البناية
شرح الهداية باب خيار الشرط خيار الشرط جائز في البيع
للبائع والمشتري. ولهما الخيار ثلاثة أيام فما دونها، والأصل فيه ما روي أن
حبان بن منقذ بن عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب خيار الشرط]
[تعريف خيار الشرط]
م: (باب خيار الشرط) ش: أي هذا باب في بيان أحكام خيار الشرط، ولما فرغ عن
بيان البيع اللازم وهو الذي ليس فيه خيار بعد وجود شرائطه شرع في بيان
البيع الغير اللازم، وهو ما فيه الخيار، ولكون اللازم أقوى قدمه على غيره،
ثم قدم خيار الشرط؛ لأنه يمنع ابتداء الحكم على خيار الرؤية؛ لأنه يمنع
تمام الحكم، ثم خيار العيب؛ لأنه يمنع لزوم الحكم.
والخيار في البيع على أربعة أنواع: خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب،
وخيار التعيين، كما إذا اشترى أحد الثوبين وهو بالخيار على أن يأخذ أيهما
شاء، وسيجيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: خيار الشرط أي خيار يثبت بالشرط، إذ لولا الشرط لما ثبت الخيار بخلاف
خيار الرؤية والعيب، فإنهما يثبتان من غير شرط، وهذه الإضافة من باب إضافة
الحكم إلى سببه، كصلاة الظهر، وكان من حقه ألا يدخل في البيع لكونه في معنى
القمار، ولكن لما جاءت به السنة لم يكن هذا من العمل به فظهر عمله في منع
الحكم دون السبب تقليلا لعمله بقدر الإمكان.
وشرط الخيار جائز بإجماع العلماء والفقهاء، ولكن اختلفوا في المدة، ويجوز
للبائع وللمشتري أو لهما معا أو لغيرهما، وفي غيرهما اختلاف يجيء إن شاء
الله تعالى.
وقال سفيان الثوري وابن شبرمة: يجوز للمشتري لا للبائع؛ لأنه ثبت بخلاف
القياس فيقصر على مورد النص وهو المشتري، قلنا: النص هو قوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "إذا بايعت" يتناول البيع والشراء فيجوز لهما،
وكان بالناس حاجة إليه ليدفع الغبن بالتردي، وفيه يستوي البائع والمشتري م:
(خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري ولهما الخيار ثلاثة أيام) .
قال الأترازي: وقوله ثلاثة أيام يروى بالنصب على أنه ظرف، أي في ثلاثة
أيام، وبالرفع على أنه خبر أو خبر مبتدأ محذوف، أي هو ثلاثة أيام.
قلت: في قوله خبر بعد خبر تأمل لا يخفى، والأولى أن يكون خبر مبتدأ محذوف
تقديره مدة الخيار ثلاثة أيام م: (فما دونها) ش: أي فما دون ثلاثة أيام؛
لأنه إذا جاز في ثلاثة أيام ففيما دونها بطريق الأولى.
م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز شرط الخيار م: (ما روي «أن حبان بن منقذ بن
عمرو
(8/48)
الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان
يغبن في البياعات فقال له النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«إذا بايعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان يغبن في البياعات، فقال له النبي -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "إذا بايعت فقل: لا خلابة ولي الخيار
ثلاثة أيام» ") .
ش: هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن
ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: «كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا
وكان قد ثقل لسانه، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: "بع وقل لا خلابة"، فكنت أسمعه يقول: لا خلابة لا خلابة، وكان يشتري
الشيء ويجيء به إلى أهله فيقولون له: إن هذا غال، فيقول: إن رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خيرني في بيعي» وسكت عنه الحاكم.
وكذلك رواه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أخبرنا سفيان عن محمد بن
إسحاق به، ومن طريق الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواه البيهقي في "
المعرفة "، ورواه البخاري في "تاريخه الأوسط "، وقال: حدثنا العباس بن
الوليد حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق، «حدثني محمد بن يحيى
بن حبان قال: كان جدي منقذ بن عمرو أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه، ونازعت
عقله، وكان لا يدع التجارة فلا يزال يغبن، فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إذا بعت فقل: لا خلابة، وأنت في كل
سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال» .
وعاش مائة وثلاثين سنة، وكان في زمن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يبتاع
في السوق، فيصير إلى أهله فيلومونه، فيرده، ويقول: إن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلني بالخيار ثلاثا، فيمر الرجل من أصحاب
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول صدق، ذكره في ترجمة
منقذ.
فإن قلت: دل حديث الحاكم على أن القضية لحبان بن منقذ، وحديث البخاري في
تاريخه دل على أنه لمنقذ بن عمرو والد حبان.
قلت: روى الترمذي حدثنا يوسف بن حماد البصري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد
الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رجلا كان
في عقدته ضعف، وكان يبايع، وإن أهله أتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فقالوا: يا رسول الله احجر عليه، فدعاه رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنهاه، فقال يا رسول الله إني لا أصبر عن
البيع، فقال: "إذا بايعت فقل هاء وهاء ولا خلابة» ، ثم قال: وحديث أنس حديث
حسن صحيح غريب، ورواه بقية أصحاب السنن.
وقال شيخنا في "شرحه للترمذي ": الرجل المبهم في هذا الحديث اختلف فيه هل
هو
(8/49)
ولا يجوز أكثر منها عند أبي حنيفة، وهو قول
زفر والشافعي، وقالا: يجوز إذا سمى مدة معلومة؛ لحديث ابن عمر - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - «أنه أجاز الخيار إلى شهرين» ولأن الخيار إنما شرع
للحاجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حبان بن منقذ، أو والده منقذ بن عمرو، فصحح ابن العربي أنه منقذ بن عمرو،
ورجح النووي أنه حبان بن منقذ، قوله: هاء روي بالمد والقصر، ومعناه الأخذ
والعطاء، كقوله في حديث الربا: إلا هاء وهاء، والخلابة بكسر الخاء المعجمة
وبالباء الموحدة، وهي الخديعة.
وروي لا خلانة بالنون مكان الموحدة، وهو تصحيف، وحبان بفتح الحاء المهملة
وتشديد الباء الموحدة؛ ابن منقذ بضم الميم وسكون النون وكسر القاف وبالذال
المعجمة، ابن عمرو بن مالك شهدا أحدا، ومن ولده يحيى وواسع، وأمه هند بنت
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
كذا ذكره ابن شاهين في كتاب المعجم، وقال ابن ماكولا: ومنقذ بن عمرو
المازني الأنصاري، مدني له صحبة، وهو جد محمد بن يحيى بن حبان م: (ولا يجوز
أكثر منها) ش: أي من ثلاثة أيام م: (عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والشافعي)
ش: وقال مالك: شرط الخيار على حسب ما تدعو إليه الحاجة، وذلك يختلف باختلاف
الأموال. فإن كان المبيع مما لا يبقى أكثر من يوم كالفاكهة مثلا لم يجز أن
يشترط الخيار فيه أكثر من يوم، وإن كان ضيغة لا يمكن الوقوف عليها في ثلاثة
أيام يجوز أن يشترط فيها أكثر من ثلاثة أيام.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يجوز إذا سمى مدة معلومة) ش: سواء كان
شهرا أو سنة أو أكثر، ولو شرط الخيار أبدا لا يجوز بالإجماع وبقولهما قال
أحمد م: (لحديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه أجاز الخيار إلى
شهرين) ش: هذا غريب جدا، والعجب من الأكمل أنه قال: ولهما حديث ابن عمر «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجاز الخيار إلى شهرين» ونفس
إسناده إلى ابن عمر لم يصح، فكيف يرفع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -.
وقال الأترازي: وقد روى أصحابنا في شروح " الجامع الصغير ": أن ابن عمر شرط
الخيار شهرين، كذا ذكر فخر الإسلام.
وقال العتابي: إن عبد الله بن عمر باع بشرط الخيار شهرا، وقال في " المختلف
" روي عن ابن عمر أنه باع جارية وجعل للمشتري الخيار شهرا، وكل هذا لم
يثبت، واستدل الكاكي لهما بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
«المسلمون عند شروطهم» م: (ولأن الخيار إنما شرع للحاجة
(8/50)
إلى التروي ليندفع الغبن، وقد تمس الحاجة
إلى الأكثر، فصار كالتأجيل في الثمن، ولأبي حنيفة أن شرط الخيار يخالف
مقتضى العقد، وهو اللزوم، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما روينا من النص
فيقتصر على المدة المذكورة فيه وانتفت الزيادة إلا أنه إذا أجاز في الثلاث
جاز عند أبي حنيفة خلافا لزفر، هو يقول: إنه انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا،
وله أنه أسقط المفسد قبل تقرره فيعود جائزا كما إذا باع بالرقم وأعلمه في
المجلس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى التروي) ش: أي التأمل والتفكر م: (ليندفع الغبن وقد تمس الحاجة إلى
الأكثر فصار كالتأجيل في الثمن) ش: لأن التأجيل في الثمن يجوز في قليل
المدة وكثيرها إن كان يخالف مقتضى العقد لأجل الحاجة، فكذا هذا م: (ولأبي
حنيفة أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد، وهو اللزوم، وإنما جوزناه بخلاف
القياس لما روينا من النص) ش: وهو حديث حبان بن المنقذ المذكور م: (فيقتصر
على المدة المذكورة فيه) ش: أي في النص م: (وانتفت الزيادة) ش: على ثلاثة
أيام م: (إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة) ش: استثناء من
قوله: ولا يجوز أكثر منها، ومعناه لا يجوز أكثر منها، لكن لو ذكر الأكثر
منها وأجاز من له الخيار في الثلاث جاز.
ويجوز أن يكون استثناء من قوله: فيقتصر على المدة المذكورة بالتوجيه
المذكور، والأول أولى لقوله: م: (خلافا لزفر) ش: تأمل م: (هو) ش: أي زفر -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول: إنه) ش: أي إن العقد م: (انعقد فاسدا فلا
ينقلب جائزا) ش: كما إذا باع الدرهم بالدرهمين، ثم أسقط الدرهم الزائد، كما
لو نكح امرأة وتحته أربع نسوة ثم طلق الرابعة لا يحكم بصحة نكاح الخامسة،
وكما لو اشترى عبدا بألف ورطل من خمر، ثم أسقط رطل الخمر، فإنه لا يعود إلى
الجواز؛ لأن البقاء على وقف الثبوت.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن من له الخيار م: (أسقط
المفسد) ش: وهو اشتراط اليوم الرابع م: (قبل تقرره) ش: أي لزومه وثبوته
بمضي ثلاثة أيام.
م: (فيعود جائزا) ش: اعلم أن مشايخنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اختلفوا في
حكم هذا العقد في الابتداء على قول أبي حنيفة، فذهب العراقيون إلى أنه
ينعقد فاسدا، ثم ينقلب صحيحا، بحذف خيار الشرط قبل اليوم الرابع، وذهب أهل
خراسان - وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - إلى أنه موقوف.
فإذا مضى جزء من اليوم الرابع فسد، فقول المصنف أنه أسقط المفسد قبل تقرره
تعليل على الرواية الأولى، وذكر النظير لهذا بقوله: م: (كما إذا باع بالرقم
وأعلمه في المجلس) ش: الرقم في الأصل الكتابة والختم.
وفي " المغرب " التاجر يرقم الثياب أي يعلمها بأن ثمنها كذا وكذا، والمقصود
هاهنا أن
(8/51)
ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع، فإذا
أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد، ولهذا قيل: إن العقد يفسد بمضي جزء من
اليوم الرابع، وقيل: ينعقد فاسدا ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط، وهذا على
الوجه الأول. ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع
بينهما جاز، وإلى أربعة أيام لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعلم البائع على الثوب بعلامة كالكتابة يعلم بها الدلال أو غيره ثمن الثوب،
ولا يعلم المشتري ذلك.
فإن قال: بعتك هذا الثوب برقمه، وقبل المشتري من غير أن يعلم المقدار انعقد
البيع فاسدا، فإن علم المشتري قدر الرقم في المجلس، وقيل: انقلب جائزا
بالاتفاق قوله: م: (ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع) ش: تعليل على
الرواية الثانية.
وتقريره أن اشتراط الخيار غير مفسد للعقد، وإنما المفسد باعتبار اليوم
الرابع بالأيام الثلاثة م: (فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد) ش:
فكان صحيحا م: (ولهذا قيل) ش: متصل بقوله، ولأن الفساد وهو الذي قرر على
مذهب الخراسانيين وهو م: (إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع) ش: على
ما تقرر آنفا.
م: (وقيل: ينعقد فاسدا) ش: هذا على مذهب العراقيين م: (ثم يرتفع الفساد
بحذف الشرط) ش: على ما مر أيضا م: (وهذا) ش: أي القول بانعقاده فاسدا.
ثم ارتفاع الفساد بحذف الشرط إنما يستقيم م: (على الوجه الأول) ش: أي
التعليل الأول، وهو قوله: أسقط المفسد إلى آخره، وأما على التعليل الثاني
وهو قوله: لأن الفساد، إلى آخره فلا يستقيم؛ لأنه لم ينعقد فاسدا فلا يمكن
ارتفاع الفساد بحذف الشرط، والجواب عما قاس عليه زفر من المسائل أن الفساد
فيها في صلب العقد، وهو البدل، فلم يمكن دفعه، وفي مسألتنا في شرطه فأمكن
م: (ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينها جاز)
ش: ويسمى هذا خيار النقد، والقياس يأبى جوازه، وبه أخذ زفر والشافعي ومالك
وأحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد على ما يجيء.
م: (وإلى أربعة أيام) ش: يعني لو قال إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام فلا
بيع بيننا م: (لا يجوز، عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: قال الأترازي: ذكر
المصنف قول أبي يوسف مع أبي حنيفة كما ترى، وكذلك ذكر الشهيد أيضا في شرح "
الجامع الصغير "، ولم يذكر محمد خلاف أبي يوسف في أصل " الجامع الصغير ".
وهذا الذي ذكره قول أبي يوسف الأول، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف
أنه رجع عن هذا القول، وقال: يجوز البيع كما هو قول محمد، كذا ذكر الفقيه
أبو الليث في " شرح
(8/52)
وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر،
فإن نقد في الثلاث جاز في قولهم جميعا. والأصل فيه أن هذا في معنى اشتراط
الخيار، إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد؛ تحرزا عن المماطلة في
الفسخ، فيكون ملحقا به، وقد مر أبو حنيفة على أصله في الملحق به، ونفى
الزيادة على الثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجامع الصغير ".
ولهذا المعنى قال صاحب المنظومة:
واضطرب الأوسط فيه فاعقل
م: (وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر) ش: كما يجوز عند شرط الخيار
أربعة أيام أو أكثر م: (فإن نقد) ش: أي المشتري الثمن م: (في الثلاث) ش: أي
في ثلاثة أيام في المسألة المذكورة م: (جاز في قولهم جميعا) ش: أي في قول
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تعالى-.
م: (والأصل فيه) ش: أي في الشراء لشرط أنه إذا لم ينقد الثمن إلى ثلاثة
أيام فلا بيع بينهما م: (أن هذا) ش: أي الشراء بهذا الشرط م: (في معنى
اشتراط الخيار) ش: لأن معنى الخيار نقد الثمن، على تقدير إجازة البيع، وعدم
نقده على تقدير فسخ البيع، فكذا هاهنا إن شاء نقد الثمن فتم البيع، وإن شاء
لم ينقد فانفسخ البيع.
م: (إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد تحرزا عن المماطلة) ش: أي عن
المدافعة م: (في الفسخ) ش: وهذا تعليل لقوله: الحاجة مست إلى الانفساخ عند
عدم النقد، كأنه ذكر هذا جوابا لسؤال يرد عليه، بأن يقال: لا نسلم أن
الحاجة ماسة إلى الانفساخ؛ لأن الحاجة تندفع بالشراء بشرط الخيار؛ لأنه إذا
اشترى بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء فسخ، ولا حاجة إلى تصحيح هذا العقد بلا
حاجة.
فقال في جوابه هذا: إن الفسخ يكون بالشراء لشرط الخيار، لكن ليس لمن له
الخيار أن يفسخ بغير حضرة صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد، فتحصل المماطلة حينئذ
في الفسخ، فإذا كان كذلك م: (فيكون ملحقا به) ش: أي بخيار الشرط.
م: (وقد مر أبو حنيفة على أصله في الملحق به) ش: وهو خيار الشرط م: (ونفى
الزيادة على الثلاث) ش: فكذا في الملحق، وهو خيار النقد، والحاصل أن أبا
حنيفة مشى على أصله في شرط الخيار، حيث لا يجوز عنده أكثر من ثلاثة أيام.
فكذا ما هو في معناه إلا إذا نقد الثمن في الثلاث، فكان البيع جائزا
لانقطاع المفسدة. م:
(8/53)
وكذا محمد في تجويز الزيادة، وأبو يوسف أخذ
في الأصل بالأثر، وفي هذا بالقياس وفي هذه المسألة قياس آخر، وإليه مال
زفر، وهو أنه بيع شرط فيه إقالة فاسدة لتعلقها بالشرط، واشتراط الصحيح منها
فيه مفسد للعقد، فاشتراط الفاسد أولى، ووجه الاستحسان ما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وكذا محمد) ش: أي وكذا مر محمد على أصله م: (في تجويز الزيادة) ش: في
الأصل والملحق به؛ لأن عنده يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام إذا كانت
المدة معلومة فكذا ما كان في معناه.
م: (وأبو يوسف أخذ في الأصل بالأثر) ش: أي أخذ في ثلاثة أيام في قوله: إن
لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا بالأثر، أي بما روي عن ابن عمر
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نقله الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع
الصغير " عن محمد بن الحسن، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن
سليمان مولى ابن البرصاء، قال: متى بعت من عبد الله بن عمر جارية على أنه
إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا، فأجاز ابن عمر هذا البيع،
ولم يرد عن أحد من نظرائه خلافه.
م: (وفي هذا بالقياس) ش: أي أخذ في الزائد على ثلاثة أيام في خيار النقد
بالقياس، يعني النص مقيد بالثلاث في خيار النقد. وما ورد النص في خيار
النقد في الزيادة، وقال الأترازي: أبو يوسف مر على أصله أيضا على قوله
المرجوع إليه، ولكنه فرق، وهو بين هذا وبين شرط الخيار على قوله الأول، حيث
جوز الزيادة على الثلاثة في شرط الخيار. ولم يجوز هاهنا؛ لأنه اتبع أثر ابن
عمر وهو الذي ذكرناه، ولم يتجاوز حد الأثر، وفيما زاد على ذلك أخذ بالقياس؛
لأن القياس أن لا يصح هذا البيع أصلا كما قال زفر: لأنه بيع شرط فيه إقالة
فاسدة، وهي إقالة معلقة بالشرط، والبيع بشرط الإقالة الصحيحة باطل فبشرط
الإقالة الفاسدة أولى.
م: (وفي هذه المسألة) ش: المذكورة م: (قياس آخر، وإليه) ش: أي وإلى هذا
القياس م: (مال زفر وهو) ش: أي هذا القياس م: (أنه بيع شرط فيه) ش: أي في
البيع م: (إقالة فاسدة لتعلقها) ش: أي لتعلق الإقالة م: (بالشرط) ش: وهو
عدم النقد م: (واشتراط الصحيح منها) ش: أي من الإقالة بأن قال: بعتك هذا
بشرط أن يقبل البيع م: (فيه مفسد للعقد فاشتراط الفاسد) ش: وهو تعليق البيع
بالإقالة المعلقة م: (أولى) ش: بأن يفسد البيع.
م: (ووجه الاستحسان ما بينا) ش: يعني أن هذا البيع لا يجوز إلى ثلاثة أيام
أيضا قياسا، كما قال زفر ولكنا جوزناه استحسانا، ووجهه ما بينا، وهو أن
الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد، كذا قاله الأترازي.
وقال الأكمل: وجه الاستحسان أن هذا في معنى شرط الخيار من حيث الحاجة، إذ
الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد؛ تحرزا عن المماطلة في الفسخ، وإذا
كان في معناه كان ملحقا به، ورد بأنا لا نسلم أنه في معناه؛ لأن هناك لو
سكت حتى مضت المدة تم العقد، وهاهنا لو سكت حتى مضت المدة بطل.
(8/54)
قال: وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن
ملكه؛ لأن تمام هذا السبب بالمراضاة، ولا تتم مع الخيار؛ ولهذا ينفذ عتقه،
ولا يملك المشتري التصرف فيه، وإن قبضه بإذن البائع. فلو قبضه المشتري وهلك
في يده في مدة الخيار ضمنه بالقيمة؛ لأن البيع ينفسخ بالهلاك؛ لأنه كان
موقوفا ولا نفاذ بدون المحل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجيب بأن النظر في الإلحاق إنما هو إلى المعنى المناط للحكم، وهو الحاجة
وهي موجودة فيهما، وأما الزائد على ذلك فلا معتبر به. وقال القاضي الإمام
ظهير الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ - في فوائده: هاهنا مسألة لا بد من حفظها،
وهي أنه إذا لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام يفسد البيع، ولا تنفسخ حتى لو
أعتقه المشتري وهو في يده نفذ عتقه، وإن كان في يد البائع لا ينفذ، ثم لو
كان هذا الشرط للبائع بأن اشترى رجل عبدا ونقد الثمن على أن البائع إن رد
الثمن فلا بيع بينهما جاز البيع بهذا الشرط، ويصير بمنزلة خيار الشرط، حتى
إذا قبض المشتري المبيع يكون مضمونا عليه بالقيمة، ولو أعتقه المشتري لا
ينفذ عتقه، ولو أعتقه البائع ينفذ.
وفي " المجتبى " لو قال أحدهما في البيع: جعلتك بالخيار ثلاثة أيام صح
بالإجماع، ولو زاد أو أطلق فسد البيع عند أبي حنيفة وزفر والشافعي، كالشرط
الفاسد الملحق بالبيع الصحيح. وقال أبو يوسف ومحمد وأحمد: يجوز، كما في شرط
الخيار، ولو قال البائع: خذه وانظر إليه اليوم فإن رضيته أخذته بعشرة فهو
خيار، باع على أنه بالخيار، على أن له أن يغله ويستخدمه جاز وهو على خياره،
وعلى أن يأكل من ثمره لا يجوز؛ لأن الثمر له حصة من الثمن.
[خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه]
م: (قال: وخيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه؛ لأن تمام هذا السبب) ش:
أي العلة م: (بالمراضاة) ش: لكون الرضاء داخلا في حقيقته الشرعية.
م: (ولا تتم) ش: أي المراضاة م: (مع الخيار) ش: لأن البيع به يصير به علة
اسما ومعنى لا حكما، فمنع ابتداء الحكم به، وهو الملك فبقي على ملك صاحبه.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه على ملك صاحبه م: (ينفذ عتقه) ش: أي عتق
البائع م: (ولا يملك المشتري التصرف فيه، وإن قبضه بإذن البائع) ش: لأجل
خيار البائع م: (فلو قبضه المشتري، وهلك في يده في مدة الخيار ضمنه
بالقيمة) ش: وبه قال الشافعي في الوجه المشهور، ومالك، وفي وجه ضمنه
بالثمن، وهو قياس قول أحمد، وقال ابن أبي ليلى لا يضمنه؛ لأنه قبضه بإذن
المالك فيكون أمينا فلا ضمان عليه م: (لأن البيع ينفسخ بالهلاك) ش:
والمنفسخ به مضمون بالقيمة، وذلك؛ لأن المعقود عليه بالهلاك صار إلى حاله
لا يجوز ابتداء العقد عليه فيها، فلا تلحقها الإجارة، وهو معنى قوله م:
(لأنه كان موقوفا) ش: أي في حق الحكم م: (ولا نفاذ بدون المحل) ش: كأنه
جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: لم صار موقوفا؟ فأجاب أنه لا نفاذ للحكم بدون
المحل؛ لأنه فات بالهلاك، فإذا كان
(8/55)
فبقي مقبوضا في يده على سوم الشراء، وفيه
القيمة،
ولو هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شيء على المشتري اعتبارا بالصحيح
المطلق.
قال: وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع؛ لأن البيع في جانب
الآخر لازم، وهذا؛ لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل عن ملك من له الخيار؛
لأنه شرع نظرا له دون الآخر. قال: إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة،
وقالا: يملكه؛ لأنه لما خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون
زائلا، لا إلى مالك ولا عهد لنا به في الشرع، ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج
الثمن عن ملكه، فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه لاجتمع البدلان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كذلك م: (فبقي مقبوضا في يده على سوم الشراء) ش: أي على طلب المشتري، م:
(وفيه) ش: وفي المقبوض على سوم المشتري يجب م: (القيمة) ش: لأنه مقبوض
بالعقد، هذا إذا لم يكن مثليا وإن كان مثليا يجب المثل، كذا في " شرح
الأقطع وغيره".
وقال الكاكي: وفي " اليتيمة " أن المقبوض على سوم المشتري إنما يكون مضمونا
إذا كان الثمن مسمى، حتى إنه إذا قال: قد أذهب بهذا الثوب، فإن رضيته
اشتريته فذهب فهلك لا يضمن. ولو قال: إن رضيته اشتريته بعشرة فذهب به فهلك
ضمن قيمته، وعليه الفتوى.
م: (ولو هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شيء على المشتري اعتبارا
بالصحيح) ش: أي البيع الصحيح م: (المطلق) ش: أي المطلق عن الخيار، وهو
البيع البات، فإن البيع فيه لو هلك في يد البائع ينفسخ البيع، فكذا هذا.
وإنما ذكر الصحيح مع أن الحكم في الفاسد كذلك حملا لحال المسلم على الصلاح؛
إذ الصحيح أليق به دون الفاسد.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك
البائع) ش: وهذا بالاتفاق م: (لأن البيع في جانب الآخر لازم) ش: الآخر هو
البائع. ومعنى لازم: ثابت؛ لتمام المرضي منه حتى لا يتمكن البائع من الفسخ
م: (وهذا) ش: أي منع خروج المبيع عن ملك البائع عند خيار المشتري م: (لأن
الخيار إنما يمنع خروج البدل عن ملك من له الخيار؛ لأنه) ش: أي؛ لأن الخيار
إنما يمنع خروج البدل عن ملك من له الخيار؛ لأنه م: (شرع نظرا له دون
الآخر) ش: يعنى لم يشرع للآخر الذي ليس له الخيار؛ لأن الخيار مانع للحكم
في جانب ثمن الخيار لا في جانب من ليس له الخيار.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن المشتري لا يملكه) ش: أي المبيع (عند
أبي حنيفة وقالا: يملكه) ش: وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في
قولٍ، ومالك وأحمد م: (لأنه) ش: أي؛ لأن المبيع م: (لما خرج عن ملك البائع
فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك ولا عهد لنا به) ش:
بعين غير معهود م: (في الشرع) ش: فصار كالسائبة.
م: (ولأبي حنيفة أنه) ش: أي الشأن م: (لما لم يخرج الثمن عن ملكه) ش: أي عن
ملك المشتري م: (فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه) ش: أي في ملك المشتري
م: (لاجتمع البدلان)
(8/56)
في ملك رجل واحد، حكما للمعاوضة، ولا أصل
له في الشرع؛ لأن المعاوضة تقتضي المساواة، ولأن الخيار شرع نظرا للمشتري؛
ليتروى فيقف على المصلحة، ولو ثبت الملك ربما يعتق عليه من غير اختياره،
بأن يكون قريبه فيفوت النظر. قال: فإن هلك في يده هلك بالثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي الثمن والمثمن م: (في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة) ش: يعني من حيث
حكم المعاوضة، واحترز به عن ضمان غصب المدبر؛ لأن الضمان يجب على الغاصب
إذا أبق العبد، ولا يخرج المدبر عن ملك مولاه فيجتمع البدلان؛ لأن ذلك ضمان
جناية لا ضمان معاوضة.
فإن قلت: المسلم إليه يملك رأس المال والمسلم فيه في ملكه. قلت: المسلم فيه
يملكه رب المسلم في ذمة المسلم إليه؛ لأن له حكم الثمن ولهذا جاز فيه صنوب
الأجل وهو كسائر البياعات فإن البائع يملك الثمن في ذمة المشتري فلا يجتمع
البدلان فإن قلت: يرد عليكم اجتماع الأجرة والمنافع في ملك المؤجر إذا شرط
تعجيل الأجرة. قلت: لا نسلم الاجتماع؛ لأن المنافع معدومة فكيف يكون
الاجتماع فإذا حدثت ملكها المستأجر ولا اجتماع إذن.
م: (ولا أصل له في الشرع) ش: أي الأصل لاجتماع البدلين في ملك رجل واحد
حكما للمعاوضة م: (لأن المعاوضة تقتضي المساواة) ش: يعني المساواة المكفية،
وهي أن يدخل المبيع في ملك المشتري، والثمن في ملك البائع (ولأن الخيار شرع
نظرا للمشتري ليتروى) ش: أي ليتأمل ويتفكر م: (فيقف على المصلحة ولو ثبت
الملك) ش: أي في ملك المشتري م: (ربما يعتق عليه بغير اختياره) ش: لا له م:
(بأن يكون) ش: أي المبيع م: (قريبه) ش: فيعتق عليه من غير اختياره م:
(فيفوت النظر) ش: لأن الأمر يتردد على موضوعه بالنقض.
وأما الجواب عن قوله لا نظير له في الشرع، قلنا: يبطل ذلك بما إذا اشترى
متولي الكعبة إشارة لها أو عبيدا لسدنتها حيث يزول عن ملك البائع ولا يدخل
في ملك المشترى، ويبطل أيضا بالتركة المستغرقة بالدين؛ لأن التركة تزول عن
ملك الميت، ولا تدخل في ملك الورثة. فإن قيل: لو لم يثبت الملك للمشتري
ينبغي أن لا يكون له حق الشفعة به، كما لا يستحق الشفعة بدار السكنى، وكان
له حق الشفعة بالإجماع.
قلنا: إنما تستحق الشفعة؛ لأنه بشرائها صار أحق بها تصرفا؛ لأنه ملكها
بمنزلة العبد المأذون إذا بيعت دار بجنبه فإنه يستحق الشفعة بهذا الشراء
وإن لم يثبت له الملك، ولهذا لو أعتقه المشتري ينفذ عتقه؛ لأنه صار أحق
بالتصرف فيه، وإقدامه على الإعتاق إسقاط الخيار منه، كذا في " المبسوط ".
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن هلك في يده) ش: أي وإن هلك المبيع في يد
المشتري م: (هلك بالثمن) ش: سواء هلك في مدة الخيار أو بعدها فعليه الثمن
في الوجهين، كذا قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ".
(8/57)
وكذلك إذا دخله عيب، بخلاف ما إذا كان
الخيار للبائع، ووجه الفرق أنه إذا دخله عيب يمتنع الرد، والهلاك لا يعرى
عن مقدمة عيب فيهلك، والعقد قد انبرم فيلزمه الثمن، بخلاف ما تقدم؛ لأن
بدخول العيب لا يمتنع الرد حكما لخيار البائع فيهلك، والعقد موقوف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال زفر والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قول: يهلك بالقيمة
كخيار البائع، ونقل الأترازي عن المختلف أن عند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - يجب عليه القيمة إذا هلك في المدة، م: (وكذلك إذا دخله عيب) ش: أي
وكذلك يجب الثمن إذا دخل المبيع عيب في مدة الخيار، فتعذر رده يلزمه الثمن
لانبرام العقد.
وقال الكرخي في مختصره: وإذا قبض المشتري المبيع فدخله في يده عيب ينقص
القيمة من فعل المشتري أو غير فعله تم البيع عليه، ويلزمه الثمن. وفي "
الإيضاح " إذا كان الخيار للمشتري فحدث في ملكه عيب يجوز ارتفاعه كالمرض
فهو على خياره؛ لأنه إذا زال المرض ارتفع النقص، فصار كأن لم يكن، وليس له
أن يفتح إلا أن يرفع في الثلاث، فإذا مضت الثلاث والعيب قائم لزم العقد؛
لتعذر الرد م: (بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع) ش: يعني إذا كان الخيار
للبائع وهلك المبيع في يد المشتري في مدة الخيار يجب القيمة.
م: (ووجه الفرق) ش: يعني بين ما إذا كان الخيار للمشتري وهلك في يده حيث
يجب الثمن، وبين ما إذا كان الخيار للبائع، وهلك في يد المشتري في مدة
الخيار حيث يجب القيمة م: (أنه) ش: أي أن المبيع م: (إذا دخله عيب) ش: في
يد المشتري والخيار له م: (يمتنع الرد، والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب) ش:
لأنه بناء على سبب مفض إليه.
بيانه أن الهلاك لا يعرى عن عيب يسبق الهلاك، وذلك بسبب عيب فيكون المبيع
معيبا حين أشرف على الهلاك، فبالعيب امتنع رده م: (فيهلك والعقد قد انبرم)
ش: أي والحال أن العقد قد تم ولزم، ولفظ انبرم مطاوع أبرم الأمر إبراما إذا
أحكمه، فإذا كان كذلك م: (فيلزمه الثمن) ش: أي فيلزم المشتري الثمن الذي
وقع عليه العقد م: (بخلاف ما تقدم) ش: وهو ما إذا كان الخيار للبائع فهلك
في يد المشتري.
م: (لأن بدخول العيب) ش: قبل الهلاك م: (لا يمتنع الرد حكما) ش: أي من حيث
الحكم م: (لخيار البائع) ش: أي لأجل خياره، فلما لم يمتنع الرد لم يكن
العقد منبرما م: (فيهلك والعقد موقوف) ش: حينئذ، فيلزمه القيمة؛ لأنه ليس
بأدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء ولم يلزمه الثمن لعدم انبرام العقد.
وقال الكاكي: ثم هذا في عيب لا يرتفع في مدة الخيار كقطع اليد، وأما لو كان
عيبا يجوز ارتفاعه كالمرض فهو على خيار إذا زال في المدة، فله الفسخ بعد
ارتفاعه، ولو لم يرتفع بعد مضي المدة لزم العقد لتعذر الرد، كذا في "
الإيضاح ".
(8/58)
قال: ومن اشترى امرأته على أنه بالخيار
ثلاثة أيام لم يفسد النكاح؛ لأنه لم يملكها لما له من الخيار. وإن وطئها له
أن يردها؛ لأن الوطء بحكم النكاح إلا إذا كانت بكرا؛ لأن الوطء ينقصها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن أبي يوسف: يبطل خيار المشتري في كل عيب بأي وجه كان، إلا في خصلة، وهي
أن النقصان إذا حصل في يد المشتري بفعل البائع فلا يبطل خياره، إن شاء رده
وإن شاء أجاز البيع وأخذ من البائع الأرش، وفي زيادة متصلة متولدة في
المبيع، كالحسن والجمال وغيرهما يبطل خياره، ويفسد البيع عند أبي حنيفة
وأبي يوسف.
وقال محمد: لا يمنع الرد وهو على خياره، ولو كانت الزيادة متصلة غير متولدة
منه، كالصبغ والخياطة وغيرهما لا يمنع الرد بالإجماع، ولو كانت الزيادة
منفصلة متولدة منه كالولد، والأرش، والعقر، والتمر، واللبن والصوف يمنع
الرد، ويبطل الخيار، وينعقد العقد.
ولو كانت الزيادة منفصلة غير متولدة كالكسب، والغلة، والصدقة، والهبة، لا
يمنع الرد، وهو على خياره، إلا أنه إذا اختار للبيع فالزوائد له مع الأصل،
وإلا اختار الرد؛ يرد الأصل مع الزوائد عند أبي حنيفة. وعندهما الأصل دون
الزوائد.
[اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى امرأته على أنه
بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح) ش" هذه مسائل تترتب على الأصل المتقدم
ذكره، وهو أن الخيار إذا كان للمشتري يخرج المبيع عن ملك البائع، ولا يدخل
في ملك المشتري عند أبي حنيفة، وعندهما يدخل، فعلى هذا إذا اشترى امرأته
على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يفسد النكاح م: (لأنه لم يملكها) ش: أي؛ لأن
الزوج لم يملك امرأته.
م: (لما له من الخيار، وإن وطئها له أن يردها) ش: وقال أبو يوسف ومحمد:
يفسد النكاح، فإن وطئها لم يستطع ردها، وتأويل المسألة فيما إذا كانت
المرأة ثيبا؛ لأنها إذا كانت بكرا يأتي حكمها عن قريب، وإنما يجوز له ردها
عند أبي حنيفة م: (لأن الوطء بحكم النكاح) ش: وليس بحكم ملك اليمين حتى
يسقط الخيار.
م: (إلا إذا كانت بكرا) ش: استثناء من قوله - له أن يردها - أي إذا كانت
المرأة بكرا ليس له أن يردها م: (لأن الوطء ينقصها) ش: فصار بمنزلة اختيار
جزء منها، فإن قيل: رضي بالنقصان؛ لأنه لما زوجها فقد مكنها على الوطء،
وإذا ثبت الخيار فقد تمكن من الرد فيكون راضيا بالنقصان؛ لأنه لما زوجها
قلنا: لا نسلم أن الرضاء باق بعدما باعها، بل لا يبقى. وللشافعي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - في حل وطئها وجهان: أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز، وهو
نصه، أما لو كان البيع غير امرأته لم يحل للمشتري وطؤها على الأقوال كلها.
(8/59)
وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يفسد النكاح؛
لأنه ملكها. وإن وطئها لم يردها؛ لأن وطأها بملك اليمين فيمتنع الرد وإن
كانت ثيبا، ولهذه المسألة أخوات كلها تبتنى على وقوع الملك للمشتري بشرط
الخيار وعدمه، منها: عتق المشترى على المشتري إذا كان قريبا له في مدة
الخيار، ومنها عتقه إذا كان المشتري حلف إن ملكت عبدا فهو حر، بخلاف ما إذا
قال: إن اشتريت؛ لأنه يصير كالمنشئ للعتق بعد الشراء فيسقط الخيار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أحمد: لا يحل للبائع أيضا م: (وهذا) ش: أي المذكور إلى هنا م: (عند
أبي حنيفة، وقالا: يفسد النكاح؛ لأنه ملكها) ش: أي؛ لأن المشتري ملك امرأته
م: (وإن وطئها لم يردها؛ لأنه وطأها بملك اليمين فيمتنع الرد وإن كانت
ثيبا) ش: لأنه كان مختارا لها، سواء كان الوطء ينقصها أو لم ينقصها؛ لأنه
وطئها بملك اليمين والنكاح عندهما قد ارتفع وأجمعوا على أنه لو لم تكن
امرأته بوطئها يصير مختارا، سواء نقصها الوطء أو لم ينقصها؛ لأنه يحصل
وطؤها بملك اليمين.
م: (ولهذه المسألة أخوات) ش: أي نظائر م: (كلها تبتنى على وقوع الملك
للمشتري بشرط الخيار) ش: كما هو مذهبهما م: (وعدمه) ش: أي وتبتنى على وقوع
الملك للمشتري كما هو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (منها) ش: أي
من الأخوات م: (عتق المشترى) ش: بفتح الراء م: (على المشتري) ش: بكسر الراء
م: (إذا كان) ش: أي المشترى م: (قريبا له) ش: أي للمشتري م: (في مدة
الخيار) ش: يعني إذا اشترى ذا رحم محرم منه بشرط الخيار لا يعتق عليه في
مدة الخيار؛ لأنه لم يملكه، وخياره كما كان، فإن فسخ البيع عاد إلى ملك
البائع، وإن أجازه عتق عليه ولزمه الثمن وعندهما يعتق عليه من زمان الشراء؛
لأنه ملكه ويلزمه الثمن ولا يبقى خياره.
م: (ومنها) ش: أي من الأخوات م: (عتقه) ش: أي عتق المشتري بفتح الراء م:
(إذا كان المشتري) بكسر الراء م: (حلف إن ملكت عبدا فهو حر) ش: يعني إذا
قال إن ملكت عبدا فهو حر ثم اشترى عبدا بشرط الخيار لا يعتق عند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ - في مدة الخيار؛ لأنه لم يملكه خلافا لهما م: (لخلاف
ما إذا قال: إن اشتريت) ش: عبدا فهو حر فاشتراه بالخيار يعتق عليه ويبطل
خياره ويلزمه الثمن بالإجماع م: (لأنه يصير كالمنشئ) ش: من الإنشاء وهو
إثبات أمر لم يكن م: (للعتق بعد الشراء) ش: لأن المعلق بالشرط كالمرسل
عنده، ولو أنشأ العتق بعد الشراء بالخيار عتق.
م: (فيسقط الخيار) ش: فكذا هذا، فإن قيل: لو كان كالمنشئ ينبغي أن ينوب عن
الكفارة، إذا اشترى المحلوف عليه بعتقه ناويا عن الكفارة، أجيب بأنه إنما
جعل كالمنشئ لتصحيح قوله: فهو حر، وليس من ضرورة تحريره وقوعه عن الكفارة
بعد استحقاقه الحرية وقت اليمين؛ لأنه
(8/60)
ومنها: أن حيض المشتراة في المدة لا يجتزئ
به في الاستبراء عنده، وعندهما يجتزئ، ولو ردت بحكم الخيار إلى البائع لا
يجب عليه الاستبراء عنده وعندهما يجب إذا ردت بعد القبض، ومنها إذا ولدت
المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له عنده خلافا لهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالمدبر في الاستحقاق، وفيه يعمل الإنشاء للعتق لا عن الكفارة فكذلك هذا.
م: (ومنها) ش: أي ومن الأخوات م: (أن حيض المشتراة في المدة) ش: أي في مدة
الخيار م: (لا يجتزئ به) ش: أي لا يكتفي به يعني إذا اشترى جارية بالخيار
ثلاثة أيام، وقبضها فحاضت عنده في مدة الخيار فاختارها، وصارت للمشتري فلا
يجتزئ بتلك الحيضة م: (في الاستبراء) ش: وعليه أن يستبرئها بحيضة أخرى م:
(عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما يجتزئ) ش:
بها في الاستبراء.
م: (ولو ردت) ش: أي الجارية يعنى إن اختيار المشتري فسخ العقد وعادت
الجارية م: (بحكم الخيار إلى البائع لا يجب عليه) ش: أي على البائع م:
(الاستبراء عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - سواء كان الفسخ
قبل القبض أو بعده؛ لأنه لم يملكها على البائع غيره عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما يجب) ش: أي الاستبراء م: (إذا ردت بعد
القبض) ش: بحكم الفسخ؛ لأن المشتري ملكها، وإن كان الفسخ قبل القبض لا يجب
عليه شيء، وإن كان الخيار للبائع ففسخ العقد فلا يجب عليه الاستبراء؛ لأنها
لم تخرج من ملكه، فإن أجاز البيع فعلى المشتري أن يستبرئها بعد جواز البيع،
والقبض بحيضة مستأنفة في قولهم جميعا، كذا في شرح الأقطع م: (ومنها) ش: أي
من الأخوات م: (إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح لا تصير أم ولد له
عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (خلافا لهما) ش: قال
صاحب النهاية: لا بد من أحد تأويلين: إما أن يكون معناه اشترى منكوحة وولدت
في مدة الخيار قبل قبض المشتري أو يكون اشترى الأمة التي كانت منكوحته
وولدت منه ولدا قبل الشراء، ثم اشتراها بشرط الخيار لا تصير أم ولد له في
مدة الخيار عنده خلافا لهما، وعلى هذا كان قوله في المدة ظرفا لقوله: لا
تصير أم ولد له لا ظرف الولادة.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وتقدير كلامه إذا ولدت المشتراة بالنكاح
لا تصير أم ولد له في مدة الخيار، وفيه تعقيد لفظي كما ترى، قال: إنما
احتجنا إلى أحد التأويلين؛ لأنه لو أجرينا على ظاهر اللفظ. وقلنا: إنه إذا
اشترى منكوحته بشرط الخيار وقبضها، ثم ولدت في مدة الخيار يلزم البيع
بالاتفاق ويبطل خيار الشرط؛ لأن الولادة عيب ولا يمكن ردها بعدما تعيبت
الجارية في يد المشتري بشرط الخيار.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ظاهر كلام المصنف مشكل؛ لأن المشتراة
بشرط الخيار إذا ولدت في مدة الخيار يبطل الخيار ويلزم الثمن لحدوث العيب؛
لأن الولادة عيب في بني آدم لا في
(8/61)
ومنها إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع
ثم أودعه عند البائع، فهلك في يده في المدة هلك من مال البائع لارتفاع
القبض بالرد، لعدم الملك عنده، وعندهما من مال المشتري لصحة الإيداع
باعتبار قيام الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البهائم إلا أن يوجب نقصانا فينبغي على هذا أن تصير الجارية بالولادة في
المدة أم ولد بالاتفاق؛ لأن المبيع إذا تعيب في يد المشتري لا يمكنه أن
يرده كما قبض سليما فعلى هذا يقول: إن المشتراة ولدت بالنكاح في مدة الخيار
لكن الولادة كانت قبل القبض، فلا تصير أم ولد عنده خلافا لهما، وإنما حملنا
على هذا الاحتمال كلامه؛ لأن الولادة إما أن تقع بعد القبض أو قبله.
وللمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقول: أردت أحد هذين الوجهين، وقال الكاكي
- رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: إذا ولدت المشتراة في المدة بالنكاح هذا إذا
ولدت قبل القبض فإنه ذكر في " المبسوط " ولو ولدت عند المشتري ينقطع خياره؛
لأنها تعيبت بالولادة وتصير أم ولده بالإجماع، فهذا دليل على أن ما ذكر في
المتن إذا كانت الولادة قبل القبض، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
تصير أم ولد له على أحد القولين.
وقال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أيضا هذا إذا كانت الولادة قبل
القبض؛ لأنها لو ولدت بعده يسقطه الخيار ويثبت الملك للمشتري بالاتفاق
وتصير أم ولد له.
قلت: لو قيل عقيب قوله: لو ولدت المشتراة إلى آخره يعني قبل القبض لحصل
المراد واكتفى عن تطويل الكلام.
م: (ومنها) ش: أي ومن الأخوات م: (إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع) ش:
يعني اشترى شيئا بعينه على أنه بالخيار ثلاثة أيام فقبضه بإذن البائع م:
(ثم أودعه عند البائع) ش: في مدة الخيار م: (فهلك في يده) ش: أي فهلك
المبيع في يد البائع م: (في المدة) ش: أي في مدة الخيار أو بعدها م: (هلك
من مال البائع لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك عنده) ش: لأن الوديعة لم تصح
لعدم ملك المودع، وإذا ارتفع القبض كان هلاك المبيع قبل القبض وأنه من مال
البائع؛ لأن من مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لم يملكه المشتري.
م: (وعندهما من مال المشتري) ش: أي الهلاك يكون من مال المشتري م: (لصحة
الإيداع باعتبار قيام الملك) ش: لأن المشتري يملكه فصار مودعا ملك نفسه،
فصار هلاكه في يد المودع كهلاكه في يده؛ لأن يد المودع كيده، ولو كان
الخيار للبائع فسلمه إلى المشتري، ثم إن المشتري أودعه البائع في مدة
الخيار، ثم هلك في يد البائع قبل جواز البيع أو بعده يبطل البيع في قولهم
جميعا، ولو كان البيع باتا فقبضه المشتري بإذن البائع، أو بغير إذنه والثمن
منقود أو مؤجل وله فيه خيار الرؤية أو خيار العيب فأودعه البائع فهلك في يد
البائع هلك على المشتري ولزمه الثمن
(8/62)
ومنها: لو كان المشتري عبدا مأذونا له
فأبرأه البائع عن الثمن في المدة بقي خياره عنده؛ لأن الرد امتناع عن
التملك، والمأذون له يليه، وعندهما بطل خياره؛ لأنه لما ملكه كان الرد منه
تمليكا بغير عوض وهو ليس من أهله. ومنها إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه
بالخيار، ثم أسلم بطل الخيار عندهما؛ لأنه ملكها فلا يملك ردها وهو مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالإجماع؛ لأن خيار الرؤية وخيار العيب لا يمنعان وقوع الملك فصار مودعا
ملك نفسه كذا في " شرح الطحاوي ".
م: (ومنها) ش: أي من الأخوات م: (لو كان المشترى عبدا مأذونا له فأبرأه
البائع عن الثمن في المدة بقي خياره عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - بيانه: عبد مأذون له في التجارة اشترى من حر سلعة بدراهم معلومة
على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ثم إن البائع أبرأه عن الثمن، فالقياس أن لا
يصح إبراؤه؛ لأنه لا يملك الثمن.
وفي " الاستحسان ": صح إبراؤه؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الملك وهو العقد،
فإذا صح إبراؤه ففي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خياره على حاله إن
شاء اختار السلعة، وتكون له بغير ثمن وإن شاء فسخ وعاد إلى البائع بغير
ثمن، وعندهما بطل خياره ولا يملك الفسخ والرد؛ لأن مذهبهما أنه ملكها، وفي
الفسخ والرد تمليك منه للبائع بغير بدل وهو ليس من أهل ذلك، وعند أبي حنيفة
- رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يملك فيكون في الفسخ والرد امتناع عن التمليك.
م: (لأن) ش: لما ملك م: (الرد) ش: يكون له في الفسخ والرد م: (امتناع عن
التملك والمأذون له يليه) ش: أي الامتناع أي له ولاية الامتناع م: (وعندهما
بطل خياره؛ لأنه لما ملكه) ش: أي لما ملك البيع م: (كان الرد منه تمليكا
بغير عوض) ش: أي بغير ثمن فيكون متبرعا م: (وهو) ش: أي المأذون له م: (ليس
من أهله) ش: أي من أهل التمليك، فإذا امتنع الرد بطل الخيار ضرورة، وعند
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وإن كان الملك للبائع فكما قاله، وإن
كان للمشتري فكما قالا.
م: (ومنها) ش: أي ومن الأخوات م: (إذا اشترى ذمي من ذمي خمرا) ش: أو خنزيرا
م: (على أنه بالخيار ثم أسلم بطل الخيار عندهما) ش: أي ثم أسلم المشتري بطل
الخيار عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله-: م: (لأنه ملكها فلا يملك ردها
وهو مسلم، وعنده يبطل البيع؛ لأنه لم يملكها) ش: لأن المسلم لا يملك تمليك
الخمر م: (فلا يتملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم) ش: أي والحال أنه مسلم،
وذكر خيار المشتري وإسلامه؛ لأنه إذا كان الخيار للبائع وأسلم البائع يبطل
البيع بالإجماع.
وذكر الإمام التمرتاشي: مسائل على هذا الأصل منها: إذا اشترى مسلم عصيرا
بالخيار
(8/63)
وعنده يبطل البيع؛ لأنه لم يملكها فلا
يتملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم. قال: ومن شرط له الخيار فله أن يفسخ في
مدة الخيار، وله أن يجيز، فإن أجاز بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز
إلا أن يكون الآخر حاضرا عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-، وقال أبو
يوسف: يجوز، وهو قول الشافعي، والشرط هو العلم، وإنما كنى بالحضرة عنه. له
أنه مسلط على الفسخ من جهة صاحبه فلا يتوقف على علمه كالإجازة ولهذا لا
يشترط رضاه، وصار كالوكيل بالبيع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فتخمر في المدة فسد البيع عنده وعندهما ثم، ومنها: إذا كان المشترى دارا
وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام السكنى بعد الشرط قال الإمام السرخسي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون اختيارا وابتداء السكنى اختيار؛ لأن الدار لا
تمتحن بالسكنى.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ -: استدامة السكنى اختيار
عندهما؛ لأنه يملك الثمن، وعنده ليس باختيار؛ لأنه بالإجارة أو الإعارة،
ومنها حلال اشترى طيبا بالخيار فقبضه ثم أحرم والطيب في يده ينتقض البيع
عنده ويرد إلى البائع وقالا: يلزم المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض
بالإجماع ولو كان الخيار للمشتري فأحرم البائع للمشتري أن يرده.
[من شرط له الخيار له أن يفسخ العقد]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن شرط له الخيار) ش: سواء كان بائعا أو
مشتريا أو راضيا م: (فله أن يفسخ) ش: أي العقد م: (في مدة الخيار وله أن
يجيز، فإن أجاز بغير حضرة صاحبه جاز، وإن فسخ لم يجز إلا أن يكون الآخر
حاضرا، عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-) ش: وبه قال مالك - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: م: (وقال أبو يوسف: يجوز، وهو قول الشافعي) ش: وأحمد ومالك -
رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (والشرط هو العلم) ش: قال القدوري: بغير حضرة صاحبه وقال المصنف -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرط العلم أي علم صاحبه بالفسخ م: (وإنما كنى
بالحضرة عنه) ش: أي عن العلم يعني ذكر السبب فأراد المسبب؛ لأن الحضور سبب
العلم وليس المراد منه الكناية الاصطلاحية لأرباب البلاغة لكن المراد به ما
استتر به المراد م: (له) ش: أي لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه)
ش: أي أن من شرط له الخيار م: (مسلط على الفسخ) ش: أي على فسخ العقد م: (من
جهة صاحبه) ش: وكل من هو كذلك م: (فلا يتوقف) ش: فعله م: (على علمه
كالإجازة) ش: فإن فيها لا يشترط العلم بالإجماع.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم توقف فعله على علم صاحبه م: (لا يشترط رضاه) ش:
يعني في الفسخ م: (وصار) ش: أي من له الخيار م: (كالوكيل بالبيع) ش: فإن
للوكيل أن يتصرف فيما وكل به، وإن كان الموكل غائبا؛ لأنه مسلط على البيع
من جهته فكذا هاهنا.
(8/64)
ولهما أنه تصرف في حق الغير، وهو العقد
بالرفع، ولا يعرى عن المضرة؛ لأنه عساه يعتمد تمام البيع السابق، فيتصرف
فيه، فيلزمه غرامة القيمة بالهلاك، فيما إذا كان الخيار للبائع أو لا يطلب
لسلعته مشتريا فيما إذا كان الخيار للمشتري، وهذا نوع ضرر فيتوقف على علمه،
وصار كعزل الوكيل، بخلاف الإجازة؛ لأنه لا إلزام فيه ولا نقول إنه مسلط،
وكيف يقال ذلك وصاحبه لا يملك الفسخ ولا تسليط في غير ما يملكه المسلط، ولو
كان فسخ في حال غيبة صاحبه وبلغه في المدة تم الفسخ لحصول العلم به، ولو
بلغه بعد مضي المدة تم العقد بمضي المدة قبل الفسخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- م: (أنه) ش: أي أن الفسخ
م: (تصرف في حق الغير) ش: وهو من ليس له الخيار م: (وهو العقد بالرفع) ش:
في حق المتعاقدين م: (ولا يعرى عن المضرة) ش: أي لا يخلو عن المضرة م:
(لأنه) ش: أي؛ لأن الذي ليس له الخيار م: (عساه) ش: أي لعله م: (يعتمد تمام
البيع السابق فيتصرف فيه) ش: أي في المبيع ثم ليظهر أنه تصرف في مال غيره.
م: (فيلزمه غرامة القيمة بالهلاك) ش: أي بهلاك، ولا خفاء في كونه ضررا، هذا
م: (فيما إذا كان الخيار للبائع أو لا يطلب) ش: أي البائع م: (لسلعته
مشتريا) ش: أي مشتريا آخر، وهذا نوع ضرر م: (فيما إذا كان الخيار للمشتري)
ش: لأنه قد تكون المدة أيام رواج بيع المبيع م: (وهذا نوع ضرر) ش: لفواتها،
فإذا كان كذلك م: (فيتوقف) ش: أي القول م: (على علمه وصار كعزل الوكيل) ش:
فإنه موقوف على علمه بعزل الموكل كيلا يتضرر بلزوم الثمن فيما إذا كان
وكيلا بالشراء، ويبطلان قوله فيما إذا كان وكيلا بالبيع م: (بخلاف الإجازة؛
لأنه لا إلزام فيه) ش: لأنها إتمام للعقد السابق فلم يحتج إلى حضور صاحبه.
م: (ولا نقول إنه) ش: أي إن من له الخيار م: (مسلط) ش: أي على الفسخ، هذا
جواب عن قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه مسلط م: (وكيف يقال ذلك
وصاحبه) ش: هو الذي لا خيار له م: (لا يملك الفسخ) ش: للزوم العقد من جانبه
فكيف تملك تسليط عليه م: (ولا تسليط في غير ما يملكه المسلط) ش: بكسر اللام
م: (ولو كان فسخ في حال غيبة صاحبه وبلغه) ش: أي خبر الفسخ م: (في المدة)
ش: أي في مدة الخيار م: (تم الفسخ لحصول العلم به، ولو بلغه) ش: أي ولو بلغ
صاحبه م: (بعد مضي المدة تم العقد بمضي المدة قبل الفسخ) ش: لأن تمام المدة
دلالة لزوم العقد.
واعلم أن مدار دليلها إلزام ضرر زائد غير مرضي به، فإذا فات المجموع أو
بعضه في بعض الصور لا يكون نقضا فلا يرد ما قيل: الطلاق والعتاق والعفو عن
القصاص يلزم منها في حق غير الفاعل إلزام، وهو مسوغ؛ لأن ذلك من الإسقاطات
وما هو كذلك ليس فيه شيء من الإلزام كإسقاط الحمل عن الدابة لا يكون إلزاما
عليها إنما اللزوم في جانب من أسقط، وكلامنا في
(8/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحكم الذي يلزم على الغير ولا ما قيل: الزوج ينفرد بالرجعة وحكمها يلزم
المرأة، وإن لم تعلم؛ لأنه ليس فيها إلزام؛ لأن الطلاق الرجعي لا يرفع
النكاح حتى تكون الرجعة إلزاما، وإنما هي استدامة ملك النكاح.
ولا ما قيل: اختيار المجيزة ينفذ على زوجها وإن لم يعلم به؛ لأن اختيارها
لا يتصور بغير حضور زوجها كذا في " مختصر الأسرار " ولا ما قيل: اختيار
الأمة المعتقة الفرقة يلزم الزوج بدون علمه وفيه إلزام؛ لأن الملك ازداد
عليها بالحرية حيث لزمها المقام في منزل الزوج فكان لها أن تدفع تلك
الزيادة برفع العقد. ولا ما قيل: اختيار الملك دفع عقد الفضولي يلزم
العاقدين بلا علم، وفيه إلزام عليهما؛ لأنه امتناع عن العقد لا إلزام منه.
ولا ما قيل: الطلاق يلزم العدة على المرأة، وإن لم تعلم؛ لأنه لا ضرر في
العدة، ولكونه بإيجاب الشرع نصا دون الطلاق بخلاف الضرر المذكور في خيار
الشرط فإنه زائد على موجب خيار الشرط وهو الرد أو الإجازة وهو غير مرضي به
من جانب الآخر ولا يلزمه إلا بعلمه.
ثم اعلم أن شرط الخيار إذا كان للبائع فجواز العقد ونفوذه بأحد معان ثلاثة؛
أما بقوله: أجزت البيع في المدة، ولا يشترط حضرة الآخر، وإما بموت البائع
في المدة؛ لأن الخيار لا يورث عندنا، وإما بمضي مدة الخيار من غير فسخ،
وأما الفسخ فيثبت بالقول والفعل أما القول فبقوله: فسخت البيع.
فإذا قال ولك انفسخ البيع بلا رضا المشتري ولا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي،
ولكن يشترط حضوره عندهما خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وأما الفعل
فكما إذا تصرف في المبيع في مدة الخيار تصرف الملاك كالإعتاق والبيع
والتقبيل ونحو ذلك، فإن العقد ينفسخ حكما حضر المشتري أو لا بالإجماع.
وأما إذا كان الخيار للمشتري فجواز العقد ونفاذه بالمعاني الثلاثة التي
ذكرناها وبمعان أخر سواء نحو أن يصير المشترى في يد البائع فالمشترى بحال
لا يملك المشتري الفسخ على تلك الحالة كما إذا ملك المعقود عليه أو انتقص
في يد المشتري نقصانا يسيرا أو فاحشا بفعل المشتري أو بفعل البائع أو بآفة
سماوية أو بفعل الأجنبي أو بفعل المعقود عليه بطل خياره، ونفذ البيع وهذا
عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذلك إلا فيما إذا حصل النقصان بفعل
البائع حيث لا يبطل خيار المشتري إن شاء رده عليه وإن شاء اختاره وأخذ من
البائع الأرش.
وفي " المحيط " إذا كان الخيار للبائع ينفذ العقد بإجازته وبموته وبمضي
المدة قبل الفسخ وبالإغماء والجنون وإن أفاق في المدة.
(8/66)
قال: وإذا مات من له الخيار بطل خياره ولم
ينتقل إلى ورثته. وقال الشافعي: يورث عنه؛ لأنه حق لازم ثابت في البيع
فيجري فيه الإرث كخيار العيب والتعيين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الإسبيجابي: الأصح أنه على خياره، فلو سكر من الخمر لم يبطل خياره
بخلاف السكر من البنج، ولو ارتد فعلى خياره، إجماعا، فلو تصرف بحكم خياره
يتوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وأما الفسخ إما
بالقول أو بالفعل وهو أن يتصرف البائع تصرف الملاك في مدة الخيار كما إذا
أعتقه أو دبره أو كاتبه أو علق بهما فوجد الشرط أو باعه من غيره أو وهبه
وسلمه أو رهن أو أجر، وإن لم يسلم على الأصح وهذه التصرفات فسخ بغير علم
المشتري إجماعا إلا رواية عن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقبض الثمن من
البائع ليس بإجازة وكذا هبته وارتهانه، إلا إذا استفيد له بغيره كالدراهم
والدنانير.
ولو باع جارية بعبد على أنه بالخيار في الجارية فهبته العبد أو عرضه على
البيع إجازة، وعرضها على البيع ليس بفسخ على الأصح ولو أبرأه من الثمن أو
اشترى منه به شيئا أو ساومه به فهو إجازة، ولو توارى المشتري في مدة الخيار
يبعث إليه القاضي من بعد فإن ظهر وإلا أبطله إلا أن يجيء في المدة، ولو كان
الخيار للمشتري فنفاذه بما ذكرناه من الأمور في حق البائع وبالتصرف تصرف
الملاك فوطؤه إجازة والاستخدام لا والاستخدام ثانيا إجازة إلا إذا كان في
نوع آخر، والركوب امتحانا ليس بإجازة، وكذا لو ركبها لحاجة أو سفر أو حمل
عليها إلا علفها عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
والركوب للرد والسقي والإعلاف إجازة، وقيل: إن لم يمكن بدون الركوب فلا
يكون إجازة كما في خيار العيب ولو أمر الغلام بحمل شيء أو حلق رأسه أو غسله
فليس برضا، ولو كان المشتري كتابا ففسخ منه لنفسه أو لغيره لا يبطل خياره،
وإن قلبت الأوراق وبالدرس منه يبطل خياره، وقيل: على عكسه وبه أخذ أبو
الليث.
[مات من له الخيار]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا مات من له الخيار) ش: وهذا التعبير
يتناول البائع والمشتري وغيرهما جميعا، وقيل: بموت من له الخيار؛ لأنه بموت
من عليه الخيار لا يبطل بالإجماع م: (بطل خياره ولم ينتقل إلى ورثته، وقال
الشافعي: يورث عنه) ش: وبه قال مالك م: (لأنه) ش: أي؛ لأن الخيار م: (حق
لازم) ش: حتى إن صاحبه لا يملك إبطاله، وإنما قال حق؛ لأن حق الإنسان ما
يتولى إثباته وإسقاطه، ولازم؛ لأن صاحبه لا يتمكن من إبطاله م: (ثابت في
البيع فيجري فيه الإرث كخيار العيب) ش: والرؤية م: (والتعيين) ش: أي وكخيار
التعيين صورته: رجل اشترى عبدين على أنه بالخيار يأخذ أيهما شاء بألف ويرد
الآخر ثم مات المشتري يقوم وارثه مقامه في اختيار أحدهما.
(8/67)
ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة ولا
يتصور انتقاله، والإرث فيما يقبل الانتقال، بخلاف خيار العيب؛ لأن المورث
استحق المبيع سليما، فكذا الوارث،
فأما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أن الخيار ليس إلا مشيئة وإرادة) ش: وكلاهما منصوبان على أنهما
بدلان عن خبر ليس أي ليس الخيار شيئا إلا مشيئة وإرادة.
قال تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لأن الشاري هو الفاعل عن ملك
واختيار لا عن أمر وإجبار، ومشيئة الإنسان تنقطع بموته كقدرته؛ لأنها صفته
ولا تبقى بعد الموصوف م: (ولا يتصور انتقاله) ش: أي انتقال الخيار؛ لأنه
ليس إلا مشيئة وإرادة، وهما عرضان والعرض لا يقبل الانتقال م: (والإرث فيما
يقبل الانتقال) ش: لأنه خلافة عن المورث بنقل الأعيان إلى الوارث، هذا
معقول لا معارض له من المنقول، فيكون معمولا به.
لا يقال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ترك
مالا أو حقا فلورثته» الخيار حق فيكون لورثته؛ لأن المراد به حق قابل
للانتقال له بدليل قوله: "فلورثته" الخيار، ليس كذلك فإن قيل: المالكية صفة
تنقل من المورث إليه في الأعيان فهل لا يكون الخيار كذلك؟ وأجيب: بأن
المنتقل هو العين، فإن قيل: المالكية ضمني فليكن خيار الشرط كذلك بأن ينتقل
المبيع من المورث إلى الوارث ثم الخيار يتبعه ضمنا، وأجيب بأن الخيار ليس
من لوازم البيع بل الأصل عدمه، وكم من مبيع لا خيار فيه بخلاف المملوك فإنه
يستلزم مالكية مالك، وفيه نظر، فإن الكلام في البيع بشرط الخيار لا في
مطلقه والخيار يلزمه والصواب أن يقال: الغرض الأصلي من نقل الأعيان ملكيتها
وليس الخيار في البيع بشرط الخيار كذلك فلا يلزم من انتقال ما هو الغرض
الأصلي انتقال ما ليس كذلك.
فإن قيل: القصاص ينتقل من المورث إلى الوارث بذاته من غير تعيين العين
فليكن الخيار كذلك.
أجيب: بأنه ثبت للوارث ابتداء؛ لأنه شرع للتشفي والخيار يثبت بالعقد والشرط
والوارث ليس بعاقد ولا شارط لا يقال: البيع بشرط الخيار غير لازم فتورث
كذلك لا بطريق النقل فلا يفيد ما ذكرتم؛ لأن كلامنا مع من يقول بالنقل وما
ذكرناه يدل على انتفائه، ولو التزم ملتزم ما ذكره قلنا: البيع بشرط الخيار
غير لازم في حق العاقد وفي حق الوارث، والأول مسلم ولا كلام فيه، والثاني
عين النزاع، هذا كله لخصه الأكمل من كلام السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وغيره فنقلناه مثل ما نقله تكثيرا للفائدة.
م: (بخلاف خيار العيب) ش: جواب عما قاس عليه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - م: (لأن المورث استحق المبيع سليما، فكذا الوارث) ش: لأنه قائم
مقامه فكان ذلك نقلا في الأعيان م: (فأما
(8/68)
نفس الخيار لا يورث، وخيار التعيين يثبت
للوارث ابتداء لاختلاط ملكه بملك الغير، لا أن يورث الخيار. قال: ومن اشترى
شيئا وشرط الخيار لغيره فأيهما أجاز جاز الخيار، وأيهما نقض انتقض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نفس الخيار لا يورث) ش: لأنه لا يتصور انتقاله كما ذكرناه فلا يجري فيه
الإرث م: (وخيار التعيين) ش: هذا جواب عما قاسه الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -.
تقريره أن خيار التعيين م: (يثبت للوارث ابتداء) ش: لا بسبيل الإرث يعني
أنه بطل ذلك الخيار الأول، ويجدد للوارث خيار آخر حكما م: (لاختلاط ملكه
بملك الغير) ش: لأن ملك أحد العبدين مجهول؛ لأن ملكه أحدهما، وقد اختلف
بملك صاحبه فثبت لهما التعيين بعلة مجهولة لملكه، فإما أن يكون ذلك بالإرث
فلا م: (لا أن يورث الخيار) ش: كما مر غير مرة.
فإن قلت: المكاتب إذا مات وخلف ولدا ولد في الكتابة ينتقل إليه الكتاب مع
الأجل والتنجيم.
قلت: انتقال الكتابة إلى الولد بسبيل السراية لا بسبيل الإرث؛ لأن المكاتب
لا يورث ولا يلزم خيار الصفة وهو ما إذا اشترى على أنه له الخيار؛ لأن فيه
معنى المال، ولا يلزم الرهن والكفالة والضمان حيث يورث هذه الأشياء؛ لأن
فيه وثيقة ومعنى المال وكذلك القصاص يؤول إلى مال.
[اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره) ش: المراد من الغير هاهنا غير العاقدين حتى
يأتي خلاف زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فأيهما أجاز) ش: أي من المشتري،
ومن الشروط له الخيار م: (جاز الخيار وأيهما) ش: أي الاثنين المذكورين م:
(نقض) ش: أي العقد م: (انتقض) ش: أي العقد.
وقال الكاكي: فإن قيل قوله: فأيهما أجاز إلى آخره جملة استفهامية لا تصلح
خبرا للمبتدأ وهو قوله: ومن اشترى فيبقى المبتدأ بلا خبر، قلنا: في المبتدأ
معنيان أحدهما الابتداء والثاني الشرطية فيقتضي الخبر، والجزاء هنا وقع
موقع خبر فيكون الخبر محذوفا وهو قوله أجازه.
ويتحقق هذا المعنى في ضمن الخبر؛ لأنه لما جاز بالإجازة لا بد وأن يكون
الاشتراط للغير جائزا كما في قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}
[النور: 2] (النور: الآية 2) ، وقوله {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] لا يصلح
خبرا لكونه طلبا، وفي ضمنه خبره وهو وجوب الجلد المستفاد منه تقديره:
الزانية والزاني يجب عليهما الحد فاجلدوا.... انتهى.
واعترض عليه بعضهم بقوله: ما جواب هذا العامل زيد من أبوه ونحوه قوله، وقال
(8/69)
وأصل هذا أن اشتراط الخيار لغيره جائز
استحسانا، وفي القياس لا يجوز، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن
الخيار من مواجب العقد وأحكامه فلا يجوز اشتراطه لغيره كاشتراط الثمن على
غير المشتري. ولنا أن الخيار لغير العاقد قد لا يثبت إلا بطريق النيابة عن
العاقد فيقدر الخيار له اقتضاء ثم يجعل هو نائبا عنه تصحيحا لتصرفه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأكمل: ومن اشترى وشرط الخيار لغيره تقدير كلامه من اشترى وشرط الخيار
لغيره جاز حذفه لدلالة قوله فأيهما أجاز جاز.
قلت: هذا له وجه وهو أحسن من تطويل الكاكي على أن التقدير في الآية على ما
تقتضيه القاعدة الزانية والزاني يقال فيه: فاجلدوا، وكذلك التقدير في قول
المعترض بقوله زيد من أبوه؟ زيد يقال فيه: من أبوه؟.
وبقولنا فيه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الأصح ومالك وأحمد -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ولكن للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيه
وجهان: أحدهما أنه يصح للغير وحده، والثاني يثبت له مع العاقد وعنه في قول
لا يصح وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي فساد البيع وجهان: في وجه
يفسد البيع، وفي وجه البيع صحيح والشرط فاسد.
م: (وأصل هذا) ش: أي أصل هذا المذكور من المسألة م: (أن اشتراط الخيار
لغيره جائز استحسانا، وفي القياس لا يجوز، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ
-؛ لأن الخيار من مواجب العقد) ش: أي من مقتضياته م: (وأحكامه، فلا يجوز
اشتراطه لغيره) ش: لأنه خلاف ما يقتضيه العقد م: (كاشتراط الثمن على غير
المشتري) ش: أو اشتراط تسليمه على غيره أو اشتراط الكل لغيره.
م: (ولنا أن الخيار لغير العاقد قد لا يثبت إلا بطريق النيابة عن العاقد)
ش: إذ لا وجه لإثباته للغير أصالة م: (فيقدر الخيار له) ش: أي للعاقد م:
(اقتضاء) ش: أي من حيث الاقتضاء تصحيحا لعرف العاقد على حسب الإمكان فيجعل
كأنه شرط لنفسه.
م: (ثم يجعل هو) ش: أي يجعل من له الخيار م: (نائبا عنه تصحيحا لتصرفه) ش:
أي لتصرف العاقد، فكان ثبوت الخيار للعاقد مقتضى صحة ثبوت الخيار للأجنبي
وفيه بحث من وجهين: أحدهما: أن شرط الاقتضاء أن يكون المقتضي أو في منزلة
من المقتضي ألا ترى أن من قال لعبد له حنث في يمينه كفر عن يمينك بالمال لا
يكون ذلك تحريرا اقتضاء؛ لأن التحرير أقوى من تصريف التكفير لكونه أصلا فلا
يثبت تبعا لفرعه، ولا خفاء أن العاقد أعلى مرتبة فكيف يثبت الخيار له
اقتضاء؟
والثاني: بأن اشتراط الخيار لغيره لو جاز اقتضاء تصحيحا لجاز اشتراط وجوب
الثمن
(8/70)
وعند ذلك يكون لكل واحد منهما الخيار
فأيهما أجاز جاز وأيهما نقض انتقض. ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر يعتبر
السابق لوجوده في زمان لا يزاحمه فيه غيره، ولو خرج الكلامان منهما معا
يعتبر تصرف العاقد في رواية وتصرف الفاسخ في أخرى. وجه الأول أن تصرف
العاقد أقوى؛ لأن النائب يستفيد الولاية منه، وجه الثاني أن الفسخ أقوى؛
لأن المجاز يلحقه الفسخ، والمفسوخ لا تلحقه الإجازة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الغير بطريق الكفالة بأن يجب الثمن على العاقد أولا ثم على الغير كفالة
عنه كذلك.
وأجيب عن الأول: بأن الاعتبار للمقاصد والغير هو المقصود باشتراط الخيار
فكان هو الأصل بطل إلى الخيار، والعاقد أصل من حيث التمليك لا من حيث
الخيار فلا يلزمه ثبوت الأصل تبعية فرعه، وأما الحرية فإنه الأصل في وجوب
الكفارة المالية فلا يثبت تبعا لفرعه.
وعن الثاني: بأن الدين لا يجب على الكفيل في الصحيح بدون التزام المطالبة،
والمذكور هنا هو الثمن على الأجنبي وثبوت المقتضى لتصحيح المقتضي، ولو صحت
الكفالة بطريق الاقتضاء كان مبطلا للمقتضي وعاد على موضوعه بالنقص فإن قيل:
فليكن بطريق المحالة فإن عنها المطالبة بالدين فالجواب: أن المشتري أصل في
وجوب الثمن عليه فلا يجوز أن يكون تابعا لفرعه وهو المحال عليه.
م: (وعند ذلك) ش: أي عند ثبوت الخيار لهما م: (يكون لكل واحد منهما الخيار)
ش: أي للعاقد ولمن شرط له الخيار م: (فأيهما أجاز) ش: أي العقد م: (جاز
وأيهما نقض انتقض، ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر يعتبر السابق لوجوده في زمان
لا يزاحمه فيه غيره، ولو خرج الكلامان منهما معا يعتبر تصرف العقد في
رواية) ش: وهي رواية كتاب البيوع.
م: (وتصرف الفاسخ في أخرى) ش: أي ويعتبر تصرف الفاسخ وهو الذي فسخ العقد في
رواية أخرى وهي رواية كتاب المأذون م: (وجه الأول) ش: أي وجه اعتبار تصرف
العاقد م: (أن تصرف العقد أقوى؛ لأن النائب يستفيد الولاية منه، وجه
الثاني) ش: أي وجه اعتبار تصرف الفسخ وهي رواية كتاب المأذون م: (أن الفسخ
أقوى؛ لأن المجاز) ش: بضم الميم م: (يلحقه الفسخ) ش: كما لو أجاز البيع هلك
عند البائع.
م: (والمفسوخ لا تلحقه الإجازة) ش: فإن العقد إذا انفسخ بهلاك المبيع عند
البائع لا تلحقه الإجازة ونوقض بما إذا تراضيا على فسخ الفسخ وعلى إعادة
العقد بينهما جاز وفسخ الفسخ ليس إلا هو إجازة البيع في المفسوخ.
وأجيب بأن هذا ليس بإجازة للفسخ بل هو بيع ابتداء.
(8/71)
ولما ملك كل واحد منهما التصرف رجحنا بحال
التصرف، وقيل الأول قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والثاني قول: أبي يوسف
- رَحِمَهُ اللَّهُ - واستخرج ذلك مما إذا باع الوكيل من رجل والموكل من
غيره معا، فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر فيه تصرف الموكل، وأبو يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبرهما.
قال: ومن باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع
فاسد، فإن باع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما بعينه جاز
المبيع، والمسألة على أربعة أوجه: أحدها: أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذي
فيه الخيار وهو الوجه الأول في الكتاب، وفساده لجهالة الثمن والمبيع؛ لأن
الذي فيه الخيار كالخارج عن العقد؛ إذ العقد مع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولما ملك كل واحد منهما التصرف) ش: هذا كأنه جواب عما يقال: إن كل واحد
من الفاسخ والمخير يملك التصرف فأي تصرف من التصرفين يرجح على الآخر فذاك،
ولما ملك كل واحد منهما التصرف من الإجازة والفسخ م: (رجحنا بحال التصرف)
ش: لأن كل واحد منهما أصل العاقد من حيث التملك والأجنبي من حيث شرط
الخيار، فلم يترجح الأمر إلا من حيث التصرف فرجحنا من حيث حال التصرف وهو
فوقه والنقض يفسخ الإجازة، والإجازة لا تفسخ النقض، فكان النقض الأولى، لا
يقال: النقض والإجازة من توابع الخيار فكان الخيار ترجيح تصرف من له
الخيار؛ لأن جهة تملك العاقد عارضة في ذلك.
م: (وقيل الأول) هو أن تصرف العاقد أقوى م: (قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -
والثاني) هو تصرف الفاسخ م: (قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - واستخرج)
ش: على صيغة المجهول م: (ذلك) إشارة إلى الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد
-رحمهما الله- في ذلك أراد أن المنسوب إليهما ليس بمنقول عنهما وإنما
استخرج م: (مما إذا باع الوكيل من رجل والموكل) أي باع الموكل م: (من غيره
معا) أي في حالة واحدة م: (فمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر فيه تصرف
الموكل، وأبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبرهما) ش: أي يعتبر تصرفهما
ويجعل البيع مشتركا بينهما بالنصف ويخير كل واحد من المشتركين إن شاء أخذ
النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ومن
باع عبدين بألف درهم على أنه بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام فالبيع فاسد،
فإن باع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه بالخيار في أحدهما بعينه جاز
المبيع) ش: أي يختار الشرط في أحد العبدين معينا م: (والمسألة على أربعة
أوجه: أحدها:) ش: أي أحد الأوجه م: (أن لا يفصل الثمن ولا يعين الذي فيه
الخيار وهو الوجه الأول في الكتاب) ش: أي " الجامع الصغير ".
م: (وفساده) ش: أي فساد هذا الوجه م: (لجهالة الثمن والمبيع؛ لأن الذي فيه
الخيار كالخارج عن العقد) ش: لأنه يشبه الاستثناء، إما؛ لأن العقد غير لازم
في الذي لا خيار فيه م: (إذ العقد مع
(8/72)
الخيار لا ينعقد في حق الحكم فبقي الداخل
فيه أحدهما وهو غير معلوم. والوجه الثاني: أن يفصل الثمن ويعين الذي فيه
الخيار وهو المذكور ثانيا في الكتاب، وإنما جاز؛ لأن المبيع معلوم والثمن
معلوم، وقبول العقد في الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاد العقد في
الآخر، ولكن هذا غير مفسد للعقد لكونه محلا للبيع كما إذا جمع بين قن
ومدبر. والثالث: أن يفصل ولا يعين. والرابع: أن يعين ولا يفصل، والعقد فاسد
في الوجهين، إما لجهالة المبيع أو لجهالة الثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخيار لا ينعقد في حق الحكم) ش: أي وهو ثبوت الحكم م: (فبقي الداخل فيه
أحدهما وهو غير معلوم) ش: وما هو كذلك فثمنه مثله فيفسد البيع كما في البيع
بثمن بطريق الحصة ابتداء.
م: (والوجه الثاني:) ش: وهو أن يبيع كل واحد منهما بخمسمائة على أنه
بالخيار في أحدهما، وهو معنى قوله م: (أن يفصل الثمن ويعين الذي فيه
الخيار، وهو المذكور ثانيا في الكتاب) ش: أي " الجامع الصغير " م: (وإنما
جاز) ش: أي البيع هنا م: (لأن المبيع معلوم والثمن معلوم) ش: فجاز لارتفاع
الجهالة م: (وقبول العقد) ش: هذا جواب شبهة وهي أن يقال: ينبغي أن يفسد
العقد في هذا أيضا لوجود المفسد.
وهو قبول العقد في الذي يدخل في العقد؛ لأن العبد الذي فيه الخيار غير داخل
حكما، كما إذا جمع بين حر وقن فإنه لا يجوز العقد في القن وإن فصل الثمن
لما أنه جعل قبول العقد في الحر شرطا لصحة العقد في القن، فأجاب بقوله
وقبول العقد م: (في الذي فيه الخيار وإن كان شرطا لانعقاد العقد في الآخر)
ش: أي في العبد الآخر.
م: (ولكن هذا غير مفسد للعقد لكونه) ش: أي لكون من فيه الخيار م: (محلا
للبيع) ش: فكان داخلا في العقد وإن لم يدخل في الحكم فصار م: (كما إذا جمع
بين قن ومدبر) ش: في البيع في أن المدبر محل البيع حتى إن القاضي لو قضى
بجواز بيعه نقدا فلم يكن شرط قبول العقد فيه مفسدا للعقد في الآخر بخلاف ما
إذا جمع بين حر وقن فإن الحر ليس بمحل للبيع أصلا فلم يكن داخلا لا في
العقد ولا في الحكم.
فإن قلت: في الجملة هو شرط لا يقتضيه العقد فكان مفسدا. أجيب: بأنه ليس فيه
نفع لأحد المتعاقدين ولا للمعقود عليه فلا يكون مفسدا.
م: (والثالث) ش: أي الوجه الثالث م: (أن يفصل) ش: أي الثمن م: (ولا يعين)
ش: أي الذي فيه الخيار م: (والرابع) ش: أي الوجه الرابع م: (أن يعين) ش: أي
الذي فيه الخيار م: (ولا يفصل) ش: أي الثمن م: (والعقد فاسد في الوجهين،
إما لجهالة المبيع أو لجهالة الثمن) ش: وكل منهما مفسد للبيع.
(8/73)
قال ومن اشترى ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء
بعشرة وهو بالخيار ثلاثة أيام فهو جائز، وكذلك الثلاثة، فإن كانت أربعة
أثواب فالبيع فاسد، والقياس أن يفسد البيع في الكل لجهالة المبيع، وهو قول
زفر والشافعي. وجه الاستحسان أن شرع الخيار للحاجة إلى دفع الغبن ليختار ما
هو الأرفق والأوفق، والحاجة إلى هذا النوع من البيع متحققة؛ لأنه يحتاج إلى
اختيار من يثق به أو اختيار من يشتريه لأجله، ولا يمكنه البائع من الحمل
إليه إلا بالبيع، فكان في معنى ما ورد به الشرع غير أن هذه الحاجة تندفع
بالثلاث لوجود الجيد والوسط والرديء فيها والجهالة لا تفضي إلى المنازعة في
الثلاث لتعيين من له الخيار، وكذا في الأربع إلا أن الحاجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن اشترى ثوبين على أن يأخذ
أيهما شاء بعشرة وهو بالخيار ثلاثة أيام فهو جائز، وكذلك الثلاثة) ش: أي
الأثواب الثلاثة م: (فإن كانت أربعة أثواب فالبيع فاسد، والقياس أن يفسد
البيع في الكل لجهالة المبيع وهو قول زفر والشافعي. وجه الاستحسان أن شرع
الخيار للحاجة إلى دفع الغبن ليختار ما هو الأرفق) ش: أي بالنظر إلى الثمن
م: (والأوفق) ش: أي بحاله.
م: (والحاجة إلى هذا النوع من البيع) ش: أراد بهذا النوع أن يشتري أحد
الثوبين أو أحد العبدين على أن يأخذ أيهما شاء بثمن معلوم م: (متحققة؛
لأنه) ش: ربما م: (يحتاج إلى اختيار من يثق به) ش: لخبرته م: (أو اختيار من
يشتريه لأجله) ش: كامرأته وبنته م: (ولا يمكنه البائع) ش: بتشديد الكاف م:
(من الحمل إليه) ش: أي إلى من يثق به أو إلى من يشتريه لأجله م: (إلا
بالبيع فكان) ش: باعتبار الحاجة م: (في معنى ما ورد به الشرع) ش: وهو شرط
الخيار ثلاثة أيام م: (غير أن هذه الحاجة تندفع بالثلاث) ش: أي بالثياب
الثلاث م: (لوجود الجيد والوسط والرديء فيها) ش: أي الحاجة إلى الاختيار
بالثلاث لاختلاف الأوصاف في الثياب وهي ثلاثة الجيد والوسط والرديء فيها أي
في الثياب.
م: (والجهالة لا تفضي إلى المنازعة) ش: هذا جواب عما قال الإمام الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ - وزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ومن الجهالة في وجه القياس
تقريره أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة م: (في الثلاث) ش: أي في
الثياب الثلاث م: (لتعيين من له الخيار) ش: لأنه لما شرط الخيار لنفسه
استبد بالتعيين فلم يبق له منازع، فكان علة جوازه من الحاجة وعدم كون
الجهالة تفضي إلى المنازعة.
فأما عدم المنازعة فإنه ثابت باشتراط الخيار لنفسه سواء كانت الأثواب ثلاثة
أو أكثر وأما الحاجة إنما تتحقق في الثلاثة لوجود الجيد والوسط والرديء.
م: (وكذا في الأربع) ش: أي في الثياب الأربع لا يفضي إلى المنازعة م: (إلا
أن الحاجة
(8/74)
إليها غير متحققة، والرخصة ثبوتها بالحاجة،
وكون الجهالة غير مفضية إلى المنازعة فلا تثبت بأحدهما، ثم قيل: يشترط أن
يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين، وهو المذكور في "الجامع
الصغير". وقيل: لا يشترط، وهو المذكور في الجامع الكبير، فيكون ذكره على
هذا الاعتبار وفاقا لا شرطا. وإذا لم يذكر خيار الشرط لا بد من توقيت خيار
التعيين بالثلاث عنده، وبمدة معلومة أيتها كانت عندهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إليها) ش: أي الأربع م: (غير متحققة) ش: لوجود جميع الأوصاف المذكورة في
الثلاث، ولأن في الأربعة قد يتفق ثوبان على صفة واحدة فيحتاج إلى اختيار
آخر فتكثر الجهالة.
م: (والرخصة) ش: مبتدأ وقوله م: (ثبوتها) ش: مبتدأ آخر وقوله م: (بالحاجة)
ش: خبره والجملة خبر المبتدأ الأول م: (وكون الجهالة غير مفضية إلى
المنازعة فلا تثبت بأحدهما) ش: بالجر عطفا على قوله بالحاجة، حاصل المعنى
جواز البيع مع الشرط رخصة وثبوتها مع الحاجة وقد انعدمت في الأربع، ولكن
الرخصة إنما تكون بالحاجة وعدم الإفضاء إلى الجهالة م: (ثم قيل: يشترط أن
يكون في هذا العقد خيار الشرط مع خيار التعيين) ش: أشار بهذا إلى بيان
اختلاف المشايخ في اشتراط خيار الشرط مع خيار التعيين منهم من قال: يشترط
وإليه مال الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وهو المذكور في الجامع الصغير،
وقيل: لا يشترط، وهو المذكور في الجامع الكبير) ش: فإنه ذكر هذه المسألة
ولم يذكر فيها خيار الشرط م: (فيكون ذكره) ش: أي ذكر خيار الشرط م: (على
هذا الاعتبار) ش: أي على اعتبار " الجامع الكبير " م: (وفاقا لا شرطا) ش:
أي على سبيل الاتفاق لا على سبيل الشرط، وقال فخر الإسلام - رَحِمَهُ
اللَّهُ - في "جامعه ": والصحيح عندنا أنه ليس بشرط وهو قول محمد بن شجاع
البلخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وإذا لم يذكر خيار الشرط لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاث) ش: أي
بثلاثة أيام م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وبمدة
معلومة) ش: أي لا بد من توقيت خيار التعيين بمدة معلومة م: (أيتها كانت) ش:
أي المدة كانت زائدة على الثلاث أو غير زائدة بعد أن كانت معلومة م:
(عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد كما في خيار الشرط. وقال شمس الأئمة في
"جامعة ": وهو الصحيح، وهو قول الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن مات
المشتري في الأيام الثلاثة يبطل خيار الشرط ويبقى خيار التعيين للوارث فلا
يردهما الوارث، وله أن يعين أحدهما ويرد الآخر. وكذا في " جامع قاضي خان "،
وفي " الذخيرة " هذا إذا كان الخيار للمشتري، فإن كان للبائع بأن قال: بعتك
هذين الثوبين على أني بالخيار لأعين المبيع في أحدهما، لم يذكر محمد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه المسألة في بيوع الأصل ولا في " الجامع الصغير ".
وذكر الكرخي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في "مختصره ": أنه يجوز استحسانا لا
قياسا؛ لأن هذا بيع يجوز مع خيار المشتري فكذا يجوز مع خيار البائع قياسا
على خيار الشرط، وذكر في المجرد
(8/75)
ثم ذكر في بعض النسخ: اشترى ثوبين، وفي
بعضها: اشترى أحد الثوبين، وهو الصحيح؛ لأن المبيع في الحقيقة أحدهما
والآخر أمانة، والأول تجوز واستعارة، ولو هلك أحدهما أو تعيب لزم البيع فيه
بثمنه وتعين الآخر للأمانة؛ لامتناع الرد بالتعيب، ولو هلكا جميعا معا
يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما؛ لشيوع البيع والأمانة فيهما، ولو كان فيه
خيار الشرط له أنه يردهما جميعا، ولو مات من له الخيار فلوارثه أن يرد
أحدهما؛ لأن الباقي خيار التعيين للاختلاط، ولهذا لا يتوقت في حق الوارث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أنه لا يجوز؛ لأن هذا باعتبار الحاجة والبائع لا يحتاج إليها.
م: (ثم ذكر في بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ " الجامع الصغير " م: (اشترى
ثوبين) ش: كما هو المذكور أولا م: (وفي بعضها اشترى أحد الثوبين) ش: فحاصله
أن الرواية اختلفت في نسخ الجامع الصغير.
قال المصنف: م: (وهو الصحيح) ش: أي قوله: اشترى أحد الثوبين هو الصحيح م:
(لأن المبيع في الحقيقة أحدهما والآخر أمانة، والأول) ش: هو قوله ثوبين م:
(تجوز) ش: يعني مجاز؛ لأن المشترى أحد الثوبين فكان من قبيل إطلاق الكل على
البعض م: (واستعارة، ولو هلك أحدهما) ش: أي أحد الثوبين م: (أو تعيب لزمه
البيع فيه) ش: أي في الهالك أو المتعيب م: (بثمنه) ش: الذي وقع عليه العقد
م: (وتعين الآخر) ش: أي الثوب الآخر م: (للأمانة) ش: لأنه إنما اشترى
أحدهما لا غير وإنما قبض الآخر؛ ليرد على البائع إذا تعين أحدهما لا
ليتملكه ولا على سوم الشراء.
وقد تعين أحدهما هنا فيبقى الآخر أمانة؛ لأنه قبضه بإذن البائع لا على حرمة
البيع فلم يلزمه شيء بسببه م: (لامتناع الرد بالتعيب) ش: تعليل بقوله أو
تعيب م: (ولو هلكا) ش: أي الثوبان م: (جميعا معا يلزمه نصف ثمن كل واحد
منهما لشيوع البيع والأمانة فيهما) ش: أي في الثوبين، وقيد بقوله: معا لما
أنهما لو هلكا على المتعاقب يتعين الأول للبيع إذا علم السابق، وإذا لم يدر
السابق لزمه ثمن نصف كل واحد منهما كما لو هلكا معا.
م: (ولو كان فيه) ش: أي في هذا البيع م: (خيار الشرط له أن يردهما جميعا)
ش: لأنه أمين في أحدهما فيرده بحكم الأمانة، وفي الآخر مشتر بشرط الخيار
فيتمكن من رده، كذا في " المبسوط " م: (ولو مات من له الخيار فلوارثه أن
يرد أحدهما؛ لأن الباقي خيار التعيين) ش: لأن خيار الشرط بطل بموت من له
الخيار م: (للاختلاط) ش: أي لأجل اختلاط ملكه بملك الغير م: (ولهذا) ش:
ولأجل الباقي خيار التعيين م: (لا يتوقف في حق الوارث) ش: لأنه لم يثبت له
بسبيل الإرث بل لاختلاط تملكه بملك الغير، فلو كان الباقي خيار الشرط
لردهما الوارث جميعا.
(8/76)
فأما خيار الشرط لا يورث، وقد ذكرناه من
قبل. ومن اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار أخرى إلى جنبها فأخذها
بالشفعة فهو رضا؛ لأن طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها؛ لأنه ما ثبت
إلا لدفع ضرر الجوار وذلك بالاستدامة، فيتضمن ذلك سقوط الخيار سابقا عليه،
فيثبت الملك من وقت الشراء، فيتبين أن الجوار كان ثابتا، وهذا التقرير
يحتاج إليه لمذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة.
قال: وإذا اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما فليس للآخر
أن يرده، عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: له أن يرده، وعلى هذا
الخلاف خيار العيب وخيار الرؤية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فأما خيار الشرط لا يورث، وقد ذكرناه من قبل) ش: يعني عند قوله: وإذا
مات من له الخيار بطل خياره م: (ومن اشترى دارا على أنه بالخيار فبيعت دار
أخرى إلى جنبها فأخذها بالشفعة فهو رضا) ش: أي الأخذ بالشفعة رضا م: (لأن
طلب الشفعة يدل على اختياره الملك فيها) ش: أي في الدار التي اشتراها
بالخيار م: (لأنه) ش: أي؛ لأن طلب الشفعة م: (ما ثبت إلا لدفع ضرر الجوار
وذلك) ش: أي دفع ضرر الجار م: (بالاستدامة) ش: أعني باستدامة الملك في
الدار المشتراة بالخيار.
م: (فيتضمن ذلك) ش: أي اختيار الملك م: (سقوط الخيار سابقا عليه) ش: أي على
طلب الشفعة م: (فيثبت الملك من وقت الشراء فيتبين أن الجوار كان ثابتا) ش:
عند بيع الدار الثانية وهو يوجب الشفعة م: (وهذا التقرير) ش: الذي ذكره من
قوله: لأن طلب الشفعة يدل على اختيار الملك إلى آخره م: (يحتاج إليه لمذهب
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خاصة) ش: إنما قال: خاصة؛ لأن عندهما يدخل
المبيع في ملك المشتري فلا يحتاج إلى التقرير الذي يؤدي إلى اختيار المالك.
قال الإمام السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وجوب الشفعة مذهبهما ظاهر، وأما
عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فلأنه صار أحق بالتصرف فيها وذلك يكفيه
لاستحقاق الشفعة بها كالمأذون المستغرق بالدين أو المكاتب فإنهما يستحقان
الشفعة، وإن لم يملكا رقبة الدار بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فالمشتري
هناك لم يصر أحق بالتصرف فيها.
[اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي
أحدهما]
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا
اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما فليس للآخر أن يرده عند
أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا:) ش: أي أبو يوسف ومحمد -رحمهما
الله- م: (له أن يرده، وعلى هذا الخلاف خيار العيب وخيار الرؤية) .
ش: وقال صاحب " الخطر والمختلف " إذا اشتريا غلاما ليس لأحدهما أن يرده
بخيار الرؤية أو بخيار العيب بدون صاحبه قبل القبض وبعده على الخلاف
المذكور.
وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": رجلان اشتريا غلاما على
أنهما بالخيار
(8/77)
لهما أن إثبات لهما إثباته لكل واحد منهما،
فلا يسقط بإسقاط صاحبه؛ لما فيه من إبطال حقه. وله أن المبيع خرج عن ملكه
غير معيب بعيب الشركة، فلو رده أحدهما رده معيبا به وفيه إلزام ضرر زائد،
وليس من ضرورة إثبات الخيار لهما الرضا برد أحدهما؛ لتصور اجتماعهما على
الرد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فرضي أحدهما فليس للآخر أن يرده في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي
قولهما له ذلك.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- م: (أن إثبات الخيار لهما)
ش: أي للرجلين المذكورين م: (إثباته) ش: أي إثبات الخيار م: (لكل واحد
منهما فلا يسقط بإسقاط صاحبه لما فيه من إبطال حقه) ش: في الخيار.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن المبيع خرج عن
ملكه) ش: أي عن ملك البائع م: (غير معيب بعيب الشركة) ش: لأن الشركة في
الأعيان المجتمعة عيب فإن البائع قبل البيع كان متمكنا من الارتفاع متى
شاء، وبعده إذا أراد البعض لا يتمكن إلا مهاباة، والخيار يثبت نظرا لمن هو
له على وجه لا يلحق بالضرر لغيره م: (فلو رده أحدهما رده معيبا به وفيه
إلزام ضرر زائد) ش: وقيد الضرر بالزائد؛ لأن في امتناع الرد ضررا أيضا
زائدا للرد، ولكن لم يكن من الغير، بل لعجزه عن إيجاد شرط الرد كان دون
الأول فإن الضرر الحاصل من الغير أقطع -أنجع- من الحاصل من نفسه.
فإن قيل: بيعه منهما رضا منه يعيب التبعيض. أجيب: بأنه إن سلم به فهو رضا
به في ملكها لا في ملك نفسه، فإن قيل: حصل العيب في يد البائع بفعله؛ لأن
تفرق الملك إنما هو بالعقد قبل القبض.
قلنا: بل حصل بفعل المشتري برد نصفه، والمشتري إذا عيب المعقود عليه في يد
البائع ليس له أن يرده بحكم خياره، لكن هذا العيب لعرض الزوال بمساعدة
الآخر على الرد، فإذا امتنع ظهر عمله.
م: (وليس من ضرورة إثبات الخيار لهما) ش: جواب لهما وتقريره أن إثبات
الخيار لهما ليس من ضرورته م: (الرضا برد أحدهما لتصور اجتماعهما على الرد)
ش: أي اجتماع الشريكين يعني يتصور الانفكاك بتصور اجتماعهما على الرد فلا
يلزم من إثبات الخيار لهما الرضا برد أحدهما.
وعن أبي حنيفة في غير رواية الأصول: أنه لو رد أحدها يؤمر الآخر برده؛ لأنه
لو امتنع عن الرد كان فيه إبطال حق الآخر، وليس له ذلك؛ لأن الخيار بشرط
الرد وقد اشترطا. كذا في " جامع الإسبيجابي ".
(8/78)
قال: ومن باع عبدا على أنه خباز أو كاتب
وكان بخلافه فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء ترك؛ لأن
هذا وصف مرغوب فيه فيستحق في العقد بالشرط، ثم فواته يوجب التخيير؛ لأنه ما
رضي به دونه، وهذا يرجع إلى اختلاف النوع لقلة التفاوت في الأغراض، فلا
يفسد العقد بعدمه بمنزلة وصف الذكورة والأنوثة في الحيوانات، وصار كفوات
وصف السلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باع عبدا على أنه خباز أو كاتب وكان بخلافه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن باع عبدا على أنه
خباز أو كاتب) ش: أي عبد حرفته الخبز أو الكتابة م: (وكان بخلافه) ش: أي
ظهر أنه ليس بخباز أو ليس بكاتب م: (فالمشتري بالخيار، إن شاء أخذه بجميع
الثمن وإن شاء ترك) ش:.
وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قول م: (لأن هذا وصف مرغوب
فيه) ش: وهو ظاهر وهو احتراز عما ليس بمرغوب فيه كما إذا باع على أنه أعور
فإذا هو سليم؛ لأنه لا يوجب الخيار م: (فيستحق) ش: أي الوصف المرغوب فيه م:
(في العقد بالشرط ثم فواته) ش: أي فوات الوصف المرغوب فيه م: (يوجب
التخيير؛ لأنه ما رضي به دونه) ش: أي ما رضي بالمبيع بدون الوصف المرغوب
فيه، وينقض بما إذا باع شاة على أنها حامل أو على أنها تحلب كذا فإن البيع
فيه فاسد والوصف مرغوب فيه.
وأجيب: بأن ذلك ليس بوصف بل اشتراط مقدر من البيع مجهول وضم المجهول إلى
المعلوم يصير الكل مجهولا، ولهذا إذا شرطا أنها حلوب أو لبون لا تفسد لكونه
وصفا مرغوبا فيه ذكره الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، سلمناه ولكنه مجهول
ليس في وسع البائع تحصيله ولا إلى معرفته سبيل بخلاف ما نحن فيه، فإن له أن
يأمره بالخبز والكتابة فيظهر حاله.
م: (وهذا) ش: أي الاختلاف في النوع بكونه خبازا أو غير خباز وبكونه كاتبا
أو غير كاتب م: (يرجع إلى اختلاف النوع) ش: يعني بمنزلة الاختلاف في النوع
حتى لا يفسد العقد بل يكون للمشتري الخيار م: (لقلة التفاوت في الأغراض فلا
يفسد العقد بعدمه بمنزلة وصف الذكورة والأنوثة في الحيوانات) ش: كما إذا
اشترى شاة على أنها نعجة فإذا هي حمل وقيد فيه بالحيوان؛ لأن في بني آدم
يورث اختلاف الجنس لفحش التفاوت، كما إذا باع عبدا فإذا هي جارية ويفسد به
العقد.
م: (وصار كفوات وصف السلامة) ش: أي صار فوات الخبز والكتابة فيما إذا اشترى
على أنه خباز أو كاتب فوجده بخلافه كفوات وصف السلامة، فيما إذا اشترى على
أنه سليم فوجده معيبا فثمة له ولاية الرد فكذا هاهنا.
والحاصل أن الاختلاف الحاصل بالوصف إن كان مما يوجب التفاوت الفاحش في
الأغراض كان راجعا إلى الجنس كما في بيع عبد وظهر جارية فيفسد به العقد،
وإن كان مما لا
(8/79)
وإذا أخذه أخذه بجميع الثمن؛ لأن الأوصاف
لا يقابلها شيء من الثمن لكونها تابعة في العقد على ما عرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يوجب، كان راجعا إلى النوع كما في شراء نعجة فظهر أنها حمل فلا يفسد العقد
لكنه يوجب التخيير لفوات وصف السلامة.
وفي " الذخيرة ": ولو امتنع الرد بسبب من الأسباب رجع المشتري على البائع
بحصته من الثمن، فيقوم العبد كاتبا وينظر إلى تفاوت ما بين ذلك، فإن مثل
العشر يرجع بعشر الثمن، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه
لا يرجع هاهنا بشيء.
ولكن المذكور في ظاهر الرواية أصح وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
-؛ لأن البائع عجز عن تسليم وصف السلامة كما في المعيب، ولو وقع الاختلاف
بين المشتري والبائع في هذه الصور بعد ما مضى حين من وقت البيع، فقال
المشتري: لم أجده كاتبا، وقال البائع: إني سلمته إليك كذلك، ولكنه نسي عندك
وقد ينسى في تلك المدة فالقول للمشتري؛ لأن الاختلاف وقع في وصف عارض إذ
الأصل عدم الكتابة والخبز. قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] (النحل:
الآية 78) ، ولو اشترى بقرة على أنها حبلى فولدت عنده وشرب اللبن وأنفق
عليها فإنه يردها والولد وما شرب من اللبن؛ لأن البيع وقع فاسدا وكانت في
ضمانه والنفقة عليه، ولو اشترى شاة على أنها نعجة فإذا هو معز يجوز البيع
وله الخيار؛ لأن حكمها واحد في الصدقات.
وكذا لو اشترى بقرة فإذا هي جاموس، ولو اشترى جارية على أنها مولودة الكوفة
فإذا هي مولودة بغداد، أو اشترى غلاما على أنه فحل فإذا هو خصي أو على
عكسه، أو على أنها بغلة فإذا هو بغل أو على أنها ناقة فإذا هو فحل، أو على
أنه لحم ضأن فوجده لحم ماعز أو على عكسه ففيها كلها له الخيار.
م: (وإذا أخذه) ش: أي وإذا أخذ العبد الذي اشتراه على أنه خباز أو كاتب
فظهر بخلافه م: (أخذه بجميع الثمن؛ لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن
لكونها تابعة في العقد) ش: تدخل فيه من غير ذكر م: (على ما عرف) ش: فيما
تقدم.
(8/80)
|