البناية شرح الهداية

كتاب المكاتب
قال: وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب المكاتب]
م: (كتاب المكاتب) ش: المناسبة بين الكتابين كون كل منهما عقد يستفاد به المال بمقابلة ما ليس بمال على وجه يحتاج فيه إلى ذكر العوض بالإيجاب والقبول بطريق الأصالة يخرج النكاح والطلاق والعتاق على مال، فإن ذكر العوض فيها ليس بطريق الأصالة قبل ذكره عقب العتاق كان أنسب، لأن في الكتابة الولاء، والولاء حكم من أحكام العتق.
ورد بأن العتق إخراج الرقبة عن الملك بلا عوض، والكتابة ليست كذلك، بل فيها ملك الرقبة لشخص ومنفعته لغيره وهو أنسب للإجارة؛ لأن نسبة الذاتيات أولى من العرضيات، وقدم الإجارة لشبهها بالبيع من حيث التمليك والشرائط، فكان أنسب بالتقديم.
ثم الكتابة مأخوذ من الكتاب وهو الجمع، يقال كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة، ومنه كتبت الكتاب؛ لأنه جمع الحروف، وسمي هذا العقد كتابة لما فيه من جمع النجم إلى النجم. وقيل: سمي كتابة لما يكتب فيه من الكتاب على العبد للمولى وللمولى على العبد.
فإن قيل: سائر العقود يوجد فيها معنى الكتابة فلم لا يسمى بهذا الاسم؟
أجيب: بأنه لا يبطل التسمية كالقارورة سميت بهذا الاسم لقرار المائع فيها، ولم يسم الكوز ونحوه قارورة وإن كان يقر المائع فيه لئلا تبطل الأعلام.
وشرعا هو عقد بين المولى وعبده بلفظ الكتابة أو ما يؤدي معناه من كل وجه يوجب التحرير يدا في الحال، ورقبة في المآل، ولا يلزم عليه تعليق العتق على مال، لأنه لا يحتاج فيه إلى لفظ الكتابة، بل يحصل بقوله أعتقتك على كذا.
والفرق بينهما في الحكم أن الكتابة عقد يقال ويفسخ، بخلاف العتق، لأنه من جانب المولى يمين والمكاتب بملك كتابة عبد أو المعتق على مال.

[مشروعية الكتابة وما تنعقد به]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا) ش: إنما استعمل هذا من باب المفاعلة التي تقتضي الاشتراك بين الاثنين، لأن المولى كتب على نفسه العتق والعبد الأداء فاشتركا في أصل الفعل فالمولى مكاتب بكسر التاء، والعبد مكاتب بفتحها، ويأتي الآن بيان القيود التي فيه.

(10/358)


أما الجواز فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء، وإنما هو أمر ندب هو الصحيح، وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط، إذ هو مباح بدونه. أما الندبية فمعلقة به، والمراد بالخير المذكور على ما قيل أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه وإن كان يصح لو فعله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما الجواز) ش: أي جواز الكتابة يعني الدليل على جوازها م: (فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ش: أي كاتبوا الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ودلالة هذا على مشروعية العقد لا تخفى على عارف بلسان العرب، سواء كان الأمر للوجوب أو لغيره.
ولما كان مقصود المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بيان أن عقد الكتابة أمر مندوب أو واجب تعرض لذلك بقوله م: (وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء) ش: أي قوله {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] ليس أمر إيجاب، واحترز بقوله الفقهاء عن داود الظاهري ومن تابعه، وعمرو بن دينار وعطاء ورواية صاحب التقريب عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنهم قالوا تجب الكتابة إذا سئل العبد، وكان ذا أمانة وذا كسب، لأن الأمر للوجوب.
ونفى المصنف ذلك بقوله: م: (وإنما هو أمر ندب هو الصحيح) ش: احترز به عن قوله بعض مشايخنا إن الأمر للإباحة ثم بين ما يلزم من المحذور من هذا القول بقوله: م: (وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط) ش: وهو قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) .
م: (إذ هو) ش: أي عقد الكتابة م: (مباح بدونه) ش: أي بدون شرط. تقريره أن في الحمل على الإباحة ألغى الشرط، لأنها ثابتة بدونه بالاتفاق، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك. وفي الحمل على الندب إعمال له، لأن الندبية معلقة به، وهو معنى قوله م: (أما الندبية فمعلقة به) ش: أي بالشرط، وبين ذلك بقوله م: (والمراد بالخير المذكور) ش: يعني في قَوْله تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] .
م: (على ما قيل: أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه) ش: بأن كان غير أمين ولا مشتغل بالكسب م: (وإن كان يصح لو فعله) ش: واصل بما قبله، يعني وإن كان يضر بهم لو فعل المولى عقد الكتابة صح، وفسرت الثلاثة الخيرية بمثل قولنا وهي الأمانة والكسب، وبه قال عمرو بن دينار.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وابن عمر، وعطاء: الخير الكسب خاصة. وعن الثوري والحسن البصري أنه الأمانة والدين خاصة، وقيل هو الوفاء والأمانة والصلاح. وإذا فقد الأمانة فالكسب لا يكره عندنا. وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -. وقال أحمد

(10/359)


وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه. ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وإسحاق وأبو الحسين بن القطان من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يكره.
م: (وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه، فلا بد من التزامه) ش: وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (ولا يعتق إلا بأداء كل البدل) ش: وهذا قول جمهور الفقهاء م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة: وأبو داود والنسائي في العتق والترمذي في " البيوع "، وابن ماجه في " الأحكام " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وإذا عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» هذا لفظ أبي داود
ولفظ الترمذي سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «من كاتب عبدا على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق، أو قال عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق» ، وقال: غريب.
ولفظ ابن ماجه «أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق ثم عجز فهو رقيق» . وأخرجه الدارقطني في سننه عن ابن عباس الحريري، عن عمرو بن شعيب به وكذلك الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كلاهما بلفظ أبي داود.
م: (وقال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ش: هذا أخرجه أبو داود في العتاق عن إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي من كتابته درهم» ، وفيه إسماعيل بن عياش لكنه عن شيخ شامي وهو ثقة.
وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم أو أوقية» ، وسليمان بن أرقم ضعيف.

(10/360)


وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وما اخترناه قول زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن أحمد وأبي داود والنسائي وابن معين أنه متروك. وقال ابن عدي: ولعل البلاء فيه من المسيب بن شريك وهو الذي رواه عن سليمان، فإنه أشر من سليمان.
وروى مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر موقوفا: «المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته» ، وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على عمر وابن عمر وعلي وزيد بن ثابت وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لم يروه مرفوعا أصلا. والعجب من الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: وقوله قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» من كلام زيد بن ثابت.
ثم نقول ولكن روى الشيخ أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح الآثار " وقال حدثنا الخطاب بن عثمان قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم» ، فنفى أولا أن يكون هذا مرفوعا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم استدرك وقال: رواه الطحاوي.
م: (وفيه اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي وفي وقت عتق المكاتب اختلاف الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فعند ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يعتق كما أخذ الصحيفة من مولاه يعني يعتق بنفس العقد وهو غريم المولى بما عليه من بدل الكتابة.
روى عبد الرزاق في " مصنفه " عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا بقي عليه خمس أواق أو خمسة أوسق فهو غريم، وعند ابن مسعود يعتق إذا أدى قيمة نفسه، وروى عبد الرزاق أيضا عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم، وعند زيد بن ثابت لا يعتق ولو بقي عليه درهم، وهو الذي اختاره أصحابنا، أشار إليه بقوله: م: (وما اخترناه قول زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: أي زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وإنما اختاره لأنه مؤيد بالأحاديث التي ذكرناها آنفا، وبه قال الثلاثة أيضا.
وحديث زيد أخرجه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مسنده " اخبرناه ابن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في المكاتب: هو عبد ما بقي عليه درهم، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن ابن نجيح به سواء ومن طريق الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه البيهقي في " سننه "، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا ربيع عن سفيان به وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال: وقال زيد بن ثابت: هو عبد

(10/361)


ويعتق بأدائه، وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ما بقي عليه درهم.
وعند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يعتق بقدر ما أدى، وبه قالت الظاهرية عن عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: في المكاتب يعجز قال يعتق، وبمثل ما ذهب إليه زيد روي عن عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا خالد الأحمر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن معمر الجهني عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ".
وأخرج أيضا عن يزيد بن هارون عن عباد بن منصور عن حماد بن إبراهيم عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريح أخبرني عبد الكريم بن أبي المحارق أن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يقولون: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج أيضا عن ابن معشر عن سعيد المقبري عن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ".
م: (ويعتق بأدائه) ش: أي يعتق المكاتب بأدائه جميع بدل الكتابة م: (وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر) ش: الضمير في أديتها يرجع إلى الألف مثلا أو نحوها، ويرجع إلى المال، ولكن التأنيث باعتبار المكاتبة، فإن المكاتبة قد تطلق على البدل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق ما لم يقل كاتبتك على كذا إن أديته فأنت حر. وفي " شرح الوجيز ": ولو لم يصرح بتعليق العتق بالأداء ولكن نواه عليه في كاتبتك على كذا صحت الكتابة، وإن لم يصرح بالتعليق ولا نواه لم يحصل العتق ولم تصح الكتابة.
وعن بعض الصحابة إن كان الرجل فقيها صحت كتابته بمجرد لفظ كاتبتك على كذا وإلا فلا بد من تعليق الحرية أو بيته، وأصلا لاختلاف راجع إلى تفسير الكتابة شرعا، فعند ضم نجم إلى نجم فلو صرح وقال: ضربت عليك ألفا على أن تؤديها إلي في كل شهر كذا لا يعتق.
وكذا إذا قال: كاتبتك ولم يقل: إن أديت إلي فأنت حر لا يعتق، فكذا هنا. وعندنا هو ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة عند الأداء فلا يحتاج إلى تعليق العتق بالأداء كما في " مبسوط " شيخ الإسلام.

(10/362)


لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به) ش: أي بالشرط، وهو قوله: إن أديت أو إذا أديت، وقد حققنا أصلا الخلاف الآن. وفي شرح " الكافي ": والحاصل أنه إذا قال لعبده: كاتبتك على ألف درهم على أن تؤدي إلي كل شهر كذا فأنت حر، فإنه يكون كتابة، لأن معنى الكتابة ليس إلا الإعتاق على مال مؤجل بنجم بنجوم معلومة ولكن إنما يجوز إذا قبل الكتابة، لأنه عقد معاوضة فلا بد من الإيجاب والقبول.
وكذلك لو قال كاتبتك على ألف درهم ونجمه وسمى النجوم وقبل العبد فإنه يكون كتابة وإن لم يعلق المعتق بالأداء ولم يقل على أنك إن أديت إلي ألفا فأنت حر، لأنه عقد معاوضة فيعتق بحكم المعاوضة لا بحكم الشرط. وعلى قول الشافعي لا بد من التعليق بشرط الأداء. ولو قال لعبده: إن أديت إلي ألفا فأنت حر فأداه يعتق، لأن المعتق معلق بالأداء فقد وجد شرطه. قال الكرخي: ولا يكون هذا كتابة وإن كان ثمة معنى الكتابة من وجه، حتى إن العبد إذا جاء بالبدل فإنه يجبر على قبوله.
أي يصير المولى قابضا له بالتخلية كما في الكتابة وإن لم يقبل المولى استحسانا عندنا، خلافا لزفر، فبيان التفرقة بين التعليق والكتابة في مسألة فإنه إذا مات العبد هنا قبل الأداء فترك مالا فالمال كله للمولى ولا يؤدي عنه فيعتق، بخلاف الكتابة. وكذا لو مات المولى وفي يد العبد كسب فالعبد رقيق يورث عنه مع اكتسابه، بخلاف الكتابة ولكانت هذه أمة فولدت ثم أدت فعتقت يعتق ولدها.
ولو قال العبد للمولى حط عني مائة فحطه المولى عنه فأدى تسعمائة فإنه لا يعتق، بخلاف الكتابة. ولو أبرأ المولى عن الألف العبد لم يعتق. ولو أبرأ الكاتب عن بدل الكتابة يعتق. ولو باع هذا العبد ثم اشتراه وأدى إليه يجبر على القبول عند أبي يوسف. وقال محمد في " الزيادات ": لا يجبر على قبولها، فإن قبلها عتق، وكذلك لو رد إليه بخيار أو عيب.
وأما الإعتاق على مال فهو خلاف الكتابة وخلاف تعليق العتق بالأداء، فإنه إذا قال لعبده: أنت حر على ألف درهم فقبل العبد فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته. وكذا إذا قال أنت حر على قيمة رقبتك وقبل ذلك فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته. وكذا إذا قال أنت حر على قيمة رقبتك، وقبل ذلك فإنه يعتق كذا في " التحفة " وغيره.
م: (كما في البيع) ش: يعني كما يحتاج ثمة إلى قول البائع للمشتري إن ملكتني الثمن ملكت المبيع إن دخول هذا لا لمعنى في مقتضى لفظ البيع، يعني عن التصريح به بكذا، هذا لا يحتاج إلى التصريح بقوله إن أديت كذا فأنت حر.

(10/363)


ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا يجب حط شيء من البدل) ش: أي من بدل الكتابة عن العبد، بل هو مندوب وبه قال مالك والثوري. وقال الشافعي وأحمد: يجب به.
وقال أصحاب الظاهر: وفي وقت وجوبه وجهان: أحدهما بعد العتق، والثاني بعد أداء أكثر البدل، وقدره الشافعي بما يقع عليه اسم المال لاختلاف أقوال الصحابة في قدر المحطوط والاقل يتنفر، وكذا قال صاحب " العناية ". وقال الشافعي: يستحق عليه ربع البدل وهو قول عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قلت: نص الشافعي ما ذكرناه وحط ربع البدل هو قول أحمد وأسند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، ومطلق الأمر للوجوب.
ولنا ما أشار إليه بقوله م: (اعتبارا بالبيع) ش: أراد أن عقد الكتابة عقد معاوضة فلا يجب الحط فيه، كما لا يجب في البيع، والأمر في الآية للندب؛ لأنه معطوف على الأمر بالكتابة، لأن الأصل أن يكون المعطوف في حكم المعطوف عليه، كذا في " المبسوط " و" الزيادات " هذه جملة تامة فلا يوجب المشاركة كما في قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) .
وأجيب: بأن هذا ليس مثل تلك الجملة، لأن الثانية مرتبطة بالأولى برجوع الضمير إليها، فلم تكن مستبدة بنفسها فصح الاستدلال بالعطف، وفيه نوع تأمل، والتحقيق أن دلالة الآية على ما ادعاه حقيقة جدا، لأنه قال من مال الله وهو يطلق على أموال القرب كالصدقات والزكاة، فكأن الله أمرنا أن نعطي المكاتبين في صدقاتنا ليستعينوا به على أداء الكتابة والمأمور به الإيتاء وهو الإعطاء والحط لا يسمى إعطاء، والمال الذي آتانا الله هو في أيدينا لا الوصف الثابت في ذمة المكاتبين، فحمله على حط شيء من بدل الكتابة عمل بلا دليل.
وقال ابن حزم في " المحلى ": ناقض الشافعي في قوله حيث حمل قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] على الندب، وقوله {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] على الوجوب وهذا محكم انتهى.
وقال ابن جرير الطبري في " التهذيب ": وفي حديث بريرة أيضا الدلالة على صحة قولنا في قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] (النور: الآية 33) ، يعني من أهل الأموال الذين وجبت في أموالهم الصدقات فأمرهم الله تعالى بإعطاء المكاتبين منها ما فرض لهم فيها بقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ولولا ذلك لم تكن بريرة تسأل عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، ولا ضرورة له مع إمكان عجزها عن الكتابة إذا لم تجد سبيلا لا إلى الأداء والرجوع إلى ما كانت عليه من وجوب

(10/364)


قال: ويجوز أن يشترط المال حالا ويجوز مؤجلا ومنجما. وقال الشافعي: لا يجوز حالا ولا بد من نجمين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نفقتها على مواليها، ولكنها لما علمت إن شاء الله تعالى ما فرض في أموال أهل الأموال لمن كان بمثل حالها حقا بقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وبقوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] تعرضت لطلب ذلك، وفي ذلك دلالة بينة على أن المراد بقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] أهل الأموال.
والدلالة على خطأ من زعم أن قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] يعني به أموال المكاتبين خاصة دون سائر الناس غيرهم، وإنهم أمروا أن يضعوا عنهم من كتابتهم ولولا كان كما قالوا لقال منعوا عنهم من كتابتهم، ولو كان أمر بإعطائهم من مال الله كتابتهم لقال من مال الذي آتاكم، فإذا لم يكن ذلك محصورا على أموالهم كان معلوما أنه خطاب لذوي الأموال بإتيانهم ما فرض الله لهم في أموالهم، انتهى.
ولئن سلمنا أن المراد بذلك الموالي فالأمر محمول على الندب كما فعل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] وكما مثل هو وغيره في الأمر بالإشهاد على البيع والكتابة، وقد قالت بريرة: كاتبت أهلي على تسع وأدنى، وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إن أحب أهلك أن أعدها لهم، فلو كان الحط واجبا لقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عليها أقل من ذلك إن عليهم أن يحطوا عنها ولأخبر عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بسقوط البعض عنها.
وفي الصحيح أن بريرة جاءت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تستعين في كتابتها، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقضي عنك كتابتك» فدل على وجوب الجميع عليها ولا يرون حطيطه لها منه، وأعان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سلمان على كتابته ولم يأخذ مولاه بحط شيء منها وكل ما ذكره البيهقي في هذا الباب عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم وضعوا شيئا من الكتابة فليس في شيء منه أنهم كانوا يرون ذلك واجبا عليهم فحمل على أنهم فعلوا ذلك على سبيل الندب والفضل.

[حكم اشتراط تعجيل المال أو تأجيله في الكتابة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (ويجوز أن يشترط المال حالا) ش: أراد بالمال بدل الكتابة م: (ويجوز مؤجلا) ش: بأن يجعله إلى شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين م: (ومنجما) ش: أي مقسطا مؤقتا، واشتقاقه من النجم وهو الساطع، ثم سمي به الوقت، ومنه سمي المنجم، ثم سمي ما يؤدي فيه من الوظيفة، ثم منه فقالوا: نجمت المال إذا أديت نجوما، والكتابة الحالة مثل أن يقول كاتبتك على ألف درهم، وبه صرح الولوالجي في " فتاواه "، والكتابة المؤجلة مثل أن يقول كاتبتك على ألف درهم إلى سنة يؤدي كل شهر من النجم، كذا وكل ذلك جائز.
م: (وقال الشافعي: لا يجوز حالا) ش: غير مؤجل م: (ولا بد من نجمين) ش: وبه قال

(10/365)


لأنه عاجز عن التسليم في زمان قليل لعدم الأهلية قبله للرق، بخلاف السلم على أصله؛ لأنه أهل للملك، فكان احتمال القدرة ثابتا، وقد دل الإقدام على العقد عليها، فتثبت به ولنا ظاهر ما تلونا من غير شرط التنجيم، ولأنه عقد معاوضة والبدل معقود به فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أحمد في ظاهر الرواية م: (لأنه عاجز عن التسليم في زمان قليل) ش: أي لأن المكاتب لا يقدر على أداء البدل في الحال م: (لعدم الأهلية قبله للرق) ش: أي لعدم أهلية الملك قبل عقد الكتابة لأجل الرق، لأنه كان مملوكا لا يقدر على شيء وفي زمان يسير لا تثبت القدرة عادة على الكسب على مال كثير.
م: (بخلاف السلم على أصله) ش: أي بخلاف السلم على أصل الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حيث جوزه م: (لأنه أهل للملك) ش: أي لأن المسلم إليه أهل للملك قبل العقد لا يقال هذا إضمار قبل الذكر، لأنا لا نقول السلم يدل عليه، لأنه لا تقوم إلا بالمتعاقدين أحدهما المسلم إليه م: (فكان احتمال القدرة ثابتا) ش: وهو عقد جرى بين الحرين والظاهر هو القدرة على ما التزمه م: (وقد دل الإقدام على العقد عليها فثبت به) ش: أي إقدام المسلم إليه على عقد السلم عليها أي على القدرة فتثبت أي القدرة.
ولقائل أن يقول: احتمال القدرة في حق المكاتب أثبت، لأن المسلمين مأمورون بإعانته والطرق متسعة استدانة وقرض واستيهاب، واستعانة بالزكاة والكفارات والعشور والصدقات، وقد دل الإقدام على العقد عليها فتثبت.
م: (ولنا ظاهر ما تلونا) ش: وهو قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] م: (من غير شرط التنجيم) ش: والتأجيل فلا جواز على النص بالرأي وبقولنا قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الجواهر " قال أبو بكرة: ظاهر قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التنجيم والتأجيل شرط فيه، ثم قال: وعلماؤنا النظار يقولون إن الكتابة الحالة جائزة ويسمونها قطاعة وهو القياس.
م: (لأنه) ش: أي ولأن عقد الكتابة م: (عقد معاوضة والبدل معقود به) ش: أي بالعقد، تحرير هذا الكلام أن عقد المعاوضة يعتمد المعقود عليه ولا بد منه؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ووجود المعقود به ليس كذلك للإجماع على جواز اتباع من لا يملك الثمن وبدل الكتابة معقود به لا محالة م: (فأشبه الثمن في البيع في عدم اشتراط القدرة عليه) ش: أي على الثمن.
والحاصل أن بدل الكتابة ثمن من وجه، وهذا لا يجوز الاستدلال به على القبض وبيع من وجه، وهذا عجز عن الأداء يفسخ العقد فوفرنا على الشبهين حظهما لذلك الفسخ عند العجز،

(10/366)


بخلاف السلم على أصلنا؛ لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة عليه. ولأن مبنى الكتابة على المساهلة فيمهله المولى ظاهرا، بخلاف السلم؛ لأن مبناه على المضايقة وفي الحال كما امتنع من الأداء يرد إلى الرق.
قال: وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء لتحقق الإيجاب والقبول، إذ العاقل من أهل القبول والتصرف نافع في حقه والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه، وهو بناء على مسألة إذن الصبي في التجارة، وهذا بخلاف ما إذا كان لا يعقل البيع والشراء؛ لأن القبول لا يتحقق منه فلا ينعقد العقد، حتى لو أدى عنه غيره لا يعتق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولعدم اشتراط القدرة عليه عند العقد.
م: (بخلاف السلم على أصلنا، لأن المسلم فيه معقود عليه فلا بد من القدرة عليه) ش: لما ذكرنا أن العقد يعتمد ولا بد منه م: (ولأن مبنى الكتابة على المساهلة) ش: لأنه عقد كرم، إذ العبد وما يملكه لمولاه م: (فيمهله المولى ظاهرا، بخلاف السلم، لأن مبناه) ش: أي مبنى السلم م: (على المضايقة) ش: والمماكسة فالظاهر أنه لا يؤخر عند توجه المطالبة نحوه م: (وفي الحال كما امتنع من الأداء) ش: أي في عقد الكتابة الحال كما امتنع المكاتب م: (يرد في الرق) ش: بالتراضي أو بقضاء القاضي، بخلاف المسلم.

[كتابة العبد الصغير]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز كتابة العبد الصغير إذا كان يعقل البيع والشراء لتحقق الإيجاب والقبول، إذ العاقل من أهل القبول والتصرف نافع في حقه) ش: أراد من قوله يعقل يعلم أن السر إيجاب سالب البيع والشراء، ومعرفة ذلك أن الصبي إذا أعطى فلوسا وأخذ الحلوى ثم أخذ يبكي ويقول أعطني فلوسي فهو علامة كونه غير عاقل.
وإن أخذ الحلوى ولم يسترد فلوسه فهو عاقل، كذا نقل عن السلف. قال تاج الشريعة وفي (شرح الطحاوي: وإذا كان لا يعقل لا يجوز إلا إذا قبل عنه إنسان فإنه يجوز ويتوقف على إداركه، فإن أدى هذا القابل عتق. والقياس أن يكون له استرداده وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - وفي " الاستحسان " ليس له ذلك.
م: (والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يخالفنا فيه) ش: أي في الحكم المذكور. وفي بعض النسخ يخالفنا في ذلك م: (وهو) ش: أي هذا الخلاف منه م: (بناء على مسألة إذن الصبي في التجارة) ش: فإنه لا يجوز عنده فلا يصح الأول له. وعندنا يجوز، لأنه من أهل التصرف إذا عقل العقد ونقصان رأيه يتميز برأي الولي والتصرف نافع فيصح الإذن م: (وهذا) ش: أي هذا الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا كان لا يعقل البيع والشراء، لأن القبول لا يتحقق منه فلا ينعقد العقد) ش: لأن العقد لا ينعقد بدون القبول.
م: (حتى لو أدى عنه) ش: أي عن الغير غير المميز م: (غيره لا يعتق) ش: لأن أداء البدل إنما

(10/367)


ويسترد ما دفع.
قال ومن قال لعبده جعلت عليك ألفا تؤديها إلي نجوما أول النجم كذا وآخره كذا، فإذا أديتها فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق، فإن هذه مكاتبة؛ لأنه أتى بتفسير الكتابة.
ولو قال: إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر، فهذه مكاتبة في رواية أبي سليمان، لأن التنجيم يدل على الوجوب وذلك بالكتابة. وفي نسخ أبي حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تكون مكاتبة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يتصور في عقد منعقد لا في عقد باطل م: (ويسترد ما دفع) ش: من المال، لأنه أداء بسبب باطل.

[ألزم عبده بألف يؤديها نجوما فإن أداها فهو حر وإلا فهو رقيق]
م: (قال: ومن قال لعبده جعلت عليك ألفا تؤديها إلي نجوما أول النجم كذا وآخره كذا، فإذا أديتها فأنت حر وإن عجزت فأنت رقيق فإن هذه مكاتبة، لأنه أتى بتفسير الكتابة) ش: هذه من مسائل " الجامع الصغير "، وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل قال لعبده إلى آخره. وقوله: لأنه أي لأن المولى.
وفي " الكافي ": صح استحسانا، والقياس أن لا يصح، لأن ذكر النجوم فضل في الكتابة عندنا وجود ذكرها كعدمها، فبقي قوله: قد جعلت عليك ألف درهم وهو بظاهره ضريبة، وقوله: إن أديت فأنت حر تعليق.
وجه الاستحسان أن العبرة في العقود للمعاني، ألا ترى أن المضاربة بشرط الربح كله لرب المال بضاعة وبشرط المضاربة إقراض، وقد وجد معنى الكتابة هنا، لأن معنى الكتابة سنة، وعادة هذا وعند الإطلاق يصح، فعند التفسير أولى ولا بد من قوله: فإذا أديت فأنت حر.
بخلاف قوله: كاتبتك على كذا حيث لا يحتاج عندنا إلى ذكره، لأن قوله: جعلت عليك ألف درهم على أن تؤديها كما يحتمل معنى الكتابة يعني يحتمل معنى الضريبة فلا يتعين إلا بقوله: فإذا أديت فأنت حر، بخلاف قوله: كاتبتك، فإن الاحتمال يتقدم هاهنا. وأما قوله: إن عجزت فأنت رقيق فضل غير محتاج إليه ولا في قوله كاتبتك، وإنما ذكره للتفسير والحث على أداء المال عند النجوم.

[قال لعبده إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر]
م: (ولو قال: إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر فهذه مكاتبة في رواية أبي سليمان، لأن التنجيم يدل على الوجوب) ش: لأنه يستعمل التيسير، وذا إنما يكون عند الوجوب، لأن المولى لا يستوجب على عبده شيئا م: (وذلك بالكتابة) ش: أي وجوب الدين للمولى على العبد لا يكون إلا بعقد الكتابة، وأبو سليمان هذا اسمه موسى بن سليمان الجوزجاني صاحب الإمام محمد بن الحسن وكانت وفاته بعد المائتين من البحرق ونسبته إلى جوزجان مدينة بخراسان مما يلي بلخ.
م: (وفي نسخ أبي حفص - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تكون مكاتبة) ش: أي وفي رواية: لا تكون

(10/368)


اعتبارا بالتعليق بالأداء مرة،
قال: وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب عن يد المولى ولم يخرج عن ملكه. أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة لغة وهو الضم فيضم مالكية يده إلى مالكية نفسه أو لتحقيق مقصود الكتابة وهو أداء البدل فيملك البيع والشراء والخروج إلى السفر وإن نهاه المولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مكاتبة. قال فخر الإسلام في " مبسوطه ": وهو الأصح م: (اعتبارا بالتعليق بالأداء مرة) ش: يعني إذا قال: إن أديت إلي ألفا لا تكون كتابة ويكون تعليق الحرية بالشرط، ولا يلزم قبول العبد والتنجيم لا يدل على الكتابة لصحتها بدونه كما في الكتابة الحالة، وصححه التنجيم بدونه كما في الضريبة ولما لم يكن أداء معه وجودا وعدما لم يدل على التنجيم على الكتابة والتفاوت بين رواية أبي حفص وأبي سليمان إن العبد إذا أدى الألف مرة لا يعتق على رواية أبي حفص لأن الشرط أن يؤدي كل شهر مائة.
وعلى الرواية الأخرى يعتق، لأنه أدى بدل الكتابة. وأبو حفص هذا هو أبو حفص الكبير الإمام المشهور من أصحاب محمد بن الحسن واسمه أحمد بن حفص، وفاته سنة سبع عشر ومائتين.

[ما يترتب على المكاتبة الصحيحة]
م: (قال) ش: القدوري م: (وإذا صحت الكتابة) ش: بخلوها عن المفسد بعد تحقق المقتضى م: (خرج المكاتب عن يد المولى ولم يخرج عن ملكه) ش: احترز عن قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعنده يعتق بمجرد العقد كما ذكرنا.
م: (أما الخروج من يده فلتحقيق معنى الكتابة لغة وهو ضم) ش: كما ذكرنا في أول الكتاب أنه مشتق بمعنى الضم، يقال: كتبت البغلة إذا ضمت بين شفريها بحلقة م: (فيضم مالكية يده إلى مالكية نفسه) ش: أي مالكية يده الحاصلة في الحال إلى مالكية نفسه التي تحصل عند الأداء قبل مالكية النفس في الحال ليست بموحدة فكيف يتحقق الضم، وضم الشيء إلى الشيء يقتضي وجودهما.
أجيب بأن: مالكية النفس قبل الأداء ثابتة من وجه. ولهذا لو جنى عليه المولى وجب عليه الأرش. ولو وطئ المكاتبة لزمه العقر فيتحقق الضم م: (أو لتحقيق مقصود الكتابة وهو أداء البدل فيملك) ش: أي المكاتب م: (البيع والشراء والخروج إلى السفر وإن نهاه المولى) ش: أي عن السفر، وسواء كان السفر طويلا أو قصيرا، وبه قال أحمد والشافعي - رحمهما الله - في قول. وقال في قول آخر: لا يخرج إلى السفر بغير إذن السيد، وبه قال مالك، وفصل بعض أصحاب الشافعي فقال: إن كان السفر طويلا لا يخرج بغير إذنه، وإن كان قصيرا يخرج.

(10/369)


وأما عدم الخروج عن ملكه فلما روينا، ولأنه عقد معاوضة، ومبناه على المساوة وينعدم ذلك بتنجز العتق ويتحقق بتأخره؛ لأنه يثبت له نوع مالكية ويثبت له في الذمة حق من وجه، فإن أعتقه عتق بإعتاقه؛ لأنه مالك لرقبته ويسقط عنه بدل الكتابة لأنه ما التزمه إلا مقابلا بحصول العتق له وقد حصل دونه.
قال: وإذا وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر؛ لأنها صارت أخص بأجزائها توصلا إلى المقصود بالكتابة وهو الوصول إلى البدل من جانبه وإلى الحرية من جانبها بناء عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وأما عدم الخروج عن ملكه فلما روينا) ش: من قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» . ولو قال: ذكرنا كان أحسن، لأنه ذكر الحديث وما رواه اللهم إن كان قد رواه في غير هذا الكتاب فيصدق عليه أنه رواه.
م: (لأنه عقد معاوضة) ش: أي ولأن عقد الكتابة عقد معاوضة كما مر م: (ومبناه على المساواة) ش: أي مبنى عقد المعاوضة على التساوي م: (وينعدم ذلك) ش: أي المساواة على تأويل التساوي م: (بتنجز العتق ويتحقق بتأخره) ش: أي تتحقق المساواة بتأخر العتق م: (لأنه يثبت له) ش: أي للعبد الذي كوتب م: (نوع مالكية) ش: وهو مالكية اليد م: (ويثبت له في الذمة) ش: أي يثبت للمولى في ذمة المكاتب م: (حق من وجه) ش: وهو أصل البدل، وإنما كان حق من وجه لضعفه، فإنه ثابت في الذمة مع المنافي، إذ المولى لا يستوجب على العبد دينا، وهذا لا تصح به الكفالة، فلو ثبت به العتق ناجزا كما قال ابن عباس على ما فاتت المساواة لا يقال المساواة فاتت على ذلك التقدير أيضا، لأن نوع المالكية ثابت عليه من وجه، فأين المساواة، لأن نوع مالكيته أيضا ضعيف لبطلانه بعوده رفيقا.
م: (فإن أعتقه) ش: أي فإن أعتق المولى المكاتب بأن نجز عتقه م: (عتق بإعتاقه، لأنه مالك لرقبته ويسقط عنه بدل الكتابة؛ لأنه ما التزمه) ش: أي لأن المكاتب ما التزم بدل الكتابة م: (إلا مقابلا) ش: بفتح الباء م: (بحصول العتق له) ش: أي ببدل الكتابة م: (وقد حصل دونه) ش: أي حصل العتق دون بدل الكتابة.

[الحكم لو وطئ المولى مكاتبته]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا وطئ المولى مكاتبته لزمه العقر) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال مالك: لا عقر عليه. وقال أحمد: إن شرط عليها الوطء لا عقر عليه، وإلا يحد ويؤدب، لأنه وطء حرام وعن الحسن البصري قال: يجب الحد، لأنه وطئ في غير ملكه، وعندنا وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا شرط وطأها تفسد الكتابة، وعند مالك يفسد الشرط ويصح العقد.
وعند أحمد يصح كلاهما م: (لأنها صارت أخص بأجزائها توصلا إلى المقصود بالكتابة وهو الوصول إلى البدل من جانبه، وإلى الحرية من جانبها بناء عليه) ش: أي على الوصول إلى البدل من

(10/370)


ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية لما بينا. وإن أتلف مالا لها غرم. لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها ونفسها، إذ لو لم يجعل كذلك لأتلفه المولى فيمتنع حصول الغرض المبتغى بالعقد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جانبه م: (ومنافع البضع ملحقة بالأجزاء والأعيان) ش: حيث قابلها الشرع بالأعيان، قال الله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] (النساء: الآية 24) ، والآدمي مفرغ منها. ولهذا لو استحقت الجارية يغرم المشتري من العقر وقيمة الولد دون المنفعة، فعلم أن الوطء في حكم جزء العين ولو كان في حكم المنفعة لما غرم.
فإن قلت: إذا اشترى جارية ثيبا فوطئها ثم باعها مرابحة ليس عليه أن يبين أنه وطئها. وإذا لحقت بالأعيان لوجب البيان.
قلت: لا يجب، لأنه لا يقابله شيء من الثمن م: (وإن جنى عليها أو على ولدها لزمته الجناية) ش: هذا لفظ القدوري، أي وإن جنى المولى على المكاتبة أو جنى على ولدها لزمته الجناية كما لزمه أرش الجناية على العبد المرهون، وفي الكفاية لشمس الأئمة البيهقي: جناية المولى على مكاتبه عمدا لا يوجب المعقود لأجل الشبهة، ولو قتل المكاتب مولاه لا يجب القود م: (لما بينا) ش: أشار إلى قوله، لأنها صارت الغرض بأجزائها.
م: (وإن أتلف) ش: أي المولى م: (مالا لها) ش: أي للمكاتبة م: (غرم، لأن المولى كالأجنبي في حق أكسابها ونفسها) ش: وفي بعضها النسخ في حق أكسابها ونفسه م: (إذ لو لم يجعل كذلك لأتلفه المولى) ش: أي على تأويل أنه ملكه م: (فيمتنع حصول الغرض المبتغى) ش: أي المطلوب م: (بالعقد) ش: هو حصول الحرية لها والمال له.

(10/371)


فصل في الكتابة الفاسدة قال: وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمته فالكتابة فاسدة، أما الأول فلأن الخمر والخنزير لا يستحقه المسلم لأنه ليس بمال في حقه فلا يصلح بدلا فيفسد العقد. وأما الثاني فلأن القيمة مجهولة قدرا وجنسا ووصفا فتفاحشت الجهالة وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في الكتابة الفاسدة]
م: (فصل في الكتابة الفاسدة) ش: وجه تأخير الفاسد عن الصحيح لا يحتاج المنفي إلى دليل.
م: (قال: وإذا كاتب المسلم عبده على خمر أو خنزير أو على قيمته) ش: أي على قيمة نفس العبد مثل أن يقول كاتبتك على قيمتك م: (فالكتابة فاسدة) ش: بلا خلاف للثلاثة، وكذا إذا كان المولى ذميا والعبد مسلما لا يجوز كتابته على خمر أو خنزير.
م: (أما الأول) ش: وهو ما إذا كانت على خمر أو خنزير م: (فلأن الخمر والخنزير لا يستحقه المسلم، لأنه ليس بمال متقوم في حقه) ش: يعني ليس بمال متقوم في حق المسلم م: (فلا يصلح بدلا فيفسد العقد) ش: لأنه صار عقدا بلا بدل.
م: (وأما الثاني) ش: وهو ما إذا كاتبه على قيمته م: (فلأن القيمة) ش: أي قيمة العبد م: (مجهولة قدرا) ش: أي من حيث القدر، يعني مائة أو مائتين م: (وجنسا) ش: يعني ومن حيث الجنس، يعني ذهبا أو فضة م: (ووصفا) ش: يعني من حيث الوصف يعني جيدا أو رديئا م: (فتفاحشت الجهالة وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة) ش: ولم يبين جنسها فإنها تفسد وتفحش الجهالة. الأصل أن ما صلح بدلا في الكتابة، لأنها مبادلة مال بما ليس بمال، إذ البدل في الحال مقابل كل الحجر وهو ليس بمال، فصار كالنكاح.
فإن قلت: لو كاتبه على عبد يصح، وبه قال مالك، خلافا للشافعي وأحمد - رحمهما الله -، ويجب عليه قيمة عبد وسط، حتى لو أتى بالعبد الوسط أو قيمته يجبر المولى على القبول. وإن كاتب على القيمة يجبر بهذه التسمية، فينبغي أن يجوز إذا صرح بالقيمة.
قلت: القيمة فيما نحن بصدده تجب قصدا لا حكما لمكان التصريح بالقيمة، وتجب ثم حكما لا قصدا لأنه تصريح بالعبد وقد يثبت الشيء حكما وضمنا لغيره وإن كان لا يثبت قصدا كبيع الأجنبية ونحوها.
فإن قلت: لما لا تجعل قوله: كاتبتك على ثوب كناية ثمن قوله إن أديت إلي ثوبا فأنت حر فإن في هذه الصورة يعتق بأداء أي ثوب كان.

(10/372)


ولأنه تنصيص على ما هو موجب العقد الفاسد؛ لأنه موجب للقيمة، قال: فإن أدى الخمر عتق، وقال زفر: لا يعتق إلا بأداء قيمة نفسه؛ لأن البدل هو القيمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: لا يمكنه ذلك، لأن الكتابة متى صحت كان حكمه تعلق بالعبد بثوب معين، لأن الثوب مجهول فلا يمكن أن يجعل كناية عنه.
م: (ولأنه تنصيص) ش: تعليل آخر، أي ولأن قوله: كاتبتك على قيمتك تنصيص م: (على ما هو موجب العقد الفاسد) ش: أي القيمة، أراد أن العقد الفاسد يوجب القيمة، وهو معنى قوله م: (لأنه) ش: أي لأن العقد الفاسد م: (موجب للقيمة) ش: فالتنصيص على قيمة العبد تنصيص على موجب العقد الفاسد. ولو نص على العقد الفاسد ينعقد بوصف الفساد، فكذا إذا نص على موجبه.
م: (قال: فإن أدى الخمر عتق) ش: أي قال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وهذا الذي ذكره ظاهر الرواية عن أصحابنا، وعليه نص الحاكم في الكافي. وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب العيون: رجل كاتب عبده على خمر فالكتابة فاسدة، فإن أدى القيمة عتق.
وإن أدى الخمر لا يعتق، وهذا قول زفر. وقال أبو يوسف: أيهما أدى عتق. وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يعتق بأداء الخمر، إلا أن يقول: إن أديت فأنت حر فإنه يعتق وعليه قيمة نفسه، قال الفقيه: هذا كله خلاف رواية المبسوط، فإن في رواية " المبسوط ": لا يعتق بأداء القيمة ويعتق بأداء الخمر وإن قال المولى: إذا أديت إلي فأنت حر فعليه قيمته، انتهى.
وفي " المبسوط ": فإن أداه قبل أن يترافعا إلى القاضي، وقد كان قال له: أنت حر إذا أديته إذ لم يعلمه فإنه يعتق لأن هذا العقد منعقد مع فساده فتعتق بالأداء وعليه قيمة نفسه، لأن العقد فاسد فيلزمه أو رقبة لأهل الفساد، وقد تعذر رده بنفوذ العتق فيه، فيلزمه قيمته كالمشتري شراء فاسدا إذا عتق المبيع قبل القبض.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق) ش: يعني وإن أدى الخمر م: (إلا بأداء قيمة نفسه، لأن البدل هو القيمة) ش: يعني في الكتابة الفاسدة، وقد وقع هكذا في بعض النسخ إلا بأداء قيمة الخمر. قال في الكافي: هذا مشكل.
قلت: لأنه مخالف لعامة الروايات، فإن عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق إلا بأداء القيمة محلاة بالألف واللام بدون إضافته، وفيه أيضا إجمال. وقال الكاكي: النسخة الصحيحة لا تعتق إلا بأداء قيمة نفسه كما هو مذكور في عامة النسخ.
قلت: هذا دعوى منه، بل غالب النسخ لا يعتق إلا بأداء قيمة الخمر، ولهذا لما قال صاحب " الكافي ": وهذا مشكل سكت، ولم يقل النسخة الصحيحة كذا. وكذا ذكر تاج الشريعة في

(10/373)


وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق بأداء الخمر؛ لأنه بدل صورة ويعتق بأداء القيمة أيضا لأنه هو البدل معنى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يعتق بأداء عين الخمر إذا قال إن أديتها فأنت حر؛ لأنه حينئذ يكون العتق بالشرط لا بعقد الكتابة، وصار كما إذا كاتب على ميتة أو دم ولا فصل في ظاهر الرواية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الكفاية " حيث قال: قوله: لايعتق إلا بأداء قيمة الخمر، وذكر في المبسوط قيمة نفسه مكان قيمة الخمر، وفي " مبسوط " خواهر زاده: وإذا وكل رجلا بأن يعتق عبدا على جعل فأعتقه على خمر أو خنزير جاز، وعلى العبد قيمة نفسه.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يعتق بأداء الخمر لأنه بدل صورة) ش: قال السغناقي: هذا الحكم الذي ذكر هو ظاهر الرواية عند علمائنا الثلاثة على ما ذكره في " المبسوط " و " الذخيرة "، فعلى هذا كان من حقه أن لا يخص أبا يوسف وأن يذكر بكلمة عنه.
وقال صاحب " العناية ": هذا صحيح إن كان الألف واللام في القيمة أعني في قوله: ويعتق بأداء القيمة أيضا بدلا عن نفسه. وأما إذا كان بدلا عن الخمر كما ذكره في بعض الشروح فيجوز أن يكون ذلك على ظاهر الرواية عن أبي يوسف.
قلت: سواء جعل الألف واللام في القيمة بدلا عن نفسه أو عن الخمر فعتقه بأداء الخمر هو ظاهر الرواية عندهم، وما قاله السغناقي باق، والشراح ما جعلوا الألف واللام في القيمة إلا بدلا عن نفسه كما صرح بذلك تاج الشريعة وغيره.
والحاصل أن عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أيهما أدى المشروط أو قيمه نفسه يعتق، وعندهما، إنما يعتق بأداء المشروط إذا قال: إن أديتها فأنت حر، لأن العتق يكون بالشرط حينئذ، وصار كما لو كانت على ميتة أو دم فإنه لا يعتق إلا إذا نص على الشرط، وفي ظاهر الرواية يعتق بأداء الخمر، صرح بذكر الشرط أو لم يصرح على ما يجيء الآن. م: (ويعتق بأداء القيمة أيضا) ش: أي قيمة نفسه، قال تاج الشريعة وغيره: كما ذكرنا م: (لأنه هو البدل معنى) ش: أي لأن أداء قيمة نفسه هو البدل من حيث المعنى.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه إنما يعتق بأداء عين الخمر إذا قال: إن أديتها فأنت حر) ش: فحينئذ يعتق وعليه قيمة نفسه، لأن العقد الفاسد إذا أتلف فيه المعقود عليه ويجب فيه القيمة كالمبيع إذا أتلف في البيع الفاسد في يد المشتري م: (لأنه حينئذ يكون العتق بالشرط لا بعقد الكتابة وصار كما إذا كاتب على ميتة أو دم) ش: أي بحصول شرط تعلق به العتق كما إذا كاتب على ميتة أو دم حيث لا يعتق بأدائها، إلا إذا قال المولى إذا أديته الميتة أو الدم فأنت حر، أما إذا لم يقل فلا يعتق بأدائهما، لأن العتق لم ينعقد أصلا فيعتبر فيه التعليق م: (ولا فصل في ظاهر الرواية) ش:

(10/374)


ووجه الفرق بينهما وبين الميتة أن الخمر والخنزير مال في الجملة فأمكن اعتبار معنى العقد فيهما وموجبه العتق عند أداء العوض المشروط. وأما الميتة فليست بمال أصلا فلا يمكن اعتبار معنى العقد فيه، فاعتبر فيه معنى الشرط وذلك بالتنصيص عليه. وإذا أعتق بأداء عين الخمر لزمه أن يسعى في قيمته؛ لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد وقد تعذر بالعتق، فيجب رد قيمته كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع.
قال: ولا ينقص عن المسمى ويزاد عليه؛ لأنه عقد فاسد فتجب القيمة عند هلاك المبدل بالغة ما بلغت، كما في البيع الفاسد، وهذا لأن المولى ما رضي بالنقصان والعبد رضي بالزيادة كيلا يبطل حقه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعني بأداء الخمر، سواء كان في العقد إن أديت الخمر فأنت حر أو لم يقل ذلك. م: (ووجه الفرق بينهما وبين الميتة) ش: أي في ظاهر الرواية بين الخمر والخنزير وبين الميتة م: (أن الخمر والخنزير مال في الجملة) ش: وإن لم يكن متقوما في حكم المسلم م: (فأمكن اعتبار معنى العقد فيهما) ش: باعتبار المالية، ومعنى العقد هو المعاوضة م: (وموجبه العتق) ش: أي موجب معنى العقد هو العتق م: (عند أداء العوض المشروط، وأما الميتة فليست بمال أصلا، فلا يمكن اعتبار معنى العقد فيه، فاعتبر فيه معنى الشرط، وذلك) ش: أي اعتبار معنى الشرط م: (بالتنصيص عليه) ش: أي على الشرط، وهو أداء الميتة.
م: (وإذا أعتق بأداء عين الخمر لزمه أن يسعى في قيمته، لأنه وجب عليه رد رقبته لفساد العقد) ش: لأن موجب العقد الفاسد رد المعقود عليه م: (وقد تعذر بالعتق فيجب رد قيمته كما في البيع الفاسد إذا تلف المبيع) ش: في يد المشتري بعد القبض.

م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا ينقص) ش: أي حال كونها بالغة م: (ما بلغت كما في البيع الفاسد) ش: إذا تلف المبيع تجب قيمة المبيع لتعذره م: (وهذا) ش: أي وجوب القيمة بالغة ما بلغت م: (لأن المولى ما رضي بالنقصان) ش: أي عن المسمى حيث أوجب العقد فيه وإن كانت القيمة أقل.
فإن قلت: ينبغي أن لا يعتبر رضى الولي في النقصان كما في البيع الفاسد، حيث ينقص عن المسمى ويزاد عليه.
قلت: حقيقة المبادلة موجودة ثمة، لأن البائع يصل إليه عوض حقه بالتمام، والواجب هو القيمة، وإنما يصار إلى المسمى عند صحة التسمية، أما هنا فالمولى محسن لأنه يبيع ماله بماله و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وهو إنما رضي بزوال ملكه بقدر ما سمى فلا يجوز النقصان عنه.
م: (والعبد رضي بالزيادة) ش: على المسمى م: (كيلا يبطل حقه) ش: أي حق العبد م: (في

(10/375)


العتق أصلا فتجب القيمة بالغة ما بلغت. وفيما إذا كاتبه على قيمته يعتق بأداء القيمة؛ لأنه هو البدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العتق أصلا) ش: لأنه إن لم يرض بها يمتنع المولى عن العتق فيفوت له إدراك شرف الحرية.
فإن قلت: هذا الإبطال إذا لم يعتق بأداء غير الخمر، أما إذا عتق فلا يلزم هذا.
قلت: يحتمل أن القاضي يرى صحة ما روي عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فيما إذا كاتبه على خمر ولم يقل إن أديتها فأنت حر فأدى الخمر لا يعتق، فلو قضى بتلك الرواية يبطل حقه في العتق.
فإن قلت: يحتمل أن المصنف- رَحِمَهُ اللَّهُ - اختار في إتمام التسمية غير ظاهر الرواية. قال السغناقي: قوله: كيلا يبطل حقه في العتق لا يصلح تعليلا لقوله: والعبد رضي بالزيادة لأنه يمكن أن يكون العبد غير راض بالزيادة على المسمى وإن بطل حقه في العتق، لأن ذلك نفع شرب بالضرر، لأن تحمل الزيادة أضر عليه من العتق، وكم من عبد لا يرضى بنفس العتق من غير بدل.
وفي وقت غرق الطعام فأولى أن لا يرضى عند إيجاب الزيادة على المسمى، والأولى في التعليل أن يقال: لما عقد مع مولاه عقد الكتابة الفاسدة وأقدم عليه باختياره ورضاه كان قابلا قيمة نفسه بالغة ما بلغت، إذ قيمة نفسه قد تزيد على المسمى.
قلت: هذا الذي ذكره معارض بالمثل، لأنه يمكن أن يكون العبد راضيا بالزيادة على المسمى وإن حصل له ضرر في الزيادة لاستشرافه شرف الحرية، ولو كان في وقت غرة الطعام بل هذا هو الغالب في العبد، لأن أصل مقصودهم خلاصهم عن أسر الرقبة وتولي أمور أنفسهم فالمصنف ذكر هذا بناء على الغالب والمغلوب في مقابلة الغالب كحكم العدم وادعاء الأولوية في التعليل الذي ذكره لا برهان له فيها، لأن إقدامه على عقد هذه الكتابة الفاسدة ربما يكون عن جهل معتقدا أنها صحيحة إذ لولا حقيقتها ما أقدم عليها، لأن حال المسلم بناء في ذلك.
م: (فتجب القيمة بالغة ما بلغت) ش: أي فتجب قيمة العبد حال كونها بالغة ما بلغت، وما بلغت في محل النصب باسم الفاعل.
م: (وفيما إذا كاتبه على قيمته) ش: هذا راجع إلى قوله في أول الفصل أو على قيمة نفسه م: (يعتق بأداء القيمة، لأنه هو البدل) ش: أي لأن القيمة هو الفرض، إنما ذكر الضمير إما باعتبار المذكور، وإما بتذكر الخير ولم يذكر بماذا تعرف القيمة.

(10/376)


وأمكن اعتبار معنى العقد فيه وأثر الجهالة في الفساد بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب حيث لا يعتق بأداء ثوب؛ لأنه لا يوقف فيه على مراد العاقد لاختلاف أجناس الثوب فلا يثبت العتق بدون إرادته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي " الذخيرة " و " مبسوط " شيخ الإسلام: وقيمته تعرف بتصادقهما، لأن الحق فيما بينهما وإما بتقويم القومين، فإن اتفق الإتيان منهم على شيء جعل ذلك قيمة له وإن اختلفا لا يعتق ما لم يؤد أقصى القيمتين، لأن شرط العتق لا يثبت م: (وأمكن اعتبار معنى العقد فيه) ش: أي أمكن اعتبار معنى عقد الكتابة في أداء القيمة بأن أدى ما لا يختلف المقومون فيه بأن يقوم أحدهم بثلاثين والآخر بخمسة وثلاثين، والآخر بأربعين، فلما لم يجاوز أحدهم من أربعين وقد أدى أربعين يكون مؤديا قيمتها.
م: (وأثر الجهالة في الفساد) ش: هذا جواب عما يقال القيمة مجهولة فكان الواجب أن يقيد البطلان ولا يعتق بأداء القيمة فقال وأثر الجهالة، أي جهالة القيمة في فساد العقد لا فساد العقد لا في بطلان كما في البيع فإنها تفسده ولا تبطله.
م: (بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب) ش: هذا أيضا جواب عما يقال: الكتابة على ثوب كالكتابة على قيمة العبد فكان ينبغي أن يعتق بأداء الثوب كما عتق بأداء القيمة. فقال بخلاف ما إذا كاتبه على ثوب م: (حيث لا يعتق بأداء ثوب، لأنه لا يوقف فيه) ش: أي في الثوب م: (على مراد العاقد) ش: لأنه لا يزيد ملكه بأي ثوب كان بل ثوب معين ولا يدري أن هذا المؤدى هو ذلك المعني أم لا.
م: (لاختلاف أجناس الثوب فلا يثبت العتق بدون إرادته) ش: أي إرادة المولى أراد أن المتعين ينبغي أن يكون مرادا له حتى يثبت العتق، والإطلاق على ذلك متعذر لاختلاف أجناسه فلا يعتق بدون إرادته، بخلاف القيمة، لأنها وإن كانت مجهولة يمكن استدراك مراده بتقويم المقومين.
فإن قلت: فإن أدى القيمة فيما إذا كاتبه على ثوب يعتق أولا. قلت: ذكر في " الذخيرة " أن الأصل عند علمائنا الثلاثة أن المسمى متى كان مجهول القدر أو الجنس فإنه لا يعتق العبد بأداء القيمة ولا تنعقد هذه الكتابة أصلا لا على المسمى ولا على القيمة.
فإن قلت: ينبغي أن يؤدي ثوبا اعتبارا بجهة التعليق، إذ الكتابة تتضمن المعاوضة والتعليق، فإذا بطل معنى المعاوضة لجهالة الثوب يبقى معنى التعليق فيعتق، كما لو قال: إن أديت إلي ثوبا فأي ثوب أدى عتق، كذلك هاهنا.
قلت: التعليق في ضمن المعاوضة فإذا بطلت جهة المعاوضة بطلت تلك الجهة الأخرى

(10/377)


قال: وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجز؛ لأنه لا يقدر على تسليمه ومراده شيء يتعين بالتعيين حتى لو قال كاتبتك على هذه الألف الدراهم وهي لغيره جاز؛ لأنها لا تتعين في المعاوضات فيتعلق بدراهم دين في الذمة فيجوز. وعن أبي حنيفة رواه الحسن أنه يجوز حتى إذا ملكه وسلمه يعتق، وإن عجز يرد في الرق؛ لأن المسمى مال والقدرة على التسليم موهومة فأشبه الصداق. قلنا: إن العين في المعاوضات معقود عليه، والقدرة على المعقود عليه شرط للصحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أيضا، لأن المتضمن يبطل ببطلان المتضمن.

[كاتبه على شيء بعينه لغيره]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه) ش: الثوب والعبد م: (لغيره) ش: أي حال كون الشيء لغير العبد لا يقال: قوله شيء نكرة فلا يقع ذو الحال، لأنه تخصص بالصفة، أعني قوله: بعينه فإن تقديره على شيء معين م: (لم يجز) ش: أي عقد هذه الكتابة م: (لأنه لا يقدر على تسليمه) ش: ذلك الشيء إلى مولاه، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال مالك: يجوز ويشتريه ويؤديه وإن لم يبعه الغير يؤدي قيمته م: (ومراده شيء يتعين بالتعيين) ش: أي مراد محمد من قوله: على شيء يتعين بالتعيين كالعبد والثوب وغيرهما من المكيل والموزون.
م: (حتى لو قال: كاتبتك على هذه الألف الدراهم وهي لغيره) ش: أي والحال أن هذا الألف لغير العقد م: (جاز) ش: أي عقد الكتابة م: (لأنها) ش: أي لأن الدراهم وكذا الدنانير م: (لا تتعين في المعاوضات فيتعلق) ش: العقد م: (بدراهم دين في الذمة فيجوز) ش: وعند الشافعي وأحمد: لا يجوز هذا أيضا لتعين الدراهم والدنانير عندهما.
م: (وعن أبي حنيفة رواه الحسن أنه يجوز حتى إذا ملكه وسلمه يعتق) ش: أي حتى لو ملك ذلك العين وسلمه المولى عتق، وقال أشهب المالكي: إذا ملكه قبل الفسخ وسلمه جاز م: (وإن عجز يرد في الرق) ش: أي وإن عجز العبد عن تسليم العين المذكور إلى مولاه يرد في الرق م: (لأن المسمى مال، والقدرة على التسليم موهومة) ش: أي قدرة العبد على تسليم العين إلى مولاه بما يحدث له فيه من الملك موهومة م: (قأشبه الصداق) ش: أي أشبه بدل الكتابة من مال الغير صداق المرأة من مال الغير بأن يتزوجها على عبد الغير تصح التسمية فكذا هنا تصح التسمية، فإذا قدر على تسليمه جاز، وإذا لم يجز المالك في النكاح رجعت المرأة على الزوج بقيمة العبد أو بمهر المثل. ولو كانت التسمية فاسدة لرجعت بمهر المثل.
م: (قلنا: إن العين في المعاوضات) ش: هذا إشارة إلى بيان وجه الظاهر، وهو أن العين في المعاوضات، وأراد بالعين بدل الكتابة م: (معقود عليه والقدرة على المعقود عليه شرط للصحة)

(10/378)


إذا كان العقد يحتمل الفسخ كما في البيع، بخلاف الصداق في النكاح؛ لأن القدرة على ما هو المقصود بالنكاح ليس بشرط فعلى ما هو تابع فيه أولى. فلو أجاز صاحب العين ذلك فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز؛ لأنه يجوز البيع عند الإجازة فالكتابة أولى. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز اعتبارا بحال عدم الإجازة على ما قال في الكتاب، والجامع بينهما أنه لا يفيد ملك المكاسب وهو المقصود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي شرط صحة العقد، ولهذا لم يجز بيع الآبق م: (إذا كان العقد يحتمل الفسخ) ش: أي والكتابة تحتمل الفسخ فشرط القدر على المعقود عليه م: (كما في البيع) ش: فإنه يحتمل الفسخ فيشترط فيه القدرة على المعقود عليه.
فإن قلت: البدل في الكتابة له حكم الثمن بدليل جواز الكتابة الحالية الثمن معقود به لا معقود عليه، فلا تكون القدرة عليه شرطا.
قلت: هذا إذا كان من النقود وليس الكلام فيه، وإنما كلامنا في العين فيصير عقد الكتابة بمنزلة المقايضة فيصير للبدل حكم المبيع فيشترط القدرة عليه.
م: (بخلاف الصداق في النكاح) ش: هذا جواب عن قوله: فأشبه الصداق وذلك م: (لأن القدرة على ما هو المقصود بالنكاح) ش: وهو منافع البضع أو التوالد والتناسل م: (ليس بشرط) ش: حتى لو تزوج رضيعة يجوز م: (فعلى ما هو تابع فيه أولى) ش: أي فالقدرة على ما هو تابع وهو الصداق يصح، والكتابة بدون ذكر البدل لا يصح فوضح الفرق.
م: (فلو أجاز صاحب العين ذلك) ش: أراد في قوله وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجز، أي لو أجاز مالك العين ذلك يعني ما قاله المولى لعبده م: (فعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز، لأنه يجوز البيع عند الإجازة) ش: بأن اشترى شيئا بمال الغير فأجازه الغير يجوز مع أنه مبني على المضايقة والمماكسة م: (فالكتابة أولى) ش: بالجواز، لأن مبناها على المسامحة. وقيل: لأنها لا تفسد بالشرط الفاسد، بخلاف البيع، فصار صاحب المال مفوضا المال من العبد فتصير العين من أكسابه.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يجوز) ش: أي وإن أجاز صاحب العبد، وهذه رواية ابن سماعة عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (اعتبارا بحال عدم الإجازة على ما قال في الكتاب) ش: أي " الجامع الصغير "، أشار به إلى قوله: وكذلك إن كاتبه على شيء بعينه لغيره لم يجزه م: (والجامع بينهما أنه) ش: أي عقد الكتابة م: (لا يفيد ملك المكاسب وهو المقصود) ش: أي والحال أن ملك المكاسب هو المقصود في الحال.

(10/379)


لأنها تثبت للحاجة إلى الأداء منها ولا حاجة فيما إذا كان البدل عينا معينا، والمسألة فيه على ما بيناه. وعن أبي يوسف أنه يجوز، أجاز ذلك أو لم يجز، غير أنه عند الإجازة يجب تسليم عينه، وعند عدمها يجب تسليم قيمته كما في النكاح، والجامع بينهما صحة التسمية لكونه مالا. ولو ملك المكاتب ذلك العين فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه أبو يوسف أنه إذا أداه لا يعتق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: المقصود من عقد الكتابة هو الحرية.
قلت: موجب الشيء ما يكون عقيب ذلك الشيء، وما يعقب الكتابة هو ملك الحر وملك المكاسب. وأما الحرية فعند انقضاء عقد المكاتبة لا عقيبه، فيكون الموجب هو ملك المكاسب.
م: (لأنها) ش: أي لأن الكتابة: وفي بعض النسخ " لأنه " أي لأن عقد الكتابة م: (تثبت للحاجة إلى الأداء منها) ش: أي من المكاسب م: (ولا حاجة فيما إذا كان البدل عيناً معيناً) ش: لغيره، لأن العقد لم ينعقد إذا كان البدل عيناً لغيره فلم يحتج إلى أداء منه، لأن الاحتياج إليه عند صحة العقد م: (والمسألة فيه) ش: أي فرض المسألة فيما إذا كان البدل عينا معينا، وقد أشار بقوله: معينا بعد قوله: عينا احترازا من الدراهم والدنانير المعينة، فإنها وإن عينت لا تتعين عندنا، فتجوز الكتابة حتى إذا كاتبه على ألف فلأن هذه جازت، فإن أدى تلك الألف أو ألفا أخرى عتق م: (على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله ومراده شيء يتعين بالتعيين.
م: (وعن أبي يوسف أنه يجوز أجاز ذلك أو لم يجز) ش: أي روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحكم المذكور وهو ما إذا كاتبه على شيء بعينه لغيره أجاز مالك الشيء أو لم يجزه م: (غير أنه عند الإجازة يجب تسليم عينه) ش: أي غير أن الشأن عند إجازة مالك الشيء يكون العقد على شيء يجب على الكاتب تسليم عين ذلك الشيء إلى المولى م: (وعند عدمها يجب تسليم قيمته) ش: أي وعند عدم إجازة مالك الشيء يجب على المكاتب تسليم قيمة ذلك الشيء.
م: (كما في النكاح) ش: فإنه إذا نكح امرأة على عبد رجل بعينه يصح العقد، فإن رضي مالك العبد يدفعه إليها فبها وإلا فيجب على الزوج قيمة العبد م: (والجامع بينهما صحة التسمية لكونه مالا) ش: أي المعنى الجامع بين المقيس الذي هو الكتابة المذكورة والمقيس عليه الذي هو النكاح صحة التسمية في كل منهما لكونه مالا، أي لكون التسمية والتذكير باعتبار المسمى مالا.
م: (ولو ملك المكاتب ذلك العين) ش: أراد أن مالك العين لم يجز، ولكن ملك المكاتب العين بسبب من أسباب الملك م: (فعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رواه أبو يوسف أنه إذا أداه لا يعتق) ش: أي روى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه أي المكاتب إذا أدى تلك العين التي ملكها لا

(10/380)


وعلى هذه الرواية لم ينعقد العقد إلا إذا قال له: إذا أديت إلي فأنت حر، فحينئذ يعتق بحكم الشرط، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعنه أنه يعتق قال ذلك أو لم يقل؛ لأن العقد ينعقد مع الفساد لكون المسمى مالا فيعتق بأداء المشروط. ولو كاتبه على عين في يد المكاتب ففيه روايتان وهي مسألة الكتابة على الأعيان، وقد عرف ذلك في الأصل. وقد ذكرنا وجه الروايتين في كفاية المنتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يعتق م: (وعلى هذه الرواية لم ينعقد العقد إلا إذا قال له: إذا أديت إلي فأنت حر، فحينئذ يعتق بحكم الشرط) ش: هذه الرواية هي ظاهر الرواية أن عقد الكتابة لا ينعقد من الأول إلا بالشرط بأن يقول المولى إذا أديت إلي هذه العين فأنت حر فإنه يعتق عند الأداء لوجود الشرط ولا يعتق بالعقد لعدم انعقاده م: (وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وهكذا روي أيضا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثلما روى هو عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه لا يعتق إلا بالشرط، وهذا رواية الحسن بن أبي مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - عنه. وذكر في اختلاف زفر ويعقوب أن قول زفر مثل ذلك.
م: (وعنه أنه يعتق قال ذلك أو لم يقل) ش: أي وروي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواه عن أصحاب " الإملاء ": أنه يعتق بدفع العين إلى مولاه سواء قال المولى إن أديت إلي فأنت حر أو لم يقل م: (لأن العقد ينعقد مع الفساد لكون المسمى مالا فيعتق بأداء المشروط) ش: كما لو كاتبه على خمر فأدى فإنه يعتق.
م: (ولو كاتبه على عين في يد المكاتب) ش: بأن كان مأذونا في التجارة والمراد عين معين سوى الدراهم والدنانير، فإنه لو كاتبه على دراهم أو دنانير في يد العبد من كسبه تجوز الكتابة باتفاق الروايات، ذكره شيخ الإسلام في " مبسوطه ".
م: (ففيه روايتان) ش: أي ففي حكمه روايتان في رواية كتاب الشرب من الأصل يجوز، وفي رواية كتاب المكاتب من الأصل لا يجوز م: (وفي مسألة الكتابة على الأعيان) ش: وهي التي ذكرت قبيل هذا بقوله: وإن كاتبه على شيء بعينه لم يجز.
وعن أبي حنيفة رواه الحسن: يجوز م: (وقد عرف ذلك في الأصل) ش: أي قد عرف حكم ما ذكر من الكتابة على شيء بعينه في " المبسوط ".
م: (وقد ذكرنا وجه الروايتين) ش: يعني الجواز وعدم الجواز م: (في كفاية المنتهى) ش: وهو كتاب صنفه المصنف- رَحِمَهُ اللَّهُ - كتاب حافل عظيم لم يقع في هذه الديار، قيل: إنه موجود في بلاد الهند وأحاله عليه ولم يذكره هنا لطول الكلام فيه.
وجه روايته أنه كتابة على مال معلوم مقدور التسليم فيجوز، ولأن البيع يجوز بإجازة مالك

(10/381)


قال وإن كاتبه على مائة دينار على أن يرد المولى إليه عبدًا بغير عينه فالكتابة فاسدة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي جائزة ويقسم المائة الدينار على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فبطل منها حصة العبد فيكون مكاتبا بما بقي؛ لأن العبد المطلق يصلح بدل الكتابة وينصرف إلى الوسط، فكذا يصلح مستثنى منه وهو الأصل في إبدال العقود. ولهما أنه لا يستثنى العبد من الدنانير، وإنما يستثنى قيمته والقيمة لا تصلح بدلاً فكذلك مستثنى.
قال وإذا كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة استحسانًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العين فالكتابة أولى. وجه رواية عدم الجواز أن كسب العبد وقت العقد وقت ملك المولى فصار كما إذا كاتبه على عين من أعيان مال المولى وإنه لا يجوز، فكذا هذا.
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كاتبه على مائة دينار على أن يرد المولى إليه عبدا بغير عينه فالكتابة فاسدة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-) ش: قيد بقوله: على عبد بغير عينه، لأنه لو كان العبد معينا يجوز بالاتفاق لجواز بيع المعين بالاتفاق، فكذا استثناؤه عند الثلاثة لا يجوز في العين وغيره لأنه شرط فاسد وصفقة في صفقة.
م: (وقال أبو يوسف: - رَحِمَهُ اللَّهُ - هي جائزة ويقسم المائة الدينار على قيمة المكاتب وعلى قيمة عبد وسط فتبطل منها حصة العبد فيكون مكاتبا بما بقي) ش: حتى إذا كان بدل الكتابة مائة، وقيمة العبد خمسين يجب على المكاتب إذا خمسون ويسقط خمسون في مقابلة العبد م: (لأن العبد المطلق يصلح بدل الكتابة وينصرف إلى الوسط) ش: وهذا بالاتفاق بكل ما يصلح بدلا م: (فكذا يصلح مستثنى منه) ش: أي حال كونه مستثنى منه، فهذا استثناء من حيث المعنى هو الأصل أي كون كل ما صلح بدلا صلحا مستثنى من البدل م: (وهو الأصل في أبدال العقود) ش: بفتح الهمزة جمع بدل.
الحاصل أن الأصل أن كل ما يصلح إيراد العقد عليه بانفراده يصح استثناؤه من العقد والعبسد المطلق يصح إيراد العقد عليه ابتداء هاهنا، فكذا استثناؤه من العقد.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- م: (أنه لا يستثنى العبد من الدنانير) ش: هذا قول بالموجب، يعني: سلمنا هذا الأصل، ولأن إنما تكون فيما يصلح الاستثناء، وهاهنا ليس كذلك، لأنه لا يستثنى العبد من الدينار لاختلاف الجنس م: (وإنما يستثنى قيمته) ش: يعني إنما يصح استثناء العبد من الدينار بحسب قيمته لا بحسب نفس العبد م: (والقيمة لا تصلح بدلا) ش: لتفاحش الجهالة من حيث الجنس والقدر والوصف م: (فكذلك مستثنى) ش: أي فكذلك لا يصلح حال كونه مستثنى.

[كاتبه على حيوان غير موصوف]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا كاتبه على حيوان غير موصوف فالكتابة جائزة استحسانًا

(10/382)


ومعناه أن يبين الجنس ولا يبين النوع والصفة وينصرف إلى الوسط ويجبر على قبول القيمة وقد مر في النكاح
أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول دابة لا يجوز؛ لأنه يشتمل أجناسا مختلفة فتتفاحش الجهالة. وإذا بين الجنس كالعبد والوصيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(ومعناه) ش: أي معنى قول القدوري جائزة م: (أن يبين الجنس) ش: كالعبد والفرس م: (ولا يبين النوع) ش: أنه تركي أو هندي م: (والصفة) ش: أنه جيد أو رديء م: (وينصرف إلى الوسط) ش: فيجوز العقد، وبه قال مالك، وإنما ينصرف إلى الوسط كما في الزكاة والدية نظرا إلى الجانبين، ثم الوسط عند أبي حنيفة في العبد الذي قيمته أربعون درهما.
وعندهما على قدر غلاء السعر ورخصه ولا ينظر في قيمة الوسط إلى قيمة المكاتب، لأن عقد الكتابة عقد إرفاق، فالظاهر أن يكون البدل على أقل من قيمة المكاتب م: (ويجبر على قبول القيمة) ش: أي يجبر المولى، لأنها أصل من حيث إن المسمى يعرف بها فيجبر على القبول م: (وقد مر في النكاح) ش: أي في باب المهر، فإنه إذا تزوجها على حيوان وبين جنسه ولم يبين نوعه وصفته فإنه يجوز وينصرف إلى الوسط.

م: (أما إذا لم يبين الجنس مثل أن يقول: دابة لا يجوز، لأنه يشتمل) ش: أي لأن قوله: دابة يشتمل م: (أجناسا مختلفة) ش: مما يدب على وجه الأرض م: (فتتفاحش الجهالة) ش: فيفضي إلى المنازعة فلا يجوز م: (وإذا بين الجنس كالعبد والوصيف) ش: بفتح الواو وكسر الصاد على وزن فعيل اسم للغلام، والجمع وصفاء، والجارية وصيفة وجمعها وصائف، هذا الذي ذكره الفقهاء.
وذكر في " العباب " الوصيف الخادم غلاما كان أو جارية، يقال: وصف الغلام بالضم إذا بلغ الخدمة، والجمع وصفاء. وقال ثعلب: ربما قالوا للجارية: وصيفة والجمع وصائف انتهى. فعلى هذا الفرق الذي ذكره الفقهاء بين الوصيف الذكر والوصيفة للأنثى يكون على هذه الرواية.
فإن قلت: إن العبد إذا كان يطلق على الذكر والأنثى فلا يكون في عطف الوصيف عليه زيادة فائدة بل في المعنى يكون عطف الشيء على مثله.
قلت: العبد في المعرف لا يطلق إلا على الذكر من الأرقاء بدليل أنهم يستعملون في المقابلة الجارية أو الأمة فالوصيف أعم فيكون من عطف العام على الخاص. وإن كان إطلاقه عليهما جميعا كالوصيف يكون العطف أيضا صحيحا مفيدا لفائدة، وهي أن الوصيف اسم لمن يوصف بالخدمة بأن كان قادرا عليها، والعبد أعم من أن يبلغ الخدمة أولى، فعلى هذا يكون عطف العام على الخاص.

(10/383)


فالجهالة يسيرة ومثلها يتحمل في الكتابة فتعتبر جهالة البدل بجهالة الأجل فيه. وقال الشافعي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يجوز وهو القياس؛ لأنه معاوضة فأشبه البيع. ولنا أنه معاوضة مال بغير مال أو بمال لكن على وجه يسقط الملك فيه فأشبه النكاح، والجامع أنه يبتني المسامحة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فالجهالة يسيرة) ش: لأنها ترجع إلى الوصف دون الذات م: (ومثلها يتحمل في الكتابة) ش: لأنها تشبه البيع من حيث إنها معاوضة، ألا ترى أنها تقال وتفسخ لشبه النكاح أيضا من حيث إنها معاوضة مال بما ليس بمال، فإذا كانت الجهالة في أصلها منع الجواز لشبه البيع، وإذا كانت في الوصف لا يمنع لشبه النكاح.
م: (فتعتبر جهالة البدل بجهالة الأجل فيه) ش: أي في عقد الكتابة كما لو قال كاتبتك إلى الحصاد والدياس أو العطاء صحت الكتابة، لأن مبناها على المسامحة.
فإن قلت: كيف جعل المصنف هاهنا العبد جنسا واحدا وجعل في الوكالة أجناسا مختلفة حتى لم يجوز الوكالة بشري العبد مطلقا.
قلت: اللفظ إن شمل أجناسا عالية كالدابة مثلا، أو متوسطة كالمركوب منع الجواز مطلقا في الكتابة والوكالة والنكاح والبيع وغيرها، وإن شمل أجناسا سافلة كالعبد منعه فيما يبتني على المماكسة كالبيع والوكالة لا فيما بني على المسامحة كالكتابة والنكاح.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز، وهو القياس) ش: وبه قال أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - ومذهبهما هو القياس م: (لأنه معاوضة) ش: أي لأن عقد الكتابة عقد معاوضة مال بمال م: (فأشبه البيع) ش: في أن تسمية البدل شرط فيها كما هي شرط فيه، والبيع مع البدل المجهول والأجل المجهول لا يجوز، فكذا الكتابة.
م: (ولنا أنه) ش: أي عقد الكتابة م: (معاوضة مال بغير مال) ش: أي في الابتداء، لأن البدل في الابتداء مقابل بفك الحجر وهو ليس بمال م: (أو بمال) ش: أي في معاوضة مال في الانتهاء لأنه يقابل الرقبة م: (لكن على وجه يسقط الملك فيه) ش: لأن العبد لا يتملك مالية نفسه، بل يسقط ملك المولى.
م: (فأشبه النكاح) ش: لأن منافع البضع مال عند الدخول، فيكون معاوضة مال بمال، ألا ترى أن الشرع جعلها كالأعيان لكن على وجه يسقط الملك للزوج، ولهذا لا يقدر على تمليكها.
م: (والجامع) ش: أي المعنى الجامع في كون الكتابة كالنكاح م: (أنه يبتنى على المسامحة) ش: أي أن عقد الكتابة يبتنى على المسامحة كالنكاح، وهذا المقدار كان في إلحاقها بالنكاح م:

(10/384)


بخلاف البيع؛ لأن مبناه على المماكسة.
قال: وإذا كاتب النصراني عبده على خمر فهو جائز، معناه إذا كان مقدارا معلوما والعبد كافرا؛ لأنها مال في حقهم بمنزلة الخل في حقنا وأيهما أسلم فللمولى قيمة الخمر؛ لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها. وفي التسليم ذلك إذ الخمر غير متعين فيعجز عن تسليم البدل، فيجب عليه قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(بخلاف البيع، لأن مبناه على المماكسة) ش: هذا جواب عن قول الشافعي، فأشبه البيع أشار بأن قياسه الكتابة على البيع باطل الوجود، قال الفارق وهو ابتناء البيع على المماكسة والمضايقة، وابتناء الكتابة على المسامحة والمساهلة.

[كاتب النصراني عبده على خمر]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كاتب النصراني عبده على خمر فهو جائز، معناه إذا كان مقدارا معلوما والعبد كافرا) ش: أي معنى الذي في " الجامع الصغير " إذا كان الخمر مقدارا معلوما، وأن يكون العبد أيضا نصرانيا.
ولو أتى بعبارة محمد كما هي لما كان يحتاج إلى هذا التفسير فإنه قال محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل نصراني كاتب عبدا له نصرانيا على أرطال خمر قال: المكاتبة جائزة ولما لم يأت بهذه العبارة، أشار بهذا إلى أنه لا بد من قيدين في جواز هذا الكتابة.
الأول: أن يكون الخمر مقدارا معلوما، لأن الجهالة مانعة، والثاني: أن يكون العبد كافرا إلا إذا كان مسلما لا يجوز.
ولكن مع هذا إذا أدى الخمر يعتق لتضمن الكتابة تعليق العتق بأداء البدل المذكور، وصار كما لو كاتب المسلم عبد المسلم على خمر فأدى المكاتب الخمر فإنه يعتق، كذا ذكره بعض المشايخ كالقاضي ظهير الدين والرازي ونجم الدين (....
... ) والنيسابوري في " شرح الجامع الصغير ". وفي " شرح الطحاوي " و" التمرتاشي ": لو أدى الخمر لا يعتق. ولو أدى القيمة يعتق.
م: (لأنها مال في حقهم بمنزلة الخل في حقنا، وأيهما أسلم) ش: أي من المولى والعبد م: (فللمولى قيمة الخمر) ش: وعند الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية عنه تفسد الكتابة؛ لأنه لا يمكنه تسليم البدل فصار كأنه عجز نفسه.
م: (لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها، وفي التسليم ذلك) ش: أي التمليك والتملك باعتبار كل واحد م: (إذ الخمر غير متعين فيعجز عن تسليم البدل فيجب عليه قيمته) ش: أشار ب إذا التعليلية أن الخمر في المسألة المذكورة غير معينة فالملك يثبت فيها بمجرد عقد الكتابة.

(10/385)


وهذا بخلاف ما إذا تبايع الذميان خمرا ثم أسلم أحدهما حيث يفسد البيع على ما قاله البعض؛ لأن القيمة تصلح بدلا في الكتابة في الجملة فإنه لو كاتب على وصيف وأتى بالقيمة يجبر على القبول فجاز أن يبقى العقد على القيمة، أما البيع لا ينعقد صحيحا على القيمة فافترقا. قال: وإذا قبضها عتق؛ لأن في الكتابة معنى المعاوضة، فإذا وصل أحد العوضين إلى المولى سلم العوض الآخر للعبد وذلك بالعتق، بخلاف ما إذا كان العبد مسلما حيث لم تجز الكتابة؛ لأن المسلم ليس من أهل التزام الخمر، ولو أداها عتق وقد بيناه من قبل والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي الذي ذكرناه م: (بخلاف ما إذا تبايع الذميان خمرا ثم أسلم أحدهما حيث يفسد البيع على ما قاله البعض) ش: لأن الأجر كما وقع عن تسليم المسمى لا تصلح عوضا في البيع بحال ففسد.
قيد بقوله: على ما قاله البعض؛ لأنه ذكر بعض المشايخ ينبغي أن يكون الجواب في البيع كالجواب في الكتابة والرواية في الكتابة رواية في المبيع.
م: (لأن القيمة تصلح بدلا في الكتابة في الجملة) ش: أي لأن قيمة الخمر تصلح بدلا في عقد الكتابة.
وأظهر ذلك بقوله م: (فإنه لو كاتب على وصيف) ش: أي عبد للخدمة م: (وأتى بالقيمة يجبر على القبول، فجاز أن يبقى العقد على القيمة) ش: لأن البقاء أسهل من الابتداء م: (أما البيع لا ينعقد صحيحا على القيمة فافترقا) ش: أي البيع والكتابة.
م: (قال: وإذا قبضها عتق) ش: أي إذا قبض المولى قيمة الخمر، وهذا لفظ الصدر الشهيد في الجامع الصغير، أما لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإذا أداها عتق، وقد ذكر فيما مضى م: (لأن في الكتابة معنى المعاوضة، فإذا وصل أحد العوضين إلى المولى سلم العوض الآخر للعبد وذلك بالعتق، بخلاف ما إذا كان العبد مسلما حيث لم تجز الكتابة، لأن المسلم ليس من أهل التزام الخمر) ش: لكونها غير مال متقوم في حقه فلا يصح.
م: (ولو أداها عتق) ش: أي ولو أدى الخمر عتق، أراد أن العبد المسلم إذا أدى الخمر عتق أيضا لوجود معنى التعليق كما ذكرناه مستقصى مع الخلاف فيه م: (وقد بيناه من قبل والله أعلم) ش: أشار به إلى ما ذكره في أول الفصل بقوله فإن أدى الخمر عتق.
وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يعتق. وفي شرح الكافي ذمي ابتاع عبدا مسلما فكاتبه قال هو جائز ولا يرد، لأن تخليصه بإزالة ملكه عن المسلم وبالكتابة يجعل هذا المعنى، وإن كاتبة على خمر أو خنزير لم يجز، فإن أدى الخمر عتق وعليه قيمته كما في البيع الفاسد.

(10/386)