البناية شرح الهداية

باب الإجارة على أحد الشرطين وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيا فبدرهم، وإن خطته روميا فبدرهمين جاز، وأي عمل من هذين العملين عمل استحق الأجر به، وكذا إذا قال لصباغ: إن صبغته بعصفر فبدرهم، وإن صبغته بزعفران فبدرهمين. وكذا إذا خيره بين شيئين بأن قال أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة أو هذه الدار الأخرى بعشرة، وكذا إذا خيره بين مسافتين مختلفتين بأن قال أجرتك هذه الدابة إلى الكوفة بكذا أو إلى واسط بكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب الإجارة على أحد الشرطين]
م: (باب الإجارة على أحد الشرطين) ش: لما بين الإجارة على شرط إذا كان مفسدا شرع في بيان الشرطين، والاثنان بعد الواحد.
م: (وإذا قال للخياط: إن خطت هذا الثوب فارسيا) ش: أي خياطا فارسيا بمعنى خياطة فارسية أي منسوبة إلى صنعة فارس وهي التي تكون فيها الخياطة غرزة غرزة. وقوله: م: (فبدرهم) ش: جواب الشرط والتقدير فأجرتك بدرهم م: (وإن خطته روميا) ش: أي خياطا روميا يعني خياطة روميه أي منسوبة إلى صنعة الروم وهي التي تكون الخياطة فيها غرزتين، وكذلك قوله م: (فبدرهمين) ش: جواب الشرط بالتقدير الذي ذكرناه، وقوله م: (جاز) ش: جواب إذا، أي جاز هذا الشرط المتنوع م: (وأي عمل من هذين العملين) ش: أي الخياطة الفارسية والخياطة الرومية م: (عمل) ش: أي الخياط م: (استحق الأجر به) ش: أي الأجر المسمى بالعمل، وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية.
وقال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية، وإسحاق وأبو ثور والثوري: لا يصح العقد وهو القياس، وبه قال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولا ثم رجع عنه. وجه القياس أنه عقد معاوضة ولم ينعقد فيه العوض والمعوض، فلم يصح وله أجر المثل إذا عمل. وجه الاستحسان أن الأجر يجب بالعمل وعند العمل ما يلزمه عن البدل معلوم فلا تبقى الجهالة في المعقود عليه ولا في بدله.
م: (وكذا إذا قال لصباغ إن صبغته بعصفر) ش: وهو زهر القرطم م: (فبدرهم) ش: أي فأجرتك تكون بدرهم م: (وإن صبغته بزعفران فبدرهمين) ش: بفتح الزاي والفاء جميعا م: (وكذا إذا خيره) ش: أي وكذا يصح إذا خير الأجير المستأجر م: (بين شيئين بأن قال أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة أو هذه الدار الأخرى بعشرة) ش: فأي دار سكنها يلزمه ما عينه من الأجرة م: (وكذا إذا خيره) ش: أي وكذا يجوز إذا خير المؤجر المستأجر م: (بين مسافتين مختلفتين بأن قال أجرتك هذه الدابة إلى الكوفة بكذا أو إلى واسط بكذا) ش: يلزمه عشرة، وإن سافر إلى واسط يلزمه خمسة.

(10/322)


وكذا إذا خيره بين ثلاثة أشياء، وإن خيره بين أربعة لم يجز والمعتبر في جميع ذلك البيع، والجامع دفع الحاجة غير أنه لا بد من اشتراط الخيار في البيع وفي الإجارة لا يشترط ذلك؛ لأن الأجر إنما يجب بالعمل وعند ذلك يصير المعقود عليه معلوما وفي البيع يجب الثمن بنفس العقد فتتحقق الجهالة على وجه لا ترتفع المنازعة إلا بإثبات الخيار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا إذا خيره بين ثلاثة أشياء) ش: أي في الصور المذكورة بأن قال إن خطته فارسيا فلك درهم، إن خطته روميا فلك درهمان، وإن خطته تركيا أو نحو ذلك فلك ثلاثة دراهم، فأي الأعمال عمل استحق الأجر المسمى.
وكذلك إذا قال إن صبغته بعصفر فلك درهم، وإن صبغته بزعفران فلك درهمان، وإن صبغته بورس ونحوه فلك ثلاثة دراهم.
وكذا لو قال: إن سكنت هذه الدار كل شهر فعليك خمسة، وإن سكنت هذه فعليك عشرة، وإن سكنت هذا فخمسة عشر.
وكذا إذا قال: أجرتك هذه الدابة إلى بغداد بعشرة أو إلى واسط بخمسة عشر أو إلى الكوفة بعشرين.
م: (وإن خيره بين أربعة لم يجز) ش: أي وإن خير بين أربعة أنواع من الفعل لم يجز بأن قال: إن خطته فارسيا فلك درهم، وإن خطته روميا فلك درهمان، وإن خطته تركيا فثلاثة، وإن خطته هنديا فأربعة وقس الباقي على هذا، وكذلك الزراعة جاز إلى الثلاثة، كما إذا قال للمزارع: إن زرعتها بغير كراب فلك ربع الخارج، وإن زرعتها بكراب فلك ثلاثة، وإن زرعتها بكرابين فلك نصفه وإلى ذلك عمل فله شرط.
م: (والمعتبر في جميع ذلك البيع) ش: فإذا باع أحد الثوبين أو أحد الأثواب الثلاثة جاز، وإذا باع أحد الأثواب الأربعة لم يجز فكذا في الإجارة م: (والجامع) ش: في وجه إلحاق الإجارة بالبيع في هذه الصور م: (دفع الحاجة) ش: أي حاجة الناس وضروراتهم. ثم أشار إلى بيان الفرق بينهما من وجه بقوله م: (غير أنه) ش: أي أن الشأن م: (لا بد من اشتراط الخيار في البيع) ش: فإنه إذا خيره بين ثوبين على أن يأخذ أيهما شاء يكون للمشتري الخيار، وكذا إذا خيره بين الثلاثة م: (وفي الإجارة لا يشترط ذلك) ش: أي الخيار م: (لأن الأجر إنما يجب بالعمل، وعند ذلك يصير المعقود عليه معلوما) ش: فلا يحتاج إلى إثبات الخيار.
م: (وفي البيع يجب الثمن بنفس العقد فتتحقق الجهالة على وجه لا ترتفع المنازعة إلا بإثبات الخيار) ش: وبهذا التعليل خرج الجواب عما قيل ما الفرق بين هذا وبين البيع والنكاح حيث يفسدان بالشرط، ولا تفسد الإجارة، فإنه لو قال بعت منك هذا العبد بألف درهم أو هذه

(10/323)


ولو قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم، فإن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غدا فله أجر مثله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجاوز به نصف درهم. وفي " الجامع الصغير ": لا ينقص من نصف درهم ولا يزاد على درهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجارية بمائة دينار أو زوجتك أمتي هذه بمائة درهم أو ابنتي فلانة بمائة دينار فقال قبلت كان باطلا.

[قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم]
م: (ولو قال إن خطته اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبنصف درهم، فإن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غدا فله أجر مثله عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: لأن الشرط الأول جائز، والثاني فاسد، ولهذا يجب المسمى في الأول وأجر المثل في الثاني م: (لا يجاوز به نصف درهم) ش: أي لا يجاوز بأجر المثل نصف درهم، لأنه هو المسمى في اليوم الثاني.
م: (وفي " الجامع الصغير ": لا ينقص من نصف درهم ولا يزاد على درهم) ش: ذكر هذا تنبيها على اختلاف الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما إذا خاطه في اليوم الثاني فالأول ما ذكره القدوري وهو الصحيح، والثاني ما ذكره في " الجامع الصغير "، لأن التسمية الأولى لا تنعدم في اليوم الثاني فتعتبر لمنع الزيادة، وتعتبر التسمية الثانية لمنع النقصان، فإن خاطه في اليوم الثاني يأتي بيانه عن قريب.
وقال الكرخي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصره " فإن خاطه من بعد الغد فله أجر مثله في قولهم جميعا. واختلف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أجر المثل على ما حكاه في الوجه الأول يزاد على أجر الأول ولا ينقص من الأجر الثاني. وروي عنه إن كان أجر مثله أقل من الأجر الثاني فله الأقل من الأجر الثاني. وقال في الإملاء: في هذه المسألة له أجر مثله لا يتجاوز به درهما، انتهى.
وقال القدوري في " شرحه ": واختلفت الرواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا خاطه في اليوم الثاني، فقال في إحدى الروايتين له أجر مثله لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم، وهذا رواية الأصل والجامع الصغير. ورواية محمد في الأصل وإحدى الروايتين عن ابن سماعة عن أبي يوسف في نوادره وإحدى روايتي ابن سماعة أيضا عن محمد في نوادره. وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نوادره رواية أخرى أن له في اليوم الثاني أجر مثله لا يزاد على نصف درهم وهي الرواية الصحيحة، انتهى.
وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " النوادر ": أنه يجب في شرط الثاني أجر مثله لا يجاوز به نصف درهم وينقص عنه وهو اختيار الكرخي.

(10/324)


وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: الشرطان جائزان. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرطان فاسدان؛ لأن الخياطة شيء واحد، وقد ذكر بمقابلته بدلان على البدل، فيكون مجهولا، وهذا لأن ذكر اليوم للتعجيل وذكر الغد للترفيه فيجتمع في كل يوم تسميتان. ولهما أن ذكر اليوم للتأقيت وذكر الغد للتعليق فلا يجتمع في كل يوم تسميتان. ولأن التعجيل والتأخير مقصودان فنزل منزلة اختلاف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: الشرطان جائزان) ش: ففي أيهما خاط يستحق المسمى فيه م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الشرطان فاسدان) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في ظاهر مذهبه والثوري وإسحاق وهو القياس م: (لأن الخياطة شيء واحد) ش: لأنه استأجره على مطلق الخياطة فالفعل غير مختلف وإنما يختلف الزمان م: (وقد ذكر بمقابلته بدلان على البدل) ش: أي بمقابلة شيء واحد الذي هو الخياطة، وأراد بالبدلين هو درهم ونصف درهم. وأراد بقوله على البدل على الطريق البدل م: (فيكون مجهولا) ش: أي فيكون البدل الذي هو الأجر مجهولا فصار كأنه قال: خطته بدرهم ونصف دراهم وهو باطل، فكذا هذا.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن ذكر اليوم للتعجيل) ش: لا للتوقيت لأنه خال إفراد العقد باليوم بقوله: خطته اليوم بدرهم كان للتعجيل لا للتوقيت حتى لو خاطه في الغد استحق الأجر فكذا هما م: (وذكر الغد للترفيه) ش: لا للإضافة والتعليق ولهذا لو أفرد العقد في الغد بأن قال خطته غدا بنصف درهم ثبت هذا العقد في اليوم حتى لو خاطه اليوم استحق نصف درهم م: (فيجتمع في كل يوم تسميتان) ش: فيبطل العقد للجهالة بيان ذلك أما في اليوم الأول فلأن ذكر الغد للترفيه كان العقد المضاف إلى غد ثابت اليوم مع عقد اليوم وأما في الغد فلأن العقد المنعقد في اليوم باق لأن ذكر اليوم للتعجيل فيجتمع مع المضاف إلى غد فهذا بيان اجتماع التسميتين في كل يوم.
م: (ولهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ذكر اليوم للتأقيت) ش: لأنه حقيقة، فكان قوله: إن خطته اليوم فبدرهم مقتصرا على اليوم فبانقضاء اليوم لا يبقى إلى الغد، بل ليقضي بانقضاء الوقت م: (وذكر الغد للتعليق) ش: أي للإضافة، لأن الإجارة لا تقبل التعليق، لكن تقبل الإضافة لم يكن العقد ثابتا في الحال. وقال الكاكي: ولهذا ذكر في بعض النسخ وذكر الغد للإضافة م: (فلا يجتمع في كل يوم تسميتان) ش: فيصح الشرطان م: (ولأن التعجيل والتأخير مقصودان) ش: دليل آخر لهما، ومعناه أن المعقود عليه واحد وهو العمل ولكن بصفة خاصة فيكون مراده التعجيل لبعض أغراضه في اليوم من التجمل والبيع بزيادة فائدة فيفوت ذلك ويكون التأجيل مقصودا م: (فنزل) ش: باختلاف الغرض م: (منزلة اختلاف

(10/325)


النوعين ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذكر الغد للتعليق حقيقة ولا يمكن حمل اليوم على التأقيت لأن فيه فساد العقد لاجتماع الوقت والعمل. وإذا كان كذلك يجتمع في الغد تسميتان دون اليوم فيصح الأول ويجب المسمي ويفسد الثاني ويجب أجر المثل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النوعين) ش: من العمل كما في الخياطة الفارسية والرومية.
فإن قلت: قد جعلا ذكر اليوم في مسألة خبز المخاتيم للتعجيل فما لهما لم يجعلا كذلك هاهنا.
قلت: هنالك حملا على المجاز تصحيحا للعقد، وهاهنا حملا على الحقيقة للتصحيح أيضا إذا لو عكس الأمر في الفصلين يلزم إبطال ما قصد العاقدان في صحة العقد، والأصح تصحيح تصرف العاقل ما أمكن.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن ذكر الغد للتعليق) ش: أي للإضافة، ويجوز أن يقال عبر عن الإضافة بالتعليق إشارة إلى أن النصف في الغد ليس بتسمية جديدة لأن التسمية الأولى باقية وإنما هو يحط النصف لأمر التأخير فيكون معناه ذكر الغد للتعليق أي لتعليق الحط بالتأخير وهو يقبل التأخير م: (حقيقة) ش: أي من حيث الحقيقة، فإذا كان حقيقة وأمكن العمل بها لا يصار إلى المجاز فلا يجتمع تسميتان في اليوم م: (ولا يمكن حمل اليوم على التأقيت) ش: الذي هو حقيقة اليوم م: (لأن فيه فساد العقد لاجتماع الوقت والعمل) ش: فإذا نظرنا إلى ذكر العمل كان الأجير مشتركا.
وإذا نظرنا إلى ذكر اليوم كان أجيرا واحدا، وهما متنافيان لتنافي لوازمهما، فإن ذكر العمل يوجد عدم وجوب الأجرة ما لم يعمل. وذكر الوقت يوجب وجوبها عند تسليم النفس في المدة، وتنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات ولذلك عدلنا عن الحقيقة التي هي للتأقيت إلى المجاز الذي هو التعجيل م: (وإذا كان كذلك يجتمع في الغد تسميتان دون اليوم فيصح الأول) ش: أي الشرط الأول م: (ويجب المسمى ويفسد الثاني) ش: أي الشرط الثاني م: (ويجب أجر المثل) ش: لا مقتضى الإجارة الفاسدة.
قيل: في جعل اليوم للتعجيل صحة الإجارة الأولى وفساد الثانية، وفي جعله للتوقيت فساد الأولى وصحة الثانية، ولا رجحان لأحدهما على الآخر فكان تحكما.
أجيب بأن فساد الإجارة الثانية يلزم في ضمن صحة الأولى، والضمان غير معتبرة.
قيل: هذا يشكل على قول أبي حنيفة بمسألة المخاتيم، فإنه جعل فيها ذكر اليوم للتأقيت وفساد العقد، وهاهنا التعجيل وصححه.

(10/326)


لا يجاوز به نصف درهم لأنه هو المسمى في اليوم الثاني وفي " الجامع الصغير " لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم لأن التسمية الأولى لا تنعدم في اليوم الثاني، فتعتبر لمنع الزيادة وتعتبر التسمية الثانية لمنع النقصان، فإن خاطه في اليوم الثالث لا يجاوز به نصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأن ذكر اليوم للتأقيت حقيقة فلا يترك ما لم يمنع مانع كما نحن فيه، فإن الحمل على الحقيقة مفسد للعقد فمنع لذلك وقام الدليل على المجاز وهو نقصان الأجر للتأخير بخلاف حالة الانفراد فإنه لا دليل ثمة على المجاز فكان التأقيت مرادا وفسد العقد.
ورد بأن دليل المجاز قائم وهو تصحيح العقد على تقدير التعجيل فيكون مرادا نظرا إلى ظاهر الحال.
وأجيب: أن الجواز بظاهر الحال في حيز النزاع فلا بد من دليل زائد على ذلك، وليس بموجود بخلاف ما نحن فيه، فإن نقصان الأجر دليل زائد على الجواز بظاهر الحال م: (لا يجاوز به نصف درهم) ش: أي بأجر المثل قد قلنا فيما مضى: إن هذا إسناد الفعل بالجار والمجرور على رأي الكوفيين فيكون الثاني محل الرفع ونصف درهم منصوب على المفعولية وقال زفر والثلاثة: يجب أجر المثل بالغا ما بلغ م: (لأنه) ش: أي نصف درهم م: (هو المسمى في اليوم الثاني) ش: فإن قلت: فالدرهم أيضا سمي في اليوم الثاني لأن اليوم جعل للتعجيل فصار وجوده كعدمه في الغد فلا يكون راضيا بحط نصف من الدرهم.
قلت: هذا مسلم، لكن ذكر النصف في الغد بطريق التصريح بخلاف ذكر الدرهم فهو مصرح في اليوم دون الغد.
م: (وفي الجامع الصغير لا يزاد على الدرهم ولا ينقص من نصف درهم) ش: لما أعاد لفظ الجامع لبيان الدليل على اختلاف الرواية، ولكن لو ذكره هناك كان أولى وأبعد من التكرار ظاهرا وقال الأترازي: إنما أعاد لفظ الجامع للمخالفة الظاهرة بين رواية الجامع والرواية الأولى.
قلت: هذا وقوع فيما هرب عنه، لأنه بين هناك تلك المخالفة وإنما الإعادة لما ذكرنا م: (لأن التسمية الأولى لا تنعدم في اليوم الثاني فتعتبر لمنع الزيادة، وتعتبر التسمية الثانية لمنع النقصان) ش: منع الزيادة عن الدرهم ومنع النقصان عن نصف درهم.
م: (فإن خاطه في اليوم الثالث لا يجاوز به نصف درهم عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو

(10/327)


الصحيح لأنه إذا لم يرض بالتأخير إلى الغد فبالزيادة عليه إلى ما بعد الغد أولى. ولو قال: إن أسكنت في هذا الدكان عطارا فبدرهم في الشهر، وإن أسكنت في هذا الدكان حدادا فبدرهمين جاز، وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا الإجارة فاسدة وكذا إذا استأجر بيتا على أن يسكن فيه فبدرهم وإن أسكنت فيه حدادا فبدرهمين فهو جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز. ومن استأجر دابة إلى الحيرة بدرهم وإن جاوز بها إلى القادسية فبدرهمين فهو جائز ويحتمل الخلاف
ومن استأجرها إلى الحيرة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم وإن حمل عليها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الصحيح) ش: احترز به عن الرواية الأخرى وهو أنه لا يزاد على درهم ولا ينقص عن درهم كذا في التقريب " م: (لأنه إذا لم يرض بالتأخير إلى الغد فبالزيادة عليه إلى ما بعد الغد أولى) ش: بأن لا يرضى وأما عندهما فالصحيح أنه ينقص من نصف الدرهم ولا يزاد عليه ذكره في الإيضاح.

[قال إن أسكنت في هذا الدكان عطارا فبدرهم أو حدادا فبدرهمين]
م: (ولو قال: إن أسكنت في هذا الدكان عطارا) ش: أي حال كونك عطارا وفي بعض النسخ إن أسكنته عطارا فعلى هذا يكون عطارا مفعولا م: (فبدرهم) ش: أي فالأجرة بدرهم م: (في الشهر، وإن أسكنت في هذا الدكان حدادا) ش: أي حال كونه حدادا. وفي بعض النسخ وإن أسكنته حدادا فعلى هذا يكون حدادا مفعولا م: (فبدرهمين) ش: أي فالأجرة بدرهمين م: (جاز وأي الأمرين فعل استحق المسمى فيه عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا الإجارة فاسدة) ش: وبه قالت الثلاثة م: (وكذا) ش: أي على الخلاف م: (إذا استأجر بيتا على أن يسكن فيه فبدرهم) ش: يعني أن يسكن هو بنفسه فالأجرة بدرهم م: (وإن أسكنت فيه حدادا فبدرهمين فهو جائز عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز ومن استأجر دابة إلى الحيرة) ش: بكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء مدينة قديمة عند الكوفة م: (بدرهم وإن جاوز بها) ش: أي بالدابة المستأجرة م: (إلى القادسية فبدرهمين فهو جائز ويحتمل الخلاف) ش: يعني حكم هذه المسألة يحتمل الخلاف لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر هذه المسألة في الجامع الصغير ولم يجعلا فيه خلافا فيحتمل أن يكون هذا قول الكل ويحتمل أن يكون قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يجوز كما في نظائرها في المسائل.
وفي " الغاية ": مال الفقيه أبو الليث إلى الاتفاق يعني أن فيها يجوز بالاتفاق ومال فخر الإسلام إلى الخلاف يعني أن المذكور فيها قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعندهما لا يجوز وإليه ذهب العتابي وغيره.

[استأجر الدابة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم]
م: (ومن استأجرها إلى الحيرة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم وإن حمل عليها

(10/328)


كر حنطة فبدرهم فهو جائز في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز وجه قولهما أن المعقود عليه مجهول وكذا الأجر أحد الشيئين وهو مجهول والجهالة توجب الفساد بخلاف الخياطة الرومية والفارسية لأن الأجر يجب بالعمل، وعنده ترتفع الجهالة أما في هذه المسائل يجب الأجر بالتخلية والتسليم فتبقى الجهالة، وهذا الحرف هو الأصل عندهما ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين فيصح كما في مسألة الرومية والفارسية وهذا لأن سكناه بنفسه يخالف إسكانه الحداد ألا ترى أنه لا يدخل ذلك في مطلق العقد وكذا في أخواتها والإجارة تعقد للانتفاع، وعنده ترتفع الجهالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كر حنطة فبدرهم فهو جائز في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا: لا يجوز) ش: الكر بضم الكاف وتشديد الراء م: (وجه قولهما أن المعقود إليه مجهول، وكذا الأجر أحد الشيئين وهو مجهول، والجهالة توجب الفساد) ش: أي الجهالة الواحدة توجب الفساد، فكيف الجهالتان.
م: (بخلاف الخياطة الرومية والفارسية) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال مسألة الخياطة الرومية والفارسية فيها جهالة المعقود عليه وكانت صحيحة. وتقرير الجواب أن يقال بالفرق بينهما م: (لأن الأجر) ش: أي ثمة م: (يجب بالعمل وعنده ترتفع الجهالة أما في هذه المسائل يجب الأجر بالتخلية) ش: في الدار والدكان م: (والتسليم) ش: من الدار والدكان والدابة م: (فتبقى الجهالة) ش: لأن الأجر مجهول عند التسليم فيفضي إلى المنازعة م: (وهذا الحرف) ش: أي هذا المعنى وهو قوله يجب الأجر بالتخلية والتسليم فتتنفي الجهالة م: (وهو الأصل عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه خيره بين عقديين صحيحين مختلفين) ش: أي السكنى وعمل الحداد مختلفان. م: (فيصح) ش: عند الاجتماع كما يصح عند الانراد م: (كما) ش: يصح م: (في مسألة الرومية والفارسية وهذا) ش: أي كونهما مختلفين م: (لأن سكناه بنفسه يخالف إسكانه الحداد. ألا ترى أنه) ش: أي إسكان الحداد قال صاحب العناية والصحيح أن الضمير للشأن وأشار إلى إسكان الحداد بحرف الإشارة بقوله م: (لا يدخل ذلك في مطلق العقد) ش: أي لا يدخل إسكان الحداد في مطلق عقد الإجارة.
م: (وكذا في أخواتها) ش: يعني إذا استأجر ليركب هو بنفسه ليس له أن يركب غيره م: (والإجارة تعقد) ش: جواب عن قوله: تحت الأجر بالتخليه.... إلى آخره.
وتقديره أن الإجارة تعقد م: (للانتفاع وعنده) ش: أي عند الانتفاع م: (ترتفع الجهالة) ش: أما ترك الانتفاع عن التمكن فنادر ولا معتبر به.

(10/329)


ولو احتيج إلى الإيجاب بمجرد التسليم. يجب أقل الأجرين للتيقن به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو احتيج إلى الإيجاب) ش: أي إيجاب الأجر م: (بمجرد التسليم) ش: أي بمجرد التخلية بأن يسلم ولم ينتفع به م: (يجب أقل الأجرين) ش: كما إذا ذكر درهما ودرهمين فالدرهم أقل الأجرين.
وبعضهم قال: يجب في كل منهما نصفه، لأن السكنى إذا لم توجد يكون التسليم لهما لعدم أولوية أحدهما من الآخر فيجعل النصف لهذا أو النصف للآخر، فيجب نصف كل واحد منهما. وقيل: يجب الأول وينصف الفصل م: (للتيقن به) ش: أي بالأقل إذ الفضل لا يجب بالشك.

(10/330)