البناية
شرح الهداية باب خيار الرؤية قال: ومن اشترى شيئا لم
يره فالبيع جائز وله الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده.
وقال: الشافعي: لا يصح العقد أصلا؛ لأن المبيع مجهول. ولنا قوله - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب خيار الرؤية]
[اشترى شيئا لم يره]
م: (باب خيار الرؤية) ش: أي هذا باب في بيان خيار الرؤية والإضافة فيه من
قبيل إضافة المسمى إلى شرطه، وقال تاج الشريعة: من إضافة الحكم إلى سببه.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ومن اشترى شيئا لم يره
فالبيع جائز) ش: صورته أن يقول الرجل لغيره: بعتك الثوب الذي في كمي هذا
وصفته كذا، أو الدرة التي في كمي هذا وصفتها كذا ولم يذكر الصفة أو يقول:
بعت منك هذه الجارية المتنقبة، أما إذا قال: بعت ما في كمي أو ما في كمي
هذه من شيء هل يجوز البيع؟ لم يذكره في المبسوط قال عامة مشايخنا -
رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إطلاق الجواب يدل على جوازه عندنا وبعضهم قال: لا
يجوز لجهالة المبيع.
وفي " المبسوط " الإشارة إليه وإلى مكانه شرط الجواز حتى لو لم يشر إليه
ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع، وفي " الأسرار " صورته عبدا أو أمة متنقبة
مشارا إليها حاضرة، له الخيار إذا كشف ثم خيار الرؤية لا يثبت إلا في أربعة
أشياء: في الشراء، والإجارة، والقسمة، والصلح في دعوى المال على شيء بعينه.
م: (وله الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده، وقال
الشافعي: لا يصح العقد أصلا؛ لأن المبيع مجهول) ش: لأنه لم يعرف من المعقود
عليه إلا الاسم، وفي " الدراية " وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
إن كان جنس المبيع معلوما بأن قال: بعتك ما في هذه الجواليق من الثياب فله
قولان، وإن لم يكن معلوما بأن قال: بعت ما في هذه الجواليق. فالمبيع باطل
عنده قولا واحدا.
وفي " شرح الوجيز، والحلية ": بيع ما لم يره البائع والمشتري يصح في القديم
وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وفي الجديد لا يصح؛
لأن المبيع مجهول، وفي " الحلية " يجوز بيع الغائب في القول المختار، وهو
قول عثمان وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - واختاره القفال وكثير من
أصحابنا.
م: (ولنا قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار
إذا رآه» ش: الحديث روي مرسلا ومسندا، فالمسند أخرجه الدارقطني في سننه، عن
داهر
(8/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بن نوح، حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي، حدثنا وهب اليشكري، عن محمد
بن سيرين، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار
إذا رآه» .
قال عمر الكردي: وأخبرني فضيل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مثله، قال عمر أيضا: وأخبرني القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله.
وأما المرسل فرواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والدارقطني -رحمهما الله- ثم
البيهقي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في سننيهما، حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي
بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن مكحول رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من اشترى.... إلى آخره، وزاد «إن شاء أخذه وإن
شاء تركه» . فإن قلت: استدل الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأحاديث
صحاح منها: ما رواه مسلم عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الغرر» .
ومنها، ما رواه الأربعة عن حكيم بن حزام قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -: «لا تبع ما ليس عندك» . وقال الترمذي - رَحِمَهُ اللَّهُ
-: هذا حديث حسن.
ومنها: ما رواه الأربعة أيضا عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا
يحل سلف وبيع ولا شرط في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك» .
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقالوا: حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - الذي احتججتم به فيه عمر بن إبراهيم الكردي.
(8/82)
ولأن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي به إلى
المنازعة؛ لأنه لو لم يوافقه يرده فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار
إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال الدارقطني - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هو يضع الأحاديث، وهذا باطل لا يصح؛
لأنه لم يروه غيره، وإنما يروى عن ابن سيرين - رَحِمَهُ اللَّهُ - من قوله،
وقال ابن القطان - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتابه: والراوي عن الكردي داهر بن
نوح، وهو لا يعرف، وفي المرسل أبو بكر بن أبي مريم. قال الدارقطني: ضعيف.
قلت: أما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن أبا حنيفة ومحمد
-رحمهما الله- روياه بإسنادهما ذكره صاحب " المبسوط " وغيره من أصحابنا وهم
ثقات، وذكر في " المبسوط ": أيضا أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
والحسن البصري وسلمة بن الحسين رووه مرسلا وهو حجة عندنا، والحديث الذي
رواه العلماء الكبار إذا كان في طريق منها لا يترك مع أن الطعن المبهم لا
يقبل، وعمل بهذا الحديث كثير من العلماء، مثل مالك وأحمد وغيرهما.
وفي " نوادر الفقهاء " لابن بنت نعيم: أجمع الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ - على جواز بيع الغائب المقدور على تسليمه وأن لمشتريه خيار
الرؤية إذا رآه، فإن قيل: بيع الآبق متفق على منعه فكذا الغائب. قلنا: لم
يمتنع بيع الآبق لغيبته، بل لتعذر تسليمه كالطير في الهواء والسمك في
الماء، والجواب عن النهي عن بيع الغرر أنه لا يدري أيكون أم لا؟ وعلى ما لا
يقدر على تسليمه كذا قال أهل اللغة.
وقال ابن حزم في " المحلى ": إذا وصف الغائب عن رد دينه وخير ملكه المشتري
فأين الغرر ولم يزل المسلمون يتبايعون الضياع في البلاد البعيدة بالصفة،
باع عثمان لطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أرضا بالكوفة لم يرياه، فقضى
جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الخيار لطلحة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - وما نرى للشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سلفا في منع بيع
الغائب الموصوف، ولا خلاف في اللسان ما في ملك بائع ما هو عنده، وما ليس في
ملكه فليس عنده، وإن كان في يده، والجواب عن حديث حكيم بن حزام أن المراد
من قوله: "ما ليس عندك" عدم الملك؛ لأن تمام الحديث يدل على ذلك، وتمامه
قال: «سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يأتيني
الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه؟ قال:
"لا تبع ما ليس عندك» هكذا رواه الترمذي وغيره، وفي رواية النسائي: أبيعه
منه ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال «لا تبع ما ليس عندك» .
م: (ولأن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي به إلى المنازعة؛ لأنه لو لم يوافقه
يرده) ش: لأنه لو لم يوافقه بعد الرؤية يرده على بائعه بلا نزاع وإنما يفضي
إلى المنازعة لو قلنا بانبرام العقد ولم نقل به م: (فصار كجهالة الوصف في
المعاين المشار إليه) ش: بأن اشترى ثوبا مشارا إليه غير معلوم عدد
(8/83)
وكذا إذا قال: رضيت، ثم رآه، له أن يرده؛
لأن الخيار معلق بالرؤية؛ لما روينا، فلا يثبت قبلها، وحق الفسخ بحكم أنه
عقد غير لازم لا بمقتضى الحديث، ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وزعاته يجوز لكونه معلوم العين وإن لم يكن ثمة جهالة لا يفضي إلى النزاع.
م: (وكذا إذا قال: رضيت) ش: وفي بعض النسخ قال: وكذا إذا رضيت ذكر هذا
تفريعا على مسألة القدوري، يعني قال المشتري بعد تمام البيع: رضيت بذلك
البيع على أي وصف كان م: (ثم رآه، له أن يرده) ش: وهو ظاهر مذهب الشافعي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحكي في تتمتهم وجها آخر أنه ينفذ كما إذا اشترى
على أن لا خيار م: (لأن الخيار معلق بالرؤية لما روينا) ش: والحديث الذي
ذكره م: (فلا يثبت قبلها) ش: أي فلا يثبت الخيار قبل الرؤية على تأويل
المذكور؛ لأن المعلق بالشيء لا يثبت قبله؛ لئلا يلزم وجود المشروط بدون
الشرط، فإن قيل: المذهب عندنا أن المعلق بالشرط يوجد عند وجوده.
ولا يلزم عدمه عند عدمه لجواز أن يوجد بعلة أخرى فكيف يصح قوله: فلا يثبت
قبله؛ لأنه دعوى بلا دليل؟ قلنا: هذه وصية متلقاة من جهة صاحب الشرع فتنتهي
إلى ما نهانا إليه، والشرع أثبت الخيار بالرؤية فلا يثبت قبلها، ولو يثبت
إنما يثبت بدليل آخر، فمن ادعاه فعليه البيان كذا قيل، فإن قيل: يشكل بخيار
العيب فإنه إذا قال رضيت به، قيل: إذا أراده فلا خيار له. قلنا: سبب الخيار
هناك العيب وهو موجود قبل العلم فيكون الخيار ثابتا، ولا كذلك هاهنا كما
بينا فافترقا.
م: (وحق الفسخ) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: لأن الخيار معلق
بالرؤية فلا يثبت قبله بأن يقال: لما لم يثبت قبل الرؤية لما كان له حق
الفسخ قبل الرؤية؛ لأنه من نتائج ثبوت الخيار له كالقبول فكان معلقا بها
فلا يوجد قبلها.
فأجاب بقوله: وحق الفسخ يعني يمكنه من الفسخ م: (بحكم أنه) ش: أي أن العقد
بخيار الرؤية م: (عقد غير لازم) ش: لأنه لم يقع منبرما فجاز فسخه لهؤلاء
فيه، ألا ترى أن كل واحد من العاقدين في عقد الوديعة والعارية والوكالة
يملك الفسخ باعتبار عدم لزوم العقد وإن لم يكن له خيار لا شرطا ولا شرعا.
م: (لا بمقتضى الحديث) ش: أي لا للبناء على الخيار الذي اقتضاه الحديث.
قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن عدم لزوم هذا العقد باعتبار الخيار ملزوم
للخيار، والخيار معلق بالرؤية لا يوجد بدونها فكذا ملزومه؛ لأن ما هو شرط
اللازم فهو شرط الملزوم م: (ولأن الرضا بشيء) ش: جواب آخر وتحقيقه أن رضا
الشخص بالشيء م: (قبل العلم بأوصافه) ش:
(8/84)
لا يتحقق فلا يعتبر قوله: رضيت قبل الرؤية،
بخلاف قوله: رددت.
قال: ومن باع ما لم يره فلا خيار له، وكان أبو حنيفة يقول أولا له الخيار
اعتبارا بخيار العيب وخيار الشرط، وهذا؛ لأن لزوم العقد بتمام الرضا زوالا
وثبوتا، ولا يتحقق ذلك إلا بالعلم بأوصاف المبيع وذلك بالرؤية فلم يكن
البائع راضيا بالزوال، ووجه القول المرجوع إليه أنه معلق بالشراء لما روينا
فلا يثبت دونه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي قبل أن يعلم بأوصاف ذلك الشيء م: (لا يتحقق) ش: لأن الرضا استحسان الشيء
واستحسان ما لم يعلم ما يحسنه غير متصور م: (فلا يعتبر قوله: رضيت قبل
الرؤية بخلاف قوله: رددت) ش: لأنه فسخ لعدم الرضا وهو لا يحتاج إلى معرفة
المحسنات لا يقال عدم الرضاء لاستقباح الشيء، واستقباح ما لم يعلم ما يقبحه
غير متصور؛ لأن عدم الرضا قد يكون باعتبار ما بدا له من انتفاء حاجته إلى
المبيع أو ضاع ثمنه أو استغلاه فلا يستلزم الاستقباح.
وذكر في " التحفة " أن جواز الفسخ قبل الرؤية لا رواية فيه لكن المشايخ
اختلفوا فقال بعضهم: لا يصح قياسا علي الإجارة، وقال بعضهم يصح: دون
الإجارة وهو مختار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[باع ما لم يره]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن باع ما لم يره فلا خيار له) ش: صورته ورث
شيئا فباعه قبل الرؤية فلا خيار له وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - م: (وكان أبو حنيفة يقول أولا له الخيار) ش: وبه قال الشافعي -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في وجه وقال في وجه: لا ينعقد بيعه قولا واحدا م:
(اعتبارا) ش: أي قياسا م: (بخيار العيب وخيار الشرط) ش: أما خيار العيب
فإنه لا يختص بجانب المشتري بل إذا وجد البائع الثمن زيفا فهو بالخيار إن
شاء جوز وإن شاء رد، كالمشيئة إذا وجد المبيع معيبا، لكن لا ينفسخ رد الثمن
وينفسخ برد المبيع؛ لأنه أصل دون الثمن، وأما خيار الشرط فإنه يصح من
الجانبين كما تقدم.
م: (وهذا) ش: أي ثبوت الخيار للبائع م: (لأن لزوم العقد بتمام الرضا زوالا)
ش: أي من حيث الزوال من جهة المبيع في حق البائع م: (وثبوتا) ش: أي من حيث
الثبوت من جهة الشراء في حق المشتري م: (ولا يتحقق ذلك) ش: أي الرضا م:
(إلا بالعلم بأوصاف المبيع وذلك) ش: أي العلم بأوصاف المبيع م: (بالرؤية)
ش: فإن بالرؤية يحصل الاطلاع على دقائق لا تحصل بالعبارة م: (فلم يكن
البائع راضيا بالزوال) ش: أي قبل الرؤية لعدم تمام الرضا.
م: (ووجه القول المرجوع إليه) ش: وهو عدم الخيار م: (أنه) ش: أي أن الخيار
م: (معلق بالشراء لما روينا) ش: وهو الحديث المذكور م: (فلا يثبت دونه) ش:
أي دون الشراء، ورؤية المشتري، فإن قيل: البائع مثل المشتري في الاحتياج
إلى تمام الرضا فيلحق به دلالة. أجيب: بأنهما ليسا سيان فيه؛ لأن الرد من
جانب المشتري باعتبار أنه كان يظنه خيرا مما اشترى فيرده
(8/85)
وروي أن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
باع أرضا بالبصرة من طلحة بن عبيد الله فقيل لطلحة: إنك قد غبنت فقال: لي
الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، وقيل لعثمان: إنك قد غبنت، فقال: لي
الخيار؛ لأني بعت ما لم أره، فحكما بينهما جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فقضى بالخيار لطلحة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -.
ثم خيار الرؤية غير مؤقت بل يبقى إلى أن يوجد ما يبطله، وما يبطل خيار
الشرط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لفوات الوصف المرغوب؛ لأن الرد من جانب المشتري باعتبار أن المبيع أزيد مما
ظن فصار كما لو باع عبدا بشرط أنه معيب فإذا هو صحيح لم يثبت للبائع خيار،
وإذا لم يكن في معناه لم يلحق به فإن قيل: المعلق بالشرط يوجد قبل وجود
الشرط لسبب آخر، وهاهنا وجد القياس. أجيب: بأنه ثابت بالنص غير معقول
المعنى فلا يجوز فيه القياس سلمناه.
ولكن القياس على مخالفة الإجماع باطل، والإجماع في قضية عثمان وطلحة -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على ما ذكره بقوله م: (وروي أن عثمان - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهو عثمان بن عفان م: (باع أرضا بالبصرة) ش: أي كانت
الأرض بالبصرة وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بالمدينة م: (من طلحة بن
عبيد الله) ش: التميمي أحد العشرة المبشرين بالجنة م: (فقيل لطلحة: إنك قد
غبنت) ش: على صيغة المجهول من " الغبن " بالغين المعجمة وسكون الباء يقال:
غبنته في البيع أي خدعته م: (فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، وقيل
لعثمان: إنك قد غبنت فقال: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أره فحكما بينهما) ش:
بتشديد الكاف من التحكيم م: (جبير بن مطعم) ش: بن عدي الصحابي المشهور م:
(فقضى بالخيار لطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: وهذا أخرجه الطحاوي ثم
البيهقي عن علقمة بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن طلحة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - اشترى من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ما لم يره فقيل
لعثمان: إنك قد غبنت.... الحديث.
م: (وكان ذلك) ش: أي حكم جبير بن مطعم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان بين
عثمان وطلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - م: (بمحضر من الصحابة - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: ولم ينكر عليه أحد من الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ
عَلَيْهِمْ - فكان إجماعا بينهم؛ ولهذا رجع أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
حين بلغه الخبر.
[خيار الرؤية غير مؤقت]
م: (ثم خيار الرؤية غير مؤقت) ش: قيل: إنه مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعد
الرؤية وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى إذا وقع
بصره عليه ولم يفسخه سقط حقه.
والأصح ما قاله المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: م: (بل يبقى) ش: أي
خياره م: (إلى أن يوجد ما يبطله) ش: لأنه ثبت حكما لانعدام الرضا فيبقى إلى
أن يوجد ما يبطل عدم الرضا م: (وما يبطل خيار الشرط) ش: كلمة ما موصولة
مبتدأ، ويبطل بضم الياء من الإبطال صلة
(8/86)
من تعيب أو تصرف يبطل خيار الرؤية، ثم إن
كان تصرفا لا يمكن رفعه كالإعتاق والتدبير، أو تصرفا يوجب حقا للغير كالبيع
المطلق والرهن والإجارة يبطله قبل الرؤية وبعدها؛ لأنه لما لزم تعذر الفسخ
فبطل الخيار. وإن كان تصرفا لا يوجب حقا للغير كالبيع بشرط الخيار،
والمساومة، والهبة من غير تسليم لا يبطله إذا كان قبل الرؤية؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموصول وخيار الشرط بالنصب مفعوله، وكلمة من في قوله م: (من تعيب) ش:
للبيان أي من تعيب في البيع الذي اشتراه بخيار الشرط م: (أو تصرف) ش: أي أو
تصرف في خيار الشرط، وقوله: م: (يبطل خيار الرؤية) ش: خبر المبتدأ وصورة
التعيب في خيار الشرط قد مضت هناك، وأما التصرف في خيار الرؤية فعلى ضربين
أشار إلى الأول بقوله: م: (ثم إن كان) ش: أي التصرف م: (تصرفا لا يمكن
رفعه) ش: يعني بعد وقوعه م: (كالإعتاق) ش: بأن أعتق عبده الذي اشتراه ولم
يره.
م: (والتدبير) ش: بأن دبره قبل رؤيته م: (أو تصرفا) ش: أي أو تصرف تصرفا م:
(يوجب حقا للغير) ش: وهذا هو الضرب الثاني م: (كالبيع المطلق) ش: بأن باع
الذي اشتراه ولم يره مطلقا يعني بدون شرط الخيار م: (والرهن) ش: بأن رهن
الذي اشتراه قبل الرؤية م: (والإجارة) ش: بأن أجره لأحد قبل رؤيته م:
(يبطله) ش: جواب قوله: ثم إن كان، وجواب ما عطف عليه وهو الضرب الثاني من
الضربين، أي يبطل خياره للرؤية في الضرب الأول.
والضرب الثاني وسواء في البطلان م: (قبل الرؤية وبعدها؛ لأنه لما لزم) ش:
أي هذا التصرف إما لعدم إمكان رفعه أو لكونه موجبا حقا للغير م: (تعذر
الفسخ فبطل الخيار) ش: ضرورة عدم إمكان العمل بالنص وفي " شرح الأقطع ": لو
عاد إلى ملكه بسبب الرد بقضاء أو بفك الرهن، أو فسخ الإجارة لم يرد بخيار
الرؤية؛ لأنه يبطل بعقده فلا يعود بسبب ملكه.
فإن قيل: بطلان الخيار قبل الرد مخالف لحكم النص؛ لأنه أثبت الخيار إذا
رآه.
قلنا: ذلك فيما إذا أمكن العمل بحكم النص، وهذه التصرفات مبنية على الملك
وصحة هذه التصرفات بناء على قيام الملك وبعد صحتها لا يمكن دفعها فيسقط
الخيار ضرورة بطلان العقد، وخيار الرؤية بالنص فيما إذا بقي حكم العقد كذا
في " الذخيرة ".
م: (وإن كان) ش: أي التصرف م: (تصرفا لا يوجب حقا للغير كالبيع بشرط
الخيار) ش: بأن باع ما اشتراه قبل الرؤية بشرط الخيار م: (والمساومة) ش:
بأن عرضه على البيع م: (والهبة من غير تسليم) ش: بأن وهبة لشخص ولكن لم
يسلمه للموهوب له م: (لا يبطله) ش: جواب قوله: وإن كان تصرفا لا يوجب حقا
للغير أي لا يبطل خيار الرؤية لكن ليس على الإطلاق بل إنما لا يبطله م:
(إذا كان قبل الرؤية) ش: أي رؤية الشيء الذي اشتراه.
(8/87)
لأنه لا يربو على صريح الرضا، ويبطله بعد
الرؤية لوجود دلالة الرضا.
قال: ومن نظر إلى وجه الصبرة، أو إلى وجه الجارية، أو إلى ظاهر الثوب
مطويا، أو إلى وجه الدابة وكفلها فلا خيار له، والأصل في هذا أن رؤية جميع
المبيع غير مشروط لتعذره، فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود ولو دخل
في البيع أشياء، فإن كان لا تتفاوت آحادها، كالمكيل، والموزون، وعلامته أن
يعرض بالنموذج يكتفي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنه) ش: أي؛ لأن هذا التصرف م: (لا يربو) ش: أي لا يزيد م: (على صريح
الرضا) ش: وصريح الرضا لا يبطله قبل الرؤية، وبدليل الرضا أولى أن لا يبطل؛
لأنه دونه م: (ويبطله بعد الرؤية لوجود دلالة الرضا) ش: وفي " المجتبى ":
لا يطالب المشتري بالثمن قبل الرؤية، ولا يتوقف الفسخ على الفضاء والرضاء،
بل ينفسخ بمجرد قوله: رددت، سواء كان قبل المشتري أو بعده، لكنه لا يصح إلا
بمحضر من البائع عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ - خلافا لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
والخلاف فيه كالخلاف في خيار الشرط والإجازة فصح بدونه، وليس في الدراهم
والدنانير والديون خيار الرؤية، ولو كان أيضا من النقدين أو تبرا وحلي مصوغ
فله الخيار، ولو تبايعا عينا بعين فلهما الخيار، ولو تبايعا عينا بدين
فلمشتري العين خياره.
[نظر إلى وجه الصبرة أو إلى وجه الجارية فلا
خيار له]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن نظر إلى وجه الصبرة
أو إلى وجه الجارية) ش: ذكر الجارية وقع اتفاقا، فإن الحكم في الغلام كذلك
في " الإيضاح ": المعتبر في العبد والأمة النظر إلى الوجه؛ لأن سائر
الأعضاء في العبيد والجواري تبع للوجه.
ألا ترى أن القيمة تتفاوت بتفاوت الوجه مع التساوي في سائر الأعضاء م: (أو
إلى ظاهر الثوب مطويا) ش: أي أو نظر إلى ظاهر الثوب حال كونه مطويا م: (أو
إلى وجه الدابة) ش: أي أو نظر إلى وجه الدابة م: (وكفلها) ش: أي وإلى كفلها
م: (فلا خيار له) ش: جواب من وما بعدها.
م: (والأصل في هذا) ش: أي في إسقاط خيار الرؤية م: (أن رؤية جميع المبيع
غير مشروط لتعذره) ش: أي لتعذر رؤية الجميع على تأويل المذكور، وفي بعض
النسخ لتعذرها فلا يحتاج إلى التأويل م: (فيكتفي برؤية ما يدل على العلم
بالمقصود) ش: لحصول المقصود م: (ولو دخل في البيع أشياء) ش: يعني متعددة من
جنس واحد.
م: (فإن كان لا تتفاوت آحادها كالمكيل والموزون) ش: والعددي المتقارب، وقيد
بقوله: لا تتفاوت آحادها؛ لأنه إذا كان المكيل أو الموزون من أنواع مختلفة
فخياره باق م: (وعلامته) ش: أي علامة الشيء الواحد الذي لا تتفاوت آحاده م:
(أن يعرض بالنموذج) ش: بفتح النون وبيان
(8/88)
برؤية واحد منها، إلا إذا كان الباقي أردأ
مما رأى فحينئذ يكون له الخيار، وإن كان تتفاوت آحادها كالدواب والثياب لا
بد من رؤية كل واحد منها، والجوز والبيض من هذا القبيل، فيما ذكره الكرخي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكان ينبغي أن يكون مثل الحنطة والشعير لكونها
متقاربة، إذا ثبت هذا فنقول: النظر إلى وجه الصبرة كاف؛ لأنه يعرف وصف
البقية؛ لأنه مكيل يعرض بالنموذج، وكذا النظر إلى ظاهر الثوب مما يعلم به
البقية إلا إذا كان في طيه ما يكون مقصودا كموضع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأنموذج أيضا بضم الهمزة، وهو تعريب نموذجه كذا في المغرب م: (يكتفي برؤية
واحد منها) ش: أي من هذه الأشياء المتعددة.
م: (إلا إذا كان الباقي) ش: من الذي ما رآه م: (أردأ مما رأى فحينئذ يكون
له الخيار) ش: أطلق المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الخيار، وفي " الينابيع "
يثبت له خيار المعيب لا خيار الرؤية سواء كان في وعاء واحد أو أوعية مختلفة
بعد أن يتحد الكيل في الجنس والصفة.
وفي " جامع قاضي خان " قال مشايخ بلخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: برؤية أحد
الوعاءين لا يبطل خياره، والصحيح أنه يبطل؛ لأن رؤية البعض تعرف حال
الباقي، فإن تغير الباقي له أن يرده.
وفي " الذخيرة " المكيل والموزون يكتفي برؤية البعض إذا كان في وعاء واحد،
وإن كانا في وعاءين فرأى ما في أحدهما، اختلف المشايخ فيه قال مشايخ العراق
- رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إذا رضي عما رأى يبطل خياره في الكيل إذا وجد ما
في الوعاء الآخر مثل ما رأى أو فوقه، أما إذا وجد دونه فهو على خياره، ولكن
إذا أراد الرد يرد الكل.
م: (وإن كان تتفاوت آحادها كالدواب والثياب لا بد من رؤية كل واحد منها) ش:
لأن رؤية البعض لا تعرف الباقي لتفاوت في آحاده م: (والجوز والبيض من هذا
القبيل) ش: أي من قبيل ما تتفاوت آحاده؛ لأنه يختلف بالصغر والكبر وهو
اختيار قاضي خان - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (فيما ذكره الكرخي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: ومال المصنف إلى أنه يكتفي برؤية واحد منها ولهذا قال: م:
(وكان ينبغي أن يكون) ش: أي الجوز واللوز م: (مثل الحنطة والشعير لكونها)
ش: أي لكون آحادهما أي آحاد الجوز واللوز م: (متقاربة) ش: فيكتفي برؤية
البعض عن الباقي، وفي " المجرد " وهو الأصح وبه قال بعض أصحاب الشافعي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (إذا ثبت هذا) ش: أي ما ذكرنا من التفصيل والتقرير م: (فنقول: النظر إلى
وجه الصبرة كاف؛ لأنه يعرف وصف البقية؛ لأنه مكيل يعرض بالنموذج) ش: وهو
ظاهر مذهب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وحكي عنه أنه لا يكفي رؤية
ظاهر الصبرة بل لا بد من تقلبها ليعرف حال باطنها، والمذهب المشهور هو
الأول عنده.
م: (وكذا النظر إلى ظاهر الثوب مما يعلم به البقية إلا إذا كان في طيه ما
يكون مقصودا كموضع
(8/89)
العلم، والوجه هو المقصود في الآدمي، وهو
والكفل في الدواب فيعتبر رؤية المقصود، ولا يعتبر رؤية غيره. وشرط بعضهم
رؤية القوائم. والأول هو المروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي شاة
اللحم لا بد من الجس لأن المقصود وهو اللحم يعرف به، وفي شاة القنية لا بد
من رؤية الضرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العلم) ش: وفي " شرح المجمع " المسألة معروفة في الثوب الذي لا يتفاوت
ظاهره وباطنه حتى لو خالف لا بد من رؤية ظاهره وباطنه م: (والوجه هو
المقصود في الآدمي) ش: أي العبد والأمة حتى لو نظر إلى غيره لا يبطل خياره،
وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا بد في العبد من رؤية الوجه
والأطراف، ولا يجوز رؤية العورة، وفي باقي البدن ذكره في التهذيب أنه لا بد
من رؤية أظهر الوجهين، وفي الأمة له وجوه؛ أحدها: يعتبر رؤية ما يرى من
العبد، والثاني: رؤية ما يبدو من الزينة، والثالث: يكفي رؤية الوجه
والكفين، وفي رؤية الشعر وجهان، وفي " التهذيب ": أصحهما يشترط، ولا يشترط
رؤية اللسان والأسنان في أصح الوجهين كذا في " شرح الوجيز " وفي الغاية:
الأولى تحكيم العرف.
م: (وهو) ش: أي الوجه م: (والكفل في الدواب فيعتبر رؤية المقصود ولا يعتبر
رؤية غيره) ش: أي غير المقصود حتى لو رأى سائر أعضائه دون الوجه يبقى على
خياره، وفي بعض النسخ دون غيرها أي غير الثلاثة، وهي الوجه في الآدمي،
والوجه والكفل في الدواب، والأول أصح.
م: (وشرط بعضهم رؤية القوائم) ش: أي شرط بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ
- رؤية قوائم الدابة م: (والأول) ش: وهو رؤية الوجه والكفل م: (هو المروي
عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواها بشر عنه، وعن أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يعتبر في الدواب عرف التجار وهو رواية المعلى عنه، وعن
محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكفي رؤية الوجه اعتبارا بالعبد والأمة، وعند
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بد من رؤية الوجه والكفل والقوائم
ويجب رفع السرج والإكاف والحبل، وعند بعض أصحابه أنه لا بد من أن يجري
الفرس بين يديه ليعرف سيره. كذا في " شرح الوجيز " م: (وفي شاة اللحم) ش:
وهي الشاة التي تشترى للذبح لأجل اللحم م: (لا بد من الجس؛ لأن المقصود وهو
اللحم يعرف به) ش: أي بالجس ليعرف أنها سمينة أو مهزولة.
م: (وفي شاة القنية) ش: وهي الشاة التي تحبس في البيت لأجل النتاج، وفي "
المغرب " قنوت المال حميته قنوا وقنوة وقنية، اتخذته لنفسي قنية أي للنسل
لا للتجارة، وقال الجوهري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قنوت الغنم وغيرها قنوة
وقنوه، وقنيت أيضا قنية وقنية إذا اقتنيتها لنفسك لا للتجارة م: (لا بد من
رؤية الضرع) ش: وفي " الذخيرة " لا بد من النظر إلى ضرعها وسائر جسدها.
(8/90)
وفيما يطعم لا بد من الذوق؛ لأن ذلك هو
المعرف للمقصود.
قال: وإن رأى صحن الدار فلا خيار له، وإن لم يشاهد بيوتها، وكذلك إذا رأى
خارج الدار، أو رأى أشجار البستان من خارج، وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لا بد من دخول داخل البيوت، والأصح أن جواب الكتاب على وفاق عادتهم في
الأبنية، فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ، فأما اليوم فلا بد من الدخول في
داخل الدار للتفاوت، والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفيما يطعم لا بد من الذوق؛ لأن ذلك) ش: أي الذوق م: (هو المعرف
للمقصود) ش: وفي بعض النسخ؛ لأن ذلك أي الذوق.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن رأى صحن الدار) ش:
قال الجوهري: صحن الدار وسطها م: (فلا خيار له وإن لم يشاهد بيوتها، وكذلك)
ش: أي لا خيار له م: (إذا رأى خارج الدار أو رأى أشجار البستان من خارج) ش:
لأن كل جزء من أجزائها متعذر الرؤية، كما تحت السور وبين الحيطان من الجذوع
والأسطوانات، ولا يشترط رؤية المطبخ والمزبلة والعلو إلا أن يكون العلو
مقصودا كما في سمرقند.
م: (وعند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا بد من دخول داخل البيوت) ش: وبه قال
ابن أبي ليلى، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا بد مع ذلك من
رؤية السقوف والمطبخ والسطوح والجدران خارجا وداخلا، ورؤية المستحم
والبالوعة، وبه قال الحسن بن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في شرح
الأقطع: والصحيح ما قاله زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (والأصح أن جواب الكتاب) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (على
وفاق عادتهم) ش: أي عادة أهل الكوفة وأهل بغداد في زمن أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الأبنية، فإن دورهم لم تكن متفاوتة يومئذ، فأما
اليوم) ش: أي في ديارنا م: (فلا بد من الدخول) ش: كما قال زفر - رَحِمَهُ
اللَّهُ - م: (في داخل الدار للتفاوت) ش: لقلة المرافق وكثرتها.
م: (والنظر إلى الظاهر لا يوقع العلم بالداخل) ش: وهو الصحيح اليوم، وفي "
المحيط " و" الذخيرة ": بعض مشايخنا قال: في الدار يعتبر ما هو المقصود حتى
لو كان في الدار بيتان شتويان وبيتان صيفيان يشترط رؤية صحن الدار، وفي
البستان يسقط الخيار برؤية خارجه أو رؤوس الأشجار في ظاهر الرواية، وأنكر
بعض المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هذه الرواية، وقال: بأن المقصود من
البستان باطنه فلا يبطل برؤية خارجه كذا في شرح المجمع.
وفي " جامع قاضي خان " - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الكرم لا يكتفي برؤية
الخارج ورؤوس الأشجار، وفي " المحيط " هذا عندهم، أما في بلادنا لا بد من
رؤية داخل الكرم، وفي عنب الكرم لا بد أن يرى من كل نوع بيتا، وفي النخل
كذلك.
وفي الرمان من الحلو والحامض، وعند الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في
البستان لا بد من رؤية
(8/91)
قال: ونظر الوكيل كنظر المشتري حتى لا يرده
إلا من عيب ولا يكون نظر الرسول كنظر المشتري، وهذا عند أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: هما سواء وله أن يرده. قال: معناه الوكيل
بالقبض؛ فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع. لهما أنه توكل
بالقبض دون إسقاط الخيار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأشجار والجدران ومسائل الماء لا رؤية أساس البستان وعروق الأشجار ونحوها،
وفي رؤية ظهر الدار ومجرى الماء الذي يدور به المرحاض طريقان كذا في " شرح
الوجيز " إذا اشترى دهنا في زجاج فنظر إلى الزجاج لا يكفي ذلك حتى يصبه على
الكف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أصحاب الشافعي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يكفي؛ لأن الزجاج لا
يخفي صورة الدهن.
[نظر الوكيل كنظر المشتري في خيار الرؤية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (ونظر
الوكيل كنظر المشتري) ش: صورة التوكيل أن يقول المشتري لغيره: كن وكيلي في
قبض المبيع أي وكلتك بقبضه م: (حتى لا يرده إلا من عيب) ش: إذا ظهر فيه أي
من عيب لم يعلمه الوكيل.
فإن كان قد علم يجب أن يبطل خيار المعيب، كذا ذكره الفقيه أبو جعفر -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، والصحيح أن لا يملك الوكيل بالقبض إبطال خيار العيب
فيكون معناه علم أو لم يعلم، هكذا في " الجامع الصغير " لفخر الإسلام
البزدوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ولا يكون نظر الرسول كنظر المشتري) ش: صورته أن يقول: كن رسولي بقبضه
أو قال: أرسلتك لقبضه أو قال: قل لفلان أن يدفع المبيع إليك، والفرق بين
الوكيل والرسول أن الوكيل لا يضيف العقد إلى موكله بل يعقد بالاستبداد،
والرسول لا يستغني عن الإضافة إلى المرسل، وقيل: لا فرق بين الرسول والوكيل
في فصل الأمر بأن قال: اقبض المبيع ولا يسقط الخيار.
م: (وهذا) ش: أي عدم كون نظر الرسول كنظره م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ
اللَّهُ - وقالا: هما سواء) ش: أي الوكيل والرسول سواء م: (وله) ش: أي
وللمشتري م: (أن يرده) ش: أي المبيع إذا رآه فإن شاء أخذه وإن شاء تركه م:
(قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (معناه) ش: أي معنى قوله في "
الجامع الصغير " ونظر الوكيل كنظر المشتري م: (الوكيل بالقبض) ش: أي معنى
قوله م: (فأما الوكيل بالشراء فرؤيته تسقط الخيار بالإجماع) ش: وليس للموكل
إذا رأى أن يرده؛ لأن حقوق العقد راجعة إلى الوكيل بالشراء م: (لهما) ش: أي
لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه توكل
بالقبض) ش: أي أن الوكيل بالقبض توكل أي قبل الوكالة للقبض م: (دون إسقاط
الخيار) ش: فلا يتعدى الحكم من القبض إلى إبطال الخيار.
(8/92)
فلا يملك ما لم يتوكل به، كخيار العيب
والشرط والإسقاط قصدا. وله أن القبض نوعان: تام وهو أن يقبضه وهو يراه؛
وناقص وهو أن يقبضه مستورا، وهذا؛ لأن تمامه بتمام الصفقة، ولا تتم مع بقاء
خيار الرؤية، والموكل يملكه بنوعيه، فكذا الوكيل. ومتى قبض الموكل وهو يراه
سقط الخيار، فكذا الوكيل لإطلاق التوكيل، وإذا قبضه مستورا انتهى التوكيل
بالناقص منه، فلا يملك إسقاطه قصدا بعد ذلك بخلاف خيار العيب؛ لأنه لا يمنع
تمام الصفقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فلا يملك ما لم يتوكل به) ش: لأن إبطال الخيار ليس من القبض م: (وصار
كخيار العيب) ش: أي صار هذا كمن اشترى شيئا ثم وكل بقبضه فقبض الوكيل معيبا
رائيا عيبه لم يسقط خيار العيب للموكل م: (والشرط) ش: أي وصار كخيار الشرط
كمن اشترى بخيار الشرط ووكل بقبضه لم يسقط خيار الموكل.
م: (والإسقاط قصدا) ش: صورته: أن الوكيل بالقبض إذا قبضه مستورا ثم رآه
وأسقط عنه الخيار قصدا لا يسقط الخيار عن الموكل، وقوله: قصدا احترازا عن
الإسقاط الضمني فإنه لا يملك بقبض المبيع.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القبض نوعان: تام
وهو أن يقبضه) ش: أي الوكيل م: (وهو يراه، وناقص) ش: أي وقبض ناقص م: (وهو
أن يقبضه مستورا) ش: وهو لا يسقط الخيار لعدم الرضا.
م: (وهذا) ش: إشارة إلى تنوعه بالنوعين م: (لأن تمامه) ش: أي تمام القبض م:
(بتمام الصفقة، ولا تتم) ش: أي الصفقة م: (مع بقاء خيار الرؤية) ش: لأن
تمامها بتناهيها واللزوم بحيث لا يرقد إلا برضا أو قضاء وخيار الرؤية
والشرط يمنعان عن ذلك م: (والموكل يملكه) ش: أي يملك القبض م: (بنوعيه) ش:
أي بنوعي القبض م: (فكذا الوكيل، ومتى قبض الموكل وهو يراه سقط الخيار فكذا
الوكيل) ش: أي فكذا وكيله يملكه بنوعيه م: (لإطلاق التوكيل) ش: عملا
بإطلاقه.
م: (وإذا قبضه مستورا) ش: جواب عما يقال: لا نسلم ذلك فإن الوكيل إذا قبضه
قبضا ناقصا ثم رآه فأسقط الخيار قصدا لم يسقط، والموكل لو فعل ذلك سقط
الخيار فليس الوكيل كالموكل في القبض الناقص لا محالة، فأجاب بقوله: وإذا
قبضه أي الوكيل مستورا م: (انتهى التوكيل بالناقص) ش: أي بالقبض الناقص م:
(منه) ش: أي من القبض م: (فلا يملك إسقاطه قصدا بعد ذلك) ش: لأنه لم يفوض
إليه الإبطال قصدا وإنما يثبت له الإبطال مقتضى تتميمهم القبض، وهنا لما
حصل القبض الناقص، انتهى الوكيل به فليس له بعد ذلك إبطال الخيار م: (بخلاف
خيار العيب) ش: جواب عن قولهما: فصار كخيار العيب م: (لأنه لا يمنع تمام
الصفقة) ش: لأنه لم يشرع تتميما للقبض بل لتسليم الجزء الفائت.
(8/93)
فيتم القبض مع بقائه، وخيار الشرط على
الخلاف، ولو سلم فالموكل لا يملك التام منه فإنه لا يسقط بقبضه؛ لأن
الاختيار وهو المقصود بالخيار يكون بعده، فكذا لا يملكه وكيله، وبخلاف
الرسول؛ لأنه لا يملك شيئا وإنما إليه تبليغ الرسالة، ولهذا لا يملك القبض
إذا كان رسولا في البيع.
قال: وبيع الأعمى وشراؤه جائز، وله الخيار إذا اشترى؛ لأنه اشترى؛ ما لم
يره، وقد قررناه من قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيتم القبض مع بقائه) ش: أي بقاء الخيار م: (وخيار الشرط على الخلاف)
ش: وهذا جواب عن قولهما: والشرط، أي: وكخيار الشرط، بيانه أن خيار الشرط لا
يصلح مقيسا عليه؛ لأنه على هذا الخلاف ذكر القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن
من اشترى شيئا على أنه بالخيار يوكل وكيلا بقبضه بعد ما رآه فهو على هذا
الخلاف.
وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: وخيار الشرط على الخلاف ولا نص
عن خيار الشرط عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كذا قالوا في " شرح
الجامع الصغير "، فعلى هذا يمنع، ويقال: لا نسلم أن خيار الشرط يصلح أن
يكون مقيسا عليه؛ لأنه ليس فيه نص على الاتفاق فيه، بل يجوز أن يكون الحكم
فيه أيضا كما في خيار الرؤية.
م: (ولو سلم) ش: أي بقاء الخيار م: (فالموكل لا يملك التام منه) ش: أي لا
يملك القبض التام منه أي من القبض؛ لأن تمامه بتمام الصفقة ولا تتم الصفقة
مع بقاء خيار الشرط م: (فإنه) ش: أي فإن الخيار م: (لا يسقط بقبضه؛ لأن
الاختيار) ش: وهو التردد والتفكر م: (وهو المقصود بالخيار يكون بعده) ش: أي
بعد القبض م: (فكذا لا يملكه وكيله، وبخلاف الرسول فإنه لا يملك شيئا) ش:
من القبض لا التام ولا الناقص م: (وإنما إليه تبليغ الرسالة) ش: فيملك أداء
الرسالة على أكمل الوجوه.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونه مبلغا للرسالة فقط م: (لا يملك القبض) ش: أي
قبض الثمن م: (إذا كان رسولا في البيع) ش: ولا قبض البيع إذا كان رسولا في
الشراء، وفي بعض النسخ لا يملك التسليم مكان القبض أي تسليم المبيع أو
الثمن باعتبار الحالتين.
[بيع الأعمى وشراؤه]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وبيع الأعمى وشراؤه
جائز) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - في قول،
وفي قول لا يجوز وهو اختيار المزني - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا الخلاف فيمن
هو أعمى وقت العقد ولم يكن بصيرا، أما إذا كان بصيرا فعمي بعد ذلك لا خلاف
في جواز بيعه.
م: (وله الخيار إذا اشترى؛ لأنه اشترى ما لم يره، وقد قررناه من قبل) ش: أي
في أول الباب أن شراء ما لم يره جائز وأن له الخيار، والأعمى كالبصير الذي
يشتري ما لم يره فيجوز شراؤه
(8/94)
ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف
بالجس، وبشمه إذا كان يعرف بالشم، وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق كما في
البصير، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له؛ لأن الوصف يقام مقام الرؤية
كما في السلم، وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا وقف في مكان لو
كان بصيرا لرآه وقال: قد رضيت يسقط خياره؛ لأن التشبيه يقام مقام الحقيقة
في موضع العجز، كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة،
وإجراء الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج، وقال الحسن: -
رَحِمَهُ اللَّهُ - يوكل وكيلا بقبضه وهو يراه، وهذا أشبه بقول أبي حنيفة -
رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن رؤية الوكيل رؤية الموكل على ما مر آنفا.
قال: ومن رأى أحد الثوبين فاشتراهما، ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما؛ لأن
رؤية أحدهما لا تكون رؤية الآخر، للتفاوت في الثياب فبقي الخيار فيما لم
يره، ثم لا يرده وحده بل يردهما؛ كيلا يكون تفريقا للصفقة قبل التمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مع ثبوت الخيار له كالبصير م: (ثم يسقط خياره بجسه المبيع إذا كان يعرف
بالجس، وبشمه إذا كان يعرف بالشم، وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق كما في
البصير، ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له) ش: وفي " الجامع العتابي ":
الوصف في العقار أن يقف في مكان لو كان بصيرا لرآه، ثم يذكر له صفة العقار.
م: (لأن الوصف يقام مقام الرؤية) ش: وقيل: يمس الحائط والباب م: (كما في
السلم) ش: يعني أن الوصف يقوم مقام المسلم فيه، وإن كان المسلم فيه معدوما
للعجز، والعجز في حق الأعمى ألزم؛ لأن رؤية المسلم فيه ممكنة، أما رؤية
الأعمى غير ممكنة، فيقوم الوصف مقام الرؤية في حقه بالطريق الأولى.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا
لرآه، وقال: قد رضيت يسقط خياره؛ لأن التشبيه يقام مقام الحقيقة في موضع
العجز، كتحريك الشفتين يقام مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة، وإجراء
الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج، وقال الحسن - رَحِمَهُ
اللَّهُ -) ش: ابن زياد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يوكل وكيلا بقبضه وهو
يراه) ش: فتصير رؤية الوكيل كرؤيته، قال المصنف: م: (وهذا) ش: أي قول الحسن
- رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أشبه بقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن
رؤية الوكيل رؤية الموكل على ما مر آنفا) ش: أي في المسألة المتقدمة.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ومن رأى أحد الثوبين
فاشتراهما ثم رأى الآخر جاز له أن يردهما؛ لأن رؤية أحدهما لا تكون رؤية
الآخر للتفاوت في الثياب، فبقي الخيار فيما لم يره ثم لا يرده وحده بل
يردهما؛ كيلا يكون تفريقا للصفقة قبل التمام) ش: وتفريق الصفقة منهم
بالإجماع.
(8/95)
وهذا؛ لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية
قبل القبض وبعده، ولهذا يتمكن من الرد بغير قضاء ولا رضا ويكون فسخا من
الأصل.
ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره؛ لأنه لا يجري فيه الإرث عندنا، وقد
ذكرناه في خيار الشرط. ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة فإن كان على الصفة
التي رآها فلا خيار له؛ لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة،
وبفواته يثبت الخيار إلا إذا كان لا يعلم أنه مرئيه لعدم الرضا به، وإن
وجده متغيرا فله الخيار؛ لأن تلك الرؤية لم تقع معلمة بأوصافه، فكأنه لم
يره، وإن اختلفا في التغير فالقول قول البائع؛ لأن التغير حادث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الصفقة لا تتم مع خيار الرؤية قبل
القبض وبعده) ش: أي بعد القبض يعني فيما إذا قبضه مستورا، قال الكاكي -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: كذا قيل ولا حاجة إلى هذا؛ لأن خيار الرؤية يبقى إلى
أن يوجد ما يبطله م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الصفقة غير تامة م: (يتمكن)
ش: أي المشتري م: (من الرد بغير قضاء ولا رضا ويكون فسخا من الأصل) ش: أي
يكون الرد بخيار الرؤية فسخا من الابتداء ويكون فسخا من الأصل لعدم تحقق
الرضا لعدم العلم بصفات المعقود عليه، فلا يحتاج إلى القضاء والرضا بخلاف
خيار المعيب بعد القبض، فإنه لا يرد إلا بالرضا والقضاء لتمام البيع، وعند
الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في خيار البيع بعد القبض كذلك فهو فسخ
من الأصل أيضا.
[مات وله خيار الرؤية]
م: (ومن مات وله خيار الرؤية بطل خياره؛ لأنه لا يجري فيه الإرث عندنا) ش:
خلافا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقد ذكرناه في خيار الشرط) ش: أي
قد ذكرنا بطلان خيار الرؤية بالموت في باب خيار الشرط.
م: (ومن رأى شيئا ثم اشتراه بعد مدة، فإن كان على الصفة التي رآها فلا خيار
له؛ لأن العلم بأوصافه حاصل له بالرؤية السابقة، وبفواته) ش: أي بفوات
العلم بأوصافه م: (يثبت الخيار إلا إذا كان لا يعلم أنه مرئيه) ش: أي لا
يعلم أنه هو الذي رآه، وكلمة الاستثناء من قوله فلا خيار له م: (لعدم الرضا
به) ش: أي لا يكون راضيا به.
وفي " الفتاوى الصغرى " صور لهذا بأنه إذا اشترى ثوبا ملفوفا كان رآه من
قبل وهو لا يعلم أن المشترى ذلك المرئي ثبت له خيار الرؤية، وصورته في "
الخلاصة " رجل رأى جارية عند رجل فساومه بها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك
بمدة تتبعها فاشتراها منه منتقبة ولم يعلم أن هي التي رآها فله الخيار لعدم
الرضا.
م: (وإن وجد متغيرا) ش: أي وإن وجد ما رآه بعد الشراء متغيرا عما رآه م:
(فله الخيار؛ لأن تلك الرؤية لم تقع معلمة بأوصافه، فكأنه لم يره، وإن
اختلفا في التغير) ش: بأن قال المشتري قد تغير وقال البائع: لم يتغير م:
(فالقول قول البائع؛ لأن التغير حادث) ش: لأنه إنما يكون معيبا إذا
(8/96)
وسبب اللزوم ظاهر إلا إذا بعدت المدة على
ما قالوا؛ لأن الظاهر شاهد للمشتري، بخلاف ما إذا اختلفا في الرؤية؛ لأنها
أمر حادث والمشتري ينكره فيكون القول قوله.
قال: ومن اشترى عدل زطي ولم يره فباع منه ثوبا أو وهبه وسلمه لم يرد شيئا
منها إلا من عيب، وكذلك خيار الشرط؛ لأنه تعذر الرد فيما خرج عن ملكه، وفي
رد ما بقي تفريق الصفقة قبل التمام؛ لأن خيار الرؤية والشرط يمنعان تمامها،
بخلاف خيار العيب؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تبدل هيئته، وكل منهما عارض، والمشتري يدعيه والبائع منكر ومتمسك بالأصل.
م: (وسبب اللزوم) ش: أي لزوم العقد وهو الرؤية السابقة أو البيع البات
الخالي عن الشروط المفسدة أو رؤية جزء من المعقود عليه م: (ظاهر) ش: فالقول
قول من يتمسك بالظاهر، وذكر بعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أن القول للمشتري م: (إلا إذا بعدت المدة) ش: استثناء من قوله: فالقول قول
البائع م: (على ما قالوا) ش: أي المتأخرون، فحينئذ يكون القول قول المشتري
م: (لأن الظاهر شاهد للمشتري) ش: لأن الشيء قد يتغير بطول الزمان، ومن شهد
له الظاهر فالقول قوله وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وفي " المبسوط ": فإن بعدت المدة بأن رأى جارية شابة ثم اشتراها بعد عشرين
سنة وزعم البائع أنها لم تتغير فالقول للمشتري وبه كان يفتي الصدر الشهيد -
رَحِمَهُ اللَّهُ - والإمام ظهير الدين المرغيناني - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وبه قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (بخلاف ما إذا اختلفا في
الرؤية) ش: متصل بقوله فالقول للبائع، يعني إذا اختلف البائع والمشتري في
رؤية المشتري فالقول قول المشتري م: (لأنها) ش: أي؛ لأن الرؤية م: (أمر
حادث والمشتري ينكره فيكون القول قوله) ش: مع يمينه.
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن
اشترى عدل زطي ولم يره) ش: العدل بالكسر المثلي، ومنه عدل المتاع، والزط
خيل من الناس، وفي المغرب خيل من الهند ينسب إليهم الثياب الزطية، وقيل:
خيل من الناس بسواد العراق، وقوله: ومن اشترى عدل زطي ولم يره، وفي "
الكافي ": وقبضه وهو مراد المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أيضا، وقيده بالقبض؛
لأنه لو لم يكن مقبوضا لا يصح تصرف المشتري فيه ببيع أو هبة م: (فباع منه
ثوبا أو وهبه وسلمه لم يرد شيئا منها إلا من عيب) ش: ذكر الضمير أولا في
قوله منه، وأنثه ثانيا بقوله لم يرد شيئا منها ردا إلى لفظ العدل ومعناه م:
(وكذلك خيار الشرط) ش: بأن اشترى عدل زطي بخيار الشرط وقبضه وباع ثوبا منه
أو وهب م: (لأنه تعذر الرد فيما خرج عن ملكه، وفي رد ما بقي تفريق الصفقة)
ش: على البائع م: (قبل التمام) ش: وتفريق الصفقة قبل التمام لا يجوز، كما
في ابتداء الصفقة م: (لأن خيار الرؤية والشرط يمنعان تمامها) ش: أي تمام
الصفقة؛ لأن تمامها بالرضا ولا رضا مع وجودهما م: (بخلاف خيار العيب) ش:
هذا جواب عن قوله: إلا من خيار عيب م: (لأن
(8/97)
الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض، وإن
كانت لا تتم قبله، وفيه وضع المسألة، فلو عاد إليه بسبب هو فسخ فهو على
خيار الرؤية، كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي. وعن أبي يوسف أنه لا يعود بعد
سقوطه كخيار الشرط، وعليه اعتمد القدوري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصفقة تتم مع خيار العيب بعد القبض) ش: قيد به؛ لأنه قبل القبض لو وجد
عيبا في ثوب منها يردها، وأما بعد القبض فلا يرد إلا المعيب خاصة م: (وإن
كانت) ش: واصل بما قبله. أي وإن كانت الصفقة م: (لا تتم قبله) ش: أي قبل
القبض في خيار العيب م: (وفيه) ش: أي وفي المقبوض م: (وضع المسألة) ش: أي
مسألة الزطي معنى قيد القبض فيها شرط كما ذكرنا؛ لأنه لو كان قبل القبض لما
جاز التصرف فيه م: (فلو عاد) ش: أي الثوب م: (إليه) ش: أي إلى المشتري م:
(بسبب هو فسخ) ش: كالرد بخيار الرؤية أو الشرط أو العيب بالقضاء أو الرجوع
في الهبة م: (فهو) ش: أي المشتري م: (على خيار الرؤية) ش: لارتفاع المانع
من الأصل م: (كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي) ش: في مبسوطه م: (وعن أبي يوسف)
ش: وهو رواية علي بن الجعد عنه م: (أنه) ش: أي أن خيار الرؤية م: (لا يعود
بعد سقوطه) ش: لأن الساقط لا يعود م: (كخيار الشرط) ش: وفي فتاوى قاضي خان:
وهو الصحيح م: (وعليه) ش: أي على ما روي م: (اعتمد القدوري) ش:.
فرع: اشترى شيئا مغيبا في الأرض كالجزر والفجل والبصل والثوم وأصول
الزعفران وما أشبه ذلك يجوز، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لا يجوز وله الخيار إذا رأى جميعه، ورؤية بعضه لا تبطل الخيار
بكل حال عند أبي حنيفة، وقالا: رؤية بعضها كرؤية كلها فافهم.
(8/98)
|