البناية شرح الهداية

باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله قال: ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر؛ لأن موجب الكتابة أن يصير حرا يدا، وذلك بمالكية التصرف مستبدا به تصرفا يوصله إلى مقصوده وهو نيل الحرية بأداء البدل والبيع والشراء من هذا القبيل، وكذا السفر؛ لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فتحتاج إلى المسافرة ويملك البيع بالمحاباة؛ لأنه من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة واحدة ليربح في أخرى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله]
م: (باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله) ش: لما بين أحكام الكتابة وأنواعها شرع في بيان ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز، فإن جواز التصرف يبتنى على العقد الصحيح.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر) ش: خلافا لمالك والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول م: (لأن موجب الكتابة أن يصير حرا يدا، وذلك بمالكية التصرف مستبدا به) ش: أي حال كونه مستقلا بالتصرف م: (تصرفا يوصله إلى مقصوده وهو نيل الحرية بأداء البدل) ش: أي بدل الكتابة، وانتصاب تصرفا.
م: (والبيع والشراء من هذا القبيل) ش: أي من قبيل التصرف الذي يوصل المتعاقدين إلى مقصودهما، لأن مقصود البائع الوصول إلى الثمن ومقصود المشتري الوصول إلى العين وذا لا يحصل إلا بالبيع والشراء، وكذلك هاهنا مقصد السيد الوصول إلى بدل الكتابة، ومقصود العبد منه الحرية، وذا يحصل بالبيع والشراء.
م: (وكذا السفر؛ لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فتحتاج إلى المسافرة) .
ش: فإن قلت: فيه غرور وخطر.
قلت: يبطل بالرهن والوديعة، فإن فيهما ذلك ويصحان من المكاتب م: (ويملك البيع بالمحاباة) ش: وهي بيع شيء يساوي مائة بتسعين مثلا وهو على وزن مفاعلة من حابى يحابي وثلاثية حتى يقال حباه حبوة أي أعطاه والحباء العطاء وحاباه في البيع محاباة. وقال الثلاثة: لا يملك البيع بالمحاباة لأنه تبرع كالهبة والعتق.
ولنا ما قاله بقوله م: (لأنه) ش: أي لأن البيع بالمحاباة م: (من صنيع التجار، فإن التاجر قد يحابي في صفقة واحدة) ش: استجلابا لقلوب الناس إليه م: (ليربح في أخرى) ش: أي في صفقة أخرى، وهذا كما ترى لم يذكر فيه الخلاف.
وقال في " شرح الطحاوي ": لا يجوز للمكاتب البيع إلا على المعروف في قولهما، ويجوز في قول أبي حنيفة يجوز بيع المكاتب بالقليل والكثير. وقالا بما يتغابن في مثله.

(10/387)


قال: فإن شرط عليه أن لا يخرج من الكوفة فله أن يخرج استحسانا، لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وهو مالكية اليد على جهة الاستبداد وثبوت الاختصاص بنفسه فبطل الشرط وصح العقد؛ لأنه شرط لم يتمكن في صلب العقد وبمثله لا تفسد الكتابة، وهذا لأن الكتابة تشبه البيع وتشبه النكاح فألحقناها بالبيع في شرط تمكن في صلب العقد كما إذا شرط خدمة مجهولة؛ لأنه في البدل وبالنكاح في شرط لم يتمكن في صلبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[شرط المولى على المكاتب أن لا يخرج من الكوفة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فإن شرط عليه) ش: أي فإن شرط المولى على المكاتب م: أن لا يخرج من الكوفة) ش: هذا ليس بقيد، بل الحكم في غير الكوفة كذلك، وتخصيصها بالذكر باعتبار وضع المسألة فيها م: (فله أن يخرج استحسانا) ش: وبه قال الشافعي. وفي قول لا يجوز له الخروج بدون الشرط، فبالشرط أولى وهو القياس.
وأشار إلى وجه الاستحسان بقوله م: (لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد وهو مالكية اليد على جهة الاستبداد) ش: أي الاستقلال، يقال فلان استبد برأيه أي انفرد م: (وثبوت الاختصاص بنفسه) ش: أي اختصاص العمل في الكوفة م: (فبطل الشرط) ش: أي شرط المولى عدم خروجه من الكوفة م: (وصح العقد) ش: أي عقد الكتابة، وهذا في نفس الأمر جواب عما قيل هذا الشرط يقتضي بطلان العقد كما في البيع.
فقال وصح العقد م: (لأنه شرط) ش: أي لأن هذا الشرط الذي شرطه المولى شرطا م: (لم يتمكن في صلب العقد) ش: لأن الداخل في صلب العقد ما يكون في البدلين وهنا ليس كذلك؛ لأنه شرط في بدل الكتابة ولا فيما يقابله م: (وبمثله) ش: أي بمثل هذا الشرط م: (لا تفسد الكتابة) ش: وإنما تفسد إذا تمكن من الشرط في صلب العقد نحو ما إذا قال كاتبتك على أن تخدمني مدة أو زمانا، أو كاتب جارية على ألف بشرط أن يطأها مادامت مكاتبة ونحو ذلك.
م: (وهذا) ش: أي هذا التفصيل بين كون الشرط المتمكن في صلب العقد مفسدا وبين كون الشرط الغير المتمكن غير مفسد م: (لأن الكتابة تشبه البيع) ش: من حيث إنها تحمل الفسخ في الابتداء م: (وتشبه النكاح) ش: أي تشبه النكاح من حيث إنها لا تحتمل الفسخ في الابتداء وتشبه الهبة والنكاح بعد تمام المعقود بالأداء.
قال تاج الشريعة: تشبه البيع من حيث إنها معاوضة ولا تصح بدون البدل، ويحتمل الفسخ قبل الأداء، ويشبه النكاح من حيث إنها معاوضة مال بغير مال م: (فألحقناها بالبيع في شرط تمكنه في صلب العقد كما إذا شرط خدمة مجهولة) ش: بأن قال كاتبتك على أن تخدمني مدة كما ذكرنا عن قريب م: (لأنه في البدل) ش: أي لأن الشرط في البدل فيكون في صلب العقد م: (وبالنكاح) ش: أي ألحقناه بالنكاح م: (في شرط لم يتمكن في صلبه) ش: أي في صلب العقد

(10/388)


هذا هو الأصل، أو نقول إن الكتابة في جانب العبد إعتاق؛ لأنه إسقاط الملك، وهذا الشرط يخص العبد فاعتبر إعتاقا في حق هذا الشرط، والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة.
هذا هو الأصل، قال: ولا يتزوج إلا بإذن المولى؛ لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوسل إلى المقصود والتزوج ليس وسيلة إليه. ويجوز بإذن المولى؛ لأن الملك له ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير؛ لأن الهبة والصدقة تبرع وهو غير مالك ليملكه، إلا أن الشيء اليسير من ضرورات التجارة؛ لأنه لا يجد بدا من ضيافة وإعارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيصح العقد ويبطل الشرط م: (وهذا هو الأصل) ش: أي العمل بالشبهين عند دلالة الدليلين المتقابلين هو الأصل.
م: (أو نقول إن الكتابة في جانب العبد إعتاق) ش: لأن الإعتاق إزالة الملك لا إلى أحد والكتابة كذلك؛ لأنه لا يحصل للمكاتب شيء، وإنما يسقط عنه ملك مولاه م: (لأنه إسقاط الملك) ش: أي لأن عقد الكتابة إسقاط الملك وفك الحجر وإطلاق اليد بمنزلة الإعتاق. م: (وهذا الشرط يخص العبد) ش: أي شرط عدم الخروج يحتمل العبد، أي يتعلق به م: (فاعتبر) ش: أي عقد الكتابة م: (إعتاقا في حق هذا الشرط) ش: أي شرط عدم الخروج م: (والإعتاق لا يبطل بالشروط الفاسدة) ش: كما لو أعتق عبدا على أنه نائبه فإن الشرط باطل والإعتاق صحيح لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الولاء لمن أعتق» فدل الحديث على أن الشرط الفاسد لا يبطل الإعتاق.

[لا يتزوج المكاتب إلا بإذن المولى]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا يتزوج إلا بإذن المولى) ش: وبه قالت الثلاثة.
وقال ابن أبي ليلى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن شرط عليه أن لا يتزوج إلا بإذنه لم يتزوج بغير إذنه وإن لم يشترط ذلك جاز له التزوج بغير إذنه ليملكه منافع نفسه م: (لأن الكتابة فك الحجر مع قيام الملك ضرورة التوصل إلى المقصود) ش: أي لأجل ضرورة التوسل إلى المقصود فمقصود المولى البدل، وذلك بقيام الملك، ومقصود المكاتب تحصيل الكسب للإيفاء م: (والتزوج ليس وسيلة إليه) ش: أي إلى المقصود، لأن التزوج ليس من اكتساب المال، بل فيه التزام المهر والنفقة، وأعاد تاج الشريعة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الضمير في اليد إلى الاكتساب وليس بظاهر.
م: (ويجوز) ش: أي التزوج م: (بإذن المولى؛ لأن الملك له) ش: معنى الملك قائم فيه فهو كالحر فلا يجوز له إلا بإذن م: (ولا يهب ولا يتصدق إلا بالشيء اليسير) ش: أي ما دون الدرهم؛ لأنه قليل يتوسع فيه الناس قاله تاج الشريعة م: (لأن الهبة والصدقة تبرع، وهو غير مالك ليملكه) ش: بتشديد اللام م: (إلا أن الشيء اليسير من ضرورات التجارة؛ لأنه لا يجد بدا) ش: أي مفارقة م: (من ضيافة) .
ش: وفي بعض النسخ من إضافة فالأول من ضاف والثاني من أضاف م: (وإعارة) ش:

(10/389)


ليجتمع عليه المجاهزون
ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته وتوابعه ولا يتكفل؛ لأنه تبرع محض فليس من ضرورات التجارة والاكتساب ولا يملكه بنوعيه نفسا ومالا؛ لأن كل ذلك تبرع ولا يقرض؛ لأنه تبرع ليس من توابع الاكتساب، فإن وهب على عوض لم يصح،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شيء مثل الدار أو الثياب استجلابا لقلوبهم م: (ليجتمع عليه المجاهزون) ش: أي على المكاتب وهو جمع مجاهز وهو عند العامة الغني من التجار، وكأنه أريد به المجهز وهو الذي يبعث التجارة بالجهاز وهو فاخر المتاع ويسافر به، كذا قال في المغرب أراد إطلاق المجاهز على الغني لغة العامة والعرب لم تتكلم به، والمستعمل في اللغة المجهز ولكنه أعم من أن يكون في بعث التجارة بالجهاز وغيره، يقال جهز بعثه وجهز الجيش وجهز الغازي والميت وغير ذلك وتجهز للسفر إذا استعد والجهاز بفتح الجيم وكسرها جهاز العريس.

م: (ومن ملك شيئا يملك ما هو من ضروراته وتوابعه) ش: فالمكاتب يملك التجارة فيملك ما هو من ضرورات التجارة كالضيافة والإعارة والشيء اليسير من الهبة أو الصدقة م: (ولا يتكفل) ش: سواء كان بأمر المكفول عنه أو بغير أمره وسواء كان بإذن مولاه أو بغير إذنه وحكم كفالته في المال ككفالة المحجور عليه يصح في حقه بعد المعتق لا في الحال م: (لأنه تبرع محض) ش: أي لأن التكفل تبرع خالص م: (فليس من ضرورات التجارة والاكتساب ولا يملكه بنوعيه) ش: أي لا يملك التكفل بنوعيه وهما التكفل بالنفس والتكفل بالمال وفسرهما بقوله: م: (نفسا ومالا) ش: وانتصابهما بتقدير أعني م: (لأن كل ذلك تبرع) ش: أي لأن كل التكفيل تبرع، يعني سواء كان بالنفس أو بالمال أو بأمر المكفول عنه أو بغير أمره.
أما بغير الأمر فظاهر، وكذا بالأمر لأن الكفيل عند الأداء كالقرض للمكفول عنه والإقراض تبرع؛ لأنه إعارة، وكذا الكفالة بالنفس تبرع محض.
فإن قلت: بدل الكتابة مال في ذمته وتسليم النفس لا ينافي ذلك.
قلت: ربما يعجز عن ذلك فيحبس عليه فيمتنع من الكسب فيتضرر.
وفي " الكافي " للحاكم: ولا يجوز كفالة المكاتب بالمال ولا بالبدل بإذن المولى وبانفراده، وكذلك قبول الحوالة، فإن تكفل بإذن سيده ثم عجز لم تلزمه تلك الكفالة، لأن ضمانه كان باطلا وإن أذن فعتق لزمته الكفالة؛ لأنه كفل وهو بمنزلة العبد، ولو أن عبدا محجورا كفل بكفالته ثم عتق لزمته الكفالة. ولو كان المكاتب صغيرا حين كفل لم يؤخذ بها وإن عتق لزمته الكفالة.
م: (ولا يقرض لأنه تبرع ليس من توابع الاكتساب) ش: حتى لو أقرض لا يطلب للمستقرض أكله، إلا أن يكون مضمونا عليه حتى لو تصرف فيه يجوز م: (فإن وهب على عوض لم يصح،

(10/390)


لأنه تبرع ابتداء. فإن زوج أمته جاز؛ لأنه اكتساب للمال فإنه يتملك به المهر فدخل تحت العقد. قال: وكذلك إن كاتب عبده والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله -؛ لأن مآله العتق والمكاتب ليس من أهله كالإعتاق على مال. وجه الاستحسان أنه عقد اكتساب للمال فيملكه كتزويج الأمة وكالبيع، وقد يكون هو أنفع له من البيع؛ لأنه لا يزيل الملك إلا بعد وصول البدل إليه والبيع يزيله قبله، ولهذا يملكه الأب والوصي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لأنه تبرع ابتداء) ش: والتبرع غير داخل في عقد الكتابة م: (فإن زوج أمته جاز لأنه اكتساب للمال فإنه يتملك به المهر، فدخل تحت العقد) ش: أي عقد الكتابة، وكذا له أن يوكل بتزويجها، بخلاف ما لو زوجت المكاتبة نفسها حيث لا يجوز.
فإن قلت: فعلى التعليل المذكور ينبغي أن يجوز.
قلت: لأن رقبتها باقية على ملك المولى فيمنع ثبوت ولاية الاستبداد بها بالتزويج. ولأنه عيب، فربما يعجز، فينبغي هذا العيب من ملك المولى.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن يملك المكاتب تزويج ابنته ومع هذا لا يجوز.
قلت: نعم لكن ابنته مملوكة لمولاه وأمته لا حتى ينفذ عتق المولى في ابنته دون أمته. ولو عجز وحاضت ابنته حيضة لا يجب على المولى أسيرا جديدا فيها ويلزمه ذلك في أمته ومكاتبته. ولو زوج المكاتب أمته عن عبد فعن أبي يوسف أنه لا يجوز، وفي ظاهر الرواية لا يجوز.
م: (قال وكذلك إن كاتب عبده) ش: أي يجوز، وبه قال مالك والقاضي الحنبلي وأهل الظاهر م: (والقياس أن لا يجوز، وهو قول زفر والشافعي - رحمهما الله - ش: وقول أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لأن مآله العتق) ش: أي مآل عقد الكتابة العتق م: (والمكاتب ليس من أهله) ش: أي من أهل العتق م: (كالإعتاق على مال) ش: أي إذا قال المكاتب لعبده أد إلي ألفا وأنت حر لا يجوز هذا التعليق فكذا لا يجوز له أن يكاتب عبده لأن الكتابة بالمال كالتعليق.
م: (وجه الاستحسان أنه عقد اكتساب للمال فيملكه كتزويج الأمة وكالبيع) ش: أي كما يملك تزويج أمته والبيع والشراء؛ لأنه عقد اكتساب للمال م: (وقد يكون هو) ش: أي عقد الكتاب م: (أنفع له من البيع؛ لأنه) ش: أي لأن عقد الكتابة م: (لا يزيل الملك) ش: أي ملك المولى عن العبد المكاتب م: (إلا بعد وصول البدل إليه والبيع يزيله قبله) ش: أي البيع يزيل الملك قبل وصول البدل وهو الثمن إليه، فلما ملك البيع فالكتابة أولى م: (ولهذا يملكه الأب والوصي) ش: أي ولأجل أن الكتابة لا تزيل الملك قبل وصول البدل إليه بملك الأب الصغير أو وصيه أن يكاتب عبده الصغير.

(10/391)


ثم هو يوجب للمملوك مثل ما هو ثابت له، بخلاف الإعتاق على مال؛ لأنه يوجب فوق ما هو ثابت له. قال: فإن أدى الثاني قبل أن يعتق الأول فولاؤه للمولى؛ لأن له فيه نوع ملك ويصح إضافة الإعتاق إليه في الجملة فإذا تعذر إضافته إلى مباشر العقد لعدم الأهلية أضيف إليه كما في العبد إذا اشترى شيئا يثبت الملك للمولى. قال: فلو أدى الأول بعد ذلك وعتق لا ينتقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثم هو يوجب للمملوك مثل ما هو ثابت له) ش: أي ثم المكاتب الأول يثبت للمملوك، أي للمكاتب أراد أنه يثبت بالكتابة مالكية التصرف للثاني والأصل أن من ملك شيئا يملك تمليكه إلى غيره كالمعير يعير، والمستأجر يستأجر، بخلاف المودع، لأن المالك لم يرض بدفعه إلى غيره.
م: (بخلاف الإعتاق على مال لأنه) ش: أي لأن الإعتاق على مال م: (يوجب فوق ما هو ثابت له) ش: أي يثبت للمكاتب فوق ما هو ثابت له، تحريره أن الإعتاق على مال فوق الكتابة؛ لأنه إزالة الملك في الحال على وجه لا يرد له، وهذا غير ثابت للمكاتب، ففي تجويزه إثبات أمر للمكاتب فوق ما هو ثابت له، وذلك لا يجوز.
م: (قال فإن أدى الثاني) ش: أي مكاتب المكاتب، أي أدى بدل كتابته م: (قبل أن يعتق الأول) ش: أراد قبل أداء الأول بدل الكتابة لأنه لا يعتق إلا بالأداء م: (فولاؤه للمولى) ش: أي ولاء مكاتب المكاتب يكون للمولى يعني يعتق لتحقق الشرط، ويكون ولاؤه للمولى م: (لأن له فيه نوع ملك) ش: أي لأن للمولى في المكاتب الثاني نوع ملك، لأن الثاني مكاتب للمولى بواسطة الأول فكان كتابه للمولى للأول بمنزلة علة، ولهذا لو عجز الأول كان الثاني ملكا للمولى كالأول م: (ويصح إضافة الإعتاق إليه) ش: أي إلى المولى م: (في الجملة) ش: يقال مولى زيد ومعتق معتقه، ولهذا يدخل في الاستئمان على مواليه.
ولو أوصى لمولى فلان وليس له معتق في الأحياء وله معتق معتق يستحق هو الوصية م: (فإذا تعذر إضافته) ش: أي إضافة عتق الثاني م: (إلى مباشر العقد) ش: وهو المكاتب الأول الذي هو العلة م: (لعدم الأهلية) ش: أي لعدم أهلية مباشرة العقد لكونه رقيقا م: (أضيف إليه) ش: أي أضيف العقد إلى المولى الذي هو العلة؛ لأن الحكم كما يضاف إلى العلة يضاف إلى علة العلة عند تعذر الإضافة إلى العلة م: (كما في العبد إذا اشترى شيئا يثبت الملك للمولى) ش: فإنه يثبت الملك للمولى لتعذر إثباته للعبد لعدم الأهلية.
م: (قال: فلو أدى الأول) ش: أي المكاتب الأول م: (بعد ذلك) ش: أي بعد أداء الثاني بدل الكتابة وعتقه، وكون ولايته للمولى م: (وعتق) ش: أي الأول لأداء بدل الكتابة م: (لا ينتقل

(10/392)


الولاء إليه؛ لأن المولى جعل معتقا، والولاء لا ينتقل من المعتق وإن أدى الثاني بعد عتق الأول فولاؤه له؛ لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل فيثبت له، قال: وإن أعتق عبده على مال أو باعه من نفسه أو زوج عبده لم يجز؛ لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه، أما الأول فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس فأشبه الزوال بغير عوض، وكذا الثاني لأنه إعتاق على مال في الحقيقة، وأما الثالث فلأنه تنقيص للعبد وتعييب له وشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة لأنه اكتساب لاستفادته المهر على ما مر. قال: وكذلك الأب والوصي في رقيق الصغير بمنزلة المكاتب،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولاء إليه) ش: أي إلى المكاتب الأول م: (لأن المولى جعل معتقا والولاء لا ينتقل من المعتق) ش: لأن المولى معتق مباشرة من وجه، بخلاف جر الولاء، فإن ثمة مولى الجارية ليس بمعتق للولد مباشرة ولكن تسبيبا باعتبار إعتاق الأم، والأصل أن الحكم لا يضاف إلى السبب إلا عند تعذر الإضافة إلى العلة. والتعذر عند عدم عتق الأب، فإذا أعتق زالت الضرورة فينتقل الولاء إلى قوم الأب.
م: (وإن أدى الثاني بعد عتق الأول) ش: أي إن أدى المكاتب الثاني بدل المكاتبة بعد عتق المكاتب الأول بأداء بدل الكتابة م: (فولاؤه له) ش: أي ولاء الثاني للأول م: (لأن العاقد من أهل ثبوت الولاء وهو الأصل) ش: لأنه مباشر للعتق م: (فيثبت له) ش: أي للعاقد وهو المكاتب الأول.

[الحكم لو أعتق المكاتب عبدا على مال]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن أعتق عبده على مال) ش: أي إن أعتق المكاتب عبدا على مال م: (أو باعه من نفسه) ش: أي أو باع المكاتب نفس العبد من العبد م: (أو زوج عبده لم يجز، لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه) ش: أراد من توابع الكسب ضروراته مثل إضافة من يعامل معه، والإعارة له والإهداء إليه بشيء يسير.
م: (أما الأول) ش: أي إعتاق عبده على مال م: (فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس فأشبه الزوال بغير عوض، وكذا الثاني) ش: وهو بيع عبده على مال فلأنه إسقاط الملك عن رقبته وإثبات الدين في ذمة المفلس.
وكذا الثاني وهو بيع عبد من نفسه م: (لأنه إعتاق على مال في الحقيقة. وأما الثالث) ش: وهو تزويج عبده م: (فلأنه تنقيص للعبد وتعييب له) ش: لأن من اشترى عبدا ووجد له زوجة يتمكن من الرد بذلك العيب م: (وشغل رقبته بالمهر والنفقة، بخلاف تزويج الأمة؛ لأنه اكتساب لاستفادته المهر على ما مر) ش: أشار به إلى قوله: وإن زوج أمته جاز لأنه اكتساب للمال. م: (قال وكذلك الأب والوصي في رقيق الصغير بمنزلة المكاتب) ش: في جميع ما ذكر، أي يجوز لهما تزويج أمته وكتابة عبده، وبه قال مالك وأحمد.

(10/393)


لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب، ولأن في تزويج الأمة والكتابة نظرا له ولا نظر فيما سواهما والولاية نظرية. قال: فأما المأذون له فلا يجوز له شيء من ذلك عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يزوج أمته، وعلى هذا الخلاف المضارب والمفاوض والشريك شركة عنان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وعن أحمد يجوز إعتاقهما على مال أيضا. وقال الشافعي لا يملكان كالمكاتب شيئا من ذلك م: (لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب، ولأن في تزويج الأمة والكتابة نظرا له) ش: أما في تزويج الأمة فلما مر آنفا. وأما في الكتابة فلأنه بالعجز يرد رقيقا، فربما كان العجز بعد أداء نجوم، وذلك لا شك في كونه نظرا م: (ولا نظر فيما سواهما) ش: أي ما سوى تزويج الأمة والكتابة م: (والولاية نظرية) ش: هذا الكلام في معرض التعليل، يعني إنما لا يجوز سواهما، لأن ولايتهما نظرية ولا نظر في غيرهما.
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (فأما المأذون له) ش: أي العبد المأذون له في التجارة م: (فلا يجوز له شيء من ذلك) ش: أي مما ذكر من الأشياء. وفي بعض النسخ فلا يملك شيئا من ذلك م: (عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله-. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له أن يزوج أمته) ش: أي للمأذون تزويج أمته م: (وعلى هذا الخلاف) ش: أي الخلاف المذكور م: (المضارب والمفاوض والشريك شركة عنان) ش: قال السفناقي: الأصل في هذا أن كل من كان تصرفه عاما في التجارة وغيرها يملك تزويج الأمة كالأب والوصي والجد والمفاوض والمكاتب والقاضي وأمين القاضي وكل من كان تصرفه خاصا في التجارة كالمضارب وشريك العنان والمأذون لا يملك تزويج الأمة عند أبي حنيفة ومحمد، كذا ذكره الإمام قاضي خان والمحبوبي.
قلت: وعن هذا قال الكاكي قيل لفظ المفاوض هاهنا سهو من المكاتب لما أن المفاوض كالمكاتب. وقال صاحب العناية ذكر في بعض الشروح أن المفاوض يجوز له أن يكاتب عبد الشركة بلا خلاف. واستدل بنقل عن الكرخي وغيره ليس فيه ذكر الخلاف. وقال: ترك ذكر الخلاف دليل على الاتفاق وفيه ما فيه.
قلت: أراد ببعض الشروح شرح الأترازي فإنه قال في قوله وعلى هذا الخلاف المضارب ... إلى آخره.
ولنا في هذا النقل نظر، لأن المفاوض يجوز له تزويج الأمة بالاتفاق ولا يجوز ذلك من أحد شريكي العنان عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - ألا ترى إلى ما نص الكرخي في " مختصره " في باب المفاوضة: ويجوز لأحد المفاوضين أن يكاتب عبيد التجارة ويأذن لهم في التجارة، ولا يجوز أن يعتق شيئا من رقيق التجارة على مال، ولا يجوز أن يزوج العبد أيضا،

(10/394)


هو قاسه على المكاتب واعتبره بالإجارة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ويجوز أن يزوج الأمة، ويجوز أن يدفع المال مضاربة، إلى هنا لفظ الكرخي وذكر تزويج الإماء للمفاوض بلا ذكر الخلاف كما ترى، وكذلك أثبته القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شرحه.
وفي شرح " الكافي ": ولأحد المفاوضين أن يكاتب عبدا من تجارتهما وله أن يأذن له في التجارة وليس له أن يعتق على مال ولا أن يزوج الأمة، وليس لشريك العنان أن يزوج الأمة ولا أن يكاتب، وكذلك المضارب.
وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير " فهؤلاء الأصناف الأربعة لا يجوز عتقهم عن مال، ويجوز كتابتهم. وفي الاستحسان وفي قول بشر لا تجوز كتابتهم، وإن زوج أحد من هؤلاء أمة جاز النكاح بالاتفاق. انتهى. وأراد بالأصناف الأربعة الأب والوصي والشريك المفاوض والمكاتب، ثم قال الفقيه ولو كان عبدا مأذونا أو شريك عنان أو مضاربا زوج أحد هؤلاء الثلاثة لم يجز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- ويجوز في قول أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا يجوز كتابة هؤلاء النفر الثلاثة بالاتفاق. ولو زوج أحد من هؤلاء النفر الثلاثة أو من النفر الأربعة التي ذكرنا العبد امرأة لم يجز بالاتفاق.
وفي شرح الطحاوي: الأب والوصي والمفاوض لا يملكون العتق على مال ويملكون الكتابة، وهؤلاء الثلاثة يملكون تزويج الأمة وليس لهم تزويج العبد. وأما الصبي المأذون والعبد المأذون والشريك شركة عنان والمضارب لا يجوز الكتابة ولا تزويج العبد بالإجماع، وفي تزويج الأمة اختلاف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- لا يجوز، وعند أبي يوسف يجوز، انتهى. فعلم أن المفاوض لا خلاف فيه في تزويجه الأمة.
م: (هو قاسه) ش: أي أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - قاس المأذون في جواز تزويج الأمة م: (على المكاتب) ش: حينئذ يجوز له تزويج الأمة م: (واعتبره بالإجارة) ش: أي اعتبر التزويج بالإجارة، فإن المأذون له يجوز له أن يؤجر عبده وأمته، فكذلك يجوز له أن يزوج أمته.
فإن قلت: لم اختار لفظ القياس في الأول والاعتبار في الثاني.
قلت: نقل الأترازي عن بعضهم أنه قال: استعمل لفظ القياس في المعنيين وهما المأذون والمكاتب ولفظ الاعتبار في الفعلين وهما التزويج والإجارة، لأن المماثلة بين هذين المعنيين ظاهرة إذا لكل منهما، فك الحجر وإطلاق التصرف فاستعمل لفظ القياس كذلك. وأما في هذين الفعلين فالمماثلة بينهما من حيث الفعلية لما أن الإجارة من المعاوضات المالية من الجانبين، بخلاف التزويج، فكان استعمال لفظ الاعتبار أليق.
وقال صاحب العناية: فيه نظر لأن المراد بالقياس إن كان هو الشرع فذلك لا يكون بين

(10/395)


ولهما أن المأذون له يملك التجارة، وهذا ليس بتجارة، فأما المكاتب يملك الاكتساب، وهذا اكتساب. ولأنه مبادلة المال بغير المال فيعتبر بالكتابة دون الإجارة، إذ هي مبادلة المال بالمال ولهذا لا يملك هؤلاء كلهم تزويج العبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عينين، وإن كان غير ذلك فلا نسلم أولويته.
قلت: المراد من القياس معناه اللغوي، وهو التقدير، يقال قاس الطبيب الجراحة إذا قدر بالمسمار غورها، والمساواة أيضا يقاس الفعل بالفعل، أي ساوى أحدهما بالآخر وجعله على مثاله، وهذا المعنى ظاهر بين المأذون والمكاتب، لأن بينهما مساواة في فك الحجر وإطلاق التصرف، والاعتبار رد الشيء إلى نظيره، فاستعمال هذا بين التزويج والإجارة، لأن أحدهما نظير للآخر في الفعلية؛ لأن كل منهما تصرف مطلقا ودعوى صاحب العناية - رَحِمَهُ اللَّهُ - الترادف بين القياس والاعتبار غير ظاهرة تحتاج إلى برهان.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله- م: (أن المأذون له يملك التجارة، وهذا) ش: أي تزويج الأمة م: (ليس بتجارة) ش: لأنه ليس مبادلة المال بالمال والتجارة كذلك م: (فأما المكاتب يملك الاكتساب، وهذا) ش: أي تزويج الأمة م: (اكتساب) ش: لأنه اسم لما يوصل به المال، وبالتزويج يصل المولى إلى المهر، فكان اكتسابا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن تزويج الأمة، وهذا دليل آخر م: (مبادلة المال بغير المال فيعتبر بالكتابة) ش: أراد أن اعتبار التزويج بالكتابة أولى من اعتباره بالإجارة، لأن التزويج مبادلة المال بغير المال، وكذا الكتابة في الابتداء مبادلة مال بغير المال م: (دون الإجارة) ش: يعني لا يعتبر بالإجارة م: (إذ هي) ش: أي الإجارة م: (مبادلة المال بالمال) ش: لأن المنفعة قائمة مقام العين، فيكون في حكم المال، ولهذا يصلح مهرا في النكاح وانتفاء النكاح شرع بالمال م: (ولهذا) ش: أي ولأن التزويج ليس من التجارة م: (لا يملك هؤلاء كلهم تزويج العبد) ش: أي المكاتب والمأذون والمضارب والمفاوض وشريك العنان؛ لأن تزويج العبد ليس من التجارة؛ لأنه ليس مبادلة المال بالمال ولا هو من اكتساب المال. وقال أبو الخطاب الحنبلي يجوز للمكاتب تزويج عبد، ولنا ما ذكرناه.

(10/396)


فصل قال: وإذا اشترى المكاتب أباه وابنه دخل في كتابته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان من يدخل في الكتابة]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان من يدخل في الكتابة، وبين فيما مضى من يدخل أصلا. وهاهنا يبين من يدخل تبعا، والتبع يلي الأصل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا اشترى المكاتب أباه وابنه دخل في كتابته) ش: هاهنا أمور، الأول: أنه قدم أباه على ابنه للتعظيم.
وأما في ترتيب قوة الدخول في كتابته فالابن مقدم على الأب، سواء كان مولودا في الكتابة أو مشترى، والمولود مقدم على المشترى، فإن المولود يظهر في حقه جميع أحكام الكتابة بطريق التبعية فإنه يحرم بيعه حال حياته ويقبل منه الكتابة على نجوم الأب والمشترى يحرم بيعه حال الحياة ويقبل منه البدل بعد موت الأب حالا، ولا يمكن من السعاية على نجوم الأب ليظهر نقصان حاله عن المولود في الكتابة في التبعية. وأما الأب فإنه يحرم بيعه حالة حياة ابنه المكاتب ولم يقبل منه البدل بعد موته لا حالا ولا مؤجلا.
الثاني: أنه قال دخل في الكتابة ولم يقل صار مكاتبا لكان أصلا ولبقيت كتابته بعد عجز المكاتب الأصلي وليس كذلك، بل إذا عجز المكاتب مع الأب لما أن كتابة الداخل بطريق التبعية لا الأصالة.
الثالث: أن حكم أمه إذا اشتراها مثل أبيه أو ابنه ولم يذكرها اكتفاء بالأب، ولو ذكرها كان أولى، وهؤلاء كلهم يدخلون في كتابته تبعا له، حتى يردون إلى الرق بعجزه كما نبهنا عليه.
وفي " الأجناس ": لو اشترى المكاتب أباه أو جده أو ولده أو أمه، ليس له بيعهم في قول أبي حنيفة. وقالا: ليس له بيع هؤلاء. وفي المجرد قال أبو حنيفة: للمكاتب أن يكاتب أبوه وأولاده المشتراة، فدل أنهم لم يكاتبوا عليه، هكذا ذكر صاحب " الأجناس ".
الرابع: يحتاج إلى بيان الفرق بين المشتري في الكتابة من الأولاد بين ما إذا كاتب عبدا على نفسه ولد الصغير، فإنه إذا أعتق المشتري لم يسقط من البدل شيء. وإذا أعتق الصغير سقط من البدل ما يخصه وهو أن المشتري تبع من كل وجه ولا معتبر به في أمر البدل لتقرره قبل دخوله في الكتابة وأما الصغير فقد كان مقصودا بالعقد من وجه وكان البدل في مقابلته ومقابلة والده، فلهذا يسقط ما يخصه.

(10/397)


لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان، ألا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه،
وإن اشترى ذا رحم محرم منه لأولاد له لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا يدخل اعتبارا بقرابة الولادة إذ وجوب الصلة ينتظمهما، ولهذا لا يفترقان في الحر في حق الحرية. وله أن للمكاتب كسبا لا ملكا غير أن الكسب يكفي للصلة في الولاد، حتى إن القادر على الكسب يخاطب بنفقة الوالد والولد، ولا يكفي بغيرها حتى لا تجب نفقة الأخ إلا على الموسر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخامس: أن شراءه ذوي أرحامه يجوز عندنا وعند الثلاثة لا يجوز؛ لأنه تصرف تبرع كالإعتاق. وقال القاضي الحنبلي يجوز؛ لأنه تصرف لا ضرر فيه من السيد، أما لو اشترى قريبه بإذن السيد ففي صحته للشافعي قولان. وعن أبي إسحاق المروزي من أصحابه القطع بالصحة، وعند أحمد يجوز، ثم على قول الصحة يتكاتب عليه ثم في كل تصرف لا يجوز للمكاتب فإذا فعله بإذن السيد للشافعي فيه قولان في قول يجوز وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله.
م: (لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (من أهل أن يكاتب) ش: على وزن بناء الفاعل م: (وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا) ش: بكسر التاء م: (تحقيقا للصلة بقدر الإمكان، ألا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه) ش: أراد أن الحر إذا ملك لذي رحم محرم يعتق عليه تحقيقا لصلة الرحم، فكذا إذا ملك المكاتب قريبه يتكاتب عليه تحقيقا لصلة الرحم بقدر الإمكان.

[الحكم لو اشترى المكاتب ذا رحم محرم منه لأولاد له]
م: (وإن اشترى ذا رحم محرم منه لأولاد له) ش: كالأخ والأخت والعم والعمة م: (لم يدخل في كتابته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا يدخل اعتبارا بقرابة الولادة إذ وجوب الصلة ينتظمهما) ش: أي ينتظم قرابة الولادة وذا الرحم المحرم غير الولادة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن وجوب الصلة ينتظم القبلين م: (لا يفترقان في الحر في حق الحرية) ش: أي إذا اشترى الحر أباه يعتق عليه فكذا إذا اشترى أخاه.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن للمكاتب كسبا لا ملكا) ش: لوجود ما ينافيه وهو الرق، ولهذا لا يفسد نكاح امرأته لو اشتراها وتحل الصدقة له، وإن أصاب كسبا ولا يملك الهبة كذا في الأسرار م: (غير أن الكسب يكفي للصلة في الولاد) ش: أراد أن قدرته على الكسب توجب الصلة في قرابة الولادة م: (حتى إن القادر على الكسب يخاطب بنفقة الوالد والولد) ش: وإن لم يكن موسرا م: (ولا يكفي بغيرها) ش: أي ولا يكفي الكسب بغير الصلة م: (حتى لا يجب نفقة الأخ) ش: المعسر على الأخ المعسر، وإن كان يقدر على الكسب والدخول في الكتابة بطريق الصلة فيختص بموضع وجوب الصلة م: (إلا على الموسر) ش: أي على الأخ

(10/398)


ولأن هذه قرابة توسطت بين بني الأعمام وقرابة الولاد فألحقناها بالثاني في العتق، وبالأول في الكتابة وهذا أولى؛ لأن العتق أسرع نفوذا من الكتابة حتى إن أحد الشريكين إذا كاتب كان للآخر فسخه، وإذا أعتق لا يكون له فسخه.
قال: وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة ولم يجز بيعها، ومعناه إذا كان معها ولدها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموسر.
م: (ولأن هذه قرابة) ش: أي قرابة الأخوة م: (توسطت بين بني الأعمام) ش: التي هي القرابة البعيدة م: (وقرابة الولاد) ش: أي وبين قرابة الولاد التي هي القرابة القريبة. الحاصل أن الأخ يشبه بني الأعمام في حق الزكاة وحل الحيلة وقبول الشهادة وجريان القصاص، ويشبه الولاء في حرمة المناكحة واقتراض الصلة وحرمة الجمع بينهما إنكاحا.
فالمشابه للشيئين ذو حظ منهما، فعملنا بالشبهين م: (فألحقناها بالثاني) ش: أي إذا كان كذلك فألحقنا قرابة الإخوة التي هي المتوسطة بالثاني وهو قرابة الولاد م: (في العتق) ش: حتى إذا ملك الحر أخاه يعتق عليه، كما إذا ملك والد ولده م: (وبالأول في الكتابة) ش: أي ألحقناها بالأول وهو القرابة البعيدة التي أي بنو الأعمام في حكم الكتابة، حتى إذا ملك المكاتب أخاه لم يدخل في كتابته، كما إذا ملك ابن عمه عملا بالشبهين وتوفيرا لهما حفظهما.
م: (وهذا أولى) ش: أي العمل على هذا الوجه أولى من العكس م: (لأن العتق أسرع نفوذا من الكتابة، حتى إن أحد الشريكين إذا كاتب) ش: العبد المشترك بينهما م: (كان للآخر فسخه، وإذا أعتق لا يكون له فسخه) ش: أي فسخ العتق.
فلو قلنا يتكاتب عليه أخوه إذا اشتراه وجب علينا أيضا أن نقول إذا ملك الحر أخاه يعتق عليه أيضا، فحينئذ تلزم العمل بشبه قرابة بني الأعمام، فلا يبقى حينئذ قرابة الأخوة متوسطة بين القرابتين، لأن المتوسط ذو حظ من الجانبين، فما لم يعمل لهما لم يبق المتوسط متوسطا.

[الحكم لو اشترى المكاتب أم ولده]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا اشترى أم ولده دخل ولدها في الكتابة) ش: أراد اشتراء أم ولده ومعها ولده منها على ما يجيء الآن، والأصل في هذا أن المكاتب إذا اشترى امرأته لا يبطل نكاحها لعدم الملك حقيقة في رقبتها، وله ملك اليد لا يبطل النكاح م: (ولم يجز بيعها) ش: أي بيع أم ولده بعد أن اشتراها ومعها ولده منها، أما إذا اشترى امرأته ولم يكن لها ولد منه فله أن يبيعها، لأن النكاح ليس بسبب لاستحقاق الصلة، فلا يمتنع البيع بسببه، وكذا المكاتبة إذا اشترت زوجها لم يبطل نكاحها وله أن يطأها بالنكاح؛ لأنها لم تملك رقبته حقيقة.
م: (ومعناه إذا كان معها ولدها) ش: أي معنى قول محمد إذا اشترى أم ولده دخل ولدها في

(10/399)


أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرناه. وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم. قال عليه الصلاة والسلام: «أعتقها ولدها»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الكتابة ولم يجز بيعها إذا كان منها ولدا م: (أما دخول الولد في الكتابة فلما ذكرناه) ش: أراد به ما ذكره في أول الفصل؛ لأنه من أهل أن يكاتب م: (وأما امتناع بيعها فلأنها تبع للولد في هذا الحكم) ش: أي في حكم الحرية.
فإن قلت: إذا ثبت للولد حقيقة فينبغي أن لا يثبت للأم حقها، وهاهنا ثبت للولد حق الحرية، فينبغي أن لا يثبت للأم تحقيقا لانحطاط رقبتها عن الولد.
قلت: للكتابة أحكام منها عدم جواز البيع فيثبت للأم هذا الحكم دون الكتابة تحقيقا لانحطاط رتبتها.
فإن قلت: لم لا تصير مكاتبة تبعا للولد.
قلت: العقد إنما ورد على المكاتب، والولد جزؤه، فيكون واردا عليه بخلاف الأم.
م: (قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أعتقها ولدها ") » ش: أورده دليلا على عدم جواز بيع أما الولد المذكور؛ لأنها عتقت بعتق ولدها؛ لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أخبر بهذا، ثم هذا الحديث أخرجه البيهقي من رواية أبي أويس وأبي بكر بن أبي سبرة عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس ولم يذكر أبو أويس «ابن عباس قال: لما ولدت أم إبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال " أعتقها ولدها» .
ثم البيهقي رواه من حديث زياد بن أيوب نا بقية عن سعيد بن زكريا عن ابن أبي بشارة عن ابن أبي حسين عن عكرمة «عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أعتقها ولدها» ثم قال: ولحديث عكرمة علة عجيبة، ثم روى عن سعيد بن مسروق عن عكرمة عن عمر قال: «أعتقها ولدها، وإن كان سقطا» .
ثم روى عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكر نحوه، قال فعاد الحديث إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثم جعله الصحيح.
قلت: هاتان قضيتان مختلفتان لفظا، روى عكرمة إحداهما مرفوعة والأخرى موقوفة، فلا تعلل إحداهما بالأخرى. وقد أخرج الحاكم في " المستدرك " الرواية المرفوعة وقال صحيح الإسناد ثم ذكر لها متابعة. وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عاصم عن أبي بكر النهشلي عن حسين بن عبد الله، والنهشلي أخرج له مسلم ووثقه جماعة. وقد جاء للحديث متابعة من وجه آخر بسند جيد.

(10/400)


وإن لم يكن معها ولدها فكذلك الجواب في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لأنها أم ولد خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد؛ لأن كسب المكاتب موقوف فلا يتعلق به ما لا يحتمل الفسخ، إلا أنه يثبت هذا الحق فيما إذا كان معها ولد تبعا لثبوته في الولد بناء عليه وبدون الولد لو ثبت يثبت ابتداء والقياس ينفيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال ابن حزم: روينا من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا مصعب عن محمد حدثنا عبيد الله ابن عمر هو الوقي عن عبد الكريم الحريري عن عكرمة عن «ابن عباس قال: " لما ولدت مارية أم ابراهيم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أعتقها ولدها» ثم قال ابن حزم: وهذا خبر جيد السند كل رواته ثقات. وقال في كتاب البيوع صحيح السند وقد بسطنا الكلام فيه في باب الاستيلاد.
م: (وإن لم يكن معها ولدها فكذلك الجواب) ش: يعني لم يجز بيعها م: (في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ولأنها أم ولد، خلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن القياس أن يجوز بيعها وإن كان معها ولد، لأن كسب المكاتب موقوف) ش: أي متردد بين أن يؤدي البدل فيعتق وما فضل من البدل له، وبين أن يعجز فيعود هو وماله للمولي.
ولهذا لا يفسد نكاح امرأته بشرائها ولا تصح تبرعاته فعلم أنه لا ملك له م: (فلا يتعلق به) ش: أي بكسبه م: (ما لا يحتمل الفسخ) ش: وهو الاستيلاد إذ لو تعلق لكان كسبه غير محتمل للفسخ أو كان الاستيلاد محتملا للفسخ، وكلاهما لا يجوز. والتحرير أن كسبه موقوف وكل موقوف يقبل الفسخ فكسب المكاتب يقبل الفسخ، وما يقبل الفسخ لا يجوز أن يتعلق به ما لا يقبل الفسخ كالاستيلاد، لأن ما لا يقبله أقوى من الذي يقبله والأقوى لا يجوز أن يكون تبعا للأدنى.
م: (إلا أنه يثبت هذا الحق) ش: وهو امتناع البيع م: (فيما إذا كان معها ولد تبعا لثبوته) ش: أي لثبوت امتناع البيع م: (في الولد بناء عليه وبدون الولد لو ثبت) ش: هذا الحق م: (يثبت ابتداء) ش: أي في ابتداء الأمر م: (والقياس ينفيه) ش: يعني لا نص فيه يترك به القياس، بخلاف ما إذا كان معها الولد.
فإن قلت: القياس كما ينفيه ابتداء ينفيه مع الولد على ما ذكر في أول الدليل فخصص نفيه بالابتداء مع أنه مناف لصدر الكلام تحكم.
قلت: ليس بتحكم وإنما هو من باب الاستحسان بالأثر، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أعتقها

(10/401)


وإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته لما بينا في المشترى فكان حكمه كحكمه وكسبه له؛ لأن كسب الولد كسب كسبه ويكون كذلك قبل الدعوة. فلا ينقطع بالدعوة اختصاصه. وكذلك إن ولدت المكاتبة ولدا؛ لأن حق امتناع البيع ثابت فيها مؤكدا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولدها:» ، ولا شك أن الولد إنما يعتق الأم إذا ملكه الأب.

[الحكم لو ولد للمكاتب ولد من أمة له]
م: (وإن ولد له ولد من أمة له دخل في كتابته لما بينا) ش: أشار به إلى قوله؛ لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل العتق م: (في المشترى) ش: أي في الولد المشترى.
فإن قلت: المكاتب لا يملك التسري ولا وطء أمته وبه قالت الثلاثة، فمن أين له ولد حتى يدخل في كتابته.
قلت: نعم، إلا أن له في ملك مكاتبه يدا كالحر، وذلك يكفي لثبوت النسب منه عند الدعوة وإن لم يحل وطؤه كما في الجارية المشتركة، وجارية الابن إذا وطئها الأب وادعى الولد، والدليل على أن المكاتب مثل الحر في ادعاء ما ذكره في المبسوط بقوله جارية بين حر ومكاتب ولدت فادعاه المكاتب قال الولد ولده، والجارية أم ولد له، ويضمن نصف عقرها ونصف قيمتها.
ولا يضمن من قيمة الولد شيئا؛ لأن المكاتب بماله في حق الملك في كسبه يملك الدعوة كالحر، فبقيام الملك فه في نصفها هنا يثبت نسب الولد منه من وقت العلوق، ويثبت لها حق أمية الولد في حق امتناع البيع تبعا لثبوت حق الولد.
م: (فكان حكمه كحكمه) ش: أي حكم الولد كحكم المكاتب، وبه قالت الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وعند الظاهرية ولده من جاريته حر وهل تصير الأمة أم ولد له؟، للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه قولان، أحدهما أنها تصير أم ولد له، وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، والثاني لا تصير أم ولد له، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وهو رواية عن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وكسبه له) ش: أي كسب الولد لوالده م: (لأن كسب الولد كسب كسبه) ش: إذ الولد كسبه م: (ويكون كذلك قبل الدعوة) ش: بكسر الدال، أي قبل دعوة النسب، أراد أن الولد والكسب كانا له قبل الدعوة م: (فلا ينقطع بالدعوة اختصاصه) ش: أي اختصاص المكاتب بكسب ولده، أراد اختصاصاه الذي كان ثابتا قبل الدعوة.
م: (وكذلك إن ولدت المكاتبة ولدا) ش: أي من زوجها أو من زنا يدخل في كتابتها، وبه قالت الثلاثة م: (لأن حق امتناع البيع ثابت فيها مؤكدا) ش: أي مقررا، فصار من الأوصاف القارة الشرعية، والأوصاف القارة الشرعية في الأمهات كالتدبير والاستيلاد والحرية والرق يسري إلى الأولاد، فأشار إلى ذلك بقوله مؤكدا، واحترز به عن ولد الآبقة، فإن بيعها لا يجوز وبيع

(10/402)


فيسري إلى الولد كالتدبير والاستيلاد. قال: ومن زوج أمته من عبده ثم كاتبها فولدت منه ولدا دخل في كتابتها وكان كسبه لها؛ لأن تبعية الأم أرجح ولهذا يتبعها في الرق والحرية، قال: وإن تزوج المكاتب بإذن مولاه امرأة زعمت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولدها يجوز، لأن امتناع البيع في الآبقة غير مؤكد إذ الإباق مما لا يدوم، وكذا بيع المستأجرة والحابية، فإن الأمة إذا اتصفت بهما امتنع بيعها إلا مقرونا بشيء، لكنه ليس بمؤكد.
فقولهم الأوصاف القارة احترازا عن مثل هذين الوصفين. وقولهم الشرعية احترازا عن السواد والبياض والطول القصر، فإنها لا تسري، وإذا سرت كتابتها إلى ولدها لم يجز بيعه كما لم يجز بيع أمه، وقال الشافعي في قول: إن للولد ملك المولى فيتصرف فيه كيف شاء.
م: (فيسري إلى الولد) ش: أي يسري هذا الوصف وهو حق امتناع البيع إلى الولد م: (كالتدبير والاستيلاد) ش: أي كما يسري الوصف الثابت المؤكد في المدبر وأم الولد إلى أولادها.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن زوج أمته من عبده ثم كاتبها فولدت منه ولدا دخل في كتابتها) ش: هذا أيضا بناء على أن الأوصاف القارة الشرعية في الأمهات تسري إلى الأولاد، ولهذا كان الولد داخلا في كتابة الأم م: (وكان كسبه لها؛ لأن تبعية الأم أرجح) ش: لما ذكرنا أن الأوصاف القارة الشرعية في الأمهات تسري إلى الأولاد. ثم استوضح ذلك بقوله م: (ولهذا يتبعها في الرق والحرية) ش: أي يتبع الولد الأم.
وقع في بعض النسخ دخل في كتابتها وكسبه لها، أي في الدخول يتبعها خاصة والأول هو الأوجه، لأن فائدة الدخول هو الكسب، فإن قد ذكر في " المبسوط ": لو قتل الابن قاتل خطأ فقيمته للأبوين جميعا، ولا يختص بها الأم فينبغي أن تكون في مسألتنا كذا.
قلت: تلك المسألة متصورة فيما إذا قبل الوالدين الكتابة عليه، وحالهما في ذلك سواء، إذ لا ولاية لهما عليه، ولا يمكن جعل تلك القيمة للمولى، لأن الولد صار مكاتبا بقبولهما، فلم يبق للمولى سبيل على كسبه وعلى قيمة رقبته فلا بد أن تؤخذ القيمة عنه فتكون للأبوين لأنهما كانا ينفقان عليه في حياته، وكانا أحق بحضانته.
وأما الولد المولود في الكتابة، فإن ثبوت الكتابة هاهنا بطريق التبعية وجانب الأم يترجح في ذلك؛ لأنه جزء منها، وهناك ثبوت الكتابة بالقبول وهما في القبول سواء. وفي " الكافي ": لو قبل المولود في الكتابة يكون قيمته للأم ككسبه، وبه قال الشافعي في قول، وأحمد ومالك. وفي قول للسيد؛ لأنه لا يدخل الولد في كتابتها في قول فيكون قنا للسيد يجوز بيعه وإعتاقه.
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن تزوج المكاتب بإذن مولاه امرأة زعمت)

(10/403)


أنها حرة فولدت منه ولدا ثم استحقت فأولادها عبيد، ولا يأخذهم بالقيمة، وكذلك العبد يأذن له المولى بالتزوج، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أولادها أحرار بالقيمة؛ لأنه شارك الحر في سبب ثبوت هذا الحق وهو الغرور، وهذا لأنه ما رغب في نكاحها إلا لينال حرية أولاده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: أي ادعت م: (أنها حرة فولدت منه ولدا، ثم استحقت فأولادها عبيد ولا يأخذهم) ش: أي المكاتب لا يأخذ الأولاد م: (بالقيمة) ش: أي بقيمة يؤديها إلى المستحق عندهما على ما يأتي.
م: (وكذلك العبد يأذن له المولى بالتزوج) ش: فتزوج لقوله من زوجة ثم استحقت فإن ولده عبد عندهما ولا يأخذ بالقيمة م: (وهذا) ش: أي الحكم الذي ذكرنا في الوجهين م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولادها أحرار بالقيمة) ش: وبه قال زفر والثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلا عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قول كقولهما وأكثرهم ذكروا قول أبي يوسف مع أبي حنيفة إلا أن أبا الليث ذكر قول أبي يوسف مع محمد وما ذكره الجمهور أصح؛ لأنه قول المرجوع إليه، وبه صرح القدوري في كتاب التقريب، فقال قال أبو حنيفة وًأبو يوسف لا يثبت للعبد حكم الغرور وأولاده عبيد.
وروى زفر عن أبي حنيفة أنه يكون مغرورا، وهو قول أبي يوسف الأول، وذكر رجوعه في الدعوى. وقال محمد أولاده أحرار ثم على قول محمد إن كان التزوج من هؤلاء أعني العبد والمكاتب والمدبر بإذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر في الحال. وإن كان بغير إذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر بعد العتق، هذا إذا غرته المرأة بقولها أنها حرة أو غرها بأن زوجها منه حر على أنها حرة، فإن الأب يرجع بقيمة الولد على الزوج في الحال، وإن كان الذي غره عبدا أو مدبرا أو مكاتبا فلا رجوع له عليهم حتى يعتقوا، سواء كان العبد مأذونا له أو لم يكن.
وأما إذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة فأخبره رجل أنها حرة ولم يزوجها أباها أو تزوجها رجل على ظن أنها حرة وما قالت زوجني فإني حرة فإنه لا يرجع على المخبر ولا على المرأة ولكن يرجع بقيمة الولد على الأمة إذا أعتقت؛ لأنها غرته حين زوجت نفسها على أنها حرة وضمان الغرور كضمان الكفالة.
م: (لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (شارك الحر في سبب ثبوت هذا الحق) ش: وهو كون الأولى حرا بالقيمة م: (وهو الغرور) ش: أي سبب ثبوت هذا الحق هو الغرور وهما مشتركان فيه م: (وهذا) ش: أي وجه اشتراكهما في هذا السبب م: (لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (ما رغب في نكاحها) ش: أي في نكاح تلك المرأة التي زعمت أنها حرة م: (إلا لينال حرية أولاده) ش: وفي بعض النسخ حرية الأولاد.

(10/404)


ولهما أنه مولود بين رقيقين، فيكون رقيقا، وهذا لأن الأصل أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية وخالفنا هذا الأصل في الحر بإجماع الصحابة، وهذا ليس في معناه؛ لأن حق المولى هناك مجبور بقيمة ناجزه وهاهنا بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتاق فيبقى على الأصل فلا يلحق بالمكاتب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أنه مولود بين رقيقين) ش: لأن أباه رقيق ما دام في الكتابة وأمه ظهرت رقبتها بثبوت الاستحقاق م: (فيكون رقيقا) ش: كما إذا كان عالما بحالها م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن الأصل أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية) ش: يعني لأن القياس اتباع الولد الأم في الرق والحرية؛ لأنه جزؤها.
م: (وخالفنا هذا الأصل) ش: أي تركنا هذا القياس المذكور م: (في الحر) ش: أي فيما إذا كان الرجل حرا م: (بإجماع الصحابة) ش: فيه نظر لوجود الاختلاف من الصحابة على ما روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " في البيوع، حدثنا أبو بكر بن عياش عن مطرف عن عامر عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: في رجل اشترى جارية فولدت منه أولادا ثم أقام رجل البينة أنها له قال ترد عليه ويقوم عليه ولدها فيغرم الذي باعها ما غرمه.
قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن أبي قسيط عن سليمان بن يسار أن أمة أتت قوما فغرتهم وزعمت أنها حرة فتزوجها رجل فولدت له أولادا فوجدها أمة فقضى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقيمة أولادها في كل مغرور غره، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن خلاس: أن أمة أتت ناسا فزعمت أنها حرة فتزوجها رجل ثم إن سيدها ظهر عليها فقضى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها وأولادها لسيدها وجعل لزوجها ما أدرك من متاعه.
م: (وهذا) ش: أي ولد المكاتب م: (ليس في معناه) ش: أي ليس في معنى ولد الحر م: (لأن حق المولى هناك) ش: أي في مسألة الحر م: (مجبور بقيمة ناجزة) ش: أي حالة أراد أن الحكم حرية الولد مع مراعاة حق المستحق وهو المولى بإيجاب قيمته في الحال م: (وهاهنا بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتاق) ش: فكان المانع من الإلحاق به موجودا وهو الضرر اللاحق بالمستحق بالتأخير م: (فيبقى على الأصل) ش: وهو أن يكون الولد تابعا لها م: (فلا يلحق بالمكاتب) ش: في هذا الحكم.
واعلم أن قوله لأن حق المولى هناك تجوز بقيمة ناجزة.. إلى آخره يدل على أن عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أولاد المكاتب في الصورة المذكورة أحرار بقيمة متأخرة إلى ما بعد العتق، وهكذانص عليه في شرح " الجامع الصغير "، وفي " المبسوط " خلاف هذا وهو أن قيمة الأولاد والمهر يجب في الحال لوجود الإذن من المولى.

(10/405)


قال: وإن وطئ المكاتب أمة على وجه الملك بغير إذن المولى ثم استحقها رجل فعليه العقر يؤخذ به في الكتابة، وإن وطئها على وجه النكاح لم يؤخذ به حتى يعتق، وكذلك المأذون له. ووجه الفرق أن في الفصل الأول ظهر الدين في حق المولى لأن التجارة وتوابعها داخلة تحت الكتابة وهذا العقر من توابعها؛ لأنه لولا الشراء لما سقط الحد وما لم يسقط الحد لا يجب العقر، أما لم يظهر في الفصل الثاني؛ لأن النكاح ليس من الاكتساب في شيء فلا ينتظمه الكتابة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[وطئ المكاتب أمة على وجه الملك]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن وطئ المكاتب أمة على وجه الملك) ش: يعني اشترى مكاتب أمة بشراء صحيح ووطئها م: (بغير إذن المولى) ش: والباقية تتعلق بقوله وطئ، وإنما قال بغير إذن المولى ليتبين به فائدة هذا الحكم في إذن المولى، فلأن يؤاخذ به الإذن بالطريق الأولى.
ألا ترى أنه يفترق هذا فيما إذا وجد الوطء في النكاح فإنه لو كان مأذونا بالنكاح فنكحها ووطئها يؤاخذ بمهرها في الحال. ولو لم يكن مأذونا به لا يؤاخذ بالمهر في الحال بل يؤخر إلى ما بعد العتق م: (ثم استحقها رجل فعليه العقر) ش: أي مهر المثل م: (يؤخذ به في الكتابة) ش: في حال الكتابة من غير تأخير إلى الإعتاق.
م: (وإن وطئها على وجه النكاح) ش: أي بغير إذن المولى بالنكاح م: (لم يؤخذ به) ش: أي بالعقر م: (حتى يعتق، وكذلك المأذون له) ش: أي العبد المأذون له في التجارة سواء كان قنا أو مدبرا. حكمه كذلك.
م: (ووجه الفرق) ش: أي بين الوطء على وجه الملك والوطء بالنكاح م: (أن في الفصل الأول) ش: وهو الوطء على وجه الملك م: (ظهر الدين في حق المولى، لأن التجارة وتوابعها) ش: توابع التجارة كالإعارة والضيافة والهدية اليسيرة، ولكن المراد هنا هو العقر فإنه من توابع التجارة؛ لأنه لولا الشراء لما لزم العقر بل لزم الحد فصار وجوب العقر ملحقا بدين التجارة؛ لأنه من التوابع فتكون م: (داخلة تحت الكتابة) ش: لأنه إنما ملك الشراء بسبب الكتابة.
فالحاصل أن الكتابة أوجبت الشراء، والشراء أوجب سقوط الحد، وسقوط الحد أوجب العقر، فالكتابة أوجبت العقر، وهو معنى قوله م: (وهذا العقر) ش: أي الذي وجب على المكاتب بسبب وطء المشتراة م: (من توابعها) ش: أي من توابع الكتابة م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لولا الشراء لما سقط الحد وما لم يسقط الحد لا يجب العقر، أما لم يظهر في الفصل الثاني) ش: وهو الوطء بالنكاح م: (لأن النكاح ليس من الاكتساب في شيء فلا ينتظمه الكتابة) ش: أي فلا يشمله الكتابة.
فوجوب العقر هنا باعتبار شبهة النكاح وهو ليس من التجارة والاكتساب فيتأخر إلى ما

(10/406)


كالكفالة.
قال: وإذا اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها أخذ بالعقر في المكاتبة، وكذلك العبد المأذون له لأنه من باب التجارة فإن التصرف تارة يقع صحيحا ومرة يقع فاسدا والكتابة والإذن ينتظمانه بنوعيه كالتوكيل، فكان ظاهرا في حق المولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعد عتقه م: (كالكفالة) ش: يعني إذا كفل المكاتب يؤخذ به الحرمة، لأن الكتابة لا ينتظمها.

[اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها]
م: (قال: وإذا اشترى المكاتب جارية شراء فاسدا ثم وطئها فردها أخذ بالعقر في المكاتبة) ش: أي في حال الكتابة م: (وكذلك العبد المأذون له؛ لأنه) ش: أي لأن الشراء م: (باب التجارة، فإن التصرف تارة يقع صحيحا ومرة يقع فاسدا، والكتابة والإذن ينتظمانه) ش: أي الشراء م: (بنوعيه) ش: وهما الصحيح والفاسد م: (كالتوكيل) ش: يعني إذا وكل وكيلا يتناول الصحيح والفاسد م: (فكان) ش: أي العقر م: (ظاهرا في حق المولى) ش: لوجود الإذن منه.

(10/407)


فصل قال: وإذا ولدت المكاتبة من المولى فهي بالخيار إن شاءت مضت على الكتابة وإن شاءت عجزت نفسها وصارت أم ولد له؛ لأنها تلقتها جهتا حرية عاجلة ببدل وآجلة بغير بدل فتخير بينهما ونسب ولدها ثابت من المولى وهو حر؛ لأن المولى يملك الإعتاق في ولدها وما له من الملك يكفي لصحة الاستيلاد بالدعوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في بيان مسائل في الكتابة]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان مسائل أخرى من هذا الباب، وأتى بها في فصل لكونها نوعا من جنس مسائل الباب.
م: (قال: وإذا ولدت المكاتبة من المولى، فهي بالخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها، وصارت أم ولد له) ش: سواء صدقته المكاتبة في ذلك أم كذبته، لأن للمولى في رقبتها حقيقة الملك، وللمكاتب حق الملك، فترجحت الحقيقة على الحق، فيثبت من غير تصديق، بخلاف ما لو ادعى ولد أمة المكاتبة، فإن ثمة لا يثبت النسب إلا بتصديق المكاتبة، لأن للمولى حق الملك في اكتسابها دون حقيقته، فيحتاج إلى التصديق م: (لأنها) ش: أي لأن الشأن، وهذا إشارة إلى دليل المتخير م: (تلقتها) ش: أي المكاتبة.
وفي بعض النسخ تلقاها م: (جهتا حرية) ش: أي جهتان للحرية، فبالإضافة سقطت النون وارتفاعها بالفاعلية بقوله تلقتها م: (عاجلة ببدل) ش: أي أحد الجهتين عاجل ببدل وهو المضي على الكتابة م: (وآجلة بغير بدل) ش: أي الأخرى آجل بلا بدل، وهو أن تعجز نفسها وتصير أم ولد فتعتق بعد موته م: (فتخير بينهما) ش: أي إذا كان أمرها دائر بين الجهتين فتخير بينهما م: (ونسب ولدها ثابت من المولى) ش: سواء جاءت به لستة أشهر أو لأكثر من ستة أشهر م: (وهو حر) ش: أي الولد لا يعلم فيه خلاف.
م: (لأن المولى يملك الإعتاق في ولدها) ش: لأن الدعوة من المولى كالتحرير، وإنه يملك تحرير ولدها من غيره قصدا، فلأن يملك ذلك ضمنا للدعوة بالطريق الأولى م: (وماله) ش: بفتح اللام، أي والذي له م: (من الملك) ش: في الجارية م: (يكفي لصحة الاستيلاد بالدعوة) ش: هذا في الحقيقة جواب عما عسى أن يتوهم أن ملك المولى في المكاتبة ناقص. فلا تصح دعوته، فقال الذي له من ملك الرقبة فيها كان لصحة الاستيلاد، وإن لم يكن له ملك اليد، وملكه فيها أقوى من ملك المكاتب في مكاتبته بدليل جواز إعتاق المولى مكاتبته دون المكاتب، والمكاتب إذا ادعى نسب الولد من مكاتبته يثبت نسبه، فلأن يثبت من المولى أولى.

(10/408)


وإذا مضت على الكتابة أخذت العقر من مولاها لاختصاصها بنفسها وبمنافعها على ما قدمنا، ثم إن مات المولى عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة، وإن ماتت هي وتركت مالا تؤدي منه مكاتبتها وما بقي ميراث لابنها جريا على موجب الكتابة. فإن لم تترك مالا فلا سعاية على الولد لأنه حر. ولو ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى إلا أن يدعي لحرمة وطئها عليها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإذا مضت على الكتابة) ش: أراد أنها إذا اختارت الكتابة ومضت عليها م: (أخذت العقر من مولاها) ش: أي مهر المثل، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول م: (لاختصاصها بنفسها وبمنافعها على ما قدمنا) ش: أشار به إلى قوله في فصل الكتابة الفاسدة أنها صارت أخص بأجزائها.
م: (ثم إن مات المولى) ش: يعني بعد مضيها على المكاتبة م: (عتقت بالاستيلاد وسقط عنها بدل الكتابة) ش: ولا خلاف فيه؛ لأنها التزمت المال لتسلم لها رقبتها بجهة الكتابة ولم تسلم بهذه الجهة فلم يجب البدل.
فإن قلت: كان الواجب أن لا يسقط، لأن الأكساب تسلم لها وهذا آية بقاء الكتابة.
قلت: الكتابة تشبه المعاوضة، فبالنظر إلى ذلك لا يسقط البدل، ويشبه الشرط فبالنظر إليه يسقط، ألا ترى أنه لو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طلقها ثلاثا تبطل، فلما عتقت بالاستيلاد بطلت جهة الكتابة فعملنا بالشبهين. وقلنا بسلامة الإكساب عملا يشبه المعاوضة. وقلنا بسقوط بدل الكتابة عملا بشبه الشرط.
م: (وإن ماتت هي وتركت مالا؛ تؤدي منه مكاتبتها) ش: أي بدل كتابتها م: (وما بقي ميراث لابنها جريا على موجب الكتابة) ش: وقال أحمد: ما في يدها للسيد، وبه قال الشافعي في قول لبطلان الكتابة. فيكون العتق باستيلاد، فلا يكون ما في يدها للسيد ميراثا لابنها.
وقال مالك: من كان معها في كتابتها من ورثتها يؤدي ما بقي من الكتابة ويرث من ذكرنا ممن كان في الكتابة على قسمة الميراث، ولا يرث منها وارث آخر. قال ابن حزم: هذا قول لم يعرف من أحد وخلاف القرآن والسنة والمعقول.
م: (فإن لم تترك مالا فلا سعاية على الولد؛ لأنه حر. ولو ولدت ولدا آخر لم يلزم المولى) ش: بالسكوت؛ لأنه بسبب ولد أم الولد إنما يثبت بالسكوت إذا لم تكن محرم الوطء. وهذا محرم وطؤها م: (إلا أن يدعي لحرمة وطئها عليها) ش: وفي " مبسوط شيخ الإسلام " هذا إذا مضت على المكاتبة، أما لو عجزت بنفسها ولم تمض ثم ولدت فإنه يلزم المولى دون الدعوة لحل وطئها حينئذ.

(10/409)


فلو لم يدع وماتت من غير وفاء يسعى هذا الولد؛ لأنه مكاتب تبعا لها. فلو مات المولى بعد ذلك عتق وبطل عنه السعاية؛ لأنه بمنزلة أم الولد إذ هو ولدها فيتبعها،
قال: وإذا كاتب المولى أم ولده جاز لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة ولا تنافي بينهما؛ لأنه تلقتها جهتا حرية، فإن مات المولى عتقت بالاستيلاد لتعلق عتقها بموت السيد وسقط عنها بدل الكتابة؛ لأن الغرض من إيجاب بدل العتق عند الأداء، فإذا عتقت قبله لا يمكن توفير الغرض عليه، فسقط وبطلت الكتابة لامتناع إبقائها من غير فائدة، غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فلو لم يدع) ش: أي المولى نسب الولد الثاني م: (وماتت من غير وفاء يسعى هذا الولد؛ لأنه مكاتب تبعا لها) ش: أي لأن الولد الثاني دخل في كتابة أمه، وهذا يؤدي كتابتها على نجوم أمه م: (فلو مات المولى بعد ذلك) ش: أي بعد المكاتبة م: (عتق) ش: أي الولد الثاني م: (وبطل عنه السعاية لأنه بمنزلة أم الولد) ش: أي لأن الولد بمنزلة أم الولد م: (إذ هو ولدها) ش: أي لأنه ولدها م: (فيتبعها) ش: فهي لا تسعى بعد موت السيد، فكذا ولدها تبعا لها.

[الحكم لو كاتب المولى أم ولده أو مدبرته]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا كاتب المولى أم ولده جاز) ش: والقياس أن لا يجوز عند أبي حنيفة لعدم تقومها، فكيف يؤخذ بمقالته بدل الكتابة، لكن لو جوزه باعتبار أن عقد الكتابة ترد على المملوك ليتوصل به إلى ملك اليد والمكاتب في المال والحرية في ثاني الحال م: (لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى) ش: كحاجة غيرها م: (وذلك بالكتابة) ش: فكان جائزا م: (ولا تنافي بينهما) ش: أي بين الكتابة والاستيلاد.
وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: أحد ما يقتضي العتق ببدل والآخر بلا بدل، والعتق الآخر لا يثبت بهما فكانا متنافيين، فقال لا تنافي بينهما م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (تلقتها جهتا حرية) ش: وهما حصول الحرية بالبدل معجلا، وحصولها بلا بدل مؤجلا. وقال: أي القاضي من أصحاب الشافعي: لا يجوز كتابة أم الولد؛ لأن الشافعي قال إذا استولد المكاتبة صارت أم الولد بحالها، وبه قال أحمد.
م: (فإن مات المولى عتقت بالاستيلاد) ش: يعني إن مات المولى قبل أداء بدل الكتابة ولفظ القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وإذا مات المولى سقط عنها مال الكتابة، هكذا أثبته في " شرح الأقطع "، قال الحاكم الشهيد في " الكافي ": فإن مات المولى قبل أن تؤدى عتقت ولا شيء عليها م: (لتعلق عتقها بموت السيد وسقط عنها بدل الكتابة، لأن الغرض من إيجاب بدل العتق عند الأداء، فإذا عتقت قبله لا يمكن توفير الغرض عليه) ش: أي على المولى م: (فسقط) ش: أي بدل الكتابة م: (وبطلت الكتابة لامتناع إبقائها من غير فائدة) ش: بالنسبة إلى البدل م: (غير أنه تسلم لها الأكساب والأولاد) ش: أي يعتق الأولاد ويخلص لها الكسب.

(10/410)


لأن الكتابة انفسخت في حق البدل وبقيت في حق الأكساب والأولاد؛ لأن الفسخ لنظرها، والنظر فيما ذكرنا ولو أدت المكاتبة قبل موت المولى عتقت بالكتابة؛ لأنها باقية.
قال: وإن كانت مدبرته جاز لما ذكرنا من الحاجة، ولا تنافي إذ الحرية غير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال تاج الشريعة أي الأولاد التي اشترتها المكاتبة في حال الكتابة لا الأولاد التي ولدت من مولاها وهذا في الحقيقة لدفع شبهة ترد وهي أن استتباع الأولاد في الحرية والرقبة بالأم إنما يكون إن لو كانت الأولاد متصلة بالأم حالة الحرية والرقبة، وهاهنا الأولاد منفصلة عنها حال عتقها، فكيف يعتق الأولاد بعتقها عند موته؟ فأجاب عنها بهذا، وقال: عدم العتق للأولاد المنفصلة إنما يكون إذا لم تكن الأولاد داخلة في كتابة الأم بطريقة التبعية، وهاهنا دخلت في كتابتها تبعا لها، فلذلك عتقوا بعتقها وبطلت الكتابة في حق الأم في حق البدل وتبقى في حقها في حق الأولاد والأكساب، وإليه أشار بقوله.
م: (لأن الكتابة انفسخت في حق البدل) ش: أي في حق الأم في حق بدل الكتابة م: (وبقيت) ش: أي الكتابة م: (في حق الأكساب والأولاد؛ لأن الفسخ لنظرها) ش: أي لأن فسخ الكتابة أي بطلانها لأجل نظرها م: (والنظر فيما ذكرنا) ش: وهو سقوط الكتابة في حق البدل وبقاؤها في حق الأولاد والأكساب؛ لأنه على تقدير إنقاصها في حق الأولاد والأكساب تصير الأولاد أرقاء لورثة المولى، وكذا تصير الأكساب ملكا لهم وله نظر لهم في ذلك.
قيل: في كلامه تعالى؛ لأنه علل البطلان بانتفاع بقاء الكتابة من غير فائدة، ثم علله بالنظر لها والمعلول الواحد بالشخص لا يعلل بعلتين مختلفتين.
وأجيب: بأن للكتابة جهتين جهة هي للمكاتب، وجهة هي عليه وعلل الثانية بالأولى.
م: (ولو أدت المكاتبة) ش: بنصب المكاتبة، أي لو أدت أم الولد بدل الكتابة وفي بعض النسخ ولو أدت بدل الكتابة م: (قبل موت المولى عتقت بالكتابة) ش: لا بالاستيلاد م: (لأنها باقية) ش: أي لأن الكتابة باقية، وبه قال مالك وأحمد. وقال الشافعي: لا تعتق لبطلان الكتابة على ما ذكره ابن القاضي.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كاتب مدبرته جاز) ش: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن الشافعي أن التدبير وصية، والكتابة رجوع عنها، وإنما وضع المسألة في المدبرة لمناسبة أم الولد، وإن كانت هذه الأحكام في المدبر أيضا كذلك. وفي " المبسوط " وضعها في المدبر م: (لما ذكرنا من الحاجة) ش: عند قوله لحاجتها إلى استفادة الحرية قبل موت المولى وذلك بالكتابة م: (ولا تنافي) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: التدبير يقتضي الحرية بلا بدل، والكتابة ببدل فبينهما منافاة فقال: ولا تنافي بين الكتابة والتدبير م: (إذ الحرية غير

(10/411)


ثابتة، وإنما الثابت مجرد الاستحقاق
وإن مات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسعى في الأقل منهما. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة، فالخلاف في الخيار والمقدار، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار ومع محمد في نفي الخيار، أما الخيار ففرع تجزؤ الإعتاق، والإعتاق عنده لما تجزأ بقي الثلثان رقيقتها وقد تلقاها جهتا حرية ببدلين معجلة بالتدبير، ومؤجلة بالكتابة فتخير. وعندهما لما عتق كلها بعتق بعضها فهي حرة ووجب عليها أحد المالين فتختار الأقل لا محالة، فلا معنى للتخيير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثابتة) ش: في المدبرة م: (وإنما الثابت مجرد الاستحقاق) ش: أي استحقاق الحرية لا حقيقتها فتوجهت إليها جهتا عتق عاجل ببدل وآجل بلا بدل، فانتفى التنافي.

م: (وإن مات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار بين أن تسعى في ثلثي قيمتها أو جميع مال الكتابة) ش: أراد ثلثي قيمتها مدبرة لا قنة، لأن الكتابة عقدت حال كونها مدبرة، قيد بقوله: ولا مال له؛ لأنه لو كان له مال غيرها تخرج هي من الثلث؛ تعتق ويسقط عنها بدل الكتابة، كما لو أعتقها، ذكره في المبسوط، وقد علم أن المدبر يعتق من الثلث عند أكثر أهل العلم، إلا عند النخعي وداود م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذا المذكور من الخيار بين السعي في ثلثي القيمة، وجميع بدل الكتابة هو عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسعى في الأقل منهما) ش: أي من ثلثي القيمة وجميع بدل الكتابة ولا تجبر م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تسعى في الأقل من ثلثي قيمتها وثلثي بدل الكتابة فالخلاف) ش: بين أصحابنا الثلاثة في موضعين م: (في الخيار والمقدار، فأبو يوسف مع أبي حنيفة في المقدار. ومع محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفي الخيار، أما الخيار ففرع تجزؤ الإعتاق، والإعتاق عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (لما تجزأ بقي الثلثان رقيقتها) ش: لأنه لم يخرج من الثلث.
وفي بعض النسخ بقي الثلثان رقيقا م: (وقد تلقاها جهتا حرية ببدلين) ش: أحدهما م: (معجلة بالتدبير) ش: والأخرى م: (ومؤجلة بالكتابة فتخير) ش: على صيغة المجهول من المضارع؛ لأن في التخيير فائدة لجواز أن يكون أداء أكثر المالين أيسر باعتبار الأجل وأداء أقل المالين أعسر لكونه حالا وإن كان حبس المال متحدا. م: (وعندهما لما عتق كلها بعتق بعضها فهي حرة ووجب عليها أحد المالين) ش: وهما بدل الكتابة والقيمة م: (فتختار الأقل لا محالة) ش: بفتح الميم لأن العاقل لا يختار إلا الأقل م: (فلا معنى للتخيير) ش: لأنه لما بقي عليها بدل الكتابة حالا ووجب عليها ثلثا القيمة بالتدبير حالا لم يكن التخيير مفيدا.
فيلزمه أقل المالين بلا خيار، كما لو أعتق عبده على ألف أو ألفين فإنه يلزمه الأقل بلا خيار

(10/412)


وأما المقدار فلمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قابل البدل بالكل وقد سلم لها الثلث بالتدبير، فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته، ألا ترى أنه لو سلم لها الكل بأن خرجت من الثلث يسقط كل بدل الكتابة، فهاهنا يسقط الثلث، فصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة. ولهما أن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء، وهذا لأن البدل وإن قوبل بالكل صورة وصيغة لكنه مقيد بما ذكرنا معنى وإرادة؛ لأنها استحقت حرية الثلث ظاهرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عندهم، فكذا هنا.
فإن قلت: ينبغي أن يسعى في ثلثي قيمتها عندهما، لأن الإعتاق لما لم يتخير عندهما بعتق كلها بالتدبير يعتق بعضها، وانفسخت الكتابة فوجبت السعاية في ثلثي قيمتها فحسب.
قلت: صحة كتابة المدبر للنظر لها وهو في أداء بدل الكتابة لاحتمال كونه فجاء الاختيار.
م: (وأما المقدار فلمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قابل البدل بالكل) ش: أي أن المولى قابل كل الكتابة بكل الذات؛ لأنه أضاف العقد إلى ذاتها، فقال كاتبتك على هذا والمحل قابل لها كالقنة فتصير كلها مكاتبة م: (وقد سلم لها الثلث بالتدبير) ش: فيجب أن يسقط بقدر من ثلث البدل، وبه قال مالك م: (فمن المحال أن يجب البدل بمقابلته) ش: أي بمقابلة التدبير؛ لأنه سقط من الثلث، فإذا أوجبنا البدل بمقابلة كله يكون خلفا وهو باطل.
م: (ألا ترى) ش: توضيح لما قبله م: (أنه) ش: أي الشأن م: (لو سلم لها الكل) ش: أي كل البدل م: (بأن خرجت من الثلث يسقط كل بدل الكتابة فهاهنا يسقط الثلث) ش: يعني فيما إذا لم يخرج من الثلث يسقط م: (فصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة) ش: يعني لو كاتب عبده أولا ثم دبره ثم مات ولا مال سواه يسقط عنه ثلث البدل بالاتفاق، وهي المسألة التي تلي هذه المسألة؛ لأنه عتق ثلثه بالتدبير، ولهذا لو أدى كل البدل في حياته يعتق كله، فلو كان ثلثه يستحق بالتدبير ولم يرد عليه عند الكتابة لما عتق كله بالأداء.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف م: (أن جميع البدل مقابل بثلثي رقبتها، فلا يسقط منه شيء، وهذا) ش: أي بيان ذلك وتوضيحه م: (لأن البدل وإن قوبل بالكل) ش: أي لأن بدل الكتابة وإن قوبل بكل ذات المدبرة م: (صورة) ش: أي من حيث الصورة، حيث قال: كاتبتك، فإنه مقابل بكل صورة م: (وصيغة) ش: أي: ومن حيث الصيغة أيضا، لأن كان الخطاب عبارة عن كل الذات.
م: (لكنه مقيد بما ذكرنا) ش: أي كل البدل مقيد بما ذكرنا، وهو مقابلة بثلثي رقبتها م: (معنى وإرادة) ش: أي من حيث المعنى والإرادة، لأن البدل قوبل بما يصح مقابلته، وما لا يصح فيما يصح، فصح فيما يصح مقابلته م: (لأنها استحقت حرية الثلث ظاهرا) ش: يعني بالتدبير، ولكن

(10/413)


والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته وصار هذا كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كان جميع الألف بمقابلة الواحدة الباقية لدلالة الإرادة، كذا هاهنا، بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة وهي المسألة التي تليه؛ لأن البدل مقابل بالكل إذ لا استحقاق عنده في شيء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاستحقاق غير متقرر لجواز أن تموت قبل المولى، فإذا مات تقرر الاستحقاق، فبطلت الكتابة بمقابلة ما وراء المستحق بالتدبير، وهو الثلث.
م: (والظاهر أن الإنسان لا يلتزم المال بمقابلة ما يستحق حريته) ش: فتعين أن يكون جميع البدل بمقابلة ثلثي رقبتها فلا يسقط منه شيء.
فإن قلت: لو كان كذلك لما عتق الجميع إذا أدت كل البدل قبل موت المولى؛ لأنه في مقابلة الثلثين لا الكل.
قلت: أما هذا لا يلزم على أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه لا يقول يجزئ الإعتاق، وأما على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فالجواب ما مر إن حكمنا بصحة الكتابة نظرا للمدبر وليس من النظر أن يبقى بعضه غير حر ويغرم كل البدل، فاعتبرنا المقابلة الصورية قبل موت المولى نظرا له.
م: (وصار هذا) ش: هذا الحكم م: (كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف كان جميع الألف بمقابلة الواحدة الباقية لدلالة الإرادة) ش: أي إرادة المطلق، لأن الظاهر أنه يدفع الألف في مقابلة الطلقة الواحدة الباقية لوقوع الطلقتين أولا بلا مال، ثم تطليقه ثلاثا على ألف يدل على أن مراده مقابلة الألف بالواحدة الباقية.
فإن قلت: كيف تكون هذه المسألة المدبرة التي كوتبت، لأن وقوع الطلقتين هناك ظاهر، فلأجل هذا جعل البدل بإزاء ما بقي فللمدبرة حق العتق والملك كامل فيها، ولهذا حل وطؤها فيجوز أن يثبت بإزائه البدل.
قلت: قد سقطت مالية هذا الثلث هاهنا، ولهذا لو أتلفها إنسان لا يضمن إلا قيمة الثلثين، فيكون البدل بأي الباقي م: (كذا هاهنا) ش: أي هذا الحكم في مسألة المدبرة التي كوتبت.
م: (بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة) ش: جواب عما قاسه محمد بقوله: وصار كما إذا تأخر التدبير عن الكتابة م: (وهي المسألة التي تليه) ش: أي المسألة التي فيها تأخير التدبير عن الكتابة هي التي تأتي تلو الحكم الذي فيه تأخير الكتابة عن التدبير م: (لأن البدل مقابل بالكل، إذ لا استحقاق عنده في شيء) ش: أي عند عقد الكتابة، فيكون البدل في مقابلة الكل، فإذا عتق بعض

(10/414)


فافترقا،
قال: وإن دبر مكاتبته صح التدبير لما بينا ولها الخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة؛ لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك، فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة، أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: تسعى في الأقل منهما فالخلاف في هذا الفصل في الخيار بناء على ما ذكرنا، أما المقدار فمتفق عليه، ووجهه ما بينا.
قال: وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بإعتاقه لقيام ملكه فيه وسقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرقبة بعد ذلك بالتدبير سقط حصته من بدل الكتابة م: (فافترقا) ش: أي افترق حكم تقدم الكتابة على التدبير، وحكم تأخرها، فلم يصح قياس محمد على تقدمها.

م: (قال) ش: القدوري م: (وإن دبر مكاتبته صح التدبير) ش: ولا يعلم فيه خلاف؛ لأنه يملك بتخير العتق فيه، فيملك التعليق بشرط الموت أيضا، وكذ الحكم في مدبر مكاتبة، لكن ذكر لفظ التأنيث لما ذكرنا من المناسبة م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله تلقتها جهتا حرية م: (ولها الخيار إن شاءت مضت على الكتابة، وإن شاءت عجزت نفسها وصارت مدبرة؛ لأن الكتابة ليست بلازمة في جانب المملوك) ش: وبه قالت الثلاثة، لأن النفقة والجناية على المكاتب في حال الكتابة. وإذا عجزت نفسه كان كل ذلك على المولى، فله أن يدفع عن نفسه ذلك.
وفي " الذخيرة ": هذا فصل اختلف المشايخ فيه، وهو أن المكاتب إذا أراد تعجيز نفسه وقال المولى لا أعجزك هل تفسخ الكتابة؟ قال محمد بن سلمة: إذا أبى المولى ذلك التعجيز فله ذلك ولا تفسخ الكتابة بتعجيز، قال أبو بكر البلخي: هذا خلاف ما ذكره أصحابنا في كتبهم، فإنهم قالوا للعبد أن يعجز نفسه.
م: (فإن مضت على كتابتها فمات المولى ولا مال له غيرها فهي بالخيار إن شاءت سعت في ثلثي مال الكتابة أو ثلثي قيمتها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقالا تسعى في الأقل منهما فالخلاف) ش: بين أصحابنا الثلاثة م: (في هذا الفصل في الخيار بناء على ما ذكرنا) ش: أراد به قوله أما الخيار ففرع يجزئ الإعتاق.. إلى آخره.
م: (أما المقدار) ش: وهو القول بالثلثين سواء كان ذلك في بدل الكتابة أو قيمتها على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذا على قولهما م: (فمتفق عليه، ووجهه ما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن البدل مقابل بالكل إلى آخره، هذا لهما، أما محمد فإنه لما مر على أصله لا يحتاج إلى فرق.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أعتق المولى مكاتبه عتق بإعتاقه لقيام ملكه فيه، وسقط

(10/415)


بدل الكتابة؛ لأنه ما التزمه إلا مقابلا بالعتق وقد حصل له دونه فلا يلزمه، والكتابة وإن كانت لازمة في جانب المولى ولكنه يفسخ برضاء العبد، والظاهر رضاه توسلا إلى عتقه بغير بدل مع سلامة الأكساب له؛ لأنا نبقي الكتابة في حقه.
قال: وإن كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة، فهو جائز استحسانا. وفي القياس لا يجوز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بدل الكتابة لأنه) ش: أي لأن المكاتب م: (ما التزمه إلا مقابلا بالعتق، وقد حصل له دونه) ش: أي حصل له العتق بلا بدل الكتابة م: (فلا يلزمه) ش: أي إذا حصل له العتق بلا بدل، فلا يلزمه البدل بعده م: (والكتابة وإن كانت لازمة) ش: جواب عن سؤال مقدر، تقديره أن يقال: الكتابة من جانب المولى فلا يقبل الفسخ فقال والكتابة وإن كانت لازمة م: (في جانب المولى، ولكنه يفسخ) ش: أي لكن عقد الكتابة.
وفي بعض النسخ: لكنها - أي الكتابة- تفسخ م: (برضاء العبد، والظاهر رضاه) ش: لأن اللزوم كان لتعلق حقه، فإذا رضي بالفسخ فقد أسقط حقه، كما لو باعها المولى أو أجره برضاه، والظاهر رضاه.
م: (توسلا إلى عتقه بغير بدل) ش: لأنه إذا رضي به ببدل قبلا بدل يكون أرضى م: (مع سلامة الأكساب له) ش: هذا جواب عن ما عسى أن يقال: قد يكون راضيا ببدل نظرا إلى سلامة الأكساب له فقد تكون الأكساب كثيرة بفضل بعد أداء البدل منها له جملة، فقال الأكساب سالمة له.
م: (لأنا نبقي الكتابة في حقه) ش: أي في حق الأكساب ذكر الضمير على تأويل المكسوب أو المال. قال تاج الشريعة: أي في حق الكسب أو المكاتب وقوله أو المكاتب لا وجه له على ما لا يخفي. وقال الكاكي: ذكر هذا دفعا لشبهة ترد على قوله مع سلامة الأكساب له وهي ما يقال ينبغي أن لا تسلم له الأكساب، ويجب أن يكون للمولى كما قالت الأئمة الثلاثة.
لأن الأكساب أكساب عبده، كما لو عجز نفسه وعاد إلى الرق، والأكساب في يده بجامع أن في كل منهما انفساخ الكتابة، فأجاب عنها بقوله: لأنا نبقي الكتابة في حق الأكساب نظرا للمكاتب، كما أن انفساخ تمثله للمكاتب بعد الإعتاق وفيه نظر.
لأن الرواية لم توجد في كتب محمد ومن بعده من المتقدمين كالطحاوي والكرخي وأبي الليث وغيرهم ينبغي أن تكون الأكساب للمولى بعدما أعتقه كما تجزئ بعد المكاتبة.

[كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كاتبه على ألف درهم إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة فهو جائز استحسانا. وفي القياس: لا يجوز) ش: وبه قال الشافعي ومالك. وفي

(10/416)


لأنه اعتياض عن الأجل وهو ليس بمال والدين مال فكان ربا، ولهذا لا يجوز مثله في الحر ومكاتب الغير. وجه الاستحسان أن الأجل في حق المكاتب مال من وجه؛ لأنه لا يقدر على الأداء إلا به فأعطي له حكم المال وبدل الكتابة مال من وجه حتى لا تصح الكفالة به فاعتدلا، فلا يكون ربا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
" الحلية " وبه قال أبو يوسف وزفر.
م: (لأنه اعتياض عن الأجل) ش: أي لأن هذا الصلح اعتياض عما ليس بمال بما هو مال، لأن الأجل غير مال، وهو معنى قوله م: (وهو ليس بمال والدين مال، فكان ربا) ش: لأن الكتابة عقد معاوضة، وهذا لا يجوز في عقد المعاوضة، وإذا لم يجز ذلك كان خمسمائة بدلا عن ألف وذلك عين الربا.
لا يقال هلا جعلت إسقاطا لبعض الحق ليجوز، لأن الإسقاط إنما يتحقق في المستحق والمعجل لم يكن مستحقا.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه ربا م: (لا يجوز مثله) ش: أي مثل هذا الصلح م: (في الحر) ش: بأن كان للحر على مثله دين مؤجل فصالحه على نصف حقه معجلا لا يجوز وقد مر في الصلح، م: (ومكاتب الغير) ش: بأن كان على مكاتب الغير ألف إلى سنة فصالحه على خمسمائة معجلة لا يجوز.
م: (وجه الاستحسان أن الأجل في حق المكاتب مال من وجه لأنه لا يقدر على الأداء إلا به) ش: أي على الأداء البدل إلا بالأجل. م: (فأعطى له حكم المال وبدل الكتابة مال من وجه حتى لا تصح الكفالة به) ش: أي ببدل الكتابة، فلو كان مالا من كل وجه لصحت الكفالة به م: (فاعتدلا) ش: إذا كان الأمر كذلك فاعتدل الأجل ومال الكتابة تحرير بأن الأجل مال من وجه باعتبار أنه لا قدرة له إلا به، وبدل الكتابة مال من وجه.
ألا ترى أنه لا يصلح نصابا للزكاة، والمكاتب عبد والمولى لا يستوجب على عبده شيئا فصار كالحقوق التي ليست بمال، ولهذا لا تصح الكفالة به، فإذا كان مالا من وجه والأجل أيضا مال من وجه فاستويا م: (فلا يكون ربا) ش: لوجود الاعتدال وهو المساواة وبه قال أحمد.
قيل: فيه نظر من وجهين، الأول: أن المال ما يتمول به وهو يعتمد الإحراز وذلك في الأجل غير متصور. الثاني: أن قوله فأعطى له حكم المال ليس بمستقيم لفظا ومعنى.
أما لفظا فلأن أعطى متعد إلى مفعوليه بلا واسطة وقد استعمله باللام، وأما معنى فلأنه قال: الأجل في حق المكاتب مال من وجه، فإن أراد بقوله فأعطى له حكم المال من كل وجه

(10/417)


ولأن عقد الكتابة عقد من وجه دون وجه، والأجل ربا من وجه فيكون شبهة الشبهة، بخلاف العقد بين الحرين؛ لأنه عقد من كل وجه فكان ربا، والأجل فيه شبهة.
قال: وإذا كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف ثم مات ولا مال له غيره ولم يجز الورثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فات الاعتدال، إذ الدين مال من وجه، وإن المراد حكم المال من وجه فهو تحصيل للحاصل.
أجيب عن الأول: أن ما ذكرتم أن المال ما يتمول به وبحرز صحيح إذا كان ملاء من كل وجه، وليس ما نحن فيه كذلك، وإنما المراد به هاهنا أنه وسيلة إلى تحصيل مقصود المكاتب وهو في ذلك كعين الدراهم لتوقف قدرة الأداء عليه توقفها على عين الدراهم.
وعن الثاني: بأن أعطى ضمن يعني اعتبر ومعناه اعتبر لأجل حكم المال، فإن الشيء يجوز أن يكون جهة في شيء ولا يكون معتبراً فبين بأنه اعتبر له تلك الجهة تصحيحا للقصد ونظراً للمكاتب.
م: (ولأن عقد الكتابة عقد من وجه دون وجه) ش: لأنه إسقاط باعتبار أنه فك الحجر، ولعقد الكتابة شبه بالتعليق بالشرط؛ لأنه تعليق العتق بشرط الأداء، فيكون من هذا الوجه يمينا.
م: (والأجل ربا من وجه) ش: (لأن حقيقة الربا يكون بين المالين والأجل ليس بمال م: (فيكون شبهة الشبهة) ش: أي يكون كون الأجل ربا شبهة وقعت في شبهة العقد، فشبهة الشبهة لا اعتبار لها، والشبهة هي المعتبرة دون شبهة الشبهة.
فإن قلت: لو كان عقد المكاتبة عقداً من وجه كما ذكرتم كان ينبغي أن يجوز بيع المولى من مكاتبه درهماً بدرهمين، وذا لا يجوز ذكره في (المبسوط) .
قلت: المكاتب كالأجنبي من وجه فتجري بينهما صريح الربا بدون شبهة لما ذكرنا، كذا ذكره المحبوبي م: (بخلاف العقد بين الحرين) ش: جواب عن قوله ولهذا لا يجوز مثله في الحر.
تقريره؛ لأن العقد بين الحرين، أي عقد الصلح بين الحرين على الوجه المذكور إنما لا يجوز م: (لأنه عقد من كل وجه فكان ربا والأجل فيه شبهة) ش: فاعتبرت، فلذلك لم يصح.

[كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف ومات]
م: (قال) ش: أي في (الجامع الصغير) م: (وإذا كاتب المريض عبده على ألفي درهم إلى سنة وقيمته ألف) ش: أي والحال أن قيمة المكاتب ألف درهم م: (ثم مات) ش: أي المولى م: (ولا مال له غيره) ش: أي والحال أنه لا مال للمولى غير المكاتب.
م: (ولم يجز الورثة) ش: أي التأجيل؛ لأن المريض لم يتصرف في حق الورثة إلا في حق التأجيل فكان لهم أن يردوه، إذ بتأجيل المال أخر حقهم، وفيه ضرر عليهم فلا يصح بدون

(10/418)


فإنه يؤدي ثلثي الألفين حالا والباقي إلى أجله، أو يرد رقيقا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤدي ثلثي الألف حالا والباقي إلى أجله؛ لأن له أن يترك الزيادة بأن يكاتبه على قيمته فله أن يؤخرها، فصار كما إذا خالع المريض امرأته على ألف إلى سنة جاز؛ لأن له أن يطلقها بغير بدل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إجازتهم م: (فإنه) ش: أي المكاتب م: (يؤدي ثلثي الألفين حالاً) ش: وهو ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم.
م: (والباقي) ش: بنصب الياء يؤدي الباقي وهو ستمائة وست وستون وثلثا درهم م: (إلى أجله) ش: أي على الذي عليه م: (أو يرد رقيقاً) ش: أي أو يرد المكاتب إلى حاله التي كان فيها رقيقاً م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -) .
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يؤدي ثلثي الألف حالاً والباقي) ش: أي يؤدي الباقي م: (إلى أجله) ش: الذي عينه م: (لأن له) ش: أي للمريض م: (أن يترك الزيادة) ش: أي على القيمة لأنه لم يتعلق بها حق الورثة.
ثم فسر ترك الزيادة على القيمة بقوله م: (بأن يكاتبه على قيمته) ش: أي يكاتبه على قدر قيمته وهو الألف م: (فله أن يؤخرها) ش: أي الزيادة، لما جاز له ترك أصله جاز له ترك وصفه وهو التعجيل بالطريق الأولى.
ألا ترى أنه يجوز له أن يكاتبه على قدر قيمته، فالزيادة على قيمته لا تعتبر من ماله، وإنما يعتبر من ماله الألف، فلا يصح في ذلك تأجيله في ثلثي الألف، ويصح فيه الزيادة.
قال صاحب (العناية) ولو قال: لأن له أن يترك الزيادة وثلث الألف فله أن يؤخرهما كان أحسن فتأمل.
قلت: لما كان جواز ترك الزيادة على القيمة لعدم تعلق حق الورثة به فكذلك ترك ثلث الألف؛ لأنه لا حق لهم فيهما، وحقهم في الثلثين، فمن فهم ذلك يلزم فهم هذا فلا حاجة حينئذ إلى ما ادعاه من الأجنبية.
م: (فصار) ش: أي حكم هذا م: (كما إذا خالع المريض امرأته على ألف إلى سنة جاز؛ لأن له أن يطلقها بغير بدل) ش: أراد أنه لو خالع امرأته في مرض موته على ألف إلى سنة ولا مال له غيره ولم يجز الورثة التأجيل فإنه يعتبر من كل المال؛ لأنه لو تركه صح بأن يطلقها بلا بدل فصح تأجيله.

(10/419)


لهما أن جميع المسمى بدل الرقبة حتى أجرى عليه أحكام الأبدال وحق الورثة متعلق بالمبدل فكذا بالبدل، والتأجيل إسقاط معنى فيعتبر من ثلث الجميع، بخلاف الخلع؛ لأن البدل فيه لا يقابل المال فلم يتعلق حق الورثة بالمبدل فلا يتعلق بالبدل، ونظير هذا إذا باع المريض داره بثلاثة آلاف إلى سنة وقيمتها ألف ثم مات ولم يجز الورثة فعندهما يقال للمشتري أد ثلثي جميع الثمن حالا، والثلث إلى أجله وإلا فانقض البيع، وعنده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لهما) ش: أي لأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - م: (أن جميع المسمى بدل الرقبة حتى أجرى عليه) ش: أي على بدل الرقبة، وفي بعض النسخ عليها. قال الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي على الزيادة.
وقال الأترازي: - رَحِمَهُ اللَّهُ - والتأنيث بتأويل العين التي كوتب عليها، وإنما قال هذا دفعاً لوهم من يقول إن الكتابة صلة لأنه بدل ما ليس بمال وهو فك الحجر، فكان كالخلع، وكان قياس محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - صحيحاً فقال إن له حكم العوض، ولهذا لو كان بدل الكتابة داراً يأخذها الشفيع.
م: (أحكام الأبدال) ش: من أخذ الحق بالشفعة وجريان بيع المرابحة وحق الحبس في المطالبة، فإنه لو باع داراً قيمتها ألف بألفين فالشفيع يأخذها بألفين، وكذا لو باعها المشتري مرابحة يبيعها بألفين، ولو أدى المشتري ألفا وماطل في ألف للبائع أن يحبسه.
م: (وحق الورثة متعلق بالمبدل فكذا بالبدل) ش: لأن المبدل لما كان متقوماً كان حكم بدله حكمه، فجميع المسمى متعلق به حق الورثة، وما تعلق به حق الورثة جاز للمريض إسقاط ثلثه م: (والتأجيل إسقاط معنى) ش: أي إسقاط حق الورثة معنى.
م: (فيعتبر) ش: أي التأجيل م: (من ثلث الجميع) ش: أي جميع البدل م: (بخلاف الخلع؛ لأن البدل فيه لا يقابل المال) ش: لأن البضع في حالة الخروج لا يعتبر مالاً م: (فلم يتعلق حق الورثة بالمبدل، فلا يتعلق بالبدل) ش: أراد أن حق الورثة لم يتعلق بالمبدل لكونه غير مال، فكذا لا يتعلق بالبدل.
م: (ونظير هذا) ش: أي نظير أصل المسألة المذكورة م: (إذا باع المريض داره بثلاثة آلاف إلى سنة، وقيمتها ألف ثم مات ولم يجز الورثة) ش:، أي التأجيل م: (فعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقال للمشتري أد ثلثي جميع الثمن حالاً، والثلث إلى أجله) ش: أي أداء الثلث إلى أجله الذي عينه.
م: (وإلا) ش: أي وإن لم ترض بذلك م: (فانقض البيع، وعنده) ش: أي عند محمد -

(10/420)


يعتبر الثلث بقدر القيمة لا فيما زاد عليه لما بينا من المعنى
قال: وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجز الورثة، يقال له أد ثلثي القيمة حالا أو ترد رقيقا في قولهم جميعا؛ لأن المحاباة هاهنا في القدر والتأخير فاعتبر الثلث فيهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يعتبر الثلث بقدر القيمة لا فيما زاد عليه) ش: أي على الثلث، فيقال له عنده عجل ثلثي القيمة والباقي عليك إلى أجل م: (لما بينا من المعنى) ش: أشار به إلى ما ذكر من الدليل من الطرفين.
والحاصل أن المكافأة في جميع الثمن وصية من الثلث عندهما؛ لأن التأجيل تبرع من المريض من حيث إن الوارث يصير ممنوعاً عن المال بسبب التأجيل كما يصير ممنوعا بنفس التبرع وتبرع المريض يعتبر من ثلث المال وجميع الثمن هنا بدل الرقبة لجريان أحكام الأبدال كما ذكرنا، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - الأجل فيما زاد يصح من رأس المال ويعتبر في قدر القيمة من الثلث.

[كاتب المريض عبده على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجز الورثة]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجز الورثة، يقال له أد ثلثي القيمة حالاً أو ترد رقيقاً في قولهم جميعا؛ لأن المحاباة هاهنا في القدر) ش: وهو إسقاط ألف درهم.
م: (والتأخير) ش: وهو تأجيل الألف الأخرى م: (فاعتبر الثلث فيهما) ش: أي يصح تصرفه في ثلث قيمته في الإسقاط والتأخير، لكن لما سقط ذلك الثلث لم يبق التأخير أيضاً، ولم يصح تصرفه في ثلثي القيمة لا في حق الإسقاط ولا في حق التأخير، والله أعلم.

(10/421)