البناية شرح الهداية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب الولاء
قال: الولاء نوعان ولاء عتاقة ويسمى ولاء نعمة، وسببه العتق على ملكه في الصحيح، حتى لو عتق قريبه عليه بالوراثة كان الولاء له وولاء موالاة، وسببه العقد، ولهذا يقال: ولاء العتاقة، وولاء الموالاة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الولاء]
[تعريف الولاء وأنواعه]
م: (كتاب الولاء) ش: أورده عقيب المكاتب؛ لأنه من آثار زوال ملك الرقبة، قيل: الإعتاق أيضا زوال ملك الرقبة فكان ينبغي أن يذكر عقيبه. أجيب بأن فيه أثرا من آثار المكاتب وهو المرجح لإيراده هاهنا دون عقيب الإعتاق، ثم الولاء والولاية بالفتح النصرة والمحبة، إلا أنه اختص في الشرع بمولى العتق، والموالاة اشتقاقه من الولي وهو القرب، وحصل الثاني بعد الأول من غير فصل. وفي عرف الفقهاء عبارة عن تناصر يوجب الإرث والعقل.
م: (قال) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (الولاء نوعان ولاء عتاقة) ش: أي أحدهما ولاء عتاقة، وتنوع الولاء إلى نوعين باختلاف السبب م: (ويسمى) ش: أي ولاء العتاقة م: (ولاء نعمة) ش: اقتداء بكتاب الله تعالى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] (سورة الأحزاب الآية: 37) أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق، والآية في زيد بن حارثة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
م: (وسببه) ش: أي سبب ولاء العتاقة م: (العتق على ملكه في الصحيح) ش: احترز بالصحيح عن قول أكثر أصحابنا حيث قالوا: إن سببه الإعتاق مستدلين بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» وجه الصحيح ما أشار إليه بقوله م: (حتى لو عتق قريبه عليه) ش: أي على الشخص م: (بالوراثة) ش: بأن ورث ابنه وأباه م: (كان الولاء له) ش: أي للذي ورثه ولا إعتاق هنا، فعلم أن السبب هو العتق والحكم يضاف إلى سببه، يقال: ولاء العتاقة، ولا يقال ولاء العتاق.
وقال الأترازي: استدلالهم بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ضعيف فإن من يملك القريب يعتق عليه ويثبت الولاء بإجماع أهل العلم وفيه نظر؛ لأن عندهم إذا ملك قريبه يعتق عليه، ولا يثبت الولاء لعدم الإعتاق، نص عليه تاج الشريعة وغيره، فكيف يقول: ويثبت الولاء بإجماع أهل العلم. والأوجه أن يقال: جعل العتق سببا أولى لعمومه بخلاف الإعتاق، ولأن في الإعتاق عتقا بدون عكس، والاستدلال بما فيه العموم أولى.
م: (وولاء موالاة) ش: أي النوع الثاني: ولاء موالاة وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى م:

(11/3)


والحكم يضاف إلى سببه والمعنى فيهما التناصر، وكانت العرب تتناصر بأشياء. وقرر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تناصرهم بالولاء بنوعيه، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وسببه) ش: أي ولاء الموالاة م: (العقد، ولهذا يقال: ولاء العتاقة وولاء الموالاة) ش: بإضافة الولاء إلى العتاقة والموالاة م: (والحكم يضاف إلى سببه) ش: كما عرف في الأصول م: (والمعنى فيهما التناصر) ش: هذا بيان مفهومهما الشرعي، أراد أن الولاء في الشرع عبارة عن التناصر، سواء كان ذلك ولاء عتاقة أو ولاء موالاة ومن آثار التناصر العقد والإرث.
ثم أشار إلى بيان ذلك بقوله م: (وقد كانت العرب تتناصر بأشياء) ش: بالقرابة والصداقة والمؤاخاة والحلف والعصبية وولاء العتاقة وولاء الموالاة.
م: (وقرر النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تناصرهم بالولاء بنوعيه) ش: وهما ولاء العتاقة وولاء الموالاة ثم فسر ذلك بقوله م: (فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إن مولى القوم منهم وحليفهم منهم» ش: هذا الحديث رواه أربعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -:
الأول رفاعة بن رافع الزرقي روى حديثه أحمد في "مسنده " وابن أبي شيبة في "مصنفه " في كتاب "الأدب" حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن أبي عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبد الله بن رفاعة أي رافع الزرقي عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مولى القوم منهم وابن أختهم منهم وحليفهم منهم» ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في "معجمه " ورواه الحاكم في "المستدرك " في تفسير سورة الأنفال، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ورواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب ثنا عمرو بن خالد الحراني ثنا زهير ثنا عبد الله بن

(11/4)


والمراد بالحليف مولى الموالاة لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عثمان به، وذكر فيه قصة ولفظه «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر: "اجمع لي قومك" فجمعهم فلما حضروا باب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عليه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال قد جمعت لك قومي فسمع ذلك الأنصار فقالوا قد نزل في قريش الوحي فجاء المستمع والناظر يسمعون ما يقال لهم فخرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام بين أظهرهم فقال: "هل فكيم من غيركم"، قالوا: نعم فينا حليفنا وابن أخينا وموالينا فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حليف القوم..» إلى آخره، ورواه أحمد أيضا ثنا عفان ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم به.
الثاني: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - روى حديثه البزار في "مسنده " ثنا رزيق بن البخت ثنا محمد بن عمرو بن وائل عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «حليف القوم منهم وابن أخيهم منهم» .
الثالث: عمرو بن عوف، روى حديثه الدارمي وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم والطبراني في "معجمه " من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عمرو بن عوف «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قاعدا معهم فدخل بينهم ثم قال: "ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي" قال فتسللت فدخلت فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر قريش هل معكم أحد ليس منكم"، قالوا: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: معنا ابن الأخت والمولى والحليف فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ابن أخت القوم منهم وحليفهم منهم ومولاهم منهم» ومن طريق ابن أبي شيبة رواه إبراهيم الحربي في كتابه " غريب الحديث ".
الرابع: عتبة بن غزوان روى حديثه الطبراني في "معجمه ": ثنا الحسن بن على العمر، ثنا عبد الملك بن بشير الشامي، ثنا عمر أبو حفص، ثنا عتبة بن غزوان عن أبيه ابن غزوان «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوما لقريش: "هل فيكم من ليس منكم" قالوا: ابن أختنا عتبة بن غزوان، قال: "ابن أخت القوم منهم، وحليف القوم منهم» ورواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدي عن عتبة بن غزوان فذكره، فهذه الأحاديث ترد على أبي الحسن بن الغر حيث يقول في كتابه " التنبية على مشكلات الهداية " الثابت مولى القوم منهم، وأما قوله وحليف القوم منهم فلا تعرف في كتب الحديث هذه الزيادة.
م: (والمراد بالحليف مولى الموالاة لأنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف) ش: أي المراد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وحليفهم هو مولى الموالاة» ولقائل أن يقول لا نسلم أن يكون المراد بالحليف مولى الموالاة ومن أين علم أنهم كانوا يؤكدون الموالاة بالحلف، بل الحلف أنهم كانوا يتحالفون على أن يكونوا يدا

(11/5)


قال: وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» . ولأن التناصر به فيعقله وقد أحياه معنى بإزالة الرق عنه فيرثه ويصير الولاء كالولاد،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحدة على من عاداهم وخالفهم ولا يفهم من ذلك عقد الموالاة.

[ولاء العبد المعتق]

[الولاء لمن أعتق]
م: (قال) ش: أي: القدوري م: (وإذا أعتق المولى مملوكه فولاؤه له لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لما اشترت بريرة اشترط أهلها أن ولاءها لهم فسألت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق» . أخرجه البخاري في المكاتب، ومسلم وأبو داود في العتق والترمذي في الولاء، والنسائي وابن ماجه في الأحكام، وأخرجه أيضا مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال «أرادت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أن تشتري جارية تعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء، فذكرت ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق» .
وقال عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين " وأخرجه البخاري من حديث ابن عمر في المكاتب وفي الفرائض، وجه الاستدلال بهذا الحديث أن الحكم إذا ترتب على مشتق دل على أن المشتق منه علة لذلك.
فإن قلت: الاستدلال به على هذا الوجه يناقض جعل العتق سببا؛ لأن أعتق مشتق من الإعتاق.
قلت: الأصل في الاشتقاق مصدر الثلاثي وهو العتق.
م: (ولأن التناصر به) ش: أي بسبب الإعتاق، أي يحصل بسببه م: (فيعقله) ش: أي إذا كان المولى ينتصر بمولاه بسبب العتق فيعلقه؛ لأنه إذا غنم بنصره يغرم عقله م: (وقد أحياه معنى) شي: أي وقد أحيا المولى مولاه من حيث المعنى م: (بإزالة الرق عنه) ش: الذي هو جزء الكفر الأصلي والكفر موت معنى والرقيق هالك حكما، ألا ترى أنه لا يثبت في حقه كثير من الأحكام التي تعلقت بالأحياء نحو القضاء والشهادة والسعي إلى الجمعة والخروج إلى العيدين وأشباه ذلك، وبالإعتاق تثبت هذه الأحكام في حقه، فكان إحياء معنى، ومن أحيا غيره معنى م: (فيرثه) ش: كالوالد م: (ويصير الولاء كالولاد) ش: فالولاد يوجب الإرث فكذلك الولاء.
فإن قلت: ينبغي أن يرث المعتق من المعتق أيضا إذا لم يترك المعتق عصبة نسبية كما هو قول الحسن بن زياد.
قلت: المعتق أجنبي منه وقد جاء في المعتق نص بخلاف القياس فلا يقاس عليه غيره، وذكر الإمام سراج الدين في شرح الفرائض للسراجي أن المعتق لا يرث من المعتق عند العامة.

(11/6)


ولأن الغنم بالغرم، وكذلك المرأة تعتق لما روينا «ومات معتق لابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنها وعن بنت فجعل النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - المال بينهما نصفين»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال إسحاق بن راهويه والحسن بن زياد وبشر المريسي: يرث لما روي «أن رجلا مات على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكن له وارث إلا عبدا كان أعتقه فدفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميراثه إليه» والصحيح قول العامة؛ لأن ذلك الحديث غير صحيح، ولئن صح فهو منسوخ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ، وكذلك معارض بقول علي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حيث قالا: لا ميراث للمعتق.
م: (ولأن الغنم بالغرم) ش: أي لأن الغنيمة بالغرامة وهذا يخدم الوجهين فلذلك أخره م: (وكذا المرأة تعتق) ش: أي وكذا حكم المرأة التي تعتق، يعني ولا معتق لها. وقوله تعتق جملة وقعت حالا وليست بصفة لأنها نكرة فلا تقع صفة لمعرفة م: (لما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» وكلمة من عامة تتناول الذكور والإناث م: «ومات معتق لابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عنها وعن بنت فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المال بينهما نصفين» ش: هذا معطوف على قوله لما روينا معنى، ذكره استدلالا على ثبوت الولاء للمرأة وجميع الشراح سكتوا عن بيان أصل هذا الحديث وعن بيان اسم ابنة حمزة هذا.
وعن بيان حكمه في الصحة فنقول وبالله التوفيق: هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجه في سننيهما في الفرائض عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد عن ابنة حمزة بن عبد المطلب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قالت: «مات مولى وترك ابنة له فقسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماله بيني وبين ابنته فجعل إلي النصف ولها النصف» .
ثم أخرجه النسائي عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد أن «ابنة حمزة أعتقت مملوكا لها فمات وترك ابنته ومولاته..» الحديث، قال وهذا أولى بالصواب من

(11/7)


ويستوي فيه الإعتاق بمال وبغيره لإطلاق ما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حديث ابن أبي ليلى وابن أبي ليلى كثير الخطأ.
وروى الدارقطني في سننه في الفرائض عن سليمان بن داود حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أن مولى لحمزة توفي وترك ابنته وابنة حمزة فأعطى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابنته النصف ولابنة حمزة النصف» انتهى.
ففي هذا الحديث السابق أن المولى لابنته وأنها التي أعتقته، ولكنه ضعيف فقد قال صاحب " التنقيح ": وسليمان بن داود هذا هو الشاذكوني وقد ضعفوه وكذبه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم: متروك الحديث.
وقال البخاري: هو عندي أضعف من كل صعيد وأما اسم ابنة حمزة هذا فهو أمامة صرح به الحاكم في "المستدرك " فرواه في كتاب الفضائل عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عبد الله بن شداد وهو أخو أمامة بنت حمزة لأنها عن أخته أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب فذكره بلفظ النسائي وسكت عنه، هكذا وقع فيه اسمها أمامة، قال ابن الأثير: وهو الصحيح.
وقال ابن عساكر في أطرافه لم تكن ابنة حمزة هذه أمامة، فلا أدري من هي انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن فاطمة بن حمزة بن عبد المطلب قالت: «مات مولى وترك بنته فقسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف» . من طريق ابن أبي شيبة رواه الطبراني في "معجمه ".
ورواه ابن أبي شيبة أيضا حدثنا عبد الله بن إدريس حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي الجعد عن عبد الله بن شداد عن فاطمة بنت حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فذكره، ففي هذين الكتابين اسمها فاطمة ورواه أبو داود في "المراسيل " عن شعبة عن الحكم عن عبد الله بن شداد وقالوا: «أتدرون ما ابنة حمزة مني كانت أختي لأمي وإنها أعتقت مملوكا لها فتوفي وترك ابنته ومولاته، فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ميراثه بينهما نصفين» .
وروى أبو داود أيضا في مراسيله ما يخالف هذا عن إبراهيم «قال توفي مولى لحمزة بن عبد المطلب فأعطى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنت حمزة النصف وقبض النصف» والله أعلم.
م: (ويستوي فيه) ش: أي في ثبوت الولاء م: (الإعتاق بمال وبغيره) ش: أي: وبغير المال، وكذا العتق بقرابة أو كتابة عند الأداء، وتدبير أو استيلاد بعد الموت، وسواء أيضا كان العتق حاصلا ابتداء أو بجهة الواجب ككفارة اليمين وما أشبهها م: (لإطلاق ما ذكرناه) ش: يعني قوله

(11/8)


قال: فإن شرط أنه سائبة فالشرط باطل والولاء لمن أعتق؛ لأن الشرط مخالف للنص فلا يصح
قال: وإذا أدى المكاتب عتق والولاء للمولى وإن عتق بعد موت المولى؛ لأنه عتق عليه بما باشر من السبب وهو الكتابة وقد قررناه في المكاتب، وكذا العبد الموصى بعتقه أو بشرائه وعتقه بعد موته؛ لأن فعل الوصي بعد موته كفعله والتركة على حكم ملكه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» ، وما ذكره من المعنى المعقول.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن شرط أنه سائبة) ش: أي أن العبد يكون حرا أولا ولا بينة، من ساب الماء يسيب إذا جرى وذهب كل مذهب. قال الصغاني في " العباب ": السائبة العبد كان الرجل إذا قال لغلامه أنت سائبة فقد عتق، ولا يكون ولاؤه لمعتقه ويضع ماله حيث شاء ولا عقل بينهما، والسائبة أيضا الناقة التي كانت تسيب في الجاهلية لنذر ونحوه م: (فالشرط باطل والولاء لمن أعتق؛ لأن الشرط مخالف للنص) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أعتق م: (فلا يصح) ش: أي إذا كان مخالفا للنص، فلا يصح.
وهذا مذهب جمهور العلماء، وعند أحمد لم يكن به الولاء عليه إن أعتقه سائبة، فلو أخذ من ميراثه شيئا رده في مثله. وفي المنصوص عن أحمد لو خلف مالا ولم يدع وارثا اشترى بماله رقابا فأعتقهم؛ لأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أعتق عبدا سائبة فمات فاشترى بماله رقابا فأعتقهم. وقال مالك ومكحول وأبو العالية والزهري وعمر بن عبد العزيز يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين، كذا فعله بعض الصحابة.

[ولاء المكاتب]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أدى المكاتب) ش: أي بدل الكتابة م: (عتق والولاء للمولى، وإن عتق بعد موت المولى؛ لأنه عتق عليه بما باشر من السبب وهو الكتابة وقد قررناه في المكاتب) ش: أي قررنا في باب الكتابة أن ولاءه لمولاه، وهو قول عامة الفقهاء.
وعن عمرو بن دينار: لا ولاء على المكاتب لأنه اشترى نفسه من سيده فلم يكن عليه ولاؤه، كما لو اشتراه أجنبي، وقال مكحول: المكاتب إذا شرط ولاء مع رقبته جاز، وقال قتادة: من لم يشترط ولاء مكاتبه، فلمكاتبه أن يوالي من شاء، وللجمهور حديث بريرة وقد مضى مستقصى.
م: (وكذا العبد الموصى بعتقه) ش: أي وكذا يكون ولاؤه للميت لأن العتق يقع عنه م: (أو بشرائه) ش: أي أو الموصى بشرائه م: (وعتقه بعد موته؛ لأن فعل الوصي بعد موته) ش: أي بعد موت الموصي م: (كفعله) ش: أي كفعل الموصي في حياته م: (والتركة على حكم ملكه) ش: أي على حكم ملك الموصي الميت في حق الوصية.

(11/9)


وإن مات المولى عتق مدبروه وأمهات أولاده لما بينا في العتاق وولائهم له؛ لأنه أعتقهم بالتدبير والاستيلاد. ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه لما بينا في العتاق وولاؤه له لوجود السبب وهو العتق عليه. وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حامل من العبد عتقت وعتق حملها وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدا؛ لأنه عتق على معتق الأم مقصودا إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصودا فلا ينتقل ولاؤه عنه عملا بما روينا وكذلك إذا ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق أو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر لأنهما توأمان يتعلقان معا وهذا بخلاف ما إذا والت رجلا وهي حبلى والزوج والى غيره حيث يكون ولاء الولد لمولى الأب؛ لأن الجنبين غير قابل لهذا الولاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن مات المولى عتق مدبروه وأمهات أولاده لما بينا في العتاق وولاؤهم له؛ لأنه أعتقهم بالتدبير والاستيلاد) ش: فيه لف ونشر، فقوله بالتدبير يرجع إلى قوله مدبروه، وقوله والاستيلاد يرجع إلى قوله وأمهات أولاده م: (ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه لما بينا في العتاق، وولاؤه له لوجود السبب وهو العتق عليه) ش: أي على الذي ملك، وقد مر في العتاق مستقصى.
م: (وإذا تزوج عبد رجل أمة لآخر) أي لرجل آخر، وفي بعض النسخ أمة رجل آخر م: (فأعتق مولى الأمة الأمة وهي حامل) ش: أي والحال أن الأمة حامل م: (من العبد عتقت وعتق حملها) ش: تبعا لها م: (وولاء الحمل لمولى الأم لا ينتقل عنه أبدا؛ لأنه عتق على معتق الأم) ش: بكسر التاء م: (مقصودا إذ هو جزء منها يقبل الإعتاق مقصودا) ش: أي حال كونه مقصودا بالعتق؛ لأنه أضاف الإعتاق إلى جميع أجزائها وهو منها، فيعتق مقصودا كالأم، فإذا كان كذلك م: (فلا ينتقل ولاؤه عنه عملا بما روينا) ش: وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» .
م: (وكذلك إذا ولدت ولدا لأقل من ستة أشهر) ش: من حين أعتقت م: (للتيقن بقيام الحمل وقت الإعتاق) ش: أي للتيقن بوجوده في البطن حين الإعتاق فيعتق م: (أو ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر) ش: أي يوم مثاله وللآخر بعد يوم م: (لأنهما توأمان يتعلقان معا) ش: لأن المدة المتخللة بين الولادتين إذا كانت أقل من ستة أشهر يكون الولد توأما وحكم التوأم لا يختلف وإذا ثبت وجود أحدهما وقت الإعتاق ثبت وجود الآخر، فقد جرى عليهما عتق مقصود، فلا ينتقل الولاء.
م: (وهذا) ش: أي الحكم المذكور م: (بخلاف ما إذا والت رجلا وهي حبلى) ش: أي والحال أنها حبلى م: (والزوج والى غيره حيث يكون ولاء الولد لمولى الأب؛ لأن الجنين غير قابل لهذا الولاء

(11/10)


مقصودا؛ لأن تمامه بالإيجاب والقبول هو ليس بمحل له. قال: فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولدا فولاؤه لموالي الأم؛ لأنه عتق تبعا للأم لاتصاله بها بعد عتقها فيتبعها في الولاء ولم يتيقن بقيامه وقت الإعتاق حتى يعتق مقصودا، فإن أعتق الأب جر الأب ولاء ابنه وانتقل عن موالي الأم إلى موالي الأب؛ لأن العتق هاهنا في الولد يثبت تبعا للأم بخلاف الأول، وهذا لأن الولاء بمنزلة النسب. قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "الولاء لحمة كلُحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مقصودا؛ لأن تمامه بالإيجاب والقبول وهو) ش: أي الجنين م: (ليس بمحل له) ش: أي للإيجاب والقبول فهذا أظهر الفرق بين الصورتين.
م: (قال: فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر ولدا فولاؤه لموالي الأم؛ لأنه عتق تبعا للأم لاتصاله بها) ش: أي لاتصال الولد بالأم م: (بعد عتقها فيتبعها في الولاء) ش: لولاء الأم لمولى الأم، فكذا ولاؤه تبعا لها م: (ولم يتيقن بقيامه) ش: أي بقيام الولد أي بوجوده م: (وقت الإعتاق، وحتى يعتق مقصودا) ش: كما في الفصل الأول فلا جرم عتق تبعا لها.
م: (فإن أعتق) ش: وهو م: (الأب) ش: فلذلك فسره بقوله: م: (جر الأب ولاء ابنه) ش: إلى مواليه م: (وانتقل عن موالي الأم إلى موالي الأب) ش: وهو وقول جمهور الفقهاء، والتابعين، والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وقال داود، وميمون بن مهران، وحميد بن عبد الرحمن: إن الولاء لا يجري عن موالي الأم، وقد روي عن عثمان، وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مثل هذا م: (لأن العتق هاهنا) ش: أي فيما إذا ولدت لعتقها أكثر من ستة أشهر م (في الولد يثبت تبعا) ش: لا مقصودا، والأصل إذ العتق متى ثبت مقصودا لا ينتقل الولاء كما بينا، ومتى ثبت بطريق التبعية ينتقل، وهنا ثبت العتق تبعا م: (للأم) ش: لعدم التيقن بقيامه وقت الإعتاق، فإذا تبعها في العتق تبعها في الولاء أيضا كما ذكرنا لعدم أهلية الأب، فإذا صار الأب أهلا بالإعتاق عاد الولاء إليه.
م: (بخلاف الأول) ش: أي الفصل الأول، وهو ما إذا أعتقها وهي حامل، أو ولدت لأقل من ستة أشهر، فإن العتق فيه ثبت مقصودا فلا ينتقل الولاء فيه ألبتة م: (وهذا) ش: أي انتقال الولاء من موالي الأم إلى موالي الأب م: (لأن الولاء بمنزلة النسب) ش: والنسب إلى الآباء، فكذا الولاء، وإنما جعل لموالي الأم بطريق التبعية ضرورة لعدم وجود مولى للأب، فإذا ارتفعت هذه الضرورة بحدوث المولى له عاد إليه، ثم استدل على كون الولاء بمنزلة النسب بقوله: م: (قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث» ش: هذا الحديث رواه ثلاثة

(11/11)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
من الصحابة:
الأولي: عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أخرج حديثه ابن حبان في "صحيحه " في القسم الثاني عن بشر بن الوليد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» . ورواه الشافعي في "مسنده": أخبرنا محمد بن الحسن عن أبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار به.
ومن طريق الشافعي رواه الحاكم في المستدرك في كتاب الفرائض، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وبطريق آخر أخرجه الحاكم في كتاب " مناقب الشافعي" عن علي بن سليمان الأخميمي ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا محمد بن الحسن، ثنا أبو يوسف، عن أبي حنيفة، عن عبد الله بن دينار، قال الحاكم: كذا قال فيه عن أبي حنيفة وهو وهم. قال الشافعي: رواه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن عبد الله بن دينار نفسه.
وبطريق آخر أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط عن محمد بن زياد، حدثنا يحيى بن سليم الطالقي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، وقال: لم يروه عن إسماعيل بن أمية إلا يحيى بن سليم.
الثاني: ابن أبي أوفى، أخرج حديثه الطبراني في معجمه عن عبيد بن القاسم الأسدي، عن إسماعيل بن ابي خالد عن ابن أبي أوفى، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» ورواه ابن عدي في الكامل واعله بعبيد بن القاسم، ونقل عن ابن معين أنه قال فيه: كان كذابا.
الثالث: أبو هريرة، أخرج حديثه ابن عدي في الكامل عن يحيى بن أبي أنيسه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحم ... » إلى آخره، سواء واعله بيحيى بن أبي أنيسه، وأسند تضعيفه عن البخاري، والنسائي، وأحمد، وعلى بن المديني، وابن معين.
فإن قلت: ذكر البيهقي حديث النهي عن بيع الولاء وهبته، ثم ذكر عن الشافعي انا محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» ثم ذكر عن أبي بكر النيسابوري قال: هذا خطأ؛ لأن

(11/12)


ثم النسب إلى الآباء فكذلك الولاء، والنسبة إلى موالي الأم كانت لعدم أهلية الأب ضرورة، فإذا صار أهلا عاد الولاء إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الثقات لم يرووه هكذا، وإنما رواه الحسن مرسلا، ثم قال البيهقي: روي من أوجه أخر كلها ضعيفة.
قلت: يرد عليهما ما ذكرناه من حديث عبد الله بن عمر حديث عبد الله بن أبي أوفى من الطريق الذي أخرجه الطبري في تهذيب الآثار وهو طريق صحيح فقال: حدثني موسى بن سهل الرملي، ثنا محمد بن عيسى يعني الطباع ثنا عبد بن القاسم عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع، ولا توهب» .
ثم اعلم أنه ليس في الحديث بوجوهه المذكورة "ولا يورث" قال الدارقطني في كتاب العلل: ورواه أيوب بن سليمان الأعور عن عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن عبد الله بن دينار به " لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث " فزاد فيه ولا يورث ثم قال: ولم أجد في شيء من طريق الحديث "ولا يورث".
قوله: «لحمة كلحمة النسب» ، أي تشابك ووصلة كوصلة النسب، قالوا: يورث عند جمهور العلماء، والفقهاء، وأصحاب الظاهر، وقد شذ شريح وقال بأنه يورث كالمال عن المعتق، فمن ملك شيئا من الولاء حال حياته فهو لورثته وكان بين ابن المعتق وبنته للذكر مثل حظ الأنثيين. وعن سليمان بن يسار أنه كان مولى لميمونة فوهبت ولاءها لابن عباس رضي الله عنهما، وللجمهور ما مر ذكره.
فإن قلت ما معنى قولهم: الولاء لا يورث.
قلت: معناه مما لا يورث عينه، يعني لا يجري فيه سهام الورثة ولكن يورث به، وهو قول علي، وزيد، وإحدى الروايتين عن ابن مسعود رضي الله عنهم، وبه أخذ علماؤنا، وفي رواية أخرى لابن مسعود أن الولاء مما يورث عينه كما المال يجري فيه سهام الورثة، وهو قول شريح، والنخعي، وقد روي مثله عن أبي يوسف في غير رواية الأصول، حتى لو ترك المعتق أبا، وابنا كان لأبيه السدس، والباقي لابنه، وكذلك إذا ترك ابنا وابنة فميراث المعتق بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.

م: (ثم النسب إلى الآباء فكذلك الولاء) ش: إلى الآباء م: (والنسبة إلى موالي الأم كانت لعدم أهلية الأب ضرورة) ش: لكونه عبدا م: (فإذا صار أهلا) ش: بالحرية م: (عاد الولاء إليه) ش:

(11/13)


بمنزلة ولد الملاعنة ينسب إلى قوم الأم ضرورة. فإذا أكذب الملاعن نفسه ينسب إليه بخلاف ما إذا أعتقت المعتدة عن موت أو طلاق فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق حيث يكون الولد مولى لموالي الأم، وإن أعتق الأب لتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الموت والطلاق البائن لحرمة الوطء، وبعد الطلاق الرجعي لما أنه يصير مراجعا بالشك فأسند إلى حالة النكاح فكان الولد موجودا عند الإعتاق فعتق مقصودا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لارتفاع الضرورة م: (بمنزلة ولد الملاعنة ينسب إلى قوم الأم ضرورة) ش: لأجل اللعان الثاني نسبة إلى الأب م: (فإذا أكذب الملاعن نفسه ينسب إليه) ش: أي إلى الملاعن وهو الأب لارتفاع الضرورة بالإكذاب.
فإن قيل: الولاء كالنسب، والنسب لا يحتمل الفسخ بعد ثبوته، فكذا الولاء يجب أن لا ينفسخ بعد ثبوته.
قلنا: لا تنفسخ، ولكن حدث ولاء المولى منه، فقدم عليه، كما نقول في الأخ أنه عصبة، فإذا حدث من هو أولى منه في الإرث لا يبطل تعصيبه، ولكن يقدم عليه.
م: (بخلاف ما إذا أعتقت المعتدة عن موت أو طلاق) ش: هذا يبطل بقوله: فإذا صار أهلا عاد الولاء إليه يعني هنا يعود الولاء، وهاهنا لا يعود. قوله: إذا أعتقت المعتدة عن موت بأن كانت الأمة امرأة مكاتب فمات عن وفاة، أو طلاق أي: أو أعتقت المعتدة عن طلاق، وأطلق الطلاق ليشمل البائن، والرجعي جميعا، وكذا أطلق الطلاق الحاكم الشهيد، والطحاوي قيده بالبائن في "مختصره "، واتبعه الإمام الإسبيجابي في "شرحه " م: (فجاءت بولد لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق حيث يكون الولد مولى لموالي الأم. وإن أعتق الأب لتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الموت) ش: لاستحالته من الميت م: (والطلاق البائن) ش: أي ولتعذر إضافة العلوق إلى ما بعد الطلاق البائن م: (لحرمة الوطء) ش: بعد الطلاق البائن م: (وبعد الطلاق الرجعي) ش: أي ولتعذر إضافة العلوق أيضا إلى ما بعد الطلاق الرجعي.
م: (لما أنه يصير مراجعا بالشك) ش: لأنه لو حمل وطؤه في العدة يصير مراجعا، ولو حمل إلى ما قبل الطلاق لا يصير مراجعا، والمراجعة لم تكن فلا يثبت بالشك، فإذا تعذر إضافته إلى ما بعد ذلك م: (فأسند إلى حالة النكاح فكان الولد موجودا عند الإعتاق فعتق مقصودا) ش: ومن أعتق مقصودا لا ينتقل ولاؤه كما تقدم، وتبين من هذا أنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر، كان الحكم كذلك بطريق الأولى للتيقن بوجود الولد عند الموت والطلاق، وأما إذا جاءت به لأكثر من سنتين فالحكم فيه يختلف بالطلاق البائن والرجعي: ففي البائن مثل ما كان.

(11/14)


وفي " الجامع الصغير " فإذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم لأنهم عتقوا تبعا لأمهم ولا عاقلة لأبيهم ولا موالي فألحقوا بموالي الأم ضرورة كما في ولد الملاعنة على ما ذكرنا، فإن أعتق الأب جر ولاء الأولاد إلى نفسه لما بينا، ولا يرجعون على عاقلة الأب بما عقلوا لأنهم حين عقلوه كان الولاء ثابتا لهم، وإنما يثبت للأب مقصورا لأن سببه مقصور، وهو العتق بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون عليه؛ لأن النسب هناك يثبت مستندا إلى وقت العلوق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأما الرجعي فولاء الولد لموالي الأب للتيقن بمراجعته.
وفي " الكافي ": وما وقع في نسخ " الهداية " فجاءت بالولد لأكثر من سنتين لا يكاد يصح.
والصحيح ما ذكر في " شرح الطحاوي " لأقل من سنتين كما ذكرت، وعليه يدل التعليل المذكور فيها، فالظاهر أنه وقع من الكتاب، انتهى.
قلت: وقع في بعض النسخ لأقل من سنتين، وفي نسختي أيضا كذلك، وكذا ذكر في " المبسوط " لأقل من سنتين أو لتمام السنتين؛ لأن النسب تنسب إلى سنتين. ومن ضرورته أن يكون العلوق قبل الطلاق.
م: (وفي " الجامع الصغير ": فإذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم؛ لأنهم عتقوا تبعا لأمهم، ولا عاقلة لأبيهم ولا موالي) ش: لكونه في الرقبة م: (فألحقوا بموالي الأم ضرورة كما في ولد الملاعنة) ش: حيث تنسب إلى قوم الأم ضرورة م: (على ما ذكرنا) ش: أراد به قوله: كولد الملاعنة ينتسب إلى قوم الأم.. إلى آخره، وإنما ذكر لفظ " الجامع الصغير " لاشتماله على بيان العقل.
م: (فإن أعتق الأب) ش: أرد به العبد الذي هو زوج المعتقة المذكورة م: (جر ولاء الأولاد إلى نفسه لما بينا) ش: أراد به قوله: فإن أعتق الأب جر به ولاء ابنه.. إلى آخره.
م: (ولا يرجعون) ش: أي عاقلة الأم م: (على عاقلة الأب بما عقلوا؛ لأنهم حين عقوله كان الولاء ثابتا لهم، وإنما يثبت للأب مقصورا) ش: أي على زمان عتق الأب م: (لأن سببه) ش: وهو عتق الأب م: (مقصور) ش: أي غير مستند إلى وقت سابق م: (وهو العتق) ش: أي السبب هو العتق.
م: (بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون) ش: أي قوم الأم م: (عليه) ش: أي على الملاعن، أي على عاقلته م: (لأن النسب هناك يثبت مستندا إلى وقت العلوق) ش: لا من وقت الإكذاب فإنه لا يتصور أن لا يكون عند العلوق ولد الإنسان ثم

(11/15)


وكانوا مجبورين على ذلك فيرجعون.
قال: ومن تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادا فولاء أولادها لمواليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصير ولدا له بعد فتبين أن النسب كان ثابتا من الأب حين جنى، وأن موجب جنايته على عاقلة الأب وأجبر عاقلة الأم على القضاء فيرجعون عليهم بذلك، وهو معنى قوله:
م: (وكانوا مجبورين على ذلك) ش: أي وكان عاقلة الأم مجبورين على القضاء م (فيرجعون) ش: على عاقلة الأب؛ لأنهم قضوا دينا، عن غيرهم بحكم القاضي فلهم الرجوع.

[تزوج من العجم بمعتقة من العرب فولدت له أولادا لمن ولاؤهم]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن تزوج من العجم) ش: وهو جمع عجمي، وهو خلاف العربي وإن كان فصيحا م: (بمعتقة من العرب فولدت له أولادا فولاء أولادها لمواليها عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وكذا أموالهم لذوي أرحامه، حتى لو ترك هذا الولد عمة أو خالة لم يكن لها شيء في وجود معتق الأم وعصبته.
وفي " الزاد " و" شرح الأقطع " صورة المسألة بالحر العجمي الذي ليس بمعتق ليس بمعتق لأحد سواء كان له ولاء موالاة أو لم يكن. وفي " الفوائد ": هذه المسألة على وجوه.
إن زوجت نفسها من عربي فولاء الأولاد لقوم الأب في قولهم؛ لأن الشرف بأنساب الأعراب أقوى.
وإن زوجت نفسها من العجمي الذي له آباء في الإسلام فولاء الأولاد لقوم الأب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بلا ريب، وعلى قولهما اختف المشايخ، حكي عن أبي بكر الأعمش وأبي بكر الصفار أنه لقوم الأب، وقال غيرهما لقوم الأم.
وإن زوجت نفسها من رجل أسلم من أهل الحرب والى أحدا أو لم يوال وهي مسألة الكتاب.
وإن زوجت نفسها من عبد أو مكاتب فولاء الولد لموالي الأم إجماعا، إلا إذا أعتق العبد فيجد الولاء، وفي " المبسوط ": إذا كانت الأمة معتقة إنسان والأب مسلم نبطي لم يعتقه أحد فالولد مولى لمولي الأم، وكذا إذا كان نبطي كافر ثم أسلم ووالى رجلا فعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يكون الولد مولى لموالي الأم، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الفصلين لا يكون الولد مولى لموالي الأم ولكنه منسوب إلى قوم أبيه؛ لأنه كالنسب والنسب إلى الآباء.
وفي " مغني الحنابلة ": إذا كان الأب حر الأصل فالولد يتبعه ولا يكون عليه ولاء وهو قول أكثر أهل العلم، سواء كان الأب عربيا أو عجميا، وسواء كان مسلما أو ذميا أو مجهول النسب

(11/16)


قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهو قول محمد. وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حكمه حكم أبيه؛ لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا، بخلاف ما إذا كان الأب عبدا؛ لأنه هالك معنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أو معلومه، وهو قول أبي يوسف ومالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وابن شريح من أصحاب الشافعي.
وقال ابن اللبان من أصحاب الشافعي: وقيل هذا قول أبي حنيفة، وبه قال القاضي الحنبلي إن كان مجهول النسب يثبت الولاء على ولده إلى الأم إن كانت موالاة، وهو ظاهر مذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبه قال القاضي الحنبلي.
وقيل هذا قول أبي حنيفة ومحمد وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، ولكن ذكر في " الحلية ": فإن كان الأب حر الأصل والأم معتقة ثبت الولاء على الولد، سواء كان الأب عربيا أو عجميا. وقال أبو حنيفة: إن كان عجميا يثبت الولاء على الولد وبناؤه على أصله في جواز استرقاق عبدة الأوثان من العجم دون العرب.
فإن كان الأب معتقا والأم حرة الأصل فهل يثبت الولاء على الولد، فيه وجهان: أحدهما أنه لا يثبت، والثاني أنه يثبت، أما إذا كان الأب مجهول النسب محكوما بحريته بالظاهر والأم معتقة قيل يثبت الولاء على الولد لمولى الأم. قال أبو العباس: قياس قول الشافعي لا يثبت، كما لو كان معروف النسب. وقال ابن اللبان: يثبت وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأحمد.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهو قول محمد) ش: أي قول أبي حنيفة هو قول محمد بن الحسن أيضا م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حكمه حكم أبيه) ش: فلا يكون عليه ولاء إعتاقه، وإنما يورث ماله حين انعدام ذوي أرحامه، كما إذا كان الأب عربيا والأم معتقة فلأنه لا يكون ولاؤه لموالي أمه م: (لأن النسب إلى الأب كما إذا كان الأب عربيا) ش: إنما كان النسب إلى الابن لأنه منسوب إليه، قال عز وجل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] فصار ملحقا بالأب، فأخذ حكمه، كأنه حي من كل وجه لأنه حر.
م: (بخلاف ما إذا كان الأب عبدا) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال لما كان النسب إلى الإماء وجب أن يستوي الأب الحر والعبد، وليس كذلك. فأجاب بقوله بخلاف ما إذا كان الأب عبدا م: (لأنه) ش: أي لأن العبد م: (هالك معنى) ش: لأنه لا يملك شيئا، ولأنه أثر الكفر والكفر موت حكمي، قال الله تعالى: {لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] (سورة الأنعام: الآية 122) ، فصار حال هذا الولد في الحكم حال من الأب له فنسب إلى موالي الأم، وهذا المعنى معدوم إذا كان الأب حرا؛ لأن الحرية حياة باعتبار صفة المالكية والعرب والعجم فيه سواء.

(11/17)


ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام حتى اعتبرت الكفاءة فيه والنسب في حق العجم ضعيف، فإنهم ضيعوا أنسابهم، ولهذا لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب عربيا لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل كما أن تناصرهم بها فأغنت عن الولاء، قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الخلاف في مطلق المعتقة والوضع في معتقة العرب وقع اتفاقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فإن قلت: لو كان هالكا لما جرى القصاص. قلت: جريانه لآدميته لا لحريته ورقه ولا نقصان في ذلك.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (أن ولاء العتاقة قوي معتبر في حق الأحكام) ش: لأنه ولاء نعمة م: (حتى اعتبرت الكفاءة فيه) ش: أي في ولاء العتاقة، حتى لا يكون معتق العجم كفئا لمعتقة العرب، ولهذا يجوز إبطال حرمة العجم بالاسترقاق م: (والنسب في حق العجم ضعيف فإنهم) ش: أي فإن العجم م: (ضيعوا أنسابهم) ش: حيث لم يعتبروا ذلك قبل الإسلام، وكان تفاخرهم وتقييدهم بعمارة الدنيا حتى جعلوا من له أب واحد في الإمارة ليس كفئا لمن له أبوان في ذلك. وتفاخرهم بعد الإسلام بالإسلام، وإليه أشار سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين قيل له سلمان ابن من؟ فقال سلمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كونهم ضيعوا أنسابهم م: (لم تعتبر الكفاءة فيما بينهم بالنسب والقوي لا يعارضه الضعيف، بخلاف ما إذا كان الأب عربيا؛ لأن أنساب العرب قوية معتبرة في حكم الكفاءة والعقل، لما أن تناصرهم بها) ش: أي بالأنساب م: (فأغنت عن الولاء) ش: أي أغنت أنسابهم عن التناصر بالولاء.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الخلاف) ش: المذكور بين أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه م: (في مطلق المعتقة) ش: إنما قال ذلك لأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذكر المعتقة مطلقا، حتى لو تزوج بمعتقة غير العربي كان كذلك م: (والوضع في معتقة العرب وقع اتفاقا) ش: أي وضع القدوري هذه المسألة في "مختصره " بقوله: ومن تزوج من العجم بمعتقة العرب وقع على سبيل الاتفاق له القصد، قيل تعليل قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في قوله والنسب في حق العجم ضعيف يرجح ولاء العتاقة إذا كانت المعتقة من العرب؛ لأن الولاء لحمة كلحمة النسب، والنسب في حق العرب قوي، فكذلك معتقهم يحكي حكاية النسب، فكان قربا فرجح حينئذ معتق العرب على المنسوب في المعجم لا مطلق المعتق.

(11/18)


وفي " الجامع الصغير ": نبطي كافر تزوج بمعتقة قوم ثم أسلم النبطي ووالى رجلا ثم ولدت أولادا، قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: مواليهم موالي أمهم، وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مواليهم موالي أبيهم؛ لأن الولاء وإن كان أضعف فهو من جانب الأب فصار كالمولود بين واحد من الموالي وبين العربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأجيب: بأن الضعف والقوة فيما إذا كان في جانب الأب، حتى إن الأب إذا كان عربيا والأم معتقة إنسان فولاء الولد لقوم الأب بالاتفاق. وأما في جانب الأم فألحقوه بمجرد كونها معتقة على نسب العجم، ألا ترى أنهما تعرضا لمطلق ولاء العتاقة، فإن من له أب واحد في الحرية لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الحرية، وأما في النسب فليس كذلك، فإن من له أب واحد في الخلافة أو الإمارة يكون كفؤا لمن له أبوان فيهما، فعلم بهذا أنهما يرجحان مجرد ولاء العتاقة، سواء كان معتق العرب أو العجم على نسب العجم، فصح قوله الخلاف في مطلق المعتقة.

[تزوج بمعتقة قوم ثم أسلم النبطي ووالى رجلا ثم ولدت أولادا]
م: (وفي " الجامع الصغير ": نبطي) ش: النبطي واحد النبط وهم جبل من الناس بسواد الطرق، وعند الفقيه أبي الليث النبطي رجل من غير العرب. وفي " العباب " قال ابن دريد: النبط جبل معروف وهم النبيط والأنباط، وقال غيره النبط والنبيط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين والجمع أنباط، يقال رجل نبطي ونباطي ونباطا مثل يمني ويماني، وحكى يعقوب نُباطي بضم النون.
فإن قلت: لم ذكر لفظ " الجامع الصغير ".
قلت: لبيان أن محمدا ذكر المعتقة مطلقا ولاشتماله على ولاء الموالاة بحيث قال نبطي م: كافر تزوج بمعتقة قوم) ش: أي بمعتقة كافرة نصرانية، إنما قلت هكذا ليتصور المسألة إذ المسلمة لا تزوج تحت الكافر بعقد النكاح، وكذلك قال فخر الإسلام: معنى هذا أن تكون المعتقة كافرة كتابية إنما قيد بالكتابية؛ لأن غير الكتابية من الكفار لا يجوز أن يبقى نكاحها بعد إسلام الزوج فافهم.
مِ: (ثم أسلم النبطي ووالى رجلا) ش: أي عقد عقد الموالاة م: (ثم ولدت أولادا) .
م: (قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: مواليهم موالي أمهم، وقال أبو يوسف: مواليهم موالي أبيهم؛ لأن الولاء وإن كان أضعف فهو من جانب الأب، فصار كالمولود بين واحد من الموالي وبين العربية) ش: يعني بين العجم الأصلي والعربية الأصلية، فيكون النسب للأب بالاتفاق، توضيحه أن واحدا من العجم إذا تزوج بعربية وهما حران غير معتقين لحر فولدت أولادا فإنهم ينسبون إلى قوم أبيهم، فكذا إذا كانت معتقة، وهنا لأن النسبة إلى الأم

(11/19)


ولهما أن ولاء الموالاة أضعف حتى يقبل الفسخ وولاء العتاقة لا يقبله، والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي. ولو كان الأبوان معتقين فالنسبة إلى قوم الأب لأنهما استويا والترجيح لجانبه لشبهه بالنسب أو لأن النصرة به أكثر.
قال: وولاء العتاقة تعصيب وهو أحق بالميراث من العمة والخالة لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي اشترى عبدا فأعتقه: «هو أخوك ومولاك إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو خير لك وشر له، ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضعيفة، لهذا لا يستحق لها العصوبة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله م: (أن ولاء الموالاة أضعف) ش: من ولاء العتاقة م: (حتى يقبل الفسخ) ش: بأن أراد أحدهما فسخه م: (وولاء العتاقة لا يقبله) ش: أي الفسخ م: (والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي) ش: أراد بالضعف ولاء الموالاة، وبالقوي ولاء العتاقة.
م: (ولو كان الأبوان معتقين فالنسبة إلى قوم الأب لأنهما استويا) ش: أي لأن الأبوين استويا في المعتوقية م: (والترجيح لجانبه) ش: أي لجانب الأب م: (لشبهه) ش: أي لشبهه الولد م: (بالنسب) ش: بالحديث المذكور م: (أو لأن النصرة به) ش: أي بقوم الأب م: (أكثر) ش: من النصرة بقوم الأم.

[ولاء العتاقة تعصيب]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وولاء العتاقة تعصيب) ش: أي موجب للعصوبة والتعصيب هو جعل الإنسان عصبة، ومنه قولهم الذكر يعصب الأنثى، أي يجعلها عصبة م: (وهو) ش: أي مولى العتاقة م: (أحق بالميراث من العمة والخالة) ش: وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تقدم ذوي الأرحام على مولى العتاقة، وروي عن عمر وعلي مثله.
م: (لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للذي اشترى عبدا فأعتقه: «هو أخوك ومولاك إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهر خير لك وشر له. ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته» ش: الكلام في هذا الحديث على أنواع، الأول أنه أخرجه الدارمي في "مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحسن «أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل فقال: إني اشتريت هذا فأعتقته فما ترى

(11/20)


وورث ابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على سبيل العصوبة مع قيام وارث،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فيه، قال: "أخوك ومولاك إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو شر له وخير لك"، قال: فما ترى في ماله؟ قال: "إن مات ولم يدع وارثا فلك ماله» .
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا أبو عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «أراد رجل أن يشتري عبدا فلم يقض بينه وبين صاحبه، فحلف رجل من المسلمين بعتقه فاشتراه فأعتقه فذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إن شكرك فهو خير له وشر لك، وإن كفرك فهو شر له وخير لك"، قال: فكيف بميراثه؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لم يكن له عصبة فهو لك» .
ورواه أيضا محمد في كتاب الولاء من الأصل عن أبي يوسف عن إسماعيل بن سلم عن الحسن البصري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
النوع الثاني: أن هذا الحديث مرسل من مراسيل الحسن البصري الصحيحة وهي مقولة عندنا يعمل بها.
النوع الثالث: في معناه فقوله: هو أخوك يعني في الدين، قوله: إن شكرك يعني إن شكرك بالمجازاة على ما صنعت إليه فيه خير له؛ لأنه انتدب لما ندب إليه، ولأنه يثاب بمقابلة شكره؛ لأن شكر النعمة مندوب، قوله: وشر لك لأنه أوصل إليك بعض الثواب في الدنيا فينقص بقدره في الآخرة من الثواب.
قوله: وإن كفرك فهو خير لك لأنه يبقى ثواب العمل كله في الآخرة وشر له؛ لأنه كفر النعمة وكفران النعمة قبيح، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» ، رواه أحمد وغيره قوله: ولم يترك وارثا أي وارثا وهو عصبته. قوله: كنت أنت عصبته يدل على أن المراد لم يترك عصبة حيث لم يقل كنت أنت وارثه.
م: (وورث) ش: بالتشديد أي ورث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: (ابنة حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - على سبيل العصوبة مع قيام وارث) ش: وهو بنت الميت، وذلك لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى بنت الميت

(11/21)


وإذا كان عصبة يقدم على ذوي الأرحام وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى من المعتق؛ لأن المعتق آخر العصبات، وهذا لأن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: "ولم يترك وارثا" قالوا: المراد منه وارث هو عصبة بدليل الحديث الثاني فتأخر عن العصبة دون ذوي الأرحام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
النصف والباقي لبنت حمزة» وقد مر بيان الحديث من قريب مستوفى.
م: (وإذا كان) ش: أي المعتق بكسر التاء م: (عصبة) ش: أي المعتق بفتح التاء م: (يقدم على ذوي الأرحام) ش: لأن العصبة هو الذي يأخذ ما أبقته أصحاب الفرائض وهو مقدم على ذوي الأرحام م: (وهو المروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: يعني تقديم المولى على ذوي الأرحام، وهو المروي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولم يثبت هذا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بل الثابت عنه خلاف ذلك، فإن عبد الرزاق أخرج في "مصنفه " وقال أخبرنا الثوري أخبرني منصور عن حصين عن إبراهيم قال: كان عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يورثان ذوي الأرحام دون الموالي فقلت لعلي بن أبي طالب فقال كان أشدهم في ذلك، انتهى.
والذي ذكره هو المروي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " قال: أخبرنا عمر عن قتادة أن زيد بن ثابت كان يورث الموالي دون ذوي الأرحام. ولو قال "المصنف" وهو المروي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكان أصح وأبعد من الخطأ.
م: (فإن كان للمعتق) ش: بفتح التاء م: (عصبة من النسب فهو أولى من المعتق؛ لأن المعتق) ش: بكسر التاء م: (آخر العصبات) ش: لأنه عصبة سببية فتأخر عن العصبة النسبية م: (وهذا) ش: أي كون العصبة من النسب أولى بالميراث من المولى م: (لأن قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وإن لم يترك وارثا قالوا المراد منه وارث هو عصبة» ش: يرفع قوله عصبة على أنه صفة لقوله وارث م: (بدليل الحديث الثاني) ش: الباء تتعلق بقوله قالوا، أي قالت: العلماء ذلك مستدلين بالحديث الثاني وهو حديث بنت حمزة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وذلك لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعلها عصبة مع وجود الوارث.
لأن البنت الصلبية وارثة وليست بعصبة، فعلم بهذا أن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فإن مات ولم يترك وارث وارثا هو عصبة لا وارث مطلق م: (فتأخر) ش: أي الموالي م: (عن العصبة) ش: أي عن عصبة المعتق بفتح التاء م: (دون ذوي الأرحام) ش: يعني لا يتأخر عنهم، بل يتقدم عليهم كما ذكرنا.

(11/22)


قال: فإن كان للمعتق عصبة من النسب فهو أولى منه لما ذكرنا وإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق تأويله: إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال. أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه؛ لأنه عصبة على ما روينا، وهذا لأن العصبة من يكون التناصر به لبيت النسبة وبالموالي الانتصار على ما مر والعصبة تأخذ ما بقي، فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فإن كان للمعتق) ش: بفتح التاء م: (عصبة من النسب فهو أولى منه لما ذكرنا) ش: أراد به قوله: وإذا كان عصبة تقدم على ذوي الأرحام م: (وإن لم يكن له عصبة من النسب فميراثه للمعتق) ش: بكسر التاء، وهو المولى م: (تأويله) ش: أي تأويل قول القدوري فميراثه للمعتق م: (إذا لم يكن هناك صاحب فرض ذو حال) ش: ذكروا لهذه الجملة تأويلين.
أحدهما: أن معنى قوله صاحب فرض ذو حال الفرض كالأب والجد، فإن لهما حالا سوى حال الفرض وهي العصوبة، فالمعتق لا يرث مع وجودهما، بل الأب أو الجد يأخذ الباقي بعد فرضه.
والثاني: أن معناه ذو حال واحد كالبنت، فإن كان مثل ذلك فللمعتق الباقي بعد فرض ذلك الوارث. وقال الأترازي: يكون الضمير في فله الباقي على التأويل الأول راجعا إلى صاحب الفرض، وعلى الثاني إلى المعتق.
وقال صاحب " العناية " والثاني أوجه؛ لأنه علل قوله م: (أما إذا كان فله الباقي بعد فرضه) ش: أي بعد أخذ فرضه بقوله م: (لأنه عصبة على ما روينا) ش: أشار به إلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ولو مات ولم يترك وارثا كنت أنت عصبته» م: (وهذا) ش: أشار إلى قوله م: (لأن العصبة من يكون التناصر به لبيت النسبة) ش: أي القبيلة، يقال للقبيلة الواحدة بيت النسبة م: (وبالموالي التناصر) ش: أي ويكون بالمولى الانتصار، وهكذا في بعض النسخ، م: (على ما مر) ش: أشار به إلى ما ذكره في أول كتاب الولاء بقوله وكانت العرب تناصر بأشياء وقرر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناصرهم بالولاء بنوعيه م: (والعصبة يأخذ ما بقي) ش: هذا من تمام الدليل، وتقريره فله الباقي؛ لأنه عصبة والعصبة تأخذ الباقي.
م: (فإن مات المولى ثم مات المعتق فميراثه لبني المولى دون بناته) ش: أراد أن الذكور من أولاد المولى يرثون العتق دون الإناث منهم، حتى لو مات ولم يترك إلا بنت المعتق فميراثه لبيت المال

(11/23)


وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي آخره: أو جر ولاء معتقهنّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا لبنت المعتق في ظاهر الرواية، ولكن بعض مشايخنا يفتون بدفع المال إليها في هذا الزمان لعدم بيت المال وقصور احتياط القضاة وبيت المال كان في زمن الصحابة والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ولهذا أفتوا بإعطاء المال للابن والابنة من الرضاع لا لبيت المال لعدمه، كما أفتى أصحاب الشافعي بإرث ذوي الأرحام في هذا الزمان لعدم بيت المال، كذا في " الذخيرة " " وفرائض السجاوندي ".
ثم استدل على ذلك بقوله م: (لأنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن، بهذا اللفظ ورد الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي آخره «أو جر ولاء معتقهن» ش: الكلام فيه على أنواع: الأول: أن هذا لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما أخرج البيهقي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يجعلون الولاء أكبر من العصبة ولا يرثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن.
وأخرج أيضا عن إبراهيم قال: كان عمر وعلي وزيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لا يرثون النساء من الولاء إلا ما أعتق. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه " عن الحسن أنه قال: لا ترث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو كاتبن.
وأخرج نحوه عن ابن سيرين وابن المسيب وعطاء والنخعي، وروى عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الحرار عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لا تورث النساء من الولاء إلا ما كاتبن أو أعتقن.
النوع الثاني: في معناه: فقوله: إلا ما أعتقن كلمة هاهنا بمعنى من كما في قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] (سورة الشمس الآية: 5) ، أي ومن بناها، وهاهنا محذوفات مقدرة منها المستثنى منه فتقدير الكلام ليس للنساء من الولاء شيء إلا ولاء ما أعتقته أو ولاء ما أعتقه من أعتقنه أو ولاء ما كاتبن أو ولاء ما كاتبه من كاتبنه، وذكر في شرح كتب الفرائض بعد قوله أو كاتب أو كاتبن أو دبرن أو دبر من دبرن أو جر ولاء معتقهن أو معتق معتقهن، انتهى.
وكذلك التقدير في هذا ولاء ما دبره أو ولاء ما دبره من دبره أو جر ولاء معتق معتقهن،

(11/24)


وصورة الجر قدمناها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أو ولاء معتق معتقهن أو ولاء مكاتب مكاتبهن، أو ولاء مدبرهن أو ولاء مدبر مدبرهن والولاء الذي هو مجرور معتقهن أو الولاء الذي هو مجرور معتق معتقهن.
النوع الثالث: في صورة ما ذكر، فصورة ولاء معتقهن ظاهرة بأن أعتقت عبدها ثم مات المعتق وترك معتقته هذا فولاه لها، فلو أعتق معتقها عبدا آخر ومات المعتق الأول، ثم الثاني فولاء الثاني لها أيضا، وهذا صورة معتق المعتق، وصورة ولاء مكاتبهن بأن قالت امرأة لعبدها كاتبتك: عل ألف درهم مثلا فقبل العبد ذلك.
فإذا أدى بدل الكتابة يكون ولاؤه للمرأة، وصورة ولاء مكاتب مكاتبهن بأن كاتب هذا المكاتب عبدا فولاء مكاتب المكاتب لها أيضا إذا لم يكن المكاتب الأول.
وصورة ولاء مدبرهن بأن دبرت امرأة عبدها بأن قالت له: أنت حر إن دبرتني أو بعد موتي أو إذا مت ونحوه، ثم ارتدت والعياذ بالله وألحقت بدار الحرب وقضى القاضي بإلحاقها فعتق مدبرها ثم جاءت المرأة إلى دار الإسلام ثم مات المدبر وترك مدبرته هذا فولاؤه لها وصورة ولاء مدبر مدبر مدبرهن بأن اشترى هذا المدبر بعد الحكم بعتقه عبدا ثم دبره ثم مات وجاءت المرأة إلى دار الإسلام قبل موت مدبرها أو بعده ثم مات المدبر الثاني فولاؤه لمدبرة مدبره، وصورة جر ولاء معتقهن بأن زوجت امرأة عبدها معتقة الغير فولدت منه.
ولهذا يثبت نسب الولد منه ويكون حدا تبعا لأمه؛ لأن الولد تبع الأم في الرق والحرية وولاء الولد لمولى الأم يعقلون عنه ويرثون منه، فلو أن المرأة أعتقت العبد جر بإعتاقها إياه ولاء ولده إلى نفسه ثم من نفسه إلى مولاه. حتى لو مات المعتق ثم مات ولده وترك معتقة أبيه فولاؤه انتقل من موالي أمه إليها وصورة جر ولاء معتق معتقهن بأن أعتقت امرأة عبدا ثم اشترى المعتق عبدا وزوج معتقة غيره من عبد فولد بينهما ولد فولاء هذا الولد لمولى أمه، فلو أن المعتق أعتق عبده جر بالإعتاق ولاء معتقه إلى نفسه ثم يرجع منه إلى مولاه.
م: (وصورة الجر قدمناها) ش: وفي بعض النسخ قد بيناها، وأشار به إلى قوله فإن ولدت بعد عتقها أكثر من ستة أشهر إلى أن قال جر الأب ولاء ابنه، والجد هل يجر الولاء، فقال الحاكم في "كافيه ": قال الشعبي: إذا أعتق الجد جر الولاء.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لا يجر الجد الولاء ولا يكون مسلما بإسلام الجد. وفي " السروجية " قال شريح وسفيان ومالك وأهل المدينة: إن الجد يجر ولاء ولد الابن من موالي نفسه.
وبه قال الأوزاعي وابن أبي ليلى وابن المبارك. وقال زفر إن كان الأب حيا فالجد لا يجر

(11/25)


ولأن ثبوت المالكية والقوة في المعتق من جهتها، فينسب الولاء إليها وينسب إليها من ينسب إلى مولاها، بخلاف النسب؛ لأن سبب النسبة فيه الفراش وصاحب الفراش إنما هو الزوج والمرأة مملوكة لا مالكة.
وليس حكم ميراث المعتق مقصورا على بني المولى بل هو لعصبته الأقرب فالأقرب؛ لأن الولاء لا يورث ويخلفه فيه من تكون النصرة به، حتى لو ترك المولى أبا وابنا فالولاء للابن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الولاء، وإن كان ميتا يجر الولاء. وفي " الأسرار " و" شرح الأقطع " ثم قال الشافعي: يجر الولاء.
ولنا: أن الجد يدلى إليه بواسطة فلم يجر الولاء كالأخ والعم، ولا يكون مسلما بإسلام الجد، إذ لو جاز اتباعه الجد في الإسلام جاز اتباعه جد الجد إلى ما لا نهاية له فيلزم أن يكون الكفار كلهم مسلمين تبعا لآدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: ولا وجه إلى ذلك للزوم الجمع بين النقيضين.
م: (ولأن ثبوت المالكية) ش: هذا دليل ثان عقلي على أن ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن فأعتق من أعتقن، تقديره أن ثبوت المالكية يعني كونه مالكا م: (والقوة في المعتق) ش: بفتح التاء م: (من جهتها) ش: أي من جهة المعتقة، وكل من ثبت من جهته شيء ينسب إليه؛ لأنه علته إذ ذاك تنتسب بالولاء إليها، أي إلى المعتقة م: (فينسب الولاء إليها وينسب إليها من ينسب إلى مولاها) ش: أي مولى المعتقة؛ لأن معتق المعتق ينسب إلى معتقه بالولاء، وفي ذلك لا فرق بين الرجل والمرأة.
م: (بخلاف النسب) ش: فإنه لا يثبت إلا من الفراش م: (لأن سبب النسبة فيه الفراش، وصاحب الفراش إنما هو الزوج) ش: لأنه المالك م: (والمرأة مملوكة لا مالكة) ش: فلا ينسب إليه الفراش.
م: (وليس حكم ميراث المعتق) ش: بفتح التاء م: (مقصورا على بني المولى، بل هو لعصبته الأقرب فالأقرب؛ لأن الولاء لا يورث) ش: حتى يكون لأصحاب الفروض منه نصيب، فلو كان بالإرث لكان الذكر والأنثى سواء، ولكن الولاء باعتبار النصرة والنصرة بالذكور لا الإناث للضعف بينهن فيخلف المولى الذي أعتق العبد في الولاء من يتحقق النصرة به، فكان الولاء للذكور دون الإناث، وهو معنى قوله: م: (ويخلفه فيه) ش: أي يخلف المولى الذي أعتق في الولاء م: (من تكون النصرة به) ش: والنصرة بالذكور دون الإناث م: (حتى لو ترك المولى أبا وابنا فالولاء للابن عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش: صورته امرأة أعتقت عبدا ثم مات العبد فميراثه للابن خاصة عندهما.
وبه قال الشافعي ومالك والثوري والشعبي والزهري وابن المسيب وعطاء والحسن والحكم وقتادة وأكثر الفقهاء، وهو قول أبي يوسف أولا ثم رجع وقال لأبيهما السدس والباقي

(11/26)


لأنه أقر بها عصوبة، وكذلك الولاء للجد دون الأخ عند أبي حنيفة لأنه أقرب في العصوبة عنده، وكذا الولاء لابن المعتقة حتى يرثه دون أخيها لما ذكرنا، إلا أن عقل جناية المعتقة على أخيها لأنه من قوم أبيها، وجنايته كجنايتها. ولو ترك المولى ابنا وأولاد ابن آخر معناه بني ابن آخر فميراث المعتق للابن دون بني الابن؛ لأن الولاء للكبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للابن؛ لأن الأب عصبة كالابن، والابن والأب في القرب سواء فيكون حكمهما سواء، وبه قال أحمد والنخعي والأوزاعي ومشايخ وإسحاق.
م: (لأنه) ش: أي لأن الابن م: (أقربهما عصوبة) ش: أي من حيث العصوبة والولاء بالعصوبة ولا يظهر عصوبة الأب مع الابن م: (وكذلك الولاء للجد دون الأخ عند أبي حنيفة) ش: يعني لو ترك جد موالاة أبا ابنه وأخاه لأب وأم وأخاه لأب وأم أو لأب كان ميراثه للجد عند أبي حنيفة م: (لأنه أقرب) ش: أي لأن الجد أقرب من الأخ م: (في العصوبة عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وبه قال أبو ثور.
وعند أبي يوسف ومحمد كلاهما سواء، وبه قال أحمد والشافعي في قول لأنهما عصبتان، فيكون الولاء بينهما نصفين كالأخوين، وعند مالك أن المال للأخ وهو قول عن الشافعي وهكذا روي عن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
م: (وكذا الولاء لابن المعتقة حتى يرثه) ش: الضمير يرجع إلى المعتق، صورته امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأخاها ثم مات العبد ولا وارث له غيرها فالميراث لابنها م: (دون أخيها) ش: وعليه إجماع الصحابة والتابعين والفقهاء، وما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن امرأة ماتت وخلفت ابنها وأخاها وابن أخيها أن ميراث مولاها لأخيها وابن أخيها دون ابنها فقد رجع علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى قول الجماعة م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله لأنه أقربهما عصوبة.
م: (إلا أن عقل جناية المعتقة) ش: بفتح التاء م: (على أخيها) ش: أي على أخ المعتقة م: (لأنه من قوم أبيها) ش: أي لأن الأخ من قوم أبيها، والأصل في العقل قوم الأب وابنها لا ينسب إلى قوم أبيها، بل ينسب إلى قوم زوجها م: (وجنايته كجنايتها) ش: أي جناية المعتق كجناية المعتقة م: (ولو ترك المولى ابنا وأولاد ابن آخر، معناه بني ابن آخر فميراث المعتق) ش: بفتح التاء م: (للابن دون بني الابن؛ لأن الولاء للكبر) ش: بضم الكاف وسكون الباء الموحدة، وكبر الشيء في اللغة معظمة، قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] (سورة النور: الآية 11) ، قرأ يعقوب وحميد الأعرج بالضم، قال ابن السكيت: يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث. وفي " العباب " وقولهم هو كبر قومه بالضم، أي هو أقعدهم في النسب.

(11/27)


هو المروي عن عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - منهم: عمر، وعلي، وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي الحديث: «الولاء للكبر» وهو أن يموت الرجل ويترك ابنا وابن ابن فالولاء للابن دون ابن الابن، وقوله الكبر أي للأقرب، انتهى.
وقال الكاكي: أي لأكبر أولاد المعتق، والمراد أقربهم نسبا لا أكبرهم سنا، ألا ترى أن المعتق إذا مات وترك ابنين كبيرا وصغيرا ثم مات المعتق والولاء بينهما نصفان لاستوائهما في القرب إلى الميت من حيث النسب، كذا ذكره شيخ الإسلام.
وقال الأسبيجابي في شرح "الكافي ": وأرادوا بالكبر القرب؛ لأن الأكبر من الأولاد يكون وجوده أقرب إلى وجود الأب من غيره، فكنوا به عنه، وفي " شرح الأقطع " وقولهم الولاء لكبر خرج على المعتاد وهو أن الابن يكون أكبر من ابن الابن في أكثر الأحوال وإن كان في حالة قد يكون ابن الابن أكبر من عمه. وقال في " المغرب " المراد أقرب الأولاد نسبا لا أكبرهم سنا. وقال في " الفائق " في حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مات رجل من خزاعة أو من الأزد ولم يدع وارثا، فقال: ادفعوه إلى أكبر خزاعة» أي ادفعوا ماله إلى أكبرهم وهو أقربهم إلى الجد الأول، ولم يرد كبر السن. وقال الحاكم في "كافيه " وتفسيره عندهم، أي تفسير قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء للكبر» ، رجل أعتق عبدا ثم مات وترك ابنين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لابن المعتق لصلبه دون ابن ابنه، وكذلك القول في كل عصبة على هذا القياس في أن الولاء للكبر منهم ذلك الوقت.
وقال في شرح " الطحاوي ": ولو مات وترك خمسة بني ابن المعتق وابن ابن المعتق من آخر فالميراث أسداسا؛ لأنهم يرثون بالعصبة وعصوبتهم بالسوية.
م: (هو المروي عن عدة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: أي قولهم: الولاء للكبر مروي عن جماعة معدودة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (منهم عمر وعلي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) ش: روى الدارمي في "مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون أن أشعث عن الشعبي عن عمر وعلي وزيد أنهم قالوا: الولاء لكبر، قالوا: يعنون بالكبر ما كان أقرب بأم وأب ورواه من طريق آخر وزاد فيه ابن مسعود. ورواه القاسم بن حزم السرقسطي في كتاب " غريب الحديث " أخبرنا محمد بن علي حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم عن علي وزيد وعبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنهم كانوا يقولون: الولاء لكبر، قال ومعناه لا تفد الناس بالمعتق يوم يموت المعتق. وقال في موضع آخر قال يعقوب الولاء للكبر بضم الكاف وهو أكبر ولد الرجل.

(11/28)


وغيرهم أجمعين، ومعناه القرب على ما قالوا والصلبيّ أقرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وغيرهم أجمعين) ش: مثل عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأبو مسعود البدري وزيد بن ثابت، وقد أخرج البيهقي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنهم كانوا يجعلون الولاء للكبر من العصب، وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " أخبرنا الثوري عن منصور عن إبراهيم أن عمر وعلي وزيد بن ثابت كانوا يجعلون الولاء للكبر، وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي وإسحاق وأبو ثور وداود وغيرهم م: (ومعناه) ش: أي معنى قوله: الولاء للكبر م: (القرب على ما قالوا والصلبيّ أقرب) ش: أي الابن الصلبي أقرب إلى الميت.

(11/29)


فصل في ولاء الموالاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[فصل في ولاء الموالاة]
م: (فصل في ولاء الموالاة) ش: إنما أخره على ولاء العتاقة لأنه أقوى من ولاء الموالاة، ولأنه غير قابل للنقل في جميع الأحوال، بخلاف ولاء الموالاة، فإن للمولى أن ينقل فيه قبل العقل، ولأن ولاء العتاقة مجمع عليه وقد مر معناها اللغوي.
وأما معناها الشرعي فما ذكره في شرح " الطحاوي " وهو أن يقول: أنت مولاي جنايتي عليك وجنايتك علي وميراثي لك إن مت، فإذا مات كان ميراثه للأعلى إن لم يكن له وارث ولا يرث الأسفل من الأعلى إلا إذا شرط ميراث الأعلى لنفسه.
ومن أسلم على يد رجل فبنفس الإسلام لا ينعقد له الولاء، وله أن يوالي من شاء إن شاء والى مع الذي أسلم على يديه، وإن شاء والى مع غيره وله أن يتحول بولايته إلى غيره ما لم يعقل عنه، فبعد ذلك ليس له أن يوالي غيره.
فإذا كان أبوه في دار الحرب فانقطع فأعتقه مولاه يثبت ولاؤه مع معتقه وجر ولاء الولد إلى نفسه، واللقيط جر جنايته على بيت المال وميراثه لبيت المال، فإذا أدركه كان له أن يوالي مع من شاء إلا إذا عقل عنه بيت المال فميراثه لبيت المال وليس له أن يوالي أحدا.
وقال شيخ الإسلام في شرح " الكافي ": الولاء أن يقول له إني رجل غريب ليس لي عشيرة ولا ناصر فضم إلى عشيرتك حتى أعد من جملتك فتنصرني وتحمل عني نوائبي، وإن مت كان ميراثي لك فيقبل منه فينعقد بينهما عقد موالاة بهذا.
وذكر في " الذخيرة " أن يسلم الرجل على رجل فيقول للذي أسلم على يديه أو لغيره واليتك على أني إن مت فميراثي لك، وإن حييت فعقلي عليك وعلى عاقلتك، وقبل الآخر، ولا يثبت أحكامه بمجرد الإسلام بدون عقد الموالاة، ذكره في " الذخيرة " و" جامع التمرتاشي ".
وفي " المبسوط " الإسلام على يد ليس بشرط لصحة العقد، وإنما ذكره على سبيل العادة.
وفي " العناية ": لا يثبت الولاء بمجرد الإسلام ما لم يعقد عقد الموالاة، وهذا هو مذهب أصحابنا والشعبي ومالك والثوري وعند عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب والليث بن سعد يثبت الولاء بمجرد الإسلام على يد رجل، كذا ذكره سراج الدين أبو طاهر السجاوندي في شرح "فرائضه " انتهى.
وكذا الإسلام على يده ليس بكاف لثبوت ولاء الموالاة عند أكثر أهل العلم إلا ما روي عن الروافض وأحمد في رواية. وروي أيضا عن إبراهيم وإسحاق وعمر بن عبد العزيز وعمر بن

(11/30)


قال: وإذا أسلم رجل على يد رجل ووالاه على أنه يرثه ويعقل عنه إذا جنى أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه، فإن مات ولا وارث له غيره فميراثه للمولى.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموالاة ليس بشيء؛ لأن فيه إبطال حق بيت المال، ولهذا لا يصح في حق وارث آخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الخطاب لما روى راشد بن سعد أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال «من أسلم على يديه رجل فهو مولاه يرثه» .
قلنا: هذا حديث ضعيف.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أسلم الرجل على يد رجل ووالاه على أنه يرثه ويعقل عنه إذا جنى أو أسلم على يد غيره ووالاه فالولاء صحيح وعقله على مولاه) ش: وله ثلاث شرائط:
أحدها: أن يكون مجهول النسب بأن لا ينسب إلى غيره، وأما نسبة غيره إليه فغير مانع.
والثانية: أن لا يكون له ولاء عتاقة ولا موالاة مع أحد وقد عقل عنه.
والثالثة: أن لا يكون غريبا.
فإن قيل: من شرط العقل عقل الأعلى وحريته، فإن موالاة الصبي والعبد باطلة، فكيف جعل الشرائط ثلاثا. وأجيب: بأن المذكورة هي الشرائط العامة المحتاج إليها في كل واحد من الصور، وأما ما ذكرت فإنما هو نادر فلم تذكر.
م: (فإن مات ولا وارث له غيره) ش: أي فإن مات الموالي والحال أنه لا وارث له غير الذي والاه م: (فميراثه للمولى) ش: أي المولى الذي والاه.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الموالاة ليس بشيء) ش: أي عقد الموالاة ليس بشيء في حق الاستحقاق والإرث والتذكير بهذا الاعتبار، وبه قال مالك وأحمد رحمهما الله وهو وقول الشعبي م: (لأن فيه) ش: أي في التوريث بعقد الموالاة م: (إبطال حق بيت المال) ش: وذلك لأن الإرث إما بالقرابة أو بالزوجية بالنص أو بالعتق بالحديث، ولم يوجد واحد منهما، وعند عدم الوارث يكون لبيت المال، وفي عقدهما الموالاة إبطال حق بيت المال، وكان تصرفا قصد به وضع الشرع فلا يصح م: (ولهذا لا يصح في حق وارث آخر) ش:، أي ولأجل ما ذكرنا لا يصح عقد الموالاة في حق وارث آخر، فكذا لا يصح في حق بيت المال؛ لأنه بمنزلة الورثة عند عدمهم.

(11/31)


ولهذا لا يصح عنده الوصية بجميع المال، وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال، وإنما يصح في الثلث. ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] (النساء: الآية 33) ، والآية في الموالاة، «وسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه فقال: هو أحق الناس به محياه ومماته»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: توضيح آخر لما ذكرنا م: (لا يصح عنده الوصية بجميع المال وإن لم يكن للموصي وارث لحق بيت المال) ش: أي لأجل حقه لأنه في تجويزه إبطال حقه م: (وإنما يصح في الثلث) ش: بالنص المشهور. م: (ولنا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] (سورة النساء: الآية33)) ش: أي عاقدتم، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ: 40] (سورة النبأ: الآية 40) أي نفسه، إلا أنه أضاف العقد إلى أيماننا؛ لأن أكثر الكسوب تجري على اليد، وليس المراد به القسم، بل المراد الصفقة باليمين بأن عادة المتعاقدين جرت بأن يأخذ كل واحد منهما بيمين الآخر إذا عاقد فسمي العقد صفقة لهذا.
قوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] أي من الميراث؛ لأن المراد من المعطوف عليه، وهو قوله: {الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] بيان النصيب على جهة الاستحقاق إرثا، فكذا المراد مما يعطف عليه، أو المعطوف في حكم المعطوف عليه ولم ينسخ هذا النصيب بآية المواريث لأن المولى لا يرث إلا بعد العصبة والرحم فلا يقع بينهما تعارض ولا تناسخ.
م: (والآية في الموالاة) ش: أي عقد الموالاة كما ذكرنا م: «وسئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل أسلم على يد رجل آخر ووالاه فقال: "هو أحق الناس به محياه ومماته» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة في الفرائض، فأبو داود رواه عن يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمرو بن عبد العزيز قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عن عمر بن عبد العزيز عن قبيصة ابن ذؤيب «عن تميم الداري قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما السنة في الرجل يسلم على يد رجل من المسلمين. قال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته» .

(11/32)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والترمذي عن أبي أسامة، وابن مثنى، ووكيع ثلاثتهم عن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري فذكره. والنسائي عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن موهب، عن تميم نحوه. وابن ماجه، عن وكيع، عن عبد العزيز بن عمرو، عن عبد الله بن موهب، عن تميم نحوه.
فإن قلت: قال البيهقي: هذا الحديث حيث ذكره من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن عمرو عن عبد الله بن موهب سمعت تميما.. إلى آخره. ثم قال: قال يعقوب: هذا خطأ؛ ابن موهب لم يسمع من تميم ولا لحقه. ثم أخرجه من طريق يعقوب عن عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة عن عبد العزيز عن ابن موهب، وعن قبيصة بين ذؤيب عن تميم ثم من طريق أبي داود المذكورة. ثم قال: فعاد الحديث مع ذكر قبيصة فيه إلى الإرسال ثم ذكر أن الشافعي قال: ابن موهب ليس بالمعروف عندنا، ولا نعلمه لقي تميما، ومثل هذا لا يثبت عندنا، ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا.
قلت: أخرجه الحاكم من طريق ابن موهب عن تميم ثم قال: صحيح على شرط مسلم، وعبد الله بن موهب بن زمعة مشهور، ومشاهد عن تميم حديث قبيصة. وأخرج ابن أبي شيبة الحديث في "مصنفه " عن وكيع عن عبد العزيز، وصرح فيه بسماع ابن موهب من تميم كرواية أبي نعيم. وأخرجه ابن ماجه في "سننه " عن ابن أبي شيبة كذلك، فهذان ثقتان جليلان صرحا في روايتهما بسماع ابن موهب من تميم، وأدخل يزيد بن خالد، وهشام، وأبي يوسف بينهما قبيصة.
فإن كان الأمر كما ذكر أبو نعيم ووكيع حمل على أنه سمع منه بواسطة، وبدونها، وإن ثبت أنه لم يسمع منه ولا لحقه فالواسطة هو قبيصة ثقة أدرك زمان تميم بلا شك، فعنعنته محمولة على الاتصال، فلا أدري ما معنى قول البيهقي، فعاد الحديث مع ذكره إلى الإرسال.
وقال صاحب " الكمال ": ابن موهب ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء فلسطين، وروى عنه عبد العزيز بن عمر، والزهري، وابنه يزيد بن عبد الله، وعبد الملك بن أبي جميلة، وعمر بن مهاجر.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد العزيز بن عمر وهو ثقة عن ابن

(11/33)


وهذا يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين، ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث يشاء والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق لا أنه مستحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
موهب الهمداني وهو ثقة، قال: سمعت تميما وكذا ذكر الصيرفي في كتابه بخطه فدل ذلك على أنه ليس بمجهول لا عينا ولا حالا، ثم الظاهر أن الشافعي يخاطب محمد بن الحسن لأنه المخالف في هذه المسألة هو وأصحابه وقد عرف من مذهبهم أن الجهالة، وعدم الاتصال لا يضران الحديث، فلو سلموا له ذلك لكان الحديث ثابتا عندهم محتجا به، فكيف يقول الشافعي: ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك.
فإن قلت: قال الخطابي: فقد ضعف أحمد بن حنبل هذا الحديث، وقال: إن رواية عبد العزيز ليس من الحفظ والإتقان، وقال ابن المنذر: لم يروه غير عبد العزيز ابن عمر، وهو شيخ ليس من الحفظ، وقد اضطربت روايته فيه.
قلت: عبد العزيز هذا من رجال الصحيحين. وقال ابن معين: ثقة روى كثيرا، وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال نعيم: ثقة، وقال ابن عمار: ثقة لا خلاف فيه، وبما ذكرنا سقط اعتراض المعترضين كالبيهقي، والخطابي، وابن القطان أيضا، حيث قال في كتابه: وعلة هذا الحديث الجهل بحال عبد الله بن موهب، فإنه لا يعرف حاله، وقد بينا لك حاله فظهر لك سقوط اعتراضه.
ألا ترى أن البخاري ذكر هذا الحديث في الصحيح تعليقا حيث قال في كتاب الفرائض: باب إذا أسلم على يديه ويذكر عن تميم الداري، قال: هو أولى الناس به محياه ومماته.
وقد اختلفوا في صحة هذا الخبر حيث لم يجزم بضعفه، فعبارته تدل على أصل الحديث، وأما صحته فقد بيناها الآن. قوله: محياه ومماته مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت، والمعنى هو أحق به في حالة الحياة عقلا، وفي حالة الممات إرثا.
م: (وهذا) ش: أي هذا الحديث م: (يشير إلى العقل والإرث في الحالتين هاتين) ش: أي إلى العقل عنه حالة الحياة والإرث بعد الممات م: (ولأن ماله حقه فيصرفه إلى حيث يشاء) ش: أي ولأن مال الموالي حقه يصرفه إلى أي جهة شاء ولا حجر عليه.
م: (والصرف إلى بيت المال ضرورة عدم المستحق) ش: هذا جواب عن قول الشافعي أن فيه إبطال حق بيت المال، يعني الصرف إلى بيت المال لضرورة عدم المستحق م: (لا أنه) ش: أي بيت المال م: (مستحق) ش: لمال الناس لا يقال إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الولاء لمن أعتق» فيفهم من ذلك أن ولاء الموالاة باطل؛ لأنه لا معتق له؛ لأنا نقول: لا نسلم ذلك لأن تخصيص الشيء بذكر لا يدل على نفي ما عداه.

(11/34)


قال: وإن كان له وراث فهو أولى منه، وإن كانت عمة أو خالة أو غيرهما من ذوي الأرحام؛ لأن المولاة عقدهما فلا يلزم غيرهما وذو الرحم وارث، ولا بد من شرط الإرث والعقل كما ذكر في الكتاب لأنه بالالتزام وهو بالشرط، ومن شرطه أن لا يكون المولى من العرب؛ لأن تناصرهم بالقبائل فأغنى عن الموالاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن كان له) ش: أي الذي والى غيره م: (وارث فهو أولى منه) ش: أي من الذي والاه م: (وإن كانت عمة، أو خالة، أو غيرهما من ذوي الأرحام؛ لأن الموالاة عقدهما) ش: أي عقد الموالين م: (فلا يلزم غيرهما وذو الرحم وارث) ش: فيقدم عليه.
فإن قيل: ينبغي أن يصح في الثلث لأنه خالص حقه فيصرفه إلى من يشاء، وصار في معنى الوصية.
أجيب: بأنه لو كان بطريق الوصية لقدم على الأب، والابن، ولا كذلك بالإجماع.
م: (ولا بد من شرط الإرث والعقل) ش: وذلك بأن يقول: واليتك على أني إن حييت عقلت عني، وإن حييت عقلت عنك، وإن مت ورثتني، وإن مت ورثتك م: (كما ذكر في الكتاب) ش: أي القدوري م: (لأنه) ش: أي لأن محل واحد من الإرث والعقل م: (بالالتزام) ش: أي يكون بالإلزام، فلا يصح دونه م: (وهو) ش: أي الالتزام م: (بالشرط) ش: أي يكون بالشرط م: (ومن شرطه) ش: أي ومن شرط عقد الموالاة، أي ومن شرط صحته م: (أن لا يكون المولى من العرب) ش: أراد به المولى الأسفل م: (لأن تناصرهم) ش: أي تناصر العرب م: (بالقبائل) ش: أي بالأقارب والعشائر؛ لأنهم يتناصرون بنسبتهم إلى القبائل م: (فأغنى عن الموالاة) ش: لكون التناصر بالقبائل آكد من نصرة الموالاة؛ لأنه لا يلحقه الفسخ.
فإن قلت: التناصر حكمه، وهو لا يراعى في كل فرد، وإنما يراعى في الجنس كما في الاستبراء، فإن الحكمة فيه فراغ الرحم، وإنما تعتبر في الجملة لا في كل فرد، حتى وجب الاستبراء فيمن اشترى من امرأة، أو المشتري أمة صغيرة.
قلت: التناصر علة لا حكمة.
فإن قلت: إن العلة شيء موجود، والتناصر قد يوجد، وقد لا يوجد.
قلت: إنه علة. قلت: أقمنا السبب الظاهر مقام ذلك، ومن جملة الشروط العقل، حتى لو أسلم على يد صبي والاه لا يصح؛ لأن الصبي ليس من أهل النصرة، وليس من أهل الالتزام أيضا. وكذا لو والى رجل عبدا لم يجز إلا أن يكون بإذن المولى؛ لأنه عقد التزام بالنصرة، والعبد لا يملكه بنفسه إلا بإذن سيده. ولو والى صبيا بإذن أبيه أو وصيه يصح؛ لأن

(11/35)


قال: وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه لأنه عقد غير لازم بمنزلة الوصية، وكذا للأعلى أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم، إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر كما في عزل الوكيل قصدا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عبارته إذا كان يعقل معتبرة في العقود بإذن وليه يصح عقد ولائه كالبيع، كذا في " المبسوط ". وفي المكاتب روايتان في رواية يصح، ويكون ولاؤه، وفي رواية: لا يصح لأنه عبد، كذا في " المحيط ".
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وللمولى أن ينتقل عنه بولائه إلى غيره ما لم يعقل عنه) ش: أي وللمولى الأسفل الانتقال من الذي والاه إلى غيره ما لم يعقل الذي والاه عنه، أي عن المولى الأسفل م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الموالاة م: (عقد غير لازم بمنزلة الوصية) ش: فحينئذ له الرجوع كما في الوصية م: (وكذا الأعلى) ش: أي وكذا للمولى الأعلى م: (أن يتبرأ عن ولائه لعدم اللزوم) ش: لما ذكرنا أنه عقد لازم. وقال الحاكم في "كافيه ": رجل والى رجلا فله أن يتحول عنه ما لم يعقل عنه، وله أن ينقضه بحضرته، وكذلك للرجل أن يتبرأ من ولائه ما لم يعقل عنه، فإذا نقض أحدهما الولاء بغير محضر من صاحبه لم ينتقض إلا أن يوالي الأسفل آخر، فيكون ذلك نقضا وإن لم يحضر صاحبه. وفي " التحفة ": فإذا عقل عنه لا يقدر أن يتحول إلى غيره، وصار العقد لازما إلا إذا اتفقا على النقض.
م: (إلا أنه يشترط في هذا) ش: أي في فسخ عقد الموالاة. وقال تاج الشريعة أي في انتقال الولاء إلى غيره، وتبرؤ الأعلى عن الولاء الأسفل م: (أن يكون بمحضر من الآخر) ش: المراد بالمحضر العلم حتى إذا وجد العلم بلا حضور كان كافيا م: (كما في عزل الوكيل قصدا) ش: حيث لم يصح إلا بالعلم لأنه يؤدي إلى الغرور، فإنه ينصرف على حساب أنه وكيل فيصير ضامنا، كذا هاهنا متى فسخ الأسفل عقد الموالاة بغير محضر من الأعلى ليصير الأعلى مغرورا؛ لأنه ربما يموت الأسفل فيظن أنه وارثه فيصرف فيضمن، وكذلك الأعلى إذا فسخ بغير حضرة الأسفل؛ لأن الأسفل إذا لم يعلم به يعتق عبيده على حساب أن عقل عبيده على مولاه لم يجب عليه فيشترط علمهما.
فإن قلت: لم قيد بقوله قصدا.
قلت: لأن عزل الوكيل بدون عمله يجوز ضمنا، فكذا عقد الولاء ينفسخ بدون العلم ضمنا لا قصدا، لا يقال في عزل الوكيل قصدا يتضرر الوكيل بسبب الضمان عند رجوع الحقوق عليه إذا كان نقد من مال الموكل، وهاهنا لم يتضرر أحد؛ لأنا نقول سبب الاشتراط هاهنا هو السبب هناك، وهو دفع الضرر، فإن العقد بينهما وفي تفرد أحدهما إلزام الفسخ على الآخر

(11/36)


بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول؛ لأنه فسخ حكمي بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة. قال: وإذا عقل عنه لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره لأنه تعلق به حق الغير ولأنه قضى به القاضي، ولأنه بمنزلة عوض ناله كالعوض في الهبة، وكذا لا يتحول ولده وكذا إذا عقل عن ولده لم يكن لكل واحد منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بدون علمه، وإلزام شيء على الآخر من غير علم به ضرر لا محالة؛ لأن فيه جعل عقد الرجل البالغ كلا عقد، وفيه إبطال فعله بدون علمه.
م: (بخلاف ما إذا عقد الأسفل مع غيره بغير محضر من الأول) ش: أي من المولى الأعلى حيث يجوز هذا م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الأسفل مع غيره م: (فسخ حكمي) ش: لأن انتقاض العقد في حق الأول ضرورة صحة العقد مع الثاني، فصار م: (بمنزلة العزل الحكمي في الوكالة) ش: حيث يجوز كما ذكرنا.
فإن قيل: لماذا يجعل صحة العقد مع الثاني موجبة فسخ العقد الأول؟
أجيب: بأن الولاء كالنسب، والنسب ما دام ثابتا من إنسان لا يتصور ثبوته من غيره، فكذلك الولاء، فعرفنا أن من ضرورة صحة العقد مع الثاني بطلان العقد الأول.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا عقل عنه) ش: أي المولى الأعلى إذا عقل عن المولى الأسفل م: (لم يكن له أن يتحول بولائه إلى غيره؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (تعلق به حق الغير) ش: أي تعلق بولاية حق الغير وهو المولى الذي والاه أولا.
م: (ولأنه قضى به القاضي) ش: أي ولأن الشأن قضى بموجب الجناية على القاضي الولي الذي عقل عنه، فتأكد به الولاء؛ ولأن القضاء بموجب الشيء قضاء بتقريره ذلك الشيء، وإن كان كذلك صار بمنزلة المجمع عليه بعد أن كان مجتهدا فيه، فنفد عند الكل فلا ينفسخ.
م: (ولأنه بمنزلة عوض ناله) ش: أي، ولأن عقل المولى عنه صار بمنزلة عوض مال المولى الأسفل م: (كالعوض في الهبة) ش: فإن الموهوب له إذا عوض للواهب عن هبة لم يبق له الرجوع فكذلك هذا م: (وكذا لا يتحول ولده) ش: أي إذا كان للمولى الأسفل ولد لم يكن لولده أن يتحول إلى غير المولى الأعلى لتعلق حق ثبت له في ولاء ابنه وهو يحمل العقد عن أبيه.
وفي " المبسوط ": لا يتحول الولد بعد الكبر إلى غيره؛ لأن ولاء الأب تأكد بعقل الجناية فأكد التبع بتأكد الأصل، فكما ليس للأب أن يتحول بعدما عقل، فكذا ليس لولده ذلك إذا كبر. م: (وكذا إذا عقل عن ولده) ش: أي كما لا يجوز أن يتحول إذا عقل عن المولى الأعلى عنه، فكذا لا يجوز له التحول إذا عقل ولده م: (لم يكن لكل واحد منهما) ش: أي من الوالد والولد م:

(11/37)


أن يتحول لأنهم في حق الولاء كشخص واحد. قال: وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحدا لأنه لازم ومع بقائه لا يظهر الأدنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(أن يتحول) ش: أي التحول إلى غيره م: (لأنهما في حق الولاء) ش: أي لأن المولى الأعلى، والمولى الأسفل وولده م: (كشخص واحد) ش: حكما، فكما لا يجوز للوالد التحول فكذا لولده.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس لمولى العتاقة أن يوالي أحدا؛ لأنه لازم) ش: أي لأن ولاء العتاقة لازم لا يحتمل النقض؛ لأن سببه العتق وهو لا يحتمل النقض بعد ثبوته كالنسب، وإذا لم يبطل فلا يفيد عقد الموالاة؛ لأن الموالاة أدنى م: (ومع بقائه) ش: أي مع بقاء ولاء العتاقة م: (لا يظهر الأدنى) ش: أي: عقد الموالاة، ألا ترى أن ولاء العتاقة والموالاة إذا كانا شخصين تقدم ولاء العتاقة في الإرث، فدل على أنه لا حكم له مع وجود ولاء العتاقة.
فوائد: ولو والت امرأة رجلا فولدت ولدا لا يعرف أبوه يدخل الولد في ولائها تبعا، وكذا إن أقرت أنها مولاة فلان وفي يدها طفل لا يعرف أبوه يدخل الولد في ولائها تبعا عند أبي حنيفة في الصورتين خلافا لهما فيهما. وفي " المحيط ": والى ذمي مسلما أو ذميا جاز وهو موالاة ولو أسلم على يد مولى ووالاه هل يصح لم يذكره في الكتاب. واختلفوا، قيل يصح وقيل لا يصح. والى رجلا ثم ولد له من امرأة والت آخر فولاء الولد لمولى الأب وكذا إن والت وهي حبلى، بخلاف ما إذا أعتقت وهي حبلى فولاء الولد لقوم أمه، والله أعلم بالصواب.

(11/38)