البناية
شرح الهداية باب الاختلاف قال: وإذا اختلف الخياط ورب
الثوب فقال رب الثوب أمرتك أن تعمله قباء، وقال الخياط قميصا. أو قال صاحب
الثوب للصباغ أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر، وقال الصباغ لا بل أمرتني
أصفر فالقول لصاحب الثوب؛ لأن الإذن يستفاد من جهته. ألا ترى أنه لو أنكر
أصل الإذن كان القول قوله، فكذا إذا أنكر صفته لكن يحلف؛ لأنه أنكر شيئا لو
أقر به لزمه. قال: وإذا حلف فالخياط ضامن، ومعناه ما مر من قبل أنه بالخيار
إن شاء ضمنه وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله. وكذا يخير في مسألة الصبغ إذا
حلف إن شاء ضمنه قيمة الثوب أبيض، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله لا
يجاوز به المسمى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب اختلاف المتعاقدين في الإجارة]
م: (باب الاختلاف) ش: لما ذكر اتفاق المتعاقدين شرع في بيان اختلافهما وهو
فرع، فلذلك أخره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا اختلف الخياط ورب الثوب فقال رب الثوب
أمرتك أن تعمله قباء. وقال الخياط قميصا، أو قال صاحب الثوب للصباغ أمرتك
أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر، وقال الصباغ لا بل أمرتني أصفر فالقول لصاحب
الثوب) ش: أي مع يمينه، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور - رَحِمَهُمُ
اللَّهُ -.
وقال أحمد وابن أبي ليلى والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول: القول
للخياط والصباغ.
وقال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - له قول ثالث، وهو أنهما
يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن، وإذا تحالفا سقط الضمان عن الخياط
وسقط الأجر، وبعضهم قال: الصحيح أن القول لرب الثوب م: (لأن الإذن يستفاد
من جهته) ش: أي من جهة رب الثوب.
م: (ألا ترى أنه لو أنكر أصل الإذن كان القول قوله) ش: بأن أنكر عقد
الإجارة أصلا كان القول لصاحب الثوب م: (فكذا إذا أنكر صفته) ش: أي صفة
الإذن بخلاف المضاربة، لأن الأصل في المضاربة العموم في أنواع التجارة
فالخصوص عارض، فكان القول لمن ينكر العارض م: (لكن يحلف) ش: أي صاحب الثوب
م: (لأنه أنكر شيئا لو أقر به لزمه) ش: أي لزمه ذلك الشيء بإقراره.
م: (قال: وإذا حلف فالخياط ضامن، ومعناه ما مر من قبل) ش: أي قبيل باب
الإجارة الفاسدة في قوله ومن دفع إلى الخياط ثوبا ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه
قباء م: (أنه بالخيار إن شاء ضمنه، وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله) ش: لا
يجاوز به المسمى م: (وكذا يخير في مسألة الصبغ إذا حلف إن شاء ضمنه قيمة
الثوب أبيض، وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به المسمى) .
(10/337)
وذكر في بعض النسخ يضمنه مازاد الصبغ فيه؛
لأنه بمنزلة الغاصب.
وإن قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجر، وقال الصانع: بل بأجر فالقول قول
صاحب الثوب؛ لأنه ينكر تقوم عمله إذ هو يتقوم بالعقد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واعترض: بأن هناك اتفق المتعاقدان على المأمور به والأجير خالف، وهاهنا قد
اختلف في ذلك، وكيف يكون هذا مثل ذلك. وأجيب: بأنها مثلها انتهاء لا
ابتداء، إلا أنه ذكر هذا الحكم هنا بعد يمين صاحب الثوب، ولما حلف كان
القول قوله فلم يبق الخلاف الآخر اعتبارا، فكانتا في الحكم سواء.
م: (وذكر في بعض النسخ) ش: أي بعض نسخ القدوري م: (يضمنه ما زاد الصبغ فيه)
ش: أي يضمن صاحب الثوب قيمة زيادة الصبغ للصباغ، فالأول أعني قوله لا يجاوز
به المسمى ظاهر الرواية، والثانية أعني قوله يضمنه ما زاد الصبغ فيه رواية
ابن سماعة عن محمد.
وجه الظاهر وهو الأصح أن الصبغ آلة للعمل المستحق على الصباغ بمنزلة الحرب
والصابون من عمل الغسال، فلا يصير صاحب الثوب مشتريا للصبغ حتى تعتبر
القيمة عند فساد السبب.
ووجه رواية ابن سماعة ما أشار إليه بقوله م: (لأنه بمنزلة الغاصب) ش: يعني
أن الصباغ بمنزلة الغاصب والحكم في الغصب كذلك وهو أن الغاصب إذا صبغه أحمر
أو أصفر فإن شاء رد الثوب وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد الصبغ فيه فكذلك
هنا.
وفي " خلاصة الفتاوي ": والصباغ إذا خالف بصبغ الأصفر فكان الأحمر إن شاء
ضمنه قيمة ثوب أبيض وإن شاء أخذه وأعطاه ما زاد الصبغ فيه ولا أجر له، ولو
صبغ رديئا إن لم يكن فاحشا لا يضمن وإن كان فاحشا بحيث يقول أهل تلك الصنعة
إنه فاحش يضمن قيمته ثوب أبيض.
وفي " المحيط ": لو أمره أن يصبغه بزعفران أو بقم فصبغه غير ما سمي إلا أنه
لم يشبع صبغه وقد أمر صاحب الثوب أن يشبعه فالمالك بالخيار إن شاء ضمنه
قيمة ثوبه أبيض وسلم له الثوب، وإن شاء أخذه، وأعطاه أجره مثله لا يزاد على
المسمى في الأصل. إلى هنا لفظ " الخلاصة ".
[قال صاحب الثوب عملته لي بغير أجر وقال الصانع
بل بأجر]
م: (وإن قال صاحب الثوب: عملته لي بغير أجر وقال الصانع: بل بأجر فالقول
قول صاحب الثوب) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أصحاب
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م (لأنه) ش: أي لأن صاحب الثوب م: (ينكر تقوم
عمله إذ هو) ش: أي العمل م: (يتقوم بالعقد
(10/338)
وينكر الضمان، والصانع يدعيه والقول قول
المنكر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان الرجل حريفا له أي
خليطا له فله الأجر وإلا فلا؛ لأن سبق ما بينهما يعين جهة الطلب بأجر جريا
على معتادهما. وقال محمد: إن كان الصانع معروفا بهذه الصنعة بالأجر فالقول
قوله؛ لأنه لما فتح الحانوت لأجله جرى ذلك مجرى التنصيص على الأجر اعتبارا
للظاهر، والقياس ما قاله أبو حنيفة؛ لأنه منكر. والجواب عن استحسانهما أن
الظاهر للدفع؛ والحاجة هاهنا إلى الاستحقاق والله أعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وينكر الضمان والصانع يدعيه والقول قول المنكر. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: إن كان الرجل حريفا له أي خليطا له) ش: بأن تكون تلك المعاملة
منها بأجر حريف الرجل من يكون بينه وبينه أخذ وإعطاء ومعاملة، وأصله من
الحرفة والاحتراف وهو الاكتساب.
م: (فله الأجر وإلا فلا) ش: أي وإن لم يكن حريفا له فلا أجرة م: (لأن سبق
ما بينهما يعين جهة الطلب بأجر جريا على معتادهما) ش: أي سبق ما بين رب
الثوب والصباغ مثلا من التعامل والتقاطع على الأجر يعين جانب الطلب جريا
على عادتهما من التعامل بالأجرة.
م: (وقال محمد: إن كان الصانع معروفا بهذه الصنعة بالأجر) ش: بأن اتخذ
دكانا وانتصب لعمل الصباغة أو القصارة م: (فالقول قوله، لأنه لما فتح باب
الحانوت لأجله جرى ذلك مجرى التنصيص على الأجر اعتبارا للظاهر) ش: وبه قال
مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قال شيخ الإسلام وصاحب " المحيط ": الفتوى على قول محمد م: (والقياس ما
قاله أبو حنيفة لأنه منكر) ش: للإجارة والمنافع لا تتقوم إلا بالعقد عندنا
بخلاف ما لو دفع إلى آخر عينا ثم اختلفا فقال الدافع قرض، وقال الآخر: هبة
فالقول لمن يدعي القرض، لأن العين متقوم بنفسه فالآخر يدعي الإبراء عن
قيمته فالقول لمنكر الإبراء وهو مدعي القرض.
م: (والجواب عن استحسانهما أن الظاهر للدفع) ش: أي الظاهر يصلح للدفع عن
نفسه م (
والحاجة
هاهنا إلى الاستحقاق والله أعلم) ش: لا للدفع، نظيره دار في يد رجل فزعم
آخر أنه ملكه فالقول للذي في يده، وإن كان غيره يدعيهما ولا شرع في يد بلا
حجة، فلو بيعت دارا بجنبها فأراد أن يأخذها بالشفعة لا يأخذها بمجرد اليد
حتى يقيم بينة أنه ملكه لأن ثبوت الملك بظاهر اليد يصلح للدفع لا للاستحقاق
والأخذ من يد المشتري استحقاق فلا يملكه بدون البينة، كذا هنا.
فروع: قال الأسبيجابي في شرح " الكافي ": ولو أسلم ثوبا إلى صباغ يصبغه
أحمر فصبغه ثم اختلفا فقال الصباغ صبغته بدرهم وقال رب الثوب: صبغته
بدانقين فإني أنظر إلى ما زاد الصبغ فيه فإن كان درهما أو أكثر فله درهم
لأن الحال يصلح حكما في الباب، فكان القول
(10/339)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قول من يشهد له الظاهر مع يمينه، وإن كان أقل من دانقين أعطيته بعد أن يحلف
رب الثوب صبغه إلا بدانقين.
وإن كان الصبغ سواد فالقول قول رب الثوب مع يمينه؛ لأنه يدعي عليه زيادة
أجر وهو ينكر ولو قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر كان القول قوله، لأن
السواد ينقض الثوب، أما إذا كان صبغا يزيد في الثوب فقال رب الثوب: صبغته
بغير أجر وقال الصباغ: صبغته بدرهم فإنهما يتحالفان؛ لأن هذا يدعي الهبة
والآخر يدعي التجارة فكان كل منهما مدعيا ومدعى عليه ثم يضمن رب الثوب ما
زاد الصبغ في مقدار الأجرة ولا يجوز به درهم.
ولو اختلف رب الثوب في مقدار الأجر فإن كان لم يأخذ في العمل تخالفا وترادا
أو إن كان بعده فالقول قول رب الثوب ولا يتخالفان، وكذلك لو قال عملته لي
بغير أجر فالقول قول رب الثوب لأن العمل يتقوم بالعقد وهو ينكر العقد.
(10/340)
باب فسخ الإجارة قال: ومن استأجر دارا فوجد
بها عيبا يضر بالسكنى فله الفسخ؛ لأن المعقود عليه المنافع وإنها توجد شيئا
فشيئا فكان هذا عيبا حادثا قبل القبض فيوجب الخيار كما في البيع. ثم
المستأجر إذا استوفى المنفعة فقد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل كما في
البيع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب فسخ الإجارة]
م: (باب فسخ الإجارة) ش: تأخير هذا الباب ظاهر المناسبة، لأن الفسخ رفع
العقد السابق فبالضرورة وهو متأخر.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن استأجر دارا فوجد بها عيبا يضر بالسكنى
فله الفسخ) ش: أي فللمستأجر ولاية الفسخ، قيد العيب بالإضرار بالسكنى، لأنه
إذا كان عيبا لا يضر بالسكنى كحائط سقط لم يكن محتاجا إليه في السكنى لم
يثبت الخيار. وكذا لو كان المستأجر عبدا للخدمة فسقط شعره أو ذهبت إحدى
عينيه وذلك لا يضر بالخدمة لم يثبت الخيار، كذا في " الإيضاح ".
وفي " الفتاوى الصغرى " و" التتمة ": إذا سقط حائط أو انهدم بيت من الدار
المستأجرة للمستأجر أن يفسخ، ولا يملك الفسخ بغيبة المالك بالإجماع، لأن
هذا رد بالعيب وذلك لا يصلح إلا بحضرة المالك بالإجماع وإنما الخلاف في
الرد بخيار الشرط. وإن انهدمت الدار كلها فله الفسخ من غير حضرة المالك،
لكن الإجارة لا تنفسخ ما لم يفسخ، لأن الانتفاع بالعرصة ممكن وإليه ذهب
خواهر زاده.
وفي إجارات شمس الأئمة: إذا انهدمت الدار كلها فالصحيح أنه لا تنفسخ
الإجارة، لكن سقط الأجر عنه فسخ أو لم يفسخ. وإذا استأجر أرضا للزراعة فزرع
فاصطلمه آفة وجب أجر ما مضى وسقط أجر ما بعد الاصطلام.
م: (لأن المعقود عليه المنافع) ش: هذا دليل على المذكور. وقيل: هذا دفع
شبهة ترد على الإجارة من جانب البيع، وهي أن يقال: إن عقد الإجارة عقد لازم
كالبيع، والعيب الحادث في البيع بعد قبض المشتري لا يثبت الرد، فكان ينبغي
أن لا يرد في الإجارة بعد القبض أيضا.
فأجاب عنه بقوله: لأن المعقود عليه المنافع م: (وإنها توجد شيئا فشيئا) ش:
يعني شيئا بعد شيء، وكل ما كان كذلك فكل جزء منه بمنزلة الابتداء م: (فكان
هذا عيبا حادثا قبل القبض) ش: وإن كان بعد القبض صورة م: (فيوجب الخيار) ش:
أي إذا كان الأمر كذلك فيوجب الخيار م (كما في البيع) ش: فإنه إذا حدث فيه
العيب قبل القبض ينفرد المشتري بالفسخ كذلك هنا، وعلى هذا لا فرق بين أن
يكون العيب حادثا بعد قبض المستأجر أو قبله؛ لأن الذي حدث بعد
(10/341)
وإن فعل المؤجر ما أزال به العيب فلا خيار
للمستأجر لزوال سببه. قال: وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة أو انقطع
الماء عن الرحى انفسخت الإجارة؛ لأن المعقود عليه قد فات وهي المنافع
المخصوصة قبل القبض فشابه فوت المبيع قبل القبض وموت العبد المستأجر. ومن
أصحابنا من قال: إن العقد لا ينفسخ؛ لأن المنافع قد فاتت على وجه يتصور
عودها فأشبه الإباق في البيع قبل القبض. وعن محمد أن الآجر لو بناها ليس
للمستأجر أن يمتنع ولا للآجر وهذا تنصيص منه على أنه لم ينفسخ لكنه يفسخ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قبض المتسأجر كان قبل قبض المعقود عليه وهو المنافع.
م: (ثم المستأجر إذا استوفى المنفعة فقد رضي بالعيب فيلزمه جميع البدل) ش:
وبه قال الشافعي في الأظهر ومالك وأحمد. وقال الشافعي في وجه: لا يلزمه
جميع الأجر م: (كما في البيع) ش: إذا رضي بالعيب لا يرجع بالنقصان كذلك
هاهنا إذا رضي بالعيب لا يكون له أن ينقص في أجرة الدار شيئا في مقابلة
العيب م: (وإن فعل المؤجر ما أزال به العيب) ش: بأن أصلح في الدار
المستأجرة ما كان يضر بالسكنى م: (فلا خيار للمستأجر لزوال سببه) ش: أي سبب
الخيار وهو العيب المضر بالسكنى قبل فسخ العقد.
م: (قال: وإذا خربت الدار أو انقطع شرب الضيعة) ش: بكسر الشين م: (أو انقطع
الماء عن الرحى انفسخت الإجارة) ش: وبه قالت الثلاثة. وعن بعض أصحاب أحمد
والشافعي - رحمهما الله - في الأرض التي انقطع ماؤها لم تنفسخ الإجارة كما
قاله بعض أصحابنا على ما يجيء الآن إن شاء الله تعالى م: (لأن المعقود عليه
قد فات وهو المنافع المخصوصة قبل القبض فشابه فوت المبيع قبل القبض وموت
العبد المستأجر) ش: بفتح الجيم.
م: (ومن أصحابنا من قال) ش: أراد بذلك شيخ الإسلام وشمس الأئمة السرخسي
وغيرهما فإنهم قالوا م: (إن العقد لا ينفسخ لأن المنافع قد فاتت على وجه
يتصور عودها) ش: لأن أصل الموضع مسكن بعد انهدام البناء ويتأتى فيه السكنى
بنصف فسطاط، وفي انقطاع الماء لو فاتت من كل وجه لكنه يحتمل العود م:
(فأشبه الإباق في البيع قبل القبض) ش: وذلك لا يوجب الانفساخ.
واستدل هؤلاء على صحة ما ذهبوا إليه بما روى هشام عن محمد - رَحِمَهُ
اللَّهُ -، وأشار إليه المصنف بقوله م: (وعن محمد أن الآجر لو بناها ليس
للمستأجر أن يمتنع ولا للآجر) ش: يعني لو استأجر بيتا فانهدم ثم بناه الآجر
فليس للمستأجر أن يمتنع من القبض ولا للآجر.
م: (وهذا تنصيص منه) ش: أي هذا الذي رويتنصيص عن محمد م: (على أنه) ش: أي
على أن عقد الإجارة م: (لم ينفسخ، لكنه يفسخ) ش: يستحق الفسخ. وقال في "
الكافي ": وهو
(10/342)
ولو انقطع ماء الرحى والبيت مما ينتفع به
لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته؛ لأنه جزء من المعقود عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الأصح وأما من قال بأنها تنفسخ فإنهم أيضا استدلوا على ذلك بما ذكره محمد
في كتاب البيوع، ولو سقطت الدار فله أن يخرج سواء كان صاحب الدار حاضرا أو
غائبا فهذا إشارة إلى الانفساخ بمجرد الانهدام حيث ما شرط حضرة صاحبها،
لأنه رد بعيب، وهو لا يصلح إلا بحضرة المالك بالإجماع.
وفي " الغاية ": والذي قال ينفسخ بانهدام ثم يعود بالبناء، ومثله جائز كما
في الشاة المبيعة إذا ماتت في يد البائع ينفسخ العقد، ثم إذا دبغ جلدها
يعود القدر بقدرها فكذا هذا، وهذا بخلاف السفينة إذا انقضت وصارت ألواحا ثم
ركبت وأعيدت سفينته لم يجبر على تسليمها إلى المستأجر؛ لأن السفينة بعد
النقض إذا أعيدت صارت سفينة أخرى، ألا ترى أن من غصب ألواحا وجعلها سفينة
ينقطع حق المالك، فأما عرصة الدار لا تتغير بالبناء عليها.
[انقطع ماء الرحى والبيت المؤجر مما ينتفع به
لغير الطحن]
م: (ولو انقطع ماء الرحى والبيت مما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر
بحصته، لأنه جزء من المعقود عليه) ش: هذا أورده تشبيها بالدابة على أنه لا
ينفسخ بانقطاع الماء.
وفي الأصل إذا انقطع ماء الرحى ينفسخ ويثبت الخيار للعاقد، فإن لم ينفسخ
حتى عاد الماء لزمه الإجارة فيما بقي من الشهر لزوال الموجب للفسخ ويرفع
الأجر عنه بحساب ذلك، أي بحساب ما انقطع إنما في المدة، ولو لم يفسخها ومضت
المدة فلا أجر عليه في ذلك. ولو نقص ماء الرحى إن كان النقصان فاحشا فله حق
الفسخ وإلا فلا، لأن مدة الإجارة لا تخلو عن نقصان غير فاحش غالبا ويخلو عن
نقصان فاحش.
قال القدوري في " شرحه ": إذا صار يطحن أقل من نصف طحنه - فهو فاحش - وفي "
الخلاصة " قال الناطفي: إذا طحن نصف ما كان يطحن فللمستأجر رده أيضا. ولو
لم يرد حتى طحن نصف ما كان يطحن، فللمستأجر رده أيضا، ولو لم يرده حتى طحن
كان هذا رضى منه وليس له أن يرد الرحى بعد ذلك، ثم في " الخلاصة " وهذه
الرواية تخالفه رواية القدوري أن من استأجر رحى ستة أشهر فأمسك الرحى حتى
مضت السنة فعليه أجر ستة أشهر، وإن كان البيت ينتفع به لغير الطحن فعليه من
الأجر بحصته. ولو استأجر عبدا فمرض فهو كالرحى.
وفي " الشمائل ": انكسار أحد الحجرين عذرا فإن أصلح رب الرحى قبل الفسخ لا
ينفسخ. وفي شرح " الكافي ": فإن انقطع الماء عن الرحى فلم يعمل رفع عنه من
الأجر بحساب ذلك، له أن ينقض الإجارة، فإن لم ينقضها حتى عاد الماء لزمته
الإجارة وإن اختلفا في مقدار الانقطاع فالقول قول المستأجر، لأنه ينكر تقرر
الأجر عليه.
(10/343)
قال: وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد
الإجارة لنفسه انفسخت؛ لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة له أو
الأجرة المملوكة له لغير العاقد مستحقة بالعقد؛ لأنه ينتقل بالموت إلى
الوارث وذلك لا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولو قال المؤجر لم ينقطع الماء وقال المستأجر قد انقطع بحكم الحال فيكون
انقطاعه وجريانه في الحال دليلا على الماضي، لأن الحال يصلح دليلا على
الماضي عند الاشتباه.
[موت أحد المتعاقدين في عقد الإجارة]
م: (قال: وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد) ش: أي والحال أنه قد عقد م:
(الإجارة لنفسه انفسخت) ش: أي الإجارة، وبه قال الثوري والليث. وقالت
الثلاثة وأبو ثور وإسحاق لا تنفسخ والإجارة بحالها، ويقوم وارثها مقامها
سواء مات أحدهما أو كلاهما، لأن المنافع كالأعيان عندهم، والعقد لازم فلا
ينفسخ بموت العاقد كما لو زوج أمته ثم مات.
م: (لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة المملوكة له أو الأجرة المملوكة له
لغير العاقد مستحقة بالعقد) ش: أي حال كونها مستحقة بالعقد، والدليل على
صيرورتها لغير العاقد مع كون الاستحقاق بالعقد وهو قوله م: (لأنه ينتقل
بالموت) ش: التحقيق هنا أن يجعل الضمير في أنه إلى ما يتركه الميت، ويراد
بالموت موت المورث، والمعنى لأن الذي يتركه الميت ينتقل بالموت م: (إلى
الوارث) ش: ثم يرتب الحكم على هذا عند موت المؤجر، أو مات المستأجر، أما
إذا مات المؤجر فقد انتقلت رقبة الدار إلى الوارث والمستحق عن المنافع التي
حدثت على ملكه فقد فات بموته فبطلت الإجارة لفوات المعقود عليه، لأن بعد
موته تحدث المنفعة على ملك الوارث.
واما إذا مات المستأجر فلو بقي العقد لبقي على أن يخلفه الوارث وذا لا
يتصور، لأن المنفعة الموجودة في حياته تلاشت فكيف يورث المعدوم، والتي تحدث
ليست بمملوكة له ليخلفه الوارث فيها إذ الملك لا يسبق الوجود، وإذا ثبت
انتفاء الإرث تعين بطلان العقد.
م: (وذلك لا يجوز) ش: أي صيرورة المنفعة المملوكة أو الأجرة المملوكة لغير
العاقد حال كونها مستحقة بالعقد لا يجوز، وذكر اسم الإجارة باعتبار كون ذلك
وهو عبارة عن الصيرورة التي دل عليها قوله: تصير المنفعة، ولا يشكل ما ذكره
بما إذا استأجر دابة إلى مكان معين فمات صاحب الدابة في وسط الطريق حيث لا
تنفسخ الإجارة، وللمستأجر أن يركبها إلى المكان المسمى بالأجر فقد مات أحد
المتعاقدين، وقد عقد لنفسه ولم ينفسخ العقد، لأن ذلك للضرورة فإنه يخاف على
نفسه وماله حيث لا يجد دابة أخرى في وسط المفازة، ولا يكون ثمة قاض يرفع
الأمر إليه فيستأجر الدابة منه.
حتى قال بعض المشايخ: إن وجد ثمة دابة أخرى يحمل عليها متاعه تنتقض
الإجارة. وكذا لو مات في موضع فيه قاض تنتقض الإجارة لعدم الضرورة، وكان
عدم الانفساخ
(10/344)
وإن عقدها لغيره لم تنفسخ مثل الوكيل
والوصي والمتولي في الوقف لانعدام ما أشرنا إليه من المعنى.
قال: ويصح شرط الخيار في الإجارة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا
يصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالاستحسان الضروري، والمستحسن لا يورد الانقضاء على القياس، كذا في "
المبسوط " و" الذخيرة ".
ونوقض أيضا بموت الكل فإنه ينفسخ بموته مع أنه غير العاقد.
وأجيب: بأن المراد بالعاقد من وقع لأجله العقد، حتى لو كان العقد لغيره
كالوكيل والأب والوصي والمتولي في الوقت لا ينفسخ العقد بموته لبقاء
المستحق عليه، وقيل في جوابه وهو أحسن وهو أنا قد قلنا إن كل ما مات العاقد
لنفسه انفسخ ولم تلتزم بأن كلما انفسخ يكون بموت العاقد، لأن العكس غير
لازم في مثله.
وفي " الخلاصة ": أحد المتعاقدين لو جن جنونا مطبقا لا تنفسخ الإجارة. وفي
الأجناس إذا أجر الأب أرض ابنه الصغير أو الوصي ومات لا تبطل الإجارة،
وكذلك لا تبطل إجارة الظئر بموت والد الصبي الذي استأجرها، ويبطل بموت
الصبي والمستأجرة. وقال الكرخي في " مختصره ": وإن مات الظئر قبل المدة أو
مات الصبي انتقضت الإجارة وكان لها من الأجر بحسب ما مضى من المدة قبل
الموت.
وفي " الأجناس ": لو أجر الواقف ثم مات قبل انقضاء المدة لا تبطل الإجارة.
وفي " الذخيرة ": القياس أن يبطل وبه أخذ أبو بكر الإسكاف. وفي الاستحسان
لا تبطل؛ لأنه أجر لغيره كالوكيل. وفي " الأجناس ": ولو مات رب الإبل في
بعض طريق المفازة للمستأجر أن يركبها على حاله وعليه الكرى المسمى إلى أن
يأتي مكة فيدفع ذلك إلى القاضي، فإن شاء سلم له الكرى إلى الكوفة، وإن شاء
فسخ الإجارة.
وفي كتاب " الشروط " لمحمد بن الحسن: لو مات المكاري في مصر من الأمصار
وركب المستأجر ضمن إن هلك الإبل إلا بإذن القاضي.
م: (وإن عقدها) ش: أي الإجارة م: (لغيره لم تنفسخ مثل الوكيل والوصي
والمتولي في الوقف لانعدام ما أشرنا إليه من المعنى) ش: وفي بعض النسخ
لانعدام ما ذكرنا، وأراد به قوله: لأنه لو بقي العقد تصير المنفعة
المملوكة.... إلى آخره.
[شرط الخيار في الإجارة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويصح شرط الخيار في الإجارة) ش: ويعتبر ابتداء
المدة من وقت سقوط الخيار وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وقال
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يصح) ش: شرط الخيار، وله في ثبوت خيار
المجلس وجهان. ولو كانت الإجارة على عمل معين ففيه ثلاثة أوجه: في وجه لا
يثبت فيها الخياران وفي وجه يثبت خيار المجلس لا خيار الشرط، كذا
(10/345)
لأن المستأجر لا يمكنه رد المعقود عليه
بكماله لو كان الخيار له لفوات بعضه، ولو كان للمؤاجر فلا يمكنه التسليم
أيضا على الكمال، وكل ذلك يمنع الخيار. ولنا أنه عقد معاملة لا يستحق القبض
فيه في المجلس فجاز اشتراط الخيار فيه كالبيع، والجامع بينهما دفع الحاجة
وفوات بعض المعقود عليه في الإجارة لا يمنع الرد بخيار العيب، فكذا بخيار
الشرط، بخلاف البيع وهذا لأن رد الكل ممكن في البيع دون الإجارة، فيشترط
فيه دونها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في " الحلية ".
م: (لأن المستأجر لا يمكنه رد المعقود عليه بكماله لو كان الخيار له لفوات
بعضه) ش: أي بعض المعقود عليه، لأن بعضه فات في مدة الخيار، فلا يتمكن من
رد كل المعقود عليه، مع أن رد الكل مستحق بالخيار، فإذا لم يتمكن بطل.
م: (ولو كان) ش: الخيار م: (للمؤاجر فلا يمكنه التسليم أيضا على الكمال) ش:
لفوات بعضه في مدة الخيار، فصار كما لو تلف بعض المبيع في يد البائع إذا
باع، بشرط الخيار م: (وكل ذلك) ش: يعني من عدم إمكان رد المعقود عليه
بكماله إذا كان الخيار للمستأجر، وعدم إمكان التسليم أيضا على الكمال إذا
كان الخيار للمؤجر م: (يمنع بالخيار) ش: أي ثبوته.
م: (ولنا أنه) ش: أي أن عقد الإجارة م: (عقد معاملة) ش: احترز به عن النكاح
فإن مطلق المعاملة تنصرف إلى المعاوضات التي يلحقها الفسخ بالإقالة.
وفي بعض النسخ عقد مقابلة أي معاوضة م: (لا يستحق القبض فيه في المجلس) ش:
احترز به عن الصرف والسلم، فإن قبض البدل شرط فيهما، فلهذا لم يجز الخيار
فيهما م: (فجاز اشتراط الخيار فيه) ش: أي عقد الإجارة.
م: (كالبيع) ش: أي كما يجوز شرط الخيار في البيع م: (والجامع بينهما) ش: أي
بين الإجارة والبيع، وأشار به إلى وجه القياس وهو م: (دفع الحاجة) ش: فإنه
لما كان عقد معاملة يحتاج إلى التروي لئلا يقع فيه الغبن.
وأثبت الشارع فيه الخيار دفعا لهذه الحاجة، فكذلك الإجارة، لأنه يغبن فيها،
فشرع الخيار دفعا للغرور ومنعا للزوم.
[فوات بعض المعقود عليه في الإجارة]
م: (وفوات بعض المعقود عليه في الإجارة لا يمنع الرد بخيار العيب) ش:
بالإجماع م: (فكذا) ش: لا يمنع الرد م: (بخيار الشرط، بخلاف البيع) ش:
متعلق بقوله وفوات بعض المعقود عليه في البيع يمنع الرد دون الإجارة م:
(وهذا) ش: أي الفرق بين البيع والإجارة م: (لأن رد الكل ممكن في البيع دون
الإجارة فيشترط) ش: أي رد الكل م: (فيه) ش: أي في البيع م: (دونها) ش: أي
(10/346)
ولهذا يجبر المستأجر على القبض إذا سلم
المؤجر بعد مضي بعض المدة. قال: وتفسخ الإجارة بالأعذار عندنا. وقال
الشافعي: لا تفسخ إلا بالعيب. لأن المنافع عنده بمنزلة الأعيان حتى يجوز
العقد عليها فأشبه البيع، ولنا أن المنافع غير مقبوضة وهي المعقود عليها،
فصار العذر في الإجارة كالعيب قبل القبض في البيع فتفسخ به، إذ المعنى
يجمعهما وهو عجز العاقد عن المضي في موجبه إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به،
وهذا هو معنى العذر عندنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دون الإجارة.
وفي بعض النسخ دونه أي دون عقد الإجارة لما أن التكليف بحسب الوسع والطاقة
م: (ولهذا) ش: أي ولكون رد الكل ممكنا في البيع دون الإجارة م: (يجبر
المستأجر على القبض إذا أسلم المؤجر بعد مضي بعض المدة) ش: لأن التسليم
بكماله غير ممكن، وهذا عندنا خلافا للشافعي، فعنده لا يجبر وللمستأجر الفسخ
في باقي المدة.
صورته أن يستأجر دارا سنة حتى مضى شهرا ثم تحاكما لم يكن للمستأجر أن يمتنع
من القبض في باقي السنة عندنا ولا للمؤجر أن يمنعه من ذلك. وقال الشافعي:
للمستأجر أن يفسخ العقد فيما بقي بناء على أصله أن المنافع في حكم الأعيان،
فبفوات بعض ما يتناوله العقد يخير فيما بقي لاتحاد الصفة، وعندنا عقد
الإجارة في حكم عقود متفرقة فلا يمكن تفرق الصفقة مع تفرق المعقود.
[فسخ الإجارة بالأعذار]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتفسخ الإجارة بالأعذار عندنا) ش: وعند شريح
تفسخ بعذر وبغير عذر، وبه قال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإن
الإجارة عندهما عقد غير لازم لا عقد على المعدوم فلا يتعلق به اللزوم
كالعارية.
م: (وقال الشافعي: لا تفسخ إلا بالعيب) ش: وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور م:
(لأن المنافع عنده بمنزلة الأعيان حتى يجوز العقد عليها) ش: أي على المنافع
كما يجوز على الأعيان م: (فأشبه البيع) ش: كما أن البيع لا يفسخ إلا
بالعيب، فكذا الإجارة.
م: (ولنا أن المنافع غير مقبوضة وهي المعقود عليها، فصار العذر في الإجارة
كالعيب قبل القبض في العيب فتفسخ به) ش: أي بالعذر م: (إذ المعنى) ش:
المجوز للفسخ م: (يجمعهما) ش: أي يجمع الإجارة والبيع جميعا م: (وهو) ش: أي
المعنى الجامع م: (عجز العاقد عن المضي في موجبه) ش: أي في موجب العقد م:
(إلا بتحمل ضرر زائد لم يستحق به) ش: أي بالعقد م: (وهذا هو معنى العذر
عندنا) ش: فإن جواز هذا العقد
للحاجة
ولزومه لتوفير المنفعة على المتعاقدين، فإذا آل الأمر إلى الضرر أخذنا فيه
بالقياس.
(10/347)
وهو كمن استأجر حدادا ليقلع ضرسه لوجع به
فسكن الوجع، أو استأجر طباخا ليطبخ له طعام الوليمة فاختلعت منه تفسخ
الإجارة؛ لأن في المضي عليه إلزام ضرر زائد لم يستحق بالعقد،
وكذا من استأجر دكانا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله، وكذا إذا أجر دكانا أو
دارا ثم أفلس ولزمته ديون لا يقدر على قضائها إلا بثمن ما أجر فسخ القاضي
العقد وباعها في الديون؛ لأن في الجري على موجب العقد إلزام ضرر زائد لم
يستحق بالعقد وهو الحبس؛ لأنه قد لا يصدق على عدم مال آخر. ثم قوله فسخ
القاضي العقد إشارة إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض، وهكذا ذكر في
الزيادات في عذر الدين. وقال في " الجامع الصغير ": وكل ما ذكرنا أنه عذر
فإن الإجارة فيه تنتقض، وهذا يدل على أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي.
ووجهه أن هذا بمنزلة العيب قبل القبض في المبيع على ما مر، فيتفرد العاقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهو) ش: أي العذر، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - محجوج بهذه المسائل
م: (كمن استأجر حدادا) ش: أراد به قلاع السن وهو الذي يسمى المزين في عرف
أهل مصر وإطلاق الحداد عليه باعتبار تلك البلاد، فإن عندهم لا يقلع السن
غالبا إلا الحداد م: (ليقلع ضرسه لوجع به) ش: أي لأجل وجع كائن بالضرس.
م: (فسكن الوجع) ش: فإن الإجارة تنفسخ فيه م: (أو استأجر طباخا ليطبخ له
طعام الوليمة) ش: أي العرس م: (فاختلعت منه) ش: أي فاختلعت المرأة من
الرجوع أو ماتت المرأة، فإن الإجارة تنفسخ فيه أيضا بالإجماع م: (تنفسخ
الإجارة، لأن في المضي عليه) ش: أي على العقد م: (إلزام ضرر زائد لم يستحق
بالعقد) ش: فيثبت له حق الفسخ دفعا لذلك الضرر.
[استأجر دكانا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله]
م: (وكذا من استأجر دكانا في السوق ليتجر فيه فذهب ماله، وكذا إذا أجر
دكانا أو دارا ثم أفلس ولزمته ديون لا يقدر على قضائها إلا بثمن ما أجر فسخ
القاضي العقد وباعها في الديون، لأن في الجري على موجب العقد إلزام ضرر
زائد لم يستحق بالعقد وهو الحبس) ش: أي ذلك الضرر الزائد هو الحبس، لأنه
إذا بقيت الإجارة مع ذلك يحبسه القاضي لقضاء الدين والحبس ضرر زائد م:
(لأنه قد لا يصدق على عدم مال آخر) ش: لا سيما إذا كانت له عقار مستأجر.
م: (ثم قوله) ش: أي قول القدوري في " مختصره " م: (فسخ القاضي العقد إشارة
إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض وهكذا ذكر) ش: أي محمد م: (في
الزيادات في عذر الدين. وقال في " الجامع الصغير ": وكل ما ذكرنا أنه عذر
فإن الإجارة فيه تنتقض، وهذا يدل على أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي،
ووجهه) ش: أي وجه ما ذكرنا في " الجامع الصغير ".
م: (أن هذا بمنزلة العيب قبل القبض في المبيع على ما مر) ش: في البيع وغيره
م: (فيفرد العاقد
(10/348)
بالفسخ. ووجه الأول أنه فصل مجتهد فيه فلا
بد من إلزام القاضي. ومنهم من وفق فقال: إن كان العذر ظاهرا لا يحتاج إلى
القضاء، وإن كان غير ظاهر كالدين محتاج إلى القضاء لظهور العذر. ومن استأجر
دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر فهو عذر؛ لأنه لو مضى على موجب العقد
يلزمه ضرر زائد؛ لأنه ربما يذهب للحج فذهب وقته، أو لطلب غريمه فحضر أو
للتجارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالفسخ، ووجه الأول) ش: وهو الذي ذكره القدوري م: (أنه فصل مجتهد فيه) ش:
لأن فيه خلاف الشافعي ومالك وأحمد م: (فلا بد من إلزام القاضي) ش: ليرتفع
الخلاف.
م: (ومنهم) ش: أي ومن المشايخ م: (ومن وفق) ش: أي بين روايتي الجامع الصغير
والزيادات م: (فقال إن كان العذر ظاهرا) ش: بأن اختلفت المرأة أو ماتت فيما
إذا استأجر لطبخ طعام الوليمة، أو مات الولد إذا استأجره ليختنه أو برأت
يدًا إذا استأجر لقطعها من الأكلة أو سكن وجع سنه إذا استأجر لقلعه م: (لا
يحتاج إلى القضاء، وإن كان غير ظاهر كالدين يحتاج إلى القضاء لظهور العذر)
ش: أي لأن يظهر العذر، وصحح المحبوبي وقاضي خان هذا وصحح شمس الأئمة ما ذكر
في الزيادات.
ثم اختلفوا في فسخ القاضي:
قيل: يبيع الدار فينفذ البيع فتفسخ الإجارة ضمنا، وإنما لا ينقض قصدا، لأنه
لو نقضها قصدا أو بما لا يتفق المبيع فيكون النقض إبطالا لحق المستأجر
قصدا، وأنه لا يجوز.
وقيل: يفسخ الإجارة ثم يبيع الدار.
وفي " الذخيرة ": ولو أظهر المستأجر في الدار الشر كشرب الخمر وأكل الربا
والزنا واللواطة يؤمر بالمعروف، وليس للمؤجر ولا لجيرانه أن يخرجوه من
الدار وذلك لا يصير عذرا في فسخ الإجارة، ولا خلاف للأئمة الأربعة في
الجواهر إن رأى السلطان أن يخرجه فعل.
وقال ابن حبيب: لو أظهر الفسق في دار نفسه ولم يمتنع بالأمر بالمعروف،
ويقول داري أنا آتي فيها ما أريد، تباع عليه داره.
[استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر]
م: (ومن استأجر دابة ليسافر عليها ثم بدا له من السفر) ش: يقال: بدا لي في
هذا الأمر بَداءٌ أي تغير رأيي عما كان عليه، وفلان ذو بدوات إذا بدا له
الرأي بعد الرأي، كذا في " المجمل ".
وقال ابن دردي: بدا لي الشيء وبدا إذا ظهر، وبدا لي في الأمر إذا ضربت عبد
بدو أو بداء، كذا في " الجمهرة " م: (فهو عذر، لأنه لو مضى على موجب العقد
يلزمه ضرر زائد، لأنه ربما يذهب للحج) ش: وفي بعض النسخ إلى الحج م: (فذهب
وقته أو لطلب غريمه) ش: أي أو كان استأجر دابة ليذهب بطلب غريمه م: (فحضر)
ش: إلى غريمه م: (أو للتجارة) ش: أي أو استأجر دابة
(10/349)
فافتقر. وإن بدا للمكاري فليس ذلك بعذر؛
لأنه يمكنه أن يقعد ويبعث الدواب على يد تلميذه أو أجيره. ولو مرض المؤاجر
فقعد فكذلك الجواب على رواية الأصل. وذكر الكرخي أنه عذر لأنه لا يعرى عن
ضرر فيدفع عنه عند الضرورة دون الاختيار. ومن أجر عبده ثم باعه فليس بعذر
لأنه لا يلزمه الضرر بالمضي على موجب العقد، وإنما يفوته الاسترباح وإنه
أمر زائد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ليتجر عليها م: (فافتقر، وإن بدا للمكاري فليس ذلك بعذر، لأنه يمكنه أن
يقعد ويبعث الدواب على يد تلميذه أو أجيره، ولو مرض المؤاجر) ش: أراد به
المكاري م: (فقعد) ش: عن المضي م: (فكذلك الجواب على رواية الأصل) ش: يعني
كذلك ليس بعذر، لأنه يمكنه أن يرسل من يتبع هذه الغاية.
م: (وذكر الكرخي أنه عذر، لأنه لا يعرى عن ضرر فيدفع عنه عند الضرورة) ش:
فهي كالمرض م: (دون الاختيار) ش: نحو ما بدا له عن السفر بتغير رأيه م:
(ومن أجر عبده ثم باعه فليس بعذر، لأنه لا يلزمه الضرر بالمضي على موجب
العقد) ش: وهو إبقاؤه، وما لزمه إلا قدر ما التزمه عند العقد وهو الحجر على
نفسه من التصرف في المستأجر إلى انتهاء المدة.
م: (وإنما يفوته الاسترباح) ش: بأن يتصرف فيه قبل مضي المدة م: (وإنه) ش:
أي الاسترباح م: (أمر زائد) ش: إذ لو نقضنا الإجارة به لما سلمت إجارة أبدا
ولبطلت حوائج الناس، ثم هل يجوز هذا البيع؟.
اختلفت الرويات فيه، قال شمس الأئمة: والصحيح من الرواية أن البيع موقوف
على سقوط حق المستأجر وليس للمستأجر أن يفسخ البيع، وإليه مال الصدر
الشهيد، حتى لو قال ينبغي أن يكتب المفتي في جوابه لا يجوز في حق المستأجر
ولو جاز أيام الفسخ ينفذ البيع وتنفسخ الإجارة.
وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول ومالك: ويصح البيع من المستأجر
دون غيره. وقال في " مختصر الطحاوي " ومن أجر داره ثم باعها قبل انقضاء
المدة فيها ونقض البيع عليه فيها فإن بعضه كان منتقضا ولم يعد بعد ذلك، وإن
لم ينقضه حتى فرغت الدار من الأجرة تم ذلك البيع فيها وهو قول أبي يوسف -
رَحِمَهُ اللَّهُ - القديم.
وروى عنه أصحاب " الإملاء " أنه قال: لا سبيل للمستأجر إلى نقض البيع فيها
والإجارة فيها كالعيب فيها، فإن كان المشتري عالما به فقد برئ البالغ منه
وللمشتري قبض الدار بعد انقضاء الإجارة فيها، وإن لم يكن علم بذلك كان
بالخيار إن شاء نقض البيع فيها للعيب الذي وجده بها، وإن شاء أمضاه.
(10/350)
قال: وإذا استأجر الخياط غلاما فأفلس وترك
العمل فهو عذر؛ لأنه يلزمه الضرر بالمضي على موجب العقد لفوات مقصوده، وهو
رأس ماله وتأويل المسألة خياط يعمل لنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ومن أجر دارا ثم باعها قبل انقضاء مدة
الإجارة فإن البيع جائز فيما بين البائع والمشتري، حتى إن المدة لو انقضت
كان البيع لازما للمشتري، وليس له أن يمنع عن الأخذ إلا إذا طالب المشتري
البائع بالتسليم قبل انقضاء مدة الإجارة فلم يمكنه ذلك وفسخ القاضي العقد
فيما بينهما، فإنه لا يعود جائزا بمضي المدة. ولو أن المستأجر أجاز البيع
جاز وبطلت الإجارة فيما بقي من المدة. ولو فسخ فإنه لا ينفسخ البيع بينهما
حتى إن المدة إذا انقضت كان للمشتري أن يأخذه، هذا في ظاهر الرواية.
وروى الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ
- أن المستأجر له أن ينقض البيع، فإذا نقض البيع فإنه لا يعود. وروي عن أبي
يوسف أنه قال ليس للمستأجر نقض البيع والإجارة فيها كالعيب، وقد ذكرنا حكمه
الآن. ولو آجر داره من رجل ثم أجرها من آخر فإن عقد الثاني يكون موقوفا على
إجارة المستأجر الأول فإن أبطله بطل، بخلاف البيع فإن هناك إن أبطله لم
يبطل.
والفرق أن عقد الإجارة على المنفعة وهي مملوكة للمستأجر الأول، فإن أجاز
مالكها جاز وإلا لا، وأما البيع فإنما يقع على العين وهي مملوكة للمؤجر،
إلا أن للغير حقا فيه فإن زال حق الغير نفذ البيع. ولو أجاز المستأجر الأول
الإجارة الثانية صحت الإجارة الثانية، والأجرة للمستأجر الأول. ولا تكون
لصاحب الدار، بخلاف البيع، لأن هناك الثمن لصاحب الملك، والفرق ما ذكرنا،
وبالإجارة لا ينفسخ عقد المستأجر الأول ما لم تمض مدة الثاني فإذا مضت
فحينئذ تنقضي المدتان جميعا إن كانت مدتهما واحدة، وإن كانت مدة الثاني
أطول من مدة الأول فللأول أن يسكن الدار حتى تتم المدة.
وكذلك لو رهنها المؤجر قبل انقضاء مدة الإجارة والعقد جائز فيما بينه وبين
المرتهن ولكن للمستأجر أن يحبس إلى أن تنقضي مدته، ولو رهن داره من رجل
وقبضها المرتهن ثم باعها الراهن من آخر فالعقد جائز بين البائع والمشتري.
وفي حق المرتهن لا يجوز، وله أن يحبسه حتى يستوفي ماله، فإذا أمسكها الراهن
يسلم الدار إلى المشتري، إلا أن هاهنا إذا أجر المرتهن جاز ويسلم الدار إلى
المشتري والثمن يكون رهنا مكان الدار، لأن له حق حبس العين، وكذا بدله.
[استأجر الخياط غلاما فأفلس وترك العمل]
م: (قال: وإذا استأجر الخياط غلاما فأفلس وترك العمل فهو عذر، لأنه يلزمه
الضرر بالمضي على موجب العقد لفوات مقصوده وهو رأس ماله، وتأويل المسألة
خياط يعمل لنفسه) ش: بأن يشتري
(10/351)
أما الذي يخيط بأجر فرأس ماله الخيط
والمخيط والمقراض فلا يتحقق الإفلاس فيه. وإن أراد ترك الخياطة وأن يعمل في
الصرف فهو ليس بعذر؛ لأنه يمكنه أن يقعد الغلام للخياطة في ناحية وهو يعمل
في الصرف في ناحية، وهذا بخلاف ما إذا استأجر دكانا للخياطة فأراد أن
يتركها ويشتغل بعمل آخر حيث جعله عذرا ذكره في الأصل؛ لأن الواحد لا يمكنه
الجمع بين العملين، أما هاهنا العامل شخصان فأمكنهما.
ومن استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم سافر فهو عذر؛ لأنه لا يعرى عن إلزام
ضرر زائد؛ لأن خدمة السفر أشق، وفي المنع من السفر ضرر، وكل ذلك لم يستحق
بالعقد فيكون عذرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثياب ويخيطها ويبيعها كما هو عرف أهل الكوفة م: (أما الذي يخيط بأجر فرأس
ماله الخيط والمخيط) ش: بكسر الميم وهو اسم للآلة التي يخاط بها الثياب.
م: (والمقراض) ش: بكسر الميم اسم للآلة التي يقطع بها الثياب من القرض وهو
القطع، وسمي المقص أيضا م: (فلا يتحقق الإفلاس فيه) .
ش: قيل: ويتحقق إفلاسه بأن تظهر خيانته عند الناس فيمتنعون عن تسليم الثياب
إليه، أو يلحقه ديون كثيرة ويصير بحيث إن الناس لا يأتمنونه على أمتعتهم.
م: (وإن أراد ترك الخياطة وأن يعمل في الصرف فهو ليس بعذر، لأنه يمكنه أن
يقعد الغلام للخياطة في ناحية وهو يعمل في الصرف في ناحية. وهذا بخلاف ما
إذا استأجر دكانا للخياطة فأراد أن يتركها ويشتغل بعمل آخر حيث جعله) ش: أي
جعله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (عذرا ذكره في الأصل) ش: أي في "
المبسوط ".
م: (لأن الواحد لا يمكنه الجمع بين العملين، أما هاهنا) ش: أي في مسألة ترك
الخياطة وإرادة عمل الصرف م: (العامل شخصان) ش: أحدهما المستأجر والآخر
الغلام المستأجر م: (فأمكنهما) ش: العمل لعدم التعذر.
[استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم سافر]
م: (ومن استأجر غلاما ليخدمه في المصر ثم سافر فهو) ش: أي سفره م: (عذر) ش:
فتفسخ به الإجارة م: (لأنه لا يعرى عن إلزام ضرر زائد، لأن خدمة السفر أشق.
وفي المنع من السفر ضرر، وكل ذلك لم يستحق بالعقد فيكون عذرا) ش: وفي "
الذخيرة ": لو قال المؤجر للقاضي: إنه لا يريد السفر ولكن يريد فسخ
الإجارة، وقال المستأجر: أريد السفر فيقول القاضي للمستأجر مع من تخرج؟،
فإن قال: مع فلان وفلان فالقاضي يسألهم أن فلانا هل يخرج معكم؟ وهل استعد
للخروج؟ فإن قالوا: نعم يثبت العذر وإلا فلا. وقيل القاضي يحكم بزيه
وثيابه. فإن كانت ثيابه ثياب سفر يجعله مسافرا وإلا فلا.
وقيل: لو أنكر المؤجر السفر فالقول له.
(10/352)
وكذا إذا أطلق لما مر أنه يتقيد بالحضر،
بخلاف ما إذا أجر عقارا ثم سافر؛ لأنه لا ضرر إذ المستأجر يمكنه استيفاء
المنفعة من المعقود عليه بعد غيبته، حتى لو أراد المستأجر السفر فهو عذر
لما فيه من المنع من السفر أو إلزام الأجر بدون السكنى وذلك ضرر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقيل: القاضي يحلف المستأجر بالله إنك عزمت على السفر وإليه مال القدوري
والكرخي. ولو أراد رب العبد السفر لا يكون ذلك عذرا.
م: (وكذا إذا أطلق) ش: أي إجارة العبد للخدمة قبل أن يقول استأجرت هذا
العبد للخدمة ولم يقل في الحضر أو في السفر لا يكون له أن يسافر به م: (لما
مر أنه يتقيد بالحضر) ش: أي لما مر في فصل إجارة العبد من أنه ليس له أن
يسافر به، إلا أن يشترط ذلك.
م: (بخلاف ما إذا أجر عقارا ثم سافر، لأنه لا ضرر، إذ المستأجر يمكنه
استيفاء المنفعة من المعقود عليه بعد غيبته، حتى لو أراد المستأجر السفر
فهو عذر لما فيه من المنع من السفر أو إلزام الأجر بدون السكنى وذلك ضرر)
ش: للمستأجر، والضرر مدفوع، والله أعلم.
(10/353)
مسائل منثورة
قال: ومن استأجر أرضا أو استعارها فأحرق الحصائد فاحترق شيء في أرض أخرى
فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد في هذا التسبيب، فأشبه حافر البئر في دار
نفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مسائل منثورة في الإجارة]
م: (مسائل منثورة) ش: مسائل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذه مسائل.
وقوله منثورة بالرفع صفة المسائل، وتقدم معنى النثر.
م: (قال: ومن استأجر أرضا أو استعارها فأحرق الحصائد) ش: وهو جمع حصيد وهو
الزرع المحصود، وأريد هاهنا ما يبقى من أصول الزرع المحصود في الأرض، وحصد
الزرع جزه من باب طلب وضرب م: (فاحترق شيء في أرض أخرى فلا ضمان عليه، لأنه
غير متعد في هذا التسبيب) ش: وفي بعض النسخ في هذا السبب فإنه مسبب لا
مباشر، والضمان بطريق التسبيب يعتمد التعدي في التسبيب م: (فأشبه حافر
البئر في دار نفسه) ش: فإن من حفر بئرا في ملكه فوقع فيها إنسان فهلك لا
يضمن.
ولو رمى سهما في ملكه فأصاب إنسانا أو مالا فهلك يضمن، لأنه مباشر فلم
يتوقف على التعدي، ولهذا، لأن المباشرة علة فلا يبطل حكمها بعذر، فأما
التسبيب فليس بعلة فلا بد من صفة العدوان ليلحق بالعلة، وإحراق الحصائد هنا
مباح وليس بتعد فلا يضاف التلف إليه.
ونقل صاحب " الأجناس " عن زيادات الأصل: لو وضع جمرا في الطريق فحركته
الريح فذهب به من ذلك الموضع فأحرق شيئا لم يضمن من قبل أنه قد تغير عن
حاله التي وضع عليها. وكذلك وإذا وضع حجرا.
وفي " الواقعات ": رجل أحرق شوكا أو بيتا في أرض، فذهبت الريح بالشرارات
إلى أرض جاره فأحرق أرضه، إن كانت النار تبعد من أرض الجار على وجه لا يصل
إليه شرر النار في العادة فلا ضمان عليه، لأن ذلك حصل بفعل النار وأنه
جبار، ولو كان أرضه على وجه يصل إليه شرر النار فإنه يضمن لأن له أن يوقد
النار في أرضه، ولكن على وجه لا يتعدى ضرره إلى أرض جاره، وهذا كما إذا سقى
أرض نفسه فتعدى إلى أرض جاره. وكذلك لو أن رجلا اتخذ في داره هدفا يرمي
إليه فجاز السهم داره وصار إلى دار جاره وقتل رجلا أو أفسد مالا فهو ضامن
قيمة المال ودية المقتول على عاقلته.
وكذلك الحداد لو أخرج الحديدة من الكورة وذلك في حانوته ووضعه على العلاة
وضربه بمطرقة فخرج شررها إلى طريق العامة فأحرق رجلا أو فقأ عينه فديته على
عاقلته. ولو أحرق ثوب إنسان فقيمته على الحداد في ماله. ولو لم يضربه
بالمطرقة حتى وضعه على العلاة فأخرج
(10/354)
وقيل: هذا إذا كانت الرياح هادنة ثم تغيرت.
أما إذا كانت مضطربة يضمن؛ لأن موقد النار يعلم أنها لا تستقر في أرضه.
قال: وإذا قعد الخياط أو الصباغ في حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف فهو
جائز؛ لأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة، فهذا لوجاهته يقبل وهذا لحذاقته
يعمل فينتظم بذلك المصلحة، فلا تضره الجهالة فيما يحصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الريح شرره فأصاب ما أصاب فهو هدر.
وفي " المسائل ": سقى أرضه فسال من مائه في أرض رجل فغزتها أو ترت لا ضمان
عليه، لأنه غير متعد في التسبيب. وكذا إذا أحرق كلأ أو حصائد في أرضه فذهب
النار فأحرق شيئا لغيره لم يضمن لا جرم وإن كان يوم ريح فعلم أنه يذهب منها
فقيل يضمن.
م: (وقيل هذا) ش: قائله شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال
الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أي قال المشايخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -،
هذا الذي قاله محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " عن عدم
الضمان بإحراق الحصائد إذا احترق شيء من أرض أخرى م: (إذا كانت الرياح
هادنة) ش: حين أوقد النار.
قال السغناقي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: " هادنة " بالنون أي ساكنة من
هدن إذا سكن، وفي نسخة هادئة من هدأ بالهمز، أي سكن، قال الشاعر:
إن السباع لتهدي في فراسيها ... والناس ليس بهاد شرهم أبدا
أي لتسكن. وأصله لتهدأ بالهمزة، حذفه الشاعر وقبله بيت آخر وهو:
ليت السباع لنا كانت مجاورة ... فإننا لا نرى فيمن ترى أحدا
م: (ثم تغيرت) ش: قويت واشتدت م: (أما إذا كانت مضطربة) ش: حين أوقدها م:
(يضمن، لأن موقد النار يعلم أنها لا تستقر في أرضه) ش: ولكنها تذهب بها إلى
أرض الجيران، فصار كأنه ألقاها في أرضهم.
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قعد الخياط أو الصباغ في
حانوته من يطرح عليه العمل بالنصف) ش: بأن كان صاحب الدكان ذا جاه لا حذاقة
له في العمل فأقعد من يعلم ويعمل بالنصف م: (فهو جائز) ش: أي استحسانا م:
(لأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة، فهذا لوجاهته يقبل، وهذا لحذاقته يعمل
فينتظم بذلك المصلحة فلا تضره الجهالة فيما يحصل) .
ش: وفي القياس لا يجوز، وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن رأس مال
صاحب الدكان المنفعة وهي لا تصلح رأس مال الشركة، ولأن التقبل للعمل على ما
ذكر صاحب الدكان فيكون العامل أجيره بالنصف وهو مجهول، وإن تقبل العمل
العامل كان مستأجرا لموضع
(10/355)
قال: ومن استأجر جملا يحمل عليه محملا
وراكبين إلى مكة جاز وله المحمل المعتاد. وفي القياس لا يجوز وهو قول
الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - للجهالة، وقد يفضي ذلك إلى المنازعة. وجه
الاستحسان أن المقصود هو الراكب وهو معلوم، والمحمل تابع وما فيه من
الجهالة يرتفع بالصرف إلى المتعارف فلا يفضي ذلك إلى المنازعة. وكذا إذا لم
ير الوطاء والدثر. قال: وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود؛ لأنه أنفى
للجهالة وأقرب إلى تحقيق الرضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جلوسه من دكانه بنصف ما يعمل وهو مجهول.
والطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى وجه القياس، وقال: القياس عندي أولى
من الاستحسان، وقد علل الشراح في وجه الاستحسان بأن هذه ليست بإجارة، وإنما
هي شركة الصنائع وهي شركة التقبل، وهذا مخالف لما ذكره المصنف، فإنه صرح
بأن هذه شركة الوجوه في الحقيقة، ولكن قوله فهذا لوجاهته يقبل، وهذا
لحذاقته يعمل النسب لشركة التقبل على ما لا يخفى، ثم إن هذا إذا كانت شركة
لا إجارة لم تضره الجهالة فيما يحصل كما في الشركة.
[استأجر جملا يحمل عليه محملا وراكبين إلى مكة]
م: (قال: ومن استأجر جملا يحمل عليه محملا) ش: بفتح الميم الأولى وكسر
الثانية وهو الزوج من المحارة يعقد في كل واحد شخص. وفي المغرب بفتح الميم
الأولى وكسر الثانية، وعلى العكس الهودج الكبير الحجاجي م: (وراكبين إلى
مكة جاز) ش: هذا العقد م: (وله) ش: أي للمستأجر.
م: (المحمل المعتاد) ش: أراد أنه يتعين المحمل المعتاد بين الناس م: (وفي
القياس لا يجوز وهو قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - للجهالة) ش: وأحمد في
الطول والعرض والثقل م: (وقد يفضي ذلك إلى المنازعة) ش: فلا يجوز.
م: (وجه الاستحسان أن المقصود هو الراكب وهو معلوم) ش: لأن أجسام الناس
متقاربة في الغالب م: (والمحمل تابع) ش: للراكب م: (وما فيه) ش: أي في
المحمل م: (من الجهالة يرتفع بالصرف إلى المتعارف) ش: أي إلى المحمل
المتعارف م: (فلا يفضي ذلك إلى المنازعة) ش: فيجوز م: (وكذا) ش: أي يجوز
أيضا م: (إذا لم ير) ش: أي الجمال م: (الوطاء) ش: بكسر الواو وبالمد وهو
الفراش م: (والدثر) ش: بضم الدال والثاء المثلثة جمع. وقال وهو ما يلقى
عليك من كساء أو غيره م: (قال: وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود، لأنه أنفى
للجهالة وأقرب إلى تحقيق الرضاء) ش: لأن بمشاهدة الجمال إياه يرتفع النزاع
أصلا.
وفي " المحيط ": استأجر بعيرين إلى مكة ليحمل على أحدهما محملا فيه رجلان
وما لهما من الوطاء والدثر ولم ير الجمال الوطاء والدثر وعلى الآخر زاملته
عليه كذا مختوما من السويق وما يصلحه من الزيت والخل وما يكفي من الماء ولم
يبين قدره وما يصلح من الحبل
(10/356)
قال: ومن استأجر بعيرا ليحمل عليه مقدارا
من الزاد فأكل منه في الطريق جاز أن يرد عوض ما أكل؛ لأنه استحق عليه حملا
سمي في جميع الطريق فله أن يستوفيه. وكذا غير الزاد من المكيل والموزون،
ورد الزاد معتاد عند البعض كرد الماء، فلا مانع من العمل بالإطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والمعاليق من قربة والميضأة والمطهرة ولم يبين وزنه، أو شرط أن يحمل من مكة
من هدايا مكة، أما لحمل الناس فهذا جائز استحسانا للتعارف، وله أن يحمل ما
هو متعارف.
وحكي مثله عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله
-: لا بد من معرفة المحمل والوطاء والدثر والمعاليق وتقدير الزاملة. واختلف
أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في المعاليق كالقدر ومثله فقيل: لا
يجوز حتى يعرف قولا واحدا، وقيل فيه قولان.
[استأجر بعيرا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل
منه في الطريق]
م: (قال: ومن استأجر بعيرا ليحمل عليه مقدارا من الزاد فأكل منه في الطريق
جاز أن يرد عوض ما أكل) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول
وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وفي قول يعتبر العرف إن جرى بالاستبدال يستبدل
وإلا لا، وبه قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهذا الخلاف إذا أطلق، أما
إذا شرط الاستبدال فلا خلاف، ولو شرط عدم الاستبدال لا يستبدل بلا خلاف ولو
سرق أو هلك بغير أكل أو بأكل غير معتاد يستبدل بلا خلاف م: (لأنه استحق
عليه حملا سمي في جميع الطريق فله أن يستوفيه، وكذا غير الزاد) ش: أي وكذا
له أن يرد غير الزاد فيما إذا استأجر دابة ليحمل عليها قدرا معينا م: (من
المكيل والموزون) ش: إذا نقص منهما، ويحتمل أن يكون المعنى وله أن يرد
المكيل أو الموزون مثل ما أكل من الزاد، قاله تاج الشريعة.
م: (ورد الزاد معتاد عند البعض) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال
مطلق العقد محمول على العادة، وفي عادة المسافرين لا يردون شيئا مكان ما
أكلوا. فأجاب بقوله ورد الزاد معتاد عند بعض الناس م: (كرد الماء) ش: فإنهم
يردون بدله عند الشرب والاستعمال، فإذا العرف مشترك فلا يصلح مقيدا م: (فلا
مانع من العمل بالإطلاق) ش: وهو أنهما أطلقا العقد على حمل قدر معلوم في
مسافة معلومة، ولم يقيدا بعدم رد قدر ما نقص من المحمول فوجب جواز رد قدر
ما نقص عملا بالإطلاق وعدم المانع.
فرع: وفي " المحيط ": اشترك اثنان في إجارة دابة على أن يتعاقبا في الركوب
ولم يبينا مقدار ركوب كل واحد جاز للعرف، وبه قالت الثلاثة. وقال المزني لا
يجوز أكثر العقبة إلا مضمونة في الذمة وهو أن يبين مقدار ركوب كل واحد
بالزمان والفرسخ، والله أعلم.
(10/357)
|