع التساوي في المال ولا تجوز شركة التقبل والأعمال لانعدام المال. ولنا أن الشركة في الربح مستندة إلى العقد دون المال لأن العقد يسمى شركة. فلا بد من تحقق معنى هذا الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تأويل الاشتراك إنما يكون. م: (بالخلط) ش: لأن الشركة عبارة عن الاختلاط.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى قوله لأن الربح على المال يعني وإنما قلنا إن الربح فرع المال. م: (لأن المحل) ش: أي محلًا للشركة. م: (هو المال، ولهذا يضاف إليه) ش: يقال عقد شركة المال. م: (ويشترط تعيين رأس المال) ش: فتكون الشركة في الثمرة مسندة إلى المال. م: (بخلاف المضاربة) ش: فإنها تصح بدون الخلط. م: (لأنها ليست بشركة وإنما هو) ش: أي المضارب. م: (يعمل لرب المال فيستحق الربح على عمالة عمله، أما هنا بخلافه) ش: بالإضافة قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نصب بنزع الخافض أي من عمالة عمله وهي أجرة العمل، وفي نسخة شيخي العلاء عمالة على عمله، وفسر العمالة بالجهالة، وكون العمالة منصوبًا بنزع الخافض، ليس له وجه على ما لا يخفى لا وجه أن يكون منصوبًا على التعليل أي لأجل عمالة على عمله.
م: (وهذا أصل كبير) ش: إشارة إلى قوله لأن الربح فرع المال. م: (لهما) ش: أي لزفر والشافعي - رحمهما الله -، ثم أوضح كون هذا أصلًا كبيرًا عندهما - رحمهما الله - بقوله. م: (حتى يعتبر اتحاد الجنس) ش: يعني بناء على أصلهما ذلك، فإنه إذا كان رأس مال أحدهما دراهم، والآخر دنانير فإنه تنعقد الشركة بينهما صحيحة عندنا، خلافًا لزفر والشافعي - رحمهما الله -. م: (ويشترط الخلط) ش: عندهما. م: (ولا يجوز التفاضل في الربح مع التساوي في المال) ش: هذا أيضًا على أصلهما. م: (ولا تجوز شركة التقبل والأعمال لانعدام المال) ش: هذا أيضًا على أصلهما. م: (ولنا أن الشركة في الربح مستندة إلى العقد دون المال) ش: وكل ما هو مسند إليه هو الأصل.
م: (لأن العقد يسمى شركة) ش: لا المال. م: (فلا بد من تحقق معنى هذا الاسم فيه) ش: أي اسم الشركة في العقد إذا كان الأصل هو العقد وهو موجود يثبت الحكم في الفرع وهو الربح. م: (فلم يكن الخلط شرطًا) ش: لأن الشركة حصلت في الأصل وهو العقد بلا خلط، وحصلت في الفرع وهو الربح الذي استعيد من العقد فلم يكن اتحاد الجنس شرطًا ولا الخلط ولا التساوي في الربح على ما يجيء.

(7/404)


ولأن الدراهم والدنانير لا يتعينان، فلا يستفاد الربح برأس المال، وإنما يستفاد بالتصرف؛ لأنه في النصف أصيل وفي النصف وكيل، وإذا تحققت الشركة في التصرف بدون الخلط تحققت في المستفاد به وهو الربح بدونه، وصار كالمضاربة فلا يشترط اتحاد الجنس والتساوي في الربح، وتصح شركة التقبل. قال ولا تجوز الشركة إذا شرط لأحدهما دراهم مسماة من الربح لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة فعساه لا يخرج إلا قدر المسمى لأحدهما ونظيره في المزارعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأن الدراهم والدنانير لا يتعينان) ش: هذا دليل ثان هو كالشرح للدليل الأول، ومعنى لا يتعينان في الشراء لا في الشركة، أي لا يتعينان في حق الاستحقاق إذا وجد الشراء بهما، فإذا لم يتعينا. م: (فلا يستفاد الربح برأس المال وإنما يستفاد في التصرف لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الشريكين. م: (في النصف أصيل، وفي النصف وكيل) ش: لأن موجب العقد الوكالة فكان كل واحد منهما موكلًا للآخر في نصيبه فيصرف كل واحد منهما في مال الشركة في بعضه بطريق الأصالة، وفي بعضه بطريق الوكالة. وهذه الوكالة إنما تثبت في ضمن عقد الشركة فلذلك يضاف الربح الحال إلى العقد؛ لأن الحكم كما يضاف إلى العلة يضاف إلى علة العلة فكان الربح مستندًا إلى العقد بهذا الطريق لا إلى المال كما قالا.
م: (وإذا تحققت الشركة في التصرف بدون الخلط تحققت في المستفاد به) ش: أي بالتصرف. م: (وهو الربح بدونه) ش: أي المستفاد وهو الربح بدون الخلط. م: (وصار كالمضاربة) ش: أي صار عقد الشركة كالمضاربة يعني أن الربح في المضاربة مستحق بلا شركة في أصل المال فكذلك في عقد الشركة فلم ينزل من الاشتراك في الربح الاشتراك في أصل المال. م: (فلا يشترط اتحاد الجنس) ش: يعني إذا كان عقد الشركة كالمضاربة فلا يشترط اتحاد جنس المال.
م: (والتساوي) ش: ولا يشترط التساوي يعني أن الربح في المضاربة مستحق بلا شركة في أصل المال، فكذلك في عقد الشركة فلم يزل من الاشتراك في الربح الاشتراك في أصل المال فلا يشترط اتحاد الجنس يعني إذا كان عقد الشركة كالمضاربة فلا يشترط اتحاد جنس المال والتساوي أو لا يشترط التساوي. م: (في الربح وتصح شركة التقبل) ش: وإن لم يوجد المال.
1 -
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ولا تجوز الشركة إذا شرط لأحدهما) ش: أي لأحد الشريكين. م: (دراهم مسماة من الربح لأنه شرط يوجب انقطاع الشركة فعساه) ش: أي لعله. م: (لا يخرج إلا قدر المسمى لأحدهما) ش: فيكون الربح لأحدهما خاصة وهو خلاف تقضي الشركة لأن مقتضاها الاشتراط في الربح لا اختصاص واحد منهما. م: (ونظيره في المزارعة) ش: أي نظير ما قالا من عدم جواز الشركة ثابت في المزارعة وهو ما إذا شرطا لأحدهما فقرأنا مسماه فهي باطلة لانقطاع الشركة في الخارج؛ إذ من شرط المزارعة أن يكون الخارج مشتركًا بينهما لأنها تنعقد شركة في الانتهاء.

(7/405)


قال: ولكل واحد من المفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال لأنه معتاد في عقد الشركة، ولأن له أن يستأجر على العمل والتحصيل بغير عوض دونه فيملكه وكذا له أن يودعه لأنه معتاد، ولا يجد التاجر منه بدا، قال ويدفعه مضاربة لأنها دون الشركة فيتضمنها، وعن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه ليس له ذلك لأنه نوع شركة، والأصح هو الأول وهو رواية الأصل لأن الشركة غير مقصودة وإنما المقصود تحصيل الربح، كما إذا استأجر بأجرة، بل أولى لأنه تحصيل بدون ضمان في ذمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولكل واحد من المفاوضين وشريكي العنان أن يبضع المال) ش: من الإبضاع يقال: أبضعته إذا رفعت له مالًا يعمل فيه. م: (لأنه) ش: أي لأنه الإبضاع. م: (معتاد في عقد الشركة، ولأن له أن يستأجر على العمل) ش: أي مستأجر أجيرًا على عمل يحصل منه الربح. م: (والتحصيل بغير عوض دونه) ش: أي دون الاستئجار.
م: (فيملكه) ش: أي فيملك التحصيل بغير عوض وهو الإبضاع وفيه تحصيل الربح بلا أجر فكان الاستئجار على من ملك إلا على ملك الأدنى. م: (وكذا له) ش: أي لأحد الشريكين. م: (أن يودعه) ش: أي يودع مال الشركة. م: (لأنه) ش: أي لأن الإيداع. م: (معتاد) ش: بين التجار. م: (ولا يجد التاجر منه) ش: أي من الإيداع. م: (بدًا) ش: أي انقطاعًا منه. م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويدفعه مضاربة) ش: قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ويدفعه بالنصب عطفًا على قوله أن يضع. م: (لأنها) ش: أي لأن المضاربة. م: (دون الشركة) ش: ألا ترى أن المضارب ليس عليه شيء من الوضيعة وأن المضاربة لو فسدت لم يكن للمضارب شيء من الربح، وهذا ظاهر الرواية.
م: (فيتضمنها، وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روى الحسن عنه. م: (أنه ليس له ذلك) ش: أي ليس له أن يدفع المال مضاربة. م: (لأنه نوع شركة) ش: وليس لأحد الشريكين أن يشارك مع غيره بمال الشركة، فكذا لا يدفعه مضاربة. م: (والأول أصح) ش: أي جواز الدفع مضاربة أصح. م: (وهو رواية الأصل) ش: أي " المبسوط ". م: (لأن الشركة غير مقصودة) ش: في المضاربة. م: (وإنما المقصود تحصيل الربح) ش: وهو ثابت بالمضاربة فيملكه أحد الشريكين.
م: (كما إذا استأجر) ش: أحد الشريكين أجيرًا. م: (بأجرة) ش: ليعمل فإنه يجوز قولًا واحدًا لأنه إذا عمل ولم يحصل الربح لا يجب على رب المال شيء. م: (بل أولى) ش: جواب إذا. م: (لأنه) ش: أي لأن عقد المضاربة. م: (تحصيل) ش: أي للربح. م: (بدون ضمان في ذمته) ش: أي في ذمة رب المال فكان أولى بالجواز، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز للشريك التصرف في نصيب صاحبه إلا بإذنه، وفي قوله إلا بتصريح في العهد العقد وفي الأظهر يجوز كقولنا م:

(7/406)


بخلاف الشركة حيث لا يملكها لأن الشيء لا يستتبع مثله. قال ويوكل من يتصرف فيه لأن التوكل بالبيع والشراء من توابع التجارة والشركة انعقدت للتجارة بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك أن يوكل غيره لأنه عقد خاص طلب منه تحصيل العين فلا يستتبع مثله.
قال ويده في المال يد أمانة؛ لأنه قبض المال بإذن المالك، لا على وجه البدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بخلاف الشركة حيث لا يملكها) ش: الشريك. م: (لأن الشيء لا يستتبع مثله) ش: إذ يلزم المحال منه وهو أن يكون مثل الشيء دونه فإن قيل: هذا منقوض بالمكاتب فإن له أن يكاتب عنده، وبالعبد المأذون، فإن له أن يأذن عبده، وباقتداء المفترض بالمفترض، وباقتداء المتنفل بالمتنفل، مع أن كل واحد منهما مثل الآخر والإمام يستتبع قومه في حق جواز الصلاة وفسادها ولأن المثل يرفع المثل كالنص الناسخ يرفع النص المنسوخ وهما مثلان.
الجواب في المكاتب والمأذون أنهما أطلقا في الكتب وأسبابه، وليس هذا من قبيل الاستيفاء بل من إثبات الكسب المطلق لهما.
وأما اقتداء المفترض بمثله فيجوز بالإجماع لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الإمام ضامن» ، ولأن صلاة المقتدي مبنية على صلاة الإمام جوازًا وقضاء بالحديث؛ لأن يكون صلاة تتبعه صلاة المقتدي، وأما الناسخ فهو رافع صورة يتعين معنى، فلم يكن رافعًا في الحقيقة، فلا يرد نقضًا.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ويوكل من يتصرف فيه) ش: بنصب يوكل عطفًا على قوله: أن يضع أي يوكل الشريك من يتصرف في مال الشركة. م: (لأن التوكيل بالبيع والشراء من توابع التجارة، والشركة انعقدت للتجارة) ش: للربح، وكل واحد من الشريكين ربما لا يبيعها له مباشرة تبعًا لها. م: (بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك) ش: بنفسه، فلا بد من التوكيل ثبت التوكيل في ضمن التجارة تبعًا لها بدلالة الحال، فصار كل منهما كأنه أمر صاحبه أن توكل بخلاف الوكيل بالشراء حيث لا يملك. م: (أن يوكل غيره لأنه) ش: أي التوكيل بالشراء. م: (عقد خاص طلب منه تحصيل العين) ش: أي لتحصيل شيء معين معلوم جنسه وصفته. م: (فلا يستتبع مثله) ش: لما ذكرنا أنه يلزم فيه المحال.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويده) ش: أي يد كل واحد من المفاوضين وشريكي العنان. م: (في المال يد أمانة) ش: حتى إذا هلك المال في يده هلك بلا ضمان. م: (لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل) ش: أي على وجه إعطاء البدل، واحترز به عن المقبوض على سوم الشراء؛ لأن المقبوض على سوم الشراء قبض لأجل أن يدفع الثمن.

(7/407)


والوثيقة فصار كالوديعة.
قال: وأما شركة الصنائع وتسمى شركة التقبل كالخياطين والصباغين يشتركان على أن يقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما، فيجوز ذلك، وهذا عندنا، وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز لأن هذه شركة لا يفيد مقصودهما وهو التثمير؛ لأنه لا بد من رأس المال، وهذا لأن الشركة في الربح تبتني على الشركة في المال على أصلهما على ما قررناه. ولنا أن المقصود منه التحصيل، وهو يمكن بالتوكيل لأنه لما كان وكيلا في النصف أصيلا في النصف تحققت الشركة في المال المستفاد، ولا يشترط فيه اتحاد العمل والمكان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والوثيقة) ش: أي على وجه الوثيقة، واحترز به عن الرهن فإن الرهن مقبوض لأجل الوثيقة؛ لأن الرهن مضمون بأقل من قيمته ومن الدين. م: (فكان كالوديعة) ش: في عدم وجوب الضمان.

[شركة الصنائع]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأما شركة الصنائع وتسمى شركة التقبل كالخياطين والصباغين يشتركان على أن يقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما، فيجوز ذلك، وهذا عندنا) ش: أي جواز هذه الشركة عند أصحابنا.
م: (وقال زفر والشافعي - رحمهما الله -: لا تجوز لأنها شركة لا تفيد مقصودهما) ش: أي مقصود الشريكين، وفي بعض النسخ مقصودها أي الشركة أضاف المقصود إلى الشركة، وإن كان المقصود للشريكين بأدنى بلا نسبة هو ملبس الشريكين فعقد الشركة. م: (وهو التثمير) ش: أي المقصود من التثمير وهو حصول الربح. م: (لأنه لا بد من رأس المال) ش: للتثمير. م: (وهذا) ش: أي قول الشافعي وزفر - رحمهما الله -: لا بد من رأس المال. م: (لأن الشركة في الربح تبتني على الشركة في المال على أصلهما) ش: أي على أصل زفر والشافعي - رحمهما الله -. م: (على ما قررناه) ش: أي عند قوله وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المال. م: (ولنا أن المقصود منه) ش: أي من عقد الشركة. م: (التحصيل) ش: أي تحصيل الربح.
م: (وهو) ش: أي تحصيل الربح. م: (يمكن بالتوكيل) ش: أي بتوكيل كل واحد من الشريكين صاحبا مقبول العمل. م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد منهما. م: (لما كان وكيلًا في النصف أصيلًا في النصف تحققت الشركة في المال المستفاد) ش: بعقد الشركة حينئذ، ثم إذا عمل فكل واحد مستحق فائدة عمله، وهو كسبه.
وإذا عمل أحدهما كان العامل معينًا لشريكه فيما لزمه بالتقبل فوقع عمله فكأن الشريك استعان بأجنبي حتى عمل، وهذا جائز لأن المشروط مطلق العمل لا عمل الصلح بنفسه، فإن القصار إذا استعان بغيره أو استأجر غيره حتى عملا يستحق القصار الأجر.
م: (ولا يشترط فيه) ش: أي في عقد شركة الصلح. م: (اتحاد العمل والمكان) ش: حتى إذا كان

(7/408)


خلافا لمالك وزفر - رحمهما الله - فيهما؛ لأن المعنى المجوز للشركة وهو ما ذكرناه لا يتفاوت. ولو شرط العمل نصفين والمال أثلاثا جاز، وفي القياس لا يجوز لأن الضمان بقدر العمل، فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن، فلم يجز العقد لتأديته إليه، وصار كشركة الوجوه، لكنا نقول: ما يأخذه لا يأخذه ربحا؛ لأن الربح عند اتحاد الجنس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحدهما قصارًا والآخر خياطًا أو قعدا في دكاكين جاز عندنا. م: (خلافًا لمالك وزفر - رحمهما الله - فيهما) ش: لأنه إذا كان العمل مختلفًا ففي كل واحد منهما عن عمل صاحبه الذي يتقبله؛ لأن ذلك ليس من صيغته فلا يحصل المقصود من الشركة.
ولنا ما قاله المصنف بقوله. م: (لأن المعنى المجوز للشركة وهو ما ذكرناه) ش: أشار إلى قوله ولنا أن المقصود منه التحصيل: وهو يمكن بالتوكيل. م: (لا يتفاوت) ش: خبر إن، أي لا يتفاوت باتحاد العمل والمكان أو اختلافهما فإن قيل قد تقدم أن من الفروع المرتبة على أصل زفر والشافعي - رحمهما الله - في مسألة الخلط أن شركة المستقبل لا تجوز فكيف يصح قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - مع مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في جوازها إذا كانت الأعمال منفعة، أجيب: بأن زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - له في هذه المسألة أعني الخلط قولان، فذكر المصنف في تلك المسألة حكم الرواية التي لا يشترط فيها، ولكن أطلق في اللفظ ولم يذكر اختلاف الروايتين فيرى ظاهره مناقضًا.
م: (ولو شرط العمل نصفين) ش: أي شرط الشريكان في شركة الفصل أن يكون العمل نصفين. م: والمال) ش: أي الربح الحاصل. م: أثلاثًا جاز) ش: استحسانًا. م: (وفي القياس لا يجوز) ش: وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن الضمان بقدر العلم) ش: أي الضمان في كل واحد منهما بقدر عمله، وعمله في النصف. م: (فالزيادة عليه) ش: أي على عمله في النصف.
م: (ربح ما لم يضمن) ش: لأنه يؤجل الزمان فيما زاد على النصف فيكون شرط فصل الربح ربح ما لم يضمن، وهو حرام لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. م: (فلم يجز العقد لتأديته) ش: أي لتأدية هذا العقد. م: (إليه) . ش: أي إلى ربح ما لم يضمن. م: (وصار كشركة الوجوه) ش: في أن التفاوت فيها في الربح لا يجوز إلا إذا كان المشترى بينهما على السواء.
وأما إذا شرطا التفاوت في ملك المشترى فيجوز التفاوت حينئذ في الربح في شركة الوجوه أيضًا.
م: (لكنا نقول) ش: بيان وجه الاستحسان. م: (ما يأخذه) ش: أي ما يأخذه كل من الشريكين. م: (لا يأخذه ربحًا) ش: أي حال كونه ربحًا. م: (لأن الربح عند اتحاد الجنس) ش: أي لأن الربح لا يكون إلا عند اتحاد الجنس.
ولهذا قالوا استأجر دارًا بعشرة دراهم ثم أجرها بثوب يساوي خمسة عشر جاز لما أن الربح

(7/409)


وقد اختلف لأن رأس المال عمل، والربح مال فكان بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم، فيتقدر بقدر ما قوم به فلا يحرم بخلاف شركة الوجوه؛ لأن جنس المال متفق
والربح يتحقق في الجنس المتفق، وربح ما لم يضمن لا يجوز إلا في المضاربة.
قال: وما يتقبله كل واحد منهما من العمل يلزمه ويلزم شريكه، حتى إن كل واحد منهما يطالب بالعمل ويطالب بالأجر ويبرأ الدافع بالدفع إليه، وهذا ظاهر في المفاوضة وفي غيرها استحسان، والقياس خلاف ذلك لأن الشركة وقعت مطلقة والكفالة تقتضي المفاوضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا يتحقق عند اختلاف الجنس، والجنس فيما نحن فيه لم يتحد.
م: (وقد اختلف لأن رأس المال عمل والربح مال، فكان) ش: أي ما يأخذه. م: (بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم) ش: فإذا ضيقا بقدر معنى كان ذلك مهمًا تقويمًا للعمل. م: (فيتقدر بقدر ما قوم به فلا يحرم) ش: لأنه لم يتأد إلا ربح ما لم يضمن. م: (بخلاف شركة الوجوه؛ لأن جنس المال متفق) ش: وهو الثمن الواجب في ذمتهما دراهم كانت أو دنانير.

م: (والربح يتحقق في الجنس المتفق وربح ما لم يضمن لا يجوز) ش: تقدير هذا الكلام لو جاز اشتراط زيادة الربح كان ربح ما لم يضمن وربح ما لم يضمن لا يجوز. م: (إلا في المضاربة) ش: أي جاز فيها لوقوعه بمعاملة العمل في جانب المضارب المال في جانب رب المال.
وليس واحد منهما في شركة الوجوه ولا الضمان بمقابلة الربح موجودًا فلزم ما لم يضمن فلا يجوز.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وما يتقبله كل واحد منهما) ش: أي من شريك التقبل. م: (من العمل يلزمه ويلزم شريكه حتى إن كل واحد من الشريكين يطالب بالعمل ويطالب بالأجر) ش: أي يطالب الأول بفتح اللام. م: (ويبرأ الدافع بالدفع إليه) ش: أي يبرأ الدافع الأجر إلى كل واحد من الشريكين.
وقال الكاكي: يجوز أن يراد بالدافع دافع الأجرة إليه، أي كل واحد منهما، وهو الظاهر، ويجوز أن يراد بالدافع كل منهما إليه، أي إلى صاحب الثوب يعني لو أخذ الثوب أحدهما للصبغ، ثم دفعه إلى صاحبه غير الذي أخذه يبرأ الآخذ من الضمان.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى لزوم العمل على كل واحد منهما وهو معنى الكفالة. م: (ظاهر في المفاوضة وفي غيرها) ش: وهو العنان. م: (استحسان، والقياس خلاف ذلك؛ لأن الشركة وقعت مطلقة) ش: عن ذكر الكفالة وليست الكفالة من مقتضاها حتى تثبت، وإن لم تذكر الكفالة بمقتضى المعاوضة بدون التصريح.
م: (والكفالة تقتضي المفاوضة) ش: فلا يثبت معها ما ليس من مقتضاها بدون التصريح بذكر

(7/410)


وجه الاستحسان أن هذه الشركة مقتضية للضمان ألا ترى أن ما تقبله كل واحد منهما من العمل مضمون على الآخر، ولهذا مستوجب الأجر يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه، فجرى مجرى المفاوضة في ضمان العمل واقتضاء البدل.
قال وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، فتصح الشركة على هذا سميت به؛ لأنه لا يشتري بالنسيئة إلا من كان له وجاهة عند الناس، وإنما تصح مفاوضة لأنه يمكن تحقيق الكفالة والوكالة في الإبدال، وإذا أطلقت تكون عنانا لأن مطلقه ينصرف إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وجه الاستحسان، أن هذه الشركة مقتضية للضمان، ألا ترى أن ما تقبله كل واحد منهما من العمل مضمون على الآخر، ولهذا) ش: أي لكون العمل مضمونًا. م: (مستوجب الأجر) ش: أي مستحق الأجر. م: (يستحق الأجر بسبب نفاذ تقبله عليه) ش: أي يقبل صاحبه عليه لو لم يكن مضمونًا عليه لما استحق الأجر.
لأن الغرم بالغنم، فإذا كان كذلك. م: (فجرى) ش: أي هذا العقد. م: (مجرى المفاوضة في ضمان العمل واقتضاء البدل) ش: وإنما قال يجريانه مجرى المفاوضة بهذين الشيئين؛ لأنه فيما عدا ذلك لم يجر هذا العقد مجراه، حتى قالوا إذا أقر أحدهما بدين من ثمن أشنان وصابون أو أجر أجير بيتًا لمرة مضت لم يصدق على صاحبه إلا ببينة ويلزمه خاصة؛ لأن التنصيص على مفاوضته لم يوجد، وبقاء الإقرار يوجب المفاوضة.

[المراد بشركة الوجوه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأما شركة الوجوه فالرجلان يشتركان ولا مال لهما على أن يشتريا بوجوههما) ش: يعني بوجاهتهما، وأمانتهما عند الناس فيبيع الناس فيهما السلعة بالنسبة لأمانتهما، وقال بعضهم: إنما سميت هذه الشركة شركة الوجوه لأنه ليس لهما مال ولا عمل فجلس كل واحد منهما ينظر إلى صاحبه.
م: (ويبيعا) ش: عطف على قوله أن يشتريا. م: (فتصح الشركة على هذا) ش: أي على كونهما مشتريين وجوهًا. م: (سميت به) ش: أي شركة الوجوه على تأويل العقد. م: (لأنه لا يشتري بالنسيئة إلا من كان له وجاهة عند الناس) ش: الوجه والجاه بمعنى واحد، يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه عند الناس. قال الله تعالى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] (الأحزاب: الآية 69) .
م: (وإنها) ش: أي شركة الوجوه. م: تصح مفاوضة) ش: إذا كان الرجلان من أهل الكفالة. م: (لأنه يمكن تحقيق الكفالة والوكالة في الإبدال) ش: أي الثمن فيكون ثمن المشترى على كل واحد منهما نصفه، ويكون المشترى بينهما نصفين، ولا بد من التلفظ بلفظ المفاوضة أو ما قام مقامه.
م: (وإذا أطلقت) ش: أي أن شركة الوجوه بحيث لم يذكر في الكفالة؛ إذ الوكالة. م: (تكون عنانًا؛ لأن مطلقه) ش: أي لأن مطلق عقد الشركة الصنائع. م: (ينصرف إليه) ش: أي إلى العنان،

(7/411)


وهي جائزة عندنا خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - والوجه من الجانبين ما قدمناه في شركتنا تقبل.
قال وكل واحد منهما وكيل الآخر فيما يشتريه لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو بولاية ولا ولاية فتعين الأول، فإن شرطا أن المشترى بينهما نصفان والربح كذلك يجوز ولا يجوز أن يتفاضلا فيه، وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثا فالربح كذلك وهذا لأن الربح لا يستحق إلا بالمال أو العمل أو بالضمان. فرب المال يستحقه بالمال والمضارب يستحقه بالعمل والأستاذ الذي يلقي العمل على تلميذه بالنصف بالضمان فلا يستحق بما سواها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لكون المعتاد بين الناس. م: (وهي) ش: أي شركة الضائع. م: جائزة عندنا) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (خلافًا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبقوله قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (والوجه من الجانبين) ش: أي من جانبنا وجانب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ما قدمناه في شركتنا تقبل) ش: وهو أن الربح عنده فرع المال، فإذا لم يعد المال لا تنعقد الشركة، وقلنا: إن الشركة في الربح مسندة إلى العقد شركة إلى آخره.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وكل واحد منهما) ش: أي من الشريكين. م: (وكيل الآخر فيما يشتريه؛ لأن التصرف على الغير لا يجوز إلا بوكالة أو بولاية، ولا ولاية فتعين الأول) ش: أي الوكالة.
م: (فإن شرطا) ش: أي الشريكان. م: (أن المشترى بينهما نصفان والربح كذلك) ش: يكون بينهما نصفين. م: (يجوز، ولا يجوز أن يتفاضلا فيه) ش: أي في الربح فإن شرط لأحدهما الفضل يبطل الشرط والربح بينهما على قدر ضمانهما.
م: (وإن شرطا أن يكون المشترى بينهما أثلاثًا فالربح كذلك) ش: أي يكون أثلاثًا يجعل لما ذكرنا، وهو إشارة إلى المساواة في اشتراط الربح. م: (وهذا لأن الربح لا يستحق إلا بالمال أو بالعمل أو بالضمان) ش: أشار بهذا إلى أن الاستحقاق يكون بأحد الأمور الثلاثة ثم أوضحها بقوله. م: (فرب المال يستحقه) ش: إلى الربح. م: (بالمال والمضارب يستحقه) ش: أي يستحق المضاربة الربح. م: (بالعمل والأستاذ الذي) ش: يحبس الرجل على دكانه وهو تلميذه الذي يعمل له بالأجر، وبعد ذلك. م: (يلقي العمل) ش: من الإلقاء. م: (على تلميذه) ش: الذي أجلسه على دكانه. م: (بالنصف) ش: يعني نصف الربح. م: (بالضمان) ش: يعني يطالب الأستاذ بتحصيل ذلك العمل فكان العمل مضمونًا على الأستاذ والقيد بالنصف اتفاقي فإنه يجوز أن يبلغ بأقل من النصف.
م: (فلا يستحق بما سواها) ش: أي فلا يستحق الربح بما سوى الثلاثة المذكورة، يعني الاستحقاق لا يكون إلا بواحد من الوجوه الثلاثة المذكورة دون غيرها، فإن قيل: لم لا يجوز أن يستحق الزيادة بزيادة اهتدائه ومتانة رأيه وتدبيره في الأمور العامة والخاصة، والعمل بالتجارة.

(7/412)


ألا ترى أن ما قال لغيره تصرف في مالك على أن لي ربحه لم يجز لعدم هذه المعاني، واستحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان على ما بينا، والضمان على قدر الملك في المشترى، فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، فلا يصح اشتراطه إلا في المضاربة. والوجوه ليست في معناها بخلاف العنان لأنه في معناها من حيث إن كل واحد منهما يعمل في مال صاحبه، فيلحق بها، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأن اشتراط الزيادة في الربح بزيادة العمل إنما تجوز إذا كان في مال معلوم كما في العنان أو المضاربة ولم يوجد هاهنا.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لقوله فلا يستحق بما سواها. م: (أن من قال لغيره: تصرف في مالك على أن لي ربحه لم يجز لعدم هذه المعاني) ش: الثانية المذكورة. م: (واستحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان) ش: هذا عود إلى البحث لإتمام المطلوب، يعني أن صورة النزاع استحقاق الربح فيها بالضمان لا بالمال ولا بالعمل.
م: (على ما بينا) ش: إشارة إلى ما ذكره في شركة التقبل بقوله: إن الضمان بقدر العمل فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن فلا يجوز العقد لتأديته إليه وصار شركة الوجوه، وقيل هذا إشارة إلى قوله بخلاف شركة الوجوه؛ لأن جنس المال متفق.. إلى آخره، والضمان على قدر الملك يقرر هذا أن استحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان.
م: (والضمان على قدر الملك في المشترى فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، فلا يصح اشتراطه إلا في المضاربة) ش: فإنه يصح منها لما ذكرنا من وجوه مقابلة بالمال والعمل والوجوه أي شركة. م: (والوجوه ليست في معناها) ش: لأن المال فيها مضمون على كل واحد من الشريكين.
وأما المال في المضاربة فليس بمضمون على المضارب ولا العمل على رب المال. م: (بخلاف العنان لأنه في معناها من حيث إن كل واحد منهما) ش: من شريكي العنان يعمل في مال صاحبه كالمضارب. م: (يعمل في مال صاحبه) ش: رب المال. م: (فيلحق بها، والله أعلم) ش: أي بالمضاربة.

(7/413)


فصل في الشركة الفاسدة ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد، وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وعلى هذا الاشتراك في أخذ كل شيء مباح لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة والتوكيل في أخذ المال المباح باطل لأن أمر الموكل به غير صحيح والوكيل يملكه بدون أمره، فلا يصلح نائبا عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الشركة الفاسدة]
م: (فصل في الشركة الفاسدة) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الشركة الفاسدة، وأخر الشركة الفاسدة لانحطاطها شرعًا. م: (ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه، وعلى هذا) ش: كله لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزاد المصنف عليه بقوله على هذا الحكم.
م: (الاشتراك) ش: الأخذ. م: (في أخذ كل شيء مباح) ش: كاحتباء الثمار من الجبال والبراري كالفستق والجوز واللوز وغير ذلك وطلب الكنوز من المعادن، ونقل الطين من موضعه لا يملكانه أو الجص أو الملح أو الكحل وما أشبه ذلك وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعند مالك وأحمد - رحمهما الله - يجوز لأن هذه شركة الأبدان فيجوز كما في الصباغين.
وكذلك إن اشتركا على أن يلبثا من طين غير مملوك أو يطبخا آجرًا فإن كان الطين أو النورة أو سهلة الزجاج مملوكًا واشترطا أن يشتريا ذلك وطبخا به ويبيعا جاز وهو شركة الوجوه. م: (لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة والتوكيل في أخذ المال المباح باطل؛ لأن أمر الموكل به غير صحيح) ش: هذان دليلان على المطلوب تقرير الأول المدعى أن التوكيل في أخذ المباح باطل لأنه يقتضي صحة أمر الموكل بموكل به.
وهو أخذ المباح وأمر الموكل بأخذه غير صحيح لأنه صادق غير محل ولايته، وتقرير الثاني التوكيل بأخذ المباح باطل. أشار إليه بقوله. م: (والوكيل يملكه بدون أمره) ش: أي بدون أمر الموكل ومن ملك شيئًا بدون أمر الموكل.
م: (فلا يصلح) ش: أن يكون. م: (نائبًا عنه) ش: أي عن الموكل لأن التوكيل إثبات ولاية التصرف فيما هو ثابت للموكل، وهذا المعنى لا يتحقق فيمن يملك بدون أمره لئلا يلزم إثبات الثابت.
فإن قيل: يشكل هذا بالتوكيل بشراء عبد بغير عينه أنه يجوز مع أن التوكيل يملك الشراء لنفسه قبل التوكيل وبعده، فعلم أنه لا يشترط بصحة التوكيل أن لا يملك الوكيل ذلك التصرف قبل التوكيل.

(7/414)


وإنما يثبت الملك لهما بالأخذ، وإحراز المباح، فإن أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق،
وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل،
وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر أو قلعه وجمعه وحمله الآخر؛ فللمعين أجر مثله بالغا ما بلغ عند محمد وعند أبي يوسف - رحمهما الله - لا يجاوز به نصف ثمن ذلك وقد عرف في موضعه، قال: وإذا اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستقي عليها الماء فالكسب بينهما لا تصح الشركة، والكسب كله للذي استقى وعليه أجر الراوية، وإن كان العامل صاحب البغل، وإن كان صاحب الراوية فعليه أجر مثل البغل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأنه لا يشكل لما أن التوكيل بالشراء يخالف التوكيل بالاحتطاب؛ لأن التوكيل في الاحتطاب في الحطب المعين وغيره سواء في عدم صحة التوكيل في أمر مباح لها.
وقال الأكمل: وجوابه أن معناه يملك بدون أمر الموكل بلا عقد وصورة النفس ليست كذلك فإنه لا يملكه إلا بالشراء. م: (وإنما يثبت الملك) ش: وبما ذكر أن الشركة لا تصح في الأشياء المذكور شرع في بيان أن ملك هذه الأشياء بماذا يثبت؟ فقال: إنما يثبته. م: (لهما بالأخذ، وإحراز المباح) ش: أراد أن سبب تلك المباحات أخذها وحيازتها، فكل من قاربه بالسبب فإن بها. م: (فإن أخذاه معًا) ش: أي فإن أخذ الأشياء المباحة مجتمعين.
م: (فهو) ش: أي المأخوذ. م: (بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق) ش: وهو الأخذ والحيازة.

م: (وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئًا فهو للعامل) ش: لوجود السبب فيه أي في الآخذ وهو الأخذ.

م: (وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر أو قلعه وجمعه وحمله الآخر؛ فللمعين أجر مثله بالغا ما بلغ) ش: لأنه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد فلزمه أجر مثله على الكمال. م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند أبي يوسف - رحمهما الله - لا يجاوز به نصف ثمن ذلك) ش: فقوله: لا يجوز على بناء المفعول، ونصف ثمن ذلك بالرفع لأنه قائم مقام الفاعل.
م: (وقد عرف في موضعه) ش: أي في باب الإجارة الفاسدة، وقال الأترازي: أي في كتاب الشركة من " المبسوط ". م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستقي عليها الماء فالكسب بينهما لا تصح الشركة، والكسب كله للذي استقى وعليه أجر الراوية، وإن كان العامل صاحب البغل، وإن كان صاحب الراوية فعليه أجر مثل البغل) ش: أي هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(7/415)


أما فساد الشركة فلانعقادها على إحراز المباح وهو الماء، وأما وجوب الأجر فلأن المباح إذا صار ملكا للحرز وهو المستقي فقد استوفى في منافع ملك الغير وهو البغل أو الراوية بعقد فاسد فيلزمه أجره وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال، ويبطل شرط التفاضل؛ لأن الربح فيها تابع للمال فيتقدر بقدره، كما أن الريع تابع للمبذر في المزارعة، والزيادة إنما تستحق بالتسمية وقد فسدت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فقال المصنف: م: (أما فساد الشركة فلانعقادها على إحراز المباح وهو الماء) ش: وقد مر أن الشركة في المباحات باطلة كالاصطياد، فإذا فسدت الشركة كان الكسب للمنفي خاصة كما في الشركة في الاصطياد فيكون الصيد لمن أخذ وأحمل معنى فيه وهو الأظهر من قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى قياس قول أحمد ومالك - رحمهما الله - ينبغي أن تجوز ذكره في " المغني " لابن قدامة.
وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: [ ... ] فيه لأن في قول يصح والثاني أن الكسب للمستسقي، وقال بعض أصحابه: إن كان الماء مملوكًا للبيهقي فالكسب له وعليه أجر ما حمل عليه، وإن كان مباحًا فالكسب على الشركة.
م: (وأما وجوب الأجر) ش: أي أجر مثل البغل أو الراوية لصاحب البغل ولصاحب الراوية. م: (فلأن المباح إذا صار ملكًا للحرز) ش: بكسر الراء وهو. م: (وهو المستقي فقد استوفى منافع ملك الغير وهو البغل أو الراوية بعقد فاسد فيلزمه أجره) ش: الراوية في الأصل بغير السقاء؛ لأنه يروي الماء في محله ثم كثر حتى استعمل في المرادة، وهي المرادة هاهنا.
قال أبو عبيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: المرادة لا تكون إلا من جلدين مقام بجلد ثالث بينهما للسقي والجمع للمراد ومزائد. م: (وكل شركة فاسدة فالربح فيها على قدر المال ويبطل شرط التفاضل) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال المصنف: م: (لأن الربح فيها تابع للمال فيتقدر بقدره) ش: أي تقدير الربح بقدر المال. م: (كما أن الريع) ش: بفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة وهو النماء والزيادة. م: (تابع للمبذر في المزارعة) ش: كما عرف في موضعه.
وقال الأكمل: قوله الربح فيه تابع. إلى آخره فيه نظر لأن الربح عندنا فرع العقد كما مر، وكل فرع تابع وكونه تابعًا للمال إنما هو مذهب الشافعي كما تقدم، فكان الكلام متناقضًا. والجواز أنه تابع للعقد إذا كان العقد موجودًا وهاهنا قد فسر كيد العقد فيكون تابعًا للمال؛ لأنه شرط فإن العلة إذا لم تصح لإضافة الحكم إليها يضاف إلى الشرط.
م: (والزيادة إنما تستحق بالتسمية وقد فسدت) ش: أي التسمية لفساد العقد لكونه واجب

(7/416)


فبقي الاستحقاق على قدر رأس المال. وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة لأنها تتضمن الوكالة، ولا بد منها لتتحقق الشركة على ما مر، والوكالة تبطل بالموت، وكذا بالالتحاق مرتدا إذا قضى القاضي بلحاقه؛ لأنه بمنزلة الموت على ما بيناه من قبل، ولا فرق بينهما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم؛ لأنه عزل حكمي
فإذا بطلت الوكالة بطلت الشركة بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة حيث يتوقف على علم الآخر؛ لأنه عزل قصدي، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الدفع فصار كالتسمية لم يوجد أصلًا. م: (فبقي الاستحقاق على قدر رأس المال، وإذا مات أحد الشريكين أو ارتد ولحق بدار الحرب بطلت الشركة) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال المصنف: م: (لأنها) ش: أي لأن الشركة. م: (تتضمن الوكالة، ولا بد منها لتتحقق الشركة على ما مر) ش: فيما مضى في هذا الفصل. م: (والوكالة تبطل بالموت) ش: أي بموت الموكل. م: (وكذا) ش: أي تبطل. م: (بالالتحاق) ش: أي التحاق بدار الحرب حال كونه. م: (مرتدًا إذا قضى القاضي بلحاقه؛ لأنه) ش: أي إلحاق على الوجه المذكور. م: (بمنزلة الموت على ما بيناه من قبل) ش: أي في باب أحكام المرتدين بقوله ولنا أن باللحاق صار من أهل الحرب لهم أمران في أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموت.
م: (ولا فرق بينهما إذا علم الشريك بموت صاحبه أو لم يعلم لأنه) ش: أي لأن الموت. م: (عزل حكمي) ش: لتحول ملكه إلى وارثه فلا يتوقف حكمه على العلم لثبوته ضمنًا، ألا ترى أن الوكيل يعزل بموت الموكل وإن لم يعلم به.

[فسخ أحد الشريكين الشركة]
م: (فإذا بطلت الوكالة بطلت الشركة بخلاف ما إذا فسخ أحد الشريكين الشركة) ش: ومال الشركة دراهم أو دنانير. م: (حيث يتوقف على علم الآخر؛ لأنه عزل قصدي) ش: أي لأن فسخ أحد الشريكين عزل يقصد فيعتمد العلم؛ لأنه نوع حجر فشرط عليه ثبوت الحجر دفعًا للضرر عنه واعترض بأنه قد تقدم أن الوكالة تثبت في ضمن الشركة، فإذا كان كذلك كانت تابعة لنا ولا يلزم من بطلان التابع بطلان النوع.
وأجيب: بأن الوكالة تابعة للشركة من حيث إنها شرطها لا تصح الشركة بدونها أشار المصنف إلى ذلك أيضًا بقوله: ولا بد منها أي من الوكالة لتحقق الشركة، وإذا كانت شرطًا لا يتحقق بقاء المشروط بدونه.

(7/417)


فصل وليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه؛ لأنه ليس من جنس التجارة، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته، فأدى كل واحد منهما، فالثاني ضامن علم بأداء الأول أو لم يعلم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم، وهذا إذا أديا على التعاقب
أما إذا أديا معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه. وعلى هذا الاختلاف المذكور المأمور بأداء الزكاة إذا تصدق على الفقير بعدما أدى الآمر بنفسه. لهما أنه مأمور بالتملك من الفقير، وقد أتى به
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل وقد ذكرنا غير مرة أن لفظ إذا فصل عما بعده لا يكون معربًا؛ لأن من شرط الإعراب التركيب فيكون حكمه مثل أحكام الأسماء المفردة إذا ذكرت بغير تركيب. م: (وليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال المصنف: م: (لأنه) ش: أي لأن دفع زكاة صاحبه. م: (ليس من جنس التجارة، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه أن يؤدي زكاته، فأدى كل واحد منهما فالثاني ضامن علم بأداء الأول أو لم يعلم، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: لا يضمن إذا لم يعلم) ش: وإن علم ضمن، هكذا ذكر في كتاب الزكاة في " الزيادات " للعتابي لا يضمن وإن علم عندهما وهو الصحيح عندهما، وعلى هذا الخلاف لو دفع ماله إلى رجل ليكفر عنه كفر الآمر بنفسه ثم كفر المأمور، وعلى هذا الخلاف المأمور بأداء الزكاة وهو إشارة إلى وجوب الضمان.
م: (وهذا) ش: على الثاني خاصة. م: (إذا أديا على التعاقب) ش: يعني أحدهما عقيب أداء الآمر.

[أداء الزكاة من مال الشريكين]
م: (أما إذا أديا معًا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه) ش: فإن قيل إذا أديا معًا ينبغي أن لا يجب الضمان عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لعدم السبق؛ إذ الموكل لم يقع فعلى الوكيل فعلًا.
قلنا: الموكل إن لم يسبقه تحقيقًا فقد سبقه اعتبارًا أو تقديرًا؛ لأن يصرف الموكل على نفسه أقرب من تصرف الوكيل إليه فيصير سابقا معنى كالوكيل بالبيع مع الموكل إذا باعا وخرج الوكيل معه فقد تبع الموكل دون الوكيل.
م: (وعلى هذا الاختلاف المذكور المأمور بأداء الزكاة إذا تصدق على الفقير بعدما أدى الآمر بنفسه لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (أنه مأمور بالتمليك من الفقير، وقد أتى به)

(7/418)


فلا يضمن للموكل، وهذا لأن في وسعه التمليك لا وقوعه زكاة لتعلقه بنية الموكل، وإنما يطلب منه ما في وسعه، وصار كالمأمور بذبح دم الإحصار إذا ذبح بعدما زال الإحصار وحج الآمر لم يضمن المأمور علم أو لا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مأمور بأداء الزكاة والمؤدى لم يقع زكاة فصار مخالفا، وهذا لأن المقصود من الأمر إخراج نفسه عن عهدة الواجب؛ لأن الظاهر أنه لا يلتزم الضرر إلا لدفع ضرر آخر، وهذا المقصود حصل بأدائه وعري أداء المأمور عنه فصار معزولا علم أو لم يعلم لأنه عزل حكمي، وأما دم الإحصار فقد قيل هو على هذا الاختلاف، وقيل بينهما فرق. ووجهه أن الدم ليس بواجب عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي بما أمر به. م: (فلا يضمن للموكل. وهذا) ش: أي عدم ضمانه للموكل. م: (لأن في وسعه التمليك) ش: من الفقير. م: (لا وقوعه زكاة لتعلقه بنية الموكل، وإنما يطلب منه ما في وسعه) ش: والمرء لا يكلف بما ليس في وسعه فكذا لم يضمن الثاني، وإن لم يقع ما أداه زكاة. م: (وصار) ش: أي المأمور هنا. م: (كالمأمور بذبح دم الإحصار إذا ذبح بعدما زال الإحصار وحج الآمر لم يضمن المأمور علم أو لا. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مأمور بأداء الزكاة والمؤدى) ش: بفتح الدال المهملة. م: (لم يقع زكاة فصار) ش: أي المأمور.
م: (مخالفًا وهذا) ش: أي كونه مخالفًا. م: (لأن المقصود من الأمر إخراج نفسه عن عهدة الواجب؛ لأن الظاهر أنه لا يلتزم الضرر) ش: بيانه أن زوال ملكه في بعض ماله ضرر وفي دفع الوكيل سبيل الزكاة عند ذلك وبقاؤه في عهدة الواجب أيضًا ضرر، وهو لم يلزم ضرر دفع الوكيل ماله.
م: (إلا لدفع ضرر آخر) ش: وهو إسقاط الواجب عن ذمته؛ لأن المقصود من الأمر بأداء الزكاة إخراج النفس عن عهدة الواجب.
م: (وهذا المقصود حصل بأدائه وعري أداء المأمور عنه) ش: أي عن المقصود. م: (فصار معزولًا علم أو لم يعلم لأنه عزل حكمي) ش: فلا حاجة إلى العلم. م: (وأما دم الإحصار) ش: جواب عن قوله فصار كالمأمور بذبح دم الإحصار.
م: (فقد قيل هو على هذا الاختلاف) ش: يعني يضمن عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فهذا جواب على سبيل المنع، ثم أجاب بطريق التسليم بقوله. م: (وقيل بينهما فرق) ش: يعني ولئن سلمنا لا يضمن بالاتفاق، ولكن قيل: إن بينهما فرق أشار إلى الفرق بقوله: م: (ووجهه أن الدم ليس بواجب عليه) ش: يعني أن دم الإحصار ليس بواجب لا محالة؛ لأنه لو يصبر إلى أن يزول الإحصار لم يطالب بدم الإحصار، وهو معنى قوله:

(7/419)


فإنه يمكنه أن يصبر حتى يزول الإحصار، وفي مسألتنا الأداء واجب فاعتبر الإسقاط مقصودا فيه دون دم الإحصار. قال وإذا أذن أحد المتفاوضين لصاحبه أن يشتري جارية فيطأها ففعل. فهي له بغير شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يرجع عليه بنصف الثمن؛ لأنه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك، فيرجع عليه صاحبه بنصيبه كما في شراء الطعام والكسوة، وهذا لأن الملك واقع له خاصة، والثمن بمقابلة الملك، وله أن الجارية دخلت في الشركة على البتات جريا على مقتضى الشركة؛ إذ هما لا يملكان تغييره فأشبه حال عدم الإذن،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإنه يمكنه أن يصبر حتى يزول الإحصار، وفي مسألتنا) ش: وهي مسألة الزكاة. م: (الأداء) ش: أي أداء الزكاة. م: (واجب فاعتبر الإسقاط) ش: أي إسقاط الواجب. م: (مقصودًا فيه) ش: وقد حصل هذا المقصود بأداء الآمر نفسه فعري فعل المأمور من المقصود فضمن. م: (دون دم الإحصار) ش: لأنه ليس بواجب البتة كما ذكرنا. م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أذن أحد المتفاوضين لصاحبه أن يشتري جارية فيطأها ففعل. فهي له بغير شيء عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يرجع عليه) ش: أي على المأمور. م: (بنصف الثمن؛ لأنه) ش: أي لأن المأمور. م: (أدى دينًا عليه) ش: أي على نفسه. م: (خاصة من مال مشترك، فيرجع عليه صاحبه بنصيبه كما في شراء الطعام والكسوة) ش: تحقيق هذا أن الحاجة إلى الوطء من الحوائج الأصلية إلا أنها ليست بلازمة كالطعام ولم تكن مستثناة من عقد الشركة بلا شرط بخلاف الحاجة إلى الطعام فإنها لازمة فكانت مستثناة بلا شرط ثم بالتصريح على الوطء التحق بحاجة الطعام، فوقع شراء الجارية لشركة المشتري خاصة.
م: (وهذا) ش: بيان بقوله: أدى دينًا عليه خاصة. م: (لأن الملك واقع له خاصة) ش: بدليل حل وطئها. م: (والثمن بمقابلة الملك) ش: فكان الدين عليه خاصة. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجارية دخلت في الشركة على البتات) ش: بعصبته عقد المعاوضة وأدى المشتري ثمنها من مال الشركة وكلما دخل في الشركة فأدى المشتري ثمنها من مال الشركة لا يرجع على صاحبه بشيء كما لو اشترى الجارية قبل الإذن. وأدى ثمنها من مال الشركة فإنه لا يرجع عليه بشيء وبين دخولها في الشركة بقوله. م: (جريًا على مقتضى الشركة) ش: أي شركة المفاوضة، فإن ذلك يقتضي دخول ما ليس بشيء كالطعام والكسوة بحقها وشركة الجارية ليس بشيء فيدخل تحتها.
م: (إذ هما لا يملكان) ش: أي الشريكان. م: (تغييره) ش: أي بغير مقتضى شركة مع بقائها. م: (فأشبه حال عدم الإذن) ش: أي صار كما لو اشتراها بغير إذن الشريك، غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه أما من قوله فأشبه حال عدم الإذن فكأنه توهم أن يقال: كيف يشبه حال عدم الإذن، وهناك لم يحل وطؤها.

(7/420)


غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه؛ لأن الوطء لا يحل إلا بالملك، ولا وجه إلى إثباته بالبيع لما بينا أنه يخالف مقتضى الشركة فأثبتناه بالهبة الثابتة في ضمن الإذن بخلاف الطعام والكسوة لأن ذلك مستثنى عنها للضرورة، فيقع الملك له خاصة بنفس العقد، فكان مؤديا دينا عليه من مال الشركة، وفي مسألتنا قضى دينا عليهما لما بينا، وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء بالاتفاق؛ لأنه دين وجب بسبب التجارة، والمفاوضة تضمنت الكفالة فصار كالطعام والكسوة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وبعد الإذن يحل أشار إلى ذلك بقوله: م: (غير أن الإذن يتضمن هبة نصيبه منه؛ لأن الوطء لا يحل إلا بالملك، ولا وجه إلى إثباته بالبيع لما بينا أنه يخالف مقتضى الشركة) ش: إشارة إلى قوله جريًا على مقتضى الشركة. م: (فأثبتناه بالهبة الثابتة في ضمن الإذن) ش: فكأنه قال: اشتر جارية بيننا وقد وهبت نصيبي منها لك، فجازت الهبة في السابع لأن الجارية مما لا ينقسم.
م: (بخلاف الطعام والكسوة) ش: حيث تقع للمشتري خاصة. م: (لأن ذلك مستثنى عنها للضرورة فيقع الملك له) ش: أي للمشتري.
وإنما رجع الضمير إليه وإن لم يذكر لظهور فهم؛ لأن الشهوة قائمة مقام الذكر. م: (خاصة بنفس العقد فكان مؤديًا دينًا عليه من مال الشركة، وفي مسألتنا) ش: أي فيما اشترى أحد المتعاوضين الجارية للوطء بإذن الآخر. م: (قضى دينًا عليهما لما بينا) ش: أنها دخلت في الشركة.
م: (وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما) ش: أي الشريكين. م: (شاء بالاتفاق لأنه دين وجب بسبب التجارة، والمفاوضة تضمنت الكفالة) ش: فيطالب المشتري إن شاء وإن شاء يطالب شريكه لأنه كفيل. م: (فصار كالطعام والكسوة) ش: أي فصار حكم الجارية المشتراة للوطء بالإذن كالطعام والكسوة المشترك يطالب البائع أيهما شاء، فإذا استحقت الجارية فعلى الواطئ العقر بأخذ المستحق بالفقر أيهما شاء، والله أعلم.

(7/421)