البناية شرح الهداية

كتاب الشفعة
الشفعة: مشتقة من الشفع وهو الضم سميت بها لما فيها من ضم المشتراة إلى عقار الشفيع.
قال: الشفعة واجبة للخليط في نفس المبيع،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]

[كتاب الشفعة]
[تعريف الشفعة]
م: (كتاب الشفعة)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الشفعة، وجه المناسبة مع كتاب الغصب من حيث إن كل واحد من الغاصب والشفيع يملك مال الغير بغير رضاه، إلا أن الغصب عدوان، والشفعة مشروعة فكان حقها التقديم، لكن معرفة أحكام الغصب أحوج لكثرة وقوعه ولا سيما في هذا الزمان، ولكثرة أسباب الغصب، بخلاف الشفعة وهو اتصال ملك العقار عندنا.

م: (الشفعة: مشتقة من الشفع، وهو الضم) ش: تقول: كان وترا فشفعته شفعا، والشفع خلاف الوتر وهو الزوج، والشفيع صاحب الشفعة، وصاحب الشفاعة أيضا، والتركيب يدل على مقارنة السببين، فلذلك قال: وهو الضم م: (سميت بها) ش: أي سميت الشفعة المصطلحة في الشرع م: (لما فيها من ضم المشتراة إلى عقار الشفيع) ش: أي لما في الشفعة من ضم العقار المشتراة إلى عقار الشفيع؛ لأنه يضم بسبب داره ملك جاره إلى نفسه، ومنه سميت الشفاعة؛ لأنها تضم المشفوع له إلى أهل الثواب.
وحدها في الشرع تملك المنفعة بما قام على المشتري بالشركة، أو الجوار، فكان فيها معناها اللغوي، وسببها أحد الأشياء الثلاثة؛ الشركة في العقار، والشركة في الحقوق، والجوار على سبيل الملاصقة. وعند الشافعي: لا يستحق بالجوار على ما يأتي. وقال الخصاف: الشفعة تجب بالبيع ثم تجب بالطلب، فيه إشارة إلى أن سببها كلاهما على التعاقب، وأنه غير صحيح؛ لأن الشفعة لما وجبت بالبيع كيف يتصور وجوبها ثانيا.
وقال شيخ الإسلام: الاتصال مع البيع علة لها؛ لأن حق الشفعة لا يثبت إلا بهما، ولا يجوز أن يقال بأن الشراء شرط، واتصال التسليم؛ لأنه حصل بعد وجود سبب الوجوب.

[حكم الشفعة وأسبابها]
م: (قال: الشفعة واجبة للخليط في نفس المبيع) ش: أي قال القدوري ومعنى واجبة ثابتة عند تحقق سببها لا أن يكون المراد بها لزوم الإثم عند تركها بالإجماع والخليط الشريك في البقعة وهو فعيل من المخالطة وهي المشاركة، والخلطة وهي الشركة. وأجمع العلماء على ثبوت الشفعة في شريك لم يقسم ربعه إلا الاسم وأبوه عليه قائما قالا: لا تثبت الشفعة

(11/274)


ثم للخليط في حق المبيع، كالشرب والطريق، ثم للجار. أفاد هذا اللفظ ثبوت حق الشفعة لكل واحد من هؤلاء وأفاد الترتيب. أما الثبوت فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة لشريك لم يقاسم»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بخلاف القياس، وأن القياس يأبى جوازها لأنها تملك على المشتري ملكه الصحيح بغير رضاه فإنه من نوع الأكل بالباطل، وكذا ذهب بعض أصحابنا، ويقال: إن القياس يأبى جوازها، ولكن تركنا القياس بالآثار المشهورة.
والأصح أنها أصل في الشرع فلا يجوز لأنها خلاف عن القياس، بل هي ثابتة على موافقة القياس.
م: (ثم للخليط في حق المبيع، كالشرب) ش: بكسر الشين م: (والطريق) ش: وهو الشريك الذي قاسم وبقيت له شركة في الطريق والشرب الخاصين، وإنما قيدنا بذلك لأنهما إذا كانا عامين لم يستحق بهما الشفعة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
م: (ثم للجار) ش: يعني الملاصق، أي ثم يثبت للجار خلافا للشافعي على ما يأتي م: (أفاد هذا اللفظ) ش: أي قال المصنف أفاد لفظ القدوري هذا وهو قوله للخليط في نفس المبيع ثم للخليط في حق المبيع ثم للجار م: (ثبوت حق الشفعة لكل واحد من هؤلاء) ش: أي من الخليطين والجار م: (وأفاد الترتيب) ش: حيث رتب الخليط في حق المبيع على الخليط في نفس المبيع، ثم رتب الجار عليهما.
وفي " الذخيرة ": صورته منزلا بين اثنين وسكة غير نافذة، باع أحد الشريكين نصيبه فالشريك الملاصق في المنزل أحق بالشفعة، فإن سلم فأهل السكة أحق، فإن سلموا فالجار وهو الذي على ظهر المنزل وباب داره في سكة أخرى، ومسألة الجار على وجهين إما أن تكون الدار المشتركة في سكة نافذة، وفي هذا الوجه جميع أهل السكة شفعاء الملاصق والمقابل في ذلك على السواء. وقد قيل الشفعة على أربع مراتب ويظهر ذلك في مسألتين: إحداهما: بيت في دار غير نافذة والبيت لاثنين والدار لقوم، فباع أحدهما نصيبه من البيت فالشفعة أولى للشريك في البيت، فإن سلم فلشريك الدار، فإن سلم فلأهل السكة، فإن سلموا فللجار الملاصق وهو الذي على ظهر المنزل وبابه في سكة أخرى.
والثاني: دار بين اثنين في سكة غير نافذة فالشفعة أولى في الدار، فإن سلم فللشريك في الحائط المشترك بين الدارين، فإن سلم فلأهل السكة، فإن سلموا فللجار الملاصق.
م: (أما الثبوت فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشفعة لشريك لم يقاسم» ش: هذا غريب،

(11/275)


ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جار الدار أحق بالدار والأرض ينتظر له وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولكن أخرج مسلم عن عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قضى رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الشفعة في كل شيء لم يقسم ربعه أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه به فهو أحق به» .
وأخرجه الدارقطني في "سننه" وقال لم يقل في هذا لم يقسم إلا ابن إدريس وهو من الثقات الحفاظ، وأخرج مسلم أيضا عن ابن وهب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به حتى يؤذنه» .
م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جار الدار أحق بالدار والأرض، ينتظر له وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا» .
ش: هذا مركب من حديثين، فصدر الحديث أخرجه أبو داود في البيوع، والترمذي في الأحكام، والنسائي في الشروط. وأبو داود، والنسائي، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن عن سمرة. والترمذي في الأحكام عن إسماعيل بن علية، عن سعيد، عن قتادة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «جار الدار أحق بدار الجار والأرض» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد في "مسنده" والطبراني في "معجمه" وابن أبي شيبة في "مصنفه"، وفي بعض ألفاظهم «جار الدار أحق بشفعة الدار» وأخرجه النسائي أيضا، عن عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة. وأخرجه أيضا، عن عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس مرفوعا «جار الدار أحق بالدار» .
فهذا الإسناد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ثم قال، وهذا الحديث إنما ورد في الجار الذي يكون شريكا دون الجار الذي ليس بشريك، يدل عليه ما أخبرنا وأسند «عن عمرو بن الشريد قال: كنت مع سعد بن أبي وقاص، والمسور بن مخرمة فجاء أبو رافع مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال لسعد بن مالك: اشتر مني بيتي الذي في دارك، فقال: لا إلا بأربعة آلاف منجمة، فقال: أما والله لولا أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "الجار أحق بشفعة ما بعتكها وقد أعطيتكها بخمسمائة دينار» ، انتهى.

(11/276)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: هذا معارض بما أخرجه النسائي وابن ماجه، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد، عن أبيه: «أن رجلا قال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرضي ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار، فقال الجار: أحق بشفعة ما كان» . وأخرجه الطحاوي ولفظه «ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار» .
وأخرجه ابن جرير الطبري في " التهذيب " ولفظه: «ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار» فهذا صريح بوجوبها للجوار لا شركة فيه تدل على سقوط تأويلهم الجار بالشريك، وعلى أن الجار الملازق تحجب له الشفعة وإن لم يكن شريكا، وبقية الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الجار أحق بشفعة جاره ينتظرها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا» .
وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ولا يعلم أحد روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر، وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث.
وقال في "مختصره" قال الشافعي: يخاف أنه لا يكون محفوظا. وسئل الإمام أحمد، عن هذا الحديث فقال هو حديث منكر، وقال يحيى: لم يحدث إلا عبد الملك وقد أنكره الناس عليه. وقال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير الملك تفرد به. وروي عن جابر خلاف هذا.
قلت: ذكر صاحب الكمال عن الثوري، وابن حنبل قالا: عبد الملك من الحفاظ، وكان الثوري يسميه الميزان. وعن أحمد بن عبد الله ثقة ثبت، وأخرج له مسلم في "صحيحه".

(11/277)


ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجار أحق بسقبه. قيل: يا رسول الله! ما سقبه؟ قال: شفعته» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الترمذي: ثقة مأمون عند أهل الحديث لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال روى عنه الثوري وشعبة وأهل العراق وكان من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، وليس من الإنصاف ترك شيخ ثبت بأوهام لهم في روايته، ولو سلكنا ذلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين.
وقال صاحب " التنقيح ": واعلم أن حديث عبد الملك بن أبي سليمان حديث صحيح ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة وهي «الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» فإن في حديث عبد الملك إذا كان طريقهما واحدا، وحديث جابر المشهور لم يثبت فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرف، فنقول إذا اشترك الجاران في المنافع كالبئر أو السطح أو الطريق فالجار أحق بسقب جاره لحديث عبد الملك.
وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع فلا شفعة لحديث جابر المشهور، وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح فيه، فإنه ثقة. وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، إنما كان حافظا وغير شعبة إنما طعن فيه تبعا لشعبة. وقد احتج بعبد الملك مسلم في "صحيحه"، واستشهد به البخاري.
م: (ولقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الجار أحق بسقبه، قيل: يا رسول الله! ما سقبه؟ قال: شفعته» ش: أخرج البخاري في "صحيحه"، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع مولى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «الجار أحق بسقبه» انتهى.
السقب: بفتح السين المهملة وفتح القاف وفي آخره باء موحدة القرب، يقال سقبه داره بالكسر والمنزل سقب، والساقب القريب، ويقال للبعيد أيضا جعلوه من الأضداد.
وقال إبراهيم الحربي: في كتابه " غريب الحديث ": الصقب بالصاد ما قرب من الدار ويجوز أن يقال: سقب فتكون السين عوض الصاد لأنه في أول الكلمة، وكذا لو كان في أول الكلمة خاء أو غين أو طاء فنقول صخر وسخر، وصدغ وسدغ، وصطر وسطر، فإن تقدمت هذه الحروف الأربعة السين لم تجز ذلك، فلا يقال خصر وخسر، ولا قصب وقسب، ولا غرس وغرص.
وفي " المغرب ": السقب القرب والاتصال، وأريد بالسقب هنا الساقب على معنى ذو السقب تسميته بالمصدر. وفي " الجمهرة ": يقال سقبته الدار وأسقبت لغتان فصيحتان، والمنزل

(11/278)


ويروى «الجار أحق بشفعته» . وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة بالجوار لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سقب وأسقب وأبيات القوم متساقبة أي متقاربة.
م: (ويروى «الجار أحق بشفعته» ش: قد ذكرنا عن قريب، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عند الترمذي «الجار أحق بشفعته ينتظر بها، وإن كان غائبا» . وروى إسحاق بن راهويه مسندا أخبرنا المحاربي وغيره، عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الجار أحق بشفعته» .
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" في كتاب أقضيته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثنا جرير، عن منصور، عن الحاكم، عن علي، وعبد الله قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة للجوار» . وروى ابن جرير الطبري في " التهذيب " حديث موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن الصامت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قضى أن الجار أحق بسقب جاره» .
وأخرجه ابن جرير أيضا، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أراد أحدكم أن يبيع عقاره فليعرضه على جاره» ، وأخرج ابن حبان في "صحيحه" حديث «الجار أحق بصقبه» من حديث أبي رافع وأنس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فظهر بمجموع هذه الأحاديث أن للشفعة ثلاثة أسباب الشركة في نفس المبيع، ثم في الطريق، ثم في الجوار.
وحكى الطبري أن القول بشفعة الجوار هو قول الشعبي وشريح وابن سيرين والحكم وحماد، والحسن وطاوس والثوري وأبي حنفية وأصحابه.
قلت: وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة أيضا. وفي " شرح الوجيز " عن ابن شريح كمذهب أبي حنيفة. قال القاضي الروياني: بعض أصحابنا يفتي به وهو الاختيار. وفي " الاستذكار " روى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد ابن أبي وقاص أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى شريح أن اقض بالشفعة للجار، فكان يقضي بها. وسفيان عن إبراهيم أن ميسرة قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذا حدت الحدود فلا شفعة. قال إبراهيم فذكرت لطاوس فقال: لا الجار أحق.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا شفعة بالجوار) ش: وكذا بالشركة في الحقوق كالطريق والشرب؛ لأن ذلك كالجوار وكذا فيما لا يتحمل القسمة كالنهر والبئر، وبه قال مالك، وأحمد، والأوزاعي، وأبو ثور، وابن ثور، وابن المنذر.
وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:

(11/279)


«الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» ولأن حق الشفعة معدول به عن سنن القياس؛ لما فيه من تملك المال على الغير من غير رضاه، وقد ورد الشرع به فيما لم يقسم، وهذا ليس في معناه لأن مؤنة القسمة تلزمه في الأصل دون الفرع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
«الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» ش: أخرج البخاري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال: «قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» وفي لفظ البخاري: «إنما جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» وهذا يقتضي أن جنس الشفعة فيما لم يقسم، إذ الألف واللام للجنس لعدم المعهود، والدليل عليه أنه قال في رواية: «إنما الشفعة فيما لم يقسم» وإنما كلمة الحصر، ويدل عليه أيضا فإذا صرفت الطرق، أي جعل لكل قسم طريقة على حدة فلا شفعة.
م: (ولأن حق الشفعة معدول به عن سنن القياس) ش: هذا دليل معقول للشافعي، والسنن بفتح السين الطريق، وتقريره أن حق الشفعة خارج عن مقتضى القياس م: (لما فيه) ش: أي في حق الشفعة م: (من تملك المال على الغير من غير رضاه) ش: وذا لا يجوز لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه» .
فكان الواجب أن لا يثبت حق الشفعة أصلا، لكن ثبت فيما لم يقسم على خلاف القياس، وهو معنى قوله م: (وقد ورد الشرع به) ش: أي بحق الشفعة م: (فيما لم يقسم) ش: لدفع ضرر مؤنة القسمة، فلا يلحق به غيره قياسا أصلا ولا دلالة إذا لم يكن في معناه من كل وجه.
م: (وهذا) ش: أي الجار م: (ليس في معناه) ش: أي ليس في معنى ما ورد به الشرع م: (لأن مؤنة القسمة تلزمه في الأصل) ش: فيما لم يقسم، وهو موضع الإجماع م: (دون الفرع) ش: وهو المقسوم، وهو موضع الخلاف. أراد أن الشفعة لدفع ضرر مؤنة القسمة لأنه يحتاج إلى أن يدفع من نفسه مطالبة القسمة ولا يمكنه إلا بالتملك عليه، وهذا المعنى لا يتحقق في الجار.

(11/280)


ولنا ما رويناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا: ما رويناه) ش: من الأحاديث المذكورة عن قريب. فإن قيل يطلق لفظ الجار على الشريك كما في قول الأعشى:
أيا جارتي فإنك طالق ... كذلك أمور الناس عاد وطارق
والمراد زوجته وهي شريكته في الفراش، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنما الشفعة فيما لم يقسم» نص على النفي عن غيره؛ لأن كلمة إنما للحصر، ولأن تعليلكم الاستحقاق بالجوار بسبب دفع ضرر الجوار منقوض بالجار المقابل وبالجار الملاصق بطريق الإجارة.
قلنا: حمل اسم الجار على الشريك ترك الحقيقة فلا دليل، وذا لا يجوز. ولأن آخر الحديث يأبى حمله على الشريك فإنه قال في آخره إن كان طريقهما واحدا. وفي حمله على الشريك يلغو هذا لأن بالشركة يستحق الشفعة سواء كان الطريق واحدا أو لا.
وقال الإمام الحلواني: تركوا العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته وصحته والعجب منهم أنهم سموا أنفسهم أصحاب الحديث فألزموا أنفسهم بترك العمل بالحديث بأصحاب الحديث.
وقد روى ابن سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عرض بيتا له على جاره فدل أن جميع البيت له، وسعد تأوله بالشريك ويبطل أيضا تأويله بالشريك ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، «عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قلت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرضي ليس لأحد فيها قسم ولا شريك إلا الجوار، قال: " الجار أحق بسقبه ما كان» ، وسمى الزوجة جارا لأنها تجاوره في الفراش؛ لأنها لا تشاركه. وما روي يدل على ثبوت الشفعة في الشركة وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه.
وأما رواية إنما الشفعة فليست بثبت، ولئن سلمنا ثبتها يقتضي نفي الشفعة الثابتة بسبب الشركة عملا بما روينا، أو يقتضي تأكيد المذكور بطريق الكمال كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7] وكما يقال إنما العالم في البلد زيد، أي الكامل فيه والمشهور به زيد، والشريك في البقعة كامل في سبب استحقاق الشفعة دون نفي غيره، بدليل سياق الحديث، فإنه قال في آخره: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» .
وعند الشافعي لا شفعة هناك أيضا، فكان آخر الحديث حجة لنا أيضا مع أنه قيل إن هذا من كلام الراوي لا من الحديث، فلو صح أنه من الحديث فمعنى قوله لا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق، فكان الموضع موضع إشكال؛ لأن في القسمة بمعنى المبادلة.

(11/281)


ولأن ملكه متصل بملك الدخيل اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال اعتبارا بمورد الشرع، وهذا لأن الاتصال على هذه الصفة إنما انتصب سببا فيه لدفع ضرر الجوار، إذ هو مادة المضار على ما عرف، وقطع هذه المادة بتملك الأصيل أولى؛ لأن الضرر في حقه بإزعاجه عن خطة آبائه أقوى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومما يشكل هل يستحق بها الشفعة، فبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه لا يستحق الشفعة بالقسمة، ولا يلزم الجار المقابل. ولأن الضرر هناك ليس بسبب اتصال الملك فلا يستحق رفعه بحق الملك، فإن الشفعة حق الملك فيتحقق به رفع ضرر يلحق بسبب اتصال الملك، ولهذا لم يثبت لجار السكنى كالمستأجر والمستعير؛ لأن جواره ليس بمستدام.
م: (ولأن ملكه) ش: أي ملك الشفيع م: (متصل بملك الدخيل) ش: أي متصل بما ملك المشتري بالشراء، وسماه دخيلا لأنه ليس بأصيل في الجوار، والأصل هو الجوار م: (اتصال تأبيد وقرار) ش: وفي بعض النسخ اتصال التأبيد والقرار وفي بعض النسخ اتصال تأبيد وقرار.
واحترز بالتأبيد عن المنقول والسكنى بالعارية والقرار عن المشتري شراء فاسدا؛ لأنه إقرار له لوجوب النقض رفعا للفساد م: (فيثبت له حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال) ش: أي إذا كان كذلك يثبت للشفيع حق الشفعة عند وجود المعاوضة بالمال احترز به عن الإجارة والمرهونة والمجعولة مهرا م: (اعتبارا بمورد الشرع) ش: أي إلحاقا بالدلالة بمورد الشرع وهو ما لا يقسم.
م: (وهذا لأن الاتصال على هذه الصفة) ش: هذا، كأنه جواب عن قوله: وهذا ليس في معناه، أي لا معنى لقوله، إذ الاتصال على هذه الصفة يعني اتصال التأبيد والقرار م: (إنما انتصب سببا فيه) ش: أي فيما ورد الشرع م: (لدفع ضرر الجوار إذ هو) ش: أي الجوار م: (مادة المضار) ش: من إيقاد النار، وإثارة الغبار، ومنع ضوء النهار، وأعلى الجدار للاطلاع على الصغار والكبار م: (على ما عرف) ش: سوء هذا بين الجيران.
م: (وقطع هذه المادة) ش: جواب إشكال وهو أن يقال الشفيع يتضرر بالدخيل والدخيل أيضا يتضرر بتملك الشفيع ما له عليه، فأجاب بأن قطع هذه المادة م: (بتملك الأصيل) ش: يعني الشفيع م: (أولى لأن الضرر في حقه بإزعاجه عن خطة آبائه أقوى) ش: لأن ملك المشتري لم يتقرر بعد، والمشتري رافع لتقرير ملكه؛ لأنه مضطر إلى البيع لو لم يوافقه المشتري والدفع أسهل من الرفع.

(11/282)


وضرر القسمة مشروع لا يصلح علة لتحقيق ضرر غيره. وأما الترتيب فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وضرر القسمة مشروع) ش: هذا جواب عن قول الشافعي لأن مؤنة القسمة تلزمه عند بيع أحد الشريكين؛ لأنه جعل العلة المؤثرة في استحقاق الشفعة عند البيع لزوم مؤنة القسمة، فإنه لو لم يأخذ الشفيع المبيع بالشفعة طالبه المشتري بالقسمة فيلحقه بسبب مؤنته، وذلك ضرر به فمكنه الشرع من أخذ الشفعة دفعا للضرر عنه.
وتقرير الجواب أن مؤنة القسمة أمر مشروع م: (لا يصلح علة لتحقيق ضرر غيره) ش: وهو التملك على المشتري من غير رضاه لدفع ضرر القسمة؛ لأنه ليس بضرر بل العلة هي دفع ضرر الجوار باتصال الملكين على الدوام.
فإن قلت: ضرر الدخيل موهوم، وربما يكون وربما لا يكون لأنه مسلم مميز عاقل وعقله ودينه يمنعانه عن إضرار الغير وضرر المشتري وهو أخذ الملك منه بلا رضاه متحقق، فلا يلتزم ضرر المتحقق لدفع ضرر موهوم. ولو كان ضرر الدخيل موجودا لا موهوما يمكن رفعه بالمرافعة إلى السلطان أو بالمقابلة قلت: لا نسلم أن ضرر الدخيل موهوم بل هو غالب، فإن الإنسان لا يمكنه الانتفاع بملكه مدة عمره ولا يتأذى من جاره، فما أجزأ من قال قبل حلوله لأنه إذا نزل ربما يمكن دفعه، وربما لا يمكن فلا فائدة إذن في الاشتغال بالدفع والضرر الذي يلحق من جهة الدخيل بعضه ظاهر وبعضه باطن. فلا يمكن رفع جميع ذلك إلى السلطان وفيه حرج. وربما يحصل ضرر في باب السلطان أي في المقابلة فوق ضرر سوء الصحبة، فلا يحمل إلا على الدفع الأدنى.
فإن قلت: العلة في استحقاق الشفعة للشريك دفع ضرر المقاسمة، فلا يتحقق هذا المعنى في الجار فلا يثبت له الشفعة. قلت: المقاسمة حق مستحق على الشريك فلا يكون من الضرر.
فإن قلت: في المملوك بالإرث والهبة والوصية لا يثبت الشفعة فينتقض عليكم.
قلت: عدم الثبوت في هذه الأشياء لقلة وجودها بخلاف البيع، وأيضا فإنها لو ثبت فيها إما أن يثبت بعوض فلا يمكن وهو ظاهر، أو بغير عوض فليس بمشروع في الشفعة.
م: (وأما الترتيب فلقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع» ش: هذا عطف على قوله أما الثبوت، قد مر أن لفظ القدوري دل على شيئين ثبوت الشفعة والترتيب. أما ثبوتها فبالأحاديث المذكورة، وأما الترتيب فلقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن لم يثبت

(11/283)


فالشريك في نفس المبيع، والخليط في حقوق المبيع والشفيع هو الجار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": هذا حديث لا يعرف. وأما المعروف ما رواه سعيد بن منصور، ثنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن المغيرة النسفي قال: قال الشعبي: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفيع أولى من الجار، والجار أولى من الجنب» . وقال في " التنقيح ": هشام وثقه ابن معين وقال: أبو حاتم لا بأس بحديثه، انتهى.
قلت: هذا الحديث رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن ابن المبارك به، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" في أثناء البيوع ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن الشعبي، عن شريح قال: الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من الجار، والجار أحق ممن سواه. ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن شريح قال: الخليط أحق من الجار، والجار أحق من غيره.
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"، عن إبراهيم النخعي قال: الشريك أحق بالشفعة، فإن لم يكن شريك فالجار، والخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق عمن سواه. وروى أبو يوسف، عن أشعب بن سوار، عن محمد بن سيرين، عن شريح أنه قال: الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من الجار، والجار أحق من غيره.

م: (فالشريك في نفس المبيع، والخليط في حقوق المبيع، والشفيع هو الجار) ش: وهذا كما قد ترى فسر الشريك بمن كان شريكا في نفس المبيع، والخليط بمن كان في حقوق المبيع وهما في اللغة سواء.
وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": فإن قال فقد جعلت هؤلاء الثلاثة شفعاء بالأسباب التي ذكرت فلم جعلت الشريك أولى من الشريك في الطريق ثم الجار. قيل له: لأن الشريك له شركة في الطريق وفي الدار بعينه وليس لصاحب الطريق حق في الدار، فلهذا صار هو أولى. وكذلك لصاحب الطريق حق في الطريق وليس في الطريق للجار ذلك، فلهذا صار هو أولى ثم الجار.
وقال القدوري في "شرحه لمختصر الكرخي ": وقد قالوا في الشريك إذا سلم الشفعة وجبت للشريك في الطريق، فإن سلمها وجبت للجار. وروي عن أبي يوسف أن الشفعاء إذا اجتمعوا فسلم الشريك الشفعة فلا شفعة لغيره؛ لأن عقد البيع وقع غير موجب للشفعة للجار، ألا ترى أنه لا يملك المطالبة بها فلا يثبت حقه إلا بتجديد بيع آخر أصله إذا استحدث الجوار.

(11/284)


ولأن الاتصال بالشركة في المبيع أقوى لأنه في كل جزء وبعده الاتصال في الحقوق؛ لأنه شركة في مرافق الملك، والترجيح يتحقق بقوة السبب، ولأن ضرر القسمة إن لم يصلح علة صلح مرجحا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكرخي في "مختصره": الشفعة تستحق عند أصحابنا جميعا بثلاثة معاني بالشركة، وفيما وقع عليه عقد البيع أو بالشركة في حقوق ذلك، أو بالجوار الأقرب، وتفسير ذلك دار بين قوم فيها منازل لهم فيها شركة بين بعضهم وفيها، ما هي مفردة لبعضهم وساحة الدار مرفوعة بينهم ينصرفون من منازلهم فيها، وباب الدار التي فيها المنازل في زقاق غير نافذ فباع بعض الشركاء في المنزل نصيبه من شريكه أو من رجل أجنبي بحقوقه من الطرق في الساحة وغيرها فالشريك في المنزل أحق بالشفعة من الشريك في الساحة، ومن الشريك في الزقاق الذي فيه باب الدار.
فإن سلم الشريك في منزله الشفعة فالشريك في الساحة أحق بالشفعة، وإن سلم الشريك في الساحة فالشريك في الزقاق الذي لا منفعة له الذي يشرع فيه باب الدار أحق بعد بالشفعة من الجار الملاصق جميع أهل الزقاق الذي طريقهم فيه شركاء في الشفعة من كان في أدناه وأقصاه في ذلك سواء.
فإن سلم الشريك في الزقاق فالجار الملاصق ممن لا طريق له في الزقاق بعد هؤلاء أحق، وليس بغير الملاصق من الجيران شفعة مما لا طريق له في الزقاق، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد. قال بشر بن الوليد وعلي بن الجعد سمعنا أن أبا يوسف قال: قال بعض أصحابنا: لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم نصيبه، وقال عامتهم للجار الشفعة، انتهى.
م: (ولأن الاتصال بالشركة في المبيع أقوى) ش: هذا دليل عقلي على الترتيب م: (لأنه) ش: أي لأن الاتصال م: (في كل جزء) ش: من أجزاء المبيع م: (وبعده) ش: أي بعد الاتصال بالشركة م: (الاتصال في الحقوق؛ لأنه شركة في مرافق الملك) ش: المرافق مواضع الرفق من صب الماء ورمي الكناسة وكسر الحطب وإيقاد النار والاستراحة في الخلاء ونحو ذلك وهو جمع مرفق بفتح الميم وكسر الفاء. وفي " العباب ": ومرافق الدار مصاب الماء ونحوها.
م: (والترجيح يتحقق بقوة السبب) ش: لوجود الاتصال بكل جزء من المبيع بجزء من ملكه، وقوة السبب يوجب الترجيح كالضرب، فلما كان أبلغ كان الألم أكثر م: (ولأن ضرر القسمة إن لم يصلح علة) ش: لاستحقاق الشفعة؛ لأن القسمة أمر مشروع م: (صلح مرجحا) ش: لا لكونه علة، ولا يلزم أن لا يصح للترجيح؛ لأن الترجيح، إنما يكون أبدا بزيادة وصف لا

(11/285)


وقال: وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط في الرقبة لما ذكرنا أنه مقدم. قال: فإن سلم فالشفعة للشريك في الطريق، فإن سلم أخذها الجار لما بينا من الترتيب، والمراد بهذا الجار الملاصق وهو الذي على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى. وعن أبي يوسف: أن مع وجود الشريك في الرقبة لا شفعة لغيره سلم أو استوفى لأنهم محجوبون به. ووجه الظاهر: أن السبب قد تقرر في حق الكل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصلح للعلية، فلهذا كان الشريك في نفس المبيع هو الشريك الذي لم يقاسم أولى من غيره كالأخ لأب وأم يترجح على الأخ لأب في الميراث بالعصوبة، وإن كانت العصوبة لا تستحق بالأم، وكما إذا تنازع المستأجر مع رب الطاحونة في عدم جريان الماء يرجح بالحال إن كان الماء جار في الحال يكون القول رب الطاحونة وإن كان منقطعا يكون للمستأجر.

[الشفعة للشريك في الطريق]
م: (قال: وليس للشريك في الطريق والشرب والجار شفعة مع الخليط في الرقبة لما ذكرنا أنه مقدم، قال: فإن سلم) ش: أي قال القدوري فإن سلم الخليط في الرقبة وهو الشريك في نفس المبيع م: (فالشفعة للشريك في الطريق، فإن سلم) ش: أي الشريك في الطريق م: (أخذها الجار لما بينا من الترتيب، والمراد بهذا الجار الملاصق) ش: وفي بعض النسخ الملاصق ولا اعتبار للجار المحاذي، خلافا لما روي عن شريح.
وفي " خلاصة الفتاوى " ثبت الشفعة بجواز دار الوقف. وفي " الواقعات " في باب الشفعة بعلامة الشين رجل له أرض وهي وقف عليه اشترى رجل أرضا أخرى بجنبها ليس لصاحب الأرض الموقوفة عليه شفعة؛ لأن الشفعة بحق المالك ولا ملك له م: (وهو) ش: أي الجار الملاصق م: (الذي على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى) ش: أي في زقاق أخرى. وفي الباب السكة الطريقة المصطفة من النخل، وإنما سميت الزقة سككا لاصطفاف الدور فيها وسكة الدراهم هي المنقوشة.
م: (وعن أبي يوسف: أن مع وجود الشريك في الرقبة لا شفعة لغيره سلم أو استوفى) ش: أي الشريك في الرقبة سواء أسلم شفعته أو استوفاها م: (لأنهم محجوبون به) ش: أي لأن الشريك في الطريق وغيره من الشفعاء محجوبون بالشريك في الرقبة والمحجوب لا شيء له مع وجود الحاجب كما في الميراث، فإن الأقرب ولو امتنع عن أحد الميراث لا يكون للأبعد، وقد ذكرناه عن قريب ناقلا عن " شرح مختصر الكرخي ".
م: (ووجه الظاهر: أن السبب) ش: أي وجه ظاهر الرواية أن السبب وهو الاتصال م: (قد تقرر في حق الكل) ش: ولهذا قلنا يجب للجار أن يطلب الشفعة مع الشريك إذا علم بالبيع حتى يتمكن من الأخذ إذا سلم الشريك، حتى لو لم يطلب بعد علمه بالبيع لا حق له بعد تسليم

(11/286)


إلا أن للشريك حق التقدم،
فإذا سلم كان لمن يليه بمنزلة دين الصحة مع دين المرض، والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها كما في منزل معين من الدار أو جدار معين منها، وهو مقدم على الجار في المنزل، وكذا على الجار في بقية الدار في أصح الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الشريك الشفعة ذكره في " المبسوط " م: (إلا أن للشريك حق التقدم) ش: أي الشريك في الرقبة أحق من الجار لما ذكرنا.

م: (فإذا سلم) ش: أي الشريك في الرقبة م: (كان لمن يليه بمنزلة دين الصحة مع دين المرض) ش: أي التي غير معروفة الأسباب في المرض مع ذي الصحة سواء، وقد مر في الإقرار م: (والشريك في المبيع قد يكون في بعض منها كما في منزل معين من الدار) ش: بأن كانت الدار كبيرة فكان فيها بيوت وفي بيت واحد شركة والشفعة بذلك دون الجار م: (أو جدار معين منها) ش: أي من الدار، صورته أرض بينهما غير مقسومة فبنيا حائطا في وسطها ثم اقتسما الباقي فيكون الحائط وما تحته مشتركا بينهما، فكان هذا الجار شريكا في بعض المبيع، فيكون مقدما على الشريك.
أما لو اقتسما الأرض قبل بناء الحائط وخط خطا في وسطها ثم أعطى كل واحد شيئا حتى بنيا حائطا فكل واحد جار في الأرض شريكا في البناء لا غير، والشركة في البناء لا غير لا يوجب الشفعة، كذا في " الذخيرة ".
م: (وهو مقدم) ش: أي الشريك في المبيع مقدم م: (على الجار في بقية الدار) ش: وكذا على الجار في بقية الدار م: (في أصح الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي وكذا الشريك في الجدار مع أرضه مقدم على الجار في بقية الدار. وفي " المغني ": ذكر القدوري أن الشريك في الأرض التي تحت الحائط يستحق الشفعة في كل المبيع عند محمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف فيكون مقدما على الجار في كل المبيع. وفي رواية عن أبي يوسف يستحق الشفعة في الحائط بحكم الشركة، وفي الباقي بحكم الجوار فيكون ذلك من جار آخر بينهما.
وقال الكرخي في "مختصره" قال أبو يوسف في دار بين رجلين ولرجل فيها طريق فباع أحدهما نصيبه من الدار فشريكه في الدار أحق بالشفعة في ذلك فالشفعة لصاحب الطريق قال وكذلك دار بين اثنين لأحدهما حائط بينه وبين رجل يعني فباع الذي له منزل في الحائط نصيبه من الدار والحائط، قال والشريك في الدار أحق بشفعة الدار ولا شفعة للشريك في الحائط وأرضه، وكذلك دار بين رجلين ولأحدهما بئر في الدار بينه وبين رجل آخر فباع له الشريك في البئر نصيبه من الدار والبئر فالشريك في الدار أحق بشفعة الدار، ولا شفعة

(11/287)


لأن اتصاله أقوى والبقعة واحدة، ثم لا بد أن يكون الطريق أو الشرب خاصا حتى تستحق الشفعة بالشركة فيه، فالطريق الخاص أن لا يكون نافذا، والشرب الخاص أن يكون نهرا لا تجري فيه السفن، وما تجري فيه فهو عام، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخاص أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلاثة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للشريك في البئر في الدار وله شفعة في البئر م: (لأنه اتصاله أقوى والبقعة واحدة) ش: لأن المنزل من حقوق الدار ومرافقه، ولهذا يدخل في بيع الدار متى ذكر كل حق هو لها.
وإذا كان المنزل من توابع الدار كانت الشركة في المنزل تبعا للدار وتبع الشيء بمنزلة وصفه وما يصلح صفة لا علة يصلح مرجحا لها كعدالة الشاهد.
وأراد بقوله: والبقعة واحدة أن الموضع الذي هو مشترك بين البائع والشفيع لا حق لثالث فيه، وذلك في حكم شيء واحد فإذا صار أحق بالبعض يكون أحق بالجميع.
م: (ثم لا بد أن يكون الطريق أو الشرب خاصا حتى تستحق الشفعة بالشركة فيه، فالطريق الخاص أن لا يكون نافذا، والشرب الخاص أن يكون نهرا لا تجري فيه السفن) ش: قال عبد الواحد: أراد السفن الصغيرة مثل الزورق حتى لو كان نهرا كبيرا يجري فيه الزورق فالجار أحق؛ لأن هؤلاء ليسوا شركاء في الشرب، وذكره في " المبسوط "، وفي " الذخيرة " النهر الكبير من يشرب منه لا يحصون.
واختلفوا في حد ما لا يحصى وما يحصى، قيل ما لا يحصى خمسمائة، وقيل أربعون، وقيل مائة، وقيل أصح ما قيل أنه مفوض إلى رأي كل مجتهد في زمانه إن رآهم كان كبيرا وإلا كان صغيرا م: (وما تجري فيه) ش: أي والذي يجري فيه السفن م: (فهو عام وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله) ش:
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الخاص أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلاثة) ش: أي أو يسقي منه ثلاثة أوجه، والقراح في الأرض كل قطعة ليس فيها شجر ولا بناء. وقال الأترازي: القرح الأرض البارزة التي لم يختلط بها شيء، والماء القراح الذي لا يخالطه شيء، كذا في " تهذيب الديوان "، انتهى.
قلت: قد فرق بينهما بالضم في الأول، والفتح في الثاني. وفي " العباب " القراح المزرعة التي ليس فيها بناء ولا عليها شجر.
وقال الكرخي في "مختصره" وقال هشام عن أبي يوسف في الساقية الصغيرة تسقي البستانين أو الثلاثة أو تسقي قطعتين أو ثلاثة أو نحو ذلك فصاحب الأرض والبستان له الشرب

(11/288)


وما زاد على ذلك فهو عام، فإن كانت سكة غير نافذة يتشعب منها سكة غير نافذة وهي مستطيلة فبيعت دار في السفلى فلأهلها الشفعة خاصة دون أهل العليا، وإن بيعت في العليا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في الساقية أحق مما بيع من الجار الذي له شرب في الساقية.
فإن ترك صاحب أحق مما بيع من الجار الذي له شرب في الساقية، فإن ترك صاحب الساقية شفعة فللجار أن يطلب الشفعة. وقال أبو يوسف: ليس في الأرض التي شربها من العظم شفعة إذا لم يجعل أبو يوسف العظم مثل الساقية بين القوم.
ثم قال الكرخي فيه وقال هشام: سألت محمدا عن النهر الذي يجري فيه السفن أيكون للذي لهم النهر الشفعة فيما بيع من ذلك النهر، قال نعم، قال محمد: ولكن ليس لهم الشفعة بهذا النهر في الأرضين التي شربها من هذا النهر، هذا بمنزلة الطريق النافذ وقال: وأما ما لا يجري فيه السفن فإنه بمنزلة الطريق غير النافذ فهم شفعاء بالأنهار في الأرضين التي شربها في النهر، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد. انتهى لفظه.
وقال القدوري في شرحه: أجرى محمد الحكم على جريان السفن؛ لأن ما تجري فيه السفن في حكم العظم فهو كالدجلة والفرات، وما لا يجري فيه السفن في حكم الصغير فهو كالزقاق الذي لا ينفذ. وقال الإمام الأسبيجابي: وفي " شرح الطحاوي " لو أن نهرا يسقي منه أراض معدودة وكروم معدودة فبيعت أرض من ذلك أو كرم منها فهم شفعاء فيها؛ لأنهم كلهم خلطاؤه فيها، وكان النهر عاما كأن الشفعة للجار الملاصق م: (وما زاد على ذلك) ش: أي على قراحين أو ثلاثة أقرحة م: (فهو عام) ش: إذا كان عاما لا يكون مستحقا للشفعة فيه بالشركة م: (فإن كانت سكة) ش: أي زقاق م: (غير نافذة) ش: بالرفع لأنها صفة السكة وليست بخبر لكانت؛ لأن كانت هنا تامة فلا تحتاج إلى خبر؛ لأن المعنى فإن وجدت سكة غير نافذة، وإنما ذكرها بالفاء تفريعا على مسألة القدوري م: (يتشعب منها سكة غير نافذة وهي مستطيلة) ش: أي والحال أنها مستطيلة هذه صورتها:
م: (فبيعت دار في السفلى أي في المتشعبة فلأهلها) ش: أي لأهل المتشعبة م: (الشفعة خاصة دون أهل العليا) ش: وفي أكثر النسخ وقدر أهل العليا وهو الأصح لأنه لا شركة لهم فيها ولا

(11/289)


فلأهل السكتين، والمعنى ما ذكرنا في كتاب أدب القاضي.
ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على قياس الطريق فيما بيناه.
قال: ولا يكون الرجل بالجذوع على الحائط شفيع شركة، ولكنه شفيع جوار لأن العلة هي الشركة في العقار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حق المرور، ولهذا لهم أن يفتحوا بابا منها سفلى فكانت كالمملوكة لأهلها. بخلاف الواحدة إذا بيعت دارا في أقصاها كانت الشفعة بين أهل السكة وإن لم يكن لأهل الأعلى حق المرور في حق الأقصى؛ لأن السكة إذا كانت واحدة والطريق واحد فيها فللكل فيها شركة من الأول إلى الآخر، إلا أن الشركة لأهل السفلى أكثر والترجيح لا يقع بالكثرة على ما عرف.
م: (وإن بيعت في العليا فلأهل السكتين) ش: أي وإن بيعت دار في السكة العليا فالشفعة لأهل السكتين جميعا؛ لأن لأهل السفلى لهم حق المرور فيها م: (والمعنى ما ذكر في كتاب أدب القاضي) ش: وهو أن حق المرور لأهل السفلى خاصة في الصورة الأولى، وفي الثانية لأهل السكتين جميعا، فكانوا سواء في الشفعة.

[الشفعة في النهر الصغير]
م: (ولو كان نهر صغير يأخذ منه نهر أصغر منه فهو على قياس الطريق) ش: يعني لو بيع أرض متصلة بالنهر الأصغر فالشفعة لأهله لا أهل الصغير كما ذكرنا الحكم في السكة المتشعبة مع السكة المستطيلة.
قال القدوري في " شرح الكرخي ": إذا نزع منه نهر فبيعت أرض شربها من النهر النازع فأهل النهر النازع أحق بالشفعة من أهل النهر الكبير؛ لأنهم يختصون بشرب النهر النازع، فأهل النهر النازع أحق بالشفعة من أهل النهر الكبير فإن بيعت أرض على النهر الكبير كان أهله وأهل النهر النازع سواء في الشفعة؛ لأنهم سواء في استحقاق الشرب بالشركة في عمود النهر م: (فيما بيناه) ش: أي من استحقاق في الشفعة.

م: (قال: ولا يكون الرجل بالجذوع على الحائط شفيع شركة، ولكنه شفيع جوار) ش: أي قال المصنف: قال الكرخي في "مختصره": قال هشام سألت محمدا عن حائط بين دارين عليه خشب لصاحب هذه الدار ولصاحب الدار الأخرى فبيعت أحد الدارين فجاء صاحب الحائط يدعي الشفعة، وجار الجار يدعيها ولا يعلم أن الحائط بينهما لك بالخشب الذي قال محمد اسأل المدعي الشفعة البينة أن الحائط بينهما. وإن أقام بينة فهو أحق من الجار لأنه شريك، وإن لم يقم بينة لم أجعله شريكا، انتهى. وذلك لأن استحقاق الحائط بالخشب ظاهر في الملك والشفعة لا تستحق بالظاهر.
م: (لأن العلة هي الشركة في العقار) ش: أي لأن علة استحقاق الشفعة هي الاشتراك في

(11/290)


وبوضع الجذوع لا يصير شريكا في الدار لأنه جار ملازق
قال: والشريك في الخشبة تكون على حائط الدار جار لما بينا.
قال: وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم، ولا يعتبر اختلاف الأملاك. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي على مقادير الأنصباء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العقار م: (وبوضع الجذوع لا يصير شريكا في الدار لأنه جار ملازق) ش: أي موضع الجذوع على الحائط لا يصير شريكا في الدار وهو ظاهر، ولكنه يكون جارا ملاصقا يستحق الشفعة بعد الشريك في الرقبة.

[الشفعة في الخشبة تكون على حائط الدار]
م: (قال: والشريك في الخشبة يكون على حائط الدار جار) ش: والشريك مبتدأ وجار خبره، وقوله يكون على حائط صفة للخشبة، أي قال في بيوع " الجامع الصغير ": وصورتها فيه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة أنه قال الشريك في الطريق أحق بالشفعة من الجار، فأما الشريك بالخشب يكون له على حائط الرجل، فإنما هو جاره، انتهى.
وذلك لأنه لا يكون بموضع الخشب شريكا في شيء من الدار، وإنما له حق الشغل فكان جارا ملازما، فكان مؤخرا عن الشريك وقال الكاكي: وتأويله إذا كان وضع الخشبة على الحائط من غير أن يملك شيئا من رقبة الحائط لأنه إذا كان هكذا يكون جارا لا شريكا م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن العلة هي الشركة في العقار.

[الحكم لو اجتمع الشفعاء]
م: (قال: وإذا اجتمع الشفعاء فالشفعة بينهم على عدد رؤوسهم ولا يعتبر اختلاف الأملاك) ش: أي قال القدوري: م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هي) ش: أي الشفعة م: (على مقادير الأنصباء) ش: وهو قول منه. وفي " شرح الوجيز ": وهو الأصح وبه قال مالك وأحمد في المشهور عنه.
وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: الشفعة على عدد الرؤوس كقولنا، واختاره المزني وابن عقيل من أصحاب أحمد، وهو قول الشعبي والنخعي والثوري، وابن أبي ليلى وابن شبرمة، صورتها دار بين الثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر ثلثها وللآخر سدسها فباع صاحب النصف نصيبه وطلب الشريكان الشفعة، قضى القاضي بها بينهما نصفين عندنا، وعند الشافعي قضى بها ثلاثا، ثلثاها لصاحب الثلث، وثلثها لصاحب السدس على مقادير أنصبائهما.
ولو أن دارا بيعت ولها شفيعان جاران جوار أحدهما الثلاثة أرباع الدار وجوار الآخر لربعها وجوار أحدهما في قدر شبر من الدار وطلبا جميعا الشفعة يقضي بينهما نصفين، وعند الشافعي لا تجب الشفعة للجار، ولو حضر واحد من الشفعاء أولا وأثبت شفعته فإن القاضي يقضي له جميع الدار بالشفعة، ثم إذا حضر شفيع آخر وأثبت شفعته فإنه ينظر إن كان الثاني

(11/291)


لأن الشفعة من مرافق الملك، ألا يرى أنها لتكميل منفعته فأشبه الربح والغلة والولد والثمرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شفيعا مثل الأول قضي له بنصف الدار، فإن كان الثاني أولى من الأول بأن كان الأول جار وهذا خليط فإن القاضي يبطل شفعة الأول ويقضي بجميع الثاني.
وإن كان الثاني دون الأول في الشفعة فإن القاضي لا يقضي للثاني بالشفعة، وكذلك حكم الشراء. ولو أن رجلا اشترى دارا وهو شفيعها ثم جاء شفيع مثله قضى القاضي له بنصفها، وإن جاء شفيع آخر أول منه فإن القاضي يقضي له بجميع الدار فإن كان شفيع دونه فلا شفعة له، الكل لفظ " شرح الطحاوي ".
م: (لأن الشفعة من مرافق الملك) ش: أي فوائده؛ لأنه يستفاد به فيكون على قدر الملك م: (ألا يرى أنها لتكميل منفعته) ش: أي لأن الشفعة لتكميل منفعة الملك م: (فأشبه الربح) ش: يعني أن الشريكين إذا اشتريا شيئا ولم يشترطا شيئا، وقال أحدهما خمسة، وقال الآخر عشرة فحصل الربح كان الربح بينهما أثلاثا، الثلث لصاحب الخمس والثلثان لصاحب العشرة لأن الربح فرع المال وما لها كذلك م: (والغلة) ش: أي وأشبه غلة العقار المشترك بين اثنين أثلاثا يكون أثلاثا م: (والولد والثمرة) ش: أي وأشبه الولد من الجارية المشتركة أو البهيمة المشتركة يكون فيه الملك لكل واحد بقدر الملك في الأم. وكذلك ثمرة النخل المشترك.
ويشكل على هذا ثلاث مسائل، إحداها: كما لو أعتق اثنان نصيبهما في عبد مشترك بين ثلاث على التفاوت فالمعتقان إذا كانا موسرين يقومان مقام الثالث بالسوية.
والثانية: لو مات مالك الدار عن اثنين ثم مات أحدهما وله اثنان ثم باع أحد الاثنين نصيبه فالأخ والعم في الشفعة سواء مع تفاوت حصصهما.
والثالث: إذا مات الشفيع قبل أن يأخذ ورثة الشفيع أن يأخذوا ما كان يأخذه أبوه على العدد، وامرأته وابنه في ذلك سواء. وبهذه المسائل رجح المزني القول الثاني وهو قولنا.
فأجابوا عن مسألة العتق بأنه على القولين، وسلم أنه قول أحمد فالفرق أن ذلك ضمان إتلاف لا فائدة ملك، حتى يتقدر بقدره، وفيه ضعف.
وعن الثانية أن للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قولين في القديم وبه قال مالك الأخ مختص بالشفعة لأن ملكه أقرب إلى ملك الأخ، وفي الجد وهو وقول أبي حنيفة وأحمد والمزني أن العم والأخ يشتركان نظرا إلى الملك لا إلى سبب الملك، وعن الثالثة أن فيها قولين وعلى قول الاستواء أن أصل الاستحقاق باعتبار الإرث، وفي هذا لا يختلف، كذا في " شرح الوجيز "، وفي الكل ضعف كما ترى.

(11/292)


ولنا: أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال فيستوون في الاستحقاق. ألا يرى أنه لو انفرد واحد منهم استحق كمال الشفعة، وهذا آية كمال السبب، وكثرة الاتصال تؤذن بكثرة الغلة، والترجيح يقع بقوة في الدليل لا بكثرته، ولا قوة هاهنا لظهور الأخرى بمقابلته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولنا أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال فيستوون في الاستحقاق) ش: أراد أن الوجود من يسبب في حق كل واحد منهم مثل الوجود في حق الآخر في اقتضاء الاستحقاق، ألا ترى أن صاحب الكبير لو باع نصيبه كان لصاحب القليل أن يأخذ الكل كما لصاحب الكبير لو باع صاحب القليل، وهذا آية كمال السبب، فعلم أن علة الاستحقاق أصل الملك لا قدره.
م: (ألا يرى أنه) ش: توضيح لما قبله أن الشأن م: (لو انفرد واحد منهم استحق كمال الشفعة، وهذا آية كمال السبب) ش: أي علامة كمال السبب في حق كل واحد منهم م: (وكثرة الاتصال تؤذن بكثرة الغلة) ش: هذا جواب عما يقال الاتصال سبب الاستحقاق، وصاحب الكثير أكثر اتصالا فأنى يتساويان.
أجاب بقوله وكثرة الاتصال يؤذن أي يعلم بكثرة العلة؛ لأن الاتصال يؤذن أي يعلم بكثرة العلة؛ لأن الاتصال بكل جزء علة لما ذكرنا أن صاحب القليل لو انفرد استحق الجميع م: (والترجيح يقع بقوة في الدليل لا بكثرته) ش: أي بكثرة الدليل كما في الشاهدين وعشرة شهود، وجراحة واحدة وعشر جراحات ولهذا تنتصف الدية بين من جرح جراحة واحدة وبين من جرح أكثر.
م: (ولا قوة هاهنا لظهور الأخرى بمقابلته) ش: أي لم تظهر الأخرى بمقابلته، أي لم يظهر الترجيح في مسألتنا، إذ لو ظهر لكان المرجوح مدفوعا بالراجح وهاهنا لا يبطل حق صاحب القليل، فعرفنا أنه لا ترجيح في جانبه وهو معنى قوله الظهور الأخرى بمقابلة تحريره أن صاحب القليل لو كان مرجوحا في مقابلة حق صاحب الكثير لكان لا يظهر حق صاحب القليل في مقابلة حق صاحب الكثير لأن المرجوح مدفوع بالراجح وبه ظهر علم عدم الرجحان.
فإن قال الشافعي لا يلزمني ذلك الجواز أن تكون العلة الواحدة مبنية لكمال الحكم، ولكن عند الانضمام مع الأخرى يثبت استحقاق أحدهما أكثر مما يثبت عند الانفراد كما في الرجالة في الغنيمة إذا انفردوا يستحقون كل الغنيمة، وكذا الفرسان إذا انفردوا يستحقون الكل أيضا، وعند الاجتماع يقسم على التفاوت.
وكذا لو مات وترك بنتا وأختا فللبنت النصف والباقي للأخت أو للأخ بحق العصوبة، أما لو ترك بنتا وأختا كان النصف بينهما أثلاثا، فكذا هاهنا. وكذا لو كان الحائط المائل مشتركا

(11/293)


وتملك ملك غيره لا يجعل ثمرة من ثمرات ملكه، بخلاف الثمرة وأشباهها.
ولو أسقط بعضهم حقه، فهي للباقين في الكل على عددهم؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بين اثنين أثلاثا وأشهد عليهما ثم سقط وأصاب مالا أو نفسا فالضمان بينهما أثلاثا بقدر الملك، فيجب أن يكون في الشفعة كذلك.
قلنا: تفضيل الفارس بينته شرعا بخلاف القياس مع أن الفرس بانفراده لا يصلح علة الاستحقاق فيصلح مرجحا. أما في مسألتنا ملك كل جزء علة تامة للاستحقاق فلا تصلح مرجحا.
وأما مسألة الميراث فليست نظيرها؛ لأن نصيبه الأخ والأخت عند الانضمام باعتبار أن الشرع جعل عصوبة الأنثى بالذكر علة الاستحقاق نصف ما للذكر ولتفاوتهما في نفس العلة؛ لأن العلة مرجحة بعلة أخرى إذ العصوبة بالأخ غير العصوبة بالبنت، فإذا جاءت العصوبة بالأخ زالت العصوبة بالبنت، والعصوبة بالأخ متفاوتة شرعا، فلم يكن من قبل ترجيح العلة بالعلة.
وأما مسألة الحائط فقلنا: إن مات يخرج الحائط فالضمان عليهما نصفان لاستوائهما في العلة، وإن مات ينقل الحائط، قلنا: فالضمان عليهما أثلاثا؛ لأن التساوي في العلة لم يوجد إذا نقل نصيب صاحب القليل لا يكون كثقل نصيب صاحب الكثير، فكان هذا راجعا إلى ما يتولد من الملك كالولد والثمرة والشفعة ليست من ثمرات الملك.
م: (وتملك ملك غيره) ش: هذا جواب عما قاله الشافعي أن الشفعة من مرافق الملك، تقريره أن يقال: إن التمكن من التملك م: (لا يجعل ثمرة من ثمرات ملكه) ش: كالأب، فإن له التمكن من تملك جارية ابنه، ولا بعد ذلك من ثمرات ملكه م: (بخلاف الثمرة وأشباهها) ش: وأنها من ثمرات الملك؛ لأنها تحصل بلا اختيار، بخلاف الشفعة فإنها باختياره.

م: (ولو أسقط بعضهم حقه فهي للباقين في الكل على عددهم) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذا عندنا، وعند الثلاثة على قدر ملكهم، ولو أراد أن يأخذ حصته دون حصة الباقي ليس له ذلك بالإجماع؛ لأن في ذلك تفريق الصفقة والإضرار بالمشتري في تبعيض الملك عليه.
وهذا الذي ذكرنا قبل القضاء حتى لو قضى القاضي بالشفعة لأحدهما ثم سلم أحدهما نصيبه لم يجز للآخر أن يأخذ الجميع؛ لأنه لما قضى بالدار بينهما بالشفعة سار كل واحد منهما مقضيا عليه من جهة صاحبه فيما قضي به لصاحبه فبطل حق شفعته فيما قضي لصاحبه

(11/294)


لأن الانتقاص للمزاحمة مع كمال السبب في حق كل واحد منهم وقد انقطعت، ولو كان البعض غيبا يقضي بها بين الحضور على عددهم؛ لأن الغائب لعله لا يطلب،
وإن قضى لحاضر بالجميع ثم حضر آخر يقضي له بالنصف، ولو حضر ثالث فبثلث ما في يد كل واحد تحقيقا للتسوية، فلو سلم الحاضر بعدما قضى له بالجميع لا يأخذ القادم إلا النصف؛ لأن قضاء القاضي بالكل للحاضر قطع حق الغائب عن النصف بخلاف ما قبل القضاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ضرورة، وهكذا إذا قضى للخليط ثم سلم الشفعة لم يكن للشريك في المرافق أن يأخذ بالشفعة لبطلان حقه الضعيف بالقضاء. وكذا لو قضى للشريك في المرافق ثم سلم لم يكن للجار أن يأخذ لما ذكرنا، ذكره في " المبسوط ".
م: (لأن الانتقاص للمزاحمة مع كمال السبب في حق كل واحد منهم وقد انقطعت) ش: أي المزاحمة بالتسليم فبقي حقه في الجميع كالغرماء إذا تخاصموا من التركة فأسقط بعضهم حقه، سلمت التركة للباقين، وهذا كالقائل لاثنين إذا عفا ولي أحدهما فللآخر القصاص؛ لأن حقه ثبت في الجميع.
فإذا أبرأ الآخر فكأنه لم يكن وليس هذا كالبعد إذا قتل اثنين خطأ فعفا ولي الآخر يبقى حقه في نصف العبد، ويقال للمولى إما أن يدفع إليه نصف العبد أو الفدية؛ لأن جناية الخطأ مال، فإذا تعلقت الجنايتان بالرقبة تضايفت فيها فثبت لكل واحد منهما النصف، فإذا سلم الآخر المال بعد حق الباقي وليس كذلك الشفعة لأنها حق ليس بمال فهي بدم العبد أشبه.
م: (ولو كان البعض غيبا) ش: بفتح الغين والياء جمع غائب وفي " العباب ": وجمع الغائب غيب وغياب بضم الغين وتشديد الباء وغيب بالتحريك وإنما تثبت فيه البائع للتحريك لأنه أشبه بصيد وإن كان جمعا، وصيد مصدر قولك بعيرا صيد لأنه يجوز أن يسوي به المصدر م: (يقضي بها) ش: أي بالشفعة م: (بين الحضور) ش: أي بين الحاضرين وهو جمع حاضر كالركوع جمع راكع م: (على عددهم؛ لأن الغائب لعله لا يطلب) ش: يعني قد يطلب وقد لا يطلب فلا يترك حق الحاضرين بالشك.

م: (وإن قضى لحاضر بالجميع ثم حضر آخر يقضى له بالنصف) ش: بأن كان للدار شفيعان فحضر أحدهما حكم له بجميعها، فإن حضر الشفيع الآخر أخذ منه نصف الدار م: (ولو حضر ثالث) ش: أي شفيع ثالث م: (فبثلث ما في يد كل واحد تحقيقا للتسوية) ش: لأن الدار بينهم أثلاث على عددهم م: (فلو سلم الحاضر بعدما قضى له بالجميع لا يأخذ القادم إلا النصف؛ لأن قضاء القاضي بالكل للحاضر قطع حق الغائب عن النصف) ش: لأن الغائب صار مقضيا عليه في النصف، فلو أخذ الكل يصير مقضيا له في ذلك النصف م: (بخلاف ما قبل القضاء) ش: حيث

(11/295)


قال: والشفعة تجب بعقد البيع، ومعناه بعده لا أنه هو السبب؛ لأن سببها الاتصال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يأخذ الكل بعدما حضر لأنه لم يصر مقضيا عليه.
فإن قلت: القاضي لما قضى بالشفعة للحاضر ثبت له الملك من المشتري، فإذا سلم يكون بمنزلة الإقالة وفيها الشفعة فيأخذ الغائب النصف بالبيع الأول والنصف الآخر بهذا التسليم.
قلت: البيع الذي جرى بين البائع والمشتري لم ينفسخ أصلا وإنما الفسخ في حق الإضافة إلى المشتري، فإذا سلم عاد إلى المشتري القديم ملك الارتفاع المانع، فكانت القضية واحدة، والغائب صار مقضيا عليه في هذه القضية فلا يصير مقضيا له بعد ذلك فيها.
وفي " المبسوط " و" الذخيرة " شفيعان أحدهما حاضر والآخر غائب وقضى الحاضر بكل الدار فللغائب أن يأخذ نصفه، ولو جعل بعض الشفعاء نصيبه للآخر لم يصح الجعل وسقط حقه وقسمه على عدد من بقي، وإن قال الذي قضى له بالشفعة للآخر أنا أسلم لك الكل فإما أن يأخذ الكل أو يدع، فليس له ذلك، وللثاني أن يأخذ النصف.
ولو كان الحاضر لم يأخذها بالشفعة ولكن اشتراها من المشتري فحضر الغائب إن شاء أخذها كلها بالبيع الأول أو بالبيع الثاني؛ لأن الحاضر أسقط حقه بالإقدام على الشراء وخرج من الدين، ولو كان المشتري الأول شفيعا أيضا فاشتراها شفيع حاضر أيضا معه، فحضر الغائب إن شاء أخذ نصف الدار بالبيع الأول، وإن شاء أخذ الكل بالبيع الثاني، والله سبحانه وتعالى أعلم.

[موجب الشفعة]
م: (قال: والشفعة تجب بعقد البيع) ش: أي قال القدوري: م: (ومعناه بعده لا أنه هو السبب؛ لأن سببها الاتصال) ش: أي معنى قول القدوري يجب بعقد البيع أي بعد البيع؛ لأن البيع هو السبب للشفعة؛ لأن سبب الشفعة اتصال الأملاك، وقال السغناقي هذا التأويل والتعليل مخالف لعامة روايات الكتب من " المبسوط " و" الذخيرة "، و" المغني " وغيرها لما أنه صرح بأن سبب وجوبها البيع والشراء، وفساد تأويل الكتاب ظاهر، لما أن سبب ثبوتها لو كان الاتصال ينتفي.
أما لو سلم الشفعة وفسد قبل البيع يبطل شفعته ولم يبطل بالإجماع.
وأجيب: بأن هذا لا يلزم على المصنف؛ لأنه قال يثبت بعد فيكون البيع شرطا والشرط يمنع السبب عندنا عن الاتصال بالمحل، فتسليم الشفعة قبل العقد ككفارة اليمين قبل الحنث فلا يجوز لأن العقد شرط.
ورد بأنه لا اعتبار لوجود الشرط بعد تحقق السبب في حق صحة التسليم كأداء الزكاة قبل

(11/296)


على ما بيناه، والوجه فيه: أن الشفعة إنما تجب إذا رغب البائع عن ملك الدار والبيع يعرفها، ولهذا يكتفي بثبوت البيع في حقه حتى يأخذها الشفيع إذا أقر البائع بالبيع وإن كان المشتري يكذبه.
قال: وتستقر بالإشهاد ولا بد من طلب المواثبة لأنه حق ضعيف يبطل بالإعراض،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الحلول، وإسقاط الدين المؤجل قبل حلول الأجل. والجواب أن ذلك شرط الوجوب ولا كلام فيه، وإنما هو في شرط الجواز وامتناع المشروط قبل تحقق الشرط غير خاف على أحد، م: (على ما بيناه) ش: يعني قوله ولنا أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال، م: (والوجه فيه) ش: أي في هذا التأويل م: (أن الشفعة إنما تجب إذا رغب البائع عن ملك الدار والبيع يعرفها) ش: أي يعرف رغبة البائع عنه.
والحاصل: أن الاتصال بالملك سبب، والرغبة عن الملك شرط والبيع دليل على ذلك قائم مقامه، بدليل أن البيع إذا ثبت في حق الشفيع بإقرار البائع به صح له أن يأخذه وإن كذبه المشتري وهو معنى قوله م: (ولهذا يكتفي بثبوت البيع في حقه حتى يأخذها الشفيع إذا أقر البائع بالبيع وإن كان المشتري يكذبه) ش: قال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": الشفعة تجب برغبة البائع عن ملكه بدلالة أنه لو ادعى أنه باع داره من زيد فجحد زيد ذلك، وحيث الشفعة لأجل اعترافه بخروج الشيء عن ملكه وإن لم يحكم بدخوله في ملك المشتري، ثم قال وهذا المعنى هو سبب الشفعة، انتهى.
فإن قلت: ينتقض بما إذا باع بشرط الخيار له أو وهب وسلم فإن الرغبة عنه قد عرفت وليس للشفيع شفعة. قلت: في ذلك يرد دليل خيار البائع، بخلاف الإقرار فإنه يجبر به عن انقطاع ملكه عنه بالكلية لقبوله به كما زعمه، والهبة لا تدل على ذلك؛ لأن عرض الواهب المكافأة، ولهذا كان له الرجوع عنه فلا ينقطع حقه بالكلية.

[الشهادة على الشفعة]
م: (قال: وتستقر بالإشهاد) ش: أي قال القدوري: إن الشفعة تستقر بالإشهاد م: (ولا بد من طلب المواثبة) ش: وهو طلب الشفعة على السرعة، وإنما أضاف الطلب إلى المواثبة لتلبسها بها م: (لأنه حق ضعيف) ش: أي لأن الشفعة ذكر الضمير بالنظر إلى تذكير الخبر م: (يبطل بالإعراض) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة كحل العقال» أي قيدها ثبت وهو كناية عن سرعة

(11/297)


فلا بد من الإشهاد والطلب ليعلم بذلك رغبته فيه دون إعراضه عنه، ولأنه يحتاج إلى إثبات طلبه عند القاضي ولا يمكنه إلا بالإشهاد.
قال: وتملك بالأخذ إذا سلمها المشتري أو حكم بها الحاكم؛ لأن الملك للمشتري قد تم، فلا ينتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي أو قضاء القاضي كما في الرجوع في الهبة، وتظهر فائدة هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
السقوط، فكل ما هو كذلك لا بد من دليل يدل على الإعراض عنه أو دام عليه، والإشهاد والطلب يدلان على ذلك، فإذا كان كذلك م: (فلا بد من الإشهاد والطلب ليعلم بذلك رغبته فيه دون إعراضه عنه) ش: أي الطلب، قال في " شرح الطحاوي ": الطلب طلبان طلب مواثبة وطلب استحقاق. أما طلب المواثبة فعند سماع البيع من غير سكوت، ويشهد على طلبه شهودا ثم لا يمكث حتى يذهب إلى المشتري أو البائع إن كانت الدار في يده أو إلى الدار المبيعة.
وإن كانت الدار في يد المشتري إن شاء أشهد على المشتري بطلب الشفعة، وإن شاء شهد عند الدار، ولو طلب من البائع بطلت شفعته ويطلب عند واحد من هؤلاء طلبا آخر وهو طلب الاستحقاق ويشهد عليه شهودا، فإذا ثبت الشفيع شفعة بطلبين وأبى المشتري أن يسلمها إليه فهو على شفعته بعد ذلك بترك الطلب في ظاهر الرواية.
وروي عن محمد بن الحسن أنه قال: إذا مضى شهر لم يطلب مرة أخرى بطلت شفعته وهو أحد الروايتين عن أبي يوسف. وروي عنه في رواية أخرى له أن يطالب في كل مجلس من مجالس القاضي فإن ترك مجلسا من مجالس القاضي بطلت شفعته.
م: (ولأنه يحتاج إلى إثبات طلبه عند القاضي ولا يمكنه إلا بالإشهاد) ش: هذا دليل ثان على وجوب الإشهاد وهو ظاهر.

[كيفية تملك الشفعة]
م: (قال: وتملك بالأخذ) ش: أي قال القدوري أي تملك الشفعة بأخذ الدار المشفوعة م: (إذا سلمها المشتري أو حكم بها الحاكم؛ لأن الملك للمشتري قد تم) ش: التحقق سبب الملك وهو الشرط القاطع م: (فلا ينتقل إلى الشفيع إلا بالتراضي أو قضاء القاضي) ش: لأن تملك ملك الغير لا يجوز بدون رضاه، إلا أن الشرع جعل للشفيع حق التملك والمقاضاة، ولأنه عامة فإذا قضى بالشفعة، وأخذه الشفيع ملكها ولا يملك الشفيع الدار الأبعد قبل تسليم المشتري إليه أو قضاء القاضي، حتى إن المبيع لو كان كرما فأكل المشتري ثمان سنين فإنه لا يجوز مضمونا عليه ولا يطرح عن الشفيع شيء من الثمن لما أكل من ثماره إذا كانت الثمار حرثت بعدما قبض المشتري الكرم وكذا في " شرح الطحاوي " م: (كما في الرجوع في الهبة) ش: أي كما لا يصح الرجوع في الهبة إلا بالتراضي وقضاء القاضي؛ لأن الموهوب دخل في ملك الموهوب له فلا يخرج إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي لما ذكرنا آنفا م: (وتظهر فائدة هذا) ش: أي فائدة قوله ويملك

(11/298)


فيما إذا مات الشفيع بعد الطلبين، أو باع داره المستحق بها الشفعة أو بيعت دار بجنب الدار المشفوعة قبل حكم الحاكم، أو تسليم المخاصم لا تورث عنه في الصورة الأولى، وتبطل شفعته في الثانية، ولا يستحقها في الثالثة لانعدام الملك له. ثم قوله: تجب بعقد البيع بيان بأنه لا يجب إلا عند معاوضة المال بالمال على ما نبينه إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالأخذ م: (فيما إذا مات الشفيع بعد الطلبين) ش: أي طلب المواثبة وطلب التقرير، ويسمي طلب التقرير طلب الإشهاد أيضا م: (أو باع داره المستحق بها الشفعة أو بيعت دار بجنب الدار المشفوعة قبل حكم الحاكم أو تسليم المخاصم) ش: المشتري، وهذا يرجع إلى الصور الثلاث، وهي صورة الموت والتبيعين والشفيعين م: (لا تورث عنه في الصورة الأولى) ش: وهي ما إذا مات الشفيع بعد الطلبين قبل الأخذ.
م: (وتبطل شفعته في الثانية ولا يستحقها في الثالثة) ش: أي في الصورة الثانية وهي ما إذا باع داره المستحق بها الشفاعة قبل أخذ الدار المشفوعة؛ لأن سبب الشفعة اتصال ملك الشفيع بالدار المشفوعة بتسليم المخاصم، وهو المشتري أو بقضاء القاضي م: (لانعدام الملك له) ش: يعني لم يملك المشفوعة فكيف يملك بها غيرها.
م: (ثم قوله: تجب بعقد البيع) ش: يعني قول القدوري م: (بيان أنه لا يجب إلا عند معاوضة المال بالمال) ش: قال في " شرح الطحاوي ": والشفعة فيما إذا ملكت بعوض وهو عين مال، فأما إذا ملكت بغير عوض كالهبة والصدقة والوصية والميراث فلا شفعة فيها، وكذا لو ملك بعوض أي بغير مال، كما إذا جعله مهرا في النكاح أو بدل في الخلع أو صولح من دم عمد فلا شفعة فيه، ولو تزوجها على غير مهر مسمى ثم باع دارا من امرأته بذلك المهر أو تزوجها على غير مهر مسمى ثم باع داره بمهر المثل وجبت فيه الشفعة.
ولو تزوجها على الدار تزوجها على غير مسمى ثم فرض لها داره مهرا فلا شفعة فيها، ولو صالح على الدار من الجناية التي يوجب الأرش بعد القصاص تجب فيها الشفعة بالأرش.
ولو جعلها أجرة في الإجارات لا شفعة فيها؛ لأن بدلها ليس بعين مال م: (على ما نبينه إن شاء الله تعالى) ش: أي في باب ما تجب فيه الشفعة، وما لا تجب.

(11/299)