البناية شرح الهداية

كتاب الوقف قال أبو حنيفة: لا يزول ملك الواقف عن الوقف، إلا أن يحكم به الحاكم، أو يعلقه بموته، فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزول ملكه بمجرد القول، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول حتى يجعل للوقف وليا ويسلمه إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الوقف]
م: (كتاب الوقف) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوقف، وقال الشراح كلهم: مناسبة ذكر الوقف بعد الشركة هي أن المقصود بكل منهما الانتفاع بما يزيد على أصل المال وليس بموجبه كما سنبين، والوقف في اللغة: الحبس، من قولهم وقفت الدابة إذا تبعته في السير.
وقال ابن دريد: الوقف: مصدر وقفت الدابة أوقفتها وقفًا، ووقف بنفسه وقوفًا يتعدى ولا يتعدى، ومنه وقف الأرض على ولده؛ لأنه جنس الملك عليه.
وقيل للموقوف: وقف، تسمية بالمصدر وتجمع على أوقاف كوقت يجمع على أوقات، وقالوا: لا يقال فيه: أوقف إلا في لغة رديئة [ ... ] كذا في " الصحاح ".
وقال شمس الأئمة: الوقف شريعة عبارة عن: حبس المملوك عن التمليك من الغير وسيجيء مشروحًا. م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول ملك الواقف عن الوقف، إلا أن يحكم به الحاكم، أو يعلقه بموته، فيقول: إذا مت فقد وقفت داري على كذا) ش: هذا كلام القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قدم ذكر لفظ أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول ملك الواقف عن الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا مت فقد وقفت داري على كذا.
هذا كلام غير المصنف والباقي مثله، وفي " المحيط " لشمس الأئمة الحلواني: بشرط جواز الوقف على قول أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - أن يكون موصى به حتى لو لم يوص به لا يصح ويبقى على ملكه، ويجوز له بيعه، ولو ورث عنه إلا أن يخبر الورثة فيصير جائزًا أو يتأبد الوقف.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزول ملكه بمجرد القول، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يزول حتى يجعل للوقف وليًا ويسلمه إليه) ش: هذا أيضًا لفظ القدوري.
وهذا يدل على أن الوقف عندهما جائز في حال الصحة أو المرض، إلا أنهما اختلفا فيما بينهما، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز مشاعًا كان أو منوعًا سلمه إلى المتولي أو لم يسلمه

(7/422)


قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الوقف لغة هو الحبس يقول: وقفت الدابة، أو وقفتها بمعنى، وهو في الشرع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة بمنزلة العارية، ثم قيل: المنفعة معدومة، والتصدق بالمعدوم لا يصح، فلا يجوز الوقف أصلا عنده، وهو الملفوظ في الأصل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شرط التأبيد أو لم يشترطه.
وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز إلا باستجماع شرائطه وهي ثلاثة أن يكون مقسومًا مخرجًا من يده سلمًا إلى المتولي، وإن شرطا فيه التأبيد وهو أن يجعل آخره إلى سبيل خير لا ينقطع أبدًا كذا قال في " الأسبيجابي ".
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (الوقف لغة) ش: أي من حيث لغة العرب. م: (هو الحبس يقول: وقفت الدابة، أو وقفتها بمعنى) ش: أي بمعنى واحد وقد مر الكلام فيه مقتضى.
م: (وهو) ش: أي الوقف. م: (في الشرع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة) ش: على الفقراء أو على جهة من سبيل الخيرات. م: (بمنزلة العارية) ش: يعني جواز الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - جواز العارية فيرجع فيه ويباع.
وفي " شرح الطحاوي ": الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ثلاثة أوجه: في وجه لا يجوز، وهو ما إذا وقف داره أو أرضه في صحة فلا يجوز، وإن اشترط التأبيد وسلمه إلى المتولي يجوز بيعه، ويكون ميراثًا عن الواقف، وفي وجه: يجوز.
وهذا إذا وقفه في حال حياته، وجعل وصية بعد وفاته فإنه يجوز من ثلث ماله، وفي وجه: لا يجوز في ظاهر الرواية، وهو ما إذا وقف في مرض موته، فهو كالوقف في حال صحته.
وروى الطحاوي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز في هذا كله كالوصية بعد وفاته، وقيل: الوقف جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لكن ليس بلازم حتى يجوز إعادته إلى يده، ولو قضى القاضي بلزومه يلزم بالإجماع لأنه مجتهد فيه، وعندهما - رحمهما الله - لازم على كل حال، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ثم قيل: المنفعة معدومة، والتصدق بالمعدوم لا يصح، فلا يجوز الوقف أصلًا، عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وهو الملفوظ في الأصل) ش: يعني عدم جواز الوقف عنده هو الملفوظ في " المبسوط " فإنه قال عنه: فإن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجيز ذلك.

(7/423)


والأصح: أنه جائز عنده، إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية، وعندهما حبس العين على حكم ملك الله تعالى فيزول ملك الواقف عنه إلى الله تعالى على وجه تعود منفعته إلى العباد، فيلزم، ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث. واللفظ ينتظمهما، والترجيح بالدليل. لهما «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين أراد أن يتصدق بأرض له تدعى ثمغ: " تصدق بأصلها، لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال قاضي خان: وظاهر هذا اللفظ أخذ بعض الناس، فقال: عند أبي حنيفة: لا يجوز الوقف، وليس كما ظن بل هو جائز عند الكل بالأحاديث المشهورة وإجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلا عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وعامة الفقهاء - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذا صح الوقف يزول ملك الواقف لا إلى مالك.
فيلزم ولا يملك، وهو الأصح عند الشافعي وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية: ينتقل إلى مال الموقوف عليه إن كان أهلا للملك لامتناع السابعة، وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو حبس العين على ملك الواقف فلا يزول ملكه لكن لا يباع ولا يورث ولا يوهب وقال أبو العباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - من أصحاب الشافعي -: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهذا قول آخر للشافعي وأحمد - رحمهما الله - لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبس الأصل وسأل الثمرة.

[حكم الوقف]
م: (والأصح) ش: أي أن الوقف. م: أنه جائز عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (إلا أنه غير لازم بمنزلة العارية) ش: فإنها جائزة غير لازمة، فإذا كان كذلك فتصرف المنفعة إلى جهة الوقف وتبقى العين على ملك الواقف فله أن يرجع، ويجوز بيعه. ويورث عنه.
م: (وعندهما حبس العين) ش: أي الوقف حبس العين. م: (على حكم ملك الله تعالى، فيزول ملك الواقف عنه إلى الله تعالى على وجه تعود منفعته إلى العباد، فيلزم، ولا يباع، ولا يوهب، ولا يورث) ش: حاصل هذا أن تقدير الوقف عندهما أن يقول: إزالة العين عن ملكي إلى الله عز وجل وجعلته محبوسًا في ملكه، ومنفعته للعباد، وإذا كان تقدير الوقف هذا عندهما أصح ولو لم يكن يوصي به فيلزم ولا يباع ولا يورث.
م: (واللفظ ينتظمهما) ش: أي لفظ الوقف ينتظم أي يتناول ما قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو حبس العين على ملك الواقف ويتناول ما قال صاحباه، وهو حبس العين على ملك الله. م: (والترجيح بالدليل) ش: أي ترجيح أحد المذهبين على الآخر بالدليل وشرع بعد ذلك في بيان الدليل فقال:
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. م: «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين أراد أن يتصدق بأرض له تدعى ثمغ: " تصدق بأصلها لا

(7/424)


تباع، ولا تورث، ولا توهب» ولأن الحاجة ماسة إلى أن يلزم الوقف منه؛ ليصل ثوابه إليه على الدوام، وقد أمكن دفع حاجته بإسقاط الملك، وجعله لله تعالى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تباع ولا توهب ولا تورث» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كلهم عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «أصاب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بخيبر أرضًا فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " أصبت أرضًا لم أصب مالًا قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، فتصدق بها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث في الفقراء والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله» وزاد عن بشر: والضيف، ثم اتفقوا: " لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متمول فيه "، وفي رواية البخاري: «أن هذا المال كان نخلًا» .
وأخرج الطحاوي بإسناده عن نافع عن ابن عمر «أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أن يتصدق بماله ثمغ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " تصدق به تقسم ثمره وتحبس أصله لا يباع ولا يوهب ".» انتهى.
وفيه نص - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن الوقف لازمة الفروع خلافًا لمن يبطله جملة وهو قول شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفيه أن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته. ولا يكون ميراثًا، وفيه أن الوقف يجوز بلفظ: حبسه بل الأصل فيه هذا اللفظ؛ لأن معنى الوقف في اللغة: الحبس، وفيه أن يقسم الموقف له بأن يتناول من عليه الوقف بالمعروف، ولا يتناول أكثر من حاجته، هذا إذا لم يعين له الواقف شيئًا معينًا.
فإذا عينه فله أن يأخذ ذلك قليلًا أو كثيرًا، قوله ثمغ بفتح الثاء المثلثة وسكون الميم، وبالغين المعجمة وهي بقعة على نحو ميل من المدينة، [..] تلقاء المدينة كان فيها مال لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فخرج إليه يومًا ففاتته صلاة العصر، فقال [..] تمنع عن الصلاة. أشهدكم أنها صدقة.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقد وقع سماعنا هنا بلا تنوين، وقد أثبت في كتب غرائب الحديث المصححة عند الثقات منسوبًا وغير منسوب كما في " وعد "، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ونسخة مولانا حافظ الدين بغير تنوين للعلمية والتأنيث. انتهى.
قلت: سبحان الله هذا الكلام منهما كلام من لم يميز بالنحو، وقد ثبت فيه الأمثل، وهذا يجوز فيه الوجهان عدم المصرف للعلتين المذكورتين.
وجواز الصرف بسكون وسطه فإنه يقاوم أحد العلتين فبقي الاسم بعلة واحدة، فلا يمنع من الصرف. م: (ولأن الحاجة ماسة إلى أن يلزم الوقف منه) ش: أي من الوقف. م: (ليصل ثوابه إليه) ش: أي إلى الواقف. م: (على الدوام، وقد أمكن دفع حاجته بإسقاط الملك، وجعله لله تعالى) ش: يمكن أن

(7/425)


إذ له نظير في الشرع وهو المسجد، فيجعل كذلك، ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لا حبس عن فرائض الله تعالى "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يكون هذا جوابًا عما يقال كيف يلزم الوقف ويخرج عن ملكه لا إلى مالك؟ وتقدير الجواب أنه يمكن أن يدفع حاجة الواقف عن ملكه بإسقاطه عنه، وجعله لله تعالى، فإذا جعل لله تعالى يلزم، ويدوم ويصل إليه ثوابه.
م: (إذ له نظير في الشرع) ش: هذا أيضًا جواب عما يقال كيف يخرج الوقف عن ملكه ولا يدخل في ملك أحد، وهو محال.
وتقدير الجواب أن هذا له نظير في الشرع. م: (وهو المسجد) ش: فإن اتخاذ المسجد يلزم بالاتفاق وهو إخراج الملك من المنفعة، وهو مالك، ولا يدخل في ملك أحد، وكالعبد المشترى لخدمة الكعبة، فإنه يصح ولا يدخل في ملك.
وفي " المبسوط ": ثم للناس حاجة إلى ما يرجع إلى مصالح معايشهم ومعادتهم كسائر الخانات والرباطات، واتخاذ المقابر، ويستدلون بالعتق أيضًا، فإنه إزالة الملك لا إلى مالك، وصح ذلك على قدر التقرب.
م: (فيجعل كذلك) ش: أي فيجعل الوقف كالمسجد، وفي " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ولم يأخذ، والقول قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - للآثار المشهورة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصحابة وتعامل الناس باتخاذ الرباطات والخانات أولها أوقاف خليل الرحمن - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، فهي باقية إلى اليوم، وكذا أوقاف الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بمكة والمدينة.
م: (ولأبي حنيفة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «لا حبس عن فرائض الله تعالى» ش: هذا [الحديث] أخرجه الدارقطني في " سننه - في الفرائض " عن عبد الله بن لهيعة عن أخيه عيسى بن لهيعة عن عكرمة عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا حبس عن فرائض الله» وعبد الله بن لهيعة وأخوه عيسى ضعيفان، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " موقوفًا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال حدثنا هشام عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا حبس عن فرائض الله تعالى إلا ما كان من سلاح أو كراع. وعن شريح أنه قال: جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبيع الحبيس، هذا رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه - في البيوع " حدثنا وكيع، وابن أبي زائدة عن مسعر عن ابن عون عن شريح قال: " جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبيع الحبيس " وأخرجه البيهقي.

(7/426)


«عن شريح: " جاء محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ببيع الحبس» ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قوله: لا حبس عن فرائض الله تعالى، أي لا مال يحبس بعد موت صاحبه عن القسمة بين ورثته لكنهم يحملون هذا على ما كان عليه أهل الجاهلية من البحيرة والسائبة والوجلة والحاسي، ويقولون الشرع أبطل ذلك كله.
وكنا نقول النكرة في موضع النفي تعم فيتناول كل طريق يكون فيه حبس عن الميراث إلا ما قام عليه الدليل.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحبس ما كانوا يفعلونه في الابتداء قبل سورة النساء كانوا [..] العين على ملكهم، ويتصدقون بالعلة ويرون أن بيع الأصل ممتنعًا لمكان الصدقة بالعلة فجاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونسخ هذا وجوز بيعه.
والمعنى هذه المسألة أن هذا تصدق بالعلة المعدومة لا بالعين فلا يمنع البيع ولا الإرث، إذا لم يكن موصى به قياسًا على ما لو قال: تصدقت بعلة هذه الأرض على الفقراء والمساكين أبدًا.
وفي " مبسوط " شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الاستدلال بهذا الحديث غير مستقيم؛ لأنه إنما يستقيم هذا إذا تعلق به حق الوارث، فأما إذا كان الوقف قبل التعلق فليس حبس عن فرائض الله كالتصدق بالمنقولات.
فإن قلت: قال ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قولهم لا حبس عن فرائض الله، قول فاسد؛ لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياة والوصية بعد الموت، فكل هذا سقط لفرائض الله.
قلت: لا نسلم أن هذه الأشياء سقط لفرائض الورثة، أما الهبة والصدقة فإنهما يكونان في حياة الرجل في ذلك الوقت وفرائض للورثة وأما الوصية فإنها لا تنعقد إلا عن الثلث، ففرائض الورثة في الثلثين.
فإن قلت: هذا الحديث ضعيف، كما مر من جهة أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -[..] فكيف يستدل به لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قلت: أخرجه الطحاوي بتمامه بإسناد صحيح فقال حدثنا سليمان بن شعيب عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن عطاء بن السائب - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال سألت شريحًا ... الحديث، وفيه: «لا حبس عن فرائض الله» ، فإن كان الذي روى عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ضعيف، فهذا الذي روى.
م: (وعن شريح) ش: صحيح، ومع هذا جاء عنه أيضًا. م: (" جاء محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ببيع الحبس ") ش: كما ذكرنا وشريح هو ابن الحارث الكندي وهو قاضي عمر وعثمان وعلي

(7/427)


ولأن الملك باق فيه، بدليل أنه يجوز الانتفاع به زراعة، وسكنى، وغير ذلك، والملك فيه للواقف، ألا ترى أن له ولاية التصرف فيه بصرف غلاته إلى مصارفها ونصب القوام فيها، إلا أنه يتصدق بمنافعه فصار شبيه العارية؛ ولأنه يحتاج إلى التصدق بالغلة دائما، ولا تصدق عنه إلا بالبقاء على ملكه، ولأنه لا يمكن أن يزال ملكه لا إلى مالك، ولأنه غير مشروع مع بقائه كالسائبة بخلاف الإعتاق؛ لأنه إتلاف، وبخلاف المسجد؛ لأنه جعل خالصا لله تعالى، ولهذا: لا يجوز الانتفاع به، وهاهنا لم ينقطع حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الخلفاء الراشدين المهديين، ومعنى جاء محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: جاء شرعه ببيع الحبس.
م: (ولأن الملك باق فيه) ش: أي في الوقف. م: (بدليل أنه يجوز الانتفاع به) ش: أي بالوقف. م: (زراعة، وسكنى، وغير ذلك) ش: نحو إسكانه وإجارته كما يشفع بالمملوكات. م: (والملك فيه للواقف) ش: بدليل تصرفه فيه بالأشياء المذكورة، ثم أوضح ذلك بقوله. م: (ألا ترى أن له ولاية التصرف فيه بصرف غلاته إلى مصارفها ونصب القوام فيه) ش: بضم القاف وتشديد الواو جمع قائم بالأمر، والضمير في مصارفها يرجع إلى الغلات، وفي منصب القوام فيها إلى المصارف. م: (إلا أنه) ش: أي للواقف. م: (يتصدق بمنافعه فصار) ش: أي الوقف. م: (شبيه العارية) ش: من حيث إن ملك الغير قائم فيها، والغير ينتفع بمنافعها. م: (ولأنه يحتاج إلى التصدق بالغلة دائمًا) ش: فاستدعى دوام ملك الواقف وهو معنى قوله. م: (ولا تصدق عنه إلا بالبقاء على ملكه) ش: وفي بعض النسخ إلا بالبقاء على ملكه.
م: (ولأنه لا يمكن أن يزال ملكه لا إلى مالك، ولأنه غير مشروع مع بقائه) ش: أي مع بقاء ملكه. م: (كالسائبة) ش: وهي الناقة التي تسيب لنذر، كان الرجل يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة. ومعناه: أن الوقف بمنزلة تسيب أهل الجاهلية من حيث إن العين لا يخرج من أن يكون مملوكًا له منتفعًا به فإنه لو سيب دابته لم تخرج عن ملكه فكذلك إذا وقف داره أو أرضه.
م: (بخلاف الإعتاق) ش: جواب عما يقال لو كان أزال الملك لا إلى ملك غير مشروع لما جاز العتق، فلأنه إزالة الملك الثابت في العبد من غير تمليك لأحد فأجاب عنه بقوله. م: (لأنه إتلاف) ش: أي إسقاط صفة المملوكية. م: (وبخلاف المسجد) ش: وجواب عن قياسهم الوقف على المسجد فأجاب عنه بقوله. م: (لأنه جعل خالصًا لله تعالى) ش: أي لأجل أنه جعل خالصًا لله تعالى.
م: (ولهذا: لا يجوز الانتفاع به، وهاهنا) ش: أي لا ينتفع به بشيء من منافع الملك وإن كان يصلح لها، والأصل في الشرع وهو الكعبة، فإنها محرزة عن ملك العباد فألحقت سائر المساجد بها، والموقف ليس بإحالته إلى الله تعالى كما ذكرنا، وهاهنا يعني في الوقف. م: (لم ينقطع حق

(7/428)


العبد عنه، فلم يصر خالصًا لله تعالى. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " الكتاب ": لا يزول ملك الواقف، إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته، وهذا في حكم الحاكم صحيح؛ لأنه قضاء في مجتهد فيه، أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه، إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبد، فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدًا فيلزم حينئذ، والمراد بالحاكم: المولى، فأما المحكم ففيه اختلاف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العبد عنه، فلم يصر خالصًا لله تعالى. فقال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال في " الكتاب ") ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (لا يزول ملك الواقف، عن الوقف إلا أن يحكم به الحاكم أو يعلقه بموته) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - غير أن فيه لا يزول ملك الواقف عند أبي حنيفة، فأسقط المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ثم قال: م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكره القدوري. م: (في حكم الحاكم صحيح؛ لأنه قضاء في مجتهد فيه) ش: صورة الحكم إن سلم الواقف ما وقفه إلى المتولي، ثم يريد أن يرجع عنه فينازعه بعدم اللزوم فيختصمان إلى القاضي فيقضي القاضي بلزومه.
م: (أما في تعليقه بالموت فالصحيح أنه لا يزول ملكه) ش: يعني أن المشايخ اختلفوا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فقيل يزول الملك بالتعليق بالموت؛ لأنه وقت خروج الأملاك عن ملكه فالتعليق به يدل على أن مراده الخروج من الملك، وقيل: لا يزول، وهو الصحيح؛ لأن الوقف يصدق بالعلة، وهو ما لا يستدعي زوال أصل الملك.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إلا أنه تصدق بمنافعه مؤبد) ش: يعني دائمًا. م: (فيصير بمنزلة الوصية بالمنافع مؤبدًا فيلزم حينئذ، والمراد بالحاكم) ش: الذي ذكره القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (المولى) ش: بفتح اللام الذي ولاه الإمام عمل القضاء. م: (فأما المحكم) ش: بتشديد الكاف المفتوحة الذي ينفذ عليه الحكم في حادثة معينة باتفاق المتخاصمين. م: (ففيه اختلاف المشايخ) ش: قال في كتاب " القضاء - من خلاصة الفتاوى ": وأما حكم المحكم في اليمين المضافة وسائر المجتهدات، والأصح أن ينفذ، لكن لا يفتى به. كذا ذكر في " الأقضية ".
وقال في " الفتاوى الصغرى ": الحاكم المحكم إذا قضى عليه المحكمين فظاهر الجواب " أنه ينفذ، وجواب " فتاوى السمرقندي " أنه لا يبعد زجرًا لهم عن ذلك، وإني أقول: لا يحل لأحد أن يفعل ذلك، يعني في إطلاق المصارف، ولا يفتى على هذا.
وحكي عن شمس الأئمة الحلواني - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: مسألة الحاكم المحكم يعلم ولا يفتي به، وكان يقول ظاهر المذهب أنه يجوز، إلا أن القاضي الإمام الأستاذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أبا علي البيهقي، كان يقول: يكتم هذا الفعل ولا يفتي به لئلا يتطرق الجهال إلى هذا فيؤدي إلى

(7/429)


ولو وقف في مرض موته. وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو بمنزلة الوصية بعد الموت، والصحيح أنه لا يلزمه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يلزمه، إلا أنه يعتبر من الثلث، والوقف في الصحة في جميع المال، وإذا كان الملك يزول عندهما، يزول بالقول عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بمنزلة الإعتاق لأنه إسقاط الملك عنه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بد من التسليم إلى المتولي؛ لأنه حق الله تعالى، وإنما يثبت فيه في ضمن التسليم إلى العبد؛ لأن التمليك من الله تعالى - وهو مالك الأشياء - لا يتحقق مقصودا، وقد يكون تبعا لغيره فيأخذ حكمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هدم مذهبنا، فأما المذهب [..] الأول، إلى هنا لفظ كتاب " الفتاوى الصغرى ".

[وقف في مرض موته]
م: (ولو وقف في مرض موته، قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثم الحجري البصري الطحاوي ونسبه إلى طحا قرية من أعمال الأشمونين بالصعيد الأدنى، الإمام المحدث الفقيه الحنفي، ولد في سنة تسع وعشرين ومائتين ومائة ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة بمصر، ودفن بالقرافة.
م: (هو) ش: أي الوقف. م: (بمنزلة الوصية بعد الموت) ش: يعني يلزم الوقف حينئذ على مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخلاف الوقف في الصحة فإنه لا يلزم عنده، ثم قال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ": وقد روى محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة أن ذلك لا يجوز منه في مرضه، كما لا يجوز في صحته، ثم قال: وهو الصحيح على أصوله.
م: (والصحيح أنه لا يلزم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعندهما يلزمه، إلا أنه يعتبر من الثلث، والوقف في الصحة في جميع المال، وإذا كان الملك يزول عندهما، يزول بالقول عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي يزول الملك عن الواقف بمجرد قوله: وقفت. م: (وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أهل العلم. وفي " التميمة ": والفتوى على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي " المحيط "، والسرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ومشايخنا أخذوا بقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ترغيبًا للناس في الوقف، ومشايخ بخارى أخذوا بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (بمنزلة الإعتاق) ش: حيث يزول ملك المعتق بمجرد قوله: أعتقت عبدي. م: (لأنه) ش: أي لأن الإعتاق. م: (إسقاط الملك عنه) ش: عن الملك. م: (وعند محمد لا بد من التسليم إلى المتولي؛ لأنه حق الله تعالى، وإنما يثبت فيه) ش: أي في الوقف. م: (في ضمن التسليم إلى العبد؛ لأن التمليك من الله تعالى - وهو مالك الأشياء - لا يتحقق مقصودًا) ش: فيأخذ الملك من الله تعالى حكم التمليك من غيره حتى يشترط فيه التسليم والقبض، وقوله وهو مالك الأشياء جملة معترضة بين اسم إن وخبرها. م: (وقد يكون تبعًا لغيره فيأخذ حكمه) ش: أي قد يكون التمليك تبعًا لغيره أي ضمنًا؛

(7/430)


فينزل منزلة الزكاة والصدقة. قال: وإذا صح الوقف على اختلافهم، وفي بعض النسخ: وإذا استحق مكان قوله: وإذا صح خرج من ملك الواقف، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه؛ لأنه لو دخل في ملك الموقوف عليه، لا يتوقف عليه، بل ينفذ بيعه كسائر أملاكه، ولأنه لو ملكه لما انتقل عنه بشرط المالك الأول، كسائر أملاكه،
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وقوله: خرج عن ملك الواقف يجب أن يكون قولهما على الوجه الذي سبق ذكره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأن التمليك من الله قصدًا لا يثبت [..] من شيء، بل يثبت ضمنًا ولا يثبت قصدًا فيأخذ التمليك من الله حكم التمليك من غيره حتى يشترط فيه التسليم والقبض. م: (فينزل منزلة الزكاة والصدقة) ش: يعني ينزل التمليك من الله تعالى في الوقف في ضمن التسليم إلى العبد منزلة تملك المال من الله تعالى في الزكاة حيث يتحقق التمليك منه في ضمن التسليم إلى الفقير.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا صح الوقف على اختلافهم) ش: أي على اختلاف العلماء في صحته حيث لا يصح عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على رواية الأصل خلافًا لصاحبيه.
م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا استحق مكان قوله، وإذا صح خرج من ملك الواقف، ولم يدخل في ملك الموقوف عليه) ش: خلافًا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
م: (لأنه) ش: أي لأن الوقف. م: (لو دخل في ملك الموقوف عليه، لا يتوقف عليه) ش: أي على ملكه، وجاز له إخراجه عن ملكه كسائر أملاكه وهو معنى قوله. م: (بل ينفذ بيعه كسائر أملاكه) ش: أي كما ينفذ تصرفه في سائر أملاكه.
ومع هذا لا يجوز لعدم دخوله في ملكه. م: (ولأنه لو ملكه) ش: دليل بأن في عدم دخوله في ملكه، أي: ولأن الموقوف عليه لو ملك الموقوف. م: (لما انتقل عنه بشرط المالك الأول) ش: وهو الواقف يعني ما كان ينتقل إلى من بعده ممن شرط الوقف بقوله: بعد هذا الموقوف عنه إلى الفقراء رعاية لشرطه.
لكن ليس له ذلك بالاتفاق يدل على أنه لا يدخل في ملك الموقوف عليه. م: (كسائر أملاكه) ش: أي كسائر أملاك الموقوف عليه.

م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وقوله) ش: أي وقول القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره ". م: (خرج عن ملك الواقف يجب أن يكون قولهما على الوجه الذي سبق ذكره) ش: يعني أن الوقف عندهما حبس العين على ملك الله تعالى، وبزوال الملك الواقف عنه إلى الله تعالى، فلما زال ملك الواقف عندهما يجب أن يكون قوله خرج على ملك الواقف قولهما

(7/431)


قال: ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن القسمة من تمام القبض، والقبض عنده ليس بشرط، فكذا تتمته، وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن أصل القبض عنده شرط، فكذا ما يتم به، وهذا فيما يحتمل القسمة، فأما فيما لا يحتمل القسمة فيجوز مع الشيوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بخلاف قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن بالوقف عنده حبس العين على ملك الواقف، والتصدق بالنفقة.
فإذا كان محبوسًا على ملك الواقف لا يصح قوله: خرج عن ملك الواقف، على مذهب، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله يجب أن يكون قولهما مطلقًا لا يستقيم. أجيب عنه: بأنه قال: وإذا صح الوقف لم تدل الصحة على اللزوم كالعقود الصحيحة الغير اللازمة من العارية والوكالة والمضاربة، فكان القول بخروج الوقف عن ملك الواقف إذا صح الوقف، قولهما: إذا حكم به، فحينئذ خروجه قول الكل.

[وقف المشاع]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (لأن القسمة من تمام القبض) ش: لأن القبض للخيارة وتمام الخيارة مما يقسم بالقسمة. م: (والقبض عنده) ش: أي عند أبي يوسف. م: (ليس بشرط فكذا تتمته) ش: وهي القسمة وهو كونه مقسومًا مقررًا.
وهذا لأن الوقف إسقاط الملك كالإعتاق، والشيوع لا يمنع العتاق فَلَا خَوْفٌ الوقف أيضًا، يؤيده «حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أصاب [..] ، واستأذن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها فأمره - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بوقفها» .

م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن أصل القبض عنده شرط، فكذا ما يتم به) ش: أي ما يتم به القبض وهو كونه مقسومًا.
وقال الولوالجي في " فتاوى مشايخ بلخ ": أخذوا بقول أبي يوسف ومشايخ بخارى - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أخذوا بقول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وبه يفتى ثم قال: فإن رفع إلى القاضي فقضى بجوازه جاز عند الكل؛ لأنه مختلف فيه فيصير متفقًا عليه باتصال القضاء.
وقال في " خلاصة الفتاوى ": ولو وقفت نصف الحمام، جاز يعني بلا خلاف من أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنه لا يحتمل القسمة فصار كسهم المشاع فيما لا يحتمل القسمة.
م: (وهذا) ش: أي وهذا الخلاف المذكور بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. م: (فيما يحتمل القسمة، وأما فيما لا يحتمل القسمة) ش: كالحمام والرحى ونحوهما. م: (فيجوز مع الشيوع

(7/432)


عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا؛ لأنه يعتبره بالهبة والصدقة المنفذة إلا في المسجد والمقبرة، فإنه لا يتم مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة أيضا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى، ولأن المهايأة فيهما في غاية القبح بأن يقبر فيه الموتى سنة ويزرع سنة، ويصلى فيه في وقت ويتخذ إصطبلا في وقت بخلاف الوقف، لإمكان الاستغلال وقسمة الغلة. ولو وقف الكل، ثم استحق جزءا منه، بطل في الباقي، عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشيوع مقارن، كما في الهبة، بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض، أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض، وقد وهب أو وقف في مرضه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا؛ لأنه) ش: أي لأن محمدا. م: (يعتبره) ش: أي الوقف بالنوع. م: (بالهبة) ش: أي لجواز الهبة المشاعة. م: (والصدقة المنفذة) ش: وهي التي سلمت إلى الفقير وجعلت مملوكة له، وفيه لا يمنع الشيوع، وكذا في الصدقة الموقوفة، وهي التي لم يملكها الموقوف عليه إلا إذا تصدق عليه بمنفعتها. م: (إلا في المسجد والمقبرة) ش: استثناء من قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعني لا يصح وقف المسجد والمقبرة فيما لا يحتمل القسمة أيضًا بأن كان الموضع صغيرًا لا يصلح بما أراده الواقف من المسجد والمقبرة على تقدير القسمة؛ لأن المسجد خالص لله تعالى، والشيوع بناء في الخلوص، ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] (الجن: الآية 18) .
م: (فإنه لا يتم) ش: أي فإن الوقف لا يتم. م: (مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة أيضًا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى) ش: كما ذكرناه.
م: (ولأن المهايأة فيهما) ش: أي في المسجد والمقبرة. م: (في غاية القبح بأن يقبر بأن يقبر فيه الموتى سنة ويزرع سنة ويصلى فيه في وقت ويتخذ إصطبلًا في وقت بخلاف الوقف) ش: أي وقف المشاع، فإنه لا قبح فيه.
م: (لإمكان الاستغلال وقسمة الغلة) ش: بين مستحق الوقف وبين صاحب الملك. م: (ولو وقف الكل) ش: ذكر هذا تفريعًا لمسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو أنه وقف عقارًا كله. م: (ثم استحق جزءًا منه) ش: بأن مالكه مستحقًا في النصف أو الثلث أو الربع ونحوهما. م: (بطل) ش: أي الوقف. م: (في الباقي) ش: بعد الاستحقاق. م: (عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الشيوع مقارن) ش: للقبض؛ لأن حق المستحق كان ثابتًا في الموقوف حال الوقف فلم يتم القبض، وهو شرط عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فبطل في الباقي لانتفاء الشرط. م: (كما في الهبة) ش: المشاعة لمقارنة الشيوع فيه عند القبض. م: (بخلاف ما إذا رجع الواهب في البعض) ش: في النصف مثلًا بعد قبض الموهوب له. م: (أو رجع الوارث في الثلثين) ش: بأن وهب في مرض موته فمات ورجع الوارث. م: (بعد موت المريض، وقد وهب أو وقف في مرضه) ش: والحال أن الواهب وهب في مرضه أو

(7/433)


وفي المال ضيق؛ لأن الشيوع في ذلك طارئ، ولو استحق جزء مميز بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع، ولهذا جاز في الابتداء وعلى هذا الحكم الهبة والصدقة المملوكة.
قال: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدا. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم، لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وأنه يتأبد كالعتق، فإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الواقف وقف في مرضه.
م: (وفي المال ضيق) ش: أي والحال أن في المال ضيقًا، يعني لا مال سواه لا يسع المال الهبة ولا الوقف، وأصله أن حكم هبة المريض كحكم الوهب حتى يصير خروجها من الثلث، وكذلك الوقف، ثم إن الوارث لما أبطله فيما زاد على الثلث بقي في الثلث صحيحًا؛ لأن حق الوارث إنما يثبت بعد الموت، فإبطاله بعد الموت في القدر الذي بطل فيقدر على ذلك الوقف ولا يتعين الوقف في الجزء الشائع.
م: (لأن الشيوع في ذلك طارئ) ش: وهذا مجرى الرجوع في الهبة ظاهرًا، وكذا في رجوع الورثة؛ لأن حقهم يثبت في المال ثم سد فيكون طارئًا. م: (ولو استحق جزء مميز بعينه) ش: يعني في المسألة المذكورة. م: (لم يبطل) ش: أي الوقف. م: (في الباقي لعدم الشيوع) ش: لأن المفسد هو الشيوع وهو منتف هنا.
م: (ولهذا جاز في الابتداء) ش: أي ولكون استحقاق جزء معين في المكان غير مانع جاز الوقف في ابتداء الأمر لعدم الشيوع المفسد. م: (وعلى هذا الحكم الهبة والصدقة المملوكة) ش: أي للفقير، يعني إذا استحق جزءًا معينًا لا تبطل الهبة والصدقة في الباقي.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدًا) ش: مثل أن يقول: علي كذا وكذا ثم على فقراء المسلمين حيث ما وجدوا.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز، وصار بعدها) ش: أي بعد تلك الجهة. م: (للفقراء وإن لم يسمهم) ش: مثل أن يثبت علي كذا وكذا، وعلى أمهات أولاده، جاز، صار بعدها للفقراء. م: (لهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. م: (أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك) ش: يعني لا إلى ملك. م: (وأنه) ش: أي وأن زوال الملك بدون التمليك. م: (يتأبد كالعتق) ش: فإنه زوال الملك وهو متأبد.
م: (فإذا كانت الجهة) ش: التي عينها الواقف. م: (يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليها) ش: أي على

(7/434)


مقتضاه، ولهذا كان التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى، وهو موفر عليه؛ لأن التقرب تارة يكون في الصرف إلى جهة تنقطع، ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد، فيصح في الوجهين، وقيل: إن التأبيد شرط بالإجماع، إلا أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط ذكر التأبيد؛ لأن لفظة الوقف والصدقة مبينة عنه، لما بينا أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوقف. م: (مقتضاه) ش: وهو التأبيد. م: (ولهذا كان التوقيت) ش: في الوقف. م: (مبطلًا له) ش: أي للوقف كما إذا وقف داره عشرين سنة فلا يجوز. م: (كالتوقيت في البيع) ش: إلى عشرة أيام مثلًا.
فإن قيل: كيف يستقيم قوله: إنه زوال الملك بدون التمليك على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن عنده الوقف حبس العين على ملك الواقف، ولم يزل ملكه، وهذا تناقض.
أجيب: بأن في " المبسوط " و" الذخيرة " و" التتمة " وغيرها جعل زوال الملك بشرط التأبيد، [وهو] قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة وقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فعلى ما ذكر في الكتاب جاز أن يكون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان أو أراد هاهنا ما إذا حكم الحاكم بصحته ولزومه فحينئذ يخرج بالاتفاق، وفرع أبو حنيفة على قول من يرى خروجه وهو قولهما كما في المزارعة.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المقصود) ش: من الوقف. م: (هو التقرب إلى الله تعالى) ش: بالتصدق بالنفقة.
م: (وهو موفر عليه) ش: أي بالتقرب إلى الله تعالى موفر على جعل الوقف بجهة تنقطع وبجهة لا تنقطع. م: (لأن التقرب تارة يكون في التصرف إلى جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد) ش: يعني لا تنقطع. م: (فيصح في الوجهين) ش: فعلى هذا إذا انقطعت الجهة عاد الوقف إلى ملكه إن كان حيّا، وإلى ملك ورثته إن كان ميتًا.
ولقائل أن يقول: هذا التعليل غير مطابق لما ذكر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه قال: وصار بعدها للفقراء فإن لم يسمهم وذلك يدل على أن التأبيد شرط.
والجواب: أن المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أمران: أحدهما: أنه لا يشترط التأبيد أصلًا، والثاني: أنه يشترط، لكن لا يشترط ذكره باللسان.
والمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أشار إلى القول الأول بالتعليل وإلى الثاني بذكر المذهب، واستدل عليه بقوله. م: (وقيل: إن التأبيد شرط بالإجماع، إلا أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط ذكر التأبيد؛ لأن لفظة الوقف والصدقة مبينة عنه) ش: أي عن التأبيد. م: (لما بينا) ش: فيما مضى. م: (أنه)

(7/435)


إزالة الملك بدون التمليك كالعتق، ولهذا قال في " الكتاب " في بيان قوله، وصار بعدها للفقراء، وإن لم يسمهم وهذا هو الصحيح، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر التأبيد شرط؛ لأن هذه صدقة بالمنفعة أو بالغلة، وذلك قد يكون مؤقتا وقد يكون مؤبدا، فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص.
قال: ويجوز وقف العقار؛ لأن جماعة من الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وقفوه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي أن الوقف. م: (إزالة الملك بدون التمليك كالعتق، ولهذا قال في " الكتاب ") ش: أي قال في " مختصر القدوري ". م: (في بيان قوله) ش: أي قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وصار بعدها للفقراء، وإن لم يسمهم) ش: أي الفقراء.
م: (وهذا) ش: أي كون التأبيد شرطًا، وذلك عند غير أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (هو الصحيح، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر التأبيد شرط؛ لأن هذه صدقة بالمنفعة أو بالغلة، وذلك قد يكون مؤقتًا وقد يكون مؤبدًا، فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص) ش: على التأبيد، وفي " الذخيرة " و" الأسرار ": لو قال: أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة تصير وقفًا بالإجماع ولو لم يقل مؤبدة تصير وقفًا في قول عامة من يجيز الوقف أن الصدقة تثبت مؤبدة؛ لأنها تحتمل الفسخ كالإعتاق.
وإذا انقطعت الجهة تصرف إلى المساكين، وبه قال مالك، وأحمد في رواية، والشافعي في قول، وقال الشافعي في قول: يصرف إلى أقارب الواقف المحتاجين، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية عن أحمد: يوضع في بيت المال.

[وقف العقار]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ويجوز وقف العقار) ش: هذا لفظ، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (لأن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وقفوه) ش: أي العقار وقد مر أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقف أرضًا تسمى ثمغ.
وفي " الخلافيات " للبيهقي قال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي: تصدق أبو بكر بداره بمكة على ولده فهي إلى اليوم، وتصدق عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بربعه عند المروة على ولده فهي إلى اليوم، وتصدق علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأرضه وداره بمصر وبأمواله بالمدينة على ولده فذلك إلى اليوم، وتصدق سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بربعه عند المروة وبداره بالمدينة وبداره في مصر على ولده، فذلك إلى اليوم، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تصدق بدومة فهي إلى اليوم، وعمرو بن العاص - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالوهد بالطائف وداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك إلى اليوم، وإلا يحضر في كثير.

(7/436)


ولا يجوز وقف ما ينقل، ويحول. قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا على الإرسال لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف: إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده، جاز، وكذا سائر آلات الحراثة؛ لأنه تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود، وقد يثبت من الحكم تبعا، ما لا يثبت مقصودا، كالشرب في البيع، والبناء في الوقف، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه فيه؛ لأنه لما جاز إفراد بعض المنقول بالوقف عنده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول) ش: هذا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وهذا على الإرسال) ش: أي على الإطلاق، ففي قوله في الكتاب: ولا يجوز وقف ما ينقل ويحول مطلقًا من غير ذكر خلاف. م: (لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وقف ضيعة ببقرها وأكرتها) ش: [..] وأكرتها بفتح الكاف [..] الأكار وهو الفلاح.
م: (وهم عبيده) ش: أي عبيد الواقف. م: (جاز، وكذا سائر آلات الحراثة) ش: أي وكذا يجوز وقف آلات الحراثة مع البقر.
م: (لأنه) ش: أي لأن المذكور من هذه الأشياء. م: (تبع للأرض في تحصيل ما هو المقصود) ش: وهو الغلة. م: (وقد ثبت من الحكم تبعًا) ش: أي بطريق التبعية. م: (ما لا يثبت مقصودًا) ش: أي من حيث القصد. م: (كالشرب في البيع) ش: أي لجواز الشرب في بيع الأرض. م: (والبناء في الوقف) ش: أي ولجواز الوقف تبعًا للأرض.
ولا يجوز وقفه مقصودًا. م: (وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه) ش: أي مع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فيه) ش: أي في جواز وقف المنقول.
م: (لأنه لما جاز إقرار بعض المنقول بالوقف عنده) ش: أي عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما يتعارف الناس وقفه كالمنشار والفأس والجنازة والمصحف لقراءة القرآن والقدور والمراجيل، وما لم يتعارف الناس وقفه لا يجوز وقفه كوقف الثياب وغيرها من الأمتعة، وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يجوز وقف كل ما ينتفع به مع بقاء عينه، وعن مالك في الكراع والسلاح روايتان.
وأما وقف ما لا ينتفع به إلا بالإتلاف كالذهب والفضة والمأكول والمشروب، فقيل: جائز في قول عامة الفقهاء وأهل العلم إلا ما حكي عن مالك والأوزاعي - رحمهما الله -: أن وقف الطعام يجوز.
ولم يحكمه أصحاب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وليس بصحيح، والمراد بالذهب والفضة الدراهم والدنانير وما ليس بحلي، أما الحلي فيصح وقفه عند أحمد والشافعي - رحمهما الله -

(7/437)


فلأن يجوز الوقف فيه تبعا أولى. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز حبس الكراع والسلاح، معناه: وقفه في سبيل الله، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - معه فيه على ما قالوا، وهذا استحسان، والقياس أن لا يجوز، لما بينا من قبل، وجه الاستحسان الآثار المشهورة فيه منها قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وأما خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد حبس أدرعا وأفراسا له في سبيل الله تعالى»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فلأن يجوز الوقف فيه) ش: أي في المنقول. م: (تبعًا) ش: أي من حيث التبعية. م: (أولى) ش: بالجواز. م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز حبس الكراع) ش: أي الخيل، قال في " ديوان الأدب ": الكراع: الخيل.
وكذا فسره المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى، والكراع من البعير والبقر والغنم، ما استدق من الساق يذكر ويؤنث والجمع كرع وأكارع. كذا في " الصحاح "، [و] المراد الأول.
م: (والسلاح) ش: أي وحبس السلاح أيضًا، وقال المصنف. م: (معناه) ش: معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز حبس الكراع والسلاح. م: (وقف في سبيل الله عز وجل، وأبو يوسف معه) ش: أي مع محمد. م: (فيه) ش: أي في الجواز حبس الكراع والسلاح. م: (على ما قالوا) ش: أي المشايخ.
م: (وهذا) ش: أي جواز حبس الكراع والسلاح. م: (استحسان) ش: أي بطريق الاستحسان. م: (والقياس أن لا يجوز، لما بينا من قبل) ش: أي من حبس شرط التأبيد؛ لأن المنقول لا يتحقق فيه التأبيد لعدم بقائه. م: (وجه الاستحسان الآثار المشهورة فيه) ش: أي في جواز حبس الكراع والسلام. م: (منها) ش: أي من الآثار. م: (قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (وأما خالد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد حبس أدرعًا وأفراسًا له في سبيل الله تعالى) ش: هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على الصدقة فمنع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله ... » الحديث.
قوله: أعتده: جمع قلة عتاد بكسر العين، وتخفيف التاء المثناة من فوق وهو ما أعده الراجل من السلاح والدواب وآلة الحرب، ويروى أنه احتبس أدراعه وأعتاده، وقال الدارقطني: قال أحمد بن حنبل: قال علي بن حفص: [من قال] : وأعتاد أخطأ فيه وصحفه، وإنما هو أعتده، والأدراع جمع درع وهي الزروية.

(7/438)


وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حبس دروعه في سبيل الله تعالى، ويروى: وأكراعه، والكراع الخيل ويدخل في حكمه الإبل؛ لأن العرب يجاهدون عليها، وكذا السلاح يحمل عليها، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات: كالفأس، والمر، والقدو، والمنشار، والجنازة، وثيابها، والقدور، والمراجل، والمصاحف، وعند أبي يوسف: لا يجوز لأن القياس إنما يترك بالنص، والنص ورد في الكرع والسلاح فيقتصر عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال ابن الأثير: وجاء في رواية وأعبده بالباء الموحدة جمع قلة للعبد، وقال الكاكي: وروي أن خالدًا جمع ثلاثمائة فرس في خلافة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مكتوب على لماذه حبس في سبيل الله.
م: (وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حبس دروعه في سبيل الله تعالى) ش: هذا غريب جدًا ليس له أصل. م: (ويروى: وأكراعه) ش: والرواية غير صحيحة من وجهين: أحدهما: أنها لم تنقل عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - من الرواة الثقات، والآخر من جهة اللفظ؛ لأن كراعًا عليه وزن فعال، ولم يسمع جمعه على أفعال.
م: (والكراع: الخيل، ويدخل في حكمه الإبل؛ لأن العرب يجاهدون عليها) ش: وقال الأنباري: كان القياس أن يقول: في حكمها؛ لأن الكراع مؤنث سماعي.
قلت: يجوز في المؤنث السماعي التذكير بالنظر إلى ظاهر اللفظ.
م: (وكذا السلاح يحمل عليها) ش: أي كما يقوى عليها محمد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أيضًا فيحبس كذلك. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات: كالفأس، والمر) ش: بفتح الميم وتشديد الراء هو الآلة التي يعمل بها في الطين. م: (والقدوم) ش: بفتح القاف وضم الدال المخففة لا غير، وجمعه قدم قاله ابن رزين وهي التي فتحت بها.
م: (والمنشار) ش: بكسر الميم الآلة التي ينشر بها الخشب. م: (والجنازة) ش: بكسر الجيم وهي التي يحمل عليها الميت. م: (وثيابها) ش: أي ثياب الجنازة، وهي التي تغطى بها الجنازة. م: (والقدور) ش: جمع قدر. م: (والمراجل) ش: بالجيم جمع مرجل وهو قدر من نحاس، كذا في " ديوان الأدب ". وقال ابن دريد: المرجل بمعروف عرفي صحيح.
قلت: الفرق بين القدر والمرجل أن المرجل لا يكون إلا من نحاس، والقدر قد تعمل من طين ويسمى المبيرام.
م: (والمصاحف) ش: جمع مصحف وهو مشهور. م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز؛ لأن القياس إنما يترك بالنص، والنص ورد في الكراع والسلاح فيقتصر عليه) ش: أي على النص

(7/439)


ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع، وقد وجد التعامل في هذه الأشياء. وعن نضر بن يحيى أنه وقف كتبه إلحاقا لها بالمصحف، وهذا صحيح لأن كل واحد تمسك للدين تعليما وتعلما وقراءة، وأكثر فقهاء الأمصار على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وما لا تعامل فيه لا يجوز عندنا وقفه، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء أصله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: القياس قد يترك بالتعامل كما في الاستصناع، وقد وجد التعامل في هذه الأشياء) ش: أي في وقف هذه الأشياء المذكورة، كالفأس والمر إلى آخره.
م: (وعن نضر بن يحيى أنه وقف كتبه إلحاقًا لها بالمصحف) ش: أي لأجل إلحاق وقف الكتب يجوز وقف المصاحف، وقال صاحب " التحفة ": وعن نضر بن يحيى أنه وقف كتبه على أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وقال في " النوازل ": سئل أبو نصر عن رجل وقف الكتب قال: كان محمد بن سلمة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجيزه، وكان نصر بن يحيى يجيزه وقد وقف كتبه. وقال الفقيه: وكان أبو جعفر يخبر ذلك وبه يأخذ، إلى هنا لفظ كتاب النوازل.
ونصر بن يحيى من كبار علمائنا في بلخ مات سنة ثمان وستين ومائتين، وكان تلميذًا للحسن بن زياد، ومات الحسن سنة أربع ومائتين، وهو تلميذ أبي حنيفة ومحمد بن سلمة - رحمهما الله - مات في شوال سنة ثمان وسبعين ومائتين. وأبو نصر محمد بن سلام مات سنة خمس وثلاثمائة وأبو جعفر الهندواني مات ببخارى سنة ست وستين وثلاثمائة وهو ابن اثنين وستين سنة، وكان أستاذ الفقيه أبي الليث، كان أبو نصر تلميذ محمد بن سلمة ونصر جميعًا، وهما تلميذا عصام بن يوسف القاضي، ومات عصام ببلخ سنة خمس عشرة ومائتين.
م: (وهذا صحيح) ش: أي قول نصر بن يحيى صحيح. م: (لأن كل واحد) ش: أي من الكتب. م: (يمسك) ش: على صيغة المجهول. م: (للدين) ش: أي لأجل مصالح الدين معلمًا، أي من حيث. م: (تعليمًا وتعلمًا) ش: أي من حيث التعليم.
م: (وقراءة) ش: أي من حيث القراءة. م: (وأكثر فقهاء الأمصار على قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: في جواز وقف الأشياء المذكورة، وفي " فتاوى قاضي خان "، اختلف المشايخ في وقف الكتب، وجوزه الفقيه أبو الليث، وعليه الفتوى.
م: (وما لا تعامل فيه) ش: أي والذي لا يتعامل الناس فيه الوقف من المنقولات كالثياب والحيوان. م: (لا يجوز وقفه عندنا، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء أصله) ش: احترز به عن الدراهم والدنانير، فإن الانتفاع الذي خلفته الدراهم والدنانير لأجله وهو الثمنية لا يمكن سهمًا مع بقاء أصله في ملك.

(7/440)


ويجوز بيعه ويجوز وقفه؛ لأنه يمكن الانتفاع به فأشبه العقار والكراع والسلاح. ولنا أن الوقف فيه لا يتأبد منه على ما بيناه، فصار كالدراهم والدنانير بخلاف العقار ولا معارض من حيث السمع ولا من حيث التعامل، فبقي على أصل القياس، وهذا لأن العقار يتأبد والجهاد سنام الدين، فكان معنى القربة فيهما أقوى فلا يكون غيرهما في معناهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويجوز بيعه) ش: احترز به عن حمل الناقة والجارية فإنه لا يجوز بيعه، فكذا وقفه عنده أيضًا، وقوله. م: (ويجوز وقفه) ش: خبر قوله كلما يمكن. م: (لأنه يمكن الانتفاع به، فأشبه العقار والكراع والسلاح) ش: ووجه أن الأصل لا يجوز وقف الكراع والسلاح، أي فأشبه ما ينتفع به مع بقاء أصل العقار في صحة وقفه. م: (ولنا أن الوقف فيه) ش: أي في النقول التي ذكرها.
م: (لا يتأبد منه) ش: أي والحال لا بد من التأبيد، وما لا يتأبد لا يجوز وقفه. م: (على ما بيناه) ش: فيما حتى من اشتراط التأبيد. م: (فصار) ش: أي كل ما ينتفع به مع بقاء أصله. م: (كالدراهم والدنانير) ش: في عدم الجواز. م: (بخلاف العقار) ش: فإن فيه التأبيد، وإن لم يذكر ولم يشترط.
م: (ولا معارض من حيث السمع) ش: جواب عن قوله فأشبه العقار والكراع والسلاح أيضًا كالدراهم والدنانير كونه يعارض وأرجح من حيث السمع.
م: (ولا من حيث التعامل) ش: جواب عما يقال ترك الأصل في الكراع والسلاح معارض من حيث السمع، وهو ليس بموجود في [ ... ] القدوم وغيرهما، فلتكن صورة النزاع مقيدة على ذلك ووجه أن لها معارضًا من حيث التعامل وليس بموجود في صورة النزاع كالعبيد والإماء والثياب والبسط وأمثالها.
م: (فبقي على أصل القياس وهذا) ش: استظهار على أن إلحاق غير العقار والكراع بهما غير جائز فقال. م: (لأن العقار يتأبد والجهاد سنام الدين) ش: أي معظم الدين؛ لأنه من فروض الكفاية وسنام البعير معروف.
م: (فكان معنى القربة فيهما) ش: أي في الكراع والسلاح. م: (أقوى) ش: لأن الكراع آلة الجهاد، الذي هو فرض كفاية، والقربة بسائر المقولات تطوع. م: (فلا يكون) ش: في معناه، فلا يكون. م: (غيرهما) ش: أي غير الكراع والسلاح. م: (في معناهما) ش: يقولهما ولم ينكر التعامل اعتمادًا على شهرة كون التعامل أقوى من القياس، فجاز أن يترك في العبد.
قال صاحب " المحيط ": وقف مائة وخمسين دينارًا على مرضى الوصية تصح وتدفع الذهب إلى إنسان بمضاربة يتعلمها يستعملها ويصرف الربح، وفي " المحيط ": وكذلك وقف الدراهم، والمكيل والموزون.

(7/441)


قال: وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه إلا أن يكون مشاعا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيطلب الشريك القسمة فيصح مقاسمته، أما امتناع التمليك فلما بينا. وأما جواز القسمة فلأنها تميز وإفراد غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون يكون بمعنى المباذلة، إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرا للوقف، فلم يكن بيعا وتمليكا، ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك فهو الذي يقاسم شريكه؛ لأن الولاية إلى الواقف وبعد الموت إلى وصيه، وإن وقف نصف عقار خالص له، فالذي يقاسمه القاضي أو يبيع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال تاج الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز صرف الأودية الموقوفة في الماشان إلى الغني، ولا يجوز وقف الأودية فيه إلا إذا ذكر الفقراء، ولو قال: على الفقراء والأغنياء يجوز، وتدخل الأغنياء تبعًا.

[بيع الوقف أو تمليكه]
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (وإذا صح الوقف لم يجز بيعه ولا تمليكه إلا أن يكون مشاعًا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيطلب الشريك القسمة، فيصح مقاسمته) ش: إلى هنا لفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (أما امتناع التمليك فلما بينا) ش: أشار به إلى ما ذكر في أوائل الكتاب من قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «تصدقا بأصلها لا تباع ولا تورث ولا توهب» ، ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله لهما: إن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وهذا قوله: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يجعل آخره لجهة لا يقطع أبدًا.
ويجوز أن يكون إشارة إلى ما ذكر من المعنى بقوله، ولأن الحاجة ماسة إلى آخره، وقوله إلا أن يكون مشاعًا استثناء من قوله: لم يجز بيعه وهو منقطع أو متصل؛ لأن معنى المبادلة في قسمة العقار راجح، فجعل كأنه بيع الساعة.
م: (وأما جواز القسمة فلأنها) ش: أي فلأن القسمة. م: (تميز وإفراز) ش: أي تميز للحقوق، وإفراد كل نصيب منه والممنوع التمليك لا الإفراد. م: (غاية الأمر أن الغالب في غير المكيل والموزون يكون بمعنى المباذلة) ش: وهي في العقار والعروض والحيوانات للتفاوت المكيل والموزون والعددي الذي لا يتفاوت، فإن الإفراد هو الغالب منها.
م: (إلا أن في الوقف جعلنا الغالب معنى الإفراز نظرًا للوقف) ش: في حق الفقراء. م: (فلم يكن) ش: القسمة فيه. م: (بيعًا وتمليكًا) ش: قرع المصنف على مسألة القدوري فقال: م: (ثم إن وقف نصيبه من عقار مشترك، فهو الذي يقاسم شريكه) ش: لا القاضي. م: (لأن الولاية إلى الواقف وبعد الموت إلى وصيه، وإن وقف نصف عقار خالص له فالذي يقاسمه القاضي أو يبيع) ش: أي الواقف

(7/442)


نصيبه الباقي من رجل ثم يقاسمه المشتري ثم يشتري ذلك منه؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسما ومقاسما، ولو كان في القسمة فضل دراهم إن أعطى الواقف لا يجوز لامتناع بيع الوقف، وإن أعطى الواقف جاز، ويكون بقدر الدراهم شراء.
قال: والواجب أن يبتدئ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشترط؛ لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء، ولأن الخراج بالضمان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (نصيبه الباقي) ش: من العقار وهو النصف.
م: (من رجل ثم يقاسمه الواقف المشتري ثم يشتري ذلك منه؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون مقاسمًا) ش: بكسر السين. م: (ومقاسمًا) ش: بفتح السين؛ لأن القسمة تجري بين اثنين، فلا يتأتى في واحد.
م: (ولو كان في القسمة فضل دراهم) ش: بأن يكون أحد النصيبين أجود من الآخر، فجعل بأن الجودة دراهم. م: (إن أعطى) ش: أي المشتري. م: (والواقف ذلك) ش: أي فضل دراهم. م: (لا يجوز لامتناع بيع الوقف) ش: لأن الأخذ للدراهم إذا كان الواقف يصير بائعًا بعض الوقف، فلا يجوز بيع الوقف.
م: (وإن أعطى الواقف) ش: أي وإن أعطى الواقف الشريك. م: (جاز) ش: لأن الواقف مشتر لا بائع، فكأنه اشترى بعض نصيب شريكه لوقفه. م: (ويكون بقدر الدراهم شراء) ش: أي يكون للمشتري وليس بوقف.
كذا في " الفتاوى الظهيرية "، و" الكافي "، وفي " النهاية ": ويصير الواقف مشتريًا بمقابلة الدراهم وقفًا، أي كذلك الشيء الذي اشتراه فيجوز.

م: (قال) ش: أي القدوري. م: (والواجب أن يبتدئ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط الواقف ذلك أو لم يشترط) ش: إلى هنا كلام القدوري، ثم قال المصنف. م: (لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدًا، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط) ش: الواقف والعمارة اقتضى ضرورة التصدق.
م: (ولأن الخراج بالضمان) ش: معناه الغلة سبب أن ضمنت وقد مر بيانه في أول كتاب اللقيط، يعني لما كان صلة الوقف للموقوف عليهم كانت العمارة أيضًا عليهم.
(وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " «الخراج بالضمان» " لفظ الحديث، وهو من جوامع الكلم؛ لإجراء معارضة جرى مجرى المثل واستعمل في كل مرة مقابلة منفعته، ومعناه ما ذكرناه الآن، ولم يبين أصلًا الحديث، فنقول حديث أبي عبيدة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في كتاب " غريب الحديث " عن مروان الفزاري، عن ابن أبي ذئب، عن [ ... ]- رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(7/443)


وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته، فإنها على الموصى له بها، ثم إن كان الوقف على الفقراء، ولا يظفر لهم وأقرب أموالهم هذه الغلة فيجب فيها، ولو كان الوقف على رجل بعينه وأخره للفقراء فهو في ماله أي ماله شاء في حال حياته، ولا يؤخذ من الغلة؛ لأنه معين يمكن مطالبته، وإنما تستحق العمارة عليه بقدر ما تبقى الموقوف على الصفة الذي وقفه، وإن خرب يبنى على ذلك الوصف؛ لأنها بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليه. فأما الزيادة على ذلك فليست بمستحقة عليه، والغلة مستحقة له، فلا يجوز صرفها إلى شيء آخر إلا برضاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن عروة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قضى أن الخراج بالضمان» قال أبو عبيد معناه - والله أعلم -: الرجل يشتري المملوك [..] فقضى أنه يرد العبد على البائع بالعيب، ويرجع بالثمن فيأخذه ويكون له الغلة طيبة وهو الخراج، وإنما طابت له الغلة لأنه كان ضامنًا للعبد، ولو فات من مال المشتري لأنه في يده. إلى هنا لفظ أبي عبيد.
م: (وصار) ش: أي حكم. م: (كنفقة العبد الموصى بخدمته فإنها) ش: أي فإن نفقته. م: (على الموصى له بها) ش: أي بالخدمة؛ لأن الغرم بإزاء الغنم والخراج بالضمان. م: (ثم إن كان الوقف على الفقراء، ولا يظفر بهم) ش: أي بالفقراء والظفر الفوز، وإنما لا يظفر بهم لأنهم لا يحصون.
م: (وأقرب أموالهم هذه الغلة فيجب فيها) ش: أي فتجب العمارة في الغلة. م: (ولو كان الوقف على رجل بعينه وأخره للفقراء فهي) ش: أي العمارة. م: (في ماله) ش: أي ماله. م: (شاء في حال حياته ولا يأخذ من الغلة) ش: أي لا يأخذ منها صاحبها لأنه قال في مال أي مال شاء.
وهذه الغلة أيضًا من ماله، فلو لم يفد بذلك فمقتضى كلامه ما قاله الأكمل.
م: (لأنه) ش: أي لأن الموقوف عليه معنى. م: (معين يمكن مطالبته، وإنما تستحق العمارة عليه بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه، وإن خرب) ش: أي الوقف. م: (يبنى على ذلك الوصف) ش: أي الذي كان الواقف وقفه عليه.
م: (لأنها) ش: أي لأن العمارة. م: (بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليها، فأما الزيادة على ذلك) ش: أي على الوصف الذي وقف الواقف بذلك الوصف.
م: (فليست) ش: أي الزيادة. م: (بمستحقة) ش: أي على الموقوف. م: (عليه والغلة مستحقة له) ش: أي للموقوف عليه. م: (فلا يجوز صرفها) ش: أي صرف ما يستحقه. م: (إلى شيء آخر) ش: من زيادة العمارة. م: (إلا برضاه) ش: أي برضاء الموقوف عليه.

(7/444)


ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك عند البعض وعند الآخرين يجوز ذلك، والأول أصح لأن الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء الوقف ولا ضرورة في الزيادة، وإن وقف دارا على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى؛ لأن الخراج بالضمان على ما مر فصار كنفقة العبد الموصى بخدمته. فإن امتنع من ذلك أو كان فقيرا أجرها الحاكم وعمرها بأجرتها، وإذا عمرها ردها إلى من له السكنى؛ لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى؛ لأنه لو لم يعمرها تفوت السكنى أصلا والأول أولى، ولا يجبر الممتنع على العمارة لما فيه من إتلاف ماله فأشبه امتناع صاحب البذر في المزارعة، فلا يكون امتناعه رضا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد، ولا يصح إجارة من له السكنى لأنه غير مالك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك) ش: أي لا تجوز الزيادة على البناء على الصفة التي وقفه الواقف عليها. م: (عند البعض) ش: أي بعض المشايخ.
م: (وعند الآخرين يجوز ذلك) ش: أي ما يعمل من الزيادة. م: (والأول) ش: أي عدم جواز الزيادة في البناء. م: (أصح) ش: مما قاله البعض. م: (لأن الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء الوقف ولا ضرورة في الزيادة، وإن وقف دارًا على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى؛ لأن الخراج بالضمان على ما مر) ش: عن قريب. م: (وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته) ش: نفقته تجب عليه لأن الغرم بالغنم.
م: (فإن امتنع) ش: أي ولده. م: (من ذلك أو كان فقيرًا أجرها الحاكم وعمرها بأجرتها، وإذا عمرها ردها إلى من له السكنى؛ لأن في ذلك رعاية الحقين حق الواقف وحق صاحب السكنى؛ لأنه لو لم يعمرها) ش: أي القاضي. م: (تفوت السكنى أصلًا والأول) ش: أي عمارة القاضي الوقف بالأجرة. م: (أولى) ش: من البطالة؛ لأن يفضي إلى استيصال حق السكنى.
م: (ولا يجبر الممتنع) ش: أي عن العمارة من الموقوف عليهم. م: (على العمارة لما فيه من إتلاف ماله) ش: بالنفقة على العمارة، فله الامتناع من الضرر وهو إتلاف ماله. م: (فأشبه امتناع) ش: حال هذا الممتنع. م: (صاحب البذر في المزارعة) ش: بأن عقد اثنان عقد المزارعة وأحدهما عليه البذر، ثم امتنع من عليه البذر من العمل لا يجبر عليه لئلا يلزم الضرر، وهو إتلاف ماله.
م: (ولا يكون امتناعه) ش: من العمارة. م: (رضًا منه ببطلان حقه لأنه في حيز التردد) ش: أي في ناحية التردد، وذلك لأنه يحتمل أن يكون امتناعه لعدم القدرة بعدم النفقة، ويحتمل أن يكون لرجائه إصلاح القاضي ومؤنته، ويحتمل أن يكون لإبطال حقه بالنزول عنه، فلما ترددت الدلالة لم يثبت الرضا بالشك.
م: (ولا يصح إجارة من له السكنى لأنه غير مالك) ش: للعين لأن الإجارة تملك المنافع

(7/445)


قال: وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيه لأنه لا بد من العمارة ليبقى على التأبيد فيحصل مقصود الواقف، فإن مست الحاجة إليه في الحال صرفها فيها وإلا أمسكها حتى لا يتعذر عليه ذلك أوان الحاجة فيبطل المقصود، وإن تعذر إعادة عينه إلى موضعين وصرف ثمنه إلى المرمة صرفا للبدل إلى مصرف المبدل. ولا يجوز أن يقسمه يعني النقض بين مستحقي الوقف لأنه جزء من العين ولا حق للموقوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعوض، والتمليك إنما يتحقق من المالك، وهنا من له السكنى ليس بمالك للسكنى، وإنما تجب منفعة السكنى ليسهل الثواب الواقف، ونوقض بالمستأجر فإن له أن يؤجر الدار وليس بمالكها.
وأجيب: بأنه مالك المنفعة، ولهذا أقيمت العين في ابتداء العقد مقام المنفعة لئلا يلزم تمليك المنفعة المعدومة، ومن له السكنى أقيمت له النفقة، ولهذا لم يقم العين مقام المنفعة في ابتداء العقد مقام المنفعة في ابتداء الوقف، ولا يلزم من جواز تمليك المالك جواز تمليك غيره.

[ما انهدم من آلة الوقف]
م: (قال) ش: أي القدوري. م: (ومن هدم من بناء الوقف وآلته) ش: قال صاحب " النهاية " قوله وآلته يحتمل أن يكون مجرورًا بالعطف على النبي بمعنى ما انهدم من آلة الوقف بأن يلي خشب الوقف.
وقيد ويحتمل أن يكون مرفوعًا بالعطف على ما الموصولة وهو المنقول عن الثقات لأنه لا يقال انهدمت الآلة. م: (صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارته فيصرفه فيه لأنه لا بد من العمارة ليبقى) ش: أي الوقف. م: (على التأبيد فيحصل مقصود الواقف، فإن مست الحاجة إليه) ش: أي إلى أن يعمر الوقف. م: (في الحال صرفها) ش: أي إلى ما انهدم من البناء وآلته. م: (فيها) ش: أي في العمارة. م: (وإلا أمسكها) ش: أي إن لم يمس الحاجة إلى العمارة في الحال سلمها. م: (حتى لا يتعذر عليه) ش: أي على الحاكم.
م: (ذلك) ش: أي الصرف. م: (أوان الحاجة) ش: أي وقت الاحتياج. م: (فيبطل المقصود) ش: من الوقف. م: (وإن تعذر إعادة عينه) ش: أي عين ما انهدم. م: (إلى موضعه بيع) ش: أي باعه القاضي. م: (وصرف ثمنه إلى المرمة) ش: أي إلى الإصلاح، يقال: رم البناء يرمه رمًا ومرمة إذا أصلحه. م: (صرفًا للبدل) ش: وهو الثمن. م: (إلى مصرف المبدل) ش: وهو الوقف. م: (ولا يجوز أن يقسمه) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف. م: (يعني النقض) ش: بضم النون وسكون القاف بمعنى المنقوض، وهو اسم للبناء المنقوض. م: (بين مستحقي الوقف) ش: من تتمة كلام القدوري، والنون فيه سقطت للإضافة.
م: (لأنه) ش: أي لأن النقض. م: (جزء من العين) ش: أي من عين الوقف. م: (ولا حق للموقوف

(7/446)


عليهم فيه، وإنما حقهم في المنافع والعين حق الله تعالى فلا يصرف إليهم غير حقهم. قال: وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذكر فصلين شرط الغلة لنفسه وجعل الولاية إليه، أما الأول فهو جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يجوز على قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال الرازي وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقيل إن الاختلاف بينهما بناء على الاختلاف في اشتراط القبض والإفراز، وقيل هي مسألة مبتدأة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عليهم فيه) ش: أي في النقض. م: (وإنما حقهم) ش: أي حق المستحقين. م: (في المنافع والعين حق الله تعالى فلا يصرف إليهم غير حقهم) ش: لما فيه من الظلم، فلا يجوز.

[جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (وإذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وابن أبي ليلى والزهري وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[شرط الواقف الغلة لنفسه]
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ذكر) ش: أي القدوري. م: (فصلين) ش: أحدهما هو. م: (شرط الغلة لنفسه) ش: والآخر هو قوله: م: (وجعل الولاية إليه) ش: أمام: م: (الأول) ش: وهو جعل الغلة لنفسه. م: (فهو جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وقال الولوالجي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " فتاواه " ومشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أخذوا بقول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والصدر الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا كان يفتي به أيضًا ترغيبًا للناس في الوقف.
م: (ولا يجوز على قياس قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال مالك وهلال الرازي وأضيف هلال إلى الرازي لكونه من أصحاب الرازي، وفي " المغرب " الرازي تصحيف.
قلت: ما وقع في نسخ الهداية إلا الرازي، والصواب ما قاله صاحب " المغرب " وهو هلال بن يحيى البصري هو من أصحاب يوسف بن خالد السمتي البصري - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو من أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ووصية أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - مشهورة يجب حفظها لكل فقيه. وقيل: إن هلالًا أخذ الفقه عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا.
م: (وقيل إن الاختلاف بينهما) ش: أي بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (بناء على الاختلاف في اشتراط القبض والإفراز) ش: يعني عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يشترط ذلك خلافًا لمحمد، فلا جرم أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحح شرط الغلة لنفسه لأنه لا يشترط القبض والإفراز ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يصححه لأنه يشترطهما. م: (وقيل هي مسألة مبتدأة) ش: يعني الخلاف واقع فيها ابتداء.

(7/447)


والخلاف فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، ولو وقف وشرط البعض أو الكل لأمهات أولاده ومدبريه ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فهو للفقراء والمساكين، فقد قيل: يجوز بالاتفاق، وقد قيل هو على الخلاف أيضا وهو الصحيح؛ لأن اشتراطه لهم في حياته كاشتراطه لنفسه وجه قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الوقف تبرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه، فاشتراط البعض أو الكل لنفسه يبطله؛ لأن التمليك من نفسه لا يتحقق فصار كالصدقة المنفذة، وشرط بعض بقعة المسجد بنفسه، ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي «أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يأكل من صدقته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الهندواني: ليس في هذا رواية ظاهرة عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلا شيء ذكره في كتاب الوقف قال: إذا وقف على أمهات أولاده جاز؛ لأن الوقف عليهن بمنزلة الوقف على نفسه؛ لأن ما يكون لأم ولده حال حياته يكون له.
م: (والخلاف) ش: أي بين أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (فيما إذا شرط البعض لنفسه في حياته وبعد موته للفقراء، وفيما إذا شرط الكل لنفسه في حال حياته وبعد موته للفقراء سواء) ش: هكذا ذكر الفقيه أبو جعفر الهندواني. م: (ولو وقف وشرط البعض أو الكل) ش: أي بعض العلة أو كلها. م: (لأمهات أولاده ومدبريه ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فهو للفقراء والمساكين، فقد قيل: يجوز بالاتفاق، وقد قيل هو على الخلاف أيضًا) ش: عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجوز، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز.
م: (وهو الصحيح) ش: احترازا عن القول الأول، هو القول بالجواز بالاتفاق، ولكنه مخالف لرواية " المبسوط " و" الذخيرة "، و" التتمة "، و" فتاوى قاضي خان "، فإن فيها جعل جواز الوقف علمين بالاتفاق. م: (وجه قول محمد أن الوقف تبرع على وجه التمليك بالطريق الذي قدمناه) ش: أشار به إلى قوله لا بد من التسليم إلى المتوسط. م: (فاشتراط البعض) ش: أي بعض الغلة. م: (أو الكل) ش: أو اشتراطه كل الغلة. م: (لنفسه يبطله؛ لأن التمليك من نفسه لا يتحقق) ش: لأنه جعل فقه ملكه فقه لنفسه.
م: (فصار) ش: أي حكم هذا. م: (كما في الصدقة المنفذة) ش: فإنه لا يجوز أن يسلم قدرًا من ماله على وجه الصدقة بشرط أن يكون بعضه له، فهذا الشرط باطل. م: (وشرط بعض بقعة المسجد لنفسه) ش: بالجر عطفًا على الصدقة المتعذرة بأن وقف مسجدًا وشرطه أن يكون البعض من نفقة المسجد له، فهذا غير جائز.
م: (ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأكل من صدقته) ش: هذا غريب ليس له أصل. روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " في باب الأحاديث التي اعترض بها على أبي

(7/448)


والمراد منها صدقته الموقوفة، ولا يحل الأكل منها إلا بالشرط، فدل على صحته، ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القرابة على ما بيناه، فإذا شرط البعض أو الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكا لله تعالى لنفسه لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه، وهذا جائز كما إذا بنى خانا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة، وشرط أن ينزله أو يشرب منه أو يدفن فيه، ولأن مقصوده القربة، وفي التصرف إلى نفسه ذلك. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: نفقة الرجل على نفسه صدقة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - حدثنا ابن عيينة عن ابن طاووس عن أبيه أخبرني حجة الدري، قال صدقة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يأكل منها أهلها بالمعروف. م: (والمراد منها صدقته الموقوفة) ش: بمعنى قوله كان من صدقته الموقوفة وصحة هذا المعنى على صحة هذا الحديث المذكور فلم يصح.
وقد قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجه قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ما رواه زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأكل من صدقته» ذكر الحديث شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ".. انتهى.
قلت: هذا لا يغني شيئًا في الاستدلال على المدعى. م: (ولا يحل الأكل منها إلا بالشرط) ش: لأن أكل الواقف لا يخلو من أحد الأمرين إلا أن يكونا شرطًا أولًا، والثاني: لا يحل بالإجماع فتعين الأول. م: (فدل على صحته) ش: أي صحة الشرط. م: (ولأن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة على ما بيناه) ش: إشارة إلى ما ذكر عند قوله: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - حتى يجعل آخر لهجة لا تنقطع أبدًا بقوله لهما: إن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وإلى قوله لأبي يوسف أن المقصود هو المعتبر فعلم من هذا المجموع أن الوقف إزالة الملك إلى الله تعالى على وجه القربة.
م: (فإذا شرط البعض أو الكل لنفسه فقد جعل ما صار مملوكًا لله تعالى لنفسه لا أن يجعل ملك نفسه لنفسه، وهذا جائز كما إذا بنى خانًا أو سقاية أو جعل أرضه مقبرة وشرط أن ينزله) ش: أي في الخان. م: (أو يشرب منه) ش: أي من السقاية. م: (أو يدفن فيه) ش: أي في المقبرة ويذكر الضمير في الموضعين باعتبار المذكور.
م: (ولأن مقصوده) ش: أي مقصود الواقف. م: (القربة وفي التصرف إلى نفسه ذلك) ش: أي حصول التقرب. م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. م: «نفقة الرجل على نفسه صدقة» ش: هذا الحديث رواه ابن ماجه من حديث المقدام بن معد يكرب عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو له صدقة» ،

(7/449)


ولو شرط الواقف أن يستبدل به أرضا أخرى إذا شاء ذلك فهو جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف جائز والشرط باطل، ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف والشرط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف باطل وهذا بناء على ما ذكرنا، وأما فضل الولاية فقد نص فيه على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال أيضا وهو ظاهر المذهب، وقال هلال في وقفه، وقال أقوام إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وروى ابن حبان عن أبي سعيد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما رجل كسب مالًا من حلال فأطعمه لنفسه أو كساها فمن دونه من خلق الله تعالى فإن له به زكاة» ورواه الحاكم في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[شرط الواقف أن يستبدل بالوقف أرضا أخرى]
م: (ولو شرط الواقف أن يستبدل به) ش: أي بوقفه. م: (أرضًا أخرى إذا شاء ذلك، فهو جائز) ش: والشرط باطل وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: والقياس لا يجوز الوقف والشرط، وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، وفي " الفتاوى الصغرى " عن " السير الكبير " أن استدلال الوقف باطل لا رواية.
م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف جائز والشرط باطل، ولو شرط الخيار لنفسه في الوقف ثلاثة أيام جاز الوقف والشرط عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كما هو مذهبه في التوسع في الوقف.
وإنما قيد بقوله ثلاثة أيام لتكون مدة الخيار صدقة حتى لو كانت مجهولة، لا يجوز الوقف على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا، وفي " النوازل " قد ذكر هلال بن يحيى هذه المسألة، وقال: إذا وقف على أنه الخيار فالوقف باطل سواء بين الخيار وقفًا أو لم يبين. وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: يبين للخيار وقتًا معلومًا جاز الوقف والشرط، وإن لم توقت وقتًا فالوقف والشرط باطلان.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الوقف باطل) ش: وبه قال هلال. م: (وهذا) ش: أي الخلاف المذكور. م: (بناء على ما ذكرنا) ش: أشار به إلى أنه جعل عليه الوقف لنفسه جائز عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه لما جاز أن بنى الواقف الغلة لنفسه ما دام حيًا، فكذلك يجوز أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام لرأي النظر فيه.
م: (وأما فضل الولاية فقد نص فيه) ش: أي فقد نص القدوري في فضل الولاية بالجواز. م: (على قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول هلال أيضًا، وهو ظاهر المذهب، وقال هلال في وقفه، وقال أقوام - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -) ش: أي بعض المشايخ. م: (إن شرط الواقف الولاية لنفسه كانت له، وإن

(7/450)


لم يشترط لم تكن له ولاية. قال مشايخنا: الأشبه أن يكون هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف، فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه. ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهة الوقت بشرطه فيستحيل أن لا يكون له الولاية وغيره يستفيد الولاية منه، ولأنه أقرب الناس إلى هذا الوقف فيكون أولى لولايته كمن اتخذ مسجدًا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه، وكمن أعتق عبدًا كان الولاء له لأنه أقرب الناس إليه، ولو أن الواقف شرط ولايته لنفسه وكان الواقف غير مأمون على الوقف فللقاضي أن ينزعها من يده نظرًا للفقراء، كما له أن يخرج الوصي نظرًا للصغار، وكذا إذا شرط أن ليس للسلطان ولا للقاضي أن يخرجها من يده ويوليها غيره؛ لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فبطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لم يشترط لم تكن له ولاية، قال مشايخنا الأشبه أن يكون هذا قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أن الذي ذكره هلال في وقفه وهو أن تكون الولاية للواقف إذا شرط وإلا فلا.
م: (لأن من أصله أن التسليم إلى القيم شرط لصحة الوقف فإذا سلم لم يبق له ولاية فيه) .
فإن قلت: مذهب محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التسليم إلى المتولي شرط الولاية لنفسه هنا في التسليم فما وجهه؟
قلت: لا نسلم المنافاة لأن شرط الولاية سابق، والتسليم لاحق بعد ذلك هل يكون له الولاية أم لا؟ قال: إذا وجد الشرط أولًا كانت له الولاية وإلا فلا.
م: (ولنا أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهة الواقف بشرطه، فيستحيل أن لا يكون له الولاية، وغيره يستفيد الولاية منه) ش: قوله: ولنا.. إلى آخره استدلال لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعبر عنه بقوله إشارة إلى أن المختار.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الوقف. م: (أقرب الناس على هذا الوقف فيكون أولى لولايته كمن اتخذ مسجدًا يكون أولى بعمارته ونصب المؤذن فيه) ش: وقال أبو نصر: العمارة للباني، وأما نصب المؤذن والإمام لأهل المحلة، ولا يكون للباني منهم ذلك. وقال أبو بكر الإسكاف: الباني أحق بنصيبهما من غيره كما العمارة كالقاضي، وقال أبو الليث: وبه نأخذ إلا أن يريد الثاني إمامًا ومؤذنًا والقوم يريدون أصلح، فلهم أن يفعلوا ذلك، كذا في " النوازل ".
م: (وكمن أعتق عبدًا كان الولاء له؛ لأنه أقرب الناس إليه، ولو أن الواقف شرط ولايته لنفسه، وكان الواقف غير مأمون على الوقف فللقاضي أن ينزعها) ش: أي الولاية. م: (من يده نظرًا للفقراء كما له) ش: أي للقاضي. م: (أن يخرج الوصي نظرًا للصغار، وكذا) ش: أي للقاضي أن يخرجه. م: (إذا شرط أن ليس للسلطان، ولا للقاضي أن يخرجها من يده ويوليها غيره؛ لأنه شرط مخالف لحكم الشرع فبطل)

(7/451)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: لأن الشرع أطلق للقاضي إخراج من كان متهمًا دفعًا للضرر من الفقراء.
ولو شرط الولاية لرجل فالولاية له كما شرط بلا خلاف، وأن للواقف إخراجه فذلك.
ولو شرط أن ليس له إخراج القيم بطل شرطه؛ لأنه مخالف لحكم الشرع إن لازمه وكالة وهي ليست بلازمة.
ولو جعلت الولاية إليه في حياته وبعد مماته كان جائزًا وهو وكيل في حياته ووصي بعد وفاته.
فرع: لو قال: أرضي موقوفة إن شئت أو أجيب كان الوقف باطلًا؛ لأن تعليقه بالشرط باطل.
وكذا لو قال: أرضي صدقة موقوفة إن شئت ثم قال: شئت وكان الوقف باطلًا، ولو قال: شئت وجعلها صدقة موقوفة صح؛ لأنها ابتداء وقف له.

(7/452)


فصل وإذا بنى مسجدا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن للناس بالصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحد زال ملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أما الإفراز فلأنه لا يخلص لله تعالى إلا به، وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ويشترط تسليم نوعه، وذلك في المسجد بالصلاة فيه أو لأنه لما تعذر القبض يقام تحقق المقصود مقامه، ثم يكتفى بصلاة الواحد فيه في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن فعل الجنس متعذر فيشترط أدناه، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط الصلاة بالجماعة؛ لأن المسجد يبنى لذلك في الغالب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل وإذا بنى مسجدًا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه]
م: (فصل) ش: لما كان أحكام هذا الفصل غير الأحكام التي قبله فصل ذلك بفصل على حدة. م: (وإذا بنى مسجدًا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه، ويأذن للناس بالصلاة فيه، فإذا صلى فيه واحد زال ملكه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: هذا كله لفظ القدوري، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أما الإفراز فلأنه لا يخلص لله تعالى إلا به، وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ويشترط تسليم نوعه) ش: أي يشترط تسليم كل شيء على ما يليق به.
م: (وذلك في المسجد بالصلاة فيه) ش: وهو معنى قوله وذلك بالصلاة فيه. م: (أو لأنه لما تعذر القبض) ش: لعدم نقص حقيقته بعلم. م: (يقام تحقق المقصود) ش: وهو الصلاة فيه. م: (مقامه) ش: أي مقام القبض.
م: (ثم يكتفى بصلاة الواحد فيه) ش: أي في المسجد. م: (في رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية لأن فعل الجنس) ش: وهو صلاة الكل. م: (متعذر فيشترط أدناه) ش: أي أدنى فعل الجنس وهو صلاة الواحد لتعذر فعل الكل، فإن الواحد عن الكل فيما هو حقهم، وفي " المبسوط ": المسجد موضع المسجد، وقد حصل بصلاة الواحد بلا جماعة. م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يشترط الصلاة بالجماعة؛ لأن المسجد يبنى لذلك في الغالب) ش: أي قبل الصلاة بالجماعة في المسجد قبض باتفاق الروايات عن أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله.
وإذا صلى فيه واحد أو جماعة وحدانًا قبل أن يكون قبضًا فقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان: في رواية لا يكون قبضًا وفي رواية يكون قبضًا، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرح " الجامع الصغير ": وإن صلى فيه واحد من المسلمين صح التسليم فيه عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضًا.

(7/453)


وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يزول ملكه بقوله جعلته مسجدا؛ لأن التسليم عنده ليس بشرط؛ لأنه إسقاط لملك العبد فيصير خالصا لله تعالى في سقوط حق العبد، وصار كالإعتاق، وقد بيناه من قبل. . قال: ومن جعل مسجدًا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق وعزله عن ملكه فله أن يبيعه، وإن مات يورث عنه؛ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقًا به، ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في مسجد بيت المقدس، وروى الحسن عنه أنه قال إذا جعل السفل مسجدًا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد، وذلك يتحقق في السفل دون العلو،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال في " الذخيرة " عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنه يشترط الصلاة بالجماعة فحصل حينئذ عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - روايتان أيضًا، هذا إذا صلى فيه، أما إذا لم يصل فيه لكنه دفع إلى المتولي، فهل يكون ذلك قبضًا على قولهما، فيه اختلف المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ذكره شيخ الإسلام، قيل بأنه قبض؛ لأن المسجد له خادم يكبر ومغلق الباب والتسليم إليه قبض كما في سائر الأوقات، وقيل: يقبض لأن المسجد ليس لها متول كما يكون كسائر الأوقات، واختلف المشايخ إذا جعل أرضه مقبرة، ودفعها إلى المتولي ولم يذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " المبسوط " فقال بعضهم: إنه قبض كما في الخان والسقاية.
وقال بعضهم: ليس بقبض لأن المقبرة لا يكون لها متول، وإنما ذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في المقبرة أنه إذا دفن فيها واحد أو اثنان فإنه يصير قبضًا. م: (وقال أبو يوسف: يزول ملكه بقوله جعلته مسجدًا؛ لأن التسليم عنده ليس بشرط لأنه إسقاط لملك العبد فيصير خالصًا لله تعالى في سقوط حق العبد، وصار كالإعتاق) ش: لأنه إسقاط للملك، وبه قالت الثلاثة. م: (وقد بيناه من قبل) ش: أشار به إلى قوله ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله لهما: إن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك، وأنه يتأكد كالعتق.

م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ". م: (ومن جعل مسجدًا تحته سرداب) ش: بكسر السين معرب سرورية وهو بيت يتخذ تحت الأرض للتبريد وهي معروفة سردابة. م: (أو فوقه) ش: أي فوق المسجد. م: (بيت وجعل باب المسجد إلى الطريق وعزله عن ملكه فله أن يبيعه) ش: أي لا يكون مسجدًا. م: (وإن مات يورث عنه لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقًا به) ش: والمسجد ما يكون خالصًا لله تعالى.
م: (ولو كان السرداب لمصالح المسجد جاز كما في بيت المقدس) ش: لأنه حينئذ لا يكون السرداب مملوكًا لأحد كما أن سرداب بيت المقدس ليس بمملوك لأحد. م: (وروى الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه) ش: أي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. م: (أنه قال: إذا جعل السفل مسجدًا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد، وذلك) ش: أي التأبيد. م: (يتحقق في السفل دون العلو)

(7/454)


وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوقه مسكن أو مستغل، يتعذر تعظيمه، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل فكأنه اعتبر الضرورة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا. قال: وكذلك إن اتخذ وسط داره مسجدا، وأذن للناس بالدخول فيه، يعني له أن يبيعه، ويورث عنه لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع، فلم يصر مسجدا؛ لأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: فإنه لا يتأبد فيه.
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على عكس هذا) ش: أي روي عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - عكس هذا بأن جعل العلو مسجدًا صح، وإذا جعل السفل لا يصح. م: (لأن المسجد يعظم، وإن كان فوقه مسكن أو مستغل) ش: أي يكرى للاستغلال. م: (يتعذر تعظيمه) ش:
وعن بعض المشايخ إذا كان العلو مسجدًا والسفل حوانيت موقوفة على المسجد أو على الأغلب لا بأس به؛ لأن الكل منقطع عن حقوق العباد، ولو كان تحته حوض العامة اختلف فيه على قول من يجوز اتخاذ العلو مسجدًا، قيل: لا يجوز قياسًا على الحوض الحاض، وقيل: يجوز.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه جوز في الوجهين) ش: يعني إذا كان تحته سرداب أو فوقه بيت. م: (حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل، فكأنه اعتبر الضرورة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله لما قلنا) ش: أي للضرورة.
وإنما أعاد ذكر قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - بهذا الطريق ولم يقله عن أبي يوسف ومحمد مع أن هذين القولين في الحكم عندهما سواء [ ... ] ما ذكر لكل واحد من دخول مخصوص في مصر مخصوص، ولزيادة [
] التعليم بلفظ الكل، وكذلك عطف على قوله، ومن جعل مسجدًا تحته سرداب فله أن يبيعه.
م: (قال وكذلك) ش: أي يبيعه. م: (إن اتخذ وسط داره مسجدًا، وأذن في الناس بالدخول فيه) ش: وهذه من مسائل " الجامع الصغير "، وقوله: م: (يعني له أن يبيعه) ش: من كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولقوله وسط بسكون السين؛ إذ المراد غير معين، وقال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هذا مقيد بقيد العلامة مولانا حافظ الدين.
م: (ويورث عنه لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطًا بجوانبه) ش: أي بجوانب المسجد. م: (كان له حق المنع فلم يصر مسجدًا؛ لأنه أبقى الطريق لنفسه فلم يخلص لله تعالى، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي روي عنه في هذه المسألة أنه قال: م: (أنه) ش: أي أن

(7/455)


لا يباع ولا يوهب ولا يورث يعتبر مسجدا، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصير مسجدا لأنه لما رضي بكونه مسجدا، ولا يصير مسجدا إلا بالطريق دخل فيه الطريق فصار مستحقا كما يدخل في الإجارة من غير ذكر،
قال: ومن اتخذ أرضه مسجدا لم يكن له أن يرجع فيه ولا يبيعه ولا يورث عنه؛ لأنه محرز عن حق العباد فصار خالصا لله تعالى، وهذا لأن الأشياء كلها لله تعالى، وإذا أسقط العبد ما ثبت له من الحق رجع إلى لأصله فانقطع تصرفه عنه كما في الإعتاق، ولو خرب ما حول المسجد، واستغني عنه يبقى مسجدا عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه إسقاط منه فلا يعود إلى ملكه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعود إلى ملك الباني أو إلى وارثه من بعد موته لأنه عينه لنوع قربته، وقد انقطعت فصار كحصير المسجد أو حشيشه إذا استغنى عنه إلا أن أبا يوسف يقول في الحصير والحشيش أنه ينقل إلى مسجد آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا المسجد. م: (لا يباع ولا يوهب ولا يورث يعتبر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (مسجدًا، وهكذا) ش: أي روي. م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يصير مسجدًا لأنه لما رضي كونه مسجدًا، ولا يصير مسجدًا إلا بالطريق دخل فيه الطريق فصار مستحقًا كما يدخل) ش: أي الطريق. م: (في الإجارة من غير ذكر) ش: بمعنى وإن لم يذكر ويدخل فيه الطريق، فصار مستحقًا.

م: (ومن اتخذ أرضه مسجدًا لم يكن له أن يرجع فيه ولا يبيعه ولا يورث عنه؛ لأنه محرز) ش: أي مخلص. م: (عن حق العباد، فصار خالصًا لله تعالى) ش: لكن هذا إذا سلم إلى المتولي أو صلى فيها بجماعة، أما إذا لم يصل فيه بجماعة، ولم يؤخذ التسليم لا يصح الوقف؛ لأن التسليم أو الصلاة بجماعة شرط عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الصلاة وحدانًا اختلاف الرواية.
م: (وهذا) ش: توضيح لقوله. م: (لأن الأشياء كلها لله تعالى، وإذا أسقط العبد ما ثبت له من الحق رجع إلى أصله) ش: وهو كونه لله تعالى. م: (فانقطع تصرفه عنه كما في الإعتاق) ش: فإنه لما أحرز مملوكه رجع إلى أصله وهو الرقة فانقطع حقه عنه. م: (ولو خرب ما حول المسجد واستغني عنه) ش: على صيغة المجهول، أي استغنى أهل المحلة عن الصلاة فيه. م: (يبقى مسجدًا) ش: على حاله. م: (عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه إسقاط منه فلا يعود إلى ملكه، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعود إلى ملك الباني أو إلى وارثه من بعد موته؛ لأنه عينه لنوع قربته، وقد انقطعت) ش: أي القربة.
م: (فصار كحصير المسجد أو حشيشه إذا استغنى عنه إلا أن أبا يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول في الحصير والحشيش: إنه ينقل إلى مسجد آخر) ش: وكذا قنديله إذا خرب المسجد يعود إلى ملك مسجده، وكما لو كفن ميتًا فافترسه سبع عاد إلى ملك مالكه وكالمحصر إذا بعث الهدي ثم زال

(7/456)


قال: ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانا يسكنه بنو السبيل أو رباطا أو جعل أرضه مقبرة لم يزل ملكه، عن ذلك حتى يحكم الله به الحاكم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم ينقطع عن حق العبد ألا ترى أن له أن ينتفع به فيسكن في الخان وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت كما في الوقف على الفقراء بخلاف المسجد؛ لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يزول ملكه بالقول كما هو أصله؛ إذ التسليم عنده ليس بشرط والوقف لازم، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك؛ لأن التسليم عنده شرط، والشرط تسليم نوعه وذلك بما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإحصار فأدرك الحج كان له أن يصنع بهديه ما شاء.
وقال أبو العباس الناطفي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الأجناس ": قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": إذا خرب المسجد حتى لا يصلى فيه، فالذي بناه إن شاء أدخله داره وإن شاء باعه. وكذلك الفرس إذا جعله حبسًا في سبيل الله فصار لا يستطاع أن يركب فإنه يباع ويصير ثمنها لصاحبها أو لورثته فإن لم يعرف للمسجد بانيه فخرب وبنى أهل المسجد آخر ثم أجمعوا على بيعه واستعانوا بثمنه في مكمل المسجد الآخر فلا بأس بذلك.
ثم نقل الناطفي عن كتاب " الصلاة " مسجد بأوائله وعطلت الصلاة فيه لم يجز للآخر أن يهدمه، ولا يجبر به منزلًا ولا يبيعه، قال الناطفي: هذا عند قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -. م: (ومن بنى سقاية للمسلمين أو خانًا يسكنه بنو السبيل أو رباطًا) ش: وهو الموضع الذي يرابط فيه ناس أيام السفر بإزاء العدو. م: (وجعل أرضه مقبرة لم يزل ملكه عن ذلك حتى يحكم به الحاكم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لم ينقطع عنه حق العبد، ألا ترى أن له أن ينتفع به ويسكن في الخان وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة، فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت، كما في الوقف على الفقراء، بخلاف المسجد؛ لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يزول ملكه بالقول كما هو أصله إذ التسليم عنده ليس بشرط والوقف لازم. وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك؛ لأن التسليم عنده شرط، والشرط تسليم نوعه) ش: لأن كل باب يعتبر فيه ما يليق به ففي الخان يحصل التسليم بالسكنى، وفي الرباط بالنزول، وفي السقاية بالشرب، وفي المقبرة بدفنهم.
م: (وذلك بما ذكرناه) ش: أي التسليم يحصل بالاستسقاء والسكنى والنزول والدفن في

(7/457)


ويكتفى بالواحد لتعذر فعل الجنس كله، وعلى هذا البئر الموقوفة والحوض،
ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه كلها؛ لأنه نائب عن الموقوف عليه وفعل النائب كفعل المنوب عنه، وأما في المسجد فقد قيل: لا يكون تسليما لأنه لا تدبير للمتولي فيه، وقيل يكون تسليما لأنه يحتاج إلى ما يكنسه ويغلق بابه، فإذا سلم إليه صح التسليم، والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل لأنه لا متولي له عرفا، وقيل هي بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى المتولي لأنه لو نصب المتولي يصح، وإن كان بخلاف العادة، ولو جعل دارا له بمكة سكنى لحاج بيت الله تعالى والمعتمرين أو جعل داره في غير مكة سكنا للمساكين أو جعلها في ثغر من الثغور سكنى للغزاة والمرابطين أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله تعالى، ودفع ذلك إلى وال يقوم عليه فهو جائز، ولا رجوع فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السقاية والخان والرباط والمقبرة. م: (ويكتفى بالواحد) ش: أي باستسقاء الواحد وسكنى الواحد ونزول الواحد ودفن الواحد. م: (لتعذر فعل الجنس كله) ش: يعني لتعذر استيفاء جميع الناس من السقاية، وسكن الجميع في الخان والرباط وكذا دفن الجميع.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الحكم المذكور. م: (البئر الموقوفة والحوض) ش: أي حكم البئر والحوض الموقوفات على الحكم المذكور.

[الواقف لو نصب المتولي على المقبرة]
م: (ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه كلها) ش: أي في السقاية والخان والرباط والمقبرة. م: (لأنه) ش: أي المتولي. م: (نائب عن الموقوف عليه وفعل النائب) ش: وهو القبض. م: (كفعل المنوب عنه، وأما في المسجد، فقد قيل: لا يكون تسليمًا لأنه لا تدبير للمتولي فيه، وقيل يكون تسليمًا لأنه يحتاج إلى من يكنسه ويغلق بابه، وإذا سلم إليه صح التسليم والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل؛ لأنه لا متولي له عرفًا) ش: أي في عرف الناس فلا يعتبر القبض فيه.
م: (وقد قيل هي بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى المتولي لأنه لو نصب المتولي) ش: أي لأن الواقف لو نصب المتولي على المقبرة. م: (يصح) ش: فإذا صح يعتبر قبضه. م: (وإن كان) ش: أي نصب المتولي على المقبرة. م: (بخلاف العادة، ولو جعل دارًا له بمكة سكنى لحاج بيت الله تعالى) ش: وهو اسم جمع بمعنى الحجاج كالسائر بمعنى الماء في قوله أسائرًا تهجرون. م: (والمعتمرين) ش: أي والمعتمرين. م: (أو جعل داره في غير مكة سكنًا للمساكين أو جعلها في ثغر من الثغور) ش: الثغر موضع المخافة من بروج البلدان. م: (سكنى للغزاة والمرابطين) ش: جمع مرابط، يقال رابط الجيش أقام في الثغر بإزاء العدو ومرابطة ورباطًا.
م: (أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله ودفع ذلك إلى وال يقوم عليه، فهو جائز ولا رجوع فيها

(7/458)


لما بينا إلا أن في الغلة يحل الفقراء دون الأغنياء وفيما سواه من سكنى الخان والاستقاء من البئر والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الغني والفقير، والفارق هو العرف في الفصلين، فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة الفقراء وفي غيرها التسوية بينهم الأغنياء، ولأن الحاجة تشمل الغني والفقير في الشرب والنزول، والغني لا يحتاج إلى صرف هذه الغلة لغناه، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لما بينا) ش: أشار به إلى قوله وهذا لأن الأشياء كلها لله تعالى، فإذا أسقط العبد ما ثبت له من الحق رجع إلى أصله فانقطع تصرفه عنه كما في الإعتاق.
م: (إلا) ش: هذا الاستثناء لبيان الفرق بين جعل غلة الأرض للغزاة حيث يكون للفقراء منهم وهو معنى قوله. م: (إن في الغلة) ش: أي غلة الأرض. م: (يحل للفقراء دون الأغنياء) ش: إلا بالتنصيص، وبين جعل الدار سكنى إلى آخر ما يذكره، أشار إلى بقوله: م: (وفيما سواه) ش: أي فيما سوى المذكور. م: (من سكنى الخان والاستقاء من البئر والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الفقير والغني، والفارق) ش: بين هذا وبين الذي قبله. م: (وهو العرف بين الفصلين، فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة الفقراء وفي غيرها) ش: أي وفي الغلة المستوية أي يريدون. م: (التسوية بينهم) ش: أي بين الفقراء وبين. م: (الأغنياء، ولأن الحاجة تشمل الغني والفقير في الشرب والنزول، والغني لا يحتاج إلى صرف هذه الغلة لغناه) ش: أي لقيام الغني فإنه مستغنٍ بمال نفسه عن صدقة غيره، وإما لا مستغنٍ عن الحال للنزول. وعن المقبرة للدفن، وعن الماء للشرب منه، إذ كل واحد لا يقدر أن يشتري في كل منزل موضعًا ولا يستصحب الماء لنفسه في كل مكان فتحت للغني والفقير، والله أعلم.

[الأوقاف إذا تعطلت وتعذر اشتغالها هل للمتولي بيعها ويشتري مكانها] 1
فروع: وفي " فتاوى الظهيرية " سئل الحلواني عن أوقاف إذا تعطلت وتعذر اشتغالها هل للمتولي بيعها ويشتري مكانها أخرى؟ قال: نعم. وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد يجوز قبل أن يتعطل، ولكن يأخذ ثمنها ما هو خير منها.
ومن المشايخ من لم يجوز بيع الوقف تعطل أو لم يتعطل، وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -، وكذا لم يجوز الابتداء بما هو خير منها، وهكذا حكي عن شمس الأئمة.
قال أبو يوسف: يجوز الاستبدال، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين للقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره، ولو سكن دار الوقف بغير أجرة بإذن المتولي أو بغير إذنه يجب عليه أجر المثل سواء كانت بعدة الاستغلال أو لا، وعليه الفتوى.
وفي " الأجناس " حانوت وقف صحيح احترق السوق والحانوت وصار بحال لا ينتفع به ولا يستأجر بشيء يخرج من الوقفية، وكذا الرباط إذا احترق يبطل الوقف ويصير ميراثًا. ولو بنى

(7/459)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
رجل على هذه الأرض فالبناء للباني وأصل الوقف لورثة الواقف عند محمد، وفي " العتبية ": قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مبادلة دار الوقف بدار أخرى، إنما يجوز إذا كانتا في محلة واحدة، أو تكون محلة المملوك جزءًا من محلة موقوفة، وعلى عكسه لا يجوز، وإن كانت المملوكة أكبر مساحة وقيمة وأجرة لاحتمال خرابها وقلة رغبات النفس فيها.
والله الموفق للصواب.
تم الجزء السابع من البناية في شرح الهداية ويليه الجزء الثامن مبتدئًا بكتاب البيوع.

(7/460)